فتاوى حديثية
لفضيلة الدكتور
الشيخ سعد بن عبد الله آل حميد
اعتنى بها
أبو عبيدة ماهر بن صالح آل مبارك
الجزء الأول
دار علوم السنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد أذنت للأخذ الفاضل أبي عبيدة ماهر بن صالح آل مبارك بجمع فتاوى الحديثية التي جاءت أجوبة على أسئلة بعض الدروس العلمية ، وتفريغها من الأشرطة ، وترتيبها ، وطباعتها ، وهذا إذن مني له بذلك ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه سعد بن عبد الله الحميد
بسم الله الرحمن الرحيم
س / لماذا نطلب علم الحديث ؟.
ج / نطلب علم الحديث :
1 - لأنه أشرف العلوم .
2 - ولأن أهله هم الذين أصبحوا مصابيح الدجى ، فلو نظرنا إلى الأئمة الأربعة نجد أن ثلاثة منهم ممن اشتهروا بالحديث .
فالإمام مالك كتابه ( الموطأ ) مليء بالأحاديث .
والإمام الشافعي كتابه ( الأم ) ملي بالأحاديث التي يسوقها بسنده ، وهكذا كتابه ( الرسالة) ، وقام أحمد تلاميذه فألف مسنداً للشافعي استخلصه من الأحاديث التي يرويها في كتابه ، وأصبح الكتاب مشهوراً بمسند الشافعي ، وهكذا كتاب ( السنن ) .
وأما الإمام أحمد فهو قمة أهل الحديث ، ولا يعرف أن الإمام أحمد كتب حرفاً واحداً في الفقه ، مع العلم أنه محسوب في عداد الفقهاء ، وكان ينهي تلاميذه عن كتابة الرأي ، ويحثهم على كتابة الحديث .
( ( (
س / ما معنى السند والمتن والحديث المتواتر .
ج / السند : هو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن .
والمتن : هو ما ينتهي إليه السند من الكلام .
والحديث المتواتر : هو ما يرويه عدد كثير في كل طبقة من طبقات السند تحيل العادة تواطئهم على الكذب ويسندوه إلى شيء محسوس .
ولقد اضطربوا في حد الكثرة .
منهم من قال : ثلاثمائة وأربعة عشر ؛ عدة رجال بدر .
ومنهم من قال : لابد أن يكون سبعين ؛ لقوله تعالى : { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا } الأعراف : 155 .(1/1)
ومنهم من قال : لابد أن يكون العدد أربعين ؛ لأنهم هم الذي تقام بهم صلاة الجمعة على الحديث الضعيف .
ومنهم من قال :اثنى عشر لقوله تعالى : { وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطاً أمماً } [ الأعراف : 160 [ ومنهم من قال : عشرة .
وكل هذه الأقوال لا دليل عليها لا من كتاب ولا من سنة ، ولا يدل على عقل صحيح ، بل هي أقوال متناقضة ومتهافتة في تحديد الكثرة .
وأقول : إن التواتر يحصل باثنين ، وهذا هو ما تدل عليه الأدلة الشرعية ، أما تفصيل ذلك فأتركه في موضع آخر .
أما بقية الشروط فهي تقريباً مرتبطة بعضها ببعض ، فيرويه عدد كثير في كل طبقة من طبقات السند ، يعني لابد أن يكون الصحابة كثر ، والرواة عنهم كثر ، والرواة عن الرواة عن الصحابة كثر .
لكن لو توفرت الكثرة مثلاً في عصر التابعين - أما الصحابة فلم يكن يرويه إلا واحد أو اثنان أو ما إلى ذلك - فلا يعتبر متواتراً في هذه الحالة ؛ فقد قيدوا المتواتر بهذا القيد ، قالوا في كل طبقة من طبقات السند تحيل العادة تواطؤهم على الكذب .
والسبب الذي جعلنا نشترط هذه الكثرة هو أن القلة قد يرون الخطأ ، وقد يختلفون الكذب ويتفقون عليه ، لذلك نحن نشترك الكثرة ، وهذه الكثرة حدها عندنا أن تحيل العادة تواطئهم على الكذب .
والمقصود بالعادة أمر نفسي ؛ أن يقتنع صاحب الشأن أن هذا الأثر أو هذه الحكاية أو هذا الحديث الذي أتى من هذه الطرق المتعددة عن هؤلاء الأشخاص المتعددين ، لا يمكن بحال من الأحوال أن يُجمعوا على الخطأ ، ولا يمكن أن يختلقوا كذباً .
ويلاحظ أن تعريف المتوافر فيه بعض الألفاظ غير المقبولة ، وهي قولهم : " تحيل العادة تواطؤهم على الكذب " وذلك في جميع طبقات السند ، وقولهم هذا لم يستثن الصحابة ، وهم قطعاً لا يكذبون فضلاً عن أن يتواطؤوا على الكذب .(1/2)
وهذا التعريف السالف للمتواتر هو من وضع المتكلمين ، وما أتت مشكلة التواتر هذه إلا بعد ظهور المعتزلة ، أما قبل ذلك فلم يكن المسلمون يفرقون بين المتواتر والآحادي ، بل كان كل ما يروي عن النبي ( تتلقاه النفوس بصدور رحبة ونفوس مطمئنة .
أما بعد أن أطلت هذه الفرق بقرنها دخل علينا البلاء ، وذلك لأن هذه الفرق كانت ترد أحاديث الرسول( التي تنقض أصولهم فوضعوا هذه التعريفات الكلامية التي لا تمت بصلة للأمة المحمدية ؛ لأنها أمة شرفها الله بالإسناد ، فهي في غنى عن هذه التعريفات المختلفة .
أما قولهم : " واسندوه إلى شيء محسوس " فالشيء المحسوس إما أن يكون منظوراً أو مسموعاً أو محسوساً بإحدى الحواس الخمس ، أما لو كان شيئاً نابعاً من العقل كالقول بحدوث العالم مثلاً ، فهذا شيء ما شهدوه ، وليس عندهم فيه آثاره من علم ، فالشيء العقلي لا يعتبر شيئاً محسوساً .
( ( (
س / قيل تعريف المتواتر : ما ورواه جميع كثير في كل طبقة من طبقات السند ، بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب .. إلخ .
فهل هذا الجمع حصر بعدد معين! أو ليس له حصر ؟ وهل على التعريف بعض الملاحظات.
ج / أشار الحافظ في " شرح النخبة "(1) إلى أن هذه المسألة اختلف فيها ؛ فمنهم من شرط عدد الأربعة ، ومنهم من قال : خمسة ، ومنهم من قال :اثنا عشر ، ومنهم من قال :عشرون ، ومنهم من قال : أربعون ، ومنهم من قال : سبعون .
أدلة بعض هذه الأقوال :
1 - من قال : إنه يشترط أن يكونوا اثنى عشر :
قالوا : إن الله عز وجل ذكر أن الأسباط الذين اختارهم موسى اثنا عشر { وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطاً أمماً } .
2 - من قال : إنه يشترك أن يكونوا أربعين :
قالوا : إن عدد الأربعين هو الذين لا تقوم الجمعة إلا بهم .
3 - من قال : إنه يشترط أن يكونوا سبعين :
استدلوا بقوله تعالى : { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لمقياتنا } .
4 - من قال : إنه يشترط أن يكونوا ثلاثمائة .(1/3)
استدلوا بأن أهل بدل كانوا ثلاثمائة .
ومن خلال هذه الاستدلالات يظهر لنا ضعف اشتراط العدد (2) ، وهناك من اختار أنهم عشرة كالسيوطي في ( تدريب الراوي ) ، ومنهم من رجح عدم اشتراك العدد كالحافظ ابن حجر .
وكذلك مما يؤخذ على تعريف المتواتر :
قولهم : ( تحيل العادة تواطأهم على الكذب ) : فلا يليق هذا الكلام بصحابة رسول الله ( ، لأنهم لا يمكن أن يتواطئوا على الكذب .
فإما أن يراد بهذه اللفظة : ( تحيل العادة تواطؤهم على الكذب ) جميع طبقات السند ، وطبقة الصحابة هي إحدى طبقات السند ، فهذه اللفظة مستبشعة وينبغي أن تبعد .
وأما أن يقال : ما عدا طبقة الصحابة ، فتستثنى من هذا التعريف .
( ( (
س / هل يشترط في الحديث المتواتر أن ننظر في رجال سنده أو لا يشترط ؟
ج / معظم الذين تكلموا في هذه المسألة قالوا : لا يبحث في رجال الأسانيد ، ولعلهم يقصدون أنه لا يبحث في ضبطهم ، وأما عدالتهم فلا بد من البحث فيها ، وهذا إنما هو في الكلام على حديث النبي والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين .
والصحيح أنه لابد من معرفة عدالة الرواة الذين يروون تلك الطرق ، وأما الضبط فيمكن أن يتسامح فيه ؛ لأنه إذا جاءنا الحديث من طرق متعددة فكل واحدة من هذه الطرق تؤيد الأخرى وتعاضدها ، فيتقوى الحديث بمجموع هذه الطرق ، فإذا كثرت كثرة ظاهرة فبلا شك أن الحديث يفيد العلم في هذه الحال .
( ( (
س/ ماذا يفيد خبر الآحاد ؟.
أهل السنة متى صح الحديث عندهم تلقوه بالقبول والتسليم(3) .
والحافظ ابن حجر يرى أن أحاديث الآحاد قد تفيد العلم النظري بالقرائن وهذه القرائن أنواع :(1/4)
القرينة الأولى : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مما لم يبلغ حد التواتر ، ويستثنى من ذلك الأحاديث التي انتقدت من قبل بعض الحفاظ وبعض علماء الحديث على البخاري ومسلم ، فإذا نحيت هذه الأحاديث على قلتها بقيت الأحاديث الكثيرة من الصحيحين ، فهذه الأحاديث تفيدنا العلم الذي تحصل لنا من خلال النظر ، وقد احتف بهذا الحديث قرائن :
1 - جلالتهما في هذا الشأن .
2 - تقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما .
3 - تلقي العلماء كتابيهما بالقبول .
القرينة الثانية : أن يكون الحديث مروياً من طرق كثيرة لكنه لم يبلغ حد التواتر ، وهو ما يسمى ( المشهور ) .
فهذه الطرق إذا كانت صحيحة ، فكل واحد منها إذا انضمت للأخرى ؛ تحصل لنا من جراء ذلك علم نظري ، فهذه الطرق بمجموعها كونت في نفس الناظر فيها علماً يسمى علماً نظرياً .
القرينة الثالثة : الحديث المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريباً .
فقول الحافظ : ( حيث لا يكون غريباً ) لا معنى له إلا أن يقصد مرتبة وسطاً بين هذه القرينة والقرينة السابقة .
ويقصد الحافظ بن حجر أن الحديث قد لا يصل إلى درجة الشهرة بحيث يكون عزيزاً ، فيكون مروياً عن طريقين مثلاً لكن هذان الطريقان يرويهما الأئمة الحفاظ .
فمثلاً : لو ورد الحديث من طريقين ؛ طريق يرويه الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، وطريق أخرى يرويها مثلاً عن ابن عمر أبنه سالم ، وعن سالم يرويه عبيد الله بن عمر ، وعن عبيد الله يرويه سفيان الثوري ، وعن سفيان الثوري يرويه وكيع ، فالحديث عند الحافظ ابن حجر قد أضيفت قرينة إلى مجرد الصحة ، بحيث يفيد الحديث العلم النظري .
وبكل حال فالمعول عليه صحة الإسناد ، فمتى صح السند ، ولم يكن للحديث علة مظنونة ، فإنه يفيد العلم ، ويجب العمل به .
( ( ((1/5)
س / هل صحيح أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لم يكونا يقبلان الحديث إلا بشاهد ، وأن علياً رضي الله عنه كان يستحلف عند سماع الحديث من محدثه أنه سمعه من رسول الله ( ؟ أليس في هذا طعن في الصحابة وعدم الوثوق بهم ؟
ج / أقول : هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل قليل ، فهذه الأمور من الأدلة التي يستدل بها من لا يرى حجية أحاديث الآحاد .
فالجواب بكل سهولة أن يقال له : أنت الآن خلطت في المسألة ؛ فهل إذا جاءك الحديث من طريقين كما تزعم الآن عن أبي بكر وعمر وعن علي ، أو جاءك أحد واستحلفته ،أو وجدت أنه حُلف فحلف على ذلك الحديث ينتهي الأمر وتقبله ؟ فتجد أن يقول : لا ؛ لأن الحديث ما يزال عنده بتلك الصورة حديث آحاد ، لكنه كالذي يصطاد في الماء العكر ؛ فهو يريد من هذه الأمور أن يطعن فقط ، ولا يريد أن يستدل بها .
فتقول : إما أن تأخذ هذه الأحاديث برمتها ، وإما أن تدعها برمتها ؛ فهي ليست من اختصاصك .
أما الجواب عن هذه الأحاديث على التفصيل فنقول : حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه لم يقبل حديث المغيرة بن شعبة في توريث الجدة إلا بعد أن شهد معه محمد بن مسلمة الأنصاري(4) ، فهذا الحديث حديث ضعيف .
وأما حديث عمر بن الخطاب الذي طلب فيه من أبي موسى الأشعري أن يأتيه بشاهد يشهد معه في حديث الاستئذان (5)، وهذا منهج لهم معروف ، وهو أنهم يتحرزون في رواية الحديث عن الرسول (.
وأيضاً هو قد تعجب عجباً تاماً ؛ إذا كيف أنه كان ملازماً للنبي ( وفاتته هذه السنة العملية طيلة هذه السنوات ولم يحفظها ؟ فأراد أن يتوثق ، والدليل أنه في نهاية الحديث قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت ) .(1/6)
وإذا ما نظرنا إلى عمر بن الخطاب فنجد أن هذا ليس منهجاً موجوداً عنده في جميع الأحيان ، فهو قد قيل حديث عبد الرحمن بن عوف فقط في الطاعون - وهو فرد - ولم يطلب منه شاهداً ولا بينة ، وقيل حديثه أيضاً في مسألة ضرب الجزية على المجوس ، أن النبي ( قال : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) (6)، ولم يأت بهذا الحديث إلا عبد الرحمن بن عوف ، وهكذا في أحاديث كثيرة فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أحاديث من بعض الصحابة ولم يستحلفهم ولم يطلب منهم البينة.
وأما حديث علي بن أبي طالب(7) أنه كان يستحلف ، فهذا الحديث بنفسه حجة على من ذكره ؛ لأنه قال : ( حدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر ) ، ولم يقل ( استحلفت أبا بكر ) - في نفس الحديث .
وأيضاً الحديث في حد ذاته ضعيف ، ويدل على ضعفه أن علي بن أبي طالب كان يقبل حديث الواحد ، ففي حديث المذني يقول : ( كنت امرءاً مذاءً ؛ فاستحيت أن أسال رسول الله ( عن حكم المذي ؛ لمكان ابنته مني .. ) إلى أن قال : ( فأرسلت المقداد بن الأسود ، فسأله ، فأخبره بأن أغسل فرجي وأنضح )(8) ، إذن قبل حديث المقداد بن الأسود ، ولم يستحلفه ولم يشكك إطلاقاً في قبول خبره .
( ( (
س / هل يمكن أن نقول أن حديث الآحاد يمكن أن لا يفيدنا إلا الظن ؟
ج / نقول : نعم ، يمكن أن يأتي هذا في بعض الأحوال المتنازع فيها ، فإذا جاءنا الحديث من طريق واحد ، وفي بعض رواته كلام ، ولكن هذا الكلام لا ينزل حديثه عن درجة الحسن ، وهو من خفف ضبطه .
وكذلك لو جاءنا الحديث من طريقين كلاهما ضعيف ، لكن ارتقى إلى درجة الحسن لغيره .
فهذه الطرق الحكم عليها بالقبول عند فئة من العلماء دون الفئة الأخرى ، فهذا يمكن أن يقال : إنه لا يفيد إلا الظن ، وقد يفيد الظن عند الناظر فيه الذي حسن الحديث لذاته أو لغيره .
( ( (
س / ما المراد بالنسخ في أحاديث رسول الله ( ؟ وكيف نعرفه ؟ وما هي وجوه الترجيح بني الأحاديث ؟(1/7)
ج / النسخ : هو رفع الشارع حكماً متقدماً بحكم آخر متأخر عنه .
وللعلماء في ناسخ الحديث ومنسوخه جهود كبيرة ، ومنهم من برع فيه كالإمام الشافعي - رحمه الله - حتى أن الإمام أحمد كان يثني على الشافعي في هذا الباب أكثر من غيره ، وهو من الأمور الضرورية ، وخاصة لمن أراد أن يتفقه في الأحاديث ، والاهتمام به موجود من وقت الصحابة ، فأذكر في حادثة معينة أن علياً رضي الله عنه مر على رجل يعظ الناس ويذكرهم أو يعلمهم ، فقال : ( هل تعرف ناسخ الحديث ومنسوخه ؟ فقال : لا ، فقال هلكت وأهلكت ) .
ما يعرف به النسخ .
يعرف النسخ بأمور :
القسم الأول : وهو أصرحها ، ما ورد في النص ، كحديث بريدة في صحيح مسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تذكر الآخرة )(9) .
القسم الثاني : ما يجزم الصحابي بأنه متأخر ، كقول جابر : ( كان آخر الأمرين من رسول الله ( ترك الوضوء مما مست النار ) (10).
والقسم الثالث : وهو الأكثر - ما يعرف بالتاريخ ، ويمثلون لهذا بأمثلة كثيرة ، وهي موجودة في كتب الناسخ والمنسوخ مثل ( الناسخ والمنسوخ من الآثار ) للحازمي ، لكن هناك من العلماء من ينازع في التسليم في كون الحديث ناسخاً والآخر منسوخاً في بعض الأحاديث ، ومن الأمثلة التي قد ينازع في كون بعضها ناسخاً والآخر منسوخاً .
1 - حديث افطر الحاجم والمحجوم "(11) ، وحديث : أن النبي ( احتجم وهو صائم (12).
فهذان الحديثان ظاهرهما التعارض ، قالوا : حديث : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) كان في فتح مكة ، وحديث ابن عباس : ( أن النبي ( احتجم وهو صائم ) كان في السنة التي فيها حجة الوداع ، فهذا الحديث يعتبر متأخراً عن الحديث الأول ، فيعتبر ناسخاً له ( هذا من جهة الأقوال التي قيلت ، والمسألة خلافية ، والخلاف فيها طويل ) .(1/8)
2 - المثال الثاني : وهو أوضح من المثال الأول : حديث بسرة بنت صفوان أن النبي ( قال : ( من مس ذكره فليتوضأ )(13) وحديث طلق بن علي أنه سأل النبي ( عن مس الذكر ، فقال " إنما هو بضعة منك "(14) .
فهذان الحديثان ظاهرهما التعارض ، فأحدهما يدل على أنه ناقض للوضوء ، والآخر لا ينفي أنه ناقض .
فنقول :حديث بسرة ناسخ لحديث طلق بن علي ، فحديث طلق بن علي عندما سأل النبي عن هذا الحكم وهو قادم من اليمامة ، فقدم المدينة والنبي في أول قدومه للمدينة وهو يبني المسجد ، فساعد النبي في بناء المسجد ، فسأله عن هذا الحكم .
وحديث بسرة بنت صفوان ( وهي من المهاجرات بعد ذلك ) ، فيكون حديثها متأخر عن حديث طلق بن علي ، ويكون حديث بسرة هو الذي ينبغي أن يعمل به ، وحديث طلق بن علي هو الذي ينبغي أن يترك العمل به .
( وليس معنى هذا أن الرأي مسلم به بين العلماء ، بل هناك من ينازع ) .
ومن القرائن التي يعرف بها المتقدم من المتأخر : إسلام الصحابي ، فلو جاء حديث يرويه أبو هريرة وحديث آخر يوريه صحابي آخر إسلامه قديم ، ونحن نعرف أن أبا هريرة إسلامه كان في السنة السابعة والصحابي الآخر إسلامه متقدم ، فقالوا : هذه قرينة ، وهي أن إسلام الصحابي المتأخر قرينة تفيد أن هذا الحديث يعتبر هو المتأخر ، والآخر هو المتقدم .
وهذه القرينة فيها نظر ؛ لأن هذا الصحابي الذي إسلامه متأخر قد يكون سمع الحديث من صحابي آخر عن النبي ( ، والصحابة كان يروي بعضهم عن بعض ، حتى لو لم يصرح بأنه أخذ الحديث عن هذا الصحابي .
لكن يرد على هذا الإشكال ، وهو لو قال الصحابي : ( سمعت رسول الله ي () ، وهو صحابي متأخر الإسلام ، فهذا يدل على أنه أخذ الحديث متأخراً ؟ قالوا : لا ، فيمكن أن يكون أخذ الحديث عن النبي ( قبل أن يسلم هو .
ويرد عليه أيضاً : لو كان الصحابي لم يلق النبي ( إلا بعد أن أسلم ! ويرد عليه إشكال أيضاً .(1/9)
هل هذا يدل على أن الصحابي الآخر ، الذي إسلامه قديم سمع الحديث من النبي ( في القديم ، فقد يكون سمعه بعدما سمع الصحابي هذا الحديث ، فإذا كان هذان الصحابيان عاشا بعد النبي ( فترة ، وعاشا كلاهما الفترة الأخيرة من حياة النبي ( ، أي أن أحدهما أسلم والنبي في مكة ، ثم استمر وعاشا بعد وفاته عليه السلام ثلاثين سنة ، والآخر لم يسلم إلا في السنة السابعة ، والنبي ( توفي في السنة العاشرة أو الحادية عشرة ، فهناك ثلاث سنوات للصحابي المتأخر الإسلام ، والصحابي الأول قد يكون سمع الحديث في مدة الثلاث السنوات ، فما الذي يدل على أنه سمع الحديث قبل أن يسلم ذلك الصحابي ؟! .
فما يرويه الصحابي المتأخر الإسلام لا يدل على أن حديثه هو المتأخر إلا بقرينة أخرى مثل أن يرد وفي نفس الحديث أن ذلك الحديث المعارض عرف بقرينة أخرى أن ذلك الصحابي تلقاه من النبي ( قبل إسلام هذا الصحابي ، كأن يكون تحدث عن هذا الحديث على أنه في وقعة بدر أو وقعة أحد ، وهما قد وقعتا في السنة الثانية والثالثة ، وإسلام ذلك الصحابي كان في السنة السابعة من الهجرة ، فهنا قرينة تدل على أن أحد الحديثين متقدم والآخر متأخر ، أو يكون ذلك الصحابي صرح بأنه تلقى الحديث من النبي ( حينما كان في مكة ، وهذا لا إشكال فيه .
أما إذا لم يعرف التاريخ فهنا يقع الإشكال .
فنقول : لا يمكن أن يكون الصحابي المتأخر في الإسلام حديثه يدل على نسخ حديث المتقدم في الإسلام .
ومن القرائن :
أن يكون صحابي الحديث توفي قبل إسلام صحابي الحديث الآخر ، فمثلاً الذي يروي الحديث المعارض توفي في السنة السادسة من الهجرة ( في أحد الغزوات ) مثل سعد بن معاذ ، فهنا نعرف أن حديث المتأخر مثل حديث أبي هريرة ينسخ حديث المتقدم .
الكتب المؤلفة في ناسخ الحديث ومنسوخة :
1 - ( الاعتبار في ناسخ الحديث ومنسوخة ) للحازمي .
2 - ( ناسخ الحديث ومنسوخة ) لابن الجوزي .(1/10)
3 - ( ناسخ الحديث ومنسوخة ) لابن شاهين .
وإن لم يعرف التاريخ فلا يخلو إما أن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح المتعلقة بالمتن والاسناد أولاً : فإن أمكن الترجيح تعين المصير إليه .
ووجوه الترجيح بلغت مائة وجه ، لكن نذكر منها :
1 - أن يكون أحد الحديثين أقوى من الحديث الآخر في الصحة .
2 - أن الحديث الناقل عن الأصل مقدم على الحديث المبقي على الأصل .
3 - أن الحديث المحرم مقدم على الحديث المبيح .
ولو فرض أننا لم نستطع أن نرجح فالحديثان متساويان في القوة .
فيقولون : إننا نتوقف عن الحكم بأي من الحديثين(15) ، لأننا نفتقد المرجح بأحدهما على الآخر.
وعبروا بعبارة التوقف تأدباً مع حديث النبي ( ؛ لأن بعض العلماء قال : يتساقط الحديثان ، وهذا فيه سوء أدب مع حديث النبي (؛ لأنها لا تسقط ، وأيضاً فالحديث قد لا يتضح ، إما التوفيق أو الترجيح للذي نظر فيه ، فيتضح الأمر لإنسان آخر ، فيكون الحديث في حقيقة الأمر لم يسقط ، ولكنه لم يتبين له الوجه الصحيح لهذا الحديث .
4 - النافي مقدم على المثبت .
5 - القول مقدم على الفعل .
6 - المتطوق مقدم على المفهوم .
7 - الموافق لمقاصد الشريعة يقدم على غيره .
8 - تعدد القصة ، مثل حديث أبي هريرة في قصة حفظه للزكاة ومجيء الشيطان لأخذ التمر ، وأبو هريرة يمسكه ثلاث ليال ، حتى علمه آية الكرسي وفيها : أنه لا يقربك الشيطان حتى تصبح (16). وردت في بعض الطرق أنها وقعت لأبي بن كعب(17) ، ووردت أنها وقعت لأبي أيوب الأنصاري (18)، فيمكن أن يقال الأسانيد إذا صحت فهذا يحمل على أن القصة وقعت لأبي هريرة وأُبي وأبي أيوب .
( ( (
س / لماذا يرسلون الحديث ؟ أو لماذا لا يذكرون الحديث بإسناده إلى النبي (؟(1/11)
ج / إما أن يكون الواحد منهم أخذ الحديث بناء على أمر ما اشتهر في وقته ، فهو يعرف أن هذا حديث عن النبي (، لكن لا يعرف من رواه ، ولا يعرف إسناده ، ولا يذكر من حدثه به ؛ لأجل هذا توقف العلماء في قبول الحديث المرسل .
وتوقفوا كذلك لأجل أمر آخر ، وهو أن يكون فعلاً يذكر من حدثه ، لكن الذي حدثه ، إما ضعيف ، أو نقله عن راو ضعيف ، وبهذه الصورة قد يقول قائل : لماذا لا يذكر الحديث بكامله ؟
والجواب على هذا أنه قد يدفعهم إلى هذا بعض الأمور ؛ فأحياناً لا يكون الواحد منهم ذكر الحديث على سبيل الرواية عن النبي ( ، وإنما ذكره على سبيل الوعظ أو المناقشة العلمية.
( ( (
س / ما الفرق بين الحديث المنقطع والمعضل ؟
ج / الفرق بين المعضل والمنقطع ، عدم التوالي فقط .
( ( (
س / ما المراد بالحديث المنقطع ؟
ج / الحديث المنقطع : ما سقط من وسط إسناده راو أو أكثر لكن لا على التوالي .
ومن أنواع الانقطاع : إذا روى التابعي حديثاً من الأحاديث عن صحابي معين ، ولكن هذا التابعي لم يلق الصحابي ولم يسمع عنه ، وقد يكون فيه انقطاع بين التابعي والصحابي ، فهذا من أنواع الانقطاع ولكن جرى تعبير العلماء المتقدمين وكثير من المتأخرين على أن هذا مرسل ، وتجد أنهم حينما يذكرون هذا التابعي يقولون : روى عن فلان وفلان ، وأرسل عن فلان وفلان . فمثلاً يأتون إلى أبي إسحاق السبيعي ويقولون : أبو إسحاق السبيعي عن أبي مسعود مرسل ؛ لأنه لم يدرك ابن مسعود.
( ( (
س / كيف نعرف الحديث المنقطع ؟ وما أنواع السقط الخفي ؟
ج / هذا هو الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر حينما قال في ( نخبة الفكر ) ( ثم قد يكون واضحاً أو خفياً ) ، فالانقطاع يكون أحياناً واضحاً وأحياناً يكون خفياً .(1/12)
فالانقطاع حينما يكون خفياً يدركه كل أحد ، والسقط الواضح يدرك بعد التلافي بين الراوي وشيخه بكونه لم يدرك عصره ، أو أدرك جزءاً من حياة الراوي فهذا ما يعبر عنه بالسقط الخفي ، ولا يدركه كل أحد ، وإنما يدركه فطاحلة العلماء .
وأنواع السقط الخفي هي :
1 - المدلس .
2 - المرسل الخفي .
أولاً : المدلس :
وهو من أعسر أنواع الحديث وهو من السقط الخفي .
أما موقف العلماء من المدلس :
فللعلماء فيمن يدلس موقف ، قال الشافعي : ( من دلس لنا مرة فقد أبان لنا عورته ) .
أي أنهم إذا ضبطوا على راو من الرواة أنه أسقط ولو مرة واحدة ما بينه وبين شيخه راو ، فيقولون : هذا الراوي يدلس ، فإذا صرح بسماعه من شيخه كأن قال : حدثني أو سمعت فلاناً أو أخبرني أو نحوها من العبارات التي لا تحتمل الشك ، فإنهم يقبلون حديثه إذا كان ثقة ، وإن كان غير ذلك فهذا مردود من الأصل .
وإن جاء بعبارة مُوهمة تحمل أنه سمع من شيخه الحديث ، وتُحتمل أنه لم يسمعه منه ، مثل أن يقول : ( عن فلان ) أو ( قال فلان ) أو ( أن فلاناً قال ) فيقولون : نحن نتوقف عن قبول حديث الراوي ؛ لأن شرطاً من شروط صحة الإسناد لم يتحقق ، ألا وهو اتصال السند ؛ لأن أحاديث النبي مبنية على الحيطة ، ويُقبل حديث بشرط أن يُصرح بالتحديث من شيخه ، أو تأتينا قرينة أخرى تُفيد هذا الحديث من الأحاديث التي يمكن أن تقبل من هذا الراوي .
مثال ذلك :
سفيان بن عيينة ضُبط عليه أنه دلس ، لكن لما حققوا في طريقة تدليسه قالوا : إنه لا يُدلس إلا عن ثقة ، وهذا لا يعرف لأحد في الدنيا إلا لسفيان ابن عيينة .(1/13)
قالوا : إه قال عن الزهري ، والزهري شيخه ، وسمع منه سفيان كثير من الأحاديث ، فحينما قال : الزهري ، كان العلماء في ذلك الزمان عندهم حساسية له : سمعته من الزهري ؟ فسكت ، ثم أعادوا مرة ثانية ، فقال : عن الزهري ، فهنا ألحوا في السؤال وأعادوه عليه مرة ثانية ، وسكت كما سكت في الأولى ، وأعاد فأعادوا عليه السؤال ، فحينما رآهم يلحون عليه قال : لا ( أي لم أسمعه من الزهري ) . ولكن حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري .
فأصبح بينه وبين شيخه اثنان ، فعبد الرزاق تلميذه ، ولكنه حينما لم يسمع هذا الحديث من شيخه الزهري اضطر للنزول ( أن يأخذ عن تلميذه ) ، فكأنه لثقته بتلميذه وشيخ تلميذه وهو معمر قال : هذان ثقتان وما دمت سمعت من الزهري ، وأنا متأكد أنه صحيح إلى الزهري ، وأن الزهري قد قال هذا ؛ فلا حرج أن أسقط الواسطة بيني وبينه ، وأروي هذا الحديث عنه .
فسفيان لا يدلس إلا عن ثقة ولذلك مثل تدليسه يحتمل ، فإذا جاء الحديث من طريقة بصيغة عن شيخه ، فإن هذا بمعنى حدثني أو سمعت أو أخبرني ، حتى ولو أسقط أحداً بينه وبين شيخه فإنه لا يسقط إلا راوياً ثقة .
والذي دفعهم إلى ذلك أنهم قالوا : إن تدليس سفيان بن عيينة قليل جداً . فلو رددنا جزءاً كبيراً من صحيح سنة النبي (، وهذا فيه مفسدة كبيرة . إلا أن هذا الحكم لا يجري لغير سفيان ، بل يتحفظ عليه .
تعريف التدليس :
هو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه ، كعن وقال ، ونحوها .
واشتقاقه : من الدلس ، وهو اختلاط الظلام بالنور ، أو من اخفاء عيب المبيع ؛ لاشتراكهما في الخفاء .
ثانياً : المرسل الخفي :
كثير من العلماء لم يفرق بين التدليس والمرسل الخفي ، وبعض العلماء المحققين كالخطيب البغدادي ، ومن جاء بعده كالحافظ ابن حجر - قالوا : هناك فرق بني المدلس والمرسل الخفي .(1/14)
تعريف المدلس الخفي : أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه .
ولا يطلع على هذه العلة إلا العلماء المدققون حينما يحققون في أمر هذا الرجل هل سمع من هذا الشيخ أو لم يسمع منه ، فهنا سمي السقط خفياً ، والمدلس أكثر صعوبة في الاطلاع عليه ؛ لأنه تحقق من أن هذا الشيخ شيخه .
( ( (
س / كيف نعرف الإدراج ؟
ج / نعرف الإدراج بحالة من هذه الحالات:
1 - إما بالتنصيص من نفس الذي أدرج ذلك اللفظ ، كأن يبين أنه هو الذي زاد هذه اللفظة.
2 - أن ينص عليه إمام معتبر .
3 - أن يتضح الإدراج بجمع طرق الحديث ، مثل حديث : ( اسبغوا الوضوء )(19) ، جمعنا الطرق لم نجد هذه الجملة في تلك الطرق إلا في طريقين اثنين .
4 - أن يكون ذلك اللفظ يستحيل نسبته للنبي ( ، مثل الحديث الذي فيه : ( فو الذي نفسي بيده لو لا الجهاد والحج وبر أمي لتمنيت أن أكون عبداً مملوكاً )(20) ؛ فوالدة النبي ( ليس حية ، وإنما كانت متوفاة ، وكذلك يستحيل أن يتمنى النبي ( ، الرق ؛ لأن الله اصطفاه مع الأنبياء ، وجعلهم من أواسط الناس ، فلا يكون عبداً مملوكاً حتى لا يزدري .
( ( (
س / لماذا يحصل الإدراج ؟
ج / يحصل الإدراج إما :
1 - الاستنباط حكم فقهي من الحديث .
2 - أو للاستدلال على مسألة معينة ، مثل قول أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( أسبغوا الوضوء )(21) .
3 - أو لشرح لفظة غريبة ، مثلما صنع الزهري(22) .
( ( (
س / ما الرأي في قول من يقول : إن زيادة الثقة لا تقبل إلا بوجود قرائن ؟(1/15)
ج / هذا القول قد يكون له وجاهته ، وقد يكون قائله يريد معنى آخر غير ما يتفهم ، فعليه أن يوضح ما يريد ، فهل مثلاً إذا جاءنا حديث من رواية شعبه وسفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي ، فزيادة سعد بن عبيدة التي زادها شعبه هي زيادة ثقة ، وخالفه سفيان الثوري ، فهل يقال : إن زيادة الثقة هذه غير مقبولة ، ولا يعتبر هذا من المزيد في متصل الأسانيد ؟
نريد أن نسأله هذا السؤال ؛ إذا كان هذا مقصده فقد أخطأ ، وأما إن كان مقصده مثلاً أن الراوي الذي يروي حديثاً قد زاد فيه زيادة ، بينما بعض الرواة لم يزد هذه الزيادة ، فلابد أن نتبين هل هذا المجلس الذي نقل فيه هذا الحديث هو مجلس واحد ، أم هذا الراوي سمع هذا الحديث من ذلك الشيخ في مجلس آخر ، فتعتبر هذه قرينة على قبوله .
أما إذا اتحد المجلس فتعتبر هذا القرينة على رده ، فإن كان هذا مقصده فنقول : هذا كلام له وجاهته بلا شك ، وعلى كل حال لابد أن نسأله لنحدد مراده .
