فتحُ المغيث
في التعليقِ على تيسيرِ مصطلحِ الحديثِ
للدكتور محمود الطحان
حققه وعلق عليه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(/)
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا كتابٌ جليل القدر،عظيم النفع،فقد اشتمل على غالب علوم الحديث،والتي يحتاجها طالب العلم اليوم،وهو كما ذكر مؤلفه - رحمه الله -كان مقررا في بعض الدول العربية .
وقد وضعت له نسخة ورد وحيدة على النت،ولما تصفحتها وجدتها مليئة بالأخطاء المطبعية،وهذا الكتاب - على أهميته - يحتوي على الملاحظات التالية :
1. كثير من الأحاديث والروايات فيه غير مخرجة بشكل دقيق .
2. الأحاديث المخرجة غير محكوم عليها صحة وضعفاً
3. هناك اختلاف بعدد من الروايات عن نصوصها الأصلية
4. هناك أحاديث وأقوال غير معزوة لمصدر محدد
5. القواعد التي فيه كثير منها غير معزو لمصدر
6. هناك اختصار في بعض القواعد مخل
7. هناك أدلة لبعض القواعد غير دقيقة أو ضعيفة لا تصلح للحجية
8. لا يوجد تشكيل بالأحاديث غالباً،ولاسيما نسخة الورد،والنسخة المطبوعة فيها تشكيل ما يحتاج إليه .
وغير ذلك من ملاحظات
وأما عملي في هذا الكتاب فكان كما يلي :
1. تصحيح الأخطاء المطبعية في الكتاب
2. تخريج الأحاديث كلها من مصادرها،والحكم عليها بما يناسبها صحةً وضعفاً إذا لم تكن في الصحيحين،دون تشدد ولا تساهل .
3. تشكيل جميع الأحاديث المذكورة في الكتاب
4.(1/1)
تشكيل ما يحتاج لتشكيل في الكتاب
5. التعليق على بعض القواعد بما يناسبها
6. الترجمة لكثير من الرجال،أو الكتب،مع ذكر مصدر الترجمة
7. النصوص التي وقع فيها بعض الخطإ ذكرتها من مصادرها على وجهها الصحيح
8. زدت بعض القواعد في الأصل أو التعليق لزيادة الفائدة
9. تغيير بعض الأدلة الضعيفة،واستبدالها بأدلة أدق منها
10. تحرير العديد من مواطن النزاع في علوم المصطلح
11. دمجت تعليقاتي مع تعليقات المؤلف،ولكني ميزت تعليقاتي عن تعليقات المؤلف بهذه الإشارة * وقد بلغت تعليقاتي أكثر من ( 600) تعليقا
12. عمل فهرس مفصل على برنامج الأوفيس
وغير ذلك مما تجده في التعليق على هذا الكتاب،بما يلبي حاجة كثير من طلاب العلم،وكلنا يؤخذ من قوله ويردُّ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام : {.. إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود
أسأل الله تعالى أن ينفع به مؤلفه ومحققه وقارئه وناشره في الدارين .
حققه وعلق عليه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
حمص في 13 ذو القعدة لعام 1428 هـ الموافق ل22/11/2007م
- - - - - - - - - - - - -(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة السابعة
الحمد الله الذي من علينا بنعمة الإسلام،وجعلنا من خُدام سُنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام،والصلاة والسلام على صفوته من خلقه وخاتم أنبيائه سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد:
فإن الله تعالى ـ وله الحمد والمنة ـ قد كتب لهذا الكتاب القبول لدى طلبة العلم عامة،والمشتغلين بالحديث وعلومه خاصة. فقد نفدت منه من حين طبعه الطبعة الأولى عام 1397هـ ـ 1977م إلى الآن ست طبعات. لذا رأيت طبعه الطبعة السابعة لدى مكتبة المعارف بالرياض .
ولما كان نص الكتاب غير مشكول،وفيه بعض الأخطاء،رأيت أن أقوم بشكل ما يُشكل لا سيما أسماء الأعلام،وكذلك تصحيح الأخطاء قدر المستطاع .
لذلك تعتبر هذه الطبعة متميزة عن سابقاتها من الطبعات بأمرين هما : الشَّكْل والتصحيح
وأسأل الله تعالى أن يديم النفع بهذا الكتاب،ويجعله خالصاً لوجهه الكريم. وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد،وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الكويت في غرة جمادي الآخر من عام 1405هـ
الموافق 21/2/1985م
وكتبه
العبد الضعيف
راجي عفو ربه المنان
أبوحفص محمود بن أحمد الطحان .
- - - - - - - - - - - - -(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي منَّ على المسلمين بإنزال القرآن الكريم،وتكفل بحفظه في الصدور والسطور إلى يوم الدين (1) ،وجعل من تتمة حفظه حفظ سنة سيد المرسلين.
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذي أوكل الله إليه تبيان ما أراده من التنزيل الحكيم بقوله تعالى: { .. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (44) سورة النحل،فقام - صلى الله عليه وسلم - مبينا له بأقواله وأفعاله وتقريراته بأسلوب واضح مبين .
والرضى عن الصحابة الذين تلقوا السنة النبوية عن النبي الكريم فوعوها،ونقلوها للمسلمين كما سمعوها خالصة من شوائب التحريف والتبديل.
والرحمة والمغفرة للسلف الصالح الذين تناقلوا السنة المطهرة جيلاً عن جيل. ووضعوا لسلامة نقلها وروايتها قواعدَ وضوابط دقيقة لتخليصها من تحريف المبطلين (2) .
والجزاء الخير لمن خلف السلف من علماء المسلمين ،الذين تلقوا قواعد راوية السنة وضوابطها عن السلف،فهذبوها ورتبوها وجمعوها في مصنفات مستقلة سميت فيما بعد بـ "علم مصطلح الحديث" (3)
أما بعد :
فعندما كلفتُ منذ سنوات بتدريس علم " مصطلح الحديث " في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وكان المقرر تدريس كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح،ثم قرر بدله مختصره كتاب " التقريب " للنووي . وجدت مع الطلبة بعض الصعوبات في دراسة هذين الكتابين ـ على جلالتهما وغزارة فوائدهما ـ دراسة نظامية،من هذه
__________
(1) - * قال تعالى :{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر
(2) - * عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَذَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ ».السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 10 / ص 209) برقم (21439)حسن لغيره
(3) - يطلق على هذا العلم أيضا ، علم الحديث دراية و علوم الحديث وأصول الحديث(1/4)
الصعوبات،التطويل في بعض الأبحاث،لا سيما في كتاب ابن الصلاح (1) . ومنها الاختصار في البعض الآخر،لا سيما في كتاب النووي (2) ،ومنها صعوبة العبارة،ومنها عدم تكامل بعض الأبحاث (3) وذلك كترك التعريف مثلا أو إغفال المثال أو عدم ذكر الفائدة من هذا البحث أو ذاك . أو عدم التعريج على ذكر أشهر المصنفات،وما أشبه ذلك . ووجدت غيرهما من كتب الأقدمين في هذا الفن كذلك،بل إن بعض تلك الكتب غير شامل لجميع علوم الحديث،وبعضها غير مهذب ولا مرتب وعذرهم في ذلك هو إما وضوح الأمور التي تركوها بالنسبة لهم . أو الحاجة لتطويل بعض الأبحاث بالنسبة لزمنهم . أو غير ذلك مما نعرفه أو لا نعرفه .
فرأيت أن أضع بين أيدي الطلبة في كليات الشريعة كتاباً سهلا في مصطلح الحديث وعلومه ييسر عليهم فهم قواعد الفن ومصطلحاته،وذلك بتقسيم كل بحث إلى فقرات مرقمة متسلسلة،مبتدئا بتعريفه،ثم بمثاله،ثم بأقسامه مثلا .... مختتما بفقرة " أشهر المصنفات فيه " كل ذلك بعبارة سهلة،وأسلوب علمي واضح ليس فيه تعقيد ولا غموض،ولم أعرج على كثير من الخلافات والأقوال وبسط المسائل مراعاة للحصص الزمنية القليلة المتخصصة لهذا العلم في كليات الشريعة وكليات الدراسات الإسلامية.
وسميته " تيسير مصطلح الحديث " ولست أرى أن هذا الكتاب يغني عن كتب العلماء الأقدمين في هذا الفن،وإنما قصدت أن يكون مفتاحاً لها،ومذكراً بما فيها،وميسرا للوصول إلى فهم معانيها،وتظل كتب الأشعة والعلماء الأقدمين مرجعاً للعلماء والمتخصصين في هذا الفن،ومعينا فياضاً ينهلون منه .
__________
(1) - كبحث معرفة كيفية سماع الحديث وتجمله وصفة ضبطه ، فقد استغرق / 46 / صفحة .
(2) - كبحث " الضعيف " مثلا لم يتجاوز تسع عشرة كلمة .
(3) - * مثال ذلك اقتصار النووي في بحث المقلوب على ما يلي : " المقلوب " هو نَحْو حديثٍ مَشْهُور عن سَالمٍ, جُعِلَ عن نافع ليُرغبَ فيه./ وقلب أهل بغداد على البخاري مائة حديث امتحانا فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 226)(1/5)
ولا يفوتني أن أذكر أنه صدر في الآونة الأخيرة كتب لبعض الباحثين فيها الفوائد الغزيرة لا سيما الرد على شبه المستشرقين والمنحرفين،لكن بعضها مطول،وبعضها مختصر جدا وبعضها غير مستوعب (1) ،فأردت أن يكون كتابي هذا وسطا بين التطويل والاختصار ومستوعباً لجميع الأبحاث.
والجديد في كتابي هذا هو :
التقسيم،أي تقسيم كل بحث إلى فقرات مرقمة،مما يسهل على الطالب فهمه (2)
التكامل في كل بحث من حيث الهيكل العام للبحث،من ذكر التعريف والمثال والخ ...
الاستيعاب لجميع أبحاث المصطلح بشكل مختصر .
أما من حيث التبويب والترتيب فقد استفدت من طريقة الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها فإنه خير ترتيب توصل إليه ـ رحمه الله ـ،وكان جلَّ اعتمادي في المادة العلمية على " علوم الحديث " لابن الصلاح،ومختصر " التقريب " للنووي وشرحه " التدريب " للسيوطي.
وجعلت الكتاب من مقدمة وأربعة أبواب،الباب الأول في الخبر،الباب الثاني في الجرح والتعديل،والباب الثالث في الرواية وأصولها،والباب الرابع في الإسناد ومعرفة الرواة.
وإنني إذ أقدم هذا الجهد المتواضع لأبنائنا الطلبة اعترف بعجزي وتقصيري في إعطاء هذا العلم حقه ولا أبريء نفسي من الزلل والخطأ،فالرجاء ممن يطلع فيه على زلة أو خطأ أن ينبهني عليه مشكوراً،لعلي أتداركه وأرجو الله تعالى أن ينفع به الطلبة والمشتغلين بالحديث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم
================
__________
(1) -* وأفضلها أصول الحديث لأستاذنا د- محمد عجاج الخطيب ، وكتاب منهج النقد في علوم الحديث لأستاذنا د- نور الدين عتر وهما كتابان قيِّمان
(2) -لقد استفدت في موضوع تقسم البحث إلى فقرات من كبار أساتذتي ، كالأستاذ مصطفى الزرقاء في كتابه " الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد " والأستاذ الدكتور معروف الداوليبي في كتابه " أصول الفقه " والأستاذ الدكتور محمد زكي عبد البر في مذكرة وضعها لنا ـ عندما كنا طلاباً في كلية الشريعة بجامعة دمشق ـ على كتاب الهداية للمرغيناني ،فكان لهذا التقسيم المبتكر أعظم الأثر في فهم تلك العوم بسهولة ويسر، بعد أن كنا نقاسي كثيراً في فهمها واستيعابها .(1/6)
المقدمةُ
نبذة تاريخية عن نشأة علم المصطلح والأطوار التي مر بها .
أشهر المصنفات في علم المصطلح .
تعريفات أولية.
نبذة تاريخية عن نشأة علم المصطلح والأطوار التي مر بها
يلاحظ الباحث المتفحص أنَّ الأسس والأركان الأساسية لعلم الرواية ونقل الأخبار موجودة في الكتاب العزيز والسنة النبوية،فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات . وجاء في السنة عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ». (1)
ففي هذا الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف مبدأ التثبت في أخذ الأخبار وكيفية ضبطها بالانتباه لها ووعيها والتدقيق في نقلها للآخرين.
وامتثالا لأمر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتثبتون في نقل الأخبار وقبولها،لا سيما إذا شكُّوا في صدق الناقل لها،فظهر بناء على هذا موضوع الإسناد وقيمته في قبول الأخبار أو ردِّها،فقد جاء في مقدمة صحيح مسلم عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : " لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ". (2)
وبناء على أن الخبر لا يقبل إلا بعد معرفة سنده،فقد ظهر علم الجرح والتعديل،والكلام على الرواة،ومعرفة المتصل أو المنقطع من الأسانيد،ومعرفة العلل الخفية،وظهر الكلام في بعض الرواة لكن على قلة،لقلة الرواة المجروحين في أول الأمر .
__________
(1) -* سنن أبى داود برقم (3662 ) صحيح
(2) -* صحيح مسلم برقم (27 )(1/7)
ثم توسع العلماء في ذلك حتى ظهر البحث في علوم كثيرة تتعلق بالحديث من ناحية ضبطه وكيفية تحمله وأدائه،ومعرفة ناسخه من منسوخه وغريبه وغير ذلك،إلا أن ذلك كان يتناقله العلماء شفوياً
ثم تطور الأمر وصارت هذه العلوم تكتب وتسجل،لكن في أمكنة متفرقة من الكتب ممزوجة بغيرها من العلوم الأخرى؛ كعلم الأصول وعلم الفقه وعلم الحديث،مثل كتاب الرسالة وكتاب الأم للإمام الشافعي رحمه الله .
وأخيرا لما نضجت العلوم واستقر الاصطلاح،واستقل كل فنٍّ عن غيره،وذلك في القرن الرابع الهجري،أفرد العلماء علم المصطلح في كتاب مستقل،وكان من أول من أفرده بالتصنيف القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفي سنة 360هـ في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" (1) : وسأذكر أشهر المصنفات في علم المصطلح من حين إفراده بالتصنيف إلى يومنا هذا .
أشهرُ المصنفات في علم المصطلح
1- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي :
صنفه القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى في سنة 360هـ لكنه لم يستوعب أبحاث المصطلح كلها،وهذا شأن من يفتتح التصنيف في أي فن أو علم غالباً .
2- معرفة علوم الحديث :
صنفه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفي سنة 405هـ لكنه لم يهذب الأبحاث ولم يرتبها الترتيب الفني المناسب .
3- المستخرج على معرفة علوم الحديث :
__________
(1) - انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ [ جزء 3 - صفحة 905 ]برقم (870 ) وفي سير أعلام النبلاء [ مشكول + موافق للمطبوع ] - (ج 31 / ص 80)برقم (55 )- الرَّامَهُرْمُزِيُّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلاَّدٍ الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارعُ، مُحَدِّثُ العجمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلاَّدٍ الفَارِسِيُّ الرَّامَهُرْمُزِيُّ القَاضِي، مصَنِّفُ كِتَابِ (المُحَدِّثِ الفَاصلِ بينَ الرَّاوِي وَالوَاعِي)فِي عُلومِ الحَدِيْثِ، وَمَا أَحسنَهُ مِنْ كِتَابٍ! (16/75)(1/8)
صنفه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفى سنة 430هـ،استدرك فيه على الحاكم ما فاته في كتابة " معرفة علوم الحديث " من قواعد هذا الفن،لكنه ترك أشياء يمكن للمتعقب أن يستدركها عليه أيضاً .
4-الكفاية في علم الرواية :
صنفه أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي المشهور المتوفى سنة 463هـ،وهو كتاب حافل بتحرير مسائل هذا الفن،وبيان قواعد الرواية،ويعتبر من أجلِّ مصادر هذا العلم "
5- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع:
صنفه الخطيب البغدادي أيضا،وهو كتاب يبحث في آداب الرواية كما هو واضح من تسميته وهو فريد في بابه،قيِّم في أبحاثه ومحتوياته،وقلَّ فن من فنون علوم الحديث إلا وصنف الخطيب فيه كتاباً مفرداً،فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة : " كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عِيال على كُتبه " (1)
6- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع :
صنفه القاضي عياض بن موسي اليحصبي المتوفى سنة 544هـ،وهو كتاب غير شامل لجميع أبحاث المصطلح،بل هو مقصور على ما يتعلق بكيفية التحمل والأداء وما يتفرغ عنها لكنه جيد في بابه،حسن التنسيق والترتيب .
7-مالا يسع المحدث جهله :
صنفه أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانجي المتوفى سنة 580هـ،وهو جزء صغير ليس فيه كبير فائدة .
8- علوم الحديث :
__________
(1) - *التعديل والتجريح - (ج 1 / ص 67)- التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح تأليف الحافظ أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد ابن أيوب الباجي المالكي (403 - 474 ه / 1012 - 1081 م) دراسة وتحقيق أحمد البزار أستاذ بكلية اللغة العربية بمراكش(1/9)
صنفه أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المشهور بابن الصلاح المتوفى سنة 643هـ وكتابه هذا مشهور بين الناس بـ " مقدمة ابن الصلاح " وهو من أجود الكتب في المصطلح جمع فيه مؤلفه ما تفرق في غيره من كتب الخطيب ومن تقدمه،فكان كتاباً حافلاً بالفوائد،لكنه لم يرتبه على الوضع المناسب لأنه أملاه شيئياً فشيئاً،وهو مع هذا عمدة من جاء بعده من العلماء فكم من مختصر له وناظم ومعارض له ومنتصر . (1)
9- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير :
صنفه محيي الدين يحيي بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ،وكتابه هذا اختصار لكتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح،وهو كتاب جيد،لكنه مغلق العبارة أحياناً .
10- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي :
صنفه جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ،وهو شرح لكتاب تقريب النواوي كما هو واضح من اسمه،جمع فيه مؤلفه من الفوائد الشيء الكثير (2)
11- نظم الدرر في علم الأثر:
صنفها زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806هـ ومشهورة باسم "ألفية العراقي " نظم فيها " علوم الحديث " لابن الصلاح،وزاد عليه وهي جيدة غزيرة الفوائد وعليها شروح متعددة،منها شرحان للمؤلف نفسه .
12- فتح المغيث في شرح ألفية الحديث :
صنفه محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902هـ،وهو شرح على ألفية العراقي،وهو من أوفى شروح الألفية وأجودها .
13- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر:
__________
(1) -* له طبعات كثيرة أهمها بتحقيق أستاذنا الدكتور نور الدين عتر
(2) - * بل والتحقيقات العلمية النادرة ، وله طبعات كثيرة ، ومنها طبعة في ملتقتى أهل الحديث والشاملة 2(1/10)
صنفه الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ،وهو جزء صغير مختصر جداً،لكنه من أنفع المختصرات وأجودها ترتيباً،ابتكر فيه مؤلفه طريقة في الترتيب والتقسيم لم يُسْبَق إليها،وقد شرحه مؤلفه بشرح سماه " نزهة النظر " كما شرحه غيره . (1)
14- المنظومة البيقونية :
صنفها عمر بن محمد البيقوني المتوفى سنة 1080هـ،وهي من المنظومات المختصرة،إذ لا تتجاوز أربعة وثلاثين بيتاً،وتعتبر من المختصرات النافعة المشهورة،وعليها شروح متعددة . (2)
15- قواعد التحديث:
صنفه محمد جمال الدين القاسمي المتوفى سنة 1332هـ وهو كتاب محرر مفيد .
وهناك مصنفات أخرى كثيرة يطول ذكرها اقتصرت على ذكر المشهور منها،فجزى الله الجميع عنا وعن المسلمين خير الجزاء . (3)
==============
__________
(1) - * وله طبعات كثيرة أهمها بتحقيق أستاذنا -د نور الدين عتر
(2) - * ولها شرح مفيد للشيخ عبد الله سراج الدين
(3) - * وهناك مصنفات أخرى هامة منها :
1-ألفية السيوطي في علم الحديث وهي حوالي ألف بيت من الرجز ، وقد اشتملت على جل علوم الحديث وفيها زيادات عن ألفية العراقي ، ولها شرح عدة ومنها شرح مختصر وقيم للعلامة أحمد شاكر
2- الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث لابن كثير الدمشقي ، وفيه زيادات على مقدمة ابن الصلاح ، وقد علق عليه وحققه العلامة أحمد محمد شاكر ، وفيه فوائد قيمة
3-الحديث النبوي تأليف محمد الصباغ وهو كتاب نافع طبع المكتب الإسلامي
4- المفصل في علوم الحديث لي وهو أشمل كتاب في مصطلح الحديث وهو في صيد الفوائد وغيرها .
وغير ذلك(1/11)
تعريفاتٌ أوليةٌ
1-علم المصطلح :
علم بأصول وقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد.
2- موضوعه:
السند والمتن من حيث القبول والرد.
3- ثمرتُه :
تمييز الصحيح من السقيم من الأحاديث.
4- الحديث:
لغة: الجديد. ويجمع على أحاديث على خلاف القياس .
اصطلاحا : ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة. (1)
5- الخَبَر:
لغة: النبأ . وجمعه أخبار .
اصطلاحاً: فيه ثلاثة أقوال وهي:
1) هو مرادف للحديث: أي إن معناهما واحد اصطلاحاً.
2) مغاير له: فالحديث ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . والخبر ما جاء عن غيره .
3) أعم منه:أي إن الحديث ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخبر ما جاء عنه أو عن غيره.
6- الأثَر:
أ) لغة: بقية الشيء.
ب) اصطلاحاً: فيه قولان هما:
1) هو مٌرادف للحديث: أي أن معناهما واحد اصطلاحاً.
__________
(1) -* إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - (ج 1 / ص 68) ومذكرة أصول الفقه - (ج 1 / ص 39 ) والأصول من علم الأصول - الرقمية - (ج 1 / ص 57) وبحوث في علم أصول الفقه - (ج 1 / ص 54) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 83) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 156)(1/12)
2) مٌغاير له: وهو ما أٌضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال.
7- الإسناد: له معنيان:
أ) عَزْو الحديث إلى قائله مسنداً .
ب) سلسلة الرجال المٌوصلة للمتن . وهو بهذا المعنى مرادف للسند .
8- السند:
أ) لغة: المعتمد. وسمي كذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه .
ب) اصطلاحا: سلسلة الرجال الموصلة للمتن.
9- المتن:
أ) لغة: ما صلب وارتفع من الأرض.
ب) اصطلاحاً: ما ينتهي إليه السند من الكلام.
10- المٌسْنَد: ( بفتح النون )
أ) لغة: اسم مفعول من أسند الشيء إليه بمعنى عزاه ونسبه له.
ب) اصطلاحاً: له ثلاثة معان.
1) كل كتاب جمعَ فيه مرويات كل صحابي على حِدَة .
2) الحديث المرفوع المتصل سنداً .
3) إن يٌراد به " السند " فيكون بهذا المعنى مصدراً ميمياً.
11- المٌسْنِد : ( بكسر النون )
هو من يروي الحديث بسنده . سواء أكان عنده علم به. أم ليس له إلا مجرد الرواية
12- المٌحدَّث:
هو من يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية . ويطلع على كثير من الروايات وأحوال رواتها.
13- الحافظ : فيه قولان :
أ) مرادف للمحدث عند كثير من المحدثين.
ب) وقيل هو أرفع درجة من المحدث . بحيث يكون ما يعرفه في كل طبقة أكثر مما يجهله.
14- الحاكم:(1/13)
هو من أحاط علماً بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير على رأي بعض أهل العلم.
- - - - - - - - - - - - -(1/14)
البابُ الأولُ
الخبرُ
- الفصل الأول : تقسيم الخبر باعتبار وصوله إلينا .
- الفصل الثاني : الخبر المقبول
- الفصل الثالث : الخبر المردود .
- الفصل الرابع : الخبر المشترك بين المقبول والمردود .
الفصلُ الأول
تقسيم الخبر باعتبار وصوله إلينا
ينقسم الخبر باعتبار وصوله إلينا إلى قسمين:
فإن كان له طرق بلا حَصْرِ عدد معين فهو المتواتر .
وإن كان له طرق محصورة بعددٍ معين فهو الآحاد.
ولكل منهما أقسام وتفاصيل،سأذكرها وأبسطها إن شاء الله تعالى وأبدا ببحث المتواتر.
المْبحَثٌ الأول
الخبر المتواتر (1)
1-تعريفه :
لغة: هو اسم فاعل مشتق من المتواتر أي التتابع،تقول تواتر المطر أي تتابع نزوله.
اصطلاحا: ما رواه عدد كثير تٌحيل العادةُ تواطؤهم على الكذب.
ومعنى التعريف: أي هو الحديث أو الخبر الذي يرويه في كل طبقة من طبقات سنده رواة كثيرون يحكم العقل عادة باستحالة أن يكون أولئك الرواة قد اتفقوا على اختلاق هذا الخبر.
2-شروطه:
__________
(1) -* شرح الورقات في أصول الفقه - (ج 4 / ص 36) والبرهان في أصول الفقه - الرقمية - (ج 1 / ص 216) والمسودة - الرقمية - (ج 1 / ص 233) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 108) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 180) وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - (ج 1 / ص 98)(1/15)
يتبين من شرح التعريف أن التواتر لا يتحقق في الخبر إلا بشروط أربعة وهي:
أن يرويه عدد كثير .وقد اختلف في أقل الكثرة على أقوال المختار أنه عشرة أشخاص (1)
__________
(1) -* تدريب الراوي جـ2 ـ ص 177 .
قلت : وفي هذا الترجيح نظر ، فقد يكونون دون ذلك أو أكثر من ذلك ، وذلك حسب عدالتهم وضبطهم ، ونوع الحديث الذي رووه .
ورجح العلامة ابن حزم بما رواه اثنان من أول السند إلى آخره
وفي الأحكام لابن حزم - (ج 1 / ص 94)فما بعدها :
قال علي: وقد اختلف الناس في مقدار عدد النقلة للخبر الذي ذكرنا، فطائفة قالت: لا يقبل الخبر إلا من جميع أهل المشرق والمغرب، وقالت طائفة: لا يقبل إلا من عدد لا نحصيه نحن.
وقالت طائفة: لا يقبل أقل من ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، عدد أهل بدر، وقالت طائفة لا يقبل إلا من سبعين.
وقالت طائفة: لا يقبل إلا من خمسين، عدد القسامة، وقالت طائفة لا يقبل إلا من أربعين لانه العدد الذي لما بلغه المسلمون أظهروا الدين، وقالت طائفة: لا يقبل إلا من عشرين، وقالت طائفة: لا يقبل إلا من اثني عشر، وقالت طائفة: لا يقبل إلا من خمسة، وقالت طائفة: لا يقبل إلا من أربعة وقالت طائفة: لا يقبل إلا من ثلاثة، لقول رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه إنه قد نزل به جائحة، وقالت طائفة: لا يقبل إلا من اثنين.
قال علي: وهذه كلها أقوال بلا برهان، وما كان هكذا فقد سقط.
ويكفي في إبطال ذلك أن ننبه كل من يقول بشئ من هذه الحدود على أن يقيس كل ما يعتقد صحته من أخبار دينه ودنياه، فإنه لا سبيل له البتة إلى أن يكون شئ منها صح عنده بالعدد الذي شرط كل واحد من ذلك العدد عن مثل ذلك العدد كله.
وهكذا متزايدا حتى يبلغ إلى تحقيق ذلك الخبر من دينه أو دنياه، فحصل من كل قول منها بطلان كل خبر جملة، ولا نحاشي شيئا لانه وإن سمع هو بعض الاخبار من العدد الذي شرط، فلا بد أن يبطل تلك المرتبة فيما فوق ذلك.
وكل قول أدى إلى الباطل فهو باطل بلا شك، وبالله تعالى التوفيق، فلم يبق إلا قول من قال بالتواتر ولم يحد عددا.
قال علي: ونقول ههنا إن شاء الله تعالى قولا باختصار، فنقول وبالله تعالى التوفيق: لكل من حد في عدد نقلة خبر التواتر حدا لا يكون أقل منه يوجب تيقن صدقه ضرورة من سبعين أو عشرين، أو عدد لا نحصيهم، وإن كان في ذاته محصي ذاعدد محدود، أو أهل المشرق والمغرب، ولا سبيل إلى لقائه ولا لقاء أحد لهم كلهم ولا بد له من الاقتصار على بعضهم دون بعض بالضرورة، ولا بد من أن يكون لذلك التواتر الذي يدعونه في ذاته عدد إن نقص منه واحد لم يكن متواترا، وإلا فقد ادعوا ما لا يعرف أبدا ولا يعقل.
فإذن لا بد من تحديد عدد ضرورة، فنقول لهم: ما تقولون إن سقط من هذا الحد الذي حددتم واحد، أيبطل سقوط ذلك الواحد قبول ذلك الخبر أم لا يبطله ؟ فإن قال: يبطله، تحكم بلا برهان، وكل قول بمجرد الدعوى بلا برهان فهو مطروح ساقط، فإن قال بقبوله أسقطنا له آخر ثم آخر، حتى يبلغ إلى واحد فقط، وإن حد عددا سئل عن الدليل على ذلك فلا سبيل له إليه البتة.
وأيضا فإنه ما في القول فرق بين ما نقله عشرون وبين ما نقله تسعة عشر، ولا بين ما نقله سبعون ولا ما نقله تسعة وستون، وليس ذكر هذه الاعداد في القرآن وفي القسامة وفي بعض الاحوال وفي بعض الاخبار بموجب ألا يقبل أقل منها في الاخبار، وقد ذكر تعالى في القرآن أعدادا غير هذه، فذكر تعالى الواحد والاثنين والثلاثة والاربعة والمائة ألف وغير ذلك، ولا فرق بين ما تعلق
بعدد منها وبين ما تعلق بعدد آخر منها، ولم يأت من هذه الاعداد في القرآن شئ في باب قبول الاخبار ولا في قيام حجة بهم، فصارف ذكرها إلى ما لم يقصد بها مجرم وقاح محرف للكلم عن مواضعه، وإن قال: لا يبطل قبول الخبر بسقوط واحد من العدد الذي حد - كان قد ترك مذهبه الفاسد، ثم سألناه عن إسقاط آخر أيضا مما بقي من ذلك العدد، وهكذا حتى يبعد عما حد بعدا شديدا، فإن نظروا هذا بما يمكن حده من الاشياء كانوا مدعين بلا دليل، ومشبهين بلا برهان، وحكم كل شئ يجعله المرء دينا له أن ينظر في حدوده ويطلبها، إلا ما أصبح إجماع أو نص أو أوجبت طبيعة ترك طلب حده، وقد قال بعضهم: لا يقبل من الاخبار إلا ما نقلته جماعة لا يحصرها العدد.
قال أبو محمد: وهذا قول من غمره الجهل، لانه ليس هذا موجدا في العالم أصلا، وكل ما فيه فقد حصره العدد وإن لم نعلمه نحن، وإحصاؤه ممكن لمن تكلف ذلك، فعلى هذا القول الفاسد قد سقط قبول جميع الاخبار جملة وسقط كون النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) في العالم وهذا كفر.
وأيضا فيلزم هؤلاء وكل من حد في عدد من لا تصح الاخبار بأقل من نقل ذلك العدد أمر فظيع يدفعه العقل ببديهته، وهو أن لا يصح عندهم كل أمر يشهده أقل من العدد الذي حدوا، وألا يصح عندهم كل أمر حصره عدد من الناس، وكل أمر لم يحصره أهل المشرق والمغرب، فتبطل الاخبار كلها ضرورة على حكم هذه الاقوال الفاسدة، وهم يعرفون بضرورة حسهم صدق أخبار كثيرة من موت وولادة ونكاح وعزل وولاية واغتفال منزل، وخروج عدو شر واقع، وسائر عوارض العالم مما لا يشهده الا النفر اليسير، ومن خالف هذا فقد كابر عقله ولم يصح عنده شئ مما ذكرنا أبدا، لا سيما إن كان ساكنا في قرية ليس فيها إلا عدد يسير، مع أنه لا سبيل له إلى لقاء أهل المشرق والمغرب.
قال علي: فإن سألنا سائل، فقال: ما حد الخبر الذي يوجب الضرورة ؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق أننا نقول: إن الواحد من غير الانبياء المعصومين بالبراهين عليهم السلام - قد يجوز عليه تعمد الكذب، يعلم ذلك بضرورة الحس، وقد يجوز على جماعة كثيرة أن يتواطؤوا على كذبة إذا اجتمعوا ورغبوا أو رهبوا.
ولكن ذلك لا يخفى من قبلهم، بل يعلم اتفاقهم على ذلك الكذب بخبرهم إذا تفرقوا لا بد من ذلك.
ولكنا نقول إذا جاء اثنان فأكثر من ذلك، وقد تيقنا أنهما لم يلتقيا، ولا دسسا، ولا كانت لهما رغبة فيما أخبر به، ولا رهبة منه، ولم يعلم أحدهما بالآخر، فحدث كل واحد منهما مفترقا عن صاحبه بحديث طويل لا يمكن أن يتفق خاطر اثنين على توليد مثله، وذكر كل واحد منهما مشاهدة أو لقاء لجماعة شاهدت أو أخبرت عن مثلها بأنها شاهدت، فهو خبر صدق يضطر بلا شك من سمعه إلى تصديقه ويقطع على غيبه.
وهذا الذي قلنا يعلمه حسا من تدبره ورعاه فيما يرده كل يوم من أخبار زمانه من موت أو ولادة أو نكاح أو عزل أو ولاية أو وقعة وغير ذلك، وإنما خفي ما ذكرنا على من خفي عليه لقلة مراعاته يمر به، ولو أنك تكلف إنسانا واحدا اختراع حديث طويل كاذب لقدر عليه، يعلم ذلك بضرورة المشاهدة، فلو أدخلت اثنين في بيتين لا يلتقيان، وكلفت كل واحد منهما توليد حديث كاذب لما جاز بوجه من الوجوه أن يتفقا فيه من أوله إلى آخره.
هذا ما لا سبيل إليه بوجه من الوجوه أصلا، وقد يقع في الندرة التي لم نكد نشاهدها اتفاق الخواطر على الكلمات اليسيرة، والكلمتين نحو ذلك.
والذي شاهدنا اتفاق شاعرين في نصف بيت، شاهدنا ذلك مرتين من عمرنا فقط.
وأخبرني من لا أثق به: أن خاطره وافق خاطر شاعر آخر في بيت كامل واحد،ولست أعلم ذلك صحيحا.
وأما الذي لا أشك فيه وهو ممتنع في العقل، فاتفاقهما في قصيدة بل في بيتين فصاعدا.
والشعر نوع من أنواع الكلام، ولكل كلام تأليف ما، والذي ذكره المتكلمون في الاشعار من الفصل الذي سموه المواردة، وذكروا أن خواطر شعراء اتفقت في عدة أبيات، فأحاديث مفتعلة لا تصح أصلا ولا تتصل.
وما هي إلا سراقات وغارات من بعض الشعراء على بعض.
قال علي: وقد يضطر خبر الواحد إلى العلم بصحته إلا أن اضطراره ليس بمطرد، ولا في وقت ولكن على قدر ما يتهيأ.
وقد بينا ذلك في كتاب الفضل.
قال علي: فهذا قسم.
قال علي: القسم الثاني من الاخبار ما نقله الواحد عن الواحد، فهذا إذا اتصل برواية العدول إلى رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) وجب العمل به، ووجب العلم بصحته أيضا، وبين هذا وبين شهادة العدول فرق نذكره إن شاء الله تعالى، وهو قول الحارث بن أسد المحاسبي، والحسين بن علي الكرابيسي.
وقد قال به أبو سليمان، وذكره ابن خويز منداد عن مالك بن أنس، والبرهان على صحة وجوب قبوله قول الله عز وجل: الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * فأوجب الله تعالى على كل فرقة نذارة النافر منها بأمره بالنفقة وبالنذارة، ومن أمره الله تعالى بالتفقه في الدين وإنذار قومه، فقد انطوى في هذا الامر إيجاب قبول نذارته على من أمره بإنذارهم.
والطائفة في لغة العرب التي بها خوطبنا يقع على الواحد فصاعدا، وطائفة من الشئ بمعنى بعضه هذا ما لا خلاف بين أهل اللغة فيه، وإنما حد من حد في قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) أنهم أربعة لدليل ادعاه، وكان بذلك ناقضا لمعهود اللغة، ولم يدع قط قائل ذلك القول أن الطائفة في اللغة لا تقع
إلا على أربعة.
وأما نحن فاللازم عندنا أن يشهد عذاب الزنى واحد على ما نعرف من معنى الطائفة، فإن شهد اكثر فذلك مباح والواحد يجزي.
وبرهان آخر، وهو أن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) بعث رسولا إلى كل ملك من ملوك الارض المجاورين لبلاد العرب، وقد اعترض بعض من يخالفنا في ذلك بأن قال: إن الرفاق والتجار، وردوا بأمر النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) فلم يقتصر بذلك على الرسول وحده.
قال أبو محمد: وهذا شغب وتمويه لا يجوز إلا على ضعيف، ونحن لا نشك أن النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) لم يقتصر بالرسل المذكورين على الاخبار بظهوره ومعجزاته المنقولة بخير الرفاق والسفار، بل أمرهم بتعليم من أسلم شرائع الاسلام ومسائل العبادات والاحكام، ليس من شئ من ذلك منقولا على ألسنة الرفاق والسفار، وبعثه هؤلاء الرسل مشهورة بلا خوف، منقولة نقل الكواف.
فقد ألزم النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) كل ملك.
ورعيته قبول ما أخبرهم به الرسول الموجه نحوهم من شرائع دينهم.
قال علي: وكذلك بعث رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) معاذا إلى الجند وجهات من اليمن.
وأبا موسى إلى جهة أخرى، وهي زبيد وغيرها، وأبا بكر على الموسم مقيما للناس حجهم، وأبا عبيدة إلى نجران، وعليا قاضيا إلى اليمن، وكل من هؤلاء مضى إلى جهة ما، معلما لهم شرائع الاسلام، وكذلك بعث أميرا إلى كل جهة أسلمت، بعدت منه أو قربت، كأقصى اليمن والبحرين وسائر الجهات والاحياء والقبائل التي أسلمت، بعث إلى كل طائفة رجلا معلما لهم دينهم، ومعلما لهم القرآن، ومفتيا لهم في أحكام دينهم، وقاضيا فيما وقع بينهم، وناقلا إليهم ما يلزمهم عن الله تعالى ورسوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) وهم مأمورون بقبول ما يخبرونهم به على نبيهم ( - صلى الله عليه وسلم - ).
وبعثه هؤلاء المذكورين مشهورة بنقل التواتر من كافر ومؤمن، لا يشك فيها أحد من العلماء ولا من المسلمين، ولا في أن بعثهم إنما كانت لما ذكرنا من المحال الباطل الممتنع أن يبعث إليهم رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) من لا تقوم عليهم الحجة بتبليغه، ومن لا يلزمهم قبول ما علموهم من القرآن وأحكام الدين وما أفتوهم به في الشريعة، ومن لا يجب عليهم الانقياد لما أخبروهم به من كل ذلك عن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - )، إذ لو كان ذلك لكانت بعثته لهم فضولا، ولكان عليه السلام قائلا للمسلمين: بعثت إليكم من لا يجب عليكم أن تقبلوا منه ما بلغكم عني، ومن حكمكم ألا تلتفتوا إلى ما نقل إليكم عني وألا تسمعوا منه ما أخبركم به عني، ومن قال بهذا فقد فارق الاسلام.
وكذلك من نشأ في قرية أو مدينة ليس بها إلا مقرئ واحد، أو محدث واحد، أو مفت واحد، فنقول لمن خالفنا: ماذا تقولون ؟ أيلزمه إذا قرأ القرآن على ذلك المقرئ أن يؤمن بما أقرأه، وأن يصدق بأنه كلام الله تعالى، ويثبت على ذلك أم عليه أن يشك، ولا يصدق بأنه كلام الله عز وجل ؟ فإن قالوا: يلزمه الاقرار بأنه كلام الله تعالى.
قلنا: صدقتم، فأي فرق بين نقلهم للقرآن وبين نقلهم لسائر السنن، وكلاهما من عند الله تعالى، وكلاهما فرض قبوله ؟ وإن قالوا: عليه أن يشك فيه حتى يلقى الكواف، أتوا بعظيمة في الدين ونسألهم حينئذ فيمن لقي من ذلك اثنين أو ثلاثة أو أربعة، فلابد لهم من حد يقفون عنده من العدد، فيكون قولهم سخريا وباطلا، ودعوى بلا برهان،أو يحيلوا على معدوم فيما لا يصح على قولهم قبول القرآن والدين إلا به، وفي هذا إبطال للدين والقرآن جملة، والمنع من اعتمادهما، ونعوذ بالله من هذا، وهكذا القول في وجوب طاعة من أخذ عن أولئك الرسل قرآنا أو سنة وبلغ
ذلك إلى غيره، ولانها بلاد واسعة لا سبيل لكل واحد من أولئك الرسل إلى لقاء جميعهم من رجل وامرأة، لكن يبلغ ويبلغ من بلغه هو وهكذا أبدا لئلا يقول جاهل هذا خصوص لاولئك الرسل.
وقال تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة الآية.
قال أبو محمد: لا يخلو النافر للتفقه في الدين من أن يكون عدلا أو فاسقا ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان فاسقا فقد أمرنا بالتبين في أمره وخبره من غير جهته فأوجب ذلك سقوط قبوله، فلم يبق إلا العدل.
فكان هو المأمور بقبول نذارته.
قال أبو محمد: وهذا برهان ضروري لا محيد عنه رافع للاشكال والشك جملة.
وقد بينا هذا النوع من البرهان في كتابنا في حدود الكلام المعروف بالتقريب قال علي: وقد توهم من لا يعلم أنا إنما أوجبنا قبول خبر العدل من قوله تعالى: ا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا فقط.
قال أبو محمد: وقد أغفل من تأول علينا ذلك، ولو لم تكن إلا هذه الآية وحدها لما كان فيها ما يدل على قبول خبر العدل ولا على المنع من قبوله، بل إنما منع فيها من قبول خبر الفاسق فقط وكان يبقى خبر العدل موقوفا على دليله، ولكن لما استفاضت هذه الآية التي فيها المنع من قبول خبر الفاسق إلى الآية التي فيها قبول نذارة النافر للتفقه، صارتا مقدمتين أنتجتا قبول خبر الواحد العدل دون الفاسق بضرورة البرهان وبالله تعالى التوفيق.(1/16)
أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
أن تٌحيلَ العادة تواطؤهم على الكذب (1) .
أن يكون مٌسْتَنَد خبرهم الحس .
كقولهم سمعنا أو رأينا أو لمسنا أو ..... أما إن كان مستند خبرهم العقل. كالقول بحدوث العالم مثلا . فلا يسمَّى الخبر حينئذ متواتراً .
3- حُكمه :
المتواتر يفيد العلم الضروري،أي اليقيني الذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقاً جازماً كمن يشاهد الأمر بنفسه كيف لا يتردد في تصديقه،فكذلك الخبر المتواتر. لذلك كان المتواتر كله مقبولا ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته.
4-أقسامه:
ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين هما،لفظي ومعنوي.
المتواتر اللفظي (2) : هو ما تواتر لفظه ومعناه. مثل حديث : « مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » (3) . رواه بضعة وسبعون صحابياً (4) .
المتواتر المعنوي: هو ما تواتر معناه دون لفظه.
__________
(1) - وذلك كأن يكونوا من بلاده مختلفة. وأجناس مختلفة. ومذاهب مختلفة وما شابه ذلك. وبناء على ذلك فقد يكثر عدد المخبرين ولا يثبت للخبر حكم المتواتر. وقد يقل العدد نسبياً ويثبت للخبر حكم المتواتر . وذلك حسب أحوال الرواة.
(2) -* نظم المتناثر - (ج 1 / ص 18) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 108) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 77)
(3) - *صحيح البخارى برقم (107 ) ومسلم برقم (4 )
(4) -* انظر : نظم المتناثر - (ج 1 / ص 7) ونظم المتناثر - (ج 1 / ص 12)رقم (2)(1/20)
مثل : أحاديث رفع اليدين في الدعاء (1) . فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - نحو مائة حديث. كل حديث منها فيه أنه رفع يديه في الدعاء .لكنها في قضايا مختلفة فكل قضية منها لم تتواتر،والقَدر المشترك بينها ـ وهو الرفع عند الدعاء ـ تواتر باعتبار مجموع الطرق. (2)
5- وجوده (3) :
يوجد عدد لا بأس به من الأحاديث المتواترة (4) ،منها حديث الحوض (5) ،وحديث المسح على الخفين (6) ،وحديث رفع اليدين في الصلاة (7) وحديث نضر الله أمراً، (8) وغيرها
__________
(1) - *نظم المتناثر - (ج 1 / ص 17) ونظم المتناثر - (ج 1 / ص 18) ونظم المتناثر - (ج 1 / ص 176) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 108)
(2) - * تدريب الراوي جـ2 ـ ص 180
(3) - قال السيوطي في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 77)
قلتُ: قد ألَّفتُ في هذا النَّوع كتابًا لم أُسبق إلى مثله, سمَّيتهُ «الأزْهَار المتناثرة في الأخبار المُتواترة» مُرتبًا على الأبواب, أوردت فيه كل حديث بأسانيد من خرَّجه وطرقه.
ثمَّ لخصتهُ في جزء لطيف سمَّيتهُ «قَطْف الأزْهَار» اقتصرتُ فيه على عزو كلِّ طريق لمن أخرجها من الأئمة, وأوردتُ فيه أحاديث كثيرة, منها:
حديث: الحَوْض, من رِوَاية نيف وخمسين صحابيًا .
وحديث: المَسْح على الخُفَّين, من رواية سبعين صحابيًا .
وحديث: رفع اليدين في الصَّلاة, من رواية نحو خمسين .
وحديث: «نضَّر الله امرأ سمع مَقَالتي ...» من رواية نحو ثلاثين .
وحديث: «نزل القُرآن على سَبْعة أحرف ...» من رواية سبع وعشرين .
وحديث: «من بَنَى لله مَسْجدًا, بَنَى الله له بيتا في الجنَّة» من رواية عشرين .
وكذا حديث: «كُل مُسْكر حرام» .
وحديث: «بَدَأ الإسلام غَرِيبًا» .
وحديث: سُؤال مُنكر ونَكير .
وحديث: «كُلٌّ مُيسَّر لما خُلقَ له» .
وحديث: «المَرءُ مع من أحبَّ» .
وحديث: «إنَّ أحدكُم ليَعْمل بعمل أهل الجنَّة» .
وحديث: «بَشِّر المَشَّّائين في الظُّلَم إلى المَسَاجد بالنُّور التَّام يوم القيامة» .
كُلها مُتواترة, في أحاديث جمة أودعناها كتابنا المذكُور ولله الحمد
(4) -* قلت: نصصت في موسوعتي (( موسوعة السنة النبوية )) على أكثر من مائة وخمسين حديثاً قوليا بلغت مبلغ التواتر
(5) - *نظم المتناثر - (ج 1 / ص 236)برقم (305 )(الحوض).
(6) - *موسوعة السنة النبوية - (ج 8 / ص 86)برقم (13865) ونظم المتناثر - (ج 1 / ص 60)برقم (32 ) (المسح على الخفين).
(7) - *نظم المتناثر - (ج 1 / ص 85)برقم (67 )(رفع اليدين في الصلاة في الإحرام والركوع والاعتدال).
(8) - *نظم المتناثر - (ج 1 / ص 33)برقم (3 )(نَضَّرَ اللهُ امْرَأً ).(1/21)
كثير،لكن لو نظرنا إلى عدد أحاديث الآحاد لوجدتا أن الأحاديث المتواترة قليلة جداً النسبة لها (1) .
6- أشهر المصنفات فيه :
لقد اعتنى العلماء بجمع الأحاديث المتواترة وجعلها في مصنف مستقل ليسهل على الطالب الرجوع إليها. فمن تلك المصنفات:
الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة : للسيوطي . وهو مرتب على الأبواب.
قطف الأزهار للسيوطي أيضاً . وهو تلخيص للكتاب السابق .
نظم المتناثر من الحديث المتواتر : لمحمد بن جعفر الكتاني (2) .
==============
__________
(1) - *قلت : تبلغ الأحاديث المتواترة أكثر من ثلاثمائة حديث ، والأحاديث المشهورة تعادلها تقريبا
(2) - *وهو أوفاها وأجمعها ، وهو مطبوع ومتداول(1/22)
المبحث الثاني
خبرُ الآحادِ (1)
تعريفه:
لغة: الآحاد جمع أحد بمعنى الواحد،وخبر الواحد هو ما يرويه شخص واحد.
اصطلاحاً: هو ما لم يجمع شروط المتواتر (2)
حكمه :
يفيد العلم النظري،أي العلم المتوقف على النظر والاستدلال (3) .
أقسامه بالنسبة إلى عدد طرقه :
يقسم خبر الآحاد بالنسبة إلى عدد طرقه إلى ثلاثة أقسام.
مشهور.
عزيز.
غريب.
وسأتكلم على كل منها ببحث مستقل .
المَشهور (4)
__________
(1) -* الأحكام للآمدي - (ج 2 / ص 31) والإحكام في أصول الأحكام - (ج 1 / ص 283) وكشف الأسرار - (ج 7 / ص 324) والبحر المحيط - (ج 6 / ص 73) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 72)و شرح الكوكب المنير - (ج 1 / ص 449) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 203) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 3 / ص 9) وتيسير التحرير - (ج 3 / ص 52) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 348) والتلخيص فى أصول الفقه / لإمام الحرمين - (ج 2 / ص 144) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 9) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 211)
(2) - نزهة النظر ص 26
(3) - *حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 225) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 216- 218)
(4) -* أصول السرخسي - (ج 2 / ص 64) والأحكام لابن حزم - (ج 2 / ص 143) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 280) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 227) وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الاصول - (ج 1 / ص 105)(1/23)
تعريفه:
لغة : هو اسم مفعول من " شَهَرْتٌ الأمر " (1) إذا أعلنته وأظهرته وسمى بذلك لظهوره .
اصطلاحاً: ما رواه ثلاثة ـ فأكثر في كل طبقة ـ ما لم يبلغ حد التواتر.
مثاله:
حديث: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا،يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ،وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ،حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا،اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا،فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ،فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا » (2) .
المسْتَفِيضُ (3)
لغة: اسم فاعل من " استفاض " مشتق من فاض الماء وسمى بذلك لانتشاره.
اصطلاحاً : اختلف في تعريفه على ثلاثة أقوال وهي :
هو مرادف للمشهور .
هو أخص منه،لأنه يشترط في المستفيض أن يستوي طرفا إسناده،ولا يشترط ذلك في المشهور .
هو أعم منه أي عكس القول الثاني .
المشهورُ غير الاصطلاحي:
ويقصد به ما اشتهر على الألسنة من غير شروط تعتبر،فيشمل:
ما له إسناد واحد .
وما له أكثر من إسناد .
__________
(1) -* مختار الصحاح - (ج 1 / ص 167) والصحاح في اللغة - (ج 1 / ص 372)
(2) -* صحيح البخارى برقم (100 )عنه والمعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 465) برقم (1112) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ والمعجم الصغير للطبراني - (ج 1 / ص 279)برقم (459) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ
(3) - * الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 22) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 84) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 276) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 72) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 4) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 193)(1/24)
وما لا يوجد له إسناد أصلا .
5- أنواع المشهور غير الاصطلاحي:
له أنواع كثيرة أشهرها :
مشهور بين أهل الحديث خاصة : ومثاله حديث أنس " أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ " (1)
مشهور بين أهل الحديث والعلماء والعوام: مثاله عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ » (2) .
مشهور بين الفقهاء: مثاله حديث :« أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ » (3) .
مشهور بين الأصوليين: مثاله حديث: « وُضِعَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ». (4) .
مشهور بين النحاة : مثاله حديث " نِعْمَ العبدٌ صٌهَيْبُ لو لم يَخَفِ الله لم يَعْصِهِ " لا أصل له (5) .
__________
(1) - *صحيح البخارى برقم (3170 و ، 1002 ، 1003 ، 1300 ، 2801 ، 2814 ، 3064 ، 4088 ، 4089 ، 4090 ، 4091 ، 4092 ، 4094 ، 4095 ، 4096 ، 6394 ، 7341 ) ومسلم برقم (1580 )
(2) - *صحيح البخارى برقم (10 ) ومسلم برقم (171 )
(3) - *سنن ابن ماجه برقم (2096 ) و السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 7 / ص 322) برقم (15292) و د (2178) وهـ (2018) وهق 7/322 وسنة 9/195 وك2/196 والفتح 9/356والإتحاف 5/391 وكثير 2/382 والترغيب 3/84 وجامع الأصول 7/623 موصولاً ومرسلاً -الصواب مرسل
(4) -* السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 6 / ص 84)برقم (11787)و فتح 5/160 و161 وعدي 2/573 أبو بكرة وتلخيص 1/281 وطب(1430) وعن ابن عباس الإحسان (7219) وقط4/170 ومعاني2/331 وطس(2137و8273) وهق7/356 وعن ابن عمر هق6/84 وعن عقبة 7/357 وعن أبي ذر ه(2043) وعن الحسن(11416)وصحيح الجامع (3515) والمجمع 6/250
(5) - *حديث: نعم العبد صهيب، لو لم يخف للَّه لم يعصه، اشتهر في كلام الأصولين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر، وذكر البهاء السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمع جم من أهل اللغة، ثم رأيت بخط شيخنا أنه ظفر به في مشكل الحديث لأبي محمد ابن قتيبة لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسناداً وقال: أراد أن صهيباً إنما يطيع اللَّه حبالا لمخافة عقابه، انتهى المقاصد الحسنة للسخاوي - (ج 2 / ص 93)برقم (1259 ) وكشف الخفاء من المحدث - (ج 2 / ص 356)برقم (2831)(1/25)
مشهور بين العامة : مثاله حديث « الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ » (1) .
6- حكم المشهور :
المشهور الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحاً أو غير صحيح،بل منه الصحيح ومنه الحسن والضعيف بل والموضوع،لكن إن صح المشهور الاصطلاحي فتكون له ميزة ترجحه على العزيز والغريب .
7- أشهر المصنفات فيه :
المراد بالمصنفات في الأحاديث المشهورة هو الأحاديث المشهورة على الألسنة وليس المشهورة اصطلاحاً،ومن هذه المصنفات .
ا-المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة للسخاوي (2) .
ب- كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على السنة الناس للعجلوني (3) .
جـ- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث لابن الديبغ الشيباني . (4)
العَزيز (5)
__________
(1) - *سنن الترمذى برقم (2144)والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 10 / ص 104)برقم (20767) ومسند أبي يعلى الموصلي - (ج 9 / ص 291)برقم (4143 ) عن أنس ووالصحيحة ( 1795 ) والإتحاف 5/251 و 252 و 7/278 و 8/47 وترغيب 2/437 و3/418 ومطالب ( 2812) والشعب ((4367) وصحيح الجامع ( 3011 )صحيح
(2) -* وهو أفضلها على الاطلاق لكثرة فوائده ودرره
(3) - *هو أجمعها ، ولكنه مملوء بالأحاديث والحكايات غير الثابتة ، فهو يحتاج لتحقيق دقيق وتخريج لكل أحاديثه
(4) - * وهناك كتاب قيم وهو أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب للحوت البيروتي ، وهو مختصر لما سبقه لكنه نحا منحى المتشددين ، وقد قمت بتخريج أحاديثه والعليق عليه - مخطوط يسر الله نشره -
(5) -* شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 197) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 13)
193 - وَسْمَ الْعَزِيزِ ، وَالَّذِي رَوَاهُ .... ثَلاثَةٌ مَشْهُورُنَا ، رَآهُ
194 - قَوْمٌ يَسَاوِي الْمُسْتَفِيضَ وَالأَصَحْ .... هَذَا بِأَكْثَرَ ، وَلَكِنْ مَا وَضَحْ
195 - حَدُّ تَوَاتُرٍ ، وَكُلٌّ يَنْقَسِمْ .....لِمَا بِصِحَّةٍ وَضَعْفٍ يَتَّسِمْ(1/26)
1-تعريفه:
لغة: هو صفة مشبهة من " عَزَّ يَعِزّ" بالكسر أي قَلَّ و نَدَرَ،أو من "عَزَّ يَعّزُّ" بالفتح،أي قوي واشتد،وسمي بذلك أما لقلة وجوده وندرته. وأما لقوته بمجيئه من طريق آخر.
ب- اصطلاحاً: أن لا يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند.
2- شرح التعريف :
يعني أن لا يوجد في طبقة من طبقات السند أقلٌّ من اثنين أما إن وجد في بعض طبقات السند ثلاثة فأكثر فلا يضر،بشرط أن تبقي ولو طبقة واحدة فيها اثنان،لأن العبرة لأقل طبقة من طبقات السند .
هذا التعريف هو الراجح كما حرره الحافظ ابن حجر (1) ، وقال بعض العلماء: إن العزيز هو رواية اثنين أو ثلاثة،فلم يفصلوه عن المشهور في بعض صوره.
3- مثاله:
ما رواه الشيخان من حديث أنس،والبخاري من حديث أبي هريرة أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال : « .. لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » (2) .
__________
(1) - انظر النخبة وشرحها له ص 21،24
(2) - *صحيح البخارى برقم (14و15) وصحيح مسلم برقم (177 و178 )
ففي صحيح البخارى (14 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » .
وصحيح البخارى(15 ) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ح وَحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » .
وصحيح مسلم (178 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ».
فحديث أبي هريرة مروي من طريق عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عند البخاري
وحديث أنس مروي من طريق عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ و من طريق شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ
وكلاهما - أعني أبي هريرة وأنس- قد رويا نص الحديث
وهو مروي كذلك في المستدرك للحاكم (3805) عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ .. وفيه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَأَيْضًا وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ ،(1/27)
ورواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب،ورواه عن قتادة شعبة وسعيد ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن عٌلَيَّه وعبد الوارث،ورواه عن كل جماعة .
4- أشهر المصنفات فيه :
لم يصنف العلماء مصنفات خاصة للحديث العزيز،والظاهر أن ذلك لقلته ولعدم حصول فائدة مهمة من تلك المصنفات.
الغريبُ
1-تعريفه:
لغة: هو صفة مشبهة،بمعنى المنفرد،أو البعيد عن أقاربه.
اصطلاحاً: هو ما ينفرد بروايته راوٍ واحد.
2- شرح التعريف :
أي هو الحديث الذي يستقل بروايته شخص واحد،إما في كل طبقة من طبقات السند. أو في بعض طبقات السند ولو في طبقة واحدة،ولا تضر الزيادة عن واحد في باقي طبقات السند،لأن العبرة للأقل.
3- تسمية ثانية له :
يطلق كثير من العلماء على الغريب اسماً آخر هو " الفَرْد " على أنهما مترادفان،وغايَرَ بعض العلماء بينهما،فجعل كلا منهما نوعا مستقلا،لكن الحافظ ابن حجر يعتبرهما مترادفين لغة واصطلاحاً،إلا أنه قال : إن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته،فـ " الفرد " أكثر ما يطلقونه على "الفَرْد المٌطْلَق" و"الغريب " أكثر ما يطلقونه على " الفرْد النَّسْبي " (1)
4- أقسامُه:
__________
(1) - نزهة النظر ص 28(1/28)
يقسم الغريب بالنسبة لموضع التفرد فيه إلى قسمين هما " غريب مٌطْلق " وغريب نسبى "
ا-الغريب المطلق: أو الفرد المطلق. (1)
تعريفه: هو ما كانت الغرابة في أصل سنده،أي ما ينفرد بروايته شخص واحد في أصل سنده. (2)
مثاله : حديث : « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » (3)
__________
(1) - * نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 6) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 208)
(2) - وأصل السند أي طرفه الذي فيه الصحابي، والصحابي حلقة من حلقات السند، أي إذا تفرد الصحابي برواية الحديث، فإن الحديث يسمى غريب غرابة مطلقة. وأما ما فهمه الملا علي القاري من كلام الحافظ ابن حجر عندما شرح أصل السند بأنه " الموضع الذي يدور الإسناد عليه ويرجع ولو تعددت الطرق إليه ، وهو طرفه الذي فيه الصحابي من أن تفرد الصحابي لا يعد غرابة ، وتعليله ذلك بأنه ليس في الصحابة ما يوجب قدحاً أو أن الصحابة كلهم عدول، فما أظن أن ابن حجر أراد ذلك والله أعلم ، بدليل أنه عرف الغريب بقوله : " هو ما ينفرد بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند " أي ولو وقع التفرد في موضع الصحابي ، لأن الصحابي حلقة من حلقات السند والعلم عند الله تعالى .
(3) - *صحيح البخارى برقم (1) ومسلم برقم (5036 )
ففي صحيح البخارى 1/2(1 ) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىُّ قَالَ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » .
وفي 54 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ
وفي 2529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
وفي 3898 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه
فقد تفرد به يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ(1/29)
تفرد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هذا وقد يستمر التفرد إلى آخر السند وقد يرويه عن ذلك المتفرد عدد من الرواة.
ب- الغريبُ النسبيُّ: أو الفرد النسبيِّ.
1) تعريفه: هو ما كانت الغرابة في أثناء سنده أي أن يرويه أكثر من راو في أصل سنده ثم ينفرد بروايته راو واحد عن أولئك الرواة.
2) مثاله : حديث مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ.. (1) . تفرد به مالك عن الزهري .
3- سبب التسمية: وسمى هذا القسم بـ " الغريب النسبي" لأن التفرد وقع فيه بالنسبة إلى شخص معين .
5- من أنواع الغريب النّسْبي :
هناك أنواع من الغرابة أو التفرد يمكن اعتبارها من الغريب النسبي،لأن الغرابة فيها ليست مطلقة وإنما حصلت الغرابة فيها بالنسبة إلى شيء معين،وهذه الأنواع هي :
ا- تفرد ثقة برواية الحديث : كقولهم : لم يروه ثقة إلا فلان (2) .
ب- تفرد راو معين عن راو معين: كقولهم: " تفرد به فلان عن فلان (3) " وإن كان مروياً من وجوه أخرى عن غيره.
__________
(1) -* موطأ مالك برقم (952 ) وصحيح البخارى برقم (1846 ) = المغفر : ما يلبسه المقاتل على رأسه
(2) -* كحديث في السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 1 / ص 241) برقم ( 1192) وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ ».
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِنْ كَانَ حَفِظَهُ مُعَاذٌ فَهُوَ حَسَنٌ لأَنَّ التُّرَابَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ غَيْرُ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
(3) - *كما في سنن الترمذى برقم (126 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِى الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ فِى الْمُسْتَحَاضَةِ « تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِى كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّى ». 127 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ عَنْ أَبِى الْيَقْظَانِ. قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقُلْتُ عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جَدُّ عَدِىٍّ مَا اسْمُهُ فَلَمْ يَعْرِفْ مُحَمَّدٌ اسْمَهُ وَذَكَرْتُ لِمُحَمَّدٍ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّ اسْمَهُ دِينَارٌ فَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِى الْمُسْتَحَاضَةِ إِنِ اغْتَسَلَتْ لِكُلِّ صَلاَةٍ هُوَ أَحْوَطُ لَهَا وَإِنْ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَجْزَأَهَا وَإِنْ جَمَعَتْ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهَا.(1/30)
جـ- تفرد أهل بلد أو أهل جهة: كقولهم " تفرد به أهل مكة أو أهل الشام" (1)
د- تفرد أهل بلد أو جهة عن أهل بلد أو جهة أخرى: كقولهم: " تفرد به أهل البصرة (2) عن أهل المدينة (3) ،أو تفرد به أهل الشام عن أهل الحجاز"
__________
(1) - *كما في سنن أبى داود برقم (2350 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مُلاَزِمُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النُّعْمَانِ حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْيَمَامَةِ.
وكما في سنن أبى داود برقم (2870 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى سَالِمٍ الْجَيْشَانِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّى أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّى أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِى فَلاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ مِصْرَ.
وكما في سنن أبى داود (1831 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لاَ يَجِدُ الإِزَارَ وَالْخُفُّ لِمَنْ لاَ يَجِدُ النَّعْلَيْنِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَرْجِعُهُ إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالَّذِى تَفَرَّدَ بِهِ مِنْهُ ذِكْرُ السَّرَاوِيلِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَطْعَ فِى الْخُفِّ.( وهو صحيح)
وكما في صحيح مسلم (6737 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِىُّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِىَّ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
فقد تفرد به أهل الشام ، وكثير من أحدايث مسند الشاميين تفرد به أهل الشام
(2) -* كما في سنن أبى داود برقم (155 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِى شُعَيْبٍ الْحَرَّانِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّجَاشِىَّ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. قَالَ مُسَدَّدٌ عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ.
كما في سنن أبى داود برقم ( 1831 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لاَ يَجِدُ الإِزَارَ وَالْخُفُّ لِمَنْ لاَ يَجِدُ النَّعْلَيْنِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَرْجِعُهُ إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالَّذِى تَفَرَّدَ بِهِ مِنْهُ ذِكْرُ السَّرَاوِيلِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَطْعَ فِى الْخُفِّ.
(3) - *كما في سنن أبى داود برقم (50 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَأُوحِىَ إِلَيْهِ فِى فَضْلِ السِّوَاكِ « أَنْ كَبِّرْ ». أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ - هُوَ ابْنُ حَزْمٍ - قَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ الأَعْرَابِىِّ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ.(1/31)
6- تقسيم آخر له :
قسم العلماء الغريب من حيث غرابة السند أو المتن إلى:
غريب متناً وإسنادا : وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد .
غريب إسنادا لا متناً : كحديث روى مَتْنَه جماعة من الصحابة،انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر . وفيه يقول الترمذي : " غريب من هذا الوجه " (1) .
7- من مظان الغريب :
أي مكان وجود أمثلة كثيرة له.
مٌسْنَد البَزَّار (2) .
المعْجَم الأوسط للطبراني . (3)
__________
(1) - *كحديث في سنن الترمذى برقم (58 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِىُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ. قَالَ قُلْتُ لأَنَسٍ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ قَالَ كُنَّا نَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا. قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ أَنَسٍ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاَةٍ اسْتِحْبَابًا لاَ عَلَى الْوُجُوبِ.
(2) -* قلت : مسند البزار طبع أخيرا كاملا ، وعدد أحاديثه (9018) حديثاً ولكنه بدون تحقيق وتخريج ، ومن خصائصه أنه يذكر علل الأحاديث من تفرد وغيره ، ولكن بعض ما يعلله به فيه نظر
(3) -* وهو مطبوع ومتداول وله طبعات عديدة ، وله طبعة بتحقيق الدكتور/ محمود الطحان وفيه الصحيح والحسن والضعيف والواهي ، ويحتاج لتخريج كامل أحاديثه .(1/32)
8- أشهر المصنفات فيه :
أ) غرائب مالك للدارقطني . (1)
ب) الأفرْاد للدارقطني أيضا .
ج) السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة لأبي داود السجستاني .
ـ تقسيم خبر الآحاد بالنسبة إلى قوته وضعفه -
ينقسم خبر الآحاد ـ من مشهور وعزيز وغريب ـ بالنسبة إلى قوته وضعفه إلى قسمين وهما:
مقبول: وهو ما تَرَجَّح صِدْقٌ المٌخْبِرِ به،وحكمه: وجوب الاحتجاج والعمل به.
ب- مردود : وهو ما لم يَتَرَجَّح صِدق المٌخْبِرِ به،وحكمه : أنه لا يحتج به ولا يجب العمل به،ولكل من المقبول والمردود أقسام وتفاصيل سأذكرها في فصلين مستقلين إن شاء الله تعالى
==============
__________
(1) - * قلت : وغالب أحاديثه غير صحيحة(1/33)
الفصلُ الثاني
" الخبرُ المقبولُ " (1)
المبحث الأول: أقسام المقبول.
المبحث الثاني: تقسيم المقبول إلى معمول به وغير معمول به.
المبحث الأول " أقسام المقبول "
يقسم المقبول بالنسبة إلى تفاوت مراتبه إلى قسمين رئيسيين هما: صحيح وحسن. وكلُ منهما يقسم إلى قسمين هما،لذاته ولغيره،فَتئٌوْل أقسام المقبول في النهاية إلى أربعة أقسام هي :
صحيح لذاته .
حسن لذاته .
صحيح لغيره.
حسن لغيره .
وإليك بحث هذه الأقسام تفصيلا
الصَّحيحُ
1-تعريفه:
لغة: الصحيح ضد السقيم،وهو حقيقة في الأجسام مجاز في الحديث وسائر المعاني.
اصطلاحاً:ما اتصل سنده بنقل العَدْل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا عِلَّة. (2)
2-شرح التعريف :
اشتمل التعريف السابق على أمور يجب توفرها حتى يكون الحديث صحيحاً،وهذه الأمور هي:
__________
(1) -* قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 68)
(2) - * تذكرة الموضوعات - (ج 1 / ص 5) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 1) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 40)(1/34)
اتصال السند: ومعناه أن كل راو من رواته قد أخذه مباشرة عمن فوقه من أول السند إلى منتهاه.
عدالة الرواة: أي أن كل راو من رواته اتصف بكونه مسلماً بالغاً عاقلاً غير فاسق وغير مخروم المروءة.
ضبط الرواة : أي أن كل راو من رواته كان تام الضبط،أما ضبط صدر أو ضبط كتاب
عدم الشذوذ: أي أن لا يكون الحديث شاذاً،والشذوذ هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
عدم العلة: أي أن لا يكون الحديث معلولا،والعلة سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث،مع أن الظاهر السلامة منه.
3- شروطه:
يتبين من شرح التعريف أن شروط الصحيح التي يجب توفرها حتى يكون الحديث صحيحاً خمسة وهي: { اتصال السند ـ عدالة الرواة ـ ضبط الرواة ـ عدم العلة القادحة ـ عدم الشذوذ }.
فإذا اختل شرط واحد من هذه الشروط الخمسة فلا يسمى الحديث حينئذ صحيحاً.
4- مثاله:
ما أخرجه البخاري في صحيحه قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِى الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ (1) . فهذا الحديث صحيح لأن :
سنده متصل : إذ أن كل راو من رواته سمعه من شيخه . وأما عنعنة (2) مالك وابن شهاب وابن جبير فمحمولة على الاتصال لأنهم غير مٌدَلِّسِيْنَ .
ولأن رواته عدول ضابطون : وهذه أوصافهم عند علماء الجرح والتعديل .
عبدالله بن يوسف : ثقة متقن .
مالك بن أنس: إمام حافظ.
__________
(1) - *صحيح البخارى برقم (765 )
(2) - العنعنة : رواية الحديث عن الشيخ بلفظ " عن " وسيأتي تفصيل حكم العنعنة في نوع المعنعن .(1/35)
ابن شهاب الزهري : فقيه حافظ مٌتَّفق على جلالته وإتقانه .
محمد بن جبير : ثقة .
جٌبَير بن مٌطْعِم : صحابي .
د) ولأنه غير شاذ : إذ لم يعارضه ما هو أقوى منه .
هـ) ولأنه ليس فيه علة من العلل القادحة .
5- حكمه :
وجوب : العمل به بإجماع أهل الحديث ومن يٌعْتَدَّ به من الأصوليين والفقهاء،فهو حجة من حجج الشرع،لا يَسَعٌ المسلم تركٌ العمل به .
6- المراد بقولهم: " هذا حديث صحيح " أو هذا حديث غير صحيح ":
أ) المراد بقولهم: " هذا حديث صحيح (1) " أن الشروط الخمسة السابقة قد تحققت فيه،لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر،لجواز الخطأ والنسيان على الثقة (2) .
ب) والمراد بقولهم: " هذا حديث غير صحيح (3) " أنه لم تتحقق فيه شروط الصحة الخمسة السابقة كلها أو بعضها لا أنه كذب في نفس الأمر،لجواز إصابة من هو كثير الخطأ . (4)
__________
(1) -* كما في سنن الترمذى برقم (156 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِى هَذَا الْبَابِ. وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ.
(2) - *خلافًا لمن قال: إنَّ خبر الواحد يُوجب القَطْع, حكاهُ ابن الصبَّاغ عن قومٍ من أهل الحديث, وعزاهُ البَاجي لأحمد, وابن خُويز منداد لمالك, وإن نازعه فيه المازري بعدم وجود نص له فيه, وحكاه ابن عبد البرِّ عن حسين الكرابيسي, وابن حزم عن داود.
وحكى السُّهيلي عن بعض الشَّافعية ذلك بشرط أن يكون في إسْنَاده إمام, مثل مالك وأحمد وسفيان, وإلاَّ فلا يُوجبه.
وحكى الشَّيخ أبو إسحاق في «التبصرة»(72) عن بعض المُحدِّثين ذلك في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وشبهه.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 35)
(3) - *كما في شعب الإيمان للبيهقي برقم (9336 ) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق في آخرين ، نا محمد بن عبد الله الحضرمي ، نا جعديه بن يحيى ، نا العلاء بن بشر ، نا سفيان وهو ابن عيينة ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ليس للفاسق غيبة » ، فقد قال أبو عبد الله : « هذا حديث غير صحيح ولا معتمد .. »
قلت :
وقد ورد من طرق طب 19/418 و أصفهان 2/40 و عدي 2/596 و 5/1863 و مجمع 1/149 و الاتحاف 4/117 و 7/558 و الشعب (9665) فالحديث حسن لغيره
(4) -* انظر تدريب الراوي جـ 1 ـ ص 75-76(1/36)
7- هل يجْزَمُ في إسنادٍ أنه أصحُّ الأسانيد مُطلقاً ؟
المختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقاً،لأن تفاوت مراتب الصحة مبنيٌّ على تمكن الإسناد من شروط الصحة. ويندرُ تحقق أعلى الدرجات في جميع شروط الصحة . فالأولي الإمساكُ عن الحكم لإسناد بأنه أصح الأسانيد مطلقاً،ومع ذلك فقد نقل عن بعض الأئمة القول في أصحِّ الأسانيد،والظاهر أنَّ كلَّ إمامٍ رَجَّح ما قَويَ عنده،فمنْ تلكَ الأقوالِ أنَّ أصحَّها (1) :
الزٌّهري عن سالم عن أبيه (2) روي ذلك عن إسحق بن راهويه وأحمد .
ابن سيرين عن عَبِيْدة عن علي (3) روي ذلك عن ابن المديني والفلاس .
الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله (4) روي ذلك عن ابن مَعين .
الزهري عن على بن الحسين عن أبيه عن على (5) روي ذلك عن أبي بكر بن أبي شيبة .
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 1) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 2) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 1) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 41و45) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 385) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 15) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 35)
(2) - *كحديث في صحيح البخارى برقم (919 ) حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ « مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ » .
(3) - *كما في صحيح البخارىبرقم (3707 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ، فَإِنِّى أَكْرَهُ الاِخْتِلاَفَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ ، أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِى . فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِىٍّ الْكَذِبُ .
(4) - *كما في سنن الترمذى برقم (395 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ بَعْدَ الْكَلاَمِ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ.
(5) -* كما في مسند أحمد برقم (585) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ كَتَبَ إِلَىَّ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِخَطِّى وَخَتَمْتُ الْكِتَابَ بِخَاتَمِى يَذْكُرُ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ « أَلاَ تُصَلُّونَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِين قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ « (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً) ».(1/37)
مالك عن نافع عن ابن عمر روي ذلك عن البخاري (1) .
8- ما هو أول مصَنَّفٍ في الصحيح المجَرَّدِ ؟
أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري . ثم صحيح مسلم . وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم ،وقد أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقَبول .
أيهما أصحُّ؟ :
والبخاري أصحهما،وأكثرهما فوائد،وذلك لأن أحاديث البخاري أشد اتصالا وأوثق رجالا،ولأن فيه من الاستنباطات الفقهية والنكت الحكيمة ما ليس في صحيح مسلم.
هذا وكون صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم إنما هو باعتبار المجموع وإلا فقد يوجد بعض الأحاديث في مسلم أقوى من بعض الأحاديث في البخاري (2) .
__________
(1) -* كما في موطأ مالك برقم (230 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ».
وكما في صحيح ابن حبان برقم (6174 ) أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم ، قال : حدثنا حرملة بن يحيى ، قال : حدثنا الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الحمى من فور (1) جهنم ، فأطفئوها بالماء »
وفي مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 1)
وروينا أبي عبد الله البخاري - صاحب الصحيح - أنه قال: أصح الأسانيد كلا: مالك، عن نافع، عن أبن عمر. وبنى الإمام أبو منصور عبد القادر ابن طاهر التميمي على ذلك: أن أجل الأسانيد الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه: لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي، رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم.
وانظر : التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 1) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 41) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 36) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 291)
(2) -* كما في صحيح البخارى برقم (7517 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهْوَ نَائِمٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ . فَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيْرَهُمْ . فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ فَتَوَلاَّهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ ، ثُمَّ أُتِىَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً ، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ - يَعْنِى عُرُوقَ حَلْقِهِ - ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيلُ . قَالُوا وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مَعِى مُحَمَّدٌ . قَالَ وَقَدْ بُعِثَ قَالَ نَعَمْ . قَالُوا فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً . فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ ، لاَ يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِى الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ ، فَوَجَدَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ وَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِابْنِى ، نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ . فَإِذَا هُوَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا . ثُمَّ مَضَى بِهِ فِى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ قَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ . ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قَالُوا وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قَالُوا مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً . ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِى الثَّانِيَةِ ، وَهَارُونَ فِى الرَّابِعَةِ ، وَآخَرَ فِى الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ ، وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّادِسَةِ ، وَمُوسَى فِى السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلاَمِ اللَّهِ ، فَقَالَ مُوسَى رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَىَّ أَحَدٌ . ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ عَهِدَ إِلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ . فَالْتَفَتَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِى ذَلِكَ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ . فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا ، فَإِنَّ أُمَّتِى لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا . فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ قَوْمِى عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلاَ يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِى ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا فَقَالَ الْجَبَّارُ يَا مُحَمَّدُ . قَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ - قَالَ - فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، فَهْىَ خَمْسُونَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ وَهْىَ خَمْسٌ عَلَيْكَ . فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ كَيْفَ فَعَلْتَ فَقَالَ خَفَّفَ عَنَّا أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا . قَالَ مُوسَى قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا مُوسَى قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ . قَالَ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ . قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ فِى مَسْجِدِ الْحَرَامِ . أطرافه 3570 ، 4964 ، 5610 ، 6581 - تحفة 909 - 184/9
وفي صحيح مسلم برقم (432 ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ - قَالَ حَدَّثَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ وَقَدَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ.
فقد أخطأ شريك بن أبي نمر في روايته وخالف الثقات عن أنس ، ولذلك فقد أشار الإمام مسلم لهذه الرواية وبين أن فيها زيادة ونقصان وأعرض عن ذكرها ، والبخاري قد ذكرها كاملة ، وقد بين العلماء أن فيها عشرة مخالفات لأحاديث المعراج .
انظر الفتح فتح الباري لابن حجر - (ج 21 / ص 101)الحديث رقم (6963 )(1/38)
وقيل : إن صحيح مسلم أصح،والصواب هو القول الأول .
هل استوعبا الصحيح أو التزماه ؟
لم يستوعب البخاري ومسلم الصحيح في صحيحيهما،ولا التزماه،فقد قال البخاري : " ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح،وتركت من الصحيح خشية أن يطول الكتاب. " (1) ، وقال مسلم : " ليسَ كل شيء عندي صحيح وضعتهُ ههنا, إنَّما وضعتُ ما أجمعُوا عليه " (2)
__________
(1) -* فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 25)
والمعنى أنه ترك رواية كثير من الأحاديث الصحيحة في كتابه خشية أن يطول الكتاب فيمل الناس من طوله .
(2) - *يُريد ما وجد عنده فيها شرائط الصَّحيح المُجْمع عليه, وإنْ لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم. قاله ابن الصَّلاح.
ورجَّح المُصنِّف في «شرح مسلم»(127) أنَّ المراد ما لم تختلف الِّثقات فيه في نفس الحديث متنًا وإسنادًا, لا ما لم يختلف في توثيق رُواته.
قال: ودليلُ ذلك أنَّه سُئل عن حديث أبي هُريرة: «فإذَا قَرَأ فأنْصتُوا». هل هو صحيح؟ فقال: عندي هو صحيح. فقيل: لِمَ لَمْ تضعهُ هنا؟ فأجاب بذلك(128).
قال: ومع هذا فقد اشْتملَ كتابه على أحاديث اختلفوا في متنها أو إسْنَادهَا, وفي ذلكَ ذهول منه عن هذا الشَّرط, أو سبب آخر.
وقال البَلْقيني(129): أرادَ مُسلم إجماع أربعة, أحمد بن حنبل, وابن معين, وعُثمان بن أبي شَيْبة, وسعيد بن منصور الخُرَاساني.
قال المُصنِّف في «شرح مسلم»(130): وقد الزمهمَا الدَّارقطني وغيره إخراج أحاديث على شَرْطهما لم يُخرجَاها, وليس بلازم لهما لعدم التزامهما ذلك.
قال: وكذلك قال البيهقي: قد اتفقا على أحاديث من صحيفة همَّام, وانفرد كل واحد منهما بأحاديث منها, مع أنَّ الإسناد واحد.
قال المُصنِّف: لكن إذا كان الحديث الذي تركاهُ أو أحدهما مع صِحَّة إسنادهِ في الظَّاهر أصلاً في بابهِ, ولم يُخرجَا له نظيرًا, ولا ما يقوم مقامهُ فالظَّاهر أنَّهُما ما اطلعا فيه على عِلَّة, ويُحتمل أنَّهُما نَسياهُ أو تَركاهُ خشية الإطالة, أو رأيا أنَّ غيره يَسُد مسده. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 55)
وفي فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 25) قال : إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت: هو صحاح، ولم أقل أنه ما لم أخرجه من الحديث فيه ضعيف.
وحينئذ فإلزام الدارقطني لهما في جزء أفرده بالتصنيف بأحاديث رجال من الصحابة رويت عنهم من وجوه صحاح، تركاها مع كونها على شرطهما، وكذا قول ابن حبان: ينبغي أن يناقش البخاري ومسلم في تركهما إخراج أحاديث هي من شرطهما. ليس بلازم.(1/40)
هل فاتهما شيءٌ كثيرٌ أو قليلٌ من الصحيح ؟
1) قال الحافظ ابن الأخرم : لم يَفُتْهما إلا القليل وأُنْكٍرَ هذا عليه .
2) والصحيح أنه فاتهما شيء كثير،فقد نقل عن البخاري أنه قال: " وما تركت من الصحاح أكثر " (1) وقال: " أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح. (2)
__________
(1) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 56)
قيل: ولَمْ يَفُتْهُما منه إلاَّ القليل, وأُنْكرَ هذا, والصَّواب أنَّه لم يَفُت الأصول الخمسة إلاَّ اليَسِير, أعِنِي «الصَّحيحين» و«سنن» أبي دَاود, والتِّرمذي, والنَّسائي.
[قيل] أي: قال الحافظ أبو عبد الله بن الأخرم: [ولم يَفُتهما منه إلاَّ القليل وأُنكر هذا] لِقَول البُخَاري فيما نقلهُ الحازمي والإسْمَاعيلي: وما تركتُ من الصِّحاح أكثر.
قال ابن الصَّلاح(131): و«المستدرك» للحاكم كتابٌ كبير يَشْتمل مِمَّا فاتهما على شيء كثير, وإن يكن عليه في بعضه مَقَال, فإنَّه يَصْفُو له منه صحيح كثير.
قال المُصنِّف زيادة عليه: [والصَّواب أنَّه لم يَفُت الأصول الخَمْسة إلاَّ اليسير, أعني «الصَّحيحين» و«سنن» أبي داود, والتِّرمذي, والنَّسائي].
قال العِرَاقيُّ(132): في هذا الكلام نظر, لقول البُخَاري: أحفظُ مئة ألف حديث صحيح, ومئتي ألف حديث غير صحيح.
قال: ولعلَّ البُخَاري أراد بالأحاديث المُكرَّرة الأسانيد والموقُوفات, فربَّما عدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين.
زاد ابن جماعة في «المنهل الرَّوي»(133): أو أراد المُبَالغة في الكثرة. قال: والأوَّل أولى.
قيل: ويُؤيد أنَّ هذا هو المُراد أنَّ الأحاديث الصِّحاح التي بين أظهرنا, بل وغير الصِّحاح لو تتبعت من المَسَانيد والجَوَامع والسُّنن والأجزاء وغيرها, لمَا بلغت مئة ألف بلا تكرار, بل ولا خمسين ألفًا, ويبعد كل البُعْد أن يكون رَجُل واحد حفظَ ما فات الأمَّة جميعه, فإنَّه إنَّما حفظه من أصُول مشايخه وهي موجودة.
وقال ابن الجَوْزي: حصر الأحاديث يبعد إمكانه, غير أنَّ جماعة بالغُوا في تتبعها وحصرها.
قال الإمام أحمد(134): صحَّ سبع مئة ألف وكسر.
وقال: جمعتُ في «المُسند» أحاديث انتخبتها من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفًا.
قال شيخ الإسْلام: ولقد كان استيعاب الأحاديث سَهْلاً, لو أرادَ الله تعالى ذلك, بأن يجمع الأوَّل منهم ما وصلَ إليه, ثمَّ يذكر من بعده ما اطَّلع عليه مِمَّا فاتهُ من حديث مُستقل, أو زيادة في الأحاديث الَّتي ذكرهَا, فيَكُون كالدَّليل عليه, وكذَا من بعده فلا يَمْضي كثير من الزَّمان إلاَّ وقد استوعبت, وصارت كالمُصنف الواحد, ولعمري لقد كان هذا في غاية الحُسْن.
قلت: قد صنعَ المتأخِّرون ما يقرب من ذلك, فجمعَ بعض المُحدِّثين عمَّن كان في عصر شيخ الإسلام «زوائد سنن ابن ماجه» على الأصول الخمسة.
وجمع الحافط أبو الحسن الهيثمي «زوائد مسند» أحمد على الكتب الستة المذكورة في مجلدين, و«زوائد مسند البزَّار» في مجلد ضخم, و«زوائد معجم الطَّبراني الكبير» في ثلاثة, و«زوائد المُعجمين» الأوسط والصَّغير في مجلدين, و«زوائد أبي يَعْلى» في مجلد, ثمَّ جمع هذه الزوائد كلها محذوف الأسَانيد, وتكلَّم على الأحاديث, ويوجد فيها صحيح كثير, وجمع «زوائد الحِلْية» لأبي نعيم في مجلد ضخم, و«زوائد فوائد تمَّام» وغير ذلك.
وجمع شيخ الإسلام زوائد مسانيد إسحاق, وابن أبي عُمر, ومُسَدَّد, وابن أبي شيبة, والحُميدي, وعبد بن حُميد, وأحمد بن مَنِيع, والطَّيالسي في مجلدين و«زوائد مسند الفردوس» في مجلد.
وجمع صاحبنا الشَّيخ زين الدِّين قاسم الحنفي «زوائد سُنن الدَّارقطني» في مجلد.
وجمعتُ «زوائد شُعب الإيمان» للبيهقي في مجلد, وكُتب الحديث الموجودة سواها كثيرة جدَّا, وفيها الزَّوائد بكثرة فبلوغها العدد السَّابق لا يبعد والله أعلم.
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 2) و علوم الحديث ص 16(1/41)
د) كم عِدَّة الأحاديث في كل منهما ؟
1- البخاري: جملة ما فيه سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة وستين حديثاً بالمكررة (7563) (1) ،وبحذف المكررة أربعة آلاف.
2- مسلم: جملة ما فيه (7748 ) سبعة آلاف وسبعمائة وثمانية وأربعين حديثا بالمكررة (2) ،وبحذف المكررة نحو أربعة آلاف.
__________
(1) - *طبعة فتح الباري السلفية والمكنز
(2) - *حسب أحدث طبعة وهي طبعة المكنز(1/42)
هـ) أين نجد بقية الأحاديث الصحيحة التي فاتت البخاري ومسلماً ؟
نجدها في الكتب المعتمدة المشهورة كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم والسنن الأربعة وسنن الدارقطني والبيهقي وغيرها (1) .
ولا يكفي وجود الحديث في هذه الكتب،بل لا بد من التنصيص على صحته (2) ،إلا في كتاب من شَرَطَ الاقتصار على إخراج الصحيح،كصحيح ابن خزيمة (3) .
9- الكلام على مسْتَدْرَك الحاكم وصحيح ابن خزَيْمَةَ وصحيح ابن حِبّان :
أ) مستدرك الحاكم (4) : هو كتاب ضخم من كتب الحديث،ذكر مؤلفه فيه الأحاديث الصحيحة التي على شرط واحد الأحاديث الصحيحة عنده وان لم تكن على شرط واحد
__________
(1) - *ومسند أبي عوانة ، وسنن الدارمي ، ومسند أحمد ومعاجم الطبراني الثلاث ، ومسند أبي يعلى ، ومسند البزار ، ومسند الحميدي والطيالسي ، وشرح معاني الآثار ومشكل الآثار للطحاوي ...
(2) -* نعم لا بد من ذلك ، ولكن يجب الانتباه للطبعات المخرجة سواء من قبل الشيخ ناصر الدين الألباني ( رحمه الله ) أو من قبل الشيخ شعيب الأرناؤوط أو الشيخ عبد القادر الأرناؤوط (رحمه الله ) أو من سار على دربهم وقلدهم في الجرح والتعديل ، لأن هؤلاء جميعا من المتشددين في قبول السنة النبوية ، فما صححوه يقبل ، وما ضعفوه يتوقف فيه حتى يتأكد من قول العلماء الأقدمين فيه ، ويبحث عن طرق وشواهد له ثم يحكم عليه بما يناسبه دون غلو ولا شطط، فقد ضعف هؤلاء العلماء -الأجلاء - أحاديث كثيرة لا تستحق التضعيف ولاسيما الشيخ ناصر الدين الألباني (رحمه الله )
(3) - * عدا الأحاديث التي أخرجها ثم انتقدها هو .
(4) -وعدد أحاديثه (8803) حديثاً ، وقد استدرك فيه الحاكم على الشيخين وأورد أحاديث على شرطهما أو شرط أحدهما ، أو صحيحة وليست على شرط أحدهما ، وقد انتقده من جاء بعده ، بأنه لم يوفّ بشروطه ، فأدرج في كتابه ماليس صحيحاً ،بل حكموا على بعضها بالوضع . انظر على سبيل المثال 4/415 و3/132 و2/316 و37 و4/102 و3/127 و103 و4/222 و317 و3/14 و129 و3/568 و2/300 و371 و1/566 و3/14 و15 و4/368 و3/124 (1) وقد قام الإمام الذهبي بتخليصه والحكم على أحاديثه وقد صحح أكثر من 75% ، وضعف أحاديث ، وحكم على أحاديث بالوضع . ، ويظهر على منهج الذهبي رحمه الله التشدد في التخريج ، وقد وقع في بعض الأخطاء منها :
- تصحيحه لحديث في مكان ، وتضعيفه له في آخر مثل الحديث رقم (1961) صححه هنا وضعفه برقم (3479) ، والحديث رقم (1395) استنكره وعاد فصححه برقم (7941) وهو من الطريق نفسه ، ومثل ذلك عدد من الأحاديث
- وأحاديث وافق الحاكم على تصحيحها وهي لاتستحق ذلك مثل الحديث رقم (924) فقد صححه على شرطهما ، وفيه محمد بن القاسم الأسدي واه جداً التقريب (6229) والحديث رقم (1212) صححه وفيه أبوبكر العنسي مجهول التقريب (7998) والحديث رقم (1248) صححه وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث التقريب (7006) ، والحديث (1644) صححه وفيه عمر بن عطاء بن أبي وارة ضعيف التقريب (4949) والحديث (1670) صححه ، وفيه محمد بن عون متروك التقريب (6203) والحديث (1812) صححه ، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد واه التقريب (5820) والحديث (1835) صححه ، وفيه عمر بن راشد ضعيف التقريب (4894) والحديث (1903) صححه ، وفيه محمد بن أبي حميد المدني ضعيف التقريب (5836) والحديث (1998) صححه ، وفيه عدة متكلم فيهم ، وهذا في المجلد الأول فقط .
- وهناك أحاديث صححها على شرط الشيخين أو أحدهما وليست كذلك مثال الحديث (1230) و(1289) و(929) و(1431 و1432) و(1908) و(2011) وهذا في المجلد الأول فقط .
- وهناك بعض الأحاديث حكم بوضعها وليست موضوعة مثل الحديث رقم (226) وأعله بعبد الجبار ابن العباس ، وفاته أن له متابعة عند ابن أبي عاصم (824) وابن خزيمة (175) ومنها الحديث رقم (1868) مال إلى وضعه ، وفاته أن له طريقاً آخر صحيح في الأدب المفرد للبخاري رقم (699) والحديث (2090) إذ حكم بوضعه وليس كذلك وهذا في المجلد الأول فقط ، وفي غيره كذلك وللكتاب طبعتان الأولى بغير تحقيق ، والثانية ط دار الكتب العلمية وهي مرقمة ، وعليها تعليقات ، وفيها أخطاء كثيرة .
والكتاب بحاجة لتخريج كامل لأحاديثه دون تشدد مع ضبط للرجال والنص ، وشرح الغريب .موسوعة السنة النبوية - (ج 1 / ص 28)(1/43)
منهما،مٌعَبِّراً عنها بأنها صحيحة الإسناد،وربما ذكر بعض الأحاديث التي لم تصحُّ،لكنه نبه عليها،وهو متساهلٌ في التصحيح،فينبغي أن يُتَتَبَّع ويُحْكَمَ على أحاديثه بما يليق بحالها،ولقد تتبعه الذهبي وحكم على أكثر أحاديثه بما يليق بحالها،ولا يزال الكتاب بحاجة إلى تتبع وعناية (1) .
ب) صحيح ابن حبان : هذا الكتاب ترتيبه مُخْتَرَع،فليس مرتباً على الأبواب ولا على المسانيد،ولهذا أسماء " التقاسيم والأنواع " والكشف على الحديث من كتابه هذا عَسِر
__________
(1) - يتتبع الآن أخونا المحقق فضيلة الشيخ الدكتور محمود الميرة أحاديث الكتاب التي لم يحكم عليها الذهبي بشيء ويحكم عليها بما يليق بحالها وله نية في طبع المستدرك بعد هذا الجهد ، فجزاه الله عن المسلمين خيرا .(1/44)
جداً،وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب (1) ،ومصنفه متساهل في الحكم على الحديث بالصحة لكنه أقل تساهلا من الحاكم (2) .
ج) صحيح ابن خزيمة : هو أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد (3)
__________
(1) - هو الأمير علاء الدين أبو الحسن على بن بلبان المتوفي سنة 739هـ وسمى ترتيبه "الإحسان في تقريب ابن حبان"
(2) - *تدريب الراوي جـ1 ـ ص 109.
وقد اشترط في أحاديثه أن يتوفر في رواتها : العدالة في الدين بالستر الجميل . والصدق في الحديث بالشهرة فيه، والعقل بما يحدّث من الحديث والرابع العلمُ بما يحيل من معاني مايروى ، والخامس : تعري خبره عن التدليس ... ويمتاز كتابه بدقة عناوينه وشمولها ، وشرحه لما غمض من السنة وما أشكل منها ، وترجمته لبعض الرواة ، وذكره الناسخ والمنسوخ . وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن ، ولا يخلو من الضعيف وله طبعتان : الأولى دون تحقيق وتخريج والثانية التي قام بتخريجها والتعليق عليها أستاذنا المحقق الشيخ شعيب الأرنؤوط ، وتمتاز هذه الطبعة بأنها الأُولى من نوعها في تخريج الحديث والتعليق عليه ، وفيها دراسة تامة لكل رجال أسانيده بشكل دقيق ، والتخريج المفصل المسهب لكل أحاديثه ، مع التعليق الدقيق عليها مما لا يستغني عنه طالب علم ولا عالم ، ومما يؤخذ على أستاذنا أنه ضعف أحاديث بسبب ضعف رواتها وعدم وجود ما يقويها ، استناداً لما قاله الحافظ ابن حجر في التقريب عنهم ، علماً أن الحافظ ابن حجر رحمه - مع سعة علمه - أخطأ في حكمه على بعض الرواة مما سأوضحه في مكانه .. ومن هؤلاء : أبو الزبير المكي ووصفه بالتدليس ، وكذلك ابن اسحاق ، ورواية دراج أبي السمح عن أبي الهيثم ونحوها ، ... انظر الأحاديث (1) و(2) و(248) و(193) و(309) و(347) و(368) و(398) و(403) و(422) ... وقد بلغ عدد الأحاديث التي ضعفها حوالي (300) حديث ناقشته في أكثرها ، وبينت أن الصواب مع ابن حبان .موسوعة السنة النبوية - (ج 1 / ص 27) لي
قلت :
وقد حصل الأخ (ماجد دلالعة ) علي رسالة دكتوراه حول منهج ابن حبان في الصحيح ، وقد ردَّ على من زعم أنه متساهل كما شائع ، وناقش الأحاديث التي ضعفت في صحيحه ورد أكثرها بمنهج علمي معتدل رصين بعيدا عن منهج المتشددين والمتساهلين ن فجزاه الله تعالى عنا خيرا .
هذا وقد بلغ عدد أحاديث صحيح ابن حبان (7491) حسب طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق أستاذنا الشيخ شعيب الأرناؤوط ومن معه
وفي موقع جامع الحديث : http://www.alsunnah.com
بلغ عدد الأحاديث (7615 )
ولم يتجاوز عدد الأحاديث التي ضعفها شيخنا (300) حديث ، تراجع عن بضعها في تحقيقه لمسند الإمام أحمد
والصواب أنه كان من المتشددين فلم يسلم له من تضعيفاته سوى يضع وثلاثين حديثاً ليس إلا، غالبها ضعفها ضعفا يسيراً ، والباقي يدور بين الصحة والحسن بشقيه .
(3) - *ولكنه قد أورد أحاديث ولم يصححها ، فتخرج عن شرطه ـ كما أنه حسن أحاديث مختلف في رواتها جرحا وتعديلا ، فنقبل قوله من حيث الجملة ، ولكن الذين قاموا بتخريج أحاديث الكتاب تشددوا في قبول الأخبار ، فضعفوا أحاديث لا تستحق ذلك على الراجح ، فيجب الانتباه وعدم التسرع في التضعيف وعدد أحاديثه (3079) حديثا طبعة المكتب الإسلامي
وفي موقع جامع الحديث :http://www.alsunnah.com
بلغ عدد الأحاديث (2841) فحذفوا بعض أرقام المكرر(1/45)
10- المُسْتَخْرَجَات على الصحيحين (1) :
أ) موضوع المستخرج :
هو أن يأتي المصنِّف إلى كتاب من كتب الحديث،فيخرِّج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب،فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه .
ب) أشهر المستخرجات على الصحيحين (2) :
1- المستخرج لأبي بكر الإسماعيلي على البخاري .
2- المستخرج لأبي عوانة الاسفراييني على مسلم (3) .
3- المستخرج لأبي نعيم الأصبهاني على كل منهما .
ج) هل التزم أصحاب المستخرجات فيها موافقة الصحيحين في الألفاظ ؟
لم يلتزم مصنفوها موافقتهما في الألفاظ،لأنهم إنما يروون الألفاظ التي وصلتهم من طريق شيوخهم لذلك فقد حصل فيها تفاوت قليل في بعض الألفاظ .
وكذلك ما أخرجه المؤلفون القدامى في تصانيفهم المستقلة كالبيهقي والبغوي وشبههما قائلين : " رواه البخاري " أو " رواه مسلم (4) " فقد وقع في بعضه تفاوت في المعنى وفي الألفاظ،فمرادهم من قولهم " رواه البخاري ومسلم " أنهما رويا أصله .
__________
(1) - لا يختص المُستخرج بالصَّحيحين, فقد استخرجَ محمَّد بن عبد الملك بن أيمن على «سُنن» أبي داود, وأبو علي الطُّوسي على التِّرمذي, وأبو نُعيم على «التَّوحيد» لابن خُزيمة, وأملى الحافظ أبو الفضل العِرَاقي على «المستدرك» مُستخرجًا لم يُكمل.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70)
(2) -* قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 229) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 32)
(3) - *مستخرج أبي عوانة عدد الأحاديث (7041) حديثا، وكلها تقريبا تدور بين الصحيح والحسن بشقيه ، وفيها وفوائد نادرة وقيمة .
(4) - *مثل ما في مسند أبي عوانة مشكلا - (ج 1 / ص 203)برقم (949 )حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ أَبُو الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: لا وَجَدْتَهُ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ قَالَ ابْنُ أَبِي مَعْشَرٍ: إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: لِغَيْرِ هَذِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَن قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَن ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ بَعْدَ مَا صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، يُقَالُ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ شَيْبَةَ هُوَ أَبُو نَعَامَةَ بْنُ نَعَامَةَ، رَوَاهُ مِسْعَرٌ، وَهِشَامٌ، وَجَرِيرٌ عَنْهُ.(1/46)
د) هل يجوز أن ننقل منها حديثاً ونعزوه إليهما ؟ بناء على ما تقدم فلا يجوز لشخص أن ينقل من المستخرجات أو الكتب المذكورة آنفاً حديثاً ويقول رواه البخاري أو مسلم إلا بأحد أمرين :
1- أن يقابِل الحديث بروايتهما .
2- أو يقول صاحب المستخرَج أو المصنِّف " أخرجاه بلفظه" .
هـ) فوائد المستخرجات على الصحيحين :
للمستخرجات على الصحيحين فوائد كثيرة تقارب العشرة،ذكرها السيوطي في تدريبه وإليك أهمها (1) :
__________
(1) -* [وللكتب المخرجة عليهما فائدتان] إحداهما: [عُلو الإسْنَاد] لأنَّ مُصَنِّف المُسْتخرج, لو رَوَى حديثًا مثلاً من طريق البُخَاري, لوقع أنزلَ من الطَّريق الَّذي رواهُ به في المستخرج, مثالهُ: أنَّ أبا نُعيم لو رَوَى حديثا عن عبد الرزق من طريق البُخَاري أو مسلم, لَمْ يصل إليه إلاَّ بأربعة, وإذا رواهُ عن الطَّبراني عن الدَّبَري - بفتح المُوحدة - عنه, وصل باثنين, وكذا لو روى حديثًا في «مسند» الطَّيالسي من طريق مسلم, كان بينه وبينهُ أربعة, شيخان بينه وبين مُسلم, ومسلم وشيخه, وإذا رواه عن ابن فارس عن يونس بن حبيب عنه, وصلَ باثنين.
[و] الأُخرى [زيادة الصَّحيح, فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما].
قال شيخ الإسْلام: هذا مُسَلَّمٌ في الرَّجل الَّذي التقى فيه إسناد المُستخرج, وإسناد مُصنف الأصل, وفيمن بعدهُ, وأمَّا من بين المُستخرج وبين ذلكَ الرَّجل فيحتاج إلى نقد, لأنَّ المُستخرج لم يلتزم الصِّحة في ذلك, وإنَّما جُل قَصْدهِ العُلو, فإنْ حصلَ وقع على غرضه, فإن كان مع ذلكَ صحيحًا, أو فيه زيادة, فزيادة حسن حصلت اتِّفاقا, وإلاَّ فليسَ ذلك هِمَّته.
قال: قد وقع ابن الصَّلاح هنا فيما فرَّ منه من عدم التَّصحيح في هذا الزَّمان, لأنَّه أطلق تصحيح هذه الزِّيادات, ثمَّ علَّلها بتعليل أخصَّ من دعواهُ, وهو كونها بذلك الإسْنَاد, وذلكَ إنَّما هو من مُلتقى الإسْنَاد إلى مُنتهاه.
تنبيه:
لم يذكر المُصنِّف تبعًا لابن الصَّلاح للمُسْتخرج سِوَى هاتين الفائدتين, وبقي له فوائد أخر:
مِنْها: القُوة بكثرة الطُّرق للترجيح عند المُعَارضة, ذكره ابن الصَّلاح(150) في مقدمة «شرح مسلم» وذلكَ بأن يضم المستخرج شخصًا آخر فأكثر مع الَّذي حدَّث مُصنِّف الصَّحيح عنه, وربَّما ساق له طُرقًا أُخرى إلى الصَّحابي بعد فراغه من استخراجه, كما يصنع أبو عوانة.
ومنها: أن يكون مُصنِّف الصَّحيح, روى عمَّن اختلط ولم يُبين, هل سَمَاع ذلك الحديث في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده, فيبينه المُستخرج, إمَّا تصريحًا أو بأن يَرْويه عنه من طريق من لم يسمع منهُ إلاَّ قبل الاختلاط.
ومنها: أن يروى في الصَّحيح عن مُدلِّس بالعنعنة, فيرويه المستخرج بالتَّصريح بالسَّماع.
فهاتانِ فائدتان جَليلتان, وإن كُنَّا لا نتوقف في صحَّة ما رُوي في الصَّحيح من ذلك غير مبين, ونقول: لو لم يطلع مُصنِّفه على أنَّه روى عنه قبل الاختلاط, وأن المُدلس سمع لم يخرجه.
فقد سأل السُّبكي المِزِّي: هل وُجِدَ لكلِّ ما رَوَياهُ بالعنعنة طُرق مُصرَّح فيها بالتَّحديث؟ فقال: كثير من ذلك لم يُوجد, وما يسعنا إلاَّ تحسين الظَّن.
ومنها: أن يروي عن مُبهم, كحدَّثنا فُلان, أو رجل, أو فُلان, أوغيره, أو غير واحد, فيُعَيِّنهُ المُستخرج.
ومنها: أن يروي عن مُهمل, كمحمَّد من غير ذكر ما يُميِّزه, عن غيره من المُحمدين, ويكون في مشايخ من رواه كذلك من يُشاركه في الاسم, فيُميِّزه المُستخرج.
قال شيخ الإسْلام: وكل عِلَّة أعلَّ بها حديث في أحد «الصَّحيحين» جاءت رِوَاية المُستخرج سالمة منها, فهي من فوائده, وذلك كثير جدًّا.
انظر : مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 3) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 1) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 68)(1/47)
علو الإسناد: لأن مصنف المستخرج لو روي حديثاً من طريق البخاري مثلا لوقع أنزل من الطريق الذي رواه به في المستخرج.
الزيادة في قدر الصحيح : لما يقع من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث.
القوة بكثرة الطرق : وفائدتها الترجيح عند المعارضة .
11- ما هو المحكوم بصحته مما رواه الشيخان ؟
لقد مر بنا أنَّ البخاري ومسلماً لم يُدْخِلا في صحيحيهما إلا ما صحَّ ،وأنَّ الأمة تلقت كتابيهما بالقبول . فما هي الأحاديث المحكوم بصحتها،والتي تلقتها الأمة بالقبول يا ترى ؟(1/48)
والجواب هو : أن ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته . وأما ما حذف من مبدأ إسناده راو أو أكثر ـ ويسمَّى المُعَلَّقُ (1) وهو في البخاري كثير،لكنه في تراجم الأبواب ومقدمتها،ولا يوجد شيء منه في صلب الأبواب البتة،أما في مسلم فليس فيه من ذلك إلا حديث واحد في باب التيمم لم يصله في موضع آخر ـ فحكمه كما يلي (2) :
__________
(1) - وسيأتي بحثه تفصيلا فيما بعد .
(2) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70) وجـ1 ص 115 ـ 116 .فما بعد : [الرَّابعة] من مسائل الصَّحيح: [ما رَوَياه] أي: الشَّيخان [بالإسْنَاد المُتَّصل فهو المحكوم بصحَّته، وأمَّا ما حذف من مُبتدأ إسناده واحد أو أكثر] وهو المُعلَّق, وهو في البُخَاري كثير جدًّا كما تقدَّم عدده, وفي مُسلم (150/1) في موضع واحد في التَّيمم حيث قال:(848 - قَالَ مُسْلِمٌ وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِى الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِىِّ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ)
( ووصله أبو عوانة في مستخرجه برقم (683 ).
وفيه أيضًا موضعان في الحُدُود والبُيوع, رَوَاهُمَا بالتَّعليق عن اللَّيث, بعد روايتهما بالاتِّصال, وفيه بعد ذلك أرْبَعة عَشَرَ موضعًا, كل حديث منها رواهُ مُتَّصلاً, ثمَّ عقبه بقوله: ورواه فُلان.
وأكثر ما في البُخَاري من ذلك مَوْصُول في موضع آخر من كِتَابه, وإنَّما أوردهُ معلقًا اختصارًا, ومُجَانبة للتكرَارِ, والَّذي لم يُوصله في موضع آخر, مئة وسُتون حديثًا, وصلها شيخ الإسْلام ( الحافظ ابن حجر ) في تأليف لَطِيف سمَّاه «التَّوفيق» وله في جميع التعليق والمُتَابعات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سمَّاه «تغليق التعليق» واختصرهُ بلا أسانيد في آخر سمَّاه «التَّشْويق إلى وصل المُهم من التَّعليق».
[فمَا كان منه بصيغة الجَزْم, كقال, وفعلَ, وأمرَ, وروى, وذَكرَ فُلان, فهو حكم بصحته عن المضاف إليه] لأنَّه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه, إلاَّ وقد صحَّ عنده عنه, لكن لا يُحكم بصحة الحديث مُطْلقًا, بل يتوقف على النَّظر فيمن أبرزَ من رجاله, وذلك أقْسَام:
أحدها: ما يلتحق بِشَرطهِ, والسَّببُ في عدم إيصَاله, إمَّا الاستغناء بغيره عنه مع إفَادة الإشَارة إليه, وعدم إهْمَاله بإيراده مُعَلَّقا اختصارًا, وإمَّا كونه لم يسمعه من شيخه, أو سمعهُ مُذَاكرة, أو شكَّ في سَمَاعه, فما رأى أنَّه يَسُوقه مَسَاق الأصُول, ومن أمثلة ذلك قوله في الوكالة(151): (( صحيح البخارى برقم (2311 ) وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ ، وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ . فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ . قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ ، يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « مَا هِىَ » . قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ » . طرفاه 3275 ، 5010 - تحفة 14482 - 133/3)) وأورده في فضائل القرآن(152), وذكر إبليس(153), ولم يقل في موضع منها: حدَّثنا عثمان, فالظَّاهر عدم سَمَاعه له منه.
قال شيخ الإسْلام: وقد استعمل هذه الصِّيغة فيما لم يَسْمعهُ من مشايخه في عِدَّة أحاديث, فيُوردهَا عنهم بصيغة: قال فُلان, ثمَّ يُوردها في موضع آخر بواسطة بينهُ وبينهم, كمَا قال في « التاريخ»(154): قال إبراهيم بن موسى: حدَّثنا هشام بن يوسف, فذكر حديثًا, ثمَّ يقول: حدَّثوني بهذا عن إبراهيم.
قال: ولكن ليسَ ذلكَ مُطردا في كلِّ ما أورده بهذه الصِّيغة, لكن مع هذا الاحتمال, لا يُحمل حمل ما أورده بهذه الصِّيغة على أنَّه سَمعهُ من شُيوخه.
وبهذا القول, يندفع اعتراض ( الحافظ) العِرَاقي(155) على ابن الصَّلاح(156) في تمثيله بقوله: قال عفَّان, وقال القعنبي, كونهما من شُيوخه, وأنَّ الرِّواية عنهم, ولو بصيغة لا تصرح بالسَّماع محمولة على الاتِّصال, كما سيأتي في فروع عقب المُعضل.
ثمَّ قولنا في هذا التَّقسيم: ما يَلْتحق بشرطه, ولم يَقُل إنَّه على شرطه, لأنَّهُ وإن صحَّ, فليسَ من نمط الصَّحيح المُسْند فيه, نبَّه عليه ابن كثير.
القِسْم الثَّاني: ما لا يلتحق بِشَرْطه ولكنَّه صحيحٌ على شرطِ غيره, كقوله في الطَّهارة(157): وقالت عائشة كانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُر الله على كلِّ أحيانه, أخرجهُ مسلم في «صحيحه»برقم ( 852)(158).
الثَّالث: ما هو حسن صالح للحُجَّة, كقوله فيه(159): وقال بَهْز بن حكيم, عن أبيه عن جَدِّه عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - : «الله أحقُّ أن يُسْتَحيى منهُ». وهو حديث حسن مشهور, أخرجه أصحاب السُّنن(160)( الترمذي برقم (3024 ) وابن ماجة برقم (1995).
الرَّابع: ما هو ضعيف, لا من جهة قدح في رجاله, بل من جهة انقطاع يسير في إسناده.
قال الإسْمَاعيلي: قد يصنع البُخَاري ذلك, إمَّا لأنَّه سمعهُ من ذلك الشَّيخ بواسطة من يثق به عنه, وهو معروفٌ مشهور عن ذلك الشَّيخ, أو لأنَّه سمعهُ مِمَّن ليسَ من شرط الكِتَاب, فنبَّه على ذلك الحديث بتسمية من حدَّث به, لا على التحديث به عنه, كقوله في الزَّكاة(161)( 33 - باب الْعَرْضِ فِى الزَّكَاةِ): وقال طاووس: قال مُعاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب... الحديث, فإسْنَاده إلى طاووس صحيح, إلاَّ أن طاووسًا لم يسمع من معاذ.
(( وفي فتح الباري لابن حجر قال رحمه الله :هَذَا التَّعْلِيق صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَى طَاوُس ، لَكِنَّ طَاوُسًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذ فَهُوَ مُنْقَطِع ، فَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الصِّحَّة إِلَى مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ ، وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا ، إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ ، وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ ))
وأمَّا ما اعترض به بعض المتأخرين من نقض هذا الحُكم, بكونه جزم في معلق وليسَ بصحيح, وذلكَ قولهُ في التَّوحيد(162): ((صحيح البخارى برقم (7428 ) وَقَالَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ » . أطرافه 2411 ، 3408 ، 3414 ، 6517 ، 6518 ، 7472 - تحفة 14966 )), فإنَّ أبا مَسْعود الدِّمشقي جزمَ بأنَّ هذا ليسَ بصحيحٍ, لأنَّ عبد الله بن الفضل, إنَّما رَوَاهُ عن الأعرج عن أبي هُرَيْرة, لا عن أبي سلمة, وقوَّى ذلك بأنَّه أخرجهُ في موضع آخر برقم (3414 ), كذلك فهو اعتراض مردُود, ولا ينقض القَاعدة, ولا مانع من أن يَكُون لعبد الله بن الفَضْل شَيْخان, وكذلك أوردهُ عن أبي سَلَمة الطَّيالسي في «مسنده»برقم (2487 )(163) وفي دلائل النبوة للبيهقي (2247 ) فبَطلَ ما ادَّعاهُ.