( ( (
س / قول التابعي عن الصحابي في رواية الحديث : ( يرفعه ) أو ( ينميه ) - من الألفاظ الصريحة في رفع الحديث للنبي ( ، فكيف يجعلها ابن حجر مما تلحقه بأنواع المرفوع حكماً؟
ج / أقول : هذه المسألة فيها تفصيل طويل ، والمهم أن هذه الألفاظ وردت في المرفوع حكماً ، لا لأجل أنه فعلاً له حكم الرفع ، ولكنه استطراد في ما لم يصرح برفعه إلى النبي ، فقالوا: وما يكون له حكم الرفع إذا ما قال : ( يرفعه ) ، فالمتصدر بقولهم : ( يرفعه ) أي إلى النبي (، فهذا يعتبر مرفوعاً .
وإذا ما قال : ( يُنميه ) أي ينميه إلى النبي (، فليس المقصود أنه لم ينقله الصحابي ، أو لم يرفعه الصحابي للنبي (.
( ( (
س / كيف نعرف بأن الرجل صحابي ؟
ج / نعرف ذلك بأحد هذه الأمور الآتية :
1 - التواتر ؛ فهل يشك أحد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من الصحابة ؟ ! لا .
2 - الشهرة والاستفاضة من خلال بعض الأمور .(1/16)
مثاله :
1 - ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه اشتهر بحديث قدومه على النبي (.
2 - عكاشة بن محصن رضي الله عنه ذهبت قصته مثلاً .
3 - ورود ذلك صرحة في حديث صحيح ، كأن يكون في حديث من الأحاديث أن النبي ( ، جاء فلان بن فلان ، أو يكون ذلك الحديث إسناده متصل إلى رجل يخبر أن فلاناً من الناس من الذين استشهدوا مع النبي (، أو أي إخبار بطريقة ما بأن هذا الشخص أو ذاك ثبتت له الصحبة .
4 - التنصيص من التابعي على أن فلاناً صحابي ، وهذا يكون بقوله ، كأن يقول : سمعت أحد أصحاب النبي ( وهو فلان بن فلان .
5 - أن ينص هو بنفسه على لقية النبي ( كأن يقول : سمعت النبي ( يقول كذا وكذا ، أو يقول : إنني من الناس الذين صحبوا النبي (، لكن هذا يشترك له شروط :
أ - أن يكون عدلاً في نفسه .
ب - أن يكون دعواه ممكنة فإن ادعى هذه الدعوى قبل سنة 110هـ فهذا ممكن ، وإن ادعاها بعد سنة 110هـ فدعواه مردودة عليه . لأن النبي أخبر في آخر حياة فقال : ( أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)(23) وهذا أقوى الحجج على من يدعي حياة الخضر كالصوفية الذي يدعي الواحد منهم أنه لقي الخضر وشافهه !! .
خرج رجل هندي في القرن السادس يقال له رتن يزعم أنه ممن صحب النبي ( وأن عمره حتى هذا التاريخ فأحدث اضطراباً في هذا ، فرد عليه العلماء في عصره وبعد وفاته ، ومنهم الحافظ الذهبي له كتاب بعنوان : كسر وثن رتن . أ هـ .
( ( (
س / من هو المخضرم ؟
ج / المخضرم هو من عاش في الجاهلية ، وأدرك زمن النبي ( وأسلم ولم يره .
وهناك بعض من صنف في الصحابة مثل كتاب ( معرفة الصحابة ) لأبي نعيم (والاستيعاب) لابن عبد البر ، ( وأسد الغابة ) لابن الأثير ، ( والإصابة ) لابن حجر - هؤلاء ذكروا المخضرمين في كتبهم .
- فابن عبد البر ذكر المخضرمين في كتابه ونبه أنه ذكرهم لمقاربة طبقتهم طبقة الصحبة .
( ( ((1/17)
س / قد يُحدث الشيخ تلميذه بحديث ، ثم ينساه بعد فترة ، فإذا قيل له ذلك قال : لا أذكره ؛ أو كذب عليَّ .
فما موقف العلماء إذا روى عنه ثقة ، والشيخ ثقة ، فأيهما نصدق ؟
ج / نقول : إن جحد مرويه جزماً رد ، أو احتمالاً قبل في الأصح .
- فإذا وجدنا المحدث قال : كذب علي فلان . أما ما حدثته بهذا الحديث فهنا نقول : إنه جحد مرويه جزماً فهناً نرد الرواية ولا نقبلها لكننا لا نصدق المحدث ؛ لأننا إذا صدقناه أثبتنا أن الراوي عنه كذاب مع أنه ثقة .
فنقول : كلاهما ثقة ونتوقف في الحديث ونقول : هناك ليس لا ندري ما منشؤه إما عند هذا أو عند ذاك ؟
أما إن كان جحده للرواية احتمالاً كأن يقول : لا أتذكر أولاً أعرفه ولم يجزم بتكذيب ذلك الذي روى عنه ، فهنا تقبل الحديث ونجعله من قبيل " من حدث ونسي " .
وقد ألف الدارقطني كتاباً فيمن حدث ونسي ، لكن كتابه هذا لا نعرف عنه شيئاً ، لكن الذي وصل إلينا كتاب " تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي " للسيوطي وهو مطبوع .
مثال ذلك : قصة سهيل بن أبي صالح في روايته لحديث الشاهد واليمين ، فسهيل يروي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً ، فسهيل حدث بالحديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثم نسي سهيل الحديث فلقيه بعد ذلك عبد العزيز بن محمد الدراوردي فقال : إنك حدثت ربيعة بهذا الحديث يعرفه ولم يتذكره سهيل .
ثم إن سهيلاً لقي ربيعه فأخذ عنه ذلك الحديث فأصبح يقول : حدثني ربيعة أنني حدثته عن أبي عن أبي هريرة . أ هـ .
( ( (
س / ما الفرق بين الإعلام والمناولة ؟
ج / المناولة أن يكون هناك كتاب معين ناوله الشيخ للتلميذ ، ولكن لم يأذن له به ، أو أذن على تفصيل معروف (24).(1/18)
أما الإعلام فليس هناك كتاب ، ولكنه يقول : الكتاب الفلاني من مسموعاتي ؛ فيقول مثلاً : إن صحيح البخاري أنا أرويه بسندي عن فلان ، عن فلان وصحيح البخاري معروف ، فإن أذن له الشيخ وقال : أذهب فخذه ، فهذه صيغة تحمل صحيحة ، وتكون صيغة التحمل : أعلمني فلان أو أخبرني فلان إعلاماً ، وهي داخلة في أنواع الإجازة .
أما إذا لم يأذن له فتكون صيغة التحمل غير صحيحة وتكون المناولة أعلى منها ؛ لامتيازها بإعطاء الكتاب .
( ( (
س / ما فائدة معرفة مواليد الرواة ووفياتهم ؟
س / من المهم معرفة مواليد الرواة ووفياتهم ؛ لأنه بمعرفة المواليد والوفيات يتضح اتصال السند من انقطاعه ، ويتضح الصادق من الكاذب من الرواة ، وذلك مثل أبي حذيفة البخاري الذي زعم أنه لقي عبد الله بن طاووس . وقال له سفيان بن عيينة : (سلوه : متى ولد ؟ ) فإذا به ولد بعد وفاة عبد الله بن طاووس بسنتين .
فمن خلال معرفة مواليد الرواة ووفياتهم اتضح أن هذا الراوي كذاب ؛ لأنه يدعي السماع من إنسان توفي قبل ولادته هو بسنتين ، فهذا من فوائد معرفة مواليد الرواة ووفياتهم .
وقد نبه ابن حجر - رحمه الله - إلى ضرورة معرفة المحدث بهذه الأمور كلها ، وليس المراد أن يحفها حفظاً ، ولكن لا شك أنه كلما حفظ وأتقن وضبط ، كلما سهلت له المهمة ، فبمجرد أن ينظر في الإسناد يعرف مدى صحة وضعف هذا الإسناد .
ولكن إذا لم يحفز ، فأقل الأحوال أن يكون مستحضراً لهذه الأمور ، فيعرف كيف يبحث في الأسانيد ، ويعرف صحيحها من سقيمها .
وهنا قد يرد سؤال ، وهو أنه إذا وضع إمام راوياً في طبقة ، ووضعه إمام آخر في طبقة ، فهذا الاختلاف بين هذين الإمامين في تحديد طبقة هذا الراوي ألا ينبني عليه أيضاً الخلاف في أن هذا الإسناد الذي جاء فيه الراوي قد يكون عند هذا الإمام متصلاً وعند الإمام الآخر منقطعاً .(1/19)
والجواب : أن هذا لا يرد ؛ لأنك إذا أردت أن تبحث في كتاب ، فابحث في اصطلاح صاحب ذلك الكتاب ، فإنك ستجد مثلاً هذا الراوي الذي وصفه الحافظ ابن حجر في الطبقة العاشرة يروي عن راو وضعه الحافظ ابن حجر في الطبقة الثامنة ؛ حيث إن من في العاشرة يمكن أن يسمع من الطبقة الثامنة .
لكن لو أتيت للذهبي ، فإذا وضع الذي في الطبقة العاشرة في الطبقة العشرين والذي في الطبقة الثامنة في الطبقة السادسة عشر ؟
فننظر هل يمكن أن يسمع الذي في الطبقة العشرين من الذين في الطبقة السادسة عشرة ، نقول : نعم ، بحسب اصطلاح الذهبي ، وبحسب ما نعرف من الفروق في السنن بين كل طبقة وأخرى .
ولكن أن تخلط بين الكتابين ، فتأتي للذي ذكره الحافظ الذهبي في الطبقة فهنا يحدث الاختلال ؛ لأنك خلط بين منهجين مختلفين ، فلابد أن تتقيد بطريقة كل مصنف فقي كتابه .
( ( (
س / ما حكم الحديث المبهم ؟
ج / يقول الحافظ في ( النخبة ) : ( لا يقبل حديث المبهم ) ما لم يسم - ونقول : ولا ينجبر حتى نعرف من المبهم ، وسبب رده لأن شرط قبول الخبر عدالة رواية ومن أبهم اسمه لا تعرف عينة فكيف تعرف عدالته ؟ ! .
( ( (
س / بعض العلماء مثل الشافعي نجده أحياناً يقول : أخبرني الثقة - فشيخه مبهم لكنه زاد على المبهم بأنه وصفه بأنه ثقة ، فهل يقبل التعديل على الإبهام ؟
ج / الراجح أنه لا يقبل لاحتمال أن يكون ثقة عنده ، لكنه غير ثقة عند غيره .
( ( (
س / ما المراد بالمبتدع ، وهل تقبل روايته أم لا ؟
ج / المبتدع هو من وصف بأنه رافضي ، أو قدري ، أو مُرجي ، أو جهمي ، أو خارجي .
وقد قسم العلماء البدع إلى قسمين :
1 - بدع مكفرة .
2 - بدع غير مكفرة .
1 - فالبدع المكفرة :
مثل بدعة التجهم والرافضي الغالي في رفضه وهو الذي يقول بأن في القرآن نقصاً وأن هناك قرآناً غير هذا القرآن ويصرح بتكفير معظم الصحابة أو يدعي أن علياً هو الإله - فهذا الصنف من الرواة روايتهم مرفوضة مردودة .(1/20)
2 - بدع غير مكفرة :
مثل الإرجاء والقدر والتشيع الخفيف .
القدري :
وهو من يقول : إنني لو وصفت وقلت :إن الله قدر الخير والشر على الناس لأصبحت واصفاً الله بأنه ظالم ، وهي مقولة مستبشعة ، وهو أراد أن ينزه الله عن الظلم ، وتجده في باقي أموره منضبطاً .
المرجئ :
وهو من يقول : إن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان ، فالإيمان هو مجرد التصديق ولا تدخل الأعمال فيه ، والإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وتأولهم ناشئ من أخذهم الإيمان بالمفهوم اللغوي .
فيقولون : إن الله قال عن أخوة يوسف : { وما أنت بمؤمن لنا } [ يوسف : 14 ] يعني مصدق لنا ، فالإيمان يعني التصديق وكوننا نُدخل الأعمال في مسمى الإيمان فهذا معنى زائد - هذا قولهم .
المتشيع تشيعاً خفيفاً :
وهو يقدم علياً على عثمان ويوجد فيهم بغض لمعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما ، فيوصف بأنه : فيه تشيع .
الحافظ - رحمه الله - وضع قاعدة استقاها من ابن حبان وغيره ، لكن ابن حبان ركز عليها في مقدمة كتابه المجروحين .
والقاعدة :
نفرق بين الداعية وغير الداعية ، فإذا وجدنا موصوفاً ببدعة غير مكفرة ؛ كالقول بالقدر ، أو الإرجاء أو التشيع الخفيف - فننظر إلى ذلك الراوي هل هو داع إلى بدعته أولا ؟
فإن كان داعياً إلى بدعته رددنا روايته ؛ لأننا لو قبلنا روايته لكان ذلك تأييداً لبدعته ، فما دام أنه رأس في البدعة فإنه تترك روايته كالتعزير والنكاية به .
أما إذا لم يكن داعياً إلى بدعته ، فهذا عندهم فيه قيد :
قالوا : إن كان في حديثه ما يؤيد بدعته رددناه ، ونقبل أحاديثه التي لا تؤيد بدعته . وهذا مذهب لبعض العلماء إجمالاً ، وفي المسألة تفصيل ليس هذا موضعه .
( ( (
س / ما هي شروط قبول الحديث المرفوع الحكمي ؟
ج / شروط قبول الحديث المرفوع الحُكمي هي :
1 - أن يكون الحديث مما لا مجال للرأي فيه .
2 - أن يكون ذلك الصحابي ممن لم يُعرف بالأخذ عن أهل الكتاب .(1/21)
فإذا وجدنا الصحابي لا يأخذ من أهل الكتاب وأخبر عن أمور غيبية ماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء ، أو غيبية آتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة وما بعده .
أو أخبر بفعل يحصل به ثواب مخصوص ، أو عقاب مخصوص كقول عمار : ( من صام اليوم الذي يشك الناس فيه عصى أبا القاسم )(25) - فهذا يدل على أنه أخذ الحديث عن النبي (.
أما إن عُرف أخذه من اليهود والنصارى ، حيث إن هناك بعض الصحابة تسمحوا في المسألة بقول النبي ( : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )(26) مثل : عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، فإذا جاء عنه أمر غيبي فهل نقول : له حكم الرفع ؟
لا ، لاحتمال أن يكون أخذه من أهل الكتاب وبخاصة أنه في غزوة اليرموك عثر على زاملتين ( راحلتين ) مملوءتين كتباً من أهل الكتاب فأخذها وقرأ منها وأخذ يحدث الناس ؛ ولذا نجد من كلامه أشياء يُلمس أنها من الإسرائيليات مثال ذلك : قصة ( هاروت وماروت ) خلاصتها أن ملكين أنزلا إلى الأرض لأنهما سخرا من بني آدم ، فوقعاً امرأة يقال لها الزهرة فمسخت الزهرة إلى كوكب ، والملكان يعذبان ببابل وهما هاروت وماروت .
قال ابن كثير : الصواب أنها من الإسرائيليات التي حدث بها عبد الله بن عمرو عن بني إسرائيل .
أما إن كان ممن عُرف أنه لا يأخذ من أهل الكتاب ، كعبد الله بن مسعود فإنه كان يحارب رواياتهم ، وينقد الصاحبة الذين يأخذون منهم ؛ فمثله يمكن أن نقبل الأحاديث منه التي لها حكم الرفع ، ونطمئن أنه لم يأخذها عن أهل الكتاب .
أما ما أثر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال : ( يأتي على الناس زمان يجتمعون ويصلون في المساجد وليس فيهم مؤمن ) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان ، وصححه إلى ابن عمرو الشيخ الألباني .
يرد إشكال : أن هذا من الأمور الغيبية فهل له حكم المرفوع ؟
نقول : عبد الله بن عمرو بن العاص ممن يأخذ عن أهل الكتاب فلا يكون له حكم الرفع .
( ( ((1/22)
س / ما هي فائدة معرفة الطبقات ؟
ج / فائدة معرفة الطبقات تكمن في نقطتين اثنتين :
الأولى : تمييز الرواة الذين يشتبهون في أسمائهم وأسماء آبائهم وأنسابهم .
الثانية : معرفة الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمدلسة والمرسلة إرسالاً خفياً .
أمثلة :
ونحتاج أن نبين بالمثال هاتين الفائدتين :
فتمثل للفائدة الأولى فنقول :
إن جاء عمر بن الخطاب ، فوجدنا أن عمر بن الخطاب المذكور في السند هنا يروي عن الإمام مالك ، فنقول إن عمر بن الخطاب هذا هو الصحابي الجليل .
إذن ميزنا الرواة عن طريق معرفة الطبقات ؛ فهذا يعتبر في طبقة الصحابة ، وهذا من أتباع التابعين أو من بعدهم أيضاً .
فإذن من فوائد معرفة الطبقات تمييز الأسماء المتشابهة .
وأحياناً قد يحتاج الأمر إلى طول عناء - كما سبق أن بينا سابقاً - فيضطر الباحث إلى أن يعرف الشيوخ والتلاميذ ، وهذا إذا ما كان الراويان في طبقة واحدة أو في طبقتين ولكنهما متقاربتان ، مثل : سفيان الثوري وسفيان بن عيينة ، فنجد أنهما يشتركان في بعض الشيوخ ويشتركان في بعض التلاميذ ، برغم أن سفيان الثوري توفي قبل ابن عيينة بفترة ، فالثوري متوفي سنة مائة وواحد وستين ، وابن عيينة متوفي سنة مائة وثمان وتسعين ، لكن كليهما يروي عن أبي إسحاق السبيعي ، وكذلك كلاهما روى عنه عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب ( المصنف ) .
فإذا جاءنا عبد الرزاق يقول مثلاً : حدثنا سفيان عن أبي إسحاق إلى آخره ، فهنا قد نختار ونقول : مَنْ سفيان هذا ؟
قد يقول قائل : لا يضر ما دام أن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة كليهما ثقة نقول : هذا صحيح ، ولكن أحياناً يكون الأمر مرتبطاً بالشيخ الذي رويا عنه ، فرواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي صحيحة .
وأما رواية سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق السبيعي ففيها كلام أنه روى عنه بعد الاختلاط ، فهنا تكمن الأهمية في تمييز الأسماء المتشابهة .
أما الفائدة الثانية : فتمثل لها فنقول :(1/23)
إذا عرفنا أن هذا الشخص من طبقة التابعين ، ولكنه لم يرو عن أحد من الصحابة ، وهو في نفس الطبقة فيعتبر حديثة مرسلاً إرسالاً خفياً ؛ لأن المعاصرة موجودة لكن اللقي غير موجود ، وكل هذه يتحدد بمعرفة الطبقة .
مثال :
إذا وجدنا واحداً يروي من طبقة سميناها الطبقة الثامنة مثلاً ، ويروي عنه واحد من الطبقة الحادية عشرة مثل مالك أو البخاري مثلاً ، فنقول عن هذين الراويين : إن حديثهما منقطع ؛ لأنه لا يمكن للذي من الطبقة الحادية عشر أن يكون يروي عن الذي من الطبقة الثامنة أو السابعة وهكذا .
فبمعرفة الطبقات نستطيع أن نعرف الإسناد المرسل ، من المرسل الخفي ، من المدلس ، من المنقطع وهكذا . أ هـ .
( ( (
س / ما الفرق بين كتاب ( طبقات الحفاظ ) للسيوطي ، وكتاب ( تذكرة الحفاظ ) للذهبي .
ج / أما " طبقات الحفاظ " للحافظ السيوطي ، فقد أفرد فيه الذين وصفوا بالحفظ ، ورتبهم على الطبقات ، وهذا يختلف عن كتاب " تذكرة الحفاظ " للذهبي ، وإن كان " تذكرة الحفاظ " مرتب على الطبقات ، لكن كتاب السيوطي - فعلاً - أراد الحفاظ الذين عرفوا بحفظ الحديث ، وأما كتاب الذهبي فإنه لا يقصد بالحفاظ الذين عرفوا بقوة الحافظة للحديث ، ولكنه نبه في مقدمة أنه يقصد الرجال الذين أُثر عنهم الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاً وفي الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً ، حتى وإن كان حفظهم ضعيفاً .
وهذا الأمر يجب أن يعلم حتى لا يظن ظان أن كلمن ذكره الذهبي في " تذكرة الحفاظ " حافظ محتج به ، فمثلاً الذهبي ذكر ابن لهيعة في " تذكرة الحفاظ "(27) ، ومعروف أن ابن لهيعة ليس يحافظ ، كذلك ذكر أبا حنيفة ، وأبو حنيفة ، متكلم في حفظه أيضاً ، فهو ضعيف الحديث من جهة حفظه .(1/24)
وهكذا غيرهم ممن ذكرهم ممن حديهم يعتبر من نوع الحديث الضعيف ، لكنه قصد أن هؤلاء أثر عنهم الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاً ، فأين لهيعة تؤثر عنه بعض الأقوال على قلتها ، وكذلك أبو حنيفة - رحم الله الجميع - أ هـ .
( ( (
س / ما المراد بالأسماء المفردة ؟ وهل هناك مؤلف في ذلك ؟
ج / من الأشياء المهمة أيضاً معرفة الأسماء المفردة ، أي الأسماء التي لا تؤثر إلا عن رجل واحد ، ولا يشاركه في ذلك الاسم أحد ، مثل : بيهث ، ومثل : المطوس ، وهكذا ، فهي أسماء لا يوجد منها ف يعلم رجال الحديث سوى ذلك الاسم فقط ، فهذه يقال لها : الأسماء المفردة .
ومن جملة من ألف في هذا الأسماء المفردة أحمد بن هارون المعروف بالبرديجي - رحمه الله - وهو من علماء الحديث المشهورين - ألف كتابه ( طبقات الأسماء المفردة ) والكتاب جزء لطيف مطبوع بتحقيق سكينة الشهابي ، لكن يقول محقق " النزهة " إنه اكتشف أن هذا الكتاب الذي طُبع عبارة عن مختصر للكتاب الأصل ، وأنا لا أعرف عن هذا شيئاً ، وإنما أعرف أن الكتاب مطبوع .
( ( (
س / إذا وضع إمام راوياً في طبقة ، ووضعه إمام آخر في طبقة أخرى ، فهذا الاختلاف بين هذين الإمامين في تحديد طبقة هذا الراوي ألا ينبني عليه أيضاً الخلاف في أن هذا الإسناد الذي جاء فيه الراوي قد يكون عند هذا الإمام متصلاً وعند الإمام الآخر منقطعاً .
ج / والجواب : أن هذا لا يرد ؛ لأنك إذا أردت أن تبحث في كتاب ، فابحث في اصطلاح صاحب ذلك الكتاب ، فإنك ستجد مثلاً هذا الراوي الذي وصفه الحافظ ابن حجر في الطبقة العاشرة يروي عن راو وضعه الحافظ ابن حجر في الطبقة الثامنة ؛ حيث إن من في العاشرة يمكن أن يسمع من الطبقة الثامنة .
لكن لو أتيت للذهبي ، فإذا وضع الذي في الطبقة العاشرة في الطبقة العشرين والذي في الطبقة الثامنة في الطبقة السادسة عشر ، فننظر هل يمكن أن يسمع الذي في الطبقة العشرين من الذي في الطبقة السادسة عشر .(1/25)
نقول : نعم ، بحسب اصطلاح الذهبي ، وبحسب ما نعرف من الفروق في السنين بين كل طبقة وأخرى .
ولكن أن تخلط بني الكتابين ، فتأتي للذي ذكره الحافظ الذهبي في الطبقة العشرين وتنقله لرجل آخر وضعه الحافظ ابن حجر - مثلاً - في الطبقة الثانية عشرة ، فهناك يحدث الاختلاف ؛ لأنك خلط بين منهجين مختلفين ، فلابد أن تتقيد بطريقة كل مصنف في كتابه .أهـ .
( ( (
س / نجد في التهذيب عن رجل مثلاً بعض العلماء يقولون عنه : ( ثقة ) وبعضهم يقول : (ضعيف ) فما العمل ؟
وقد يصدر الحكم المتناقش من إمام واحد مثل ابن معين مثلاً ؛ فمرة يقول : ( ثقة ) ومرة يقول ( ضعيف ) فما الحكم ؟
ج / أمامك أمران :
1 - ننظر إلى هذا الذي جرح وعدل ، وهل هو من الذين يعرفون أسباب التزكية ؟ فإن صدر هذا الحكم من إمام عارف فنطمئن إلى حكمة - فإذا نظرت إلى من عارضه ووجدت أنه إمام آخر عارف مثله فهنا تنظر في النقطة الثانية .
2 - تعتبر هذا الراوي ( ثقة ) حتى يتبين ضعفه ، فتنظر في قول من جرح ، هل جاء بجرح مفسراً أولا ؟
فإذا جاء بجرح مفسر ، فالجرح المفسر مقدم على التعديل في هذه الحال ، فلو قال أحد الأئمة العارفين : فلا " ثقة " .
وقال الآخر : " لا بل هو غير ثقة " ؛ لأنني رأيته يشرب الخمر ، أو لأن فلاناً حدثني أنه رآه يشرب الخمر .
فنحمل قول من وثقه بحسب ما ظهر له ، أما الجارح فجاء بمزيد علم فنحذر الأول ونأخذ بقول المجرح .
تنبيه هام :
لو قال المجرح : إنه يشرب الخمر ! فإننا نلتفت إلى أمور أخرى وهي :
ما هي هذه الخمر التي شربها ؟ فأهل الكوفة يشربون النبيذ وإن كان مسكراً ؛ لأنهم يرون أنه غير حرام ، ويرون أن المحرم ما كان في التمر والعنب .
وتجدهم أحياناً يشربون النبيذ تديناً كأنه يقول : أنا أرى هذا الرأي وزيادة على ذلك أؤكده بأنني أشربه .
قال العلماء : فإذا رأيت الكوفي يشرب النبيذ فلا تجرحه بهذا ، وإن رأيت البصري يشربه فيمكن جرحه بذلك .(1/26)
وعلى الجارح أن يعرف ماذا يجرح به ، وبعضهم قد يكون جرحه يُبنى على أمر ليس بجارح .
مثال :
جرير بن عبد الرحمن جرَّح سِمَاك بن حرب ، فقيل : لماذا جرحته ؟
قال :لأنني رأيته يبول قائماً - لأن جريراً أخذ بحديث عن النبي ( وما عرف أسباب الخلاف ، فهنا حديث آخر يعارض هذا الحديث وهو : ( أن النبي ( أتى سباطة قوم فبال قائماً ) (28).
مثال آخر :
شعبة جرح المنهال بن عمرو فسئل : لماذا جرحته ؟
قال : لأني مررت أمام بابه فسمعت في بيته صوت طنبور - وهو آلة موسيقية فقيل له : أسألته عن ذلك ؟ فقال : لا . لم أسأله .
عقب المزي بعد ذلك فقال : هلا سألته لعله كان لا يعلم .
وإذا وجدنا عبارة عن أبي حاتم الرازي في تضعيف راوة وهي مشعرة بأنه م قبل سوء حفظه كان يقول : " يكتب حديثه ولا يُحتج به " فمعنى ذلك أنه يرى أن الراوي عَدل لكن في حفظه شيء ، ثم نجد هذا الراوي وثقة الحاكم وابن حبان ، ثم نجد الإمام أحمد قال : لا بأس به ( ثلاث مراتب ) فماذا نفعل ؟
نجد الإمام أبا حاتم الرازي من المتشددين في الجرح ، وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التوثيق ، والإمام أحمد من المعتدلين ؛ لذا نأخذ الوسط ؛ ولأن أبا حاتم نظر إلى جوانب الضعف في الراوي ، وابن حبان والحاكم نظر إلى جوانب الإصابة في الراوي ، فكل أخذ بطرف وحكم عليه ولك يحكم بالعموم .
وجاء حكم الإمام أحمد وسطاً وهو قوله : لا بأس به فلم يرتق إلى درجة الضعيف كما قال أبو حاتم الرازي ، ولا إلى الحديث الصحيح كما قال ابن حبان والحاكم ، بل حديثه حسن .
وإذا جاءنا تعديل لا يعارضه جرح نقبله ، وإذا جاءنا جرح لا يعارضه تعديل ففيه خلاف ؛ قال بعضهم : الجرح غير مفسر فالأصل فيه العدالة ، وكيف نقبل جرحاً غير مفسر ؟
والأصوب أن الجرح المجمل يقبل لأن الراوي لا يخلو من أمرين :
1 - أن نقبل هذا الجرح فيه .
2 - أو يكون مجهولاً وحديثه ضعيف فالضعف موجود مهما كان .
( ( ((1/27)
س / هل هناك قواعد تقنن في مسألة اختلاف علماء الجرح والتعديل في تعديل راو أو جرحه ؟
ج / الجواب الذي ذكرته (29)، يعتبر كالقواعد ، لكن لا شك أن يكون هناك بعض الأشكال في الرواة ؛ لذلك نجد العلماء يختلفون في بعض الرواة .
وهذا الاختلاف ينعكس على الأحاديث ، فبعضهم يصحح بعض الأحاديث ، وبعضهم يضعفها بناءً على اختلافهم في أحكام على الرواة .
فليس هناك قواعد محددة مائة في المائة ،ولكن ذلك يخضع لاجتهاد المحدث نفسه .
( ( (
س / ما المراد بالمسانيد ؟ وكيف كان التصنيف أو الترتيب عليها ، وكذلك الأبواب والعلل والأطراف ؟
ج / المسانيد : باختصار هي الكتب التي تؤلف مرتبة بحسب الصحابة ، فيأتون مثلاً بأبي هريرة ، فيذكرون جميع أحاديثه ، ويأتون مثلاً ، لابن عمر ، فيذكرون أحاديثه وراء بعض ، ولا تكون هذه الأحاديث في الغالب مرتبة ، فقد يأتي حديث في الطهارة بعده حديث في النكاح بعده حديث في الزكاة وهكذا .
فمن سلبيات كتب المسانيد أنها غير مرتبة الأحاديث ، ولكن يكتبون أحاديث الصحابي كلها ويجمعونها على حدة ، لكن كيف يرتب هؤلاء الصحابة ؟
للعلماء طرق في الترتيب ، فمنهم من يرتب بحسب الأنساب ، ومنهم بحسب الأفضلية ، وهكذا ، فتجد غالب من رتب على المسانيد بالعشرة المبشرين بالجنة ثم بعد ذلك له طرق .
فإما أن يراعي الأنساب أحياناً أو البلدان ، كما صنع الإمام أحمد ، فإنه بعد العشرة المبشرين بالجنة رأى أن يقدم مسانيد أهل البيت ، وبعد ذلك وضع الصحابة من أههل الشام على حدة ، والحجازيين على حدة ،، وهكذا .
ولكن الأولى والأفضل أن يكون الترتيب على حروف المعجم ، كما صنع الطبراني في كتاب " المعجم الكبير " فهذا أولى وأحسن تيسيراً للطالب العلم .
الأبواب :
أما الأبواب فالمقصود بها أن يُرتب الكتاب على الأبواب الفقهية ، فيبتدأ أولاً بكتاب الطهارة ثم الصلاة ، ثم الزكاة ، إلى آخره ، هذا هو الترتيب على الأبواب .
العلل :(1/28)
أما العلل ، فقالوا : يمكن أن تكون الكتب المؤلفة تعتني بعلل الأحاديث ، فيرتب كتابه على العلل ، أي يذكر الأحاديث المعلولة ، وينبغي له أيضاً أن يرتب هذه الأحاديث على الأبواب الفقهية تيسيراً لطالب العلم .
الأطراف :
أن يأتي بطرف الحديث الذي يدل على بقيته ، ولكن يعتنى بالأسانيد مثل : " تحفة الأشراف " للمزني ، فالأسانيد لا يُغفل شيئاً منها ، أما المتن فيذكر طرفه ، وكانوا يعتنون بالأطراف عناية شديدة ، وكانوا يقولون : " المحدث الذي له أطراف كالذي ليس له أطراف " .
( ( (
س / ما المقصود بالأحاديث المعلقة ؟
ج / الأحاديث المعلمة أو الآثار المعلقة هي التي يحذف أول سندها وربما كامل الإسناد أي أن البخاري - رحمه الله - عنده حديث من الأحاديث يرويه بسنده عن شيخه وشيخ شيخه وهلم جرا - حتى يصل إلى النبي ( ، ولكنه لا يرى أن هذا الحديث على شريطه ، أي ليس بالدرجة التي يريدها من الصحة ؛ فنجد البخاري - رحمه الله - ربما حذف شيخه وعلق الحديث بشيخ شيخه .
فيقول مثلاً : قال سفيان بن عيينة ثم يذكر باقي الإسناد والحديث - وهو لم يسمع من سفيان بن عيينة - ، فسفيان بن عيينة بينه وبينه واسطة ، وربما كانت الواسطة علي بن المديني أو الحميدي أو غيرهم .
وربما حذف من هو فوق شيخ شيخه حتى لربما لم يذكر إلا الصحابي بل لربما حذف الصحابي أيضاً فيقول : قال رسول الله ( - كذا - ، أو يؤثر عن رسول الله ( كذا . هذا هو المقصود بالتعليق .
( ( (
س / في بعض الأبواب يورد الإمام البخاري - رحمه الله - بعض الأحاديث أو الآثار المعلقة ويخلي الباب من الأحاديث ، فلماذا يصنع البخاري هذا الصنيع ؟
ج / هناك من رأى أنه يصنع ذلك عمداً أو لسبب آخر .(1/29)
فبعضهم يرى أن البخاري - رحمه الله - حينما لا يورد في ذلك الباب حديثاً بالسند المتصل إنما يصنع ذلك للإشارة إلى أن هذا الباب لا يثبت فيه شيء - هناك من ذهب إلى هذا المذهب - ، ولكن لا نستطيع أن نجزم في كل باب بأن البخاري - رحمه الله - أراد هذا ؛ لأن تلك الأبواب قد يكون فيها شيء ثابت وصحيح ، بل إن البخاري ربما صححه في خارج الصحيح ، فالجزم بأن هذا هو مراد البخاري فيه شيء من التعسف ، ولكن قد يصنع هذا أحياناً .
وقد يكون أخلى الباب من الأحاديث لكونه فقد الأحاديث التي على شرطه ، أو الأحاديث التي سمعها مما يكن أن يُستدل به في ذلك الباب ، ولذلك ربما اكتفى عن ذلك بآيه أو بأشياء معلقة .
وحينما نجد البخاري - رحمه الله - يأتي ببعض الأبواب هكذا مجردة عن أي حديث وعن أي آية وعن أي آثار معلقة أيضاً ، وإنما يبوب باباً مجرداً فقط ، فيقول : باب كذا وكذا ، ويذكر المسألة ثم ينتقل إلى باب آخر .
ذكروا أن بعض النساخ حينما وجد هذه الأبواب هكذا صنع صنيعاً غير مستحسن ، فبعض الأبواب التي بهذه الصورة يعقبها البخاري بأبواب لا يبوب عليها ، ولكن يذكر الحديث فقط ، فأحياناً يقول البخاري : باب حدثنا فلان ، قال : حدثنا فلان ، وهكذا يورد الحديث أي أنه عكس الصنيع السابق ، فهناك يذكر ترجمة الباب ،وهناك لا يذكر ترجمة ، وإنما يذكر الحديث ، فيأتي بعض النساخ فيجعل هذا الحديث تحت ذلك الباب ، وهنا يقع الإشكال على كثير ممن يريد أن يذكر مناسبة الحديث للباب .(1/30)
فهناك طائفة من العلماء اعتنوا - وبخاصة الشراح - حينما يأتون على الباب الذي يبوب له البخاري - يذكرون مناسبة ذلك الحديث لذلك الباب ، أي لأي شيء أورد البخاري هذا الحديث ، ويذكرون تعلق ذلك الحديث بتلك المسألة ، ولكن في بعض الأحيان يعييهم ذلك الحديث ، فلا يجدون وجهاً من المناسبة لتلك الترجمة ، فبعضهم يكون ممن برع في علم الكلام ، فتجد عنده من التكليف في التأويل ما تجد في محاولة ذكر مناسبة ذلك الحديث بتلك الترجمة .
ولكن إذا عرفت هذه المسألة - كما يقول الحافظ ابن حجر - : يمكن أن يُفزع إليها عند الحاجة ، إذا أعيانا ذكر مناسبة ذلك الحديث لذلك الباب يمكن أن نقول لعل هذا من تصرف النساخ ، فلعلهم دمجوا ترجمة بحديث ليس تحتها .