[وما ليسَ فيه جَزْمٌ, كيُروى, ويُذكر, ويُحْكى, ويُقَال, ورُوي, وحُكي عن فُلان كذا] قال ابن الصَّلاح(164): أو في البَاب عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - [فليسَ فيه حكم بصحته عن المُضَاف إليه].
قال ابن الصَّلاح(165): لأنَّ مثل هذه العِبَارات تُستعمل في الحديث الضَّعيف أيضًا, فأشَار بقوله أيضًا إلى أنَّه رُبَّما يُورد ذلك فيما هو صحيح, إمَّا لكونه رواه بالمعنى, كقوله في الطب(166)(33 - باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ): ويُذكر عن ابن عبَّاس عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الرقى بفاتحة الكِتَاب, فإنَّه أسندهُ في موضع آخر بلفظ: أنَّ نفرا من الصَّحابة مّرُّوا بحي فيه لديغ... فذكر الحديث في رُقيتهم للرَّجُل بفاتحة الكتاب, وفيه: «إنَّ أحقَّ ما أخَذْتُم عليهِ أجْرًا كِتَابُ الله».
((قلت : قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري :
هَكَذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض ، وَهُوَ يُعَكِّر عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيْن أَهْل الْحَدِيث أَنَّ الَّذِي يُورِدهُ الْبُخَارِيّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض لَا يَكُون عَلَى شَرْطه ، مَعَ أَنَّهُ أَخْرَجَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب عَقِب هَذَا الْبَاب . وَأَجَابَ شَيْخنَا فِي كَلَامه عَلَى عُلُوم الْحَدِيث بِأَنَّهُ قَدْ يَصْنَع ذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ الْخَبَر بِالْمَعْنَى ، وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَر اِبْن عَبَّاس لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْرِيره عَلَى ذَلِكَ فَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ صَرِيحًا تَكُون نِسْبَة مَعْنَوِيَّة ، وَقَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيّ بَعْض هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِهِ فَأَتَى بِهِ مَجْزُومًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَة فِي " بَاب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس " إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه " ثُمَّ قَالَ شَيْخنَا : لَعَلَّ لِابْنِ عَبَّاس حَدِيثًا آخَر صَرِيحًا فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب لَيْسَ عَلَى شَرْطه فَلِذَلِكَ أَتَى بِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض . قُلْت : وَلَمْ يَقَع لِي ذَلِكَ بَعْد التَّتَبُّع )).
أوْ ليس على شَرْطهِ, كقولهِ في الصَّلاة(167):( 106 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِى الرَّكْعَةِ . ( 257 )) ويُذكر عن عبد الله بن السَّائب قال: قَرَأ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - المُؤمنون في صلاةِ الصُّبح, حتى إذا جَاء ذكر مُوسى وهارون أخذتهُ سعلة فركع, وهو صحيح أخرجه مُسلم موصولا برقم (1050 )(168), إلاَّ أنَّ البُخَاري لم يُخرِّج لبعض رُواته.
أوْ لكونهِ ضَمَّ إليه ما لم يصح, فأتَى بصيغة تُستعمل فيهما, كقوله في الطَّلاق(169), ويُذكر عن علي بن أبي طالب وابن المُسيب, وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيًا.
وقد يُورده أيضًا في الحسن, كقوله في البُيوع(170):((51 - باب الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِى ... وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ « إِذَا بِعْتَ فَكِلْ ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ » .)).
هذا الحديث رواه الدَّارقُطْني برقم (2855 ) والبيهقي في السنن برقم (11012 )(( وقال عقبه وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَ )) (171) من طريق عُبيد الله بن المغيرة - وهو صدوق - عن مُنقذ مولى عُثمان, وقد وثِّق, عن عُثمان, وتابعه سعيد بن المُسيب, ومن طريقه أخرجه أحمد في «المسند»برقم (452 ) والبزار برقم (379 ) (172) إلاَّ أنَّ في إسْنَاده ابن لهيعة,((قلت : ورواه عبد بن حميد برقم (53 ) من طريق ابن المبارك عن ابن لهيعة وروايته عنه قوية قبل الاختلاط ))
ورواه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه»(173) من حديث عَطَاء عن عُثمان, وفيه انقطاع, والحديث حسن لما عضده من ذلك.(( قلت: بل صحيح لغيره ))
ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف, قوله في الوَصَايا(174):(( 9 - باب تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) . ( 9 ) وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ )) وقد رواه التِّرمذي برقم (2238 و2268 ) (175) موصُولاً من طريق الحارث عن علي, والحارث ضعيف.
(( قلت : وله شاهد تام في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 13 / ص 288)
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي " مُسْنَدِهِ " ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَجِيحٍ الطَّبَّاعُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ، وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } انْتَهَى .
وفي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (ج 6 / ص 107)برقم (1667) وحسنه ، وهو كما قال فالحديث حسن لغيره ))
وقوله في الصَّلاة (176): (( 848 -..... وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِى مَكَانِهِ . وَلَمْ يَصِحَّ . تحفة 7563 ، 12179 )).
وهذه عادتهُ في ضعيف لا عاضد له, من موافقة إجماع أو نحوه, على أنَّه فيه قليل جدًّا, والحديث أخرجه أبو داود والبغوي في شرح السنة من طريقه برقم (701 )(177) من طريق اللَّيث بن أبي سُليم, عن الحجَّاج بن عُبيد, عن إبراهيم بن إسْمَاعيل, عن أبي هُريرة, وليث ضعيف, وإبراهيم لا يُعرف, وقد اختلف عليه فيه.
(( قلت : وذكر له في فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 253)شواهد وطرق بنحوه انظرها ))
[و] مَا أوردهُ البُخَاري في الصَّحيح مِمَّا عبَّر عنهُ بصيغة التَّمريض, وقلنا لا يحكم بصحته [ليسَ بواهٍ] أي: ساقط جدًّا [لإدخاله] إياه [في الكتاب المَوسُوم بالصحيح]
وعِبَارة ابن الصَّلاح(178): ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصَّحيح مُشعرٌ بصحة أصلهِ, إشعارًا يُؤنس به, ويُركن إليهِ.
قلتُ: ولهذَا رددتُ على ابن الجَوْزي حيث أورد في «الموضُوعات» ((الموضوعات - (ج 3 / ص 92) ))(179) حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: «إذَا أُتي أحدكُم بِهَديةٍ, فجُلسَاؤه شُركاؤه فيها».
(( قلت : رد عليه في اللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 254)))
(( قلت : وفي تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 298)
(تعقب) بأن حديث ابن عباس علقه البخاري في صحيحه وهو مشعر بأن له أصلا إشعارا يؤنس به ويركن إليه كما قاله ابن الصلاح في تعاليق البخاري التي بصيغة التمريض وليحي الحماني متابع عند أبي نعيم في الحلية وآخر عند البيهقي في سننه ولمندل وعبد السلام متابع عند ابن عساكر في تاريخه ومندل لم يتهم بكذب بل قال أبو زرعة لين وقال أبو حاتم شيخ وقال العجلي جائز الحديث يتشيع وهذا من صيغ التعديل فهذا الحديث شاهد لحديث عائشة وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده والطبراني (قلت) قال الهيثمي في المجمع فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف والله تعالى أعلم )) وانظر كشف الخفاء برقم (2397 ) والمقاصد الحسنة برقم (1075 ) و النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة - (ج 1 / ص 74)برقم ( 169)
فإنَّه أورده من طريقين عنه, ومن طريق عن عائشة, ولم يُصب, فإنَّ البُخَاري أوردهُ في «الصَّحيح»(180) فقال: ويُذكر عن ابن عبَّاس, وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي, رَوَيناهُ في «فوائد أبي بكر الشَّافعي» وقد بينتُ ذلك في «مختصر الموضوعات» ثمَّ في كتابي «القول الحسن في الذَّب عن السُّنن».(( قلت : وفي النهاية فالحديث ضعيف ))
فائدة:
قال ابن الصَّلاح(181): إذا تقرَّر حُكم التعاليق المَذْكورة, فقول البُخَاري(182): ما أدخلتُ في كِتَابي إلاَّ ما صحَّ, وقول الحافظ أبي نصر السِّجْزي: أجمعَ الفُقهاء وغيرهم أنَّ رَجُلا لو حلف بالطَّلاق: أنَّ جميع البُخَاري صحيح, قاله رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شكَّ فيه, لم يحنث, محمولٌ على مقاصد الكتاب وموضوعه, ومُتون الأبواب المُسْندة, دُون التَّراجم ونحوها.
وسيأتي في هذه المَسْألة مزيد كلام قريبًا, ويأتي تحرير الكلام في حقيقة التَّعليق, حيث ذكرهُ المُصنِّف عقب المُعضل إن شاء الله تعالى.(1/49)
فما كان منه بصيغة الجزم: كقال وأمر وذكر،فهو حكم بصحته عن المضاف إليه.
وما لم يكن فيه جزم : كيروَى ويذكرَ ويحكَى،وروي وذُكِرَ فليس فيه حكمٌ بصحته عن المضاف إليه،ومع ذلك فليس فيه حديث واهٍ لإدخاله في الكتاب المسمَّى بالصحيح . (1)
__________
(1) -*قلت :
وأحاديثه كلها صحيحة ، ومن انتقد بعضها كالدارقطني وغيره لا يعني أنها ليست صحيحة ، ولكنها دون الشروط العالية التي اشترطها الإمام البخاري رحمه الله . وقد وفّى شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الرد على النقاد وبين أن القول فيها للبخاري في مقدمة فتح الباري (هدي الساري) ولا يُغرَّنَّكَ بعض المعاصرين ، الذين ضعفوا أحاديث في صحيح البخاري - بغير حق - فهؤلاء إمّا حاقدون على السنّة إجمالاً ، وإما جاهلون بشروطه ، وقد ناقشتهم وبينت خطأهم بشكل دقيق ، انظر مثلاً حديث : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ..) لذا فكل حديث موصول في صحيح البخاري فهو صحيح وعلى ذلك جمهور أهل العلم ، ولا يجوز لنا أن نعيد النظر في أسانيده مرة أخرى ، والا شككنا في السنة كلّها .
ولكن لم أجد فيما انتقد عليه بعد عمل موسوعتي هذه سوى شريك بن أبي نمر عن أنس في المعراج فقط ، فتأمل يا رعاك الله .(1/53)
12- مراتب الصحيح:
مر بنا أن بعض العلماء ذكروا أصح الأسانيد عندهم،فبناء على ذلك وعلى تمكن باقي شروط الصحة يمكن أن يقال أن للحديث الصحيح مراتب .
فأعلى مراتبه ما كان مروياً بإسناد من أصح الأسانيد،كمالك عن نافع عن ابن عمر.
ودون ذلك رتبة ما كان مروياً من طريق رجال هم أدنى من رجال الإسناد الأول،كراوية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة (1) .
ودون ذلك رتبة ما كان من رواية من تحققت فيهم أدنى ما يصدق عليهم وصف الثقة،كرواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة .
ويلتحق بهذه التفاصيل تقسيم الحديث الصحيح إلى سبع مراتب وهي:
ما اتفق عليه البخاري ومسلم ( وهو أعلى المراتب ) (2) .
ثم ما انفرد به البخاري.
ثم ما انفرد به مسلم.
ثم ما كان على شرطهما ولم يخرجاه .
ثم ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه .
ثم ما كان على شرط مسلم ولم يخرجه (3)
ثم ما صح عند غيرهما من الأئمة كابن خزيمة وابن حبان مما لا يكن على شرطهما (4) .
__________
(1) - *كما في موطأ مالك برقم (1023 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ».
(2) - * وأهم كتاب في ذلك اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله أكثر من (1900) حديث
(3) - *وفي المستدرك للحاكم عَلَى شَرْطِهِمَا (77) حديثا = عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (155) حديثا = عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ (687) حديثا
(4) -* قلت : ابن خزيمة وابن حبان دمجا الصحيح والحسن معاً ولم يميزا بينهما(1/54)
13- شرطُ الشيخين (1) :
لم يُفصحِ الشيخان عن شرط شرطاه أو عيناه زيادة على الشروط المتفق عليها في الصحيح،لكن الباحثين من العلماء ظهر لهم من التتبع والاستقراء،لأساليبهما ما ظنه كل منهم أنه شرطهما أو شرط واحد منهما.
وأحسنُ ما قيل في ذلك أن المراد بشرط الشيخين أو أحدهما أن يكون الحديث مروياً من طريق رجال الكتابين أو أحدهما مع مراعاة الكيفية التي التزمها الشيخان في الرواية عنهم (2) .
__________
(1) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 32)
وأعجب من ذلكَ ما ذَكَرهُ الميانجي في كتاب «ما لا يسع المُحدِّث جهله»: شرط الشَّيخين في «صحيحهما» أن لا يدخُلا فيه إلاَّ ما صَحَّ عندهما, وذلكَ ما رواهُ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان فصَاعدًا, وما نقلهُ عن كلِّ واحد من الصَّحابة أربعة من التَّابعين فأكثر, وأن يَكُون عن كلِّ واحد من التابعين أكثر من أربعة. انتهى.
قال شيخ الإسْلام (54): وهو كلام من لم يُمارس «الصَّحيحين» أدْنَى مُمَارسة, فلو قال قائل: ليس في الكتابين حديث واحد بهذه الصِّفة لما أبعد.
وقال ابن العَرَبي في «شرح الموطأ»: كان مذهب الشَّيخين أنَّ الحديث لا يثبت حتَّى يرويه اثنان, قال: وهو مذهب باطل, بل رواية الواحد عن الواحد صحيحة إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال في «شرح البُخاري» عند حديث «الأعمال...»: انفرد به عُمر, وقد جاء من طريق أبي سعيد, رواه البزَّار بإسْنَاد ضعيف.
قال: وحديث عُمر وإن كان طريقه واحدا وإنَّما بنى البُخَاري كتابه على حديث يرويه أكثر من واحد, فهذا الحديث ليسَ من ذلك الفن, لأنَّ عُمر قاله على المنبر بمحضر الأعيان من الصحابة, فصَار كالمُجْمع عليه, فكأنَّ عمر ذكَّرهم, لا أخبر.
قال ابن رُشيد: وقد ذكر ابن حبَّان في أوَّل «صحيحه»(55): أنَّ ما ادَّعاه ابن العربي وغيره, من أنَّ شرط الشَّيخين ذلكَ مُستحيل الوجود.
قال: والعَجَب منه كيف يدَّعي عليهما ذلك, ثمَّ يزعم أنَّه مذهب باطل, فليت شعري من أعلمه بأنَّهما اشترطا ذلك, إن كان منقولاً فليُبين طريقه ليُنظر فيها, وإن كان عرفه بالاستقراء فقد وهم في ذلك, ولقد كان يكفيه في ذلك أوَّل حديث في البُخاري, وما اعتذر به عنه فيه تقصير, لأنَّ عمر لم ينفرد به وحده, بل انفرد به عَلْقمة عنه, وانفرد به محمَّد بن إبراهيم, عن علقمة, وانفرد به يحيى بن سعيد, عن محمد, وعن يحيى تعددت رُواته.
وأيضًا: فكون عُمر قاله على المنبر لا يستلزم أن يَكُون ذكَّر السَّامعين بما هو عندهم, بل هو مُحتمل للأمرين, وإنَّما لم يُنكروه لأنَّه عندهم ثقة, فلو حدَّثهم بما لم يسمعُوه قط, لم يُنكروا عليه.
(2) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 82) :
ألَّف الحَازمي كتابًا في شُروط الأئمة, ذكر فيه شرط الشَّيخين وغيرهما فقال(195): مذهب من يُخرِّج الصَّحيح أن يُعتبر حال الرَّاوي العدل في مشايخه, وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضًا, وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت, يلزمه إخراجه, وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلاَّ في الشَّواهد والمُتَابعات, وهذا باب فيه غموض, وطريقه معرفة طباق الرُّواة عن راوي الأصل, ومراتب مداركهم.
ولنُوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم أنَّ أصحاب الزُّهْري مثلا على خمس طبقات, ولكلِّ طبقة منها مزية على الَّتي تليها وتفاوت:
فمن كان في الطَّبقة الأولى فهي الغاية في الصِّحة, وهو غاية قصد البُخَاري, كمالك, وابن عُيينة, ويُونس, وعقيل الأيْلِيَّين, وجماعة.
والثانية شاركت الأولى في العَدَالة, غير أنَّ الأولى جمعت بين الحِفْظ والإتْقَان وبين طُول المُلازمة للزُّهري, بحيث كان منهم من يُلازمه في السَّفر, ويُلازمه في الحَضَر, كالليث بن سعد, والأوزاعي, والنُّعمان بن راشد, والثانية لم تُلازم الزُّهْري إلا مُدَّة يَسِيرة, فلم تُمارس حديثه, وكانوا في الإتقان دون الطَّبقة الأولى, كجعفر بن بُرْقَان, وسفيان بن حُسين السُّلمي, وزمعة بن صالح المَكِّى, وهم شرط مسلم.
والثالثة: جماعة لزمُوا الزُّهْري, مثل أهل الطَّبقة الأولى, غير أنَّهم لم يَسْلمُوا من غوائل الجرح, فهم بين الرَّد والقَبُول كمُعَاوية بن يحيى الصَّدَفي, وإسْحاق بن يحيى الكَلْبي, والمُثنى بن الصَّباح, وهم شرط أبي داود, والنَّسائي.
والرابعة: قومٌ شَاركوا الثَّالثة في الجرح والتَّعديل, وتفرَّدُوا بقلَّة مُمارستهم لحديث الزُّهْري, لأنَّهم لم يُلازموه كثيرًا, وهم شرط التِّرمذي.
والخامسة: نفرٌ من الضُّعفاء والمجهولين لا يَجُوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أن يُخرج حديثهم إلاَّ على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود, فمن دُونه, فأمَّا عند الشَّيخين فلا.(1/55)
14- معنى قولهم: " مُتَّفَقٌ عليه ":
إذا قال علماء الحديث عن حديث " متفق عليه " فمرادهم اتفاق الشيخين،أي اتفاق الشيخين على صحته،لا اتفاق الأمة إلا أن ابن الصلاح قال (1) : " لكنِ اتفاق الأمة عليه لازِمُ من ذلك وحاصل معه،لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول . (2)
15- هل يشترطُ في الصحيح أن يكون عزيزاً ؟ :
__________
(1) - علوم الحديث ص 24
(2) -*[وإذا قالُوا: صحيحٌ مُتَّفق عليه, أو على صحته, فمُرادهم اتِّفاق الشَّيخين] لا اتفاق الأُمة.
قال ابن الصَّلاح(196): لكن يَلْزم من اتِّفاقهما اتِّفاق الأمة عليه, لتلقيهم له بالقَبُول.(1/56)
الصحيح أنه لا يشترط في الصحيح أن يكون عزيزاً،بمعنى أن يكون له إسنادان،لأنه يوجد في الصحيحين وغيرهما أحاديث صحيحة وهي غريبة ،وزعم بعض العلماء ذلك كأبي على الجٌبَّائي المعتزلي والحاكم،وقولهم هذا خلاف ما اتفقت عليه الأمة .
----------------(1/57)
الحَسَنُ
1- تعريفه:
لغة: هو صفة مشبهة من " الحٌسْن " بمعنى الجَمال.
اصطلاحاً: اختلفت أقوال العلماء في تعريف الحسن نظراً لأنه متوسط بين الصحيح والضعيف،ولأن بعضهم عرَّف أحد قسميه،وسأذكر بعض تلك التعريفات ثم اختار ما أراه أوفق من غيره.
تعريف الخطابي: هو ما عُرِفَ مَخْرَجُهُ،واشتهر رجاله،وعليه مَدَار أكثر الحديث،وهو الذي يقبله أكثر العلماء،ويستعمله عامة الفقهاء (1)
تعريف الترمذي : كل حديث يٌرْوَى،لا يكون في إسناده من يٌتَّهَمُ بالكذب،ولا يكون الحديث شاذا،ويُرْوَى من غير وجه نحو ذلك،فهو عندنا حديث حسنٌ. (2)
تعريف الحافظ ابن حَجَر : قال " وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته (3) ،فان خَف الضبط،فالحَسَنُ لذاته (4)
قلتْ :
فكأن الحَسَنَ عند ابن حجر هو الصحيح إذا خَفَّ ضبط راويه،أيْ قَلَّ ضبطهُ،وهو خير ما عرف به الحسن،أما تعريف الخطابي فعليه انتقادات كثيرة،والأصل في تعريفه أن يُعَرََّف الحسن لذاته،لأن الحسن لغيره ضعيف في الأصل ارتقى إلى مرتبة الحسن لانجباره بتعدد طرقه .
تعريفه المُخْتَار: ويمكن أن يُعَرَّفَ الحسنُ بناء على ما عَرَّفه به ابن حجر بما يلي: " هو ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خَفَّ ضبطه عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ".
__________
(1) - معالم السنن جـ 1 ـ ص 11
(2) - *جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ـ كتاب العلل في آخر جامعه جـ 10 ـ ص 519
قلت : وهذا التعريف ينطبق على الحديث الحسن لغيره
(3) -النخبة مع شرحها له ص 29
(4) - المصدر السابق ص 34(1/58)
2) حكمه :
... هو كالصحيح في الاحتجاج به،وإن كان دونه في القوة لذلك احتج به جميع الفقهاء،وعملوا به،وعلى الاحتجاج به معظم المحدثين والأصوليين إلا من شذ من المتشددين " وقد أدرجه بعض المتساهلين في نوع الصحيح كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة،مع قولهم بأنه دون الصحيح المبيَّنِ أولا . (1)
3) مثاله:
ما أخرجه الترمذي (2) قال : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِىُّ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ رَثُّ الْهَيْئَةِ أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُهُ قَالَ نَعَمْ. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ. وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِىِّ.
فهذا الحديث قال عنه الترمذي : " هذا حديث حسن غريب " .
__________
(1) -* انظر تدريب الراوي جـ 1 ـ ص 160
ولا بدع في الاحتجاج بحديث له طريقان, لو انفردَ كل منهما لم يَكُن حُجَّة, كما في المُرسل إذا وردَ من وجه آخر مُسند, أو وافقهُ مُرسل آخر بشرطهِ كما سيجيء. قالهُ ابن الصَّلاح(249).
وقال في «الاقتراح»: ما قيل من أنَّ الحسن يُحتج به فيه إشْكال, لأنَّ ثَمَّ أوصَافًا يجب معها قَبُول الرِّواية إذا وجدت, فإن كانَ هذا المُسمَّى بالحسن, مِمَّا وجدت فيه على أقلِّ الدَّرجات الَّتي يجب معها القَبُول فهو صحيح, وإن لم تُوجد لم يَجُز الاحتجاج به, وإن سُمي حسنًا, اللهمَّ إلاَّ أن يُرد هذا إلى أمر اصْطلاحي, بأن يُقَال: إنَّ هذه الصِّفات لها مراتب ودرجات, فأعْلاها وأوسطها يُسمَّى صحيحًا, وأدْنَاها يُسمَّى حسنًا, وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصْطلاح, ويَكُون الكل صحيحًا في الحقيقة. قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 66) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 106)
(2) -* برقم (1760 ) والترمذي ـ أبواب فضائل الجهاد ـ جـ5 ـ ص 300 من الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي(1/59)
وكان هذا الحديث حسناً لأن رجال إسناده الأربعة ثقات إلا جعفر بن سليمان الضبعي فإنه حسن الحديث (1) لذلك نزل الحديث عن مرتبة الصحيح إلى الحسن (2) .
4- مراتبه:
كما أن للصحيح مراتب يتفاوت بها بعض الصحيح عن بعض،كذلك فإن للحسن مراتب،وقد جعلها الذهبي مرتبتين فقال:
فأعلى مراتبه : بَهْزُ بن حكيم عن أبيه عن جده (3) ،وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (4) ،وابن إسحق عن التيمي (5) ،وأمثال ذلك مما قيل إنه صحيح،وهو من أدنى مراتب الصحيح .
__________
(1) - كما نفل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/96 ذلك عن أبي أحمد
(2) - *قلت : وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (5025 )بسنده ولفظه ، فهو في مرتبة أدنى درجات الصحيح
(3) - *مثاله ما رواه أبو داود في سننه برقم (1577 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فِى كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِى أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلاَ يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا ». قَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ « مُؤْتَجِرًا بِهَا ». « فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَىْءٌ ».
العزمة : الجد والحق فى الأمر =بنت لبون : ما أتى عليه سنتان ودخل فى الثالثة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل
(4) -* مثاله كما في سنن أبى داود برقم (135 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِى أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ « هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ ». أَوْ « ظَلَمَ وَأَسَاءَ ».
(5) - *مثاله كما في سنن النسائي برقم (2352 ) أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قُلْتُ أَيْ عَمِّ حَدِّثْنِي عَمَّا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَجْمَعْتُ عَلَى أَنْ أَجْتَهِدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى قُلْتُ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلَأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَانِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ فِي دَارِي فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلَأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فَقُلْتُ قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ مِنْ الْجُمُعَةِ يَوْمَيْنِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ قُلْتُ فَإِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ قَالَ فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمًا صَائِمًا وَيَوْمًا مُفْطِرًا وَإِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ وَإِذَا لَاقَى لَمْ يَفِرَّ(1/60)
ثم بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه : كحديث الحارث بن عبد الله (1) ،وعاصم بن ضَمْرَة (2) ،وحجاج بن أرطاة (3) ونحوهم (4) .
5- مرتبة قولهم: " حديث صحيح الإسناد " أو " حسن الإسناد " (5) :
أ) قول المحدثين : " هذا حديث صحيح الإسناد (6) " دون قولهم : " هذا حديث صحيح " (7)
__________
(1) - *ففي رواة التهذيبين - راو رقم 1029
رتبته عند الحافظ ابن حجر : فى حديثه ضعف ، كذبه الشعبى فى رأيه ، و رمي بالرفض
رتبته عند الإمام الذهبي : لين شيعى ، قال النسائي و غيره : ليس بالقوي
قلت : فحديثه إذا تفرد به فضعيف
(2) - *وفي رواة التهذيبين - راو رقم 3063
رتبته عند ابن حجر : صدوق
رتبته عند الذهبي : وثقه ابن المدينى ، و قال النسائى : ليس به بأس ، و قال ابن عدى بتليينه ، و هو وسط
قلت : فحديثه حسن إذا تفرد به لأن الأكثر على توثيقه
(3) - *وفي رواة التهذيبين - راو رقم 1119
رتبته عند ابن حجر : صدوق كثير الخطأ و التدليس ، أحد الفقهاء
رتبته عند الذهبي : أحد الأعلام ، على لين فيه . . . قال أحمد : كان من حفاظ الحديث . . . و قال أبو حاتم : صدوق يدلس ، فإذا قال حدثنا فهو صالح . .
قلت : إذا صرح بالتحديث فحديثه حسن ، وإذا لم يصرح بالتحديث ففيه ضعف
(4) - *قلت : كل راوٍ اختلفوا فيه جرحا وتعديلا فحديثه - على الراجح- حسن ـ، إلا إذا أنكر عليه ذاك الحديث أو أخطأ فيه ولم يوجد ما يتابعه أو يشهد له
(5) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 106)
[وقولهم] أي: الحُفَّاظ هذا [حديثٌ حسن الإسناد, أو صحيحه دون قولهم: حديث صحيح أو حسن, لأنَّه قد يصح أو يحسن الإسناد] لثقة رجاله [دون المَتْن, لِشُذوذ أو عِلَّة] وكثيرًا ما يُ«ستعمل ذلك الحاكم في «مُسْتدركه».
[فإن اقتصرَ على ذلك حافظٌ مُعتمد] ولم يذكُر له عِلَّة ولا قادحًا [فالظَّاهر صحَّة المَتْن وحُسْنه] لأنَّ عدم العِلَّة والقادح هو الأصل والظَّاهر.
قال شيخ الإسْلام: والذي لا شكَّ فيه أنَّ الإمام منهم لا يعدل عن قوله: صحيحٌ, إلى قوله: صحيح الإسْنَاد, إلاَّ لأمر مَا.
(6) - *كما في المستدرك للحاكم مشكلا - (ج 1 / ص 62)241ـ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرُ فَخْرٍ
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ لِتَفَرُّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَلِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْحِفْظِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ
(7) - *كما في سنن الترمذى برقم (156 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِى هَذَا الْبَابِ. وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ.(1/61)
ب) وكذلك قولهم: " هذا حديث حسن الإسناد (1) " دون قولهم: " هذا حديث حسن " (2) . لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد .دون المتن لشذوذ أو علة . فكأن المحدث إذا قال : " هذا حديث صحيح " قد تكفل لنا بتوفر شروط الصحة الخمسة في هذا الحديث أما إذا قال : " هذا حديث صحيح الإسناد " فقد تكفل لنا بتوفر شروط ثلاثة من شروط الصحة وهي : اتصال الإسناد،وعدالة الرواة وضبطهم،أما نفي الشذوذ ونفى العلة عنه فلم يتكفل بهما لأنه لم يتثبت منهما.
لكن لو اقتصر حافظ مُعْتَمَد على قوله: " هذا حديث صحيح الإسناد " ولم يُذْكَرْ له علة،فالظاهر صحة المتن،لأن الأصل عدم العلة وعدم الشذوذ. (3)
6_ معنى قول الترمذي وغيره " حديث حسن صحيح " .
__________
(1) -* كما في المستدرك للحاكم مشكلا - (ج 2 / ص 147)برقم (1987) حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ الْفَقِيهُ ، إِمْلاءً بِبُخَارَى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ مَوْلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو : اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي وَانْقِطَاعِ عُمْرِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ ، وَالْمَتْنِ غَرِيبٌ فِي الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمَشَايِخِ إِلاَّ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَيْمُونٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ
(2) -* كما في سنن أبى داود برقم (2720 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ - يَعْنِى يَوْمَ حُنَيْنٍ - « مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ ». فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ وَلَقِىَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا مَعَكِ قَالَتْ أَرَدْتُ وَاللَّهِ إِنْ دَنَا مِنِّى بَعْضُهُمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَرَدْنَا بِهَذَا الْخِنْجَرَ وَكَانَ سِلاَحَ الْعَجَمِ يَوْمَئِذٍ الْخِنْجَرُ. =أبعج : أشق
(3) - *كما فعل كثير من المتأخرين لتحرجهم من التصحيح المطلق ، كالهيثمي في مجمع الزوائد والمنذري في الترغيب والحافظ العراقي ونحوهم ، فيحمل قولهم (صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ) على الصحة العامة والحسن العام ، الذي استوفى الشروط الخمسة المشار إليها أعلاه(1/62)
إن ظاهر هذه العبارة مُشْكِل،لأن الحسن يتقاصر عن درجة الصحيح،فكيف يُجْمَعُ بينهما مع تفاوت مرتبتهما ؟
ولقد أجاب العلماء عن مقصود الترمذي من هذه العبارة بأجوبة متعددة أحسنها ما قاله الحافظ ابن حجر،وارتضاه السيوطي . وملخصه ما يلي :
إن كان للحديث إسنادان فأكثر فالمعنى " حسن باعتبار إسناد،صحيح باعتبار إسناد آخر " .
وإن كان له إسناد واحد فالمعنى " حسن عند قوم،صحيح عند قوم آخرين " .
فكأن القائل يشير إلى الخلاف بين العلماء في الحكم على هذا الحديث،أو لم يترجح لديه الحكم بأحدهما. (1)
__________
(1) - *[وأمَّا قولُ التِّرمذي وغيره] كعليِّ بن المَدِيني ويعقُوب بن شَيْبة: هذا [حديثٌ حسنٌ صحيحٌ] وهو مِمَّا استشكل, لأنَّ الحسن قاصرٌ عن الصَّحيح, فكيف يجتمع إثبات القُصُور ونفيه في حديث واحد [فمعناه] أنَّه [رُوي بإسْنَادين أحدهما يقتضي الصحَّة والآخر يَقْتضي الحسن] فصحَّ أن يُقَال فيه ذلك, أي حسن باعتبار إسناد, صحيح باعتبار آخر.
قال ابن دقيق العيد: يَرُد على ذلك الأحاديث الَّتي قيل فيها ذلكَ, مع أنَّه ليس لها إلاَّ مخرج واحد, كحديث خرَّجه التِّرمذي(250) من طريق العَلاء بن عبد الرَّحمن, عن أبيه, عن أبي هُريرة: «إذَا بَقِيَ نصفُ شَعْبان فلا تَصُومُوا». وقال فيه: حسنٌ صحيحٌ, لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه على هذا اللَّفظ.
وأجاب بعض المتأخِّرين: بأنَّ التِّرمذي, إنَّما يَقُول ذلك مُريدًا تفرُّد أحد الرُّواة عن الآخر, لا الفرد المُطْلق.
قال: ويُوضح ذلكَ ما ذكرهُ في الفتن من حديث خالد الحَذَّاء, عن ابن سِيرين, عن أبي هُريرة يرفعه: «من أشَارَ إلى أخيه بِحَديدة...»(251). الحديث, قال فيه: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه. فاسْتغربهُ من حديث خالد, لا مُطْلقًا.
قال العِرَاقي: وهذا الجَوَاب لا يَمْشِي في المَوَاضع الَّتي يقول فيها: لا نعرفهُ إلاَّ من هذا الوجه, كالحديث السَّابق.
وقد أجابَ ابن الصَّلاح(252) بِجَوابٍ ثانٍ هو: أنَّ المُراد بالحَسَن اللُّغوي دُون الاصْطلاحي, كمَا وقع لابن عبد البرِّ, حيثُ روى في كتاب «العِلْم»(253) حديث مُعاذ بن جبل مَرْفُوعًا: «تعلَّموا العِلْم, فإن تَعلُّمه لله خَشْية وطَلبهُ عِبَادة...» الحديث بِطُوله وقال: هذا حديث حسنٌ جدًّا, ولكن ليس له إسْنَاد قوِّي.
فأراد بالحَسَن حُسن اللَّفظ, لأنَّه من رِوَاية مُوسى البَلْقاوي, وهو كذَّاب نُسِبَ إلى الوَضْع, عن عبد الرَّحيم العَمِّي, وهو مَتْروك.
وروينَا عن أُمَية بن خَالد قال: قلتُ لِشُعبة تُحدِّث عن محمَّد بن عُبيد الله العَرْزمي, وتدع عبد الملك بن أبي سُليمان, وقد كان حسن الحديث؟ فقال: من حُسْنها فررتُ. يعني أنَّها مُنْكرة.
وقال النَّخعي: كانُوا يكرهون إذا اجتمعُوا أن يُخرج الرَّجل أحسن ما عندهُ.
قال السَّمعاني: عَنَي بالأحسن الغريب.
قال ابن دقيق العيد: ويلزم على هذا الجَوَاب أن يُطلق على الحديث المَوْضُوع إذا كان حسن اللفظ أنَّه حسن, وذلكَ لا يَقُوله أحد من المُحدِّثين, إذا جَرُوا على اصْطلاحهم.
قال شيخ الإسْلام: ويلزم عليه أيضًا أنَّ كل حديث يُوصف بصفة, فالحسن تابعه, فإنَّ كل الأحاديث حَسَنة الألفاظ بليغة المَعَاني, ولمَّا رأينا الَّذي وقعَ له هذا كثير الفَرْق, فتارة يقول: حسن فقط, وتارة صحيحٌ فقط, وتارة حسنٌ صحيحٌ, وتارة صحيحٌ غريبٌ وتارة حسنٌ غريبٌ, فعرفنا أنَّه لا مَحَالة جارٍ مع الاصْطلاح, مع أنَّه قال في آخر «الجامع»(254): وما قُلنا في كتابنا: حديث حسن, فإنَّما أردنا به حُسن إسْنَاده عندنَا, فقد صرَّح بأنَّه أرادَ حُسْن الإسناد, فانتفى أن يُريد حُسْن اللَّفظ.
وأجاب ابن دقيق العيد بِجَوابٍ ثالث, وهو: أنَّ الحسن لا يُشْترط فيه القُصُور عن الصحَّة, إلاَّ حيثُ انفردَ الحَسَن, أمَّا إذا ارتفعَ إلى درجة الصِّحة, فالحَسَن حاصلٌ لا مَحَالة تبعًا للصحَّة, لأنَّ وجُود الدَّرجة العُليا, وهي الحفظ والإتْقان, لا يُنَافي وجُود الدُّنيا كالصِّدق, فيصح أن يُقَال: حسنٌ, باعتبار الصِّفة الدُّنيا, صحيحٌ باعتبار العُليا, ويلزم على هذا أنَّ كل صحيح حسن, وقد سبقهُ إلى نحو ذلك ابن المَوَاق.
قال شيخ الإسْلام: وشبهُ ذلك قولهم في الرَّاوي: صدوق فقط, وصدوق ضابط, فإنَّ الأوَّل قاصرٌ عن درجة رِجَال الصَّحيح, والثَّاني منهم, فكمَا أنَّ الجمع بينهما لا يَضُر ولا يُشْكل, فكذلك الجمعُ بين الصِّحة والحسن.
ولابن كثير جواب رابع هو: أنَّ الجمع بين الصحَّة والحُسْن درجة متوسطة بين الصَّحيح والحَسَن. قال: فما يقول فيه: حسنٌ صحيحٌ, أعلى رُتبة من الحَسَنِ ودون الصَّحيح.
قال العِرَاقي(255): وهذا تحكم لا دليل عليه, وهو بعيد.
ولشيخ الإسْلام جوابٌ خامس, وهو التوسط بين كلام ابن الصَّلاح وابن دقيق العيد, فيخص جواب ابن الصَّلاح بما له إسنادان فصاعدًا, وجواب ابن دقيق العيد بالفرد.
قال: وجَوَابٌ سادس وهو الَّذي أرتضيه, ولا غُبَار عليه, وهو الَّذي مشى عليه في النُّخبة وشرحها: أنَّ الحديث إن تعدَّد إسْنَاده, فالوصف راجعٌ إليه باعتبار الإسْنَادين, أو الأسانيد.
قال: وعلى هذا, فمَا قيل فيه ذلك, فوق ما قيل فيه: صحيح فقط, إذا كان فَرْدًا, لأنَّ كَثْرة الطُّرق تُقَوِّي, وإلاَّ فبحسب اختلاف النقاد في راويه, فيرى المُجتهد منهم بعضهم يَقُول فيه: صَدُوق, وبعضهم يقول: ثقة, ولا يترجَّح عندهُ قول واحد منهمَا, أو يترجَّح, ولكنَّه يُريد أن يُشَير إلى كلام النَّاس فيه فيقول ذلك, وكأنَّه قال: حسنٌ عندَ قومٌ, صحيحٌ عند قَوْم.
قال: وغاية ما فيه أنَّه حذف منه حرف التردد, لأنَّ حقَّه أن يقول: حسن, أو حسنٌ صحيح, قال: وعلى هذا ما قيل فيه ذلك, دُون ما قيل فيه: صحيح, لأنَّ الجَزْم أقوى من التردد. انتهى.
وهذا الجواب مُركَّب من جواب ابن الصَّلاح وابن كثير.
مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 5و6) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 5) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 2) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 86) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 106و107)(1/63)
7- تقسيم البَغَوي أحاديثَ المصابيح (1) :
دَرَجَ الإمام البغوي في كتابه "المصابيح" على اصطلاح خاص له،وهو أنه يرمز إلى الأحاديث التي في الصحيحين أو أحدهما بقوله:" صحيح" وإلى الأحاديث التي في السنن الأربعة بقوله"حسن" وهو اصطلاح لا يستقيم مع الاصطلاح العام لدى المحدثين،لأن في السنن الأربعة الصحيح والحسن والضعيف والمنكر،لذلك نبه ابن الصلاح والنووي على ذلك،فينبغي على القارئ في كتاب " المصابيح" أن يكون على علم من اصطلاح البغوي الخاص في هذا الكتاب عند قوله عن الأحاديث:"صحيح" أو "حسن". (2)
8- الكتب التي من مظنات (3) الحسَنِ:
لم يفرد العلماء كتباً خاصة بالحديث الحسن المُجَرَّد كما أفردوا الصحيح المجرد في كتب مستقلة لكن هناك كتباً يكثر فيها وجود الحديث الحسن. فمن أشهر هذه الكتب :
__________
(1) - اسم الكتاب الكامل ، مصابيح السنة " وهو كتاب جمع فيه مؤلفه أحاديث منتقاة من الصحيحين والسنن الأربعة وسنن الدارمي ، وهو الذي زاد عليه وهذبه الخطيب التبريزي وسماه " مشكاة المصابيح "
(2) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 110)
[وأما تقسيم البَغَوي أحاديث «المصابيح» إلى حِسَان وصحاح مُريدًا بالصحاح ما في «الصَّحيحين» وبالحِسَان ما في «السُّنن» فليسَ بصوابٍ, لأنَّ في «السنن» الصَّحيح والحسن, والضعيف والمُنكر] كما سيأتي بيانه, ومن أطلق عليها الصحاح, كقول السَّلفي في الكتب الخمسة: اتفق على صحتها عُلماء المشرق والمغرب, وكإطلاق الحاكم على الترمذي: الجامع الصَّحيح, وإطلاق الخطيب عليه وعلى النَّسائي اسم الصحيح, فقد تساهل.
قال التاج التبريزي: ولا أزال أتعجَّب من الشَّيخين - يعني ابن الصَّلاح والنووي - في اعتراضهما على البَغَوي, مع أنَّ المُقرَّر أنَّه لا مشاحة في الاصْطلاح, وكذا مشى عليه عُلماء العجم, آخرهم شيخنا العَلاَّمة الكافيجي في «مختصره».
قال العِرَاقي(256): وأُجيب عن البَغَوي بأنَّه يُبيِّن عقب كل حديث الصَّحيح والحسن والغريب.
قال: وليسَ كذلك, فإنَّه لا يُبين الصَّحيح من الحَسَن فيما أوردهُ من السُّنن, بل يسكت ويُبيِّن الغريب والضعيف غالبًا, فالإيراد باق في مَزْجهُ صحيح ما في السَّنن بما فيها من الحسن.
وقال شيخ الإسْلام (257): أراد ابن الصَّلاح أن يعرف أنَّ البغوي اصْطَلح لنفسه أن يُسمِّي «السنن» الأربعة: الحسان, ليستغني بذلكَ عن أن يقول عقب كل حديث أخرجه أصحاب «السنن» فإنَّ هذا اصطلاح حادث ليس جاريًا على المُصطلح العُرْفي.
(3) - مظنات جمع مظنة بكسر الظاء، ومظنة الشيء معدنه وموضعه. فيكون معنى العنوان " الكتب التي هي موضع وجود الحسن"(1/65)
جامع الترمذي (1) : المشهور بـ " سنن الترمذي " فهو أصل في معرفة الحسن،والترمذي هو الذي شهره في هذا الكتاب وأكثر من ذكره . (2)
لكن ينبغي التنبه إلى أن نُسَخَهٌ تختلف في قوله " حسن صحيح " ونحوه،فعلى طالب الحديث العناية باختيار النسخة المحققة والمقابلة على أصول معتمدة (3) .
سنن أبي داود (4) : فقد ذكر في رسالته إلى أهل مكة : أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه،وما كان فيه وَهَنُ شديد بَيَّنّهُ،وما لم يذكر فيه شيئاً فهو صالح. فبناء على ذلك،إذا
__________
(1) - * ، وقد رتبه على الأبواب الفقهية ، وعدد أحاديثه حوالي (4000) ونيّف وقد جمع في كتابه بين طريقة الإمام البخاري ومسلم ، حيث يذكر الحديث في مكانه المناسب ثم يشير للأحاديث المشابهة له بذيله ، ويبين درجة الحديث من حيث الصحة والضعف ، وله مصطلحات خاصة به ، ثم يذكر من أخذ به من الصحابة والتابعين ، فغدا كتابه من الكتب الهامة في هذه الأمور ، وقد عرضه على الإمام البخاري والإمام مسلم وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي فقبلوه ، وهو إمام حجة في الجرح والتعديل ، وقد طعن بعض أهل العلم في بعض ما حسنه أو صححه ، ويجاب عن هذا إما باختلاف النسخ ، فنسخة يقول عن حديث حسن غريب ، وأخرى غريب ، أو أنه حسّن الحديث لشواهده ، أو كان له رأى في راو مختلف فيه رجح عنده عدالته ، كرأيه في دراج أبي السمح عن أبي الهيثم مثلاً . وقد لقى كتابه القبول لدى عامة أهل العلم ، وقام بشرحه كثيرون كابن رجب الحنبلي ، والحافظ العراقي ، وابن العربي والمباركفوري وغيرهم ، وله طبعات متعددة أهمها التي قام بتحقيقها العلامة أحمد محمد شاكر ولكن المنية اخترمته قبل إكماله .. ، والطبعة التي حققها الأستاذ عزت عبيد دعاس . وأفضل طبعة له طبعة بتحقيق د- عواد بشار معروف، وهو يحتاج لتحقيق ومقارنة بين النسخ وتخريج لكامل أحاديثه = موسوعة السنة النبوية - (ج 1 / ص 22)
وعدد الأحاديث التي صححها الشيخ ناصر رحمه الله حوالي ( 3945 ) والتي ضعفها حوالي ( 553)
(2) -* وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 110)
[فروعٌ: أحدها] في مظنة الحسن, كما ذكر في الصحَّيح مظانه, وذكر في كلِّ نوع مظانه من الكتب المُصنَّفة فيه إلاَّ يسيرا نبَّه عليه [كتاب] أبي عيسى [التِّرمذي أصلٌ في معرفة الحسن, وهو الَّذي شهره] وأكثر من ذكره.
قال ابن الصَّلاح(258): ويُوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطَّبقة التي قبله, كأحمد والبُخَاري وغيرهما.
قال العِرَاقي(259): وكذا مشايخ الطَّبقة الَّتي قبل ذلك كالشَّافعي, قال في اختلاف الحديث عند ذكر حديث ابن عُمر: لقد ارتقيتُ على ظهرِ بيت لنَا... الحديث. حديث ابن عُمر مسند حسن الإسناد.
وقال فيه أيضًا: وسمعتُ من يروي بإسْنَاد حسن: أنَّ أبا بكرة ذكرَ للنبَّي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه ركعَ دُونَ الصَّف... الحديث.
وكذا يعقوب بن شَيْبة في «مسنده» وأبو علي الطُّوسي أكثرا من ذلك, إلاَّ أنَّهما ألَّفا بعد الترمذي.
(3) -*تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 111)
قلت : لا بد من مقارنة النسخ الخطية للتأكد من قول الترمذي ، فإذا اختلفت النسخ فلا بد من النظر في الإسناد للتأكد من حكم الترمذي رحمه الله
(4) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 111)
أيضًا [سُنن أبي داود, فقد جَاء عنه أنَّه يذكر فيه الصَّحيح وما يُشبههُ ويُقَاربه, وما كان فيه وهن شديد بيَّنه, وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح] قال وبعضها أصح من بعض.
[فعَلَى هذا مَا وجدنا في كتابه مُطلقًا] ولم يكن في أحد «الصَّحيحين» [ولم يُصحِّحه غيره من المُعتمدين] الَّذين يُميزون بين الصَّحيح والحسن [ولا ضعفهُ, فهو حسنٌ عندَ أبي داود] لأنَّ الصَّالح للاحْتجاج لا يَخْرج عنهما, ولا يَرْتقي إلى الصِّحة إلاَّ بنص, فالأحوط الاقتصار على الحسن, وأحوط منه التعبير عنه بصالح.
وبهذا التَّقرير يندفع اعتراض ابن رشيد بأنَّ ما سكتَ عليه قد يَكُون عنده صحيحًا, وإن لم يَكُن كذلك عند غيره.
وزادَ ابن الصَّلاح(260): أنَّه قد لا يَكُون حَسَنًا عند غيره, ولا مُْندرجًا في حدِّ الحَسَن, إذ حَكَى ابن مَنْده أنَّه سمعَ مُحمَّد بن سعد الباوردي يَقُول: كان من مذهب النَّسائي أن يُخرِّج عن كلِّ من لم يُجْمع على تَرْكه.
قال ابن منده: وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه, ويُخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره, لأنَّه أقوى عنده من رأى الرجال. وهذا أيضًا رأي الإمام أحمد, فإنَّه قال: إنَّ ضعيف الحديث أحب إليه من رأى الرِّجال, لأنَّه لا يُعدل إلى القياس, إلاَّ بعد عدم النص.(1/66)
وجدنا فيه حديثاً لم يبين هو ضعفه،ولم يصححه أحد من الأئمة المعتمدين فهو حسن عند أبي داود . (1)
سنن الدار قطني : فقد نص الدارقطني على كثير منه في هذا الكتاب (2) .
الصحيحُ لغيره (3)
تعريفه:
__________
(1) -*قلت : هذا الحكم بشكل عام ، وإلا فهناك أحاديث سكت عنها وهي منكرة ، نبه عليها العلماء ، ولكنه في الحقيقة ينتقي أقوى الموجود في الباب ، وغالب أحاديثه في الأحكام .
وعدد أحاديث أبي داود حوالي (5276) صحح منها الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ( 4325 ) حديثا، وضعف حوالي ( 1127 ) ولكنه كان من المتشددين بالجرح والتعديل فلا يقبل تضعيفه حتى يوافقه غيره
(2) - *وعدد أحاديته في طبعة المكنز حوالي (4898 )
وهو مرتب على الأبواب ، وفي أحاديث الأحكام وقد قام الإمام الدارقطني ببيان الحكم على معظم أحاديثه وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل وله طبعة في أربعة أجزاء وعليها حاشية قيمة لعبد العظيم الآبادي . والكتاب بحاجة لضبط وتخريج لكامل أحاديثه .
وقال :إسْنَادٌ حَسَنٌ(31) مرة ، وإِسْنَادُهُ حَسَنٌ (3) مرات وحكم على أحاديث بالصحة كذلك ، وفيه أحاديث ضعيفة عديدة
(3) - قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 40) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 30) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 245)(1/67)
هو الحسن لذاته إذا رُويَ من طريق آخر مِثْلُهُ أو أقوى منه . وسُميَ صحيحاً لغيره لأن الصحة لم تأت من ذات السند،وإنما جاءت من انضمام غيره له .
مرتبته:
هو أعلى مرتبة من الحسن لذاته،ودون الصحيح لذاته .
مثاله:
حديث في سنن الترمذى برقم (22 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ » (1) .
قال ابن الصلاح : " فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة،لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه،ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته،فحديثه من هذه الجهة حسن،فلما انضم إلى ذلك كونه رُويَ من أَوْجُهِ أُخََرَ زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه،وانجبر به ذلك النقص اليسير،فصح هذا الإسناد،والتحق بدرجة الصحيح (2)
===================
__________
(1) - *وأخرجه البخاري برقم (7240 ) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
قَالَ أَبُو عِيسَى وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَحَدِيثُ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - كِلاَهُمَا عِنْدِى صَحِيحٌ لأَنَّهُ قَدْ رُوِىَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْحَدِيثُ. وَحَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّمَا صَحَّ لأَنَّهُ قَدْ رُوِىَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَصَحُّ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِىٍّ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عُمَرَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأَبِى أُمَامَةَ وَأَبِى أَيُّوبَ وَتَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَوَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ وَأَبِى مُوسَى. .
(2) -علوم الحديث ص 31-32(1/68)
الحَسَنُ لِغَيْره (1)
تعريفُه: (2)
هو الضعيف إذا تعددت طرقه،ولم يكن سببُ ضعفه فِسْقَ الراوي أو كَذِبَهُ.
يستفاد من هذا التعريف أن الضعيف يرتقي إلى درجة الحسن لغيره بأمرين هما:
أن يُرْوَى من طريق آخر فأكثر،على أن يكون الطريقُ الآخر مثله أو أقوى منه
أن يكون سببُ ضعف الحديث إما سوء حفظ راويه أو انقطاع في سنده أو جهالة في رجاله .
مرتبته: الحسن لغيره أدنى مرتبة من الحسن لذاته .
وينبني على ذلك أنه لو تعارض الحسن لذاته مع الحسن لغيرهِ قُدِّمَ الحسنُ لذاته .
حكمه:
هو من المقبول الذي يُحْتَجُّ به .مثاله:" ما رواه الترمذي 1137 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِى فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ فَأَجَازَهُ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِى سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِى حَدْرَدٍ الأَسْلَمِىِّ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. "
فعاصم ضعيف لسوء حفظه،وقد حسن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه " (3)
================
خَبَرُ الآحادِ المَقبولِ المُتَحفُّ بالقَرائِن
__________
(1) - * تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 105) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 246)
(2) -* قواعد التحديث ج:1 ص:108
(3) - *وقال ابن أبي حاتم في " العلل " ( 1 / 424 / رقم 1276 ) : " سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله ؟ فقال : منكر الحديث . يقال : إنه ليس له حديث يعتمد عليه . قلت: ما أنكروا عليه ؟ قال : روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ؛ أن رجلاً تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهو منكر ".(1/69)
توطئةٌ:
وفي ختام أقسام المقبول أبحث المقبول المحتف بالقرائن،والمراد بالمحتف بالقرائن أي الذي أحاط واقترن به من الأمور الزائدة على ما يتطلبه المقبول من الشروط .
وهذه الأمور الزائدة التي تقترن بالخبر المقبول تزيده قوة وتجعل له ميزة على غيره من الأخبار المقبولة الأخرى الخالية عن تلك الأمور الزائدة وترجحه عليه.
أنواعه:
الخبر المحتف بالقرائن أنواع،أشهرها :
- ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ حد المتواتر فقد احتف به قرائن منها :
جلالتهما في هذا الشأن .
تقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما .
تلقي العلماء لكتابيهما بالقبول.
وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر ؟
- المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة كلها من ضعف الرواة والعلل . (1)
- الخبر المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا:
كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي ويرويه الشافعي عن الإمام مالك ويشارك الإمام أحمد غيره في الرواية عن الإمام الشافعي،ويشارك الإمام الشافعي كذلك غيره في الرواية عن الإمام مالك. (2)
__________
(1) - قلت : قد ذكرت حوالي (239) حديثا كلها من هذا القبيل انظر لفظ ((صحيح مشهور ))
(2) -* كما في مسند أحمد برقم (5997) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِىُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ».
وعنده برقم (6177) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ قَالَ نَافِعٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ
وهذه متابعة للشافعي ومالك ( أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ )
وهو في صحيح البخارى برقم (2165 )حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فهذه متابعة للشافعي عن مالك وهو ( عبد الله بن يوسف)
وعند الترمذي برقم (1339 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
وهذه متابعة للإمام مالك وهو اللَّيْثُ بن سعد
وفي السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 5 / ص 344)برقم (11209)أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِىُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ».
فهذا طريق آخر والمتن واحد ، فهذا الحديث ينطبق عليه هذا التعريف(1/70)
3- حكمُه :
هو أرجح من أي خبر مقبول من أخبار الآحاد،فلو تعارض الخبر المحتف بالقرائن مع غيره من الأخبار المقبولة قدم الخبر المحتف بالقرائن . (1)
__________
(1) - *وذكر الشَّيخ, يعني ابن الصَّلاح: أنَّ ما رَوَياه, أو أحدهما فهو مقطوعٌ بصحَّته, والعلم القَطْعي حاصلٌ فيه.
قال: خِلافًا لمن نَفَى ذلك مُحتجًّا بأنَّه لا يُفيد إلاَّ الظَّن, وإنَّما تلقتهُ الأُمة بالقبول لأنَّه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطىء.
قال: وقد كنتُ أميل إلى هذا وأحسبه قويا, ثمَّ بان لي أنَّ الَّذي اخترناه أولاً هو الصَّحيح, لأنَّ ظن من هو معصوم من الخطأ لا يُخطىء, والأُمة في إجماعها معصومة من الخطأ, ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد, حُجَّة مقطوعا بها.
وقد قال إمام الحَرَمين: لو حلف إنْسَان بطلاق امرأته: أنَّ ما في «الصَّحيحين» مِمَّا حكما بصحته من قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألزمته الطَّلاق, لإجماع عُلماء المسلمين على صحته.
قال: وإن قال قائل: إنَّه لا يحنث, ولو لم يجمع المُسلمون على صحتها للشَّك في الحنث, فإنَّه لو حلف بذلك في حديث ليسَ هذه صفته, لم يحنث وإن كان رُواته فُسَّاقًا.
فالجواب: أنَّ المُضَاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظَاهرًا وبَاطنا, وأمَّا عند الشَّك فعدم الحنث محكُوم به ظَاهرًا مع احْتمال وجُوده باطنًا, حتَّى تستحب الرَّجعة.
وخَالفهُ المُحقِّقُون والأكْثُرون, فقالُوا: يُفيدُ الظَّن ما لم يَتَواتر.
قال المُصنِّف [وخالفهُ المُحققون والأكْثُرون, فقالوا: يُفيد الظَّن ما لم يتواتر].
قال في «شرح مسلم» : لأنَّ ذلك شأن الآحاد, ولا فَرْق في ذلك بين الشَّيخين وغَيْرهما, وتَلَقي الأُمة بالقَبُول إنَّما أفاد وجُوب العمل بما فيهما, من غير توقف على النَّظر فيه بخلاف غيرهما, فلا يُعمل به حتَّى يُنظر فيه, ويُوجد فيه شُروط الصَّحيح, ولا يَلْزم من إجْمَاع الأُمة على العمل بما فيهما, إجماعهم على القَطْع بأنَّه كلام النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال: وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بما قاله الشَّيخ وبالغ في تغليظه. انتهى.
وكذا عاب ابن عبد السَّلام على ابن الصَّلاح هذا القول, وقال: إنَّ بعض المُعتزلة يَرَون أنَّ الأُمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته, قال: وهو مذهب رديء.
وقال البَلْقيني : ما قاله النَّووي وابن عبد السَّلام ومن تبعهما ممنوع, فقد نقل بعض الحُفَّاظ المُتأخرين, مثل قول ابن الصَّلاح عن جماعة من الشَّافعية, كأبي إسحاق, وأبي حامد الأسفراييني, والقاضي أبي الطَّيب, والشَّيخ أبي إسْحَاق الشِّيرازي, وعن السَّرخسي من الحنفية والقَاضي عبد الوهاب من المَالكية, وأبي يَعْلى وأبي الخَطَّاب وابن الزَّاغُواني من الحَنَابلة, وابن فُورك, وأكثر أهل الكلام من الأشْعَرية وأهل الحديث قَاطبة, ومذهب السَّلف عَامة أنَّهم يَقْطعُون بالحديث الَّذي تلقته الأُمة بالقَبُول, بل بالغ ابن طاهر المَقْدسي في صِفَة التصوف, فألحق به ما كان على شَرْطهما وإن لم يُخرجاه.
وقال شيخ الإسْلام : ما ذكرهُ النَّووي في «شرح مسلم» من جهة الأكثرين, أمَّا المُحقِّقون فلا, فقد وافق ابن الصَّلاح أيضًا مُحققون.
وقال في «شرح النخبة»: الخبر المُحْتفِ بالقَرَائن يُفيد العِلْم, خلافًا لمن أبَى ذلك.قال: وهو أنواع:
منها: ما أخرجه الشَّيخان في «صحيحيهما» مِمَّا لم يبلغ التَّواتر, فإنَّه احتف به قرائن.
منها: جلالتهما في هذا الشَّأن, وتقدمهما في تَميِّيز الصَّحيح على غيرهما, وتلقى العُلماء لكتابيهما بالقَبُول, وهذا التَّلقي وحدهُ أقوى في إفَادة العِلْم من مُجرد كَثْرة الطُّرق القاصرة عن التَّواتر, إلاَّ أنَّ هذا مُختص بما لم ينتقده أحد من الحُفَّاظ مِمَّا في الكتابين, وبما لم يقع التَّجاذب بين مدلوليه, مِمَّا وقع في الكِتَابين, حيث لا ترجيح, لاسْتحَالة أن يُفيد المتناقضان العلم بصدقهما, من غير ترجيح لأحدهما على الآخر, وما عدَا ذلك, فالإجماع حاصل على تسليم صحته.
قال: وما قيلَ من أنَّهم إنَّما اتَّفقوا على وجوب العَمَل به, لا على صحته ممنوعٌ, لأنَّهم اتَّفقُوا على وجُوب العمل بكلِّ ما صحَّ, ولو لم يُخرجاه, فلم يبق للصَّحيحين في هذا مزية, والإجماع حاصلٌ على أنَّ لهُمَا مزية فيما يرجع إلى نفس الصِّحة.
قال: ويُحتمل أن يُقَال: المزية المَذْكُورة كون أحاديثهم أصح الصَّحيح.
قال: ومنها المَشْهور, إذا كانت له طرق مُتباينة سالمة من ضعف الرُّواة والعلل, ومِمَّن صرَّح بإفادته العلم النَّظري الأستاذ أبو منصُور البغدادي.
قال: ومنها المُسَلسل بالأئمة الحُفَّاظ المُتقنين حيثَ لا يَكُون غَريبًا كحديث يرويه أحمد مثلا, ويُشَاركه فيه غيره عن الشَّافعي, ويُشَاركه فيه غيره عن مالك, فإنَّه يُفيد العِلْم عند سَمَاعه بالاسْتدلال من جهة جلالة رُواته.
قال: وهذه الأنواع الَّتي ذَكَرناها لا يحصل العِلْم بصدق الخَبر فيها إلاَّ للعالم المُتبحِّر في الحديث, العارف بأحوال الرُّواة والعلل, وكون غيره لا يحصل له العلم لِقُصوره عن الأوصاف المذكورة, ولا ينفي حُصُول العلم للمتبحِّر المَذْكُور. انتهى.
وقال ابن كثير: وأنا مع ابن الصَّلاح فيما عَوَّل عليه وأرْشد إليه.
قلت: وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه, نعم يبقى الكلام في التَّوفيق بينهُ وبين ما ذكرهُ أولاً من أنَّ المُرَاد بقولهم: هذا حديثٌ صحيح, أنَّه وجدت فيه شُروط الصِّحة, إلاَّ أنَّه مقطوع به في نفس الأمر, فإنَّه مُخَالف لِمَا هنا, فلينظر في الجمع بينهُمَا, فإنَّه عسر, ولم أر من تنبَّه له.
تنبيه:
استثنى ابن الصَّلاح من المقطُوع بصحَّته فيهما ما تكلَّم فيه من أحاديثهما, فقال(200): سوى أحرف يسيرة تكلَّم عليها بعض أهل النَّقد من الحُفَّاظ كالدَّارقُطْني وغيره.
قال شيخ الإسْلام : وعدة ذلك مئتان وعشُرون حديثًا اشتركا في اثنين وثلاثين, واختصَّ البُخَاري بثمانين إلاَّ اثنين, ومسلم بمئة وعشرة.
فقال المُصنِّف في «شرح البُخَاري»: ما ضعف من أحاديثهما مبني على علل ليست بقادحة.
وقال شيخ الإسْلام: فكأنَّه مال بهذا إلى أنَّه ليس فيهما ضعيف, وكلامه في «شرح مسلم» يقتضي تقرير قول من ضعف, فكان هذا بالنسبة إلى مقامهما, وأنَّه يدفع عن البُخَاري ويُقرِّر على مُسْلم.
قال العِرَاقي : وقد أفردتُ كتاب لما تكلَّم فيه في «الصَّحيحين» أو أحدهما مع الجَوَاب عنه.
قال شيخُ الإسْلام : ولم يُبيض هذا الكتاب, وعُدمت مُسَودته, وقد سردَ شيخ الإسْلام ما في البُخَاري من الأحاديث المُتكلَّم فيها في «مقدمة» شرحه, وأجاب عنها حديثا حديثا.
ورأيتُ فيما يتعلَّق بمُسلم تأليفا مخصُوصا فيما ضُعِّف من أحاديثه, بسبب ضعف رُواته, وقد ألَّف الشَّيخ ولي الدين العِرَاقي كتابًا في الرَّد عليه.
وذكر بعض الحُفَّاظ أنَّ في كتاب مسلم أحاديث مُخالفة لشرط الصَّحيح, بعضها أُبْهم راويه, وبعضها فيه إرْسَال وانْقطاع, وبعضها فيه وجَادة, وهي في حكم الانقطاع, وبعضها بالمكاتبة.
وقد ألَّف الرَّشيد العَطَّار كتابًا في الرَّد عليه, والجواب عنها حديثًا حديثًا وقد وقفتُ عليه, وسيأتي نقل ما فيه مُلخصًا مُفرَّقا في المواضع اللائقة به إن شَاء الله تعالى, ونُعجِّل هُنا بجواب شامل, لا يختص بحديث دون حديث.
قال شيخُ الإسْلام في «مُقدمة شرح البُخَاري» الجواب من حيث الإجمال عمَّا انْتُقد عليهما, أنَّه لا ريب في تقدم البُخَاري, ثمَّ مسلم على أهل عَصْرهما, ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصَّحيح والعلل, فإنَّهم لا يختلفون أنَّ ابن المَدِيني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث, وعنهُ أخذ البُخَاري ذلك, ومع ذلكَ, فكان ابن المَدِيني إذا بلغهُ عن البُخَاري شيء يَقُول: ما رأى مثل نفسهِ, وكان محمَّد بن يحيى الذُّهلي أعلم أهل عَصْرهِ بعلل حديث الزُّهْري, وقد استفاد ذلك منه الشَّيخان جميعا.
وقال مسلم : عرضتُ كتابي على أبي زرعة الرَّازي, فمَا أشار أنَّ له عِلَّة تركته.
فإذا عُرف ذلك, وتقرَّر أنَّهما لا يُخرجان من الحديث إلاَّ ما لا عِلَّة له, أو له عِلَّة غير مُؤثرة عندهما, فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يَكُون قوله مُعَارضا لتصحيحهما, ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما, فيندفع الاعتراض من حيث الجُمْلة, وأمَّا من حيث التفصيل فالأحاديث الَّتي انتقدت عليهما سِتَّة أقسام:
الأوَّل: ما يختلف الرُّواة فيه بالزِّيادة والنَّقص من رجال الإسْنَاد, فإن أخرج صاحب الصَّحيح الطَّريق المزيدة, وعلَّله الناقد بالطريق الناقصة, فهو تعليل مردود, لأنَّ الرَّاوي إن كان سمعهُ فالزِّيادة لا تضر, لأنَّه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه, ثمَّ لقيهُ فسمعه منه, وإن كان لم يسمعه في الطَّريق النَّاقصة, فهو منقطع, والمنقطع ضعيف, والضعيف لا يعل الصحيح.
ومن أمثلة ذلك ما أخرجاهُ من طريق الأعمش عن مُجَاهد عن طاووس عن ابن عبَّاس في قصة القبرين.
قال الدَّارقُطْني في انتقاده: قد خالف منصور, فقال: عن مُجَاهد عن ابن عبَّاس, وأخرج البُخَاري(209) حديث منصور على إسقاط طاووس, قال: وحديث الأعمش أصح.
قال شيخ الإسْلام : وهذا في التَّحقيق ليس بعلَّة, فإنَّ مُجَاهدا لم يُوصف بالتَّدليس, وقد صحَّ سَماعه من ابن عبَّاس, ومنصور عندهم أتقن من الأعمش, والأعمش أيضًا من الحُفَّاظ, فالحديث كيفما دار, دار على ثقة, والإسناد كيفما دار, كان مُتَّصلاً, وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا, وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق النَّاقصة, وعلَّله الناقد بالمزيدة, تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صحَّحه المُصنِّف, فينظر إن كان الرَّاوي صحابيا, أو ثقة غير مُدلِّس, قد أدرك من روى عنه إدراكا بينًا, أو صرَّح بالسَّماع إن كان مدلِّسًا من طريق أخرى, فإن وجد ذلكَ اندفعَ الاعتراض بذلك, وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهرًا, فمحصل الجَوَاب أنَّه إنَّما أخرج مثل ذلك, حيث له سائغ وعاضد, وحفته قرينة في الجملة تقويه, ويكُون التَّصحيح وقع من حيث المَجْمُوع.
مثاله: ما رواه البُخَاري من حديث أبي مروان, عن هِشَام بن عُروة, عن أبيه, عن أمِّ سَلَمة أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «إذَا صَلَّيتِ الصُّبح فَطُوفي على بَعيرك والنَّاس يُصَلُّون...» الحديث.
قال الدَّارقُطْني : هذا مُنقطع, وقد وَصَلهُ حفص بن غِيَاث, عن هشام, عن أبيه, عن زينب, عن أمِّ سلمة, ووصله مالك في «الموطأ» عن أبي الأسْود عن عُروة كذلك.
قال شيخ الإسْلام : حديث مالك عندَ البُخَاري مقرون بحديث أبي مروان, وقد وقع في رِوَاية الأصيلي, عن هِشَام, عن أبيه, عن زينب, عن أمِّ سَلَمة موصُولاً, وعليها اعتمد المِزِّي في «الأطراف» ولكن مُعظم الرِّوايات على إسْقَاط زينب.
قال أبو علي الجِيَاني: وهو صحيح, وكذا أخرجهُ الإسْمَاعيلي بإسْقَاطه, من حديث عَبْدة بن سُليمان ومُحاضر وحسَّان بن إبراهيم, كُلهم عن هِشَام, وهو المحفُوظ من حديثه, وإنَّما اعتمدَ البُخَاري فيه رِوَاية مالك, الَّتي أثبت فيها ذكر زينب, ثمَّ ساق معها رواية هشام الَّتي أسقطت منها, حاكيًا للخلاف فيه على عروة كَعَادته, مع أنَّ سَمَاع عُروة من أمِّ سلمة ليسَ بالمُستبعد.
قال: وربَّما علَّل بعض النُّقاد أحاديث ادَّعى فيها الانقطاع, لكونها مَرْوية بالمُكَاتبة والإجَازة, وهذا لا يلزم منهُ الانقطاع عند من يُسوِّغ ذلك, بل في تخريج صاحب الصَّحيح لمثل ذلك دليل على صحَّته عنده.
القسم الثاني: ما تختلف الرُّواة فيه بتغيير رِجَال بعض الإسْنَاد, والجَوَاب عنه أنَّه إن أمْكَن الجمع بأن يَكُون الحديث عند ذلكَ الرَّاوي على الوجهين, فأخرجهما المُصنِّف, ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المُختلفون في ذلك مُتعادلين في الحفظ والعدد, أو مُتفاوتين, فيخرج الطَّريقة الرَّاجحة ويعرض عن المَرْجُوحة, أو يُشير إليها, فالتعليل بجميع ذلك لمُجَرَّد الاختلاف غيرُ قادح, إذ لا يَلْزم من مُجَرَّد الاختلاف اضطراب يُوجب الضَّعف.
الثَّالث: ما تفرَّد فيه بعض الرُّواة, بزيادة لم يذكرها أكثر منه أو أضبط, وهذا لا يُؤثر التَّعليل به, إلاَّ إن كانت الزِّيادة مُنَافية, بحيث يتعذَّر الجمع, وإلاَّ فهي كالحديث المُستقل, إلاَّ إن وضح بالدليل القوي أنَّها مُدْرجة من كلام بعض رُواته فهو مؤثر, وسيأتي مثاله في المُدْرج.
الرَّابع: ما تفرَّد به بعض الرُّواة مِمَّن ضُعِّف, وليس في الصَّحيح من هذا القبيل غير حديثين, تبين أنَّ كُلاًّ منهما قد تُوبع.
أحدهما: حديث إسماعيل بن أبي أويس, عن مالك, عن زيد بن أسْلم, عن أبيه, أنَّ عُمر استعملَ مولى له يُدعى هُنيًا على الحِمَى... الحديث بطوله .قال الدَّارقُطْني: إسْمَاعيل ضعيف.
قال شيخ الإسلام : ولم يَنْفرد به, بل تابعهُ معن بن عيسى, عن مَالك, ثمَّ إن إسماعيل ضعفهُ النَّسائي وغيره, وقال أحمد وابن معين في رواية: لا بأس به, وقال أبو حاتم: محله الصِّدق, كان مُغفَّلاً, وقد صحَّ أنَّه أخرج للبُخَاري أُصوله وأذن له أن ينتقي منها, وهو مُشْعر بأنَّ ما أخرجهُ البُخَاري عنه من صحيح حديثه, لأنَّه كتب من أصوله, وأخرج له مسلم أقل مِمَّا أخرج له البُخَاري.
ثانيهما: حديث أُبَي بن عبَّاس بن سهل بن سعد, عن أبيه, عن جدِّه قال: كان للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فرس يُقال له: اللحيف.
قال الدَّارقُطْني أُبي ضعيف.قال شيخ الإسْلام: تابعهُ عليه أخوه عبد المُهيمن.
القسم الخامس: ما حكم فيه على بعض الرُّواة بالوهم, فمنه مالا يؤثر قدحًا, ومنه ما يؤثر.
السَّادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن, فهذا أكثره, لا يترتب عليه قدح, لإمكان الجمع أو الترجيح. انتهى. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 83) اهـ
قلت :
الذي تبين لدي أن كل حديث صحيح لذاته صححه عالم معتبر من علماء الحديث ، ولم يطعن به أحد من علماء الجرح والتعديل ، سواء أكان في الصحيحين أم في غيرهما فهو حديث مقطوع بصحته .
وكلُّ حديث صحَّ لغيره فما دون أو صححه قوم وضعفه آخرون ، فلا نقطع بصحته ، بل يفيد غلبة الظن
هذا وأصول الدين لا تثبت إلا بالمتواتر من القرآن والسنة ، ولكن تفصيلاتها الفرعية تثبت بالصحيح لذاته ويجب الاعتقاد بصحتها . ولكن من أنكرها لا بد من إقامة الحجة عليه أولاً(1/71)
المبْحَثُ الثَاني
ـ تقسيم الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به ـ
ينقسم الخبر المقبول إلى قسمين: معمول به وغير معمول به،وينبثق عن ذلك نوعان من أنواع علوم الحديث وهما: " المٌحْكَم ومٌخْتَلفٌ الحديث " و" الناسخ والمنسوخ "
المُحْكَم ومُخْتلِف الحديث
تعريف المُحْكَم:
أ) لغة: هو اسم مفعول به " أَحْكَم " بمعنى أَتْقَنَ.
ب) اصطلاحاً: هو الحديث المقبول الذي سَلِمَ من معارضة مِثْلِهِ .
وأكثر الأحاديث من هذا النوع،وأما الأحاديث المتعارضة المختلفة فهي قليلة بالنسبة لمجموع الأحاديث.
تعريف مُخْتَلِف الحديث (1)
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 63) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 1) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 284) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 322) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 92) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 16) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 41) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 362)(1/75)
لغة: هو اسم فاعل من " الاختلاف " ضد الاتفاق،ومعنى مختلف الحديث : أي الأحاديث التي تصلنا ويخالف بعضها بعضاً في المعنى،أي يتضادَّان في المعنى .
اصطلاحاً : هو الحديث المقبول المُعَارَض بمثله مع إمكان الجمع بينهما .
أي هو الحديث الصحيح أو الحسن الذي يجيء حديث آخر مثله في المرتبة والقوة ويناقضه ولا بد من الجمع بين مدلوليهما بشكل مقبول.
3- مثال المُخْتَلِفُ:
أ) حديث :« لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ ». " الذي أخرجه مسلم (1) مع
ب) حديث: « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ،وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ » . الذي رواه البخاري (2) .
فهذان حديثان صحيحان ظاهرهما التعارض،لأن الأول ينفي العدوى،والثاني يثبتها،وقد جمع العلماء بينهما ووفقوا بين معناهما على وجوه متعددة،أذكر هنا ما اختاره الحافظ ابن حجر،ومفادُه ما يلي :
4- كيفية الجمع:
وكيفية الجمع بين هذين الحديثين أن يقال : أن العدوى منفية وغير ثابتة،بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يُعْدِى شَىْءٌ شَيْئًا ». (3)
__________
(1) - * مسلم برقم (5920 )
الصفر : حية تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه وهى معدية فى زعم العرب =الهامة : اسم طائر كانوا يتشاءمون به وقيل روح من لم يُدرك ثأره
(2) - * البخارى برقم (5707 ) المجذوم : المصاب بالجذام وهو داء تتساقط أعضاء من يصاب به .
(3) - *مسند أحمد برقم (8565) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُعْدِى شَىْءٌ شَيْئاً لاَ يُعْدِى شَىْءٌ شَيْئاً ». ثَلاَثاً قَالَ فَقَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ أَوْ بِعَجْبِهِ فَتَشْمَلُ الإِبِلَ جَرَباً. قَالَ فَسَكَتَ سَاعَةً فَقَالَ « مَا أَعْدَى الأَوَّلَ لاَ عَدْوَى وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ فَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَهَا ». وهو حديث صحيح
المشفر : المشفر للبعير كالشفة للإنسان = النقبة : أول شىء يظهر من الجرب(1/76)
وقوله لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون بين الإبل الصحيحة فيخالطها فتجرب : « فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ » (1)
يعني أن الله تعالى ابتدأ ذلك المرض في الثاني كما ابتدأه في الأول . وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمنْ باب سدِّ الذرائع،أي لئلا يتفق للشخص الذي يخالط ذلك المجذوم حصول شيء له من ذلك المرض بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية،فيظن أن ذلك كان بسبب مخالطته له،فيعتقد صحة العدوى،فيقع في الإثم،فأُمِرَ بتجنب المجذوم دفعاً للوقوع في هذا الاعتقاد الذي يسبب الوقوع في الإثم. (2)
__________
(1) -* البخاري برقم ( 5717)
(2) - *وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 225)
قَالَ عِيَاض : اِخْتَلَفَتْ الْآثَار فِي الْمَجْذُوم ، فَجَاءَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ جَابِر " أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ مَعَ مَجْذُوم وَقَالَ : ثِقَة بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ " قَالَ فَذَهَبَ عُمَر وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف إِلَى الْأَكْل مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْر بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخ . وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ عِيسَى بْن دِينَار مِنْ الْمَالِكِيَّة ، قَالَ : وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر وَيَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ أَنْ لَا نَسْخ ، بَلْ يَجِب الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْل الْأَمْر بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَار مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالِاحْتِيَاط ، وَالْأَكْل مَعَهُ عَلَى بَيَان الْجَوَاز ا ه . هَكَذَا اِقْتَصَرَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى حِكَايَة هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ، وَحَكَى غَيْره قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ التَّرْجِيح ، وَقَدْ سَلَكَهُ فَرِيقَانِ : أَحَدهمَا سَلَكَ تَرْجِيح الْأَخْبَار الدَّالَّة عَلَى نَفْي الْعَدْوَى وَتَزْيِيف الْأَخْبَار الدَّالَّة عَلَى عَكْس ذَلِكَ مِثْل حَدِيث الْبَاب فَأَعَلُّوهُ بِالشُّذُوذِ ، وَبِأَنَّ عَائِشَة أَنْكَرَتْ ذَلِكَ ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهَا " أَنَّ اِمْرَأَة سَأَلَتْهَا عَنْهُ فَقَالَتْ : مَا قَالَ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : لَا عَدْوَى ، وَقَالَ : فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّل ؟ قَالَتْ : وَكَانَ لِي مَوْلًى بِهِ هَذَا الدَّاء فَكَانَ يَأْكُل فِي صِحَافِي وَيَشْرَب فِي أَقْدَاحِي وَيَنَام عَلَى فِرَاشِي " وَبِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة تَرَدَّدَ فِي هَذَا الْحُكْم كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فَيُؤْخَذ الْحُكْم مِنْ رِوَايَة غَيْره ، وَبِأَنَّ الْأَخْبَار الْوَارِدَة مِنْ رِوَايَة غَيْره فِي نَفْي الْعَدْوَى كَثِيرَة شَهِيرَة بِخِلَافِ الْأَخْبَار الْمُرَخِّصَة فِي ذَلِكَ ، وَمِثْل حَدِيث " لَا تُدِيمُوا النَّظَر إِلَى الْمَجْذُومِينَ " وَقَدْ أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَسَنَده ضَعِيف ، وَمِثْل حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى رَفَعَهُ " كَلِّمْ الْمَجْذُوم وَبَيْنك وَبَيْنه قَيْد رُمْحَيْنِ " أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي الطِّبّ بِسَنَدٍ وَاهٍ ، وَمِثْل مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ " أَنَّ عُمَر قَالَ لِمُعَيْقِيب : اِجْلِسْ مِنِّي قَيْد رُمْح " وَمِنْ طَرِيق خَارِجَة بْن زَيْد كَانَ عُمَر يَقُول نَحْوه ، وَهُمَا أَثَرَانِ مُنْقَطِعَانِ ، وَأَمَّا حَدِيث الشَّرِيد الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُذَام ، وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ أَنَّ طَرِيق التَّرْجِيح لَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا مَعَ تَعَذُّر الْجَمْع ، وَهُوَ مُمْكِن ، فَهُوَ أَوْلَى . الْفَرِيق الثَّانِي سَلَكُوا فِي التَّرْجِيح عَكْس هَذَا الْمَسْلَك ، فَرَدُّوا حَدِيث لَا عَدْوَى بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة رَجَعَ عَنْهُ إِمَّا لِشَكِّهِ فِيهِ وَإِمَّا لِثُبُوتِ عَكْسه عِنْده كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحه فِي " بَاب لَا عَدْوَى " قَالُوا : وَالْأَخْبَار الدَّالَّة عَلَى الِاجْتِنَاب أَكْثَر مَخَارِج وَأَكْثَر طُرُقًا فَالْمَصِير إِلَيْهَا أَوْلَى ، قَالُوا : وَأَمَّا حَدِيث جَابِر " أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُوم فَوَضَعَهَا فِي الْقَصْعَة وَقَالَ : كُلْ ثِقَة بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ " فَفِيهِ نَظَر ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَبَيَّنَ الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى رَاوِيه وَرَجَّحَ وَقْفه عَلَى عُمَر ، وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ وَضَعَ يَده فِي الْقَصْعَة ، قَالَهُ الْكَلَابَاذِيّ فِي " مَعَانِي الْأَخْبَار " . وَالْجَوَاب أَنَّ طَرِيق الْجَمْع أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَيْضًا فَحَدِيث لَا عَدْوَى ثَبَتَ مِنْ غَيْر طَرِيق أَبِي هُرَيْرَة فَصَحَّ عَنْ عَائِشَة وَابْن عُمَر وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَجَابِر وَغَيْرهمْ ، فَلَا مَعْنَى لِدَعْوَى كَوْنه مَعْلُولًا ، وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي طَرِيق الْجَمْع مَسَالِك أُخْرَى :
أَحَدهَا : نَفْي الْعَدْوَى جُمْلَة وَحَمْل الْأَمْر بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُوم عَلَى رِعَايَة خَاطِر الْمَجْذُوم ، لِأَنَّهُ إِذَا رَأَى الصَّحِيح الْبَدَن السَّلِيم مِنْ الْآفَة تَعْظُم مُصِيبَته وَتَزْدَاد حَسْرَته ، وَنَحْوه حَدِيث " لَا تُدِيمُوا النَّظَر إِلَى الْمَجْذُومِينَ " فَإِنَّهُ مَحْمُول عَلَى هَذَا الْمَعْنَى .
ثَانِيهَا : حَمْل الْخِطَاب بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات عَلَى حَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، فَحَيْثُ جَاءَ " لَا عَدْوَى " كَانَ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ مَنْ قَوِيَ يَقِينه وَصَحَّ تَوَكُّله بِحَيْثُ يَسْتَطِيع أَنْ يَدْفَع عَنْ نَفْسه اِعْتِقَاد الْعَدْوَى ، كَمَا يَسْتَطِيع أَنْ يَدْفَع التَّطَيُّر الَّذِي يَقَع فِي نَفْس كُلّ أَحَد ، لَكِنْ الْقَوِيّ الْيَقِين لَا يَتَأَثَّر بِهِ ، وَهَذَا مِثْل مَا تَدْفَع قُوَّة الطَّبِيعَة الْعِلَّة فَتُبْطِلهَا ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل حَدِيث جَابِر فِي أَكْل الْمَجْذُوم مِنْ الْقَصْعَة وَسَائِر مَا وَرَدَ مِنْ جِنْسه ، وَحَيْثُ جَاءَ " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُوم " كَانَ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ مَنْ ضَعُفَ يَقِينه ، وَلَمْ يَتَمَكَّن مِنْ تَمَام التَّوَكُّل فَلَا يَكُون لَهُ قُوَّة عَلَى دَفْع اِعْتِقَاد الْعَدْوَى ، فَأُرِيدَ بِذَلِكَ سَدُّ بَاب اِعْتِقَاد الْعَدْوَى عَنْهُ بِأَنْ لَا يُبَاشِر مَا يَكُون سَبَبًا لِإِثْبَاتِهَا . وَقَرِيب مِنْ هَذَا كَرَاهِيَته - صلى الله عليه وسلم - الْكَيّ مَعَ إِذْنه فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره ، وَقَدْ فَعَلَ هُوَ - صلى الله عليه وسلم - كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِيَتَأَسَّى بِهِ كُلّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ .
ثَالِث الْمَسَالِك : قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر الْبَاقِلَّانِيّ : إِثْبَات الْعَدْوَى فِي الْجُذَام وَنَحْوه مَخْصُوص مِنْ عُمُوم نَفْي الْعَدْوَى ، قَالَ : فَيَكُون مَعَنِي قَوْله : " لَا عَدْوَى " أَيْ إِلَّا مِنْ الْجُذَام وَالْبَرَص وَالْجَرَب مَثَلًا ، قَالَ : فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يُعْدِي شَيْء شَيْئًا إِلَّا مَا تَقَدَّمَ تَبْيِينِي لَهُ أَنَّ فِيهِ الْعَدْوَى . وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ اِبْن بَطَّال .
رَابِعهَا : أَنَّ الْأَمْر بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُوم لَيْسَ مِنْ بَاب الْعَدْوَى فِي شَيْء ، بَلْ هُوَ لِأَمْرٍ طَبِيعِيّ وَهُوَ اِنْتِقَال الدَّاء مِنْ جَسَد لِجَسَدٍ بِوَاسِطَةِ الْمُلَامَسَة وَالْمُخَالَطَة وَشَمِّ الرَّائِحَة ، وَلِذَلِكَ يَقَع فِي كَثِير مِنْ الْأَمْرَاض فِي الْعَادَة اِنْتِقَال الدَّاء مِنْ الْمَرِيض إِلَى الصَّحِيح بِكَثْرَةِ الْمُخَالَطَة ، وَهَذِهِ طَرِيقَة اِبْن قُتَيْبَة فَقَالَ : الْمَجْذُوم تَشْتَدّ رَائِحَته حَتَّى يُسْقِم مَنْ أَطَالَ مُجَالَسَته وَمُحَادَثَته وَمُضَاجَعَته ، وَكَذَا يَقَع كَثِيرًا بِالْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُل وَعَكْسه ، وَيَنْزِع الْوَلَد إِلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَأْمُر الْأَطِبَّاء بِتَرْكِ مُخَالَطَة الْمَجْذُوم لَا عَلَى طَرِيق الْعَدْوَى بَلْ عَلَى طَرِيق التَّأَثُّر بِالرَّائِحَةِ لِأَنَّهَا تُسْقِم مَنْ وَاظَبَ اِشْتِمَامهَا ، قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ " لِأَنَّ الْجَرَب الرَّطْب قَدْ يَكُون بِالْبَعِيرِ ، فَإِذَا خَالَطَ الْإِبِل أَوْ حَكَّكَهَا وَأَوَى إِلَى مَبَارِكهَا وَصْل إِلَيْهَا بِالْمَاءِ الَّذِي يَسِيل مِنْهُ ، وَكَذَا بِالنَّظَرِ نَحْو مَا بِهِ . قَالَ : وَأَمَّا قَوْله : " لَا عَدْوَى " فَلَهُ مَعْنًى آخَر ، وَهُوَ أَنْ يَقَع الْمَرَض بِمَكَانٍ كَالطَّاعُونِ فَيَفِرّ مِنْهُ مَخَافَة أَنْ يُصِيبهُ ، لِأَنَّ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْفِرَار مِنْ قَدَر اللَّه .
الْمَسْلَك الْخَامِس : أَنَّ الْمُرَاد بِنَفْيِ الْعَدْوَى أَنَّ شَيْئًا لَا يُعْدِي بِطَبْعِهِ نَفْيًا لِمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَعْتَقِدهُ أَنَّ الْأَمْرَاض تُعْدِي بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْر إِضَافَة إِلَى اللَّه ، فَأَبْطَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - اِعْتِقَادهمْ ذَلِكَ وَأَكَلَ مَعَ الْمَجْذُوم لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يُمْرِض وَيَشْفِي ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّنُوّ مِنْهُ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي أَجْرَى اللَّه الْعَادَة بِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى مُسَبَّبَاتهَا ، فَفِي نَهْيه إِثْبَات الْأَسْبَاب ، وَفِي فِعْله إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لَا تَسْتَقِلّ ، بَلْ اللَّه هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ سَلَبَهَا قُوَاهَا فَلَا تُؤَثِّر شَيْئًا ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا فَأَثَّرَتْ ، وَيَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُون أَكْله - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الْمَجْذُوم أَنَّهُ كَانَ بِهِ أَمْر يَسِير لَا يُعْدِي مِثْله فِي الْعَادَة ، إذْ لَيْسَ الْجَذْمَى كُلّهمْ سَوَاء ، وَلَا تَحْصُل الْعَدْوَى مِنْ جَمِيعهمْ بَلْ لَا يَحْصُل مِنْهُ فِي الْعَادَة عَدْوَى أَصْلًا كَاَلَّذِي أَصَابَهُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَوَقَفَ فَلَمْ يَعُدْ بَقِيَّة جِسْمه فَلَا يُعْدِي . وَعَلَى الِاحْتِمَال الْأَوَّل جَرَى أَكْثَر الشَّافِعِيَّة ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْد أَنْ أَوْرَدَ قَوْل الشَّافِعِيّ مَا نَصُّهُ : الْجُذَام وَالْبَرَص يَزْعُم أَهْل الْعِلْم بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِب أَنَّهُ يُعْدِي الزَّوْج كَثِيرًا ، وَهُوَ دَاء مَانِع لِلْجِمَاعِ لَا تَكَاد نَفْس أَحَد تَطِيب بِمُجَامَعَةِ مَنْ هُوَ بِهِ وَلَا نَفْس اِمْرَأَة أَنْ يُجَامِعهَا مَنْ هُوَ بِهِ ، وَأَمَّا الْوَلَد فَبَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ وَلَده أَجْذَم أَوْ أَبْرَص أَنَّهُ قَلَّمَا يَسْلَم ، وَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْله . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " لَا عَدْوَى " فَهُوَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ إِضَافَة الْفِعْل إِلَى غَيْر اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ يَجْعَل اللَّه بِمَشِيئَتِهِ مُخَالَطَة الصَّحِيح مَنْ بِهِ شَيْء مِنْ هَذِهِ الْعُيُوب سَبَبًا لِحُدُوثِ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارك مِنْ الْأَسَد " وَقَالَ : " لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ " وَقَالَ فِي الطَّاعُون " مَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَم عَلَيْهِ " وَكُلّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى . وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ اِبْن الصَّلَاح فِي الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ وَمَنْ بَعْده وَطَائِفَة مِمَّنْ قَبْله .
الْمَسْلَك السَّادِس : الْعَمَل بِنَفْيِ الْعَدْوَى أَصْلًا وَرَأْسًا ، وَحَمْل الْأَمْر بِالْمُجَانَبَةِ عَلَى حَسْم الْمَادَّة وَسَدّ الذَّرِيعَة لِئَلَّا يَحْدُث لِلْمُخَالِطِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَيَظُنّ أَنَّهُ بِسَبَبِ الْمُخَالَطَة فَيُثْبِت الْعَدْوَى الَّتِي نَفَاهَا الشَّارِع ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ أَبُو عُبَيْد وَتَبِعَهُ جَمَاعَة فَقَالَ أَبُو عُبَيْد : لَيْسَ فِي قَوْله : " لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ " إِثْبَات الْعَدْوَى ، بَلْ لِأَنَّ الصِّحَاح لَوْ مَرِضَتْ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى رُبَّمَا وَقَعَ فِي نَفْس صَاحِبهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدْوَى فَيُفْتَتَن وَيَتَشَكَّك فِي ذَلِكَ ، فَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهِ . قَالَ : وَكَانَ بَعْض النَّاس يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْأَمْر بِالِاجْتِنَابِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَخَافَةِ عَلَى الصَّحِيح مِنْ ذَوَات الْعَاهَة ، قَالَ : وَهَذَا شَرّ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيث ، لِأَنَّ فِيهِ إِثْبَات الْعَدْوَى الَّتِي نَفَاهَا الشَّارِع ، وَلَكِنَّ وَجْه الْحَدِيث عِنْدِي مَا ذَكَرْته . وَأَطْنَبَ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي هَذَا فِي " كِتَاب التَّوَكُّل " فَإِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيث " لَا عَدْوَى " عَنْ عِدَّة مِنْ الصَّحَابَة وَحَدِيث " لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ " مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَتَرْجَمَ لِلْأَوَّلِ " التَّوَكُّل عَلَى اللَّه فِي نَفْي الْعَدْوَى " وَلِلثَّانِي " ذِكْر خَبَر غَلِطَ فِي مَعْنَاهُ بَعْض الْعُلَمَاء ، وَأَثْبَتَ الْعَدْوَى الَّتِي نَفَاهَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " ثُمَّ تَرْجَمَ " الدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُرِدْ إِثْبَات الْعَدْوَى بِهَذَا الْقَوْل " فَسَاقَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " لَا عَدْوَى ، فَقَالَ أَعْرَابِيّ : فَمَا بَال الْإِبِل يُخَالِطهَا الْأَجْرَب فَتَجْرَب ؟ قَالَ : فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّل " ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود ، ثُمَّ تَرْجَمَ " ذِكْر خَبَر رُوِيَ فِي الْأَمْر بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُوم قَدْ يَخْطِر لِبَعْضِ النَّاس أَنَّ فِيهِ إِثْبَات الْعَدْوَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ " وَسَاقَ حَدِيث " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارك مِنْ الْأَسَد " مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَمِنْ حَدِيث عَائِشَة ، وَحَدِيث عَمْرو بْن الشَّرِيد عَنْ أَبِيهِ فِي أَمْر الْمَجْذُوم بِالرُّجُوعِ ، وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس " لَا تُدِيمُوا النَّظَر إِلَى الْمَجْذُومِينَ " ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا أَمَرَهُمْ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُوم كَمَا نَهَاهُمْ أَنْ يُورِد الْمُمْرِض عَلَى الْمُصِحّ شَفَقَة عَلَيْهِمْ ، وَخَشْيَة أَنْ يُصِيب بَعْض مَنْ يُخَالِطهُ الْمَجْذُوم الْجُذَام ، وَالصَّحِيح مِنْ الْمَاشِيَة الْجَرَب فَيَسْبِق إِلَى بَعْض الْمُسْلِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدْوَى فَيُثْبِت الْعَدْوَى الَّتِي نَفَاهَا - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِتَجَنُّبِ ذَلِكَ شَفَقَة مِنْهُ وَرَحْمَة لِيَسْلَمُوا مِنْ التَّصْدِيق بِإِثْبَاتِ الْعَدْوَى ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يُعْدِي شَيْء شَيْئًا . قَالَ : وَيُؤَيِّد هَذَا أَكْله - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الْمَجْذُوم ثِقَة بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ ، وَسَاقَ حَدِيث جَابِر فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا نَهْيه عَنْ إِدَامَة النَّظَر إِلَى الْمَجْذُوم فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِأَنَّ الْمَجْذُوم يَغْتَمّ وَيَكْرَه إِدْمَان الصَّحِيح نَظَره إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَكُون بِهِ دَاء إِلَّا وَهُوَ يَكْرَه أَنْ يُطَّلَع عَلَيْهِ ا ه . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اِحْتِمَالًا سَبَقَهُ إِلَيْهِ مَالِك ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : مَا سَمِعْت فِيهِ بِكَرَاهِيَةٍ ، وَمَا أَدْرِي مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَخَافَة أَنْ يَقَع فِي نَفْس الْمُؤْمِن شَيْء . وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : الصَّوَاب عِنْدنَا الْقَوْل بِمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر ، وَأَنْ لَا عَدْوَى ، وَأَنَّهُ لَا يُصِيب نَفْسًا إِلَّا مَا كُتِبَ عَلَيْهَا . وَأَمَّا دُنُوّ عَلِيل مِنْ صَحِيح فَغَيْر مُوجِب اِنْتِقَال الْعِلَّة لِلصَّحِيحِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي صِحَّة الدُّنُوّ مِنْ صَاحِب الْعَاهَة الَّتِي يَكْرَههَا النَّاس ، لَا لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ ، بَلْ لِخَشْيَةِ أَنْ يَظُنّ الصَّحِيح أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ الدَّاء أَنَّهُ مِنْ جِهَة دُنُوّهُ مِنْ الْعَلِيل فَيَقَع فِيمَا أَبْطَلَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْعَدْوَى . قَالَ : وَلَيْسَ فِي أَمْره بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُوم مُعَارَضَة لِأَكْلِهِ مَعَهُ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَأْمُر بِالْأَمْرِ عَلَى سَبِيل الْإِرْشَاد أَحْيَانًا وَعَلَى سَبِيل الْإِبَاحَة أُخْرَى ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَر الْأَوَامِر عَلَى الْإِلْزَام ، إِنَّمَا كَانَ يَفْعَل مَا نَهَى عَنْهُ أَحْيَانَا لِبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَرَامًا . وَقَدْ سَلَكَ الطَّحَاوِيُّ فِي " مَعَانِي الْآثَار " مَسْلَك اِبْن خُزَيْمَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ فَأَوْرَدَ حَدِيث " لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ " ثُمَّ قَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُصِحّ قَدْ يُصِيبهُ ذَلِكَ الْمَرَض فَيَقُول الَّذِي أَوْرَدَهُ لَوْ أَنِّي مَا أَوْرَدْته عَلَيْهِ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ هَذَا الْمَرَض شَيْء ، وَالْوَاقِع أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُورِدهُ لَأَصَابَهُ لِكَوْنِ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَهُ ، فَنَهَى عَنْ إِيرَاده لِهَذِهِ الْعِلَّة الَّتِي لَا يُؤْمَن غَالِبًا مِنْ وُقُوعهَا فِي قَلْب الْمَرْء ثُمَّ سَاقَ الْأَحَادِيث فِي ذَلِكَ فَأَطْنَبَ ، وَجَمَعَ بَيْنهَا بِنَحْوِ مَا جَمَعَ بِهِ اِبْن خُزَيْمَةَ . وَلِذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : إِنَّمَا نَهَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ إِيرَاد الْمُمْرِض عَلَى الْمُصِحّ مَخَافَة الْوُقُوع فِيمَا وَقَعَ فِيهِ أَهْل الْجَاهِلِيَّة مِنْ اِعْتِقَاد الْعَدْوَى ، أَوْ مَخَافَة تَشْوِيش النُّفُوس وَتَأْثِير الْأَوْهَام ، وَهُوَ نَحْو قَوْله : " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارك مِنْ الْأَسَد " وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِد أَنَّ الْجُذَام لَا يُعْدِي ، لَكِنَّا نَجِد فِي أَنْفُسنَا نُفْرَة وَكَرَاهِيَة لِمُخَالَطَتِهِ ، حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ إِنْسَان نَفْسه عَلَى الْقُرْب مِنْهُ وَعَلَى مُجَالَسَته لَتَأَذَّتْ نَفْسه بِذَلِكَ ، فَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَتَعَرَّض إِلَى مَا يَحْتَاج فِيهِ إِلَى مُجَاهَدَة ، فَيَجْتَنِب طُرُق الْأَوْهَام ، وَيُبَاعِد أَسْبَاب الْآلَام ، مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِد أَنَّهُ لَا يُنَجِّي حَذَر مِنْ قَدْر ، وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : الْأَمْر بِالْفِرَارِ مِنْ الْأَسَد لَيْسَ لِلْوُجُوبِ ، بَلْ لِلشَّفَقَةِ ، لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْهَى أُمَّته عَنْ كُلّ مَا فِيهِ ضَرَر بِأَيِّ وَجْه كَانَ ، وَيَدُلّهُمْ عَلَى كُلّ مَا فِيهِ خَيْر . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض أَهْل الطِّبّ أَنَّ الرَّوَائِح تُحْدِث فِي الْأَبْدَانِ خَلَلًا فَكَانَ هَذَا وَجْه الْأَمْر بِالْمُجَانَبَةِ ، وَقَدْ أَكَلَ هُوَ مَعَ الْمَجْذُوم ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْر بِمُجَانَبَتِهِ عَلَى الْوُجُوب لِمَا فَعَلَهُ . قَالَ : وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْن فِعْله وَقَوْله بِأَنَّ الْقَوْل هُوَ الْمَشْرُوع مِنْ أَجْل ضَعْف الْمُخَاطَبِينَ ، وَفِعْله حَقِيقَة الْإِيمَان ، فَمَنْ فَعَلَ الْأَوَّل أَصَابَ السُّنَّة وَهِيَ أَثَر الْحِكْمَة ، وَمَنْ فَعَلَ الثَّانِي كَانَ أَقْوَى يَقِينًا لِأَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا لَا تَأْثِير لَهَا إِلَّا بِمُقْتَضَى إِرَادَة اللَّه تَعَالَى وَتَقْدِيره ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه ) فَمَنْ كَانَ قَوِيّ الْيَقِين فَلَهُ أَنْ يُتَابِعهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَعَلَهُ وَلَا يَضُرّهُ شَيْء ، وَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسه ضَعْفًا فَلْيَتْبَعْ أَمْرَهُ فِي الْفِرَار لِئَلَّا يَدْخُل بِفِعْلِهِ فِي إِلْقَاء نَفْسه إِلَى التَّهْلُكَة . فَالْحَاصِل أَنَّ الْأُمُور الَّتِي يُتَوَقَّع مِنْهَا الضَّرَر وَقَدْ أَبَاحَتْ الْحِكْمَة الرَّبَّانِيَّة الْحَذَر مِنْهَا فَلَا يَنْبَغِي لِلضُّعَفَاءِ أَنْ يَقْرَبُوهَا وَأَمَّا أَصْحَاب الصِّدْق وَالْيَقِين فَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ . قَالَ : وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْحُكْم لِلْأَكْثَرِ لِأَنَّ الْغَالِب مِنْ النَّاس هُوَ الضَّعْف ، فَجَاءَ الْأَمْر بِالْفِرَارِ بِحَسَبِ ذَلِكَ .(1/77)
5- ماذا يجب على من وجد حديثين متعارضَين مقبولين ؟
عليه أن يتبع المراحل الآتية:
إذا أمكن الجمع بينهما: تَعَيَّنَ الجمعُ،ووجب العمل بهما .
إذا لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه.
فان عُلِمَ أحدُهما ناسخاً : قدمناه وعملنا به،وتركنا المنسوخ .
وان لم يُعْلَم ذلك : رجحنا أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح التي تبلغ خمسين وجهاً أو أكثر،ثم عملنا بالراجح .(1/80)
وإن لم يترجح أحدهما على الآخر: ـ وهو نادر ـ توقفنا عن العمل بهما حتى يظهر لنا مرجح. (1)
__________
(1) - *وهذا مذهب الجمهور
وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 93):
[ومن جمعَ ما ذكرنا] من الحديث, والفقه, والأصُول, والغوص على المعاني الدَّقيقة, لا يُشكل عليه من ذلك [إلاَّ النَّادر في الأحيان].
[والمُختَلف قِسْمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما] بوجه صحيح [فيتعيَّن] ولا يُصَار إلى التَّعَارض, ولا النَّسخ [ويجب العمل بهما].
ومن أمْثلة ذلك في أحاديث الأحْكَام, حديث: «إذَا بلغَ الماء قُلَّتين لم يَحْمل الخَبَث»(( الدارقطني برقم(18 ) وهو صحيح)).
وحديث: «خلقَ الله المَاء طَهُورًا لا يُنجسه شيء, إلاَّ ما غيَّر طَعْمه, أو لَوْنه, أو ريحه»(( ابن ماجة برقم(563 ) وفيه ضعف )).
فإن الأوَّل ظَاهرهُ طَهَارة القُلَّتين, تغيَّر أم لا, والثَّاني ظاهره طهارة غير المُتغيِّر, سواء كانَ قُلَّتين أم أقل, فخصَّ عُموم كل منهما بالآخر.
وفي غَيْرها: حديث « لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » (( البخارى (5771) ))
و«فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»(( البخاري (5707)))
مع حديث: «لا عَدوَى, ولا طَيْرة»(( البخاري (5753 ))). وكلها صحيحة.
وقد سلكَ النَّاس في الجَمْع مَسَالك:
أحدها: أنَّ هذه الأمْرَاض لا تُعدي بطبعها, لكن الله تَعَالى جعلَ مُخَالطة المَرِيض بها, للصَّحيح سببًا لإعدائه مرضه, وقد يتخلَّف ذلك عن سببه, كما في غيره من الأسْبَاب, وهذا المَسْلك هو الَّذي سلكهُ ابن الصَّلاح.
[و] القسم [الثَّاني لا يُمكن] الجمع بينهما [بوجه, فإن علمنا أحدهما ناسخًا] بطريقة ممَّا سبق [قدَّمناه, وإلاَّ عملنا بالرَّاجح] منهما [كالتَّرجيح بصفات الرُّواة] أي: كَوْن رُواة أحدهما أتقن وأحفظ, ونحو ذلك مِمَّا سيذكر [وكثرتهم] في أحد الحديثين [في خمسين وجهًا] من المُرَجحات, ذكرها الحازمي في كتابه «الاعتبار في النَّاسخ والمنسوخ» ووصلها غيره إلى أكثر من مئة, كما استوفى ذلك العِرَاقي في «نكته».
وقد رأيتها مُنْقسمة إلى سَبْعة أقْسَام:
الأوَّل: التَّرجيح بحال الرَّاوي وذلك بوجُوه:
أحدها: كثرة الرُّواة, كما ذكر المُصنِّف, لأنَّ احتمال الكذب والوَهْم على الأكثر, أبعد من احتماله على الأقل.
ثانيها: قِلَّة الوسائط, أي: عُلو الإسْنَاد, حيث الرِّجال ثقات, لأنَّ احتمال الكذب والوهم فيه أقل.
ثالثها: فقه الرَّاوي, سَوَاء كان الحديث مَرْويًا بالمعنى, أو اللفظ, لأنَّ الفقيه إذا سمع ما يمتنع حملهُ على ظاهره بحث عنه, حتَّى يطلع على ما يزول به الإشْكَال, بخلاف العامي.
رابعها: علمه بالنَّحو, لأنَّ العالم به يتمكَّن من التحفُّظ عن مواقع الزَّلل ما لا يتمكَّن منهُ غيره.
خامسها: علمه باللُّغة.
سادسها: حفظهُ, بخلاف من يعتمد على كتابه.
سابعها: أفضليتهُ في أحد الثَّلاثة, بأن يكونَا فَقِيهين, أو نَحَويين, أو حافظين, وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.
ثامنها: زيادةُ ضبطه, أي اعتناؤه بالحديث, واهتمامه به.
تاسعها: شُهرته لأنَّ الشُّهرة تمنع الشَّخص من الكذب, كما تمنعهُ من ذلك التقوى.
عاشرها إلى العشرين: كونه ورعًا, أو حسن الاعتقاد - أي: غير مبتدع - أو جليسًا لأهل الحديث, أو غيرهم من العُلماء, أو أكثر مُجَالسة لهم, أو ذكرًا, أو حُرًّا, أو مشهور النَّسب, أو لا لبس في اسمه, بحيث يشاركه فيه ضعيف, وصعب التمييز بينهما, أو له اسم واحد, ولذلك أكثر ولم يختلط, أو له كتاب يُرجع إليه.
حادي عشرينها: أن تثبت عدالته بالإخبار, بخلاف من تثبت بالتَّزكية, أو العمل بروايته, أو الرِّواية عنه, إن قلنا بهما.
ثاني عشرينها إلى سابع عشرينها: أن يعمل بخبره من زكَّاه, ومعارضه لم يعمل به من زكَّاه, أو يتَّفق على عدالته, أو يُذكر سبب تعديله, أو يكثُر مُزكُّوه, أو يكُونوا عُلماء, أو كثيري الفحص عن أحْوَال النَّاس.
ثامن عشرينها: أن يَكُون صاحب القِصَّة, كتقديم خبر أم سَلَمة زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الصَّوم لمن أصبحَ جُنبًا. على خبر الفضل بن العبَّاس في منعه, لأنَّها أعلم منه.
تاسع عشرينها: أن يُبَاشر ما رواه.
الثَّلاثون: تأخُّر إسلامه. وقيلَ: عكسه لقوة أصالة المُتقدَِّم ومعرفته. وقيلَ: إن تأخَّر موته إلى إسْلام المُتأخِّر, لم يرجح بالتأخير, لاحتمال تأخُّر رِوَايته عنهُ, وإن تقدَّم, أو علم أن أكثر رُواياته مُتقدِّمة على رواية المُتأخِّر رُجِّح.
الحادي والثَّلاثون إلى الأرْبعين: كونهُ أحسن سِيَاقًا واستقصَاء لحديثه, أو أقرب مكانًا, أو أكثر مُلازمة لشيخه, أو سمع من مشايخ بلدهِ, أو مُشَافهًا مُشاهدًا لشيخه حال الأخذ, أو لا يُجيز الرِّواية, بالمعنى, أو الصَّحابي من أكابرهم, أو علي - رضي الله عنه - وهو في الأُقْضية, أو مُعاذ, وهو في الحلال والحرام, أو زيد, وهو في الفرائض, أو الإسْنَاد حِجَازي, أو رُوَاته من بلد لا يرضُون التَّدْليس.
القِسْم الثَّاني: التَّرجيح بالتحمُّل, وذلك بوجوه:
أحدها: الوقت, فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلاَّ بعد البُلوغ, على من كان بعض تحمُّله قبله, أو بعضه بعده, لاحتمال أن يَكُون هذا مِمَّا قبله, والمتحمل بعده أقوى, لتأهله للضَّبط.
ثانيها وثالثها: أن يتحمَّل بحدَّثنا, والآخر عرضًا, أو عرضًا والآخر كِتَابة, أو مُنَاولة, أو وجَادة.
القِسْم الثَّالث: التَّرجيح بكيفية الرِّواية, وذلك بوجُوه.
أحدها: تقديم المَحْكي بلفظه, على المَحْكي بمعناه, والمُشْكُوك فيه, على ما عرف أنَّه مَرْوي بالمَعْنَى.
ثانيها: ما ذُكر فيه سبب ورُوده, على ما لَمْ يَذْكر فيه, لدلالته على اهتمام الرَّاوي به, حيث عرف سببه.
ثالثها: أن لا يُنكره راويه, ولا يتردَّد فيه.
رابعها إلى عاشرها: أن تَكُون ألفاظه دالة على الاتِّصال, كحدَّثنا, وسمعتُ, أو اتُّفِق على رفْعهِ, أو وصله, أو لم يُختلف في إسناده, أو لم يضطرب لفظه, أو رُوي بالإسناد, وعُزي ذلك لكتاب معروف, أو عزيز, والآخر مشهور.
القسم الرَّابع: التَّرجيح بوقت الورود, وذلك بوجوه:
أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المَكِّي, والدال على عُلو شأن المُصطفَى - صلى الله عليه وسلم - على الدَّال على الضَّعف: كـ: « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ » مسلم(389 ) . . ثمَّ شهرته, فيكون الدَّال على العلو متأخِّرًا.
ثالثها: ترجيح المُتضمِّن للتَّخفيف, لدلالته على التأخُّر, لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يغلظ في أوَّل أمره, زجرًا عن عادات الجَاهلية, ثمَّ مال للتخفيف.
كذلك قال صاحب «الحاصل» و«المنهاج» ورجَّح الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عكسه, وهو تقديم المُتضمِّن للتغليظ, وهو الحق, لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - جَاء أولاً بالإسلام فقط, ثمَّ شُرعت العبادات شيئا فشيئا.
رابعها: تَرْجيح ما تحمَّل بعد الإسْلام, على ما تحمَّل قبله, أو شكَّ لأنَّه أظهر تأخرًا.
خامسهَا وسَادسها: تَرْجيح غير المُؤرخ, على المُؤرخ بتاريخ مُتقدِّم, وترجيح المُؤرخ بمُقَارب بوفَاته - صلى الله عليه وسلم - , على غير المؤرخ.
قال الرَّازي: والتَّرجيح بهذه السِّتة, أي: إفَادتها للرُّجْحان غير قوية.
القِسْمُ الخامس: التَّرجيح بلفظ الخبر, وذلك بوجوه:
أحدها إلى الخامس والثلاثين: تَرْجيح الخاص على العام, والعام الَّذي لم يُخصص على المُخصَّص, لضعف دلالته بعد التخصيص, على باقي أفْرَاده, والمُطْلق على ما ورد على سبب, والحقيقة على المَجَاز, والمَجَاز المُشبه للحقيقة على غيره, والشَّرعية على غيرها, والعُرفية على اللُّغوية, والمستغنى على الإضمار, وما يقلُّ فيه اللَّبس, وما اتُّفق على وضعه لمُسمَّاه, والمُومي للعلَّة والمَنْطُوق, ومفهوم المُوافقة على المُخَالفة, والمَنْصُوص على حُكمه مع تشبيهه بمحل آخر, والمُسْتفاد عُمومه من الشَّرط, والجزاء على النكرة المنفية, أو من الجمع المعرف على مَنْ وما, أو من الكلِّ, وذلك من الجنس المعرَّف, وما خطابه تكليفي على الوضعي, وما حُكمه معقول المعنى, وما قدم فيه ذكر العِلَّة, أو دلَّ الاشْتقاق على حُكمه, والمقارن للتهديد, وما تهديده أشد, والمُؤكد بالتكرار, والفصيح, وما بلغة قريش, وما دل على المعنى المُراد بوجهين فأكثر, وبغير واسطة, وما ذكر معه مُعَارضة, كـ: «كنتُ نهيتكُم عن زِيَارة القُبُور فَزُوروهَا»(مسلم (2305 )) . والنص والقول, وقولٌ قارنه العمل, أو تفسير الرَّاوي وما قرن حكمه بصفة, على ما قرن باسم, وما فيه زيادة.
القِسْمُ السَّادس: التَّرجيح بالحُكم, وذلك بوجوه:
أحدها: تقديم النَّاقل على البراءة الأصلية على المقرر لها, وقيلَ: عكسه.
ثانيها: تقديم الدَّال على التَّحريم, على الدَّال على الإبَاحة والوجُوب.
ثالثها: تقديم الأحْوط.
رابعها: تقديم الدَّال على نفي الحد.
القِسْمُ السَّابع: التَّرجيح بأمر خارجي, كتقديم ما وافقه ظاهر القُرآن, أو سُنة أخرى, أو ما قبل الشَّرع, أو القياس, أو عمل الأُمة, أو الخُلفاء الرَّاشدين, أو معه مُرْسل آخر, أو مُنقطع, أو لم يشعر بنوع قدح في الصَّحابة, أو له نظير مُتَّفق على حُكْمه, أو اتَّفق على إخراجه الشَّيْخان.