وأذكر بهذه المناسبة - قبل عشر سنوات - إن لك يكن أكثر - أننا كنا عند شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - ، وكان يُقرأ عليه في صحيح البخاري ولعلني - إن لم تخطئني الذاكرة - أذكر أنه في المجلد السادس من فتح الباري ، فالقارئ ذكر الترجمة ، وذكر حديثاً ، فُسئل الشيخ عن مناسبة ذلك الحديث بتلك الترجمة - فأطرق ملياً ، ثم طلب الرجوع إلى فتح الباري لعل الحافظ ابن حجر يذكر بتلك المناسبة ؛ لأن الشيخ لم يظهر له مناسبة لذلك الحديث بذلك الباب ، فحينما قرأ كلام الحافظ ابن حجر ، وإذا به إما أنه لم يذكر شيئاً أو أنه ذكر أنه لم تظهر له مناسبة ذلك الحديث بذلك الباب ، فطلب الشيخ الرجوع إلى " عمدة القاري " الذي هو شرح " العيني " ، وإذا بالعيني أيضاً بمثل تلك الصورة التي ظهر بها الحافظ ابن حجر .
فمثل هذا هو الذي يقول عنه الحافظ ابن حجر يمكن أن يفزع إليه عند الحاجة فيقال : لعل بعض النساخ أدرج هذا الحديث تحت ذلك الباب الذي لم يكن مقصود البخاري - رحمه الله - إدراجه تحته (30).
( ( (
س / هل استوعب صحيح مسلم كل الصحيح ؟ وما هي مميزاته ؟(1/31)
ج / في الحقيقة أن مسلماً - رحمه الله - لم يدع ذلك - لا هو ولا شيخه البخاري - ، وكذلك البخاري - رحمه الله - ما ادعى أنه حصر جميع الحديث الصحيح ، بل إنه ليصحح أحاديث كثيرة في خارج الصحيح ينقلها عنه الترمذي وغير الترمذي .
وكذلك مسلم - رحمه الله - ما ادعى أنه حصر جميع الأحاديث الصحيحة ، بل نجده يُسئل أحياناً عن بعض الأحاديث فيصححها ، كما ورد في آخر كتاب الصلاة أن أبا بكر ابن أخت أبي النضر سأله عن حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي (أنه قال : ( إذا قرأ الإمام فأنصتوا )(31) ، فقال مسلم : هو عندي حديث صحيح ، فاقل له : لما لم تخرجه في كتابك ؟ أولما لم تضعه هاهنا ؟.
فقال : ليس كل شيء عندي صحيح أودعته هاهنا ، إنما أودعت هاهنا ما أجمعوا عليه .
المقصود أنه - رحمه الله - كان يصحح أحاديث خارج الصحيح والسبب الذي يجعله لا يُودعها في الصحيح : إما لكونها من الأحاديث التي تكلم فيها ، فلا يُريد أن يكون هناك مجالاً للكلام في صحيحه ، وأن كان قد يرد هاهنا اعتراض من يعتر من الطلبة العلم فيقول : بعض الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه تكلم فيها ومخالف في تصحيحها !.
فنقول : مثل هذه الأحاديث لعل مُسلماً ترجح له أنها علل غير مؤثرة ، وأن تلك العلل التي في الأحاديث التي اجتنبها قد تكون مؤثرة وأن كان يترجح له أيضاً أنها أحاديث صحيحة ،ولكن قد يكون إعلالها أقوى .
ثم إنه - رحمه الله - أشار إلى أن انتفاه أي الأثنا عشر ألف حديث - من ثلاثمائة ألف حديث ، والكلام في هذا هو نفس الكلام الذي ذكرته عن البخاري - رحمه الله حينما انتقى صحيحه من ستمائة ألف حديث ؛ فالمقصود إذاً بما في ذلك المكرر بكثرة الطرق ، وبما في ذلك من الموقوف والمقطوع .
ووردت عنه - رحمه الله - عبارة أنه قال : ( ما وضعت في كتابي هذا شيئاً إلا بحجة ن وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة ) .
والمقصود بالحجة الحجج العلمية التي تجعله يُودع أو يذر .
( ( ((1/32)
س / ما هي أسباب تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم عند جمهور المحدثين ؟ وهل هناك من خالف هذا التفضيل ؟
ج / حصل هناك اختلاف في تفضيل صحيح مسلم على البخاري أو العكس ، وجمهور المحدثين يفضلون صحيح البخاري على مسلم في الجملة لعدة أسباب منها :
1 - صحة الأحاديث عند البخاري ، فإنه أصح من الأحاديث عند مسلم وهذا من حيث العدد في الجملة وإلا أحاديث يتفق البخاري ومسلم على إخراجها ، ولكن نظروا إلى شرط البخاري في الصحة وإذا به أقوى من شرط مسلم .
2 - عدد الأحاديث المتكلم فيها عند البخاري أقل من عدد الأحاديث المتكلم فيها عند مسلم .
3 - عدد الرجال الذين تُكلم فيهم ممن أخرج لهم مسلم أكثر من عدد من الرجال الذين تُكلم فيهم ممن أخرج لهم البخاري ، وهذا من حيث جوانب عامة دعت المحدثين إلى أن يفضلوا صحيح البخاري على صحيح مسلم .
4 - هذا بالإضافة إلى من يلتفت إلى الناحية الفقهية فإنه يرى أن صحيح البخاري أحسن من صحيح مسلم ، والسبب البخاري - رحمه الله مزج الحديث بالفقه فأصبح كتابه هذا حديثاً وفقهاً في آن واحد .
تفضيل المغاربة لصحيح مسلم على البخاري :
لكن بعض المغاربة يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري ، وكذلك وردت عبارة عن أبي علي النيسابوري - رحمه الله - من المشارقة أنه فضل صحيح مسلم أيضاً ، ولكن هل هذا التفضيل يقتضي التفضيل في الأصحية أو التفضيل في أمور أخرى خارجة عن حيز الصحة ؟ بعضهم فهم أن هذا التفصيل يشمل حتى الأصحية ، وهذا الكلام تهافت لا يشك إنسان له إلمام بعلم الحديث في أن أحاديث البخاري أصح من أحاديث مسلم ، وكما قلت : في الجملة .
ولكن من حيث الجوانب الأخرى قد يُفضل بعض الناس صحيح مسلم على صحيح البخاري بسببها ، فمن ذلك مثلاً التجيبي عن ابن حزم - رحمه الله - أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري ، وذكر السبب فذكر :(1/33)
1 - أن مسلماً رحمه الله ليس في كتابه سوء الحديث السرد ، بعد المقدمة ، قالوا : إذا هو لم يمزج أحاديث النبي ( بغيرها .
2 - كما أن من جوانب التفضيل جمع مسلم - رحمه الله - لطرق الحديث في مكان واحد ، وليس كالبخاري الذي يفرق هذه الطرق في أماكن متعددة وكما قلت سابقاً :إنها قد تصل إلى أكثر من عشرين موضعاً سبب ما ينتزعه من ذلك الحديث من فقه ؛ فنجد أنه يقطع الحديث ، ربما أورده في الصلاة ثم في الطهارة ، ثم في الزكاة ، ثم في الحج ، ثم الصيام، ثم في غير ذلك من الأبواب ، وفي كل باب نجده يأخذ من الحديث ناحية فقهية ويُودع ذلك الحديث في ذلك الباب لهذا السبب .
أما مسلم فلا يصنع ذلك في الغالب جداً ، قد يقع عنده في بعض الأحيان حديث مكرر في موضعين تقريباً مثل حديث ابن عباس في الأشربة (32) ، في وقد عبد القيس حينما قدموا ، فإنه كرره في موضع آخر ، ولكن هذا قليل جداً عند مسلم - رحمه الله - ، والقلة النادرة لا يبنى عليها شيء ، ولا يُقاس عليها ، ولا يعتبر لها حُكم .
فإذاً الحكم الغالب لما في صحيح مسلم من الأحاديث : أن مسلماً رحمه الله يجمع جميع طرق الحديث ويجمعها في المكان الأليق بها ، فإذا وجد أن معظم مادة ذلك الحديث يمكن أن تُجعل في كتاب الطهارة ؛ جعلها في كتاب الطهارة ، حتى وإن كان فيه بعض المواضع التي يمكن أن يُستفاد منها في كتاب الصلاة ، وفي غير ذلك من الأبواب ، فلا نجده يودعه في تلك المواضع ، وإنما يجعلها في أليق المواضع بذلك الحديث .
3 - ثم إنه يُعنى في ترتيبها ؛ فنجد أنه يقدم الطريق التي فيها أصحية ، ويقدم الطريق التي فيها إجمال ، ثم يرد فيها بالطريق المبنية لها ، ويقدم الطريق المنسوخة يم يأتي بعد ذلك بالطريق الناسخة ،وهلم جرا .
ومن حسن ترتيبه وطريقته في السياق جعلت بعض العلماء يفضلونه على كتاب البخاري .(1/34)
4 - كما أن من جوانب التفضيل في هذا الموضع : أنه - رحمه الله - يُعنى بالمتون عناية فائقة ، فتجد أنه يتحرى ويتحرز في فروق الألفاظ ، فيقول : قال فلان كذا ، وقال فلان كذا .
وحتى في الأسانيد نجد أنه يقول : قال فلان : حدثنا ، وقال فلان : أخبرنا ، وذلك لتفريقه - رحمه الله - بين حدثنا وأخبرنا ، وأما البخاري رحمه الله فلا يُعنى بهذا ، ولعل البخاري يرى التسوية بين حدثنا وأخبرنا ، وهذا فيما يظهر من صنيعه في كتاب العلم ، وأما مسلم - رحمه الله - فيرى التفريق بين حدثنا وأخبرنا .
5 - كما أنه - رحمه الله - إذا كان في المتن زيادة أ, نقصان أو تغير في الألفاظ ينص على ذلك أيضاً ؛ فتجدوه يُورد الحديث بادئ ذي بدء بالطريقة التي ينتقيها ويختارها ، وثم بعد ذلك يأتي بالمتابعات والشواهد ، فإن كان في المتابعة أو الشاهد زيادة لفظ ، ذكره ونص عليه ، وإن كان فيه اختلاف لفظ نص عليه أيضاً وهكذا .
فهذا الصنيع من مسلم رحمه الله جعل العلماء يفضلونه على صحيح البخاري .
6 - كما أن من منهج مسلم - رحمه الله - أنه لا يرى الرواية بالمعنى بخلاف شيخه البخاري ، فالبخاري يرى الرواية بالمعنى ؛ إذا تلقى الحديث بلفظ جوَّز لنفسه أن يرويه بلفظ آخر بشرط أن يكون المعنى هو المعنى ، وأما مسلم - رحمه الله - فإنه يحترز كل الاحتراز عن أي لفظة يُغيرها ويبدلها في الإسناد .
وبعضهم ذكر أن هذا من جوانب التفضيل لصحيح مسلم على البخاري ، وبعضهم ذكر للبخاري عذراً وأن مسلماً يحق له أن يصنع هذا الصنيع .
قالوا : البخاري - رحمه الله - لم يكن يُدون الحديث أثناء تلقيه له عن الشيوخ ، فهو الذي يقول : " رب حديث سمعته بالشام وكتبته بخراسان " ، فإذاً هو يُملي من حفظه فيستحضر المعنى تماماً ثم يُعبر يما يحضره من ألفاظ ، إن استطاع أن يأتي بالحديث بنفس اللفظ فعل ، وإلا جاء بألفاظ تؤدي نفس المعنى الذي تلقاه به .(1/35)
قالوا : أما مسلم رحمه الله فإن ألف صحيحه في بلده نيسابور ، بل بحضور جميع كتبه حينما كان يكتب عن الشيوخ ، فكتبه بين يديه ، بل إن بعض شيوخه كان حياً حينما ألف الصحيح ، فإذا أشكل عليه لفظ ذهب إلى مراجعة ذلك الشيخ عن ذلك اللفظ الذي أشكل عليه ، فلذلك حُق له أن يحترز في هذه الألفاظ ، وأن يأتي بالحديث على وجهه الذي سمعه .
ولأجل هذا وجدنا بعض المغاربة - بالذات - وإن كان قد يصنع هذا غيرهم ممن يسوق المتون - متون الأحاديث - كعبد الحق الأشبيلي في كتابه الأحكام - ينتقون رواية مسلم على رواية البخاري إذا كان الحديث متفق عليه ؛ نجد أنهم يأخذون لفظ مسلم ويدعون لفظ البخاري .
والسبب أنهم يرون أن لفظ مسلم أدق من لفظ البخاري - رحمه الله - ، وهذا فعلاً موجود في صحيح البخاري ، وربما قال بعض الناس : يمكن أن يكون البخاري تلقى الحديث هكذا ، لأننا نجد أن البخاري يورد الحديث في أكثر من موضع ، فنجد في بعض المواضع اختلافاً في اللفظ عن ذلك الموضع السابق .
مثال ذلك : أنه يورد الحديث في كتاب الصلاة بلفظ ، ثم يورده في كتاب الطهارة بلفظ آخر ، وقد يقول قائل : إن هذا بسبب اختلاف الرواية ، يكون تلقى الحديث عن شيخ بلفظ ، وعن شيخ آخر بلفظ آخر .
ولكن جوابنا على هذه المسألة : أقول : إن البخاري - رحمه الله - في بعض الأحيان يأتي بالحديث عن نفس الشيخ في هذا الموضع وفي ذلك الموضع مع اختلاف اللفظ ؛ فدل ذلك على أن اختلاف اللفظ منه هو لا من ذلك الشيخ الذي تلقى ذلك الحديث عنه .
7 - ومن الأمور التي فضلوا صحيح مسلم عن صحيح البخاري بسببها :أن مسلماً - رحمه الله - اقتصر على المرفوع دون الموقوف ، وعلى المتصل دون المعلق .
فإذاً نستفيد من هذا كله أن جانب التفضيل لصحيح مسلم على صحيح البخاري لا من حيث الأصحية ، ولكن باعتبارات أخرى رآها بعض العلماء ورأى بعضهم خلافها ، والمسألة اجتهادية وكلُ له وجهة هو موليها .
( ( ((1/36)
س / نريد إلقاء الضوء على الخلاف الذي حدث حول تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم ؟ وما موقف المغاربة من ذلك ؟
ج / هذه المسألة تكلم عنها الحافظ في شرحه للنخبة بما خلاصته : أنه قد حصل نزاع بين العلماء :
1 - فجمهور أهل الحديث على تقديم البخاري على مسلم ؛ والسبب أنهم راعوا مكانة البخاري بسبب الأصحية .
2 - وهناك نفر يسير ( من أهل المغرب ومن أهل المشرق ) قدموا صحيح مسلم على البخاري ، وحُكي هذا القول عن أبي علي النيسابوري - رحمه الله - من أهل المشرق حينما قال : ( ما تحت أديم السماء أصح من صحيح مسلم ) .
فإن قيل كيف يقال : إنه ليس بسبب الأصحية وأبو علي النيسابوري يتكلم عن الصحة ؟
بينها الحافظ ابن حجر في شرحه للنخبة بأنه لم ينف وجود من يساوي صحيح مسلم في الصحة ، لكنه نفى أن يكون هناك من هو أعلى صحة من صحيح مسلم .
وأما ما نُقل عن المغاربة ، فالذي يظهر أنهم قدموا صحيح مسلم بسبب ترتيبه وسياقه للأسانيد .
لكل من صحيح البخاري وصحيح مسلم مزية ما عدا مسألة الصحة ؛ فصحيح البخاري اعتنى بالناحية الفقهية ، فهو يقطع الحديث ويوزعه في أماكن شتى بحسب الاستنباطات الفقهية التي يستنبطها من ذلك الحديث .
وأما مسلم - رحمه الله - فهو يختار أجمع المواضع لهذا الحديث ويسوق طرق الحديث بأسانيدها المتعددة في موضع واحد .
والصواب في هذه المسألة : تقديم صحيح البخاري على مسلم ؛ لأن شرط البخاري في رجال الإسناد أقوى من شرط مسلم .(1/37)
فمثلاً : حماد بن سلمة في روايته عن ثابت لم يحتج بها البخاري ؛ لأن حماد ابن سلمة اختلط في آخره عمره ، وأما مسلم فاجتهد وأخرج هذه الرواية ؛ فالبخاري أكثر شدة من مسلم ، فهو ينتقي أصح الصحيح ، ويجتنب ما فيه أدنى كلام ، ولذلك تجد الأحاديث المنتقدة على البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة على مسلم ، فمجموع الأحاديث التي انتقدها الدارقطني على البخاري ومسلم 220 حديثاً ،منها ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجها ، ومنا أحاديث أخرجها البخاري ، ومنها أحاديث أخرجها مسلم فقط ، فالأحاديث التي اتفق البخاري ومسلم على إخراجها (110) أحاديث ، وانفرد البخاري بـ ( 32 ) حديثاً وانفرد مسلم بـ ( 78 ) حديثاً .
من حيث اتصال السند شرط البخاري أقوى من شرط مسلم ؛ فمسلم يكتفي بمجرد المعاصرة ، والبخاري يشترك أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة ، لكن هل مذهب البخاري أصح أو مذهب مسلم ؟
والصواب - والله أعلم - التفضيل ؛ فإن كان هناك قرينة يمكن أن تدلل على أن هذا الراوي يمكن أن يسمع من ذلك الشيخ ، فالأصل الاتصال ، وأن لم يكن هناك قرينة قوية ، فأنا أتوقف على الحكم على الحديث بالاتصال .
( ( (
س / ما الفرق بين حدثنا وأخبرنا ؟
ج / المحدثون يفرقون في طريقة التلقي بين ما تلفظ به الشيخ ، وبين ما قُرئ على الشيخ ، فإذا كان الشيخ يُحدث سواءً من حفظه ، أو من كتابه ، ويقرأ على التلاميذ ، وهم ينسخون الأحاديث التي يُحدثهم بها ؛ فهذا يُقال له السماع ، وهو الذي يعبرون عنه " بحدثنا أو حدثني " . فإن كان الطالب تقلى ذلك الحديث في مجلس مثل هذا المجلس فإنه يأتي بصيغة الجمع : ( حدثنا ) لكونه تلقى الحديث مع جماعة آخرين ، وإن كان تلقاه من الشيخ بمفرده قال : ( حدثني ) يعني على انفراد .(1/38)
وأما إذا كان الحديث يُقرأ على الشيخ قراءة مثل مالك - رحمه الله - يدفع الموطأ لأحد التلاميذ فيقرأ وهو يسمع ؛ فإن أخطأ التلميذ رد عليه وصوب ذلك الخطأ وإلا مضى ؛ فهذا يسمونه ( العرض والقراءة على الشيخ ) ، ويعبرون عنه بتعبير دقيق حينما يريد الإنسان أن يُحدث يقول ( أخبرني ) ولا يقول :حدثني . يُشير إلى أنه تلقى الحديث لا من لفظ الشيخ ولكن من التلميذ الذي يقرأ على ذلك الشيخ .
هذا هو السبب الذي يجعلهم يُفرقون بين حدثنا ، وأخبرنا ، فبعض المحدثين يقولون : كلاهما سواء ، سواء أقرأ على الشيخ ، أو قرأ على الشيخ فكل ذلك واحد لكن مسلم - رحمه الله - لا يرى ذلك واحداً ، ولكنه يُفرق بين هذا وذاك ، ولذلك نجده في كثير من الأحاديث ينص على ذلك ، قال فلان : حدثنا .. وقال فلان : أخبرنا وهلم جرا . أهـ .
( ( (
س / لماذا لم يهتم الإمام مسلم بالأسانيد العالية بقدر اهتمامه بالأسانيد الصحيحة ؟
ج / من الأمور التي أحب التنبيه عليها أن مسلماً رحمه الله لم يُعن بالحديث العالي في صحيحه ، والحديث العالي ضد النازل ، والمقصود بالعالي والنازل قلة العدد بين صاحب الكتاب وبين النبي (، أقصد في الرواة .
فإذا كان مسلم - رحمه الله - عند حديث مروي من عدة طرق ، بعض الطرق يكون بينه وبين النبي ( ستة رواة ، وبعض الطرق يكون بينه وبين النبي ( أربعة رواة ؛ فإنهم يقولون للطريق التي بينه وبين النبي ( أربعة رواة : طريق عالية ، والأخرى نازلة .
وقد عُني المحدثون بمسألة العلو ، والذين في طبقة مسلم يحرصون على الأحاديث العالية وبالذات في ذلك التاريخ ؛ فبعضهم ظفر بأحاديث ثلاثية الإسناد ، ثم شيخ صاحب الكتاب ، ووقع في مسند الإمام أحمد - رحمه الله - عدد من الأحاديث الثلاثية بلغ نحو ثلاثمائة حديث ثلاثيات ، أفردها السفاريني - رحمه الله - وشرحها أيضاً في كتابه ثلاثيات المسند .(1/39)
كما أنه وقع لبعض المعاصرين لمسلم بعض الثلاثيات أيضاً ، فهناك ابن ماجة وهو متأخر عن مسلم نوعاً ما ، له ثلاثيات ، بل إن تلميذ مسلم وهو الترمذي له حديث ثلاثي في كتابه ، وهو ما أخرجه في كتابه عن شيخه إسماعيل بن موسى الفزاري قال : حدثنا عمر بن شاكر عن أنس عن النبي ( أنه قال : ( يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر )(33) .
هذا الحديث أخرجه الترمذي بإسناد ثلاثي ليس بينه وبين النبي ( سوى ثلاثة رواة ، وما دام الترمذي من تلاميذ مسلم ، فمن باب أولى أن يوجد هذا عند مسلم أحاديث ثلاثية الإسناد .
فلماذا يا تُرى لم يُخرج مسلم شيئاً من الأحاديث الثلاثية ؟ إنما أعلى ما وجدنا عنده في كتابه رباعي الإسناد - يعني بينه وبين النبي ( أربعة رواة - لماذا لم يُعن مسلم بالثلاثي الإسناد .
السبب انتقاؤه للأحاديث الصحيحة ، وانتقاؤه للطرق الصحيحة ؛ فإنه لو أراد أن يُخرج هذا الطريق الثلاثية سيكون ذلك الإسناد الذي عنده ضعيفاً ، ولذلك بعضهم يقول : إن الأحاديث الثلاثية في سنن ابن ماجة كلها ضعيفة ، وأظن هذا العبارة وردت عن المزي - رحمه الله - فمسلم إذاً تجنب الأحاديث العالية بسبب انتقائه للحديث الصحيح فقط ، وإلا سيكون عنده أحاديث ثلاثية الإسناد .
( ( (
س / علمنا أن رواية ابن داسة تمتاز على رواية اللؤلؤي بأنها أكثر عدداً من الأحاديث ، فهي أكمل من رواية اللؤلؤي ، فهل هذا يعني أن اللؤلؤي برغم طول ملازمته لأبي داود فرط في بعض الأحاديث التي في سنن أبي داود .
ج / الجواب : لا ، لأننا نجد أبا عمر الهاشمي وهو الراوي لكتاب السنن عن اللؤلؤي هذا ويذكر أن الزيادات التي في رواية ابن داسة حذفها أبو داود في آخر حياته لشيء كان يُريبه في إسناده ؛ فلذلك تفاوتتا في العدد .
( ( (
س / ما المراد بالكتب الجوامع والسنن ؟(1/40)
ج / الجوامع : هي الكتب التي أُلفت لتضم جميع أبواب الدين ، بما في ذلك أحاديث الأحكام ، كالطهارة والصلاة ، والزكاة ،وغير ذلك بالإضافة إلى باقي أبواب الدين : كالتفسير ، والرقائق ، والسنة ، والاعتصام بها ، والتوحيد ، وغير ذلك من الأبواب التي لا تدخل تحت باب الأحكام ، هذه هي الجوامع .
ومن أشهرها : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم فهما من الجوامع ، وكذلك كتاب الترمذي فهو يعد من الجوامع أيضاً .
أما بالنسبة للسنن : فإذا التفتنا إلى السنن الأربع أو الثلاث - على اعتبار أن كتاب الترمذي من الجوامع - فإن الكتاني - رحمه الله - في الرسالة المستطرفة عرف السنن تعريفاً كأنه يقصره على هذه السنن الثلاث أو الأربع فيذكر .
أن السنن هي الكتب التي أُلفت لتضم كثيراً من أبواب الدين ، وليس فيها شيء من الموقوف أو المقطوع إلا نادراً .. قال : لأن الموقوف والمقطوع لا يُسمى سنة في اصطلاحهم .
فهل يا ترى هذا التعريف ينطبق على كل كتاب سمي بالسنن ؟
الجواب : لا ، لأننا في السنن ما يخالف هذا التعريف ؛ وذلك من ناحيتين :
أولاً : من ناحية الشمول ، فنجد بعض السنن ما يمكن أن يشابه الجامع في شموليته لجميع أبواب الدين ، ونجد كذلك في السنن ما يكثر فيه إيراد الموقوف والمقطوع ، لأن الموقوف والمقطوع يسمى سنة في اصطلاحهم ، على خلاف ما ذكره الكتاني .
ومن أمثلة ذلك : أن العلماء المتقدمين كابن جُريج ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وهُشيم بن بشير ، وابن المبارك ، كل هؤلاء وغيرهم ألفوا تحت مسمى السنن ، ونجد أنهم حين يؤلفون يجمعون المرفوع إلى النبي ( ويوردون أيضاً الموقوف على الصحابي والمقطوع الذي هو من قول التابعي فمن بعده .
ولكن لأن كتب هؤلاء لم تصل إلينا يمكن أن نمثل بشيء بين أيدينا ذلك أننا نجد سنن سعيد بن منصور أوردت الأحاديث المرفوعة بالإضافة للموقوف والمقطوع ؛ فهذا الكتاب يُعتبر نموذجاً لتلك النماذج التي لم يصل إلينا منها شيء .(1/41)
والسنن والمصنفات بمعنى واحد : فمصنف عبد الرزاق ، ومصنف ابن أبي شيبة هما نفس كتب السنن ، إلا أن الاختلاف فقط في التسمية ؛ فهؤلاء سموه المصنف وأولئك سموه السنن ؛ وهذا فقط هو من باب التفنن في التسمية لا غير .
وسعيد بن منصور سمى كتابه السنن ، وموضوع الكتاب ومادته العلمية تماماً كما هو في المصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة ، فشملوا جميع أبواب الدين ، لأننا إذا نظرنا إلى سنن سعيد بن منصور مثلاً نجد فيها كتاباً للتفسير كاملاً - فسر القرآن من أوله إلى آخره - بالمأثور ليس فيه شيء إلا بالإسناد . كذلك أيضاً نجد فيه كتاب الزهد وهو كتاب لا علاقة له بالأحكام ، كما أن تفسير القرآن لا علاقة له بالأحكام .
فمثل هذا يمكن أن يخرم ذلك التعريف الذي ذكره الكتاني ، ولكننا نستطيع أن نوجه كلام الكتاني على أنه قصد السنن الأربع أو السنن الثلاث فقط ، ولم يقصد شمول جميع ما يسمى بالسنن .
كذلك أيضاً إذا نظرنا في كتاب البيهقي الذي هو ( السنن ) نجد أنه بهذه الصورة أيضاً ، أو نحوها تقريباً ، وقد ركز في الغالب في كتابه على الأحكام ، ولكننا نجده أيضاً يورد الموقوف والمقطوع في كتابه السنن .
كذلك " سنن الدارمي " أيضاً من هذا النوع ، فهو شبيه بالجوامع لشموليته لكثير من أبواب الدين ، كما أنه يورد الموقوف والمقطوع في كتابه هذا .
وأبو داود رحمه الله أراد أن يقصر كتابه هذا على أحاديث الأحكام فقط ؛ لأنه يرى أنها هي التي يرتكز عليها العمل ، وما عدا ذلك فلم ير أن هناك أهمية تدعو إليه ، إذن أبو داود - رحمه الله - نحى منحى آخر في التصنيف . أهـ .
( ( (
س / ما هي أقوال العلماء في الأحاديث التي سكت عنها أبو داود في سننه ؟(1/42)
ج / هناك طائفة من العلماء ذهبت إلى أنه يقصد : صالح للاحتجاج ، ولذلك حينما يوردون حديثاً سكت عنه أبو داود في كتابه السنن يقولون : وهذا أقل أحواله أنه حسن ، لأن أبا داود سكت عنه وهو لا يسكت إلا عن حديث على أقل الأحوال أنه حسن .
وهناك طائفة من العلماء يرون أنه يسكت عن الحديث على أنه صالح للاعتبار ، وإلى هذا المذهب ذهب الحافظ ابن حجر رحمه .
والخلاصة ف يذلك : أننا إذا تأملنا تلك الأحاديث التي يُوردها أبو داود فنجد فعلاً أنه تكلم عن بعض الأحاديث التي فيها - كما يقول - وهن شديد ، ولعل أقرب الأمثلة على هذا إخراجه لحديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - في صفة حجاب المرأة : (وأن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا - وأشار إلى وجهه وكفيه)(34).
وأبو داود - رحمه الله - حينما أخرج هذا الحديث قال : ( هذا حديث مرسل ، خالد بن دُريك لم يُدرك عائشة ) فبين علة الحديث .
فهذا الحديث يصلح أن يكون نموذجاً للأحاديث التي يتكلم عنها أبو داود ويبين ضعفها ووهنها .
هناك الفئة الأخرى وهي ( المسكوت عنها ) ، نجد أن الأحاديث المسكوت عنها في الغالب أنها أحاديث صحيحة ، بل كثير منها مُخرج في الصحيحين أو في أحدهما ، وهذه لا ينص عليها أبو داود أي أن الأحاديث الصحيحة لا يتكلم عنها بل يسكت .
وهناك أحاديث فيها ضعف ، ويسكت عنها أبو داود ولكن ضعفها ضعف محتمل يصلح لأن يكون صالحاً في الشواهد والمتابعات .
وكذلك أيضاً نجده سكت عن أحاديث فيها نكارة ، وفيها وهن ، أو ضعف شديد ، ونذكر لذلك حديثاً كمثال لما نحن بصدده من الأحاديث التي فيها نكارة ، وذلك ما أخرجه في كتابه الأدب من طريق سلم بن قتيبة عن داود بن صالح عن نافع عن ابن عمر أن النبي ( (نهى أن يمشي الرجل بين امرأتين ) (35).(1/43)
هذا الحديث نجد أن العلماء حكموا عليه بالنكارة ؛ وذلك لأن فيه داود بن أبي صالح (36) وهذا وهو منكر الحديث ، فهذا يخرم ما ذكره أبو داود .
( ( (
س / هل الأحاديث التي سكت عنها أبو داود وفيها وهن شديد ولم يُبينها كثيرة ؟
ج / الجواب : لا ، إنما هي أحاديث قليلة ، ولعل النادر لا حكم له ولا يقاس عليه .
أما الأحاديث التي سكت عنها وهي ضعيفة ، فهي كثيرة في كتابه السنن وهذا يدفعنا إلى توجيه عبارته على أنه يقصد بصالح ، أنه صالح للاعتبار لا صالح للاحتجاج .
اللهم إلا أن يكون كلام أبي داود يمكن أن يفسر تفسيراً آخر وهو أنه يمشي على قاعدة شيخه الإمام أحمد وهو أنه إذا لم يجد في الباب شيئاً سوى ذلك الحديث الضعيف ، فالحديث الضعيف أحب إليه من آراء الرجال ، وهو مقدم عنده على آراء الرجال ، فبناءً على هذا يمكن أن يوجه الكلام ، ولكن الغريب أننا نجد في الباب أحاديث غير هذا الحديث الضعيف ، ومع ذلك يورده أبو داود ويسكت عنه ، فهذا يعكر على مثل هذا التوجيه . أهـ .
( ( (
س / هل هناك اختلاف بين العلماء في تسمية كتاب الترمذي ؟
ج / اختلف العلماء في تسمية هذا الكتاب فتعددت أسماؤه .
فنجد منهم من سماه ( صحيح الترمذي ) ، وهذا إطلاق الخطيب البغدادي كما نص على ذلك السيوطي في كتابه " تدريب الراوي " .
ومنهم من سماه ( الجامع الصحيح ) ، وهذا إطلاق الحاكم أبي عبد الله ، كما نص على ذلك السيوطي أيضاً .
ونجد هذا الكتاب طُبع بهذين الاسمين في عدة طبعات ، ومن جملة هذه الطبعات الطبعة التي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - ، وهي متداولة في الأيدي الآن ، نجد أن اسم هذا الكتاب اثبت في هذه الطبعة هكذا ( الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي ) .
فهل إطلاق هذه اللفظة : " صحيح " على كتاب الترمذي صواب أولا ؟(1/44)
الحقيقة أن هذا الإطلاق إطلاق خطأ ، لأننا نجد في كتاب الترمذي الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، والمنكر ،وشديد الضعف بل حتى الموضوع ؛ ولذلك هذه التسمية لا تناسب موضوع الكتاب ، ولم يزعم الترمذي ذلك - رحمه الله - .
ولذلك يقول الذهبي (37) - رحمه الله - في ( الجامع ) علم نافع ، وفوائد غزيرة ، ورؤوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام ، لو ماكدره بأحاديث وأهية ، بعضها موضوع ، وكثير منها في الفضائل.
ويقول أيضاً : انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب ، والكلبي ، وأمثالها .
والمصلوب : هو محمد بن سعيد بن قيس المصلوب في الزندقة ، وهو ممن اتفق العلماء على أنه من الكذابين الوضاعين للحديث .
والكلبي : هو محمد بن السائب الكلبي ، وأيضاً هو أحد المشهورين بالكذب ووضع الحديث.
والترمذي - رحمه الله - يخرج حديث مثل هذين الرجلين ، ولذلك لا ينبغي إطلاق الصحة على مثل هذا الكتاب .
وكذلك أيضاً صنيع الترمذي نفسه في نقده للأحاديث التي يُعلُّها في كثير من الأحيان - يدل على أنه لم يقصد التأليف في الصحيح المجرد .
ومنهم من سماه كتاب الترمذي - ( الجامع الكبير ) كما ذكر ذلك الكتابي في ( الرسالة المستطرفة ) ، وهذه التسمية قليلة الاستعمال ، ولكن الاستعمال الكثير للتسمية التي تلي هذه وهي التسمية بالسنن ، نجد كثيراً من الناس من يُسمون كتاب الترمذي بهذا الاسم (كتاب السنن ) ، وهذه التسمية يمكن أن تكون سائغة وإنما سمي بهذه التسمية لاشتماله على أحاديث مرتبة على أبواب الفقه.
ونجد منهم من سماه ( الجامع ) ، وهذه أصوب ، والسبب أن الكتاب اشتمل على الأحكام وغير الأحكام ، كالتفسير ، والعقائد ، والفتن ، والمناقب ، وأشراط الساعة وغيرها .. وهذه الكتب كلها موجودة في كتاب الترمذي .(1/45)
فبناءً على تقييد السنن على أنها الكتب التي ألفت في معظم أبواب الدين ، وأن الجوامع هي الكتب التي ألفت لتضم جميع أبواب الدين ، ويتضح الفرق .
ولكن هذه التسمية - تسمية الكتاب بـ ( الجامع ) - نجد أنها مختصرة من الاسم الصحيح للكتاب ، فاسم الكتاب الحقيقي هو الآتي :
( الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ( ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل).
هذه التسمية جاءت " صريحة " على بعض النسخ الخطية الجيدة لهذا الكتاب ، ومن أراد المزيد فليطالع رسالة بعنوان " تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي " لـ ) عبد الفتاح أبي غدة ) .
( ( (
س / هل يُسلم لجميع ما في صحيح ابن خزيمة بالصحة ، كما يظهر من كلام ابن الصلاح والعراقي وغيرهما ؟
وهل صحيح ابن خزيمة مقدم على صحيح ابن حبان ؟
ج / فأما بالنسبة للأول : لما قال ابن الصلاح : " ويكفي مجرد كونه - أي الحديث - في كتب من اشتراط منهم الصحيح فيما جمعه في كتاب كابن خزيمة " - نجد الحافظ ابن حجر - رحمه الله - تعقب ابن الصلاح في كتاب النكت ص 290 من المجلد الأول بقوله :
" مقتضى هذا أن يؤخذ في كتاب ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ممن اشترط الصحيح بالتسليم ،وكذا ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين ، وفي كل ذلك نظر .
أما الأول : فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف - يعني ابن الصلاح - ؛ لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن بل عندهما أن الحسن قسم من أقسام الصحيح .. " أ هـ .
لذلك فقد نجد في صحيح ابن خزيمة وابن حبان أحاديث يمكن أن يُحكم عليها بالحسن وهي مدرجة على أنها من الصحيح ؛ والسبب في ذلك أنهما لا يفرقان بين الحسن والصحيح ، بل الحسن عندهما داخل في الصحيح .(1/46)
ويقول الحافظ ابن حجر أيضاً : " وسمي ابن خزيمة كتاب المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في المسند ولا جرح في النقلة " ، وهذه الشروط مثل شروط ابن حبان سواء ؛ تابع لابن خزمية مغترف من بحره ، ناسج على منواله ، وبلا شك لأن شيخه ، ومما يعضد ما ذكرنا احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية الذين يُخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات - كابن إسحاق ، وأسامة بن زيد الليثي ، ومحمد بن عجلان ، ومحمد ابن عمرو بن علقمة ، وغير هؤلاء .
فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وفي كتاب ابن حبان - صلاحية الاحتياج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن - ثم استثنى ابن حجر فقال : ما لم يظهر في بعضها علة فادحة ، وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط المذكورة في حد الصحيح ، فلا ، والله أعلم " . انتهى كلام ابن حجر .
ويقول الحافظ ابن كثير في " مختصر علوم الحديث " : " وقد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة ، وهما خير من المستدرك بكثير ، وأنظف أسانيد ومتوناً وعلى كل فلا بد من النظر للتمييز ، وكم في كتاب ابن خزيمة أيضاً من حديث محكوم منه بصحته ، وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن " . أ هـ .
نستفيد مما تقدم أن الأحاديث التي في صحيح ابن خزيمة أحسن حالاً من الأحاديث فيما عداه سوى الصحيحين ؛ لكن لا يصل إلى درجة الصحيحين والضعيف أيضاً ، وهذا يتضح لمن سبر الكتاب ،لكن نسبة الضعيف به ضئيلة جداً إذا ما قورنت بالصحيح والحسن .
خلاصة ما سبق :
وجملة القول : أنه لا يُسلم لكل ما في صحيح ابن خزيمة بالصحة بل لا بد من النظر في أحاديثه لتمييزها كما قال ابن كثير ، ولا يكتفي بالحكم على الحديث بالصحة لكونه معزواً إلى صحيح ابن خزيمة .(1/47)
قال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي - وهو الذي حقق صحيح ابن خزيمة - قال في مقدمة تحقيقه لهذا الصحيح ما نصه : " أقول : إن صحيح ابن خزيمة ليس كالصحيحين ، بحيث يمكن القول بأن كل ما فيه صحيح ، بل فيه ما هو دون درجة الصحيح ، وليس مشتملاً على الأحاديث الصحيحة والحسنة فحسب ، بل يشتمل على أحاديث ضعيفة أيضاً ، إلا أن نسبتها ضئيلة جداً إذا قورنت بالأحاديث الصحيحة والحسنة ، وتكاد لا توجد الأحاديث الواهية أو التي فيها ضعف شديد إلا نادراً ، كما يتبين من مراجعة التعليقات " أ هـ .
تنبيه :
أحب أن أبين أنه يوجد أحياناً بعض الأحاديث شديدة الضعف مثل ذلك الحديث الذي أخرجه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الصيام من رواية الصحابي سليمان الفارسي - رضي الله عنه - ، وهو الحديث الطويل الذي يستند إليه من يذكر فضائل شهر رمضان ، والي فيه إن شهر رمضان " أوله رحمه ، وأوسطه مغفرؤة ، وآخره عتق من النار " (38).
هذا الحديث الطويل ضعيف شديد الضعف ، مع العلم بأن بعض الناس يغتر بإخراج ابن خزيمة له في الصحيح ، كما أنه - رحمه الله - قد يخرج أحاديث ضعيفة ، ولكنه يخرجها لغرض من الأغراض وينبه على ذلك ، وبعضها يتوقف في الحكم عليه بالصحة .
أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي :
هل صحيح ابن خزيمة مقدم على صحيح ابن حبان ؟
فالذي يظهر من نظرة العلماء المتقدمين للكاتبين أنهم يقدمون صحيح ابن خزيمة على صحيح ابن حبان ، وبذلك صرح السيوطي صراحة وعليه درج الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - .
وقد خالف في ذلك الشيخ شعيب الأرناؤوط محقق صحيح ابن حبان ، وذكر في مقدمة تحقيقه لهذا الصحيح (جـ1 ، ص42،43 ) كلاماً مقتضاه أنه يقدم صحيح ابن حبان على صحيح ابن خزيمة ، وأنا لا أعلم أحد سبقه إلى هذا .(1/48)
فيقول ما نصه : " إن ما ذهب إليه السيوطي لا يُسلم له ، إذ أن صنيع ابن خزيمة هذا يدل على أنه أدرج في صحيحه أحاديث لا تصح عنده ونبه على بعضها ولم ينبه على بعضها الآخر ، ويتبين ذلك بجلاء من مراجعة القسم المطبوع من صحيحه ، ففيه عدد غير قليل من الأسانيد الضعيفة ، بالإضافة إلى أن عدداً لا بأس به من أحاديثه لا يرتقي عن رتبة الحسن ، فأين هو من صحيح ابن حبان الذي غالب أحاديثه على شرط الصحيح .. " .
ثم أخذ يُسهب في الكلام إلى أن قال : " إن صحيح ابن حبان أعلى مرتبة من صحيح شيخه ابن خزيمة ، بل إنه ليُزاحم بعض الكتب الستة ويناقس بعضها في درجاته " أ هـ .
التعليق على كلام الشيخ شعيب الأرناؤوط :
والحقيقة أن موقفنا من هاتين النظريتين - سواء تقديم ابن حبان أو تقديم ابن خزيمة - ينبغي أن يكون موقف الناقد المتبصر ، فالشيخ شعيب الأرناؤوط عنده تساهل في التصحيح ، ويعرف ذلك من سبر منهجه ؛ فحكمه على غالب أحاديث ابن حيان أنها على شرط الصحيح ؛ هذا حكم فيه نظر ، ومن الظلم لابن خزيمة - رحمه الله - أن يُحكم على كتابه بهذا الحكم ، وليس في أيدينا منه سوى الربع فقط ، أما الباقي فإنه مفقود .
فالأولى أن يكون هناك دراسة فيها مقارنة بين هذا الموجود من صحيح ابن خزيمة وما يقابله من نفس الأبواب من صحيح ابن حبان ، فيستعبد ما اتفقنا على إخراجه من الحديث وينظر فيما زاده كل منهما على الآخر ، وفق قواعد أهل الاصطلاح ، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ابن خزيمة - رحمه الله - يذهب إلى عدم تصحيح حديث الراوي الذي لا يعرف بعدالة ولا جرح ، وأما ابن حبان فإنه يصحح حديث الراوي الذي بهذه الصفة ويوافقه عليه شعيب الأرناؤوط ، فهذا يعتبر تغييراً منهجياً عندهم .(1/49)
فابن خزيمة استبعد أحاديث يمكن أن يخرجها في صحيحه ، لو خرجها لأصبحت جملة الصحيح - بناء على نظرة ابن حبان وشعيب الأرناؤوط كبيرة ، ولكن ابن خزيمة يسبعدها لأنه لا يرى تصحيح حديث من لا يعرف بعدالة ولا جرح ، وإذا خرج شيئاً من هذه الأحاديث على قلتها فإنه ينص على التوقف عن الحكم على هذه الأحاديث بالصحة .
ومن ثم ننظر في عدد الأحاديث المنتقدة على كل منها - على ابن خزيمة وعلى ابن حبان - ، ومن خلال ذلك نحكم أي الكتابين أرجح ، وأيهما أصح حديثاً .
تنبيه عام :
مع التنبيه أيضاً إلى أن بعض الأحاديث المنتقدة عند ابن خزيمة لا يلزم ابن خزيمة فيها لازم ؛ لأن منها أحاديث يتوقف في الحكم عليها بالصحة ، ويبين السبب وبعضها يظهر له فيها علة فيما بعد ، لم ينتبه لها حال إخراجه للحديث ، وبعضها يعرف هو ضعفها وإنما أخرجها لكون هذا الحديث صح لديه من غير هذا الطريق ، وبعضها يوردها قصداً لكونها معارضة بعض ما يذهب إليه ثم يُعلها (39).
( ( (
س / ما شروط البخاري في الرواية ؟
ج / الحقيقة أن البخاري - رحمه الله - لم يُفصح عن شرط شرطه في كتابه ، إنما شرطه على وجه العموم الصحة ، لكن ما هو شرط البخاري ؟ هذا تلكم عنه العلماء وأخذوه فهماً من صنيع البخاري في صحيحه ، وما صرح به في تاريخه الكبير ، فيقولون : إن شرطه ينحصر في أمرين اثنين:
في نوعية الرجال : فهو ينتقي من الرجال أناساً لهم صفات معينة .
وفي شرطه في الاتصال .
أما شرطه في الرجال فظاهر ، فإنه - رحمه الله - يُركز على الثقات الذين لا كلام لأهل العلم فيهم ، وإن كان بعضهم كلام ، إلا أن هذا الكلام غير مؤثر فيما يراه البخاري ، ولم يُورد عن الرواة المتكلم فيهم شيئاً في الأصول إلا القليل جداً ، وفي حدود ضيقة .(1/50)
ولذلك لو رأينا كلام الحافظ ابن حجر في الدفاع عن أولئك الرواة الذي تُكُلم فيهم ممن أخرج لهم البخاري في صحيحه ، نجد أن الحافظ ابن حجر يقول في كثير من المواضع : أخرج البخاري له في الموضع الفلاني بمتابعة فلان ، فإذا معنى ذلك أن البخاري لم يخرج له احتجاجاً وإنما أخرج له استشهاداً .
وفي بعض الأحيان - حتى لو احتج به - يقول : ليس له عند البخاري سوى هذا الحديث الفلاني في الموضع الفلاني ، بمعنى أن البخاري لم يأخذ من أحاديث هؤلاء الأقوام الشيء الكثير ، وإنما انتقى انتقاءً ما تأكد لديه وثبت صحته .
وفي كثير من الأحيان نجد أن هؤلاء المتكلم فيهم إذا احتج بهم على تلك القلة كالحديث الواحد ، نجد أن ذلك الحديث يجعله البخاري في الرقائق والمواعظ والكتب التي لا تنبني عليها أحكام ولا عقائد ، وقاعدة أهل العلم معروفة في ذلك الزمان أنهم يتساهلون في أحاديث المواعظ ، فلنلاحظ أن البخاري - رحمنه الله - التساهل عنده في حدود ضيقة جداً إلى حد كبير ن فهو يورد الراوي الذي ربما ترجح عنده أن الكلام فيه غير مؤثر ، ثم إنه ينتقي من أحاديثه انتقاء ولا يكثر منها ، وإذا أوردها أوردها في مثل كتاب الزهد والرقائق ، ونحو ذلك .
أما أن يكون مكثر من الرواية عن هؤلاء الرواة المتكلم فيهم ، فإنه لم يصنع ذلك - رحمه الله - ، وإنما مسلم هو الذي صنع هذا ،ولذلك قالوا : إن شرط البخاري أفضل من شرط مسلم في الرجال ، كما أن شرطه أقوى من شرط مسلم في الاتصال . فإنه - رحمه الله - لا يروي حديثاً بالاستناد المعنعن إلا عن راو تأكد لديه أنه سمع من ذلك الشيخ ، أولقيه بالعبارة الدقيقة ولو مرة ، فإذا تأكد لديه أنه لقي ذلك الشيخ أخرج حديثه في صحيحه ، وإذا لم يتأكد لديه فإنه - رحمه الله - لا يقبل الإسناد الذي بهذه الصورة ، ويرى أنه ليس على شرط الاتصال .(1/51)
هو لم يفصح عن هذا الشرط في كتابه الصحيح ولكنه فهم من صنيعه في تاريخه الكبير ، فإنه ركز على هذه الناحية ، وبمجموع الكلام الوارد في تاريخه الكبير يدل على أن هذا هو مذهبه - رحمه الله - ، وبالذات في كتابه " الجامع الصحيح " .
في بعض الأحيان نجد أنه في بعض الأبواب يورد حديثاً لا تعلق له بذلك الباب إطلاقاً ، لا من قريب ولا من بعيد ، حتى المتكلم في التأويل لا يستطيع أن يقول : إن مناسبة هذا الحديث في هذا الباب كذا وكذا ، لكن يكون الدافع له على إخراج ذلك الحديث في ذلك الباب أنه أخرج حديثاً في ذلك الباب عن طريق راو عن شيخ بالعنعنة يعني قال : " عن فلان " فحتى يبين أن هذا الراوي لقي ذلك الشيخ يتتبع أحاديث هذا الراوي ، فيجد بعض الأحاديث صرح فيها هذا الراوي بتلقيه عن ذلك الشيخ بعض الأحاديث بمعنى أنه سمع من ذلك الشيخ ، فحتى يدلل على أنه ما خالف شرطه في هذا الوضع يورد ذلك الحديث الذي لا تعلق له بذلك الباب لأجل الإسناد فقط ، ليثبت أن هذا التلميذ سمع من ذلك الشيخ ، فهذا هو شرط البخاري - رحمه الله في صحيحه على سبيل الاختصار.
( ( (
س / هل نستطيع أن نقول : إن ملخص المعلق بصيغة الجزم عند البخاري أنها صحيحة إلى من علق عنه ؟
ج / أقول : نعم إذا قال : قال فلان ، فهو صحيح إلى من علق ذلك عنه .
( ( (
س / هل المجزوم به من المعلقات هو ما ورد بصيغة المبني للمعلوم مثل : ( قال ) و ( يقول ) دون (قيل ويقال ) أو ما ورد فعلاً ماضياً ولو مبنياً للمجهول مثل : ( قال وقيل ) دون ( يقول ويقال )؟(1/52)
ج / أقول : في هذه العبارة شيء من الخلط ، فحينما تقول : هل المجزوم به من المعلقات هو ما ورد بصيغة المبني للمعلوم مثل : ( قال ويقول ) دون ( قيل ويُقال ) أو ما ورد فعلاً ماضياً ولو مبنياً للمجهول مثل : ( قال ) . ( قال ) ليس مبنياً للمجهول ، ( قال فلان ) مبني للمعلوم هذه صيغة الجزم ، و ( قيل ) دون ( يقول ) يقول أيضاً مني للمعلوم ، ( يقول فلان كذا ) هذا جزم .
فعلى كل حال صيغ التمريض هي : ما لم يُشر فيها إلى أن ذلك الراوي قد قال ذلك القول فعلاً ، وهذه أظنها - إن شاء الله - ستكون معروفة .
( قال فلان كذا ) ، ( حكى فلان كذا ) ، ( ذكر فلان كذا ) ، ( إن فلاناً قال كذا ) أو نحو هذه العبارات كلها مما يقال عنه إنه صيغة جزم .
( يذكر عن فلان ) ، ( يُحكى عن فلان ) ، ( يُقال عن فلان ) ، ( قيل إن فلاناً قال ) ، ونحو هذه العبارات هذه صيغ التمريض .
( ( (
س / هل هناك تُعنى بمعلقات البخاري بحيث تورد الصحيح منها والضعيف ؟
ج / أما تمييز الصحيح من الضعيف فلا ، إلا أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرحه ينص على هذا ، لكنه ألف - رحمه الله - كتاباً وصل فيه تلك المعلقات أي أوردها بالاسناد المتصل ، وهو كتابه ( تغليق التعليق ) وهو مطبوع ومعروف ، فإن كان مقصوداً السائل : هل وردت تلك المعلقات بالإسناد المتصل ؟
فأقول : نعم في الأعم الأغلب ، وصلها الحافظ ابن حجر في ( تعليق التعليق ) ، أما من حيث التنصيص على صحتها من عدمه ، فهذا ينص عليه الحافظ في الشرح ، أما أن يكون هناك أحد أفرادها بالتمييز بأن يميز الصحيح من غير الصحيح فهذا لا أعرف فيه شيئاً .
( ( (
س / هل شرط الإمام البخاري في صحيحه شرط صحة أم شرط كمال ؟
ج / أقول : أنا فيما يظهر لي أن شرطه في الاتصال شرط صحة ، وأما شرطه في الرجال فشرط كمال ، بمعنى أنه يصحح أحاديث عن رجال لم يُخرج لهم في صحيحه ، لكنه يصحح تلك الأحاديث في خارج الصحيح .(1/53)
فإذا هو أراد في الصحيح أن يأخذ هذا الشرط على أنه شرط كمال ، وأما بالنسبة للاتصال ، فمنهج البخاري - رحمه الله - أن هذا الشرط شرط صحة ، لا يرى أن الحديث صحيح إلا إذا كان عُرف عن كل تلميذ بأنه لقي شيخه ولو مرة .
( ( (
س / ماذا عن روايات الأعمش في صحيح البخاري ، وقول أهل العلم في الأعمش : إنه مدلس ؟
ج / نقول : ما كان في صحيح البخاري أو صحيح مسلم فلا مجال للكلام فيه سواء من رواية الأعمش أو غيره ، وأما ما عدا ذلك ففيه تفصيل ليس هذا موضع ذكره ، وذكرنا ذلك في الكلام في المصطلح في شرح ( ألفية السيوطي ) وربما غيره .
( ( (
س / كيف نرد على من قال في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة مع أن الأمة اتفقت على صحته؟
ج / أقول : هذه المسألة ينبغي ألا تؤخذ بالحساسية التي يُظهرها بعض الناس ، فحينما يتكلم بعض أهل العلم في بعض الأحاديث التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم ، هذا الكلام ليس طعناً منهم في ذات الصحيح ، ولكنهم يقدرون للصحيح قدره ، ولكن هناك بعض الأحاديث التي نص العلماء على أن هناك أحرفاً يسيرة انتقدت عليها ( على البخاري ومسلم ) .
فهذه الأحاديث اليسيرة أو هذه الأحرف اليسيرة - هي التي جعلت بعض أهل العلم ديانة لا يرى أنها بلغت مبلغ الصحة ، فإذا منهجه في تصحيح ذلك الحديث أو رأيه في تصحيح ذلك الحديث يختلف عن رأي البخاري .(1/54)
فإذا كنت ممن يملك آلة الاجتهاد ، فتنظر إلى تلك الأحاديث المختلفة فيها بنظر تلك الحديثية وترجح ما تراه ديانة أو أن تقلد من تثق به ، ولا شك أن تقليد البخاري - رحمه الله - عند من لا يملك آلة الاجتهاد أولى من تقليد غيره ، والسبب أنه - رحمه الله - بلغ مبلغاً من معرفة علل الأحاديث وتحصل له من الطرق ما لم يتحصل عند غيره ، وبخاصة في هذه الأزمان المتأخرة ، فربما تُكلم في حديث من الأحاديث ، البخاري يرى أنه صحيح لمعرفة طرق ذلك الحديث في ذلك العصر ما لم يمكنه من إخراجه في الصحيح بسبب أنه يميل إلى الاختصار ، أو بسبب أن تلك الطرق الأخرى قد لا يكون فيها ما هو على شرطه ولكن من خلالها يستشف أن ذلك الحديث له أصل ثابت ،وهلم جرا .
لكن أيضاً أرشد الأخوة إلى أنه لا ينبغي أن يُتلقى هذا الأمر بهذه الحساسية ، فالدارقطني - رحمه الله - ينتقد على البخاري أحاديث فهو يقال عن الدار قطني إنه متعسف أو أنه متهور ، أو أنه يطعن في الصحيح ، أو ما إلى ذلك ؟ بل غير الدارقطني كالجياني وله كتاب في انتقاد بعض الأحاديث في الصحيح ، وغيره أيضاً مثل ( ابن القطان الفاسي ) وغيرهم من العلماء بعضهم تكلم في بعض الأحاديث التي يرون ديانة أنه لا يمكن السكوت عليها ، فلا ينبغي أن يطعن في هؤلاء العلماء الذين بهذه الصورة .
ولكن هذا مجتهد وهذا مجتهد ، وأما نحن فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إن الأمة تلقت ما في الصحيحين بالقبول على وجه الإجمال ، وهناك أحاديث خالفهم فيها بعض العلماء لهم اجتهاداتهم ، غفر الله للجميع .
( ( (
س / ذكرتم أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم هو صحيح إلى من علقه عنه ، فنرجو إفادتنا بمكان تصريح البخاري بذلك ؟
ج / ما أدري هل السائل يقصد بإفادته بمكان تصريح البخاري بأن ما علقه بصيغة الجزم فهو صحيح ، يعني هل هو الذي صرح بهذا ؟(1/55)
أقول : لا ، البخاري يصرح بهذا ، ولكن العلماء الذي تعبوا وأمضوا فترة طويلة من عمرهم في مدارسة صحيح البخاري عرفوا هذا الأمر عن البخاري - رحمه الله - ، مثل الحافظ ابن حجر وغيره أيضاً ، فالحافظ ابن حجر مكث في شرح الباري حوالي ثلاثة وعشرين سنة ، وهذه السنون ليست بالأمر الهين ، حينما تتبعوا هذه الأحاديث وجدوا أن ما أورده البخاري بصيغة الجزم ، فهو صحيح إلى من جُزم به عنه ، عرفوا ذلك بالاستقراء والتتبع ، وأما أن يكون البخاري - رجمه الله نص على هذا صراحة فلم ينص عليه .
أما إن كان مقصود السائل أين موقع تلك الأحاديث فهي مفرقة في صحيح البخاري في كل الأبواب ، أو في كل الكتب وفي كثير من الأبواب ، يورد البخاري فيها هذه الأحاديث مرة بصيغة الجزم ومرة بصيغة التمريض ، فليس ذلك في موضع معين .
( ( (
س / هل الحديث الضعيف يُعمل به عند المتقدمين أم لا ؟ نرجو التفصيل .
ج / هذه المسألة أيها الأخوة اختلفت فيها أقوال أهل العلم ، فهناك طائفة من أهل الحديث مثل يحيى بن معين والبخاري ، وابن حاتم الرازي وأبي زرعة وغيرهم - لا يرون العمل بالحديث الضعيف إطلاقاً ، وهناك طائفة من أهل العلم يرون أنه يمكن العمل بالحديث الضعيف لكن بشرط : شروط صرحوا بها صراحة ، وشروط عُرفت بالاستقراء أو من لوازم ذلك القول .
من هذه الشروط التي عُرفت أو حددوها صراحة :
الشرط الأول : ألا يكون ضعفه شديداً .
بمعنى أن يكون الضعف ناشئاً من سوء حفظ الراوي أو جهالة حالة أو نحو ذلك ، أو انقطاع يسير أو نحو ذلك من العلل الخفية ، أما إذا كان الضعف شديد فهذا يخرج عما أرادوه .
الشرط الثاني أن يكون ذلك الحديث في فضائل الأعمال :(1/56)
والرقائق والزهد ونحو ذلك من الأمور التي لا ينبني عليها كبير عُمل ،أما ما يتعلق بالأحكام والعقائد ونحو ذلك من الأمور التي تحتاج إلى أسانيد صحيحة ثابتة فهذا يخرج بالأحكام والعقائد ونحو ذلك من الأمور التي تحتاج إلى أسانيد صحيحة ثابتة فهذا يخرج عما أرادوه ، وهذان الشرطان تتفق عليهما عندهم وصرحوا بذلك صراحة كما قال بعضهم : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا - ويقول بيده هكذا ، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا .
الشرط الثالث : أن يكون الحديث مندرجاً تحت أصل عام :
بحيث لا يقرر أصلاً بذاته خشية من الدخول في باب البدع ، ويمكن أن يمثل لهذا بمثل الأحاديث التي تحث على صلاة الجماعة والتي فيها ضعف ، صلاة الجماعة فيها أحاديث صحيحة ثابتة ، لكن إذا جاءنا حديث فيه ضعف يسير بهذه الصورة التي ذكرناه فهو يندرج الآن تحت أصل عام .
فالأصل العام أن صلاة الجماعة واجبة بأحاديث صحيحة لا مطعن فيها فكون هذا الحديث ينضم لتلك الأحاديث لا يُشكل كبير خطأ .
لكن إذا كان ذلك الحديث لا يندرج تحت أصل عام ، فحينذاك يمكن أن يدخل في باب الابتداع ، كأن يحدث الحديث على أداء عبادة من العبادات في وقت معين أو في مكان معين ، ولم يصح فيه شيء ولم يثبت فيه شيء ، فهذا يخرج عما أرادوه أيضاً .
الشرط الرابع : قالوا : ألا يعتقد عند العمل به ثبوته :
يعني إذا كان رأي العمل بالحديث ضعيف ، فلا ينبغي له في هذه الحال إذا عمل به أن يعتقد أن ذلك سنة ثابتة عن النبي ( ويدعو إليه ويحث عليها ، وإنما يعتقد الاحتياط ، يقول : أنا أفعل هذا احتياطاً ، وإن صح فقد عملت به ، وإن لم يصح فلا ضرر علي حينذاك حينما عملت به .
هذه هي الشروط التي اشترطوها في العمل بالحديث الضعيف ، ولكن الذي أميل إليه هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن الحديث الضعيف لا ينبغي أن يُعمل به ؛ لأنه كما هو واضح من كلامهم يعتقدون الاحتياط أو يعملون به احتياطاً - يقول :(1/57)
" وهذا الحديث في الحقيقة لا يفيد إلا الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ) يقولون : ( قد يكون ذلك الراوي أصاب حينما حدث بذلك الحديث ، ولكن لأنه متكلم في حفظه لم يصح الحديث بناءً على القواعد التي اشترطها أهل الحديث ، ولكن قد يكون ذلك الراوي ضبط ذلك الحديث ، فهذا ظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً .
ثم إن تطبيق هذه القواعد التي اشترطت من الصعوبة بمكان ، بدليل أن الذين أصبحوا يعملون هذه الأحاديث لم يطبقوا هذه القواعد وإنما إذا تكلمت مع أحدهم وقلت : يا أهي هذا الحديث ضعيف ، قال : يا أخي يعمل به في فضائل الأعمال ، وقد يكون هو أورده في الحلال والحرام ، أو جاء بحديث ربما موضوع ، أو على الأقل ضعيف شديد الضعف ، ومع ذلك يورد لك هذه العبارة : يعمل به في فضائل الأعمال !! أو عمل به أهل العلم في فضائل الأعمال ، فيقال له : هل طبقت أنت الشروط التي اشترطت لمن يريد أن يعمل بالحديث ؟ فتجده لم يطبق هذه الشروط .
ولذلك قالوا : إن العمل بالحديث الضعيف يُدخل في باب الابتداع ، فحتى نسد باب الذرائع نقول : لا ينبغي العمل بالحديث الضعيف وأي شيء يراد من العمل به ؟ ! يعني ليس هناك مصلحة ظاهرة تنبني على العمل بذلك الحديث الضعيف ، ففيما ثبت وصح عن النبي ( غنية عن ما لم يصح ويثبت .
( ( (
س / سائل يسأل عن حديث جبريل وقولكم : إنه عن ابن عمر ، وأنا أحفظه - كما في الأربعين النووية - عن عمر ، فهل هو روايتان ؟
ج / أقول : هذا الحديث تجنب البخاري إخراجه في صحيحه لهذا الاختلاف ، فبعضهم يرويه عن ابن عمر ، وبعضهم يرويه عن ابن عمر عن عمر ، فهذا الاختلاف جعل البخاري - رحمه الله - يعرض عن إخراج هذا الحديث .(1/58)
نعم هو جاء في بعض الروايات عن ابن عمر عن عمر ، وفي بعضها عن ابن عمر نفسه ، وهذا الاختلاف أنا لا أرى أنه مؤشر ،فكيفهما دار الحديث فهو على صحابي ، وساء كان الراوي عمر فهو صحابي ، أو كان ابن عمر يرويه عن عمر ، فكلاهما صحابي رضي الله عنهما .
( ( (
س / ذكر ابن الجوزي في الموضوعات حديثاً من صحيح مسلم ، فما هو هذا الحديث؟ وما هو السبب الذي دعا ابن الجوزي إلى ذلك ؟ وهل الحديث من المعلقات الأربع عشرة ؟
ج / أما كونه من المعلقة فلا ؛ فالحديث من الأحاديث الموصولة ، وأنا نسيتها الآن(40) ، والسبب الذي دعا ابن الجوزي إلى إبداع ذلك الحديث في الموضوعات ؛ فابن الجوزي - رحمه الله - أحياناً يأخذ بعض العلل التي تظهر له بسبب نقده للمتن ، ثم يودع الحديث في الموضوعات ،ويحكم عليه بالوضع ، وهذا الصنيع منه غير جيد وإن كان قد يستجار في بعض المواضع .
نعم نكارة المتن قد تدلل على أن الحديث موضوع ، ولكن ما هو ضابط النكارة ؟
النكارة التي لا يختلف فيها ؛ كأن يكون الحديث يخالف قاعدة من قواعد الإسلام المشهورة ، فهذا هو الحديث المنكر لا يتماري فيه ، مثال ذلك الحديث الذي يروي أن النبي ( قال : ( أنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله )(41) فهذه الزيادة ( إلا أن يشاء الله ) تجعلنا نتيقن تماماً أن هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة قطعاً لأنه يخالف كتابا لله ويخالف صحيح سنة النبي ( ، فالله جل وعلا يقول عن النبي ( : ( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ( (42)، والنبي ( في الحديث الصحيح يقول : (( لا نبي بعدي ))(43) .
فإذاً هذا يدل على أن هذا الزيادة تخالف قاعدة من قواعد الإسلام المعروفة ، فلا يشك أحد في مثل هذه النكارة (44).(1/59)
ولكن إذا كان هناك استنكار لبعض الألفاظ مثل ما حصل منه - رحمه الله - في حديث الصبغ بالسواد وهو حديث ابن عباس أن النبي ( قال : (( يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة ))(45) .
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح ، وغير الإمام أحمد ، فابن الجوزي ما راق له متن هذا الحديث ، فحكم عليه بالوضع ، وتكلف في إيجاد علة له ، وجد في الإسناد راوياً يقال له عبد الكريم ، فقال : عبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق الضعيف .
نقول : حتى ولو كان هو الضعيف فلا يجوز لك أن تحكم على هذا الحديث بالوضع ، فالضعيف غير الموضوع ، ومع ذلك فعبد الكريم هذا ليس هو ابن أبي المخارق الضعيف ، وإنما هو عبد الكريم الجزري الثقة ، وأخطأ ابن الجوزي في حكمه على هذا الحديث .
فإذا هو أحياناً ينتقد المتون ، ويتكلف في إيجاد العلة فلست أذكر علة هذا الحديث الذي في صحيح مسلم الآن ، والذي أودعه ابن الجوزي في الموضوعات ، ولكن إذا كان هناك شيء من الإعلال فإنها من العلل الخفية أو الخفيفة والتي يمكن أن تتلافى ، وأن يُغض الطرف عنها ، وأن يُحسن الظن بالصحيح من أجلها ، فيقال : إن هذه العلة لا ترد في هذا الموضع كما هي العادة في أحاديث الصحيحين التي قد يكون فيها بعض العلل التي أشرت إليها .
( ( (
س / شنع الإمام مسلم في مقدمة صحيحه على من اشترط في الإسناد المعنعن ثبوت اللقاء ، فمن الذي يقصده في هذا التشنيع ؟. هل هو شيخه البخاري أو علي بن المديني ؟ أم لم يكن يقصد أحد ؟ ، فإن كان الجواب أنه لم يقصد شيخه فما توجيه عدم إخراجه عن شيخه البخاري في صحيحه ؟ .(1/60)
ج / أقول : بالنسبة لكلامه في المقدمة ، فكلام الشراح الذين تكلموا يقولون : إنه يقصد البخاري ، والتشنيع يحصل أحياناً بين بعض أهل العلم ، فهذا أبو زرعة الرازي تكلم في مسلم في ذلك المجلس الذي أشرت إليه حينما قال : " ولمن ترك الباقي " حينما قيل له : إنه أخرج أربعة آلاف حديث صحيح ، فقال " ولمن ترك الباقي " ، ثم قال بعد ذلك عبارة - ما كان له - رحمه الله - أن يقولها - قال : " هؤلاء قوم تعجلوا الشهرة قبل أوانها " فكأنه يتهم مسلماً بأنه أراد الشهرة بتأليفه هذا الصحيح ، وهذه زلة من أبي زرعة في حق مسلم رحمهما الله تعالى .
ومع ذلك نجد أن أبا زرعة وغيره ممن أثنى على مسلم ووثقه ووصفه بجودة الحفظ ، فلا ينفي هذا - توثيقه مسلم - أن يتكلم فيه لبعض الأسباب أو لسبب من الأسباب .
كما أن مسلماً - رحمه الله - برغم أن البخاري شيخه وهو معظم لشيخه البخاري ، فإنه سبب مخالفته له في مسألة الإسناد المعنعن قد ترد منه بعض العبارات التي يُرى أنها شديدة ، ولكن ما دام أنه لم يصرح باسم الشيخ ، فلأجل انتصاره لرأيه يستخدم هذه العبارات للتأكيد على قوة رأيه رحمه الله تعالى . فالذي يظهر أنه يقصده ، ويقصد شيخه علي بن المديني .
أما لماذا لم يخرج للبخاري في الصحيح ؟ ذلك لأنه لو كان خرج للبخاري في الصحيح لأصبح كتابه هذا عبارة عن تكرار لكتاب شيخه ، ولكنه كما يقول الدارقطني : إنه عمل مستخرجاً على صحيح البخاري ؛ يعني تلك الأحاديث التي توافق البخاري فيها ، نجد أنها المستخرج على صحيح البخاري ، وأما الأحاديث الزائدة التي ليست في صحيح البخاري ، فالأمر فيها ظاهر ومعلوم .
فإذاً نقول : إنه حين لم يُخرج للبخاري من قبيل التفنن في الرواية لا غير ، ولا يدل هذا على أنه لم يخرج له لأجل أنه مخالف له ، أو غير ذلك من الأسباب .(1/61)
بل إنه - رحمه الله - تجنب الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي ، والسبب أنه الذهلي تكلم في شيخه البخاري ، فتجنب الرواية عنه في الصحيح ، فلا نجد لمسلم رواية عن محمد بن يحي الذهلي ولا حديثاً واحداً في الصحيح ، برغم أنه تلقى عنه أحاديث ، وبرغم أن أبا زُرعة انتقده على هذا الصنيع ، فإن مسلماً حينما قام من مجلس أبي زرعة قال : ليس لهذا عقل ، من أجل أنه لم يرو عن محمدبن يحي حديثاً واحداً ، وكل هذا الكلام في حق مسلم من أبي زرعة ما ينبغي ، ولكن مسلماً اجتهد فرأى أن محمد بن يحي الذهلي افترى على شيخه البخاري فهجره لهذا السبب .
( ( (
س / هل هناك من مراجع لنعرف منهج الإمام مسلم في صحيحه ؟.
ج / أقول : من أهم المراجع التي يمكن أن يرجع إليها:
أولاً : شرح النووي لصحيح مسلم ، فإنه في المقدمة تكلم بكلام جيد في وصف منهج مسلم - رحمه الله - في صحيحه .
ثانياً : كذلك أيضاً في ختم صحيح مسلم للسخاوي له رسالة جيدة ، فالسخاوي من عادته أنه إذا قرئ عليه كتاب ختمه بذكر فوائد هذا الكتاب ويترجم لصاحبه ، ويبين منهجه في هذا الكتاب ، وله كتاب في ختم صحيح مسلم ، وكتاب في ختم سنن النسائي ، فهذا الكتاب مطبوع وموجود . هذه من أهم الكتب التي يمكن الرجوع إليها .