فهذه أكثر من مئة مُرجح, وثَمَّ مُرجحات أُخر لا تَنْحصر, ومثارها غَلَبة الظَّن.
فوائد:
الأُولى: منعَ بعضهم التَّرجيح في الأدلة, قياسًا على البينات, وقال: إذا تعارضا لزم التَّخيير أو الوقف.
وأُجيبث بأنَّ مالكًا يرى تَرْجيح البينة على البينة, ومن لم ير ذلك يقول: البينة مُستندة إلى توقيفات تعبدية, ولهذا لا تقبل إلاَّ بلفظ الشَّهادة.
الثَّانية: إن لم يوجد مُرجح لأحد الحديثين, توقف عن العمل به حتَّى يظهر.
الثَّالثة: التعارض بين الخبرين إنَّما هو لخلل في الإسناد بالنسبة إلى ظن المُجتهد, وأمَّا في نفس الأمر فلا تعارض.
الرَّابعة: ما سلم من المُعَارضة فهو مُحْكم, وقد عقد له الحاكم في «عُلوم الحديث» بابًا, وعدَّه من الأنواع, وكذا شيخ الإسلام في «النُّخبة».
قال الحاكم: ومن أمثلته حديث: « إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ».(مسلم برقم(5647))
وحديث: « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ » (النسائي (140 )صحيح )) .
وحديث: « إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ » البخارى (671 ).
وحديث: « لاَ شِغَارَ فِى الإِسْلاَمِ » مسلم (3533 ).(وَالشِّغَار : أَنْ يُزَوِّج الرَّجُل اِبْنَته عَلَى أَنْ يُزَوِّجهُ اِبْنَته ، وَلَيْسَ بَيْنهمَا صَدَاق )
قال: وقد صنَّف فيه عُثمان بن سعيد الدَّارمي كتابًا كبيرًا.(1/81)
6- أهميته ومن يكمل له :
هذا الفن من أهم علوم الحديث،إذ يضطر إلى معرفته جميع العلماء وإنما يكمل له ويمهر فيه الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه،والأصوليون الغواصون على المعاني الدقيقة،وهؤلاء هم الذين لا يُشْكِلُ عليهم منه إلا النادر .
وتعارض الأدلة قد شغل العلماء،وفيه ظهرت موهبتهم ودقة فهمهم وحسن اختيارهم. كما زَلَّتْ فيه أقدام من خاض غِمَارَه من بعض المتطفلين على موائد العلماء .
7- أشهر المصنفات فيه :
أ) اختلاف الحديث : للإمام الشافعي،وهو أول من تكلم وصنف فيه (1) .
ب) تأويل مختلف الحديث : لابن قتيبة . عبدالله بن مسلم (2) .
__________
(1) -* وهو مطبوع ومتداول
(2) - *وهو كتاب قيم جدا مطبوع ومتداول وله طبعات عديدة وأهمها طبعة بتحقيق الدكتور محمد نافع المصطفى طبع مؤسسة الرسالة، وقد احتوى على مقدمة هامة جدا ، ثم على نماذج كثيرة مما زعم فيه التناقض
ففي تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 31)
قالوا: حديثان متناقضان، قالوا: رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره ثم رويتم أن الإسلام بدا غريباً وسيعود غريباً.
وأنه قال: خير أمتي القرن الذي بعثت فيه. قالوا: وهذا تناقض واختلاف.
قال أبو محمد: ونحن نقول إنه ليس في ذلك تناقض ولا اختلاف لأنه أراد بقوله إن الإسلام بدا غريباً وسيعود غريباً أن أهل الإسلام حين بدا قليل وهم في آخر الزمان قليل إلا انهم خيار ومما يشهد لهذا ما رواه معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى أو عروة بن رويم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خيار أمتي أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أعوج ليس منك ولست منه والثبج الوسط وقد جاءت في هذا آثار منها أنه ذكر آخر الزمان فقال المتمسك منهم يومئذ بدينه كالقابض على الجمر. ومنها حديث آخر ذكر فيه أن الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر وفي حديث آخر أنه سئل عن الغرباء فقال الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي. وأما قوله: خير أمتي القرن الذي بعثت فيه فلسنا نشك في أن صحابته خير ممن يكون في آخر الزمان وأنه لا يكو لأحد من الناس مثل الفضل الذي أوتوه وإنما قال مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره على التقريب لهم من صحابته كما يقال: ما أدري أوجه هذا الثوب أحسن أم مؤخره ووجهه أفضل إلا أنك أردت التقريب منه وكما تقول: ما أدري أوجه هذه المرأة أحسن أم قفاها ووجهها أحسن إلا أنك أردت تقريب ما بينهما في الحسن ومثل هذا قوله في تهامة: إنها كبديع العسل لا يدري أوله خير أم آخره والبديع الزق وإذا كان العسل في زق ولم يختلف اختلاف اللبن في الوطب فيكون أوله خيراً من آخره ولكنه يتقارب فلا يكون لأوله كبير فضل على آخره.(1/84)
ج) مشكل الآثار : للطحاوي . أبي جعفر أحمد بن سلامة (1) .
__________
(1) -* وله طبعات عديدة أهمها طبعة مؤسسة الرسالة ، بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط وعدد أحاديثها (6179 ) وعدد الأبواب ناف على الألف
مثال مشكل الآثار - (ج 1 / ص 437)
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ } ) .
حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَإِنَّ بَيْنَ ذَلِكَ أُمُورًا مُشْتَبِهَاتٍ } وَرُبَّمَا قَالَ { مُشْتَبِهَةً وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ مَثَلًا إنَّ لِلَّهِ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَا حَرَّمَ وَإِنَّهُ مَنْ يَرْعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى فَيُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ شَهِدْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ { إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَإِنَّ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُشْتَبِهَاتٍ فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ رَتَعَ فِيهَا يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَمَنْ رَعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ الْحَرَامَ حِمَى اللَّهِ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ } .
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ ، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { حَلَالٌ بَيِّنٌ وَحَرَامٌ بَيِّنٌ وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَهُوَ لِلْحَرَامِ أَتْرَكُ وَمَحَارِمُ اللَّهِ حِمًى فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى كَادَ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ } .
فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ إلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ ؟ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ لِلَّهِ شَرَائِعَ قَدْ شَرَعَهَا وَتَعَبَّدَ عِبَادَهُ بِهَا فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مُحْكَمًا كَشَفَ لَهُمْ مَعْنَاهُ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مُتَشَابِهًا فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } وَكَانَ الْمُحْكَمُ مِنْهُ الَّذِي كَشَفَ لَهُمْ مَعْنَاهُ قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } وَكَانَ الْمُتَشَابِهُ مِنْهُ الَّذِي لَمْ يَكْشِفْ لَهُمْ مُرَادَهُ فِيهِ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الصِّيَامِ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ } وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } .
فَكَانَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي كِتَابِهِ هُمَا الْجِنْسَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا وَمِنْهَا مَا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَأَجْرَى بَعْضَهُ عَلَى لِسَانِهِ مُحْكَمًا مَكْشُوفَ الْمَعْنَى كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ .
وَكَمَا يَقْصُرُهُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا فِي سَفَرِهِ وَكَمَا لَا يَقْصُرُهُ مِنْهَا فِيهِ وَيَكُونُ فِيهِ فِي سَفَرِهِ كَمِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ فِي حَضَرِهِ وَمِنْهَا مَا تَعْتَدُّ بِهِ النِّسَاءُ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَمِنْ قَضَاءِ الصِّيَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ طُهْرِهَا وَتَرْكِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ مُحْكَمًا وَمِمَّا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ مُتَشَابِهًا مِنْهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا } وَمِنْهُ قَوْلُهُ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَشْكَالِ ذَلِكَ فَاحْتَاجُوا إلَى طَلَبِ حَقَائِقِهَا وَمَا عَلَيْهِمْ فِيهَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مُتَشَابِهًا وَكَانَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مُحْكَمًا فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ } هُوَ مَا كَانَ مِنْ الْحَلَالِ الْمُحْكَمِ وَمِنْ الْحَرَامِ الْمُحْكَمِ ، وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ { وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ } هُوَ مَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَلَالِ الْبَيِّنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ كَمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَا قَدْ رَدَّهُ بَعْضُهُمْ إلَى التَّحْلِيلِ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ إلَى التَّحْرِيمِ ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ يَكُونُ الدَّلِيلُ يَقُومُ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ بِتَحْلِيلِ ذَلِكَ وَفِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ وَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَتَبَايَنُ أَهْلُ الْوَرَعِ مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيَقِفُ أَهْلُ الْوَرَعِ عِنْدَ الشُّبَهِ وَيَتَّهِمُونَ فِيهَا آرَاءَهُمْ وَيُقْدِمُ عَلَيْهَا مَنْ سِوَاهُمْ .
فَقَالَ قَائِلٌ أَفَيَكُونُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتَهُ مَانِعًا لِلْحُكَّامِ مِنْ الْحُكْمِ فِيمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا وَصَفْتَهُ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْتَرَضَ عَلَى الْحُكَّامِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ اجْتِهَادِ رَأْيِهِمْ فِيهِ إمْضَاءُ مَا يُؤَدِّيهِمْ فِيهِ آرَاؤُهُمْ إلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
كَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَبَكْرُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ { إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } .
قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ فَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى الْحُكَّامِ اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَحْكُمُونَ بِهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ الصَّوَابُ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ الْخَطَأُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا فِي ذَلِكَ إصَابَةَ الصَّوَابِ وَإِنَّمَا كُلِّفُوا فِيهِ الِاجْتِهَادَ وَأَنَّهُ وَاسِعٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إمْضَاءُ الْحُكُومَاتِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَحْكُومُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ تِلْكَ الْحُكُومَاتِ لَهُمْ مِنْ الْوَرَعِ عَنْ الدُّخُولِ فِيهَا وَمِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يَتَهَيَّأُ لَكَ كَشْفُ ذَلِكَ لَنَا فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ حَتَّى نَقِفَ عَلَيْهِ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ قَدْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَهُنَّ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا يَمِينٌ يَكُونُ بِهَا مُولِيًا وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا ظِهَارٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الظِّهَارَ وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ تَبِينُ بِهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مِنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا فَيَلْزَمَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا رَجَعَتْهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مِنْ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِنْهَا فَيَلْزَمَهُ ذَلِكَ فَكَانَ مَنْ يَلِي مِمَّنْ يَرَى حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ بِقَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، ثُمَّ خُوصِمَ إلَى حَاكِمٍ لَا يَرَى حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ بِهِ وَيَرَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ عَلَى مَا قَدْ قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ فَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَقَعَ فِي اخْتِلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ لَهُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ وَتَرْكُ رَأْيِهِ فِيهِ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ بَلْ يَسْتَعْمِلُ فِي ذَلِكَ مَا يَرَاهُ وَيَتْرُكُ ذَلِكَ الْحُكْمَ إذْ كَانَ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ لَهُ لَا حُكْمٌ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ ، وَهُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالْحَقِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(1/85)
ناسِخُ الحَديثِ وَمَنسوخُه (1)
1-تعريفُ النسخِ:
أ) لغة: له معنيان : الإزالة . ومنه نَسَخَتِ الشمسُ الظلَّ. أي إزالته والنقل،ومنه نسختً الكتابَ،إذا نقلتُ ما فيه،فكأنَّ الناسخ قد أزال المنسوخ أو نقله إلى حكم آخر.
ب) اصطلاحاً: رَفْعُ الشارع حكما منه متقدماً بحكم منه متأخر.
2- أهميته وصعوبته وأشهر المُبَرِّزين فيه:
معرفة ناسخ الحديث من منسوخه فن مهم صعب فقد قال : الزهري : " أَعْيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه " (2)
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 61) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 22) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)
(2) -* فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 308) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 86)(1/87)
وأشهر المبرزين فيه هو الإمام الشافعي . فقد كانت له فيه اليد الطولى والسابقة الأولى . قال الإمام أحمد لابن وَارَةَ ـ وقد قدم من مصر ـ كتبتَ كُتُبَ الشافعي ؟ قال : لا،قال: فَرِّطْتَ ما علمناالمجْمَلَ من المُفَسَّرِ،ولا ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي (1)
3- بم يُعْرَفُ الناسخ من المنسوخ ؟
يعرف ناسخ الحديث من منسوخه بأحد هذه الأمور :
بتصريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كحديث بُرَيْدَةَ في صحيح مسلم (2) : « نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا »..
بقول صحابي : فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. أخرجه النسائي (3) .
بمعرفة التاريخ : فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ». (4) " نُسِخَ " بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ ، (5) فقد جاء في بعض طرق حديث شداد أن ذلك كان زمن الفتح وأن ابن عباس صحبه في حجة الوداع .
__________
(1) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 61) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 87)
(2) -* برقم (2305 )
(3) - *سنن النسائى برقم (186 ) صحيح
(4) - *سنن أبى داود برقم (2369 ) صحيح
(5) - *مسند أحمد برقم (1877) وابن حبان برقم (3531 ) والترمذي برقم (780 ) صحيح(1/88)
بدلالة الإجماع : كحديث : « مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» (1) . قال النووي :" دََلَّ الإجماع على نسخه والإجماع لا يَنْسَخُ . ولا ُيُنْسَخَ. ولكن يدل على ناسخ (2) .
__________
(1) - *سنن الترمذى برقم (1515 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَالشَّرِيدِ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِى الرَّمَدِ الْبَلَوِىِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَكَذَا رَوَى الثَّوْرِىُّ أَيْضًا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَدِيثُ أَبِى صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِى أَوَّلِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ ». قَالَ ثُمَّ أُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ. وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِىُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هَذَا. قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِى ذَلِكَ فِى الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَمِمَّا يُقَوِّى هَذَا مَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِى وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ ».
وفي تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 81)
( وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُوَيْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هَذَا قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً )
وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ . وَقَالَ غَيْرُهُ : قَدْ يُرَادُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ فِي الْخَامِسَةِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ . هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ، إِلَّا طَائِفَةٌ شَاذَّةٌ قَالَتْ يُقْتَلُ بَعْدَ حَدِّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِلْحَدِيثِ . وَهُوَ عِنْدَ الْكَافَّةِ مَنْسُوخٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ . وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ التَّابِعِينَ . وَذَكَرُوا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ غُلَامٌ يَدْعُو لَهُ وَذُكِرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ قَالَ : كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَأَمَّا أَبُوهُ ذُوَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ فَلَهُ صُحْبَةٌ اِنْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ .
( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اِخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ )
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ : إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُقْتَلُ الشَّارِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَنَصَرَهُ اِبْنُ حَزْمٍ وَاحْتَجَّ لَهُ وَدَفَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْقَتْلِ . وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عَمْرٍو . وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشَّارِبُ وَأَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ اِنْتَهَى .
(2) -* وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 88)
وإن كانَ ابن حَزْم خالف في ذلكَ, فخلاف الظَّاهرية لا يَقْدح في الإجْمَاع.نعم وردَ نَسْخه في السُّنة أيضًا, كما قال التِّرمذي(289) من رِوَاية مُحمَّد بن إسْحَاق, عن مُحمَّد بن المُنْكدر, عن جابر, أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنْ شَربَ الخَمْر فاجْلدُوه, فإن شربَ في الرَّابعة فاقتلُوه». ثمَّ أُتي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجُل قد شرب في الرَّابعة فضربهُ ولم يقتله.
قال: وكذلكَ رَوَى الزُّهْري عن قَبِيصة بن ذُؤيب عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا.
قال: فرفع القَتْل وكانت رُخْصة. انتهى.
وما علَّقهُ التِّرمذي أسندهُ البَزَّار في «مسنده»(290).
وقَبيصة ذكرهُ ابن عبد البر في الصَّحابة, وقال: ولد أوَّل سَنَة من الهِجْرة, وقيلَ: عام الفَتْح.
فالمِثَالُ الصَّحيح لذلك, ما رواه التِّرمذي(291) من حديث جابر قال: حَجَجنا مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فكُنَّا نُلبي عن النِّساء, ونَرْمي عن الصِّبْيان.
قال التِّرمذي: أجمعَ أهل العلم: أنَّ المَرْأة لا يُلبي عنها غيرها.
ثمَّ الحديث لا يُحكم عليه بالنَّسْخ بالإجماع على ترك العمل به, إلاَّ إذا عرف صحَّته, وإلاَّ فيحتمل أنَّه غلط, صرَّح به الصَّيرفي.
[والإجماع لا يُنسخ] أي: لا ينسخه شيء [ولا يَنْسخ] هو غيره [ولكن يدل على ناسخ] أي: على وجود ناسخ غيره.(1/89)
4- أشهر المصنفات فيه :
أ) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي . (1)
ب) الناسخ والمنسوخ للإمام أحمد
ج) تجريد الأحاديث المنسوخة لابن الجوزي .
=================
__________
(1) -* وهو كتاب نافع وقيم ومطبوع(1/90)
الفصلُ الثالثُ
الخَبَرُ المَرْدوُد
المبحث الأول: الضعيف.
المبحث الثاني: المردود بسبب سقط من الإسناد
المبحث الثالث: المردود بسبب طعن في الراوي
الخبر المردودُ وأسباب ردِّه
تعريفه:
هو الذي لم يَتَرَجَّحْ صِدْق المُخْبِرِ به. وذلك بفقد شرط أو أكثر من شروط القبول التي مرت بنا في بحث الصحيح.
أقسامه وأسباب رده :
لقد قسم العلماء الخبر المردود إلى أقسام كثيرة (1) ،وأطلقوا على كثير من تلك الأقسام أسماء خاصة بها،ومنها ما لم يطلقوا عليها اسما خاصاً بها بل سموها باسم عام هو " الضعيف " .
أمَّا أسبابُ رد الحديث فكثيرة،لكنها ترجع بالجملة إلى أحد سببين رئيسيين هما:
سَقْط من الإسناد .
طعن في الراوي .
وتحت كل من هذين السببين أنواع متعددة،سأتكلم عنها بأبحاث مستقلة مفصلة إن شاء الله تعالى مبتدئاً ببحث " الضعيف " الذي يعتبر هو الاسم العام لنوع المردود
المبْحَثُ الأول
" الضعيفُ " (2)
1-تعريفه:
__________
(1) - بلغ بها بعضهم نيفاً وأربعين قسماً .
(2) - * تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 120)(1/91)
لغة: ضد القوي،والضعف حسيٌّ ومعنويٌّ،والمراد به هنا الضعف المعنوي.
اصطلاحاً: هو ما لم يجمع صفة الحسن،بفقد شرط من شروطه.
قال البيقوني في منظومته (1) :
وكلُّ ما عن رتبة الحُسْنِ قَصُر ... فهو الضعيفُ وهو أقسام كُثُر
2- تفاوته:
ويتفاوت ضعفه بحسب شدة ضعف رواته وخفته كما يتفاوت الصحيح،فمنه الضعيف،ومنه الضعيف جدا ومنه الواهي،ومنه المنكر،وشر أنواعه الموضوع (2)
3- أَوْهَى الأسانيد (3) :
وبناء على ما تقدم في " الصحيح " من ذكر أصح الأسانيد،فقد ذكر العلماء في بحث " الضعيف " ما يسمَّى بـ "أوهى الأسانيد "
قال الحاكم (4) : فأوهى أسانيد الصِّديق: صدَقة الدَّقيقي, عن فَرْقد السَّبخي, عن مُرَّة الطيب عنه. (5)
وأوهى أسانيد أهل البيت: عَمرو بن شمر, عن جابر الجُعْفي, عن الحارث الأعور, عن علي - رضي الله عنه - (6) .
__________
(1) -* البيقونية - (ج 1 / ص 1)
(2) - *انظر علوم الحديث ـ معرفة الموضوع ص 89
قلت : اعتبار الموضوع من أقسام الضعيف غير صحيح ، والصواب أنه قسم آخر لا علاقة له بالضعيف ، ومن ضمه إليه فقد أبعد النجعة
(3) - * تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 45)
(4) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 121)
(5) -* كما في سنن الترمذى برقم (2090 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِىِّ عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وهو كما قال
الخب : المخادع الذى يسعى بين الناس بالفساد
(6) -* فيه ثلاثة ضعفاء - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 121)(1/92)
وأوهى أسانيد العُمريين: محمَّد بن عبد الله بن القاسم بن عمر بن حفص بن عاصم, عن أبيه, عن جدِّه, فإنَّ الثلاثة لا يحتج بهم. (1)
وأوْهَى أسانيد أبي هُريرة: السَّري بن إسماعيل, عن داود بن يزيد الأوْدي, عن أبيه, عنه. (2)
وأوْهَى أسَانيد عائشة: نُسْخة عندَ البَصْريين عن الحارث بن شِبْل, عن أمِّ النُّعمان, عنها. (3)
وأوْهَى أسَانيد ابن مسعود: شَريك, عن أبي فزارة, عن أبي زيد, عنه. (4)
وأوْهَى أسَانيد أنس: داود بن المُحْبر, عن قَحْذم, عن أبيه, عن أبان بن أبي عيَّاش, عنه. (5)
وأوْهَى أسانيد المَكِّيين: عبد الله بن ميمون القَدَّاح, عن شهاب بن خِرَاش, عن إبراهيم بن يزيد الخوزي, عن عِكْرمة, عن ابن عبَّاس. (6)
وأوْهَى أسانيد اليمانيين: حفص بن عُمر العَدَني, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن عبَّاس. (7)
__________
(1) - * تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 121)
(2) -* السري وداود كلاهما ضعيف انظر الكامل في الضعفاء [ جزء 3 - صفحة 79 ] رقم (623 )
(3) -* وفي لسان الميزان [ جزء 2 - صفحة 152 ] 672 - الحارث بن شبل بصري عن أم النعمان الكندية قال يحيى ليس بشيء وضعفه الدارقطني وقال البخاري ليس بمعروف شاذ بن فياض حدثنا الحارث بن شبل عن أم النعمان عن عائشة رضي الله عنها كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم من إناء واحد كأنا طيران وقد ساق بن عدي بهذا السند أربعة أحاديث ثم قال وهي غير محفوظة انتهى
(4) - *كما في سنن أبى داود برقم (84 )حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِى فَزَارَةَ عَنْ أَبِى زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ « مَا فِى إِدَاوَتِكَ ». قَالَ نَبِيذٌ. قَالَ « تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ أَبِى زَيْدٍ أَوْ زَيْدٍ كَذَا قَالَ شَرِيكٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ.( ولا يصح) - الإداوة : إناء صغير من جلد
(5) -* قلت : ما ورد بهذا السند فلا يشك أنه كذب مفترى ، فداود وأبان متهمان
(6) -* القداح والخوزي متروكان
(7) - *حفص بن عمر بن ميمون العدنى ضعيف(1/93)
قال البَلْقيني فيهما: لعله أراد, إلاَّ عكرمة, فإن البُخَاري يحتج به.
قلت: لا شك في ذلك.
وأمَّا أوْهَى أسانيد ابن عبَّاس مُطْلقا: فالسُّدي الصَّغير محمد بن مروان, عن الكَلْبيِّ, عن أبي صالح, عنه. قال شيخ الإسْلام ( الحافظ ابن حجر): هذه سلسلة الكَذِب, لا سِلْسلة الذَّهب.
قال الحاكم: وأوْهَى أسانيد المِصْريين أحمد بن محمَّد بن الحجَّاج بن رِشْدين, عن أبيه, عن جدِّه, عن قُرَّة بن عبد الرَّحمن, عن كلِّ من رَوَى عنه, فإنَّها نُسْخة كبيرة. (1)
وأوْهَى أسَانيد الشَّاميين: محمَّد بن قَيْس المَصْلوب, عن عُبيد الله بن زحر, عن علي بن يزيد, عن القاسم, عن أبي أُمَامة. (2)
وأوْهَى أسَانيد الخُرَاسانيين: عبد الرَّحمن بن مليحة, عن نَهْشل بن سعيد, عن الضحَّاك, عن ابن عبَّاس. (3)
4- مثاله:
ما أخرجه الترمذى في سننه (4) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَبَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ عَنْ أَبِى تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ». قَالَ أَبُو عِيسَى لاَ نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ عَنْ أَبِى تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
__________
(1) -* وفي لسان الميزان [ جزء 1 - صفحة 257 ] 804 - أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري قال بن عدي كذبوه ..
(2) - *المصلوب كذاب ، وعلي بن يزيد ضعيف فما ورد بهذا السند فكذب
(3) -* قلت : ما ورد بهذا السند فكذب مختلق
(4) -* برقم (135)(1/94)
وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ أَتَى حَائِضًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ ». فَلَوْ كَانَ إِتْيَانُ الْحَائِضِ كُفْرًا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ. وَضَعَّفَ مُحَمَّدٌ (1) هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ. وَأَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِىُّ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ.
قلت: لأن في إسناده حكيماً الأثرم،وقد ضعفه العلماء،فقد قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب " فيه لِيْن " . (2)
5- حكم روايته :
يجوز عند أهل الحديث وغيرهم رواية الأحاديث الضعيفة والتساهل في أسانيدها من غير بيان ضعفها ـ بخلاف الأحاديث الموضوعة (3) ،فإنه لا يجوز روايتها إلا مع بيان وضعها ـ بشرطين .
أن لا تتعلق بالعقائد،كصفات الله تعالى (4) .
أن لا تكون في بيان الأحكام الشرعية مما يتعلق بالحلال والحرام (5) .
يعني يجوز روايتها في مثل المواعظ والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك،وممن رُوي عنه التساهل في روايتها سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مَهدي وأحمد بن حنبل . (6)
__________
(1) - أي البخاري
(2) - * وفي تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 177 ] 1481 - حكيم الأثرم البصري فيه لين من السادسة 4
وفي الكاشف [ جزء 1 - صفحة 348 ] 1208 - حكيم الأثرم عن أبي تميمة والحسن وعنه عوف وحماد بن سلمة صدوق 4
و قال البخارى : حكيم الأثرم بصرى عن أبى تميمة الهجيمى ، عن أبى هريرة " من أتى كاهنا " ، لا يتابع فى حديثه و لا نعرف لأبي تميمة سماعا من أبى هريرة .
قلت : فالراجح أنه صدوق له أفراد ومنها هذا الحديث
(3) - *ويلحق بهاالضعيفة جدا وما كان في هذه المرتبة
(4) - *أو أصول الدين أو أصول العبادات والمعاملات
(5) - *قلت : أجاز بعض الفقهاء العمل بها في الأحكام الشرعية إذا لم يكن في الباب ما هو أقوى منها كالحنفية والحنابلة
(6) -* انظر علوم الحديث ص 93 والكفاية ص 133 - 134 باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوز في فضائل الأعمال.(1/95)
وينبغي التنبه إلى أنك إذا رويتها من غير إسناد فلا تقل فيها : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا،وإنما تقول : رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا،أو بلغنا عنه كذا وما أشبه ذلك لئلا تجزم بنسبة ذلك الحديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنت تعرف ضعفه .
6- حكم العمل به :
اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف،والذي عليه جمهور العلماء أنه يستحب العمل به في فضائل الأعمال لكن بشروط ثلاثة،أوضحها الحافظ ابن حجر (1) وهي:
أحدها: أن يَكُون الضَّعف غير شديد, فيَخْرُج من انفرد من الكذَّابين والمُتَّهمين بالكذب, ومن فَحُش غلطه, نقل العلائي الاتفاق عليه.
الثاني: أن يَنْدرج تحت أصل مَعْمُول به.
الثَّالث: أن لا يعتقد عند العَمَل به ثُبوته, بل يعتقد الاحتياط.
وقال: هذان ذكرهُمَا ابن عبد السَّلام وابن دقيق العِيد. (2)
7- أشهر المصنفات التي هي مَظِنَّة الضعيف :
أ) الكتب التي صُنِّفَتْ في بيان الضعفاء : ككتاب الضعفاء لابن حبان (3) ،وكتاب الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (4) ،وكتاب ميزان الاعتدال للذهبي (5) ،وكتاب لسان الميزان
__________
(1) -* انظر تدريب الراوي جـ 1 ـ ص 298 ـ 299 وفتح المغيث جـ1 ـ ص268 و
قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 76) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 233)
(2) -* "وقيلَ: لا يَجُوز العمل به مُطْلقًا, قاله أبو بكر بن العَرَبي.
وقيل: يُعمل به مُطْلقًا, وتقدَّم عزو ذلك إلى أبي داود وأحمد, وإنَّهما يريان ذلك أقْوَى من رأي الرِّجال.
وعِبَارة الزَّركشي: الضَّعيف مردود, ما لم يقتض ترغيبًا, أو ترهيبًا, أو تتعدد طُرقه, ولم يكن المُتابع مُنحطًّا عنه.
وقيل: لا يُقبل مطلقًا.
وقيل: يُقبل, إن شهدَ لهُ أصل, واندرجَ تحت عموم. انتهى.
ويُعمل بالضَّعيف أيضًا في الأحْكَام إذا كان فيه احتياط." تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 233) اهـ
قلت :
العمل بالحديث الضعيف هو موضع إجماع من المتقدمين ،وأول من منع العمل به هو الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله ، وهو محجوج بمن سبقه ، ولا يثبت منع العمل به عن أحد من المتقدمين لا البخاري ولا غيره
(3) - *قد ذكر في مقدمة كتابه هذا أنواع المجروحين ، وقسمهم إلى عشرين قسماً . وهو يذكر المترجم له ، ثم يذكر ما أنكر عليه .. وفيه أكثر من ألف ترجمة . وهو من المسرفين في الجرح ، كما قلنا ، فإنه يجرح الراوي لغلط أو غلطين . وكثيراً ما يقول عن الراوي : يروي الأباطيل والملزوقات على الأثبات (1) !!
أمثلة :
قال في ترجمة أبان بن أبي عياش : ولعله روى عن أنس أكثر من ألف وخمسمائة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع إليه .
وقال في ترجمة أبان بن سفيان المقدسي : لا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ والرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص .
وكقوله عن أبان بن عبد الله البجلي من أهل الكوفة ، وكان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير ...
علماً أن الحافظ في التقريب قال عنه (140) صدوق في حفظه لين .
وقال في ترجمة إبراهيم بن مسلم الهجري : وكان ممن يخطيء فيكثر .
وفي التقريب : (252) لين الحديث رفع موقوفات . وفي الكامل أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ، وعامتها مستقيمة المتن ، يكتب حديثه الكامل 1/213 .
وقال في ترجمة إبراهيم بن مهاجر البجلي : كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد به من الروايات ، ولايعجبني الاحتجاج بما وافق الثقات لكثرة ما يأتي من المقلوبات ... وفي التقريب (254) صدوق لين الحفظ أخرج له
مسلم وأصحاب السنن .
وقال عن إبراهيم بن المهاجر بن مسمار : منكر الحديث جداً وفي التقريب (255) ضعيف .
وقال عن إبراهيم بن عمر سفينة : يخالف الثقات في الروايات ويروي عن أبيه مالا يتابع عليه من رواية الأثبات فلا يحل الاحتجاج بخبره بحال ا هـ !!
وفي التقريب (221) مستور ، روى له أبو داود والترمذي .
ومن هنا نقول : لايجوز الاعتماد عليه وحده في الجرح لإسرافه فيه .
والكتاب بحاجة لمراجعة تراجمه وأحاديثه ومقارنة ذلك مع غيره .موسوعة السنة النبوية - (ج 1 / ص 103)
(4) - * وهو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني قال حمزة السهمي : كان أبو أحمد بن عدي حافظاً متقناً ، لم يكن في زمانه مثله ، وقال : سألت الدارقطني أن يضيف كتاباً في الضعفاء فقال : أوليس عندك كتاب ابن عدي ؟ ! قلت نعم ، قال : فيه كفاية لا يزاد عليه ا هـ تاريخ جرجان 226 .
وقال الذهبي : أما في العلل والرجال فحافظ لايجارى الميزان 1/2 وقال ابن ناصر الدين : هو إمام حافظ كبير ثقة مأمون ، له كتاب في الجرح والتعديل سماه الكامل ، وهو كتاب جليل حافل .
وقال الحافظ ابن كثير : له كتاب الكامل في الجرح والتعديل ، لم يسبق إلى مثله ولم يلحق في شكله البداية 11/283
وقد ذكر في كتابه هذا كل من تكلّم فيه بأدنى شيء ، ولو كان من رجال الصحيحين ، منتصرٌ له إذا أمكن .. وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاده ... راجع السير 16/154
والذين أوردهم فيه : الضعفاء ، والثقات الذين تُكلّم فيهم أو أنكر عليهم أحاديث ، ومن اختلف فيهم ، ومن لم يتكلم فيه أحد ، مع العلم أن أحاديثه غير محفوظة .
وقد رتبه على الحروف الهجائية ، وبدأه بترجمة لعلماء الجرح والتعديل وهو يذكر اسم المترجم له ، ثم ينقل بسنده المتصل رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، ثم يذكر له بعض مارواه ، ثم يذكر رأيه فيه بعد سبره لأحاديثه .
- وهو من المنصفين في الجرح والتعديل إلى حدّ بعيد .
- وهو أول من قام بهذه الدراسة النقدية الداخلية
أمثلة :
قال في ترجمة أحمد بن بشير : قال الإمام يحيى بن معين : لاأعرفه وقال عثمان بن سعيد الدارمي : كان من أهل الكوفة ، ثم قدم بغداد ، وهو متروك .ثم ذكر ابن عدي بعض ما أنكر عليه .
ثم قال : وأحمد بن بشير له أحاديث صالحة ، وهذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له ، وهو في القوم الذين يكتب حديثهم 1/165-167 .
أقول : يعني أنه مقبول الرواية خلا هذه الأحاديث التي أوردها في ترجمته .
وقال عنه في التقريب (13) صدوق له أوهام .
ثم الأحاديث التي أنكرها عليه ابن عدي فيها المنكر وفيها غير المنكر .
فالأول : (تعبد رجل ...) واه منكر
والثاني : (لووزنت دموع آدم ...)) والصواب وقفه انظر الشعب (834 و835) والخطيب 4/47
والثالث : لا ينبغي لقوم يكون أبو بكر فيهم أن يؤمهم غيره . ضعيف مرفوعاً ، والصواب وقفه انظر الترمذي (3673)
والرابع : حديث (اللهم أوسع رزقك ...) مختلف فيه الحاكم 1/542 والمجمع 10/182 والدعا للطبراني (1049) وحسنه الهيثمي .
والخامس : (اللهم بارك لأمتي في غُدّوها) صحيح لغيره
والسادس : (لاحول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) هو في الصحيحين البخاري 5/120 و8/102 و108 و156 و9/144 ومسلم في الذكر والدعاء رقم (44 و45 و47) .
والسابع : (حديث من أسرع الناس هلاكاً ؟ قال : قومك ...) أخرجه أحمد 6/81 و90 وابن أبي عاصم 2/64 والمجمع 10/28 وهو حديث صحيح لغيره .
فيجب الانتباه للأحاديث التي يوردها الإمام ابن عدي في كامله فليست كلها مردودة ، بل فيها الصحيح والحسن .
وقال في ترجمة أحمد بن حازم أظنه مديني ، ويقال مزني معافري ، مصري ، ليس بالمعروف ، يحدث عنه ابن لهيعة ويحدث أحمد هذا عن عمرو بن دينار وعبدالله بن دينار ، وعطاء وابن المنكدر ، وصفوان بن سليم بأحاديث عامتها مستقيمة .. ا هـ
أو كقوله عن أحمد بن أبي نافع أبو سلمة الموصلي ، بعد أن روى له بعض الأحاديث : قال وهذان الحديثان غير محفوظين ، وأحمد ابن أبي نافع متقارب الحديث ليست أحاديثه بالمنكرة جداً 1/169 .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى : أظنه بصري ، يحدث عن أهل الأهواز ، يخالف الثقات في روايته عن شعبة ، وقد حدث عن غير شعبة بأحاديث مستقيمة ثم قال أخيراً : ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابه ا هـ 1/170 و171
أقول : والأهم من هذا أنه استطاع بنظرته الثاقبة وحفظه الواسع أن يمحّص في الرواة المختلف فيهم ويصل إلى نتائج هامة جداً في هذا المعترك الصعب .
- كقوله في ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي روى عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق : المغازي ، وأنكرت عليه وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكير .
ثم قال : كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يحسنان القول في أحمد بن محمد بن أيوب ، وسمع علي منه المغازي ، وكان يحيى بن معين يحمل عليه .
ثم قال : وأحمد بن محمد هذا أثنى عليه أحمد وعلي ، وتكلم فيه يحيى ، وهو مع هذا كله صالح الحديث ليس بمتروك ا هـ 1/174 و175 .
- وكان يرد جرح الأقران كجرح يحيى بن معين والنسائي في أحمد بن صالح أبو جعفر المصري . ثم قال وأحمد بن صالح ممن أجلّه الناس ... ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلّم فيه متكلم لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره ا هـ 1/180-184
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي بعد أن نقل عن ابن خراش أنه حلف بالله أن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً ، فقال رداً عليه : وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ ا هـ 1/190 .
- وقد يرجح قولاً من الأقوال التي قيلت في الراوي كقوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن السكسكي الكوفي ونقل عن شعبة طعنه فيه ، وقال النسائي : ليس بذلك القوي ويكتب حديثه ... ثم قال : ولم أجد له حديثاً منكر المتن ، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ، ويكتب حديثه كما قال النسائي 1/210 و211
- أو كقوله في إبراهيم بن مسلم أبو اسحاق الهجري بعد أن نقل تضعيفه عن سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي
قال : وإبراهيم الهجري هذا حدّث عنه شعبة والثوري وغيرهما ، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن ، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وهو عندي ممن يكتب حديثه ا هـ 1/211-213 أو كقوله في إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المديني بعد أن نقل قول البخاري فيه : منكر الحديث ، وقول يحيى بن معين صالح ليس به بأس . وذكر له حديثاً في فضل قراءة طه ويس ..
ثم قال : وإبراهيم بن مهاجر لم أجد له حديثاً أنكر من حديث (قرأ طه ويس) ... وباقي أحاديثه صالحة اهـ 1/216
- ولم يكن ليتعصب ضد الرواة المتهمون بالتشيع أو الغلو فيه .
فقد قال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي بعد أن نقل تكذيبه عن الشعبي وأبي حنيفة وليث بن أبي سليم ويحيى بن معين وغيرهم ...
قال : ولجابر حديث صالح ، وقد روى عنه الثوري الكثير وشعبة أقل رواية عنه من الثوري ، وحدّث عنه زهير وشريك وسفيان والحسن بن صالح وابن عيينة وأهل الكوفة وغيرهم ، وقد احتمله الناس ورووا عنه ، وعامة ماقذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة ، وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً ، ولم يتخلّف أحد في الرواية عنه ، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في الإنكار ، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق ا هـ 2/113-120
- وقد يذكر راوياً ويورد له عدداً من الأحاديث ويضعفه ويكون الحمل فيها ليس على هذا الراوي وإنما على الراوي عنه مثل غالب القطان فقد ذكره وأورد له أحاديث ، والحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري وغيره ، وهو من عجيب ماوقع له والكمال لله تعالى (1)
- وقد ينسب إلى التساهل مع بعض الرواة كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني: حيث نقل تكذيبه عن مالك ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وغيرهم ، وأطال النفس في ترجمته . ثم نقل رواية الشافعي عنه وابن جريج والثوري وعباد بن منصور ويحيى بن أيوب .ثم قال : وإبراهيم بن أبي يحيى ذكرت من أحاديثه طرفاً ، روى عنه ابن جريج والثوري وعباد بن منصور
ومندل ، ويحيى بن أيوب ، وهؤلاء أقدم موتاً منه وأكبر سنّاً ، وله أحاديث كثيرة ، ... وقد نظرت أنا في أحاديثه وسجرتها وفتشت الكل منها ، فليس فيها حديث منكر وإنما يروي المنكر إذا كان العهدة من قبل الراوي عنه ، أو من قبل من يروي إبراهيم عنه وكأنه أتى من قبل شيخه لا من قبله ، وهو في جملة من يكتب حديثه ، وقد وثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما ا هـ 1/217-225
وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (241) متروك ا هـ .
- ولكن الثابت عن ابن عدي وغيره من الأثريين تحاملهم على أهل الرأي ، وهذا لايقبل منهم (1)
- كقوله في ترجمة محمد بن الحسن الشيباني بعد أن نقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى وغيرهما .
قال : ومحمد بن الحسن هذا ليس هو من أهل الحديث ، ولا هو ممن كان في طبقته يُعنون بالحديث حتى أذكر شيئاً من مسنده على أنه سمع من مالك - الموطأ - والاشتغال بحديثه شغل لا يحتاج إليه ، لأنه ليس هو من أهل الحديث فينكر عليه ، ... وقد استغنَى أهل الحديث عما يرويه محمد بن الحسن وأمثاله ا هـ 6/174 و175
أقول : هذا الكلام في حقه فيه تجنّ كثير قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من اللسان : تفقه على أبي حنيفة ، وسمع الحديث من الثوري ومعمر وعمر بن ذر ، ومالك بن مغول ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وربيعة بن صالح ، وجماعة وعنه الشافعي ، وأبو سليمان الجوزجاني ، وهشام الرازي وعلي بن مسلم الطوسي ، وغيرهم ، ولي القضاء في أيام الرشيد ، وقال ابن عبد الحكيم : سمعت الشافعي يقول: قال محمد : أقمت على باب مالك ثلاث سنين ، وسمعت منه أكثر من سبعمائة حديث ، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد وقر بعيد كتباً ، وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه في حق محمد بن الحسن : صدوق ا هـ 5/121-122 (2)
- أو ماقاله في ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت حيث نقل تضعيفه عن كثير من أهل الجرح والتعديل وأفاض في ترجمته ثم ختمها بقوله : وأبو حنيفة له أحاديث صالحة ، وعامة مايرويه غلط ، وتصاحيف وزيادات في أسانيدهها ومتونها ، وتصاحيف في الرجال ، وعامة مايرويه كذلك ، ولم يصح له في جميع مايرويه إلا بضعة عشر حديثاً وقد روى من الحديث لعله أرجح من ثلاثمائة حديث من مشاهير وغرائب وكله على هذه الصورة ، لأنه ليس هو من أهل الحديث ، ولا يحمل على من تكون هذه صورته في الحديث ا هـ 7/5-12
أقول : هذا الكلام غير صحيح ، قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/168: أبو حنيفة الإمام الأعظم ، فقيه العراق ... حدّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وسلمة ابن كهيل وأبي جعفر محمد ابن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحاق وخلق كثير ...
وحدّث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وبشر كثير ، وكان إماماً ورعاً عالماً عاملاً ، متعبداً ، كبير الشأن ، لايقبل جوائز السلطان قال ابن المبارك :أبو حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين قال : لا بأس به ، ولم يكن متهماً ... ا هـ
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي 1/188 : قال : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدّم على التعديل على إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ...
ثم قال 1/190 : قد عرفناك أن الجارح لايقبل فيه الجرح وإن فسّره في حق من غلبت طاعاته على معصيته ،ومادحوه على ذاميّه ومزكوّه على جارحيه ، إذا كانت هناك قرينة تشهد بأن مثلها حامل على الوقيعة فيه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري في أبي حنيفة ، وابن أبي ذئب وغيره في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون ا هـ (1)
وترجمه الحافظ ابن حجر في التهذيب 10/449-452 ترجمة مطولة ولم يذكر رواية واحدة تطعن في روايته وعدالته ، بل أثبت عدالته وثقته ... وهذا هو الحق والمذهب الحنفي مملوء بآلاف الأحاديث المستدل بها على الأبواب وهذا يرد على كل من يطعن في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وكل جرح لايستند إلى أسس موضوعية سليمة مرفوض مهما كان قائله إذ لايعصم عن الخطأ إلا الأنبياء .وهناك نقطة هامة حول كتاب الكامل لابن عدي رحمه الله فقد أورد ضمن تراجم الكتاب مايزيد على ثمانية آلاف حديث وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، والمنكر والواهي والموضوع . والمقبول منها غير قليل .
كحديث (ائذنوا للنساء) 1/215 فهو صحيح ، إذ أخرجه البخاري 2/5 و7 ومسلم الصلاة ح (139) وغيرهما فليس مجرد عزو الحديث إلى الكامل دليلاً على ضعفه ووهنه (2) !!فلا بد من مراجعة الحديث في كتب السنة الأخرى لترى ماقالوا فيه .
وهذا الكتاب - الذي لم ينسج على منواله - بحاجة لتحقيق وضبط وتخريج لكامل أحاديثه .موسوعة السنة النبوية - (ج 1 / ص 104)
(5) - *وهو من أهم كتب الجرح والتعديل ، ذكر فيه كل راوٍ تُكُلّم فيه ، ولو بغير حق انظر الأرقام التالية : (2 و8 و10 و20 و54 و61 و...) ، وفيه (11053) أحد عشر ألفاً وثلاث وخمسون ترجمة وقد رتبه على حروف المعجم ، ويذكر المترجم له ، ثم يبين أهم من أخذ عنهم الحديث ، ثم يذكر من روى عنه ، ثم يذكر بعض مروياته أو أخباره ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، وقد يرجح رأياً من الآراء انظر الأرقام (1 و2 و35 ...) ، ويأتي برأي جديد انظر الأرقام (8 و10 و17 و20 و22 و32 و53) .
ويغلب عليه الاعتدال والانصاف ، ولايخلو من تشدد أحياناً ومن تشدده :
قوله عن أبان بن عثمان الأحمر (13) ومارد عليه الحافظ ابن حجر في اللسان 1/24 (20) وانظر الأرقام (28 و29) واللسان 1/ (48 و49) و(30) واللسان 1/(50) و(31) واللسان 1/(51) و(33) واللسان 1/(52) و(37) واللسان 1/(61) و(43) واللسان 1/(67) و(44) واللسان 1/(68) و(47) واللسان 1/(71) و(48) واللسان 1/72) و(56) واللسان 1/(81) و(59) واللسان 1/(85) وغير ذلك كثير .وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في أشياء في التهذيب واللسان والكتاب بحاجة لتخريج أحاديثه ومقارنة رواته بغيرهم من كتب الجرح والتعديل (انظر قواعد في علوم الحديث 179 و180 و183 و184 و185 و187 و188 و189 و205 و211 و212 و351 وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي) .(1/96)
للحافظ ابن حجر (1) ،فإنهم يذكرون أمثلة للأحاديث التي صارت ضعيفة بسبب رواية أولئك الضعفاء لها . (2)
ب) الكتب التي صُنِّفت في أنواع من الضعيف خاصة : مثل كتب المراسيل والعلل والمُدْرَج،غيرها ككتاب المراسيل لأبي داود (3) ،وكتاب العلل للدارقطني (4) .
===============
حكمُ العملِ بالحديث الضعيف (5)
لقد اتفق أهل العلم على الأمور التالية :
__________
(1) - *وهو كتاب ضخم أورد فيه كل من تُكلّم فيه وليس له ذكر في التهذيب وعدد الرواة المترجم لهم أكثر من عشرة آلاف ورتبه على حروف المعجم ... ولخص ما قاله الأقدمون في الراوي بما فيهم الذهبي في الميزان واستدرك عليه كثيراً ، وناقشهم في كثير من الرواة انظر الأرقام التالية من الجزء الأول :
(6 و9 و12 و20 و22 و31 و49 و51 و52 و56 و61 و68 و71 و72 و73 ...)وهو بحاجة لتحقيق وضبط من جديد .
(2) - *ليس كل ما ورد في هذه الكتب من أحاديث يعتبر ضعيفاً أو مردوداً ، بل بعضه صحيح ، وبعضه حسن ،وبعضه ضعيف ،وبعضه واه ،وبعضه موضوع
(3) -* أورد فيه الأحاديث المرسلة مرتبة على الأبواب الفقهية وعددها حوالي (543) حديثاً وهي تدور بين الصحيح والحسن المرسل والضعيف ، وأغلبها مقبول وقد قام أستاذنا المحقق الشيخ شعيب الأرناؤوط بتحقيقه وتخريج أحاديثه بشكل دقيق ولا يخلو من تشدد .
(4) - *وهو كتاب قيم جدا ،المطبوع منه في أحد عشر مجلدا غير كامل
(5) - *هذا البحث كله من إضافتي وذلك لأهميته البالغة .(1/102)
1- لا يجوز العمل بالحديث الضعيف في العقائد أبداً،ولا بأصول العبادات أو المعاملات .
أكثر أهل العلم على أن العقائد تبنى على الحديث المتواتر والمعلوم من الدين بالضرورة والبداهة ،وهو ما يفيد القطع واليقين،وبعضهم جوَّز العمل بالحديث الصحيح في بناء العقيدة .
قلت : والصواب أنه لا يعمل يه في العقيدة إلا في فروعها - يعني يجب ثبوت الحكم بالمتواتر حصرا
2- لا يجوز الاعتماد على الحديث الضعيف في بناء الأحكام العملية المشهورة
3- لا يجوز العمل بالحديث الذي اشتد ضعفه أو ماكان موضوعا مطلقا لا في أحكام شرعية ولا في فضائل الأعمال ولا تحل روايته إلا على سبيل القدح والتنفير منه
واختلفوا فيما سوى ذلك في الأخذ بالضعيف على ثلاثة مذاهب (1) :
المذهب الأول:
لا يعمل به مطلقا لا في الفضائل ولا في الأحكام حكاه ابن سيد الناس عن الإمام يحيى ابن معين وإليه ذهب أبو بكر ابن العربي والظاهر أنه مذهب البخاري ومسلم لما عرفناه من شروطهما للصحيح وهو مذهب ابن حزم الأندلسي (2) والشهاب الخفاجي والجلال الدواني وغيرهم .
__________
(1) - قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 72) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 232)
(2) - وقال ابن حزم الظاهري :
والخامس شيء نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الطريق رجلاً مجروحاً يكذب أو غفلة أو مجهول الحال فهذا أيضاً يقول به بعض المسلمين ولا يحل عندنا القول به ولا تصديقه ولا الأخذ بشيء منه
الفصل في الملل والأهواء والنحل - (ج 1 / ص 130) والفصل في الملل والأهواء والنحل - (ج 1 / ص 180) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 72)(1/103)
المذهب الثاني :
أنه يعمل بالحديث الضعيف مطلقا وعزي هذا إلى أبي داود والإمام أحمد وأنهما يريان ذلك أقوى من رأي الرجال وهذا محمول على الضعيف غير شديد الضعف ولا موضوع كما مر .
المذهب الثالث :
أنه يعمل به في الفضائل والمواعظ ونحو ذلك إذا توافرت له بعض الشروط وقد ذكرها الحافظ ابن حجر وهي:
1- أن يكون الضعف غير شديد فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش خطأه،وقد نقل العلائي الاتفاق على هذا الشرط .
2- أن يندرج تحت أصلٍ معمولٍ به،فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلا .
3- أن لا يعتقدَ عند العمل به ثبوته،بل يعتقد الاحتياط . (1)
الأدلةُ ومناقشتها :
أما الرأي الأول فيرى بعض العلماء (2) أنه أسلم المذاهب،" ولدينا مما صح في الفضائل والترغيب والترهيب من جوامع كلم المصطفى ثروة يعجز البيان عن وصفها،وهي تغنينا عن رواية الأحاديث الضعيفة في هذا الباب،وبخاصة أن الفضائل ومكارم الأخلاق من دعائم الدين ولا فرق بينها وبين الأحكام من حيث ثبوتها بالحديث الصحيح أو الحسن،فمنَ الواجب أن يكون مصدرها جميعا الإخبار المقبولة ."
قلت :
__________
(1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 233) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 76)
(2) - كأستاذنا د- محمد عجاج الخطيب في كتابه أصول الحديث ص 352 ط دار الفكر(1/104)
مع تسليمنا بصحة هذا القول إلا أنه لا يدل على منع العمل بالحديث الضعيف وإنما يحتاط في ذلك،وهذا ليس بكاف لرد العمل بالحديث الضعيف وإذا جوزنا العنل بالضعيف فلا يعني هذا أنه على حساب الصحيح والحسن مطلقا.
ومما يعترض به على هذا الرأي أنه لا يصح عن أحد من الأئمة المتقدمين بما فيها الإمام البخاري هذا القول،بل الذي ثبت عنهم عكسه،فقد احتج البخاري في صحيحه بالضعيف في الأحكام الشرعية وبالفضائل في تراجم الأبواب،وفي الأدب المفرد وغيره من كتبه،وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن بعض الضعفاء،وأول من صرح بهذا القول هو الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله .
بل نلاحظ أن جميع الفقهاء يحتجون في كتبهم الفقهية بالأحاديث الضعيفة،بل والمنكرة والموضوعة أحيانا،ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب نصب الراية للزيلعي والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر وغيرهما من كتب التخريج.
والأهم من ذلك أن كثيرا من الأحاديث الضعيفة سابقاً وجدنا لها ما يقويها ويرفعها على مرتبة المقبول الصحيح والحسن،ذلك لأن السنة النبوية لم تجمع جمعاً تاماً من قبل،فقد يضعف المحدِّثُ حديثا لضعف في سنده،وليس بالضرورة أن يكون متنه ضعيفاً.
كما أن الحديث الضعيف - ضعفاً يسيراً- رجح عندنا عدم صحته،وقد لا يكون الأمر كذلك .
وكذلك يعترض على هذا القول بما يعرف بالجرح والتعديل،فعندنا مذاهب متعددة في الجرح والتعديل،منها المتشدد ومنها المعتدل،ومنها المتساهل،فبأيها نأخذ ؟
فلو أخذنا بكلام المتشددين( كابن الجوزي رحمه الله في كتابه الموضوعات ،أو الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع والضعيفة ونحوهما فقد ضعف آلاف الأحاديث الثابتة ) لرددنا كثيرا من السنة النبوية،بما فيها الأحاديث التي في الصحيحين،ولو أخذنا(1/105)
برأي المتساهلين( أمثال الإمام السيوطي في كثير من كتبه وتصحيحاته) لنسبنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله.
ولو أخذنا برأي المعتدلين في الجرح والتعديل - وهو الذي جرى عليه العمل في التاريخ الإسلامي - لهان الخطب كثيرا،ولوجدنا أن الخلاف بينهما صار يسيرا - أعني بين المانعين والمجيزين- .
وقال بعضهم : إن العمل بالضعيف في الفضائل اختراع عبادة وتشريع في الدين لما لم يأذن به الله تعالى !!!.
وردَّ هذا القول كذلك بأن هذا الاستحبابَ معلومٌ من القواعد الشرعية الدالةِ على استحباب الاحتياط في أمر الدين،والعملُ بالحديث الضعيف من هذا القبيل،فليس ثمة إثبات شيء من الشرع بالحديثِ الضعيف،فأصل المشروعية ثابت بالأصلِ الشرعيِّ العام ،وجاء هذا الخبرُ الضعيف موافقاً له .
وأما أصحاب الرأي الثاني فقد قالوا ذلك لمَّا كان الحديثُ الضعيف محتملاً للإصابة،ولم يعارضه شيءٌ أقوى منه،فإنَّ هذا يقوي جانبَ الإصابة في روايته فيعمل به .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى موضحا رأي الإمام أحمد وغيره :
" الْأَخْذُ بِالْمُرْسَلِ وَالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ،إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ،وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ عَلَى الْقِيَاسِ،وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَهُ الْبَاطِلَ وَلَا الْمُنْكَرَ وَلَا مَا فِي رِوَايَتِهِ مُتَّهَمٌ بِحَيْثُ لَا يَسُوغُ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِهِ ؛ بَلْ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ عِنْدَهُ قَسِيمُ الصَّحِيحِ وَقِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْحَسَنِ،وَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُ الْحَدِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ،بَلْ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ،وَلِلضَّعِيفِ عِنْدَهُ مَرَاتِبُ،فَإِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ أَثَرًا يَدْفَعُهُ وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ،وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا وَهُوَ مُوَافِقُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ،فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ قَدَّمَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَلَى الْقِيَاسِ .(1/106)
فَقَدَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ،وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ،وَقَدَّمَ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْقِيَاسِ،وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُهُ،وَقَدَّمَ حَدِيثَ " أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ " وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ ؛ فَإِنَّ الَّذِي تَرَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مُسَاوٍ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ وَالصِّفَةِ لِدَمِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ،وَقَدَّمَ حَدِيثَ { لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ } - وَأَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ،بَلْ بُطْلَانِهِ - عَلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ،فَإِنَّ بَذْلَ الصَّدَاقِ مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ بَذْلِ الْبُضْعِ،فَمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا .
وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ تَحْرِيمِ صَيْدِ وَجٍّ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الْقِيَاسِ،وَقَدَّمَ خَبَرَ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ مَعَ ضَعْفِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ،وَقَدَّمَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ حَدِيثَ { مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلِيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ } عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ ضَعْفِ الْخَبَرِ وَإِرْسَالِهِ .
وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْبَلَاغَاتِ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ . " (1)
وقال أستاذنا الخطيب أيضاً (2) :
" وأما ما روي عنه وعن ابن المهدي وابن المبارك :إذا روينا في الحلال والحرام شددنا وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا كما روى الخطيب البغدادي بسنده عن الإمام أحمد قوله : إذا روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ،وإذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل الأعمال ومالا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد،فإنما يريدون به أنهم يشددون في أحاديث الأحكام فلا يروون إلا ما توافرت فيه شروط الصحة،ويتساهلون بقبول غيرها وروايته عمن خفت فيه هذه الشروط،فنزل إلى درجة الحسن بنوعيه في اصطلاح المتأخرين وهو الذي يقابله الضعيف الذي يعمل به في اصطلاح المتقدمين،إذ لم يستقرَّ اصطلاحُ الحسن في عصرهم بعدُ،ومما يرجح ما ذهبتُ
__________
(1) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 37-38)
(2) - في كتابه أصول الحديث ص 352- 354(1/107)
إليه قول سفيان الثوري : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين في العلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ(الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 133) )،وما الرؤساء المشهورين إلا الأئمة،ومن توفرت فيهم أعلى شروط الصحة،وأما المشايخ فإنْ كان المراد بهم المعنى الاصطلاحي في التعديل فقولهم( شيخ ) ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل الأربع،وهو ممن يقبل حديثه وفي مرتبة من يقال فيه جيد الحديث وحسن الحديث،وإن لم يكن المراد ( بالمشايخ) المعنى الاصطلاحي- بل عموم أهل العلم- فالمقصودُ به الرواية عمن لا يكونُ شديدَ الضعف،ويؤيد هذا أنهم كرهوا الرواية والاحتجاج بمن غلب على حديثهِ روايةُ الشواذِّ ورواية الغرائبِ والمناكير،كما كرهوا الرواية عن أهل الغفلة ومن أصيبوا بالاختلاط ،وعمن عُرف بقبول التلقين وبالتساهل في سماع الحديث،وعمن كثرَ غلطهُ،ومن سواهم كانوا يحملون عنهم،وهم المقصودون في قول سفيان في روايته غير الحلال والحرام،وهم في رأينا رجالُ الحَسَنِ .
وفي رأينا أنَّ بعض الناس فهِم ما نُقلَ عن الإمام أحمد وابن المهدي وابن المبارك،فهما بعيدا عن مراد هؤلاء الأئمة رحمهم الله،فتناقلوا هذه العبارة "يجوز العمل بالضعيف" في فضائل الأعمال مؤيدين تساهلهم في رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيان ضعفها،مجوِّزين لأنفسهم إدخال أشياءَ كثيرة في بعض أمور الدين لا تستند إلى دليل مقبولٍ،أو إلى أصلٍ معروف،اعتمادا منهم على ضعيف الحديث،من غير أن يفرِّقوا بين مفهوم الضعيف عند القدامى والمتأخرين" .
ويردُّ على ابن القيم وأستاذنا الخطيب بما يلي :
أولا- ما قاله الإمام أبو داود السجستاني - تلميذ الإمام أحمد - في رسالته لأهل مكة : " وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على أنه متصل،وهو مثل الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة والحكم عن مقسم عن ابن عباس" .(1/108)
حيث جعل أبو داود غير المتصل صالحا للعمل به عند عدم الصحيح،ومعلوم أن المنقطع من أنواع الحديث الضعيف لا الحسن .
ثانيا - قال العلامة ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه المحرر النفيس النكت على مقدمة ابن الصلاح حول شرط أبي داود : ومن هاهنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل هو على أقسام :
1- منه ما هو في الصحيحين .
2- أو على شرط الصحة .
3- ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته .
4- ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد وهذان القسمان كثرا في كتابه جدا .
5- ومنه ما هو ضعيف،لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا .
وكلُّ هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها كما نقل ابن منده عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد غيره،وأنه أقوى عنده من رأي الرجال،ثم نقل الحافظ الأقوال الواردة عن الإمام أحمد في هذه المسألة- مسألة الاحتجاج بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره- ثم قال بعد ذلك : فهذا نحو ما حكي عن أبي داود ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد،فغير مستنكر أن يقول قوله . (1)
ثالثا- في الرد على ابن القيم وأستاذنا الخطيب حول ظنهما أن المقصود بالضعيف - عند المتقدمين- هو الحسنُ عند المتأخرين
وهذا غير مسلَّم،إذ أنَّ إطلاق الحسَن على الحديث وعلى الراوي أيضا واردٌ على لسان عدد من العلماء السابقين للإمام الترمذي من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه،بل ورد هذا الإطلاق على لسان الإمام أحمد نفسه، قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح :" وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في
__________
(1) - قواعد في علوم الحديث للتهانوي - تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله ص 85(1/109)
مسندهِ وفي علله،وظاهرُ عبارته قصدُ المعنى الاصطلاحي،وكأنهُ الإمام السابقُ لهذا الاصطلاح،وعنه أخذ البخاريُّ ويعقوب بن شيبة وغيرُ واحد،وعن البخاريِّ أخذَ الترمذيُّ " .
ولهذا قال ابن الصلاح : " ويوجدُ -أي التعبير بالحسن الاصطلاحي- في متفرقاتٍ من كلام مشايخ الترمذي،والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما"
وقد عبَّر الإمامُ أحمد بالحسن عما هو حسن اصطلاحاً،فقد قال في ابن إسحاق -صاحب المغازي - حسَنُ الحديث كما في الميزان للذهبي (1) ،ولم يردْ أنه ثقةُ الحديث بدليل ما قاله فيه :هو كثير التدليس جدا ،قيل له فإذا قال أخبرني وحدثني فهو ثقة ؟ قال : "هو يقول( أخبرني ) ويخالف"،وظاهرٌ أنَّ هذا الكلام لا يقوله الإمام أحمد فيمن يعتبرهُ ثقةً صحيحَ الحديثِ .
ونقل الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين عن الإمام أحمد تحسين حديث ركانة في طلاق امرأته ثلاثا في مجلس واحد،فقال: " وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْإِسْنَادَ وَحَسَّنَهُ " (2) .
ونقل الإمام ابن تيمية في رسالته في تفضيل أبي بكر على علي رضي الله عنهما المطبوعة بحلب سنة 1372 هـ عن الإمام أحمد والترمذي تحسينهما الحديث {مَن كُنْتُ مَولاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاهُ} (3)
__________
(1) - 3/469
(2) - 3/42-43 وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 3 / ص 189) الشاملة 2
(3) - انظر مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 417-418) وفيه "فَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهُ "
وقال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل - (ج 1 / ص 494):"وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً "
قلت : بل هو حديث صحيح مشهور
وفي موسوعة السنة النبوية لي - (ج 13 / ص 318)18073-{مَن كُنْتُ مَولاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاهُ}(حم،هـ) عن بريدة ، (ت،ن) و الضِّياءُ عن زيد بن أرقم
ت (3713) و حم 1/84 و 118 و 119 و 152 و حب (2202) و طب 3/199 و 4/207 و 208 و 5/186 و 191 و 192 و 217 و 221 و 231 و 12/99 و 19/291 و سعد 5/235 و عاصم 2/604 و 605 و 606 و 607 و ك 3/110 و 134 و 371 و الدولابي 1/160 و 2/61 و 88 و هـ (121) و مجمع 7/17 و 9/104 و 105 و 106 و107 و 108 و 120 و ش 12/59 و 60 و 61 و 68 و فتح 7/74 و مشكل 2/307 و الصحيحة (1750) و غيرهم وصحيح الجامع (6523)(1/110)
وممن استعمل الحسن الاصطلاحي كذلك أبو حاتم الرازي في كتابه الجرح والتعديل كما قال مثلا في محمد بن راشد المكحولي: " قال أبي كان صدوقا حسن الحديث" (1) .
وممن استعمل الحسن الاصطلاحيَّ الإمام الشافعي كما ذكره العراقي في التقيد والإيضاح (2)
وأبو زرعة الرازي وغيرهم .
ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة (ضعيف) بالحسن؟ مع أنَّ ظاهر كلام الإمام أحمد يشير إلى أنَّ مراده بالضعيف : الضعيفُ الذي لم تتحققْ فيه شروط القبول،فإنه يريد أنَّ الرأيَ لا يعتدُّ به عنده ما دامَ قد نُقل في المسألة نصٌّ،ولوكانَ ضعيفاً،فإنَّ الضعيفَ خيرٌ منَ الرأي.
وقال ابن حزم : " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَيْوَنٍ الْحِجَازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرَّأْيِ. حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لا يَجِدُ فِيهِ إلا صَاحِبَ حَدِيثٍ لا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ مَنْ يَسْأَلُ فَقَالَ أَبِي: يَسْأَلُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ وَلا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ " (3) .
__________
(1) -7/253
(2) - ص 8 و38
(3) - المحلى [مشكول و بالحواشي] - (ج 1 / ص 131) مَسْأَلَةٌ : سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالدِّينِ 104
قلت : الصواب أقوى من الرأي، لأن الإمام أبي حنيفة رحمه الله يقدم الحديث الضعيف على القياس(1/111)
وقال ابن القيم (1) : "وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الرَّأْيِ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ،فَقَالَ أَبِي : يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ،وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ الرَّأْيِ ".
ولا عتب عليه في هذا التقديم والاعتبار،لأنه معلومٌ ومقررٌ أنَّ التضعيف ومثله التصحيحَ أمرٌ اجتهاديٌّ،فقد يضبط المغفَّلُ والمختلطُ المتغيِّرُ،وقد يحفظُ سيئ الحفظِ وهكذا .
وإذا فسرنا (الضعيف) بالحَسَن بقسميه،فأيُّ فائدةٍ في هذا التنصيص على الأمام أحمد على أنَّ الحسنَ مقدمٌ على الرأي؟.
إذ أنَّ هذا أمرٌ ثابتٌ مقررٌ،فالحسَنُ حجةٌ في كافةِ وجوهِ الاحتجاجِ،وعلى كلِّ حالٍ فكلامُ الإمامِ (أحمد رحمه الله ) يحمَلُ على ظاهرهِ،وأنهُ يريدُ الضعيفَ المتوسط الضعف،وهو ما يقالُ في راويه ضعيفُ الحديث،أو مردودُ الحديث،أو منكرُ الحديث وما فوقه،مما هو إلى الحسَن أقربُ ،وهو ما يقالُ في أحد رواته ليِّنَ الحديثِ،أو فيه لينٌ ،وهو الملقَّب بالمشبَّه- أي المشبَّه بالحسَن من وجهٍ وبالضعيفِ من وجهٍ آخرَ- وهو إلى الحسَنِ أقربُ ،والله أعلمُ (2) .
رابعا :
ذكرُ البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم الضعيف لذاته ولغيره يدلُّ على احتجاجهم به،وهو كثير في هذه الكتب (3) .
__________
(1) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 97)
(2) - أفاده الشيخ محمد عوامة (جفظه الله ) نقلاً عن قواعد في علوم الحديث ص97-109 باختصار .
(3) - وهذا يدلُّ على أنَّ المسالةَ موضع إجماعٍ من المتقدمين على جواز العمل بالحديث الضعيف ، لإيرادهم إياه في كتبهم ، واحتجاجهم به ، بما فيهم الإمام البخاري رحمه الله - كما ذكرت من قبل - ,(1/112)
وأمَّا المذهبُ الثالثُ : فالشروط التي قيَّد بها المتأخرون العمل بالحديث الضعيفِ
فيرَى أستاذُنا الخطيبُ - حفظهُ اللهُ -أنَّ هذه الشروطَ- وإنْ تحققتْ لا تقوَى على جعلِ الضعيفِ مصدراً لإثباتِ حُكْمٍ شرعيٍّ ،أو فضيلةٍ خُلُقيَّةٍ،وفي رأيه أنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي توفرت فيه هذه الشروط شبهةُ استحبابِ العملِ به منْ بابِ الاحتياطِ ،لا منْ بابِ الإثباتِ.
ثم إنَّ المرءَ يطمئنُّ إلى ما ثبتت صحتُه أكثرَ من اطمئنانه إلى ما تبينَ له ضعفهُ، وإنا لا نتصورُ فضيلةً خلقيةً أو أمراً في ترغيبٍ أو ترهيبٍ لا يُكتَبُ له الانتقالُ إلينا بطريقٍ صحيحٍ أو حسنٍ ،أو بطرقٍ ضعيفةٍ محتملةٍ ترتقي إلى درجةِ الحسَنِ لغيرهِ - وهو أدنَى درجاتِ القبولِ - لا نتصوَّرُ هذا،بعد أنْ عرفنا الجهودَ التي بذلها العلماءُ منذُ الصدرِ الأولِ،في سبيلِ حفظِ السنَّةِ،وصيانتِها ونقلِها،وبيان صحيحِها من سقيمِها،وجمعِها في مدوناتٍ كثيرةٍ تؤكدُ أنَّ السنَّةَ قدْ حُفظتْ بعناية المسلمينَ عنايةً فائقةً جليلةً،وحسبُنا أنْ نعتمدَ في كلِّ هذا على صِحاحِ الحديثِ وحسانهِ،بعد أنْ عرفنا اختلافَ مفهومِ الضعيفِ بين القدامَى و المتأخرينَ. (1)
ويشكلَ على كلام أستاذنا أن هناكَ أحاديثَ ضعيفةٍ قد ترتقي إلى درجةِ الحسَنِ لغيرها،إذا تتبعنا طرقَها - بل هناكَ أحاديثٌ ضعيفةٌ لم تتَّبعْ طرقُها إلى الآن،ولو تتبعناها لوجدنا لبعضها شواهدَ تقويه - في مصادر حديثيةٍ كادتْ أنْ تنسَى. (2)
وكذلك فإنَّ خيرةَ علماءِ الحديث قد رووا هذه الأحاديثَ - كالإمام أحمد وأصحاب السنن والحاكم والطبري والبيهقي وابن حبان وغيرهم- وهم علماءُ أجلاءُ لا يجوزُ لنا أنْ نغمطَهم حقَّهم .
__________
(1) - أصول الحديث 353-354، ووافقه العلامة أحمد شاكر في الباعث الحثيث ص 91-92
(2) - وقد يسَّر الله لي كثيرا من ذلك في موسوعتي ( موسوعة السنة النبوية )حيث حسنت وصححت كثيرا من الأحاديث التي كان يظنُّ أنها غير مقبولة ، وذلك بعد تتبعي لطرقها وشواهدها ، أو مناقشة سبب ضعفها .(1/113)
والراجح المذهب الثالث - وهو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم- وحكَى الاتفاقَ عليه بين العلماء الإمامُ النووي والشيخُ ملَّا علي القاري وابنُ حجر الهيثمي . (1)
وقال الحافظ العراقي في شرح ألفية الحديث :" أما غير الموضوع -والمتروك طبعا - فجوَّزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان ضعفه ،إذا كان في غير الأحكامِ والعقائدِ،بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوها،وأمَّا إذا كان في الأحكام الشرعية منَ الحلال والحرام وغيرها أو في العقائد كصفات الله تعالى وما يجوز ويستحيل عليه،فلم يروا التساهلَ في ذلك،وممن نص على ذلك من الأئمة : عبدُ الرحمن بنُ مهدي وأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وغيرهم " .
وقال ابن حجر المكيِّ : " قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال،لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أعطيَ حقَّه منَ العمل به وإلا لم يترتبْ على العمل به مفسدةُ تحليلٍ ولا تحريمٍ ولا ضياعِ حقٍّ للغير، وأشار المصنِّفُ بحكاية الإجماع على ما ذكره إلى الردِّ على مَن نازع فيه،بأن الفضائل إنما تتلقَّى منَ الشرعِ،فإثباتها بالحديثِ الضعيفِ اختراعُ عبادةٍ وشرعٌ في الدين بما لم يأذنْ بهِ اللهُ " . (2)
ووجهُ ردِّه :
أنَّ الإجماع لكونه قطعياً تارةً وظنيا ظنًّا قويًّا تارةً أخرى،ولا يرَدُّ بمثل ذلك لو لم يكنْ عنه جوابٌ،فكيفَ وجوابُه واضحٌ ؟!!
إنَّ ذلك ليس منْ بابِ الاختراعِ،وإنما هو ابتغاءُ فضيلةٍ ورجاؤها بأمارةٍ ضعيفةٍ، منْ غيرِ ترتُّبِ مفسدةٍ عليهِ كما تقررَ . (3)
وقال ابن حجر المكي رحمه الله بعد أن سئل عن بعض الأذكار :
__________
(1) - انظر الأذكار للنووي ص 7 و217 ، والمنهل للطيف ص 13 ، والأجوبة الفاضلة ص 37 و42 ، ومنهج النقد في علوم الحديث ص 274 -275
(2) - الفتح المبين ص 32
(3) - المصدر السابق(1/114)
" فينبغي ندب هذه التي وردت بها تلك الأحاديث على كيفية ورودها وإن لم أر من صرح بذلك،ولا يضر أن في بعض أحاديثها ضعفا،لأن الحديث الضعيف والمرسل والمعضل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا بل إجماعا على ما فيه" . (1)
ورجح أستاذنا العتر هذا المذهب وقال عنه: " إنه أوسطُ هذه المذاهب وأقواها وأعدلها،وذلك أننا إذا تأمَّلنا الشروط التي وضعها العلماءُ للعمل بالحديث الضعيف،فإننا نلاحظُ أنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي نبحث فيه لم يحكمْ بكذبِهِ،لكنْ لم يترجحْ جانبُ الإصابةِ،إنما بقي محتملاً،وهذا الاحتمال قد تقوَّى بعدم وجود معارضٍ لهُ،ولانطوائِه ضمنَ أصلٍ شرعيٍّ معمولٍ بهِ،مما يجعلُ العملَ به مستحبًّا ومقبولاً رعايةً لذلك" (2) .
رأي آخر : قال المحقق جلال الدين الدواني في رسالته أنموذج العلوم : اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية،ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحب العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وممن صرح به النووي في كتبه،لا سيما كتاب الأذكار،وفيه إشكال لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الشرعية الخمسة،فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث الضعيف كان ثبوته بالحديث الضعيف،وذلك ينافي ما تقرر من عدم ثبوت الأحكام بالأحاديث الضعيفة،وقد حاول بعضهم التخلص منه فقال : إن مراد النووي أنه إذا ثبت حديث صحيح أو حسن في فضيلة عمل من الأعمال تجوز رواية الحديث الضعيف في هذا الكتاب،ولا يخفى أن هذا لا يرتبط بكلام النووي فضلا عن أن يكون هذا مراده،فكم من فرق بين جواز العمل واستحبابه،وبين مجرد نقل الحديث على أنه لو لم يثبت الحديث الصحيح أو الحسن في فضيلة عمل من الأعمال يجوز نقل الحديث الضعيف فيها،لا سيما مع التنبيه على ضعفه،ومثل ذلك في كتب الحديث وغيرها كثير شائع،يشهد به من تتبع أدنى تتبع،والذي يصلح للتعويل أنه إذا
__________
(1) - وسئل رضي الله عنه : عما في أذكار النووي من أنه يسن أن يقرأ في كل يوم يس والواقعة والدخان والسجدة وإذا زلزلت ، فهل بقي سور وآيات أخر ورد فيها نظير ذلك ؟ . الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي - (ج 1 / ص 284)
(2) - منهج النقد في علوم الحديث ص 275(1/115)
وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الحرمة أو الكراهة فإنه يجوز العمل به ويستحب،لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع،إذ هو دائر بين الإباحة والاستحباب فالاحتياط العمل به رجاء الثواب .
وأما إذا دار بين الكراهة والاستحباب،فمجال النظر فيه واسع،إذ في العمل دغدغة الوقوع في المكروه وفي الترك مظنة ترك المستحب،فلينظر إن كان خطر الكراهة المحتملة شديدة والاستحباب المحتمل ضعيفا فحينئذ يرجح الترك على العمل،فلا يستحب العمل به،وإن كان خطر الكراهة أضعف،بأن تكون الكراهة على تقدير وقوعها ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على ترك تقدير استحبابه،فالاحتياط العمل به،وفي صورة المساواة يحتاج إلى نظر تام،والظاهر أنه يستحب أيضا لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف،فجواز العمل واستحبابه مشروطان،أما جواز العمل فبعدم احتمال الحرمة،وأما الاستحباب فبما ذكر مفصلا،وحاصل الجواب أن الجواز معلوم من خارج،والاستحباب أيضا معلوم من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين فلم يثبت شيء من الأحكام الشرعية بالحديث الضعيف بل أوقع الحديث شبهة الاستحباب فصار الاحتياط أن يعمل به فاستحباب الاحتياط معلوم من قواعد الشرع .
وقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن ُ تيميةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ - (1) :
قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : إذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ؛ وَإِذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ؛ وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ (2) فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ : لَيْسَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْتَجُّ بِهِ ؛ فَإِنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ يُحِبُّ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ،كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْإِيجَابَ
__________
(1) - مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 65-69)ومجموع الفتاوى - (ج 27 / ص 396)
(2) - يعني ضعفاً يسيراً(1/116)
أَوْ التَّحْرِيمَ ؛ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي غَيْرِهِ،بَلْ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ الْمَشْرُوعِ .
وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ :
أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ أَوْ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ؛ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ ؛ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ ؛ وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ ؛ وَكَرَاهَةِ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا - فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ (1) جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى : أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ،كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا،فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ ،وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ ؛ وَمِثَالُ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بالإسرائيليات (2) ؛ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ ؛ وَوَقَائِعِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ؛ لَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا غَيْرِهِ ،وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ؛ وَالتَّرْجِيَةِ وَالتَّخْوِيفِ .
فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ ،فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ،وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا،فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزِ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا،وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ،وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ.
وَأَحْمَد إنَّمَا قَالَ : إذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ .
وَمَعْنَاهُ : أَنَّا نَرْوِي فِي ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثُوهَا مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِهِمْ،فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهَا الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا
__________
(1) - أو ضعيف جدًّا
(2) - وهي ما رواه مسلمة أهل الكتاب عن أنبيائهم وصالحيهم ، والمقصود بها هنا التي لا تنافي شرعنا(1/117)
مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِثْلَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِنَابِ لِمَا كُرِهَ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ،وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً،وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » (1) ،مَعَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلاَ تُصَدِّقُوهُمْ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ » (2) . فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ،وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ،فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ،وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ ؛ فَالنُّفُوسُ تَنْتَفِعُ بِمَا تَظُنُّ صِدْقَهُ فِي مَوَاضِعَ،فَإِذَا تَضَمَّنَتْ أَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ الضَّعِيفَةِ تَقْدِيرًا وَتَحْدِيدًا مِثْلَ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِقِرَاءَةِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ هَذَا الْوَصْفِ الْمُعَيَّنَ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُوِيَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا،فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ فِي السُّوقِ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بَيْنَ الْغَافِلِينَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ : { ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ بَيْنَ الشَّجَرِ الْيَابِسِ } (3) .
فَأَمَّا تَقْدِيرُ الثَّوَابِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ ثُبُوتُهُ وَلَا عَدَمُ ثُبُوتِهِ،وَفِي مِثْلِهِ جَاءَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ : { مَنْ بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ شَيْءٌ فِيهِ فَضْلٌ فَعَمِلَ بِهِ رَجَاءَ ذَلِكَ الْفَضْلِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ } (4) .
__________
(1) - صحيح البخارى (3461 )
(2) - مسند أحمد (17688) وهو صحيح لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني (9676 )والمعجم الأوسط للطبراني (276 ) وشعب الإيمان للبيهقي (591 و592 ) والبزار (1759 و6139) من طرق وهو حسن لغيره
(4) - ليس هو في الترمذي وإنما أخرجه الخطيب (8/295) ، والديلمى (3/559 ، رقم 5757) وجامع الأحاديث - (ج 20 / ص 119)(21665) و إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (5972 و7147) وهو حديث ضعيف(1/118)
فَالْحَاصِلُ : أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ،ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ".
رأيٌ ومناقشتُه :
يرى الشيخُ ناصر الدين الألباني -رحمه الله - : أنه لا يحلُّ العملُ بالضعيف مطلقاً،بحجة أنه في الصحيح غنيةٌ عنِ الضعيف .
وقد مرَّ نقاشُ هذا الرأي،وكأنَّه ساوَى في كتابه ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة ) (1) بين الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً،وبين الحديث الضعيفِ ضعفاً شديداً،وبين الموضوعِ .
وهذا- فيما أظنُّ لم يسبقْ إليه - إذ لم يدرج أحدٌ الأحاديثَ الضعيفةَ ضعفاً يسيراً مع الواهيةِ والموضوعةِ،ويحذرُ الأمةَ منْ خطرِها !!!.
فلو اقتصرَ على الشديدِ الضعفِ الذي لا ينجبر والموضوع،لكانَ هو الأليقُ بأمثالهِ،ونحنُ لا ننكر جهودَهُ وخدمتهُ الفذةَ لحديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،لكنَّ إيرادَ الضعيفِ ضعفاً يسيراً معهما خطأٌ كبيرُ،إذْ أنَّ الحديثَ الضعيفَ قدِ اتفقوا على العمل بهِ في فضائلِ الأعمالِ - ضمن الشروط السابقة- فإلغاؤُه مطلقاً معناهُ الحكمُ عليهِ وكأنَّهُ موضوعٌ،وهذا لا يقولُ به أحدٌ .
بلْ ذكر في سلسة الأحاديث الضعيفة وضعيف الجامع الصغير وغيرها كثيرا من الأحاديث التي لا تستحقُّ التضعيفَ أصلاً !!!
ولذلك قام من تابعه على ذلك بالإنكار الشديد على منْ يعملُ بحديث ضعيفٍ في فضيلةٍ خلقيةٍ،واعتباره مبتدعٌ في الدين مخالفٌ للرسول - صلى الله عليه وسلم - ،وهذا خطا جسيمٌ،فلا يجوز التسرُّع
__________
(1) - انظر التفاصيل في كتابي الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف حول بيان رأيُ الشيخِ ناصر الدين الألباني رحمه الله ومناقشتُه وموسوعة السنة النبوية - (ج 1 / ص 67-70)(1/119)
في الإنكار في الأمور المختلف فيها،وهذا منها فلا إنكار فيها كما هو معلوم،لكنْ لسنا ملزمين بقولٍ معيَّنٍ فيها،وإنما الذي يسوغُ فيها النصحُ والإرشادُ ليس إلا .
وسببُ هذا الخطأ برأيي : هو ابتعادُ هؤلاء عن منهجِ السلفِ الصالحِ في علم مصطلحِ الحديث والجرحِ والتعديلِ،وأصول الفقهِ،لذلك أرجوا من هؤلاء أن يعيدوا النظر فيما قالوه،وأنْ يعودوا لما قاله جمهورُ الأمةِ من السَّلفِ والخلَفِ حول حكمِ الحديثِ الضعيفِ .
6 - مثال للحديث الضعيف الذي يجوز العمل به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر :
= ما أخرجه ابن ماجة في سننه حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْمَرَّارُ بْنُ حَمُّويَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ قَامَ لَيْلَتَىِ الْعِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ » (1) .
قال أستاذنا العتر - حفظه الله- (2) :
فهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أن ثور بن يزيد قد رميَ بالقدر (3) إلا أنه هنا يروي ما لا صلة له ببدعته،فلا يخلُّ بالاحتجاج به،ومحمد بن المصفَّى صدوقٌ كثير الحديث،حتى وصفه
__________
(1) - سنن ابن ماجه (1854) والشعب (3556 ) والطبراني في الأوسط(193) والسنن الكبرى للبيهقي 3 / 319(6518) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(5333 )من طرق والصواب أنه حديث حسن لغيره
(2) - في كتابه الصلوات الخاصة ص 102 -103
(3) - وفي الجرح والتعديل [ جزء 2 - صفحة 468 ] (1904 ) ثور بن يزيد الكلاعي أبو خالد الرحبي روى عن خالد بن معدان ومكحول وراشد بن سعد وأبى عون روى عنه الثوري وابن إسحاق وابن المبارك ويحيى بن سعيد القطان وإسماعيل بن عياش وبقية والوليد وعيسى بن يونس ويحيى بن حمزة وصدقة سمعت أبى يقول ذلك .
حدثنا عبد الرحمن انا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إليَّ قال سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول قال عبد الله :سئل سفيان بن سعيد الثوري عن الأخذ عن ثور بن يزيد الشامي فقال :خذوا عنه واتقوا قرينه ،يعني أنه كان قدريا
حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال حدثني أبي قال نا سعد بن إبراهيم يعني أخا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثم قال نا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني ثور بن يزيد الكلاعي وكان ثقة
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل نا علي يعني بن المديني قال قلت ليحيى يعني القطان ثور يعني بن يزيد قال : ليس في نفسي منه شيء
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن سعيد المقريِّ قال سئل عبد الرحمن بن الحكم عن ثور بن يزيد فقال هو شيخ
حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ قال سمعت أبي يقول ثور بن يزيد الكلاعي ليس به بأس حدثنا عنه يحيى بن سعيد والوليد بن مسلم وكان يرى القدر
حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول ثور بن يزيد ثقة، سمعت أبي يقول :ثور بن يزيد صدوق حافظ وهو أحبُّ إليَّ من برد ذكره أبى .
عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: ثور بن يزيد ثقة .(1/120)
الحافظ ابن حجر في اللسان بأنه حافظٌ (1) ،وقال الذهبي في الميزان : ثقةٌ مشهورٌ لكن وقعت له في رواياته المناكير (2) .
وفي سنده بقية بن الوليد (3) وهو من الأئمة الحفاظ صدوق،لكنه كثير التدليس عن الضعفاء،روى له مسلم متابعة فقط (4) ،وهو هنا لم يصرح بما يثبت سماعه للحديث فيكون ضعيفا . (5)
__________
(1) - وفي تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 507 ](6304 ) محمد بن مصفى بن بهلول الحمصي القرشي صدوق له أوهام وكان يدلس من العاشرة مات سنة ست وأربعين د س ق
وفي لسان الميزان [ جزء 7 - صفحة 376 ](4749 ) محمد بن مصفى بن بهلول القرشي أبو عبد الله الحمصي الحافظ عن بن عيينة ومحمد بن حمير وعنه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأبو حاتم وقال صدوق
وفي الكاشف [ جزء 2 - صفحة 222 ] (5157 ) محمد بن مصفى الحمصي الحافظ عن بقية وابن عيينة وعنه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأبو عروبة وابن فيل ثقة يغرب توفي 246 د س ق
وانظر الجرح والتعديل [ جزء 8 - صفحة 104 ](446)
(2) - وفي ميزان الاعتدال - (ج 4 / ص 43)(8181 ) [ صح ] محمد بن مصفى [ د، س، ق ] الحمصى.صاحب بقية.صدوق مشهور.
قال صالح جزرة: حدث بمناكير، وأرجو أن يكون صدوقا.وقال عبدالله بن أحمد: سألت أبى عن حديث لابن مصفى، عن الوليد، عن الاوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس - مرفوعا: إن الله تجاوز لامتي عما استكرهوا عليه - فأنكره أبى جدا، وقال: ليس هذا إلا عن الحسن.
قال العقيلى: هذا يروى بإسناد أصلح من هذا.
قلت: كان ابن مصفى ثقة صاحب سنة، من علماء الحديث.
(3) - وفي سنده بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة : وأعله الألباني في الضعيفة به (521) وقال : بقية سيء التدليس ، فإنه يروي عن الكذابين عن الثقات ثم يسقطهم من بينه وبين الثقات ويدلس عنهم فلا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين 000 اهـ واعتبره موضوعاً .
أقول :
من راجع ترجمة بقية في التهذيب وجد مايلي:
الأكثر على توثيقه بقوة والثاني أنه ثقة وحجة فيما رواه عن أهل بلده وهذا ما أكده ابن عدي كذلك وهذا منها فهو يرويه عن شيخه ثور الحمصي فينبغي أن يقبل هذا الحديث ،وهو الذي لازمه مدة طويلة فلا حاجة لأن يدلس عنه ، وإنما يكون التدليس عن شيخ سمع منه شيئاً قليلاً 00 راجع التهذيب 10/473 - 478
وقال ابن عدي بعد ترجمته المطولة :
إذا روى عن الشاميين فهو ثبت ، وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لامنه ، وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم ، وربما كان الوهم من الراوي عنه ، وبقيةُ صاحبُ حديثٍ ، ومن علامةِ صاحبِ الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار ، ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صورة بقية ا هـ 2/72 - 80
فلله درك يا ابن عدي .
والحديث مرويٌّ من طرق أخرى فيها ضعف
علماً أنّ إحياء أية ليلةٍ مندوبٌ إليه بشكل عام، والإحياء يكون بالإكثار من الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن والاستماع لموعظة ونحو ذلك, ولا سيما إذا لاحظنا هذه الأيام كيف أن َّالكفار يحيون ليالي أعيادهم بالمعاصي والمنكرات ،فإذا خالفهم المسلمون وأحيوا ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى كان خيراً لهم بلا شكٍّ ,
(4) - تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 126 ](734 ) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي أبو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة مات سنة سبع وتسعين وله سبع وثمانون خت م 4
وفي الكاشف [ جزء 1 - صفحة 273 ] (619 ) بقية بن الوليد أبو يحمد الكلاعي الميتمي الحافظ عن بحير ومحمد بن زياد الألهاني وأمم وعنه ابن جريج وشعبة وهما من شيوخه وكثير بن عبيد وأحمد بن الفرج الحجازي وخلق وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة مات 197 م 4
(5) - قلت : الصواب أنه حسن لغيره(1/121)
وقد ذهب العلماء إلى استحباب إحياء ليلتي العيدين بذكر الله تعالى وغيره من الطاعات لهذا الحديث الضعيف،لأنه يعمل به في فضائل الأعمال كما قرر النووي .
ففي الموسوعة الفقهية الكويتية : (1)
إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ :
__________
(1) - (ج 2 / ص 235)(1/122)
يُنْدَبُ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ ( الْفِطْرِ،وَالأَْضْحَى ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (1) . لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ (2) . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ اتِّبَاعًا لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ ثَوَابُ الإِْحْيَاءِ بِصَلاَةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً،وَالْعَزْمِ عَلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً (3) .
وفهبا أيضاً: (4) يُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرٍ وَصَلاَةٍ وَتِلاَوَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَارٍ،لِحَدِيثِ مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَلَيْلَةَ الأَْضْحَى مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ (5) " .
ونحن نعلم أن قيام الليل والتعبد فيه وردَ الحضُّ عليه في القران والسنة المتواترة والتقرب إلى الله تعالى بالذكر والدعاء ونحوها،مرغبٌ فيه كل الأوقات والأحوال،وكلُّ ذلك يشمل بعمومه ليلتي العيدين اللتين لهما من الفضل ما لهما، وهذا يوضح تماما أن الحديث لم يشرع شيئا جديدا،وإنما جاء بجزئية موافقة لأصول الشريعة ونصوصها العامة،مما لا يدعُ أيَّ مجالٍ للتردد في استحباب العمل به،والأخذ به والأخذِ بمقتضاهُ . (6)
============
__________
(1) - المجموع 4 / 45 ، وشرح المنهاج 2 / 127 ، وابن عابدين 1 / 460 ، ومراقي الفلاح ص 318 ، وكشف المخدرات ص 86 ، والبحر الرائق 2 / 256 ط الأولى بالمطبعة العلمية ، وحاشية الرهوني 1 / 181 طبع بولاق 1306 ، والمغني 1 / 159
(2) - حديث حسن لغيره وقد مر تخريجه
(3) - ابن عابدين 1 / 462
(4) - (ج 31 / ص 115) و الفقه على المذاهب الأربعة - (ج 1 / ص 539)
(5) - مرَّ تخريجه قبل قليل وانظر :فقه العبادات - حنفي - (ج 1 / ص 107) ومواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل - (ج 5 / ص 288) وفقه العبادات - مالكي - (ج 1 / ص 205) والفروع لابن مفلح - (ج 2 / ص 373) وكشاف القناع عن متن الإقناع - (ج 3 / ص 329) والمبدع شرح المقنع - (ج 2 / ص 251) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 3 / ص 331)
(6) - انظر التفاصيل في كتابي الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف(1/123)
المبْحَثُ الثَاني
المردودُ بسبب سَقْط من الإسناد
المراد بالسَّقْط من الإسناد :
المراد بالسَّقْط من الإسناد انقطاع سلسلة الإسناد بسقوط راو أو أكثر عمداً من بعض الرواة أو عن غير عمد،من أول السند أو من آخره أو من أثنائه،سقوطاً ظاهراً أو خفياً
أنواع السقط :
يتنوع السقط من الإسناد بحسب ظهور،وخفائه إلى نوعين هما :
سَقْط ظاهر وهذا النوع من السقط يشترك في معرفته الأئمة وغيرهم من المشتغلين بعلوم الحديث،ويعرف هذا السقط من عدم التلاقي بين الراوي وشيخه،إما لأنه لم يُدرك عَصْره،أو أدرك عصره لكنه لم يجتمع به ( وليست له منه إجازة ولا وِجاده ) (1) ،لذلك يحتاج الباحث في الأسانيد إلى معرفة تاريخ الرواة لأنه يتضمن بيان مواليدهم ووفياتهم وأوقات طلبهم وارتحالهم وغير ذلك .
وقد اصطلح علماء الحديث على تسمية السقط الظاهر بأربعة أسماء بحسب مكان السقط أو عدد الرواة الذين أُسقطوا . وهذه الأسماء هي:
المُعَلَّق.
المُرْسَل.
المُعْضَل.
المُنْقَطِع.
ب) سَقْط خَفِي: وهذا لا يدركه إلا الأئمة الحَذّاق المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد. وله تسميتان وهما :
المُدَلَّس.
__________
(1) - الإجازة : الإذن بالرواية ، وقد يحصل الراوي عليها من شيخ لم يلتق به ، كأن يقول الشيخ أحياناً أجزت رواية مسموعاتي لأهل زماني ، والوجادة بكسر الواو : أن يجد الراوي كتاباً لشيخ من الشيوخ يعرف خطه ، فيروي ما في ذلك الكتاب عن الشيخ ، وسيأتي تفصيل بحث الإجازة والوجادة في باب طرق التحمل وصيغ الأداء .(1/125)
المُرْسَل الخفي.
وإليك بحث هذه المسميات الستة مفصلة على التوالي.
المُعَلَّقُ (1)
1-تعريفه:
لغة : هو اسم مفعول من " علق " الشيء بالشيء أي ناطه وربطه به وجعله معلقاً . وسمي هذا السند معلقاً بسبب اتصاله بالجهة العليا فقط،وانقطاعه من الجهة الدنيا،فصار كالشيء المعلق بالسقف ونحوه .
اصطلاحاً : ما حُذف من مبدأ إسناده راو فأكثر على التوالي .
2- من صوره :
أ) أن يحذف جميع السند ثم يقال مثلا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كذا "
ب) ومنها أن يحذف كل الإسناد إلا الصحابي،أو إلا الصحابي والتابعي (2)
3- مثاله:
ما أخرجه البخاري في مقدمة 12 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الْفَخِذِ .: " وَقَالَ أَبُو مُوسَى غَطَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ (3) . فهذا حديث معلق،لأن البخاري حذف جميع إسناده إلا الصحابي وهو أبو موسى الأشعري .
4- حكمه :
الحديث المعلق مردودٌ،لأنه فقد شرطا من شروط القبول وهو اتصال السند وذلك بحذف راو أو أكثر من إسناده مع عدم علمنا بحال ذلك المحذوف .
5- حكم المعلقات في الصحيحين :
__________
(1) -* المختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 84) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 18)
(2) - شرح النخبة ص 42
(3) -البخاري ـ كتاب الصلاة ـ جـ1 ـ ص90(1/126)
هذا الحكم ـ وهو أن المعلق مردود ـ هو للحديث المعلق مطلقاً،لكن إن وجد المعلق في كتاب التُزِمَتْ صحته ـ كالصحيحين فهذا له حكم خاص،قد مر بنا في بحث الصحيح (1) ، ولا بأس بالتذكير به هنا وهو أنَّ :
ما ذُكر بصيغة الجَزْم: كـ " قال " و " ذَكَرَ " و " حكَى " فهو حُكْمٌ بصحته عن المضاف إليه .
وما ذُكِرَ بصيغة التمريض : كـ " قِيل " و" ذُكِرَ " و" حُكِيَ " فليس فيه حُكْم بصحته عن المضاف إليه،بل فيه الصحيح والحسن والضعيف،لكن ليس فيه حديث واه لوجوده في الكتاب المسمى بالصحيح،وطريق معرفة الصحيح من غيره هو البحث عن إسناد هذا الحديث والحكم عليه بما يليق به (2)
المُرْسَلُ (3)
1-تعريفه:
أ)لغة: هو اسم مفعول من " أرسل " بمعنى " أطلق " فكأن المُرسِل أَطْلَقَ الإسناد ولم يقيده براوٍ معروف.
ب) اصطلاحاً : هو ما سقط من آخر إسناده مَنْ بَعْدَ التابعي (4)
2- صورته :
وصورته أن يقول التابعي ـ سواء كان صغيراً أو كبيراً ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا،أو فعل كذا أو فُعِل بحضرته كذا وهذه صورة المرسل عند المحدثين.
__________
(1) - في الفقرة / 11 / وهي " ما هو المحكوم بصحته مما رواه الشيخان ؟"
(2) - قد بحث العلماء في المعلقات التي في صحيح البخاري ، وذكروا أسانيدها المتصلة ، وأحسن من جمع ذلك هو الحافظ ابن حجر في كتاب سماه " تغليق التعليق " .
(3) - *كشف الأسرار - (ج 5 / ص 168) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 254) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 4 / ص 348)وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 1 / ص 391) ومذكرة أصول الفقه - (ج 1 / ص 43) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 13) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 176) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 137)
(4) - نزهة النظر ص 43 . والتابعي هو من لقي الصحابي مسلماً ومات على الإسلام.(1/127)
3- مثاله:
ما أخرجه مالك في الموطأ (1) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ."
فسعيد بن المسيب تابعي كبير،روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون أن يذكر الواسطة بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم،فقد أسقط من إسناد هذا الحديث آخِرَهُ وهو من بعد التابعي،وأقل هذا السقط أن يكون قد سقط الصحابي ويحتمل أن يكون قد سقط معه غيره كتابعي مثلا .
4- المُرْسَل عند الفقهاء والأصوليين:
ما ذكرته من صورة المرسل هو المرسل عند المحدثين،أما المرسل عند الفقهاء والأصوليين فأعم من ذلك فعندهم أن كل منقطع مرسل على أي وجه كان انقطاعه،وهذا مذهب الخطيب أيضاً.
5- حكمه :
المرسل في الأصل ضعيف مردود،لفقده شرطاً من شروط المقبول وهو اتصال السند،وللجهل بحال الراوي المحذوف لاحتمال أن يكون المحذوف غير صحابي،وفي هذه الحال يحتمل أن يكون ضعيفاً.
لكن العلماء من المحدثين وغيرهم اختلفوا في حكم المرسل والاحتجاج به،لأن هذا النوع من الانقطاع يختلف عن أي انقطاع آخر في السند،لأن الساقط منه غالبا ما يكون صحابياً،والصحابة كلهم عدول،لا تضر عدم معرفتهم.
ومجمل أقوال العلماء في المرسل ثلاثة أقوال هي (2) :
__________
(1) -* برقم (1318 )
(2) -* وفي البحر المحيط - (ج 6 / ص 3) :
الْمَذَاهِبُ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُرْسَلِ ] وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي الْمُرْسَلِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا : أَحَدُهَا : عَدَمُ قَبُولِ رِوَايَةِ مُرْسَلِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُطْلَقًا ، وَقَبُولُ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ .
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " : وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ : قَالَ النَّبِيُّ كَذَا قُبِلَ ، إلَّا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ .
وَالثَّانِي : قَبُولُهُ مِنْ الْعَدْلِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَالثَّالِثُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابِيِّ فَقَطْ حَكَاهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي " شَرْحِ الْعُدَّةِ " ، وَقَالَ : إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
قَالَ : وَأَمَّا مَرَاسِيلُ التَّابِعِينَ ، فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُ .
وَالرَّابِعُ : لَا تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا ، وَحُكِيَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ ، وَأَغْرَبَ ابْنُ بَرْهَانٍ فَقَالَ فِي " كِتَابِ الْأَوْسَطِ " : إنَّهُ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " : إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " تَصْرِيحًا عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ .
وَالْخَامِسُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ هُوَ أَئِمَّةُ النَّقْلِ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَالسَّادِسُ : لَا تُقْبَلُ إلَّا إنْ اُعْتُضِدَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ بِأَنْ يُرْسِلَهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ ، أَوْ يُسْنِدَهُ عَمَّنْ يُرْسِلُهُ ، أَوْ يُرْسِلَهُ رَاوٍ آخَرُ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْأَوَّلِ ، أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ فِعْلُهُ ، أَوْ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ الْقِيَاسُ ، أَوْ عُرِفَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ ، فَهُوَ حُجَّةٌ ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، وَوَافَقَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ .
السَّابِعُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ كِبَارِ التَّابِعِينَ دُونَ مَنْ صَغُرَ عَنْهُمْ .
وَالثَّامِنُ : أَنَّ الصَّحَابِيَّ وَالتَّابِعِيَّ إذَا عُرِفَ بِصَرِيحِ خَبَرِهِ ، أَوْ عَادَتُهُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ قُبِلَ مُرْسَلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَبُولِ رَدِّ الْمُرْسَلِ .
وَالتَّاسِعُ : تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِ شُيُوخِهِ وَالتَّحَرِّي فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ
وَالْعَاشِرُ : يُقْبَلُ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَالْحَادِيَ عَشَرَ : مِنْ الْقَائِلِينَ بِقَبُولِهِ يُقَدَّمُ مَا أَرْسَلَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي دَرَجَتِهِمْ .حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ .
وَالثَّانِيَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَرَاسِيلَ الثِّقَاتِ أَوْلَى مِنْ الْمُسْنَدَاتِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مُرْسَلُ الْإِمَامِ أَوْلَى مِنْ مُسْنَدِهِ .
وَالثَّالِثَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَيْسَ الْمُرْسَلُ أَوْلَى مِنْ الْمُسْنَدِ ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْحُجَّةِ وَالِاسْتِعْمَالِ
وَالرَّابِعَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لِلْمُسْنَدِ مَزِيَّةُ فَضْلٍ لِوَضْعِ الِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : مِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ ، فَيَقْبَلُ مَرَاسِيلَ بَعْضِ التَّابِعِينَ دُونَ بَعْضٍ .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مَرَاسِيلُ سَعِيدٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ .
السَّادِسَ عَشَرَ : مِنْ الْمُنْكَرِينَ لِلْمُرْسَلِ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ عَنْ الصَّحَابَةِ .
السَّابِعَ عَشَرَ : كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَخْتَارُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُرْسَلَاتِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
الثَّامِنَ عَشَرَ : لَا يُقْبَلُ الْمُرْسَلُ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ أَنْ يُعَضِّدَهُ إجْمَاعٌ فَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْنَدِ .قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ " الْإِحْكَامِ " .
هَذَا حَاصِلُ مَا قِيلَ ، وَفِي بَعْضِهَا تَدَاخُلٌ .
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرْسِلَ إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَا يُقْبَلُ إرْسَالُهُ ، فَإِنْ كَانَ ثِقَةً ، وَعُرِفَ أَنَّهُ يَأْخُذُ عَنْ الضُّعَفَاءِ ، فَلَا يُحْتَجُّ بِمَا أَرْسَلَهُ سَوَاءٌ التَّابِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ، حَتَّى يُصَرِّحَ بِالتَّحْدِيثِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَمُرْسَلُهُ وَتَدْلِيسُهُ ، هَلْ يُقْبَلُ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ - وَهُوَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ - تَخْصِيصُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ مِنْهُمْ : الْمُرْسَلُ عِنْدَنَا إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ
وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ عَلِمْنَا مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَا يَوْثُقُ بِرِوَايَتِهِ ، لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَنْهُ ، فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَنَا ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِيمَنْ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ الثِّقَاتِ ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : لِيُعْلَمَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُرْسِلُ ثِقَةً مُتَحَرِّزًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ عَنْ غَيْرِ الْعُدُولِ قَالَ : وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّ ، وَالْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْقَوْلُ بِالْمُرْسَلِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُمَا قَبِلَا التَّعْدِيلَ بِالْمُطْلَقِ ، وَالْمُرْسِلُ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ قُبِلَ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ .ا هـ .
وَعَلَى هَذَا فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَبِهِ صَرَّحَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ فَقَالَ : إذَا تَبَيَّنَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ عَلَى تَعْدِيلِهِ صَارَ حُجَّةً ، وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
ثُمَّ قَالَ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ ، فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُوجِبُ التَّقْلِيدَ ، وَلَا يُنْكِرُ اخْتِلَافَ الْمَذَاهِبِ فِي التَّعْدِيلِ ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ قَبُولُهُ .
وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ : مَذْهَبُهُ وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ، وَمَذْهَبُهُ فِي التَّعْدِيلِ مَذْهَبُهُمْ .ا هـ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : لَا خِلَافَ أَنَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ ، فَأَمَّا مَرَاسِيلُ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَحُجَّةٌ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِشُرُوطٍ .
ثُمَّ قَالَ : فَأَمَّا مَرَاسِيلُ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ، فَكَانَ الْكَرْخِيّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَرَاسِيلِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ : مَنْ اُشْتُهِرَ فِي النَّاسِ بِحَمْلِ الْعِلْمِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُرْسِلًا وَمُسْنِدًا ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَأَمْثَالَهُ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ يَحْمِلُ النَّاسُ الْعِلْمَ عَنْهُ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ ، فَإِنَّ مُسْنَدَهُ يَكُونُ حُجَّةً ، وَمُرْسَلُهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى مَنْ اُشْتُهِرَ بِحَمْلِ الْعِلْمِ عَنْهُ .
ثُمَّ قَالَ : وَأَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ فِي هَذَا مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ : أَنَّ مُرْسَلَ مَنْ كَانَ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ( لَيْسَ ) حُجَّةً ، إلَّا مَنْ اُشْتُهِرَ ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " : ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَبُولُ الْمَرَاسِيلِ مُطْلَقًا إذَا كَانَ الْمُرْسِلُ عَدْلًا يَقِظًا ، وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ ، فَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ ، وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْمَنْعِ ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ تَقْتَضِي مَنْعَ الْقَوْلِ بِهِ ،لَكِنَّ مَذْهَبَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ .
وانظر :الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 9 / ص 387) وأبحاث هيئة كبار العلماء - (ج 1 / ص 503) و مجلة مجمع الفقه الإسلامي - (ج 2 / ص 17025) والمستصفى - (ج 1 / ص 340) والبحر المحيط - (ج 6 / ص 2)(1/128)
ضعيف مردود : عند جمهور المحدثين وكثير من أصحاب الأصول والفقهاء , وحجة هؤلاء هو الجهل بحال الراوي المحذوف لاحتمال أن يكون غير صحابي .(1/130)
صحيح يُحْتَجَّ به : عند الأئمة الثلاثة ـ أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه ـ وطائفة من العلماء بشرط أن يكون المرسل ثقة ولا يرسل إلا عن ثقة .
وحجتهم أن التابعي الثقة لا يستحلُّ أن يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إذا سمعه من ثقة .
قبوله بشروط: أي يَصِحَُ بشروط،وهذا عند الشافعي وبعض أهل العلم (1) .
__________
(1) -* وفي البحر المحيط - (ج 6 / ص 8) فما بعد
فَصْلٌ [ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ ] .
وَأَمَّا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّ النَّقْلَ قَدْ اضْطَرَبَ عَنْهُ ، فَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِالْمَرَاسِيلِ إلَّا عِنْدَ شَرِيطَةِ أَنْ يُسْنِدَهُ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ ، أَوْ يَعْمَلَ بِهِ صَاحِبُهُ ، أَوْ الْعَامَّةُ ، أَوْ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ ، وَلِهَذَا اسْتَحْسَنَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ .
وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا ، وَلَكِنْ يَتَطَلَّبُ فِيهِ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ ، لِيَحْصُلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي الثِّقَةِ ، وَاسْتُنْبِطَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي قَبُولِ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَاسْتِحْسَانِهِ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، وَرَأَى أَنَّ الرَّاوِيَ الْمَوْثُوقَ بِهِ ، الْعَالِمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إذَا قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ وَأَرْضَاهُ ، يُوجِبُ الثِّقَةَ بِحَدِيثِهِ ، وَإِنْ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، تَوَقَّفَ عَنْهُ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّاوِي : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَهَذَا بَالِغٌ فِي ثِقَةِ مَنْ رَوَى لَهُ .
قَالَ : وَقَدْ عَثَرْت فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الْمُرْسَلَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى الْإِجْمَالِ ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ ، فَكَانَ إضْرَابُهُ عَنْ الْمُرْسَلِ فِي حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمَسَانِيدِ عَلَيْهَا .ا هـ .
وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ ، وَهُوَ شَيْءٌ ضَعِيفٌ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا .
وَقَدْ تَنَاهَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ : هَذَا عِنْدِي خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ عَلَى أَصْلِهِ لَا يَكُونُ الْمُرْسَلُ حُجَّةً مَعَهُ بِحَالٍ .
قَالَ : وَأَنَا لَا أَعْجَبُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ يَنْصُرُ الْقَوْلَ بِالْمُرْسَلِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ ، وَمِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَبُولُ الْمَرَاسِيلِ .ا هـ .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ " : الْمُرْسَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِخَبَرِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ ، فَقِيلَ : لِأَنَّهُ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ الصَّحَابَةِ .
وَقِيلَ : إنَّ الْمُسْنَدَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ عَمَّا أَسْنَدَهُ غَيْرُهُ .قَالَ : وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : لَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ ، مَا عَدَا مُنْقَطِعَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : يَعْنِي مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ بِهِ .ا هـ .
فَلَمْ يَحْمِلْ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ بِهِ خَاصَّةً .
وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَصْفَى " أَنَّ الْمُرْسَلَ مَرْدُودٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي .قَالَ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَقَالَ فِي الْمَنْخُولِ " الْمَرَاسِيلُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْمُرْسَلَ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ
ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ثَبَتَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ الْمَرَاسِيلِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ " أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَهُوَ الْمُرْسَلُ بِعَيْنِهِ ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ بِنَقْلٍ عَنْهُ وَيَعْتَقِدُهُ ، فَيَعْتَمِدُ مَذْهَبَهُ ، وَعَنْ هَذَا قَبِلَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ .
قَالَ الْقَاضِي : وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ إذَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ قُبِلَ ، فَأَمَّا الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَوَسَّعُونَ فِي كَلَامِهِمْ ، فَقَدْ يَقُولُونَهُ لَا عَنْ ثَبْتٍ ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ .
وَمَنْ قَبِلَ هَذَا قَالَ : هَذَا مَقْبُولٌ مِنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، فَلَا يُقْبَلُ فِي زَمَانِنَا هَذَا ، وَقَدْ كَثُرَتْ الرِّوَايَةُ ، وَطَالَ الْبَحْثُ ، وَاتَّسَعَتْ الطُّرُقُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ الرَّجُلِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، إلَّا فِي هَذَا الْأَخِيرِ ، فَإِنَّا لَوْ صَادَفْنَا فِي زَمَانِنَا مُتْقِنًا فِي نَقْلِ الْأَحَادِيثِ مِثْلَ مَالِكٍ قَبِلْنَا قَوْلَهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْأَعْصَارِ .ا هـ .
وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي غَرِيبٌ ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ " لَهُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا ، حَتَّى مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ ، لَا لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي عَدَالَتِهِمْ ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْ تَابِعِيٍّ ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُرْسَلِهِ ، وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ ، وَقَالَ بِهَا بِشُرُوطٍ أُخَرَ .
وَقَالَ فِي آخِرِ الشُّرُوطِ : فَاسْتُحِبَّ قَبُولُهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ ، قَالَ : وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ ثَبَتَتْ بِهَا ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ ، فَنَصَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبُولَهَا عِنْدَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ .هَذَا لَفْظُهُ .
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ : قَبِلَ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ دُونَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا تَبَيَّنَ مِنْ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ عَلَى تَعْدِيلِهِ ، صَارَ حُجَّةً .قَالَ : وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : أَقْبَلُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ مَا أَرْسَلَهُ كُلُّ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا قُلْنَاهُ .انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ " : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَرَاسِيلَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا إلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَمَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ ، وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ ، ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا رَدَّ الْمُرْسَلَ ، لِدُخُولِ التُّهْمَةِ فِيهِ .
فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُزِيلُ التُّهْمَةَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَافِقَ مُرْسَلُهُ مُسْنَدَ غَيْرِهِ ، أَوْ تَتَلَقَّاهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَوْ انْتَشَرَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ نَكِيرٌ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَكَذَلِكَ إذَا اُشْتُرِطَ فِي إرْسَالِهِ عَدْلَانِ فَأَكْثَرُ ، فَيَقْوَى بِهِ حَالُ الْمُرْسَلِ ، أَوْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ .قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ إنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدٍ آخَرَ ، أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ ، أَوْ اشْتِهَارِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ .انْتَهَى .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " : حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ خَصَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ بِالْقَبُولِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذَا ، قَبِلَتْ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ .ا هـ .
وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ " فَإِنَّهُ يُعْرَفُ مِنْهُ مَذْهَبُهُ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ " : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَعْنِي فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ " : الْمُنْقَطِعُ يَخْتَلِفُ ، فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَوَى حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ : مِنْهَا : أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا أَرْسَلَهُ مِنْ الْحَدِيثِ ، فَإِنْ شَرَكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ فَأَسْنَدُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رَوَى ، كَانَتْ هَذِهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى صِحَّةِ مَنْ قَبِلَ عَنْهُ ، وَحَفِظَهُ ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِهِ مُرْسَلًا لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ مَنْ يُسْنِدُ قُبِلَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُنْظَرَ هَلْ يُوَافِقُهُ مُرْسَلٌ آخَرُ ، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَوِيَ ، وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأُولَى .
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ نَظَرَ إلَى بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَوْلًا لَهُ ، فَإِنْ وَجَدْنَا مَا يُوَافِقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ شَاهِدَةَ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مُرْسَلَهُ إلَّا عَنْ أَصْلٍ يَصِحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ إنْ وُجِدَ عَوَامُّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُفْتُونَ بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رُوِيَ لَمْ يُعْتَبَرْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ إذَا سَمَّى مَنْ رَوَى عَنْهُ لَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا وَاهِيًا ، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَيَكُونُ إذَا شَرَكَ أَحَدًا مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثِهِ لَمْ يُخَالِفْهُ ، وَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ كَانَتْ فِي هَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ .
وَمَتَى خَالَفَ مَا وَصَفْت أَضَرَّ بِحَدِيثِهِ ، حَتَّى لَا يَسَعَ أَحَدًا قَبُولُ مُرْسَلِهِ .
قَالَ : وَإِذَا وُجِدَتْ الدَّلَائِلُ بِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وُصِفَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَقْبَلَ مُرْسَلَهُ ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ مَغِيبٌ ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ عَمَّنْ يُرْغَبُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ إذَا سُمِّيَ ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمُنْقَطِعَاتِ ، وَإِنْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ مِثْلُهُ ، فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخَرِّجُهُمَا وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ لَوْ سُمِّيَ لَمْ يُقْبَلْ ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إذَا قَالَ بِرَأْيِهِ لَوْ وَافَقَهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ دَلَالَةً قَوِيَّةً إذَا نَظَرَ فِيهَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا غَلَطَ بِهِ حِينَ سَمِعَ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِمُوَافِقِهِ .
قَالَ : فَأَمَّا مِنْ بَعْدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ فَلَا أَعْلَمُ وَاحِدًا يَقْبَلُ مُرْسَلَهُ ، لِأُمُورٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ أَشَدُّ تَجَوُّزًا مِمَّنْ يَرْوُونَ عَنْهُ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِمْ الدَّلَائِلُ فِيمَا أَرْسَلُوا لِضَعْفِ مُخَرِّجِهِ ، وَالْآخَرُ كَثْرَةُ الْإِحَالَةِ فِي الْأَخْبَارِ ، وَإِذَا كَثُرَتْ الْإِحَالَةُ كَانَ أَمْكَنَ لِلْوَهْمِ وَضَعْفِ مَنْ يُقْبَلُ عَنْهُ .انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمُورًا : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْمُرْسَلِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ اشْتِرَاطُ صِحَّةِ ذَلِكَ الْمُسْنَدِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ نُظِرَ ، هَلْ يُوَافِقُهُ مُرْسَلٌ آخَرُ ، فَإِنْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ آخَرُ قَوِيٌّ ، لَكِنَّهُ يَكُونُ أَنْقَصَ دَرَجَةً مِنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ .
فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ : إنْ كَانَ الْوَجْهُ الْآخَرُ إسْنَادًا ، فَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْنَدِ ، وَإِنْ كَانَ إرْسَالًا فَضَمُّ غَيْرِ مَقْبُولٍ إلَى غَيْرِ مَقْبُولٍ ، كَانْضِمَامِ الْمَاءِ النَّجِسِ إلَى مِثْلِهِ ، وَشَهَادَةِ الْفَاسِقِ مَعَ مِثْلِهِ ، لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ وَالْقَبُولَ ، وَهَذَا اعْتَرَضَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَتَبِعُوهُ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُسْنَدِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ إسْنَادِ الْإِرْسَالِ ، حَتَّى تَحْكُمَ لَهُ مَعَ إرْسَالِهِ بِأَنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَأَيْضًا لَوْ عَارَضَ الْمُسْنَدَ الَّذِي دُونَ الْمُرْسَلِ مُسْنَدٌ آخَرُ يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْمُرْسَلِ ، إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ ، وَأَيْضًا فَالِاحْتِجَاجُ بِالْمُسْنَدِ إنَّمَا يَنْتَهِضُ إذَا كَانَ بِنَفْسِهِ حُجَّةً ، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ هُنَا بِالْمُسْنَدِ مَا لَا يَنْتَهِضُ بِنَفْسِهِ ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ ، وَإِذَا ضُمَّ إلَى الْمُرْسَلِ قَامَ بِهِ الْمُرْسَلُ ، وَصَارَ حُجَّةً ، وَهَذَا لَيْسَ عَمَلًا بِالْمُسْنَدِ ، بَلْ بِالْمُرْسَلِ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنْهُ ، وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ قَبُولِهِ إذَا كَانَ الْقَوِيُّ مُرْسَلًا ، لِجَوَازِ تَأْكِيدِ أَحَدِ الظَّنَّيْنِ بِالْآخَرِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ مُرْسَلٌ آخَرُ لَمْ يُسْنَدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَلَكِنَّهُ وُجِدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَوْلٌ لَهُ يُوَافِقُ هَذَا الْمُرْسَلَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا ، وَلَا يُطْرَحُ ، وَلَا يُرَدُّ اعْتِرَاضُ الْقَاضِي بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّقْوِيَةُ بِهِ ، لَا الِاسْتِقْلَالُ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ إذَا وُجِدَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْمُرْسَلَ ، دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا ، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ الْأُمَّةَ فَهُوَ إجْمَاعٌ ، وَالْحُجَّةُ حِينَئِذٍ فِيهِ لَا فِي الْمُرْسَلِ ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْضَ الْأُمَّةِ فَقَوْلُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّانِيَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى عِنْدَهُ ، وَكَذَا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ، وَإِذَا قَوِيَ الظَّنُّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ ، فَمُجَرَّدُهُ ضَعِيفٌ ، وَكَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَحَالَةُ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَقُومُ مِنْهَا ظَنٌّ غَالِبٌ ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ ضَعِيفَيْنِ اجْتَمَعَا .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْمُرْسَلِ ، فَإِنْ كَانَ إذَا سَمَّى شَيْخَهُ سَمَّى ثِقَةً لَمْ يُحْتَجَّ بِمُرْسَلِهِ ، وَإِنْ كَانَ إذَا سَمَّى لَمْ يُسَمِّ إلَّا ثِقَةً ، وَلَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا وَاهِيًا ، كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْمُرْسَلِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ ، لَكِنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ .
السَّادِسُ : أَنْ يَنْظُرَ إلَى هَذَا الْمُرْسَلِ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ إذَا أَشْرَكَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثٍ وَافَقَهُ فِيهِ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ ، دَلَّ عَلَى حِفْظِهِ ، وَإِنْ خَالَفَهُ وَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ إمَّا فِي الْإِسْنَادِ أَوْ الْمَتْنِ ، كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ ، وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ وَتَحَرِّيهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ بِزِيَادَتِهِ ، فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ وَالِاعْتِبَارَ ، وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا كَمَا يَظُنُّ جَمَاعَةٌ ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ هَذَا الْمُخَالِفِ أَنْقَصَ مِنْ حَدِيثِ مَنْ خَالَفَهُ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمُخَالِفَ بِالزِّيَادَةِ ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ هَذَا الرَّاوِي مِنْ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ مَا وُصِفَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَدِيثِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا ، لَمْ تَكُنْ مُخَالَفَتُهُ بِالزِّيَادَةِ مُضِرًّا بِحَدِيثِهِ .
السَّابِعُ : هَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ عِنْدَهُ بِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصَهُ بِسَعِيدٍ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ " فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ : كَيْفَ قَبِلْتُمْ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا ، وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ ؟ قُلْنَا : لَا نَحْفَظُ لِسَعِيدٍ مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْدِيدِهِ ، وَلَا يَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَاهُ عَنْهُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ مَعْرُوفٍ .انْتَهَى .
وَهَذَا الْقَائِلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ قَوْلَهُ بَعْدَهُ : فَمَنْ كَانَ مِثْلَ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ .
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا ، وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
فَقَالَا : أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : إرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ
فَقِيلَ : إنَّ مَرَاسِيلَ التَّابِعِينَ كُلِّهِمْ حُجَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ نَصَّ عَلَى مُرْسِلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَقِيلَ : لَا يَكُونُ حُجَّةً ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : مُرْسَلُ سَعِيدٍ حَسَنٌ ، فَقِيلَ حَسَنٌ فِي التَّرْجِيحِ بِهِ ، لَا فِي الِاسْتِدْلَالِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَقِيلَ : إنَّمَا قَبِلَهَا ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ مَسَانِيدَ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا رَوَى حَدِيثَهُ الْمُرْسَلَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ
قَالَ : وَإِرْسَالُ سَعِيدٍ عِنْدَنَا حَسَنٌ ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ مَرَاسِيلَهُ مُتَّبَعَةٌ ، فَوُجِدَتْ كُلُّهَا عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَرَدَّ الْخَطِيبُ هَذَا بِأَنَّ مِنْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ ، وَقِيلَ : إنَّهُ فِي الْجَدِيدِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ فِي الرَّدِّ ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الْقَدِيمِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَكَذَا نَقَلَ التَّسْوِيَةَ عَنْ الْجَدِيدِ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ " وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ " زَعَمَ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ حُجَّةٌ فَقَطْ ، وَيَشْهَدُ لَهُ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ " أَنَّهُ حَسَنٌ ، لَكِنْ أَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ الصَّغِيرَ مِنْ الْقَدِيمِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ " ، قَالَ : وَلِذَلِكَ نَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ قَبُولَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى الْقَدِيمِ ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ .
التَّاسِعُ : أَنَّ الْمُرْسَلَ الْعَارِيَ مِنْ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ وَالشَّوَاهِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ .
وَلِهَذَا قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا ، فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي فَيُطْعِمَ عِيَالَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ غَايَةٌ فِي الثِّقَةِ وَالْفَضْلِ ، وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ ، وَلَكِنْ لَا نَدْرِي عَمَّنْ قَبِلَ هَذَا الْحَدِيثَ .
الْعَاشِرُ : أَنَّ مَأْخَذَ رَدِّ الْمُرْسَلِ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالُ ضَعْفِ الْوَاسِطَةِ ، وَأَنَّ الْمُرْسَلَ لَوْ سَمَّاهُ لَبَانَ أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ مِنْ عَادَةِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ إلَّا ثِقَةً ، وَلَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا ، كَانَ مُرْسَلُهُ حُجَّةً ، وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَقَالَ - وَذَكَرَ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ مُرْسَلًا - قَالَ : يَقُولُونَ : يُحَابِي ، وَلَوْ حَابَيْنَا حَابَيْنَا الزُّهْرِيَّ ، وَإِرْسَالُ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَذَاكَ أَنَّا نَجِدُهُ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ ، وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ عَنْ غَيْرِهِ ، هَلْ هِيَ تَعْدِيلٌ أَمْ لَا ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ ، وَهُوَ أَنَّ الثِّقَةَ إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ كَانَتْ تَعْدِيلًا وَإِلَّا فَلَا ، كَمَا سَبَقَ ، وَمِنْ هُنَا ظَنَّ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي قَبُولِ الشَّافِعِيِّ لِمُرْسَلِ سَعِيدٍ كَوْنُهُ اعْتَبَرَهَا فَوَجَدَهَا مَسَانِيدَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِلَّا كَانَ الِاحْتِجَاجُ حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ فِيهَا ، وَيَجِيءُ اعْتِرَاضُ الْقَاضِي السَّابِقِ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ حَالُ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ ، حُمِلَ هَذَا الْمُرْسَلُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ صَحِيحٌ بِهِ ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ عَنْ تَابِعِيٍّ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ لَا يَرْوُونَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ ، لَا سِيَّمَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ .(1/131)
وهذه الشروط أربعة،ثلاثة في الراوي المرسِل،وواحد في الحديث المرسَل،وإليك هذه الشروط.
أن يكون المرسل من كبار التابعين .
وإذا سَمَّى من أرسل عنه سَمَّى ثقة.
وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه .
وأن ينضمَّ إلى هذه الشروط الثلاثة واحد مما يأتي:
أن يُرْوَى الحديث من وجه آخر مُسْنَداً .(1/135)
أو يُرْوى من وجه آخر مرسَلاً أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول.
أو يُوافِقَ قول صحابي .
أو يُفْتِى بمقتضاه أكثر أهل العلم . (1)
فإذا تحققت هذه الشروط تبين صحة مَخْرَج المرسَل وما عَضَدَهُ،وأنهما صحيحان،لو عارضهما صحيح من طريق واحد رجحناهما عليه بتعدد الطرق إذا تعذر الجمع بينهما. (2)
6- مرسَلُ الصحابيِّ:
هو ما أخبر به الصحابي عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو فعله،ولم يسمعه أو يشاهده،إما لصغر سنه أو تأخر إسلامه أو غيابه،ومن هذا النوع أحاديث كثيرة لصغار الصحابة كابن عباس وابن الزبير وغيرهما .
7- حكمُ مرسَل الصحابي (3) :
الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه صحيح محتج به،لأن رواية الصحابة عن التابعين نادرة،وإذا رووا عنهم بينوها،فإذا لم يبينوا،وقالوا : قال رسول الله،فالأصل أنهم سمعوها من صحابي آخر،وحذف الصحابي لا يضر،كما تقدم .
وقل إن مرسل الصحابي كمرسل غيره في الحكم،وهذا القول ضعيف مردود.
8- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) المراسيل لأبي داود (4) .
ب) المراسيل لابن أبي حاتم (5) .
__________
(1) -* انظر الرسالة للشافعي ص 461
(2) -* قلت : بالرغم من هذه الشروط فالكل قد احتجوا بالمرسل ، والذي أراه أنه لا مانع من الاحتجاج بالمرسل إذا كان صحيحا أو حسنا ، مالم يعارضه موصول أقوى منه
(3) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 9) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 105) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 147)
(4) - *وعدد أحاديثه حوالي (544 ) حديثا مرسلا فيها الصحيح المرسل والحسن المرسل والضعيف المرسل
(5) - *يركز فيه على الرواة الذين أرسلوا الأحاديث(1/136)
ج) جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي (1)
==================
المُعْضَلُ (2)
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم مفعول من " أعضله " بمعنى أعياه.
ب) اصطلاحاً: ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي.
2- مثاله:
" ما رواه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " بسنده إلى القَعْنَبي موطأ مالك برقم(1806) حَدَّثَنِى مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ ».. قال الحاكم:هذا مٌعْضَل عن مالك،أعضله هكذا في الموطأ " (3)
فهذا الحديث معضل لأنه سقط منه اثنان متواليان بين مالك وأبي هريرة وقد عرفنا أنه سقط منه اثنان متواليان من رواية الحديث خارج الموطأ هكذا"... عن مالك عن محمد بن عَجْلان عن أبيه عن أبي هريرة" (4)
3- حكمه:
__________
(1) -* مرتب على الرواة وفيه مقدمة قيمة
(2) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 90) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 151) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 18)
(3) - معرفة علوم الحديث ص 46.
(4) -* المصدر السابق ص 473
وانظر صحيح مسلم برقم (4406 ) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنِ الْعَجْلاَنِ مَوْلَى فَاطِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ ».(1/137)
المعضل حديث ضعيف،وهو أسوأ حالا من المرسل والمنقطع (1) ،لكثرة المحذوفين من الإسناد،وهذا الحكم على المعضل بالاتفاق بين العلماء .
4- اجتماعه مع بعض صور المعلقَّ :
أن بين المعضل وبين المعلق عموماً وخصوصاً من وجه .
فيجتمع المعضل مع المعلق في صورة واحدة وهي : إذا حُذف من مبدأ إسناده راويان متواليان . فهو معضل ومعلق في آن واحد .
ويفارقه في صورتين :
إذا حُذف من وسط الإسناد راويان متواليان،فهو معضل وليس بمعلق .
إذا حذف من مبدأ الإسناد راو فقط،فهو معلق وليس بمعضل .
5- من مظان المعضل :
قال السيوطي (2) : من مَظَانِّ المُعضل, والمُنْقطع, والمُرْسل كتاب «السنن» لسعيد بن منصور, (3) ومؤلفات ابن أبي الدُّنيا (4) .
================
المُنقَطِعُ (5)
1- تعريفه:
أ) لغة: هو اسم فاعل من " الانقطاع" ضد الاتصال.
ب) اصطلاحاً: ما لم يتصل إسنادُه،على أي وجه كان انقطاعه.
2- شرح التعريف :
__________
(1) - انظر الكفاية ص 21 والتدريب جـ1 - ص 295.4
(2) - *تدريب الراوي جـ1 ـ ص 214 . وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154)
(3) - * ويوجد منه قسم مطبوع ومتداول ولم يطبع كاملا إلى الآن
(4) - * وهي كثيرة جدا وأكثرها مطبوع ، وهي في موضوعات معينة
(5) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 149)(1/138)
يعني أن كل إسناد انقطع من أي مكان كان،سواء كان الانقطاع من أول الإسناد أو من آخره أو من وسطه،فيدخل فيه ـ على هذا ـ المرسل والمعلق والمعضل،لكن علماء المصطلح المتأخرين خصوا المنقطع بما لم تنطبق عليه صورة المرسل أو المعلق أو المعضل،وكذلك كان استعمال المتقدمين في الغالب . ولذلك قال النووي: " وأكثر ما يستعمل في رواية مَنْ دون التابعي عن الصحابي،كمالك عن ابن عمر " (1)
3-المنقطع عند المتأخرين من أهل الحديث :
هو ما لم يتصل إسناده مما لا يشمله اسم المرسل أو المعلق أو المعضل . فكأنَّ المنقطع اسم عام لكل انقطاع في السند ما عدا صوراً ثلاثاً من صور الانقطاع وهي :حذف أول الإسناد،أو حذف آخره،أو حذف اثنين متواليين من أي مكان كان،وهذا هو الذي مشي عليه الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها (2) .
ثم انه قد يكون الانقطاع في مكان واحد من الإسناد،وقد يكون في أكثر من مكان واحد،كأن يكون الانقطاع في مكانين أو ثلاثة مثلاً.
4- مثاله:" ما روي في المستدرك للحاكم (3) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ،حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ،وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ قَالاَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ،قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،أَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ،عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَزَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا،رَاغِبٌ فِي الآخِرَةِ،وَفِي جِسْمِهِ ضَعْفٌ،وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عُمَرُ فَقِوِيُّ أَمِينٌ،لاَ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ،وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ،يُقِيمُكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "
__________
(1) - *التقريب مع التدريب جـ 1 ـ ص 208 .
(2) -* المختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4)
(3) -* برقم ( 4685)(1/139)
فقد سقط من هذا الإسناد رجل من وسطه وهو " شريك " سقط من بين الثوري وأبي إسحق،إذ أن الثوري لم يسمع الحديث من أبي اسحق مباشرة وإنما سمعه من شريك،وشريك سمعه من أبي اسحق. (1)
فهذا الانقطاع لا ينطبق عليه اسم المرسل ولا المعلق ولا المعضل فهو منقطع .
5- حكمه :
المنقطع ضعيف بالاتفاق بين العلماء،وذلك للجهل بحال الراوي المحذوف .
================
المُدَلَّسُ (2)
تعريفُ التدليسِ:
لغة : المدلس اسم مفعول من " التدليس " والتدليس في اللغة : كِتْمان عَيْبِ السلعة عن المشتري،وأصل التدليس مشتق من " الدَّلس " وهو الظلمة أو اختلاط الظلام كما في القاموس (3) ،فكأن المدلَّس لتغطيته على الواقف على الحديث أظلم أمره فصار الحديث مُدلَّسا .
اصطلاحاً: إخفاء عيب في الإسناد. وتحسين لظاهره.
أقسام التدليس:
للتدليس قسمان رئيسيان هما: تدليس الإسناد،وتدليس الشيوخ.
تدليس الإسناد (4) :
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 102) وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص 36
(2) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 13) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 92) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 20) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 416) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 163)
(3) - القاموس جـ2 ـ ص 224 .
(4) -* وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 163):
[وهو قسمان] بل ثلاثة أو أكثر, كما سيأتي:
[الأوَّل: تدليس الإسْناد, بأن يروى عَمَّن عاصرهُ] زاد ابن الصَّلاح: أو لقيهُ [ما لم يسمعهُ منه] بل سمعهُ من رجل عنه [مُوهمًا سماعهُ] حيثُ أوردهُ بلفظٍ يُوهم الاتِّصال ولا يَقْتضيه [قائلاً: قال فُلان, أو عن فُلان, ونحوه] وكأنَّ فُلانًا, فإن لم يكن عاصره فليس الرِّواية عنه بذلك تدليسًا على المشهور.
وقال قومٌ: إنَّه تدليس, فحدُّوه بأن يُحدِّث الرَّجل عن الرَّجل بما لم يسمعه منه, بلفظ لا يقتضي تصريحًا بالسَّماع.
قال ابن عبد البر: وعلى هذا, فما سَلِمَ أحدٌ من التدليس, لا مالك, ولا غيره.
وقال الحافظ أبو بكر البزَّار وأبو الحسن ابن القَطَّان: هو أن يروي عمَّن سمع منهُ, ما لم يسمع منه, من غير أن يذكُر أنَّه سمعه منه.
قال: والفرقُ بينهُ وبين الإرْسَالِ أنَّ الإرسال روايته عمَّن لم يسمع منه.
قال العِرَاقي: والقول الأوَّل هو المشهور.
وقيَّدهُ شيخُ الإسْلام بقسم اللِّقاء, وجعلَ قِسْم المُعَاصرة إرْسالاً خفيًا, ومثل: قال, وعن, وأن, ما لو أسقط أداة الرِّواية, وسمَّى الشَّيخ فقط, فيقُول: فُلان.
قال علي بن خَشْرَم : كُنَّا عند ابن عُيينة فقال: الزُّهْري, فقيل له: حدَّثكُم الزُّهْري؟ فسكتَ, ثمَّ قال: الزُّهْري, فقيل له: سمعتهُ من الزُّهْري؟ فقال: لا, ولا ممَّن سَمِعهُ من الزُّهْري, حدَّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزُّهْري.
لكن سَمَّى شيخ الإسلام هذا تدليس القطع.
[وربما لم يُسقط شيخه, أو أسقط غيره] أي: شيخ شيخه, أو أعلى منه, لكونه [ضعيفًا] وشيخه ثقة [أو صغيرًا] وأتى فيه بلفظ محتمل عن الثِّقة الثاني [تحسينًا للحديث].
وهذا من زوائد المُصنِّف على ابن الصَّلاح, وهو قسم آخر من التَّدليس يُسمَّى تدليس التسوية, سمَّاه بذلك ابن القطَّان, وهو شر أقْسَامه, لأنَّ الثِّقة الأوَّل قد لا يَكُون معروفًا بالتَّدليس, ويجدهُ الواقف على السَّند كذلك بعد التَّسوية, قد رواه عن ثقة آخر, فيحكم له بالصِّحة, وفيه غرور شديد, ومِمَّن اشتهرَ بفعل ذلك بقية بن الوليد.
قال ابن أبي حاتم في «العلل»: سمعتُ أبي وذكرَ الحديث الَّذي رواهُ إسْحاق بن رَاهُويه, عن بَقية, حدثني أبو وهب الأسدي, عن نافع, عن ابن عُمر حديث: «لا تحمدُوا إسْلام المَرْء, حتَّى تَعْرفُوا عُقْدة رأيه». فقال أبي: هذا الحديث له عِلَّة قلَّ من يفهما, روى هذا الحديث عُبيد الله بن عَمرو, عن إسْحَاق بن أبي فَرْوة, عن نافع, عن ابن عُمر, وعُبيد الله كُنيتهُ أبو وهب, وهو أسدي, فكنَّاه بقية ونسبهُ إلى بني أسد, كي لا يُفطن له, حتَّى إذا ترك إسحاق لا يُهتدى له, قال: وكانَ بقية من أفعل النَّاس لهذا.
ومِمَّن عُرِفَ به أيضًا: الوليد بن مسلم.
قال أبو مُسْهِر : كان يُحدِّث بأحَاديث الأوْزَاعي عن الكذَّابين, ثمَّ يُدلسها عنهُم.
وقال صالح جَزَرة : سمعتُ الهيثم بن خَارجة يَقُول: قلت للوليد: قد أفسدتَ حديث الأوزاعي, قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي, عن نافع, وعن الأوْزَاعي, عن الزُّهْري, وعن الأوزاعي, عن يحيى بن سعيد, وغيرك يُدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي, وبينه وبين الزُّهْري أبا الهيثم قرَّة, فما يحملك على هذا؟ قال: أُنبِّل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء. قلتُ: فإذا رَوَى الأوزاعي عن هؤلاء وهم ضُعفاء أحاديث مَنَاكير, فأسقطتهم أنت, وصَيَّرتها من رواية الأوزاعي عن الثِّقات, ضُعِّف الأوزاعي, فلم يلتفت إلى قولي.
قال الخطيب : وكان الأعْمش وسُفيان الثَّوري يفعلون مثل هذا.
قال العَلائي : وبالجُمْلة, فهذا النَّوع أفْحَش أنواع التدليس مُطلقًا وشرها.
وقال العِرَاقيُّ : وهو قادح فيمن تعمدَ فِعْله.
وقال شيخ الإسلام : لا شكَّ أنَّه جرح, وإن وُصِفَ به الثَّوري والأعْمش, فلا اعْتذار أنَّهما لا يَفْعلانه إلاَّ في حقِّ من يكون ثقة عندهما, ضعيفاً عند غيرهما.
قال: ثمَّ ابن القَطَّان إنَّما سَمَّاه تسوية, بدون لَفْظ التَّدليس, فيَقُول: سوَّاه فُلان, وهذه تسوية, والقُدماء يسمُّونه تجويدًا, فيقولون: جوَّده فُلان, أي ذكر من فيه من الأجواد, وحذف غيرهم.
قال: والتَّحقيق أن يُقَال: مَتَى قيلَ: تدليس التسوية, فلا بد أن يَكُون كل من الثِّقات الَّذين حذفت بينهم الوَسَائط في ذلك الإسْنَاد, قد اجتمعَ الشَّخص منهم بشيخِ شيخه في ذلكَ الحديث, وإن قيل: تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه, كمَا فعل مالك, فإنَّه لم يقع في التَّدليس أصْلاً, ووقعَ في هذا فإنَّه يروي عن ثور عن ابن عبَّاس, وثور لم يلقه, وإنَّما روى عن عكرمة عنهُ فاسقط عِكْرمة, لأنَّه غير حُجَّة عندهُ, وعلى هذا يُفارق المُنقطع بأن شرط السَّاقط هُنَا أن يَكُون ضَعيفًا, فهو مُنقطع خاص.
ثمَّ زاد شيخ الإسلام تدليس العطف, ومثَّله بما فعلَ هُشَيم, فيما نقلَ الحاكم والخَطِيب: أنَّ أصْحَابه قالُوا له: نُريد أن تُحدِّثنا اليوم شيئًا لا يَكُون فيه تدليس, فقال: خذوا, ثمَّ أملى عليهم مَجْلسًا يقول في كلِّ حديث منه: حدَّثنا فُلان وفلان, ثمَّ يَسُوق السَّند والمتن, فلمَّا فرغ قال: هل دلستُ لكم اليوم شيئا؟ قالوا: لا, قال: بلى, كل ما قلت فيه: وفلان فإنِّي لم أسمعهُ منه.
قال شيخ الإسلام : وهذه الأقسام كلها يشملها تدليس الإسْنَاد, فاللائق ما فعله ابن الصَّلاح من تقسيمه قسمين فقط.
قلتُ: ومن أقْسَامه أيضًا: ما ذكر محمَّد بن سعد, عن أبي حفص عُمر بن علي المُقدمي, أنَّه كان يُدلِّس تدليسًا شديدًا يقول: سمعتُ, وحدَّثنا, ثمَّ يسكت, ثمَّ يقول: هِشَام بن عُروة, الأعمش.
وقال أحمد بن حنبل: كان يقول: حَجَّاج سمعتهُ, يعني حديثا آخر.
وقال جَمَاعة: كان أبو إسحاق يقول: ليسَ أبو عُبيدة ذكره, ولكن عبد الرَّحمن بن الأسود عن أبيه, فقوله عبد الرَّحمن تدليس, يُوهم أنَّه سمعه منه.
وقسَّمهُ الحاكم إلى سِتَّة أقْسَام:
الأوَّل: قومٌ لم يُميِّزُوا بين ما سمعوهُ وما لم يسمعوهُ.
الثَّاني: قومٌ يُدلِّسُون, فإذا وقعَ لهم من ينقر عنهم, ويلح في سماعاتهم ذكروا له, ومثَّلهُ بما حكى ابن خشرم عن ابن عُيينة.
الثَّالث: قومٌ دلَّسوا عن مَجْهولين, لا يُدرى من هُم, ومثَّله بما رُوي عن ابن المَدِيني قال: حدثني حُسين الأشْقر, حدَّثنا شُعيب بن عبد الله, عن أبي عبد الله, عن نوف, قال: بتُّ عند علي فذكر كلامًا, قال ابن المَدِيني: فقلتُ لحسين مِمَّن سمعتَ هذا؟ فقال: حدَّثنيه شُعيب عن أبي عبد الله, عن نوف, فقلتُ لشعيب: من حدَّثك بهذا؟ فقال أبو عبد الله الجَصَّاص, فقلت: عمَّن؟ قال: عن حمَّاد القَصَّار, فلقيتُ حمَّادًا فقلتُ له: من حدَّثك بهذا؟ قال: بلغني عن فَرْقد السَّبخي عن نوف.
فإذا هو قد دلَّس عن ثلاثة, وأبو عبد الله مجهول, وحمَّاد لا يدرى من هو, وبلغه عن فرقد, وفرقد لم يُدرك نوفًا.
الرَّابع: قومٌ دلَّسُوا عن قوم سمعُوا منهم الكثير, وربَّما فاتهم الشَّيء عنهم فيُدلِّسُونه.
الخامس: قومٌ رَوُوا عن شُيوخ لم يروهم, فيَقُولون: قال فُلان, فحمل ذلكَ عنهم على السَّماع, وليسَ عندهم سماع.
قال البَلْقيني: وهذه الخَمْسة كلها داخلة تحت تَدْليس الإسْناد, وذكر السَّادس, وهو تدليس الشُّيوخ الآتي.(1/140)
لقد عرف علماء الحديث هذا النوع من التدليس بتعريفات مختلفة،وسأختار أصحها وأدقها ـ في نظري ـ وهو تعريف الإمامين أبي أحمد بن عمرو البزار وأبي الحسن بن القطان .
وهذا التعريف هو :
تعريفه: أن يَرْوِيَ الراوي عمن قد سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر سمعه منه (1)
شرح التعريف : ومعنى هذا التعريف أن تدليس الإسناد أن يروي الراوي عن شيخ قد سَمِعَ منه بعض الأحاديث،لكن هذا الحديث الذي دلسه لم يسمعه منه،وإنما سمعه من شيخ آخر عنه،فيُسْقِطُ ذلك الشيخَ ويرويه عنه بلفظ محتمل للسماع وغيره،كـ " قال " أو " عن " ليوهم غيره أنه سمعه منه،لكن لا يصرح بأنه سمع منه هذا الحديث فلا يقول : " سمعت " أو " حدثني " حتى لا يصير كذاباً بذلك،ثم قد يكون الذي أسقطه واحداً أو أكثر .
الفرق بينه وبين الإرسال الخفي : قال أبو الحسن بن القطان بعد ذِكْرهِ للتعريف السابق:" والفرق بينه وبين الإرسال هو : أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه " وإيضاح ذلك أن كلا من المدلِّس والمرسل إرسالا خفياً يَرْوِي عن شيخ شيئاً لم يسمعه منه،بلفظ يحتمل السماع وغيره،لكن المدلَّس قد سمع من ذلك الشيخ أحاديث غير التي دلسها،على حين أن المرسل إرسالا خفياً لم يسمع من ذلك الشيخ أبداً،لا الأحاديث التي أرسلوها ولا غيرها لكنه عاصره أو لقيه .
__________
(1) - *شرح ألفية العراقي له جـ1 ـ ص 180.(1/143)
مثاله : ما أخرجه الحاكم (1) ،بسنده إلى على بن حَشْرَم قال : " قال لنا ابن عيينة : عن الزهري ـ فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال : لا،ولا ممن سمعه من الزهري،حدثني عن عبد الرزاق عن مَعْمَر عن الزهري " ففي هذا المثال أسقط ابنُ عُيينة اثنين بينه وبين الزهري .تدليسُ التسوية (2) :
هذا النوع من التدليس هو في الحقيقة نوع من أنواع تدليس الإسناد .
تعريفه: هو رواية الراوي عن شيخه،ثم إسقاط راو ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر ،وصورة ذلك أن يروي الراوي حديثاًَ عن شيخ ثقة،وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة،ويكون الثقتان قد لقي أحدهما الآخر،فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول،فيُسْقِط الضعيف الذي في السند،ويجعل الإسناد عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل،فيُسَوْي الإسناد كله ثقات.
وهذا النوع من التدليس شر أنواع التدليس،لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفاً بالتدليس،ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة, وفيه غرور شديد.
أشهر من كان يفعله :
بَقّية بن الوليد . قال أبو مُسْهر : " أحاديث بَقِيَّة ليست نَقَيَّه فكنْ منها على تَقِيَّة (3) .
الوليد بن مسلم .
مثاله : قال ابن أبي حاتم في «العلل»: سمعتُ أبي وذكرَ الحديث الَّذي رواهُ إسْحاق بن رَاهُويه, عن بَقية, حدثني أبو وهب الأسدي, عن نافع, عن ابن عُمر حديث: «لا تحمدُوا إسْلام المَرْء, حتَّى تَعْرفُوا عُقْدة رأيه». فقال أبي: هذا الحديث له عِلَّة قلَّ من يفهما, روى
__________
(1) - في معرفة علوم الحديث ص 130 .
(2) - *فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 172) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 164) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 422)
(3) - *ميزان الاعتدال جـ1 ـ ص 332.(1/144)
هذا الحديث عُبيد الله بن عَمرو, عن إسْحَاق بن أبي فَرْوة, عن نافع, عن ابن عُمر, وعُبيد الله كُنيتهُ أبو وهب, وهو أسدي, فكنَّاه بقية ونسبهُ إلى بني أسد, كي لا يُفطن له, حتَّى إذا ترك إسحاق لا يُهتدى له, قال: وكانَ بقية من أفعل النَّاس لهذا. " . (1)
5- تدليسُ الشيوخ:
أ) تعريفه: هو أن يَرْوي الراوي عن شيخ حديثاً سمعه منه،فيُسَمِّيهُ أو يَكْنَيِهُ أو يَنْسِبَهُ أو يَصِفهُ بما لا يُعْرَفُ به كي لا يُعْرَفُ (2)
ب) مثاله : قول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء : " حدثنا عبدالله بن أبي عبدالله،يريد به أبا بكر بن أبي داود السجستاني "
6- حكمُ التدليس (3) :
__________
(1) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 164) و الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 353) وعلل الحديث - (ج 4 / ص 254)برقم ( 1957) و شرح الألفية للعراقي جـ1 ـ ص 190
(2) - *علوم الحديث ص 66. و وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 167)
(3) - * وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 167)
القسم [الثَّاني: تدليس الشِّيوخ, بأن يُسمِّي شيخه, أو يكنيه, أو ينسبه, أو يصفه, بما لا يعرف].
قال شيخ الإسْلام: ويدخُل أيضًا في هذا القِسْم التَّسوية, بأن يَصِف شيخ شيخهُ بذلك.
[أمَّا] القسم [الأوَّل فمكروهٌ جدًّا ذمَّه أكثر العلماء].
وبالغ شُعبة في ذمِّه, فقال: لأن أزْنِي, أحب إلي من أن أدُلِّس .وقال: التدليس أخو الكذب .
قال ابن الصَّلاح: وهذا منهُ إفْراطٌ, محمولٌ على المُبَالغة في الزَّجْر عنه والتنفير.
[ثمَّ قال فريقٌ منهم] من أهل الحديث والفُقهاء [من عُرف به صار مجروحًا مردود الرِّواية] مُطلقا [وإن بيَّنَ السَّماع].
وقال جمهور من يقبل المُرْسل: يُقبل مُطلقًا, حَكَاهُ الخطيب.
ونقل المُصنِّف في «شرح المهذب» الاتفاق على رد ما عنعنهُ تبعًا للبيهقي وابن عبد البر, مَحْمولٌ على اتِّفاق من لا يُحتج بالمُرسل.
لكن حَكَى ابن عبد البر عن أئمة الحديث, أنَّهم قالوا: يُقبل تدليس ابن عُيينة, لأنَّه إذا وقف أحال على ابن جُريج ومَعْمر ونُظرائهما.
ورجَّحهُ ابن حبَّان
قال: وهذا شيء ليسَ في الدُّنيا إلاَّ لسفيان بن عُيينة, فإنَّه كان يُدلِّس, ولا يُدلِّس إلاَّ عن ثقة مُتقن, ولا يكاد يوجد له خبر دلَّس فيه, إلاَّ وقد بَيَّن سماعهُ عن ثقة, مثل نفسه, ثمَّ مثَّل ذلكَ بمراسيل كِبَار التَّابعين, فإنَّهم لا يرسلون إلاَّ عن صحابي.
وسبقهُ إلى ذلك أبو بكر البزَّار, وأبو الفتح الأزْدي, وعِبَارة البَزَّار: من كان يُدلِّس عن الثِّقات, كان تدليسهُ عند أهل العلم مقبولاً.
وفي «الدَّلائل» لأبي بكر الصَّيرفي من ظهرَ تدليسه عن غير الثِّقات لم يُقبل خبره حتَّى يَقُول: حدَّثني, أو سمعتُ.
فعلى هذا هو قولٌ ثالث مفصَّل غير التفصيل الآتي.
[والصَّحيح التفصيل, فما رواهُ بلفظ مُحتمل لم يُبيِّن فيه السَّماع فمرسل] لا يقبل [وما بيَّن فيه, كسمعتُ, وحدَّثنا, وأخبرنا, وشبهها, فمَقْبول يُحتج به, وفي «الصَّحيحين» وغيرهما من هذا الضَّرب كثير, كقتادة, والسُّفيانين, وغيرهم] كعبد الرزاق, والوليد بن مسلم, لأنَّ التدليس ليسَ كذبًا وإنَّما هو ضرب من الإيهام.
[وهذا الحُكم جار] كَمَا نصَّ عليه الشَّافعي [فيمن دلَّس مَرَّة] واحدة, [وما كان في «الصَّحيحين» وشبههما] من الكُتب الصَّحيحة [عن المُدلِّسين بعن, فمَحْمولٌ على ثُبوت السَّماع] له [من جهة أُخرى] وإنَّما اختار صاحب الصَّحيح طريق العنعنة, على طريق التَّصريح بالسَّماع, لكونها على شرطه دون تلك.
وفصَّل بعضهم تفصيلاً آخر فقال: إن كانَ الحامل لهُ على التَّدليس, تغطية الضَّعيف فجرحٌ, لأنَّ ذلك حرام وغش, وإلاَّ فلا.
[وأمَّا] القسم [الثَّاني فكراهته أخف] من الأوَّل [وسببها تَوْعير طريق معرفته] على السَّامع, كقول أبي بكر بن مُجَاهد أحد أئمة القُرَّاء: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله, يُريد أبا بكر بن أبي داود السِّجِسْتَاني, وفيه تضييع للمروي عنه, والمروى أيضًا, لأنَّه قد لا يفطن له فيحكم عليه بالجهالة.
[وتَخْتلف الحالُ في كَرَاهته بحسب غرضه] فإن كان [لكون المُغيَّر اسمه ضعيفًا] فيدلِّسه, حتَّى لا يَظْهر روايته عن الضُّعفاء, فهو شر هذا القسم, والأصح أنَّه ليسَ بجرح.
وجزمَ ابن الصبَّاغ في العِدَّة بأنَّ من فعلَ ذلك لِكَون شيخهِ غير ثقة عند النَّاس, فغيَّره ليُقبل خبره, يجب أن لا يقبل خبره, وإن كانَ هو يعتقد فيه الثِّقة, فقد غلطَ في ذلكَ لِجَواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو.
وقال الآمدي: إن فعلهُ لضعفه, فجرح, أو لضعف نسبه, أو لاختلافهم في قَبُول رِوَايته فلا.
وقال ابن السَّمْعَاني : إن كان بحيث لو سُئل عنه لم يُبينهُ فجرح, وإلاَّ فلا.
ومنع بعضهم إطلاق اسم التدليس على هذا, روى البيهقي في «المدخل» عن محمد بن رافع قال: قلتُ لأبي عَامر كان الثَّوري يُدلِّس؟ قال: لا. قلتُ: أليسَ إذا دخل كورة يعلم أنَّ أهلها لا يكتبون حديث رجل, قال: حدَّثني رَجُل, وإذا عُرِفَ الرَّجُل بالاسم كَنَّاه, وإذا عُرف بالكُنية سَمَّاهُ؟ قال: هذا تَزْيين, ليسَ بتدليس.
[أو] لكونه [صغيرًا] في السِّن [أو متأخِّر الوفاة] حتَّى شَاركهُ من هُو دُونهُ, فالأمر فيه سهل [أو سَمِعَ منهُ كثيرًا, فامتنع من تِكْراره على صُورة] واحدة إبهامًا لكَثْرة الشِّيوخ, أو تفننا في العِبَارة, فسهل أيضًا [و] قد [تسمَّح الخطيب وغيره] من الرواة المُصنِّفين [بهذا].
تنبيه:
من أقْسَام التَّدليس ما هو عكس هذا, وهو إعْطَاء شخص اسمٌ آخر مشهور تَشْبيهًا, ذكرهُ ابن السُّبكي في «جمع الجَوَامع» قال: كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, يعني الذَّهبي, تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك, يعني به الحاكم, وكذا إبهام اللُّقَى والرِّحلة, كحدَّثنا من وراء النَّهر, يُوهم أنَّه جَيْحون, ويُريد نهر عيسى ببغداد, أو الجيزة بمصر, وليسَ ذلك بجرح قطعًا, لأنَّ ذلك من المَعَاريض, لا من الكذب.
قاله الآمدي في «الأحكام» وابن دقيق العيد في «الاقتراح».
فائدة:
قال الحاكم: أهل الحجاز, والحرمين, ومِصْر, والعَوَالي, وخُراسان, والجبال وأصبهان, وبلاد فارس, وخوزستان, وما وراء النَّهر, لا نعلم أحدا من أئمتهم دلَّسوا.
قال: وأكثر المُحدِّثين تدليسًا: أهل الكُوفة, ونفر يَسيرٌ من أهل البَصْرة.
قال: وأمَّا أهل بغداد فلم يُذكر عن أحد من أهلها التدليس, إلاَّ أبا بكر محمَّد بن محمَّد بن سُليمان الباغندي الواسطي, فهو أوَّل من أحدثَ التدليس بها, ومن دلَّس من أهلها إنَّما تَبِعهُ في ذلك, وقد افردَ الخطيب كِتَابًا في أسماء المُدلِّسين, ثمَّ ابن عَسَاكر.
فائدة:
اسْتُدلَّ على أنَّ التدليس غير حرام, بما أخرجه ابن عدي عن البراء قال: لم يَكُن فينا فارسٌ يوم بدر إلاَّ المقداد. قال ابن عساكر: قولهُ: فينا, يعني المُسْلمين, لأنَّ البراء لم يشهد بدرًا.(1/145)
أ) أما تدليس الإسناد: فمكروه جداً. ذمة أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذماً له فقال فيه أقوالا منها: "التدليس أخو الكذب ". (1)
ب) وأما تدليس التسوية : فهو أشد كراهة منه،حتى قال العراقي :" وهو قادحٌ فيمنْ تعمدَ فِعْله. " (2)
ج) وأما تدليس الشيوخ : فكراهته أخف من تدليس الإسناد ،لأن المدلس لم يُسقط أحداً،وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه،وتوعير طريق معرفته على السامع وتختلف الحال في كراهته بحسب الغرض الحامل عليه . (3)
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 13) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 8) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 345) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 178) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 167) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 423)
(2) - *تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 165)
(3) - *التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 450) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 167) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 421)(1/147)
7- الأغراضُ الحاملة على التدليس :
أ) الأغراض الحاملة على تدليس الشيوخ أربعة هي:
1- ضعف الشيخ أو كونه غير ثقة .
2- تأخر وفاته بحيث شاركه في السماع منه جماعة دونه.
3- صغر سنه بحيث يكون أصغر من الراوي عنه .
4- كثرة الرواية عنه،فلا يحب الإكثار من ذكر اسمه على صورة واحدة.
ب) الأغراض الحاملة على تدليس الإسناد خمسة وهي:
1- توهيم عُلُوِّ الإسناد .
2- فَوَات شيء من الحديث عن شيخ سمع منه الكثير .
3- 4- 5 ـ الأغراض الثلاثة الأولى المذكورة في تدليس الشيوخ.
8- أسبابُ ذم المدلَّس: ثلاثة هي
أ) إيهامه السماع ممن لم يسمع عنه .
ب) عدوله عن الكشف إلى الاحتمال .
ج) علمه بأنه لو ذكر الذي دلس عنه لم يكن مَرْضِيّا (1)
9- حكمُ رواية المدلِّس :
اختلف العلماء في قبول رواية المدلَّس على أقوال،أشهرها قولان.
رد رواية المدلس مطلقا وإن بين السماع،لأن التدليس نفسه جرح. ( وهذا غير معتمد ).
التفصيل: ( وهو الصحيح ).
إن صرح بالسماع قبلت روايته،أي إن قال " سمعت" أو نحوها قبل حديثه .
وان لم يصرح بالسماع لم تقبل روايته،أي إن قال " عن " ونحوها لم يقبل حديثه (2) .
10- بم يعرف التدليس ؟
يعرف التدليس بأحد أمرين :
__________
(1) - *راجع الكفاية ص 358والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 347)
(2) - علوم الحديث ص 67 - 681(1/148)
إخبار المدلس نفسه إذا سئل مثلا،كما جرى لابن عيينة .
نَصُّ إمام من أئمة هذا الشأن بناء على معرفته ذلك من البحث والتتبع .
11 - أشهر المصنفات في التدليس والمدلسين :
هناك مصنفات في التدليس والمدلسين كثيرة أشهرها :
ثلاثة مصنفات للخطيب البغدادي،واحدا في أسماء المدلسين،واسمه التبيين لأسماء المدلسين (1) والآخران أفرد كلا ً منهما لبيان نوع من أنواع التدليس. (2)
التبيين لأسماء المدلسين : لبرهان الدين بن الحلبي (وقد طبعت هذه الرسالة ) .
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر ( وقد طبعت أيضا).
=============
المُرْسَلُ الخَفِيُّ (3)
تعريفُه:
لغة: المرسل لغة اسم مفعول من الإرسال بمعنى الإطلاق،كأن المرسل أطلق الإسناد ولم يصله،والخفي: ضد الجلي،لأن هذا النوع من الإرسال غير ظاهر،فلا يدرك إلا بالبحث.
اصطلاحاً:أن يَرْوِيَ عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه بلفظ يحتمل السماع وغيره كـ"قال"
مثاله : ما رواه ابن ماجه في سننه (4) عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ ». فان عمر لم يطلق عقبة كما قال المزي في الأطراف .
بم يعرفُ ؟
__________
(1) - *الكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 350)
(2) - الكفاية ص 357
(3) -* فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 327) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 20) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 423)
(4) -*برقم (2874 ) ووصله في المستدرك برقم ( 2438 )(1/149)
يُعرف الإرسال الخفي بأحد أمور ثلاثة وهي :
نَصُّ بعض الأئمة على أن هذا الراوي لم يلق من حدَّث عنه أو لم يسمع منه مطلقاً.
إخباره عن نفسه بأنه لم يلق من حدَّث عنه أو لم يسمع منه شيئاً.
مجيء الحديث من وجه آخر فيه زيادة شخص بين هذا الراوي وبين من روى عنه. وهذا الأمر الثالث فيه خلاف للعلماء،لأنه قد يكون من نوع " المزيد في متصل الأسانيد".
حكمُه :
هو ضعيف،لأنه من نوع المنقطع،فإذا ظهر انقطاعه فحكمه حكم المنقطع .
أشهر المصنفات فيه :
ـ كتاب التفصيل لمبهم المراسيل للخطيب البغدادي .
=================
المعَنْعنُ والمؤَنَنُ (1)
1-تمهيدُ:
لقد انتهت أنواع المردود الستة التي سبب ردها سَقْطَ من الإسناد،لكن لما كان المعنعن والمؤنن مُختَلفاً فيهما،هل هما من نوع المنقطع أو المتصل،لذا رأيت إلحاقهما بأنواع المردود بسبب سقط من الإسناد .
2-تعريف المعنعن :
لغة :المعنعن اسم مفعول من " عَنْعَن " بمعنى قال " عَنْ،عَنْ " .
اصطلاحاً: قول الراوي:فلان عن فلان.
3- مثاله:
__________
(1) -* صحيح مسلم - (ج 1 / ص 111) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 10) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 7) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 83) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 24) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 154) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 10)(1/150)
ما رواه أبو داود (1) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ ».
4- هل هو من المتصل أو المنقطع ؟ :
اختلف العلماء فيه على قولين:
قيل أنه منقطع حتى يتبين اتصاله .
والصحيح الذي عليه العمل،وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل بشروط،اتفقوا على شرطين منها،واختلفوا في اشتراط ما عداهما،أما الشرطان اللذان اتفقوا على أنه لا بد منهما ـ ومذهب مسلم الاكتفاء بهما ـ فهما :
أن لا يكون المُعَنْعِنُ مُدَلِّساً .
أن يمكن لقاء بعضهم بعضا،أي لقاء المُعَنْعِن بمن عَنْعَنَ عنه .
وأما الشروط التي اختلفوا في اشتراطها زيادة على الشرطين السابقين فهي:
ثبوت اللقاء: وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين.
طول الصحبة : وهو قول أبي المظفر السمعاني .
معرفته بالرواية عنه : وهو قول أبي عمرو الداني .
5- تعريف المُؤنَّن (2) :
أ) لغة : اسم مفعول من " أَنَّن " بمعنى قال " أن،أن " .
ب) اصطلاحاً: هو قول الراوي: حدثنا فلان أن فلاناً قال...
6- حكم المُؤَنَّن :
أ) قال أحمد وجماعة هو منقطع حتى يتبين اتصاله.
ب) وقال الجمهور: " أَنَّ " كـ " عَنْ " ومطلقه محمول على السماع بالشروط المتقدمة (3) .
__________
(1) - *برقم (676 ) و هو حديث صحيح لغيره
(2) -* قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 83) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 153)
(3) - * كما في موطأ مالك( 105 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِىَّ أَتَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهَا لَقَدْ شَقَّ عَلَىَّ اخْتِلاَفُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى أَمْرٍ إِنِّى لأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ. فَقَالَتْ مَا هُوَ مَا كُنْتَ سَائِلاً عَنْهُ أُمَّكَ فَسَلْنِى عَنْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلاَ يُنْزِلُ فَقَالَتْ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ لاَ أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَكِ أَبَدًا.
و(387 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَقُولُ مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ غَيْرَهُ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ رَجَعَ غَانِمًا.
و(650 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ كَانَا يُرَخِّصَانِ فِى الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ.
قلت : وهو كله هنا محمول على الاتصال
================(1/151)
المبحثُ الثالثِ
المردودُ بسببِ طعنٍ في الراوي
1- المردود بالطعن في الراوي :
المراد بالطعن في الراوي جرحه باللسان،والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه.
2- أسبابُ الطعن في الراوي :
أسباب الطعن في الراوي عشرة أشياء،خمسة منها تتعلق بالعدالة،وخمسة منها تتعلق بالضبط.
ا)أما التي تتعلق بالطعن في العدالة فهي:
الكذب.
التهمة بالكذب .
الفسق.
البدعة.
الجهالة.
ب ) أما التي تتعلق بالطعن في الضبط فهي:
1- فُحْشُ الغلط .
2- سوء الحفظ .
3- الغفلة.
4- كثرة الأوهام.
5- مخالفة الثقات .
وسأذكر أنواع الحديث المردود بسبب من هذه الأسباب على التوالي مبتدئاً بالسبب الأشد طعناً.(1/153)
المَوضوع (1)
إذا كان سبب الطعن في الراوي هو الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحديثه يسمى الموضوع.
1- تعريفُه:
أ) لغة: هو اسم مفعول من " وَضَعَ الشيء " أي " حَطَّهُ " سُمي بذلك لانحطاط رتبته.
ب) اصطلاحاً: هو الكذب المُخْتَلَق المصنوع المنسوب إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم.
2- رتبته :
هو شر الأحاديث الضعيفة وأقبحها . وبعض العلماء يعتبره قسماً مستقلا وليس نوعاً من أنواع الأحاديث الضعيفة. (2)
3- حكم روايته :
أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد عَلِمَ حالَهُ في أي معنى كان سواء الأحكام, والقَصَص, والتَّرغيب وغيرها ،إلا مع بيان وضعه،لحديث مسلم: « مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ». (3)
4- طرقُ الوضاعين في صياغة الحديث :
أ) إما أن يُنْشئ الوضاع الكلام من عنده،ثم يضع له إسنادا ويرويه (4) .
ب) وإما أن يأخذ كلاماً لبعض الحكماء أو غيرهم ويضع له إسنادا .
5- كيف يُعْرَفُ الحديث الموضوع ؟
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 18) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 257)
(2) - *وهذا هو الصواب ن فليس الموضوع من أنواع الضعيف ، لأنه مختلق
(3) - *صحيح مسلم برقم (1 ) ومقدمة مسلم بشرح النووي جـ 1 ـ ص 62 .
(4) - * كما في الفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 4-5)
6 _ حديث : غسل الإناء وطهر الفناء ، يورثان الغنى .رواه الخطيب عن أنس مرفوعاً ، وقال لم أكتبه إلا من حديث أبى الحسن الزهرى ، وهو كذاب . وقال الذهبى في الميزان : وضعه علي بن محمد الزهري .
وكحديث 12حديث المضمضة والاستنشاق ثلاثاً , فريضة للجنب .رواه ابن عدى مرفوعاً عن أبى هريرة , وقال ابن حبان والداراقطني : وضعه بركة بن محمد الحلبى .
وقال في تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 220): أحاديث أخرى فى العقل أخرجها سليمان بن عيسى السجزى فى كتابه فى العقل وهى من وضعه(1/154)
يعرف بأمور منها :
إقرار الواضع بالوضع : كإقرار أبي عِصْمَةَ نوحِ بن أبي مريم (1) بأنه وضع حديث فضائل سور القرآن سورة سورة عن ابن عباس .
وقال البُخَاري في «التاريخ الأوسط»: حدَّثني يحيى اليَشْكُري, عن علي بن جرير قال: سمعتُ عُمر بن صُبْح يقول: أنَا وضعتُ خُطْبة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
أو ما يَتَنَزَّلُ منزلة إقراره كأن يُحدِّث بحديث عن شَيْخٍ, ويسأل عن مولده, فيذكُر تاريخًا يعلمُ وفَاة ذلك الشَّيخ قبلهُ, ولا يُعرف ذلك الحديث إلاَّ عندهُ, فهذا لم يعترف بوضعه, ولكن اعْترافه بوقتِ مَوْلده يتنزَّل مَنْزلة إقْرَاره بالوضع, لأنَّ ذلك الحديث لا يُعرف إلاَّ عن ذلك الشَّيخ, ولا يعرف إلاَّ برواية هذا عنه..
أو قرينة في الراوي:مثل أن يكون الراوي رافضياً والحديث في فضائل أهل البيت.
فقد وضعت أحاديث طويلة يَشْهد بوضْعها رَكَاكة لفْظْها ومَعَانيها.
قال الرَّبيع بن خُثَيم: إنَّ للحديث ضَوْءٌ كضوء النهَّار تعرفه, وظُلْمة كَظُلْمة اللَّيل تُنْكره.
أو قرينة في المَرْوِي: مثل كون الحديث ركيك اللفظ،أو مخالفاً للحس أو صريح القرآن. (2)
__________
(1) -* وفي تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 567 ] برقم (7210 )نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم مشهور بكنيته ويعرف بالجامع لجمعه العلوم لكن كذبوه في الحديث وقال بن المبارك كان يضع من السابعة مات سنة ثلاث وسبعين ت فق
(2) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 213)
ومنها: ما يُصرِّح بتكذيب رُواة جَمْع المُتواتر, أو يَكُون خبرًا عن أمر جَسِيم تتوفَّر الدَّواعي على نَقْله بمحضر الجمع, ثمَّ لا ينقله منهم إلاَّ واحد.
ومنها: الإفْراط بالوَعيد الشَّديد على الأمر الصَّغير, أو الوعد العظيم على الفِعْل الحَقِير, وهذا كثير في حديث القُصَّاص, والأخير راجعٌ إلى الرِّكة.
قلتُ: ومن القَرَائن كَوْن الرَّاوي رَافضيًا, والحديث في فضائل أهل البيت.
وقد أشارَ إلى غالب ما تقدَّم الزَّركشي في «مختصره» فقال: ويُعرف بإقرار واضعه, أو من حال الرَّاوي, كقوله: سمعتُ فُلانًا يَقُول, وعلمنا وفاة المَرْوي عنه قبل وجُوده, أو من حال المَرْوي, لرَكَاكة ألْفَاظه, حيث تَمْتنع الرِّواية بالمعنى, ومُخالفته القاطع, ولم يقبل التأويل, أو لتضمنه لما تتوفر الدَّواعي على نقله, أو لِكَونهِ أصلاً في الدِّين ولم يتواتر, كالنَّص الَّذي تزعم الرَّافضة أنَّه دلَّ على إمامة علي, وهل تثبت بالبينة على أنَّه وضعه, يُشبه أن يَكُون فيه التردُّد في أنَّ شهادة الزُّور هل تثبت بالبَيِّنة, مع القَطْع بأنَّه لا يعمل به. انتهى.
وفي «جمع الجوامع» لابن السُّبْكي أخذًا من «المحصُول» وغيره: كل خبر أوهم باطلاً, ولم يَقْبل التأويل فمكذُوب, أو نقص منه ما يزيل الوهم, ومن المقطوع بكذبه, ما نُقب عنه من الأخْبَار ولم يُوجد عند أهلهِ من صُدور الرُّواة, وبُطُون الكُتب, وكذا قال صاحب «المعتمد».
قال العِزُّ بن جماعة: وهذا قد يُنازع في إفضائه إلى القطع, وإنَّما غايتهُ غلبة الظَّن.
ولهذا قال العِرَاقيُّ: يُشْترط استيعاب الاستقراء بحيث لا يبقى ديوان, ولا راو, إلاَّ وكُشِفَ أمره في جميع أقْطَار الأرض, وهو عسر أو متعذَّر.
وقد ذكر أبو حازم في مجلس سُليمان بن عبد الملك حديثًا بحضرة الزُّهْري, فقال الزُّهْري: لا أعرف هذا الحديث. فقال: أحفظتَ حديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: لا. قال: فنصفه؟ قال: أرجُو. قال: اجعل هذا من النصف الآخر. انتهى.
وقال ابن الجَوْزي: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يُباين المعقُول, أو يُخَالف المنقُول, أو يُنَاقض الأصُول, فاعْلم أنَّه موضوعٌ.
قال: ومعنى مُنَاقضته للأصُول أن يَكُون خارجًا عن دَوَاوين الإسْلام من المَسَانيد والكُتب المشهُورة.
ومن أمْثلةِ ما دلَّ على وضعهِ قرينة في الرَّاوي, ما أسندهُ الحاكم, عن سيف بن عُمر التَّميمي, قال: كنتُ عند سَعْد بن طريف, فجَاء ابنهُ من الكُتَّاب يبكي, فقال: ما لك؟ قال: ضربني المُعلِّم. قال: لأُخزينهم اليوم, حدَّثني عكرمة, عن ابن عبَّاس مرفوعًا: «معلمُوا صِبْيانكم شِرَاركُم, أقلهُم رحمة لليتيم, وأغْلظهُم على المِسْكين».
وقيل لمأمون بن أحمد الهَرَوي: ألا تَرَى إلى الشَّافعي ومن تبعهُ بخُرَاسان, فقال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله, حدَّثنا عُبيد الله بن معدان الأزدي, عن أنس مرفوعًا: «يَكُون في أمَّتي رجُل يقال له محمَّد بن إدريس, أضَر على أمَّتي من إبليس, ويَكُون في أمَّتي رجُل يقال له أبو حنيفة, هو سِرَاج أمَّتي»(642).
وقيل لمُحمَّد بن عُكَاشة الكِرْماني: إنَّ قومًا يرفعُون أيديهم في الرُّكوع وفي الرَّفع, منه, فقال: حدَّثنا المُسيب بن واضح, حدَّثنا ابن المُبَارك, عن يُونس بن يزيد, عن الزُّهْري, عن أنس مرفوعًا: «من رفعَ يديه في الرُّكوع فلا صَلاةَ لهُ».
ومن المُخَالف للعقل ما رواه ابن الجَوْزي(643) من طريق عبد الرَّحمن بن زيد بن أسْلم, عن أبيه, عن جدِّه مرفوعًا: أنَّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا, وصلَّت عند المُقَام ركعتين.
وأسند من طريق محمَّد بن شُجَاع البَلْخي, عن حسَّان بن هِلال, عن حمَّاد بن سَلَمة, عن أبي المُهزم, عن أبي هُرَيْرة مرفوعًا: إنَّ الله خلق الفرس فأجراهَا فعرقت, فخلق نفسه منها(644).
هذا لا يضعهُ مُسْلم, بل ولا عاقل, والمتَّهم به محمَّد بن شُجَاع, كان زائغًا في دينه, وفيه أبو المُهزم, قال شُعبة: رأيتهُ ولو أُعطي دِرْهمًا وضع خمسين حديثًا.(1/155)
6- دواعي الوضع وأصناف الوضاعين :
التقرب إلى الله تعالى : بوضع أحاديث ترغب الناس في الخيرات،وأحاديث تخوفهم من فعل المنكرات،وهؤلاء الوضاعون قوم ينتسبون إلى الزهد والصلاح،وهم شر الوضاعين(1/156)
لأن الناس قَبِلَتْ موضوعاتهم ثقة بهم،ومن هؤلاء مَيْسَرَةُ بن عبد ربه،وروى ابن حبَّان في «الضعفاء» (1) عن ابن مهدي قال: قلتُ لميسرة بن عبد ربِّه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال وضعتها أُرغِّبُ النَّاس فيها. وكان غُلامًا جليلاً يتزهَّد, ويَهْجُر شهوات الدُّنيا, وغُلِّقت أسواقُ بغداد لموته, ومع ذلك كان يضع الحديث, وقيل له عند موته: حسن ظنَّك؟ قال: كيف لا, وقد وضعتُ في فَضْلِ عليِّ سبعينَ حديثًا. " (2)
__________
(1) -* انظر قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 118) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 219)
(2) - *وفي لسان الميزان [ جزء 6 - صفحة 138 ] برقم ( 480 ) ميسرة بن عبد ربه الفارسي ثم البصري التراس الاكال قال بن أبي حاتم ميسره بن عبد ربه هو التراس روى عن ليث بن أبي سليم وابن جريج وموسى بن عبيدة والأوزاعي وعنه شعيب بن حرب ويحيى بن غيلان وداود بن المحبر وجماعة قال محمد بن عيسى بن الطباع قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا كان له كذا قال وضعته ارغب الناس قال بن حبان كان ممن يروى الموضوعات عن الاثبات ويضع الحديث وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل وقال أبو داود أقر بوضع الحديث وقال الدارقطني متروك وقال أبو حاتم كان يفتعل الحديث روى في فضل قزوين والثغور وقال أبو زرعة وضع في فضل قزوين أربعين حديثا وكان يقول انى احتسب في ذلك وقال البخاري ميسرة بن عبد ربه يرمى بالكذب داود بن المحبر حدثنا ميسرة بن عبد ربه عن موسى بن عبيدة عن الزهرى عن أنس رضي الله عنه مرفوعا من كانت له سجية من عقل وغريزة يقين لم تضره ذنوبه قيل وكيف ذاك يا رسول الله قال لأنه كلما أخطأ لم يلبث ان يتوب وقال بن حبان روى ميسرة عن عمر بن سليمان الدمشقي عن الضحاك عن بن عباس رضي الله عنهما مرفوعا لما أسرى بي الى السماء الدنيا رأيت فيها ديكا له زغب اخضر وريش أبيض ورجلاه في التخوم ورأسه عند العرش وذكر حديثا طويلا في المعراج نحو عشرين ورقة رواه حميد بن زنجويه عن محمد بن أبي خداش الموصلي عن معلى بن قتيبة عن ميسرة بن عبد ربه فذكره واما الاكال فان كان بن عبد ربه المذكور فيروى عن غلام خليل وهو متهم حدثنا زيد بن أرقم ثنا مسلم بن إبراهيم قال قلت لميسرة التراس أيش اكلت اليوم قال أربعة آلاف تينة ومائة رغيف وقوصرتين بصل ومسلوخ ونصف جرة سمن فما ابقوا شيئا حتى خبأوه منى وقال الأصمعي قال لي الرشيد كم أكثر شيء أكله ميسرة قلت مائة رغيف ونصف مكوك ملح فدعا بفيل فطرح له مائة رغيف فاكلها الا رغيفا وذكرت بإسناد في تاريخى الكبير ان بعض المجان انزلوه عن حماره ثم ذبحوه وشووه واطعموه إياه على أنه كبش ثم جمعوا له ثمن الحمار وقال الأصمعي نذرت امرأة ان تشبع ميسرة فاتته وقالت اقتصد فكان الذي اشبعه كفاية سبعين نفسا وقيل انه ان يزوق السقوف فطلبه رجل يزوق داره ثم دعا الرجل ثلاثين رجلا وصنع لهم طبائخ فلما فرغ الطباخ خرج لحاجة فرأى ميسرة خلوة فنزل فاكل الطعام جميعه وعاد الى عمله فجاء الطباخ وليس في المطبخ سوى العظام فاعلم صاحب الدار وقد حضر الناس فحار ولم يدر من أين اتى وأنكره القوم فصدقهم فنهضوا وعاينوا العظام فتحيروا وقيل هذا من فعل الجن فلمح رجل منهم ميسرة وكان يعرفه فقال وعندك ميسرة هو الدي افنى طعامك فانزلوه فاعترف وقال لو كان لي مثله لاكلته فان شئتم فجربوا وقال الدينوري في المجالسة حدثنا بن ديزيل ثنا مسلم بن إبراهيم قال سمعتهم يقولون لميسرة الاكول كم تأكل قال من مالي أو من مال الغير قالوا من مالك قال رغيفين قيل فمن مال غيرك قال اخبز واطرح انتهى والذي يتبادر الى ذهنى ان الاكال غيره فان بن عبد ربه قد وصفه جماعة بالزهد وضعفوه واما الاكال فكان ما جنا قال النسائي في التمييز ميسرة بن عبد ربه كذاب وقال الخطيب روى عنه شعيب بن حرب خطبة الوداع وداود بن المحبر أحاديث باطلة في كتاب العقل وذكره العقيلي في الضعفاء وذكره له حديث من كانت له سجية من عقل قال وروى داود بن المحبر أحاديث العقل وقال الحاكم يروى عن قوم من المجهولين الموضوعات وهو ساقط وقال أبو نعيم يروى الأباطيل وقال مسلمة بن قاسم كذاب روى أحاديث منكرة وكان ينتحل الزهد والعبادة فإذا جاء الحديث جاء شيء آخر(1/157)
الانتصار للمذهب : لا سيما مذاهب الفرق السياسية بعد ظهور الفتنة وظهور الفرق السياسية كالخوارج والشيعة،فقد وضعت كل فرقة من الأحاديث ما يؤيد مذهبها،كحديث " علىُّ خير البشر،من شكَّ فيه كفر " (1)
الطعنُ في الإسلام : وهؤلاء قوم من الزنادقة لم يستطيعوا أن يَكيدوا للإسلام جهاراً،فعمدوا إلى هذا الطريق الخبيث،فوضعوا جملة من الأحاديث بقصد تشويه الإسلام والطعن فيه،ومن هؤلاء محمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة،قال الحاكم: وكمحمَّد بن سعيد الشَّامي, المَصْلُوب في الزَّندقة, فروى عن حميد, عن أنس مرفوعًا: أنَا خاتم النَّبيين لا نبي بعدي إلاَّ أن يشاء الله . وضع هذا الاستثناء لمَا كانَ يدعُو إليه من الإلحاد والزَّندقة, والدَّعوة إلى التنبي." (2)
ولقد بين جهابذة الحديث أمر هذه الأحاديث ولله الحمد والمنة .
التَّزَلُّفُ إلى الحكام : أي تقرب بعض ضعفاء الإيمان إلى بعض الحكام بوضع أحاديث تناسب ما عليه الحكام من الانحراف،مثل قصة غياث بن إبراهيم النَّخَعي (3) الكوفي مع
__________
(1) -* الموضوعات - (ج 1 / ص 348) واحاديث لا تصح - (ج 1 / ص 2) والفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 165) واللآلي المصنوعة - (ج 1 / ص 27) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 50) وتلخيص كتاب الموضوعات للذهبي - (ج 1 / ص 115)
(2) -* الموضوعات - (ج 1 / ص 279) وأحاديث لا تصح - (ج 1 / ص 2) والفوائد المجموعة للشوكاني بتحقيق المعلمي - (ج 1 / ص 147) واللآلي المصنوعة - (ج 1 / ص 243) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 321) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 220)
(3) - * وفي لسان الميزان [ جزء 4 - صفحة 422 ] برقم (1296 ) غياث بن إبراهيم النخعي عن الأعمش وغيره قال احمد ترك الناس حديثه وروى عباس عن يحيى ليس بثقة وقال الجوزجاني كان فيما سمعت غير واحد يقول يضع الحديث وقال الخاري تركوه يكنى أبا عبد الرحمن يعد في الكوفيين قلت روى عنه بقية ومحمد بن حمران ومحمد بن خالد الحنظلي وبهلول بن حسان وعلي بن الجعد وهو الذي ذكر أبو خيثمة انه حدث المهدي بخبر لا سبق الا في نصل أو حافر زاد فيه أو جناح فوصله ولما قام قال اشهد ان قفاك قفا كذاب انتهى وقال الآجري سألت أبا داود فقال كذاب وقال مرة ليس بثقة ولا مأمون وقال يحيى بن معين مرة كذاب خبيث وقال الساجي تركوه وقال صالح جزرة كان يضع الحديث وروى عن غياث قال كان يكون الحديث الحسن عند الشيخ الذي لا يجوز حديثه فأتى بالشيخ الى الأعمش فيسمع الحديث فأرويه عن الأعمش واخرج الشيخ سمعه خليفة بن موسى منه وقال أبو احمد الحاكم متروك الحديث وقال النسائي في الجرح والتعديل ليس بثقة ولا يكتب حديثه وقال بن عدي بين الأمر في الضعف وأحاديثه كلها شبه الموضوع وذكره العقيلي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء(1/158)
أمير المؤمنين المهدي،حين دخل عليه وهو يلعب بالحَمَام،حيثُ وضع للمهدي في حديث: «لا سَبْق إلاَّ في نَصْلٍ أو خُفِّ أو حَافرٍ». فزادَ فيه: أو جناح. وكان المهدي إذ ذاكَ يلعبُ بالحَمَام, فتركهَا بعد ذلك وأمر بذبحها وقال: أنَا حملتهُ على ذلكَ, وذكرَ أنَّه لمَّا قام قال: أشهدُ أن قفاكَ قفا كذاب. أسندهُ الحاكم.. (1)
التكسب وطلب الرزق : كبعض القُصَّاص الذين يتكسبون بالتحدث إلى الناس،فيوردون بعض القصص المسلية والعجيبة حتى يستمع إليهم الناس ويعطوهم،كأبي سعيد المدائني . (2)
وضربٌ امتُحنُوا بأولادهم, أو ربائب, أو ورَّاقين, فوضعوا لهم أحاديث, ودَسُّوها عليهم, فحدَّثُوا بها من غير أن يَشْعرُوا, كعبد الله بن محمَّد بن ربيعة القدامي, وكحمَّاد بن سلمة ابْتُلى بربيبه ابن أبي العَوْجَاء فكان يَدُس في كُتبه, وكمَعْمر, كان له ابن أخ رافضي, فدسَّ في كُتبه حديثًا عن الزُّهْري, عن عُبيد الله بن عبد الله, عن ابن عبَّاس قال: نَظَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علي فقال: أنتَ سيِّدٌ في الدُّنيا سيِّدٌ في الآخرة, ومن أحبَّكَ فقد أحبَّني,
__________
(1) -* الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للكهنوي - (ج 1 / ص 16) واللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 390) وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 15) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 113) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 243) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 221)
(2) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 221)(1/159)
وحبيبي حبيبُ الله, وعدوكَ عدوي, وعدوي عدو الله, والويل لمن أبغضكَ بعدي. فحدَّث به عبد الرزاق, عن مَعْمر, وهو باطل موضوع كما قالهُ ابن معين. (1)
وضربٌ يلجأون إلى إقامة دليل على ما أفتُوا به بآرائهم, فيضعون, وقيل: إنَّ الحافظ أبا الخطَّاب بن دحية كان يفعل ذلك, وكأنَّه الَّذي وضع الحديث في قصر المغرب.
وضربٌ يَقْلبونَ سند الحديث ليُسْتغرب, فيُرغب في سماعه منهم, كابن أبي حيَّة, وحَمَّاد النَّصيبي, والبهلُول بن عُبيد, وأصْرم بن حوشب.
وضربٌ دعتهم حاجة إليه فوضعُوه في الوقت كما تقدَّم عن سعد بن طريف, ومحمَّد بن عُكاشة, ومأمون الهروي. (2)
7- مذهبُ الكَرَّامِِِيَّة في وضع الحديث :
زعمت فرقة من المبتدعة سُمُّوا بالكرامية جواز وضع الأحاديث في باب الترغيب والترهيب فقط،واستدلوا على ذلك بما رُوي في بعض طرق حديث " من كذب على متعمداً " من زيادة جملة " ليضل الناس " ولكن هذه الزيادة لم تثبت عند حفاظ الحديث . (3)
وقال بعضهم " نحن نكذب له لا عليه " وهذا استدلال في غاية السخف،فان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحتاج شرعه إلى كذابين ليروجوه .
وهذا الزعم خلاف إجماع المسلمين،حتى بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فجزم بتكفير واضع الحديث .
8- خطأ بعض المفسرين في ذكر الأحاديث الموضوعة :
لقد أخطأ بعض المفسرين في ذكرهم أحاديث موضوعة في تفاسيرهم من غير بيان وضعها،لا سيما الحديث المروي عن أُبَيّ بن كعب في فضائل القرآن سورة سورة،ومن هؤلاء المفسرين : الثعلبي. الواحدي . الزمخشري . البيضاوي.الشوكاني .
__________
(1) -* تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 398) والعلل المتناهية - (ج 1 / ص 222) ومجمع الزوائد - (ج 9 / ص 180) برقم (14760)
(2) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 222)
(3) -* الموضوعات - (ج 1 / ص 96و97 ) والسلسلة الضعيفة - (ج 3 / ص 10) برقم (1011 )(1/160)
9-أشهر المصنفات فيه :
أ) كتاب الموضوعات : لابن الجوزي،وهو من أقدم ما صنف في هذا الفن،لكنه متساهل في الحكم على الحديث بالوضع،لذا انتقده العلماء وتعقبوه .
ب) اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة : للسيوطي،هو اختصار لكتاب ابن الجوزي وتعقيب عليه،وزيادات لم يذكرها ابن الجوزي .
ج) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة : لابن عراق الكناني،وهو كتاب تلخيص لسابقيه،وهو كتاب حافل مهذب مفيد .
==============
المَتْروكُ (1)
إذا كان سبب الطعن في الراوي هو التهمة بالكذب ـ وهو السبب الثاني ـ سمي حديثه المتروك .
1- تعريفه:
أ) لغة : اسم مفعول من " التَّركِ " وتسمي العرب البيضة بعد أن يخرج منها الفرخ "التَّرِيكة" أي متروكة لا فائدة منها . (2)
ب) اصطلاحاً : هو الحديث الذي في إسناده راو متهم بالكذب .
2- أسباب اتهام الراوي بالكذب أحد أمرين وهما:
أ) أن لا يُروي ذلك الحديث إلا من جهته،ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة (3)
ب) أن يُعْرَف بالكذب في كلامه العادي،لكن لم يظهر منه الكذب في الحديث النبوي .
3- مثاله:
__________
(1) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 179) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 22) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 12) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 453)
(2) - انظر القاموس جـ 3 - ص 306
(3) - القواعد العامة: هي القواعد العامة التي استنبطها العلماء من مجموع نصوص عامة صحيحة مثل قاعدة" الأصل براءة الذمة"(1/161)
حديث عمرو بن شَمِر الجُعْفي الكوفي الشيعي ،عن جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار قالا : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر،ويكبر يوم عرفة من صلاة الغَداة،ويقطع صلاة العصر آخر أيام التشريق "
وقد قال النسائي والدارقطني وغيرهما عن عمرو بن شَمِر (1) : " متروك الحديث" (2) .
4- رتبته :
مر بنا أن شر الضعيف الموضوع،ويليه المتروك،ثم المنكر ثم المعلل،ثم المدرج،ثم المقلوب،ثم المضطرب،كذا رتبه الحافظ ابن حجر. (3)
==============
المنكَرُ (4)
إذا كان سببُ الطعن في الراوي فحشَ الغلط أو كثرةَ الغفلة أو الفسق ـ وهو السبب الثالث والرابع والخامس ـ فحديثه يسمَّى المنكر .
1- تعريفه:
أ) لغة : هو اسم مفعول من " الإنكار " ضد الإقرار .
ب) اصطلاحاً: عرف علماء الحديث المنكر بتعريفات متعددة أشهرها تعريفان وهما:
__________
(1) -* وفي الجرح والتعديل [ جزء 6 - صفحة 239 ]برقم (1324 ) عمرو بن شمر الجعفي أبو عبد الله روى عن عمران بن مسلم والسدي وجابر الجعفي روى عنه احمد بن يونس سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهيم نا عمرو بن على ان عمرو بن شمر منكر الحديث حدث بأحاديث منكرة نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن شمر ليس ثقة نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن عمرو بن شمر فقال منكر الحديث جدا ضعيف الحديث لا يشتغل به تركوه نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن عمرو بن شمر فقال ضعيف الحديث
(2) - ميزان الاعتدال ـ3 ـ ص 268.
(3) - انظر التدريب جـ1 ـ ص 295 والنخبة وشرحها ص 46 وما بعدها .
(4) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 14) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 8) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 90) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 189) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 177)(1/162)
1- هو الحديث الذي في إسناده راو فَحُشَ غلطُه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه .
وهذا التعريف ذكره الحافظ ابن حجر ونسبه لغيره (1)
ومشى على هذا التعريف البيقوني في منظومته فقال :
ومنكر الفرد به راو غدا ... تعديله لا يحمل التفردا
2-هو ما رواه الضعيف مخالفاً لما رواه الثقة. (2)
وهذا التعريف هو الذي ذكره الحافظ ابن حجر واعتمده،وفيه زيادة على التعريف الأول وهي قيد مخالفة الضعيف لما رواه الثقة .
2-الفرق بينه وبين الشاذ :
أ) أن الشاذ ما رواه المقبول (3) مخالفاً لمن هو أولى منه.
ب) أن المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة.
فيُعْلَم من هذا أنهما يشتركان في اشتراط المخالفة ويفترقان في أن الشاذ رَاوِيْه مقبول،والمنكر راويه ضعيف . قال ابن حجر : " وقد غفل من سَوَّى بينهما " (4) .
3- مثاله:
أ) مثال للتعريف الأول: ما رواه ابن ماجه من طريق يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ كُلُوا الْخَلَقَ بِالْجَدِيدِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغْضَبُ وَيَقُولُ بَقِىَ ابْنُ آدَمَ حَتَّى أَكَلَ الْخَلَقَ بِالْجَدِيدِ ». (5)
__________
(1) - انظر النخبة وشرحها ص 47 .
(2) - *فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 190) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 338)
(3) - المراد بالمقبول هنا ما يشمل راوي الصحيح وراوي الحسن ( أي العدل التام الضبط ـ أو العدل الذي خف ضبطه ).
(4) - انظر النخبة وشرحها ص 37 ويعني بقوله هذا ابن الصلاح، فقد سوى بين الشاذ والمنكر في " علوم الحديث " ص 72 إذ قال " المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه "
(5) - *برقم (3455 )والسنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 4 / ص 361)برقم (6690)(1/163)
قال النسائي : " هذا حديث منكر،تفرد به أبو زُكَيْر وهو شيخ صالح،أخرجه له مسلم في المتابعات،غير أنه لم يبلغ مبلغ من يُحْتَمَل تَفَرُّدُهُ " (1)
مثال للتعريف الثاني : ما رواه المعجم الكبير للطبراني (2) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ , وَمُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ , قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُثْمَانَ بن أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي , قَالا: حَدَّثَنَا حُبَيِّبِ بن حَبِيبٍ أَخُو حَمْزَةَ الزَّيَّاتُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْعَيْزَارِ بن حُرَيْثٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ أَقَامَ الصَّلاةَ , وَآتَى الزَّكَاةَ , وَحَجَّ الْبَيْتَ , وَصَامَ رَمَضَانَ , وَقَرَى الضَّيْفَ دَخَلَ الْجَنَّةَ..
قال أبو حاتم : " هو منكر لأن غيره من الثقات رواه عن أبي اسحق موقوفاً،وهو المعروف" (3)
4- رتبته :
يتبين من تعريفي المنكر المذكورين آنفاً أن المنكر من أنواع الضعيف جداً ؛ لأنه إما راويه ضعيف موصوف بفحش الغلط أو كثرة الغفلة أو الفسق،وإما راويه ضعيف مخالف في روايته تلك لرواية الثقة،وكلا القسمين فيه ضعف شديد،لذلك مر بنا في بحث " المتروك " أن المنكر يأتي في شدة الضعف بعد مرتبة المتروك .
=================
المَعْروفُ (4)
__________
(1) - التدريب جـ1 ـ ص 240
(2) -* (ج 10 / ص 283) برقم (12524 )
(3) - *كما في مصنف عبد الرزاق مشكل - (ج 9 / ص 16) برقم (20530)عَنْ مَعْمَرٍ عن أبي إسحاق عن العيزار أَنَّ ابْنَ عباس أتاه الأعراب فقالوا إنا نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونحج البيت ونصوم رمضان وإن ناسا من المهاجرين يقولون لسنا على شيء فقال ابن عباس من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج البيت وصام رمضان وقرى الضيف دخل الجنة
(4) - لم يذكر المعروف هنا لأنه من أنواع المردود ، وإنما ذكر هنا لمناسبة قسيمه " المنكر " هذا و "المعروف " من أقسام المقبول الذي يحتج به كما هو معروف .(1/164)
1- تعريفه:
أ) لغة: هو اسم مفعول من " عَرَفَ "
ب) اصطلاحاً : ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الضعيف فهو بهذا المعنى مقابل للمنكر،أو بتعبير أدق،هو مقابل لتعريف المنكر الذي اعتمده الحافظ ابن حجر .
2- مثاله:
أما مثاله فهو المثال الثاني الذي مر في نوع المنكر،لكن من طريق الثقات الذين رووه موقوفاً على ابن عباس . لأن ابن أبي حاتم قال : ـ بعد أن ساق حديث حُبَيِّب المرفوع ـ " هو منكر،لأن غيره من الثقات رواه عن أبي اسحق موقوفاً،وهو المعروف ".
=================
المعلَّلُ (1)
إذا كان سبب الطعن في الراوي هو " الوهم " فحديثه يسمَّى المعلل وهو السبب السادس
1- تعريفه:
أ) لغة : اسم مفعول من " أَعَلَّهُ " بكذا فهو " مُعَلٌّ " وهو القياس الصرفي المشهور،وهو اللغة الفصيحة،لكن التعبير بـ " المعلل " من أهل الحديث جاء على غير المشهور في اللغة، (2) ومن المحدثين من عبر عنه بـ " المعلول " وهو ضعيف مرذول عند أهل العربية واللغة . (3)
ب) اصطلاحاً: هو الحديث الذي اُطُّلِعَ فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها.
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 91) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 3) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 209) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 28) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 189) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 459)
(2) -لأن المعلل اسم مفعول من " علله " بمعنى ألهاه ، ومنه تعليل الأم ولدها .
(3) - لأن اسم المفعول من الرباعي لا يكون على وزن مفعول، وانظر علوم الحديث ص 81(1/165)
2- تعريف العلة:
هي سبب غامض خفي قادح في صحة الحديث . فيؤخذ من تعريف العلة هذا أن العلة عند علماء الحديث لا بد أن يتحقق فيها شرطان وهما.
الغموض والخفاء.
والقدح في صحة الحديث .
فان اختل واحد منهماـ كأن تكون العلة ظاهرة أو غير قادحةـ فلا تسمَّى عندئذ علة اصطلاحاً.
3-قد تطلق العلة على غير معناها الاصطلاحي:
إن ما ذكرته من تعريف العلة في الفقرة السابقة هو المراد بالعلة في اصطلاح المحدثين لكن قد يطلقون العلة أحياناً على أي طعن موجه للحديث وإن لم يكن هذا الطعن خفياً أو قادحاً :
فمن النوع الأول: التعليل بكذب الراوي،أو غفلته،أو سوء حفظه،أو نحو ذلك. حتى لقد سَّمى الترمذي النسخ علة .
ومن النوع الثاني: التعليل بمخالفة لا تقدح في صحة الحديث،كإرسال ما وصله الثقة،وبناء على ذلك قال بعضهم: من الحديث الصحيح ما هو صحيح معلل. (1)
4- جلالته ودقته ومن يتمكن منه :
__________
(1) - *وقائل ذلك أبو يَعْلى الخليلي في «الإرْشَاد».
ومثَّل الصَّحيح المُعلَّل بحديث مالك: «للمَمْلوك طَعَامه...». السَّابق في نوع المُعضل, فإنَّه أورده في «الموطأ» مُعضلاً, ورواه عنه إبراهيم بن طَهْمان والنُّعمان بن عبد السَّلام موصولاً.
قال: فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحًا يُعتمد عليه.
قيلَ: وذلكَ عكس المُعلَّل, فإنَّه ما ظاهره السَّلامة فاطُّلع فيه بعد الفحص على قادح, وهذا كان ظاهره الإعْلال بالإعْضَال, فلمَّا فُتش تبين وصله.
التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 196) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 252)(1/166)
معرفة علل الحديث من أجلَّ علوم الحديث وأدقها،لأنه يحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية التي لا تظهر إلا للجهابذة في علوم الحديث،وإنما يتمكن منه ويقوى على معرفته أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب،ولهذا لم يَخُضْ غماره إلا القليل من الأئمة كابن المديني وأحمد والبخاري وأبي حاتم والدارقطني.
5- إلى أي إسناد يتطرق التعليل ؟
يتطرق التعليل إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهراً،لأن الحديث الضعيف لا يحتاج إلى البحث عن علله إذ أنه مردود لا يعمل به .
6- بِمَ يُسْتَعان على إدراك العلة ؟
يُستعان على إدراك العلة بأمور منها :
تفرُّد الراوي .
مخالفة غيره له .
قرائن أخرى تنضم إلى ما تقدم في الفقرتين ( أ،ب ) .
هذه الأمور تنبه المعارف بهذا الفن على وهم وقع من راوي الحديث،إما بكشف إرسال في حديث رواه موصولاً أو وقف في حديث رواه مرفوعاً أو إدخاله حديثاً في حديث أو غير ذلك من الأوهام،بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث.
7- ما هو الطريق إلى معرفة المُعَلَّل ؟
الطريق إلى معرفته هو جمع طرق الحديث،والنظر في اختلاف رواته،والموازنة بين ضبطهم وإتقانهم،ثم الحكم على الرواية المعلولة.
8- أين تقع العلة ؟
أ) تقع في الإسناد ـ وهو الأكثر ـ كالتعليل بالوقف (1) والإرسال (2) .
__________
(1) - * كما في سنن أبى داود(65 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لاَ يَنْجُسُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ :حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَفَهُ عَنْ عَاصِمٍ.(صحيح)
القلة : الجرة العظيمة
وكما في سنن أبى داود (703 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ شُعْبَةُ - قَالَ :« يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَفَهُ سَعِيدٌ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
(2) - * كما في سنن أبى داود (1839 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ أَبِى عَرُوبَةَ أَرْسَلَهُ يَعْنِى عَنْ قَتَادَةَ.(صحيح)(1/167)
ب) وتقع في المتن ـ وهو الأقل ـ مثل حديث نفي قراءة البسملة في الصلاة (1) .
9- هل العلة في الإسناد تقدح في المتن ؟
أ) قد تقدح في المتن مع قدحها في الإسناد،وذلك مثل التعليل بالإرسال (2) .
__________
(1) -* ففي مصنف ابن أبي شيبة (4145) عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وفي صحيح مسلم (916 )عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
وفي صحيح البخارى (743 ) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضى الله عنهما - كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
وفي مسند أبي عوانة(1312 )حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ: بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ وَلا فِي آخِرِهَا، حَدَّثَنا سَعْدٌ قَاضِي بَيْرُوتَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ، إِلَى قَوْلِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(2) - * كأن يروى موصولا بإسناد ضعيف ومرسلا بإسناد أقوى كما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 322)(15292) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الرُّوذْبَارِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ ».
15293- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالُوَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الرُّوذْبَارِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا مُعَرِّفٌ عَنْ مُحَارِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ ». هَذَا حَدِيثُ أَبِى دَاوُدَ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْصُولاً وَلاَ أُرَاهُ حَفِظَهُ.
وفي علل الحديث لابن ابي حاتم (1297) وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ ، عَنِ الْوَضَّاحِ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللهِ الطَّلاقُ
|وَرَوَاهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ ، عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، مِثْلَهُ
|قَالَ أَبِي : إِنَّمَا هُوَ مُحَارِبٌ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلٌ(1/168)
ب) وقد تقدح في الإسناد خاصة،ويكون المتن صحيحاً مثل حديث يَعْلَى بن عُبَيْد،عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً " الَبَيِّعَان بالخِيار " فقد وهم يَعْلَى على سفيان الثوري في قوله " عمرو بن دينار " إنما هو عبدالله بن دينار (1) ،فهذا المتن صحيح،وان كان في الإسناد علة الغَلَط،لأن كُلّاً من عمرو وعبد الله بن دينار ثقة . فإبدال ثقة بثقة لا يضر صحة المتن،وان كان سياق الإسناد خطأ . (2)
__________
(1) - * كما في صحيح البخارى (2109 ) حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ » .
وفي سنن النسائى (4497 ) أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ ».
وفي مسند أحمد (4666) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعَ خِيَارٍ ».
وانظر :مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 17) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 191و192) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 455)
(2) - *ومثالُ العِلَّة في المَتْن: ما انفردَ به مسلم في «صحيحه»(564) من رِوَاية الوليد بن مسلم, حدَّثنا الأوزاعي, عن قتادة: أنَّه كتب إليه يُخبرهُ عن أنس بن مالك, أنَّه حدَّثه قال: صليتُ خلفَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بَكْر وعُمر وعُثمان, فكَانُوا يَسْتفتحون بالحمدِ لله ربِّ العالمين, لا يذكُرون بِسْم الله الرَّحمن الرحيم في أوَّل قِرَاءةٍ ولا في آخرها.
ثمَّ رواه(565) من رِوَاية الوليد عن الأوزاعي: أخبرني إسْحَاق بن عبد الله بن أبي طلحة, أنَّه سمع أنسا يذكر ذلك.
وروى مالك في «المُوطأ»(566) عن حُميد, عن أنس قال: صلَّيتُ وراء أبي بَكْر وعُمر وعُثمان, فكُلهم كان لا يَقْرأ بِسْم الله الرَّحمن الرَّحيم.
وزاد فيه الوليد بن مُسلم عن مالك: صَلَّيتُ خلفَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا الحديث مَعْلُول, أعلَّهُ الحفَّاظ بوجُوه جمعتها وحررتها في المجلس الرَّابع والعشرين من الأمالي بما لم أُسْبق إليه, وأنا ألخصها هنا:
فأمَّا رواية حُميد, فأعلَّها الشَّافعي(567) بمُخالفة الحُفَّاظ مالكًا, فقال في «سنن» حرملة, فيما نقله عن البَيْهقي: فإن قال قائل: قد رَوَى مالك... فذكرهُ, قيل له: خالفهُ سُفيان بن عُيينة, والفَزَاري, والثَّقفي, وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية متفقين مُخَالفين له, والعدد الكثير أوْلَى بالحفظ من واحد, ثمَّ رجَّح روايتهم بما رواه عن سُفيان, عن أيُّوب, عن قتادة, عن أنس قال: كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعُمر يَفْتَتحُونَ القِرَاءة بالحمد لله ربِّ العَالمين.
قال الشَّافعي(568): يعني يبدؤون بقرأة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها, ولا يعني أنَّهم يتركُون بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
قال الدَّارقُطْني(569): وهذا هو المحفُوظ عن قتادة وغيره عن أنس.
قال البَيْهقي: وكذا رواه عن قتادة أكثر أصْحَابه, كأيُّوب, وشُعبة, والدَّستوائي وشَيْبان بن عبد الرَّحمن, وسعيد بن أبي عَرُوبة, وأبي عَوَانة وغيرهم.
قال ابن عبد البر: فهؤلاء حُفَّاظ أصْحَاب قتادة, وليس في روايتهم لهذا الحديث ما يُوجب سُقوط البَسْملة, وهذا هو اللفظ المُتفق عليه في «الصَّحيحين» وهو رِوَاية الأكثرين, ورواهُ كذلك أيضًا عن أنس ثابت البُنَاني, وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, وما أوله عليه, ورواه الشَّافعي مُصَرَّح به في رِوَاية الدَّارقُطْني(570) بسند صحيح: فكانوا يَسْتفتحُونَ بأمِّ القُرآن.
قال ابن عبد البر: ويقولُون: إنَّ أكثر رواية حُميد عن أنس إنَّما سمعها من قتادة وثابت عن أنس, ويُؤيد ذلك أنَّ ابن عدي صرَّح بذكر قتادة بينهما في هذا الحديث, فتبين انقطاعها ورجُوع الطريقين إلى واحدة.
وأمَّا رِوَاية الأوزاعي فأعَلَّها بعضهم بأنَّ الرَّاوي عنه وهو الوليد يُدلِّس تدليس التسوية, وإن كان قد صرَّح بسماعه من شيخه, وإن ثبت أنَّه لم يسقط بين الأوزاعي وقتادة أحد, فقتادة ولد أكمه, فلا بد أن يَكُون أمْلَى على من كتب إلى الأوزاعي, ولم يُسم هذا الكاتب فيُحتمل أن يكُون مجروحًا, أو غير ضابط, فلا تقوم به الحُجَّة مع ما في أصل الرِّواية بالكتابة من الخلاف, وأنَّ بعضهم يرى انقطاعها.
وقال ابن عبد البر: اختلف في ألفاظ هذا الحديث اختلافًا كثيرًا متدافعًا مضطربا:
منهم من يقول: صليتُ خلف رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعُمر.
ومنهم من يذكُر عُثمان.
ومنهم من يقتصر على أبي بكر وعُمر وعثمان.
ومنهم من لا يذكر: فكانوا لا يقرؤون بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
ومنهم من قال: فكانوا لا يَجْهرُون ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
ومنهم من قال: فكانوا يَجْهرُون ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
ومنهم من قال: فكانوا يفتتحون القِرَاءة بالحمد لله ربِّ العالمين.
ومنهم من قال: فكانوا يقرؤون بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
قال: وهذا اضطراب لا تَقُوم معه حُجَّة لأحد, ومِمَّا يدل على أنَّ أنسًا لم يُرد نفي البَسْملة, وأنَّ الذي زاد ذلكَ في آخر الحديث روى بالمعنى فأخطأ, ما صحَّ عنه أنَّ أبا مَسْلمة سألهُ: أكان رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بالحمد لله ربِّ العالمين, أو ببسم الله الرَّحمن الرحيم؟ فقال: إنَّك سألتني عن شيء ما أحفظهُ, وما سَألني عنه أحد قبلك. أخرجه أحمد وابن خزيمة(571) بسندٍ على شَرْط الشَّيخين.
وما قيلَ: من أنَّ من حفظ عنه حُجَّة على من سألهُ في حال نِسْيانه.
فقد أجاب أبو شَامة بأنَّهما مسألتان, فسُؤال أبي سلمة عن البَسْملة وتركها, وسُؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سُورة.
وقد وردَ من طريق آخر عنه: كان رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسر ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم. أخرجه الطبراني(572) من طريق مُعتمر بن سُليمان, عن أبيه, عن الحسن عنه.
وابن خزيمة(573) من طريق سُويد بن عبد العزيز, عن عمران القَصِير, عن الحسن عنه.
وورد من طريق آخر عن المعتمر بن سُليمان عن أبيه, عن أنس قال: كان رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم. رواه الدَّارقُطْني(574) والخطيب.
وأخرجه الحاكم (575) من جهة أُخرى عن المُعْتمر.
وقد ورد ثُبوت قراءتها في الصَّلاة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هُرَيْرة من طُرق عند الحاكم, وابن خزيمة, والنَّسائي, والدَّارقطني, والبيهقي, والخطيب(576).
وابن عبَّاس عند الترمذي والحاكم والبَيْهقي(577).
وعثمان, وعلي, وعمَّار بن ياسر, وجابر بن عبد الله, والنُّعْمَان بن بشير, وابن عُمر, والحكم بن عُمير, وعائشة, وأحاديثهم عند الدَّارقُطْني(578).
وسَمُرة بن جُنْدب, وأُبَي, وحديثهما عند البَيْهقي.
وبُرَيدة, ومُجَالد بن ثور, وبُسْر أو بِشْر بن معاوية, وحُسين بن عرفطة, وأحاديثهم عند الخطيب.
وأم سلمة عند الحاكم (579).
وجماعة من المهاجرين والأنصار عند الشَّافعي(580).
فقد بلغ ذلك مبلغ التواتر, وقد بيَّنا طُرق هذه الأحاديث كلها في كتاب «قطف الأزْهَار المُتناثرة في الأخبار المُتواترة» وتبين بما ذكرناهُ أنَّ لحديث مُسلم السَّابق تسع علل:
المُخَالفة من الحُفَّاظ والأكثرين. والانقطاع. وتدليس التَّسوية من الوليد. والكتابة. وجهالة الكاتب. والاضطراب في لفظه. والإدراج. وثُبوت ما يُخالفه عن صحابيه.
ومُخَالفته لما رواه عدد التواتر.المختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 191)(1/169)
10 - أشهر المصنفات فيه :
أ) كتاب العلل لابن المديني .
ب) علل الحديث لابن أبي حاتم (1) .
__________
(1) - * وهو مرتب على الأبواب الفقهية ، وعدد أحاديثه (2840) وهو عبارة عن أسئلة طرحها عليه ولدُه عبد الرحمن فأجابه عليها ، وفيه بعض الأسئلة موجهة لأبي زرعة الرازي .
وهذه الأحاديث المذكورة في كتابه تعتبر معلولة حسب علمه ومعرفته .
وأبو حاتم من المتشددين في الجرح والتعديل (1) ، وقد ذكر فيها بعض الصحيح الذي ذكره الأئمة الكبار.
وهو يتكلم على أسانيد كل حديث جرحاً وتعديلاً وقد يكون فيها علة في السند ، ولكنها غير قادحة في المتن فيبقى الحديث صحيحاً ، أو لاتقتضي تلك العلة ضعفه انظر الأحاديث رقم (1) و(2) و(3) (4) و(5) و(6) و(7) و(23) و(48) ..
وهناك أحاديث ضعفها أو استنكرها وهي صحيحة أو حسنة مثل الحديث (53) : (تحت كل شعرة جنابة...)
فقال : هذا منكر ، والحارث بن وجيه ضعيف الحديث ا هـ وقد صح مرسلاً ، انظر التلخيص الحبير 1/142 وسنن البيهقي 1/175 وعبدالرزاق (1002) .
والحديث رقم (70) رجح المرسل والصواب أنه صحيح مرفوع
والحديث رقم (79) قال عنه : مضطرب الإسناد وهو حديث صحيح في الصحيحين وغيرهما
والحديث رقم(80) أعله ، وهو حديث صحيح
والحديث رقم (88) رجح المرسل ، وقد صح مرفوعاً وموصولاً
والحديث رقم (105) قال عنه : هذا حديث منكر ... ا هـ وقد صحت القصة من طريق آخر
والحديث رقم (111) ضعفه ، والصواب أنه صحيح راجع أمكنة هذه الأحاديث من كتابنا ... فينبغي الانتباه أثناء النقل منه .
والكتاب مطبوع من غير تحقيق ، ويحتاج لتحقيق وتخريج لأحاديثه كلها .
-----------
(1) انظر قواعد في علوم الحديث 179(1/171)
ج) العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل .
د) العلل الكبير،والعلل الصغير،للترمذي .
هـ) العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني،وهو أجمعها وأوسعها . (1)
==================
المخالفةُ للِثقاتِ
إذا كان سبب الطعن في الراوي مخالفته للثقات ـ وهو السبب السابع ـ فينتج عن مخالفته للثقات خمسة أنواع من علوم الحديث،وهي : " المُدْرَج،والمَقْلوب،والمَزِيْد في متصل الأسانيد والمُضطَّرِب والمُصَحَّف "
فإن كانت المخالفة بتغيير سياق الإسناد أو بدمج موقوف بمرفوع فيسمَّى " المدْرَج ".
وإن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير فيسمَّى " المقلوب ".
__________
(1) - *قلت : ليس بالضرورة أن يكون الحديث الذي أورده هؤلاء العلماء في كتبهم أن يكون معلولا أو غير صحيح ، فهناك انفكاك بين المسألتين .(1/172)
وإن كانت المخالفة بزيادة راوٍ فيسمَّى " المزيد في متصل الأسانيد "
وإن كانت المخالفة بإبدال راو براو أو بحصول التدافع في المتن ولا مُرَجِّح فيسمَّى "المضْطَّرب "
وإن كانت المخالفة بتغيير اللفظ مع بقاء السياق فيسمَّى " المصَحَّف " (1)
وإليك تفصيل البحث فيها على التوالي :
المدْرَجُ (2)
1- تعريفه:
أ) لغة : اسم مفعول من " أدرجت " الشيء في الشيء،إذا أدخلته فيه وضمنته إياه
ب) اصطلاحاً: ما غير سياق إسناده،أو أدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل.
2- أقسامه:
المدرج قسمان،مُدْرَج الإسناد،ومٌدْرَج المتن.
مدرج الإسناد.
تعريفه:هو ما غير سياق إسناده.
من صوره : أن يسوق الراوي الإسناد،فيعرض له عارض،فيقول كلاماً من قبل نفسه،فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد،فيرويه عنه كذلك .
مثاله : قصة ثابت بن موسى الزاهد في روايته : « مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ » (3) . وأصل القصة أن ثابت بن موسى دخل على شريك بن عبدالله القاضي وهو يُمْلِي ويقول : " حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ....
__________
(1) -انظر النخبة وشرحها ص 48-49 .
(2) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 18) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 10) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 84) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 228) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 205)
(3) - *سنن ابن ماجه باب قيام الليل برقم (1394 )(1/173)
" وسكت ليكتب المُسْتَمْلِي (1) ،فلما نظر إلى ثابت قال : « مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ » وقصد بذلك ثابتاً لزهده وورعه،فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد،فكان يحدث به .
مدرج المتن :
تعريفه: ما أُدْخِلَ في متنه ما ليس منه بلا فَصْل.
أقسامه: ثلاثة وهي:
أن يكون الإدراج في أول الحديث،وهو القليل،لكنه أكثر من وقوعه في وسطه
أن يكون الإدراج في وسط الحديث،وهو أقل من الأول.
أن يكون الإدراج في آخر الحديث،وهو الغالب .
3- أمثلة له :
أ) مثال لوقوع الإدراج في أول الحديث : وسببه أن الراوي يقول كلاماً يريد أن يستدل عليه بالحديث فيأتي به بلا فصل،فيتوهم السامع أن الكل حديث،مثل " ما رواه الخطيب من رواية أبي قَطَن وشَبَابَةَ ـ فَرَّقَهُما ـ عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أَسْبِغوا الوضوء،ويل للأعقاب من النار " (2) فقوله :"أسبغوا الوضوء " مُدْرَج من كلام أبي هريرة كما بُيِّنَ في رواية البخاري حدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْمِطْهَرَةِ - قَالَ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ » (3) ..
__________
(1) - المستملي هو الذي يبلغ صوته المحدث إذا كثر الطلاب في المجلس .
(2) - *السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 1 / ص 69) برقم (324) ومسند البزار 1-14 - (ج 4 / ص 130) برقم (2362)عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بطوله
(3) - *برقم (165 ) ومسلم برقم (597 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 207) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 468)(1/174)
قال الخطيب : " وهم أبو قَطَنٍ وشَبَابَةٌ في روايتهما له عن شعبة على ما سقناه،وقد رواه الجَمُّ الغَفير عنه كرواية آدم " (1)
ب) مثال لوقوع الإدراج في وسط الحديث : حديث عائشة في بدء الوحي : " وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ " (2) فقوله : " وهو التعبد " مدرج من كلام الزهري .
ج) مثال لوقوع الإدراج في آخر الحديث : حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ،وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّى،لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ » . (3)
فقوله : " والذي نفسي بيده .... الخ " من كلام أبي هريرة،لأنه يستحيل أن يصدر ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - . لأنه لا يمكن أن يتمنى الرَّقَّ،ولأن أمه لم تكن موجودة حتى يَبَرَّها.
3- دواعي الإدراج:
دواعي الإدراج متعددة أشهرها ما يلي:
بيان حكم شرعي .
استنباط حكم شرعي من الحديث قبل أن يتم الحديث.
شرح لفظ غريب في الحديث .
4- كيف يُدْرَك الإدراج ؟
يُدَرك الإدراج بأمور منها :
وروده منفصلا في رواية أخرى .
التنصيص عليه من بعض الأئمة المطلعين .
إقرار الراوي نفسه أنه أدرج هذا الكلام .
استحالة كونه - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
__________
(1) -* تدريب الراوي جـ 1 ـ ص 270
(2) - *صحيح البخارى ـ باب بدء الوحي . برقم (3)
(3) -* صحيح البخارى 196/3برقم (2548 ) ومسلم برقم (4410 )(1/175)
5- حكم الإدراج :
الإدراج حرام بإجماع العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم،ويستثنى من ذلك ما كان لتفسير غريب،فإنه غير ممنوع،ولذلك فعله الزهري وغيره من الأئمة .
6- أشهر المصنفات فيه :
أ) " الفَصْلُ للوَصْل المُدْرَج في النَّقْل " للخطيب البغدادي.
ب) " تقريب المَنْهَج بترتيب المُدْرَج " لابن حجر،وهو تلخيص لكتاب الخطيب وزيادة عليه . (1)
__________
(1) - وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 205)
[النَّوع العِشْرون: المُدْرج].
[هو أقْسَامٌ: أحدُها: مُدرج في حديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , بأن يذكر الرَّاوي عقيبه كلامًا لنفسه, أو لغيره, فيرويه من بعده متصلاً] بالحديث من غير فصل [فيُتوهَّم أنَّه من] تتمة [الحديث] المرفوع, ويُدْرك ذلكَ بورُوده مُنفصلاً في رِوَاية أُخرى, أو بالتَّنصيص على ذلك من الرَّاوي, أو بعض الأئمة المُطَّلعين, أو باستحالة كونه - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك.
مثال ذلك ما رواهُ أبو داود: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيلي, حدَّثنا زُهَير, حدَّثنا الحسن بن الحُر, عن القاسم بن مُخَيْمِرة, قال: أخذَ علقمة بيدي, فحدَّثني أنَّ عبد الله بن مسعود أخذ بيده, وأنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذَ بيد عبد الله بن مَسْعُود فعلَّمنا التَّشهد في الصَّلاة... الحديث, وفيه: إذَا قُلتَ هذا, أو قضيتَ هذا, فقد قضيتَ صلاتكَ, إن شئتَ أن تَقُوم فَقُم, وإن شئتَ أن تَقْعُد فاقْعُد.
فقوله: إذا قُلت, إلى آخره وصلهُ زُهَير بن مُعَاوية بالحديث المرفُوع في رِوَاية أبي داود هذه, وفيما رواه عنه أكثر الرُّواة.
قال الحاكم : وذلك مُدْرج في الحديث من كلام ابن مَسْعود, وكذا قال البيهقي والخطيب.
وقال المُصنِّف في «الخُلاصة»: اتَّفقَ الحُفَّاظ على أنَّها مُدْرجة, وقد رواه شَبَابة بن سَوَّار, عن زُهير ففصله, فقال: قال عبد الله: إذا قُلت ذلك... إلى آخره, رواه الدَّارقُطْني وقال: شَبَابة ثقة, وقد فصل آخر الحديث وجعله من قول ابن مَسْعود, وهو أصح من رِوَاية من أدرجه. وقوله أشبه بالصَّواب, لأنَّ ابن ثوبان رواه عن الحسن كذلك, مع اتِّفَاق كُل من رَوَى التشهد عن عَلْقمة, وعن غيره عن ابن مَسْعُود, على ذلك.
وكذا ما أخرجهُ الشَّيخان من طريق ابن أبي عَرُوبة وجَرِير بن حازم, عن قَتَادة عن النَّضر بن أنس, عن بَشِير بن نَهِيك, عن أبي هُرَيْرة: «مَنْ أعْتقَ شِقْصًا...» وذكَرَا فيه الاسْتِسْعاء.
قال الدَّارقُطْني فيما انتقده على الشَّيخين: وقد رواهُ شُعبة وهِشَام وهُمَا أثبت النَّاس في قَتَادة, فلم يذكُرَا فيه الاستسعاء, ووافقهما همَّام وفصلَ الاستسعاء من الحديث, وجعله من قول قتادة.قال الدَّارقُطْني: وذلك أوْلَى بالصَّواب.
وكذا حديث ابن مَسْعود رفعهُ: «من مَاتَ لا يُشْرك بالله شيئًا دخلَ الجَنَّة, ومن ماتَ يُشْرك بالله شيئًا دخلَ النَّار». ففي رِوَاية أُخرى: قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة, وقلتُ أنا أُخرى, فذكرهما.
فأفادَ ذلكَ أنَّ إحدى الكلمتين من قَولِ ابن مسعُود, ثمَّ وردت رِوَايةٌ ثَالثة أفَادت أنَّ الكلمة الَّتي هي من قوله هي الثَّانية, وأكدَّ ذلك رِوَاية رابعة اقتُصِرَ فيها على الكلمة الأولى مُضَافة إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفي الصَّحيح عن أبي هُرَيْرة مرفُوعًا: «للعَبْد المَمْلُوكِ أجْران». والَّذي نفسي بيده لَوْلا الجِهَاد في سبيل الله, والحج, وبر أمِّي, لأحببتُ أن أموتَ وأنا مَمْلُوك.
فقوله: والَّذي نفسي بيده... إلخ من كلام أبي هُرَيْرة, لأنَّه يمتنع منه - صلى الله عليه وسلم - أن يتمنَّى الرِّق, ولأنَّ أمَّه لم تَكُن إذ ذاك موجُودة حتَّى يبرها.
تنبيه:
هذا القِسْم يُسمَّى مُدْرج المتن, ويُقابله مُدْرج الإسْنَاد, وكل منهما ثلاثة أنواع, اقتصرَ المُصَنِّف في الأوَّل على نوع واحد تبعًا لابن الصَّلاح, وأهمل نَوْعين, وأهملَ من الثَّاني نَوْعًا وهو عِنْد ابن الصَّلاح.
فأمَّا مُدْرج المتن, فتارة يَكُون في آخر الحديث كما ذكرهُ, وتارة في أوَّله, وتارة في وسطه, كما ذكرهُ الخَطِيب وغيره.
والغالب وقُوع الإدْراج آخر الخبر, ووقُوعه أوَّله أكثر من وسطه, لأنَّ الرَّاوي يقول كلامًا يُريد أن يَسْتدل عليه بالحديث, فيأتي به بلا فصل, فيُتوهَّم أن الكُل حديث.
مثاله: ما رواه الخطيب من رواية أبي قَطَن وشَبَابة, فرَّقهما عن شعبة, عن محمَّد بن زياد, عن أبي هُرَيْرة قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - «أسبغُوا الوضُوء, ويلٌ للأعْقَاب من النَّار».
فقوله: أسبغُوا الوضُوء, مُدْرج من قول أبي هُرَيْرة, كما بيَّن في رِوَاية البُخَاري عن آدم, عن شُعْبة, عن محمَّد بن زِيَاد, عن أبي هُرَيْرة قال: أسبغُوا الوضُوء, فإنَّ أبا القَاسم - صلى الله عليه وسلم - قال: «ويلٌ للأعْقَابِ من النَّار».
قال الخطيب: وهِمَ أبو قَطَن وشَبَابة في رِوَايتهما له عن شُعبة على ما سُقْناهُ, وقد رواهُ الجم الغَفِير عنه كرواية آدم.
ومِثَالُ المُدْرج في الوسط, والسَّبب فيه, إمَّا اسْتنباط الرَّاوي حُكمًا من الحديث قبل أن يتم فيُدْرجه, أو تفسير بعض الألفاظ الغريبة, ونحو ذلك.
فمن الأوَّل ما رواه الدَّارقُطْني في «السنن» من رِوَاية عبد الحميد بن جعفر, عن هِشَام بن عُروة, عن أبيه, عن بُسْرةَ بنت صَفْوان قالت: سمعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من مسَّ ذكرهُ, أو أُنْثييه, أو رفغيه فليتوضَّأ».
قال الدَّارقُطْني: كذا رواهُ عبد الحميد, عن هِشَام, ووهِمَ في ذِكْر الأُنثيين والرفغ, وإدْرَاجه لذلكَ في حديث بُسْرة, والمحفُوظ أنَّ ذلكَ قول عُروة, وكذا رواه الثِّقات عن هِشَام, منهم أيُّوب وحمَّاد بن زيد وغيرهما.
ثمَّ رواهُ من طريق أيُّوب بلفظ: «من مَسَّ ذكرهُ فليتوضَّأ». قال: وكان عُروة يَقُول: إذا مَسَّ رفغيه, أو أُنثييه, أو ذكرهُ فليتوضَّأ, وكذا قال الخطيب.
فعروة لمَّا فهم من لفظ الخبر أنَّ سبب نَقْض الوضُوء مظنَّة الشَّهوة, جعل حُكم ما قَرُب من الذَّكر كذلك, فقال ذلك, فظنَّ بعض الرُّواة أنَّه من صُلْب الخبر, فنقلهُ مُدْرجًا فيه, وفهِمَ الآخرون حقيقة الحال ففصلوا.
ومن الثاني حديث عائشة في بَدْء الوحي: كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يتحنَّث في غَارِ حِرَاء وهو التَّعبد اللَّيالي ذَوَات العدد.
فقوله: وهو التعبُّد, مُدْرج من قَوْل الزُّهْري.
وحديث فَضَالة : «أنا زَعِيمٌ - والزَّعيم الحَمِيل - ببيتٍ في رَبَضِ الجنَّة...» الحديث.
فقوله: والزَّعيم الحَميل مُدْرج من تفسير ابن وهب, وأمثلة ذلك كثيرة.
قال ابن دقيق العيد: والطَّريق إلى الحُكم بالإدراج في الأوَّل أو الأثناء صعب, لا سيمَا إن كان مُقدَّما على اللَّفظ المَرْوى, أو مَعْطُوفًا عليه بواو العطف.
والثَّاني: أن يَكُون عندهُ مَتْنانِ بإسْنَادين فيرويهمَا بأحدهمَا.
[والثَّاني: أن يَكُون عندهُ مَتْنان] مُختلفان [بإسْنَادين] مختلفين [فيرويهما بأحدهما] أو يروي أحدهما بإسناده الخاص به, ويزيد فيه من المَتْن الآخر ما ليسَ في الأوَّل, ومنهُ أن يَسْمع الحديث من شيخه, إلاَّ طرفًا منهُ, فإنَّه عندهُ بإسْنَاد آخر, فيرويه تامًّا بالإسْناد الأوَّل.
ومنهُ أن يَسْمع الحديث من شَيْخهِ, إلاَّ طَرَفًا منهُ, فيسمعهُ بواسطة عنه فيرويهُ تامًّا بحذفِ الواسطة.
وابن الصَّلاح ذكر هذين القِسْمين دُون ما ذكرهُ المُصنِّف, وكأنَّ المُصنِّف رأى دُخُولهما فيمَا ذكرهُ.
مثالُ ذلك حديث رواهُ سعيد بن أبي مريم, عن مالك , عن الزُّهْري, عن أنس أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَبَاغضُوا, ولا تَحَاسَدُوا, ولا تَدَابرُوا, ولا تَنَافَسُوا...» الحديث.
فقوله: ولا تنافَسُوا, مُدْرج, أدرجهُ ابن أبي مريم من حديث آخر لمالك , عن أبي الزِّناد, عن الأعرج, عن أبي هُرَيْرة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - : «إيَّاكم والظَّن, فإنَّ الظَّن أكْذَب الحديث, ولا تَجَسَّسوا, ولا تنافَسُوا, ولا تحاسَدُوا».
وكِلاَ الحديثين مُتَّفق عليه من طريق مالك, وليسَ في الأوَّل: ولا تنافَسُوا, وهي في الثاني, وهكذا الحديثان عند رُواة الموطأ.
قال الخطيب: وهِمَ فيها ابن أبي مَرْيم, عن مالك عن ابن شِهَاب, وإنَّما يَرْويها مالك في حديثه عن أبي الزِّناد.
وروى أبو داود من رِوَاية زائدة وشَريك فرَّقهما, والنَّسائي من رواية سُفيان بن عُيَينة, كلهم عن عاصم بن كُلَيب, عن أبيه, عن وائل بن حُجْر, في صِفَة صَلاةِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , قال فيه: ثمَّ جئتهم بعد ذلك في زمَانٍ فيه برد شديد, فرأيتُ النَّاس عليهم جل الثِّياب تحرك أيديهم تحت الثِّياب.
فقوله: ثُمَّ جئتهم, إلى آخره ليسَ هو بهذا الإسْنَاد, وإنَّما أُدْرج عليه, وهو من رِوَاية عَاصم, عن عبد الجبَّار بن وائل, عن بعض أهْلهِ, عن وائل.
وهكذا رواهُ مُبينًا: زُهَير بن مُعَاوية, وأبو بَدْر شُجَاع بن الوليد, فمَيَّزا قِصَّة تحريك الأيْدي وفَصَلاها من الحديث, وذكرا إسْنَادهما.
قال مُوسَى بن هارون الحَمَّال: وهُمَا أثبت مِمَّن روى رَفْع الأيدي تحت الثِّياب عن عاصم, عن أبيه, عن وائل.
الثَّالث: أن يَسْمع حَدِيثًا من جَمَاعة مُخْتلفين في إسْنَاده, أو مَتْنه, فيَرْويه عنهم باتِّفَاق.
[الثَّالث أن يَسْمع حديثًا من جماعة مُختلفين في إسْنَاده, أو متنه, فيَرويه عنهم باتِّفاق] ولا يُبين ما اختُلفَ فيه.
ولفظة المَتْن مزيدة هُنَا, كأنَّه أرادَ بها ما تقدَّم, من أن يَكُون المتن عندهُ بإسْناد, إلاَّ طرفًا منه, وقد تقدَّم مثاله.
ومثال اخْتلاف السَّند حديث التِّرمذي عن بُنْدار, عن ابن مَهْدي, عن سُفيان الثَّوري, عن واصل ومنصُور والأعْمَش, عن أبي وائل, عن عَمْرو بن شُرَحْبيل, عن عبد الله قال: قلتُ يا رَسُول الله أي الذَّنب أعْظم؟... الحديث.
فرِوَاية واصل هذه مُدْرجة على رِوَاية منصُور والأعْمش, لأنَّ واصلاً لا يَذْكُر فيه عَمْرًا, بل يجعلهُ عن أبي وائل, عن عبد الله, هكذا رواهُ شُعبة ومهدي بن ميمُون ومالك بن مِغْوَل وسعيد بن مَسْرُوق, عن واصل, كما ذكرهُ الخطيب.
وقد بَيَّن الإسْنادين معًا يحيى بن سعيد القَطَّان في رِوَايته عن سُفيان, وفصلَ أحدهما من الآخر, رواهُ البُخَاري في «صحيحه» عن عَمرو بن علي, عن يَحْيى, عن سُفيان, عن منصُور والأعْمَش, كلامهما عن أبي وائل, عن عَمرو, عن عبد الله. وعن سُفيان عن واصل, عن أبي وائل, عن عبد الله من غير ذكر عَمرو.
قال عَمرو بن علي: فذكرتهُ لعبد الرَّحمن, وكان حدَّثنا عن سُفيان, عن الأعمش ومنصُور وواصل, عن أبي وائل, عن عَمْرو, فقال: دعهُ.
قال العِرَاقي: لكن رواه النَّسائي , عن بُنْدار, عن ابن مهدي, عن سُفيان, عن واصل وحدهُ, عن أبي وائل, عن عَمرو, فزاد في السَّند عَمْرًا من غير ذكر أحد, وكأنَّ ابن مَهْدي لمَّا حَدَّث به عن سُفيان عن منصور والأعمش وواصل بإسْناد واحد, ظنَّ الرُّواة عن ابن مَهْدي اتِّفاق طُرقهم, فاقتصر على أحد شُيوخ سُفيان.
وكلُّهُ حرامٌ, وصَنَّف فيه الخَطيبُ كِتَابًا شَفَى وكَفَى.
[وكلُّه] أي: الإدراج بأقسامه [حرام] بإجماع أهل الحديث والفقه, وعبارة ابن السَّمعاني وغيره: من تعمَّد الإدْراج, فهو ساقط العَدَالة, ومِمَّن يُحرِّف الكَلِم عن مواضعه, وهو مُلحق بالكذَّابين.
وعندي: أنَّ ما أُدْرج لتفسير غريب لا يمنع, ولذلك فَعَلهُ الزُّهْري وغير واحد من الأئمة.
[وصنَّف فيه] أي: نوع المُدْرج [الخطيب كِتَابًا] سمَّاه «الفَصْل للوَصْل المُدْرج في النَّقل» [شفى وكفى] على ما فيه من إعْوَاز.
وقد لخَّصه شيخُ الإسْلام وزاد عليه قدرهُ مرَّتين أو أكثر في كِتَاب سمَّاه «تقريب المَنْهج بترتيب المُدْرج».(1/176)
المَقلوبُ (1)
1- تعريفه:
أ) لغة: هو اسم مفعول من " القَلْب " وهو تحويل الشيء عن وجهه (2)
ب) اصطلاحاً: إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه،بتقديم أو تأخير ونحوه.
2- أقسامه:
ينقسم المقلوب إلى قسمين رئيسيين هما:
مقلوب السند،ومقلوب المتن.
__________
(1) - * الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 10) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 92) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 257) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 226) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 16) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 475)
(2) - انظر القاموس جـ 1 ـ ص 123 .(1/179)
أ) مقلوب السند : وهو ما وقع الإبدال في سنده،وله صورتان .
1- أن يُقَدَّم الراوي ويؤخر في اسم أحد الرواة واسم أبيه،كحديث مروي عن " كعب بن مُرَّة " فيرويه الراوي عن " مُرَّة بن كعب " .
2- أن يُبْدِل الراوي شخصاً بآخر بقصد الإغراب : كحديث مشهور عن " سالم " فيجعله الراوي عن " نافع "
وممن كان يفعل ذلك من الرواة " حماد بن عمرو النصيبي " وهذا مثاله : حديث حَمَّادُ بن عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ،عَنِ الأَعْمَشِ،عَنْ أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِذَا لَقِيتُمُ الْمُشْرِكِينَ فِي الطَّرِيقِ فَلا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلامِ،وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا" (1) ،فهذا حديث مقلوب،قلبه حماد،فجعله عن الأعمش،وإنما هو معروف عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا لَقِيتُمُ الْمُشْرِكِينَ فِى الطَّرِيقِ فَلاَ تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلاَمِ وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا » (2) . .
وهذا النوع من القلب هو الذي يُطْلَق على راويه أنه يسرق الحديث .
ب) مقلوب المتن: وهو ما وقع الإبدال في متنه،وله صورتان أيضاً.
1- أن يُقَدَّم الراوي ويؤخر في بعض متن الحديث
ومثاله : حديث أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » (3) . فهذا مما انقلب على بعض الرواة وإنما هو : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ
__________
(1) - *المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 463) برقم (1108 )
(2) - *مسند أحمد برقم (11084) صحيح و فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 258) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 226)
(3) -* صحيح مسلم برقم (2427 )(1/180)
ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ اللَّهِ،وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ،وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ،وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » (1) . .
2- أن يَجعل الراوي متن هذا الحديث على إسناد آخر،ويجعل إسناده لمتن آخر،وذلك بقصد الامتحان وغيره.
مثاله : ما فعل أهل بغداد مع الإمام البخاري،إذ قلبوا له مائة حديث،وسألوه عنها امتحاناً لحفظه،فرَدَّها على ما كانت عليه قبل القلب،ولم يخطئ في واحد منها (2)
3- الأسباب الحاملة على القَلْب :
تختلف الأسباب التي تحمل بعض الرواة على القلب،وهذه الأسباب هي:
قصد الإغراب ليرغب الناس في رواية حديثه والأخذ عنه .
قصد الامتحان والتأكد من حفظ المحدث وتمام ضبطه .
الوقوع في الخطأ والغلط من غير قصد .
4- حكم القلب :
أ) إن كان القلب بقصد الإغراب فلا شك في أنه لا يجوز لأن فيه تغييراً للحديث،وهذا من عمل الوضاعين .
ب) وإن كان بقصد الامتحان،فهو جائز للتثبت من حفظ المحدث وأهليته،وهذا بشرط أن يُبَيَّنَ الصحيح قبل انفضاض المجلس.
ج) وان كان عن خطأ وسهو،فلا شك أن فاعله معذور في خطئه،لكن إذا كثر ذلك منه فإنه يُخِلُّ بضبطه،ويجعله ضعيفاً .
أما الحديث المقلوب فهو من أنواع الضعيف المردود كما هو معلوم.
5- أشهر المصنفات فيه :
__________
(1) -* صحيح البخارى برقم (1423 )
(2) - انظر تفاصيل القصة في تاريخ بغداد جـ2 ـ ص 20(1/181)
أ) كتاب "رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب " للخطيب البغدادي،والظاهر من اسم الكتاب أنه خاص بقسم المقلوب الواقع في السند فقط.
===============
المَزِيدُ في متَّصِل الأسانيد (1)
1- تعريفه:
أ) لغة: المزيد اسم مفعول من " الزيادة ". والمتصل ضد المنقطع،والأسانيد جمع إسناد .
ب) اصطلاحاً : زيادة راوٍ في أثناء سند ظاهره الاتصال .
2- مثاله: (2)
ما روي ابن المبارك قال : حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد،حدثني بُسْر بن عُبيد الله،عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا ». (3)
3- الزيادة في هذا المثال :
الزيادة في هذا المثال في موضعين،الموضع الأول في لفظ " سفيان " والموضع الثاني في لفظ " أبا إدريس " وسبب الزيادة في الموضعين هو الوهم .
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 63) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 23) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 236) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 99) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 20) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 478)
(2) - *ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 63) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 100) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 479) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 23)
(3) -* انظر صحيح مسلم برقم (2295 ) وسنن الترمذى برقم (1069 ) قَالَ أَبُو عِيسَى قَالَ مُحَمَّدٌ وَحَدِيثُ ابْنِ الْمُبَارَكِ خَطَأٌ أَخْطَأَ فِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَ فِيهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ وَإِنَّمَا هُوَ بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ وَبُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ.(1/182)
أما زيادة " سفيان " فوهم ممن دون ابن المبارك،لأن عدداً من الثقات رووا الحديث عن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد،ومنهم من صرح فيه بالإخْبار.
وأما الزيادة " أبا إدريس " فوهم من ابن المبارك،لأن عدداً من الثقات رووا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد فلم يذكروا أبا إدريس،ومنهم من صرح بسماع بُسْر من واثلة.
4- شروطُ ردِّ الزيادة:
يشترط لِرَدَّ الزيادة واعتبارها وهماً ممن زادها شرطان وهما:
أن يكون من لم يزدها أتقن ممن زادها .
أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة .
فإن اختل الشرطان أو واحد منهما ترجحت الزيادة وقُبِلَتْ،واعتبر الإسناد الخالي من تلك الزيادة منقطعاً،لكن انقطاعه خَفٍيُّ وهو الذي يسمَّى " المرسل الخفي " .
5- الاعتراضاتُ الواردةُ على ادَّعاء وقوع الزيادة :
يُعْتَرَض على ادعاء وقوع الزيادة باعتراضين هما :
إن كان الإسناد الخالي عن الزيادة بحرف "عن "في موضع الزيادة،فيَنْبغي أن يُجْعلَ مُنقطعًا.
وان كان مصرََّحا فيه بالسماع،أُحْتُمِل أن يكون سَمِعَهُ من رجل عنه أولاً،ثم سمعه منه مباشرة،ويمكن أن يُجاب عن ذلك بما يلي: (1)
أما الاعتراض الأول فهو كما قال المعترض.
وأما الاعتراض الثاني،فالاحتمال المذكور فيه ممكن لكن العلماء لا يحكمون على الزيادة بأنها وهم إلا مع قرينة تدل على ذلك.
6- أشهر المصنفات فيه :
كتاب " تمييز المزيد في متصل الأسانيد " للخطيب البغدادي.
=================
المضْطَّرِبُ (2)
__________
(1) - *التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 101)
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 17) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 9) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 91) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 222) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 200) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 15) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 481)(1/183)
1- تعريفُه:
أ) لغة: هو اسم فاعل من " الاضطراب " وهو اختلال الأمر وفساد نظامه،وأصله من اضطراب الموج،إذا كثرت حركته وضرب بعضه بعضاً .
ب) اصطلاحاً: ما رُوِيَ على أَوْجهٍ مختلفة متساوية في القوة.
2- شرحُ التعريف :
أي هو الحديث الذي يُرْوَى على أشكال متعارضة متدافعة،بحيث لا يمكن التوفيق بينها أبداً،وتكون جميع تلك الروايات متساوية في القوة من جميع الوجوه،بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح.
3- شروطُ تحقق الاضطراب:
يتبين من النظر في تعريف المضطرب وشرحه أنه لا يسمى الحديث مضطرباً إلا إذا تحقق فيه شرطان وهما:
اختلاف روايات الحديث بحيث لا يمكن الجمع بينهما.
تساوي الروايات في القوة بحيث لا يمكن ترجيح رواية على أخرى .
أما إذا ترجحت إحدى الروايات على الأخرى،أو أمكن الجمع بينها بشكل مقبول فإن صفة الاضطراب. تزول عن الحديث،ونعمل بالرواية الراجحة في حالة الترجيح،أو نعمل بجميع الروايات في حالة إمكان الجمع بينها .
4- أقسامُه:
ينقسم المضطرب بحسب موقع الاضطراب فيه إلى قسمين مضطرب السند ومضطرب المتن،ووقوع الاضطراب في السند أكثر .(1/184)
مضطرب السند : ومثاله : عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،عَن عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ , مَا شَيَّبَكَ ؟ قَالَ : شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاَتُ وَ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَ إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ." (1)
قال الدارقطني : " هذا مضطرب ،فانه لم يُرْوَ إلا من طريق أبي اسحق،وقد أُخْتُلِِفَ عليه فيه على نحو عشرة أوجه،فمنهم من رواه مرسَلا،ومنهم من رواه موصولاً،ومنهم من جعله من مسند أبي بكر،ومنهم من جعله من مسند سعد،ومنهم من جعله من مسند عائشة،وغير ذلك،ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض والجمع متعذر .
مضطربُ المتن : ومثاله : ما سنن الترمذى عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الزَّكَاةِ فَقَالَ: « إِنَّ فِى الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ». ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِى فِى الْبَقَرَةِ :{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة. (2) ورواه ابن ماجه عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ - تَعْنِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - - يَقُولُ « لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ » (3) . قال العراقي " فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل " .
__________
(1) -*دلائل النبوة للبيهقي - (ج 1 / ص 358) برقم (327 ) و مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 11 / ص 10) برقم (30261) وصحيح الجامع ( 3723) وهو حديث صحيح رغم إعلاله و تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 203)
(2) - *برقم (661 )وطبرى 2/57 وهق 4/84 والإتحاف 4/105 وعدى 4/1328 وقط 2/125 وكثير 1/98 ومعانى 2/27 وتخ 3/90 والنيل 8/155 وقواه
(3) - *برقم (1861 ) وفي السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 4 / ص 84)برقم (7493 ) قال عقبه :
فَهَذَا حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِأَبِى حَمْزَةَ : مَيْمُونٍ الأَعْوَرِ كُوفِىٌّ وَقَدْ جَرَحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ. وَالَّذِى يَرْوِيهِ أَصْحَابُنَا فِى التَّعَالِيقِ لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ فَلَسْتُ أَحْفَظُ فِيهِ إِسْنَادًا وَالَّذِى رُوِّيتُ فِى مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قلت :صحح بعض الأئمة وقفه على بعض الصحابة والتابعين وورد عكسه وهو ليس فى المال حق سوى الزكاة وفى سنده ضعف وفى معناه : إذا أديت زكاة مالك فقد ذهب عنك شره --- هق 4/84 صحيح والجمع بينهما سهل ميسور بإذن الله ،فالحديث الثانى محمول على الحالة العادية للمسلمين حيث أن زكاة المال ونحوها من موارد الدولة الإسلامية تكفى حاجة الفقراء والمساكين .
والحديث الأول يحمل على الأحوال الطارئة : حروب كوارث طبيعية --- حيث زكاة المال لا تكفى لسد مثل هذه الضروريات فيجوز لولى الأمر العادل أخذ ما يحتاج إليه الفقراء أو الجهاد -- من فضول أموال الأغنياء -- وهذا ما قاله كثير من علماء السلف والخلف وهو الحق ، انظر الفيض 2/472 و 473 ، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للقرضاوى(1/185)
مثال آخر : وفي علل الحديث (1) وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ،فَرَأَى عِنْدَهَا مُخَنَّثًا الْحَدِيثُ (2)
|قَالَ أَبِي : هَذَا خَطَأٌ،اضْطَرَبَ فِيهِ حَمَّادٌ،إِنَّمَا هُوَ هِشَامٌ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ |وَلَيْسَ عَنْ هِشَامٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ إِلا ذَاكَ الْوَاحِدُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (3)
5- مِمَّن يقعُ الاضطراب ؟
أ) قد يقع الاضطراب من راو واحد،بأن يَرْوِي الحديث على أوجه مختلفة.
__________
(1) -* برقم (2200)
(2) -* المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 405)برقم (8218 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن دَاوُدَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بن بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بن أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَأَى عِنْدَهُمْ مُخَنَّثًا، وَهُوَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بن أَبِي أُمَيَّةَ، لَوْ قَدْ فُتِحَتِ الطَّائِفُ لأَرَيْتُكَ بَادِيَةَ بنتِ غَيْلانَ، وَهِي تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"لا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ هَؤُلاءِ"
(3) -* المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 402)برقم (8207 ) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، وَوَكِيعٌ، وَعَبْدَةُ بن سُلَيْمَانَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بن أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا".و هو حديث صحيح(1/186)
ب) وقد يقع الاضطراب من جماعة،بأن يَرْوِي كل منهم الحديث على وجه يخالف رواية الآخرين.
6- سبب ضعف المضطرب :
وسبب ضعف المضطرب أن الاضطراب يُشْعِر بعدم ضبط رواته .
7_ أشهر المصنفات فيه :
كتاب " المُقْتَرِبُ في بيان المضطرب " للحافظ ابن حجر .
================
المصَحَّفُ (1)
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم مفعول من " التصحيف " وهو الخطأ في الصحيفة ومنه " الصَّحَفِيُّ " وهو من يخطئ في قراءة الصحيفة (2) فيغير بعض ألفاظها بسبب خطئه في قراءتها .
ب) اصطلاحاً : تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظاً أو معنى .
2- أهميته ودقته :
هو فنٌّ جليلٌ دقيقٌ،وتَكْمُنُ أهميته في كشف الأخطاء التي وقع فيها بعض الرواة،وإنما ينهض بأعباء هذه المهمة الحُذَّاق من الحفاظ كالدارقطني .
3_ تقسيماتُه:
قسم العلماء المُصَحف إلى ثلاثة تقسيمات،كل تقسيم باعتبار،وإليك هذه التقسيمات:
باعتبار مَوْقِعِهِ: ينقسم المُصَحَّف باعتبار موقعه إلى قسمين وهما:
__________
(1) - * التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 86) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 89) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 40) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 488)
(2) - القاموس جـ3 ـ ص 166 .(1/187)
تصحيف في الإسناد: ومثاله : حديث شعبة عن " العَوَّام ابن مُرَاجِم " صحفهُ ابن مَعِين فقال : عن " العَوَّام بن مُزاحم " .
تصحيف في المتن: ومثاله حديث زيد بن ثابت أن النبي صلي لله عليه وسلم " احتجرَ في المَسْجد.... (1) " صَحَّفَهُ ابن لهيعة فقال : " احْتَجَمَ في المسجد ..." (2)
باعتبار مَنْشَئه : وينقسمُ باعتبار منشئهِ إلى قسمين أيضاً وهما :
تصحيف بَصَر : ( هو الأكثر ) أي يشتبه الخَطَّ على بَصَر القارئ إما لرداءة الخط أو عدم نَقْطِهِ . ومثاله : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ،وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ .." (3) صَحِّفَهُ أبو بكر الصُّوْلي فقال : " من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال ... " فصَحَّف " ستاً" إلى " شيئاً " (4)
تصحيف السمع : أي تصحيف منشؤه رداءة السمع أو بُعْدُ السامع أو نحو ذلك،فتشتبه عليه بعض الكلمات لكونها على وزن صَرْفي واحد .ومثاله : حديث مروي عن " عاصم الأحول " صحفه بعضهم فقال : عن " واصل الأحدب " .
جـ) باعتبار لفظه أو معناه: وينقسم باعتبار لفظه أو معناه إلى قسمين وهما:
تصحيف في اللفظ: " وهو الأكثر " وذلك كالأمثلة السابقة.
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 62) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 90) ومجمع الزوائد - (ج 3 / ص 40) وقال : وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ : أَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ أَخْطَأَ حَيْثُ قَالَ : احْتَجَمَ بِالْمِيمِ وَإِنَّمَا هُوَ احْتَجَرَ أَيِ : اتَّخَذَ حُجْرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قلت : ولم أجد هذه الرواية التي قيل عنها ذلك
(2) - *مسند أحمد برقم (22230) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ كَتَبَ إِلَىَّ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ يُخْبِرُنِى عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ فِى الْمَسْجِدِ. قُلْتُ لاِبْنِ لَهِيعَةَ فِى مَسْجِدِ بَيْتِهِ قَالَ لاَ فِى مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - . وصححه شيخنا الشيخ شعيب في التعليق على المسند
(3) -* السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 2 / ص 343)برقم (2876) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 182) برقم (3805-3819) من طرق عنه صحيح مشهور
(4) -*الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي برقم (635 )(1/188)
تصحيف في المعنى: أي أن يُبْقِيِ الراوي المُصَحِّف اللفظ على حاله،لكن يفسره تفسيراً يدل على أنه فهم معناه فهماً غير مراد.
ومثاله : قول أبي موسى العَنَزي : " نحن قوم لنا شرف نحن من عَنَزَه،صَلَّى إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد بذلك حديث " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلي إلى عَنَزَه " فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم،وإنما العَنَزَةُ هنا الحرْبَةُ تُنْصَبُ بين يدي المصلي . (1)
4- تقسيم الحافظ ابن حجر :
هذا وقد قسم الحافظ ابن حجر التصحيف تقسيما آخر،فجعله قسمين وهما:
المُصَحَّف: وهو ما كان التغيير فيه بالنسبة إلى نَقْط الحروف مع بقاء صورة الخَط.
المُحَرَّف: وهو ما كان التغيير فيه بالنسبة إلى شَكْل الحروف مع بقاء صورة الخط.
5- هل يقدحُ التصحيف بالراوي ؟
أ) إذا صدر من الراوي نادراً فإنه لا يقدح في ضبطه لأنه لا يسلم من الخطأ والتصحيف القليل أحد.
ب) وإذا كثر ذلك منه فإنه يقدح في ضبطه،ويدل على خفته وأنه ليس من أهل هذا الشأن.
6- السببُ في وقوع الراوي في التصحيف الكثير :
غالباً ما يكون السبب في وقوع الراوي في التصحيف هو أخذ الحديث من بطون الكتب والصُّحُف،وعدم تلقيه عن الشيوخ والمدرسين،ولذلك حذر الأئمة من أخذ الحديث عمن هذا شأنهم وقالوا " لا يؤخذ الحديث من صَحَفٍيٍ " أي لا يؤخذ عمن أخذه من الصحف .
7 - أشهرُ المصنفات فيه :
أ) التصحيف للدارقطني .
__________
(1) -* الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي برقم (633) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 86) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 320) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 90)(1/189)
ب) إصلاح خطأ المحدثين للخطابي .
ج) تصحيفات المحدثين،لأبي أحمد العسكري.
=================
الشاذُّ والمحفوظُ (1)
1- تعريف الشاذ:
أ) لغة: اسم فاعل من " شذ " بمعنى " انفرد " فالشاذ معناه " المنفرد عن الجمهور "
ب) اصطلاحاً: ما رواه المقبول مخالفاً لم هو أولى منه.
2- شرح التعريف :
المقبول هو: العدل الذي تَمَّ ضبطه،أو العدل الذي خَفَّ ضبطه،ومن هو أولى منه: أرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات.
هذا وقد اختلف العلماء في تعريفه على أقوال متعددة لكن هذا التعريف هو الذي اختاره الحافظ ابن حجر وقال : انه المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح (2)
3- أين يقع الشذوذ ؟
يقع الشذوذ في السند،كما يقع في المتن أيضاً .
مثال الشذوذ في السند :"ما رواه أبو داود (3) والسنن الكبرى للبيهقي (4) والترمذى (5) كلهم من طريق حَمَّادَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّىَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« انْظُرُوا هَلْ لَهُ وَارِثٌ ». فَقَالُوا : لاَ إِلاَّ غُلاَمًا كَانَ لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ادْفَعُوا إِلَيْهِ مِيرَاثَهُ ». " وتابع ابن عيينة على وصله ابن جُرَيْج وغيره،وَخَالَفَهُمَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ
__________
(1) -* ألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 12)
(2) - انظر النخبة وشرحها ص 37
(3) -* برقم (2907 )
(4) -* (ج 6 / ص 242)برقم (12766)
(5) -* برقم (2252 )(1/190)
دِينَارٍ مُرْسَلاً.ففي السنن الكبرى للبيهقي (1) أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِى حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ وَعَارِمٌ قَالاَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَجُلاً مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى لَهُ هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِيرَاثَهُ. قَالَ الْقَاضِى هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مُرْسَلاً لَمْ يَبْلُغْ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مُرْسَلاً قَالَ الْبُخَارِىُّ : عَوْسَجَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ قَالَ الشَّيْخُ : وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ غَلَطٌ لاَ شَكَّ فِيهِ.
قال أبو حاتم: المَحفُوظ حديث ابن عُيينة.
قال شيخُ الإسْلام ( الحافظ ابن حجر ): فحمَّاد بن زيد من أهل العَدَالة والضَّبط, ومع ذلك رجَّح أبو حاتم رِوَاية من هم أكثر عددًا منه, قال: وعرف من هذا التقرير أنَّ الشَّاذ ما رواه المقبول مُخَالفًا لمن هو أولَى منهُ. قال: وهذا هو المُعتمد في حدِّ الشَّاذ بحسب الاصطلاح.. (2)
مثال الشذوذ في المتن (3) :
ما رواه أبو داود (4) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ ». فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ ..قَالَ لاَ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ
__________
(1) - *(ج 6 / ص 242) برقم (12768)
(2) - *فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 186) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 174) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 14)
(3) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 174)
(4) - *برقم (1263 ) و الترمذى برقم (422 ) من طريق بِشْرَ بْنِ مُعَاذٍ الْعَقَدِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍبه و قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ فِى بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا اسْتِحْبَابًا.(1/191)
ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَمَا ذَنْبِى إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا.
قال البيهقي (1) قَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ حِكَايَةً عَنْ فِعْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ : مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. {ق} قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. (2)
__________
(1) - *في السنن الكبرى (ج 3 / ص 45)برقم (5085)
(2) - *وفي الفتاوى الحديثية للحويني - (ج 2 / ص 26)
قلت: وهذا إسنادٌ ظاهرهُ الصحةُ، ولكن أعلّه البيهقي، ونقل ابن عبد البر في "التمهيد" (8-126) عن الأثرم قال: "سمعتُ أحمد بن حنبل يُسألُ عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، فقال: ما أفعلُه أنا. قيل له: لِمَ لم تأخذ به؟ قال: ليس فيه حديث يثبُتُ. قلتُ له: حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؟ قال: رواه بعضهم مرسلاً". انتهى. وقال الذهبي في "الميزان" (2-672) في ترجمة "عبد الواحد": "احتجا به في "الصحيحين"، وتجنبا تلك المناكير التي نقمت عليه، فيحدث عن الأعمش بصيغة السماع عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا، وذكر هذا الحديث وعزاه إلى أبي داود.
وهذا التصريح بالتحديث- الذي ذكره الذهبي- لم أقف عليه عند أحدٍ من المخرجين، وقد ذكر العقيليُّ في "الضعفاء" (3-55) عن أبي داود الطيالسي، وذُكر عنده عبد الواحد بن زياد فقال: عهد إليَّ نقل أحاديث كان يرسلها الأعمش، فوصلها كلَّها يقول: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا مجاهدٌ في كذا وكذا. فهذا يدلُّ على أن عبد الواحد وهم في حديث الأعمش عن مجاهد خاصة، وكان الأعمش إذا روى عن صغار شيوخه مثل مجاهد أكثر من التدليس، بخلاف روايته عن أبي صالح، فإنه من جلة شيوخه، ثم هو مكثرٌ عنه. حتى استثناه الذهبي مع غيره ممن يروي عنهم الأعمش، أن يقبل حديثه إذا رواه الأعمش عنه بالعنعنة، كما تراه في ترجمة "الأعمش" من "الميزان"، أما ما رواه العقيلي عن يحيى بن سعيد القطان قال: ما رأيتُ عبد الواحد بن زياد يطلبُ حديثًا قطُّ بالبصرة ولا بالكوفة، وكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره حديث الأعمش، لا يعرفُ منه حرفًا". فهذا مقابلٌ بقول ابن معين وسئل عن أثبت أصحاب الأعمش بعد سفيان وشعبة؟ فقال: أبو معاية الضرير وبعده عبد الواحد بن زياد. وقد احتج به الشيخان في حديث عن الأعمش، ولم يقم دليلٌ على أن أحدًا من أصحاب الأعمش الكبار خالفه في هذا الحديث، فإن وجدنا عملنا بمقتضاه، فلو رواه من هو أثبتُ من عبد الواحد بن زيادٍ عن الأعمش فأرسله كما وقع في كلام أحمد، حكمنا لهذا الثبت عليه، إلاَّ أن يقوم مانعٌ. وقول أحمد: رواه بعضهم مرسلاً، فلا ندري من هذا "البعض"، وهل يقدَّم على عبد الواحد أم لا. وأما قولُ المنذري في "تهذيب سنن أبي داود" (2-76): "قيل: إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة، فيكون منقطعًا". وقد سبقه إلى ذلك أبو بكر بن العربي، فقال في "عارضة الأحوذي" (2-217): "وحديثُ أبي هريرة معلولٌ، لم يسمعه أبو صالح من أبي هريرة، وبين الأعمش وأبي صالحٍ كلام". اه. فأما القول بأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة فلم أقف على قائله من أئمة الحديث الكبار، ولا على دليله. وابنُ العربي رحمه الله، فليس من أحلاس هذا العلم، وله أوهامٌ في تواليفه في التصحيح والتضعيف، والكلام على علل الحديث.
وقد صحَّحه الترمذي وابنُ حزمٍ في "المحلى" (3-196) لكنه اشتطَّ في الاستدلال به على فرضية الضجعة بعد ركعتي الفجر. وصحَّحه أيضًا من المتأخرين النووي في "شرح مسلم" (6-19)، وفي "المجموع" (4-28) على شرط الشيخين.
وقال في "رياض الصالحين" (ص343)، وفي "الخلاصة" (1-536): "رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة" كذا قال! وهي عبارة يكثر منها النووي ولا معنى لها، وليس للحديث عندهما إلا هذا الإسنادُ الواحدُ. وصححه أيضًا الشيخ المحقق أبو الأشبال أحمد شاكر وشيخنا الألباني في "صحيح الجامع" (1-171). وقد أعلَّه البيهقي بأن محمد بن إبراهيم التيمي رواه عن أبي صالحٍ قال: سمعتُ أبا هريرة يحدثُ مروان بن الحكم وهو على المدينة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفصلُ بين ركعتيه من الفجر وبين الصبح بضجعةٍ على شقه الأيمن.
وقد تابعه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه بهذا الإسناد.
أخرجه النسائيُّ في "الكبرى" (1-455) عن أبي كدينة يحيى بن المهلب وابنُ ماجه (1199) عن شعبة كلاهما عن سهيل بن أبي صالح بهذا.
قال البيهيُّ: "وهذا أولى أن يكون محفوظًا لموافقته سائر الروايات عن عائشة وابن عباس". اه. والأعمش أثبت منهما في أبي صالح. فإن قلت: نعم، ولكن الشأن في الراوي عنه وهو ابن زيادٍ. قلنا: نعم، وقد قدمنا لك أنه أحدُ الأثبات في الأعمش كما قال ابن معين. فالصوابُ الحكمُ له حتى يظهر لنا أنه قد خالفه من هو أمكنُ منه. فالراجح عندي: صحةُ الحديث بالشرط المذكور. والله أعلم.
قلت :وأنا مع من صحح الحديث فتوهين عبد الواحد بن زياد بحجة رواية الحديث أنه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله ، دليلها ليس ظاهرا ، فلم لا يكون أنه قد روي من قوله وفعله - صلى الله عليه وسلم - معاً ؟!!(1/192)
4- المحفوظُ:
هذا ويقابل الشاذَّ " المحفوظُ " وهو:ما رواه الأوثق مخالفاً لرواية الثقة . (1)
__________
(1) - * وفي مصباح الزجاجة(268)) ــ { 767 - حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّافِعِىُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْمَكِّىُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقُولُوا مِثْلَ قَوْلِهِ »..
هذا إسناد معلول والمحفوظ عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري كما أخرجه الأئمة الستة. رواه النسائي في عمل اليوم والليلة عن محمد بن عبد الله بن بزيغ عن بشر بن الفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق به ورواه الإمام أحمد في مسنده من حديث علي بن أبي طالب ومن حديث أبي رافع ورواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك.(1/193)
ومثاله : هو المثالان المذكوران في نوع الشاذ .
5- حكم الشاذ والمحفوظ :
من المعلوم أن الشاذ حديث مردود،أما المحفوظ فهو حديث مقبول.
الجهَالة بالرَّاوي (1)
1- تعريفها:
أ) لغة: مصدر " جَهِلَ " ضد " عَلِمَ " والجهالة بالراوي تعني عدم معرفته.
ب) اصطلاحاً: عدم معرفة عَيْنِ الراوي أو حاله.
2- أسبابها:
وأسباب الجهالة بالراوي ثلاثة وهي:
كثرة نعوت الراوي: من اسم أو كنيه أو لقب أو صفة أو حرفة أو نسب،فيشتهر بشيء منها فيُذْكَر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض،فيُظن أنه راو آخر،فيحصل الجهل بحاله .
قلة روايته : فلا يكثر الأخذ عنه بسبب قلة روايته فربما لم يروعن إلا واحدا .
عدم التصريح باسمه : لأجل الاختصار ونحوه . ويسمى الراوي غير المصرح باسمه "المُبْهَم "
3- أمثلة:
أ) مثال كثرة نعوت الراوي : " محمد بن السائب بن بشر الكلبي " نسبه بعضهم إلى جده فقال " محمد بن بشر " وسماه بعضهم " حماد بن السائب " وكناه بعضهم " أبا النضر " وبعضهم " أبا سعيد " وبعضهم " أبا هشام " فصار يُظَن أنه جماعة،وهو واحد . (2)
ب) مثال قلة رواية الراوي وقلة من روي عنه : " أبو العشراء الدارمي " من التابعين،لم يرو عنه غير حماد بن سلمة . (3)
__________
(1) - وهي السبب الثامن من أسباب الطعن في الراوي .
(2) - *انظر تهذيب الكمال [ جزء 25 - صفحة 246 ]برقم (5234 )
(3) - *وفي الكاشف [ جزء 2 - صفحة 443 ] برقم (6741 ) أبو العشراء الدارمي البصري عن أبيه وعنه حماد بن سلمة يقال أسامة ويقال عطارد ويسار أعرابي لينه البخاري وقال أحمد حديثه عندي غلط(1/194)
ج ) مثال عدم التصريح باسمه: قول الراوي: أخبرني فلان (1) أو شيخ (2) أو رجل أو نحو ذلك (3) .
4- تعريف المجهول:
__________
(1) - *مثاله كما في مسند الحميدى برقم (16) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِى فُلاَنٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ بِيَدِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ هَكَذَا - يَعْنِى يُحَرِّكُهَا يَمِينًا وَشِمَالاً - عُوَيْمِلٌ لَنَا بِالْعِرَاقِ ، عُوَيْمِلٌ لَنَا بِالْعِرَاقِ خَلَطَ فِى فَىْءِ الْمُسْلِمِينَ أَثْمَانَ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا». يَعْنِى أَذَابُوهَا.
هذا الرجل مجهول لأنه لم يسمَّ
(2) - *كما في مصنف عبد الرزاق مشكل - (ج 5 / ص 16)برقم (9799)عَنِ ابْن عيينة أخبرني شيخ مؤذن لأهل مكة عن علي الأزدي قال سمعت بن عمر يقول لا إله إلا الله والله أكبر فقال هي هي فقلت يا أبا عبد الرحمن ما هي هي قال ? وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ?
والشيخ مجهول
(3) - *كما في سنن أبى داود برقم (3810 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَنٍ الْمِصِّيصِىُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِى رَجُلٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَأْكُلَ لُحُومَ الْحُمُرِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَأْكُلَ لُحُومَ الْخَيْلِ قَالَ عَمْرٌو فَأَخْبَرْتُ هَذَا الْخَبَرَ أَبَا الشَّعْثَاءِ فَقَالَ قَدْ كَانَ الْحَكَمُ الْغِفَارِىُّ فِينَا يَقُولُ هَذَا وَأَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ يُرِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وكما في مصنف عبد الرزاق مشكل - (ج 3 / ص 452)برقم (7353)قال : أخبرنا معمر قَالَ : أَخْبَرَنِي رجل أن رجلا أَخْبَرَهُ هو بنفسه قال بينا أنا أسير رأيت الهلال فسمعت قائلا يقول - ولا أراه - اللهم أطلعه علينا بالسلامة والإسلام والأمن والإيمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى فما زال يرددها حتى حفظها
وكما في مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 479)برقم (9301)حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ الْحَيِّ مُصَدَّقٌ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
وبرقم (18770) حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ يَقُولُ : سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : لَوْ جَعَلْتهَا شَهْرًا وَنِصْفًا فَسَكَتَ.
وكما في مسند أحمد برقم (15575) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو أَخْبَرَنِى رَجُلٌ ثِقَةٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَحْمُ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لِلْمُحْرِمِ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَدْ لَهُ ». قلت : وهذا الرجل المجهول إذا لم يبين ، ولم يوجد ما يشهد للحديث فالحديث ضعيف(1/195)
هو من لم تُعْرَف عَيْنُهُ أو صفته
ومعنى ذلك أي هو الراوي الذي لم تعرف ذاته أو شخصيته أو عرفت شخصيته ولكن لم يعرف عن صفته أي عدالته وضبطه شيء.
5- أنواع المجهول:
يمكن أن يقال أن أنواع المجهول ثلاثة هي :
ا ) مجهول العَيْن (1) :
تعريفه: هو من ذُكِر اسمه،ولكن لم يَرْوِ عنه إلا راو واحد .
حكم روايته : عدم القبول،إلا إذا وُثِّقَ .
كيف يوثق : يوثق بأحد أمرين :
أما أن يوثقه غير من روى عنه.
وإما أن يوثقه من روى عنه بشرط أن يكون من أهل الجرح والتعديل.
هل لحديثه اسم خاص ؟ ليس لحديثه اسم خاص،وإنما حديثه من نوع الضعيف .
2 ) مجهول الحال: ( ويسمى المستور ) (2)
تعريفه: هو من روي عنه اثنان فأكثر،لكن لن يُوَثَّق.
حكم روايته: الرد،على الصحيح الذي قاله الجمهور.
هل لحديثه اسم خاص ؟ ليس لحديثه اسم خاص،وإنما حديثه من نوع الضعيف .
جـ)المُبهم : ويمكن أن نعتبر المبهم من أنواع المجهول،وإن كان علماء الحديث قد أطلقوا عليه اسما خاصاً،لكن حقيقته تشبه حقيقة المجهول .
تعريفه: هو من لم يُصَرَّح باسمه في الحديث.
__________
(1) -* التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 7) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 93) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 378) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 306) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 248) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 514)
(2) - * نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 517)(1/196)
حكم روايته: عدم القبول،حتى يُصَرَّح الراوي عنه باسمه،أو يُعْرَفَ اسمه بوروده من طريق آخر مصرح فيه اسمه.
وسبب رد روايته جهالة عينه،لأن من أُبِهْم اسمُه جُهِلت عينُه وجهلت عدالته من باب أولى،فلا تقبل روايته.
لو أُبْهَمَ بلفظ التعديل فهل تُقْبَل روايته ؟ : وذلك مثل أن يقول الراوي عنه : "أخبرني الثقة " (1) والجواب : أنه لا تقبل روايته أيضاً على الأصح لأنه قد يكون ثقة عنده غير ثقة عند غيره
هل لحديثه اسم خاص ؟ : نعم لحديثه اسم خاص هو " المُبْهَم " والحديث المبهم هو الحديث الذي فيه راو لم يُصَرَّح باسمه،قال البيقوني في منظومته :
" ومُبْهَمُ ما فيه راو لم يُسَمَّ " .
6- أشهر المصنفات في أسباب الجهالة :
أ) كثرة نعوت الراوي:
صنف فيها الخطيب كتاب " مُوْضِح أوهام الجَمْع والتفريق "
ب) قلة رواية الراوي :صُنف فيها كتب سميت " كتب الوحدان " أي الكتب المشتملة على من لم يَرْوِ عنه إلا واحد،ومن هذه الكتب " الوُحْدان " للإمام مسلم .
ج) عدم التصريح باسم الراوي : وصُنِّف فيه كتب المُبْهَمَات " مثل كتاب " الأسماء المُبهمة في الأنباء المُحْكَمَة " للخطيب البغدادي وكتاب " المُسَتفاد من مُبْهَمَات المتن والإسناد " لولي الدين العراقي .
================
__________
(1) - *كما في مسند أحمدبرقم (5018) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَنِى الثِّقَةُ أَوْ مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ إِلَى نَسِيبٍ لَهُ ابْنَتَهُ - قَالَ - فَكَانَ هَوَى أُمِّ الْمَرْأَةِ فِى ابْنِ عُمَرَ وَكَانَ هَوَى أَبِيهَا فِى يَتِيمٍ لَهُ - قَالَ - فَزَوَّجَهَا الأَبُ يَتِيمَهُ ذَلِكَ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « آمِرُوا النِّسَاءَ فِى بَنَاتِهِنَّ ».
وكما في مسند أحمد برقم (6894) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى أَخْبَرَنِى مَالِكٌ أَخْبَرَنِى الثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ.(1/197)
البِدْعَةُ (1)
1- تعريفها:
أ) لغة: هي مصدر من " بَدَعَ " بمعنى " أَنْشَأَ " كابتداع (2) .
ب) اصطلاحاً : الحدث في الدين بعد الإكمال،أو ما اسْتُحْدِثَ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأهواء والأعمال . (3)
2- أنواعها (4) :
__________
(1) - وهي السبب التاسع من أسباب الطعن في الراوي .
(2) - *تاج العروس - (ج 1 / ص 5092) ولسان العرب - (ج 8 / ص 6)
(3) -* كما في صحيح البخارى برقم (2697 ) ومسلم برقم (4589 ) عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » .
(4) -* ففي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 255-257)
[السَّابعة: من كُفِّر ببدعته] وهو كما في «شرح المُهذَّب» للمُصنِّف: المُجسِّم ومُنكر علم الجُزئيات.
قيل: وقائل خلق القرآن, فقد نصَّ عليه الشَّافعي, واختارهُ البَلْقيني, ومنع تأويل البَيْهقي له بكُفْران النِّعمة, بأنَّ الشَّافعي قال ذلك في حقِّ حفص القرد, لمَّا أفتى بضرب عُنقهِ, وهذا رادٌّ للتأويل.
[لم يُحتج به بالاتِّفاق] قيل: دعوى الاتِّفاق ممنوعة, فقد قيل: إنَّه يُقبل مُطْلقًا.
وقيل: يقبل إن اعتقد حُرْمة الكَذب, وصحَّحه صاحب «المحصول».
وقال شيخ الإسْلام: التَّحقيق أنَّه لا يُرد كل مُكَفر ببدعته, لأنَّ كل طائفة تَدَّعي أنَّ مُخَالفتها مُبْتدعة, وقد تُبَالغ فتُكَفِّر مُخَالفيها, فلو أُخذ ذلكَ على الإطْلاق لاسْتلزم تكفير جميع الطَّوائف, والمُعتمد: أنَّ الَّذي تُرد رِوَايته من أنكرَ أمرًا مُتواترًا من الشَّرع, معلومًا من الدِّين بالضَّرورة, أو اعتقد عكسهُ, وأمَّا من لم يكن كذلك, وانْضَمَّ إلى ذلك ضبطه لِمَا يرويه مع ورعهِ وتقواهُ, فلا مَانع من قَبُوله.
[ومن لم يُكفر] فيه خلافٌ.
[قيل: لا يُحتجُّ به مُطْلقًا] ونسبهُ الخَطيب لمالك, لأنَّ في الرِّواية عنهُ تَرْويجًا لأمره وتنويهًا لذكره, ولأنَّه فاسقٌ ببدعته, وإن كان مُتأولاً يُرد كالفاسق بلا تأويل, كمَا استوى الكافر المُتأوِّل وغيره.
[وقيل: يُحتجُّ به إن لم يَكُن مِمَّن يستحل الكذب في نُصْرةِ مَذْهبه, أو لأهل مَذْهبه] سواء كان داعية أم لا, ولا يُقبل إنْ استحلَّ ذلك.
وحُكي عن الشَّافعيِّ, وقيلَ: يُحتجُّ به إن لَمْ يَكُن دَاعية إلى بِدْعته, ولا يُحتجُّ به إن كانَ دَاعيةً, وهذا هو الأظْهَرُ الأعْدلُ, وقولُ الكثير أو الأكْثر, وضُعِّف الأوَّل باحتجاجِ صاحبي «الصَّحيحين» وغيرِهمَا بكثيرٍ من المُبْتدعة غير الدُّعَاة.
[وحُكي] هذا القول [عن الشَّافعي] حَكَاهُ عنهُ الخطيب في «الكِفَاية» لأنَّه قال: أقبلُ شهادة أهل الأهواء, إلاَّ الخَطَّابية, لأنَّهم يرون الشَّهادة بالزُّور لمُوافقيهم.
قال: وحُكي هذا أيضًا عن ابن أبي ليلى والثَّوري والقاضي أبي يوسف.
[وقيل: يُحتجُّ به إن لم يكن داعية إلى بدعته, ولا يُحتجُّ به إن كان دَاعيةً] إليها, لأنَّ تزيين بِدْعته قد تحمله على تحريف الرِّوايات وتَسْويتها على ما يقتضيه مَذْهبهُ.
[وهذا] القول [هو الأظْهر الأعْدل, وقول الكثير, أو الأكثر] من العُلماء.
[وضعَّف] القول [الأوَّل باحتجاج صاحبي «الصَّحيحين» وغيرهما بكثير من المُبْتدعة غير الدُّعَاة] كعِمْران بن حِطَّان, وداود بن الحُصَين.
قال الحاكم: وكتاب مسلم ملآن من الشيعة.
وقد ادَّعى ابن حبَّان الاتِّفاق على ردِّ الدَّاعية وقَبُول غيره بلا تفصيل.
تنبيهات:
الأوَّل: قيَّد جَمَاعة قَبُول الدَّاعية بما إذا لم يرو ما يُقوِّي بِدْعتهُ, صرَّح بذلك الحافظ أبو إسحاق الجَوْزجَاني, شيخ أبي داود والنَّسائي, فقال في كتابه «معرفة الرَّجال» : ومنهم زَائغٌ عن الحقِّ - أي: عن السُّنة - صادق اللَّهجة, فليسَ فيه حيلة, إلاَّ أن يُؤخذ من حديثه ما لا يَكُون مُنْكرًا, إذا لم يقو به بِدْعته. وبه جَزَم شيخ الإسْلام في «النُّخبة».
وقال في شرحها: ما قاله الجَوْزجَاني مُتَّجه, لأنَّ العِلَّة الَّتي بها ردَّ حديث الدَّاعية واردة فيما إذا كان الظَّاهر المَرْوي يُوافق مَذْهب المُبْتدع, ولو لم يكن داعية.
الثَّاني: قال العِرَاقي : اعْتُرض عليه بأنَّ الشَّيخين أيضًا احتجَّا بالدُّعَاة, فاحتجَّ البُخَاري بعمران بن حِطَّان, وهو من الدُّعَاة, واحتجَّا بعبد الحميد بن عبد الرَّحمن الحِمَّاني, وكان داعية إلى الإرجاء.
وأجابَ بأنَّ أبا داود قال : ليسَ في أهلِ الأهواء أصح حديثًا من الخوارج, ثمَّ ذكر عمران بن حِطَّان, وأبا حسَّان الأعرج, قال: ولم يُحتج مسلم بعبد الحميد, بل أخرجَ له في المُقدمة, وقد وثَّقهُ ابن معين.
الثَّالث: الصَّواب أنَّه لا تُقبل رواية الرَّافضة وساب السَّلف, كما ذكره المُصنِّف في «الرَّوضة» في باب القَضَاء في مسائل الإفتاء, وإن سكتَ في باب الشَّهادات عن التَّصريح باستثنائهم, إحالة على ما تقدَّم, لأنَّ سباب المُسْلم فُسوق, فالصَّحابة والسَّلف من باب أولى.
وقد صرَّح بذلكَ الذَّهبي في «الميزان» فقال: البدعة على ضَرْبين: صُغرى, كالتَّشيع بلا غُلو, أو بغلو, كمن تكلَّم في حقِّ من حارب عليًّا, فهذا كثير في التَّابعين وتابعيهم مع الدِّين والورع والصِّدق, فلو رُدَّ حديث هؤلاء, لذهب جُملة من الآثار النَّبوية, وهذه مَفْسدة بينة.
ثمَّ بِدْعة كُبرى, كالرَّفض الكامل, والغُلو فيه, والحط على أبي بكر وعُمر, والدُّعاء إلى ذلكَ, فهذا النَّوع لا يُحتجُّ بهم ولا كَرَامة.
وأيضًا فما أستحضرُ الآن في هذا الضَّرب رَجُلا لا صادقًا, ولا مأمونا, بل الكذب شعارهم, والتَّقية والنِّفاق دثارهم. انتهى.
وهذا الَّذي قاله هو الصَّواب الَّذي لا يحل لمسلم أن يعتقد خلافه.
وقال في موضع آخر: اختلف النَّاس في الاحتجاج برواية الرَّافضة على ثلاثة أقوال: المنع مُطلقًا, والتَّرخص مُطلقًا, إلاَّ من يكذب ويضع, والثَّالث التَّفصيل بين العَارف بما يحدث وغيره.
وقال أشْهب: سُئلَ مالك عن الرَّافضة, فقال: لا تُكلموهم ولا ترووا عنهم.
وقال الشَّافعي : لم أر أشهد بالزُّور من الرَّافضة.
وقال يزيد بن هارون: يُكتب عن كلِّ صاحب بِدْعة إذا لم يَكُن داعية, إلاَّ الرَّافضة.
وقال شَريك: احمل العلم عن كلِّ من لقيت إلاَّ الرَّافضة.
وقال ابن المُبَارك: لا تُحدِّثوا عن عَمرو بن ثابت, فإنَّه كان يسب السَّلف.
الرَّابع: من المُلْحق بالمُبْتدع من دأبه الاشْتغال بعلوم الأوائل, كالفَلْسفة والمَنْطق, صرَّح بذلك السَّلفي في معجم السفر, والحافظ أبو عبد الله بن رشيد في رحلته.
فإن انضمَّ إلى ذلك اعتقاده, بما في عِلْم الفَلْسفة, من قِدَم العالم ونحوه فكافر, أو لما فيها مِمَّا ورد الشَّرع بخلافه, وأقامَ الدَّليل الفاسد على طريقتهم, فلا نأمن ميله إليهم.
وقد صرَّح بالحطِّ على من ذكر, وعدم قَبُول روايتهم وأقوالهم, ابن الصَّلاح في فتاويه, والمُصنِّف في «طبقاته» وخلائق من الشَّافعية, وابن عبد البر, وغيره من المالكية, خُصوصًا أهل المغرب, والحافظ سراج الدين القزويني, وغيره من الحَنفية, وابن تيمية, وغيره من الحنابلة, والذَّهبي لهجَ بذلك في جميع تصانيفه.
وانظر قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 163-164) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 433)(1/198)
البدعة نوعان :
بدعة مُكَفِّرة : ذهب الجمهور إلى أنه لا تقبل رواية المكفر ببدعته وهو من يعتقد ما يستلزم الكفر قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة ((والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعى أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها،فلو أخذ ذلك على الإطلاق لا ستلزم تكفير جميع الطوائف،فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع ،معلوما من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه،فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضمَّ إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله)) (1)
بدعة مُفَسِّقَة:أي يُفَسََق صاحبها بسببها،وهو من لا تقتضي بدعته التكفير أصلاً.
3- حكم رواية المبتدع :
أ) إن كانت بدعته مُكَفِّرَة : تُرَدُّ روايته .
__________
(1) - *انظر النخبة وشرحها ص 52. و قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 164) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 321) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 255) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 26)(1/200)
ب) وإن كانت بدعته مُفَسِّقَة: فالصحيح الذي عليه الجمهور،أن روايته تقبل بشرطين:
1- ألا يكون داعية إلى بدعته .
2- وألا يروي ما يروِّج بدعته .
4- هل لحديث المبتدع اسم خاص ؟
ليس لحديث المبتدع اسم خاص به،وإنما حديثه من نوع المردود كما عرفت،ولا يقبل إلا بشروط التي ذكرت أنفاً. (1)
__________
(1) - * أمثلة مما رواه الشيخان عن المبتدعين :
ففي صحيح البخارى 2/6(892 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِى جَمْرَةَ الضُّبَعِىِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ .
ففيه إبراهيم بن طهمان رمي بالإرجاء
ففي تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 90 ] (189 ) إبراهيم بن طهمان الخراساني أبو سعيد سكن نيسابور ثم مكة ثقة يغرب وتكلم فيه للإرجاء ويقال رجع عنه من السابعة مات سنة ثمان وستين ع
وفي الكاشف [ جزء 1 - صفحة 214 ] (148 ) إبراهيم بن طهمان أبو سعيد الخراساني من أئمة الإسلام وفيه إرجاء عن سماك بن حرب ومحمد بن زياد وثابت وخلق وعنه معن ويحيى بن أبي بكير ومحمد بن سنان العوقي وخلق وثقه أحمد وأبو حاتم مات سنة بضع وستين ومائة ع
وفي صحيح البخارى (3410 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِى قَوْمِهِ » .
وفي التقريب حصين بن نمير ثقة رمي بالنصب
وفي صحيح مسلم (275 ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ - قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ - أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِىِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ».
وفيه أبان بن تغلب ثقة تكلم فيه للتشيع
وفي صحيح البخارى (2924 ) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِىَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهْوَ نَازِلٌ فِى سَاحِلِ حِمْصَ ، وَهْوَ فِى بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ ، قَالَ عُمَيْرٌ فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِى يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا » . قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ . قَالَ « أَنْتِ فِيهِمْ » . ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِى يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ » . فَقُلْتُ أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « لاَ » .
وفيه ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر
وفي صحيح البخارى (7048 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَتْ أَسْمَاءُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَنَا عَلَى حَوْضِى أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِى فَأَقُولُ أُمَّتِى . فَيَقُولُ لاَ تَدْرِى ، مَشَوْا عَلَى الْقَهْقَرَى » . قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ .
قال الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة متقن واعظ طعن فيه برأى جهم ، ثم اعتذر و تاب
وفي صحيح البخارى(2383 و 2384 ) حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنِى الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِى حَارِثَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَسَهْلَ بْنَ أَبِى حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ ، إِلاَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِى بُشَيْرٌ مِثْلَهُ .
و فيه الْوَلِيدُ بْنُ كَثِير قال الحافظ ابن حجر في التقريب : صدوق ، عارف بالمغازى ، رمى برأى الخوارج
وفي صحيح البخارى (1406 ) حَدَّثَنَا عَلِىٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأْمِ ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِى الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ . قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِى أَهْلِ الْكِتَابِ . فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ . فَكَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ فِى ذَاكَ ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ - رضى الله عنه - يَشْكُونِى ، فَكَتَبَ إِلَىَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ . فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَىَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِى قَبْلَ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِى إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا . فَذَاكَ الَّذِى أَنْزَلَنِى هَذَا الْمَنْزِلَ ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَىَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 495)(1318 ) قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَلِيّ سَمِعَ هُشَيْمًا )
كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَفِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ عَنْ مَشَايِخه " حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن أَبِي هَاشِم " وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْنِ طِبْرَاخ
وقال عنه في التقريب : صدوق ، تكلم فيه للوقف فى القرآن
وفي صحيح البخارى (5952 ) حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِى بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ .
وفيه عِمْران بن حِطَّان.من القعدية, الذين يرون الخُروج على الأئمة, ولا يباشرون ذلك
وقال الحافظ ابن حجر : صدوق إلا أنه كان على مذهب الخوارج ، و يقال رجع عن ذلك(1/201)
سوءُ الحفظ (1)
1- تعريف سيء الحفظ :
هو من لم يُرَجَّح جانب إصابته على جانب خطئه .
2- أنواعه:
__________
(1) - وهو السبب العاشر من أسباب الطعن في الراوي ، وهو آخرها .(1/202)
سيء الحفظ نوعان :
إما أن ينشأ سوء الحفظ معه من أول حياته ويلازمه في جميع حالاته،ويسمى خبره الشاذ على رأي بعض أهل الحديث . (1)
وأما يكون سوء الحفظ طارئاً عليه،أما لكبره أو لذهاب بصره (2) ،أو لاحتراق كتبه (3) ،فهذا يسمى " المَخْتَلَط ".
3- حكم روايته :
أ) أما الأول : وهو من نشأ على سوء الحفظ،فروايته مردودة .
ب) وأما الثاني : أي المُخْتَلَط فالحكم في روايته التفصيل الآتي :
1- فما حَدَّث به قبل الاختلاط،وتَمَيز ذلك: فمقبول. (4)
2- وما حدث به بعد الاختلاط: فمردود.
3- وما لم يتميز أنه حدث به قبل الاختلاط أو بعده : تُوُقَّفَ فيه حتى يتميز . (5)
__________
(1) - *مثاله كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 493 ] برقم (6081 ) محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سيء الحفظ جدا من السابعة مات سنة ثمان وأربعين 4
(2) -* كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 624 ] برقم (7985 ) أبو بكر بن عياش بتحتانية ومعجمة بن سالم الأسدي الكوفي المقرىء الحناط بمهملة ونون مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه وقيل اسمه محمد أو عبد الله أو سالم أو شعبة أو رؤبة أو مسلم أو خداش أو مطرف أو حماد أو حبيب عشرة أقوال ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح من السابعة مات سنة أربع وتسعين وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين وقد قارب المائة وروايته في مقدمة مسلم 4
(3) - *كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 319 ]برقم (3563 ) عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية بن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شيء مقرون مات سنة أربع وسبعين وقد ناف على الثمانين م د ت ق
(4) - *وفي الثقات للعجلي [ جزء 2 - صفحة 135 ] برقم (1237 ) عطاء بن السائب بن زيد يكنى أبا زيد كوفى تابعي جائز الحديث وقال مرة كان شيخا قديما ثقة روى عن ابن أبي أوفى ومن سمع من عطاء قديما فهو صحيح الحديث منهم سفيان الثوري فأما من سمع منه بأخرة فهو مضطرب الحديث منهم هشيم وخالد بن عبد الله الواسطي
(5) - *ومَتى تُوبِعَ السَّيِّءُ الحِفْظِ بِمُعْتَبَرٍ ؛ (( أي )) كأَنْ يكونَ فوقَهُ أَو مِثْلَه لا دُونَه ، وكَذا المُخْتَلِطُ الَّذي لم يتَمَيَّزْ و (( كذا )) المَسْتورُ والإِسنادُ المُرْسَلُ وكذا المُدَلَّسُ إِذا لم يُعْرَفِ المحذوفُ منهُ صارَ حديثُهُم حَسناً ؛ لا لذاتِهِ ، بل وَصْفُهُ بذلك باعتبارِ المَجْموعِ من المتابِعِ والمتَابَعِ ؛ لأنَّ [ معَ ] كلِّ واحدٍ منهُم احْتِمالَ كونِ روايتِه (( معه )) صواباً أَو غيرَ صوابٍ على حدٍّ سواءٍ .
فإِذا جاءَتْ مِنَ المُعْتَبَرينَ روايةٌ مُوافِقةٌ لأحدِهِم ؛ رُجِّحَ أَحدُ الجانِبينِ مِن الاحْتِمالينِ المَذكورَيْنِ ، ودلَّ ذلك على أَنَّ الحَديثَ مَحْفوظٌ ، فارْتَقى مِن درَجَةِ التوقُّفِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ ، [ واللهُ أَعلمُ ] .
ومعَ ارْتِقائِهِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ ؛ فهُو مُنْحَطٌّ عنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ لذاتِه ، ورُبَّما توقَّفَ بعضُهم عنْ إِطلاقِ اسمِ الحَسَنِ عليهِ
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 27) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 533)(1/203)
الفصلُ الرابعُ
الخبرُ المُشْتَرَك بين المقبول والمردود
المبحث الأول: تقسيم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِدَ إليه.
المبحث الثاني: أنواع متفرقة مشتركة بين المقبول والمردود.
المبْحَث الأول
ـ تقسيم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِد إليه ـ
ينقسم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِد إليه إلى أربعة أقسام وهي:
الحديث القدسي ـ المرفوع ـ الموقوف ـ المقطوع. وإليك بحث هذه الأقسام تفصيلا على التوالي.
الحديث القُدْسيُّ (1)
1- تعريفه:
أ) لغة: القُدْسِيُّ نسبة إلى " القُدْس " أي الطُّهْر، (2) . أي الحديث المنسوب إلى الذات القدسية . وهو الله سبحانه وتعالى .
ب) اصطلاحاً : هو ما نُقِلَ إلينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل .
2- الفرق بينه وبين القرآن :
هناك فروق كثيرة أشهرها ما يلي:
__________
(1) - *قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 27)
(2) - *تاج العروس - (ج 1 / ص 4066)(1/204)
أن القرآن لفظه ومعناه عن الله تعالى،والحديث القدسي معناه من الله،ولفظه من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والقرآن يُتَعَبَّد بتلاوته،والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته.
القرآن يشترط في ثبوته التواتر،والحديث القدسي لا يشترط في ثبوته التواتر.
3- عدد الأحاديث القدسية :
والأحاديث القدسية ليست بكثيرة بالنسبة لعدد الأحاديث النبوية ،وعددها يزيد على المائتي حديث (1) .
4- مثاله:
كما في صحيح مسلم (2) عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : « يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا
__________
(1) - *وفي موسوعتي (موسوعة السنة النبوية ) بلغ عدد الأحاديث القدسية (144) بلفظ قال الله وقال ربكم (9) ويَقُولُ اللهُ (41) وإنَّ الله يَقولُ (22)
وهي تبلغ حوالي ألف حديث وليس مائتين !!!
(2) -* برقم (6737 )(1/205)
فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
5- صِيَغُ روايته :
لراوي الحديث القدسي صيغتان يَرْوِي الحديث بأيهما شاء،وهما :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل. (1)
قال الله تعالى،فيما رواه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (2)
6- أشهر المصنفات فيه :
الإتحافات السَّنِية بالأحاديث القدسية،لعبد الرؤوف المُناوي جَمَع فيه / 272/ حديثاً.
=================
المَرْفُوعُ
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم مفعول من فعل " رَفعَ " ضد وَضَعَ " كأنه سُمي بذلك لنِسْبَتِهِ إلى صاحب المقام الرَّفيع،وهو النبي صلي الله عليه وسلم.
ب) اصطلاحاً: ما أُضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.
2- شرح التعريف :
__________
(1) - *كما في سنن الدارمى برقم (2842) أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىَّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ رَبَّكُمْ رَحِيمٌ ، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَشْراً إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ وَاحِدَةً أَوْ يَمْحُوهَا ، وَلاَ يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ هَالِكٌ » وهو صحيح.
(2) - *كما في صحيح البخارى برقم (2270 ) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ » .(1/206)
أي هو ما نُسِبَ أو ما أُسْنِدَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان هذا المضاف قولا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو فعلا أو تقريراً أو صفة وسواء كان المُضِيْفُ هو الصحابي أو من دونه،متصلا كان الإسناد أو منقطعاً،فيدخل في المرفوع الموصول والمرسل والمتصل والمنقطع،هذا هو المشهور في حقيقته،وهناك أقوال أخرى في حقيقته وتعريفه .
3- أنواعه:
يتبين من التعريف أن أنواع المرفوع أربعة وهي:
المرفوع القولي .
المرفوع الفعلي.
المرفوع التقريري.
المرفوع الوصفي .
4- أمثلة:
أ) مثال المرفوع القولي : أن يقول الصحابي أو غيره : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ...... " . (1)
ب) مثال المرفوع الفعلي : أن يقول الصحابي أو غيره : " فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ......... " . (2)
ج) مثال المرفوع التقريري: أن يقول الصحابي أو غيره " فُعِلَ بحَضْرَة النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا " ولا يروي إنكاره لذلك الفعل. (3)
__________
(1) - *كما في صحيح البخارى برقم (8 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ » .
(2) - *كما في صحيح البخارى برقم (1693 )عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهم - لأَبِيهِ أَقِمْ ، فَإِنِّى لاَ آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ . قَالَ إِذًا أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِى الْعُمْرَةَ . فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَقَالَ مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ . ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْىَ مِنْ قُدَيْدٍ ، ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا ، فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا .
(3) - *كما في سنن أبى داود برقم (334 ) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِى لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِى الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ». فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى مَنَعَنِى مِنَ الاِغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّى سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.( وهو حديث صحيح )(1/207)
د) مثال المرفوع الوصفي : أن يقول الصحابي أو غيره : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلُقاً " . (1)
==================
المَوْقوفُ (2)
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم مفعول من " الوَقف " كأن الراوي وقف بالحديث عند الصحابي،ولم يتابع سرد باقي سلسلة الإسناد.
ب) اصطلاحاً: ما أُضِيفَ إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير.
2- شرح التعريف :
أي هو ما نُسِبَ أو أُسْنِدَ إلى صحابي أو جَمْع من الصحابة سواء كان هذا المنسوب إليهم قولا أو فعلا أو تقريراً،وسواء كان السند إليهم متصلا أو منقطعاً .
3- أمثلة:
أ) مثال الموقوف القولي : قول الراوي،قال على بن أبي طالب رضي الله عنه : " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " (3)
__________
(1) -* كما في صحيح مسلم برقم (1532 )عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ،فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلاَةُ وَهْوَ فِى بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ ثُمَّ يُنْضَحُ ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا وَكَانَ بِسَاطُهُمْ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ.
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 7) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 5) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 2) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 89) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 101) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 125)
(3) - *صحيح البخارى برقم (127 )(1/208)
ب) مثال الموقوف الفعلي: عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِى مَكَانِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ. (1)
ج) مثال الموقوف التقريري : كقول بعض التابعين مثلاً : " فعلت كذا أمام أحد الصحابة ولم يُنْكِر عَلَيَّ " . (2)
4- استعمال آخر له :
يستعمل اسم الموقوف فيما جاء عن غير الصحابة لكن مقيداً فيقال مثلا : " هذا حديث وقفه فلان على الزهري أو على عطاء (3) ونحو ذلك . (4)
5- اصطلاح فقهاء خراسان :
يسمي فقهاء خراسان :
ا ) المرفوع: خبراًٍ. ... ... ...
ب) والموقوف: أثراً.
أما المحدثون فيسمون كل ذلك " أثراً " لأنه مأخوذ من " أَثَرَتُ الشيء " أي رويته.
6- فروع تتعلق بالمرفوع حُكْماً:
__________
(1) -* صحيح البخارى برقم (848 )
(2) - *كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 6 / ص 446)برقم (18523)حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ مَوْلاَةً لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا حَتَّى اخْتَلَعَتْ بِبَعْضِ ثِيَابِهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وهو حديث حسن
(3) - الزهري وعطاء كلاهما من التابعين .
(4) - * كما في معرفة السنن والآثار للبيهقي برقم (1346 ) أخبرنا أبو علي الروذباري قال : أخبرنا أبو بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا يحيى ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب قال : « يغسل بول الجارية ، وينضح بول الغلام ، ما لم يطعم » قال : وحدثنا أبو داود قال : حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبي الأسود ، عن علي ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكر معناه ، ولم يذكر « ما لم يطعم الطعام » قال قتادة : هذا ما لم يطعما ، فإذا طعما غسلا جميعا ، هذا حديث وقفه سعيد بن أبي عروبة ، ورفعه هشام الدستوائي وهو حافظ ثقة(1/209)
هناك صور من الموقوف في ألفاظها وشكلها،لكن المدقق في حقيقتها يرى أنها بمعنى الحديث المرفوع،لذا أطلق عليها العلماء اسم " المرفوع حكماً " أي أنها من الموقوف لفظاً المرفوع حكماً. (1)
ومن هذه الصور :
أن يقول الصحابي ـ الذي لم يُعْرَف بالأخذ عن أهل الكتاب ـ قولا لا مجال لاجتهاد فيه،ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب مثل :
الإخبار عن الأمور الماضية،كَبَدْءِ الخَلقْ. (2)
أو الإخبار عن الأمور الآتية،كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة . (3)
__________
(1) - *شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 549)
(2) -*كما في مصنف عبد الرزاق مشكل - (ج 3 / ص 79)برقم (5582)عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ : أَبَا عَبَّاسٍ ، السَّاعَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ مَرَّاتٍ ، خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ فِي آخِرِ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ ، فَخَلَقَهُ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ كُلِّهَا ، أَحْمَرِهَا ، وَأَسْوَدِهَا ، وَطَيِّبِهَا ، وَخَبِيثِهَا ، وَحَزْنِهَا ، وَسَهْلِهَا ، فَلِذَلِكَ فِي وَلَدِهِ الطَّيِّبُ ، وَالْخَبِيثُ ، وَالأَحْمَرُ ، وَالأَسْوَدُ ، وَالسَّهْلُ ، وَالْحَزْنُ ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَّهُ ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَهُ ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا فَنَسِيَ فَسُمِّيَ الإِنْسَانَ ، فَلِلَّهِ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْهَا ( وهو صحيح ومثله لا يقال بالرأي )
وفي مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 13 / ص 172)برقم (34649)حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ سَلْمَانَ ، قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ ، قَالَ : وَاحِدَةٌ لِي وَوَاحِدَةٌ لَك , وَوَاحِدَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك , فَأَمَّا الَّتِي لِي فَتَعْبُدُنِي لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا , وَأَمَّا الَّتِي لَك فَمَا عَمِلْت مِنْ شَيْءٍ جَزَيْتُك بِهِ , وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَك فَمِنْك الْمَسْأَلَةُ وَعَلَيَّ الإِجَابَةُ .(( صحيح موقوف وحكمه حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأي )
(3) -*كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 14 / ص 474) برقم (37246)حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ خَيْثَمَة ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ ، وَقَالَ : َلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ النِّسَاءِ حَوْلَ الأَصْنَامِ (( صحيح وحكمه الرفع )
وبرقم (37248)ححَدَّثَنَا عَفَّانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ ، عَنْ زِرٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، قَالَ : تَكُونُ فِتْنَةٌ فَيَقُومُ لَهَا رِجَالٌ فَيَضْرِبُونَ خَيْشُومَهَا حَتَّى تَذْهَبَ ، ثُمَّ تَكُونُ أُخْرَى فَيَقُومُ لَهَا رِجَالٌ فَيَضْرِبُونَ خَيْشُومَهَا حَتَّى تَذْهَبَ ، ثُمَّ تَكُونُ أُخْرَى فَيَقُومُ لَهَا رِجَالٌ فَيَضْرِبُونَ خَيْشُومَهَا حَتَّى تَذْهَبَ ، ثُمَّ تَكُونُ أُخْرَى فَيَقُومُ لَهَا رِجَالٌ فَيَضْرِبُونَ خَيْشُومَهَا حَتَّى تَذْهَبَ ، ثُمَّ تَكُونُ الْخَامِسَةُ دَهْمَاءُ مُجَلَّلَةٌ تَنْبَثِقُ فِي الأَرْضِ كَمَا يَنْبَثِقُ الْمَاءُ .(( صحيح موقوف وحكمه حكم الرفع ))(1/210)
أو الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص (1) أو عقاب مخصوص (2) ،كقوله من فعل كذا فله أجر كذا.
أو يفعل الصحابي مالا مجال للاجتهاد فيه : كصلاة الكسوف في عهد الصحابة . (3)
أو يخبر الصحابي أنهم كانوا يقولون أو يفعلون كذا أو لا يرون بأساً بكذا . (4)
فإن أضافه إلى زمن النبي صلي الله عليه وسلم،فالصحيح أنه مرفوع،كقول عَنْ جَابِرٍ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ (5) .
__________
(1) -*كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 1 / ص 4)برقم (19)حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : مَنْ قَالَ : إذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك ، خُتِمَتْ بِخَاتَمٍ ، ثُمَّ رُفِعَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَلَمْ تُكْسَرْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.(( صحيح موقوف ، ومثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم المرفوع ))
(2) -*صحيح مسلم برقم (3390 ) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا أَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ قَالَ نَعَمْ هِىَ حَرَامٌ لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
(3) -* كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 3 / ص 310) برقم (8306)حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى فِي الْكُسُوفِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ.
وبرقم (8307)حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ ، عَنْ طَاوُوسٍ ، أَنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَلَّى عَلَى صُفَّةِ زَمْزَمَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ.
وبرقم (8314)حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : صَلاَةُ الآياتِ سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. ( الكل صحيح ومثله لا يقال بالرأي )
(4) - *كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 1 / ص 240) برقم (1642) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَلْمَانَ ، قَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ أَرَى صَاحِبَكُمْ وَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ؟ فَقَالَ : سَلْمَانُ : أَجَلْ , أَمَرَنَا أَنْ لاَ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ، وَلاَ نَسْتَنْجِيَ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ.(( صحيح ومثله لا يقال بالرأي ))
وكما في مسند أحمد برقم (1598) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى خَالِدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كُنْتُ إِذَا رَكَعْتُ وَضَعْتُ يَدَىَّ بَيْنَ رُكْبَتَىَّ - قَالَ - فَرَآنِى أَبِى سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَنَهَانِى وَقَالَ إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ. (( صحيح ومثله لا يقال بالرأي ))
وكما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 4 / ص 304) برقم (11294)حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ حَفْصَةَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ، قَالَ نُهِينَا ، عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا.(( صحيح ومثله لا يقال بالرأي ))
(5) - *مسند أحمد برقم (14690) وهو صحيح
وإن أضَافهُ فالصَّحيح الذي قطعَ به الجُمهور من أهل الحديث والأصُول أنَّه مرفوعٌ.
قال ابن الصَّلاح : لأنَّ ظاهر ذلكَ مُشْعر بأنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - اطَّلع على ذلك, وقرَّرهُم عليه, لتوفُّر دواعيهم على سُؤالهم عن أمور دينهم, وتقريره أحد وجُوه السُّنن المرفوعة, تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 126)(1/211)
وان لم يُضِفْهُ إلى زمنه فهو موقوف عند الجمهور، (1) كقول عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا،وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا (2) .
أو يقول الصحابي (3) : " أُمِرْنا بكذا أو نُهينا عن كذا،أو من السُّنة كذا " فعَنْ أَنَسٍ قَالَ أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلاَّ الإِقَامَةَ (4) .
وكقول أُمِّ عَطِيَّةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ،وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا (5)
وكقول أَيُّوبَ وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا. قَالَ خَالِدٌ وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . (6)
__________
(1) - *كذا قال ابن الصَّلاح تبعًا للخطيب , وحكاهُ المُصنِّف في «شرح مسلم» عن الجُمهور من المُحدِّثين وأصْحَاب الفقه والأصُول, وأطلق الحاكم والرَّازي والآمدي أنَّه مرفوعٌ, وقال ابن الصبَّاغ: إنَّه الظَّاهر ومثَّله بقول عائشة رضي الله عنها: كانت اليَدُ لا تُقطع في الشَّيء التَّافه.
وحكَاهُ المُصنِّف في «شرح المُهذَّب» عن كثير من الفُقهاء, قال: وهو قوي من حيثُ المعنى, وصحَّحه العراقي وشيخ الإسلام.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 126)
(2) - *فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 111) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 126)
(3) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 8) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 6) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 106) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 407) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 128) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 30) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 569)
(4) - *صحيح البخارى برقم (605 )
(5) -* صحيح البخارى برقم (1278 )
(6) - *صحيح مسلم برقم (3700 )
[وما أشبههُ, كُله مرفوعٌ على الصَّحيح الَّذي قالهُ الجُمهور].
قال ابن الصَّلاح : لأنَّ مُطْلق ذلك يَنْصرف بظاهرهِ إلى من له الأمر والنَّهي, ومن يجب اتِّباع سُنَّته, وهو رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال غيره: لأنَّ مقصود الصَّحابي بيان الشَّرع لا اللغة ولا العادة, والشَّرع يتلقى من الكِتَاب والسُّنة والإجْمَاع والقِياس ولا يصح أن يريد أمر الكتاب, لكون ما في الكتاب مَشْهورًا يعرفه النَّاس, ولا الإجماع, لأنَّ المُتكلم بهذا من أهل الإجماع, ويستحيل أمره نفسه, ولا القياس, إذ لا أمر فيه, فتعيَّن كَوْن المُرَاد أمر الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - .
وقيل: ليسَ بمرفوعٍ, لاحتمال أن يَكُون الآمر غيره, كأمر القُرآن, أو الإجْمَاع, أو بعض الخُلفاء, أو الاستنباط, وأن يريد سنة غيره.
وأُجيب بِبُعدِ ذلك, مع أنَّ الأصل الأوَّل, وقد روى البُخَاري في «صحيحه»(312) من حديث ابن شِهَاب, عن سالم بن عبد الله بن عُمر, عن أبيه, في قِصَّتهِ مع الحَجَّاج حينَ قال له: إن كُنتَ تُريد السُّنة فهَجِّر بالصَّلاة. قال ابن شِهَاب: فقلتُ لِسَالم أفعلهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: وهل يَعْنُون بذلكَ إلاَّ سُنَّته.
فنقلَ سَالم, وهو أحد الفُقهاء السَّبعة من أهل المدينة, وأحد الحُفَّاظ من التَّابعين عن الصَّحابة أنَّهم إذا أطلقُوا: السُّنة, لا يُريدون بذلكَ إلاَّ سُنَّة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأمَّا قولُ بعضهم: إن كانَ مرفوعًا, فلمَ لا يَقُولون فيه: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فجَوَابه: أنَّهم تَرَكُوا الجَزْم بذلكَ تورعًا واحتياطًا, ومن هذا قولُ أبي قِلابة, عن أنَسٍ: من السُّنة, إذا تَزَوَّج البِكْر على الثَّيب أقامَ عندهَا سبعًا. أخرجاه(313). قال أبو قِلابة: لو شئتُ لقلت: إنَّ أنَسًا رفعهُ إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - . أي: لو قلتُ لم أكْذِب, لأنَّ قوله: من السُّنة, هذا معناه, لكن إيراده بالصِّيغة التي ذكرهَا الصَّحابي أولَى, وخَصَّص بعضهم الخلاف بغير الصديق, أمَّا هو فإن قال ذلك فمرفوعٌ بلا خلاف.
قلت: ويُؤيد الوقف في غيره, ما أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنَّف»(314) عن حنظلة السَّدوسي قال: سمعتُ أنس بن مالك يقول: كان يُؤمر بالسَّوط فتُقطع ثمرتهُ ثمَّ يُدَق بين حَجَرين, ثمَّ يُضْرب به, فقلتُ لأنس في زمانِ مَنْ كان هذا؟ قال في زَمَانِ عُمر بن الخطَّاب.فإن صرَّح الصَّحابي بالأمر, كقوله: أَمرنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلا خِلافَ فيه, إلاَّ ما حُكي عن داود وبعض المُتكلمين: أنَّه لا يكون حُجَّة حتى ينقل لفظه, وهذا ضعيف, بل باطل, لأنَّ الصَّحابي عدلٌ عارف باللِّسان, فلا يطلق ذلك إلاَّ بعد التحقيق.
قال البَلْقيني(315): وحكم قوله: من السُّنة, قولُ ابن عبَّاس في متعة الحجِّ: سُنَّة أبي القاسم (316).
وقول عَمرو بن العَاص في عِدَّة أمِّ الولد: لا تَلْبسُوا علينا سُنَّة نبينا. رواه أبو داود(317).
وقول عُمر في المَسْح: أصَبْت السُّنة. صحَّحهُ الدَّارقُطْني في «سُننه»(318).
قال: وبعضها أقرب من بعض, وأقربها للرَّفع: سُنة أبي القاسم, ويليها: سُنَّة نبينا, ويلي ذلك: أصبتَ السُّنة.
[ولا فرقَ بين قوله] أي: الصَّحابي ما تقدَّم [في حياةِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعده] أمَّا إذا قال ذلك التَّابعي, فجزم ابن الصبَّاغ في العِدَّة أنَّهُ مرسل, وحكى فيه إذَا قالهُ ابن المُسيب وجْهين: هل يَكُون حُجَّة أو لا ؟ وللغزالي فيه احتمالان بلا ترجيح, هل يَكُون موقوفًا, أو مرفُوعًا مُرسلاً.
وكذا قوله: من السُّنة له وجْهانِ, حكاهما المُصنِّف في «شرح مسلم»(319) وغيره, وصحَّح وقفه, وحَكَى الدَّاودي الرفع عن القديم.
تكملة:
من المرفُوع أيضًا: ما جاء عن الصَّحابي, ومثلهُ لا يُقَال من قبلَ الرَّأي, ولا مَجَال للاجتهاد فيه, فيُحمل على السَّماع, جزمَ به الرَّازي في «المحصول» وغير واحد من أئمة الحديث.
وترجم على ذلك الحاكم في كتابه(320): معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها, ومثَّله بقول ابن مسعود: من أتَى سَاحرًا أو عَرَّافا فقَدْ كَفرَ بما أُنزِلَ به مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم - (321).
وقد أدخلَ ابن عبد البرِّ في كتابه «التَّقصي» عِدَّة أحاديث من ذلك, مع أنَّ موضوع الكتاب للمرفوعة, منها: حديث سهل بن أبي حَثْمة في صَلاة الخَوْفِ, وقال في «التمهيد»(322): هذا الحديث موقوف على سهل, ومثلهُ لا يُقَال من قبل الرَّأي.
نقل ذلك العِرَاقي وأشار إلى تخصيصه بصحابي لم يأخذ عن أهل الكتاب.
وصرَّح بذلك شيخ الإسْلام في «شرح النُّخبة» جازمًا, ومثَّله بالإخبار عن الأمُور المَاضية من بدء الخَلْق, وأخبار الأنباء الآتية, كالمَلاحم والفِتن, وأحْوَال يوم القِيَامة, وعمَّا يحصل بفعله, ثواب مخصوص, أو عِقَاب مخصُوص.
قال: ومن ذلك فعله ما لا مجال للاجتهاد فيه, فينزل على أنَّ ذلك عنده عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , كما قال الشَّافعي في صلاة عليٍّ في الكُسوف: في كلِّ ركعة أكثر من رُكوعين(323). تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 128)(1/212)
أو يقول الراوي في الحديث عند ذكر الصحابي بعض هذه الكلمات الأربع وهي : "يَرْفَعُهُ (1) أو يَنْمِيهَ (2) أو يَبْلُغُ به (3) ،أو رِوَايَةً " كحديث أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ « لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا،مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدًا،لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ» (4) .
أو يفسر الصحابي تفسيراً له تعلق بسبب نزول آية : فعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابرًا يَقُولُ :كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِى قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ
__________
(1) - *كما في صحيح البخارى برقم (3334 ) عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ « أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى . فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ » .
(2) - *كما في صحيح البخارى برقم (740 ) عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِى الصَّلاَةِ . قَالَ أَبُو حَازِمٍ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِى ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -
(3) - *كما في صحيح البخارى برقم (2665) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ » .
(4) -* صحيح البخارى 109/8 برقم (6410 )(1/214)
:({نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (223) سورة البقرة (1) .
7- هل يحتجُّ بالموقوف ؟
الموقوف ـ كما عرفت ـ قد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً،لكن حتى ولو ثبتت صحته فهل يحتج به ؟ والجواب عن ذلك أن الأصل في الموقوف عدم الاحتجاج به . لأنه أقوال وأفعال صحابة . لكنها إن ثبتت فإنها تقوي بعض الأحاديث الضعيفة ـ كما مر في المرسل ـ لأن حال الصحابة كان هو العمل بالسنة،وهذا إذا لم يكن له حكم المرفوع،أما إذا كان من الذي له حكم المرفوع فهو حجة كالمرفوع . (2)
================
المَقْطوُعُ (3)
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم مفعول من " قَطَعَ " ضد " وَصَلَ".
ب) اصطلاحاً: ما أُضيف إلى التابعي (4) أو من دونه من قول أو فعل .
2- شرح التعريف :
أي هو ما نُسِبَ أو أُسنِدَ إلى التابعي أو تابع التابعي فمن دونه من قول أو فعل،والمقطوع غير المنقطع،لأن المقطوع من صفات المتن،والمنقطع من صفات الإسناد،أي أن الحديث
__________
(1) - *صحيح مسلم برقم (3608 )
(2) -* انظر : المستصفى - (ج 1 / ص 257)وكشف الأسرار - (ج 6 / ص 81) والتقرير والتحبير - (ج 4 / ص 312) وشرح الكوكب المنير - (ج 1 / ص 500) وشرح التلويح على التوضيح - (ج 1 / ص 211) وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 5 / ص 373) والفصول في الأصول - (ج 2 / ص 230)
(3) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 8) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 6) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) والبيقونية - (ج 1 / ص 1) وقواد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 89) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 135) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 33) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 605)
(4) - التابعي هو من لقي الصحابي مسلماً ومات على الإسلام، وقد مر(1/215)
المقطوع من كلام التابعي فمن دونه،وقد يكون السند متصلا إلى ذلك التابعي،على حين أن المنقطع يعني أن إسناد ذلك الحديث غير متصل،ولا تعلق له بالمتن
3- أمثلة:
أ) مثال المقطوع القولي : فعَنِ الْحَسَنِ،قَالَ : إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،ثُمَّ أَحْدَثَ أَجْزَاهُ الْوُضُوءُ. (1)
ب) مثال المقطوع الفعلي : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ،قَالَ : كَانَ مَسْرُوقٌ لاَ يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ مَعَهَا امْرَأَةٌ. " (2)
4- حكم الاحتجاج به :
المقطوع لا يحتج به في شيء من الأحكام الشرعية،أي ولو صحت نسبته لقائله،لأنه كلام أو فعل أحد المسلمين،لكن إن كانت هناك قرينة تدل على رفعه،كقول بعض الرواة : ـ عند ذكر التابعي ـ " يرفعه " مثلا فيعتبر عندئذ له حكم المرفوع المرسَل . (3)
5- إطلاقه على المنقطع :
__________
(1) - *مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 2 / ص 287)برقم (5050) حسن مقطوع
ومثله كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 2 / ص 289)برقم (5065)حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَانُوا لاَ يُجَمِّعُونَ فِي الْعَسَاكِرِ.( وهو صحيح مقطوع )
وبرقم (5069)حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ أَيُّمَا أَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسُوا بِأَهْلِ عَمُودٍ يَنْتَقِلُونَ فَأَمِّرْ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا يُجَمِّعُ بِهِمْ.( صحيح مقطوع )
(2) - *مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 4 / ص 303)برقم (11287)(صحيح مقطوع )
زكما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 9 / ص 52) برقم (25178)ح عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَانَ مَسْرُوقٌ سَيْفُهُ مُحَلًّى.( وهو صحيح مقطوع )
(3) - *كما في مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل - (ج 3 / ص 9)برقم (6465) عَنْ مُجَاهِدٍ يَرْفَعُهُ ، قَالَ : لاَ يَأْتَمُّ بِنَائِمٍ ، وَلاَ مُتَحَدِّثٍ.(فيه لين)
وبرقم (9316)عنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ يَرْفَعُهُ ، قَالَ : ثَلاَثَةٌ لاَ يُفَطِّرُونَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ وَالْقَيْؤُ وَالاِحْتِلاَمُ.(حسن مرسل)
وبرقم (10337) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَرْفَعُهُ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالُ : عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ.(صحيح مرسل)
وبرقم (26486)عَنِ الْحَسَنِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَعَنَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ وَلَعَنَ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ.(صحيح مرسل)(1/216)
أطلق بعض المحدثين كالشافعي والطبراني لفظ " المقطوع " وأرادوا به " المنقطع " أي الذي لم يتصل إسناده،وهو اصطلاح غير مشهور .
وقد يُعْتَذر للشافعي بأنه قال ذلك قبل استقرار الاصطلاح،أما الطبراني فإطلاقه ذلك تجوزاً عن الاصطلاح .
6- من مَظِنَّات الموقوف والمقطوع :
أ) مصنف ابن أبي شيبة (1) .
ب) مصنف عبد الرزاق (2) .
ج) تفاسير ابن جرير (3) وابن أبي حاتم (4) وابن المنذر (5) .
__________
(1) -* وهو مرتب على الأبواب الفقهية ، وفيه أكثر من ثلاثين ألف حديث وأثر ، ومؤلفه من كبار علماء الحديث في عصره وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، وغالب أحاديثه صحيح وحسن ، وغالب الأحاديث الضعيفة مقبولة وله طبعتان : الأولى الهندية ، والثانية طبعة دار الفكر/بيروت وفيها أخطاء مطبعية وفنية كثيرة ، وهو يحتاج لضبط وتخريج لكامل أحاديثه مع بيان الحكم النهائي عليها . وقد حققه العلامة محمد عوامة ، ولم يتسنَّ لي الاطلاع عليه
(2) - * وهو كتاب مصنف على الأبواب الفقهية وفيه (21033) ثلاثة وثلاثون وواحد وعشرون ألف حديث وأثر. ومؤلفه إمام جليل ، ثبت في كتابه ، وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف والواهي أحياناً. وغالبها مقبول ، وقد قام العلامة حبيب الرحمن الأعظمي بتحقيقه وتخريج أحاديثه بشكل موجز وقد طبع في أحد عشر جزءاً ويحتاج لتخريج أحاديثه بشكل مفصل ، وبيان حكمها صحةً وضعفاً ، مع شرح ما غمض منها .
(3) -*0 محمد بن جرير الطبري رحمه الله(224-310 هـ)
وهو أوثق وأقدم مادون في التفسير بالمأثور ، كما أنه من أهم المصادر في التفسير بالمعقول ، لما فيه من الاستنباطات العلمية الدقيقة ، وتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض ، مما يدلُّ على حسن النظر وعمق البحث ، قال الإمام السيوطي في تقويم تفسير الطبري : " أجلُّ التفاسير وأعظمها ، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب ، والاستنباط ن فهو يفوق بذلك تفاسير الأقدمين " وقال الإمام النووي " أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري "اهـ
لمحات في المكتبة البحث والمصادر لأستاذنا د- محمد عجاج الخطيب ص 123-125 ط 1975 م
قلت :
وفيه أكثر ما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين من تفسير لكتاب الله تعالى ، وأحاديثه كثيرة جداً ، وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف والواهي وقد طبع طبعات كثيرة أهمها بتحقيق العلامة محمود شاكر ، ولكنه مات قبل أن ينتهي منه ، وفيها فوائد قيمة ،وهو يحتاج لتخريج وضبط من جديد.
(4) - * ابن أبي حاتم ( 240 - 327 هـ )
هو عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم بن إدريس ، شيخ الإسلام ، أبو محمد التميمي الحنظلي الرازي - والحنظلي نسبة إلى درب حنظلة بالري - من كبار حفاظ الحديث .
رحل في طلب الحديث إلى البلاد مع أبيه وبعده ، وأدرك الأسانيد العالية . سمع أبا سعيد الأشجّ وابن وارة وأبا زرعة وخلائق بالأقاليم . وروى عنه كثيرون . كان إمامًا في معرفة الرجال . قال أبو الوليد الباجي : ابن أبي حاتم ثقة حافظ .
من تصانيفه : " الجرح والتعديل " وهو كتاب يقضي له بالرتبة المتقنة في الحفظ ؛ " والتفسير " عدة مجلدات ؛ و " الرد على الجهمية " . كما صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين .
[ تذكرة الحفاظ 3 / 46 ؛ وطبقات الحنابلة 2 / 55 ؛ والأعلام للزركلي 4 / 99 ]
وهو تفسير ( ضخم جدا ) مسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين ، وفيه الصحيح والحسن والضعيف والواهي ، وهو يحتاج لتحقيق وتخريج كامل لأحاديثه
(5) - * وفي سير أعلام النبلاء (ج 28 / ص 61)
275 - ابْنُ المُنْذِرِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ النَّيْسَابُوْرِيُّ الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ كَـ(الإِشْرَافِ فِي اخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ)، وَكِتَابِ(الإِجْمَاعِ)، وَكِتَابِ(المَبْسُوْطِ)، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وُلِدَ:فِي حُدُوْدِ مَوتِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى عَنِ:الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مَذْكُوْرِينَ فِي كُتُبِهِ.(14/491)
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَمَّارٍ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالحُسَيْنُ وَالحَسَنُ؛ابْنَا عَلِيِّ بنِ شَعْبَانَ.
وَلَمْ يَذْكُرْهُ الحَاكِمُ فِي(تَارِيْخِهِ)نَسِيَه، وَلاَ هُوَ فِي(تَارِيْخِ بَغْدَادَ)، وَلاَ(تَارِيْخِ دِمَشْقَ)، فَإِنَّهُ مَا دَخَلَهَا.
وعِدَادُهُ فِي الفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّيْنِ النَّوَاوِيُّ:لَهُ مِنَ التَّحْقِيْقِ فِي كُتُبِه مَا لاَ يُقَارِبُهُ فِيْهِ أَحَدٌ، وَهُوَ فِي نِهَايَةٍ مِنَ التَّمكُّنِ مِنْ مَعْرِفَة الحَدِيْثِ، وَلَهُ اخْتِيَارٌ فَلاَ يَتَقيَّدُ فِي الاخْتِيَارِ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ، بَلْ يَدُورُ مَعَ ظُهُوْر الدَّلِيْلِ.
قُلْتُ:مَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ إِلاَّ مَنْ هُوَ قَاصِرٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ، كَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا، أَوْ مَنْ هُوَ مُتَعَصِّبٌ، وَهَذَا الإِمَامُ فَهُوَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، جَارٍ فِي مِضْمَارِ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَتِلْكَ الحَلَبَةِ - رَحِمَهُمُ اللهُ - .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ(الطَّبَقَاتِ)، قَالَ:
وَمِنْهُم أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، مَاتَ بِمَكَّةَ، سنَةَ تِسْعٍ - أَوْ عَشْرٍ - وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَنَّفَ فِي اخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ كُتُباً لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ مِثلَهَا، وَاحْتَاجَ إِلَى كُتُبِهِ المُوَافِقُ وَالمُخَالِفُ، وَلاَ أَعْلَمُ عَمَّنْ أَخَذَ الفِقْهَ.
قُلْتُ:قَدْ أَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ وَفَاتِه، فَهُوَ عَلَى التَّوَهُّمِ، وَإِلاَّ فَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ عَمَّارٍ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَأَرَّخَ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ بنُ قَطَّانَ الفَاسِيُّ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.(14/492)...
وَلاِبْنِ المُنْذِرِ(تَفْسِيْرٌ)كَبِيْرٌ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّداً، يَقضِي لَهُ بِالإِمَامَةِ فِي عِلْمِ التَّأْوِيْلِ أَيْضاً.(14/493)
وانظر [ تذكرة الحفاظ 3 / 4 ، 5 ؛ والأعلام للزركلي 6 / 84 ؛ وطبقات الشافعية 2 / 126 ](1/217)
المبْحَثُ الثَاني
أنواعٌ أخرى مشتركة بين المقبول والمردود
المُسْنَدُ
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم مفعول من " أَسْنَدَ " بمعنى أضاف،أو نَسَبَ
ب) اصطلاحاً: ما اتصل سنده مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (1)
2 - مثاله:
ما أخرجه البخارى في صحيحه (2) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ: « إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا » .
فهذا حديث اتصل سنده من أوله إلى منتهاه،وهو مرفوع إلى النبي صلي الله عليه وسلم.
---------------
المُتَصِلُ (3)
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم فاعل من " اتَّصَل " ضده " انْقَطَعَ " ويسمَّى هذا النوع بـ " الموصول " أيضاً.
__________
(1) - هذا التعريف هو الذي قطع به الحاكم ، وجزم به ابن حجر في النخبة وهناك تعريفات أخرى للمسند .
(2) - * برقم (172 )
(3) - * المختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 2) والبيقونية - (ج 1 / ص 1) وقواد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 83) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 9) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 124) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 250)(1/219)
ب) اصطلاحاً: ما اتصل سنده مرفوعاً كان أو موقوفاً.
2- مثاله:
أ) مثال المتصل المرفوع : " كما في صحيح البخارى (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ،فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ » . ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِى حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ .
ب) مثال المتصل الموقوف : كما في موطأ مالك (2) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنَ الْمُلاَمَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ.
3- هل يسمَّى قول التابعي متصلا ؟
قال العراقي : " وأمَّا أقْوَال التَّابعين إذا اتَّصلت الأسَانيد إليهم, فلا يُسمونها مُتَّصلة في حالة الإطْلاق, أمَّا مع التَّقييد فجَائز وواقع في كلامهم, كقولهم: هذا مُتَّصل إلى سعيد بن المُسيب, أو إلى الزُّهْري, أو إلى مالك ونحو ذلك.
وقيل: والنُّكتة في ذلك أنَّها تُسمَّى مَقَاطيع, فإطْلاق المُتَّصل عليها, كالوَصْف لشيء واحد بمُتضادين لغة. " . (3)
--------------------
زيادات الثقات (4)
1- المراد بزيادات الثقات :
__________
(1) - *برقم (617 )
(2) -* برقم (96 )
(3) -* فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 100) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 124)
(4) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 198) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 183) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 14)(1/220)
الزيادات جمع زيادة،والثقات جمع ثقة،والثقة هو العدل الضابط،والمراد بزيادة الثقة ما نراه زائداً من الألفاظ في رواية بعض الثقات لحديث ما عما رواه الثقات الآخرون لذلك الحديث.
2- أشهر من اعتنى بها :
هذه الزيادات من بعض الثقات في بعض الأحاديث لفتت أنظار العلماء،فتتبعوها واعتنوا بجمعها ومعرفتها،وممن اشتهر بذلك الأئمة :
أبو بكر عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوري .
أبو نُعَيم الجُرْجَاني .
أبو الوليد حسان بن محمد القرشي .
3- مكان وقوعها:
أ) في المتن: بزيادة كلمة أو جملة.
ب) في الإسناد: برفع موقوف،أو وصل مرسل.
4- حكم الزيادة في المتن :
أما الزيادة في المتن فقد اختلف العلماء في حكمها على أقوال:
فمنهم من قبلها مطلقاً .
ومنهم من ردها مطلقاً .
ومنهم من رد الزيادة من راوي الحديث الذي رواه أولاً بغير زيادة،وقبلها من غيره. (1)
وقد قسم ابن الصلاح الزيادة بحسب قبولها وردها إلى ثلاثة أقسام،وهو تقسيم حسن،وافقه عليه النووي وغيره،وهذا التقسيم هو :
زيادة ليس فيها منافاة لما رواه الثقات أو الأوثق،فهذه حكمها القبول،لأنها كحديث تفرد برواية جملته ثقة من الثقات .
زيادة منافية لما رواه الثقات أو الأوثق فهذه حكمها الرد،كما سبق في الشاذ.
__________
(1) - انظر علوم الحديث ص 77 والكفاية ص 424 وما بعدها .(1/221)
زيادة فيها نوع منافاة لما رواه الثقات أو الأوثق وتنحصر هذه المنافاة في أمرين .
تقييد المطلق.
تخصيص العام.
وهذا القسم سكت عن حكمه ابن الصلاح ،وقال عنه النووي : " والصحيح قبول هذا الأخير" (1)
5- أمثلة للزيادة في المتن :
أ)- مثال للزيادة التي ليس فيها منافاة : ما رواه صحيح مسلم (2) وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى رَزِينٍ وَأَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ ».،ولم يذكرها سائر الحفاظ من أصحاب الأعمش،وإنما رووه كما في موطأ مالك (3) عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ». فتكون هذه الزيادة كخبر تفرد به علي بن مُسْهِرَ،وهو ثقة (4) ،فتقبل تلك الزيادة .
ب)- مثال للزيادة المنافية:
زيادة "يوم عرفة"،كما في سنن أبى داود (5) عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَىٍّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَهِىَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ».
فان الحديث من جميع طرقه بدونها،وإنما جاء بها موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر،والحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما .
__________
(1) - انظر التقريب مع التدريب جـ1 ـ ص 247 ، هذا ومذهب الشافعي ومالك قبول هذا النوع من الزيادة ومذهب الحنفية رده .
(2) - *برقم (674 )
(3) - * برقم (66 ) ومسلم من طريقه برقم (676 )
(4) -* انظر ترجمته في تهذيب الكمال [ جزء 21 - صفحة 135 ] برقم (4137 )
(5) - *برقم (2421 ) وهو صحيح(1/222)
جـ)- مثال للزيادة التي فيها نوع منافاة : ما رواه مسلم (1) من طريق أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ عَنْ رِبْعِىٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ ». " فقد تفرد أبو مالك الأشجعي بزيادة "تربتها" ولم يذكرها غيره من الرواة،وإنما رووا الحديث هكذا " وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا " (2)
6- حكم الزيادة في الإسناد :
أما الزيادة في الإسناد فَتَنْصَبُّ هنا على مسألتين رئيسيتين يكثر وقوعهما،وهما تعارض الوصل مع الإرسال،وتعارض الرفع مع الوقف،أما باقي صور الزيادة في الإسناد فقد أفرد العلماء لها أبحاثاً خاصة مثل " المزيد في متصل الأسانيد "
هذا وقد اختلف العلماء في قبول الزيادة وردها على أربعة أقوال وهي :
__________
(1) - *صحيح مسلم برقم (1193 )
(2) - *صحيح البخارى برقم (335 )عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِى نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ ، وَأُحِلَّتْ لِىَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ، وَكَانَ النَّبِىُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً » .
والترمذى برقم (1640 )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وأحمد برقم (2794) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِىٌّ قَبْلِى وَلاَ أَقُولُهُنَّ فَخْراً بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَلَم تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لأُمَّتِى فَهِىَ لِمَنْ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً ». (وهو صحيح )
وأحمدبرقم (21905) عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أُوتِيتُ خَمْساً لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِىٌّ كَانَ قَبْلِى نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَيُرْعَبُ مِنِّى الْعَدُوُّ عَنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوَراً وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِى وَبُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ وَقِيلَ لِى سَلْ تُعْطَهْ فَاخْتَبَأْتُهَا شَفَاعَةً لأُمَّتِى وَهِىَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ لَقِىَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ». قَالَ الأَعْمَشُ فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَرَى أَنَّ الأَحْمَرَ الإِنْسُ وَالأَسْوَدَ الْجِنُّ. (صحيح)(1/223)
الحُكْمُ لمن وصله أو رفعه ( أي قبول الزيادة ) وهو قول جمهور الفقهاء والأصوليين (1) .
الحكم لمن أرسله أو وقفه ( أي ردُّ الزيادة ) وهو قول أكثر أصحاب الحديث .
الحكم للأكثر: وهو قول بعض أصحاب الحديث.
الحكم للأحفظ : وهو قول بعض أصحاب الحديث .
ومثاله: حديث " لا نكاح إلا بولي " فقد رواه يونس بن أبي اسحق السَّبِيعي،وابنُه إسرائيل وقيس بن الربيع عن أبي اسحق مسنداً متصلا،ورواه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن أبي اسحق مرسَلا (2)
==============
الاعْتِبار والمُتَابع والشاهِد (3)
__________
(1) -* قال الخطيب: " هذا القول هو الصحيح عندنا " الكفاية ص 411 و التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 161)
أنَّ الحُكْم لمن وصلهُ أو رفعه, سواء كان المخالف له مثله] في الحفظ والإتقان [أو أكثر] منه [لأنَّ ذلك] أي: الرفع والوصل [زيادة ثقة, وهي مَقْبولة] على ما سيأتي
(2) - *وقد سُئل البُخَاري عن حديث: «لا نِكَاحَ إلاَّ بولي», وهو حديث اختُلف فيه على أبي إسْحَاق السَّبيعي.
فرواهُ شُعبة والثَّوري عنه, عن أبي بُرْدة, عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مُرْسلا.
ورواه إسْرائيل بن يونس في آخرين, عن جدِّه أبي إسْحَاق, عن أبي بُرْدة, عن أبي مُوسى مُتَّصلاً. فحكم البُخَاري لمن وَصَلهُ, وقال: الزِّيادة من الثِّقة مقبُولة, هذا مع أنَّ من أرسلهُ شُعبة وسُفيان, وهُمَا جَبَلان في الحِفْظ والإتْقَان.
وقيل: لم يحكُم البُخَاري بذلكَ لمُجَرَّد الزِّيادة, بل لأنَّ لحُذَّاق المُحدِّثين نَظَرًا آخر, وهو الرُّجوع في ذلك إلى القَرَائن دونَ الحُكْم بحكم مُطَّرد, وإنَّما حكم البُخَاري لهذا الحديث بالوَصْل, لأنَّ الَّذي وصلهُ عن أبي إسْحَاق سبعة, منهم إسرائيل حفيدهُ, وهو أثبت النَّاس في حديثه, لكثرة مُمَارسته له, ولأنَّ شُعبة وسُفيان سمعاهُ في مَجْلس واحد, بدليل رِوَاية الطَّيالسي في «مسنده» قال: حدَّثنا شُعبة, قال: سمعت سُفيان الثَّوري يقول لأبي إسحاق: أحدَّثكَ أبو بُرْدة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فذكرَ الحديث, فرجعا كأنَّهما واحد, فإنَّ شُعبة إنَّما رواهُ بالسَّماع على أبي إسْحاق بقراءة سُفيان وحكم التِّرمذي في «جامعه» بأنَّ رواية الَّذين وصَلوهُ أصح.
قال: لأنَّ سَمَاعهم منهُ في أوقات مُختلفة, وشُعبة وسُفيان سمعاهُ في مَجْلس واحد, وأيضًا, فسُفيان لم يَقُل له: ولم يُحدِّثك به أبو بُرْدة إلاَّ مرسلا, وكان سُفيان قال له: أسمعتَ الحديث منهُ, فقَصْده إنَّما هو السؤال عن سماعه له, لا كيفية روايته له. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 161) و الكفاية ص 409 وما بعدها.
(3) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 15) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 89) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 194) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 180) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 16) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 14)(1/224)
1- تعريف كل منها:
أ) الاعْتِبَار:
1- لغة : مصدر " اعْتَبَر " بمعنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها.
2- اصطلاحاً:هو تتبع طرق حديث انفرد بروايته راو ليعرف هل شاركه في روايته غيرُه أو لا.
ب)المُتَابِع: ويسمى التابع.
1- لغة: هو اسم فاعل من " تابع " بمعنى وافق.
2- اصطلاحاً: هو الحديث الذي يشارك فيه رواتُه رواه الحديث الفرد لفظاً ومعنى فقط،مع الإتحاد في الصحابي .
جـ) الشاهد:
1- لغة: اسم فاعل من "الشهادة" وسمي بذلك لأنه يشهد أن للحديث الفرد أصلاً،ويقويه،كما يقوي الشاهد قول المدعي ويدعمه.
2- اصطلاحاً: هو الحديث الذي يشارك فيه رواته رواة الحديث الفرد لفظاً ومعنى،أو معنى فقط،مع الاختلاف في الصحابي.
2- الاعتبار ليس قسيماً للتابع والشاهد :
ربما يتوهم شخص أن الاعتبار قسيم للتابع والشاهد،لكن الأمر ليس كذلك،وإنما الاعتبار هو هيئة التوصل إليهما،أي هو طريقة البحث والتفتيش عن التابع والشاهد.
3- اصطلاح آخر للتابع والشاهد :
ما ذُكِرَ من تعريف التابع والشاهد هو الذي عليه الأكثر،وهو المشهور،لكن هناك تعريف آخر لهما وهو :(1/225)
التابع : أن تحصل المشاركة لرواة الحديث الفرد باللفظ سواء اتحد الصحابي أو اختلف .
الشاهد : أن تحصل المشاركة لرواة الحديث الفرد بالمعنى سواء اتحد الصحابي أو اختلف،هذا وقد يطلق اسم أحدهما على الآخر،فيطلق اسم التابع على الشاهد كما يطلق اسم الشاهد على التابع،والأمر سهل كما قال الحافظ ابن حجر (1) لأن الهدف منهما واحد،وهو تقوية الحديث بالعثور على رواية أخرى للحديث .
4- المتابعة :
أ) تعريفها:
1- لغة: مصدر " تَابَعَ " بمعنى " وَافَق " فالمتابعة إذن الموافقة.
2- اصطلاحاً: أن يشارك الراوي غيره في رواية الحديث.
ب) أنواعها: والمتابعة نوعان
1- متابعة تامة: وهي أن تحصل المشاركة للراوي من أول الإسناد.
2- متابعة قاصرة: وهي أن تحصل المشاركة للراوي أثناء الإسناد .
5- أمثلة:
سأذكر مثالا واحداً مَثَّلَ به الحافظ ابن حجر (2) ،وهو:
مِثالُ المُتابعةِ (( التامة )) : ما رواهُ الشَّافعيُّ في (( الأمِّ )) (3) عن مالِكٍ عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ عن ابنِ عُمرَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله [ تعالى ] عليه [ وآله ]وسلم قالَ : (( الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشرون،فلا تَصوموا حتَّى تَروُا الهِلالَ،ولا تُفْطِروا حتَّى تَرَوْهُ،فإِنْ غُمَّ عليكم ؛ فأَكْمِلوا العِدَّةَ ثلاثينَ )) .
__________
(1) - في شرح النخبة ص 38 .
(2) - *في شرح النخبة ص 37 و. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 198) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 182) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 15)
(3) -* الأم للشافعي مشكل - (ج 5 / ص 212)(1/226)
فهذا الحديثُ هذا اللَّفظِ ظَنَّ قومٌ أَنَّ الشافعيَّ (( رحمه الله تعالى )) تفرَّدَ بهِ عن مالِكٍ،فعَدُّوهُ في غرائِبِه ؛ لأنَّ أَصحابَ مالِكٍ روَوْهُ عنهُ بهذا الإِسنادِ،[ و ]بلفظِ : (( فإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ فاقْدُروا لهُ )) !
لكِنْ وجَدْنا للشَّافعيَّ مُتابِعاً،وهو عبدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ،كذلك أَخرجَهُ البُخاريُّ عنهُ عن مالكٍ .فهَذهِ متابَعةٌ تامَّةٌ .
ووَجَدْنا لهُ أَيضاً مُتابَعَةٌ قاصرةً في (( صحيحِ ابنِ خُزَيْمةَ )) مِن روايةِ عاصمِ بنِ محمَّدٍ عن أبيهِ [ محمَّدِ ] بنِ زيدٍ عن جدِّهِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ بلفظِ : (( فكَمِّلوا ثلاثينَ )) .