( ( (
س / هل يمكن أن يكون سبب تأليف مسلم لصحيحه هو سؤال تلميذه أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان له بكتابة صحيحه لكثرة الأحاديث الضعاف واختلاطها ؟
ج / أقول : لعل مراد السؤال أن مسلماً رحمه الله في مقدمة الصحيح قال : إنك سألتني - رحمك الله - عن كذا وكذا ، فهل مسلم - رحمه الله - يقصد تلميذه ، أو كما في شرح صحيح مسلم : يقصد المجاز في مثل هذا الكلام ، أي كأن الطلبة سألوه ، أو لربما وقع ذلك حقيقة من سؤال بعض الطلبة له ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، ولكن ظاهر العبارة أنه سئُل فعلاً .(1/62)
أما كون التلميذ هو الراوي للكتاب ، فليس هو الراوي الوحيد ، فكما ذكرنا أن هناك روايات غير رواية ابن سفيان هذا .
( ( (
س / ما رأيك في ذلك الشعر في التفريق بين صحيح البخاري ومسلم ؟
تشاجر قوم في البخاري ومسلم
فقلت : لقد فاق البخاري صحة
لدي وقالوا : أي ذينا تقدم
كما فق في حسن الصناعة مسلم
ج / أقول : هذان البيتان قالهما أحد العلماء الذين سئلوا عن صحيحي البخاري ومسلم ، وهما بمعنى ما ذكرته من الكلام بأن تفضيل صحيح مسلم إنما هو في جانب الصياغة الحديثية في حسن الترتيب وحُسن السياق وما إلى ذلك ، وأما من حيث الأصحية فكتاب البخاري يفوق صحيح مسلم .
( ( (
س / هل يوجد هناك خلال بين ما يرويه مسلم في مقدمته وما يرويه في صحيحه ، من حيث التزامه بشرط الصحة ؟
ج / أقول : نعم يوجد فرق ؛ فلا ينبغي للإنسان أن يأتي بالحديث من المقدمة ، ويقول : هذا الحديث أخرجه مسلم ، بل ينبغي أن ينص على أن مسلماً أخرجه في المقدمة ، فشرطه في المقدمة خف عن شرطه في نفس الصحيح ، فإنه يورد في المقدمة أحياناً أحاديث ضعيفة مثل تعليقه لحديث : ( أنزلوا الناس منازلهم )(46) ، والحديث الضعيف ، ومثل ذلك الحديث الذي أخرجه والراجح فيه أنه مرسل كما بينه هو في نفس السياق ، وهو : ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )(47) ، والصواب في هذا الحديث أنه ضعيف لأجل الإرسال ، وإن كان أخرجه مسلم في المقدمة .
( ( (
س / قلت : إن مسلماً يلتزم بالدقة في الألفاظ المستعملة في صحيحه ، فما سبب إبهامه لشيخه في الحديث الذي ذكرته ؟
ج / أقول : بالنسبة للحديث في رواية أبي العلاء بن ماهان لا نستطيع أن نجزم بأن الذي أبهمه هو مسلم ، قد يكون جاء في الرواية هكذا ، وما دام أنه قد جاء في رواية الجلودي مُصرحاً فيه بالسماع ، فقد يكون هناك سبب في كون هذه الرواية جاءت هكذا ، ولا ندري ما هو ، لكننا لا نستطيع أن نحمل مسلماً - رحمه الله - ذلك .(1/63)
وأما غير ذلك من الأحاديث التي فيها الإبهام فقد يكون مسلم - رحمه الله - ما تلقى هذا الحديث عن شيخ ثقة فأبهمه الغرض ، وكأنه يشير إلى أن هذا الحديث يخرج عن حيز الصحيح الذي اشترطه على نفسه في كتابة .
( ( (
س / هل انتقادات الدارقطني لمسلم مُسلمة ؟. وهل رد عليه أحد من أهل العلم قديماً وحديثاً ؟
ج / أما بالنسبة لقديماً : ففي بعض أجوبة ابن حجر عن الأحاديث التي انتقدت على البخاري (48) أجوبة على تلك الأحاديث التي أخرجها مسلم ؛ لأن هناك أحاديث انتقدها الدارقطني على البخاري ومسلم مما اتفقا على إخراجه ، فجواب ابن حجر عنها يعتبر جواباً عليها ، وعددها مائة وعشرة أحاديث .
وأما البقية فلا أعرف أن أحداً تولي مناقشتها والرد عليها ، اللهم إلا الشيخ ربيع في كتابه ( بين الإمامين مسلم والدارقطني ) فيمكن أن يراجع الكتاب ويعتبر بحسب ما أطلعت عليه كتاباً جيد ومنصفاً في وقوفة مع الأحاديث التي أعلها الدارقطني ، فإنه أحياناً يرجح رأي الدارقطني على ما ذهب إليه مسلم .
( ( (
س / هناك من أهل العلم من يُبالغون في وصف الصحيحين ، وكأن البخاري ومسلماً معصومان من الخطأ بحيث لا يقبلون أي نقض فيها ، فهل هذا النظر صحيح ؟ وهل اجماع الأمة على أنهما أصح الكتب ينافي أن يوجد كتاب أصح منهما ؟(1/64)
ج / أقول : أما أن يوجد كتاب أصح منهما فلا ، هذا أمر لا يشك فيه الطفل على ثدي أمه ، ولكن الذي ذكره السائل في مقدمة الكلام : كأن البخاري ومسلماً معصومان ، هذا في الحقيقة مبالغة لا ينبغي لأن هناك بعض الأحاديث التي انتقدها بعض الأئمة على هذين الإمامين ، وبالذات مسلم ، وفي نقدهم شيء من الوجاهة ،ولذلك حينما تكلم من تكلم من علماء الحديث عن الصحيحين ، وذكروا مكانتهما ، وأن الأمة تلقت الكتابين بالقبول استثنوا فقالوا : إلا أحرفاً يسيرة انتقدها عليهم بعض أهل العلم ، فهذا الاستثناء فيه رد على كلام السائل ، ولكن لا ينبغي أن يُفهم بهذه الصورة كأن الصحيحين ليس لهما مكانة في نفوس الأمة ، بل لهما مكانة ، ومن هذه المكانة أن الحديث المخرج في الصحيحين مما لا علة له - يعتبر من الأحاديث التي توجب العلم اليقيني ويجب العمل بها ، كما نقص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقرره تقريراً قوياً ، من شاء أن يطالعه فليطالعه (49).
( ( (
س / حبذا لو بينت الأحاديث المتكلم فيها سواء في صحيح البخاري أو مسلم ، وما هو توجيهها والرد على من تكلم فيها حتى يكون طالب العلم على بينة ، ويرد بذلك على من قال ذلك القول ، أرجو الإفادة بهذا الطلب .
ج / أرى السؤال قد كثر عن الأحاديث التي تنتقد في الصحيحين ، وأنا أريد لطلبة العلم أن يقعدوا قاعدة لهذا ، فهذه الأحاديث المنتقدة في الصحيحين إما أن تكون بعلة لا يمكن إطلاقاً السكوت عنها ، وإما أن تكون بعلل محتملة ، وأضرب مثالاً على ذلك :
1 - الحديث الذي في صحيح مسلم في قراءة النبي في العيدين بـ ( ق،واقتربت الساعة)(50) أخرجه مسلم ، ولكن فيه انقطاع بين التابعي وبني الصحابي فالتابعي الراوي لذلك الحديث لم يسمع من ذلك الصحابي .(1/65)
إذا فتحنا كتب التراجم نجد العلماء نصوا على هذا ونعرف أن الانقطاع يُفقد الحديث الصحيح شرطاً من شروط الصحة ، وهو اتصال السند ، فإذا مثل هذه العلة ظاهرة لا كلام فيها ، مسلم رحمه الله خفيت عليه هذه العلة واجتهد فأخرج الحديث في صحيحه ، انتهى الإشكال .
2 - حديث آخر : يأتي برواية راو ثقة موصوف بالتدليس وجاءت روايته البعنعنة ، وهذه علة ظاهرة تماماً وتلك علة خفية ، والعلل الخفية لا يُعل بها إلا الأئمة الفطاحل ، هذا بالنسبة لما في الصحيحين .
وأما خارج الصحيحين فكما قلت : إننا لا نملك القدرة على انتقاء الروايات كما عندهم ، فلابد أن نعل بهذه العلل الظاهرة ؛ فإذا وجدنا هؤلاء الأئمة حين انتقدوا هذه الأحاديث في الصحيحين ، كالدار قطني ، وابن عمار الشهيد ، وأبي مسعود الدمشقي ، وأبي علي الجياني ؛ أعلوا أحاديث يعلل اصطلاحية عند علماء الحديث ، فنحن ننظر في هذه الانتقادات فنجد أنها لا تخلوا عن أحد ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
أن يكون الصواب في جانب صاحبي الصحيح ويتجلى هذا لنا بمراجعة ( هدي الساري ) في دفاع الحافظ ابن حجر رحمه الله عن الأحاديث التي انتقدها الدار قطني على البخاري ؛ فإننا نجد الحافظ ابن حجر يوازن بين كلام الدار قطني وبين ما ذهب إليه البخاري ، ففي بعض الأحيان يبين بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدار قطني - رحمه الله - أخطأ على البخاري - رحمه الله - في انتقاده هذا الحديث وأن الصواب في جانب البخاري .
القسم الثاني :
عكس الأول ، فيتجلى بما لا يدع مجالاً للشك في أن الصواب في جانب المعُل كالدار قطني ، وأن صاحب الصحيح أخطأ في إخراج هذا الحديث في الصحيح بهذه الصورة .
القسم الثالث :(1/66)
وهو الأكثر والأغلب ، كثيراً ما يكون مما تختلف فيه وجهات النظر ، وفي الغالب أن هذا يقع بسبب تعارض الوصل والإرسال ، وفي بعض الزيادات التي تقع في المتنون وفي الأسانيد ، وأو تعارض الوقف والرفع ، أو غير ذلك من أنواع العلل والاختلاف .
فنجد مثلاً حديثاً يُروى من ثلاثة طرق كلها عن شيخ واحد كشعبة مثلاً ، ويروى الحديث من هذه الطرق الثلاث مرسلاً ، فيأتي راو آخر كييحي القطان فيرويه عن شعبة موصولاً ، فيخرج البخاري هذه الرواية فيأتي الدارقطني ويقول للبخاري : أنت أخطأت ، الصواب في هذا الحديث أنه مرسل بدليل رواية فلان وفلان ، ويذكر ثلاثة كلهم رووا الحديث عن شعبة على أنه مرسل فاختلفت وجهتا النظر بين البخاري وبين الدارقطني .
والحقيقة أن للدارقطني وجهة وهي أن كثرة العدد مرجحة على العدد المفرد ، حتى وإن كان الراوي الذي انفرد من الأئمة الجبال في الحفظ كيحيى القطان والبخاري - رحمه الله - يقول : يحيى القطان ثقة ، وزيادة الثقة مقبولة ، وهذه المخالفة لا أرى أنها تضر ، فقد يكون شعبة حدث هؤلاء الثلاث بالحديث مرسلاً وحدث به يحي القطان موصولاً ؛ فأنا أرى أن رواية يحيى القطان رواية صحيحة بدليل أن يحيى القطان لو انفرد بحديث عن شُعبة لصححنا روايته ، فاختلفت وجهتا النظر بما يصعب معه الترجيح .
فمعظم الأحاديث المنتقدة على الصحيحين بهذه الصورة ؛ تختلف وجهات النظر ؛ هل هذا من زيادة الثقة أو من علل الأحاديث ؛ فيجتهد صاحب الصحيح فيها ، فيرى أنها من زيادات الثقة ، ويأتي المخالف كالدر قطني ويرى أنه من الأشياء التي تُعل ذلك الحديث ، فهاهنا لا ينبغي الجزم بتخطئة صاحب الصحيح ولكن تعتبر من المسائل التي يسع فيها الخلاف .
هذه هي المسألة الثالثة وهي الأكثر كما ذكرت سابقاً ، والأمر فيها متسع إن شاء الله .(1/67)
أما أن نأتي في هذا الزمان بهذه الأحاديث التي تجنب هؤلاء الأئمة إعلالها وبخاصة أن نعلها بعلل ساذجة مثل التدليس ومثل الاختلاط ، فأرى أن هذا لا ينبغي لطالب العلم أن يصنعه ؛ وبخاصة ذلك الفعل المستقبح حينما يأتي أحدهم إلى الصحيح فيقول : هذا حديث صحيح لغيره أخرجه البخاري وفيه فلان وهو مدلس ، ولكنه صرح بالتحديث في مكان آخر .
هذا كلام لا ينبغي ؛ وإن وجد في بعض طلبة العلم من يصنع هذا ، ولكنه مخطئ في هذه الطريقة خطأ ظاهراً وهذا الخطأ ناشئ من عدم تتبعه لكلام أهل العلم في معرفة أن صاحب الصحيح قد يخرج الطريق التي يظهر لبادئ الرأي أنها معلولة ولكنها في الحقيقة منتفية العلة عنها ؛ لكون صاحب الصحيح لا يريد أن يستوفي جميع الطرق في موضع واحد ؛ ولكن لمعرفته بأن علماء عصره لا تخفي عليهم مثل هذه العلة فهو يُخرج الحديث بمثل هذه الصورة ، ولمعرفته بأنهم لا يعيبون هذه العلة لكونها موجودة في الروايات الأخرى .
ويدل على ما ذكرنا أن مسلماً حينما كلمه شيخه ابن وارة ، وتكلم أبو زرعة في بعض الأحاديث التي يرويها من طريق بعض المضعفين ، كعلي بن عيسى المصري ، وأسباط بن نصر ، وقطن بن نُسير ، وغيرهم من الرواة المضعفين المتكلم فيهم ، تعجب مسلم رحمنه الله من مثل هذا الإعلال ، وقال : إنما قلت : إن هذا الحديث صحيح ، وبين أن السبب الذي يدفعه لذلك كلام ما معناه أنه يُخرج هذه الطريق لكونها تحصلت له بعلو غير الطرق السابقة ، فانتقى هذا الطريق لمعرفته أن هذا الحديث مما أصاب هؤلاء الرواة الذين تُكلم في حفظهم .(1/68)
فليس من المقطوع به أن الراوي المتكلم في حفظه جميع أحاديثه مئة في المئة أخطأ فيها ؛ ولكن العلماء يُضعفون ويعلون أحاديثه احتياطاً لسنة النبي ( ؛ وإلا فقد يكون أصاب في جملة من الأحاديث التي يرويها ، وهذه الأحاديث التي أصاب فيها نعرفها حينما نجد أن هناك رواة آخرين شاركوه في روايتها فتأد لدينا أن نصاب في هذه الأحاديث ، فيقطع على هذه الأحاديث بالصحة ؛ وهي مستثناة من جملة الأحاديث التي يرويها الراوي .
( ( (
س / هل هناك أحاديث انتقدت على البخاري ومسلم في صحيحيهما ؟
ج / أقول : الكلام في هذا الموضوع كثر ، ومعروف أن الدارقطني وغيره قد انتقدوا على البخاري ومسلم بعض الأحاديث ، لكن لا يلزم من هذا الانتقاد أن يكون كل ما ذكروه صحيحاً ، فقد يكون الصحيح بجانب الشيخين .
( ( (
س / نرجو أن تبين لنا منهج المحدثين في الاحتجاج بالحديث أبواب الفقه ، وما الكتب التي تنصح بالرجوع إليها في التعريف بكتب الحديث ؟
ج / ليس هناك كتاب مفرد تكلم عن هذه الكتب كلها بصورة ترضي ، وهناك كتاب " الحطة في ذكر الصحاح الستة ) لصديق حسن خان - رحمه الله - ، تكلم عن الكتب الستة ، ولكن كلامه ليس بهذا الاستيفاء الذي نجده في مصادر أخرى ، ويمكن أن يعتبر هذا مرجعاً من المراجع التي يرجع إليها طالب العلم .
أما بالنسبة لمنهج المحدثين في الاحتجاج بالحديث في أبواب الفقه ، فهذه مسألة موضعها كتب مصطلح الحديث فلعل الأخ السائل يرجع إلى ما كنت شرحته في ألفية السيوطي ، ففيه كلام على هذا بما يُغني عن الإعادة هاهنا .
( ( (
س / هل أُلف في سنن أبي داود شرح وافر للمادة العلمية والحديثية وعدم الميل إلى ترجيح مذهب على مذهب ؟ وهل أُلف في رجال أبي داود وذكر حالهم في الجرح والتعديل ؟(1/69)
ج / أقول : نعم ، الشروح الحديثية التي أُلفت لا تقصر على مذهب معين ، ولو نظرتم إلى " تهذيب السنن " لابن القيم - رحمه الله - تجدون أنه في كلامه على هذه الأحاديث في سنن أبي داود لا يتقيد بمذهب معين ، بل يرجح ما يراه راجحاً بدليله .
وكون ابن القيم - رحمه الله - يُنسب إلى مذهب الحنابلة ، فهذا في نشأته قديماً ، وأما هو بعد ذلك أصبح مجتهداً ، وأصبح يذم التقليد وأهل التقليد ، ويُعتبر هو من قمة من تكلم في هذه المسألة ، وإليه يرجع كثير ممن تكلم عن التقليد ، وهذا في كتابه " إعلام الموقعين " ، والدليل على هذا أنه يرجح - أحياناً - أشياء ليست في مذهب الحنابلة ، يمكن أن يرجع إليها في كتابه " تهذيب السنن " في مثل حديث : الحكم بن عمرو الغفاري (( النبي ( نهي أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعاً )) ، فلينظر كلامه عن هذا الحديث وكيف أنه خالف مذهب الحنابلة فيه .
أما بالنسبة لرجال أبي داود ، فهناك بعض من ألف في شيوخ أبي داود ، كالجياني - رحمه الله - ألف كتاباً في شيوخ أبي داود .
( ( (
س / وهل ألف تخريج لها ؟
ج / نعم ، ذكرت أن المنذري - رحمه الله - خرج أحاديث سنن أبي داود .
( ( (
س / ما رأيك في كتاب العلامة الألباني صحيح وضعيف السنن .
ج / أقول : يمكن أن يُستفاد منه إلى حد كبير ، ولكن قد لا يوافق الشيخ على بعض الأحاديث التي يحكم عليها وبخاصة ما يحكم عليه بالحسن .
( ( (
س / ذكر الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح أن أكثر كلام أبي داود في العلل والتصحيح والتضعيف في نسخة ابن العبد ، وقد ذكرتم أن هذه الرواية مفقودة ، فهل هناك من اهتم بنقل كلام أبي داود من هذه الرواية من الشراح وغيرهم ؟(1/70)
ج / أقول : كلام أبي داود في الغالب في هذه الرواية على الرجال ، وكلامه عن الرجال منقول من كتب الرجال ، فاطمئن أيها الأخ السائل ، فكلامه مدون - إن شاء الله - في مثل التهذيب وغير التهذيب ، حتى إن كانت الرواية مفقودة فهذا لا يضرنا شيئاً .
( ( (
س / ما معنى قول أبي داود : حدثنا فلان وفلان المعني ؟
ج / أقول : هذه العبارة أخذها أبو داود من شيخه الإمام أحمد - رحمهما الله - ، فإنه إذا قرن شيخين معاً بسياق واحد يذكر هذه الكلمة ليقول لك : إن معنى حديثهما واحد ، فربما مزج الحديث وساقه بمساق واحد بناءً على أن المعنى واحد فيما بينهما ، فحينما يقول : ( المعنى ) نجد أن هذه الكلمة لابد أن توجد مع وجود شيخين لأبي داود أو للإمام أحمد ، فيقول : حدثنا فلان وفلان المعنى : أي : أن معنى حديثهما واحد . هذا هو المقصود .
( ( (
س / أيهما يقدم من حيث الصحة : سنن أبي داود أو النسائي ؟
ج / إذا نظرنا إلى سنن النسائي وهي السنن الكبرى فسنن أبي داود أصح ، أما من التفت إلى سنن النسائي وهي " المجتبى " فهذا يمكن أن ناقش فيما ذهب إليه ، وإذا نظرنا إلى سنن النسائي ، تبين لنا أن سنن النسائي التي تُسمى المجتى الآن ليست من تصرف النسائي - فيما يظهر - ، وإنما هي من تصرف ابن السني الذي وهو أحد الرواة لسنن النسائي ، وأما سنن النسائي على وجه العموم فهي السنن الكبرى ، ولذلك بعض الناس ينظر إلى جودة الأحاديث نوعاً ما ، أو إبعاد الموضوعات والمناكير من سنن النسائي من "المجتبى " أو السنن الصغرى كما يعبر عنها بعضهم - ، ويظن أن هذا من صنيع النسائي .
الشاهد من هذا كله أن " المجتبى " هو أجود من حيث الأحاديث من السنن الكبرى ؛ ولكن هل النسائي هو الذي اجتبى هذه الأحاديث أو غير النسائي ؟ هذا ما سنبينه إن شاء الله .(1/71)
فعلى كل حال : إذا وازنا بين المجتبى وبين سنن أبي داود ، فالموازنة بينهما في نظري تحتاج إلى دراسة متأنية ، فهناك من يطلق القول في تفضيل سنن أبي داود ، وهذا كثير من العلماء السابقين كانوا يصنعونه ، وكل من تكلم عن سنن أبي داود يُفضلها على غيرها من الكتب ، بل بعضهم يفضلها على صحيح مسلم ولكن هذا قول غير صحيح ، وبعضهم - وبخاصة في هذا الزمن - نجد أنه يحاول أن يفضل سنن النسائي على سنن أبي داود .
وأنا أقول : إن مثل هذه الاجتهادات التي تصدر إذا كان الإنسان يريد بكلامه أن يكون سديداً فليبنه على كلام علمي ، أو على منهج علمي رزين ،وذلك بأن تجرى دراسة على سنن أبي داود ، وعلى سنن النسائي المسامة ( المجتبى ) : ثم ننظر لعدد الأحاديث في الكتابين ، ثم عدد الأحاديث المتكلم فيها لكلا الكتابين ، وما نسبه هذه الأحاديث إلى الأحاديث الكلية لكل كتاب ؛ فنخرج نسبة مئوية للأحاديث المتكلم فيها في سنن أبي داود ، وللأحاديث المتكلم فيها في سنن النسائي .
ثم هذه الأحاديث المتكلم فيها يمكن أن تنوع ، فمنها الموضوع ، ومنها الضعيف الشديد الضعف ، ومنها الضعيف ضعفاً محتملاً ، فكل هذه ينبغي أن توضح لها نسبة مئوية .
ثم ينظر أيضاً هل صاحب الكتاب يبين ويتكلم عن هذه الأحاديث المتكلم فيها أولاً ؟ فأبو داود والنسائي يتكلمان على بعض الأحاديث ، ثم ينظر إلى نسبة كلام هذا الإمام عن هذه الأحاديث المتكلم فيها ونسبة كلام ذلك الإمام ، وبعد ذلك نستطيع أن نخرج بدراسة متأنية تعطينا صورة واضحة عن أن سنن أبي داود أجود أو العكس ، هذا هو رأيي في هذه المسألة .
( ( (
س / أحد السائلين أشكلت عليه قصة أبي داود وابنه مع أحمد بن صالح الصمري ، فيقول : ما صحه هذه القصة ؟ وهل حب الخير مبرر لانتحال شخصية أخرى ؟ وهل هذا جائز للخير كما يفعل في التمثيل أو لا ؟ وما حكم تحديث المردان ؟وإن أقصوا عن مجالس العلم فمن أي يمكنهم الحصول على العلم ؟.(1/72)
ج / كون أحمد بن صالح المصري - رحمه الله - لا يريد المردان أن يجلسوا في مجلسه لا يعني هذا إقراره على ذلك الفعل ، فهناك أناس يريدون أن يربوا أولادهم وينشئوهم تنشئة صالحة ، ويسمعوهم الحديث من الصغر ، فكون هؤلاء الأولاد يمنعون من مجالس العلم ، هذا ليس بجيد ؛ ولكن أحمد بن صالح المصري - رحمه الله - تصرف تصرفاً من جراء الاجتهاد الذي يعتبر اجتهاداً خطئاً ، ولكن له أجر اجتهاده ، وذلك أن السلف في ذلك الزمان كانوا يتباعدون عن مصاحبة المردان وعن مجالسة المردان ؛ وذلك لما يحصل من الفتنة لبعضهم .
وربما أيضاً شوش عليه ما أحدثه بعض الوصفية من مصاحبة المردان بحجج واهية في تلك الأزمان ، فاشتد نكيرهم على أولئك الأقوام لهذا السبب حتى إنني أذكر حكاية للإمام أحمد - رحمه الله - حينما رأى أحد جلسائه وقد جاء معه بشاب أمرد فأنكر عليه الإمام أحمد ، فقال له ذلك الرجل : إنه ابن أختي ، فقال قد يسيء بك الظن من لا يعرفك حينما تصاحب مثل هذا الفتى .
( ( (
فعلى كل حال هم وجدوا أناساً بهذه الصفة ، وتصرفوا هذه التصرفات لهذا السبب ، لكن ليس معنى هذا إقرار ذلك الفعل ، أو أن المردان يمنعون من حضور مجالس العلم على الإطلاق ؛ ولكن إذا وحد سبب لهذا يمكن أن تجابه تلك الفئة بمثل هذه المجابهات .
كما أن صحة هذه القصة - فيما يظهر لي _ أنها صحيحة ، وهي مذكورة في ترجمة أبي داود ، ولو كانت غير صحيحة لتكلم عنها من ذكرها ، ولعلي أراجعها أكثر وأكثر لأنني لم يستوقفني هذا ؛ لأنني لم أجد فيها شيئاً يدعو للغرابة .
أما كون أبي داود وضع لابنه لحية فلا شك أن الدافع له معروف ، ولم يرد هو التمثيل الذي يصنعه بعض الناس ، أو ما إلى ذلك ، وإنما أراد التوصل إلى أمر مطلوب شرعاً في مجابهة شيخ يريد أن يفوت على الناس السماع منها ، فأبو داود حريص على ابنه ، ولا يستطيع إلا بهذه الطريقة .
( ( ((1/73)
س / اشتهر عند بعض طلاب العلم أن الإمام الترمذي يُعد من المتساهلين ، فما رأيكم في ذلك ؟
ج / أقول : وصفه الذهبي - رحمه الله - بالتساهل ، والذي أراه أن الترمذي فعلاً عنده تساهل ، ولكنه - رحمه الله - حينما يقول عن حديث أنه صحيح ، أو حسن صحيح ؛ فالغلب أن حكمه على ذلك الحديث بهذه الصورة يعتبر حكماً يكمن أن يستأنس به جداً ، خاصة لمن لم يُسعفه الوقت في البحث أو ليس عنده الأهلية للبحث عن ذلك الحديث ، ومعرفة مدى انطباق حكم الترمذي على ذلك الحديث أولاً .
أما الأحاديث التي يعلها ؛ فالعلة ظاهرة ، يعني مسألة الإعلال أهون من مسألة التصحيح ، فالتصحيح أصعب ، لكننا نجده أنه في بعض الأحاديث التي يحكم عليها بقوله : ( حسن صحيح ) ، أو نحو ذلك نجدها أحاديث ضعيفة .
وعُذر الترمذي - رحمه الله - في هذا ، أن تلك العلل قد تكون خفيت عليه ، أو أنه ممن يرى أن هذه العلل غير مؤثرة ، أو غير ذلك من الأسباب التي الله أعلم بها ، لكن يمكن أن نقول عن هذه الأسباب : يمكن أن تصنف الترمذي - رحمه الله - على أنه من المتساهلين .
( ( (
س / هل عاصم بن أبي النجود هو صاحب القراءات ؟
ج / نعم ، هو صاحب القراءات .
( ( (
س / وإذا كان هو فكيف يمكن أن نأخذ القراءة منه وهوضعيف ؟
ج / أقول : هو ليس بضعيف ، ولكنه صدوق حسن الحديث ، هذا إذا روى حديثاً من الأحاديث ، أما بالنسبة للقراءات فهو حجة إمام فيها ؛ فالعلماء يفرقون بين حاله في القراءات وبين حاله في الحديث ، ففي القراءات حجة وإمام وفي الحديث صدوق حسن الحديث .
( ( (
س / ما رأيكم في تحقيق الشيخ أحمد شاكر لجامع الترمذي ، وكذلك تصحيحات الشيخ الألباني ؟(1/74)
ج / أقول : أما بالنسبة لتحقيق الشيخ أحمد شاكر : فعندي أنه رائع وجيد ، وقد يوجد عليه بعض الأخطاء ، ولكن ليته أكمله ، لأن إكمال الكتاب من قبل محمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة عوض .. البون شاسع بين منهجيهما وبني منهج أحمد شاكر - رحمه الله - ، فقد اعتنى بالفروق بين النسخ حيث كان دقيقاً في إثبات فروق الألفاظ مثل ( عن ) بدل ( من ) فيذكر أنها جاءت في نسختين من النسخ مثلاً ، واعتمد هو في إثباته لهذه اللفظة على أنها " من ) على نسخ أخرى ؛ فهذا يدلل على أنه - رحمه الله - جمع نسخاً لكتاب الترمذي واعتنى بإثبات النص وتقويمه تقويماً جيداً .
أما بالنسبة لتصحيحات الشيخ الألباني ، فالشيخ - حفظه الله - من المجتهدين في علم الحديث ، وفي الغالب أنه إذا ضعف حديثاً لا تجد بعده شيئاً في الغالب - ولكن لست أدعي أنه لا يفوته شيء ، ولكنه إذا ضعف حديثاً ففي الغالب أن حكمه يكون لائقاً على ذلك الحديث ، وكذلك في كثير من الأحيان إذا حكم على حديث بالصحة أن حكمه يكون جيداً ، وقد يخطئ في نظري .
أما إذا حكم على حديث بالحُسن ؛ فهذا الذي هو محل نظر ، فالشيخ له منهج يسير عليه في تحسين الأحاديث ، وأنا عندي تحفظ على ذلك ، فهو يتساهل في جميع طريق ضعيفة مع طريق ضعيفة وهكذا يجمع بينهما ويحكم على الحديث " بالحسن لغيره " مع العلم بأن بعض تلك الطرق قد تكون مناكير ، أو مما تفرد به بعض الرواة تفرداً منكراً عند العلماء ،والشيخ لا يبالي بهذا .
( ( (
س /هل لطالب العلم أن يحفظ مختصر البخاري ، أم بلوغ المرام ؟
ج / أقول : إذا حفظ بلوغ المرام عندي أنه أفضل وأحسن .
( ( (
س / هل أورد مسلم - رحمه الله - حديثاً بقوله : حدثنا ، وحدثني وحدثناه ، وحدثنيه ؟
ج / أما قوله : حدثنا ، وحدثناه ، فهما بمعنى واحد ، وأما قوله :حدثني وحدثنيه فهما بمعنى واحد ؛ فما الفرق بين العبارتين : حدثنا ، وحدثني ؟(1/75)
الفرق بينهما أن قوله " حدثنا " يكون الإمام قد تلقى الحديث من ذلك الشيخ بحضور أناس غيره ، أي غير الإمام مسلم ، أما قوله : ( حدثني ) فكأنه يشير إلى أنه حدثه على انفراد ، هذا هو الفرق بين العبارتين .
( ( (
س / هناك بعض الأحاديث الضعيفة من خلال النظر في إسنادها ، وليس لها شواهد ، ونجد مثلاً أن خمسة من الأئمة الكبار المتقدمين قد صححوا هذا الحديث ، فينقسم طلاب العلم إلى قسمين :
قسم يُضعف الحديث ويقول : كيف تصححون حديثاً قد تبين ضعفه ؟
وقسم يُصحح الحديث ويقول : كيف تضعفون حديثاً قد صححه خمسة من الأئمة .
والسؤال هل يمكن تصحيح الحديث باعتبار تصحيح خمسة من الأئمة ، رغم ضعف الحديث من خلال دراسة إسناده ؟
ج / أقول :هذه مسألة عريضة ، لكن يمكن أن أركز الجواب في النقطة الأولى : النظر إلى هؤلاء الأئمة الذين صححوا هذا الحديث هل هم ممن يعتمد على تصحيحهم ، أم ممن عرف بالتساهل كالحاكم ، وابن حبان .
النقطة الثانية : هل هذه العلة أو هذا التضعيف من العلل الظاهرة التي لا يُختلف في إعلال الحديث بها أم من العلل التي هي محل نزاع ، أوقد تكون عللاً يُعل بها من لم يجمع طرق الحديث ، أو من لم تجتمع لديه طرق الحديث ، مع العلم أنها قد تكون مرتفعة من طرق أخرى ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة توضح المقصود .
إذا وجدنا حديثاً مخرجاً في الصحيحين ؛ فصححه إذاً إمامان : ( البخاري ومسلم ) ومخرجاً أيضاً عند ابن خزيمة ، وابن حبان ، فأصبحوا أربعة ، ووجدنا أيضاً النسائي مثلاً حكم عليه بالصحة ، أو الترمذي أخرجه أيضاً وحكم عليه بالصحة ، فؤلاء خمسة ، ففي هذه الحال نأخذ بتصحيحهم ولا نبالي بكلام المضعف .(1/76)
لكن لو جاء حديث حكم عليه مثلاً الترمذي بالصحة ، وهو عند ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وعند ابن السكن ، أو عند الضياء في المختار ، ثم ظهرت لي علة ، ولكن هذه العلة من العلل التي يمكن أن تختلف فيها وجهات النظر ، ويمكن أن تزول من طرق أخرى ، كأن يكون في ذلك الحديث راو ممن وصف بالتدليس وروايته جاء بالعنعنة ، أوراو ممن وصف بالاختلاط ، والراوي عنه ممن روى عنه بعد الاختلاط - فهل هذه الخال أعل الحديث بهذه العلة أم لا ؟
وجهة نظري أنه لا ينبغي لك أن تعل الحديث بهذه العلة ؛ لأن هذه العلل من العلل التي يراعيها العلماء ، ولو كانت مؤثرة لتنبهوا لها ، فنأخذ بحكم هؤلاء الأئمة على هذا الحديث ونستعبد تلك العلة .
لكن لو وجدنا ذلك الحديث الذي صححه هؤلاء الأئمة قد روي من طرق أخرى مرسلاً ، وتبين لنا أن الراجح إرساله ، لأن الراوي الذي صحح أولئك الأئمة روايته خالف الرواة الآخرين فرواه موصولاً ، ورواه هؤلاء الرواة الآخرين مرسلاً - يتبين لنا بهذا أن الراوي قد شذ ، وأ، الصواب رواية هؤلاء الذين خالفوه في هذه الرواية ، فهذه علة مؤثرة مثل هذه يمكن أن تعتبر ، وأن يعل الحديث بها .
أو يكون في الإسناد انقطاع كأن يكون ذلك التابعي الذي رواه عن ذلك الصحابي لم يسمع من ذلك الصحابي ، كأن يكون نص الأئمة على عدم سماعه ، وهؤلاء الأئمة صححوا الحديث ويمكن أن لا يكون تنبهوا لهذا الانقطاع فهذه أيضاً علة ومعتبرة ويمكن أن يعل الحديث بها .
فالمسألة فيها تفصيل في الحقيقة أطول من هذه ، ولعل في هذه الإشارة ما يمكن أن يكون إن شاء الله جواباً ولو على جزئية من هذا الموضوع .
( ( (
س / بعض المؤلفين يقدمون الترمذي على أبي داود ، فهل هذا التقديم يدل على أن الترمذي أتقن وأصح من أبي داود ؟ وإذا كان كذلك فلماذا قدمت ترجمة أبي داود ؟ هل لأنه شيخه أم ماذا ؟(1/77)
ج / أنا وجهة نظري أن سنن أبي داود أحسن حالاً من سنن الترمذي لأننا لو عملنا دراسة عن عدد الأحاديث المضعفة عند أبي داود ، وعدد الأحاديث المضعفة عند الترمذي لوجدنا أن نسبة الأحاديث المضعفة والمعلولة عند الترمذي أكثر من نسبة الأحاديث عند أبي داود .
كما أن نسبة الموضوع عند الترمذي أكثر من نسبته عند أبي داود ، فالأحاديث التي يمكن أن نحكم عليها بالوضع عند أبي داود قليلة ، أما عند الترمذي فهي أكثر مما هي عند أبي داود ، لذلك عندي أن سنن أبي داود أحسن حالاً من سنن الترمذي ، ولم أجد من يخالف في هذا الحكم من الأئمة الذي اطلعت على كلامهم ، سوى أن "نور الدين عتر " في موازنته رجح سنن الترمذي على سنن أبي داود ، ولكنه ترجيح ضعيف .
أما بالنسبة لما ذكره بعض العلماء المتقدمين من تفضليهم لجامع الترمذي ، فإنهم فضلوه أيضاً حتى على الصحيحين ، لكن ليس لأجل الأصحية ، ولم يلتفتوا لمسألة الأصحية من عدمها ،ولكن التفتوا إلى مسألة أخرى وهي ما احتواه هذا الكتاب من علم ، وبخاصة من الناحية الفقهية مثل إبراده لأقوال الأئمة في ذلك الحديث ، وعنايته بفقه الحديث ، ثم تلك العلل التي يبينها صراحة ؛ فالنص من الترمذي - بصراحة - على علل الأحاديث وعلى أقوال العلماء ، وحكمه على الحديث بصراحة ، وبيانه للأمور التي تعلق ببعض النواحي الإسنادية مثل بيانه لإسماء المكنيين ، أو لكون هذا الصحابي سمع من ذاك الصحابي ، أو الوفيات ، أو سماع ذلك التابعي من الصحابي ، أو سماع ذلك الرجل - الذي قيل عنه إنه صحابي - من النبي ( ؛ كل هذه الأمور ينص عليها الترمذي .
فالترمذي حين نص على أن الحسن البصري ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر ابن الخطاب ، مثل هذا يعتبرونه وفناً بذاته ، حيث يعني بتواريخ الرواة ، فهم لهذه الحيثية فضلوا جامع الترمذي ، أما من حيث الأصحية فلا ، لم أحد أحداً قال :إن جامع الترمذي أصح من سنن أبي داود ، والله أعلم.
( ( ((1/78)
س / ذكر لنا أحد الشيوخ أن دكتور محمود الميرة تتبع سنن الترمذي فوجد أن تلك الأحاديث التي يقال فيها " غريب " أو حديث " حسن غريب " كل هذه الأحاديث التي في سننه ضعيفة ، فما رأيكم في هذا الحكم على هذه الأحاديث ؟
ج / أقول : لعل في النقل تجوزاً ، فالترمذي - رحمه الله - حينما يقول عن حديث : هذا حديث غريب ، دون أن يُطلق عليه لا لفظ الحُسن ، والصحة ، فإنه - رحمه الله - يقصد بهذه الكلمة هذا حديث غريب ، أي : حديث ضعيف ، عُرف هذا بالاستقراء في كتابه .
لكن إذا أردفه بكلمة ( حسن ) أو غيرها من العبارات كالصحيح ؛ فالحكم يرتفع ؛ فحسن بمعنى أنه حسن لذاته ، وغريب أي أنه ليس له سوى هذه الطريق ، فلا أظن أن الشيخ ( محمود الميرة ) يقول : إنما قال عنه الترمذي ( حسن غريب ) يعني أنه ضعيف ، والله أعلم .
( ( (
س / عند ابن ماجة في باب المسح على الخفين ذكر روايات في التوقيت في المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ، والمقيم يومان وليلة والإشكال : هناك رواية صححها الشيخ الألباني أن عمر رضي الله عنه قدم عليه رجل من مصر فسأله عمر فقال كم عليك هذا الخف ، أو الجورب ؟ قال الرجل : من الجمعة إلى الجمعة ، قال له عمر : أصبت السنة .
فكيف نجمع بين هذه الرواية والرايات الأخرى علماً بأن صحيح ابن ماجة للألباني .
ج / المسالة بلا شك خلافية ، فالإمام مالك يرى أنه لا وقت للمسح على الخفين بالنسبة للمسافر ، وأحسن ما وجدته من جمع بين هذا الأثر الوارد عن عمر وبين الأحاديث التي حددت للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على ما أظن - وقد عمل به - أن الإنسان إذا اضطر للمسح ، أكثر من ثلاثة أيام ، فإنه يمسح .(1/79)
وعمل به شيخ الإسلام لما ذهب إلى مصر يستحثهم للمسارعة للدفاع عن دمشق لهزيمة التتار ، فكان - رحمه الله - معجلاً ، وكونه يمكث بعد ثلاثة أيام ينزع الخف ويغسل : هذا يأخذ منه وقتاً ويعلقه ، والمسألة مسألة مصيرية ، فالتتار هجموا ،وهو أراد أن يستنفر المسلمين ضد هذا العدوان الهاجم ، فذهب مسرعاً إلى مصر وأخذ يحثهم ويحاول أن يرأب الصدع ويلم الشمل ، حتى جاءت الجنود المصرية وتعاونت مع الجنود الشامية ووقعت ( شقحب ) المشهورة وهُزم فيها التتار ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك ، والحمد لله .
فإذا وجدت حاجة تدعو لمثل هذا الصنيع ، أن يمسح الإنسان أكثر من ثلاثة أيام فلا بأس ، وإلا فالأصل لمن لم تكن هناك حاجة له أن يسمح ثلاث أيام ، هذا أحسن ما وجدته من جميع ، والمسألة فيها - كما قلت - خلال قوي ، والله أعلم .
( ( (
س / ذكرت أن ابن خزيمه يقول : ( هذا من مختصر المختصر من المسند ) فما هو المقصود بالمسند؟
ج / يقصدون بالمسند الكتاب الذي تروى أحاديثه بالسند .
( ( (
س / هل الشيخ أحمد شاكر حقق صحيح ابن خزيمه ؟.
ج / لا لم يحقق صحيح ابن خزيمه ، وإنما الشيخ أحمد شاكر اعتمد على كلام الأئمة السابقين ولم يخالفهم .
( ( (
س / نرجو منك أن تدلنا على شرح جيد لصحيح ابن خزيمه يُعنى عن غيره من الكتب ؟
ج / أقول : لا أعرف أن أحداً شرح صحيح ابن خزيمه .
( ( (
س / إذا وجدت حديثاً في صحيح ابن خزيمة فهل أبحث في إسناده ؟
ج / أقول : نعم ، كما نص على ذلك ابن كثير وغيره حينما قال فلابد من النظر .
( ( (
س / ما هي الطريقة في النظر في أسانيد جامع الترمذي ، هل هو التحقيق مما يكتبه الترمذي وخاصة التحسين ؟. وما رأيكم في الاعتماد على تحقيق الشيخ أحمد شاكر لمعرفة صحة التحسين والتصحيح باختلاف النسخ للكتاب ؟(1/80)
ج / أقول بالنسبة للكتب التي غير صحيح البخاري ومسلم - مهما كانت سواء صحيح ابن خزيمة أو ابن حبان ، أو مستدرك الحاكم ، أو السنن ، أو جامع الترمذي ، أو غيرها من الكتب ؛ لا بد من النظر في أسانيدها ، كل حديث لابد لطالب العلم أن يعرف هل هو حديث صحيح اجتمعت فيه شروط الصحة أو لا ؟ فالترمذي سواءً قال عن الحديث إنه حسن أو حسن صحيح أو غير ذلك من العبارات ، لابد من النظر .
أم مقابلة الشيخ أحمد شاكر للنسخ وتصويبه للنص ؛ فالحقيقة : لا يوجد عندي نسخة موثقة لجامع الترمذي وأكون قابلت صنيع الشيخ أحمد شاكر معها حتى أعرف هل هو دقيق أم لا ؟ فلا أستطيع أن أجيب ، لكن على كل حال هو جهد واضح أنه تعب فيه - رحمه الله تعالى - .
( ( (
س / هناك من الطلبة من يريد التخصص في علم الحديث ، ولكن هناك من يثبطه عن هذه النية وينصحه بأن يختار علماً آخر غير الحديث ويحتج عليه بأننا في علم الحديث قد كفينا .
ج / أقول مسكين هذا الذي يصد عن الخير وصد غيره ، ونسأل الله - جل وعلا - لنا وله الهداية ،ونقول له : اتق الله ولا تحكم إلا بعد علم ومعرفة ، وأنا إن شاء الله سأحاول أن ألقي محاضرة بإذن الله ، أحاول أجمع مادتها العلمية لبيان فضل علم الحديث ، والموازنة بين منهج أهل الحديث والفقهاء الذين لا يعنون بالحديث ، وسيتبين - إن شاء الله - من خلال ذلك غلط مثل هذا الكلام ومن يروج له .
( ( (
س / هل سنن سعيد بن منصور التي حققتها هي نفس الأبواب والأحاديث التي حققها حبيب الرحمن الأعظمي أم هي زائدة عليها ؟
ج / لم يكمل حبيب الرحمن الأعظمي تخريج الكتاب ، والقسم الذي طبعته أنا هو القسم الذي يلي القسم الذي أخرجه حبيب الرحمن الأعظمي ، وهو لأول مرة يخرج .
( ( (
س / ما الفرق بين من يذكره ابن حبان في ثقاته ، وبين من يوثقه أو أطلق عليه بعض الألفاظ التوثيق؟(1/81)
ج / بالنسبة لتوثيق ابن حبان فأنا أحيل على كتاب ( رواة الحديث الذين سكت عنهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ) للأخ عداب محمود الحمش أرى أنه درس المسألة دراسة جيدة ، وحق له ؛ لأنه تناول كتاب الثقات لابن حبان بالدراسة كاملاً ، وأخرج صاحبه رسالة عن الرواة المسكوت عنهم سواء عند البخاري أو عند ابن أبي حاتم أو عند ابن حبان في كتابه ( الثقات ) فهو يرى أن هؤلاء الرواة الذي ذكرهم ابن حبان في الثقات ليسوا كلهم ثقات ، بل فيهم ما يمكن أن يخرج عن حيز الثقة ، وقسم هذا إلى تقسيم يطول ذكره في مثل هذا الموضوع .
( ( (
س / أرجو إرشادنا إلى طبعة جيدة لصحيح ابن حبان .
ج / هذه الطبعة التي بتحقيق شعيب الأرناؤوط .
( ( (
س / يا حبذا لو تذكر لنا قائمة لجميع السنن بالطبعات الجيدة مع المحقق حتى لا نقع في نسخ غير جيدة .
ج / بالنسبة لصحيح البخاري هناك طبعة طُبعت على الرواية اليونينية تُسمى النسخة اليونينية ، فهذه الطبعة جيدة للغاية ، كذلك الطبعة التركية التي تقع في ثاني أجزاء في أربع مجلدات ، فهذه الطبعة أيضاً جيدة لصحيح البخاري ، أما الطبعة التي مع فتح الباري فعليها كير من المؤاخذات ، وفيها كثير من الأخطاء ، فهي ليست طبعة جيدة ، ووإن كان الشح جيداً ، ولست أقصد الطبعة نفسها - الطبعة السلفية - من حيث كون الطباعة فيها أغلاط ،لكن أقصد نفس النسخة التي اعتمدوا عليها في الطباعة ، أما الطبعة السلفية فتعتبر من أجود الطبعات وبخاصة الأولى .
وبالنسبة لصحيح مسلم ، فالطبعة التي وحدت أنها متقنة هي التي بهامشها شرح الأبي والسنوسي الذي هو " إكمال المعلم " ، فهذه طبعة جيدة ومتقنة وهناك طبعة قديمة لكنني لا أستطيع الحكم عليها لعدم تتبعي لها ، لكن هذه قد تتبعتها فوجدتها جيدة ، وإن كانت موجودة بالهامش .(1/82)
لكن يمكن للإنسان أن ينظر على الأقل للطبعة التي حققها محمد فؤاد عبدالباقي والتي على شرح النووي ويقارن بينها وبين هذه ، فإن كانت موافقة لها فجيد ، والمخالفات يثبتها ؛ لأن الطبعة التي طبعها محمد فؤاد عبد الباقي استلها مما طُبع على شرح النووي ، والمطبوع على شرح النووي طبعة فيها أخطاء كثيرة ، وبخاصة أخطاء جوهرية ، فأحياناً يزيدون في الإسناد زيادة تقلب الأمر رأساً على عقب ؛ فبدلاً من أن يكون الإسناد - مثلاً - مرسلاً يصبح موصولاً ، وهذه في الحقيقة خصلة سيئة جداً في مثل هذه الكتب الحديثية والتي يشكل فيها مثل هذا الخطأ حجماً كبيراً في الحكم على الحديث ، بخاصة في مقدمة صحيح مسلم .
( ( (
س / ما رأيك في المقولة التي تقول : إن في أيام السلف كان هناك أهل الحديث ، وهم خمس مدارس : المالكية والشافعية والحنبيلة والخزيمية ، والإسحاقية ، وأهل الرأي ويدخل فيهم : الجهمية والمعتزلة والحنفية والمرجئية ؟
ج / الحقيقة أن هناك مدرستين : مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي ، وهذا أمر معروف ، أما كون أهل ال{أي دخل فيهم الجهمية ، والمعتزلة ، والحنفية ، والمرجئة ، وما إلى ذلك - فالحنفية هم أهل الرأي ، أما بعضهم - وبخاصة متقدميهم ومن كان على منهم أهل السنة في الأخير - فلا علاقة لهم بهذه البدع .
وكون معظم المعتزلة - إن لم يكن كلهم - من الحنيفية فهذا لا يعني الذم لأبي حنيفة أو لصاحبه : محمد بن حسن الشيباني أو أبي يوسف ، أو من جاء بعد ذلك كالطحاوي ، وابن أبي العز ؛ فهناك منهم من هو من أهل السنة ، وهناك منهم من هو من أهل البدعة ، فأبو حنيفة جار على أصول السنة في كل شيء ولم يخالفهم إلا في مسألة الإيمان ، وهي مسألة أيضاً يُسهل بعض العلماء الخلاف فيها ، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ، وإن كان لا أرى مثل هذا التسهيل .(1/83)
أما أبو يوسف فهو على منهج أهل السنة في كل شيء بالنسبة لأصول الاعتقاد ، حتى في مسألة الإيمان فإنه يُخالف أبا حنيفة في مسألة الإيمان ،ويرى أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان .
أما محمدبن الحسن فقد جرى على أصول أبي حنيفة ، أي أنه مع أهل السنة في كل شيء إلا في مسألة الإيمان .
والطحاوي كذلك ، وهذا ظاهر في عقيدته الطحاوية التي تُدرس الآن والتي تعتبر من أصول أهل السنة فالطحاوي جرى على أصول أهل السنة فيها عدا مسألة الإيمان ، فقد ذكر مسألة الخلاف فيها ، وتوسع في ذكر الخلاف ابن أبي العز الحنفي ،وجرى على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في التسهيل في هذه المسألة .
فإن أردنا التقسيم في مسألة أصول الاعتقاد فلا ينبغي أن يُحمل أحد وزر أحد ، أما إن أردنا من الناحية المنهجية في التفقه وما إلى ذلك ، فصحيح أن أهل الرأي لهم أصول ، والبقية لهم أصول ، ولكن يختلفون أيضاً في بعض الأصول ، فالمالكية لهم أصول ، فعمل أهل المدينة لا يراه الشافعي ، ولا الإمام أحمد ، ولا أبو حنيفة أيضاً ، والإمام أحمد له منهج في الحديث الضعيف يُقدمه على آراء الرجال ، والشافعي لا يوافقه على هذا ، وهكذا كل إمام له اجتهاد .
لكن الجميع - أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - كلهم - رحمهم الله - يقدمون الحديث على الرأي ، فإذا صح الحديث فهو المذهب الذي يسيرون عليه ، وعباراتهم في هذه صريحة ومتوافرة ، ومن شاء فليطالع الكتب التي ألفت - وما أكثرها - وتحدثت عن الاجتهاد والتقليد ، فكلها تنقل آراء الأئمة ويبينون أنه متى صح الحديث فليس لأقوالهم اعتبار مع وجود الحديث الصحيح ، وهذا يدل على أنهم كلهم يسيرون على منهج أهل الحديث .(1/84)
لكن لكل واحد منهم عذره حينما يقول قولاً يخالف حديثاً من الأحاديث ، فقد يكون هذا الحديث لم يبلغه ، أو أنه يرى أن هذا الحديث ضعيف ولم يعرف أنه صحيح ، أو يرى أن الحديث منسوخ والحقيقة أنه ليس كذلك ، إلى غير ذلك من الأعذار التي ذكرها لهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وفي رسالته البديعة الجيدة ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام )(51) ، فخذوا هذا الكتاب بهذا التصور ولا تحملوا أحداً وزر أحد .
( ( (
س / هل صحيح أن ابن حبان كان أشعرياً مخالفاً لعقيدة شيخه ابن خزيمة ؟
ج / أقول : أما كونه عنده أشعرية في بعض الأمور فنعم ، وذلك مثل تأويله لصفة السارق ، وهذا أمر واضح ، لكن هل يسير على أصول الأشعرية في كل شيء ، أن أنه يأول كل الصفات إلا السبع الصفات التي يثبتها الأشاعرة ، أقول :هذا لا أعرفه عن ابن حبان ، ولكن عنده بعض النواحي التي يظهر منها أنه جاري الأشاعرة فيها وخالف شيخه ابن خزيمة .
( ( (
س / ما رأيكم في قاعدة ابن حبان في توثيق المجاهيل ؟ وهل يعمل بحديث صحيح على هذه القاعدة؟
ج / أقول : لا ، لا يعمل بحديث صحيح على هذه القاعدة ، وهذه القاعدة خاطئة وليست بصحيحة .
( ( (
س / ما شرط ابن حبان في التصحيح ؟ ولماذا يوصف بالتساهل ؟
ج / إن شرطه في الراوي الذي لا يُعرف بعدالة ولا جرح يُحمل أمره على العدالة ، ويقول : إنه عدل ؛ ولذلك يصحح حديثة ، ويخرج حديثة في صحيحه .
مع العلم أن مثل هذا الراوي يتوقف عن قبول خبره حتى يرد ما يثبت أنه ثقة ، أو يبقي خبره في عداد الأحاديث الضعيفة .
( ( (
س / ما مذهب ابن حبان في الفقه ؟
ج / هو يُعد من فقهاء الشافعية ، ولكنه واضح من منهجه أنه متجرد ، فمتى جاء الحديث قدمه حتى وإن كان يُخالف مذهب الشافعي رحمه .
( ( (
س / عند إطلاق أبي حاتم أيهما نقدم ؟(1/85)
ج / أقول : قد يلتبس أبو حاتم ( ابن حبان ) مع أبي حاتم الرازي ، ولكنهم دائماً يقولون : أبو حاتم الرازي ، وأبو حاتم بن حبان ، وهذا يدعو إلى التفريق ، وأما في نفس الكتاب الذي هو الصحيح فمعروف أنه متى ما جاءت العبارة وهكذا : ( قال أبو حاتم ) فمعروف أنه أبو حاتم بن حبان ؛ لأنه صاحب الكتاب .
( ( (
س / ابن منده : هل هو صاحب الإيمان والتوحيد حينما ذكرت أنه تتلمذ على ابن حبان ؟
ح / أقول : لا أستطيع أن أجيب الآن ، لكن الذي يظهر لي أنه هو نفسه (52).
( ( (
س / هل كل الأحاديث في صحيح ابن حبان صحيحة أم تحتاج إلى دراسة ؟
ج / أقول : لا ، ليست كل الأحاديث صحيحة ، وقد أشرت إلى أن ابن حبان قد يخالف في أحكامه على الأحاديث ، ولكن المنهج الذي سار عليه معروف .
( ( (
س / ذكر محقق صحيح ابن حبان أن ابن حبان إذا لم يجد في الراوي جرحاً ولا تعديلات فإن يذكر حديثه ؛ فإن كان يوافق الثقات وثقة ، وإن كان يخالف تكلم فيه ، وهذا هو صنيع الأئمة كلهم ، فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟
ج / أقول : هذا ليس بصحيح ، وأنا لم أقف على هذا الكلام للمحقق إذ كان يقصد المحقق الذي هو شعب الأرناؤوط ، اللهم إلا أن يكون السائل أخطأ في الفهم ، فمعروف أن ابن حبان يُخرج لرواة الواحد منهم لا تحد له إلا حديثاً واحداً ينفرد به ، فكيف يمكن أن تعرض مرويات هذا الراوي على مرويات الثقات ؟ ! أين مروياته حتى تُعرض على مرويات الثقات ؟! .
وإذا كان تفرد بهذا الحديث ، فمن الذي شاركه فيه من الثقات حتى يمكن أن ننظر هل وافقهم أولاً ؟. هذه نقطة هي الخلاف .
أما لو كان الراوي فعلاً مكثراً من الحديث بحيث نستطيع أن نعرض مروياته على ومرويات الثقات فنعم ، لكن هناك تنبيه هام وهو : أن مثل هؤلاء الرواة الذين لهم أحاديث كثيرة لابد أن تجد العلماء تكلموا عنهم ، وإنما الذين لم يتكلم عنهم العلماء في الغالب هم المقلون الذين ليس للواحد منهم سوى الحديث والحديثيين .
( ( ((1/86)
س / هل ذكر الذهبي أن الحاكم متأثر بمذهب الكرامية(53) ؟
ج / أنا لا أعرف أنه متأثر بمذهب الكرامية .
( ( (
س / هل روي شعبه عن بعض الضعفاء ؟
ج / أقول : نعم ، وقد جاء في مستدرك الحاكم رواية شعبه عن راو مضعف .
( ( (
س / من هو الأوقدي الذي شرح صحيح مسلم ؟. ومن هو الآخر الذي أكمل الشرح ؟
ج / الأوقدي لا أعرف عنه شئاً ، إلا أنه من علماء المغرب ،ومن الشراح الذين شرحوا صحيح مسلم ، ولكنه غير معروف ، والذي أكمل الشرح هو السنوسي .
( ( (
س / نرجو ذكر بعض العلماء الذين ضعفوا حديث : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) (54).
ج / أقول : ممن حكم عليه بالوضع شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب ( منهاج السنة ) وهذه من الأمور التي تجعلنا نعر أن هؤلاء العلماء برغم مكانتهم فإنهم بشر يخطئون ويصيبون ، فعجيب جداً أن تخفي طرق هذا الحديث على شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو من هو في المكانة وفي المعرفة بالحديث أيضاً .
( ( (
س / ما رأيك في كتاب ( صحيح المسند مما ليس في الصحيحين ) للشيخ مقبل ؟.
ج / أقول : الشيخ مقبل - حفظه الله - من المعتنين بعلم الحديث ، وأنا أطمئن لأحكامه كثيراً ، وإن كنت لا أدعي له الكمال ، ولكنه عندي أعدل من غيره .
( ( (
س / ما رأيك في منهج الشيخ مصطفى العدوي ؟.
ج / أقول : إن مصطفى في الأونة الأخيرة قد نضج علمياً ، وكان في السابق له بعض المؤلفات التي ألفها في مقتبل العمر ، وليته لم يخرجها .
وهذه نصيحة أسديها لنفسي ولأخواني : إنه لا ينبغي للإنسان أن يكتب في مقتبل العمر شيئاً ، وبخاصة من الأمور التي قد يُخالف فيها ، أما لو كتب شيئاً ليس عليه عمدة ولا اتفاق ، فهذا يمكن أن يحتمل ، لكن الأشياء التي فيها أخذ ورد فينبغي له ألا يتعجل ، فإنه قد تأتي عليه فترة من فترات حياته قد تتغير اجتهاداته وأحكامه .
( ( ((1/87)
س / ذكرت أن شرط البخاري متضمن لشرط مسلم ،فلماذا يقسم علماء مصطلح الحديث الصحيح إلى سبع مراتب ؛ المرتبة الرابعة ، ما كان على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه ، والخامسة : ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه ، والسادسة : ما كان على شرط مسلم ولم يخرجه ، فإذا كان شرط البخاري متضمناً لشرط مسلم ، فإن المرتبة الرابعة تناقض المرتبة الخامسة ، نرجو الإيضاح .
ج / أقول : حينما نأتي إلى العلماء ونرى أنهم قسموا الحديث إلى سبع مراتب :
الأولى : ما رواه البخاري ومسلم .
الثانية : ما أخرجه البخاري .
الثالثة : ما أخرجه مسلم .
الرابعة : ما كان على شرط البخاري ومسلم .
الخامسة : ما كان على شرط البخاري .
السادسة : ما كان على شرط مسلم .
السابعة : ما كان صحيحاً وليس على شرط واحد منهما ، هذه هي المراتب التي قسمها العلماء .
فهؤلاء العلماء الذين يقولون بهذه المراتب يرون أن شرط البخاري غير شرط مسلم في الرجال ، وهي مثلية حرفية ، وهؤلاء هم الذين يرون أن كلام الحاكم مثلية حرفية ويرون أنه لا يجوز إطلاق الشرط على ماكان مثلية حرفية ، وهم الذين يقولون بهذه المرتبة .
أما من كان على نفس منهج العراقي في تأويله لهذه المرتبة ، فهو لا يقول بهذه المرتبة إلا في النادر ، والنادر لا حكم له ؛ لأن هؤلاء الرجال الذين أخرج لهم البخاري انتقاهم انتقاء ؛ ولذلك يقولون : إن الرجال المتكلم فيهم ممن انفرد بإخراجهم البخاري أقل من الرجال الذين انفرد بهم مسلم ، فالذين تكلم فيهم ممن انفرد بإخراجهم البخاري أقل من الرجال الذين انفرد بهم مسلم ، فالذين تكلم فيهم ممن أخرج لهم مسلم كثير .(1/88)
ومعظم الرواة الذين يخرج لهم البخاري يخرج لهم مسلم ، ثم إن هؤلاء الرواة الذين ينفرد بهم البخاري ، نجد أن مسلماً لو ظفر بأحاديثهم لاحتج بها ، ولكن لا نجد مسلماً يورد هذه الأحاديث في الشواهد والمتابعات ؛ مما يدل على أن مسلماً لم يظفر بهم ، أو ظفر وأخرجها من طرق لأسباب معينة بالنسبة له ، لكن بالنسبة للبخاري فصنيعه يدل على أنه ظفر بأولئك الذين خرج مسلم لهم ، ولكن البخاري أعرض عن الاحتجاج بهم .
وذلك مثل حماد بن سلمة ،فمسلم احتج به في روايته عن ثابت ، والبخاري لا يفعل ، ويورده في الشواهد والمتابعات ولا يحتج به .
فإذا كان الأمر هكذا ، فمعنى ذلك أن شرط البخاري أقوى من شرط مسلم ، وشرط مسلم داخل في شرط البخاري ، وهذا هو مقصودهم بأن الطبقة العليا تحتوي على الطبقة الدنيا .
فابن حجر يقول : لو كان الكلام كما نقول يا عراقي فما يدو الحاكم لأن يقول : هذا على شرط البخاري ما دام أنه يرى المثلية المجازية ؛ لأن هذا الرجل الذي أخرج له البخاري بلا شك أنه يلزم مسلم إخراجه ، أو على الأقل مسلم أخرج لمن هو في طبقته ، أو لمن هو مماثل له ، فلماذا إذن يقول الحاكم على شرط البخاري ، فما قال على شرط البخاري إلا وهو يقصد عين الرجال ، وهو المثلية الحرفية .
( ( (
س / ما المراد بالحديث المسلسل بالأولية حيث ذكر أنه مما أجيز به الشيخ محمود - أي التويجري - رحمه الله - .
ج / أقول : حديث المسلسل بالأولية (55) عند المتأخرين ، وأما بداية السند أي الصحابي والتابعي ومن بعده فلم يكن عندهم هذا اللفظ ، وإنما جاء من بعد ذلك ، وأظنه من طبقة سفيان بن عيينة ، وهو أن شيخه حدثه ، وقال : هذا أول حديث سمعته من هذا الشيخ ، وأصبح أول تلميذ يحدث به أحد تلاميذه ؛ فأصبح حديثاً مسلسلاً بالأولية من هذا الحديث ، فتقول : هذا أول حديث سمعته من شيخي فلان ، وهذا الحديث هو حديث : ( الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة )(56) .
( ( ((1/89)
س / ما صحة حديث : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء الشجر فليفطر عليه )(57) ؟
ج / أقول : هذا حديث - فيما ظهر لي - حسن ، ولكنني لا أوافق على الفقه الذي ذهب إليه الشيخ الألباني - حفظه الله - ، فقه هذا الحديث عندي مثل فقه حديث النبي ( أنه نهى عن الصوم يوم الجمعة (58)، فإذا كان الإنسان لا يقصد إفراد السبت بمزية فيه أو لفضيلة له ، وإنما وافق هذا صوم كان يصومه أحدنا ، فهذا لا بأس به .
أما إذا كان أفراد يوم السبت لذاته ولاعتقاده أن له مزية على غيره ، فهذا الذي يدخل في النهي المذكور في الحديث .
وإنما قلت هذا توفيقاً بين النصوص ، فنجد النبي ( أرشد عبد الله بن عمرو ابن العاص إلى إفطار يوم وصيام يوم ، وقال إنه أفضل صيام على الإطلاق(59) ، ولم يستثن يوم السبت ، فلم يقل : صم يوماً وأفطر يوماً إلا يوم السبت ، كما أنه عليه الصلاة والسلام كما تحكي عائشة " كان يصوم شعبان كله "(60) ، فمثل هذا قطعاً يدخل فيه يوم السبت ، فلماذا لم يستثن يوم السبت ! .
وقد حدث ( على صيام أيام من جملتها يوم عرفة (61)، وقد يكون يوم عرفة يوم السبت ، ولو كان هناك نهي عن ذلك لقال ( : صوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية إلا إن وافق يوم السبت !! وهكذا أيضاً التاسع والعاشر ، والعاشر بالذات(62) ، وهكذا أيضاً ثلاثة أيام من كل شهر(63) ، وأفضل الصوم - كما قال النبي ( - صوم شهر الله المحرم (64) ، وكذلك في الحديث الوارد في سنن ابن ماجه في فضل صيام عشر ذي الحجة(65) ، وقطعاً سيدخل فيها يوم السبت .
فهناك أحاديث كثيرة يدخل فيها يوم السبت ، فهل نرمي بها كلها لأجل فقه هذا الحديث ؟
أقول : من التعسف الظاهر جداً أن نهدر نصوص الشرع بهذه الصورة لأجل هذه المسألة .(1/90)
بل جاء في الحديث الصحيح في صوم يوم الجمعة أن النبي ( استثنى من ذلك ، فقال : (( إلا أن يكون صوم يوم كان يصومه أحدكم ))(66) أو كما قال ( ، فإذا وافق يوم الجمعة يوم كان يصومه أحدنا كيوم عرفة فلا بأس حتى بصيام يوم الجمعة بنص قول النبي ( .
فإذن المسألة مرتبطة بفقه واحد - أي يوم الجمعة ويوم السبت - ، وهذا الذي أراه ، والله أعلم .
( ( (
س / هل تنسب السنن الصغرى للنسائي ، أم لتلميذه ابن السني ؟
ج / هذه مسألة من المسائل التي كثر الكلام فيها .
أقول : سنن النسائي الموجودة نوعان :
الأول : السنن الكبرى .
الثاني : السنن الصغرى ، والمسامة بـ ( المجتبى ) أو ( المجتنى )
والاختلاف واقع حول الذي صنف المجتبى ( السنن الصغرى ) هل هو النسائي أم غير النسائي ، وفي هذا الاختلاف وقع جدل طويل ينتصر فيه كل فريق لرأيه .
الرأي الأول :
هناك من يرى أن الذي ألف هذا المجتبى هو ابن السني الراوي لها ، وهذا هو رأي الذهبي ، وابن ناصر الدين الدميشقي رحمهما الله تعالى .
والذي يظهر من صنيع المنذري والمزي أنهما يريان هذا وإن لم يكونا قالا ذلك صراحة ؛ لأننا نجد المنذري - رحمه الله - في شرحه لسنن أبي داود إذا عزى الحديث للنسائي يعزوه للسنن الكبرى ، والمزي - رحمه الله - حينما أخرج الأحاديث - أحاديث النسائي - في " تحفة الأشراف " أخرج أحاديث الكبرى ، وحينما تكلم عن الرجال في " تهذيب الكمال " تكلم عن الرجال الموجودين في الكبرى ، والكبرى متضمنة للصغرى ، في الأعم الأغلب ، فكأن هذا يشكل رأياً للمنذري والمزي ، وإن كان في ذلك شيء من التكليف بالنسبة لهذا الرأي لهما ، فعلى كل حال : الذي نص على هذا صراحة هو الذهبي وابن ناصر الدين .
الرأي الثاني :
وهناك فريق آخر - وهم كثر - كابن الأثير - وابن كثير - والعراقي - والسخاوي ، وغيرهم - يرون أن هذه السنن الصغرى من تصنيف النسائي نفسه .(1/91)
وعمدة أصحاب هذا الرأي حكاية جاءت باسناد منقطع لا تصح ، ويبعد أن تصح عن النسائي حتى لو وردت بإسناد متصل ؛ لأن واقع السنن يخالف مقتضى هذه الحكاية .
يقول : إن أمير الرملة لما اطلع على السنن الكبرى للنسائي ، سأل النسائي فقال : هل كل ما في هذا الكتاب صحيح ؟ فقال : " لا " . قال : فاخرج لي الصحيح منه ؛ فانتقى هذا المجتبى المسمى بالسنن الصغرى ، وهو المطبوع والمشهور بأيدي طلبة العلم في هذا الزمان .
أقول : هذه الحكاية إسنادها منقطع ؛ فهي إذن لا تثبت من حيث الإسناد كما أنها من حيث التضمين - ما تضمنته من معنى - نجد أن هذا المعنى غير صحيح ؛ لأننا نجد هذه الأحاديث المودعة في المجتبى فيها كثير من الأحاديث التي ليست بصحيحة ، بل أحاديث أعلها النسائي نفسه ، فكيف يمكن أن يقول ": إنه انتقى الصحيح لأجل أمير الرملة ؟ .
هذا بعيد جداً كما يتضح لمن يطالع سنن النسائي ؛ ولأجل هذا قلت : إن من حكم على سنن النسائي بأنها مما ألف في الصحيح ، كما نقل عن الدارقطني والخطيب البغدادي وابن عدي يبعد أن تكون هذه النسبة إليهم صحيحة ، ولو صحت - ولربما صحت وهذا لا يهمنا - ، فقد يكون مرادهم ما تضمنته من أحاديث صحيحة كثيرة ولا يكون مرادهم القطع عليها بأنها كلها صحيحة ، فهذا لا يمكن أن يكون ؛ لأن هذه السنن تضمنت أحاديث كثيرة أعلها النسائي نفسه .
كما أنهم اعتمدوا في قولهم بأن هذا الكتاب - السنن الصغرى - من تصنيف النسائي نفسه ، على أنه جاء من رواية ابن السني عن النسائي ، فيقول ابن السني : هذا ما حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ، وينص على ذلك في مواضع أقول : هذا لا يعتبر دليلاً ؛ نجد أن كثيراً من الكتب الحديثية التي لها أكثر من رواية عن المصنف يحصل فيها زيادة ونقص بين تلك الروايات - وهذا كثير - وموطأ الإمام مالك من أبرز الأمثلة على هذا .(1/92)
فموطأ الإمام مالك رواه جمع عنه ، من جملتهم يحي بن يحي الليثي ، ويونس بن بكير ، والقنعبي ، وأبو مصعب الزهري ، وابن وهب ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وغير هؤلاء كثير ، فبعض هذه الرويات موجودة ومطبوعة ، فتحار في الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني ، وبين الموطأ برواية يحيى الليثي ، وبين الموطأ برواية أبي مصعب الزهري ، وكل هذه الروايات مطبوعة ، وتجد في كل رواية من الأحاديث زيادة عن الرواية الأخرى .
كذلك أيضاً جامع الترمذي فيه بعض الأحاديث الموجودة في بعض الروايات ، وليست موجودة في الروايات الأخرى .
وسبق أن تحدثت عن سنن أبي داود ، وقلت : إن ما كان من رواية ابن العبد أو ابن الأعرابي أو ابن داسة ؛ في كل رواية ما ليس في الأخرى ، وإن كانت رواية ابن داسة هي التي انتقت ، ولكن في بقية الروايات أحاديث أخرى ليست موجودة في الروايات الأخرى ، فهذا أمر طبيعي جداً .