وفي (( صحيحِ مسلمٍ )) من روايةِ عُبيدِ اللهِ بنِ عُمرَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ بلفظ : (( فاقْدُروا ثلاثينَ )) .
ولا اقْتِصارَ في هذه المُتابعةِ - سواءٌ كانتْ تامَّةً أَم قاصرةً - على اللَّفْظِ،[ بل ] لو جاءَتْ بالمعنى ؛ لكَفَتْ ،لكنَّها مختَصَّةٌ بكونِها مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ .
وإِنْ وُجِدَ مَتْنٌ يُروى مِن حديثِ صحابيٍّ آخَرَ يُشْبِهُهُ في اللَّفظِ والمعنى،أَو في المعنى فقطْ ؛ فهُو الشَّاهِدُ .
ومثالُه في الحديثِ الَّذي قدَّمناهُ ما رواهُ النَّسائيُّ مِن روايةِ محمَّدِ بنِ حُنَينٍ عن ابن عبَّاسِ (( رضي الله عنهما )) عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ،فذَكَرَ مثلَ حديثِ عبد اللهِ بنِ دينارٍ عنِ ابنِ عُمرَ سواءً .فهذا باللَّفظِ .
وأَمَّا بالمَعْنى ؛ فهو ما رواهُ البُخاريُّ (1) مِن روايةِ محمَّدِ بنِ زيادٍ عن أَبي هُريرةَ بلفظ : (( فإِنْ غُمَّ عليكُمْ فأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثلاثينَ ))
وخَصَّ قومٌ المُتابعةَ بما حَصَلَ [ باللَّفظِ،سواءٌ كانَ مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ أَم لا،والشاهدَ بما حصلَ ] بالمَعنى كذلك .
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - * برقم(1909 )(1/227)
البابُ الثاني
صفة من تُقبل روايتهُ وما يتعلق بذلك من الجرح والتعديل
المبحث الأول: في الراوي وشروط قبوله.
المبحث الثاني: فكرة عامة عن كتب الجرح والتعديل.
المبحث الثالث: مراتب الجرح والتعديل.
المْبحَثُ الأولُ
في الراوي وشروط قبوله
1- مقدمة تمهيدية:
بما أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلنا عن طريق الرواة فهم الركيزة الأولى في معرفة صحة الحديث أو عدم صحته،لذلك اهتم علماء الحديث بالرواة ،وشرطوا لقبول روايتهم شروطاً دقيقة محكمة تدلُّ على بعدِ نظرهم وسداد تفكيرهم،وجودة طريقتهم .
وهذه الشروط التي اشترطوها في الراوي ،والشروط الأخرى التي اشترطوها لقبول الحديث والأخبار،لم تتوصل إليها أية ملة من الملل حتى في هذا العصر الذي يصفه أصحابه بالمنهجية والدقة،فإنهم لم يشترطوا في نقلة الأخبار الشروط التي اشترطها علماء المصطلح في الراوي،بل ولا أقل منها،فكثير من الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء الرسمية لا يوثق بها ولا يركن إلى صدقها . وذلك بسبب رواتها المجهولين " وما آفة الأخبار إلا رواتها،وكثيراً ما يظهر عدم صحة تلك الأخبار بعد قليل.
2- شروط قبول الراوي:
أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه أنه يشترط في الراوي شرطان أساسيان هما:
العدالة: ويعنون بها أن يكون الراوي : مسلماً ـ بالغاً ـ عاقلاً ـ سليماً من أسباب الفسق ـ سليماً من خوارم المروءة .
الضبط : ويعنون به أن يكون الراوي،غير مخالف للثقات ولا سيء الحفظ ـ ولا فاحش الغلط ـ ولا مغفلاً ـ ولا كثير الأوهام .
3- بمَ تثبتُ العدالة ؟(1/228)
تثبت العدالة بأحد أمرين .
إما بتنصيص مُعَدِّليْن عليها،أي أن ينص علماء التعديل أو واحد منهم عليها .
وإما بالاستضافة والشهرة،فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم،وشاع الثناء عليه كفى،ولا يحتاج بعد ذلك إلى مُعَدَّل ينص عليها،وذلك مثل الأئمة المشهورين كالأئمة الأربعة والسفيانين والأوزاعي وغيرهم .
4- مذهبُ ابن عبد البَرِّ في ثبوت العدالة (1) :
رأى ابن عبد البر أنَّ كل حامل علم معروف العناية به محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه،واحتج بحديث " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ , يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ , وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ , وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ " (2)
وقوله هذا غير مَرْضِيِّ عند العلماء،لأن الحديث لم يصح وعلى فرض صحته،فإن معناه " لِيَحْمِلْ هذا العلم من كل خَلَفٍ عدوله " بدليل أنه يوجد من يحمل هذا العلم وهو غير عدل .
5- كيف يُعْرَفُ ضبطُ الراوي ؟
يعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات المتقنين في الرواية،فإن وافقهم في روايتهم غالباً فهو ضابط،ولا تضر مخالفته النادرة لهم،فإن كثرت مخالفته لهم اختل ضبطه،ولم يُحْتَجَّ به.
6- هل يُقبلُ الجرحُ والتعديل من غير بيان ؟
__________
(1) - *الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 11) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 282) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 236)
(2) -*الإبانة الكبرى لابن بطة برقم (34) ومسند الشاميين - (ج 1 / ص 344)برقم (599) ومشكل الآثار للطحاوي برقم (3269) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني برقم (694) وعدي 1/152 و153 و3/904 والبداية والنهاية لابن كثير 10/337 والعقيلي 1/9 و10 و4/256 وشرف أصحاب الحديث برقم 14و 52 و 53 و 55 و 56 وهو حديث حسن لغيره وصححه الشيخ ناصر في التعليق على مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 53)برقم (248 )(1/229)
أ)- يُقبل التَّعديل من غير ذكر سببه على الصَّحيح المشهور،لأنَّ أسْبَابه كثيرة, فيَثْقل ويشق ذكرها, لأنَّ ذلك يحوج المُعدل إلى أن يَقُول لم يفعل كذا, لم يرتكب كذا, فعل كذا وكذا, فيُعدِّد جميع ما يفسق بفعله, أو بتركه, وذلك شاق جدًّا.
ب) - ولا يقبل الجَرْح إلاَّ مُبين السَّبب لأنَّه يحصل بأمر واحد, ولا يَشُق ذكره, ولأنَّ النَّاس مُختلفون في أسْبَاب الجرح, فيُطلق أحدهم الجَرْح بناء على ما اعتقده جرحًا, وليسَ بجرح في نفس الأمر, فلا بد من بيان سببه, لينظُر هل هو قادح أو لا؟
قال ابن الصَّلاح: وهذا ظاهر مُقرر في الفقه وأُصوله.
وذكر الخَطِيب : أنَّه مذهب الأئمة من حُفَّاظ الحديث, كالشَّيخين وغيرهما.
ولذلك احتجَّ البُخَاري بجماعة سبق من غيره الجَرْح لهم, كعكرمة, وعَمرو ابن مرزوق, واحتجَّ مسلم بِسُويد بن سعيد وجَمَاعة اشتهر الطَّعن فيهم, وهكذا فعل أبو داود, وذلك دال على أنَّهم ذهبُوا إلى أنَّ الجرح لا يثبُت إلاَّ إذا فُسِّر سببهُ, ويدل على ذلك أيضًا أنَّه رُبَّما استفسرَ الجارح, فذكر ما ليسَ بجرح. " (1)
__________
(1) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 238)
وقال : وقد عقد الخَطِيب لذلك بابًا روى فيه عن محمد بن جعفر المَدَائني قال: قيل لشُعبة: لِمَ تركتَ حديث فُلان؟ قال: رأيتهُ يركض على برذون, فتركت حديثه.
ورُوي عن مسلم بن إبراهيم أنَّه سُئل عن حديث صالح المُرِّي, فقال: وما تصنع بصالح, ذكرُوه يومًا عند حمَّاد بن سَلَمة فامتخطَ حمَّاد.
ورُوي عن وهب بن جَرير قال: قال شُعبة: أتيتُ منزل المِنْهال بن عَمرو, فسمعتُ صوت الطنبور فرجعت, فقيل له: فهلا سألت عنه إذْ لا يعلم هو.
وروينا عن شُعبة قال: قلتُ للحكم بن عُتيبة: لِمَ لمْ ترو عن زَاذان؟ قال: كان كثير الكلام, وأشْبَاه ذلك.
قال الصَّيرفي: وكذا إذَا قالوا: فُلان كذَّاب, لا بد من بيانه, لأنَّ الكذب يُحتمل الغلط, كقوله: كذب أبو مُحمَّد.
ولمَّا صَحَّح ابن الصَّلاح هذا القَوْل, أوردَ على نفسهِ سُؤالاً فقال: ولقائل أن يَقُول: إنَّما يعتمد النَّاس في جرح الرُّواة ورد حديثهم, على الكُتب الَّتي صنَّفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل, وقلَّما يتعرضون فيها لبيان السَّبب, بل يقتصرون على مُجَرد قولهم: فُلان ضعيف, وفلان ليسَ بشيء, ونحو ذلك, وهذا حديثٌ ضعيف, أو حديث غير ثابت, ونحو ذلك, واشْتراط بيان السَّبب يُفْضي إلى تعطيل ذلك, وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.
وأمَّا كُتب الجرح والتعديل, الَّتي لا يُذكر فيها سببُ الجرحِ, ففائدتها التَّوقُّف فيمن جَرحوهُ, فإن بحثنا عن حَالهِ وانْزَاحت عنهُ الرِّيبة, وحَصَلت الثِّقة به, قَبلنا حديثهُ, كَجَماعة في «الصَّحيحين» بهذه المَثَابة.
ثمَّ أجَاب عن ذلك بما ذكرهُ المُصنِّف في قوله: [وأمَّا كُتب الجرح والتَّعديل الَّتي لا يُذكر فيها سبب الجرح] فإنَّا وإن لم نعتمدها في إثْبَات الجرح, والحُكْم به [ففائدتها التَّوقف فيمن جَرحوهُ] عن قَبُول حديثه لما أوقع ذلك عندنا من الرِّيبة القوية فيهم [فإن بحثنَا عن حاله, وانْزَاحت عنهُ الرِّيبة, وحصلت الثِّقة به, قبلنا حديثهُ كجماعة في «الصَّحيحين» بهذه المثابة] كما تقدَّمت الإشارة إليه.
ومُقَابل الصَّحيح أقوال:
أحدها: قَبُول الجرح غير مُفسَّر, ولا يُقبل التَّعديل إلاَّ بذكر سببه, لأنَّ أسباب العَدَالة يَكْثُر التصنع فيها, فيبني المُعدل على الظَّاهر, نقله إمام الحَرَمين, والغزالي, والرازي في «المحصول».
الثَّاني: لا يُقْبلان إلاَّ مُفسَّرين, حكاهُ الخطيب والأُصوليون, لأنَّه كما قد يجرح الجارح بِمَا لا يَقْدح, كذلك يُوثق المُعدَّل بما لا يقتضي العدالة, كما روى يعقوب الفسوي في «تاريخه» قال: سمعتُ إنسانًا يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العُمَري ضعيف, قال: إنَّما يُضعفه رافضي مُبْغض لآبائه, لو رأيت لحيتهُ وهيئته, لعرفت أنَّه ثقة.
فاستدلَّ على ثقته بما ليس بحجَّة, لأنَّ الحسن الهيئة يشترك فيه العدل وغيره.
الثَّالث: لا يجب ذكر السَّبب في واحد منهما, إذا كان الجارح والمُعدِّل عالمين بأسباب الجرح والتعديل, والخلاف في ذلك بصيرًا مرضيًا في اعتقاده وأفعاله, وهذا اختيار القاضي أبي بكر, ونقله عن الجمهور, واختاره إمام الحرمين والغَزَالي, والرَّازي, والخَطِيب, وصَحَّحه الحافظ أبو الفَضْل العِرَاقي, والبلقيني في «محاسن الاصطلاح» .
واختار شيخ الإسلام تفصيلاً حسنًا, فإن كان من جرح مُجْملاً, قد وثقه أحد من أئمة هذا الشَّأن, لم يُقبل الجرح فيه من أحد كائنًا من كان إلاَّ مُفسرًا, لأنَّه قد ثبتت له رُتبة الثِّقة, فلا يُزحزح عنها إلاَّ بأمر جَلي, فإنَّ أئمة هذا الشَّأن لا يُوثِّقون إلاَّ من اعتبروا حاله في دينه, ثمَّ في حديثه, ونقدوهُ كما ينبغي, وهم أيقظ النَّاس, فلا ينقض حُكم أحدهم إلاَّ بأمرٍ صَريح, وإن خلا عن التَّعديل قبل الجَرْح فيه غير مُفسَّر إذا صدر من عارف, لأنَّه إذا لم يعدل فهو في حيِّز المجهول, وإعْمَال قول المُجرِّح فيه أوْلَى من إهْمَاله.
وقال الذَّهبي - وهو من أهل الاسْتقراء التَّام في نَقْدِ الرِّجَال - : لم يجتمع اثنان من عُلماء هذا الشَّأن قط على توثيق ضعيف, ولا على تضعيف ثقة. انتهى.
ولهذا كان مذهب النَّسائي: أن لا يُترك حديث الرَّجل حتَّى يُجمعوا على تَرْكه.(1/230)
7- هل يثبت الجرح والتعديل بواحد ؟
الصَّحيح أنَّ الجرح والتعديل يثبتان بواحد لأنَّ العدد لم يشترط في قَبُول الخبر, فلم يشترط في جرح راويه وتعديله, ولأنَّ التَّزْكية بمنزلة الحُكْم, وهو أيضًا لا يُشترط فيه العدد.
وقيل: لا بد من اثنين كما في الشَّهادة وقد تقدَّم الفرق.
قال شيخُ الإسلام( يعني الحافظ ابن حجر ): ولو قيلَ: يُفصل بين ما إذا كانت التَّزكية مسندة من المزكي إلى اجتهاده, أو إلى النَّقل عن غيره, لكان مُتَّجهًا, لأنَّه إن كان الأوَّل(1/231)
فلا يشترط العدد أصلاً, لأنَّه بمنزلة الحكم, وإن كان الثَّاني فيجري فيه الخلاف, ويتبيَّن أيضًا أنَّه لا يشترط فيه العدد, لأنَّه أصل النَّقل لا يُشترط فيه, فكذا ما تفرع منه. انتهى.
وليسَ لهذا التَّفصيل الَّذي ذكرهُ فائدة, إلاَّ نفي الخِلاف في القسم الأوَّل, وشَمِلَ الواحد العبد والمَرْأة, وسيذكُره المُصنِّف من زوائده. (1)
8- اجتماعُ الجرحِ والتعديل في راوٍ واحدٍ :
إذا اجتمع في راو الجرح والتعديل.
فالمعتمد أنه يقدم الجرح إذا كان مفسَّرا.
وقيل إن زاد عدد المُعَدِّلِيْنَ على الجارحين قُدّمَ التعديل وهو ضعيف غير معتمد (2) .
__________
(1) - *تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241)
(2) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241)
[وإذا اجتمعَ فيه] أي الرَّاوي [جرحٌ] مُفسَّر [وتعديل, فالجَرْح مُقَّدم] ولو زاد عدد المُعدِّل, هذا هو الأصح عندَ الفُقهاء والأصُوليين, ونقلهُ الخطيب عن جُمهور العُلماء, لأنَّ مع الجارح زِيَادة علم لم يطِّلع عليها المُعدِّل, ولأنَّه مُصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله, إلاَّ أنَّه يُخبر عن أمر باطن خفي عنه.
وقيَّد الفُقهاء ذلك بما إذَا لم يقل المُعدِّل عرفت السَّبب الَّذي ذكرهُ الجارح, ولكنَّه تابَ وحَسُنت حاله, فإنَّه حينئذ يُقدم المُعدِّل, قاله البَلْقيني , ويأتي ذلكَ أيضًا هنا, إلاَّ في الكذب كما سيأتي.
وقيَّده ابن دقيق العِيد بأن يبنى على أمر مجزوم به, لا بطريق اجتهادي, كمَا اصْطَلح عليه أهل الحديث في الاعْتِماد في الجَرْح على اعتبار حديث الرَّاوي بحديث غيره, والنَّظر إلى كَثْرة المُوَافقة والمُخَالفة.
وردَّ بأنَّ أهل الحديث لم يعتمدوا ذلك في معرفة العدالة والجرح, بل في معرفة الضَّبط والنقل, واستثنى أيضًا ما إذا عيَّن سببًا, فنفاهُ المُعدِّل بطريق مُعتبر, كأن قال: قُتل غُلامًا ظُلمًا يوم كذا, فقال المُعدِّل: رأيتهُ حيًّا بعد ذلك, أو كان القاتل في ذلك الوقت عندي, فإنَّهما, يتعارضان, وتقييد الجَرْح بكونهِ مُفسرًا جار على ما صحَّحه المُصنِّف وغيره, كما صرَّح به ابن دقيق العِيد وغيره.
وقيل: إنْ زادَ المُعدِّلون قُدِّم التَّعديل, وإذا قال: حدَّثني الثِّقة, أو نحوه لم يُكتف به على الصَّحيح.
[وقيل: إن زاد المُعدِّلون] في العدد على المُجَرِّحين [قُدِّم التعديل] لأنَّ كثرتهم تُقوِّي حالهم, وتُوجب العمل بخبرهم, وقِلَّة المُجرِّحين تُضْعف خبرهم.
قال الخطيب : وهذا خطأ وبُعد ممَّن توهَّمه, لأنَّ المُعدِّلين وإن كَثُروا لم يُخبروا عن عدم ما أخبر به الجَارحُون, ولو أخبروا بذلك لكانت شَهَادة باطلة على نفي.
وقيل: يُرجَّح بالأحفظ, حكاهُ البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح» .
وقيل: يتعارضان فلا يترجَّح أحدهما إلاَّ بمُرجِّح, حكاهُ ابن الحاجب وغيره, عن ابن شعبان من المالكية.
قال العِرَاقيُّ: وكلام الخطيب يقتضي نفي هذا القول, فإنَّه قال: اتَّفق أهل العلم على أنَّ من جَرحهُ الواحد والاثنان, وعدَّله مثل عدد من جرحه, فإنَّ الجرح به أولى, ففي هذه الصُّورة حكاية الإجماع على تقديم الجرح, خلاف ما حكاه ابن الحاجب.(1/232)
9- حكمُ رواية العَدْل عن شخص :
أ)- راوية العدل عن شخص لا تعتبر تعديلا له عند الأكثرين وهو الصحيح،وقيل هو تعديل.
ب) - وعمل العالم وفُتْيَاهُ على وفق حديث ليس حكماً بصحته،وليس مخالفته له قدحاً في صحته،ولا في روايته،وقيل بل هو حكم بصحته،وصححه الآمدي وغيره من الأصوليين،وفي المسألة كلام طويل . (1)
__________
(1) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 243):
[وإذا قال: حدَّثني الثِّقة, أو نحوه] من غير أن يُسميه [لم يُكتف به] في التَّعديل [على الصَّحيح] حتَّى يُسمية, لأنَّه وإن كان ثقة عنده, فرُبَّما لو سمَّاه, لكان مِمَّن جرحهُ غيره بجرح قادح, بل إضرابه عن تَسْميته, ريبة توقع تردُّدًا في القلب.
بل زاد الخطيب : أنَّه لو صرَّح بأن كل شُيوخه ثقات, ثمَّ روى عمَّن لم يُسمه, لم يعمل بتزكيته, لجَوَاز أن يعرف إذا ذكرهُ بغير العَدَالة.
وقيلَ: يُكتفي, فإن كانَ القَائل عالمًا كَفَي في حقِّ مُوافقهِ في المَذْهب عندَ بَعْض المُحَقِّقين
[وقيل: يُكتفي] بذلك مُطلقًا, كما لو عيَّنه, لأنَّه مأمون في الحالتين معا [فإن كان القائل عالمًا] أي: مُجْتهدًا, كمالك والشَّافعي, وكثيرًا ما يفعلان ذلك [كفى في حقِّ موافقه في المَذْهب] لا غيره [عند بعض المُحقِّقين].
قال ابن الصبَّاغ: لأنَّه لم يُورد ذلك احتجاجًا بالخبر على غيره, بل يذكر لأصْحَابه قيام الحُجَّة عنده على الحكم, وقد عرف هو من رَوَى عنه ذلك.
واختارهُ إمام الحَرَمين, ورجَّحه الرَّافعي في «شرح المسند» وفرضه في صُدور ذلك من أهل التعديل.
وقيل: لا يكفي أيضًا, حتَّى يقول: كل من أروي لكم عنه ولم أُسمه, فهو عدل.
قال الخطيب: وقد يُوجد في بعض من أبهموه الضَّعف لخفاء حاله, كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المُخَارق.
فائدتان:
الأولى: لو قال نحو الشَّافعي: أخبرني من لا أتهم, فهو كقوله: أخبرني الثِّقة.
وقال الذَّهبي: ليس بتوثيق, لأنَّه نفي للتهمة, وليس فيه تعرض لإتْقَانه, ولا لأنَّه حُجَّة.
قال ابن السُّبكي: وهذا صحيح, غير أنَّ هذا إذا وقع من الشَّافعي على مسألة دينية, فهي والتوثيق سواء في أصْلِ الحُجَّة, وإن كان مدلول اللَّفظ لا يزيد على ما ذكرهُ الذَّهبي, فمن ثَمَّ خالفناهُ في مثل الشَّافعي, أمَّا من ليس مثله, فالأمر كما قال. انتهى.
قال الزَّركشي: والعجب من اقْتصَاره على نقله عن الذَّهبي, مع أنَّ طوائف من فُحول أصحابنا صَرَّحوا به, منهم الصَّيرفي والماوردي والرُّوياني.
الثَّانية: قال ابن عبد البر : إذا قال مالك: عن الثِّقة عن بُكير بن عبد الله الأشج, فالثِّقة مَخْرمة بن بُكَير.
وإذا قال: عن الثِّقة عن عَمرو بن شُعيب, فهو عبد الله بن وهب, وقيل: الزُّهْري.
وقال النَّسائيُّ: الَّذي يقول مالك في كتابه: الثِّقة عن بكير, يشبه أن يكون عَمرو بن الحارث.
وقال غيره: قال ابن وهب: كل ما في كتاب مالك: أخبرني من لا أتهم من أهل العلم, فهو اللَّيث بن سعد.
وقال أبو الحسن الآبري: سمعتُ بعض أهل الحديث يقول: إذا قال الشَّافعي: أخبرنا الثِّقة عن ابن أبي ذئب, فهو ابن أبي فُدَيك.
وإذا قال: أخبرنا الثِّقة عن الليث بن سعد, فهو يحيى بن حسَّان.
وإذا قال: أخبرنا الثِّقة عن الوليد بن كثير, فهو أبو أسامة.
وإذا قال: أخبرنا الثِّقة عن الأوزاعي, فهو عَمرو بن أبي سلمة.
وإذا قال: أخبرنا الثِّقة عن ابن جُريج, فهو مسلم بن خالد.
وإذا قال: أخبرنا الثِّقة عن صالح مولى التوأمة, فهو إبراهيم بن أبي يحيى. انتهى.
ونقله غيره عن أبي حاتم الرَّازي.
وقال شيخ الإسلام ابن حجر في «رجال الأربعة»: إذا قال مالك: عن الثِّقة عن عَمرو بن شُعيب, فقيل: هو عَمرو بن الحارث, أو ابن لهيعة.
وعن الثِّقة عن بُكير بن الأشج, قيل: هو مَخْرمة بن بُكَير.
وعن الثِّقة عن ابن عُمر, هو نافع, كما في موطأ ابن القاسم.
وإذا قال الشَّافعي: عن الثِّقة عن ليث بن سعد, قال الرَّبيع: هو يحيى ابن حسَّان.
وعن الثِّقة عن أسامة بن زيد, هو إبراهيم بن أبي يحيى.
وعن الثِّقة عن حُميد, هو ابن عُلَية.
وعن الثِّقة عن مَعْمر, هو مُطرِّف بن مازن.
وعن الثِّقة عن الوليد بن كثير, هو أبو أسامة.
وعن الثِّقة عن يحيى بن أبي كثير, لعلَّه ابنه عبد الله بن يحيى.
وعن الثِّقة عن يونس بن عُبيد عن الحسن, هو ابن عُلَية.
وعن الثِّقة عن الزُّهْري, هو سُفيان بن عُيينة. انتهى.
وروينا في «مسند»(706) الشَّافعي عن الأصم قال: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي إذا قال: أخبرني من لا أتهم, يريد به إبراهيم بن أبي يحيى. وإذا قال أخبرني الثِّقة, يريد به يحيى بن حسَّان.
وقد روى الشَّافعي قال: أخبرنا الثِّقة, عن عبد الله بن الحارث, إن لم أكن سمعتهُ من عبد الله بن الحارث, عن مالك بن أنس, عن يزيد بن قُسَيط, عن سعيد بن المُسيب: أنَّ عُمر وعُثمان قَضَيا في المِلْطَاة بنصف دية المُوضحة .
قال الحافظ أبو الفضل الفَلْكي: الرَّجُل الذي لم يُسم الشَّافعي هو أحمد بن حنبل.
وفي «تاريخ» ابن عساكر قال عبد الله بن أحمد: كل شيء في كتاب الشَّافعي أخبرنا الثِّقة, فهو عن أبي.
وقال شيخ الإسلام: يُوجد في كلام الشَّافعي: أخبرني الثِّقة, عن يحيى بن أبي كثير, والشَّافعي لم يأخذ عن أحد مِمَّن أدْرك يحيى بن أبي كثير, فيُحتمل أنه أراد بسنده عن يحيى.
قال: وذكر عبد الله بن أحمد: أنَّ الشَّافعي إذا قال: أخبرنا الثِّقة, وذكر أحدا من العراقيين, فهو يعني أباه.
[وإذا روى العدلُ عمَّن سمَّاه لم يكن تعديلاً عند الأكثرين] من أهل الحديث وغيرهم [وهو الصَّحيح] لجِوَاز رِوَاية العَدْل عن غير العدل, فلم تتضمن روايته عنه تعديله.
وقد روينا عن الشَّعبي أنَّه قال: حدَّثنا الحارث, وأشهدُ بالله أنَّه كان كذابًا.
وروى الحاكم وغيره, عن أحمد بن حنبل, أنَّه رأى يحيى بن معين, وهو يكتب صحيفة مَعْمر عن أبَان عن أنس, فإذا اطَّلع عليه إنْسَان كتمهُ, فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس, وتعلم أنَّها موضُوعة, فلو قال لك قائل: أنتَ تتكلَّم في أبَان, ثمَّ تكتب حديثه؟ فقال: يا أبا عبد الله: أكتب هذه الصَّحيفة فأحفظها كلها, وأعلم أنَّها موضوعة, حتَّى لا يجيء إنسان, فيَجْعل بدل أبان ثابتًا, ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس, فأقول له: كذبتَ, إنَّما هي: عن معمر عن أبان, لا عن ثابت .
[وقيل: هو تعديل] إذ لو علم فيه جَرْحًا لذكره, ولو لم يذكره لكان غاشًّا في الدِّين.
قال الصَّيرفي: وهذا خطأ, لأنَّ الرِّواية تعريف له, والعدالة بالخبرة.
وأجاب الخطيب : بأنَّه قد لا يعرف عدالته ولا جرحه.
وقيل: إن كان العدل الَّذي روى عنه, لا يروي إلاَّ عن عدل, كانت روايته تعديلاً, وإلاَّ فلا, واختاره الأُصُوليون, كالآمدي وابن الحاجب وغيرهما.
وعملُ العالم وفُتياهُ على وفق حديثٍ رَوَاهُ, ليسَ حُكمًا بصحَّتهِ, ولا مُخَالفته قدحٌ في صِحَّته, ولا في رُوَاته.
[وعملُ العالم وفُتْياه على وفق حديثٍ رواه, ليسَ حُكمًا] منه [بصحَّته] ولا بتعديل رُواته, لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطًا, أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر.
وصحَّح الآمدي وغيره من الأصوليين أنَّه حكم بذلك.
وقال إمامُ الحرمين: إن لم يكن في مسالك الاحتياط.
وفرَّق ابن تيمية بين أن يعمل به في الترغيب وغيره.
[ولا مُخَالفتهِ] له [قدح] منه [في صحَّته ولا في رُواته] لإمْكَان أن يَكُون ذلك لمانع من معارض أو غيره, وقد رَوَى مالك حديث الخِيَار, ولم يعمل به, لعمل أهل المَدِينة بخلافه, ولم يَكُن ذلك قَدْحًا في نافع راويه.
وقال ابن كثير: في القِسْم الأوَّل نظر, إذا لم يَكُن في الباب غير ذلك الحديث, وتعرَّض للاحتجاج به في فُتْياه, أو حكمه, أو استشهد به عند العمل بمقتضاه.
قال العِرَاقي: والجَوَاب أنَّه لا يلزم من كون ذلك الباب ليسَ فيه غير هذا الحديث, أن لا يَكُون ثَمَّ دليل آخر من قياسٍ أو إجْمَاع, ولا يلزم المُفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته, بل ولا بعضها, ولعلَّ له دليلاً آخر, وأستأنسَ بالحديث الوارد في الباب, وربَّما كان يرى العمل بالضَّعيف, وتقديمه على القياس, كما تقدَّم.
تنبيه:
مِمَّا لا يدل على صِحَّة الحديث أيضًا, كما ذكرهُ أهل الأصُول, مُوَافقة الإجْمَاع له على الأصح, لجَوَاز أن يَكُون المُسْتند غيره, وقيل: يَدُل, وكذلك بقاء خبر تتوفَّر الدَّواعي على إبْطَاله.
وقال الزيدية: يدل, وافتراق العُلماء بين متأول للحديث ومحتج به.
قال ابن السَّمعاني وقوم: يدل, لتضمنه تلقيهم له بالقَبُول.
وأُجيب باحتمال أنَّه تأوَّله على تقدير صِحَّته فرضًا, لا على ثُبوتها عندهُ.
السَّادسة: روايةُ مَجْهول العَدَالة ظَاهرًا وباطنًا لا تُقبلُ عند الجَمَاهير, وروايةُ المَسْتُور, وهو عدل الظَّاهر, خَفِيُّ البَاطن, يَحْتجُّ بها بعض من ردَّ الأوَّل, وهو قولُ بعض الشَّافعيين.(1/233)
10 - حكمُ رواية التائب من الفسق (1) :
__________
(1) -* التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 260) وقال :
تُقبل رِوَاية التائب من الفِسْق] ومن الكذب في غير الحديث النَّبوي كَشَهادته, للآيات والأحاديث الدَّالة على ذلك [إلاَّ الكذب في أحاديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تُقبل] رواية منه [أبدًا, وإن حَسُنت طريقته, كذا قاله أحمد بن حنبل, و] أبو بكر [الحُميدي شيخ البُخَاري, و] أبو بكر [الصَّيرفي الشَّافعي].
بل [قال الصَّيرفي] زيادة على ذلك في «شرح الرِّسالة» : [كُل من أسْقطنَا خبرهُ] من أهل النَّقل [بكذب] وجدناه عليه [لم نعد لقبوله, بتوبة] تَظْهر [ومن ضعَّفناهُ لم نُقوِّه بعدهُ بخلاف الشَّهادة].
قال المُصنِّف: ويَجُوز أن يُوجه بأنَّ ذلك جعل تغليظًا عليه وزَجْرًا بليغًا عن الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - , لعظم مَفْسدته, فإنَّه يصير شَرْعًا مُسْتمرًّا إلى يوم القيامة, بخلاف الكذب على غيره والشَّهادة, فإن مَفْسدتهما قاصرة ليست عامة.
[وقال] أبو المُظفَّر [السَّمعاني: من كذب في خبر واحد, وجب إسقاط ما تقدَّم من حديثه].
قال ابن الصَّلاح : وهذا يُضَاهي من حيث المعنى ما ذكرهُ الصَّيرفي.
قال المُصنِّف: [قلت: هذا كُله مُخَالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا, ولا يُقوِّي الفرق بينه وبين الشَّهادة] وكذا قال في «شرح مسلم» : المُختار القطع بصحة توبته, وقَبُول رِوَايته كشهادته, كالكافر إذا أسلم.
وأنا أقول: إن كانت الإشارة في قوله هذا كُله, لقول أحمد والصَّيرفي والسَّمعاني, فلا والله ما هو بمخالف ولا بعيد, والحق ما قاله الإمام أحمد تغليظًا وزَجْرًا, وإن كانت لقول الصَّيرفي بناء على أنَّ قوله: يكذب, عام في الكذب في الحديث وغيره.
فقد أجابَ عنه العِرَاقي , بأنَّ مُراد الصَّيرفي ما قالهُ الإمام أحمد - أي في الحديث لا مُطلقًا - بدليل قوله: من أهل النَّقل, وتقييده بالمُحدِّث في قوله أيضًا في «شرح الرسالة»: وليس يطعن على المُحدِّث إلاَّ أن يقول: تعمدتُ الكذب, فهو كاذب في الأوَّل, ولا يُقبل خبره بعد ذلك. انتهى.
وقوله: ومن ضعَّفناهُ - أي بالكذب - فانتظم مع قول أحمد.
وقد وجدتُ في الفِقْه فرعين يَشْهدان لما قالهُ الصَّيرفي والسَّمعاني, فذكروا في باب اللِّعان: أنَّ الزَّاني إذا تاب وحَسُنت توبته, لا يعود مُحصنًا, ولا يُحد قاذفه بعد ذلك, لبقاء ثُلمة عرضه, فهذا نظير أنَّ الكاذب لا يُقبل خبره أبدا, وذكروا أنَّه لو قُذفَ, ثمَّ زنى بعد القَذْفِ, قبل أن يُحدَّ القاذف لم يُحد, لأنَّ الله تعالى أجرى العادة أنَّه لا يُفضح أحدًا من أوَّل مرَّة, فالظَّاهر تقدُّم زِنَاه قبل ذلك, فلم يحد له القاذف.
وكذلك نقول فيمن تبيَّن كذبه: الظَّاهر تكرر ذلك منه, حتَّى ظهر لنَا ولم يتعيَّن لنا ذلك, فيما رُوي من حديثه, فوجبَ إسْقَاط الكُل, وهذا واضح بلا شك, ولم أر أحدًا تنبَّه لِمَا حررتهُ ولله الحمد.(1/236)
أ)- تقبل رواية التائب من الفسق .
ب)- ولا تقبل رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم.
11- حكمُ رواية من أخذ على التحديث أجراً (1) :
أ) لا تقبل عند البعض،كأحمد واسحق وأبي حاتم.
ب) تقبل عند البعض الآخر،كأبي نُعَيمْ الفضل بن دُكَيْن .
ج) وأفتى أبو إسحق الشيزاري لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التحديث بجواز أخذ الأجر.
12- حكمُ رواية من عُرِفَ بالتساهل أو بقبول التلقين أو كثرة السهو (2) .
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 23) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 267) وقال :
من أخذَ على التَّحديث أجْرًا, لا تُقْبل رِوَايتهُ عندَ أحمد] بن حنبل [وإسْحَاق] بن رَاهويه [وأبي حاتم] الرَّازي.
[وتُقبل عند أبي نُعيم الفضل] ابن دُكَين شيخ البُخَاري [وعليِّ بن عبد العزيز] البغوي [وآخرين] ترخصًا.
[وأفْتَى الشَّيخ أبو إسْحَاق الشِّيرازي] أبا الحُسين بن النقور [بجوازها لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التَّحديث] ويشهد له جَوَاز أخذ الوَصِي الأُجْرة من مالِ اليتيم إذا كانَ فقيرًا, أو اشتغلَ بحفظهِ عن الكَسْب, من غير رُجُوع عليه لِظَاهر القرآن.
(2) - *التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 5) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 204) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 152) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 345) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 268)
وقال : لا تُقبل رواية من عُرف بالتَّساهل في سَمَاعه أو إسْمَاعه, كمن لا يُبَالي بالنَّوم في السَّماع] منه أو عليه [أو يُحدِّث لا من أصل مُصحَّح] مُقَابل على أصلهِ, أو أصل شَيْخه [أو عُرف بقبول التَّلقين في الحديث] بأن يُلقن الشَّيء فيُحدِّث به من غير أن يعلم أنَّه من حديثه, كما وقع لموسى بن دينار ونحوه [أو كثرة السَّهو في روايته, إذا لم يُحدث من أصْلٍ] صحيح, بخلاف ما إذَا حدَّث منهُ فلا عِبْرة بكثرة سَهْوه, لأنَّ الاعتماد حينئذ على الأصل, لا على حفظه [أو كثرة الشَّواذ والمناكير في حديثه].
قال شعبة : لا يجيئك الحديث الشَّاذ إلاَّ من الرَّجُل الشَّاذ.
وقيل له: من الَّذي تُترك الرِّواية عنه؟ قال: من أكثر عن المعروف من الرِّواية ما لا يُعرف, وأكثر الغلط(1/237)
أ) لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو إسماعه ،كمن لا يبالي بالنوم وقت السماع،أو يحدث من أصل غير مُقَابَل.
ب) ولا تقبل رواية من عرف بقبول التلقين في الحديث،بأن يُلَقَّنَ الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه.
ج) ولا تقبل رواية من عُرف بكثرة السهو في روايته.
13- حكمُ رواية منْ حَدَّثَ ونَسِيَ (1) :
أ) تعريف من حدث ونسي: هو أن لا يَذْكُرَ الشيخ رواية ما حدث به تلميذُه عنه.
ب) حكم روايته :
1- الردُّ : إن نفاه نفياً جازماًَ،بأن قال : ما رويتُه،أو هو يكذب عليَّ،ونحو ذلك.
2- القبول : إن تردد في نفيه،كأن يقول : لا أعرفه أو لا أذكره،ونحو ذلك .
ج) هل يعتبر رد الحديث قادحاً في واحد منهما ؟ لا يعتبر رد الحديث قادحاً في واحد منهما،لأنه ليس أحدهما أولى بالطعن من الآخر.
د) مثاله : ما رواه أبو داود والترمذي (2) عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَزَادَنِى الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَخْبَرَنِى الشَّافِعِىُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِى رَبِيعَةُ - وَهُوَ عِنْدِى ثِقَةٌ - أَنِّى حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ وَلاَ أَحْفَظُهُ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَدْ كَانَ أَصَابَتْ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِىَ بَعْضَ حَدِيثِهِ فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ.......
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 22) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 330) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 144) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر 1 / 37
(2) - *سنن الترمذى برقم (1393 ) وسنن أبى داود برقم (3612 ) وهو صحيح(1/238)
هـ) أشهر المصنفات فيه: كتاب أخبار من حَدَّثَ ونَسِيَ،للخطيب البغدادي.
=================
المبْحَثُ الثَاني
فكرة عامة عن كتب الجرح والتعديل
بما أن الحكم على الحديث صحة وضعفاً مبنيٌّ على أمور منها عدالة الرواة وضبطهم،أو الطعن في عدالتهم وضبطهم،لذلك قام العلماء بتصنيف الكتب التي فيها بيان عدالة الرواة وضبطهم منقولة عن الأئمة المُعَدِّلين الموثوقين،وهذا ما يسمى بـ " التعديل " كما أن في تلك الكتب بيان الطعون الموجهة إلى عدالة بعض الرواة أو إلى ضبطهم وحفظهم كذلك منقولة عن الأئمة غير المتعصبين وهذا ما يسمَّى بـ " الجَرْح " ومن هنا أُطلق على تلك الكتب " كتب الجرح والتعديل "
وهذا الكتب كثيرة ومتنوعة،فمنها المُفْرَدَة لبيان الرواة الثقات،ومنها المفردة لبيان الضعفاء والمجروحين،ومنها كتب لبيان الرواة الثقات والضعفاء،ومن جهة أخرى فإن بعض هذه الكتب عام لذكر رواة الحديث بغض النظر عن رجال كتاب أو كتب خاصة من كتب الحديث،ومنها ما هو خاص بتراجم رواة كتاب خاص أو كتب معينة من كتب الحديث .
هذا ويعتبر عمل علماء الجرح والتعديل في تصنيف هذه الكتب عملا رائعا مهما جبارا،إذ قاموا بمسح دقيق لتراجم جميع رواة الحديث،وبيان الجرح أو التعديل الموجه إليهم أولاً ثم بيان من أخذوا عنه ومن أخذ عنهم،وأين رحلوا،ومتى التقوا ببعض الشيوخ،وما إلى ذلك من تحديد زمنهم الذي عاشوا فيه بشكل لم يُسْبَقوا إليه،بل ولم تصل الأمم المتحضرة في هذا العصر إلى القريب مما صنفه علماء الحديث من وضع هذه الموسوعات الضخمة في تراجم الرجال ورواة الحديث،فحفظوا على مدى الأيام التعريف الكامل برواة الحديث ونقلته فجزاهم الله عنا خيراً وإليك بعض الأسماء لهذه الكتب :
التاريخ الكبير للبخاري،وهو عام للرواة الثقات والضعفاء . (1)
__________
(1) - *وهو أمير المؤمنين في الحديث وجبل الحفظ ، وكان أعلم أهل عصره بالحديث صحيحه وضعيفه وبالعلل والرجال ... راجع التهذيب 9/47-55 .
وكتابه هذا كتاب ضخم ، ضم فيه أكثر من عشرة آلاف ترجمة لرواة الحديث ، وله ترتيب خاص .
- والرواة الذين ذكرهم ، منهم من بين رأيه فيه بعبارة لطيفة كقوله : (سكتوا عنه ، فيه نظر ، منكر الحديث..) .
- ومنهم من سكت عنه ، وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل والراجح عندي أن من ترجم له وسكت عليه أنه ثقة أو صدوق (انظر قواعد في علوم الحديث 223) ، إذ لو كان يعلم فيه جرحاً لذكره ، وسواء في ذلك روى عنه واحد أو أكثر ويلحق بذلك رواية بعض الأئمة عن راو وسكوتهم عن جرحه توثيق له مثل الإمام مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن معين ويحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة وأبو حنيفة والشافعي والنسائي ومسلم وأبو داود وبقي بن مخلد وحريز بن عثمان وشيوخ الطبراني الذين لم يضعفوا في الميزان وغيرهم (انظر قواعد في علوم الحديث ص 216-227وعبد الله بن بدر (108) قال عنه في التقريب (3223) ثقة) .
أمثلة مقارنة مما سكت عنه .
عبدالله بن باباه رقم (102) قال عنه في التقريب (3220) ثقة
وعبد الله بن بشر الخثعمي (104) قال عنه في التقريب (3232) صدوق
وعبد الله بن بشر عن الزهري قال عنه في التقريب (3231) مختلف فيه
وذكر أن أبا زرعة والنسائي قالا فيه : لا بأس به ..
وعبد الله بن بحير اليماني (107) قال عنه في التقريب (3222) وثقه ابن معين ، واضطرب فيه كلام ابن حبان وعبد الله بن بريدة قال عنه في التقريب (3227) ثقة وهؤلاء كلهم قد سكت عنهم البخاري .
- والرواة الذين ترجم لهم ، منهم من روى عنه جماعة ، ومنهم من ذكر له راوٍ واحد ،ومثل هذا الأخير كثير
- انظر القسم الأول من الجزء الثالث الأرقام التالية (85) و(87) و(88) و(92) و(93) و(97) و(99) و(106) و(107) .
- وقسم ذكرهم وذكر لهم رواية معينة عن راوٍ معين ثم قال : لا يصح حديثه ، وهذا يعني تضعيفه لهذه الرواية فقط وليس التعميم .
أمثلة : (91) عبد الله بن إنسان عن عروة بن الزبير عن أبيه روى عنه ابنه محمد ، لم يصح حديثه .
ورقم (216) عبد الله بن خليل الحضرمي عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرعة ... ولا يتابع عليه
ورقم (231) عبد الله بن ذكوان قال : عبد الصمد ثنا عبد الله ثنا محمد بن المنكدر ... منكر الحديث في الأذان .
ورقم (264) عبد الله بن زيد بن أسلم ... سمع منه ... وعبد الرحمن ، ولا يصح حديث عبد الرحمن . فيجب الإنتباه أثناء نقل رأي الإمام البخاري لراوٍ ، فقد يكون النقل عنه محرفاً .
وقوله في الأعم الأغلب عن راوٍ فيه نظر أو سكتوا عنه يعني به الجرح الشديد وغالبه وافقه عليه غيره ، وبعضه مما خالفه غيره والصواب مع غيره أمثلة :
تمام بن نجيح وراشد بن داود الصنعاني وثعلبة بن زيد الحماني وجعدة المخزومي وجميع بن عمير وحبيب بن سالم وحريث بن خرّيت وسليمان بن داود الخولاني وطالب بن حبيب المدني الأنصاري وصعصعة بن ناجية وعبد الرحمن بن سلمان الرّعيني وغيرهم فقد قال فيهم ما ذكرناه ، ووثقهم غيره ، والصواب معهم فتنبه ومن قال فيه منكر الحديث ، يعني لاتحل الرواية عنه ، أي متهم بالكذب وهذا من أدبه رحمه الله ( انظر قواعد في علوم الحديث 254-257 و401)
وقد ذكر أثناء التراجم عدداً كبيراً من الأحاديث بصيغة الجزم ، وأكثرها مسنده ، وسكت على كثير منها انظر الأرقام (3) و(4) و(5) و(9) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) و(21) و(22) و(25) و(27) و(28) ... والصواب عندي أنها مقبولة تدور بين الصحيح والحسن إذ لو كان فيها علة لذكرها .
والكتاب مطبوع طبعة واحدة ، صورت مرات عديدة وعليها بعض التعليقات في الهامش . وهو بحاجة لضبط وتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه ، ومقارنة رواته بكتب الجرح والتعديل .(1/239)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم،كذلك هو عام للرواة الثقات والضعفاء ويشبه الذي قبله (1) .
__________
(1) -* وهو الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام ، وكان ممن جمع علوّ الرواية ومعرفة الفن ، وكتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المتقنة في الحفظ ... انظر الجرح والتعديل المقدمة .
وقد ضمن كتابه هذا مقدمة هامة جداً حول أهمية الجرح والتعديل وترجم لأئمة الجرح والتعديل ترجمة دقيقة ثم بقية الأجزاء فيها تراجم لرواة الحديث وعددها حوالي (18000) ترجمة .
وقد سعى أبلغ السّعيي في استيعاب جميع أحكام أئمة الجرح والتعديل في الرواة إلى عصره ، ينقل ذلك عنهم بالأسانيد الصحيحة المتصلة بالسماع أو القراءة أوالمكاتبة ، فغدا كتابه أصلاً لكل من ألّف في هذا الفن بعده .
وأما ترتيبه فمن حيث المبدأ على الأحرف الهجائية ، ولكنه ليس دقيقاً فيشبه إلى حدّ ما ترتيب تاريخ البخاري.
وتراجمه بشكل عام مختصرة ، وهو يذكر المترجم له وكنيته ، ويذكر شيوخه وكذلك من روى عنه من طلابه ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه .
كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي ، روى عن حماد بن زيد وصالح بن عمر وسلام أبي المنذر وأبي إسماعيل المؤدب روى عنه أبو زرعة وعمر بن شبّة النميري وموسى بن إسحاق القاضي حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلىّ قال : سألت يحيى بن معين عن أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال : ليس به بأس ، حدّث عن حماد بن زيد ا هـ .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبو صالح الخراساني ، روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المديني ، روى عنه صالح بن بشر بن سلمة الطبراني ، حدثنا عبد الرحمن قال : سألت أبي عنه فقال شيخ مجهول ، والحديث الذي رواه صحيح ا هـ .
- وإذا قال ابن معين عن راوٍ لا بأس به يعني أنه ثقة عنده ، كما صح عنه ذلك .
- وأما أبو حاتم فهو من المتشددين في الجرح والتعديل ، فما قال عنه صدوق فهو ثقة عند غيره .
كقوله عن أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي صدوق وفي التقريب 1/9-10 ثقة حافظ .
- وقد يقول أبو حاتم عن الراوي ثقة : كقوله في ترجمة أحمد بن اسحاق الحضرمي ثقة . وقد يقول عن الراوي ثقة مأمون ، كما قال عن أحمد بن إسماعيل ابن أبي ضرار الرازي .
- وقد لا يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولكنه يشير إلى رواية والده عنه أو أبوزرعة أو يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل ، ورواية هؤلاء عنه تعدّ تعديلاً له . كما ذكر ذلك 2/36 كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن موسى
الرملي أبو بكر السراج . فقد روى عنه أبو حاتم .
وأحمد بن أيوب بن راشد البصري روى عنه أبوزرعة الرازي .
وأحمد بن أسد بن بنت مالك بن مغول البجلي أبو عاصم روى عنه أبو زرعة .
- وهناك رواةٌ ذكرهم ولم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً ولم يرو عنهم من ذكرناه سابقاً .
فالراجح عندي أنهم مقبولون ، إذ لو علم فيهم جرحاً لذكره (1) .
- كقوله في ترجمة أحمد بن أيوب الضبي روى عن إبراهيم بن أدهم روى عنه إبراهيم بن الشماس .
أقول : روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان الثقات 8/4 وسكت عليه البخاري التاريخ 1/2/2 .
- وقوله عن أحمد بن أبي عبيد الوراق بن بشر أبو عبد الله البصري وذكر أنه روى عن جماعة وسكت عليه وفي التقريب 1/21 ثقة .
- وقوله في ترجمة أحمد بن ثعلبة الدمشقي روى عن أبي معاوية الأسود ، وروى عنه أحمدبن أبي الحواري .
- وقد يقول عن راوٍ كذاب كما قاله عن أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي المعروف بفرخويه .
- وقد يقول عنه : متروك الحديث كما في ترجمة أحمد بن الحارث الغساني أبو عبد الله الواقدي البصري .وقال عنه البخاري فيه بعض النظر 1/2/2 .
وقد يذكر أقوالاً مختلفة في راوٍ واحد ،كأن يضعفه أبوه ويقويه غيره ، وبعد التتبع والاستقراء تبين لنا أن الراجح مع من وثقه لأن أبا حاتم من المتشددين .
- كقوله في ترجمة أحمد بن سليمان بن أبي الطيب ضعيف الحديث مع أن أبا زرعة وثقه وروى عنه البخاري راجع الجرح 2/52 والميزان 1/102 والتقريب 1/17 .
- وقد يقول عنه : شيخ وهي تعديل كقوله عن أحمد بن عبد الله أبو عبيدة ابن أبي السفر الكوفي قال أبو حاتم : شيخ ا هـ .
- وقد يقول عن راوٍ بأنه مجهول كقوله عن أحمد بن عمر القصبي قال سألت أبي عنه فقال : مجهول اهـ .
- وقد يكون في كلامه نظر عن المجاهيل كقوله عن أحمد بن عاصم البلخي مجهول ، والصواب أنه معروف وثقة انظر الميزان 1/106 والتاريخ الكبير 1/2/5 .
وكذلك إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي ، وأسباط أبو اليسع ، وبيان بن عمرو ، ومحمد بن الحكم المروزي جهلهم أبو حاتم ، وعرفهم غيره ( انظر قواعد في علوم الحديث ص 223 و403 و404 ) .
لذا قال الإمام ابن دقيق العبد : لا يكون تجهيل أبي حاتم حجةً ما لم يوافقه غيره ، نقله الزيلعي (انظر قواعد في علوم الحديث ص 266-268) .
لذا يجب تحقيق هذا الكتاب القيّم وضبطه ومقارنته مع غيره من كتب الجرح والتعديل .(1/241)
الثقات لابن حِبَّان،كتاب خاص بالثقات . (1)
__________
(1) -* هو الإمام العالم الفاضل المتقن المحقق الحافظ العلامة محمد بن حبان ابن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البُستي السجستاني .
قال الحافظ ابن حجر : كان صاحب فنون ، وذكاء مفرط ، وحفظ واسع إلى الغاية ، رحمه الله ا هـ ... انظر مقدمة صحيحه 1/7-35 وقد ذكر في ثقاته الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم فقال : كل من أذكره
في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرّى عن خصال خمس فذكرها المؤلف وهي :
أ - أن يكون فوق الشيخ الذي ذكر اسمه في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره .
ب- أو يكون دونه رجل واه لايجوز الاحتجاج بروايته .
ج- أو يكون الخبر مرسلاً لا تلزم به الحجة .
د - أو يكون منقطعاً لا تقوم بمثله الحجة .
هـ- أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه .
ثم قال : فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرّى عن الخصال الخمس التي ذكرتها ، فهو عدلٌ يجوز الاحتجاج بخبره
ثم ذكر شرط العدل الموثّق عنده فقال : (العدل من لم يُعرف منه الجرح ضد التعديل ، فمن لم يعلم بجرح فهو عدلٌ إذا لم يبيّن ضده) إذ لم يكلّف الناسُ من الناس معرفة ما غاب عنهم ، وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيّب عنهم .
وقد أورد في كتابه هذا كل من هو ثقة عنده كما ذكر وفيه حوالي بضعة عشر ألف ترجمة بشكل مختصر والثقات الذين أوردهم في كتابه على أنواع :
- الأول : قسم متفقٌ على ثقته وعدالته مثل :
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي 4/4 قال عنه في التقريب أخرج له الجماعة عدا الترمذي (206)
وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري ... وفي التقريب (178) ثقة .
وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . وفي التقريب (199) له رؤية ولم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة ووثقه العجلي ا هـ . وغيرهم كثير مما لا خلاف فيه .
- والثاني : قسم اختلف فيهم علماء الجرح والتعديل ، ورجح عند ابن حبان عدالتهم ومنهم :
إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي ، قال عنه في التقريب (204) صدوق ضعيف الحفظ ا هـ
- والثالث : رواة ذكرهم ، وذكر عليهم بعض الملاحظات كيخطيء مثلاً ، وتكلم فيهم غيره
كقوله في ترجمة إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق قال عنه : يخطيء 4/19 . وفي التقريب (450) ضعيف
وكقوله في ترجمة أيوب بن خالد روى عنه موسى بن عبيده يعتبر بحديثه من غير حديث موسى عنه 4/29 وفي التقريب (610) فيه لين .
وكقوله في ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري يخطيء 4/59 وفي التقريب (408) صدوق .
فهؤلاء الرواة الذين تكلم فيهم ينظر في أحوالهم وفيما قال فيهم أئمة الجرح والتعديل لنصل إلى الرأي الراجح فيهم
- والرابع : رواة وثقهم وروى عنهم اثنان من الثقات ، فما فوق فهؤلاء مقبولون على الراجح ، مالم يضعّفهم إمام معتبر .
- والخامس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد (انظر قواعد في علوم الحديث ص 180-183 و204-208) ولم يأتوا بخبر منكر ، فهؤلاء - على الراجح - مقبولون وحديثهم حسن ، ولاسيما إذا ذكره البخاري في التاريخ وسكت عليه أو ذكره ابن أبي حاتم وسكت عليه ، أو قال عنه الذهبي في الكاشف : وُثّق ، أو وثقه معه الإمام ابن خزيمة أو الترمذي ، أو الحاكم ، أو روى له أبو داود والنسائي وسكتا عليه ، أو روى له أحمد في المسند ولم يضعفه أو مانص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول ... وما نسب إليه من أنه واسع الخطو في باب التوثيق ، يوثق كثيراً ممن يستحق الجرح ، فهو قول ضعيف مردود ، وقد عرفنا أنه معدود ممن له تعنت وإسراف في جرح الرجال ، ومَن هذا حاله لايمكن أن يكون متساهلاً في تعديل الرجال ، وإنما يقع التعارض كثيراً بين توثيقه وبين جرح غيره ، لكفاية مالا يكفي في التوثيق عند غيره عنده .
ونقل السخاوي في فتح المغيث 1/36 أن شيخه الحافظ ابن حجر نازع في نسبة ابن حبان إلى التساهل فقال : إن كانت باعتبار وُجدان الحسن في كتابه ، فهو مشاحّة في الاصطلاح لأنه يسميه صحيحاً ، وإن كانت باعتبار خفّة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ماكان راوية ثقة غير مدلس ، سمع ممن فوقه ، وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك انقطاع ولا إرسال ، وإذا لم يكن في الراوي المجهول الحال جرحٌ ولاتعديل ، وكان كلّ من شيخه والراوي عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر ، فهو ثقة عنده ، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذا حاله ، ولأجل هذا ربما اعترض معترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف اصطلاحه ، ولا اعتراض عليه ، فإنه لا يشاحّ في ذلك ا هـ .
فغاية ما في الأمر أن يوثق (مستور الحال) ، وهو ما لم يكن فيه جرح ولا تعديل ، وكان كلٌ من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر ، وقد وثق الأئمة كثيراً ممن هذا شأنهم وثمة نقول كثيرة عنهم تعزّز رأيه في رواية المستور فقد نقل الذهبي في الميزان 1/556 :في ترجمة حفص بن بُغيل قول ابن القطان فيه : لايعرف له حال ولا يعرف ، ثم عقبه بقوله : لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا ، فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل ، أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته ، وهذا شيء كثير ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلقٌ كثير مستورون ، ماضعفهم أحدٌ ، ولاهم بمجاهيل .
وفي كتاب قرة العينين في ضبط أسماء رجال الصحيحين ص 8 :
لايقبل مجهول الحال ، وهو على ثلاثة أقسام :
أحدهما مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، فلا يقبل عند الجمهور .
وثانيها مجهول العدالة باطناً ، وهو المستور ، والمختار قبوله ، وقطع به سُليم الرازي أحد أئمة الشافعية ، وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي وعليه العمل في كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم عهدهم وتعذّرت معرفتهم ا هـ وبمثله قال ابن الصلاح والسخاوي في شرح الألفية 1/321 و323 و347 وراجع مقدمة الإحسان 1/36-40
- والسادس : رواة وثقهم ولم يرو عنهم إلا واحد أو اثنين نادراً ، ونص غيره على جهالتهم ..
- والسابع : رواة تناقض فيهم فذكرهم في الثقات ، وفي المجروحون !!
والكتاب بحاجة لتحقيق وضبط ومقارنة رواته مع ماقاله فيهم غيره من علماء الجرح والتعديل .(1/243)
الكامل في الضعفاء لابن عدي،وهو خاص بتراجم الضعفاء كما هو ظاهر من اسمه. (1)
__________
(1) - *وهو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني قال حمزة السهمي : كان أبو أحمد بن عدي حافظاً متقناً ، لم يكن في زمانه مثله ، وقال : سألت الدارقطني أن يضيف كتاباً في الضعفاء فقال : أوليس عندك كتاب ابن عدي ؟ ! قلت نعم ، قال : فيه كفاية لا يزاد عليه ا هـ تاريخ جرجان 226 .
وقال الذهبي : أما في العلل والرجال فحافظ لايجارى الميزان 1/2 وقال ابن ناصر الدين : هو إمام حافظ كبير ثقة مأمون ، له كتاب في الجرح والتعديل سماه الكامل ، وهو كتاب جليل حافل .
وقال الحافظ ابن كثير : له كتاب الكامل في الجرح والتعديل ، لم يسبق إلى مثله ولم يلحق في شكله البداية 11/283
وقد ذكر في كتابه هذا كل من تكلّم فيه بأدنى شيء ، ولو كان من رجال الصحيحين ، منتصرٌ له إذا أمكن .. وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاده ... راجع السير 16/154
والذين أوردهم فيه : الضعفاء ، والثقات الذين تُكلّم فيهم أو أنكر عليهم أحاديث ، ومن اختلف فيهم ، ومن لم يتكلم فيه أحد ، مع العلم أن أحاديثه غير محفوظة .
وقد رتبه على الحروف الهجائية ، وبدأه بترجمة لعلماء الجرح والتعديل وهو يذكر اسم المترجم له ، ثم ينقل بسنده المتصل رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، ثم يذكر له بعض مارواه ، ثم يذكر رأيه فيه بعد سبره لأحاديثه .
- وهو من المنصفين في الجرح والتعديل إلى حدّ بعيد .
- وهو أول من قام بهذه الدراسة النقدية الداخلية
أمثلة :
قال في ترجمة أحمد بن بشير : قال الإمام يحيى بن معين : لاأعرفه وقال عثمان بن سعيد الدارمي : كان من أهل الكوفة ، ثم قدم بغداد ، وهو متروك .ثم ذكر ابن عدي بعض ما أنكر عليه .
ثم قال : وأحمد بن بشير له أحاديث صالحة ، وهذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له ، وهو في القوم الذين يكتب حديثهم 1/165-167 .
أقول : يعني أنه مقبول الرواية خلا هذه الأحاديث التي أوردها في ترجمته .
وقال عنه في التقريب (13) صدوق له أوهام .
ثم الأحاديث التي أنكرها عليه ابن عدي فيها المنكر وفيها غير المنكر .
فالأول : (تعبد رجل ...) واه منكر
والثاني : (لووزنت دموع آدم ...)) والصواب وقفه انظر الشعب (834 و835) والخطيب 4/47
والثالث : لا ينبغي لقوم يكون أبو بكر فيهم أن يؤمهم غيره . ضعيف مرفوعاً ، والصواب وقفه انظر الترمذي (3673)
والرابع : حديث (اللهم أوسع رزقك ...) مختلف فيه الحاكم 1/542 والمجمع 10/182 والدعا للطبراني (1049) وحسنه الهيثمي .
والخامس : (اللهم بارك لأمتي في غُدّوها) صحيح لغيره
والسادس : (لاحول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) هو في الصحيحين البخاري 5/120 و8/102 و108 و156 و9/144 ومسلم في الذكر والدعاء رقم (44 و45 و47) .
والسابع : (حديث من أسرع الناس هلاكاً ؟ قال : قومك ...) أخرجه أحمد 6/81 و90 وابن أبي عاصم 2/64 والمجمع 10/28 وهو حديث صحيح لغيره .
فيجب الانتباه للأحاديث التي يوردها الإمام ابن عدي في كامله فليست كلها مردودة ، بل فيها الصحيح والحسن .
وقال في ترجمة أحمد بن حازم أظنه مديني ، ويقال مزني معافري ، مصري ، ليس بالمعروف ، يحدث عنه ابن لهيعة ويحدث أحمد هذا عن عمرو بن دينار وعبدالله بن دينار ، وعطاء وابن المنكدر ، وصفوان بن سليم بأحاديث عامتها مستقيمة .. ا هـ
أو كقوله عن أحمد بن أبي نافع أبو سلمة الموصلي ، بعد أن روى له بعض الأحاديث : قال وهذان الحديثان غير محفوظين ، وأحمد ابن أبي نافع متقارب الحديث ليست أحاديثه بالمنكرة جداً 1/169 .
أو كقوله في ترجمة أحمد بن أوفى : أظنه بصري ، يحدث عن أهل الأهواز ، يخالف الثقات في روايته عن شعبة ، وقد حدث عن غير شعبة بأحاديث مستقيمة ثم قال أخيراً : ولم أر في حديثه شيئاً منكراً ، إلا ماذكرته من مخالفته على شعبة وأصحابه ا هـ 1/170 و171
أقول : والأهم من هذا أنه استطاع بنظرته الثاقبة وحفظه الواسع أن يمحّص في الرواة المختلف فيهم ويصل إلى نتائج هامة جداً في هذا المعترك الصعب .
- كقوله في ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي روى عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق : المغازي ، وأنكرت عليه وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكير .
ثم قال : كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يحسنان القول في أحمد بن محمد بن أيوب ، وسمع علي منه المغازي ، وكان يحيى بن معين يحمل عليه .
ثم قال : وأحمد بن محمد هذا أثنى عليه أحمد وعلي ، وتكلم فيه يحيى ، وهو مع هذا كله صالح الحديث ليس بمتروك ا هـ 1/174 و175 .
- وكان يرد جرح الأقران كجرح يحيى بن معين والنسائي في أحمد بن صالح أبو جعفر المصري . ثم قال وأحمد بن صالح ممن أجلّه الناس ... ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلّم فيه متكلم لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره ا هـ 1/180-184
- أو كقوله في ترجمة أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي بعد أن نقل عن ابن خراش أنه حلف بالله أن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً ، فقال رداً عليه : وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ ا هـ 1/190 .
- وقد يرجح قولاً من الأقوال التي قيلت في الراوي كقوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن السكسكي الكوفي ونقل عن شعبة طعنه فيه ، وقال النسائي : ليس بذلك القوي ويكتب حديثه ... ثم قال : ولم أجد له حديثاً منكر المتن ، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ، ويكتب حديثه كما قال النسائي 1/210 و211
- أو كقوله في إبراهيم بن مسلم أبو اسحاق الهجري بعد أن نقل تضعيفه عن سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي
قال : وإبراهيم الهجري هذا حدّث عنه شعبة والثوري وغيرهما ، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن ، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وهو عندي ممن يكتب حديثه ا هـ 1/211-213
أو كقوله في إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المديني بعد أن نقل قول البخاري فيه : منكر الحديث ، وقول يحيى بن معين صالح ليس به بأس . وذكر له حديثاً في فضل قراءة طه ويس ..
ثم قال : وإبراهيم بن مهاجر لم أجد له حديثاً أنكر من حديث (قرأ طه ويس) ... وباقي أحاديثه صالحة اهـ 1/216
- ولم يكن ليتعصب ضد الرواة المتهمون بالتشيع أو الغلو فيه .
فقد قال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي بعد أن نقل تكذيبه عن الشعبي وأبي حنيفة وليث بن أبي سليم ويحيى بن معين وغيرهم ...
قال : ولجابر حديث صالح ، وقد روى عنه الثوري الكثير وشعبة أقل رواية عنه من الثوري ، وحدّث عنه زهير وشريك وسفيان والحسن بن صالح وابن عيينة وأهل الكوفة وغيرهم ، وقد احتمله الناس ورووا عنه ، وعامة ماقذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة ، وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً ، ولم يتخلّف أحد في الرواية عنه ، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في الإنكار ، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق ا هـ 2/113-120
- وقد يذكر راوياً ويورد له عدداً من الأحاديث ويضعفه ويكون الحمل فيها ليس على هذا الراوي وإنما على الراوي عنه مثل غالب القطان فقد ذكره وأورد له أحاديث ، والحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري وغيره ، وهو من عجيب ماوقع له والكمال لله تعالى (انظر قواعد في علوم الحديث 189 - 190 والرفع والتكميل 208 - 216 )
- وقد ينسب إلى التساهل مع بعض الرواة كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني: حيث نقل تكذيبه عن مالك ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وغيرهم ، وأطال النفس في ترجمته . ثم نقل رواية الشافعي عنه وابن جريج والثوري وعباد بن منصور ويحيى بن أيوب .
ثم قال : وإبراهيم بن أبي يحيى ذكرت من أحاديثه طرفاً ، روى عنه ابن جريج والثوري وعباد بن منصور
ومندل ، ويحيى بن أيوب ، وهؤلاء أقدم موتاً منه وأكبر سنّاً ، وله أحاديث كثيرة ، ... وقد نظرت أنا في أحاديثه وسجرتها وفتشت الكل منها ، فليس فيها حديث منكر وإنما يروي المنكر إذا كان العهدة من قبل الراوي عنه ، أو من قبل من يروي إبراهيم عنه وكأنه أتى من قبل شيخه لا من قبله ، وهو في جملة من يكتب حديثه ، وقد وثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما ا هـ 1/217-225
وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (241) متروك ا هـ .
- ولكن الثابت عن ابن عدي وغيره من الأثريين تحاملهم على أهل الرأي ، وهذا لايقبل منهم (1)
- كقوله في ترجمة محمد بن الحسن الشيباني بعد أن نقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى وغيرهما .
قال : ومحمد بن الحسن هذا ليس هو من أهل الحديث ، ولا هو ممن كان في طبقته يُعنون بالحديث حتى أذكر شيئاً من مسنده على أنه سمع من مالك - الموطأ - والاشتغال بحديثه شغل لا يحتاج إليه ، لأنه ليس هو من أهل الحديث فينكر عليه ، ... وقد استغنَى أهل الحديث عما يرويه محمد بن الحسن وأمثاله ا هـ 6/174 و175
أقول : هذا الكلام في حقه فيه تجنّ كثير قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من اللسان : تفقه على أبي حنيفة ، وسمع الحديث من الثوري ومعمر وعمر بن ذر ، ومالك بن مغول ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وربيعة بن صالح ، وجماعة وعنه الشافعي ، وأبو سليمان الجوزجاني ، وهشام الرازي وعلي بن مسلم الطوسي ، وغيرهم ، ولي القضاء في أيام الرشيد ، وقال ابن عبد الحكيم : سمعت الشافعي يقول: قال محمد : أقمت على باب مالك ثلاث سنين ، وسمعت منه أكثر من سبعمائة حديث ، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد وقر بعيد كتباً ، وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه في حق محمد بن الحسن : صدوق ا هـ 5/121-122 (انظر قواعد قواعد في علوم الحديث 342 - 345 )
- أو ماقاله في ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت حيث نقل تضعيفه عن كثير من أهل الجرح والتعديل وأفاض في ترجمته ثم ختمها بقوله : وأبو حنيفة له أحاديث صالحة ، وعامة مايرويه غلط ، وتصاحيف وزيادات في أسانيدهها ومتونها ، وتصاحيف في الرجال ، وعامة مايرويه كذلك ، ولم يصح له في جميع مايرويه إلا بضعة عشر حديثاً وقد روى من الحديث لعله أرجح من ثلاثمائة حديث من مشاهير وغرائب وكله على هذه الصورة ، لأنه ليس هو من أهل الحديث ، ولا يحمل على من تكون هذه صورته في الحديث ا هـ 7/5-12
أقول : هذا الكلام غير صحيح ، قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/168: أبو حنيفة الإمام الأعظم ، فقيه العراق ... حدّث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وسلمة ابن كهيل وأبي جعفر محمد ابن على وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحاق وخلق كثير ...
وحدّث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وبشر كثير ، وكان إماماً ورعاً عالماً عاملاً ، متعبداً ، كبير الشأن ، لايقبل جوائز السلطان قال ابن المبارك :أبو حنيفة أفقه الناس ، وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين قال : لا بأس به ، ولم يكن متهماً ... ا هـ
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي 1/188 : قال : الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدّم على التعديل على إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ...
ثم قال 1/190 : قد عرفناك أن الجارح لايقبل فيه الجرح وإن فسّره في حق من غلبت طاعاته على معصيته ،ومادحوه على ذاميّه ومزكوّه على جارحيه ، إذا كانت هناك قرينة تشهد بأن مثلها حامل على الوقيعة فيه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري في أبي حنيفة ، وابن أبي ذئب وغيره في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون ا هـ ( انظر ترجمته مطولة في كتاب قواعد في علوم الحديث 308-338 )
وترجمه الحافظ ابن حجر في التهذيب 10/449-452 ترجمة مطولة ولم يذكر رواية واحدة تطعن في روايته وعدالته ، بل أثبت عدالته وثقته ... وهذا هو الحق والمذهب الحنفي مملوء بآلاف الأحاديث المستدل بها على الأبواب وهذا يرد على كل من يطعن في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وكل جرح لايستند إلى أسس موضوعية سليمة مرفوض مهما كان قائله إذ لايعصم عن الخطأ إلا الأنبياء .
وهناك نقطة هامة حول كتاب الكامل لابن عدي رحمه الله فقد أورد ضمن تراجم الكتاب مايزيد على ثمانية آلاف حديث وهي تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، والمنكر والواهي والموضوع . والمقبول منها غير قليل .
كحديث (ائذنوا للنساء) 1/215 فهو صحيح ، إذ أخرجه البخاري 2/5 و7 ومسلم الصلاة ح (139) وغيرهما فليس مجرد عزو الحديث إلى الكامل دليلاً على ضعفه ووهنه ( انظر قواعد في علوم الحديث 274-275 و424) !!فلا بد من مراجعة الحديث في كتب السنة الأخرى لترى ماقالوا فيه.
وهذا الكتاب - الذي لم ينسج على منواله - بحاجة لتحقيق وضبط وتخريج لكامل أحاديثه .(1/245)
الكمال في أسماء الرجال لعبد الغني المقدسي،كتاب عام،إلا أنه خاص برجال الكتب الستة.
ميزان الاعتدال للذهبي،كتاب خاص بالضعفاء والمتروكين ( أي كل من جُرح وإن لم يُقْبَل الجَرْحًُ فيه ) (1)
تهذيب التهذيب لان حجر،يعتبر من تهذيبات ومختصرات كتاب ( الكمال في أسماء الرجال ) (2) .
__________
(1) - *وهو من أهم كتب الجرح والتعديل ، ذكر فيه كل راوٍ تُكُلّم فيه ، ولو بغير حق انظر الأرقام التالية : (2 و8 و10 و20 و54 و61 و...) ، وفيه (11053) أحد عشر ألفاً وثلاث وخمسون ترجمة وقد رتبه على حروف المعجم ، ويذكر المترجم له ، ثم يبين أهم من أخذ عنهم الحديث ، ثم يذكر من روى عنه ، ثم يذكر بعض مروياته أو أخباره ، ثم يذكر رأي علماء الجرح والتعديل فيه ، وقد يرجح رأياً من الآراء انظر الأرقام (1 و2 و35 ...) ، ويأتي برأي جديد انظر الأرقام (8 و10 و17 و20 و22 و32 و53) .
ويغلب عليه الاعتدال والانصاف ، ولايخلو من تشدد أحياناً ومن تشدده :
قوله عن أبان بن عثمان الأحمر (13) ومارد عليه الحافظ ابن حجر في اللسان 1/24 (20)
وانظر الأرقام (28 و29) واللسان 1/ (48 و49) و(30) واللسان 1/(50) و(31) واللسان 1/(51) و(33) واللسان 1/(52) و(37) واللسان 1/(61) و(43) واللسان 1/(67) و(44) واللسان 1/(68) و(47) واللسان 1/(71) و(48) واللسان 1/72) و(56) واللسان 1/(81) و(59) واللسان 1/(85) وغير ذلك كثير .
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في أشياء في التهذيب واللسان والكتاب بحاجة لتخريج أحاديثه ومقارنة رواته بغيرهم من كتب الجرح والتعديل (انظر قواعد في علوم الحديث 179 و180 و183 و184 و185 و187 و188 و189 و205 و211 و212 و351 وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي) .
(2) - *وهو اختصار وتنقيح وتعقيب لكتاب تهذيب الكمال للمزّي ، مرتب على الحروف الهجائية ، يذكر اسم الراوي ونسبه ولقبه . ثم يذكر أهم شيوخه الذين روى عنهم ، ثم من روى عنه ، ثم أقوال أهل الجرح والتعديل ، ثم بيان وفاته كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن خالد أبو علي الموصلي نزيل بغداد روى عن محمد بن ثابت العبدي وفرج بن فضالة ، وحماد بن زيد ... وروى عنه أبو داود ... وابن ماجه ، وأبو زرعة الرازي ... وقال يحيى بن معين : لابأس به ، ... مات سنة (236) وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين : ثقة صدوق ا هـ ... 1/9
أو كقوله في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن فيل الأسدي أبو الحسن البالسي نزيل انطاكية والد القاضي أبي طاهر ، روى عن أحمد ابن أبي شعيب الحراني وأبي جعفر النفيلي ... وعنه النسائي ... وأبو عوانة الاسفرايني ... مات سنة (284) . قال ابن عساكر : كان ثقة ، وروى عنه محمد بن الحسن الهمداني وقال : إنه صالح ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي في أسامي شيوخه رواية حمزة لا بأس به ، وذكر من عفته وورعه وثقته ا هـ 1/9و10
وهكذا منهجه في كتابه هذا ، وهو من أهم كتب الجرح والتعديل وأدقها ، وعمدة كتب المتأخرين ( راجع فهارس قواعد في علوم الحديث) وله طبعات متعددة أهمها ط دار إحياء التراث وفيها بعض الفوائد وهو يحتاج لتحقيق وضبط ومقارنة رجاله بما قاله علماء الجرح والتعديل .(1/249)
المبحثُ الثالثُ
مراتب الجرح والتعديل (1)
لقد قسم ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه " الجرح والتعديل " كُلاً من مراتب الجرح والتعديل إلى أربع مراتب،وبين حكم كل مرتبة منها،ثم زاد العلماء على كل من مراتب الجرح والتعديل مرتبتين،فصارت كل من مراتب الجرح والتعديل ستاً،وإليك هذه المراتب مع ألفاظها :
1- مراتب التعديل وألفاظها:
أ) ما دلَّ على المبالغة في التوثيق أو كان على وزن أَفْعَل،وهي أرفعها مثل: فلان إليه المنتهى في التثبيت،أو فلان أثبت الناس.
ب) ثم ما تأكد بصفة أو صفتين من صفات التوثيق: كثقة ثقة ـ أو ثقة ثبت.
ج) ثم ما عُبِّرَ عنه بصفة دالة على التوثيق من غير توكيد كثقة،أو حُجَّة.
د) ثم ما دل على التعديل من دون إشعار بالضبط: كصدوق. أو مَحَلُّه الصدق،و لا بأس به عند غير ابن معين،فإنَّ " لا بأس به " إذا قالها ابن معين في الراوي فهو عنده ثقة
هـ) ثم ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح،مثل فلان شيخ،أو روى عنه الناس.
و) ثم ما أَشْعَر بالقرب من التجريح: مثل: فلان صالح الحديث،أو يُكْتَبُ حديثه.
2- حكم هذه المراتب :
__________
(1) - *نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 44) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 731)(1/250)
أ) أما المراتب الثلاث الأولى فيُحْتَجُّ بأهلها. وان كان بعضهم أقوى من بعض.
ب) وأما المرتبة الرابعة والخامسة فلا يحتج بأهلها،ولكن يُكْتَبُ حديثُهم ويُخْتَبَرُ (1) , وأن كان أهل المرتبة الخامسة دون أهل المرتبة الرابعة .
ج) وأما أهل المرتبة السادسة فلا يحتج بأهلها،ولكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط دون الاختبار،وذلك لظهور أمرهم في عدم الضبط. (2)
3- مراتبُ الجرح وألفاظها :
أ) ما دل على التليين: ( وهي أسهلها في الجرح ) مثل فلان لَيَّنُ الحديث أو فيه مَقال.
ب) ثم ما صُرِّح بعدم الاحتجاج به وشبهه : مثل فلان لا يحتج به،أو ضعيف،أوله مناكير.
ج) ثم ما صرح بعدم كتابة حديثه ونحوه: مثل فلان لا يكتب حديثه،أو لا تحل الراوية عنه أو ضعيف جداً أو واهٍ بمَرَّةٍ.
د) ثم ما فيه اتهام بالكذب أو نحوه: مثل فلان متهم بالكذب أو متهم بالوضع،أو يسرق الحديث،أو ساقط،أو متروك أو ليس بثقة.
هـ) ثم ما دل على وصفه بالكذب ونحوه: مثل كذاب أو دجال أو وضاع أو يكذب أو يضع.
و) ثم ما دل على المبالغة في الكذب : (وهي أسوأها) مثل فلان أكذب الناس،أو إليه المنتهى في الكذب،أو هو ركن الكذب .
__________
(1) -أي يختبر ضبطهم بعرض حديثهم على أحاديث الثقات الضابطين ، فإن وافقهم احتج بحديثهم وإلا فلا ، فظهر من ذلك أنَّ من قيل فيه " صدوق " من الرواة لا يحتج بحديثه قبل الاختبار ، وقد أخطأ من ظن أن من قيل فيه "صدوق" فحديثه حسن لأن الحسن يحتج به ، هذا ما عليه اصطلاح أئمة الجرح والتعديل ، أما الحافظ ابن حجر فقد يكون له اصطلاح خاص في كتاب " تقريب التهذيب " بالنسبة لكلمة " صدوق " والله أعلم .
(2) -* قلت :
في كلامه وتعليقه نظر كبير ، فالصحيح أنه يحتج بكل هذه المراتب وحديثهم يكون بين الصحيح والحسن ، وليس ضعيفاً كما يفهم من تعليقه على سبر حديثهم ، وإنما الذي يسبر حديثه من قيل فيه صدوق يهم - صدوق يخطئ ، صدوق اختلط ، صدوق سيء الحفظ ونحوهم ، حيث نستبعد ما أخطؤوا فيه ليس إلا والباقي فحديثهم حسن على الصحيح الذي جرى عليه العمل في علم الجرح والتعديل وتطبيقاته .انظر التفاصيل في كتابي ((الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب)) ، وكتابي (( الخلاصة في علم الجرخ والتعديل ))(1/251)
4- حكم هذه المراتب :
أ) أما أهل المرتبتين الأولييَن فإنه لا يُحْتَجُّ بحديثهم طبعاً لكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط،وان كان أهل المرتبة الثانية دون أهل المرتبة الأولى (1) .
ب) وأما أهل المراتب الأربع الأخيرة فلا يحتج بحديثهم ولا يكتب ولا يعتبر به .
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) -*قلت : قد احتج كثير من الأئمة بالحديث الضعيف ضعفاً يسيراً ،و الذي لا يوجد في الباب أقوى منه كالحنفية والحنابلة ، وقد احتج به جمهور أهل العلم من السلف والخلف ، بفضائل الأعمال والترغيب والترهيب إذا لم يكن شديد الضعف ولا يعارض ما هو أقوى منه وأن يندرج تحت أصل عام - راجع كتابي ((الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف)) .(1/252)
البابُ الثالث
الرواية وآدابها وكيفية ضبطها
ـ الفصل الأول: كيفية ضبط الراوية،وطرق تحملها.
ـ الفصل الثاني: آداب الراوية.
الفصلُ الأولُ
كيفية ضبط الراوية وطرق تحملها
المبحث الأول كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه.
المبحث الثاني: طرق التحمل وصيغ الأداء.
المبحث الثالث: كتابة الحديث وضبطه والتصنيف فيه.
المبحث الرابع: صفة رواية الحديث.
المبحثُ الأول
كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه
1- تمهيدٌ:
المراد " بكيفية سماع الحديث " بيان ما ينبغي وما يشترط فيمن يريد سماع الحديث من الشيوخ سماع رواية وتحمل ،ليؤديه فيما بعد لغيره ،وذلك مثل اشتراط سِنٍّ معينة وجوباً أو استحباباًِ .
والمراد " بتَحَمُّلِهِ " بيان طرق أخذه وتلقيه عن الشيوخ والمراد " ببيان ضبطه " أي كيف يضبط الطالب ما تلقاه من الحديث ضبطاً يؤهله لأن يرويه لغيره على شكل يُطْمَأنُّ إليه .
وقد اعتنى علماء المصطلح بهذا النوع من علوم الحديث،ووضعوا له القواعد والضوابط والشروط بشكل دقيق رائع. وميزوا بين طرق تحمل الحديث،وجعلوها على مراتب،بعضها أقوى من بعض،وذلك تأكيداً منهم للعناية بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وحسن انتقاله من شخص إلى شخص،كي يطمئن المسلم في طريقة وصول الحديث النبوي إليه،ويوقن أن هذه الطريقة في منتهى السلامة والدقة
2- هل يُشْترَطُ لتحمل الحديث الإسلام والبلوغ ؟(1/253)
لا يشترط لتحمل الحديث الإسلام والبلوغ على الصحيح لكن يشترط ذلك للأداء (1) ـ كما مر بنا في شروط الراوي ـ وبناء على ذلك فتقبل رواية المسلم البالغ ما تحمله من الحديث قبل إسلامه،أو قبل بلوغه،لكن لا بد من التمييز بالنسبة لغير البالغ .
وقد قيل إنه يشترط لتحمل الحديث البلوغ،ولكنه قول خطأ،لأن المسلمين قبلوا رواية صغار الصحابة كالحسن وابن عباس وغيرهما من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ أو بعده .
3- متى يُسْتَحَبُّ الابتداءُ بسماع الأحاديث؟
أ) قيل يستحبُّ أن يبتدئ بسماع الحديث في سن الثلاثين وعليه أهل الشام .
ب) وقيل في سن العشرين،وعليه أهل الكوفة .
ج) وقيل في سن العاشرة،وعليه أهل البصرة .
د) والصواب في الأعصار (2) المتأخرة التبكير بسماع الحديث من حيث يصح سماعه،لأن الحديث منضبط في الكتب.
4- هل لصحة سماع الصغير سن معينة ؟
أ) حدد بعض العلماء ذلك بخمس سنين،وعليه استقر العمل بين أهل الحديث.
ب) وقال بعضهم: الصواب اعتبار التمييز،فإن فَهِمَ الخطاب،ورَدَّ الجواب،كان مُمَيَّزا ً صحيح السمع وإلا فلا.
==================
المبحث الثاني
طُرُقُ التَّحَمُّل وصِيَغْ الأداء (3)
__________
(1) - التحمل : معناه تلقي الحديث وأخذه عن الشيوخ ،والأداء : رواية الحديث وإعطاؤه للطلاب
(2) -* تاج العروس - (ج 1 / ص 3200)
(3) - *تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 279) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 664)(1/254)
طُرُق تحمل الحديث ثمانية وهي : السماع من لفظ الشيخ،القراءة على الشيخ،الإجازة،المناولة،الكتابة،الإعلام،الوصية،الوجادة .
وسأتكلم على كل منها تباعاً باختصار،مع بيان ألفاظ الأداء لكل منها باختصار أيضاُ.
1- السَّماعُ من لفظ الشيخ :
أ) صورته: أن يقرأ الشيخ،ويسمع الطالب،سواء قرأ الشيخ من حفظه أو كتابه،وسواء سمع الطالب وكتب ما سمعه،أو سمع فقط ولم يكتب .
ب) رتبته: السماع أعلى أقسام طرق التحمل عند الجماهير .
ج) ألفاظ الأداء:
1- قبل أن يشيع تخصص بعض الألفاظ لكل قسم من طرق التحمل،كان يجوز للسامع من لفظ الشيخ أن يقول في الأداء : "سمعت أو حدثني أو أخبرني أو أنبأني أو قال لي أو ذكر لي"
2- وبعد أن شاع تخصيص بعض الألفاظ لكل قسم من طرق التحمل،صارت ألفاظ الأداء على النحو التالي:
ـ للسماع: سمعت ـ أو حدثني
ـ للقراءة: أخبرني.
ـ للإجازة: أنبأني .
ـ لسماع المذاكرة (1) : قال لي ـ أو ذكر لي.
2- القراءة على الشيخ (2) :
__________
(1) - سماع المذاكرة غير سماع التحديث ، إذ أن سماع التحديث يكون قد استعدَّ له الشيخ والطالب تحضيراً وضبطاً قبل المجيء لمجلس الحديث، أما المذاكرة فليس فيها ذلك الاستعداد .
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 26) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 13) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 8) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 387) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 282) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 662) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 39)
لكن قال شيخ الإسلام ابن حجر في «شرح البخاري» : بين القِرَاءة, والعرض عُمومٌ وخُصُوص, لأنَّ الطَّالب إذا قرأ, كان أعم من العرض وغيره, ولا يقع العرض إلاَّ بالقراءة, لأنَّ العرض عِبَارة عمَّا يعرض به الطَّالب أصل شيخه معه، أو مع غيره بِحْضرته, فهو أخص من القِرَاءة. انتهى.
سَوَاء قَرَأتَ, أو قَرَأَ غَيرُكَ وَأَنتَ تَسمَعُ, من كتَابٍ, أَو حفْظٍ، حَفِظَ الشَّيخُ أَم لا, إذَا أمسَكَ أصْلَه, هُوَ أو ثِقَةٌ.
[سواء قرأتَ] عليه بنفسك [أو قرأ غيرك] عليه [وأنتَ تسمع] وسواء كانت القراءة منك, أو من غيرك [من كتاب, أو حفظ ] وسواء في الصور الأربع [حفظ الشَّيخ] ما قُرىء، عليه [أم لا, إذَا أمسك أصلهُ هو, أو ثقة] غيره كما سيأتي.
قال العِرَاقي: وهكذا إن كان ثقة من السَّامعين يحفظ ما قُرىء, وهو مستمع غير غافل, فذاكَ كاف أيضًا.
قال: ولم يذكر ابن الصَّلاح هذه المَسْألة, والحكم فيها مُتَّجه, ولا فرق بين إمْسَاك الثِّقة لأصل الشَّيخ, وبين حفظ الثِّقة لِمَا يقرأ, وقد رأيتُ غير واحد من أهل الحديث وغيرهم اكتفى بذلك. انتهى.
وقال شيخ الإسلام: ينبغي ترجيح الإمْسَاك في الصور كلها على الحِفْظ, لأنَّه خوَّان.
وشرط الإمام أحمد في القارىء أن يَكُون مِمَّن يعرف ويفهم.
وشرط إمام الحرمين في الشَّيخ أن يَكُون بحيث لو فُرِضَ من القارىء تحريف, أو تصحيف لردَّه, وإلاَّ فلا يصح التحمُّل بها.
[وهي] أي الرِّواية بالقراءة بشرطها [رِوَاية صحيحةٌ بلا خِلاف في جميع ذلك, إلاَّ ما حُكِيَ عن بعض من لا يُعتد به] إن ثبت عنه, وهو أبو عاصم النَّبيل, رواه الرامهرمزي عنه.
وروى الخطيب , عن وكيع قال: ما أخذتُ حديثاً قط عرضًا.وعن محمَّد بن سلام : أنَّه أدركَ مالكًا, والنَّاس يقرؤون عليه, فلم يسمع منه لذلك, وكذلك عبد الرَّحمن بن سلام الجُمَحي لم يكتف بذلك, فقال مالك: أخرجُوه عنِّي .
وممَّن قال بصحَّتها من الصَّحابة فيما رواه البَيْهقى في «المدخل»: أنس, وابن عبَّاس, وأبو هُريرة.
ومن التَّابعين: ابن المُسيب, وأبو سلمة, والقاسم بن محمَّد, وسالم بن عبد الله, وخارجة بن زيد, وسُليمان بن يَسَار, وابن هُرمز, وعطاء, ونافع, وعُروة, والشَّعبي, والزُّهري, ومَكْحول, والحسن, ومنصور, وأيُّوب.
ومن الأئمة: ابن جُريج, والثَّوري, وابن أبي ذئب, وشُعبة, والأئمة الأربعة, وابن مهدى, وشَرِيك, واللَّيث, وأبو عُبيد, والبُخَاري في خلقٍ لا يُحْصون كثرة.
وروى الخَطِيب عن إبراهيم بن سعد أنَّه قال: لا تدعون تنطُعكم يا أهل العِرَاق! العرض مثلَ السَّماع.
واستدلَّ الحُميدي, ثمَّ البخاري على ذلك بحديث ضمام بن ثعلبة: لمَّا أتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , فقال له: إنِّي سائلكُ فمُشدِّد عليك, ثمَّ قال: أسألكَ بربِّك ورب من قبلكَ, آلله أرسلكَ ... الحديث . في سؤاله عن شرائع الدِّين, فلمَّا فرغ قال: آمنتُ بمَا جئتَ به, وأنَا رَسُول من ورائي, فلمَّا رجعَ إلى قومهِ اجتمعُوا إليه, فأبْلَغهم فأجَازُوه, أي: قبلُوه منهُ وأسْلمُوا.
وأسندَ البيهقي في «المدخل» عن البُخَاري, قال: قال أبو سعيد الحدَّاد: عندي خبر عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في القِرَاءة على العالم. فقيلَ له: قِصَّة ضمام, آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم.
وَاختَلَفُوا في مُسَاوَاتِهَا للسَّمَاعِ من لَفظِ الشَّيخِ, ورُجْحَانِهِ عَلَيْهَا, وَرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ, فَحُكِيَ الأوَّلُ عن مالكٍ, وأصحَابِهِ, وأشياخه, ومعظَم عُلمَاءِ الحِجَازِ, والكُوفَةِ, والبُخَارِيِّ, وغَيْرِهِم.
[واختلفوا في مُسَاواتها للسَّماع من لفظ الشَّيخ] في المرتبة [ورُجحانه عليها, ورجحانها عليه] على ثلاثة مذاهب:
[فَحُكِيَ الأوَّل]: وهو المُسَاواة [عن مالك, وأصحابه, وأشياخه] من عُلماء المدينة [ومُعظم عُلماء الحِجَاز, والكُوفة, والبُخَاري, وغيرهم].
وحكاهُ الرَّامهرمزي, عن على بن أبي طالب, وابن عبَّاس, ثمَّ روى عن عليِّ: القِرَاءةُ على العالم بمنزلة السَّماع منهُ.
وعن ابن عبَّاس قال: اقرؤوا عليَّ, فإنَّ قراءتكم عليَّ, كقراءتي عليكم. رواه البيهقي في «المدخل».
وحكاهُ أبو بكر الصَّيرفي, عن الشَّافعي.
قُلتُ: وعندي أنَّ هؤلاء لمَّا ذكروا المُسَاواة في صحَّة الأخذ بها, ردًّا على من كان أنكرها لا في اتِّحاد المَرْتبة.
أسندَ الخَطيب في «الكفاية» من طريق ابن وهب قال: سمعتُ مالكًا, وسُئل عن الكُتب التي تُعرض عليه, أيقول الرَّجل حدَّثني؟ قال: نعم, كذلك القُران, أليس الرَّجُل يقرأ على الرَّجل فيَقُول: أقْرأني فُلان.
وأسند الحاكم في «عُلوم الحديث» عن مُطَرِّف قال: سعتُ مالكاً يأبى أشد الإباء على من يقول: لا يُجزئه إلاَّ السَّماع من لَفْظِ الشَّيخ, ويقول: كيف لا يجزئك هذا في الحديث, ويجزئك في القُرآن, والقُران أعظم.
والثَّانِي: عن جُمْهُورِ أهلِ المَشْرِقِ, وهو الصَّحِيحُ.
والثَّالِثُ: عن أبي حَنيفَةَ, وابن أبي ذئبٍ, وَغَيْرِهِمَا, وروَايةٌ عن مَالِكٍ.
[و] حكي [الثَّاني] وهو ترجيح السَّماع عليها [عن جُمهور أهل المشرق, وهو الصَّحيح].
[و] حكى [الثَّالث] وهو ترجيحها عليه [عن أبي حنيفة, وابن أبي ذئب, وغيرهما, و] هو [رواية عن مالك] حكاها عنه الدَّارقُطْي, وابن فارس, والخطيب.
وحكاهُ الدَّارقُطْني أيضًا عن الليث بن سعد, وشُعبة, وابن لَهيعة, ويحيى بن سعيد, ويحيى بن عبد الله بن بُكَير, والعبَّاس بن الوليد بن مَزْيد, وأبي الوليد, وموسى بن داود الضَّبي, وأبي عُبيد, وأبي حاتم.
وحكاهُ ابن فارس عن ابن جُريج, والحسن بن عمارة.
وروى البيهقي في «المَدْخل» عن مَكِّي بن إبراهيم قال: كان ابن جُريج وعُثمان بن الأسود, وحَنْظلة بن أبي سُفيان, وطلحة بن عَمرو, ومالك, ومحمَّد بن إسحاق, وسُفيان الثَّوري, وأبو حنيفة, وهِشَام, وابن أبي ذئب, وسعيد بن أبي عَرُوبة, والمُثنى بن الصَّباح, يقولون: قراءتُك على العالم, خيرٌ من قِرَاءة العالم عليكَ, واعتلُّوا بأنَّ الشَّيخ لو غلط لم يتهيأ للطَّالب الرَّد عليه.
وعن أبي عُبيد: القِرَاءة عليَّ, أثبتُ من أن أتولى القِرَاءة أنا.
وقال صاحب البَدِيع, بعد اختياره التَّسوية: محل الخِلاف ما إذَا قرأ الشَّيخ في كِتَابه, لأنَّه قد يسهو، فلا فرقَ بينهُ وبين القِرَاءة عليه، أمَّا إذا قرأ الشَّيخ من حفظه، فهو أعلى بالاتفاق.
واختار شيخ الإسْلام: أنَّ محل ترجيح السَّماع ما إذا استوى الشَّيخ والطَّالب، أو كان الطَّالب أعلم، لأنَّه أوْعَى لما يَسْمع, فإن كان مَفْضُولاً, فقراءته أوْلَى, لأنَّها أضْبط له.
قال: ولهذَا كان السَّماع من لفظهِ في الإملاء أرفع الدَّرجات, لِمَا يلزم منهُ من تحرير الشَّيخ والطَّالب, وصرَّح كثيرون بأن القِرَاءة بنفسه أعْلى مرتبة من السَّماع بقراءة غيره.
وقال الزَّركشي: القارىء, والمُستمع سواء.
والأحوَطُ في الرِّوَايَةِ بها: قَرَأتُ على فُلانٍ, أو قُرِىءَ وأنا أسمَعُ فأقرَّ بهِ, ثُمَّ عِبَارَاتُ السَّمَاع مُقَيَّدَةً: كَحَدَّثَنَا, أو أخبَرَنَا قراءةً عليهِ, وأنشَدَنَا في الشِّعْرِ قراءةً عليهِ, ومنعَ إطلاقَ حدَّثَنَا, وأخبرَنَا, ابن المُبَارَكِ, ويَحيَى بن يَحْيىَ التَّمِيميُّ, وأحمدُ بن حَنْبَل, والنَّسَائِيُّ وغيرُهُم.(1/255)
ويسميها أكثر المحدثين " عَرْضاً "
صورتها: أن يقرأ الطالب والشيخ يسمع (1) ،سواء قرأ الطالب،أو قرأ غيره وهو يسمع،وسواء كانت القراءة من حفظ أو من كتاب،وسواء كان الشيخ يُتَبِّعُ للقارئ من حفظه أو أمسك كتابه هو،أو ثقة غيره .
حكم الراوية بها: الراوية بطريق القراءة على الشيخ رواية صحيحة بلا خلاف في جميع الصور المذكورة إلا ما حُكي عن بعض من لا يعتد به من المتشددين
رتبتها : اختلف في رتبتها على ثلاثة أقوال .
مساوية للسماع: رُوي عن مالك والبخاري،ومعظم علماء الحجاز والكوفة
أدنى من السماع : روي عن جمهور أهل المشرق " وهو الصحيح " .
أعلى من السماع: روي عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب،ورواية عن مالك.
د) ألفاظ الأداء :
1- الأحوط : " قرأت على فلان " أو " قرئ عليه وأنا أسمع فأقرَّ به " .
2- ويجوز: بعبارات السماع مقيدة بلفظ القراءة كـ " حدثنا قراءة عليه ".
3 - الشائع الذي عليه كثير من المحدثين: إطلاق لفظ " أخبرنا " فقط دون غيرها.
3- الإجازة (2) :
__________
(1) - المراد بذلك أن يقرأ الطالب الأحاديث التي هي من مرويات الشيخ، لا أن يقرأ ما شاء من الأحاديث،وذلك لأن الغاية من قراءة الطالب على الشيخ ، أن يسمعها الشيخ منه ليضبطها له .
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 30) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 15) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 9)والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) والوجيز في ذكر المجاز والمجيز - (ج 1 / ص 1) والحد الفاصل - (ج 1 / ص 435) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 171) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 302) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 425) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 298)
الإجَازة, وهي أضْرُب] تسعة, وذكرها المُصنِّف كابن الصَّلاح سَبْعة:
[الأوَّل: أن يُجيز مُعينًا لمُعيَّن, كأجزتكَ] أو أجزتكُم, أو أجزت فُلانا الفُلاني [البخاري, أو ما اشتملت عليه فهرستي] أي: جُملة عدد مَرْوياتي, قال صاحب «تثقيف اللِّسان» : الصَّواب أنَّها بالمُثَناة الفَوْقية, وقُوفًا وإدْمَاجًا, وربَّما وقفَ عليها بعضهم بالهاء وهو خطأ, قال: ومعناها جُمْلة العدد للكتب, لفظة فارسية.
[وهذا أعْلَى أضْرُبها] أي الإجَازة [المُجَرَّدة عن المُنَاولة, والصَّحيح الَّذي قالهُ الجمهور من الطَّوائف] أهل الحديث وغيرهم [واستقرَّ عليه العمل جَوَاز الرِّواية والعمل بها].
وادَّعى أبو الوليد البَاجي وعِيَاض الإجماع عليها, وقصر أبو مروان الطبني الصحَّة عليها.
[وأبطَلَها جماعات من الطَّوائف] من المُحدِّثين كشُعبة - قال: لو جَازت الإجَازة لبَطَلت الرِّحلة - وإبراهيم الحَرْبي, وأبو نصر الوائلي, وأبي الشَّيخ الأصبهاني, والفقهاء, كالقاضي حُسَين, والمَاوردي, وأبي بكر الخَجَندي الشَّافعي, وأبي طاهر الدبَّاس الحَنَفي.
وعنهم أنَّ من قال لغيره: أجزتُ لكَ أن تروي عنِّي ما لم تَسْمع, فكأنَّه قال: أجزتُ لك أن تَكْذب عليَّ, لأنَّ الشَّرع لا يُبيح رِوَاية ما لم يَسْمع.
[وهو إحدى الرِّوايتين عن الشَّافعي] وحكاهُ الآمدي عن أبي حنيفة وأبي يُوسف, ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك.
وقال ابن حزم: إنَّها بدعة غير جائزة.
وقيل: إنَّ كان المُجيز والمُجَاز عالمين بالكتاب جَاز, وإلاَّ فلا, واختارهُ أبو بكر الرَّازي من الحَنفية.
[وقال بعض الظَّاهرية ومُتَابعيهم: لا يعمل بها] أي: بالمَرْوي بها [كالمُرْسل] مع جواز التحديث بها [وهذا باطل] لأنَّه ليس في الإجَازة ما يقدح في اتِّصال المنقول بها, وفي الثِّقة بها.
وعن الأوزاعي عكس ذلك, وهو العمل بها دون التحديث.
قال ابن الصَّلاح : وفي الاحتجاج لتجويزها غُموض, ويتجه أن يُقال: إذا جاز له أن يروي عنه مروياته, فقد أخبره بها جُمْلة, فهو كما لو أخبره بها تفصيلاً, وإخباره بها غير متوقف على التصريح قَطْعًا, كما في القِرَاءة, وإنَّما الغرض حُصُول الإفهام والفهم, وذلك حاصلٌ بالإجَازة المُفْهمة.
وقال الخطيب في «الكِفَاية» : احتجَّ بعض أهل العلم لجَوَازها بحديث: أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كتبَ سُورة براءة في صحيفة, ودفعهَا لأبي بكر, ثمَّ بعثَ علي بن أبي طالب فأخذهَا منهُ ولم يقرأها عليه, ولا هو أيضًا حتَّى وصل إلى مَكَّة ففتحها وقرأهَا على النَّاس.
وقد أسندَ الرَّامهرمزي عن الشَّافعي: أنَّ الكرابيسي أراد أن يقرأ عليه كُتبه, فأبى وقال: خُذْ كُتب الزَّعفراني فانْسَخها, فقد أجزتُ لك, فأخذها إجَازة.
أمَّا الإجَازة المُقْترنة بالمُنَاولة فستأتي في القِسْم الرَّابع.
تنبيه:
إذا قُلنا بصحَّة الإجَازة, فالمُتبادر إلى الأذْهَان أنَّها دُون العرض, وهو الحق, وقد حكى الزَّركشي في ذلك مذاهب.
ثانيها - ونسبهُ لأحمد بن مَيْسرة المَالكي - : أنَّها على وجهها خير من السَّماع الرَّديء, قال: واخْتَار بعض المُحقِّقين تفضيل الإجَازة على السَّماع مُطْلقًا.
ثالثها: أنَّهما سَوَاء حكى ابن عات في «رَيْحَانة النَّفس» عن عبد الرَّحمن بن أحمد بن بَقِي بن مَخْلد أنَّه كان يَقُول: الإجَازة عِنْدي وعند أبي وجَدِّي كالسَّماع.
وقال الطُّوفي: الحق التَّفصيل, ففي عصر السَّلف السَّماع أولى, وأمَّا بعد أن دُوِّنت الدَّواوين, وجُمعت السُّنن واشتهرت, فلا فرق بينهما.
[الضَّرب الثَّاني: يُجيز مُعينا غيره] أي غير مُعين [كأجزتك] أو أخبرتكم جميع [مسموعاتي] أو مروياتي [فالخلاف فيه] أي في جَوَازها [أقوى وأكثر] من الضَّرب الأوَّل.
[والجمهُور من الطَّوائف جوزوا الرِّواية] بها [فأوجبوا العمل] بما رُوي بها بشرطه.
[الثَّالث: يُجيز غير مُعيَّن بوصْفِ العُموم كأجزت] جميع [المسلمين, أو كل أحد, أو أهل زماني, وفيه خلاف للمتأخِّرين, فإن قيَّدها] أي: الإجازة العامة [بوصف حاصر] كأجزتُ طَلَبة العِلْم ببلد كَذَا, أو من قرأ عليَّ قبل هذا [فأقرب إلى الجَوَاز] من غير المُقيدة بذلك.
بل قال القاضي عياض: ما أظنهم اختلفُوا في جواز ذلك, ولا رأيت منعه لأحد, لأنَّه محصور موصوف, كقوله: لأولاد فُلان, أو إخوة فُلان.
واحترز بقوله: حاصر, ما لا حصر فيه, كأهل بلد كذا, فهو كالعامة المُطْلقة.
وأفرد القَسْطلاني هذه بنوع مُستقل, ومثَّله بأهل بلد مُعيَّن, أو إقليم, أو مَذْهب مُعيَّن.
ومن المُجَوِّزين: القاضي أبو الطَّيب, والخطيب, وأبو عبد الله بن مَنْده, وابن عتَّاب, والحافظُ أبو العلاء, وآخرون.
[ومن المُجوِّزين] للعامة المُطلقة [القاضي أبو الطَّيب] الطَّبري [والخطيب] البغدادي [وأبو عبد الله بن مَنْده] وأبو عبد الله [ابن عتَّاب, والحافظ أبو العلاء] الحسن بن أحمد العطَّار الهمداني [وآخرون] كأبي الفضل بن خيرون, وأبي الوليد ابن رشد, والسَّلفي, وخلائق جمعهم بعضهم في مُجلد, ورتَّبهم على حروف المعجم لكثرتهم.
قال الشَّيخ: ولم نسمع عن أحَدٍ يُقْتدَى به الرِّواية بهذه.
قلتُ: الظَّاهر من كلام مُصحِّحها جَوَاز الرِّواية بهَا, وهذا مُقتضى صِحَّتها, وأيُّ فائدةٍ لهَا غيرُ الرِّواية بِهَا.
[قال الشَّيخ] ابن الصَّلاح ميلاً إلى المَنْع: [ولم نَسْمع عن أحد يُقتدى به الرِّواية بهذه] قال: والإجَازة في أصلها ضعيفة, وتَزْداد بهذا التَّوسع والاسْترسَال ضعفًا كثيرًا.
قال المُصنِّف [قلت: الظَّاهر من كلام مُصححها جَوَاز الرِّواية بها, وهذا مقتضى صحتها, وأي فائدة لها غير الرِّواية بها] وكذا صرَّح في «الرَّوضة» بتصحيح صحتها.
قال العِرَاقيُّ: وقد روى بها من المُتقدِّمين الحافظ أبو بكر بن خير, ومن المتأخِّرين الشرف الدمياطي وغيره.
وصحَّحها أيضًا ابن الحاجب, قال: وبالجملة ففي النَّفس من الرِّواية بها شيء, والأحْوط ترك الرِّواية بها, قال: إلاَّ المُقيَّدة بنوع حصر, فإنَّ الصَّحيح جَوَازها. انتهى.
وكذا قال شيخ الإسْلام في العَامة المُطْلقة قال: إلاَّ أنَّ الرِّواية بها في الجُمْلة أولى من إيْرَاد الحديث مُعْضلاً.
قال البَلْقيني: وما قيل من أنَّ أصل الإجَازة العامة ما ذكرهُ ابن سعد في «الطبقات»: حدَّثنا عفَّان, حدَّثنا حمَّاد, حدَّثنا علي بن زيد, عن أبي رافع, أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: من أدركَ وفاتي من سبي العرب فهو حُر. ليس فيه دلالة, لأنَّ العتق النافذ لا يحتاج إلى ضبط, وتحديث, وعمل, بخلاف الإجَازة ففيها تحديث, وعمل, وضبط, فلا يصح أن يَكُون ذلك دليلاً لهذا, ولو جُعل دليله ما صحَّ من قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - : «بَلِّغُوا عنِّي ...» الحديث, لكان له وجه قوي. انتهى.
[الرَّابع إجَازة] لمُعيَّن [بمجهول] من الكتب [أو] إجَازة بمعين من الكتب [له] أي لمجهول من النَّاس [كأجزتُكَ كتاب السُّنن, وهو يروي كُتبًا في السُّنن] أو أجزتك بعض مسموعاتي [أو أجزتُ محمَّد بن خالد الدِّمشقي, وهناك جماعة مُشتركون في هذا الاسم] ولا يتضح مُراده في المسألتين [فهي باطلة] فإن اتَّضح بقرينة فصحيحة.
[فإن أجَاز لجماعة مُسَمين في الإجازة أو غيرها, ولم يعرفهم بأعيانهم, ولا أنْسَابهم, ولا عددهم, ولا تصفحهم] وكذا إذا سمَّي المسؤول له ولم يعرف عينه [صحَّت الإجَازة كسماعهم منهُ في مَجْلسه في هذا الحال] أي: وهو لا يعرف أعيانهم, ولا أسْمَاءهم, ولا عددهم.
[وأمَّا أجزتُ لمن يشاء فُلان, أو نحو هذا ففيه جهالة وتعليق] بشرط, ولذلك أُدخل في ضرب الإجَازة المَجْهُولة.
والعِرَاقي أفردهُ, كالقَسْطلاني بضرب مُستقل, لأنَّ الإجَازة المُعلَّقة قد لا يكون فيها جَهَالة, كما سيأتي.
[فالأظْهر بُطْلانه] للجهل, كقوله: أجزتُ لبعض النَّاس [وبه قطعَ القَاضي أبو الطَّيب الشَّافعي].
قال الخطيب: وحُجتهم القياس على تعليق الوكالة.
[وصحَّحه] أي: هذا الضَّرب من الإجَازة أبو يَعْلى [ابن الفَرَّاء الحنبلي, و] أبو الفضل محمد بن عُبيد الله [بن عمروس المَالكي] وقال: إنَّ الجَهَالة ترتفع عند وجُود المَشيئة ويتعيَّن المُجَاز له عندها.
قال الخَطِيب: وسمعتُ ابن الفَرَّاء يحتجُّ لذلكَ بقوله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أمَّر زيدًا على غزوة مُؤتة: «فإنْ قُتلَ زيدٌ, فجعفر, فإن قُتلَ جعفر فابنُ رَوَاحة». فعلَّق التأمير.
قال: وسمعتُ أبا عبد الله الدَّامغاني يُفرِّق بينها وبين الوكَالة, بأن الوكيل يَنْعزل بعزل المُوكل له, بخلاف المُجَاز.
قال العِرَاقيُّ: وقد استعمل ذلك من المُتقدِّمين: الحافظ أبو بكر بن أبي خَيْثمة صاحب «التاريخ» وحفيد يعقُوب بن شيبة.
فإن عُلِّقت بمشيئة مُبهم, بطلت قطعًا.
ولو قال: أجَزتُ لمن يَشَاء الإجَازة, فهو كأجَزتُ لمن يَشَاء فُلانٌ, وأكثر جَهَالة, ولو قال: أجَزتُ لمن يَشَاء الرِّواية عنِّي, فأوْلَى بالجَوَاز, لأنَّه تصريحٌ بمُقْتضَى الحَالِ, ولو قال: أجَزتُ لفلان كذا إنْ شَاء روايتهُ عنِّي, أو لكَ إنْ شئتَ أو أحْبَبتَ, أو أردتَ فالأظْهر جَوَازه.
[ولو قال: أجزتُ لمن يشاء الإجازة, فهو كأجزتُ لمن يشاء فُلان] في البُطْلان, بل [وأكثر جهالة] وانتشارًا من حيث إنَّها مُعلَّقة بمشيئة من لا يحصر عددهم.
[ولو قال: أجزتُ لمن يشاء الرِّواية عنِّى, فأولى بالجَوَاز, لأنَّه تصريح بمُقتضى الحال] من حيث أنَّ مقتضى كل إجازة تفويض الرِّواية بها إلى مشيئة المُجَاز له, لا تعليق في الإجَازة, وقاسهُ ابن الصَّلاح على: بعتُكَ إن شئت.
قال العِرَاقي: لكن الفرق بينهما تعيين المُبْتاع, بخلافه في الإجَازة فإنَّه مُبْهم.
قال: والصَّحيح فيه عدم الصحة, قال: نعم وزانه هنا أجزتُ لك أن تروي عنِّي إن شئت الرِّواية عنِّي, قال: والأظهر الأقوى هُنَا الجَوَاز, لانتفاء الجَهَالة, وحقيقة التَّعليق. انتهى.
وكذا قال البَلْقيني في «محاسن الاصطلاح» وأيَّد البُطْلان في المسألة الأولى, ببطلان الوصية والوكالة فيما لو قال: وصَّيت بهذه لمن يشاء, أو وكلت في بيعها من شاء أن يبيعها. قال: وإذا بطلَ في الوصية, مع احتمالها ما لا يحتمله غيرها, فهنا أولى.
[ولو قال: أجزتُ لفلان كذا إن شَاء روايته عنِّي, أو لك, إن شئتَ, أو أحببتَ أو أردت, فالأظهر جَوَازه] كما تقدَّم.
[الخامس: الإجَازة للمعدوم, كأجزتُ لمن يُولد لفلان, واختلف المتأخِّرون في صحتها, فإن عطفهُ على موجود, كأجزتُ لفُلان ومن يُولد له, أو لك] ولولدك [ولعقبك ما تَنَاسلُوا, فأولَى بالجَوَاز] ممَّا إذا أفرده بالإجَازة, قياسًا على الوقف.
[وفعل الثَّاني من المُحدِّثين] الإمام [أبو بكر] عبد الله [بن أبي داود] السِّجستاني, فقال وقد سُئل الإجَازة: قد أجزت لكَ, ولأولادك, ولحبل الحبلة. يعني الَّذين لم يُولدوا بعد.
قال البَلْقيني: ويُحتمل أن يَكُون ذلك على سبيل المُبَالغة, وتأكيد الإجَازة, وصرَّح بتصحيح هذا القسم القَسْطلاني في «المنهج».
[وأجَاز الخَطيب الأوَّل] أيضًا وألَّف فيها جُزءا, وقال: إنَّ أصحاب مالك وأبي حنيفة أجَازُوا الوقف على المعدُوم, وإن لم يكن أصله موجودًا.
قال: وإن قيلَ: كيف يصح أن يَقُول: أجَازني فُلان, ومولده بعد موته, يُقَال: كما يصح أن يقول: وقف على فُلان, ومولده بعد موته.
قال: ولأنَّ بُعد أحد الزَّمانين من الآخر, كبعد أحد الوطنين من الآخر.
[وحكاه] أي الصحَّة, فيما ذكر [عن ابن الفَرَّاء] الحنبلي [وابن عمرُوس] المالكي, ونسبه عياض لمُعظم الشيوخ.
[وأبْطَلها القَاضي أبو الطَّيب وابن الصَّباغ الشَّافعيان, وهو الصَّحيح الَّذي لا ينبغي غيره] لأنَّ الإجَازة في حُكم الإخبار جملة بالمُجَاز, فكما لا يصح الإخبار للمعدُوم, لا تصح الإجَازة له.
أمَّا إجَازة من يُوجد مُطلقًا, فلا يَجُوز إجْمَاعًا.
وأمَّا الإجَازة للطِّفل الَّذي لا يُمَيِّز, فَصحيحةٌ على الصَّحيح, الَّذي قطعَ به القَاضي أبو الطَّيب والخَطِيب خِلافًا لبعضهم.
[وأمَّا الإجَازة للطِّفل الَّذي لا يُميِّز فصحيحةٌ, على الصَّحيح, الَّذي قطعَ به القاضي أبو الطَّيب والخطيب] ولا يُعتبر فيه سِنٌّ ولا غيرهُ [خِلافًا لبعضهم] حيث قال: لا يصح, كما لا يصح سماعه, ولمَّا ذكر ذلك لأبي الطَّيب قال: يصح أن يُجيز للغائب, ولا يصح سماعهُ.
قال الخطيب: وعلى الجَوَاز كافة شُيوخنا, واحتجَّ له بأنَّها إبَاحة المُجيز, للمُجَاز له أن يروى عنه, والإباحة تصح للعاقل ولغيره.
قال ابن الصَّلاح : كأنَّهم رأوا الطِّفل أهلاً لتحمُّل هذا النَّوع, ليؤدي به بعد حُصول الأهلية, لبقاء الإسْنَاد, وأمَّا المُميِّز فلا خلاف في صحَّة الإجَازة له.
تنبيه:
أدمجَ المُصنِّف كابن الصَّلاح مَسْألة الطِّفل في ضرب الإجَازة للمعدُوم, وأفردهَا القَسْطلاني بنوع, وكذا العِرَاقي, وضمَّ إليها الإجَازة للمجنُون, والكافر, والحمل.
فأمَّا المجنُون فالإجَازة له صحيحة, وقد تقدَّم ذلك في كلام الخطيب.
وأمَّا الكافر فقال: لم أجد فيه نقلاً, وقد تقدَّم أنَّ سَماعهُ صحيح, قال: ولَمْ أجد عن أحد من المُتقدِّمين والمتأخِّرين الإجَازة للكافر, إلاَّ أنَّ شخصًا من الأطباء يُقَال له مُحمَّد بن عبد السَّيد, سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله الصُّوري, وكتب اسمهُ في الطَّبقة مع السَّامعين, وأجَاز الصُّوري لهم, وهو من جُملتهم, وكان ذلك بحضُور المِزِّي, فلولا أنَّه يرى جَوَاز ذلك ما أقرَّ عليه, ثمَّ هدى الله هذا اليهودي إلى الإسْلام, وحدَّث وسمع منه أصحابنا.
قال: والفاسق والمُبْتدع أولى بالإجَازة من الكافر, ويؤديان إذا زالَ المانع.
قال: وأمَّا الحمل, فلم أجد فيه نقلاً, إلاَّ أنَّ الخَطِيب قال: لم نرهم أجَازُوا لمن لم يَكُن مولودًا في الحال, ولم يتعرَّض لكونه إذَا وقع يصح أولا.
قال: ولا شكَّ أنَّه أوْلَى بالصحَّة من المعدُوم.
قال: وقد رأيتُ شيخنَا العلائي سُئل لحمل مع أبويه فأجَاز, واحترز أبو الثناء المِنْبجي, فكتبَ أجزتُ للمُسْلمين فيه.
قال: ومن عَمَّم الإجَازة للحمل وغيره أعلم وأحفظ وأتقن, إلاَّ أنَّه قد يُقَال لعلَّه ما تصفح أسماء الاسْتدعاء حتَّى يعلم هل فيه حمل أم لا, إلاَّ أنَّ الغَالب أنَّ أهل الحديث لا يُجيزون إلاَّ بعد تصفحهم.
قال: ويَنْبغي بناء الحُكْم فيه على الخِلاف في أنَّ الحمل هل يُعلم أو لا؟ فإن قُلنا يُعلم وهو الأصح صحَّت الإجَازة له, وإن قُلنا لا يُعلم, فيَكُون كالإجَازة للمعدُوم. انتهى.
وذكر ولدهُ الحافظ ولي الدِّين أبو زُرْعة في فَتَاويه المَكية, وهي أجْوبة أسئلة, سألهُ عنها الحافظ أبو الفَضْل الهَاشمي أنَّ الجَوَاز فيما بعد نفخ الرُّوح أوْلَى, وأنَّها قبل نفخ الرُّوح مُرتبة مُتوسطة بينها وبين الإجَازة للمعدُوم, فهي أوْلَى بالمَنْع من الأولى وبالجَوَاز من الثَّانية.
[السَّادس: إجَازة ما لم يتحمَّله المُجيز بوجه] من سماع أو إجازة [ليرويهُ المُجَاز] له [إذا تحمَّله المُجيز, قال القاضي عياض] في كتابه «الإلماع» : هذا [لم أر من تكلَّم فيه] من المشايخ.
قال: [ورأيتُ بعض المتأخِّرين] والعصريين [يصنعونه, ثمَّ حكى عن قاضي قُرطبة أبي الوَليد] يُونس بن مغيث [منع ذلك] لما سأله وقال: يُعطيك ما لم يأخذ؟ هذا مُحَال.
[قال عياض: و] هذا [هو الصَّحيح] فإنَّه يُجيز ما لا خبر عنده منه, ويأذن له بالتَّحديث بما لم يحدث به, ويُبيح ما لم يعلم هل يصح له الإذن فيه.
قال المُصنِّف: [وهذا هو الصَّواب].
قال ابن الصَّلاح : وسَواء قُلنا: إنَّ الإجَازة في حُكم الإخبار بالمُجَاز جُملة أو إذن, إذ لا يُجيز بما لا خبر عندهُ منهُ, ولا يُؤذن فيما لم يملكهُ الآذن بعد, كالإذن في بَيْع ما لم يملكه, وكذا قال القَسْطلاني: الأصح البُطْلان, فإنَّ ما رواهُ داخلٌ في دائرة حصر العلم بأصله, بخلاف ما لم يروه, فإنَّه لم يَنْحصر.
فَعَلَى هذا يَتعيَّنُ على من أرادَ أنْ يروي عن شيخٍ أجَاز له جميع مَسْمُوعاته أن يبحثَ حتَّى يعلم أنَّ هَذَا مِمَّا تحمَّلهُ شيخهُ قبل الإجَازة, وأمَّا قولُهُ: أجزتُ لكَ ما صحَّ, أو يصح عندكَ من مَسْمُوعَاتي, فصحيحٌ تَجُوزُ الرِّواية به لِمَا صحَّ عندهُ سماعُهُ له قبل الإجَازة, وفعلهُ الدَّارقُطني وغيرهُ.
[وأمَّا قوله: أجزتُ لك ما صحَّ, أو يصح عندكَ من مسموعاتي, فصحيحٌ تجوز الرِّواية به, لما صحَّ عنده] بعد الإجَازة [سماعهُ له قبل الإجَازة, وفعله الدَّارقُطْني وغيره].
قال العِرَاقي: وكذا لو لم يَقُل ويصح, فإنَّ المُرَاد بقوله: ما صحَّ حال الرِّواية, لا الإجَازة.
[السَّابع: إجَازة المُجَاز, كأجزتك مُجَازاتي] أو جميع ما أجيز روايته [فمنعهُ بعض من لا يعتد به] وهو الحافظ أبو البركات عبد الوهَّاب بن المُبَارك الأنْمَاطي شيخ ابن الجَوْزي, وصنَّف في ذلك جُزءًا, لأنَّ الإجَازة ضعيفة فيقوَّى الضعف باجتماع إجَازتين.
[والصَّحيح الَّذي عليه العمل جَوَازه, وبه قطع الحُفَّاظ] أبو الحسن [الدَّارقُطْني و] أبو العَّباس [ابن عُقْدة, وأبو نُعيم] الأصْبَهاني [وأبو الفتح نصر المَقْدسي] وفعله الحاكم, وادَّعى ابن طاهر الاتِّفاق عليه.
وكان [أبو الفتح] نصر المَقْدسي [يروي بالإجَازة عن الإجَازة, وربَّما والَى بين ثلاث] إجَازات, وكذلك الحافظ أبو الفتح بن أبي الفَوَارس, والَى بين ثلاث إجَازات, ووالَى الرَّافعي في أمَاليه بين أرْبع أجَائز, والحافظ قُطْب الدِّين الحَلَبي بين خَمْس أجَائز في «تاريخ مصر» وشيخ الإسْلام في أماليه بين ست.
[وينبغي للرَّاوي بها] أي بالإجَازة عن الإجَازة [تأمُّلها] أي تأمَّل كيفية إجَازة شيخ شيخه لشيخه, ومُقْتضَاها [لئلا يروي] بها [ما لم يدخُل تحتها] فربَّما قيَّدها بعضهم بما صحَّ عند المُجَاز لهُ أو بما سمعهُ المُجِيز ونحو ذلك.
[فإن كانت إجَازةُ شيخ شيخه: أجزتُ له ما صحَّ عنده من سَمَاعي, فرأى سماع شيخ شيخه, فليس له روايته عن شيخه عنهُ, حتَّى يعرف أنَّه صحَّ عند شيخه, كونه من مسموعات شيخه] وكذا إن قيَّدها بما سمعهُ لم يعتد إلى مُجَازاته وقد زلَّ غير واحد من الأئمة بسبب ذلك.
قال العِرَاقي: وكان ابن دقيق العيد لا يُجيز رِوَاية سماعه كله, بل يُقيده بما حدَّث به من مَسْموعاته, هكذا رأيتهُ بخطِّه, ولم أر له إجَازة تَشْتمل مسموعه, وذلك أنَّه كان شك في بعض سَمَاعاته, فلم يُحدِّث به ولم يُجزه, وهو سَمَاعه على ابن المُقير, فمن حدَّث عنهُ بإجَازته منهُ بشيء مِمَّا حدَّث به من مَسْمُوعاته فهو غير صحيح.
قلتُ: لكنَّه كان يُجيز مع ذلكَ جميع ما أُجيز له, كما رأيتهُ بخط أبي حيَّان في النضار, فعلَى هذا لا تتقيَّد الرِّواية عنهُ بما حدَّث به من مَسْمُوعاته فقط, إذ يدخل الباقي فيما أُجيز له.(1/258)
أ) تعريفها: الإذن بالرواية لفظا أو كتابة.
ب) صورتها: أن يقول الشيخ لأحد طلابه: " أَجَزْتُ لك أن تروي عني صحيح البخاري ".
ج) أنواعها: للإجازة أنواع كثيرة،سأذكر منها خمسة أنواع هي:
1- أن يُجيز الشيخُ مُعَيَّناً لمُعَيَّنٍ : كأجزتك صحيح البخاري،وهذا النوع أعلى أنواع الإجازة المُجَرَّدة عن المناولة .
2- أن يُجيز مُعَيَّناً بغير مُعَيَّن : كأجزتك رواية مَسْمُعاتي .
3- أن يُجيز غير مُعَيَّن بغير مُعَيَّن : كأجزت أهل زماني رواية مسموعاتي .(1/264)
4- أن يُجيز بمجهول أو لمجهول : كأجزتك كتاب السُّنَن،وهو يَرْوي عدداً من السُّنَنِ،أو أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي،وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم .
5- الإجازة للمَعْدوم : فإما أن تكون تَبَعاً لموجود،كأجزت لفلان ولم يُوْلَد له،وإما أن تكون لمعدوم استقلالا،كأجزت لمن يولد لفلان .
د) حكمها :
أما النوع الأول منها فالصحيح الذي عليه الجمهور واستقر عليه العمل جواز الراوية والعمل بها،وأبطلها جماعات من العلماء،وهو إحدى الروايتين عن الشافعي.
وأما بقية الأنواع فالخلاف في جوازها أشد وأكثر،وعلى كل حال فالتحمل والرواية بهذا الطريق ( أي الإجازة ) تحمل هزيل ما ينبغي التساهل فيه.
هـ) ألفاظ الأداء :
الأولى: أن يقول: " أجاز لي فلان "
ويجوز : بعبارات السماع والقراءة مقيدة مثل " حدثنا إجازة " أو " أخبرنا إجازة "
اصطلاح المتأخرين : " أنبأنا " واختاره صاحب كتاب " الوجازة " (1)
4- المناولة: (2)
__________
(1) - هو أبو العباس الوليد بن بكر المعمري ،واسم كتابة الكامل " الوجازة في تجويز الإجازة .
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 33) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 10) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 171) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 316) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 470) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 313)
[القسم الرَّابع] من أقْسَام التحمُّل [المُنَاولة] والأصلُ فيها ما علَّقه البُخَاري في العلم: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كتبَ لأمير السَّرية كتابًا وقال: «لا تَقْرأه حتَّى تبلُغَ مكان كَذَا وكذا». فلمَّا بلغ ذلك المكان قرأهُ على النَّاس وأخبرهُم بأمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
وصلهُ البَيْهقي والطَّبراني بسندٍ حسن.
قال السُّهيلي: احتجَّ به البُخَاري على صِحَّة المُنَاولة, فكذلك العالم إذا نَاولَ التلميذ كتابًا, جاز له أن يروي عنه ما فيه, قال: وهو فقهٌ صحيح.
قال البَلْقيني : وأحسن ما يُستدل به عليها, ما استدلَّ به الحاكم من حديث ابن عبَّاس: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَ بكتَابهِ إلى كِسْرَى مع عبد الله بن حُذَافة, وأمرهُ أن يدفعهُ إلى عظيم البَحْرين, ويدفعهُ عظيمُ البَحْرين إلى كِسْرَى .
وفي «معجم» البَغَوي, عن يزيد الرَّقَاشي قال: كُنَّا إذا أكثرنا على أنس بن مالك, أتَانَا بمجال له, فألقاها إلينا وقال: هذه أحاديث سمعتها من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتبتُها وعرضتها.
[وهي ضربان: مقرونة بالإجازة, ومجردة] عنها.
[فالمَقْرونة] بالإجَازة [أعْلَى أنواع الإجَازة مُطْلقًا] ونقل عياض الاتِّفاق على صحَّتها.
[ومن صُورها] وهو أعْلاها كما صرَّح به عياض وغيره [أن يَدْفع الشَّيخ إلى الطَّالب أصل سَمَاعه أو] فرعًا [مُقَابلا به ويقول] له [هذا سَمَاعي, أو روايتي عن فُلان] أو لا يسميه, ولكن اسمه مذكور في الكتاب المُنَاول [فَارْوه] عنِّي [أو أجَزتُ لكَ روايته عنِّي ثمَّ يُبقيه معهُ تمليكًا, أو لينسخهُ] ويُقَابل به ويرده [أو نحوه].
[ومنها: أن يدفع إليه] أي: إلى الشَّيخ [الطَّالب سَمَاعه] أي سماع الشَّيخ أصلاً أو مُقَابلا به [فيتأمَّله] الشَّيخ [وهو عارفٌ مُتيقِّظ, ثمَّ يعيدهُ إليه] أي: يُناوله للطَّالب [ويقول] له [هو حَدِيثي, أو روايتي] عن فُلان, أو عمَّن ذكر فيه [فاروهِ عنِّي, أو أجَزتُ لك روايته, وهذا سمَّاه غير واحد من أئمة الحديث عرضًا] وقد سبقَ أن القِرَاءة عليه تُسمَّى عرضًا, فليُسم هذا عرض المُنَاولة, وذاك عرض القِرَاءة.
[وهذه المُنَاولة كالسَّماع في القُوة] والرُّتبة [عند الزُّهري, وربيعة, ويحيى بن سعيد الأنصاري] من المدنيين [ومُجَاهد المَكِّي, والشَّعبي, وعلقمة, وإبراهيم] النَّخْعيان من الكُوفيين [وأبي العالية] البَصْري [وأبي الزُّبير] المكي [وأبي المُتوكِّل] البصري [ومالك] من أهل المدينة [وابن وهب, وابن القَاسم] وأشْهب من أهل مِصْر [وجَمَاعات آخرين] من الشَّاميين والخُرَاسانيين, وحكاهُ الحاكم عن طائفة من مشايخه.
قال البَلْقينيُّ : وأرفع من حُكِيَ عنه من المَدَنيين ذلك: أبو بكر بن عبد الرَّحمن, أحد الفُقَهاء السَّبعة, وعِكْرمة مولى ابن عبَّاس.
ومن دونه: العلاء بن عبد الرَّحمن, وهِشَام بن عُروة, ومحمَّد بن عَمرو بن عَلْقمة.
ومن دونهم: عبد العزيز بن محمَّد بن أبي عُبيد.
ومن أهل مَكَّة: عبد الله بن عُثمان بن خُثَيم, وابن عُيينة, ونافع الجُمَحي وداود العطَّار, ومسلم الزِّنجي.
ومن أهل الكُوفة: أبو بُرْدة الأشْعري, وعليِّ بن ربيعة الأسَدي, ومنصور بن المُعْتمر, وإسرائيل, والحسن بن صالح, وزُهير, وجابر الجُعفي.
ومن أهل البَصْرة: قَتَادة, وحُميد الطَّويل, وسعيد بن أبي عَرُوبة, وكَهْمس, وزياد بن فيرُوز, وعلي بن زيد بن جُدْعان, وداود بن أبي هِنْد, وجَرِير بن حازم, وسُليمان بن المُغيرة.
ومن المِصْريين: عبد الله بن عبد الحكم, وسعيد بن عُفير, ويحيى بن بُكَير, ويُوسف بن عُمر.
ونقل ابن الأثير في مُقدمة «جامع الأصُول» أنَّ بعضَ أصْحَاب الحديث جعلها أرْفع من السَّماع, لأنَّ الثِّقة بكتاب الشَّيخ مع إذنهِ, فوق الثِّقة بالسَّماع منهُ وأثبت, لما يَدْخُل من الوَهْم على السَّامع والمُسمع.
[والصَّحيح أنَّها مُنْحطة عن السَّماع والقِرَاءة, وهو قول] سُفيان [الثَّوري والأوزاعي, وابن المُبَارك, وأبي حنيفة, والشَّافعي, والبويطي, والمُزَني, وأحمد, وإسحاق] بن راهويه [ويحيى بن يحيى] وأسندهُ الرَّامهرمزي عن مالك.
[قال الحاكم : وعليه عهدنا أئمتنا, وإليه نذهب].
قال العِرَاقيُّ : وقد اعترضَ ذكر أبي حنيفة مع هؤلاء, بأنَّ صاحب «القنية» من أصحابه, نقل عنه وعن محمَّد: أنَّ المُحدِّث إذا أعطاهُ الكتاب, وأجاز له ما فيه, ولم يسمعه ولم يعرفه لم يَجُز.
قال: والجواب أنَّ البُطْلان عندهما لا للمناولة والإجَازة, بل لعدم المعرفة, فإنَّ الضمير في قوله: ولم يعرفه, إن كان للمجاز, وهو الظاهر لتتفق الضمائر, فمقتضاه أنَّه إذا عرف ما أُجيز له صحَّ, وإن كان للشَّيخ فسيأتي أن ذلك لا يجوز, إلاَّ إن كان الطَّالب موثوقا بخبره.
قلتُ: وممَّا يعترض به في ذكر الأوزاعي, أنَّ البَيْهقي روى عنهُ في «المدخل» قال: في العرض يَقُول: قرأتُ, وقُرىء, وفي المُنَاولة يتدين به, ولا يحدث.
[ومن صُورها: أن يُناول الشَّيخ الطَّالب سماعه, ويجيزه له, ثم يُمسكه الشَّيخ] عنده ولا يُبقيه عند الطَّالب [وهذا دُون ما سبق] لعدم احتواء الطَّالب على ما يحمله وغيبته عنه [وتَجُوز روايته] عنه [إذا وجد] ذلك [الكِتَاب] المُنَاول له, مع غَلْبة ظنه بسلامته مع التغيير [أو] وجد فرعًا [مُقَابلاً به موثوقًا بموافقته ما تناولته الإجَازة] كما يعتبر ذلك [في الإجَازة المجرَّدة] عن المُنَاولة [ولا يظهر في هذه المُنَاولة كبير مزية على الإجَازة المُجَرَّدة] عنها [في مُعيَّن] من الكتب.
[و] قد [قال جماعة من أصحاب الفقه والأصُول: لا فائدة فيها] .
وعِبَارة القاضي عياض منهم: وعلى التَّحقيق فليسَ لها شيء زائد على الإجَازة للشَّيء المُعيَّن من التَّصانيف, ولا فرق بين إجَازته إيَّاه أن يُحدث عنه بكتاب «الموطأ» وهو غائب أو حاضر, إذ المقصود تعيين ما أجَازهُ.
[و] لكن [شُيوخ الحديث قديمًا وحديثًا يرونَ لها مزية مُعْتبرة] على الإجَازة المُعيَّنة.
[ومنها: أن يأتيه الطَّالب بكتاب ويقول] له [هذا روايتكَ فناولنيه وأجز لي روايته, فيجيبه إليه] اعتمادًا عليه [من غير نظر فيه, و] لا [تحقُّق لروايته] له [فهذا باطلٌ, فإن وثق بخبر الطَّالب ومعرفته] وهو بحيث يعتمد مثله [اعتمدهُ وصحَّت الإجَازة] والمُنَاولة [كما يعتمد في القِرَاءة] عليه من أصْلهِ إذا وثق بدينه ومعرفته.
قال العِرَاقي: فإن فعل ذلكَ والطَّالب غير مَوْثُوقٌ به, ثمَّ تبين بعد ذلك بخبر من يُعتمد عليه, أنَّ ذلك كان من مَرْوياته, فهل يحكم بصحَّة الإجَازة والمُنَاولة السَّابقتين؟ لم أر من تعرَّض لذلك, والظَّاهر نعم, لزوال ما كُنَّا نخشاهُ من عدم ثقةِ المُجيز. انتهى.
[فلو قال: حدِّث عنِّي بما فيه إن كان من حديثي مع بَرَاءتي من الغلط] والوهم [كان] ذلك [جائزًا حسنًا].
[الضَّرب الثاني] المُنَاولة [المُجَرَّدة عن الإجَازة, بأن يناوله] الكِتَاب كما تقدَّم [مُقتصرًا على] قولهِ: [هذا سَمَاعي] أو من حديثي, ولا يقول له: ارْوهِ عنِّي ولا أجَزتُ لك روايته, ونحو ذلك [فلا تَجُوز الرِّواية بها على الصَّحيح الَّذي قالهُ الفُقَهاء وأصْحَاب الأصُول وعَابُوا المُحدِّثين المُجوِّزين] لها.
قال العِرَاقيُّ: ما ذكرهُ النَّووي مُخالف لكلام ابن الصَّلاح, فإنَّه إنَّما قال: فهذه مُنَاولة مُخْتلفة: لا تَجُوز الرِّواية بها, وعَابهَا غير واحد من الفُقهاء والأصُوليين على المُحدِّثين الَّذين أجَازوها, وسَوَّغوا الرِّواية بها.
وحكى الخَطِيب عن طَائفة من أهل العِلْم: أنَّهم صَحَّحوها, ومُخَالف أيضًا لما قاله جماعة من أهل الأصُول, منهم الرَّازي, فإنَّه لم يشترط الإذن, بل ولا المُنَاولة, بل إذا أشَار إلى كتاب وقال: هذا سَمَاعي من فُلان, جاز لمن سمعه أن يرويه عنهُ, سواء ناولهُ أم لا, وسواء قال له: ارْوهِ عنِّي أم لا.
وقال ابن الصَّلاح : إنَّ الرِّواية بها تترجَّح على الرِّواية بمجرد إعلام الشَّيخ لما فيه من المُنَاولة, فإنَّها لا تخلُو من إشْعَار بالإذن في الرِّواية.
قلتُ: والحديث والأثر السَّابقان أوَّل القسم يدلان على ذلك, فإنَّه ليسَ فيهما تصريح بالإذْنِ, نعم الحديث الَّذي علَّقه البُخَاري فيه ذلك, حيث قال: لا تقرأه حتَّى تبلغ مكان كذا, فمفهومه الأمر بالقِرَاءة عند بُلوغ المَكَان.
وعندي أن يُقَال: إن كانت المُنَاولة جَوَابًا لسؤال, كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنكَ, فناولهُ ولم يُصرِّح بالإذن, صحَّت وجاز له أن يرويه, كما تقدَّم في الإجَازة بالخطِّ, بل هذا أبْلغ, وكذا إذا قال له: حدِّثني بما سمعت من فُلان, فقال: هذا سَمَاعي من فُلان, كما وقع من أنس, فتصح أيضًا, وما عدَا ذلك فلا, فإن ناولهُ الكِتَاب ولم يُخبره أنَّه سَمَاعهُ, لم تَجُز الرِّواية به بالاتِّفاق, قاله الزَّركشي.(1/265)
أ) أنواعها: المناولة نوعان.
1- مقرونة بالإجازة: وهي أعلى أنواع الإجازة مطلقاً. ومن صورها أن يدفع الشيخ إلى الطالب كتابه ويقول له: هذا روايتي عن فلان فاروه عني،ثم يبقيه معه تمليكاً أو إعارة لينسخه.
2- مُجَرَّدة عن الإجازة: وصورتها أن يدفع الشيخ إلى الطالب كتابه مقتصرا على قوله هذا سماعي.
ب) حكم الرواية بها :
1- أما المقرونة بالإجازة: فتجوز الرواية بها،وهي أدنى مرتبة من السماع والقراءة على الشيخ.
2- وأما المجردة عن الإجازة : فلا تجوز الرواية بها على الصحيح .
ج) ألفاظ الأداء :
1- الأحسن: أن يقول : " ناولني " أو " ناولني " وأجاز لي " إن كانت المناولة مقرونة بالإجازة .
2- ويجوز بعبارات السماع والقراءة مقيدة مثل " حدثنا مناولة " أو " أخبرنا مناولة وإجازة".
5- الكتابة: (1)
__________
(1) - *التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 11) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 313)(1/268)
أ) صورتها: أن يكتب الشيخ مَسْمُوْعَهُ لحاضر أو غائب بخطه أو أمره .
ب) أنواعها: وهي نوعان:
1- مقرونة بالإجازة : فالمقرُونة أعْلَى أنواع الإجَازة مُطْلقًا, ومن صُوَرها أن يَدْفع الشَّيخ إلى الطَّالب أصْلَ سَمَاعهِ, أو مُقَابلاً به, ويَقُول: هذا سَمَاعي, أو راويتي عن فُلانٍ فَارْوهِ, أو أجَزتُ لكَ روايتهُ عنِّي, ثمَّ يُبْقيهِ معهُ تمليكًا, أو لينسخهُ, أو نحوهُ..
2- مُجَرَّدة عن الإجازة : المُجَرَّدة, بأن يُنَاوله مُقتصرًا على: هذا سَمَاعي. (1)
ج) حكم الرواية بها :
1- أما المقرونة بالإجازة : فالرواية بها صحيحة،وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة .
2- وأما المُجَرَّدَة عن الإجازة : فمنع الرواية بها قوم،وأجازها آخرون،والصحيح الجواز عند أهل الحديث لإشهارها بمعنى الإجازة .
د) هل تُشْتَرَطُ البَيَّنَةُ لاعتمادِ الخَطِّ ؟
1- اشترط بعضهم البينة على الخط،وادعوا أن الخط يشبه الخط،وهو قول ضعيف.
2- ومنهم من قال: يكفي معرفة المكتوب إليه خَطَّ الكاتب،لأن خط الإنسان لا يشتبه بغيره،وهو الصحيح.
هـ) ألفاظ الأداء:
التصريح بلفظ الكتابة: كقوله " كتب إلى فلان ". (2)
أو الإتيان بألفاظ السماع والقراءة مقيدة : كقوله " حدثني فلان أو أخبرني كتابة "
6- الإعلام: (3)
__________
(1) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 33) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 11) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 172) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 225) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 484) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 313) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 26)
(2) - * كما في صحيح البخارى (637 ) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إِلَىَّ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِى » .
(3) -* الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 172) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 326) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 27) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 687)(1/269)
أ) صورته: أن يخبر الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه.
ب) حكم الرواية به: اختلف العلماء في حكم الرواية بالإعلام على قولين .
1- الجواز: كثير من أصحاب الحديث والفقه والأصول.
2- عدم الجواز: غير واحد من المحدثين وغيرهم،وهو الصحيح،لأنه قد يعلم الشيخ أن هذا الحديث روايته لكن لا تجوز رويته لخلل فيه،نعم لو أجازه بروايته جازت روايته.
ج) ألفاظ الأداء:
يقول في الأداء : " أعلمني شيخي بكذا " .
7- الوصية: (1)
أ) صورتها: أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب من كتبه التي يرويها.
ب) حكم الرواية بها:
1- الجواز: لبعض السلف،وهو غلط،لأنه أوصى له بالكتاب ولم يوص له بروايته
__________
(1) -* الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 12) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 173) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 341) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 10) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 327)
[القسم السَّابع] من أقْسَام التحمُّل [الوصية, وهي أن يُوصي] الشَّيخ [عند موته أو سفره] لشخص [بكتاب يرويه] ذلك الشَّيخ [فجوَّز بعض السَّلف] وهو محمَّد بن سيرين, وأبو قِلاَبة [للمُوصى له روايته عنه] بتلك الوصيَّة.
قال القاضي عياض: لأنَّ في دفعها له نوعًا من الإذن, وشبهًا من العرض والمُنَاولة, قال: وهو قريب من الإعلام [وهو غلطٌ].
عبارةُ ابن الصَّلاح: وهذا بعيد جدًّا, وهو إمَّا زلُّة عالم, أو متأوِّل, على أنَّه أراد الرِّواية على سبيل الوجَادة, ولا يصح تشبيهه بقسم الإعلام والمُنَاولة, [والصَّواب أنَّه لا يَجُوز].
وقد أنكرَ ابن أبي الدم على ابن الصَّلاح وقال: الوصية أرفع رُتْبة من الوِجَادة بلا خلاف, وهي معمولٌ بها عند الشَّافعي وغيره, فهذا أوْلَى.(1/270)
2- عدم الجواز : وهو الصواب .
ج) ألفاظ الأداء :
يقول : " أوصى إلى فلان بكذا " أو " حدثني فلان وصية " .
8- الوِجَادَة : (1)
بكسر الواو،مصدر " وَجَدَ " وهذا المصدر مولد غير مسموع من العرب.
صورتها: أن يجد الطالب أحاديث بخط شيخ يرويها،يعرفه الطالب،وليس له سماع منه ولا إجازة.
حكم الرواية بها : الرواية بالوجادة من باب بالمنقطع،لكن فيها نوع اتصال .
ألفاظ الأداء : يقول الواجد : " وجَدْتُ بخط فلان (2) أو قرأت بخط فلان كذا (3) " ثم يسوق الإسناد والمتن .
المبحث الثالث
كتابةُ الحديث وضبطه والتصنيف فيه (4)
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 36) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 16) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 12) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 6) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 173) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 12) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 40) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 684) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 327)
(2) - * كما في مسند الشهاب القضاعي (1302 ) وجدت بخط أبي محمد عبد الغني بن سعيد : ثنا يوسف بن القاسم ، ثنا هارون بن يوسف بن زياد ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا عبد الرحيم بن زيد العمي ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « كفى بالمرء سعادة أن يوثق به في أمر دينه ودنياه » ( وسنده واه)
(3) - * كما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 171)(7973-) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ : قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِى عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِى سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى يَعْنِى الذَّهْلِىَّ يَقُولُ : اسْتَعْرَتُ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى أُوَيْسٍ صَاعَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ مَكْتُوبًا صَاعُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مُعَيَّرٌ عَلَى صَاعِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ أَحْسَبُنِى إِلاَّ عَيَّرْتُهُ بِالْعَدَسِ فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا.
(4) - سأبحث هذا الموضوع باختصار، لأن كثيراً من قواعد الكتابة والتصحيح صارت من مهمة المحقق والطابع في هذا الزمان، وتبقى تلك التفصيلات للمتخصصين في هذا الفن لمعرفة اصطلاح القوم في كتابة النسخ المخطوطة القديمة وغير ذلك من الاعتبارات.(1/271)
1-حكمُ كتابة الحديث :
اختلف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة الحديث على أقوال:
فكرهها بعضهم: منهم ابن عمر،وابن مسعود،وزيد بن ثابت.
وأباحها بعضهم: منهم عبدالله بن عمرو،وأنس وعمر بن عبد العزيز وأكثر الصحابة .
ثم أجمعوا بعد ذلك على جوازها: وزال الخلاف . ولولم يُدَوَّن الحديث في الكتب لضاع في الأعصار المتأخرة لاسيما في عصرنا.
2- سببُ الاختلاف في حكم كتابته :
وسبب الخلاف في حكم كتابته أنه وردت أحاديث متعارضة في الإباحة والنهي،فمنها :
حديث النهي: ما رواه مسلم (1) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لاَ تَكْتُبُوا عَنِّى وَمَنْ كَتَبَ عَنِّى غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّى وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ».
حديث الإباحة : ما أخرجه الشيخان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ » (2)
__________
(1) - *برقم (7702 )
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 389)
قَالَ الْقَاضِي : كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلَاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم ، فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ ، وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا ، وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَاف . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي ، فَقِيلَ : هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ ، وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ . وَتُحْمَل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ : " اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاه " وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات . وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ ، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلَا أَكْتُب ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث .
وَقِيلَ : إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة ، وَقِيلَ : إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِط ، فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة . وَاللَّهُ أَعْلَم .
(2) - *البخارى برقم (2434 ) ومسلم برقم (3371 )حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَامَ فِى النَّاسِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِى ، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِى ، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا ، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى ، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ » . فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلاَّ الإِذْخِرَ ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِلاَّ الإِذْخِرَ » . فَقَامَ أَبُو شَاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - فَقَالَ اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ » . قُلْتُ لِلأَوْزَاعِىِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِى سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . -يقيد : يقتص(1/272)
وهناك أحاديث أخرى في إباحة الكتابة منها الإذن لعبدالله بن عمرو (1) .
3- الجمعُ بين أحاديث الإباحة والنهي :
لقد جمع العلماء بين أحاديث النهي والإباحة على وجوه منها :
قال بعضهم : الإذن بالكتابة لمن خِيْفَ نسيانه للحديث . والنهي لمن أمن النسيان وخيف عليه اتكاله على الخط إذا كتب .
وقال بعضهم : جاء النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن ثم جاء الإذن بالكتابة حين أُمِنَ ذلك ،وعلى هذا يكون النهي منسوخاً.
4- ماذا يجبُ على كاتب الحديث ؟
ينبغي على كاتب الحديث أن يصرف همته إلى ضبطه وتحقيقه،شَكْلاً ونَقْطاً يُؤمَنُ معهما اللَّبس،ويُشْكل المُشْكِل لاسيما أسماء الأعْلام،لأنها لا تُدْرَك بما قبلها ولا بما بعدها . وأن يكون خطه واضحاً على قواعد الخط المشهورة،وألا يصطلح لنفسه اصطلاحاً خاصاً برمز لا يعرفه الناس،وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما جاء
__________
(1) - *كما في سنن أبى داود برقم (3648 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِى قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ « اكْتُبْ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ ». وهو حديث صحيح
وفي صحيح البخارى برقم (113 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ :مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّى ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ . تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ .(1/273)
ذكره (1) ،ولا يسأم من تكرار ذلك،ولا يتقيد في ذلك بما في الأصل إن كان ناقصاً ،وكذلك الثناء على الله سبحانه وتعالى كـ " عَزَّ وجَلَّ " وكذلك الترضي والترحم على الصحابة والعلماء،ويكره الاقتصار على الصلاة وحدها أو التسليم وحده،كما يكره الرمز إليهما بـ "ص" ونحوه مثل " صلعم " وعليه أن يكتبهما كاملتين .
5- المقابلةُ وكيفيتها :
يجب على كاتب الحديث بعد الفراغ من كتابته مقابلة كتابه بأصل (2) شيخه،ولو أخذه عنه بطريق الإجازة .
وكيفية المقابلة أن يمسك هو وشيخه كتابيهما حال التسميع،ويكفي أن يقابل له ثقة آخر في أي وقت حال القراءة أو بعدها،كما يكفي مقابلته بفَرْع مُقَابَل بأصل الشيخ.
6- اصطلاحات في كتابة ألفاظ الأداء وغيرها :
غلب على كثير من كُتَّاب الحديث الاقتصار على الرمز في ألفاظ الأداء فمن ذلك أنهم يكتبون:
حدثنا : " ثنا " أو " نا " .
أخبرنا: " أنا " أو " أرنا ".
تحويل الإسناد إلى إسناد آخر :
يرمزون له بـ " ح " وينطق القارئ بها هكذا " حا "
د) جرت العادة بحذف كلمة " قال " ونحوها بين رجال الإسناد خَطَّا،وذلك لأجل الاختصار،لكن ينبغي للقارئ التلفظ بها،مثل " حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك " فينبغي على القارئ أن يقول" قال أخبرنا مالك" كما جرت العادة بحذف " أَنَّهُ " في أواخر الإسناد اختصارا .
__________
(1) - *ودليله كما في مسند أحمد برقم (1762) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصِلِّ عَلَىَّ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ « فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ » - صلى الله عليه وسلم - كَثِيراً. وهو حديث صحيح
(2) - أي نسخة شيخه الأصلية التي أخذ منها.(1/274)
مثل " عن أبي هريرة قال " فينبغي للقارئ النطق بـ " أنه " فيقول " أنه قال " وذلك تصحيحاًَ للكلام من حيث الإعْراب .
7- الرحلةُ في طلب الحديث :
لقد اعتنى سلفنا بالحديث عناية ليس لها نظير،وصرفوا في جمعه وضبطه من الاهتمام والجهد والوقت ما لا يكاد يصدقه العقل،فبعد أن يجمع أحدهم الحديث من شيوخ بلده يرحل إلى بلاد وأقطار أخرى قريبة أو بعيدة ليأخذ الحديث من شيوخ تلك البلاد،ويتجشم مشاق السفر وشظف العيش بنفس راضية ،وقد صنف الخطيب البغدادي كتاباً سماه " الرحلة في طلب الحديث " جمع فيه من أخبار الصحابة والتابعين فمن بعدهم في الرحلة في طلب الحديث ما يعجب الإنسان لسماعه،فمن أحب سماع تلك الأخبار الشيقة فعليه بذلك الكتاب فإنه مُنَشَّط لطلاب العلم،شاحذ لهممهم مُقَوِّ لعزائمهم .
8- أنواع التصنيف في الحديث :
يجب على من يجد في نفسه المقدرة على التصنيف في الحديث ـ وغيره ـ أن يقوم بالتصنيف وذلك لجمع المتفرق،وتوضيح المشكل،وترتيب غير المرتب،وفهرسة غير المفهرس مما يسهل على طلبة الحديث الاستفادة منه بأيسر طريق وأقرب وقت،وليحذر إخراج كتابه قبل تهذيبه وتحريره وضبطه،وليكن تصنيفه فيما يعم نفعه تكثر فائدته .
هذا وقد صنف العلماء الحديث على أشكال متنوعة،فمن أشهر أنواع التصنيف في الحديث ما يلي:
الجوامع: الجامع كل كتاب يجمع فيه مؤلفه جميع الأبواب من العقائد والعبادات والمعاملات والسير والمناقب والرقاق والفتن وأخبار يوم القيامة مثل " الجامع الصحيح للبخاري ". (1)
__________
(1) - *وهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم ضمَّنَ فيه البخاريُّ أصح الأحاديث ، ووفّى بشرطه وأحاديثه بالمكرر حوالي (7563) حديثا عدا الأحاديث المعلقة والتي ليست على شرطه ، وهو مرتب على الأبواب الفقهية ... وله طبعات كثيرة جداً ، وأهمها طبعة بولاق وماصور عنها ، ثم الطبعة السلفية ، والطبعة التي قام أستاذنا الدكتور مصطفى البغا بضبطها وشرح غريبها .. وأحاديثه كلها صحيحة ، ومن انتقد بعضها كالدارقطني وغيره لا يعني أنها ليست صحيحة ، ولكنها دون الشروط العالية التي اشترطها الإمام البخاري رحمه الله . وقد وفّى شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الرد على النقاد وبين أن القول فيها للبخاري في مقدمة فتح الباري (هدي الساري) ولا يُغرَّنَّكَ بعض المعاصرين ، الذين ضعفوا أحاديث في صحيح البخاري - بغير حق - فهؤلاء إمّا حاقدون على السنّة إجمالاً ، وإما جاهلون بشروطه ، وقد ناقشتهم وبينت خطأهم بشكل دقيق ، انظر مثلاً حديث : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ..) لذا فكل حديث موصول في صحيح البخاري فهو صحيح وعلى ذلك جمهور أهل العلم ، ولا يجوز لنا أن نعيد النظر في أسانيده مرة أخرى ، والا شككنا في السنة كلّها . وهذا الكتاب له شروح ومختصرات وتعليقات وحواشي كثيرة جداً ، أهمها فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ، وعمدة القاري للعيني ، وإرشاد الساري للقسطلاني ، وفيض الباري ( انظر الباعث الحثيث 25 و35 والحديث النبوي 362-380 وأصول الحديث 309-313 ، ومنهج النقد في علوم الحديث 233-235) ..(1/275)
المسانيد : المُسْنَد : كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حِدَة من غير النظر إلى الموضوع الذي يتعلق فيه الحديث : مثل " مسند الإمام أحمد بن حنبل " . (1)
السنن: وهي الكتب المصنفة على أبواب الفقه،لتكون مصدراً للفقهاء في استنباط الأحكام،وتختلف عن الجوامع بأنها لا يوجد فيها ما يتعلق بالعقائد والسير والمناقب وما إلى ذلك،بل هي مقصورة على أبواب الفقه وأحاديث الأحكام،مثل " سنن أبي داود " . (2)
__________
(1) -* وفيه حوالي (27634) حديثاً بالمكرر وفي طبعة المكنز (28464 )حديثاً ، وقد جمع فيه معظم السنة القولية والفعلية ، وأكثر أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ضعفاً محتملاً ، ولا يخلو من أحاديث واهية ، ولكنها قليلة ، ونوزع في وجود الموضوع فيه وقد ذكر ابن الجوزي في الموضوعات عدداً من الأحاديث ووافقه الحافظ . العراقي عليها -وغالبها في الفضائل - ونازعهما الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه النفيس القول المسدد في الذب عن مسند أحمد . وقد قام بعض أهل العلم بترتيبه على الأبواب الفقهية كما في كتاب الكواكب الدراري والفتح الرباني للساعاتي ، وقد قام بتخريج أحاديثه وشرح غريبه وحذف الأحاديث المكررة . وأما المسند فقد قام العلامة أحمد محمود شاكر بتخريج أحايثه وتحقيقه إلا أن المنية اخترمته قبل إكماله ، وتخريجه دقيق ونفيس ، ويمكن الإعتماد عليه ، وحُقّ له ذلك ، وطبع أخيراً عدة طبعات مرقمة أهمها نشر المكتب الإسلامي ولا تخلو من أخطاء في الضبط ، وهي خالية من الشرح . ويحتاج المسند لتخريج وضبط وتحقيق لإكمال ما قام به المرحوم أحمد شاكر ( انظر الباعث ص 31 وأصول الحديث ص 328-330 والأجوبة ص 95-100 والحديث النبوي 406-410)
وقد قام أخيرا الشيخ شعيب الأرناؤوط بتحقيقه وتخريج أحاديثه بشكل دقيق ، ولكنه لا يخلو من تشدد ، حيث إن عمدته بالجرح كتاب تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله ، فلا بد من النظر في الأحاديث التي ضعفها
(2) -* وهو كتاب مرتب على الأبواب الفقهية ، ويركز على أحاديث الأحكام ، وفيه حوالي (5208) حديثاً بالمكرر ن وفي طبعة المكنز (5276 ) حديثاً ،وكل ماسكت عليه فهو مقبول عنده ، وما كان فيه نكارة شديدة ذكره ، وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف ، وقد وفّى بشرطه ، وقال : ماذكرت في كتابي حديثاً اجتمع الناس على تركه ، وقد كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب .. وذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه .. وكان يرى أن الحديث الضعيف خيرٌ من رأي الرجال ، والأحاديث الضعيفة في كتابه قليلة ، كالمنقطع ، ورواية سيء الحفظ ، والمجهول ، والمختلط .. وله شروح كثيرة منها معالم السنن للخطابي ، وعون المعبود وبذل المجهود وله طبعات كثيرة منها الطبعة التي حققها الأستاذ عزت عبيد دعاس ، والطبعة التي حققها محمدمحيى الدين عبد الحميد وغيرها ، وهو بحاجة لتخريج كامل لأحاديثه دون شطط ولا غلو ( انظر الباعث ص 41 و42 وأصول الحديث 320-322 والأجوبة الفاضلة ص 67 و73) .(1/276)
المعاجم : المُعْجم كل كتاب جمع فيه مؤلفه الحديث مرتباً على أسماء شيوخه على ترتيب حروف الهجاء غالباً،مثل " المعاجم الثلاثة " الطبراني،وهي المعجم الكبير والأوسط والصغير (1) .
العلل : كتب العلل هي الكتب المشتملة على الأحاديث المعلولة مع بيان عللها،وذلك مثل " العلل لابن أبي حاتم (2) " و " العلل للدارقطني " . (3)
الأجزاء : الجزء كل كتاب صغير جُمِع فيه مرويات راو واحد من رواة الحديث،أو جُمِع فيه ما يتعلق بموضوع واحد على سبيل الاستقصاء،مثل " جزء رفع اليدين في الصلاة " للبخاري (4) .
__________
(1) -* أ - ... المعجم الصغير له :
وفيه حوالي (1198) حديثاً : فيها الصحيح والضعيف الواهي ، وله طبعتان : الأولى بغير تحقيق ، والثانية محققة (الروض الداني) وعليها تعليقات جيدة .
ب - ... المعجم الأوسط :
وهو أكبر من الأول وعدد أحاديثه (11544 ) من جامع الحديث النبوي وله طبعة بتحقيق الدكتور/ محمود الطحان وفيه الصحيح والحسن والضعيف والواهي ، ويحتاج لتخريج كامل أحاديثه .
ج - ... المعجم الكبير له :
فيه حوالي (30000) حديث لكنه بعضه مفقود إلى الآن، وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن والضعيف والواهي والموضوع ، وهو من المصادر الضخمة في السنة وقد قام بتحقيقه الشيخ (حمدي السلفي) وعلق عليه تعليقات لا بأس بها ، ولكنه نحا منحى المتشددين . ويحتاج الكتاب لتخريج أحاديثه بشكل دقيق ومعتدل .
(2) - *وله طبعات متعددة أهمها طبعة مشكلة وعدد أحاديثها (2840 ) حديثاً ويحتاج لتحقيق ومقارنة كلامه بكلام غيره من أئمة هذا الفن
(3) - *وهو مطبوع في أحد عشر جزءاً وعدد الأسئلة فيه (2336 ) سؤالا مع الإجابة عليها ، ويحتاج لتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه
(4) - **وله طبعات عديدة وأفضل نسخة هي نسخة موقع جامع الحديث وعدد أحاديثها (118 ) حديثاً ويحتاج لتحقيق وتخريج لأحاديثه(1/277)
الأطراف : كل كتاب ذكر فيه مصنفه طرف كل حديث الذي يدل على بقيته،ثم يذكر أسانيد كل متن من المتون إما مستوعباً أو مقيداًَ لها ببعض الكتب،مثل " تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف " للمِزي . (1)
المُسْتَدَركات : المُسْتَدرك كل كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاتته على شرطه،مثل " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبدالله الحاكم (2) .
المُسْتَخَرجَات : المُسْتَخرج كل كتاب خَرَّج فيه مؤلفه أحاديث كتاب لغيره من المؤلفين بأسانيد لنفسه من غير طريق المؤلف الأول،وربما اجتمع معه في شيخه أو من فوقه مثل " المستخرج على الصحيحين " لأبي نُعَيْم الأصبهاني .
=================
المبْحَثُ الرَابع
صفة رواية الحديث (3)
1- المراد بهذه التسمية:
المراد بهذا العنوان بيان الكيفية التي يًرْوَى بها الحديث والآداب التي ينبغي التحلي بها وما يتعلق بذلك ،وقد تقدم شيء من ذلك في المباحث السابقة،وإليك ما بقي :
2- هل تجوز رواية الراوي من كتابه إذا لم يحفظ ما فيه ؟
__________
(1) - *طبعة : المكتب الإسلامي ، والدار القيّمة الطبعة الثانية: 1403هـ ، 1983م وعدد أجزائها ثلاثة عشر وعدد أحاديثه (18389 ) حديثاً
وهو لأطراف الكتب الستة والموطأ وهو مرتب على الصحابة
(2) - *له طبعات عدة الطبعة المشكلة عدد أحاديثها (8803 )حديثاً
وطبعة جامع الحديث وعدد أحاديثها(8956 )حديثاً وكلاهما خال من تعليقات الذهبي
وطبعة بتعليقات الذهبي وعدد أحاديثها (8803 ) حديثا كالأولى تماما
(3) - سأبحث هذا الموضوع باختصار أيضا ، لأن بعض جزئياته كانت ضرورية في عصر الرواية أما في هذه الأزمان فتعتبر دراستها من باب دراسة تاريخ الرواية، وهي لازمة لذوي الاختصاص في هذا الفن .(1/278)
هذا أمر اختلف فيه العلماء،فمنهم من شدد فأفرط،ومنه من تساهل ففرَّط ،ومنهم من اعتدل فتوسط .
فأما المتشددون: فقالوا: " لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه " روي ذلك عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني الشافعي.
وأما المتساهلون : فقوم رووا من نُسَخ غير مقابلة بأصولها،منهم ابن لَهيعة .
وأما المعتدلون المتوسطون : ( وهم الجمهور ) فقالوا : إذا قام الراوي في التحمل والمقابلة بما تقدم من الشروط جازت الرواية من الكتاب،وإن غاب عنه الكتاب،إذا كان الغالب على الظن سلامته من التغيير والتبديل لاسيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالباً .
3- حكم رواية الضرير الذي لا يحفظ ما سمعه:
إذا استعان الضرير الذي لا يحفظ ما سمعه بثقة في كتابه الحديث الذي سمعه وضبطه والمحافظة على الكتاب،واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير،صحت روايته عند الأكثر،ويكون كالبصير الأمِّي الذي لا يحفظ .
4- رواية الحديث بالمعنى وشروطها (1) :
اختلف السلف في رواية الحديث بالمعنى،فمنهم من منعها ومنهم من جوزها.
فمنعها طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول،منهم ابن سيرين وأبو بكر الرازي .
وأجازها جمهور السلف والخلف من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول،منهم الأئمة الأربعة لكن إذا قطع الراوي بأداء المعنى.
ثم إن مَن أجاز الراوية بالمعنى اشترط لها شروطا وهي:
أن يكون الراوي عالماً بالألفاظ ومقاصدها .
أن يكون خبيراً بما يُحيل معانيها .
هذا كله في غير المصنَّفات،أما الكتب المصنَّفة فلا يجوز رواية شيء منها بالمعنى،وتغيير الألفاظ التي فيها , وإن كان بمعناها لأن جواز الرواية بالمعنى كان للضرورة إذا غابت عن
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 47) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 188)وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 350)(1/279)
الراوي كلمة من الكلمات،أما بعد تثبيت الأحاديث في الكتب فليس هناك ضرورة لرواية ما فيها بالمعنى .
هذا وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول بعد روايته الحديث " أو كما قال (1) " أو نحوه (2) " أو شبهه " (3) .
5- اللحن في الحديث وسببه :
اللحن في الحديث،أي الخطأ في قراءته،وأبرز أسباب اللحن:
أ ) عدم تعلم النحو واللغة : فعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف،فقد روى الخطيب عن حماد بن سلمه قال " مَثَلُ الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحِمَار عليه مِخّلاة لا شعير فيها " (4)
ب) الأخذ من الكتب والصحف،وعدم التلقي عن الشيوخ : مر بنا أن لتلقي الحديث وتحمله عن الشيوخ طرقاً بعضها أقوى من بعض،وأن أقوى تلك الطرق السماع من لفظ الشيخ أو القراءة عليه،فعلى المشتغل بالحديث أن يتلقى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،من أفواه أهل المعرفة والتحقيق حتى يسلم من التصحيف والخطأ ،ولا يليق بطالب الحديث أن يعمد إلى الكتب والصحف فيأخذ منها ويروي عنها ويجعلهَا شيوخَهُ،فإنه تكثر أخطاؤه
__________
(1) - *كما في صحيح مسلم برقم (687 ) عن إِسْحَاقَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ - قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَهْ مَهْ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ». أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ.
(2) - *كما في صحيح البخارى227/3 برقم (2660 ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا . فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ دَعْهَا عَنْكَ » أَوْ نَحْوَهُ
(3) - *كما في سنن الدارمى برقم (274) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : هَذَا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ شِبْهَهُ أَوْ شَكْلَهُ.
(4) -* الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (ج 3 / ص 242)برقم (1081 ) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 47) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 246) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 12)(1/280)
وتصحيفاته،لذا قال العلماء قديماً : " لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيّ ولا الحديث من صَحَفِيّ " (1)
=================
غريبُ الحديث (2)
1- تعريفه:
أ) لغة: الغريب في اللغة،هو البعيد عن أقاربه،والمراد به هنا الألفاظ التي خفي معناها،قال صاحب القاموس : " غَرُبَ كَكَرُمَ،غَمُضَ وخَفِىَ " (3)
ب) اصطلاحاً: هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها.
2- أهميته وصعوبته:
وهو فن مهم جداً،يَقْبُحُ جهلهُ بأهل الحديث،لكن الخوض فيه صعب،فليتحَرَّ خائضه،وليتق الله أن يُقْدِمَ على تفسير كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمجرد الظنون،وكان السلف يتثبتون فيه أشد التثبت .
3- أجودُ تفسيره :
وأجود تفسيره ما جاء مفسَّراً في رواية أخرى،مثل حديث عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنه - قَالَ : كَانَتْ بِى بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ : « صَلِّ قَائِمًا،فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا،فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » (4) .
__________
(1) - * المصحفي الذي يأخذ القرآن من المصحف ولا يتلقى القرآن عن القراء والشيوخ ، والصحفي هو الذي يأخذ الحديث من الصحف ولا يتلقاه عن الشيوخ . انظر فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 120)
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 60) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 293) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 82) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 502)
(3) - القاموس جـ 1 ـ ص 115
(4) - *صحيح البخارى برقم (1117 )(1/281)
وقد فَسَّر قولَهُ " عَلَى جَنْبٍ" حديثُ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « يُصَلِّى الْمَرِيضُ قَائِمًا إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَيْهِ مِمَّا يَلِى الْقِبْلَةَ » (1) .
4- أشهر المصنفات فيه :
أ) غريب الحديث،لأبي عبيد القاسمُ بن سَلاَّم.
ب) النهاية في غريب الحديث والأثر،لابن الأثير،وهو أجود كتب الغريب .
ج) الدر النَّثِير للسيوطي،وهو تلخيص للنهاية .
د) الفائق،للزمخشري .
================
__________
(1) - *سنن الدارقطنى 2/43 برقم (1725 ) وفيه ضعف(1/282)
الفصْلُ الثاني
آدابُ الرواية
المبحث الأول: آداب المحدث.
المبحث الثاني: آداب طالب الحديث.
المبْحَثُ الأول
آداب المحدث (1)
1- مقدمةُ:
بما أن الاشتغال بالحديث من أفضل القربات إلى الله تعالى وأشرف الصناعات،فينبغي على من يشتغل به وينشره بين الناس أن يتحلى بمكارم الأخلاق ومحاسن الشِّيم،ويكون مثالا صادقاً لما يعلمه الناس،مطبقاً له على نفسه قبل أن يأمر به غيره .
2- أبرز ما ينبغي أن يتحلَّى به المحدِّث :
أ) تصحيح النية وإخلاصها،وتطهير القلب من أغراض الدنيا،كحب الرئاسة أو الشهرة.
ب) أن يكون أكبر همه نشر الحديث،والتبليغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتغياً جزيل الأجر.
ج) ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه،لِسِنِّه أو عِلْمِه.
د) أن يرشد من سأله عن شيء من الحديث ـ وهو يعلم أنه موجود عند غيره ـ إلى ذلك الغير.
هـ) ألا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية،فانه يُرجَى له صحتها .
و) أن يعقد مجلساً لإملاء الحديث وتعليمه إذا كان أهلا لذلك،فإن ذلك أعلى مراتب الرواية.
3- ما يستحبُّ فعله إذا أراد حضور مجلس الإملاء :
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 52) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 20) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 17) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 200) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 30) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 35)(1/283)
أ) أن يتطهرَ ويتطيب ويسرح لحيته .
ب) أن يجلس متمكناً بوقار وهيبة،تعظيماً لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ج) أن يُقْبِلَ على الحاضرين كلهم،ولا يخص بعنايته أحداً دون أحد.
د) أن يفتتح مجلسه ويختمه بتحميد الله تعالى والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاء يليق بالحال .
هـ) أن يتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين أو ما لا يفهمونه من الحديث.
و) أن يختم الإملاء بحكايات ونوادر،لترويح القلوب وطرد السَّأم .
4- ما هي السِّنُّ التي ينبغي للمحدِّث أن يتصدى للتحديث فيها ؟
اختلف في ذلك .
فقيل خمسون،وقيل أربعون،وقيل غير ذلك .
والصحيح أنه متى تأهل واحتيج إلى ما عنده جلس للتحديث في أي سن كان
5- أشهر المصنفات فيه :
أ) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي.
ب) " جامع بيان العلم وفضله،وما ينبغي في روايته وحمله " لابن عبد البر.
==============(1/284)
المبْحَثُ الثَاني
آدابُ طالب الحديث (1)
مقدمة:
المراد بآداب طالب الحديث،ما ينبغي أن يتصف به الطالب من الآداب العالية والأخلاق الكريمة التي تناسب شرف العلم الذي يطلبه ،وهو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فمن هذه الآداب ما يشترك فيها مع المحدث،ومنها ما ينفرد بها عنه .
الآداب التي يشترك فيها مع المحدث :
تصحيح النية والإخلاص لله تعالى في طلبه (2) .
الحذر من أن تكون الغاية من طلبه التوصل إلى أغراض الدنيا،فقد أخرج أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا. (3) .
العمل بما يسمعه من الأحاديث. (4)
3- الآداب التي ينفرد بها عن المحدث:
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 54) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 21) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 18) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 201) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 205) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 43) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 37)
(2) - * لقوله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة
(3) -* سنن أبى داود برقم (3666 ) صحيح
(4) - * قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) َبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3) سورة الصف
وفي مسند أحمد (13193) عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قُلْتُ مَا هَؤُلاَءِ قَالَ هَؤُلاَءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ »(صحيح لغيره ).(1/285)
أ) أن يسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والتيسير والإعانة على ضبطه الحديث وفهمه .
ب) أن ينصرف إليه بكليته،ويفرغ جهد،في تحصيله .
ج) أن يبدأ بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وديِناً.
د) أن يعظم شيخه،ومَنْ يسمع منه ويوقِّره،فذلك من إجلال العلم وأسباب الانتفاع،وأن يتحرَّى رضاه،ويصبر على جفائه لو حصل.
هـ) أن يرشد زملاءه وإخوانه في الطلب إلى ما ظفر به من فوائد،ولا يكتمها عنهم،فإن كتمان الفوائد العلمية على الطلبة لُؤْم يقع فيه جهلة الطلبة الوُضَعاء،لأن الغاية من طلب العلم نشره .
و) ألا يمنعه الحياء أو الكِبْر من السعي في السماع والتحصيل وأخذ العلم ولو ممن دونه في السن أو المنزلة.
ز) عدم الاقتصار على سماع الحديث وكتابته دون معرفته وفهمه،فيكون قد أتعب نفسه دون أن يظفر بطائل .
ح) أن يقدم في السماع والضبط والتفهم الصحيحين،ثم سنن أبي داود والترمذي والنسائي ثم السنن الكبرى للبيهقي ثم ما تمس الحاجة إليه من المسانيد والجوامع ،كمسند أحمد وموطأ مالك،ومن كتب العلل،علل الدارقطني،ومن الأسماء التاريخ الكبير للبخاري والجرح والتعديل لابن أبي حاتم،ومن ضبط الأسماء كتاب ابن مأكولا،ومن غريب الحديث النهاية لابن الأثير.
- - - - - - - - - - - - - -(1/286)
البابُ الرابع
الإسناد ومَا يتعلقُ بهِ
الفصل الأول: لطائف الإسناد.
الفصل الثاني: معرفة الرواة.
الفصلُ الأولُ
لطائفُ الإسناد
الإسناد العالي والنازل.
المسلسل.
رواية الأكابر عن الأصاغر .
رواية الآباء عن الأبناء .
رواية الأبناء عن الآباء .
المُدَبجَّ ورواية الأقْران.
السابق واللاحِق.
الإسنادُ العَالي والنَّازل (1)
ـ 1 ـ
1- تمهيدٌ:
الإسناد خَصيصة فاضلة لهذه الأمة ،وليست لغيرها من الأمم السابقة ،وهو سنة بالغة مؤكدة،فعلى المسلم أن يعتمد عليه في نقل الحديث والأخبار،قال ابن المبارك : " الإسناد
__________
(1) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 57) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 21) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 18) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 60)(1/287)
من الدَّين،ولولا الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء " (1) وقال الثوري : " الإسناد سلاح المؤمن " (2) .
كما أن طلب العُلوَُِ فيه سنةِ أيضاً،قال أحمد بن حنبل : " طلب الإسناد العالي سُنَّة عمن سَلَف ،لأن أصحاب عبد الله ابن مسعود كانوا يرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من عمر ويسمعون منه" (3) ،ولذلك استحبت الرحلة في طلب الحديث،ولقد رحل غير واحد من الصحابة في طلب علو الإسناد،منهم أبو أيوب وجابر رضي الله عنهما (4) .
2- تعريفه:
أ) لغة : العالي اسم فاعل من " العُلُوّ " ضد النزول،النازل اسم فاعل من " النزول ".
ب) اصطلاحاً:
1- الإسناد العالي: هو الذي قَلَّ عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يَردُ به ذلك الحديث بعدد أكثر.
2- الإسناد النازل: هو الذي كثر عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يَرِدُ به ذلك الحديث بعدد أقل.
__________
(1) - * أدب الإملاء والاستملاء - (ج 1 / ص 13) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 382)
(2) - * أدب الإملاء والاستملاء - (ج 1 / ص 14) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 617)
(3) - * الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي(118)
(4) - * ففي مسند أحمد (17855) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ عَطَاءً قَالَ رَحَلَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَتَى مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ فَخَرَجَ إِلَيْهِ قَالَ دُلُّونِى. فَأَتَى عُقْبَةَ فَقَالَ حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ سَتَرَ عَلَى مُؤْمِنٍ فِى الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَأَتَى رَاحِلَتَهُ فَرَكِبَ وَرَجَعَ.
وفي المعجم الأوسط للطبراني (8366 )حدثنا موسى بن هارون ، نا شيبان بن فروخ ، نا عبيد الله بن محمد يعني ابن عائشة ، نا يحيى بن أبي الحجاج ، عن أبي سنان ، عن رجاء بن حيوة قال : سمعت مسلمة بن مخلد ، يقول : بينا أنا على مصر إذ أتى الآذن البواب ، فقال : إن أعرابيا على بعير على الباب يستأذن ، فقلت : من أنت ؟ قال : جابر بن عبد الله الأنصاري قال : فأشرفت عليه ، فقلت : أنزل إليك أو تصعد ؟ قال : لا تنزل ولا أصعد ، حديث بلغني أنك ترويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ستر المؤمن ، جئت أسمعه . قلت : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « من ستر على مؤمن ، فكأنما أحيى موءودة » فضرب بعيره راجعا . « لم يرو هذا الحديث عن رجاء بن حيوة إلا أبو سنان ، تفرد به : ابن عائشة »(1/288)
3- أقسام العلو:
يقسم العلو إلى خمسة أقسام،واحد منها علو مُطْلَق،والباقي علو نِسْبي وهي:
أ) القُرْب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح نظيف :
وهذا هو العلو المطلق،وهو أجَلُّ أقسام العلو .
ب) القرب من إمام من أئمة الحديث :وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم،مثل القرب من الأعمش أو ابن جُرَيْج أو مالك أو غيرهم،مع الصحة ونظافة الإسناد أيضاً .
ج) القرب بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الستة أو غيرها من الكتب المعتمدة :
وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة والإبدال والمساواة والمصافحة.
1- فالموافقة: (1) هي الوصول إلى شيخ أحد المصنِّفين من غير طريقه بعدد أقل مما لو رَوَي من طريقه عنه.
مثاله : ما قاله ابن حجر في شرح النخبة " روي البخاري عن قتيبة عن مالك حديثا (2) ،فلو رويناه من طريقه (3) كان بيننا وبين قتيبة ثمانية،ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج (4) عن قتيبة مثلا لكان بيننا وبين قتيبة فيه سبعة،فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه " (5)
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 58) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 245) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 67) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35)
(2) - *كما في صحيح البخارى 167/1 برقم (652 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » .
(3) - أي من طريق البخاري .
(4) -* أحد شيوخ البخاري .
كما في مسند السراج محققا - (ج 1 / ص 112)(3) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبدالعزيز بن محمد عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أتم وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتتن أمه.
إسناده صحيح، أخرجه البخاري (ج1 ص98) من طريق سليمان بن بلال، ومسلم (ج1 ص188) عن يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر كلهم عن إسماعيل بن جعفر كلاهما عن شريك به.
(5) -* شرح النخبة ص 61 .
وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 66)
وقد وقع لي في الإملاء حديث أمْلَيتهُ من طريق التِّرمذي(195), عن قُتيبة, عن عبد العزيز الدَّرَاوَرْدي, عن سُهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هُريرة مرفوعًا: «لا تجعلُوا بيوتكُم مَقَابر ...» الحديث.
وقد أخرجه مسلم (196) عن قُتيبة, عن يعقوب القَارىء, عن سهيل.
فقتيبة له فيه شَيْخَان عن سهيل, فوقع في «صحيح» مسلم عن أحدهما, وفي التِّرمذي عن الآخر, فهل يُسمَّى هذا مُوافقة لاجتماعنا معه في قتيبة, أو بدلاً للتخالف في شيخه, والاجتماع في سُهيل أو لا, ولا يكون واسطة بين الموافقة والبدل احتمالات, أقربها عندي الثَّالث.(1/289)
2- البَدَل: (1) هو الوصول إلى شيخ شيخِ أحد المصنِّفين من غير طريقه بعدد أقل مما لو روي من طريقه عنه.
مثاله : ما قاله ابن حجر : " كأَنْ يقع لنا ذلك الإسناد بعينه،من طريق أخرى إلى القَعْنَبي (2) عن مالك،فيكون القَعْنَبي فيه بدلا من قتيبة .
3- المساواة (3) : هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنِّفين .
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 57) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 256) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 624)
(2) -* القعنبي هو شيخ شيخ البخاري . كما في سنن أبى داود برقم (75 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِى قَتَادَةَ - أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِى أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِى فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ »(صحيح).
(3) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 58) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 245) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 67) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 39) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 626)(1/290)
مثاله:ما قاله ابن حجر : " كأَنْ يَرْوي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أَحَدَ عشر نَفْساً،فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر،بيننا وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أَحَدَ عشر نفسا،فنساوي النسائيَّ من حيث العدَد " (1)
4- المصافحة (2) :
هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المصنِّفين . وسُمِّيَتْ مصافحةً لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تَلاَقَيا.
د) العلو بتقدّم وفاة الراوي:
__________
(1) -* وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 66)
[والمُسَاواة في أعْصَارنا قِلَّة عدد إسنادك إلى الصَّحابي, أو مَنْ قَاربهُ, بحيث يقع بينك وبين صحابي مثلاً من العدد, مثل ما وقع بين مسلم وبينه].
وهذا كان يُوجد قديمًا, وأمَّا الآن فلا يُوجد في حديث بعينه, بل يُوجد مطلق العدد كما قال العِرَاقي.
فإنَّه تقدَّم أنَّ بيني وبين النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة أنْفُس في ثلاثة أحاديث, وقد وقع للنَّسائي حديث بينهُ وبين النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عشرة أنْفُس, وذلك مُساواة لنا.
وهو ما رواه في كتاب الصَّلاة قال:كما في سنن النسائى برقم (1004 ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى عَنِ امْرَأَةٍ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثُلُثُ الْقُرْآنِ ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَعْرِفُ إِسْنَادًا أَطْوَلَ مِنْ هَذَا.( وهو حديث حسن).
وفيه ستة من التَّابعين أوَّلهم منصور.
وقد رواه الترمذى برقم (3141 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنِ امْرَأَةٍ وَهِىَ امْرَأَةُ أَبِى أَيُّوبَ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِى لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ مَنْ قَرَأَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ».قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
والمرأة هي امرأة أبي أيُّوب, وهو عُشَاري للتِّرمذي أيضًا.
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 58) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 258) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 67)(1/291)
ومثاله ما قاله النووي : " فما أرويه عن ثلاثة, عن البَيْهقي عن الحاكم, أعلى مِمَّا أرويه, عن ثلاثة عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم, لتقدُّم وفاة البَيْهقي عن ابن خلف (1)
هـ) العلو بتقدم السماع (2) : أي العُلو بتقدُّم السَّماع من الشَّيْخ, فمن سمع منه متقدمًا, كان أعلى مِمَّن سمع منه بعدهُ.
مثاله: أن يسمع شخصان من شيخ،وسماع أحدهما منذ ستين سنة مثلاً،والآخر منذ أربعين سنة،وتَسَاوي العدد إليهما،فالأول أعلى من الثاني،ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خَرِفَ.
4- أقسام النزول (3) :
أقسام النزول خمسة،وتعرف من ضدها،فكلُّ قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول.
5- هل العلو أفضل أو النزول ؟
أ) العلو أفضل من النزول على الصحيح الذي قاله الجمهور،لأنه يُبْعِدُ كثرةَ احتمال الخَلَل عن الحديث،والنزول مرغوب عنه،قال ابن المديني " النزول شؤم " وهذا إذا تساوى الإسناد في القوة.
ب) ويكون النزول أفضل إذا تميز الإسناد النازل بفائدة (4)
__________
(1) - *التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 67) هذا وقد توفي البيهقي سنة 458هـ وتوفي ابن خلف سنة 487هـ .
(2) - *تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 68)
(3) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 266) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 71) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 630)
(4) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 59) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 71)
قال وكيع لأصْحَابه: الأعمش أحب إليكُم عن وائل عن عبد الله, أم سُفيان عن منصُور عن إبْرَاهيم عن عَلْقمة عن عبد الله ؟ فقالوا: الأعمش عن أبي وائل أقرب. فقال: الأعمش شيخ, وأبو وائل شيخ, وسُفيان عن منصور عن إبْرَاهيم عن علقمة, فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه.
قال ابن المُبَارك: ليسَ جَوْدة الحديث قُربُ الإسْنَاد, بل جَوْدة الحديث صحَّة الرِّجَال.(1/292)
6- أشهر المصنفات فيه :
لا توجد مصنفات خاصة في الأسانيد العالية أو النازلة بشكل عام،لكن أفرد العلماء بالتصنيف أجزاء أطلقوا عليها اسم " الثُلاثيات " ويعنون بها الأحاديث التي فيها بين المصنِّف وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشخاص فقط،وفي ذلك إشارة إلى اهتمام العلماء بالأسانيد العوالي،فمن تلك الثلاثيات .
ثلاثيات البخاري،لابن حجر.
ثلاثيات أحمد بن حنبل،للسَّفَّاريني .
=================
المسَلْسَلُ (1)
ـ 2 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم مفعول من " السَّلْسَلَة " وهي اتصال الشيء بالشيء،ومنه سِلْسِلَة الحديد،وكأنه سمي بذلك لشبهه بالسِّلْسِلة من ناحية الاتصال والتماثل بين الأجزاء.
ب) اصطلاحاً: هو تتابع رجال إسناده على صفة أو حالة للرواة تارة،وللرواية تارة أخرى.
2- شرحُ التعريف:
أي أن المسلسل هو ما تَوَالى رواة إسناده على:
الاشتراك في صفة واحدة لهم .
أو الاشتراك في حالة واحدة لهم أيضاً .
أو الاشتراك في صفة واحدة للرواية.
__________
(1) -*مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 61)والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 22) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 19) والمختصر في أصول الحديث - (ج 1 / ص 3) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 86) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 299) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 84)(1/293)
3- أنواعُه:
يتبين من شرح التعريف أن أنواع المسلسل ثلاثة وهي : المسلسل بأحوال الرواة،والمسلسل بصفات الرواة،والمسلسل بصفات الرواية،وإليك فيما يلي بيان هذه الأنواع .
المسلسل بأحوال الرواة :
وأحوال الرواة،إما أقوال أو أفعال،أو أقوال وأفعال معاً .
المسلسل بأحوال الرواة القولية : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ « يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ الصُّنَابِحِىَّ وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِىُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. " (1)
فقد تسلسل بقول كل من رواته " وأنا أحبك،فَقُلْ (2)
المسلسل بأحوال الرواة الفعلية: مثل حديث أبي هريرة قال: " شَبَّكَ بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - وقال: " خلق الله الأرض يوم السبت " فقد تسلسل بتشبيك كل من رواته بيد من رواه عنه (3)
__________
(1) - *سنن أبى داود برقم (1524 ) وهو صحيح
(2) - *كما في شعب الإيمان للبيهقي برقم (4238 ) أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السمسار ، أخبرنا أحمد بن سلمان النجاد الفقيه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي ، حدثني عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا أبو عبدة الحكم بن عبدة ، حدثني حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن الصنابحي ، عن معاذ ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إني أحبك ، فقل : اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك » . وقال الصنابحي : قال لي : معاذ : إني أحبك ، فقل هذا الدعاء . قال أبو عبد الرحمن : قال لي الصنابحي : وأنا أحبك فقل . قال عقبة : قال لي أبو عبد الرحمن : وأنا أحبك ، فقل ، قال : حيوة : قال : لي عقبة : وأنا أحبك ، فقل . قال أبو عبدة : قال لي حيوة : وأنا أحبك ، فقل . قال : عمرو : قال لي أبو عبدة : وأنا أحبك ، فقل . قال عبد الله : قال لي الحسن : وأنا أحبك ، فقل . قال أبو بكر بن أبي الدنيا : وأنا أحبكم ، فقولوا . قال لنا أبو بكر النجاد : وأنا أحبكم ، فقولوا ، قال لنا عبد الرحمن : وأنا أحبكم فقولوا ، قال الشيخ أحمد : وأنا أحبكم فقولوا ، قال زاهر : وأنا أحبكم فقولوا
(3) - *كما في معرفة علوم الحديث للحاكم - (ج 1 / ص 60)برقم (50 ) شبك بيدي أحمد بن الحسين المقرئ ، وقال : شبك بيدي أبو عمر عبد العزيز بن عمر بن الحسن بن بكر بن الشرود الصنعاني ، وقال : شبك بيدي أبي ، وقال : شبك بيدي أبي ، وقال : شبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى ، وقال إبراهيم : شبك بيدي صفوان بن سليم ، وقال صفوان : شبك بيدي أيوب بن خالد الأنصاري ، وقال أيوب : شبك بيدي عبد الله بن رافع ، وقال عبد الله : شبك بيدي أبو هريرة ، وقال أبو هريرة : شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : « خلق الله الأرض يوم السبت ، والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين ، والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، والدواب يوم الخميس وآدم يوم الجمعة » فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس ، وآثار السماع بين الراويين ظاهرة غير أن رسم الجرح والتعديل عليها محكم ، وإني لا أحكم لبعض هذه الأسانيد بالصحة ، وإنما ذكرتها ليستدل بشواهدها عليها إن شاء الله
وفي الأسماء والصفات للبيهقي برقم (781 ) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ، فقال : « خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الإثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها من الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل » . هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه (( برقم (7231) حَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِى فَقَالَ « خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِى آخِرِ الْخَلْقِ وَفِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ». )). وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ لمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ . وزعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد ، وإبراهيم غير محتج به . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي ببخارى ، ثنا أبو عبد الله محمد بن نصر ، حدثني محمد بن يحيى ، قال : سألت علي بن المديني عن حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : « خلق الله التربة يوم السبت » . فقال علي : هذا حديث مدني ؛ رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي . قال علي : وشبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى وقال لي : شبك بيدي أيوب بن خالد وقال لي : شبك بيدي عبد الله بن رافع ، وقال لي شبك بيدي أبو هريرة رضي الله عنه وقال لي : شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - وقال لي : « خلق الله الأرض يوم السبت » . فذكر الحديث بنحوه . قال علي بن المديني : وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى . قلت : وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الربذي عن أيوب بن خالد ، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف ، وروي عن بكر بن الشرود ، عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم ، عن أيوب بن خالد ، وإسناده ضعيف والله أعلم
(( قلت : فالحديث لا يصح مسلسلاً ، ولا يصح مرفوعا ، والصواب وقفه على أبي هريرة عن كعب وقال ابن كثير في تفسيره 1/99: هذا الحديث من غرائب (صحيح مسلم) وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري غير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه عَلى بعض الرواة، فجعله مرفوعاً. وفي فتاوى ابن تيمة بنحوه 17/236 وقال القاسمي في الفضل المبين432: هذا الحديث طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما ... وقد ثبت بالتواتر أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد، وهكذا عند أهل الكتاب، وعَلى ذلك تدل أسماء الأيام، وهذا المنقول الثابت في أحاديث وآثار آخر، ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهو خلاف ما أخبر به القرآن.))(1/294)
المسلسل بأحوال الرواة القولية والفعلية معاً : مثل حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حُلْوِهِ ومُرِّهِ وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته وقال : آمنت بالقَدَر خيره وشره حلوه ومره " تسلسل بقبض كل راو من رواته على لحيته،وقوله : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره . (1)
المسلسَلُ بصفات الرواة :
وصفات الرواة : أما قولية أو فعلية .
المسلسَلُ بصفات الرواة القولية : مثل الحديث المسلسل بقراءة سورة الصَّفِّ فقد تسلسل بقول كل راو : " فقرأها فلان هكذا " (2) هذا وقد قال العراقي : " وصفات الرواة القولية وأحوالهم القولية متقاربة بل متماثلة . (3)
__________
(1) -* قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 85)
ففي معرفة علوم الحديث للحاكم برقم (47 ) حدثني الزبير بن عبد الواحد ، حدثني أبو الحسن يوسف بن عبد الأحد القمني الشافعي بمصر ، قال : حدثني سليم بن شعيب الكسائي حدثني سعيد الآدم ، حدثني شهاب بن خراش الحوشبي قال : سمعت يزيد الرقاشي يحدث ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره ، وشره ، وحلوه ، ومره » ، قال : وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته ، فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره « ، قال : وقبض أنس على لحيته ، فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره ، قال : وأخذ يزيد بلحيته ، فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره ، قال : وأخذ شهاب بلحيته ، فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره ، قال : وأخذ سعيد بلحيته ، فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره ، قال : وأخذ سليمان بلحيته فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره قال : وأخذ يوسف بلحيته فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره قال : وأخذ شيخنا الزبير بلحيته فقال : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره قال : لنا الشيخ أبو بكر الشيرازي ، قال لنا الحاكم أبو عبد الله : وأنا أقول عن نية صادقة وعقيدة صحيحة : آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره وأخذ بلحيته وأخذ الشيخ أبو بكر بلحيته ، فقال : » آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره
(( قلت : ولا يصح هذا الحديث بهذا الشكل إلا وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ , وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ ))
(2) - *كما في سنن الترمذى برقم (3624 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَىَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ سَلاَمٍ. قَالَ يَحْيَى فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِىُّ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ كَثِيرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَقَدْ خُولِفَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ فِى إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ أَوْ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ. وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.
(3) - *فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 300) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 85)(1/296)
المسلسل بصفات الرواة الفعلية : كاتفاق أسماء الرواة،كالمسلسل بـ " المُحَمَّدِيْنَ " أو اتفاق أسمائهم،كالمسلسل بالفقهاء أو الحفاظ أو اتفاق نِسْبَتِهم كالدمشقيين أو المصريين .
ج) المسلسل بصفات الرواية : وصفات الراوية إما أن تتعلق بصِيَغ الأداء،أو بزمن الرواية (1) ،أو مكانها (2) .
المسلسل بصِيَغ الأداء : مثل حديث مسلسل بقول كل من رواته " سمعت" أو "أخبرنا " .
4- أفضله :
وأفضله ما دل على الاتصال في السماع وعدم التدليس .
5- من فوائده :
اشتماله على زيادة الضبط من الرواة .
6- هل يشترط وجود التسلسل في جميع الإسناد ؟
لا يشترط ذلك،فقد ينقطع التسلسل في وسطه أو آخره،لكن يقولون في هذه الحالة : " هذا مسلسل إلى فلان " .
7- لا ارتباط بين التسلسل والصحة: (3)
__________
(1) - المسلسل بزمان الرواية : كالحديث المسلسل بروايته يوم العِيد .
(2) - المسلسل بمكان الرواية : كالحديث المسلسل بإجابة الدعاء في المُلْتَزِم .
(3) - *وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 85)
وقلَّما يسلم عن خلل في التسلسل وقد ينقطع تسلسله في وسطه] أو أوله, أو آخره [كمسلسل أوَّل حديث سمعته] وهو حديث عبد الله بن عَمرو: «الرَّاحمُون يَرْحمهم الرَّحمن ...».
فإنَّه انْتَهَى فيه التَّسلسل إلى سُفيان بن عُيينة, وانقطع في سماع سُفيان من عَمرو بن دينار, وانقطع في سَمَاع عَمرو من أبي قَابُوس, وفي سَمَاع أبي قابُوس من عبد الله بن عَمرو, وفي سماع عبد الله من النَّبي - صلى الله عليه وسلم - [عَلَى ما هو الصَّحيح فيه].وقد رواهُ بعضهم كامل السلسلة, فوهم فيه.(1/297)
فقَلَّمَا يسلم المسلسل من خلل في التسلسل،أو ضعف،وإن كان أصل الحديث صحيحاً من غير طريق التسلسل.
8- أشهر المصنفات فيه :
أ) المُسَلْسَلات الكبرى للسيوطي،وقد اشتملت على / 85/ حديثاً .
ب) المناهل السَّلْسَلَة في الأحاديث المُسِلْسِلَة،لمحمد عبدالباقي الأيوبي،وقد اشتملت على / 212/ حديثاً .
================
روايةُ الأكابر عن الأصاغر (1)
ـ 3 ـ
1- تعريفه: (2)
أ) لغة : الأكابر جمع " أَكَبْرَ " والأصاغر جمع " أَصْغَر " والمعنى : رواية الكبار عن الصغار .
ب) اصطلاحاً: رواية الشخص عمن هو دونه في السن والطبقة أو في العلم والحفظ.
والأصل فيه رِوَاية النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الدَّاري حديث الجَسَّاسة, وهي عند مسلم (3)
__________
(1) -* الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 134)
(2) - الهاء عائده لهذا النوع من علوم الحديث .
(3) - *مسلم برقم (7573 ) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِىُّ شَعْبُ هَمْدَانَ أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ فَقَالَ حَدِّثِينِى حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ فَقَالَتْ لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَهَا أَجَلْ حَدِّثِينِى. فَقَالَتْ نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ فَأُصِيبَ فِى أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَطَبَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَوْلاَهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَحَبَّنِى فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ ». فَلَمَّا كَلَّمَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ أَمْرِى بِيَدِكَ فَأَنْكِحْنِى مَنْ شِئْتَ فَقَالَ « انْتَقِلِى إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ ». وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ فَقُلْتُ سَأَفْعَلُ فَقَالَ « لاَ تَفْعَلِى إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ وَلَكِنِ انْتَقِلِى إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ». - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فِهْرٍ فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِى هِىَ مِنْهُ - فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِى سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنَادِى الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ « لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ ». ثُمَّ قَالَ « أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ « إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِى حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِى الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقَالُوا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَتْ أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً - قَالَ - فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ قُلْنَا وَيْلَكَ مَا أَنْتَ قَالَ قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِى فَأَخْبِرُونِى مَا أَنْتُمْ قَالُوا نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقُلْنَا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ.
قُلْنَا وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَتِ اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً فَقَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ قُلْنَا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ. قَالَ أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ قَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ هَلْ فِيهَا مَاءٌ قَالُوا هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ قَالُوا قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ قَالَ لَهُمْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّى إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَىَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِى عَنْهَا وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ « هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ ». يَعْنِى الْمَدِينَةَ « أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ». فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ « فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ.قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
أرفأ : قرَّب السفينة من الشط = الصلت : المجرد من غمده =اغتلم : هاج واضطربت أمواجه = فرقنا : خشينا = الأهلب : غليظ الشعر كثيره(1/298)
2- شرح التعريف :
أي أن يروي الراوي عن شخص هو أصغر منه سناً وأدنى طبقة،والدُّنُوُّ في الطبقة كراوية الصحابة عن التابعين ونحو ذلك. أو يروي عمن هو أقل منه علماً وحفظاً،كرواية عالم حافظ عن شيخ ولو كان ذاك الشيخ كبيراً في السن،هذا وينبغي التنبه إلى أن الكِبَر في السن أو القِدَم في الطبقة وحده،أي بدون المساواة في العلم عمن يروي عنه لا يكفي لأن يُسَمَّى رواية أكابر عن أصاغر،والأمثلة التالية توضح ذلك .
3- أقسامه وأمثلتها:
يمكن أن نقسم رواية الأكابر عن الأصاغر إلى ثلاثة أقسام وهي:
أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة من المَرْوِيِّ عنه. ( أي مع العلم والحفظ أيضاً ).
أن يكون الراوي أكبر قَدْراً ـ لا سناً ـ من المروي عنه،كحافظ عالم عن شيخ كبير غير حافظ.
مثل : رواية مالك عن عبد الله بن دينار . (1)
ج) أن يكون الراوي أكبر سناً وقَدْراً من المروي عنه،أي أكبر وأعلم منه.
مثل : رواية البَرْقاني عن الخطيب (2)
4- من رواية الأكابر عن الأصاغر :
أ) رواية الصحابة عن التابعين : كرواية العَبَادِلة وغيرهم عن كعب الأحبار . (3)
__________
(1) - *فمالك إمام حافظ ، وعبدالله بن دينار شيخ راو فقط ، وإن كان أكبر سناً من مالك .
كما في موطأ مالك برقم (108 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ « تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ ».وهو صحيح
(2) - لأن البرقاني أكبر سناًِ من الخطيب ، وأعظم قدراً منه لأنه شيخه ومعلمه وأعلم منه .
(3) - *ففي السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 183)برقم (9839)أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا الليث عن بن عجلان عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أن كعب الأحبار قال يا أبا هريرة احفظ مني اثنتين أوصيك بهما إذا دخلت المسجد فصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرجت من المسجد فصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقل اللهم احفظني من الشيطان .
وكما في المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 449) برقم (163 ) حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بن يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي هِلالٍ، عَنْ هِلالِ بن أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سَلامٍ، قَالَ:"إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يُجَازِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو، وَيَصْفَحُ، وَيَتَجَاوَزُ، وَلَنْ أَقْبِضَكَ حَتَّى أُقِيمَ الْمِلَّةَ الْمُعْوَجَّةَ، بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، يَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا". قَالَ عَطَاءُ بن يَسَارٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الأَحْبَارِ، يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلامٍ.(1/300)
ب) رواية التابعي عن تابِعِيِّهِ : كرواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك . (1)
5- من فوائده :
أ) ألا يُتَوَهَّم أنَّ المروِي عنه أفضل وأكبر من الراوي لكونه الأغلب.
ب) إلا يُظَنَّ أن في السند انقلاباً،لأن العادة جرت برواية الأصاغر عن الأكابر .
6- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) كتاب " ما رواه الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء " للحافظ أبي يعقوب إسحق بن إبراهيم الورَّاق المتوفى سنة 403هـ.
==================
روايةُ الآباء عن الأبناء (2)
ـ4 ـ
1- تعريفُه:
أن يوجد في سند الحديث أَبٌ يروي الحديث عن ابنه .
__________
(1) -* كما في سنن الترمذى برقم (1906 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِىٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ زَمَنَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.( وهو صحيح )
(2) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 69) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 143)(1/301)
2- مثالُه:حديث في سنن أبى داود (1) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ.. فقد روى وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ
3- من فوائده :
ألا يُظَنَّ أن في السند انقلاباً أو خطأ،لأن الأصل أن يروي الابن عن أبيه،وهذا النوع مع النوع الذي قبله يدل على تواضع العلماء،وأخْذِهِمُ العلم من أي شخص،وإن كان دونهم في القَدْر والسٍّنِّ .
4- أشهرُ المصنفات فيه :
كتاب " رواية الآباء عن الأبناء " للخطيب البغدادي .
===================
روايةُ الأبناء عن الآباء (2)
ـ 5 ـ
1- تعريفُه:
أن يوجد في سند الحديث ابْنٌ يروي الحديث عن أبيه فقط،أو عن أبيه عن جده .
2- أهمُّه:
وأهم هذا النوع ما لم يُسَمَّ فيه الأبُ أو الجَدُ،لأنه يحتاج إلى البحث لمعرفة اسمه .
3- أنواعُه:
هو نوعان.
أ) رواية الراوي عن أبيه فحسب ( أي بدون الرواية عن الجَد ) وهو كثير.
مثاله : ما رواه البخارى (3) حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - *برقم (3746 ) وهو صحيح = السويق : طعام يتخذ من دقيق الحنطة والشعير
(2) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 70) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 28) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 436) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 150)
(3) - *برقم ( 2216 )(1/302)
- ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً » . قَالَ لاَ بَلْ بَيْعٌ . فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً .
فمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ يروي عَنْ أَبِيهِ وهو كثير
ب) رواية الراوي عن أبيه عن جده،أو عن أبيه عن جده فما فوقه. مثاله : رواية عَمرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جده . (1)
4- من فوائده:
أ) البحث لمعرفة اسم الأب أو الجَد إذا لم يُصَرَّحْ باسمه.
ب) بيان المراد من الجَدَّ،هل هو جَدَّ الابن أو جد الأب .
5- أشهرُ المصنفات فيه :
أ) رواية الأبناء عن آبائهم،لأبي نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي .
ب) جزء من روى عن أبيه عن جده،لابن أبي خَيْثَمَةَ .
ج) كتاب الوَشْيُ المعلم في من روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،للحافظ العلائي .
==============
المُدَبَّجُ وروايةُ الأقْرانِ
ـ 6 ـ
1- تعريفُ الأقْرانِ:
__________
(1) - *عمرو هذا نسبة هكذا " عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاصي " فجده عمرو هو محمد ، لكن العلماء وجدوا من التتبع والاستقراء أن الضمير في " جده " يعود على شعيب فيكون المراد في "جده" عبدالله بن عمرو الصحابي المشهور .
كما في مسند أحمد برقم (149) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يُقَادُ وَالِدٌ مِنْ وَلَدٍ ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَرِثُ الْمَالَ مَنْ يَرِثُ الْوَلاَءَ ». وهو حديث حسن وقد روى له بهذا السند حوالي ( 178) حديثاً
وكما في مسند أحمد برقم (26759) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُحْرِمُ وَحِينَ يَحِلُّ.فقد روى له ثلاثة أحاديث بهذا السند(1/303)
أ) لغة: الأقران جمع " قَرِين " بمعنى المَصَاحِب،كما في القاموس (1)
ب) اصطلاحاً: المتقاربون في السن والإسناد (2) .
2- تعريفُ رواية الأقرانِ (3) :
أن يروي أحد القرينين عن الآخر .
مثل : رواية سليمان التَّيْمي عن مِسِعَر بن كِدَام،فهما قرينان،لكن لا نعلم لمِسْعَرٍ رواية عن التَّيْمي
3- تعريفُ المُدَبَّجِ (4) :
أ) لغة: اسم مفعول من " التَّدْبِيْج " بمعنى التزيين والتدبيج مشتق من دِيْباجَتي الوجه أي الخدين،وكأن المُدَبَّج سُميَ بذلك لتساوي الراوي والمروي عنه،كما يتساوي الخُدّان .
ب) اصطلاحاً: أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر.
4- أمثلة المدبَّج:
أ ) في الصحابة: في رواية عائشة عن أبي هريرة،ورواية أبي هريرة عن عائشة. (5)
ب) في التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز (6) ،ورواية عمر بن عبد العزيز عن الزهري. (7)
__________
(1) - جـ4 ـ ص 260 .
(2) - التقارب في الإسناد أن يكونوا قد أخذوا عن شيوخ من طبقة واحدة .
(3) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27)وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 419) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 35) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 46) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 633)
(4) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 137)
(5) - *كما في صحيح مسلم برقم (1118 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ».
(6) - *كما في سنن النسائى برقم (172 ) عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ». وهو صحيح لكنه منسوخ
(7) - *كما في شعب الإيمان للبيهقي برقم (7455 )(1/304)
ج) في أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي،ورواية الأوزاعي عن مالك . (1)
5- من فوائده :
أ) ألا يظن الزيادة في الإسناد . (2) ...
ب) ألا يظن إبدال " عن " بـ " الواو ". (3)
6- أشهر المصنَّفات فيه :
أ) المدبج،للدارقطني .
ب) رواية الأقران،لأبي الشيخ الأصبهاني .
=================
السَّابقُ واللاحقُ (4)
ـ 7 ـ
1- تعريفُه:
__________
(1) -* كما في صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 307)برقم (547 ) أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله"قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه ما روى مالك عن الأوزاعي إلا هذا الحديث وروى الأوزاعي عن مالك أربعة أحاديث.
(2) - لأن الأصل أن يروي التلميذ عن شيخه ، فإذا روى عن قرينه ريما ظن من لم يدرس هذا النوع أن ذكر القرين المروي عنه زيادة من الناسخ .
(3) - أي ألا يتوهم السامع أو القارئ لهذا الإسناد أن أصل الرواية : حدثنا فلان و فلان ، فأخطأ فقال ، حدثنا فلان عن فلان .
(4) - *الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 28)وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 442) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 152) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 36) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 47) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 645)(1/305)
أ) لغة: السابق اسم فاعل من " السَّبْق " بمعنى المتقدم،واللاحق اسم فاعل من " اللَّحَاق " بمعنى المتأخر،والمراد بذلك الراوي المتقدم موتاً،والراوي المتأخر موتاً.
ب) اصطلاحاً: أن يشترك في الرواية عن شيخ اثنان تَبَاعد ما بين وفاتيهما.
2- مثالُه:
أ) محمد بن إسحق السراج (1) ،اشترك في الرواية عنه البخاري (2) والخَفاف،وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر (3)
ب) الإمام مالك : اشترك في الرواية عنه الزهري وأحمد بن إسماعيل السَّهْمِي،وبين وفاتيهما مائة وخمس وثلاثون سنة،لأن الزهري توفي سنة 124 وتوفي السهمي سنة 259. وتوضيح ذلك أن الزهري أكبر سناً من مالك .
لأنه من التابعين ،ومالك من أتباع التابعين،فرواية الزهري عن مالك تعتبر من باب رواية الأكابر عن الأصاغر كما مر،على حين أن السهمي أصغر سناًِ من مالك،هذا بالإضافة إلى أن السهمي عُمِّر طويلا،إذ بلغ عمره نحو مائة سنة،لذلك كان هذا الفرق الكبير بين وفاته ووفاة الزهري .
__________
(1) -* وفي تاريخ بغداد [ جزء 1 - صفحة 248 ] برقم (73 ) محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله أبو العباس السراج مولى ثقيف وهو أخو إبراهيم وإسماعيل ابني إسحاق من أهل نيسابور سمع قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه والحسن بن عيسى الماسرجسي وعمرو بن زرارة ومحمد بن أبان البلخي ومحمد بن عمرو زنيجا ومحمد بن بكار بن الريان ومحمد بن حميد الرازي وهناد بن السرى ومحمد بن أبي عمرو العدني وخلقا كثيرا من أهل خراسان وبغداد والكوفة والبصرة والحجاز روى عنه محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وأبو حاتم الرازي وورد السراج بغداد قديما وحديثا وأقام بها دهرا طويلا ثم رجع إلى نيسابور واستقر بها إلى حين وفاته وكان قد حدث ببغداد شيئا يسيرا فسمع منه بها وروى عنه من أهلها أبو بكر بن أبي الدنيا ومحمد بن مخلد العطار ومحمد بن العباس بن نجيح وأبو عمرو بن السماك وحديثه عند الخراسانيين منتشر وكان من المكثرين الثقات الصادقين الأثبات عني بالحديث وصنف كتبا كثيرة وهي معروفة مشهورة..
(2) - ففي تاريخ البخاري مدقق - (ج 2 / ص 57) وقال أبو العباس يعني السراج حدثنا محمد أبو يحيى قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا همام عن إسحاق عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة وكان رفاعة ومالك أخوين من أهل بدر
(3) - لأنَّ البُخَاري مات سَنَة ست وخمسين ومئتين, والخفَّاف مات سَنَة ثلاث, وقيلَ: أربع, وقيلَ: خمس وتسعين وثلاث مئة.(1/306)
وبتعبير أوضح فان الراوي السابق يكون شيخاً لهذا المروي عنه،والراوي اللاحق يكون تلميذاً له،ويعيش هذا التلميذ طويلاً.
من فوائده :
أ) تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب .
ألا يظن انقطاع سند اللاحق .
أشهر المصنفات فيه :
كتاب السابق واللاحق،للخطيب البغدادي.
===================(1/307)
الفصْلُ الثاني
معرفة الرواة
1- معرفة الصحابة. ... ... ... ... 2- معرفة التابعين.
3- معرفة الأخوة والأخوات . ... ... ... 4- المتفق والمفترق .
5- المؤتلف والمختلف.
6- المتشابه.
7- المهمل.
8- معرفة المبهمات.
9- معرفة الوُحدان .
10- معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة.
11- معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب .
12- معرفة أسماء من اشتهروا بكناهم .
13- معرفة الألقاب.
14- معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم .
15- معرفة النسب التي علي خلاف ظاهرها.
16- معرفة تواريخ الرواة.
17- معرفة من خلط من الثقات .
18- معرفة طبقات العلماء والرواة.
19- معرفة الموالي من الرواة والعلماء .
20- معرفة الثقات والضعفاء من الرواة .
21- معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.(1/308)
معرفةُ الصَّحابة (1)
- 1 -
1 - تعريفُ الصحابيِّ:
أ ) لغة: الصحابة لغة مصدر بمعنى " الصحبة " ومنه " الصحابي " و " الصاحب "
... ويجمع على أصحاب وصَحْب،وكثر استعمال " الصحابة " بمعنى "الأصحاب" .
ب) اصطلاحاً: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلماً ومات على الإسلام،ولو تخللت ذلك ردة على الأصح .
2- أهميته وفائدته:
... معرفة الصحابة علم كبير مهم عظيم الفائدة،ومن فوائده معرفة المتصل من المرسل.
3- بم تعرفُ صحبة الصحابي ؟
تعرف الصحبة بأحد أمور خمسة وهي:
أ ) التواتر: كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب،وبقية العشرة المبشرين بالجنة.
ب ) الشهرة : كضِمَام بن ثَعْلَبة،وعُكاشة بن مِحْصَن .
ج ) إخبار صحابي. (2)
د )إخبار ثقة من التابعين . (3)
هـ ) إخبارُه عن نفسه إن كان عَدْلا،وكانت دعواه مُمْكنِة (4)
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 64)والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 24) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 20)وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 330) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 103)
(2) - *كحممة بن أبي حممة الدَّوسي الَّذي مات بأصْبهان مَبْطونًا, فشهدَ له أبو مُوسى الأشْعري, أنَّه سمعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حكم له بالَّشهادة, ذكر ذلك أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» وروينا قِصَّته في «مسند» الطَّيالسي و«معجم» الطَّبراني تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 108)
(3) - *وزاد شيخ الإسْلام ابن حجر بعد هذا أن يُخبر آحاد التَّابعين بأنَّه صحابي, بناء على قَبُول التَّزكية من واحد, وهو الرَّاجح.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 108)
(4) -* وذلك كأن يدعي الصحبة قبل مائة سنة من بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، أما إذا ادعاها في زمن متأخر فلا يقبل خبره مثل " رتن الهندي" فإنه ادعى الصحبة بعد الستمائة للهجرة، وهو في الحقيقة شيخ دجال كما قال عنه الذهبي في الميزان جـ 2 - ص 451
وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 104)
[فُروعٌ: أحدها: اختلف في حدِّ الصَّحابي, فالمعروف عند المُحدِّثين أنَّه كل مسلم رأى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ] كذا قال ابن الصَّلاح , ونقله عن البُخَاري وغيره.
وأورد عليه: إن كان فاعل الرؤية الرَّائي الأعمى, كابن أمِّ مَكْتُوم ونحوه, فهو صحابي بلا خلاف, ولا رؤية له.
ومن رآه كافرًا, ثمَّ أسلم بعد موته, كرسول قَيْصر, فلا صُحبة له.
ومن رآه بعد موته - صلى الله عليه وسلم - قبل الدَّفن, وقد وقع ذلك لأبي ذؤيب خُويلد بن خالد الهذلي, فإنَّه لا صُحبة له.
وإن كان فاعلها رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل فيه جميع الأمة, فإنَّه كُشف له عنهم ليلة الإسراء وغيرها, ورآهم.
وأُوردُ عليه أيضًا: من صحبه, ثمَّ ارتدَّ, كابن خطل ونحوه, فالأوْلَى أن يُقَال: من لَقِي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مُسْلمًا ومات على إسْلامهِ.
أمَّا من ارتدَّ بعده, ثمَّ أسلم ومات مُسلمًا, فقال العِرَاقي( : في دخوله فيهم نظر, فقد نصَّ الشَّافعي وأبو حنيفة على أنَّ الردة مُحبطة للعمل.
قال: والظَّاهر أنَّها مُحْبطة للصُّحبة السَّابقة, كقُرَّة بن هبيرة, والأشْعَث بن قيس, أمَّا من رجع إلى الإسْلام في حياته, كعبد الله بن أبي سَرْح, فلا مَانعَ من دخوله في الصُّحْبة, وجزمَ شيخ الإسْلام في هذا, والَّذي قبله ببقاء اسم الصُّحبة له.
قال: وهل يُشترط لقيه في حال النُّبوة, أو أعم من ذلك حتَّى يدخل من رآه قبلها ومات على الحَنِيفية, كزيد بن عَمرو بن نُفيل, وقد عدَّه ابن منده في الصَّحابة, وكذا لو رآه قبلها, ثمَّ أدرك البعثة وأسلم ولم يره.
قال العِرَاقي: ولم أر من تعرَّض لذلك.
قال: ويدل على اعتبار الرُّؤية بعد النُّبوة ذكرهم في الصَّحابة ولده إبْرَاهيم, دون من مات قبلها كالقاسم.
قال: وهل يُشترط في الرَّائي التَّمييز, حتَّى لا يدخل من رآه وهو لا يعقل, والأطفال الذين حنَّكهُم ولم يروه بعد التَّمييز, أو لا يشترط, لم يذكروه أيضًا, إلاَّ أن العلائي قال في «المراسيل»(322) : عبد الله بن الحارث بن نوفل, حنَّكه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له, ولا صحبة له, بل ولا رؤية أيضًا, وكذا قال في عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري: حنَّكه ودعا له, وما تعرف له رؤية, بل هو تابعي.
وقال في «النُّكت» : ظاهر كلام الأئمة ابن مَعِين, وأبي زُرْعة, وأبي حاتم, وأبي داود, وغيرهم اشتراطه, فإنَّهم لم يثبتوا الصُّحْبة لأطفال حنَّكهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , أو مسح وجوههُم, أو تفلَ في أفواههم, كمُحمَّد بن حاطب, وعبد الرَّحمن بن عُثمان التَّميمي, وعُبيد الله بن مَعْمر, ونحوهم.
قال: ولا يُشْترط البُلوغ على الصَّحيح, وإلاَّ لخرجَ من أجمعَ على عدِّه في الصَّحابة, كالحسن, والحسين, وابن الزُّبير, ونحوهم.
قال: والظَّاهر اشْتراط رُؤيته في عالم الشَّهادة, فلا يُطلق اسم الصُّحبة على من رآه من الملائكة والنَّبين.
قال: وقد استشكلَ ابن الأثَير مُؤمنى الجن في الصَّحابة, دونَ من رآه من الملائكة, وهم أولى بالذِّكر من هؤلاء.
قال: وليس كما زعم, لأنَّ الجن من جُملة المُكلَّفين الَّذين شملتهم الرِّسالة والبعثة, فكان ذكر من عُرف اسمه, مِمَّن رآه حسنًا, بخلاف الملائكة.
وقال: وإذا نزل عيسى - صلى الله عليه وسلم - , وحكمَ بشرعهِ, فهل يُطلق عليه اسم الصُّحبة, لأنَّه ثبت أنَّه رآه في الأرض, الظَّاهر نعم. انتهى.
[أو قوله] هو: أنا صحابي [إذا كان عدلا] إذا أمكن ذلك, فإن ادَّعاه بعد مئة سَنَة من وفاته - صلى الله عليه وسلم - , فإنَّه لا يُقبل, وإن ثبتت عدالته قبل ذلك, لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «أرأيتكُم ليلتكُم هذه, فإنَّه على رأسِ مئة سَنَة لم يبقَ أحدٌ على ظَهْرِ الأرض» . يُريد انْخرام ذلك القَرْن, قال ذلك سَنَة وفاته - صلى الله عليه وسلم -(1/309)
4 - تعديلُ جميع الصحابة:
والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول،سواء من لابس الفتن منهم أولا،وهذا بإجماع من يعتد به،ومعنى عدالتهم : أي تجنبهم عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها،بارتكاب ما يوجب عدم قبولها،فينتج عن ذلك قبول جميع رواياتهم من غير تكليف البحث عن عدالتهم،ومن لابس الفتن منهم يحمل أمره علي الاجتهاد المأجور فيه لكل منهم تحسيناً للظن بهم . لأنهم حملة الشريعة وخير القرون . (1)
__________
(1) - * نص أهل العلم على وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأنه يحرم الطعن فيهم أو سبهم أو الانتقاص منهم .
قال أبو زرعة الرازي :[ إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق ] ولتكن ممن يقول :( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَايَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )
سورة الحشر الآية 10 ] انظر صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي ص 391-392 .
وقال الإمام أحمد :[ وخير الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له - أي الحاكم - أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلَّده في الحبس حتى يموت أو يراجع ] الصارم المسلول ص 570
وقال الإمام النووي :[ واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون . ] ثم نقل عن القاضي عياض قوله :[ وسب أحدهم - أي الصحابة - من المعاصي الكبائر ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/72-73 .
وقال الحافظ ابن حجر :[ اتفق أهل السنة على أن الجميع - أي جميع الصحابة - عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وقوله :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) وقوله :( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) وقوله :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) وقوله :( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وقوله :( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) إلى قوله :( إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله ، ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء ( وهم ) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة انتهى . والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ، وقال أبو محمد ابن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً قال الله تعالى :( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة ] الإصابة في تمييز الصحابة ص 6-7 . وفتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 337)(1/311)
5 - أكثرُهم حديثاً :
ستة من المكثرين،وهم علي التوالي:
... أ ) أبو هريرة : روي / 5374 / حديثاً،وروى عنه أكثر من ثمان مئة رجل, وهو أحفظ الصَّحَابة. (1)
... ب) ابن عمر : روي / 2630 / حديثاً .
__________
(1) - *قال الشَّافعي : أبو هُريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. أسنده البَيْهقي في «المدخل».
وكان ابن عُمر يترحَّم عليه في جنازته ويقول: كان يحفظ على المُسلمين حديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - . رواه ابن سعد.
وفي «الصَّحيح» عنه قال: قلتُ يا رَسُول الله إنِّي أسمعُ منكَ حديثًا كثيرًا أنْسَاهُ, قال: أبْسُط رِدَاءكَ, فبَسطتهُ, فغرف بيديه ثمَّ قال: «ضُمَّه» فما نسيتُ شيئًا بعد.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 110)(1/312)
... ح) أنس بن مالك: روي / 2286 / حديثاً.
... د) عائشة أم المؤمنين: روت / 2210 / أحاديث.
... ه) ابن عباس : روي / 1660 / حديثاً .
... و) جابر عبدالله : روي / 1540 / حديثاً . (1)
6 - أكثرهم فتيا :
... وأكثرهُم فُتْيا تُرْوَى ابن عبَّاس, وعن مَسْرُوق قال: انْتَهَى علمُ الصَّحَابة إلى ستَّة: عُمر, وعلي, وأُبي, وزيد, وأبي الدَّرداء, وابن مَسْعُود, ثمَّ انْتهَى علمُ السِّتة إلى علي وعبد الله.". (2)
7 - مَنْ همُ العبادلةُ ؟
المراد بالعبادلة بالأصل من اسمهم " عبد الله " من الصحابة،ويبلغ عددهم نحو ثلاثمائة صحابي،لكن المراد بهم هنا أربعة من الصحابة كل منهم اسمه عبد الله،وهم :
... أ ) عبد الله بن عمر .
... ب) عبد الله بن عباس .
__________
(1) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 111)
(2) - *وقال الشَّعبي : كان العلم يُؤخذ عن سِتَّة من أصْحَاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , وكان عُمر, وعبد الله, وزيد, يشبه علم بعضهم بعضًا, وكان يقتبس بعضهم من بعض, وكان علي والأشْعَري وأُبي يُشبه علم بعضهم بعضًا, وكان يقتبس بعضهم من بعض.
وقال ابن حزم: أكثر الصَّحَابة فتوَى مُطلقًا سبعة: عُمر, وعلي, وابن مسعود, وابن عُمر, وابن عبَّاس, وزيد بن ثابت, وعائشة.
قال: ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد من هؤلاء مُجلَّد ضخم.
قال: ويليهم عشرُون: أبو بَكْر, وعُثمان, وأبو مُوسى, ومُعَاذ, وسعد بن أبي وقَّاص, وأبو هُريرة, وأنس, وعبد الله بن عَمرو بن العَاص, وسَلْمان, وجابر, وأبو سعيد, وطلحة, والزُّبير, وعبد الرَّحمن بن عوف, وعِمْران بن حُصين, وأبو بَكْرة, وعُبَادة بن الصَّامت, ومُعَاوية, وابن الزُّبَير, وأم سلمة.
قال: ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد منهم جُزء صغير.
قال: وفي الصَّحابة نحو من مئة وعشرين نفسًا يقلون في الفتيا جدًّا, لا يُروى عن الواحد منهم إلاَّ المسألة والمسألتان والثلاث, كأُبي بن كعب, وأبي الدَّرداء, وأبي طَلْحة, والمِقْداد, وسرد البَاقين.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 112)(1/313)
... ج) عبد الله بن الزبير .
... د) عبد الله بن عمرو بن العاص .
والميزة لهؤلاء أنهم من علماء الصحابة الذين تأخرت وفاتهم حتى احتيج إلى علمهم،فكانت لهم المزية والشهرة،فإذا اجتمعوا على شيء من الفتوى قيل هذا قول العبادلة .
8 - عددُ الصحابة :
ليس هناك إحصاء دقيق لعدد الصحابة،لكنْ هناك أقوالٌ لأهل العلم يستفاد منها أنهم يزيدون على مائة ألف صحابي،وأشهر هذه الأقوال قول أبي زُرْعة الرَّازي: قُبضَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مئة ألف, وأربعة عشرَ ألفًا من الصَّحابة مِمَّن روى عنه, وسمعَ منهُ. ". (1)
9 - عددُ طبقاتهم :
اختلف في عدد طبقاتهم،فمنهم من جعلها باعتبار السبق إلى الإسلام،أو الهجرة أو شهود المشاهد الفاضلة،ومنهم من قسمهم باعتبار آخر،فكل قسمهم حسب اجتهاده.
... أ ) فقسمهم ابن سعد خمس طبقات .
... ب ) وقسمهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة. (2)
__________
(1) -* التقريب مع التدريب جـ 2 - 2201 و مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 66) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 21) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 365) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 113)
(2) - * [واختُلف في عدد طبقاتهم] باعتبار السَّبق إلى الإسلام, أو الهجرة, أو شُهود المشاهد الفاضلة, فجعلهم ابن سعد خمس طبقات [وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة]:
الأولى: قومٌ أسلموا بمكَّة, كالخلفاء الأربعة.
والثَّانية: أصْحَاب دار الندوة.
الثَّالثة: مُهَاجرة الحبشة.
السَّادسة: أوَّل المُهاجرين الَّذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخلوا المدينة.
السَّابعة: أهل بدر.
الثَّامنة: الَّذين هاجروا بين بدر والحُديبية.
التَّاسعة: أهلُ بيعة الرضوان.
العاشرة: من هاجر بين الحُديبية وفتح مَكَّة, كخالد بن الوليد, وعَمرو بن العاص.
الحادي عشرة: مُسْلمة الفتح.
الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح, وفي حجَّة الوداع وغيرها.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 114)(1/314)
10 - أفضَلُهُم :
أفضلهم على الإطلاق أبو بكر الصديق ثم عمر رضي الله عنهما بإجماع أهل السنة،ثم عثمان ثم علي،علي قول جمهور أهل السنة،ثم تمام العشرة،ثم أهل بدر،ثم أهل أحد،ثم أهل بيعة الرضوان " (1)
__________
(1) - * مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 66) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 25) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 21) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 368) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 114)
[الثَّالث: أفضلهم على الإطْلاقِ: أبو بكر, ثمَّ عمر, رضي الله عنهما بإجماع أهل السُّنة].
ومِمَّن حكى الإجماع على ذلك: أبو العبَّاس القُرطبي, قال: ولا مُبَالاة بأقوال أهل التَّشيع, ولا أهل البدع.
وكذلك حكى الشَّافعي إجماع الصَّحابة والتَّابعين على ذلك, رواه عنهُ البَيْهقي في «الاعتقاد».
وحكى المازري عن الخَطَّابية: تفضيل عُمر, وعن الشِّيعة: تفضيل علي, وعن الراوندية: تفضيل العبَّاس, وعن بعضهم الإمساك عن التفضيل.
وحكى الخَطَّابي عن بعض مشايخه أنَّه قال: أبو بكر خير, وعلي أفضل, وهذا تهافت من القول.
وحكى القاضي عياض: أنَّ ابن عبد البر وطائفة ذهبوا إلى أنَّ من مات منهم في حياته - صلى الله عليه وسلم - , أفضل مِمَّن بقي بعده لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أنَا شَهيدٌ على هؤلاء».
قال المُصنِّف: وهذا الإطلاق غير مرضي ولا مقبول.