وما دام أن سنن النسائي كُثر ناقلوها والراوون لها عن النسائي ؛ فمن الطبيعي جداً أن نجد في كل رواية ما ليس في الأخرى ، فمن الأمر المجمع عليه أن كل الرواة الذين ذكرت بعضهم - ما عدا انب السني - كلهم من الذين رووا السنن الكبرى للنسائي ، وهذه السنن الكبرى في كل رواية ما ليس في الأخرى .
وهذا يظهر واضحاً في صنيع المزي في ( تحفة الأشراف ) حينما يقول : هذا ليس في رواية ابن الأحمر ، وهذا من رواية ابن سيار ، ... الخ .
فتجد مثلاً في رواية ابن الأحمر أحاديث - أو كتباً بأكملها - ليست في رواية ابن سيار ، وتجد في رواية ابن المهندس كتاباً أو أحاديث ليست في رواية ابن الأحمر ، وهم متفقون على أنها كلها تسمى بالسنن الكبرى .(1/93)
فإذا كان الأمر هكذا ، فليس ببعيد إذن أن يكون ابن السني - رحمه الله - روى السنن عن النسائي ، في هذه الرواية ، وهذه رواية تضمنت أحاديث معينة ، وتركت أحاديث أو كتباً معينة قد يكون ابن السني لم يسمعها ، وقد يكون هو الذي اجتنباها واختصرها عمداً كما يقول الذهبي .
ومن أراد أن ينظر إلى من نصر هذا الرأي أو الرأي المخالف من الذين تكلموا عنه الآونة الأخيرة - يجد أن في حاشية شعيب الأرناؤوط على " تهذيب الكمال " للمزي في ترجمة أحمد بن شعيب النسائي - يجد كلاماً لشعيب عن هذا الاختلاف الوارد ، وقد نصر فيه رأي الذهبي .
كما أننا نجد عبد الصمد شرف الدين الذي حقق " تحفة الأشراف " ، وفاروق حمادة الذي حقق " عمل اليوم والليلة " للنسائي نصر الرأي الآخر لقائل بأن النسائي هو الذي انتقى هذه السنن الصغرى .
ومن الأدلة التي يمكن أن ندلل بها على أن هذه السنن الصغرى قد تكون من رواية ابن السني ، وأنا أقول : " قد " لأنني لا أجزم ، بل أقول : إن الذين قطعوا في هذه المسألة قطعاً تكلفوا ، وبخاصة من قطع بها من رواية النسائي ؛ لأنه ليس له مستمسك سوى ما ذكرته من تلك الحكاية وهي لا تصح ، ومن كون ابن السني يروي هذا عن النسائي .
ومجرد الرواية معروف ، فمعروف أن هذه الأحاديث يرويها النسائي ، وهذه الكتب والأبواب يرويها النسائي ، فهذا أمر طبيعي ، لكن السؤال ينبغي أن يورد عليهم هو : هل صرح ابن السني بأن النسائي هو الذي انتقى هذا الكتاب ، وهو الذي اختصره ، وهو الذي اجتباه ؟ هل ورد عن النسائي ما يدل على ذلك صراحة باسناد صحيح ؟ هذا الذي ينبغي أن يوردوه حتى يتكئ قائل هذا القول على قاعدة صحيحة سليمة ، أما ما عدا ذلك فلا يدل على هذا .
بل الذي يدل على ضعفه أن هذا الاجتباء والاختصار الوارد في السنن الصغرى ، نجد أنه على غير قاعدة وبلا رابط .(1/94)
وإنما أقول : لا يستند على قاعدة ، وليس بين ذلك الانتقاء ، والأبواب التي تركها رابط ، لأننا نجد كتباً كثيرة بأكملها لا توجد في المجتبى إطلاقاً .
فمثلاً : كتاب التفسير - أحد كتب السنن الكبرى - لم يرد في السنن الصغرى إطلاقاً ، مع العلم أن هذا الكتاب وردت فيه أحاديث صحيحة كثيرة جداً ، بل كثير منها مخرج في الصححين ، فإذا كان المقصود انتقاء الصحيح ، فلماذا يهمل النسائي هذه الأحاديث الصحيحة ؟ بل لماذا يهمل هذا الكتاب بأكمله ؟ .
بل حتى كتاب فضائل القرآن ، وكتاب فضائل الصحابة ، وكتاب خصائص علي ، وكتاب الطب ، وغير ذلك من الكتب الكثيرة كلها لم ترد في هذا المجتبى ، فلماذا يتركها النسائي مع أن فيها جملة من الأحاديث المخرجة في الصحيحين ؟ .
كما أن هذه الكتب التي توجد في المجتبى - يعني توجد في المجتبى وتوجد في السنن الكبرى - نجد في الكبرى أحاديث صحيحة حذفت من الصغرى ، فإذا كان النسائي أراد اختصار هذه السنن لتكون صحيحة فلماذا أهمل هذه الأحاديث المذكورة في الكبرى ؟ ولماذا أتى بأحاديث ضعيفة ؟! هذا عكس ما يفهم من تلك الحكاية تماماً ؛ لأن هذا لا يدل على أن النسائي أراد اختيار الحديث الصحيح ، وجعله في هذا الكتاب .
كما أننا نجد في السنن الصغرى المسماة بالمجتبى كتباً بأكملها ليست في الكبرى ، منها كتاب الصلح ، وكتاب الإيمان وشرائعه ،فهذان الكتابان لا يوجدان في الكبرى ، وهذا يدل على أن السنن الصغرى هذه - المسماة بالمجتبى - رواية من الروايات ، فكما أن رواية ابن الأحمر فيها ما ليس في رواية ابن سيار ، وفيها ما ليس فيها من رواية ابن المهندس إلى غير ذلك من الروايات .
كذلك أيضاً في رواية ابن السني أحاديث وكتب لا توجد في الروايات الأخرى ، فيمكن أن تضم هذه الروايات بعضها مع بعض لتشكل مقداراً كبيراً يسمى السنن الكبرى للنسائي ، سواء أكان من رواية ابن السني أو من رواية غير ابن السني .(1/95)
أما أن يقول : إن رواية ابن السني وحدها هي التي اختارها النسائي ، فهذا خطأ وإنما هذه رواية من جملة الروايات .
كما أن هذه السنن الصغرى المسماة بالمجتبى فيها أحاديث وألفاظ زائدة في الإسناد أو في المتن ، وهي ليست في الكبرى ، وكذلك فيها زيادة في بعض التراجم والأبواب والاستنباطات التي ليست في الكبرى .
فمثلاً : في كتاب الطهارة زاد في الصغرى باباً ليس موجوداً في الكبرى وهو باب النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة (67).
كما أننا نجد في السنن الصغرى المسماة بالمجتبى أحاديث كثيرة ضعيفة ، بل ضعيفة جداً ، بل يضعفها النسائي نفسه .
فكما أن النسائي - رحمه الله - ممن عرف بتشدده في الرجال إلا أننا نجده يخرج أحاديث رواة حكم عليهم هو بأنهم متركون ، والمتروك حديثه ضعيف جداً .
فمثلاً : أيوب بن سويد الرملي . قال عن النسائي : متروك الحديث ومع ذلك أخرج حديثه(68) ، وهذا من القوادح فيما ذكر عن أن النسائي اختار الصحيح .
كذلك سليمان بن أرقم ، وهو راو معروف بأنه متروك الحديث ، بل حكم عليه النسائي بأنه متروك الحديث (69).
وكذلك إسماعيل بن مسلم ، قال عنه النسائي : متروك الحديث (70).
وكذلك عبد الله بن جعفر الذي هو والد علي بن المديني ، قال عنه النسائي : متروك الحديث(71) .
كما أن هناك بعض الرواة الذين أخرج لهم ، وهو لا يعرفهم ؛ أي أنهم مجهولون عنده ، مثل : أبي ميمون، قال عنه : لا أعرفه(72) ، ومثل : قرصافة - امرأة - قال : لا ندري من هي (73)، وهناك راو اسمه مصعب بن شيبه قال عنه النسائي : منكر الحديث (74).
هذه بعض الأمثلة فقط التي تدلل لنا على أن هذه السنن الصغرى - فضلاً عن السنن الكبرى - إنما ألفها النسائي - رحمه الله تعالى - لتتضمن جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة التي ظفر بها .
وقد يخرج النسائي - رحمه الله - أحاديث ضعفية ينبه في كثير من الأحيان على ضعفها ، وقد يفوته أو يسكت عن الكلام عن ضعفها .(1/96)
وما قيل عن أن السنن الصغرى هي التي اختارها النسائي واختصرها من السنن الكبرى ، لتضم الحديث الصحيح ، هذا ليس بصحيح .
وما قيل من إطلاق الصحة على سنن النسائي سواء الكبرى أو الصغرى ، هذا ليس بصحيح ، بدليل واقع السنن ، بل إن النسائي نفسه هو الذي يعلب هذه الأحاديث ويضعفها ، وهذا يقدع في هذه المقولة .
وما قيل عن بعض العلماء أنهم حكموا عليها بالصحة ، يمكن أن يأول هذا الكلام على أنهم أرادوا أنها تضمنت مقداراً كبيراً من الأحاديث التي تربو عن أي كتاب آخر ، وتجنبت الأحاديث الموضوعة والمنكرة ، وإن ورد فيها شيء من ذلك فهي قلة ، والقليل يعتبر من الشاذ الذي لا يبنى عليه حكم .
إذن سنن النسائي تعتبر من الكتب الحديثية التي تحتاج إلى النظر في أسانيد الأحاديث التي فيها = التي ليست في الصحيحين - فيمكن أن يكون الحديث صحيحاً ، ويمكن أن يكون غير صحيح ، ويمكن أن يكون هذا الذي ليس بصحيح قد تكلم عنه النسائي نفسه وأعله وبين ضعفه ، ويمكن ألا يكون النسائي قد بين ضعفه .
ولذلك لا ينبغي لطالب العلم أن يتكئ على مجرد إخراج النسائي للحديث ليحكم عليه بالصحة ، بل يمكن أن يستأنس بصنيع النسائي مجرد استئناس إن لم يعل الحديث ، ويمكن أن يطمئن طالب العلم إذا بحث ووجد الإسناد صحيحاً والنسائي لم يبين علته ، فعلى أقل الأحوال ، يقول : لو كان للحديث علة لبينها النسائي مع اجتهادي في طلب الحديث وجمع طرقه والحكم عليه بالصحة والله أعلم .
( ( (
س / لا يمكن أن يكون النسائي ألف كتاب " السنن الكبرى " ثم بعد ذلك ألف " السنن الصغرى " المسمى بـ " المجتبى " وتم ذلكم بعد أن أنهى " السنن الكبرى " وجعل الصغرى إضافة منه مثل ما فعل السيوطي ؟(1/97)
ج / أقول : الذي يقول بهذا يطرح قوله بكلمة يسيرة ، فيقال له : ما الدليل على هذا ؟ ومعروف أن " السنن الصغرى " في الأعم الأأغلب منتقاة أو مأخوذة من " السنن الكبرى " ؛ لأن الكتب الموجودة في " السنن الصغرى " موجودة في " الكبرى " و " الكبرى " تزيد ، والأبواب كذلك في الأعم الأغلب موجودة ، والشيوخ هم الشيوخ ، والألفاظ هي الألفاظ هي الأعم الأغلب ، فما السبب الذي يجعل النسائي يؤلف كتاباً آخر ؟ ! فالنتيجة تحصيل حاصل ، فهذا يعني أن هذا العمل ضرب من العبث !! وعلى كل حال : الذي يقول بهذا يقال له : ما الدليل ؟ .
( ( (
س / ما رأيك في كتاب "قواعد أصول الجرح والتعديل " وقد جعل مؤلفه ، الشيخ بكر أبو زيد - المجلد الأول خاصاً في التخريج ؟
ج / أقول : الكتاب الذي ألفه الشيخ بكر جيد للغاية ولكنه دسم جداً ينفع طلبة العلم الذين لهم معرفة وإدراك وإلمام بالتخريج ، كما أنه لابد من ضم الجزء الثاني إليه ، وهو لم يخرج ؛ لأن الجزء الثاني هو الذي يكمل هذا الكتاب ، فلا يعجل أحدنا حتى يخرج الجزء الثاني الذي فيه بعض الأشياء التي يمكن أن تكمل هذا الذي موجود في الجزء الأول .
( ( (
س / ذكر الدارقطني وابن خلكان أن النسائي دُفن بين الصفا والمروة ، فما صحة هذا القول ؟
ج / أقول : هذا قول الدارقطني كما نقله ابن خلكان عنه ، ولكن الذهبي وهو مؤرخ الإسلام بلا منازعة ويأتي على رأس الهرم فيمن ألف في التاريخ ، سواء التاريخ بعموميته أو تواريخ الرجال بالذات .
أقول : الذهبي - رحمه الله - صحيح رواية أبي سعيد بن يونس ، وقدمها على مقولة الدارقطني ؛ والسبب أن أبا سعيد بنت يونس هو تلميذ النسائي ، والتلميذ أدرى بحال شيخه ، بل إنه من بلده الذي سكنها ، فأبو سعيد بن يونس من مصر ، وقد ألف في تاريخ رجال مصر ، وقادتها ، فيعتبر ابن يونس أعرف في هذه المسألة من الدارقطني .
( ( ((1/98)
س / هل خرج كتاب السنن الكبرى مطبوعاً كاملاً ؟ وهل تحقيقه في الرسائل الجامعية قد أكتمل ؟
ج / أقول : أما بالنسبة لكونه طبع كاملاً ، فقد طبع مقدار كبير جداً منه ، ولكن لا يزال النقص يعتريه .
أما بالنسبة للرسائل الجامعية ، فالرسائل الجامعية دائماً إذا قسمت بين أناس يصعب الجمع بينهم تكون مشكلة .
( ( (
س / ما هو سبب اختلاف الرواة في نقل كتب الأئمة ؟
ج / أقول : السبب هو أنه ليس كل واحد سمع سنن النسائي من ألفها إلى يائها من النسائي ، بل هذا الاختلاف الوارد بينهم يدل على أن أحدهم فاتته بعضها ؛ أما لكونه - مثلاً - مرض أو سافر أو شغل أو جاء وقد فاه شيء من السماع ، أو غير ذلك ، فكل هذا وارد .
( ( (
س / ما هو موقف طالب العلم من الحديث الموجود في إحدى روايات سنن النسائي دون الأخرى ؛ هل الأصل اعتمادها من الكتاب ؟
ج / أقول : نعم ، الأصل اعتمادها ؛ لأن هذه الروايات ينبغي أن يضم بعضها إلى بعض لتشكل رواية كاملة من " سنن النسائي " .
( ( (
س / ما هي الثمرة المترتبة على معرفة هل النسائي هو صاحب السنن الصغرى أم لا ؟
ج / أقول : أنا مثلك لا أرى فائدة ، لكن الذين تطرقوا إلى ذلك يبدو أنهم يريدون أن يدللوا على أن ما أخرجه النسائي في كتابه " السنن الصغرى " يعتبر صحيحاً ، فإن كانوا أرادوا هذا فهذا القول الذي ذكرته عليهم ، أما غير ذلك فليس فيه فائدة .
( ( (
س / كيف يكون التوفيق بين زيادة الثقة المقبولة ، والشذوذ الذي هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه ؟
ج / أقول : هذه المسألة من عويصات المسائل ، ومن المسائل التي يختلف فيها اجتهاد الإمام الواحد فضلاً عن اجتهاده مع اجتهاد أئمة آخرين .(1/99)
فمثل تلك الأحاديث التي يعلها الدارقطني فإنها من الشذوذ يعتبرها البخاري م زيادات الثقة ، فما دام أن هذا الخلاف الحاصل بين إمامين كبيرين كهذين ، فمن باب أولى أن يحصل بين أناس آخرين ، بل إنك تجد الإمام الواحد نفسه ، مرة يعتبرها شاذة ، ومرة لا يعتبرها شاذة ، كل هذه من الاجتهاد .
وحقيقة إن هذه المسألة من أصعب مسائل علوم الحديث - إن لم تكن هي أصعبها - وهي مسألة اجتهادية ، ولكن هناك بعض الأمور الواضحة ، فلو جاء مثلاً - حديث يرويه رواة بلفظ ، وجاء راو آخر فرواه بلفظ مخالف ، والشيخ واحد ، فمعنى ذلك أن الراوي قد أخطأ ، فالمخالفة الظاهرة تماماً هذه يمكن أن يحكم عليها بالشذوذ ولا حرج .
كما أنه - على الضد - يمكن أن تقبل ولا حرج ، كأن يأتينا حديث من الأحاديث فيه بعض الطرق - أو طرقه - أو طرقه كلها - تدور على شيخ واحد ، هذا الشيخ يروي الحديث عن شيخ معين وليكن مثلاً شبعة ، وشعبة يروي الحديث عن أبي إسحاق السبيعي ، وأبو إسحاق يرويه عن شيخ آخر ، ثم جاءنا راو واحد فروي الحديث عن شعبة ، عن شيخ آخر غير أبي إسحاق عن ذلك الشيخ الذي هو شيخ أبي إسحاق ، فيمكن في هذا الحال أن يقال : إن هذا الراوي خالف بقية الرواة ؛ فالرواة الآخرين رووه عن شبعة عن أبي إسحاق ، وهذا جعل بدل أبي إسحاق شيخاً آخر ، فإذن هو قد خالف .
لكن لوجاءنا راو آخر أو هو نفس الراوي ، فقال : عن شعبة عن أبي إسحاق وفلان ، فضم إليه الراوي الآخر ، ففي هذه الحال نقطع تماماً بأن زيادة هذا الراوي زيادة ثقة ، وهي مقبولة ولا تخالف ما رواه الرواة الآخرين ، بل هذا من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد .
أما الزيادة التي يختلفون فيها فهي التي يقولون عنها : إن فيها نوع منافاة ، مثل ذلك الاختلاف بين الوصل والإرسال ، وبين الوقف والرفع ، إلى آخر هذه الاختلافات ، وهذا الذي قلت عنه : إنه محل اجتهاد .
( ( ((1/100)
س / ما رأيكم فيمن خرج حديثاً من الأحاديث من أجهزة الكمبيوتر التي يستعان بها في التخريج ؟.
ج / أقول : أجهزة الكمبيوتر هذه مريحة إلى حد كبير ، وذلك مثل جهاز الذي أخرجته شركة صخر - أظن - عن الكتب الستة أو الكتب التسعة وهذا الجهاز مفيد .
مع العلم أن هناك مشروعاً أكثر فائدة منه سيخرج هذه الأيام ، هذا المشروع يضم خمسين كتاباً من كتب السنة ؛ فيمكن أن تنقل مكتبة بأكملها في يدك ؛ لأن أجهزة الكمبيوتر صغرت أحجامها ، فيمكن أن تنقلها من مكان إلى آخر وأنت في الحقيقة تحمل مكتبة كبيرة جداً .
ونية هؤلاء الذين سيخرجون المشروع إخراج أكثر من مائة كتاب(75) من كتب السنة ، ولكن الدفعة الأولى تضم خمسين كتاباً ، وسيخرج بعد ذلك الجملة الباقية ، فيعتبر هذا خير كثيراً ؛ فيمكنك أن تطلب الحديث الذي تريده ، فيأتيك به من هذه المصادر ، ويعرضها أمامك على الشاشة ، وهذا مفيد جداً لطالب العلم .
( ( (
س / هل ترى أن تخرج أحاديث بعض كتب السنة عن طريق الكمبيوتر ؟ فإنه قد وجدت بعض الدسكات فيها بعض كتب السنة ؟
ج / أقول : الكمبيوتر يمكن أن يخدم علوم السنة ، لكن عليه بعض المحاذير ، فأحياناً لا يكون الشخص الذي أدخل المعلومات مستوفياً لتلك المعلومات ، فيعطيك الكمبيوتر ما أدخل فيه .
ثم إن الكمبيوتر أحياناً من مظنه وجود الخطأ بسبب إشارة كهربائية أو شيء يعرض فيه على كل حال هو يساعد ، إن وجد فالحمد لله ، وإن لم يوجد فلا يكن هو العمدة لك في تخريجك .
( ( (
س / ما رأيك في شرح صحيح مسلم لأبي ؟ وهل صحيح أنه جمع جميع شروح الصحيح مثل شرح القرطبي ، والنووي وغيرهما ؟ وهل هو أفضل من شرح مسلم للنووي ؟
ج / أقول : لا شك أنه أفضل من شرح مسلم للنووي ؛ لأنه تضمن شرح مسلم للنووي وزيادة .(1/101)
أما كونه أفضل الشروح ، فالذي أراه أن أفضل الشروح هو الشرح الذي شرحه أحد الهنود - أظنه " فتح الملهم " - ولكنه لم يكتمل ، ولو اكتمل لكان جيداً ، مع العلم أنه يؤخذ عليه ما يؤخذ على الهنود من عصبيتهم للمذهب الحنفي ، وهذا ظاهر ، لكن طالب العلم ينتقي كالنحلة تأخذ من كافة الأشجار .
( ( (
س / هل صحيح أن الذهبي قال في بعض كتبه إنه عمل تلخيصاً للمستدرك ، وهذا التلخيص بحاجة إلى مراجعة ؛ لأن كتبه في مقتبل عمره ؟ وماذا ينبني على هذا الكلام لو صح ؟
ج / أقول : نعم الذهبي ألف التلخيص في مقتبل العمر ، ومن الأدلة التي تدل على أنه ألف في مقتبل العمر ما يأتي :
أنه أمضى فترة وجيزة في تلخيص هذا الكتاب ، وهذه الفترة مقدارها ثلاثة أشهر وأحد عشرة يوماً ، وهذه المدة نقلها ابن الملقن في تلخيصه عن الذهبي حيث قال : ( قال الذهبي : جمعته في مائة يوم ويوم ) .
فهذه المدة الوجيزة لا تكفي في نقد حوالي عشرة آلاف حديث ؛ لأن في المستدرك ما يقرب من تسعة آلاف وخمسمائة حديث وأسانيد طويلة ، والكلام فيها قد كثر كما نعلم عن مستدرك الحاكم.
فهذه المدة لا تكفي لنقد هذه الأحاديث ، اللهم إلا أن تكون قد جاءت من باب العجلة ؛ كما هو واقع الشباب ؛ يجب الواحد منهم السرعة في الإنجاز وعنده حيوية ونشاط ، ولكن على حساب الاتقان ، وهذا ما حصل من الذهبي - رحمه الله - فإنك إذا سبرت كتابه هذا وباقي كتبه المتأخرة تجد أن اجتهاداته اختلفت ، فتجده يتكلم في راو في " التلخيص " بينما يدافع عنه في " الميزان " وتجده ينتقد حديثاً في تلخيص المستدرك بينما يدافع عنه أو يصححه في " المهذب " في اختصاره لسنن البيهقي .(1/102)
وقد صرح هو بهذا - تقريباً - كما في ترجمة الحاكم في " سير أعلام النبلاء "(76) ، فإنه حينما تكلم عن الحاكم وأورد مقولة أبي سعد الماليني أنه تأمل مستدرك الحاكم فلم ير فيه حديثاً واحداً على شرط الشيخين ، فتعقب الذهبي كلام أبي سعد الماليني ، وقال : هذه مجازفة من أبي سعد الماليني ، بل فيه أحاديث صحيحة على شرط الشيخين ، وذكر أنه تقرب من النصف ، وفيه أحاديث صحيحة وليست على شرط أحد منهما ، ثم ذكر أن فيه أحاديث منكرة وبواطيل وأحاديث موضوعة تقرب من المائة أفردها بمصنف ، ثم ذكر أن له عملاً على هذا المستدرك ولكنه يعوزه تحرير .
( ( (
س / ما هي الفوائد التي نجنيها من تخريج الحديث ؟
ج / الفوائد التي نجنيها من خلال التخريج كثيرة جداً ، أوصلها بعض العلماء إلى حوالي اثنتين وعشرين فائدة ، سألقي الضوء على أهمها ، وهي الأسباب التي تدعونا للتخريج .
الفائدة الأولى :
لو أراد الواحد منا أن يعرف الحكم على حديث معين أصحيح هو أم ضعيف ؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يتعبد الله عز وجل بحديث ضعيف ، أو على الأقل حديث لا يعرف صحته فلابد أن يتأكد من صحته ليعمل به ، أو يتوقف .
ولقد بين ذلك الإمامان مسلم وابن حبان في مقدمتي صحيحهما ، فإنهما - رحمهما الله - تعالى أشار إلى سبب تأليف هذين الكتابين ؛ وهو وجود طائفة من الناس لا يميزون بين الغث والثمين ، وبين الصحيح والسقيم ، فيأخذون الموضوعات المكذوبات ويعملون بها ، ووجدا طائفة من أهل العلم يروون الأحاديث المكذوبة والموضوعة والمناكير ، وكأن الرسول ( قد قالها حقاً وصدقاً .
وحتى نستطيع معرفة صحيح الحديث من سقيمه فلابد لنا من وجود السند ، الذي يمكن من خلاله أن نعرف أهذا الحديث صحيح أم غير صحيح ؟(1/103)
لكن قد يحكم أحياناً على حديث من الأحاديث أنه ضعيف ، بسبب وجود راو مضعف في ذلك السند ، فهذا الحكم يعتبر حكماً متعجلاً متسرعاً ، ويكون الحديث في حقيقته صحيحاً ؛ حيث إنه لم يرد من تلك الطريق فقط ، بل ورد من طرق أخرى .
وإما أن تكون تلك الطرق بعضها صحيحة لذاتها - أي بمفردها - فيصبح الحديث التحاقاً بها ، وأما أن تكون تلك الطرق فيها شيء من الضعف ، لكن إذا ما ضمنت هذه الطرق بعضها إلى بعض تقوي الحديث بها وانجبر ضعفه ، وأصبح إما حسناً لغيره أو صحيحاً لغيره بمجموع تلك الطرق بحسب كثرتها وقوتها .
لكن لا نستطيع الوصول إلى هذه النتيجة إلا بعد معرفة التخريج والتوسع فيه ، فهذه ثمرة من ثمار التخريج ، وتعتبر سبباً داعياً لنا لمعرفة تخريج الحديث .
الفائدة الثانية :
سبب آخر عكس ما سبق تماماً ؛ حيث إنه قد يوجد حديث صحيح سنده ولكنه في حقيقة الأمر يعتبر حديثاً ضعيفاً .
وهناك إشكال ؛ كيف يمكن أن يكون صحيحاً في هذا الطريقة وهو في الحقيقة ضعيف ؟ .
نقول : نعم ، إذا كما جمعت طرق الحديث بينت العلل الموجودة في بعض تلك الطرق ، فالسند قد يكون رجاله كلهم ثقات ، وقد يكون متصلاً ، ولكن بعض الثقات قد يخطئ ويروي هذا الحديث على أنه موصول إلى النبي ، ولكن إذا جمعت طرق الحديث الأخرى وجدت أن ذلك الراوي قد خالفه باقي الرواة الآخرين في الطرق الأخرى ، وهم ثقات وأكثر عدداً منه ، فيجعلون هذا الحديث مرسلاً ، والمرسل لم يتوفر فيه شرط من شروط صحة الحديث ؛ وهو اتصال السند ، إذن فهو حديث مرسل ، فيكون حديثاً ضعيفاً .
ونحن نتكلم الآن بناءً على قواعد أهل الحديث ، أما من يتساهل ولا يجري على قواعدهم كبعض الفقهاء ، فلا يوافقون ؛ فكل فن يرجع فيه إلى أهله ، ولا يأخذ من غيرهم .(1/104)
وينبغي للمشتغل بعلم الحديث ألا يقف على إسناد واحد ويحكم من خلاله على أن هذا الحديث صحيح ، بل لابد أن يجمع طرق الحديث ، إذ لعله يكون في بعضها عله قادحة ولم يتنبه لها ، وهذا كثير في كتب الحديث .
الفائدة الثالثة :
أننا نجد أحياناً حديثاً من الأحاديث فيه راو موضوع بالتدليس ؛ أي يسقط أحياناً بعض رجال الإسناد عمداً ويخفي العيب في ذلك الإسناد ؛ فقط يسقط رجاً مجروحاً من الإسناد ويجعل الإسناد فيما بينه وبين شيخه ، أو بين شيخه فمن فوقه ، كأنه إسناد صحيح ، وهو في الحقيقة غير صحيح .
وموقف العلماء مع هذا الراوي الذي عرف عنه التدرليس ، أنه إذا روى حديثاً بصيغة العنعنة غير مصرح بسماعه له من شيخه مثلاً ، فلا يقول : حدثني أو أخبرني أو سمعت أو نحو هذه العبارات التي تفيد أخذه مباشرة لهذا الحديث من ذلك الشيخ ، بل استعمل صيغة موهمة ؛ كأن يقول عن فلان ، أو قال فلان .
وذلك مثل أن يسأل أحد عن حكم مسألة ، فيجيب بالحكم قائلاً : قال الشيخ ابن باز كذا ، فهذه الإجابة توهم أنه أخذ الفتوى من الشيخ ابن باز مباشرة ، بينما هو أخذها بواسطة شخص آخر ، وربما كانت الواسطة أكثر من واحد ، وربما ذلك الواحد أخذها عن واحد آخر ، وهكذا .
هذه الصيغ الموهمة إذا صدرت عن شخص معروف بالتدليس عند علماء الحديث ، توقفوا عن رواية ذلك الحديث ، وربما حكمنا عليه بالضعف لأجل تلك العنعنة ، لكن إذا توسعنا في التخريج وجمعنا الطرق وحصرناها ، فقد نجد بعض الكتب تورد ذلك الحديث وفيه تصريح ذلك الراوي المدلس بالمدلس ، وهذا شيء لم يتحصل لنا إلا من خلال التوسع في التخريج ، ولولا ذلك لما استطعنا أن نتعرف على أن هذا المدلس قد صرح بالتحديث .
الفائدة الرابعة : حالة الاختلاط :
بعض الرواة تنقسم حياته إلى قسمين ؛ قسم حديثه فيها صحيح ، وقسم حديثه فيه ضعيف ، وهو الراوي الذي يقال عنه إنه اختلط ؛ أي تغيرت حافظته بمؤثر من المؤثرات .(1/105)
وهناك فوائد أخرى للتخريج ؛ كمعرفة أحكام الأئمة ، ومعرفة فروق النسخ ومعرفة الرواة المبهم والراوي المهمل ، وغير ذلك من الفروق ، ويمكن الرجوع إليها في مقدمة كتاب : " طرق تخريج حديث رسول الله ( " ، فإنه أسهب في تعداد هذه الفوائد ، وهي أسباب تدعونا إلى الاهتمام بتخريج الحديث .
( ( (
س / ماهي أسباب الاختلاط ؟
ج / بعضهم اختلط بسبب تأثير الفجيعة عليه عندما فقد بصره .
أو أنه كان يعتمد على الكتب ، فاتكل على حافظته بعدما عمى بصرة ، فخانته الحافظة فاختلطت عليه الأحاديث .
وبعضهم قد يسرق متاح بيته ، وسرقه لمتاع هذه مصيبة تؤثر أحياناً على عقل بعضهم .
وبعضهم تحرق كتبه التي كان يعتمد عليها في التحديث فأصبح يحدث من حفظه .
وبعضهم يسقط عن الدابة .
وبعضهم قد يضرب فيؤثر الضرب عليه ، وهكذا .
ومن جملة الأسباب : كبر السن ، فبعضهم قد كبر سنه إلى حد يجعله يفتقد تلك الحافظة القوية التي كانت معه في السابق ، فربما اختلطت عليه الأحاديث ، وربما جعل إسناد هذا الحديث على متن حديث آخر ، أو غير في الشيوخ .. الخ . أ هـ .
( ( (
س / كيف يُمكن معرفة حال الراوي قبل الاختلاط عن حاله بعد الاختلاط ؟
ج / يعرف ذلك بواسطة التلاميذ ؛ فبعض التلاميذ يأخذ عن الراوي في حالة صحته ، فإذا شعر أنه تغير توقف عن الأخذ عنه ، فيعتبر حديث هذا التلميذ عن هذا الشيخ صحيحاً ، وكأن هذا الشيخ توفي بمجرد حدوث التغير عنده حيث انتهت حياته الحقيقة .
ومن حدث عنه بعد الاختلاط فهذا الذي يحوم حول روايته الشك .
وبعضهم يحدث عنه في الحالتين ، ولا يمسك عنه بعدما اختلط ، فهذا تذهب حتى أحاديثه الصحيحة.
قد يأتينا حديث من الأحاديث وفيه راو يروي عن ذلك المخلط بعد الاختلاط ، وقد نتسرع ونقول :هذا الحديث ضعيف ؛ لأن فلاناً وقد اختلط ، وفلان يروي عنه ، وهو ممن روى عنه بعد الاختلاط .(1/106)
لكن لو أطلنا النفس وقلبنا الكتب وجمعنا طرق الحديث لوجدنا أن هناك من روى هذا الحديث عن هذا الشيخ ، وهو من الذين رووه عنه قبل الاختلاط ، فصح بذلك الحديث ، ولم يحكم عليه بالضعف الذي حكم عليه به قبل التوسع في التخريج .
( ( (
س / ما هي المؤلفات التي أُلفت في تخريج الحديث ؟
ج / أقول : المؤلفات التي أُلفت كلها محدثة ، قريبة العهد جداً ، أقدمها لا يزيد عن عشرين عاماً ، وأما المتأخر منها فربما إلى ما قبل سنة أو نحوها .
( ( (
س / ما هي أسباب تأخر التصنيف في موضوع التخريج ؟ وما هي أهم المؤلفات فيه ؟
ج / هذا الموضوع لماذا تأخر التصنيف فيه ، أو لماذا أخرت كتابتها إلى هذا الوقت وإلى هذا العصر .
نعم ، لقد تأخرت الكتابة في هذا الموضوع إلى عصرنا ؛ لأن العلماء المتقدمين لم يدر بخلد أحد منهم في يوم من الأيام إن طالب العلم سيحتاج إلى من يبصره بطرق التخريج ، لأن هذه المسألة كانت تأتي بالتتبع ، وكانت من البداهة بمكان ؛ لأن العلماء في ذلك الزمان لم يكن الواحد منهم يقصر نفسه على فن معين بحيث لا يعرف سواه .
نعم قد يتخصص العالم منهم في فن من الفنون ، لكن يكون له إلمام وإطلاع على فنون أخرى ، ولم يكونوا يتصورون أن طالب العلم بحاجة إلى من يبصره بهذه الطرق ؛ لأنه لا أحد يسلك هذا المسلك إلا بعد أن يحصل حصيلة علمية ، فالذي لم يكن لديه الإلمام الكافي بحيث يعرف كيفية التخريج ، يقال له اسلك يا أخي في البداية مسلك طلبة العلم ، وتعلم تفقه ، وأطلب العلم من جميع مصادره ، ثم بعد ذلك تأتي لمرحلة التخريج فأنت الآن تريد أن تصعد السطح بلا سُلم ، وهذا خطأ .(1/107)
كان هذا الذي دفع علماءنا السابقين إلى عدم التأليف في هذا الموضوع ، لكن لما جاء عصر الدراسات المنهجية والدرجات الجامعية والتخصصات العلمية والعجلة التي من قبل بعض طلبة العلم في بعض الأحيان ، لما وجد هذا وحدت الحاجة إلى من يبصرهم بطرق التخريج ؛ حتى يكون هناك انضباط واتزان ، ولا يكون هناك شطط .
هذا هو السبب الذي جعل التأليف في هذه الأزمان .
ثم إن هذه المؤلفات التي خرجت ، هي عبارة عن اجتهادات ، وكل يدلي بما يعرفه من وجهة نظره ، فقط تجد في كتاب ما لا تجده في الكتاب الآخر ، ويستفيد ختماً المتأخر من المتقدم ، فالعيب أكثر شيء ينصب على من ألف في البداية ، أما الذين يأتي في الأخير فإنه يتلافى ما عيب من سبقه .
والمؤلفات التي في هذا المجال قليلة ، وكما قلت : هي عبارة عن اجتهادات ، لكن معظمهم يشتركون في تحديد الطرق التي يمكن من خلالها تخريج الحديث .