ثمَّ عُثْمان, ثمَّ عَلي, هذا قول جمهُور أهل السُّنة, وحكى الخَطَّابي عن أهل السُّنة من الكُوفة تَقْديم علي على عُثْمان, وبه قال أبو بَكْر ابن خُزيمة, قال أبو منصُور البَغْدادي: أصحابنا مُجْمعون على أنَّ أفضلهم الخُلفاء الأرْبعة, ثمَّ تمام العَشْرة, ثمَّ أهلُ بَدْر.
[ثمَّ عُثْمان, ثمَّ علي, هذا قول جمهور أهل السُّنة] وإليه ذهب مالك, والشَّافعي, وأحمد, وسفيان الثَّوري, وكافة أهل الحديث والفِقْه, والأشعري, والباقلاني, وكثير من المتكلمين.
لقول ابن عمر: كُنَّا في زمن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحدًا, ثمَّ عُمر, ثمَّ عُثمان. رواه البُخَاري .
ورواه الطَّبراني بلفظ أصرح كما تقدَّم في نوع المرفوع.
[وحكى الخَطَّابي عن أهل السُّنة من الكُوفة تقديم علي على عُثمان, وبه قال أبو بكر بن خُزيمة].
وهو رواية عن سُفْيان الثَّوري, ولكن آخر قوليه ما سبق.
وحكي عن مالك التَّوقف بينهما, حكاه المازري عن المُدونة.
وقال القَاضي عياضٌ: رجع مالك عن التوقف إلى تفضيل عُثمان.
قال القُرْطبي: وهو الأصح إن شاء الله تعالى.
وتوقَّف أيضًا إمام الحرمين.
ثمَّ التفضيل عنده, وعند البَاقلاني, وصاحب «المفهم» ظنَِّي.
وقال الأشْعري: قطعي.
[قال أبو منصور] عبد القاهر التميمي [البغدادي: أصحابنا مُجْمعون على أنَّ أفضلهم الخُلفاء الأربعة, ثمَّ تمام العشرة] المشهود لهم بالجنَّة: سعد بن أبي وقَّاص وسعيد بن زيد بن عَمرو بن نُفيل, وطلحة بن عُبيد الله, والزُّبير بن العَوَّام, وعبد الرَّحمن بن عَوْف, وأبو عُبيدة بن الجَرَّاح.
[ثمَّ أهلُ بدر] وهم ثلاث مئة وبضعة عشر, روى ابن ماجه عن رافع بن خديج قال: جاء جبريل إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تعدون من شَهِدَ بدرًا فيكُم؟ قال: «خِيَارنَا» قال: كذلك عندنا هم خيار الملائكة.
ثمَّ أُحد, ثمَّ بَيْعة الرِّضْوَان, ومِمَّن لهم مزيةٌ أهل العَقَبتين, من الأنْصَار والسَّابقون الأوَّلُون, وهُمْ من صلَّى إلى القِبْلتين في قَوْل ابن المُسَيب وطائفة, وفي قول الشَّعبي: أهلُ بَيْعة الرِّضْوان, وفي قول مُحمَّد بن كعب وعطاء: أهلُ بَدْر.
[ثمَّ] أهل [أُحد, ثمَّ] أهل [بيعة الرِّضوان] بالحديبية, قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا يَدْخُل النَّار أحدٌ مِمَّن بايع تحتّ الشَّجرة». صحَّحه التِّرمذي .
[ومِمَّن له مزيةٌ أهل العّقَبتين من الأنصار, والسَّابقون الأوَّلون] من المهاجرين والأنصار [وهُمْ من صلَّى إلى القبلتين, في قول] سعيد [بن المُسيب وطائفة] منهم: ابن الحنيفة, وابن سيرين, وقتادة.
[وفي قول الشَّعبي: أهل بيعة الرِّضوان].
[وفي قول مُحمَّد بن كعب] القُرظي [وعطاء] بن يَسَار: [أهل بدر] روى ذلك سُنيد عنهما بسند فيه مجهول وضعيف, وسنيد ضعيف أيضًا.
ورَوَى القولين السَّابقين عمَّن ذكر عبد بن حُميد في «تفسيره» وعبد الرزَّاق, وسعيد بن منصور في «سُننه» بأسانيد صحيحة.
وروى سُنيد بسند صحيح إلى الحسن: أنَّهم من أسلم قبل الفتح.(1/315)
11 - أولهم إسلاماً (1) :
أ) من الرجال الأحرار: أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
ب ) من الصبيان: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ج ) من النساء : خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها .
د ) من الموالي: زيد بن حارثة رضي الله عنه.
هـ) من العبيد: بلال بن رباح رضي الله عنه.
__________
(1) - * تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 118)(1/316)
12 - آخرهُم موتاً (1) :
__________
(1) - * وفي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 121)فما بعد :
[وآخرهم] أي الصَّحابة [موتًا] مُطلقا [أبو الطُّفيل] عامر بن واثلة الليثي [مات سَنَة مئة] من الهجرة. قاله مسلم في «صحيحه» ورواه الحاكم في «المستدرك» عن خليفة بن خيَّاط.
وقال خليفة في غير رواية الحاكم: إنَّه تأخَّر بعد المئة.
وقيلَ: مات سَنَة اثنتين ومئة. قاله مُصعب بن عبد الله الزُّبيري.
وجزم ابن حبَّان, وابن قانع, وأبو زكريا بن منده: أنَّه مات سَنَة سبع ومئة.
وقال وهب بن جرير بن حازم , عن أبيه: كنتُ بمكَّة سَنَة عشر ومئة, فرأيتُ جنازة, فسألتُ عنها, فقالوا: هذا أبو الطُّفيل.
وصحَّح الذَّهَبي أنَّه سَنَة عشر.
وأمَّا كونه آخر الصَّحابة موتًا مُطْلقًا, فجزم به مسلم, ومصعب الزُّبيري, وابن منده, والمِزِّي في آخرين.
وفي «صحيح» مُسلم عن أبي الطُّفيل: رأيت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجُل رآهُ غيري.
قال العِرَاقي: وما حكاهُ بعض المتأخِّرين عن ابن دُريد, من أنَّ عكراش بن ذُؤيب تأخَّر بعد ذلك, وأنَّه عاشَ بعد الجمل مئة سَنَة, فهذا باطلٌ لا أصل له, والَّذي أوقع ابن دُريد في ذلك ابن قُتيبة, فقد سبقهُ إلى ذلك, وهو إمَّا باطل, أو مؤول بأنَّه استكمل المئة بعد الجمل, لا أنَّه بقي بعدها مئة سَنَة.
وأمَّا قول جَرير بن حازم: إن آخرهم موتًا سَهْل بن سعد, فالظَّاهر, أنَّه أراد بالمَدينة, وأخذه من قول سهل: لو متُّ لم تسمعُوا أحدًا يقول: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , إنَّما كان خطابه بهذا لأهل المدينة.
[وآخرهم] موتا [قبله أنس] بن مالك, مات بالبصرة سَنَة ثلاث وتسعين, وقيلَ: اثنتين, وقيلَ إحدى, وقيلَ تسعين, وهو آخر من مات بها.
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا مات بعده, مِمَّن رأى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - , إلاَّ أبا الطُّفيل.
وقال العِرَاقي: بل مات بعده محمود بن الرَّبيع بلا خلاف في سَنَة تسع وتسعين, وقد رآه - صلى الله عليه وسلم - وحدَّث عنه, كما في «صحيح» البُخَاري.
وكذا تأخَّر عنهُ عبد الله بن بُسر المَازني, في قول من قال: وفاته سَنَة ست وتسعين.
وآخر الصَّحابة موتًا بالمدينة سهل بن سعد الأنْصَاري, قاله ابن المَدِيني, والواقدي, وإبراهيم بن المُنْذر, وابن حبَّان, وابن قانع, وابن مَنْده.
وادَّعَى ابن سعد نفي الخِلاف فيه, وكانت وفاتهُ سَنَة ثَمَان وثَمَانين. وقيلَ إحدى وتسعين. وقال قَتَادة: بل مات بمصر. وقال ابن أبي داود: بالإسكندرية.
وقيلَ: السائب بن يزيد, قاله أبو بكر بن أبي داود, وكانت وفاته سَنَة ثمانين.
وقيلَ: جابر بن عبد الله, قاله قَتَادة وغيره.
قال العِرَاقي: وهو قولٌ ضعيف, لأنَّ السَّائب ماتَ بالمَدينة بلا خلاف, وقد تأخَّر بعده.
وقيلَ: ماتَ بقُباء, وقيلَ: بمكَّة, وكانت وفاته سَنَة اثنتين وسَبْعين, وقيلَ: ثلاث, وقيلَ: أرْبع, وقيلَ: سبع, وقيلَ: ثمان, وقيلَ: تِسْع.
قال العِرَاقي : وقد تأخَّر بعد الثَّلاث محمود بن الرَّبيع الَّذي عقلَ المَجَّة, وتوفَّى بها سَنَة تسع وتسعين, فهو إذَنْ آخر الصَّحابة موتًا بها.
وآخرهم بمكَّة تقدَّم أنَّه أبو الطُّفيل, وهو قول ابن المَدِيني, وابن حبَّان, وغيرهما.
وقيلَ: جابر بن عبد الله, قاله ابن أبي داود, والمشهور وفاتهُ بالمَدِينة.
وقيلَ: ابن عُمر, قالهُ قَتَادة, وأبو الشَّيْخ, وابن حبَّان, ومات سَنَة ثلاث, وقيلَ أربع وسبعين.
وآخرهم بالكُوفة عبد الله بن أبي أوفى, مات سَنَة ست وثمانين, وقيلَ: سبع, وقيلَ: ثمان.
وقال ابن المَدِيني: أبو جُحيفة.
والأوَّل أصح, فإنَّه مات سَنَة ثلاث وثمانين.
وقد اخْتُلف في وفاة عَمرو بن حُريث, فقيل: سَنَة خمس وثَمَانين, وقيلَ سَنَة ثمان وتسعين. فإن صحَّ الثَّاني, فهو آخرهم موتًا بها.
وابن أبي أوْفَى آخر من مات من أهل بيعة الرِّضْوان, رضي الله عنهم.
وآخرهم بالشَّام عبد الله بن بُسْر المَازني, قالهُ خلائق, ومات سَنَة ثمان وثمانين, وقيلَ: ست وتِسْعين, وهو آخر من مات مِمَّن صلَّى القِبْلتين.
وقيلَ: آخرهم بالشَّام أبو أُمَامة البَاهلي. قاله الحسن البصري, وابن عُيينة, والصَّحيح الأوَّل, فوفاته سَنَة ست وثمانين. وقيلَ: إحدى وثمانين.
وحكى الخليلي في «الإرشاد» القولين بلا ترجيح, ثمَّ قال: وروى بعض أهل الشَّام أنَّه أدرك رَجُلاً بعدهما يُقال له الهدار, رأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - , وهو مجهول.
وقيلَ: آخرهم بالشَّام: واثلة بن الأسْقَع, قالهُ أبو زَكَريا بن مَنْده, وموتهُ بدمشق, وقيلَ: ببيت المَقْدس, وقيلَ: بحمص سَنَة خمس وثمانين, وقيلَ: ثلاث, وقيلَ: ست, وآخرهم بحمص عبد الله بن بُسْر.
وآخرهم بالجزيرة العُرْس بن عَميرة الكندي.
وآخرهم بفلسطين: أبو أُبي عبد الله بن حرام, ربيب عُبَادة بن الصَّامت.
وقيلَ: مات بدمشق, وقيلَ: ببيت المَقْدس.
وآخرهم بمصر: عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي, مات سَنَة ست وثمانين.
وقيلَ: خمس, وقيلَ: سبع, وقيلَ: ثَمَان, وقيلَ: تسع, قاله الطَّحاوي, وكانت وفاته بسفط القدور, وتعرف الآن بسفط أبي تراب.
وقيلَ: باليمامة, وقيلَ: إنَّه شهد بدرًا - ولا يصح - فعلى هذا هو آخر البدريين موتًا.
وآخرهم باليَمَامة: الهِرْماس بن زِيَاد البَاهلي سَنَة اثنتين ومئة, أو مئة, أو بعدها.
وآخرهم ببرقة: رُويفع بن ثابت الأنْصَاري, وقيلَ: بأفريقية, وقيلَ: بأنطابلس, وقيلَ: بالشَّام, ومات سَنَة ثلاث وستين, وقيلَ: سَنَة ست وستين.
وآخرهم بالبَادية: سلمة بن الأكوع, قالهُ أبو زكريا بن مَنْده, والصَّحيح أنَّه مات بالمدينة, ومات سَنَة أرْبع وسبعين, وقيلَ: أربع وستين, وهذا آخر ما ذكرهُ ابن الصَّلاح.
وآخرهُم بخُراسان: بُريدة بن الحَصِيب.
وآخرهُم بسجستان: العَدَاء بن خالد بن هَوْذة, ذكرهما أبو زكريا بن مَنْده.
قال العِرَاقي: وفي بُريدة نظر, فإنَّ وفاته سَنَة ثلاث وسبعين, وقد تأخَّر بعده أبو بَرْزة الأسْلمي, ومات بها سَنَة أربع وسبعين.
وآخرهم بالطَّائف: ابن عبَّاس.
وآخرهُم بأصبهان: النَّابغة الجَعْدي, قاله أبو الشَّيْخ, وأبو نُعيم.
وآخرهم بسمرقند: قُثَم بن العبَّاس.(1/317)
أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي،مات سنة مائة بمكة المكرمة،وقيل أكثر من ذلك،ثم آخرهم موتاً قبله أنس بن مالك توفي سنة ثلاث وتسعين بالبصرة .
13 - أشهر المصنفات فيه :
... أ ) الإصابة في تمييز الصحابة،لابن حجر العسقلاني (1) .
... ب) أسد الغابة في معرفة الصحابة،لعلي بن محمد الجزري المشهور بابن الأثير.
... ح ) الاستيعاب في أسماء الأصحاب،لابن عبد البر .
==================
معرفة التابعين (2)
__________
(1) - *وهو أشمل وأوسع كتاب في تمييز الصحابة عن غيرهم ، وقد قسمه لأربع طبقات :
الأولى : فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه ، أو عن غيره سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان ، وقد زاد فيها كل من وقف على صحبته ، ورمز لها في نهاية الترجمة بـ (ز) .
والثانية : ذكر فيها صغار الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات قبل بلوغهم سن التمييز أو التحمل .
الثالثة : المخضرمون الذين أسلموا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لم يروه .
الرابعة : فيمن ذكر في الكتب السابقة على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك الغلط ، ولم يسبق لهذا القسم .
وذكر أثناء التراجم بعضاً من الأحاديث للراوي وقد تبلغ ألفي حديث فبعضها بين درجته ، وبعضها ذكره دون سند وسكت عليه فهذا إما صحيح أو حسن ، وأخرى ذكر سندها وسكت عليها في كثير من الأحيان فهذه أحاديث غالبها معلّ وبعضها مقبول . والكتاب له طبعات متعددة وهو بحاجة لتحقيق وتخريج لكامل أحاديثه .
(2) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 67) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 26) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 21) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 395) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 126) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 44)(1/319)
- 2 -
1 - تعريفُ التابعي:
أ) لغة: التابعون جمع تابعي أو تابع،والتابع اسم فاعل من "تبعه" بمعنى مشَى خلفه.
ب) اصطلاحاً: هو من لقي صحابيا مسلما ومات على الإسلام،وقيل هو من صحب الصحابي.
2 - من فوائده :
تمييز المرسل من المتصل .
3 - طبقات التابعين (1) :
__________
(1) - * و[قال الحاكم: هم خمس عشرة طبقة]:
[الأولى: من أدرك العشرة] منهم: [قيس بن أبي حازم, و] سعيد [بن المُسيب, وغيرهما] قال: كأبي عُثمان النَّهدي, وقيس بن عباد, وأبي ساسان حُضَين بن المُنذر, وأبي وائل, وأبي رجاء العُطَاردي.
[وغلط في ابن المُسيب, فإنَّه وُلد في خِلافة عُمر] فلم يسمع من أبي بكر, ولا من عُمر على الصَّحيح [ولم يَسْمع] أيضًا [أكثر العشرة] قاله ابن الصَّلاح.
[وقيلَ: لم يصح سماعه من] أحد منهم [غير سعد].
قال العِرَاقي : كأنَّ ابن الصَّلاح أخذ هذا من قول قَتَادة الَّذي رواه مُسلم في مُقدمة «صحيحه» من رِوَاية همَّام قال: دخلَ أبو داود الأعمى على قَتَادة, فلمَّا قام قالوا: إنَّ هذا يزعم أنَّه لقي ثمانية عشر بَدْريا, فقال قَتَادة: هذا كان سائلا قبل الجَارف, لا يعرض في شيء من هذا ولا يتكلم فيه, فوالله ما حدَّثنا الحسن عن بَدْري مُشَافهة, ولا حدَّثنا سعيد بن المُسيب عن بدري مُشافهة, إلاَّ عن سعد بن مالك.
نعم أثبتَ أحمد بن حنبل سماعهُ من عُمر.
وقال ابن مَعِين : رأى عُمر وكان صغيرًا.
وقال أبو حاتم : رآه على المِنْبر, ينعى النُّعْمان بن مُقرِّن.
قال العِرَاقي : وأمَّا سماعه من عُثمان وعلي, فإنَّه مُمكن غير مُمتنع, لكن لم أر في الصَّحيح التصريح بسماعه منهما.
نعم في «مسند» أحمد من رواية مُوسى بن وردان, سمعتُ سعيد بن المُسيب يقول: سمعتُ عُثمان يقول وهو يخطب على المِنْبر: كنتُ أبتاع التَّمر من بَطْن الوادي من اليَهُود, فبلغ ذلك رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إذَا اشْتَريتَ فاكْتَلْ ...» الحديث.
وهو عند ابن ماجه بلفظ: عن, دُون التَّصريح بالسَّماع.
وفي «المُسند» أيضًا بسند جيِّد قال: حدَّثنا الوليد بن مُسلم, حدَّثني شُعيب أبو شيبة, سمعتُ عَطَاء الخُرَاساني يقول: سمعتُ سعيد بن المُسيب يقول: رأيتُ عُثمان قاعدًا في المَقَاعد, فدعا بطعام ما مسَّته النَّار, فأكله ثمَّ قام إلى الصَّلاة ... الحديث.
فثبت سماعه من عُثْمان, والله أعلم.
[وأمَّا قَيْس فسمعهم, ورَوَى عنهم, ولم يُشَاركه في هذا أحد, وقيلَ: لم يسمع عبد الرَّحمن] بن عوف, قاله أبو داود .
ويَليهم الَّذين ولدُوا في حَيَاةِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من أولاد الصَّحَابة.
[ويليهم] أي: الطبقة الأولى [الَّذين ولدوا في حياة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من أولاد الصَّحابة] كعبد الله بن أبي طلحة, وأبي أُمَامة سعد بن سهل بن حُنيف, وأبي إدريس الخَوْلاني, هكذا قاله ابن الصَّلاح .
وقال البَلْقِيني : هذا كلام لا يَسْتقيم, لا معنى, ولا نقلاً.
أمَّا المعنى, فكيف يُجعل من ولد في حياة رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يلي من ولدَ بعدهُ, والصَّواب أن يُجعل هذا مُقدمًا, وتلك الطبقة تليه.
وأمَّا النقل فلم يذكر الحاكم ذلك, ولكنَّه عدَّ المُخَضْرمين, ثمَّ قال: ومن التَّابعين بعد المُخضرمين طبقة ولدُوا في زمانه - صلى الله عليه وسلم - , ولم يسمعوا منه, فذكر أبا أُمامة, ومحمَّد بن أبي بكر الصِّديق ونحوهما, ولم يذكر عبد الله بن أبي طلحة, ولا أبا إدريس.
ثمَّ إنَّ الحاكم بعد ذكر الطَّبقة الأولى قال: والطبقة الثانية: الأسود بن يزيد, وعلقمة بن قيس, ومسروق, وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن, وخارجة بن زيد, وغيرهم.
والطَّبقة الثَّالثة: الشَّعبي, وشُريح بن الحارث, وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة, وأقرانهم, ثمَّ قال: وهُمْ خمس عشرة طبقة, آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البَصْرة, وعبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة, والسَّائب بن يزيد من أهل المدينة, وعبد الله بن الحارث بن جَزْء من أهل الحِجَاز, وأبا أُمامة البَاهلي من أهل الشَّام. انتهى.
فلم يعد من الطَّبقات سوى الثلاثة الأولى والأخيرة.
انظر : الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 26) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 127)(1/320)
اختلف في عدد طبقاتهم،فقسمهم العلماء كل حسب وجهته .
أ) فجعلهم مسلم ثلاث طبقات.
ب) وجعلهم ابن سعد أربع طبقات .
ج) وجعلهم الحاكم خمس عشرة طبقة،الأولى منها من أدرك العشرة من الصحابة.(1/321)
4- المخضرمون (1) :
واحدهم "مخضرم " والمخضرم: هو الذي أدرك الجاهلية وزمن النبي صلى الله عليه وأسلم ولم يره. والمخضرمون من التابعين على الصحيح .
وعدد المخضرمين نحو عشرين شخصاً،كما عدهم الإمام مسلم،والصحيح أنهم أكثر من ذلك،ومنهم أبو عثمان النهدي،والأسود بن يزيد النخعي. (2)
__________
(1) - *الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 26) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 198) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 129) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 32)
(2) - * [ومن التَّابعين المُخضرمون, واحدهم مخضرَم - بفتح الراء - وهو الَّذي أدركَ الجاهلية وزمن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم ولم يره] ولا صُحبة له.
هذا مُصطلح أهل الحديث فيه, لأنَّه مُتردد بين طبقتين لا يُدرى من أيهما هو, من قولهم: لحم مُخضرم لا يُدرى من ذكر هو أو أُنثى, كما في «المُحكم» و«الصِّحَاح» .
وطعامٌ مُخضرم, ليس بحلو ولا مُر, حكاه ابن الأعرابي.
وقيلَ: من الخضرمة, بمعنى القطع, من خَضْرموا آذان الإبل, قطعوها, لأنَّه اقتطع عن الصَّحابة, وإن عاصر لعدم الرؤية.
أو من قولهم: رجلٌ مُخضرم ناقص الحسب, وقيلَ: ليس بكريم النَّسب, وقيلَ: دعيٌّ, وقيلَ: لا يُعرف أبَوَاه, وقيلَ: ولدتهُ السَّراري, لكونه ناقص الرُّتبة عن الصَّحَابة, لعدم الرؤية مع إمكانه.
وسواء أدركَ في الجَاهلية نصف عُمره أم لا, والمُراد بإدراكها, قال المُصنِّف في «شرح مسلم» : ما قبل البعثة.
قال العِرَاقي : وفيه نظر.
والظَّاهر إدراك قومه, أو غيرهم على الكُفر قبل فتح مَكَّة, فإنَّ العرب بعدهُ بادروا إلى الإسْلام, وزال أمر الجَاهلية, وخَطَب - صلى الله عليه وسلم - في الفتح بإبطال أمرها.
وقد ذكر مسلم في المُخَضرمين: بشير بن عَمرو, وإنَّما ولد بعد الهجرة.
أمَّا المُخضرم في اصطلاح أهل اللغة, فهو الَّذي عاش نصف عُمره في الجاهلية, ونصفه في الإسْلام, سواء أدرك الصَّحَابة أم لا.
فبين الاصْطلاحين عمومٌ وخُصُوص من وجه, فحكيم بن حِزَام مُخضرم باصطلاح أهل اللغة, لا الحديث.
وبشر بن عَمرو مُخَضرم باصْطلاح أهل الحديث لا اللُّغة.
وحكى بعض أهل اللغة: مُخضرِم, بالكسر.
وحكى ابن خلكان: مُحَضرِم, بالحاء المُهملة والكسر أيضًا.
وحكى العَسْكري في «الأوائل» أنَّ المُخضرم من المَعَاني الَّتي حدثت في الإسلام, وسُميت بأسماء كانت في الجاهلية لمعان آخر, ثمَّ ذكر أنَّ أصله من خضرمت الغُلام, إذا ختنته, والأذن إذا قُطعت طرفها, فكأنَّ زمان الجَاهلية قطع عليه, أو من الإبل المُخضرمة, وهي الَّتي نتجت من العِرَاب واليَمَانية.قال: وهذا أعجب القولين إليَّ.
[وعدَّهم مُسلم] بن الحجَّاج, فبلغ بهم [عشرين نفسًا] وهم:
أبو عَمرو سعد بن إياس الشَّيباني, وسُويد بن غَفَلة, وشُريح بن هانىء, ويُسَير بن عَمرو بن جابر, وعَمرو بن ميمون الأودي, والأسود بن يزيد النَّخعي, والأسْود بن هلال المُحَاربي, والمَعْرُور بن سُويد, وعبد خير بن يزيد الخيواني, وشُبيل بن عوف الأحْمسي, ومَسْعود بن حِرَاش, أخو ربعي, ومالك بن عُمير, وأبو عُثمان النَّهدي, وأبو رجاء العُطَاردي, وغُنيم بن قيس, وأبو رافع الصَّائغ, وأبو الحلال العتكي, واسمه ربيعة بن زُرَارة, وخالد بن عُمير العدوي, وثُمامة بن حزن القُشَيري, وجُبير بن نُفير الحَضْرمي.
[وهم أكثر] من ذلك [ومِمَّن لم يذكره] مُسلم:
[أبو مُسلم] عبد الله بن ثُوَب, بوزن عُمر [الخولاني, والأحنف] واسمه الضحَّاك بن قيس, وعبد الله بن عُكيم, وعَمرو بن عبد الله بن الأصم, وأبو أُمية الشَّعباني, وأسلم مولى عُمر, وأُويس القُرَني, وأوسط البَجَلي, وجُبير بن الحُويرث, وجابر اليَمَاني, وشُريح بن الحارث القَاضي, وأبو وائل شقيق بن سَلَمة, وعبد الرَّحمن بن عُسَيلة, الصُّنَابحي, وعبد الرَّحمن بن غَنْم, وعبد الرَّحمن بن يَرْبوع, وعَبيدة بن عَمرُو السَّلماني, وعلقمة بن قيس, وقيس بن أبي حازم, وكعب الأحْبَار, ومُرَّة بن شُرَاحيل, ومسروق بن الأجدع, وأبو صالح الأنماري, قيل: وأبو عُتبة الخَوْلاني. هذا ما ذكرهُ العِرَاقي.
ومنهم من لم يذكره: الأحنف بن قَيْس الأسَدي, والأجْدَع بن مالك الهمداني والد مسروق, وأبو رهم أحزاب بن أسيد السَّمعي, وأرطاة بن سُهية, وهي أُمه, وأبوه زفر بن عبد الله الغَطَفاني المُزني, وأرطاة المُزني, جد عبد الله بن عوف, وأرطاة بن كعب الفَزَاري, في خلائق آخرين ذكرهم شيخ الإسلام ابن حجر في كتاب «الإصابة» ...تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 129)(1/322)
5- الفقهاء السبعة (1) :
__________
(1) - * [ومن أكابر التَّابعين: الفُقَهاء السبعة] من أهل المدينة: سعيد [بن المُسيب, والقاسم بن مُحمَّد] بن أبي بكر الصِّديق [وعُروة] بن الزُّبير [وخارجة بن زيد] بن ثابت [وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن ] بن عَوْف [وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة] بن مسعود [وسُليمان بن يَسَار] الهلالي أبو أيُّوب, هكذا عدَّهم أكثر علماء أهل الحجاز.
[وجعل ابن المُبَارك سالم بن عبد الله] بن عمر [بدل أبي سلمة, وجعل أبو الزِّناد بدلهما] أي: سالم وأبي سلمة [أبا بكر بن عبد الرَّحمن].
وعدَّهم ابن المَدِيني اثني عشر: ابن المُسيب, وأبو سلمة, والقاسم, وخارجة, وأخوه إسماعيل, وسالم, وحمزة, وزيد, وعُبيد الله, وبلال, بَنُو عبد الله بن عُمر, وأبان بن عُثمان, وقَبِيصة بن ذُؤيب.
وعن أحمد بن حنبل قال: أفْضلُ التَّابعين ابن المُسيب, قيل: فعلقمة والأسْود؟ فقال: هُو وهُمَا. وعنه: لا أعلمُ فيهم مثلَ أبي عُثمان النَّهْدي وقَيْس. وعنه: أفْضَلهُم قَيْس, وأبو عُثْمان, وعَلْقمة, ومَسْروق, وقال أبو عبد الله بن خفيف: أهلُ المَدينة يَقُولون: أفضلُ التَّابعين ابن المُسيب, وأهلُ الكُوفة: أُوَيسٌ, والبَصْرة: الحسن.
[وعن أحمد بن حنبل قال: أفضل التَّابعين] سعيد [بن المُسيب, قيل] له: [فعلقمة والأسود؟ قال: هو وهما].
[وعنه] أيضًا: [لا أعلم فيهم] أي التَّابعين [مثل أبي عُثمان النَّهدي, وقيس] بن أبي حازم.
[وعنه] أيضًا: [أفضلهم قيس, وأبو عُثمان النَّهدي, وعلقمة, ومسروق] هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التَّابعين.
[وقال أبو عبد الله] مُحمَّد [بن خفيف] الشِّيرازي : [أهل المدينة يقولون: أفضل التَّابعين ابن المُسيب, وأهل الكُوفة] يقولون: [أُويس] القُرَني [و] أهل [البَصْرة] يقولون: [الحسن] البصري. واستحسنهُ ابن الصَّلاح .
وقال العِرَاقي : الصَّحيح, بل الصواب ما ذهب إليه أهل الكُوفة, لما روى مُسْلم في «صحيحه» عن عُمر بن الخَطَّاب قال: سمعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ خير التَّابعين رَجُل يُقَال له: أُويس ... الحديث. قال: فهذا قاطعٌ للنِّزاع.
قال: وأمَّا تفضيل أحمد لابن المُسيب وغيره, فلعله لم يبلغه الحديث, أو لم يصح عندهُ, أو أراد بالأفضلية في العلم, لا الخيرية.
وقال البَلْقِيني : الأحسن أن يُقال: الأفضل من حيث الزُّهْد والورع: أُويس, ومن حيث حفظ الخبر والأثر: سعيد.
وقال أحمد: ليس أحد أكثر فتوى في التَّابعين من الحسن, وعطاء, كان عطاء مفتي مَكَّة, والحسن مُفتي البَصْرة.
وقال ابنُ أبي دَاود: سَيِّدتا التَّابعيات: حَفْصةُ بنت سِيرين, وعَمْرة بنت عبد الرَّحمن, وتَلِيهُمَا أُم الدَّردَاء, وقد عدَّ قومٌ طَبَقةً في التَّابعين, ولم يلقُوا الصَّحَابة, وطَبَقةً وهُم صَحَابةٌ, فليُتفطَّن لذلك.
[وقال] أبو بكر [بن أبي داود: سيدتا التابعيات: حفصة بنت سيرين, وعَمرة بنت عبد الرَّحمن, وتليهما أم الدَّرداء] الصُّغْرى هجيمة, ويقال: عجيمة, وليست كهما.
وقال إياس بن مُعاوية : ما أدركتُ أحدًا أُفضِّله على حفصة, يعني بنت سيرين, فقيل له: الحسن وابن سيرين؟ فقال: أمَّا أنا فما أُفضِّل عليهما أحدًا.
[وقد عدَّ قومٌ طبقةً في التَّابعين ولم يلقُوا الصَّحابة] فهم من أتباع التَّابعين, كإبراهيم بن سُويد النَّخعي, لم يُدرك أحدًا من الصَّحابة, وليس بإبراهيم بن يزيد النَّخعي الفقيه.
مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 67) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 26) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 22) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 396و404) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 132)(1/323)
ومن أكابر التابعين الفقهاء السبعة،وهم كبار علماء التابعين،وكلهم من أهل المدينة وهم:
" سعيد بن المسيب ـ والقاسم بن محمد ـ وعروة بن الزبير ـ وخارجة بن زيد ـ وأبو سلمة بن عبد الرحمن ـ وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ـ وسليمان بن يسار " (1)
6- أفضل التابعين:
هناك أقوال للعلماء في أفضلهم،والمشهور أن أفضلهم سعيد بن المسيب،وقال أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي :
__________
(1) -جعل ابن المبارك"سالم بن عبدالله بن عمر" بدل " أبي سلمة" وجعل أبو الزناد بدلهما أي بدل " سالم وأبي سلمة" " أبا بكر بن عبد الرحمن".(1/324)
أ) أهل المدينة يقولون : أفضل التابعين سعيد بن المسيب .
ب) وأهل الكوفة يقولون : أويس القرني .
ج) وأهل البصرة يقولون : الحسن البصري .
7- أفضل التابعيات :
قال أبو بكر بن أبي داود : " سيدتا التابعيات حفصة بنت سيرين،وعَمْرَة بنت عبد الرحمن،وتليهما أم الدرداء. (1)
8- أشهر المصنفات فيه :
كتاب " معرفة التابعين " لأبي المطرف بن فطيس الأندلسي. (2)
==================
معرفةُ الأخوةِ والأخواتِ (3)
- 3 -
- توطئة:
هذا العلم هو إحدى معارف أهل الحديث التي اعتنوا بها وأفردوها بالتصنيف،وهو معرفة الأخوة والأخوات من الرواة في كل طبقة،وإفراد هذا النوع بالبحث والتصنيف يدل على مدي اهتمام علماء الحديث بالرواة،ومعرفة أنسابهم وإخوتهم،وغير ذلك،كما سيأتي من الأنواع بعده .
- من فوائده :
من فوائده ألا يظن من ليس بأخ أخاً عند الاشتراك في اسم الأب.
__________
(1) - أم الدرداء هذه هي أم الدرداء الصغرى، واسمها هجيمة ويقال جهيمة، وهي زوجة أبي الدرداء، وأم الدرداء الكبرى هي زوجة أبي الدرداء أيضاً واسمها خيرة، ولكنها صحابية
(2) - انظر الرسالة المستطرفة ص 105.3
(3) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 68) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 27) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 139)(1/325)
مثل : " عبد الله بن دينار " و " عمرو بن دينار " فالذي لا يدري يظن أنهما أخوان مع أنهما ليسا بأخوين،وإن كان اسم أبيهما واحداً .
3- أمثلة:
أ) مثال للاثنين : في الصحابة،عمر وزيد ابنا الخطاب .
ب) مثال للثلاثة : في الصحابة،علي وجعفر وعقيل بنو أبي طالب .
ج ) مثال للأربعة : في أتباع التابعين،سهيل وعبد الله ومحمد وصالح بنو أبي صالح
د ) مثال للخمسة : في أتباع التابعين،سفيان وآدم وعمران ومحمد وإبراهيم بنو عيينة.
هـ ) مثال الستة : في التابعين،محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة بنو سيرين .
و ) مثال السبعة : في الصحابة،النعمان ومعقل وعقيل وسريد وسنان وعبد الرحمن وعبد الله بنو مقرن .
وهؤلاء السبعة كلهم صحابة مهاجرون لم يشاركهم في هذه المكرمة أحد (1) ،وقيل إنهم حضروا غزوة الخندق كلهم .
4- أشهر المصنفات فيه :
أ ) كتاب الأخوة لأبي المطرف بن فطيس الأندلسي .
ب ) كتاب الأخوة لأبي العباس السراج . (2)
=================
المُتَّفِقُ المفترقُ (3)
ـ 4 ـ
1- تعريفه:
__________
(1) - أي لم يوجد سبعة أخوة من الصحابة كلهم مهاجرون إلا هؤلاء الأخوة السبعة
(2) -* السراج نسبة لعمل السروج، وكان من أجداده من يعملها، وهو أبو العباس محمد بن إسحق بن إبراهيم الثقفي مولاهم، محدث عصره بنيسابور، وروى عنه الشيخان، وتوفى سنة 313هـ.
(3) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 81) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 8)(1/326)
أ) لغة : المُتفق اسم فاعل من (( الاتفاق )) المُفترق اسم فاعل من " الافتراق " ضد الاتفاق.
ب) اصطلاحاً : أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا خطا ولفظاً،وتختلف أشخاصهم،ومن ذلك أن تتفق أسماؤهم وكناهم،أو أسماؤهم ونسبتهم،ونحو ذلك (1)
2- أمثلة:
أ) الخليل بن أحمد : ستة أشخاص اشتركوا في هذا الاسم،أولهم شيخ سيبويه .
ب) أحمد بن جعفر بن حمدان : أربعة أشخاص في عصر واحد .
ج) عمر بن الخطاب: ستة أشخاص.
3- أهميته وفائدته:
ومعرفة هذا النوع مهم جداً،فقد زلق بسبب الجهل به غير واحد من أكابر العلماء . ومن فوائده :
عدم ظن المشتركين في الاسم واحداً،مع أنهم جماعة . وهو عكس " المُهمل " الذي يُخشى منه أن يُظن الواحد اثنين (2)
التمييز بين المشتركين في الاسم،فربما يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً،فيضعف ما هو صحيح أو بالعكس.
متى يَحْسُنُ إيرادهُ ؟
ويحسن إيراد المثال فيما إذا اشترك الراويان أو الرواة في الاسم،وكانوا في عصر واحد،واشتركوا في بعض الشيوخ أو الرواة عنهم،أما إذا كانوا في عصور متباعدة فلا إشكال في أسمائهم .
أشهر المصنفات فيه :
كتاب " المُتَّفِق والمُفْترق " للخطيب البغدادي،وهو كتاب حافل نفيس(1)
__________
(1) - وأما الاتفاق في الاسم فقط ، فالإشكال فيه قليل نادر ، والتعريف إنما يكون على الغالب الذي هو مثال الاشكال ، ويذكر ذلك في المطولات ، وهو إلى نوع المهمل أقرب .
(2) - انظر شرح النخبة ص 68 .(1/327)
كتاب " الأنساب المتفِقة " للحافظ محمد بن طاهر المتوفى سنة 507هـ وهو لنوع خاص من المتفق.
====================
المُؤْتَلفُ والمُخْتَلفُ
ـ 5 ـ
1- تعريفه:
أ) لغة : المُؤتلف اسم فاعل من " الائتلاف " بمعنى " الاجتماع والتلاقي " وهو ضد النُفْرة. والمُخْتَلِف اسم فاعل من " الاختلاف " ضد الاتفاق.
ب) اصطلاحاً : أن تتفق الأسماء أو الألقاب أو الكُنى أو الأنساب خطاً،وتختلف لفظاً (1)
2- أمثلته :
أ) " سَلام " و " سَلاَّم " الأول بتخفيف اللام،والثاني بتشديد اللام.
ب) " مِسْوَر " و " مُسَوَّر " الأول بكسر الميم وسكون السين وتخفيف الواو . والثاني بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو .
ج) " البَرَّاز " و " البَرَّاز " الأول آخره زاي،والثاني آخره راء .
د) " الثَّوْري " و " التَّوَّزِي " الأول بالثاء والراء،والثاني بالتاء والزاي .
3- هل له ضابطٌ ؟
أ ) أكثره لا ضابط له،لكثرة انتشاره،وإنما يُضبط بالحفظ كل اسم بمفرده.
ب) ومنه ما له ضابط،وهو قسمان:
__________
(1) - يوجد منه نسخة مخطوطة غير كاملة في استانبول ـ مكتبة أسعد أفندي رقم / 2097/ في / 239/ ورقة وهي من أول الجزء العاشر إلى آخر الجزء الثامن عشر وهو آخر الكتاب ، ويوجد قسم منه عند الشيخ عبد الله بن حميد من أول الجزء الثالث إلى نهاية الجزء التاسع .(1/328)
1- ما له ضابط بالنسبة لكتاب خاص أو كتب خاصة،مثل أن نقول : إن كل ما وقع في الصحيحين والموطأ " يَسَار " فهو بالمثناة ثم المهملة إلا محمد بن " بشار " فهو بالموحدة ثم المعجمة .
2- ما له ضابط على العموم: أي لا بالنسبة لكتاب أو كتب خاصة. مثل أن نقول "سلام " كله مشدد اللام إلا خمسة،ثم نذكر تلك الخمسة .
4- أهميته وفائدته :
معرفة هذا النوع من مهمات علم الرجال،حتى قال علي بن المديني " أشد التصحيف ما يقع في الأسماء " لأنه شيء لا يدخله القياس،ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده
وفائدته تكمن في تجنب الخطأ وعدم الوقوع فيه .
5- أشهر المصنفات فيه :
المُؤْتلف والمُخْتلف " لعبد الغني بن سعيد.
" الإكْمَال " لابن ماكُولا،وذيله،لأبي بكر بن نُقطة .
=================
المُتَشَابِهُ (1)
- 6 -
1- تعريفه:
أ) لغة: اسم فاعل من " التشابه" بمعنى " التماثل" ويراد بالمتشابه هنا " الملتبس" ومنه " المتشابه" من القرآن أي الذي يلتبس معناه.
ب) اصطلاحاً: أن تتفق أسماء الرواة لفظاً وخطاً،وتختلف أسماء الآباء لفظاً لا خطاً،أو بالعكس. (2)
2- أمثلته:
__________
(1) - وهو يتركب من النوعين قبله ، أي من نوعي " المتفق والمفترق " و " المؤتلف والمختلف. وانظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 212)
(2) - كأن تختلف أسماء الرواة نطقاً، وتتفق أسماء الآباء خطاً ونطقاً.(1/329)
أ) "محمد بن عُقيل" بضم العين و" محمد بن عَقيل" بفتح العين،اتفقت أسماء الرواة،واختلفت أسماء الأبناء.
ب) " شريح بن النعمان" و " سريح بن النعمان" اختلفت أسماء الرواة،واتفقت أسماء الآباء.
3- فائدته:
وتكمن فائدته في ضبط أسماء الرواة،وعدم الالتباس في النطق بها،وعدم الوقوع في التصحيف والوهم.
4- أنواع أخرى من المتشابه:
هناك أنواع أخرى من المتشابه،أذكر أهمها فمنها:
أ) أن يحصل الاتفاق في الاسم واسم الأب إلا في حرف أو حرفين مثل.
" محمد بن حُنَين" و " محمد بن جُبَيْر".
ب) أو يحصل الاتفاق في الاسم واسم الأب خطاً ولفظاً،لكن يحصل الاختلاف في التقديم والتأخير.
1- إما في الاسمين جملة مثل : " الأسود بن يزيد" و " يزيد بن الأسود" (1)
2- أو في بعض الحروف مثل:" أيوب بن يسار" و " أيوب بن سيار".
5- أشهر المصنفات فيه:
أ) "تلخيص المتشابه في الرَّسم،وحماية ما أَشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم " للخطيب البغدادي .
ب) " تالي التلخيص " للخطيب أيضاًَ،وهو عبارة عن تتمة أو ذيل للكتاب السابق،وهما كتابان نفيسان لم يُصنف مثلهما في هذا الباب (2)
================
__________
(1) - وهذا النوع يسميه بعضهم " المشتبه المقلوب" وهو مما يقع فيه الاشتباه في الذهن لا في الخط وربما انقلب اسمه على بعض الرواة، وقد صنف الخطيب في هذا النوع كتاباً سماه " رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب
(2) - توجد منهما نسختان كاملتان في دار الكتب المصرية وعندي صورة عنهما(1/330)
المُهْمَلُ
ـ 7 ـ
1- تعريفُه:
أ) لغة: اسم مفعول من " الإهمال " بمعنى " الترك " كأن الراوي ترك الاسم بدون ذكر ما يميزه عن غيره.
ب) اصطلاحاً: أن يروي الراوي عن شخصين متفقين في الاسم فقط أو مع اسم الأب أو نحو ذلك،ولم يتميزا بما يَخُص كل واحد منهما.
2- متى يَضُرُّ الإهمال ؟
إن كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً،لأنه لا ندرى مَنِ الشخص المروي عنه هنا،فربما كان الضعيف منهما،فيضعف الحديث.
أما إذا كانا ثقتين،فلا يضر الإهمال بصحة الحديث،لأن أياً منهما كان المروي عنه فالحديث صحيح .
3- مثاله:
أ) إذا كانا ثقتين : ما وقع للبخاري من روايته عن " أحمد" ـ غير منسوب ـ عن ابن وهب فإنه إما أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى،وكلاهما ثقة (1) .
ب) إذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً : " سليمان بن داود " و " سليمان بن داود " فإن كان "الخولاني " فهو ثقة . وإن كان " اليمامي " فهو ضعيف .
4- الفرق بينه وبين المُبهم :
__________
(1) - *كما في صحيح البخارى برقم (2906و2907) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنِى أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِى وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « دَعْهُمَا » . فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا قَالَتْ وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ ، فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِمَّا قَالَ « تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ » . فَقَالَتْ نَعَمْ . فَأَقَامَنِى وَرَاءَهُ خَدِّى عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ « دُونَكُمْ بَنِى أَرْفِدَةَ » . حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ « حَسْبُكِ » . قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ « فَاذْهَبِى » . قَالَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، فَلَمَّا غَفَلَ .(1/331)
والفرق بينهما أن المُهْمل ذُكر اسمه والْتَبَسَ تعيينه،والمُبْهم لم يُذكر اسمه.
5- أشهر المصنفات فيه :
كتاب " المُكمل في بيان المُهْمل " للخطيب.
=================
معرفةُ المُبهمات (1)
ـ 8 ـ
1- تعريفه:
أ) لغة: المُبَهمات جمع " مُبْهَم " وهو اسم مفعول من " الإبْهام " ضد الإيضاح.
ب) اصطلاحاً: هو من أُبْهم اسمه في المتن أو الإسناد من الرواة أو ممن له علاقة بالرواية.
2- من فوائد بحثه :
أ) إن كان الإبهام في السند: معرفة الراوي إن كان ثقة أو ضعيفاً للحكم على الحديث بالصحة أو الضعف.
ب) وإن كان في المتن: فله فوائد كثيرة أبرزها معرفة صاحب القصة أو السائل حتى إذا كان في الحديث منقبة له عرفنا فضله،وان كان عكس ذلك،فيحصل بمعرفته السلامة من الظن بغيره من أفاضل الصحابة.
3- كيف يُعْرَف المُبهم ؟
يعرف بأحد أمرين :
بوروده مُسَمَّى في بعض الروايات الأخرى .
بتنصيص أهل السير على كثير منه .
4- أقسامه:
يقسم المُبْهم بحسب شدة الإبهام أو عدم شدته إلى أربعة أقسام،وأبدأ بأشدها إبهاماً
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 84) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 34)(1/332)
رجل أو امرأة: كحديث ابن عباس أن " رجلا " قال يا رسول الله،الحج كل عام (1) ؟ هذا الرجل هو الأقرع ابن حابس.
الابن والبنت: ويلحق به الأخ والأخت وابن الأخ وابن الأخت وبنت الأخ وبنت الأخت،كحديث أم عطية في غسل " بنت " النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء وسِدْر هي زينب رضي الله عنهما (2) .
العم والعم: ويلحق به الخال والخالة وابن أو بنت العم والعمة وابن أو بنت الخال والخالة،كحديث رافع بن خديج عن " عمه " في النهي عن المُخَابَرَة،اسم عمه ظُهَير بن رافع (3) ،وكحديث " عمة " جابر التي بكت أباه لما قُتل يوم أُحُد،اسم عمته فاطمة بنت عمرو (4) .
__________
(1) -*كما في مسند أحمد برقم (2793) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ فَقَالَ « بَلْ حَجَّةٌ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ كُلَّ عَامٍ لَكَانَ كُلَّ عَامٍ ».(صحيح)
(2) - *كما في صحيح البخارى برقم (1253 ) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ - رضى الله عنها - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ « اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِى الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِى » . فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ « أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ » . تَعْنِى إِزَارَهُ .
الحقو : الإزار =السدر : شجر النبق واحدته سدرة
(3) -* كما في المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 397)برقم (8187 ) عَنْ رَافِعِ بن خَدِيجٍ، عَنْ عَمِّهِ ظَهِيرِ بن رَافِعٍ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:"مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قُلْتُ: نُكْرِيهَا عَلَى الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ، فَقَالَ:"لا تَفْعَلُوا، أَوِ ازْرَعُوهَا، أَوْ أَمْسِكُوهَا"، قُلْتُ: سَمْعًا وَطَاعَةً.
(4) - *كما في صحيح البخارى برقم (1244) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِى جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِى ، وَيَنْهَوْنِى عَنْهُ وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِى ، فَجَعَلَتْ عَمَّتِى فَاطِمَةُ تَبْكِى ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ » . تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا - رضى الله عنه - .(1/333)
الزوج والزوجة: كحديث الصحيحين في وفاة " زوج " سُبَيعة (1) ،اسم زوجها سعد بن خَوْلَة وكحديث " زوجة " عبد الرحمن بن الزبير التي كانت تحت رفاعة القُرظي،فطلقها،اسمها تميمة بنت وهب (2) .
5- أشهر المصنفات فيه :
صنف في هذا النوع عدد من العلماء،منهم عبد الغني بن سعيد والخطيب والنووي،وأحسنها وأجمعها كتاب " المُسْتَفاد من مبهمات المتن والإسناد " لولي الدين العراقي .
==================
معرفةُ الوُحْدان (3)
- 9 -
1 - تعريفه:
أ) لغة: الوُحْدان بضم الواو جمع واحد .
__________
(1) - *كما في صحيح مسلم برقم (3795 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِىِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ فِى بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّىَ عَنْهَا فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهْىَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ - رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ - فَقَالَ لَهَا مَا لِى أَرَاكِ مُتَجَمِّلَةً لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ إِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ فَلَمَّا قَالَ لِى ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِى حِينَ أَمْسَيْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِى بِأَنِّى قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِى وَأَمَرَنِى بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِى. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ حِينَ وَضَعَتْ وَإِنْ كَانَتْ فِى دَمِهَا غَيْرَ أَنْ لاَ يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ.
(2) -* كما في موطأ مالك برقم (1111 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِى كَانَ طَلَّقَهَا - فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ « لاَ تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ ». وهو في الصحيحين
(3) -* تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 153)(1/334)
ب) اصطلاحا: هم الرواة الذين لم يرو عن كل واحد منهم إلا راو واحد.
2 - فائدته:
معرفة مجهول العين،ورد روايته إذا لم يكن صحابياً .
3 - أمثلته:
أ) من الصحابة : عروة بن مُضَرس،لم يرو عنه غير الشعبي (1) ،والمسيب بن حزن،لم يرو عنه غير ابنه سعيد (2) .
ب ) من التابعين: أبو العُشَراء،لم يرو عنه غير حماد بن سلمة. (3)
4 - هل أخرج الشيخان في صحيحيهما عن الوُحْدان ؟
أ) ذكر الحاكم في " المَدْخَل " أن الشيخين لم يخرجا من رواية هذا النوع شيئاً.
ب) لكن جمهور المحدثين قالوا: إن في الصحيحين أحاديث كثيرة عن الوُحْدان من الصحابة،منها.
1 - حديث " المُسَيب " في وفاة أبي طالب،أخرجه الشيخان . (4)
__________
(1) -* كما في سنن أبى داود برقم (1952 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَامِرٌ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِىُّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَوْقِفِ - يَعْنِى بِجَمْعٍ قُلْتُ جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِى وَأَتْعَبْتُ نَفْسِى وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِى مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ ».
(2) - *كما في مسند أحمد برقم (24394) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ فَقَالَ « أَىْ عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ بِهَا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَىْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ». فَنَزَلَتْ (مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) قَالَ فَنَزَلَتْ فِيهِ (إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ). (صحيح)
(3) - كما في سنن النسائى برقم (4425) أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِى الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ « لَوْ طَعَنْتَ فِى فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ» قلت : وفي سنده كلام ).
(4) - *قد مر قبل قليل(1/335)
2 - حديث قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ،وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ،لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً » ولا راوي " لمرداس " غير قيس . والحديث أخرجه البخاري. (1)
5- أشهر المصنفات فيه :
كتاب " المنفردات والوُحْدان " للإمام مسلم .
===============
معرفةُ من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة
- 10 -
1 - تعريفه:
هو راو وصف بأسماء أو ألقاب أو كنى مختلفة،من شخص واحد أو من جماعة.
2 - مثاله: " محمد بن السائب الكلبي " سماه بعضهم " أبا النضر " وسماه بعضهم " حماد بن السائب " وسماه بعضهم " أبا سعيد " . (2)
3 - من فوائده:
أ) عدم الالتباس في أسماء الشخص الواحد،وعدم الظن بأنه أشخاص متعددون.
ب) كشف تدليس الشيوخ .
4 - استعمال الخطيب كثيراً من ذلك في شيوخه :
فيروي في كتبه مثلا عن أبي القاسم الأزهري،وعن عبيد الله ابن أبي الفتح الفارسي،وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي،والكل واحد .
- أشهر المصنفات فيه :
أ) إيضاح الإشكال،للحافظ عبد الغني بن سعيد.
ب) موضح أوهام الجمع والتفريق،للخطيب البغدادي.
================
__________
(1) -* صحيح البخارى برقم (6434 ) . =الحفالة : الردىء
(2) -* وهو كذاب(1/336)
معرفةُ المفردات من الأسماء والكنى والألقاب (1)
- 11 -
1 - المراد بالمفردات :
أن يكون لشخص من الصحابة أو الرواة عامة أو أحد العلماء اسم أو كنية أو لقب لا يشاركه فيه غيره من الرواة والعلماء،وغالبا ما تكون تلك المفردات أسماء غريبة يصعب النطق بها.
2 -فائدة معرفته:
عدم الوقوع في التصحيف والتحريف في تلك الأسماء المفردة الغربية .
3 - أمثلته:
أ) الأسماء:
1 - من الصحابة:" أجمد بن عجيان (2) " كسفيان،أو كعليان،و " سندر " بوزن جعفر.
2 - من غير الصحابة: " أوسط " بن عمرو، (3) " ضريب " ابن نقير بن سمير (4) .
ب ) الكنى :
__________
(1) - *تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 160)
(2) -* وفي الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 1 - صفحة 31 ] برقم (39 ) أجمد بن عجيان بجيم ومثناة تحتانية بوزن عثمان ضبطه بن الفرات وقيل بوزن عليان حكاه بن الصلاح همداني وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد فتح مصر ذكره بن يونس في تاريخه وقال لا أعلم له رواية وخطته معروفة بجيزة مصر وذكره الدار قطني في المؤتلف أيضا وضبطه القاضي بن العربي بالحاء المهملة فوهم والله أعلم
(3) - *كما في الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 1 - صفحة 219 ] برقم (499 ) أوسط بن عمرو وقيل بن عامر وقيل بن إسماعيل البجلي أبو إسماعيل ويقال أبو محمد وأبو عمرو شامي حمصي له إدراك روي عنه من غير وجه أنه قال قدمنا المدينة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعام أخرجه بن ماجة وغيره بإسناد صحيح وذكره بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام وله رواية عن أبي بكر وعمر وروى له بن ماجة والنسائي في اليوم والليلة وذكر صاحب تاريخ حمص أنه ولي إمرة حمص ليزيد وتوفي سنة تسع وسبعين
(4) - *كما في الجرح والتعديل [ جزء 4 - صفحة 470 ] برقم (2066 ) ضريب بن نقير بن سمير أبو السليل القيسي بصرى ويقال ضريب بن نفيل من بنى قيس بن ثعلبة روى عن عبد الله بن رباح ومعاذة روى عنه كهمس وعبيد الله بن العيزار والجريري سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال أبو السليل ثقة(1/337)
1 - من الصحابة: " أبو الحمراء " مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،واسمه هلال بن الحارث (1) .
2 - من غير الصحابة: " أبو العبيدين " واسمه معاوية بن سبرة (2) .
ج) الألقاب:
1 - من الصحابة: " سفينة " مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،واسمه مهران (3) .
2 - من غير الصحابة: " مَنْدَل " واسمه عمرو بن علي الغزي الكوفي (4) .
4 - أشهر المصنفات فيه :
أفرده بالتصنيف الحافظ أحمد بن هارون البرديجي في كتاب سماه " الأسماء المفردة " . ويوجد في أواخر الكتب المصنفة في تراجم الرواة كثير منه،ككتاب " تقريب التهذيب " لابن حجر .
===================
معرفةُ أسماء من اشتهروا بكناهم
- 12 -
1 - المراد بهذا البحث:
__________
(1) -* كما في الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 7 - صفحة 94 ]برقم (9783 ) أبو الحمراء مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه هلال بن الحارث ويقال بن ظفر نقله بن عيسى في تاريخ حمص تقدم في الأسماء قال البخاري يقال له صحبة ولا يصح حديثه
(2) - *كما في الجرح والتعديل [ جزء 8 - صفحة 378 ]برقم (1731 ) معاوية بن سبرة بن الحصين أبو العبيدين الكوفى السوائي المكفوف روى عن بن مسعود روى عنه يحيى بن الجزار وأبو إسحاق الهمداني ومسلم البطين سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن انا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب الى قال سألت يحيى بن معين عن أبى العبيدين فقال اسمه معاوية بن سبرة وهو ثقة نا عبد الرحمن قال سئل أبى عن أبى العبيدين فقال له حديثان أو ثلاثة وكان من أصحاب بن مسعود
(3) - *ففي مسند أحمد برقم (22561) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شَيْئاً كَثِيراً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنْتَ سَفِينَةُ ».( حديث حسن)
(4) - *كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 545 ] برقم (6883 ) مندل مثلث الميم ساكن الثاني بن علي العنزي بفتح المهملة والنون ثم زاي أبو عبد الله الكوفي يقال اسمه عمرو ومندل لقب ضعيف من السابعة ولد سنة ثلاث ومائة ومات سنة سبع أو ثمان وستين د ق(1/338)
المراد بهذا البحث أن نفتش عن أسماء من اشتهروا بكناهم حتى نعرف الاسم غير المشهور لكل منهم .
2 - من فوائده :
وفائدة معرفة هذا البحث هو ألا يظن الشخص الواحد اثنين،إذ ربما يذكر هذا الشخص مرة باسمه غير المشهور،ومرة بكنيته التي اشتهر بها. فيشتبه الأمر على من لا معرفة له بذلك فيظنه شخصين،وهو شخص واحد.
3 - طريقة التصنيف فيه:
المصنف في الكنى يبوب تصنيفه على ترتيب حروف المعجم في الكنى،ثم يذكر أسماء أصحابها،فمثلا يذكر في باب الهمزة " أبا إسحق " ويذكر اسمه،وفي باب الباء " أبا بشر " ويذكر اسمه،وهكذا .
4 - أقسام أصحاب الكنى وأمثلتها :
أ) من اسمه كنيته،ولا اسم له غيرها،كأبي بلال الأشعري،اسمه وكنيته واحد (1) .
ب) من عرف بكنيته،ولم يُعرف أله اسم أم لا ؟ كـ " أبي أناس " صحابي (2) .
ج) من لقب بكنية،وله اسم وله كنية غيرها: كـ " أبي تراب " وهو لقب لعلي بن أبي طالب،وكنيته أبو الحسن (3) .
__________
(1) -* كما في الجرح والتعديل [ جزء 9 - صفحة 350 ] برقم (1566 ) أبو بلال الأشعري من ولد أبى موسى الأشعري نا عبد عبد الرحمن قال سمعت أبى يقول ذلك سألته عن اسمه فقال ليس لي اسم اسمي وكنيتى واحد وقال أنا بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبى بردة بن أبى موسى وكان أعور روى عن شريك وقيس بن الربيع وعيسى بن مسلم وعبد السلام بن حرب وحفص بن غياث وعيسى بن يونس قال أبو محمد روى عنه أبى رحمه الله والناس
(2) -* ففي الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 7 - صفحة 23 ]برقم (9550 ) أبو أناس بن زنيم الليثي أو الدؤلي بن أخي سارية بن زنيم ذكره أبو عمر فقال كان شاعرا وهو من أشرافهم وهو القائل من قصيدة ...
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد
قال وله ولد اسمه أنس أبي أناس استخلفه الحكم بن عمرو على خراسان حين حضرته الوفاة قلت وأناس بضم الهمزة وتخفيف النون والقصيدة المذكورة اختلف في قائلها فقيل هذا وقيل أنس بن زنيم وقيل سارية وقيل أسيد بن أبي أناس والقصيدة المذكورة أنشدها محمد بن إسحاق لأيمن بن زنيم
(3) - *كما في صحيح البخارى برقم (3703 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا فُلاَنٌ - لأَمِيرِ الْمَدِينَةِ - يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ . قَالَ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ . فَضَحِكَ قَالَ وَاللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ . فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً ، وَقُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ قَالَ دَخَلَ عَلِىٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ » . قَالَتْ فِى الْمَسْجِدِ . فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ ، وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ « اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ » . مَرَّتَيْنِ .(1/339)
د) من له كنيتان أو أكثر : كـ " ابن جريج " يكني بأبي الوليد وأبي خالد (1) .
هـ)من اختلف في كنيته : كـ " أسامة بن زيد " قيل " أبو محمد " وقيل " أبو عبد الله " وقيل " أبو خارجة " (2) .
و) من عرفت كنيته واختلف في اسمه : كـ " أبي هريرة " اختلف في اسمه واسم أبيه على ثلاثين قولا،أشهرها أنه " عبد الرحمن بن صخر " . (3)
ز) من اختلف في اسمه وكنيته :كـ "سفينة " قيل اسمه " عُمير " وقيل " صالح " وقيل " أبو البختري " (4) .
ح) من عرف باسمه وكنيته،واشتهر بهما معاً : كآباء عبد الله " سفيان الثوري ـ ومالك ـ ومحمد بن إدريس الشافعي ـ وأحمد بن حنبل " وكأبي حنيفة النعمان بن ثابت .
__________
(1) - *ففي الجرح والتعديل [ جزء 5 - صفحة 356 ] برقم (1687 ) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ويكنى بأبي الوليد ويقال أبو خالد مولى خالد بن عتاب بن أسيد روى عن عطاء وطاوس ومجاهد روى عنه الثوري والليث بن سعد وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وابن المبارك ووكيع سمعت أبى يقول ذلك نا عبد الرحمن نا محمد بن عبادة الواسطي نا يعقوب يعنى بن محمد الزهرى قال سمعت محمد بن معن يحدث عن طلحة بن عمرو قال قيل لعطاء من ترى صاحب مجلسك من بعدك قال هذا وأشار إلى بن جريج نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا على يعنى بن المديني قال سمعت عبد الوهاب بن همام يعنى أخا عبد الرزاق قال قال ابن جريج : كنت اتتبع الاشعار الغريبة والأنساب فقيل لي لو لزمت عطاء فلزمته ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة إلا أشهر أو ما شاء الله
(2) -* انظر تهذيب الكمال [ جزء 2 - صفحة 338 ] برقم (316)
(3) -* انظر الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 4 - صفحة 316 ] برقم (5144 )
عبد الرحمن بن صخر الدوسي أبو هريرة هو مشهور بكنيته وهذا أشهر ما قيل في اسمه واسم أبيه إذ قال النووي إنه أصح ، وانظر تهذيب الكمال [ جزء 34 - صفحة 366 ] برقم ( 7681)
(4) - *قلت : إن كان يقصد سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانظر ترجمته في الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 3 - صفحة 132 ] برقم (3337) وتهذيب الكمال [ جزء 11 - صفحة 204 ]برقم (2420)(1/340)
ط) من اشتهر بكنيته مع معرفة اسمه : كـ " أبي إدريس الخولاني " اسمه عائذ الله .
ي) من اشتهر باسمه مع معرفة كنيته : كـ " طلحة بن عبيد الله التيمي " و " عبد الرحمن بن عوف " و " الحسن بن علي بن أبي طالب " كنيتهم جميعاً " أبو محمد ".
5 - أشهر المصنفات فيه :
. لقد صنف العلماء في الكنى مصنفات كثيرة،وممن صنف فيه علي بن المديني ومسلم والنسائي،وأشهر هذه المصنفات المطبوعة :
ـ كتاب " الكنى والأسماء " للدولابي أبي بشر محمد بن أحمد المتوفى سنة 310هـ .
===============
معرفةُ الألقابِ (1)
- 13 -
1 - تعريفه لغة:
الألقاب جمع لقب،واللقب كل وصف أشعر برفعة أو ضعة،أو ما دل علي مدح أو ذم .
2 - المراد بهذا البحث:
هو التفتيش والبحث عن ألقاب المحدثين ورواة الحديث لمعرفتها وضبطها .
3- فائدته:
وفائدة معرفة الألقاب أمران وهما :
أ) عدم ظن الألقاب أسامي،واعتبار الشخص الذي يُذْكَر تارة باسمه،وتارة بلقبه شخصين،وهو شخص واحد.
ب) معرفة السبب الذي من أجله لقب هذا الراوي بذاك اللقب،فيعرف عندئذ المراد الحقيقي من اللقب الذي يخالف في كثير من الأحيان معناه الظاهر.
4 - أقسامه:
الألقاب قسمان وهما :
__________
(1) -* الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 31) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 49) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 747)(1/341)
أ) لا يجوز التعريف به: وهو ما يكرهه الملقب به.
ب) يجوز التعريف به: وهو مالا يكرهه الملقب به.
5 - أمثلته :
أ) " الضال " لقب لمعاوية بن عبد الكريم الضال،لُقب به لأنه ضل في طريق مكة (1) .
ب) " الضعيف " : لقب عبد الله بن محمد الضعيف،لُقب به لأنه كان ضعيفاً في جسمه لا في حديثه (2) . قال عبد الغني ابن سعيد: " رَجُلان جَليلان, لزمهما لقَبَان قَبِيحان: الضَّال والضَّعيف (3) ".
ج) " غُنْدر " (4) ومعناه المُشَغب في لغة أهل الحجاز،وهو لقب محمد بن جعفر البصري صاحب شعبة،وسبب تلقيبه بهذا اللقب أن ابن جريج قدم البصرة،فحدث بحديث عن الحسن البصري،فأنكروه عليه،فقال له " اسْكُت يا غُنْدر " (5) .
د) " غُنجار" (6) : لقب عيسى بن موسى التيمي،لُقب بـ " غنجار " لحمرة وجنتيه .
هـ) " صاعقة ": لقب محمد بن إبراهيم الحافظ روي عنه البخاري،ولقب بذلك لحفظه وشدة مذاكرته. (7)
__________
(1) - *كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 538 ] برقم (6765 ) معاوية بن عبد الكريم الثقفي أبو عبد الرحمن البصري المعروف بالضال صدوق من صغار السادسة مات سنة ثمانين وقد قارب المائة خت
(2) -* كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 322 ] برقم (3598 ) عبد الله بن محمد بن يحيى الطرسوسي أبو محمد المعروف بالضعيف لأنه كان كثير العبادة وقيل نحيفا وقيل لشدة إتقانه ثقة من العاشرة د س
(3) - *تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 177)
(4) -* كما في الكاشف [ جزء 2 - صفحة 162 ] برقم (4771 ) محمد بن جعفر الهذلي مولاهم البصري الحافظ غندر أبو عبد الله عن حسين المعلم وشعبة وهو زوج أمه وعنه أحمد والفلاس وبندار قال بن معين أراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر وكان من أصح الناس كتابا بقي يصوم يوما ويوما خمسين عاما مات 193 في ذي القعدة رحمه الله ع
(5) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 75) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 2 / ص 472) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 177)
(6) - *كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 441 ]برقم (5331 ) عيسى بن موسى البخاري أبو أحمد الأزرق لقبه غنجار بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم صدوق ربما أخطأ وربما دلس مكثر من التحديث عن المتروكين من الثامنة مات سنة سبع وثمانين خت ق
(7) - *كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 493 ] برقم (6091 ) محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير البغدادي البزاز أبو يحيى المعروف بصاعقة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة خمس وخمسين وله سبعون سنة خ د ت س(1/342)
و) " مُشْكُدَانة " : لقب عبد الله بن عمر الأموي،ومعناه بالفارسية " حبة المسك أو وعاء المسك " (1) .
ز) " مُطَيَّن " : لقب أبي جعفر الحضرمي،ولُقِّب به لأنه كان وهو صغير يلعب مع الصبيان في الماء،فيُطينون ظهره،فقال له أبو نُعَيم : يا مُطَين لم لا تحضر مجلس العلم ؟ (2)
6 - أشهر المصنفات فيه :
صنف في هذا النوع جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين،وأحسن هذه الكتب وأخصرها كتاب " نزهة الألباب " للحافظ ابن حجر .
================
مَعْرفةُ المَنْسُوبين إلى غَيْرِ آبَائهم (3)
__________
(1) -* كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 315 ]برقم (3493 ) عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير الأموي مولاهم ويقال له الجعفي نسبة إلى خاله حسين بن علي أبو عبد الرحمن الكوفي مشكدانة بضم الميم والكاف بينهما معجمة ساكنة وبعد الألف نون وهو وعاء المسك بالفارسية صدوق فيه تشيع من العاشرة مات سنة تسع وثلاثين م د س
(2) - *وفي سير أعلام النبلاء [ مشكول + موافق للمطبوع ] - (ج 27 / ص 40)برقم (15 )مُطَيَّنٌ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ الشَّيْخُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ الحَضْرَمِيُّ، المُلَقَّبُ:بِمُطَيَّنٍ.
رَأَى أَبَا نُعَيْمٍ المُلاَئِيّ.
وَسَمِعَ:أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنَ بِشْرٍ الحريرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيّ، وَبنِي أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيَّ بنَ حَكِيْمٍ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَابْنُ عُقْدَةَ، وَالطَّبَرَانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَكَّائِيّ، وَعَلِيُّ بنُ حَسَّان الجَدِيلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَارِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَارِمٍ:كَتَبْتُ بِأُصْبُعِي عَنْ مُطَيَّنٍ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.(14/42)
وَسُئِلَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ:ثِقَةٌ جَبَلٌ.
قُلْتُ:صَنّفَ(المُسْنَد)وَ(التَّارِيْخ)وَكَانَ مُتْقِناً.
(3) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 82) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 33) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 29) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 217)(1/343)
- 14 -
1 - المراد بهذا البحث:
معرفة من اشتهر نسبه إلى غير أبيه،من قريب،كالأم والجد،أو غريب،كالمربي ونحوه،ثم معرفة اسم أبيه.
2 - فائدته:
دفع توهم التعدد عند نسبتهم إلى آبائهم .
3 - أقسامه وأمثلتها:
أ) من نُسِبَ إلى أمه: مثل : مُعاذ ومُعوذ بنو عَفْراء،وأبوهم الحارث . ومثل بلال بن حمامة،أبوه رباح،ومحمد بن الحنفية،أبوه علي بن أبي طالب.
ب) من نُسِبَ إلى جدته: العليا أو الدنيا،مثل يَعْلَى بن منية،ومنية أم أبيه،وأبوه أمية،بشير بن الخصاصية،وهي أم الثالث من أجداده،وأبوه مَعْبَد .
ج) من نُسِبَ إلى جده: مثل أبو عُبيدة بن الجراح،اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح . أحمد بن حنبل،هو أحمد بن محمد بن حنبل .
د) من نُسِبَ إلى أجنبي لسبب: مثل المقداد بن عمرو الكندي،يقال له المقداد بن الأسود،لأنه كان في حِجْر الأسود بن عبد يغوث،فتبناه .
4 - أشهر المصنفات فيه :
لا أعرف مصنفاً خاصاً في هذا الباب،لكن كتب التراجم عامة،تذكر نسب كل راو،لاسيما كتب التراجم الموسعة .
===============
معرفةُ النسب التي على خلاف ظاهرها (1)
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 83)(1/344)
- 15 -
1 - تمهيد:
هناك عدد من الرواة نسبوا إلى مكان أو غزوة أو قبيلة أو صنعة،ولكن الظاهر المتبادر إلى الذهن من تلك النسب ليس مراداً،والواقع أنهم نسبوا إلى تلك النسب لعارض عرض لهم من نزولهم ذلك المكان أو مجالستهم أهل تلك الصنعة ونحو ذلك
2 - فائدة هذا البحث:
وفائدة هذا البحث هو معرفة أن هذه النسب ليست حقيقية،وإنما نسب إليها صاحبها لعارض،ومعرفة العارض أو السبب الذي من أجله نسب إلى تلك النسبة.
3 - أمثلة:
أ) أبو مسعود البدري،لم يشهد بدراً،بل نزل فيها،فنسب إليها (1) .
ب) يزيد الفقير،لم يكن فقيراً،وإنما أصيب في فقار ظهره. (2)
ج) خالد الحَذَّاء،لم يكن حذاء،وإنما كان يجالس الحذائين . (3)
4 - أشهر المصنفات في الأنساب :
كتاب " الأنساب " للسمعاني،وقد لخصه ابن الأثير في كتاب سماه " اللباب في تهذيب الأنساب " ولخص الملخص هذا السيوطي في كتاب سماه " لُبُّ اللباب ".
====================
__________
(1) - *ففي الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 4 - صفحة 524 ] برقم (5610 ) عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري أبو مسعود البدري مشهور بكنيته اتفقوا على أنه شهد العقبة واختلفوا في شهوده بدرا فقال الأكثر نزلها فنسب إليها وجزم البخاري بأنه شهدها ..
(2) - *كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 602 ] برقم (7733 ) يزيد بن صهيب الكوفي أبو عثمان المعروف بالفقير بفتح الفاء بعدها قاف قيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره ثقة من الرابعة خ م د س ق
(3) -* كما في تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 191 ] برقم (1680 ) خالد بن مهران أبو المنازل بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاي البصري الحذاء بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة قيل له ذلك لأنه كان يجلس عندهم وقيل لأنه كان يقول أحذ على هذا النحو وهو ثقة يرسل من الخامسة أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان ع(1/345)
معرفةُ تواريخ الرواة (1)
- 16 -
1 - تعريفه:
أ) لغة : تواريخ جمع تاريخ وهو مصدر " أَرَّخَ " وسهلت الهمزة فيه .
ب) اصطلاحاً: هو التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من المواليد والوفيات والوقائع وغيرها.
2 - المراد به هنا:
معرفة تاريخ مواليد الرواة وسماعهم من الشيوخ،وقدومهم لبعض البلاد . ووفياتهم
3 - أهميته وفائدته:
هو فن مهم،قال سفيان الثوري : " لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ،ومن فوائده معرفة اتصال السند أو انقطاعه .
وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ،فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين.
4- أمثلة من عيون التاريخ :
أ) الصحيح في سنِّ سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاث وستون.
وقُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى الاثنين لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة 11 هـ
2- وقُبض أبو بكر رضي الله عنه في جُمادى الأولى سنة 13هـ .
3- وقُبض عمر رضي الله عنه في ذي الحجة سنة 23 هـ .
4- وقُتل عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة سنة 35هـ وعمره / 82 / سنة وقيل ابن / 90 / سنة.
5- وقُتل على رضي الله عنه في شهر رمضان سنة 40 هـ . وهو ابن / 63 / سنة
__________
(1) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 84) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 34) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 46) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 229)(1/346)
ب) صحابيان عاشا ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام وماتا بالمدينة سنة / 54/ وهما:
1- حكيم بن حزام . ... 2- حسان بن ثابت .
ج) أصحاب المذاهب المتبوعة : ... ولد سنة ... توفي سنة
1 ... النعمان بن ثابت (1) : ( أبو حنيفة ) ... 80 ... 150
2 ... مالك بن أنس (2) : ... 93 ... 179
3 ... محمد بن إدريس الشافعي (3) : ... 150 ... 204
4 ... أحمد بن حنبل (4) : ... 164 ... 241
د) أصحاب كتب الحديث المعتمدة : ... ولد سنة ... توفي سنة
1 ... محمد بن إسماعيل البخاري ... 194 ... 256
2 ... مسلم بن الحجاج النيسابوري ... 204 ... 261
3 ... أبو داود السجستاني : ... 202 ... 275
4 ... أبو عيسى الترمذي (5) : ... 209 ... 279
5 ... احمد بن شعيب النسائي : ... 214 ... 303
6 ... ( ابن ماجه ) القزويني : ... 207 ... 275
5- أشهر المصنفات فيه :
أ) كتاب " الوَفَيَات " لابن زَبْر محمد بن عبيد الله الربعي محدث دمشق المتوفى سنة 379هـ وهو مرتب على السنين .
__________
(1) - *انظر ترجمته في تهذيب الكمال [ جزء 29 - صفحة 417 ] برقم (6439 )
(2) - *انظر ترجمته في تهذيب الكمال [ جزء 27 - صفحة 91 ]برقم (5728 )
(3) - *انظر ترجمته في تهذيب الكمال [ جزء 24 - صفحة 355 ] برقم (5049)
(4) - *انظر ترجمته في تهذيب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 62 ] برقم (126)
(5) - اختلف في سنة ولادته ، وأكثر المؤرخين لم يحددوا السنة التي ولد فيها وإنما ذكروا أن ولادته كانت في العقد الأول من القرن الثالث ، لكن بعض المتأخرين ذكروا أنه ولد سنة 209 هـ منهم شارح الشمائل محمد بن قاسم جسوس جـ1 ـ ص4(1/347)
ب) ذيول على الكتاب السابق منها للكتاني ثم للأكفاني ثم للعراقي،وغيرهم .
=================
معرفةُ من اُخْتُلِطَ من الثقات (1)
ـ 17 ـ
1- تعريف الاختلاط:
أ) لغة: الاختلاط لغة فساد العقل،يقال " اختلط فلان " أي فسد عقله،كما في القاموس. (2)
ب) اصطلاحاً: فساد العقل،أو عدم انتظام الأقوال بسبب خَرَف أو عَمَى أو احتراق كتب أو غير ذلك.
2- أنواع المُخْتَلَطين:
أ) من اختلط بسبب الخَرَف : مثل عطاء بن السائب الثقفي الكوفي. (3)
__________
(1) - *فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 101)
(2) -* تاج العروس - (ج 1 / ص 4827) ولسان العرب - (ج 7 / ص 291)
(3) -* ففي تهذيب التهذيب [ جزء 7 - صفحة 183 ] برقم (386)
وقال علي عن يحيى بن سعيد ما سمعت أحدا من الناس يقول في حديثه القديم شيئا وما حدث سفيان وشعبة عنه صحيح الا حديثين كان شعبة يقول سمعتهما منه يا بآخره عن زاذان
وقال أبو طالب عن أحمد من سمع منه قديما فسماعه صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء سمع منه قديما سفيان وشعبة وسمع منه حديثا جرير وخالد وإسماعيل وعلي بن عاصم
ورواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة
وقال الدارقطني دخل عطاء البصرة مرتين فسماع أيوب وحماد بن سلمة في الرحلة الأولى صحيح
وقال الحربي في العلل بلغني أن شعبة قال إذا حدث عن رجل واحد فهو ثقة وإذا جمع بين اثنين فاتقه
فما رواه عنه المتقدمون فهو صحيح مثل سفيان وشعبة وزهير وزائدة
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : قلت: فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهيرا وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح ومن عداهم يتوقف فيه الا حماد بن سلمة فاختلف قولهم والظاهر أنه سمع منه مرتين مرة مع أيوب كما يومي إليه كلام الدارقطني ومرة بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة وسمع منه مع جرير وذويه والله أعلم (( قلت : الصواب أن سماع حماد بن سلمة منه قبل الاختلاط ))(1/348)
ب) من اختلط بسبب ذهاب البصر: مثل عبد الرزاق بن همام الصنعاني،فكان بعد أن عَمِيَ يُلَقَّنُ فَيَتَلقَّنُ. (1)
ج) من اختلط بأسباب أخرى: كاحتراق الكتب،مثل عبد الله بن لهيعة المصري (2) .
3- حكمُ رواية المختلط :
أ) يقبل منها ما روي عنه قبل الاختلاط .
ب) ولا يقبل منها ما روي عنه بعد الاختلاط،وكذا ما شُك فيه أنه قبل الاختلاط أو بعده (3) .
4- أهميتُه وفائدته:
هو فن مهم جداً،وتكمن فائدته في تمييز أحاديث الثقة التي حدث بها بعد الاختلاط لردها وعدم قبولها .
5- هل أخرج الشيخان في صحيحيهما عن ثقاتٍ أصابهمُ الاختلاطُ ؟
نعم،ولكن مما عُرف أنهم حدثوا به قبل الاختلاط .
6- أشهرُ المصنفات فيه :
__________
(1) -* انظر ترجمته في تهذيب الكمال [ جزء 18 - صفحة 52 ]برقم (3415 ) لكن روايته للمصنف صحيحة وقبل التلقين
(2) -* انظر في ترجمته تهذيب الكمال [ جزء 15 - صفحة 487 ]برقم (3513)
قلت :
وقد اختلفوا فيه وخلاصة الأمر فيه ما قاله ابن عدي :
وحديثه أحاديث حسان ، وما قد ضعفه السلف هو حسن الحديث يكتب حديثه ، وقد حدث عنه الثقات : الثوري وشعبة ومالك وعمرو ابن الحارث والليث ابن سعد راجع الكامل 4/144 - 154 والتهذيب 5/373 - 379
قلت : وقالوا رواية عبد الله بن وهب عنه وابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري وقتيبة بن سعيد أعدل من غيرها عنه ، وينبغي أن يضاف لهؤلاء مارواه عنه أبو الأسود والحسن بن موسى وقد روى الإمام أحمد في مسنده أحاديث ابن لهيعة من طريق الحسن بن موسى وأبي الأسود غالباً وقد قالوا : إن كتبه احترقت فخلط بعد ذلك ، لكن هناك من ينفي ذلك عنه ، وهناك عدة أحاديث أنكرت عليه وحديثنا من رواية أبي الأسود عنه ، وعن قتيبة بن سعيد فالرجل حسن الحديث له أفراد
(3) - *هذا إذا تفرد برواية ولم نجد ما يؤيدها أو يعضدها(1/349)
صنف فيه عدد من العلماء،كالعلائي والحازمي،ومن هذه المصنفات كتاب " الاغتباط بمن رُمي بالاختلاط " للحافظ إبراهيم ابن محمد سِبْط ابن العجمي المتوفى سنة 841هـ
================
معرفةُ طبقات العلماء والرواة (1)
ـ 18 ـ
1- تعريفُ الطبقةِ:
أ) لغة: القوم المتشابهون.
ب) اصطلاحاً: قوم تقاربوا في السن والإسناد أو في الإسناد فقط (2)
ومعنى التقارب في الإسناد: أن يكون شيوخ هذا هم شيوخ الآخر أو يقاربوا شيوخه.
2- من فوائد معرفته :
أ) ومن فوائد معرفته الأمن من تداخل المتشابهين في اسم أو كنية ونحو ذلك،لأنه قد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أن أحدهما هو الآخر،فيتميز ذلك بمعرفة طبقاتهما.
ب) الوقوف على حقيقة المراد من العنعنة .
3- قد يكون الراويان من طبقة باعتبار،ومن طبقتين باعتبار آخر:
مثل أنس بن مالك وشبهه من أصاغر الصحابة،فهم مع العشرة في طبقة واحدة باعتبار أنهم كلهم صحابة،وعلى هذا فالصحابة كلهم طبقة واحدة.
وباعتبار السوابق إلى الدخول في الإسلام،تكون الصحابة بضع عشرة طبقة كما تقدم في نوع " معرفة الصحابة " فلا يكون أنس بن مالك وشبهه في طبقة العشرة من الصحابة.
4- ماذا ينبغي على الناظر فيه:
ينبغي على الناظر في علم الطبقات أن يكون عارفاً بمواليد الرواة ووفياتهم،ومن رووا عنه،ومن روى عنهم.
__________
(1) -* التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 31) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 259)
(2) -* انظر تدريب الراوي جـ 2 ـ ص 381 .(1/350)
5- أشهر المصنفات فيه:
أ) كتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد (1) .
ب) كتاب " طبقات القراء " لأبي عمرو الداني.
ج) كتاب " طبقات الشافعية الكبرى " لعبد الوهاب السبكي .
د) تذكرة الحفاظ للذهبي . (2)
==================
معرفةُ الموالي من الرواة والعلماء (3)
ـ 19 ـ
1 - تعريفُ المولى:
__________
(1) - و*كتابه هذا تضمن السيرة النبوية ثم أهل بدر ثم من أسلم بعدهم ، ثم التابعين ، ثم أتباعهم ، في كل من الحجاز والشام ومصر والعراق وهو كتاب قيم جداً من هذه الناحية . وقد ذكر في كتابه رأيه في كل راوٍ جرحاً وتعديلاً .
- وهو ممن يحتج به في ذلك انظر التهذيب 9/182-183 (1) أمثلة :
قال في ترجمة : سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم .. روى عن عمر بن الخطاب وولاه قضاء الكوفة .. وكان ثقة قليل الحديث رحمه الله (2024) 6/182 .
وقوله في ترجمة يسار بن نمير ، مولى عمر بن الخطاب ، وكان خازنه روى عن عمر ونزل الكوفة ، روى عنه الكوفيون وكان ثقة قليل الحديث (2028) 6/182 .
- وأحياناً يذكر الراوي ولا يذكر رأيه فيه كقوله : عُفيّف بن معدي كرب روى عن عمر ... (2029) وحُصين بن حُدير روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه (2030) .
- وكان شديداً على أهل الرأي : قال في ترجمة أبي حنيفة رحمه الله : (2631) وكان ضعيفاً في الحديث ا هـ !! وعاد فذكر ذلك في (3453) !
فهذا ومثله مرفوض .
وقد ذكر ضمن التراجم أحاديث كثيرة وفيها الصحيح والحسن والضعيف والواهي وغالبها مقبول ولكتابه طبعات متعددة أهمها بتحقيق محمد عبد القادر عطا والكتاب بحاجة لضبط وتخريج لأحاديثه ، ومقارنة لرجاله مع غيرهم ..
(2) -* فيه تراجم لأعلام المحديثين أكثر من ألف حتى عصره هو ، مرتب على الطبقات . وهو كتاب ممتاز في تراجم هؤلاء الأعلام وهو بحاجة لتحقيق وتخريج ومقارنة مع غيره (انظر قواعد في علوم الحديث 196) .
(3) -* مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 88) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 37)(1/351)
أ) لغة: الموالي جمع مولى،والموالي من الأضداد فيطلق على المالك والعبد،والمُعْتِق والمُعْتَق (1) .
ب) اصطلاحاً: هو الشخص المحالف،أو المعتق،أو الذي أسلم على يد غيره.
2 - أنواع الموالي:
أنواع الموالي ثلاثة وهي:
أ) مولي الحِلْف: مثل الإمام مالك بن أنس " موالي التَّيميين "،وهو حميري أصبحي صليبةً،ولكن كان جده مالك بن أبي عامر حليفاً لهم،وقد كان عسيفاً عند طلحة بن عبد الله التيمي أيضاً،فنسب إليهم كذلك..
ب) مولى العَتَاقة: مثل أبو البختري الطائي التابعي،واسمه سعيد بن فيروز،هو مولى طييء،لأن سيده كان من طييء فأعتقه (2) .
ج) مولى الإسلام : مثل محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي،لأن جده المغيرة كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي،فنسب إليه .
3- من فوائده :
الأمن من اللبس . ومعرفة المنسوب إلى القبيلة نسباً أو ولاء . ومن ثم ليتميز المنسوب إلى القبيلة ولاء عمن يشاركه في اسمه من تلك القبيلة نسباً.
4- أشهر المصنفات فيه: صنف في ذلك أبو عمر الكِنْدي بالنسبة إلى المصريين فقط .
===============
معرفةُ الثقاتِ والضعفاءِ من الرواة (3)
__________
(1) - انظر القاموس ح 4 - ص 404 .
(2) - *وفي تقريب التهذيب [ جزء 1 - صفحة 240 ] برقم (2380) سعيد بن فيروز أبو البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الإرسال من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين ع
وانظر تهذيب الكمال [ جزء 11 - صفحة 32 ] رقم 2342
(3) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 86) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 31) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 3 / ص 83) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 246) وألفية السيوطي في علم الحديث - (ج 1 / ص 59) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 723)(1/352)
ـ 20 ـ
1- تعريفُ الثقة والضعيف:
أ) لغة: الثقة لغة المُؤتمن. والضعيف ضد القوي . ويكون الضعف حسياً ومعنوياً .
ب) اصطلاحاً: الثقة: هو العدل الضابط،والضعيف: هو اسم عام يشمل من فيه طعن في ضبطه أو عدالته.
2- أهميتُه وفائدته:
هو من أَجَلَّ أنواع علوم الحديث . لأنه بواسطته يُعْرَف الحديث الصحيح من الضعيف .
3- أشهرُ المصنفات فيه وأنواعها :
أ) مصنَّفات مًفْرَدَة في الثقات : مثل كتاب " الثقات " لابن حِبَّان،وكتاب " الثقات " للعِجْلي (1) .
__________
(1) - *الثقات للعجلي ت (261) :وهو إمام من أئمة الجرح والتعديل ، ومن المعتدلين في الجرح التعديل ، وفي كتابه هذا قريب من ألفي ترجمة وقد ذكر الثقات فيه .
كقوله عن آدم بن أبي إياس (42) ثقة ، وعن آدم بن طريف (44) ثقة ، وعن آبان بن إسحاق الأسدي النحوي الكوفي (9) ثقة
- وربما نسبه بعضهم للتساهل ، وهذا عندي غير دقيق ولكنه ربما وثق راوٍ مختلف فيه رجحت عنده عدالته .
أمثلة :
قال عن إبراهيم بن أبي حبيبة حجازي (14) ثقة .
أقول : اختلفوا فيه فوثقه أحمد وابن عدي والحربي وضعفه البخاري والنسائي والدارقطني وأبو حاتم وأبو أحمد الحاكم وابن حبان ... واضطرب فيه قول يحيى بن معين راجع التهذيب 1/104 و105 .
والصواب أنه صدوق له أفراد راجع الكامل لابن عدي 1/233-236 .
أو كقوله في ترجمة إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي (31) جائز الحديث .
وقال عنه الترمذي : لم يكن بالقوي ، وكذا النسائي ، وقال الدارقطني : يعتبر به الجامع في الجرح والتعديل (96) وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (254) صدوق لين الحفظ ا هـ فما قاله العجلي صحيح .
أو كقوله في أجلح بن عبد الله بن حجية الكندي ثقة (39) وقال أبو داود : ضعيف ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وكان مسرفاً في التشيع ا هـ الجامع (116) وقال الحافظ في التقريب (285) صدوق شيعي اهـ .
أو كقوله في أحمد بن صالح المصري ثقة صاحب سنة (3)
وقال النسائي : ليس بثقة الضعفاء له (69) والصواب قول العجلي لأن النسائي جرحه من باب جرح الأقران انظر التهذيب 1/39-42
وكقوله عن الأحوص بن حكيم بن عمير : لا بأس به (41) وقال البخاري قال لنا علي : كان ابن عيينة يفضل الأحوص على ثور في الحديث ، وأما يحيى فلم يرو عن الأحوص .
وقال النسائي : ضعيف ، وقال الدارقطني : منكر الحديث ، وقال في رواية أخرى : يعتبر به إذا حدّث عنه ثقة ا هـ الجامع في الجرح والتعديل (245) وانظر التهذيب 1/192-193 فالصواب ما قاله العجلي ....(1/353)
ب) مصنفات مُفْرَدَة في الضعفاء: كثيرة جداً. كالضعفاء للبخاري والنسائي (1) والعُقَيْلي والدارقطني (2) . ومنها كتاب " الكامل في الضعفاء " لابن عدي .وكتاب " المغني في الضعفاء " للذهبي (3) .
__________
(1) -* الضعفاء والمتروكون للنسائي ت (303) هـ :للحافظ أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي :قال الدارقطني : أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره ، وفي رواية أخرى : أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم ، وأعلمهم بالرجال .. ا هـ ... التهذيب 10/36-39 .
أقول : هو من المتعنتين في الجرح والتعديل في بعض الأحيان (3)
وكل من روى عنه وسكت عليه فهو مقبول عنده بلا شك . وأما ما جرحه ينظر هل وافقه غيره أم لا؟
كقوله في إبراهيم بن عطية أبو إسماعيل الثقفي الواسطي (3) متروك الحديث ا هـ
وكقوله في أسامة بن زيد الليثي : ليس بثقة (51)
وفي التقريب (317) صدوق يهم ا هـ
وكقوله في إسحاق بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة العزوي ليس بثقة (49)
وفي التقريب (381) صدوق كُفّ بصره فساء حفظه ا هـ .
وقال عن ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري (206) ليس بالقوي وفي الكاشف (1569) ثقة .
أو كقوله في سعيد بن سلمة بن أبي الحسام العدوي شيخ ضعيف السنن 8/258 .
وفي التقريب (2326) صدوق صحيح الكتاب ، يخطيء من حفظه ، وأكثر من ضعفهم وافقه غيره عليه .
(2) - *وهو الإمام الحافظ الكبير ، الناقد ..وله أراء كثيرة في الجرح والتعديل نجدها في الضعفاء والمتروكين له ، وفي سؤالات السهمي له ، وكذا البرقاني ، وفي كتابه السنن ، والعلل ، والإلزامات والتتبع . وهو من المعتدلين في الجرح والتعديل .
- كقوله عن آدم بن أبي إياس ثقة السنن 2/162
أو كقوله أبان بن سفيان الجزري : متروك الجامع (6) .
- وقد يرد عنه بعض الأقوال المتباينة كقوله في إبراهيم بن إسماعيل ابن أبي حبيبة الأنصاري : متروك ، وفي رواية أخرى : ليس بالقوي وفي ثالثة : ضعيف .. الجامع (20) .
وفي هذه الحال فلا بد من مقارنة كلامه مع غيره من علماء الجرح والتعديل .
- وقد يتعارض قوله مع غيرهه كقولهه في ترجمة أبان بن عبد الله ابن أبي حازم البجلي الكوفي : ضعيف.
علماً أن البخاري قال عنه : صدوق الحديث ، وقال العجلي : ثقة ا هـ الجامع (11) وفي التقريب (140) صدوق في حفظه لين . وفي هذه الحال لابد من مقارنة كلامه مع كلام غيره لنصل إلى الرأي الراجح في الراوي المختلف فيه .
(3) -*وهو مختصر لكتابه الميزان ذكر فيه أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة ترجمة ، ويغلب عليه التشدد انظر الأرقام التالية (12) وقارنه باللسان 1/(20) و(13) واللسان 1/(22) و(18) واللسان 1/(31) ، والجرح والتعديل 2/(1096) و(1109) و(34) واللسان 1/(61) و(40) واللسان 1/(67) ، و(41) واللسان 1/(68) و(43) واللسان 1/(71) ، و(44) واللسان 1/(72) و(50) والجرح والتعديل 2/(225) ، و(52) واللسان 1/(84) والجرح والتعديل 2/(227) ، و(57) واللسان 1/(97) وتاريخ البخاري 1/1/281 و(62) واللسان 1/(106) ، و(63) والتاريخ الكبير 1/1/281 واللسان 1/(110) والثقات 8/80 ، و(73) واللسان 1/(132) .و(75) واللسان 1/(137) والجرح 2/98 ، وك (7) واللسان 1/(138) وغيرهم كثير ، وقد قام أستاذنا الدكتور نور الدين العتر بتحقيقه وردّ كثيراً من أخطائه .
ومع هذا فالكتاب بحاجة لدراسة أوسع ومقارنة الرواة الذين ذكرهم بما قاله علماء الجرح والتعديل حتى نستطيع الاعتماد عليه .(1/354)
ج) مصنفات مشتركة بين الثقات والضعفاء : وهي كثيرة أيضاً .منها : كتاب " تاريخ البخاري الكبير " ومنها كتاب " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم،وهي كتب عامة للرواة . ومنها كتب خاصة ببعض كتب الحديث . مثل كتاب " الكمال في أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي،وتهذيباته المتعددة التي للمِزي والذهبي وابن حجر والخزرجي .
=================
معرفةُ أوطان الرواة وبلدانهم (1)
ـ 21 ـ ِ
1- المرادُ بهذا البحث:
الأوطان جمع وطن . وهو الإقليم أو الناحية التي يولد الإنسان أو يقيم فيها،والبلدان جمع بلد،وهي المدينة أو القرية التي يولد الإنسان أو يقيم فيها .
والمراد بهذا البحث هو معرفة أقاليم الرواة ومدنهم التي ولدوا فيها أو أقاموا فيها .
__________
(1) - *مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 89) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 37) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 32) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 2 / ص 262)(1/355)
2- من فوائده:
ومن فوائده التمييز بين الاسمين المتفقين في اللفظ إذا كان من بلدين مختلفين وهو مما يُحتاج إليه حفاظ الحديث في تصرفاتهم ومصنفاتهم .
3- إلى أي شيءٍ يَنْتَسب كلٌّ من العرب والعجم ؟
أ) لقد كانت العرب قديماً تنتسب إلى قبائلها،لأن غالبيتهم كانوا بدواً رحلاً،وكان ارتباطهم بالقبيلة أوثق من ارتباطهم بالأرض،فلما جاء الإسلام،وغلب عليهم سكنى البلدان والقرى انتسبوا إلى بلدانهم وقراهم.
ب) أما العجم فإنهم ينتسبون إلى مدنهم وقراهم من القديم.
4- كيفَ ينتسبُ من انتقل عن بلده ؟
أ) إذا أراد الجَمع بينهما في الانتساب: فليبدأ بالبلد الأول ثم بالثاني المنتقل إليه،ويحسن أن يُدخل على الثاني حرف " ثم " فيقول مَنْ وُلد في حَلَبَ وانتقل إلى المدينة المنورة: " فلان الحلبي ثم المدني " وعلى هذا عملُ أكثر الناس.
ب) وإذا لم يًرِدِ الجمع بينهما : له أن ينتسب إلى أيهما شاء . وهذا قليل .
5- كيفَ ينْتسبُ منْ كان من قرية تابعة لبلدة ؟
أ) له أن ينتسب إلى تلك القرية.
ب) وله أن ينتسب إلى البلدة التابعة لها تلك القرية .
ج) وله أن ينتسب إلى تلك الناحية التي منها تلك البلدة أيضاً.
ومثال ذلك : إذا كان شخص من" الباب " وهي تابعة لمدينة " حلب " وحلب من " الشام " فله أن يقول في انتسابه : فلان البابي أو فلان الحلبي ،أو فلان الشامي .
6- كم المدة التي إن أقامها الشخص في بلد نُسِبَ إليها ؟
أربع سنين،وهو قول عبد الله بن المبارك .
7- أشهرُ المصنَّفات فيه :
أ) يمكن أن نعتبر كتاب " الأنساب " للسمعاني الذي تقدم من مصنفات هذا النوع لأنه يذكر الانتساب إلى الأوطان وغيرها .(1/356)
ب) ومن مظان ذكر أوطان الرواة وبلدانهم كتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد .
هذا آخر ما يسر الله في هذا الكتاب و - صلى الله عليه وسلم - سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه،والحمد الله رب العالمين.
- - - - - - - - - - - - -(1/357)
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ـ نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت .
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي،تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف ـ الطبعة الثانية سنة 1385هـ .
التقريب للنووي مع شرحه التدريب،تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف ـ الطبعة الثانية سنة 1385هـ .
الرسالة للشافعي،تحقيق أحمد محمد شاكر .
الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة للكتاني ـ تحقيق الشيخ محمد المنتصر الكتاني ـ نشر دار الفكر.
سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ـ الطبعة المصرية ـ نشر محمد عبدالمحسن الكتبي .
سنن أبي داود ـ طبع الهند على الحجر .
سنن ابن ماجه ترتيب وتحقق محمد فؤاد عبدالباقي ـ طبع عيسي البابي الحلبي وشركاه سنة 1372هـ .
سنن الدارقطني،تصحيح وتحقيق ونشر السيد عبدالله هاشم اليماني المدني .
شرح ألفية العراقي له ـ طبع المغرب .
صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ـ تحقيق الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1380هـ .
صحيح البخاري المتن فقط . طبعة بولاق سنة 1296هـ .
صحيح مسلم مع شرح النووي ـ الطبعة الأولي ـ المطبعة المصرية بالأزهر سنة 1347هـ .
علوم الحديث لابن الصلاح ـ تحقيق الدكتور نور الدين عنتر ـ نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة سنة 1386هـ .(1/358)
فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي ـ تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان،نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة .
القاموس المحيط للفيروز آبادي ـ طبع المطبعة الميمنية بمصر .
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ـ طبع دائرة المعارف العثمانية بالهند سنة 1357هـ.
المتفق والمفترق للخطيب البغدادي ـ مخطوط .
المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ـ نشر مكتبة النصر الحديثة بالرياض .
معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ـ نشر الدكتور السيد معظم حسين طبع دائرة المعارف العثمانية .
معالم السن للخطابي ـ تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي ـ مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1367هـ.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي ـ تحقيق على محمد البجاوي ـ طبع عيسى البابي الحلبي سنة 1382هـ .
موطأ مالك تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبدالباقي ـ طبع عيسي البابي الحلبي وشركاه سنة 1370هـ .
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ـ نشر المكتبة العلمية بالمدنية المنورة.
نخبة الفكر مع شرحها نزهة النظر للحافظ ابن حجر ـ نشر المكتبة العملية بالمدينة المدينة المنورة.
- - - - - - - - - - - - -(1/359)
أهم مراجع التحقيق
1. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
2. السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي
3. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان
4. المستدرك للحاكم مشكلا
5. المعجم الأوسط للطبراني
6. المعجم الصغير للطبراني
7. المعجم الكبير للطبراني
8. بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى
9. دلائل النبوة للبيهقي
10. سنن أبى داود
11. سنن ابن ماجه
12. سنن الترمذى
13. سنن الدارقطنى
14. سنن الدارمى
15. سنن النسائى
16. شرح معاني الآثار
17. شعب الإيمان للبيهقي
18. صحيح ابن حبان
19. صحيح ابن خزيمة
20. صحيح البخارى
21. صحيح مسلم
22. مجمع الزوائد
23. مسند أبي عوانة مشكلا
24. مسند أبي يعلى الموصلي
25. مسند أحمد
26.(1/360)
مسند احمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط)
27. مسند البزار 1-14
28. مسند الحميدى
29. مسند السراج محققا
30. مسند الشاميين 360
31. مسند الطيالسي
32. مسند عبد بن حميد
33. مصنف ابن أبي شيبة مرقم ومشكل
34. مصنف عبد الرزاق مشكل
35. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني
36. موسوعة السنة النبوية
37. موطأ مالك
38. أخلاق العلماء للآجري
39. أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني
40. اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي
41. الآداب للبيهقي
42. الأدب المفرد للبخاري
43. الاعتقاد للبيهقي
44. الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي
45. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي
46. المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي
47. المستخرج على المستدرك
48. تقييد العلم للخطيب البغدادي
49. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
50. سلسلة الذهب
51. علل الترمذي الكبير
52. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل
53.(1/361)
مراسيل أبي داود
54. إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي
55. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
56. التخريج ودراسة الأسانيد
57. الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة
58. الفتاوى الحديثية للحويني
59. القول المسدد
60. اللآلي المصنوعة
61. المسند الجامع
62. المقاصد الحسنة للسخاوي
63. تنزيه الشريعة المرفوعة
64. جامع الأحاديث القدسية
65. روضة المحدثين
66. علل الحديث لابن أبي حاتم
67. كشف الخفاء من المحدث
68. موسوعة التخريج
69. نظم المتناثر
70. صحيح أبي داود
71. صحيح الترغيب والترهيب
72. صحيح الترمذي
73. صحيح وضعيف الجامع الصغير
74. علل الحديث لابن أبي حاتم
75. علل الدارقطني
76. المنتقى - شرح الموطأ
77. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
78. فتح الباري لابن رجب
79. شرح النووي على مسلم
80.(1/362)
تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة
81. فيض القدير،شرح الجامع الصغير،
82. مجموع فتاوى ابن تيمية
83. طرح التثريب
84. سبل السلام
85. نيل الأوطار
86. الأحكام لابن حزم
87. المحصول
88. المستصفى
89. قواعد الأحكام في مصالح الأنام
90. أنوار البروق في أنواع الفروق
91. كشف الأسرار
92. إعلام الموقعين عن رب العالمين
93. البحر المحيط
94. شرح الكوكب المنير
95. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع
96. الفصول في الأصول
97. إرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم الاصول
98. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي
99. الأصول من علم الأصول - الرقمية
100. بحوث في علم أصول الفقه
101. الرسالة
102. أدب الإملاء والاستملاء
103. ألفية السيوطي في علم الحديث
104. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث
105. البيقونية
106. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث
107.(1/363)
الحد الفاصل
108. الكفاية في علم الرواية
109. المختصر في أصول الحديث
110. الوجيز في ذكر المجاز والمجيز
111. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي
112. تيسير مصطلح الحديث
113. شبهات القرآنيين حول السنة النبوي1
114. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر
115. غرر الفوائد المجموعة
116. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث
117. فضائل سنن الترمذي
118. قواد التحديث للقاسمي
119. مقدمة ابن الصلاح
120. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر
121. الإستيعاب في معرفة الأصحاب
122. الإصابة في معرفة الصحابة
123. التبيين لأسماء المدلسين
124. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
125. الرياض النضرة في مناقب العشرة
126. الضعفاء والمتروكين للنسائي
127. الطبقات الكبرى لابن سعد
128. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة
129. الكامل لابن عدي
130. تاريخ أسماء الثقات
131. تاريخ دمشق
132. تذكرة الحفاظ
133. تقريب التهذيب
134.(1/364)
تهذيب التهذيب
135. تهذيب الكمال للمزي
136. ثقات ابن حبان
137. سير أعلام النبلاء [ مشكول + موافق للمطبوع ]
138. ضعفاء العقيلي
139. طبقات الشافعية
140. لسان الميزان
141. معرفة الثقات
142. مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
143. ميزان الاعتدال(1/365)
فِهرس المَوضُوعات
مقدمة المحقق ... 1
المقدمةُ ... 7
نبذة تاريخية عن نشأة علم المصطلح والأطوار التي مر بها ... 7
أشهرُ المصنفات في علم المصطلح ... 8
تعريفاتٌ أوليةٌ ... 12
البابُ الأولُ ... 15
الخبرُ ... 15
الفصلُ الأول ... 15
تقسيم الخبر باعتبار وصوله إلينا ... 15
المْبحَثٌ الأول ... 15
الخبر المتواتر ... 15
المبحث الثاني ... 23
خبرُ الآحادِ ... 23
المَشهور ... 23
المسْتَفِيضُ ... 24
المشهورُ غير الاصطلاحي: ... 24
العَزيز ... 26
الغريبُ ... 28
ـ تقسيم خبر الآحاد بالنسبة إلى قوته وضعفه - ... 33
الفصلُ الثاني ... 34
" الخبرُ المقبولُ " ... 34
المبحث الأول " أقسام المقبول " ... 34
الصَّحيحُ ... 34
الحَسَنُ ... 58(1/366)
الصحيحُ لغيره ... 67
الحَسَنُ لِغَيْره ... 69
خَبَرُ الآحادِ المَقبولِ المُتَحفُّ بالقَرائِن ... 69
المبْحَثُ الثَاني ... 75
ـ تقسيم الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به ـ ... 75
المُحْكَم ومُخْتلِف الحديث ... 75
تعريف مُخْتَلِف الحديث ... 75
ناسِخُ الحَديثِ وَمَنسوخُه ... 87
الفصلُ الثالثُ ... 91
الخَبَرُ المَرْدوُد ... 91
الخبر المردودُ وأسباب ردِّه ... 91
المبْحَثُ الأول ... 91
" الضعيفُ " ... 91
حكمُ العملِ بالحديث الضعيف ... 97
رأيٌ ومناقشتُه : ... 119
6 - مثال للحديث الضعيف الذي يجوز العمل به في الفضائل بالشروط الأنفة الذكر : ... 120
إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ : ... 122
المبْحَثُ الثَاني ... 125
المردودُ بسبب سَقْط من الإسناد ... 125
المُعَلَّقُ ... 126
المُرْسَلُ ... 127
المُعْضَلُ ... 137
المُنقَطِعُ ... 138
المُدَلَّسُ ... 140
المُرْسَلُ الخَفِيُّ ... 149
المعَنْعنُ والمؤَنَنُ ... 150(1/367)
المبحثُ الثالثِ ... 153
المردودُ بسببِ طعنٍ في الراوي ... 153
المَوضوع ... 154
المَتْروكُ ... 161
المنكَرُ ... 162
المَعْروفُ ... 164
المعلَّلُ ... 165
المخالفةُ للِثقاتِ ... 172
المدْرَجُ ... 173
المَقلوبُ ... 179
المَزِيدُ في متَّصِل الأسانيد ... 182
المضْطَّرِبُ ... 183
المصَحَّفُ ... 187
الشاذُّ والمحفوظُ ... 190
الجهَالة بالرَّاوي ... 194
البِدْعَةُ ... 198
سوءُ الحفظ ... 202
الفصلُ الرابعُ ... 204
الخبرُ المُشْتَرَك بين المقبول والمردود ... 204
المبْحَث الأول ... 204
ـ تقسيم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِد إليه ـ ... 204
الحديث القُدْسيُّ ... 204
المَرْفُوعُ ... 206
المَوْقوفُ ... 208
المَقْطوُعُ ... 215
المبْحَثُ الثَاني ... 219
أنواعٌ أخرى مشتركة بين المقبول والمردود ... 219(1/368)
المُسْنَدُ ... 219
المُتَصِلُ ... 219
زيادات الثقات ... 220
الاعْتِبار والمُتَابع والشاهِد ... 224
البابُ الثاني ... 228
المْبحَثُ الأولُ ... 228
في الراوي وشروط قبوله ... 228
1- مقدمة تمهيدية: ... 228
2- شروط قبول الراوي: ... 228
3- بمَ تثبتُ العدالة ؟ ... 228
4- مذهبُ ابن عبد البَرِّ في ثبوت العدالة : ... 229
5- كيف يُعْرَفُ ضبطُ الراوي ؟ ... 229
6- هل يُقبلُ الجرحُ والتعديل من غير بيان ؟ ... 229
7- هل يثبت الجرح والتعديل بواحد ؟ ... 231
8- اجتماعُ الجرحِ والتعديل في راوٍ واحدٍ : ... 232
9- حكمُ رواية العَدْل عن شخص : ... 233
10 - حكمُ رواية التائب من الفسق : ... 236
11- حكمُ رواية من أخذ على التحديث أجراً : ... 237
12- حكمُ رواية من عُرِفَ بالتساهل أو بقبول التلقين أو كثرة السهو. ... 237
13- حكمُ رواية منْ حَدَّثَ ونَسِيَ : ... 238
المبْحَثُ الثَاني ... 239
فكرة عامة عن كتب الجرح والتعديل ... 239
المبحثُ الثالثُ ... 250
مراتب الجرح والتعديل ... 250
1- مراتب التعديل وألفاظها: ... 250
2- حكم هذه المراتب : ... 250
3- مراتبُ الجرح وألفاظها : ... 251(1/369)
4- حكم هذه المراتب : ... 252
الرواية وآدابها وكيفية ضبطها ... 253
الفصلُ الأولُ ... 253
كيفية ضبط الراوية وطرق تحملها ... 253
المبحثُ الأول ... 253
كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه ... 253
المبحث الثاني ... 254
طُرُقُ التَّحَمُّل وصِيَغْ الأداء ... 254
1- السَّماعُ من لفظ الشيخ : ... 255
2- القراءة على الشيخ : ... 255
3- الإجازة: ... 258
4- المناولة: ... 265
5- الكتابة: ... 268
6- الإعلام: ... 269
7- الوصية: ... 270
8- الوِجَادَة : ... 271
المبحث الثالث ... 271
كتابةُ الحديث وضبطه والتصنيف فيه ... 271
1-حكمُ كتابة الحديث : ... 272
2- سببُ الاختلاف في حكم كتابته : ... 272
3- الجمعُ بين أحاديث الإباحة والنهي : ... 273
4- ماذا يجبُ على كاتب الحديث ؟ ... 273
5- المقابلةُ وكيفيتها : ... 274
6- اصطلاحات في كتابة ألفاظ الأداء وغيرها : ... 274
7- الرحلةُ في طلب الحديث : ... 275
8- أنواع التصنيف في الحديث : ... 275
المبْحَثُ الرَابع ... 278(1/370)
صفة رواية الحديث ... 278
غريبُ الحديث ... 281
الفصْلُ الثاني ... 283
آدابُ الرواية ... 283
المبْحَثُ الأول ... 283
آداب المحدث ... 283
المبْحَثُ الثَاني ... 285
آدابُ طالب الحديث ... 285
البابُ الرابع ... 287
الإسناد ومَا يتعلقُ بهِ ... 287
الفصلُ الأولُ ... 287
لطائفُ الإسناد ... 287
الإسنادُ العَالي والنَّازل ... 287
ـ 1 ـ ... 287
المسَلْسَلُ ... 293
ـ 2 ـ ... 293
روايةُ الأكابر عن الأصاغر ... 298
ـ 3 ـ ... 298
روايةُ الآباء عن الأبناء ... 301
ـ4 ـ ... 301
روايةُ الأبناء عن الآباء ... 302
ـ 5 ـ ... 302
المُدَبَّجُ وروايةُ الأقْرانِ ... 303
ـ 6 ـ ... 303
السَّابقُ واللاحقُ ... 305
ـ 7 ـ ... 305
الفصْلُ الثاني ... 308(1/371)
معرفة الرواة ... 308
معرفةُ الصَّحابة ... 309
- 1 - ... 309
معرفة التابعين ... 319
- 2 - ... 320
معرفةُ الأخوةِ والأخواتِ ... 325
- 3 - ... 325
المُتَّفِقُ المفترقُ ... 326
ـ 4 ـ ... 326
المُؤْتَلفُ والمُخْتَلفُ ... 328
ـ 5 ـ ... 328
المُتَشَابِهُ ... 329
- 6 - ... 329
المُهْمَلُ ... 331
ـ 7 ـ ... 331
معرفةُ المُبهمات ... 332
ـ 8 ـ ... 332
معرفةُ الوُحْدان ... 334
- 9 - ... 334
معرفةُ من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة ... 336
- 10 - ... 336
معرفةُ المفردات من الأسماء والكنى والألقاب ... 337
- 11 - ... 337
معرفةُ أسماء من اشتهروا بكناهم ... 338
- 12 - ... 338
معرفةُ الألقابِ ... 341
- 13 - ... 341(1/372)
مَعْرفةُ المَنْسُوبين إلى غَيْرِ آبَائهم ... 343
- 14 - ... 344
معرفةُ النسب التي على خلاف ظاهرها ... 344
- 15 - ... 345
معرفةُ تواريخ الرواة ... 346
- 16 - ... 346
معرفةُ من اُخْتُلِطَ من الثقات ... 348
ـ 17 ـ ... 348
معرفةُ طبقات العلماء والرواة ... 350
ـ 18 ـ ... 350
معرفةُ الموالي من الرواة والعلماء ... 351
ـ 19 ـ ... 351
معرفةُ الثقاتِ والضعفاءِ من الرواة ... 352
ـ 20 ـ ... 353
معرفةُ أوطان الرواة وبلدانهم ... 355
ـ 21 ـ ِ ... 355
المصادر والمراجع ... 358(1/373)