ولعل أول كتاب طبع في هذا المجال : كتاب " أصول التخريج ودراسة الأسانيد " للشيخ محمود الطحان .
وأيضاً كتاب " كشف اللثام عن طرق تخريج حديث النبي عليه الصلاة والسلام " للدكتور عبد المودود عبد اللطيف ، ولكن الكتاب ضعيف في مادته العلمية .
كما أن هناك كتاباً اسمه" طرق تخريج حديث النبي ( " لمؤلف اسمه عبد المهدي عبد الهادي(77) .
ومما ألف في هذا المجال كتاب لأخينا الفاضل محمد بازمول وفقه الله ، وهو كتاب " الإضافة " أشار فيه إلى طرق التخريج ،وإن كانت على عجلة ، وكان ينبغي أن يسهب ويطيل فيها ، على كلحال نجد في كل جهد ما يكمل الجهد الآخر .
وهناك كتاب " التأصيل " للشيخ بكر أبو زيد ، لكن الذي خرج منه لا يعتبر في تبيين طرق التخريج ، ولا ندري شيئاً عن الجزء الثاني أسيكون في هذا المجال أم لا ؟
وأحسن ما أعجبني في موضوع التخريج كتابي الشيخ الطحان والشيخ عبد المهدي ، وهما يدوران في فلك واحد تقريباً .
( ( ((1/108)
س / بعض اهل العلم يضعف عبد الله بن لهيعة ، ولا يذكر التفصيل الذي يُقال في المختلط ، فهل اتفق أهل العلم على تضعيفه لعدم استطاعة التمييز بين أحاديثه قبل الاختلاط وبعده ؟
ج / نقول : عبد الله بن لهيعة كثر الكلام فيه ، ولكن أحيل الأخ السائل على دراسة متوسعة وجيدة في التعليق على النفح الشذى لابن سيد الناس ، والمعلق والمحقق هو الدكتور أحمد معبد عبد الكريم من المدرسين في جامعة الإمام ، ففي تعليقه على هذا الكتاب تكلم عن ابن لهيعة في أكثر من تسعين صفحة .
وخلاصة هذه الدراسة أن ابن لهيعة ضعيف الحديث قبل الاختلاط وبعد الاختلاط ، ولكن حالة قبل الاختلاط أحسن من حالة بعد الاختلاط ، فحالة قبل الاختلاط ؛ الضعف في أحاديثه ضعف محتمل ويسير ، ويمكن أن يرتفع بالشواهد والمتابعات ، أما بعد الاختلاط فدخلت المناكير والموضوعات في حديثه ، وأصبح يقبل التلقين .
ولعل من تراجع ترجمته يجد مصداق هذا في كتاب المجروحين لابن حبان وغيره من الكتب .
( ( (
س / هناك مختصر لصحيح البخاري أحدهما للزبيدي والآخر للألباني ، فأيهما ترشحونه لي ؟
ج / أقول : والله يا أخي أنا في الحقيقة لا أحب المختصرات ولا أنصح طالب العلم بها ، وأقصد بالمختصرات تلك التي تختصر الكتب الأصول .
وإذا كنت تريد شيئاً مختصراً فاحفظ بلوغ المرام أو المنتقى ، ففي ظني أن حفظك لأحدهما أفضل من حفظك لمختصر لصحيح البخاري ؛ لأنك ستحصل الكثير من أحاديث البخاري ولا يبقى إلا الذي لا علاقة له بالأحكام ، وبإمكانك بعد ذلك أن تسلك سبيلاً لحفظه .
( ( (
س / سائل يقول : إنني شاب محافظ على الإسلام والصلاة وأركانها ، وسؤالي ، ما هي أصح الأحاديث؟
ج / نقول : نسأل الله جل وعلا لنا ولجميع إخواننا المسلمين الثبات على هذه الاستقامة .(1/109)
وأما بالنسبة للأحاديث الصحيحة ، فيظهر لي من خلال سؤالك أنك طالب علم في بداية الطريق ؛ فمثلك لا يستطيع أن يميز بمفرده بين الصحيح والسقيم عن طريق دراسة الإسناد .
فاحرص على الكتب التي تتحرى فيها الصحة إذا وجدت الحديث معزواً للصحيحين أو أحدهما فهذا جيد ، أو وحدت أحد أهل العلم المعتبرين يصححه فهذا جيد ، ومن ذلك تصحيحات الشيخ ناصر الدين الألباني ، وإن كان لا أحد يسلم من الانتقاد والملاحظة ، لكن على كل حال هو خدم سنة النبي (.
فمثلك يحتاج أن يأخذ من هذه الكتب التي تتحرى فيها الصحة ، أما أن تقبل كل ما يروي من الحديث ، أو تحدث من الحديث بما قيل لك وبما رأيته في أي كتاب فلا ، فكن حذراً من ذلك ؛ لأن النبي ( قال : ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) ، وفي بعض الروايات: (( فهو أحد الكذابين .. ))(78) .
راجع في هذا مقدمة صحيح مسلم ؛ فإنه أورد ما يستدل به في هذا المقام ، وبالذات من أقوال أهل العلم التحذير من رواية الحديث دون معرفة صحيحها من سقيمها ؛ لأن هذا يعتبر من القول على الله جل وعلا وعلى نبيه ( بلا علم .
( ( (
س / ما الفرق بين التخريج والتحقيق . وهل يلزم من التخريج تحقيق الحديث ؟
ج / أقول : التحقيق يختلف عن التخريج ، فتعريف التخريج هو الدلالة أو عزو الحديث إلى مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده .
أما التحقيق فهو بمعنى التدقيق ، حيث يأتي بعضهم إلى كتاب مخطوط من كتب أهل العلم يريد طباعته ، ولكن هذه الطباعة تفتقر إلى نسخة بخط جيد ، فالمحقق يقدمه للمطابع ويراجع الطباعة ويضبط النقص ، وإذاكان هناك كلمات تحتاج إلى تبيين بينها ، وكلمات أخطأ فيها الناسخ صوبها ، وأشار إلى هذا الجهد الذي فيه هذا التدقيق وهذا التصويب .
فإخراج النص سالماً وصحيحاً بهذا التدقيق والتصويب يقال له تحقيق ، فلعل بهذا وضح الفرق بين التخريج والتحقيق .
( ( ((1/110)
س / ما رأيكم في كتاب " كشف اللثام " للدكتور عبد المودود عبد اللطيف ؟
ج / أقول : هذا هو الذي أشرت إليه ، وقلت : إنه ضعيف في بابه والكتب الأخرى أجود منه .
س / ما هي كتب المشيخات وكيف نستفيد منها في التخريج ؟
ج / أقول : كتب المشيخات هي الكتب التيجمع فيها مصنفوها أحاديث شيوخهم ، وجعلوها ، في أجزاء حديثية وذلك لجميع أحاديث أولئك الشيوخ ، أو للتدليل على أنهم رووا عنهم .
وكتب المشيخات هذه كثيرة .
منها ما جاء باسم المعجم ؛ ككتاب " المعجم الأوسط للطبراني " ، وكتاب " المعجم الصغير له " و " المعجم لأبي يعلي " ، أو " معجم شيوخ أبي يعلي " ، و " المعجم للغساني الصيداوي " ، وهذه جاءت بأسماء المعجم .
ومنها ما جاء بلفظ المشيخات ؛ وذلك مثل " مشيخة القاضي عياض " ، أو " مشيخة ابن الجوزي " ، أو " مشيخة ابن النجاري " ، أو غيرها من كتب المشيخات . وكلها بمعنى واحد .
والمقصود أن يأتي مثلاً الطبراني إلى أحد شيوخه ، وليكن مثلاً محمد بن جعفر الحضرمي المعروف بمطين يأتي باسم هذا الشيخ ، ثم يبدأ بذكر الأحاديث التي يرويها عن هذا الشيخ .
فإن أورد عندنا هذا الراوي ( محمد بن جعفر مطين ) في إسناد من الأسانيد ، وكنا نعرف أنه من شيوخ الطبراني ، فيستحسن في هذا الحال أن نرجع للمعجم الأوسط أو المعجم الصغير ؛ لأنه مظمة وجود حديث ذلك الراوي فيه .
( ( (
س / المسانيد مثل الأماني وكتب المشيخات والناسخ والمنسوخ أين تقع من تخريج الأحاديث ؟
ج / أقول : كل واحد من هذه يلتحق بطريقة من الطرق التي ستذكرها ،فمثلاً الأماني هذه لا تدخل تحت سند ولا تحتاج متناً .
كانت طريقة بعض العلماء السابقين أنه يأتي بالأمالي ويبدأ يُملي على الطلاب أحاديث ، ويمليها بسنده هو ، ويمليها في مجالس متعددة .(1/111)
وهذه الأحاديث التي يُمليها لا تجدها مرتبة على الصحابة ولا على الموضوعات الفقهية ، وإنما منثورة نثراً ، فليس هناك إطلاقاً أي علاقة بين حديث وآخر لا سنداً ولا متناً .
وكان العالم يملي هذه الأمالي في الغالب ؛ لأنه يريد الأحاديث الغرائب التي لا توجد في دواوين السنة المشهورة ، فكأنه يقول : أنا عندي ما ليس في دواوين السنة المشهورة فاسمعوا مني ؛ لأنه لو جاء بالحديث - مثلاً - وهو موجود في الكتب الستة - مثلاً - أو مسند الإمام أحمد أو ما إلى ذلك من دواوين السنة المشهورة ؛ لقالوا هذه تحصيل حاصل .
فكان العلماء حينما يأتون بأحاديث أخرى غرائب لا توجد في هذه الكتب ، كانوا يودعونها في كتب الأمالي ، وفي هذه المشيخات ، وفي المعاجم ككتاب المعجم الأوسط للطبراني ؛ ولذلك الطبراني قال عبارة معناها أن هذه كتاب روحي؛ لأنه بذل فيه جهداً ، هذا الجهد بلا شك ليس بالهين ؛ لأنه حينما يأتي لحديث من الأحاديث ويريد أن يخرجه لابد أن ينظر في الكتب الأخرى هل هذا الحديث موجود فيها أم لا ، فإذا لم يكن موجوداً جاء به ؛ لذلك يتميز كتاب المعجم الأوسط للطبراني بأنه من الكتب التي احتوت على أحاديث غريبة كثيرة جداً .
( ( (
س / ما رأيك في مفتاح كنوز السنة لمحمد فؤاد عبد الباقي ؟
ج / أقول : مفتاح كنوز السنة ليس لمحمد فؤاد عبد الباقي وإنما هو لواحد من المستشرقين هو الذي وضع هذا الكتاب .
ولقد تضمن أربعة عشر كتاباً من كتب السنة ؛ منها ما هو من الكتب المعتبرة ومنها ما هو من الغث ؛ ككتاب مسند زيد بن علي ، فهذا كتاب موضوع ، وكل الأحاديث التي فيها مكذوبة ؛ لأنه من الكتب التي وضعها راو يقال له أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي ، يقول فيه وكيع بن الجراح : كان بجوارنا يضع الحديث ، فلما فطن له تحول إلى واسط ، ورماه بالكذب جمع من الأئمة ، كالإمام أحمد وغيره ، فهذا الكتاب مما اهتم به ذلك المستشرق ( فنسنك ) فجعله من الكتب التي فهرسها .(1/112)
كذلك مغازي الواقدي ، فالواقدي كذاب أيضاً ، وأحاديثه التي يرويها ليست بحاجة إلى من يفهرسها .
وهذا الكتاب يمكن الرجوع إليه ، لكنه ليس على قدر كبير من الأهمية .
( ( (
س / ما رأيكم في كتاب موسوعة الحديث النبوي لعبد الملك القاضي ، وما هي طريقته ؟
ج / الأخ عبد الملك القاضي تحمس لكتب السنة ، وأراد أن يجمع شتات الأحاديث في موسوعة موحدة ، ولكن هذا العمل مكلف مادياً ويحتاج إلى وقت وجهد ليس بالسهل ، ولذلك هو توقف عن المشروع .
مع العلم أنه حاول أن يسدد ويقاربن فيجمع الحديث عن طريق التكرار من المصادر المتشتتة ، فيمكن أن يكون الحديث عند البخاري ، وعند مسلم وعند أبي داود وعند الترمذي وعند النسائي وعند ابن ماجة ، فيأتي به بتمامة من البخاري ثم من مسلم ثم من الترمذي ، هذا فيه طول .
فهو جزاه الله خيراً كان كتب إلى حين بدأ في إصدار هذه الموسوعة ، وطلب إذا كان هناك ملاحظات ، فأعطيته الملاحظات على ذلك العمل الذي قدمه ، ومن جملة ذلك أنني قلت له : لو سلكت مسلك ابن كثير في جامع المسانيد والسنن لكان أجود ، فالعمل هكذا يطول ويأخذ منك صفحات كثيرة جداً ، بإمكانك أن تختصرها ، فالذي يظهر أنه وجد أن العمل صعب ، فتوقف ، عن المشروع ، وليته يواصل مع تلافي بعض الأشياء التي يمكن تلافيها .
( ( (
س / عند تعريف التخريج ذكرت أنه يتكون من أمرين :
أولاً : العزو : والثاني : بيان المرتبة ، ولكنك لم تناقش هل بيان المرتبة لازم للتخريج أم لا يلزم ؟(1/113)
ج / أقول : كما عرفنا في التعريف الذي ذكرناه أنه الدلالة على الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده عند بيان مرتبته عند الحاجة ، نقول : مسألة بيان المرتبة هذه كان كان موجودة عند علمائنا السابقين ، فقل من إمام تجده يؤلف كتاباً ولا ينبه على درجة الحديث بطريقة أو بأخرى ، فبعضهم يشترط الصحة فيما يرويه ، وهذا يعتبر حكماً منه على الحديث كالبخاري ، ومسلم ، أو ابن خزيمة ، أو ابن حبان ، أو الحاكم .
وأحياناً بينه على الحديث بعد إيراده له ، مثل الترمذي ما يترك حديثاً من الأحاديث يخرجه إلا وبينه على حكمه عقبة .
أما أبو داود السجستاني فله منهج في كتابه عُرف هذا المنهج من خلال رسالته التي كتبها لأهل مكة ؛ حيث كتب رسالة لأهل مكة يصف فيها سننه ومنهجه في هذه السنن ، فيذكر أنه يخرج في هذه السنن الصحيح وما يقاربه ، وما سكت عنه فهو صالح .
ثم يأتي بعد ذلك الخلاف في معنى صالح عند أبي داود ؛ هل هو صحيح للاحتجاج أو صالح للاستشهاد ، هذا التفصيل في كتب المصطلح وفي شرح المصطلح ، فلا نطيل فيه في هذا المقام .
على كل حال ما من إمام من الأئمة يؤلف كتاباً إلا وتجده يعقب على الحديث - إن كان ذلك الكتاب يشمل الصحيح وغيره - ، أو يخصص الكتاب لنوع من الحديث ، إما للحديث الصحيح ، أو للأحاديث المعلولة ، كما صنع ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية .
أما أن يُخرج الحديث دون التنبيه على درجته ، فهذا وإن صنعه بعضهم ، ولكنهم مقتوا من يصنع هذا الصنيع ، واستقبحوا منه هذا الفعل ، مع العلم أنه قد يكون معذوراً ؛ لأنه إذا روى بالسند قالوا : من أسند لك فقد أحالك ، فهذا الذي أسند - أي ذكر الإسناد- كأنه يقول: انظر في الإسناد واحكم أنت .
لكن هذا ليس متيسراً لكل أحد ، ليس كل الناس يستطيعون الحكم على الحديث ، ولذلك قالوا لابد من التنبيه على درجة الحديث .(1/114)
لذلك وجدنا الأئمة الذي بعد ذلك ممن يؤلفون كتباً لا تعتبر مصادر أصلية كالمنذري في الترغيب والترهيب ، أو كالهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ، أو غيرها من الكتب - إذا أوردوا الحديث تكلموا بكلام يدلل على مرتبة ذلك الحديث ، مع الحذر الملحوظ - أحياناً - في تلك الأحكام التي يصدرونها ؛ مثل الهيشمي مثلاً عندما يقول : رجاله ثقات ، فقوله : رجاله ثقات لا يعني أن سنده صحيح ، أو فيه فلان وهو ضعيف لا يعني أن ذلك الراوي الضعيف قد تفرد بذلك الحديث ، فقد يكون الحديث موجوداً في موضع آخر ترتفع درجته بتلك الطريق ، لذلك فإن التنصيص على درجة الحديث ليست لازمة في التخريج .
فالتخريج الموسع هو الذي يذكر فيه مصادر التخريج مع سياق الأسانيد بطريقة جيدة ، وهي طريقة يعرفها أهل الصناعة الحديثية ؛ يتركون التكرار ويأتون إلى الملتقى ، أي مخرج الحديث الذي تلتقي فيه الأسانيد ، فيسوقون الحديث من عنده أو يوردون الحديث بداية من الراوي الذي يراد الكلام عليه .
ثم بعد ذلك يناقش الحكم على الحديث بطريقة فيها فوائد في الكلام على الرجال ، وفي الكلام على علل الأحاديث ، وفي بعض الفوائد الحديثية والفوائد الاسنادية التي يؤتي بها .
ولكن ليس كل أحد يستطيع هذا ، ولكن الذي لا يستطيعه يمكن أن يسلك المسلك الذي دونه وهو تخريج الحديث مع بيان مرتبته باختصار ، كأن يقول : هذا حديث صحيح ، أو هذا حديث ضعيف لأجل فلان .
وهكذا إن لم يستطع طالب العلم ذلك فإمكانه التخريج فقط ؛ أي ذكر من أخرج الحديث ، وليس ملزماً أن يذكر الحكم على ذلك الحديث ، لكن نحن نستحسن له في ذلك الحال أن يذكر أحكام الأئمة ، فإمكانه أن يتنصل من المسئولية ، إذا وجد بعض الأئمة تكلم عن هذا الحديث ، فيمكن أن يقول : قال الترمذي : حسن صحيح .(1/115)
فقول الترمذي : حسن صحيح يدعو للطمأنينة إلى حد كبير جداً ، أو صححه الدارقطني مثلاً ، وهكذا ، فيمكن أن ينقل أحكام الأئمة على ذلك الحديث ، وإن لم ينقلها فلا عتب ولا حرج ؛ فما على المحسنين من سبيل .
( ( (
س / هل تعتبر المسلسلات والأحاديث القدسية من ضمن التخريج عن طريق السند ؟
ج / أقول : أما الأحاديث القدسية فهذه تتعلق بالمتن ، لكن بالنسبة للمسلسلات فنعم ، هذه تعتبر من أوصاف السند .
والمسلسلات هي الأحاديث التي تتسلسل بصفة معينة ، كأن يكون ذلك الحديث مثلاً متسلسلاً بالآباء ؛ فلان يروي عن آبائه ، مثل من يروي عن أبيه عن جده ، هذا يعتبر من الأحاديث المتسلسلة أو المسلسلة ، لكن الأحاديث المسلسلة لها أوصاف متعددة غير هذا .
مثلاً : لو قال في الحديث : حدثني فلان وقبض على لحيته ، قال :حدثني فلان وقبض عل لحيته ، قال : حدثني فلان وقبض على لحيته .. وهكذا ، فهذا نسميه حديثاً مسلسلاً بالقبض على اللحية .
نذهب لكتاب " المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة " وسنجد ذلك الحديث موجوداً فيه ، ربما وجدنا الحديث مسلسلاً بأمر آخر ، كالحديث المسلسل بالعيدين وهو حديث كل من رواه رواه في يوم العيد ، ويُحدث به تلميذه في يوم العيد .. وهكذا ، فهذا يسمى الحديث المسلسل بالعيدين ، وهناك أحد الأئمة خرج هذا الحديث من طرق شتى .
وهناك أيضاً الحديث المسلسل بالأولوية ، ومتن ذلك الحديث هو (( الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة .. ))(79) هذا الحديث يقال له حديث مسلسل بالأولية ، لأن كل من رواه يقول هذا أول حديث سمعته من شيخي ، وهو أول حديث يحدث به ذلك التلميذ ، فسمي حديث مسلسلاً بالأولية ؛ لأنه أول حديث يأخذه عن ذلك الشيخ ، وهكذا باقي المسلسلات يمكن عن طريقها التخريج عن طريق السند .
( ( ((1/116)
س / يقول : إذا حفظ طالب العلم نخبة الفكر ودرس شرحها لابن حجر ، وقرأ الباحث الحثيث ، ماذا يقرأ بعد ذلك من كتب المصطلح ، وما الذي يحفظه بعد النخبة ؟
ج / أقول : إذا أراد أن يحفظ فأفضل له أن يحفظ ألفية السيوطي ، أما أجود ما يمكن أن يقرأ فكتاب تدريب الراوي للسيوطي ، وكتاب فتح المغيث للسخاوي ، وكتاب النكت على ابن الصلاح للحافظ ابن حجر ، فهذه تعتبر من المطولات ، وهي من الكتب التي معلوماتها دسمة جداً .
( ( (
س / ما رأيكم في كتاب جامع المسانيد والسنن لابن كثير ، وهل يمكن أن يكون فيه الغنية ؟
ج / أقول : في الحقيقة الكتاب نافع وجيد وقيم للغاية ، ولكن المشكلة أنهه ما كمل طباعة ولا تأليفاً .
( ( (
س / ما الفرق بين أصول التخريج من جهة ، والتخريج من جهة أخرى ، وهل مصطلح أصول التخريج خاص بالعلامة بكر أبي زيد ؟
ج / أقول : لا ، مصطلح أصول التخريج ليس خاصاً بالشيخ بكر ، فكتاب محمود الطحان أصول التخريج ودراسة الأسانيد هو سبقه إلى هذا المصطلح .
على كل حال أصول التخريج من المسائل الاجتهادية ، الشيخ بكر كما ترونه في هذا الكتاب ركز على معلومات يحتاجها طالب العلم المتمكن ، مثل بعض الأمور التي تتعلق بالتفرد ، والذي يمكن أن يستخدم فيها من كتب ، وبعض الأشياء التي يحتاجها طالب العلم في دراسة الأسانيد ، وما إلى ذلك .
أما التخريج أو التعريف بالتخريج من هذه الكتب ، فكنا ترون الشيخ بكر لم يتعرض إليه في الجزء الذي خرج ، والله أعلم هل يتعرض له فيما بقي أم لا .
ومسألة أصول التخريج كأنه اعتبر المعلومات التي أتى بها تعتبر أصولاً يحتاجها طالب العلم قبل أن يبدأ في التخريج ، وكأنه يقول : يا طالب العلم لا تتعجل فتعمد إلى التخريج وأنت بحاجة إلى معلومات أولية ، وإنما الذي يعتمد إلى التخريج هو طالب العلم الذي حصلّ هذه المعلومات ، وما دامت هذه المعلومات بهذه القوة فإن طالب العلم ينبغي له أن يتريث .(1/117)
لكن أقول : إن طالب العلم أحياناً قد لا يستطيع معرفة هذه المعلومات التي أتى بها الشيخ ؛ لكونه مثلاً ممن تخصص في علم آخر كاللغة أو الفقه ، أو غير ذلك ، ولم يبرع في علم الحديث ، ولكنه بحاجة إلى تخريج الحديث إذا ما عرض له من تأليف له في رسالة علمية أو ما إلى ذلك .
( ( (
س / هل هناك كتب تعين في الرجوع إليها في تخريج الأحاديث ؟
ج / أقول : نعم ، الكتب التي ذكرتها وقلت إنها أحسن ما يمكن الرجوع إليه بالنسبة لما يتعلق بالشرح ، والذي أذكره كتاب الشيخ محمود الطحان مع ما عليه من ملاحظات ، وكتاب طرق تخريج حديث الرسول ( لمؤلفه عبد المهدي عبد الهادي ، وهذا أيضاً عليه بعض الملاحظات بالإضافة إلى أنه استفاد من الطحان كثيراً ، وأيضاً كتاب الإضافة ، وما ذكره أخونا محمد سعيد بازمول عن التخريج فهو أيضاً جيد في بابه ، وإن كان لم يستوعب الاستيعاب الذي يخدم طلبة العلم ، وربما كان أسلوبه أيضاً بحاجة إلى شيء من التركيز ، وطلبة العلم يحتاجون إلى التبسيط .
وعلى كل حال يمكن الرجوع إلى هذه الكتب ففيها إن شاء الله خير وبركة على ما فيها من الملاحظات .
( ( (
س / تحقيق " سنن الدارمي " للأعظمي وطرق تخريج الحديث للطحان ، ما رأيك في هذين الكتابين؟
ج / أقول : تحقيق " سنن الدارمي " للأعظمي لا أعرفه ولا أعرف أنه قد قام بتخريج أحاديثه ، لكن في ظني أن الأخ يقصد سنن ابن ماجة بتحقيق الأعظمي ، وهذا التحقيق لي عليه بعض الملاحظات .
أما كتاب طرق تخريج الحديث للشيخ الطحان فهو أول كتاب ألف في هذا الفن وأول ما يؤلف لا شك أنه يمكن أن تكون عنده اجتهادات قد تخطئ وقد تصيب وقد يغيرها ، وبالتالي قد ينتقد عليه بعض الأمور .
ولكن كفاه أنه أول من كتب في هذا الفن وفتح المجال لكل من يأتي بعده فيتم الناقص والله المستعان.
( ( ((1/118)
س / كتاب " غريب الحديث " لإبراهيم الحربي هل هو كامل أم إن الموجود ثلث الكتاب فقط ، وما هي الكتب التي عنيت بضبط الكلمات " .
ج / أقول : كتاب " غريب الحديث " لإبراهيم الحربي لم يوجد منه إلا هذا الجزء الذي طبع ، ولعله يشكل الثلث كما أشار الأخ .
أما الكتب التي عنيت بضبط كلمات الأحاديث ، فمن أهمها مشارق الأنوار للقاضي عياض .
( ( (
س / هل هناك كتاب يجمع الكتب الستة فقط ؟
ج / أقول : كتاب جامع الأصول ، لكن الكتاب السادس الذي اعتباره هو موطأ الإمام مال ، ولم يعتبر سنن ابن ماجه .
( ( (
س / إذا وجدت حديثاً اتفق عليه البخاري ومسلم فأي كتاب أرجع إليه ؟
ج / أقول : إذا أردت الأحاديث التي اتفق البخاري ومسلم على إخراجها ، فعندك كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله .
( ( (
س / ما رأيكم في كتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ) وهل للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي أي مساهمة في هذا العمل .
ج / كتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ) ألفه جمع من المستشرقين ، وقد ساهم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله - في هذا المشروع عن طريق فهرسة كتب السنة وتحقيقها وطباعتها وترقيمها ؛ لتتفق مع هذا المشروع الذي قام به هؤلاء المستشرقين ؛ ولذلك فأي كتاب من الكتب التسعة نريد أن نستخدمه لمعرفة الإحالات التي يحيلُ 'إليها هؤلاء المستشرقين علينا أن ننظر :
أولاً : هل للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي جهد في هذا الكتاب في أي وجه كان ، فإن كان له اسم يذكر في هذا الكتاب ، فهذه هي الطبعة التي ينبغي أن يحرص عليها ، وإلا فلا .
وقد ساهم في خدمة كثيرمن الكتب كصحيح البخاري ، ومسلم ، وسنن الترمذي ، وابن ماجة ، وموطأ الإمام مالك ؛ فذلك هذه الطبعات هي التي تُعتمد ، وأما البقية فأشرت إلى الطبعات التي ينبغي أن يعتمد عليها طالب العلم إذا أراد أن يخرج بواسطة هذا الكتاب .(1/119)
وفكرة هذا الكتاب فكرة جيدة ؛ لأنها تُسهل لطالب العلم العثور على الحديث دون أن يكون محتاجاً إلى معرفة أول لفظة أو الراوي أو غير ذلك من الأمور التي قد تطيل الطريق عليه .
وهذه الطريقة تحتاج منك فقط أن تتذكر لفظة من ألفاظ هذا الحديث ثم تخرج بواسطة تلك اللفظة.
( ( (
س / ما هي طبعات الكتب الحديثية التي اعتمد عليها أصحاب المعجم المفهرس ؟
ج / أقول : كقاعدة عامة خذ كل كتاب حققه أو شارك في تحقيقه محمد فؤاد عبد الباقي ؛ لأنه أراد أن يخدم كتب السنة خدمة تتلافى مع " المعجم المفهرس " فهو خدم " صحيح البخاري " مع شرحه " فتح الباري - الطبعة السلفية " ، والترقيم هو الذي رقمه ، وهو يتفق مع " المعجم المفهرس " ؛ ولذلك يمكن أن تستخدم " فتح الباري - الطبعة السلفية " لأنه متفقة تماماً مع " المعجم المفهرس" .
وقد حقق " صحيح مسلم " أربعة ، والخامس مفهرس .
أما " سسن أبي داود " فليس له خدمة له ، ولكن إذا أردت الطبعة التي تتفق مع " المعجم المفهرس" فهي الطبعة التي بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد .
أما " جامع الترمذي " فقد شارك هو في التحقيق ، وهي الطبعة التي في أولها تحقيق الشيخ أحمد شاكر ، فهذه الطبعة هي التي تتفق مع " المعجم المفهرس " .
أما بالنسبة " لسنن النسائي " فالطبعة الموجودة التي عليها فهرسة هي الطبعة التي تتفق مع " المعجم المفهرس " .
و " موطأ الإمام مالك " مثل " سنن ابن ماجه " فقد حققه محمد فؤاد عبد الباقي .
أما " سنن الدارمي " فالطبعة التي بتحقيق عبد الله هاشم يماني هي الطبعة التي تتفق مع " المعجم المفهرس " .
أما " مسند الإمام أحمد " فالطبعة الميمنية التي تتفق مع ست مجلدات ، وهي الوحيدة المكتملة حتى الآن - هي التي تتفق مع " المعجم المفهرس " .
( ( (
س / هل حديث (( إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً ))(80) صحيح .
ج / الحديث على اقل الأحوال يكون حسناً إن شاء الله .
( ( ((1/120)
س / ما رأيكم فيما ذهب إليه بعض طلبة العلم في هذا العصر من التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في الحكم على الأحاديث وفي الحكم على الرواة أيضاً ؟
ج / قد حصل من قبلنا بعض التساهل في بداية هذا المنهج وما كان ظننا أنه سيصل إلى ما وصل إليه ، وإلا لكنا عالجناه معالجة مبكرة ، إما عن طريق المشايخ الذين يمكن أن يسهموا في مثل هذا المضمار ، أو على الأقل عن طريق بذل الجهود التي تمتص مثل هذا الخلاف ؛ لأنه لا يحسن بحال من الأحوال إثارة قضايا الخلاف التي نحن في غنى عنها ، وبخاصة إذاكانت قضايا ألفاظها واسعة ، وإذا ما تأملنا في مضمونها وإذا بها لا تشكل خلافاً في حقيقة الأمر .
هذا المنهج هو في الحقيقة عبارة عن ردة فعل لمنهج فيه شيء من التساهل في جمع طرق الحديث بمجرد مجيء الحديث من طريقين أو ثلاث ، هذه ضعيفة وهذه ضعيفة ينجبر الحديث بمجموع هذه الطرق ويبنى عليه حكم من الأحكام ، وهكذا .
وهذا المنهج - منهج جمع الطرق لتقوية الحديث - له ضوابط ، ولابد من الرجوع إلى مناهج الأئمة في الحكم على الأحاديث بالتفرد وبالنكارة وبغير ذلك ؛ حتى يمكن أن نعتبر الحديث يمكن أن يصلح لأن يكون شاهداً أو لا .
فهذا التوسع وهذا التساهل في هذا المنهج ولد عندنا هذا المنهج الآخر الذي زعم أن هناك فرقاً بين منهج المتقدمين والمتأخرين ، فالمتقدمون يراعون مسألة التفرد والنكارة وغيرها من المسائل ، والمتأخرون لا يراعون هذه المسائل ، ولكن كلما ظفروا بحديث ضعيف أمسكوا به وجبروه بحديث ضعيف آخر وهكذا .
وهذه الدعوى ليست فقط في تقوية الأحاديث الضعيفة ، وإنما في أحكام شتى مثل ما يتعلق بالتدليس أو الاختلاط أو معرفة علل الحديث وهكذا .(1/121)
والقول الذي أراه صائباً في هذا المضمار أنه لا ينبغي أن نقول إن هناك منهجاً للمتقدمين ومنهجاً للمتأخرين أولاً ؛ لأنه يستحيل استحالة تامة أن نفرق بين دقيق أو نضع حداً فاصلاً للتفريق بين متقدم ومتأخر فنحن لا نستطيع - مثلاً - أن نقول : ثلاثمائة للهجرة من كان قبلها فهو متقدم ومن كان بعدها فهو متأخر ، وقد سألت بعضهم فما أتوا بجواب مقنع ، فقلت لأحدهم - مثلاً - : ما هو الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر ؟ قال : ثلاثمائة ،لكن لأجلك أعطيك زيادة خمسين سنة !! فأصبحت القضايا العلمية تخضع للعواطف وللمجاملات .
هذا منهج - إن شاء الله - غير منضبط ، لكن لو أردنا أن ننظر نحن بنظرنا فنقول : لو فرضنا أنه حد بسنة ثلاثمائة للهجرة ، فهذا الحد لا يمكن ؛ لأنهم يعتبرون النسائي متقدماً متوفي سنة ثلاثمائة وثلاثة للهجرة ، فزادعن ثلاثمائة ثلاثة سنوات ، فهل يُعتبر الآن بناء على هذا الحد متقدماً أم متأخراً ؟ وهو متأخر ثلاث سنوات ،ولو تسامحوا وقالوا : ثلاث سنوات لا تشل فرقاً كبيراً .
نقول : إن أبو يعلي الموصلي توفي سنة سبع وثلاثمائة ، وابن جارود صاحب المنتقى توفي سنة سبع وثلاثمائة ، فهل تعتبرونه متقدماً أو متأخراً ؟
فإن قالوا متأخراً قلنا لماذا سبع سنوات وثلاث سنوات ؟ وما هو الضابط عندكم في جعل ثلاث سنوات ممكن تقبل وسبع سنوات ترفض .
فإن تسامحوا وهم يجعلون هؤلاء من المتقدمين نقول : إن ابن خزيمة توفي سنة ثلاثمائة وإحدى عشر ، هل هو متقدم أم متأخر ؟(1/122)
وهكذا نسحب البساط شيئاً فشياً ، ثم نمشي بهم إلى ما بعد ابن خزيمة كالطحاوي ، ونمشي بهم إلى من بعده ، فالطحاوي متوفي قتريباً سنة ثلاثمائة وثمانية عشر ، أو سبع عشرة للهجرة ، ومن بعده كابن أبي حاتم متوفي سنة ثلاثمائة وسبع وعشرين ، ومن بعده كابن حبان متوفي سنة ثلاثمائة وأربع وخمسين ، ومن بعده كالطبري توفي سنة ثلاثمائة وستين ومن بعده كالحاكم توفي سنة أربعمائة وخمس ، فإن وضع حد فاصل زمني غير متأتي ويستحيل بحال من الأحوال .
ثم إن نظرنا إلى الدليل في وضع الحد الفاصل الزمني ثلاثمائة للهجرة ، نقول : أعطونا دليلاً يمكن أن يسار إليه ، لماذا حددتم الزمن بثلاثمائة للهجرة .
ولكن الذهبي رحمه الله - حينما قال هذا الكلام قاله لغرض آخر ، وليس للغرض الذي أرادوه ، أما الغرض الذي أراده الذهبي - رحمه الله - فإنه نظر ، وإذا بالعلماء قبل سنة ثلاثمائة للهجرة كانوا يعتمدون كثيراً على الحافظة ؛ لذلك كان النقد للرجال قبل سنة ثلاثمائة للهجرة ، يتضمن ناحيتين: العدالة والضبط ، فيتكلمون عن عدالة الراوي ، ويتكلمون عن ضبط الراوي ، وقد يكون الراوي عدلاً لكنه ليس ضابطاً ، وقد يكون ضابطاً ولكنه ليس عدلاً ، وقد لا يجمع بين الصفتين ، وقد يجمع بين الصفتين : العدالة والضبط .
فهاتان الصفتان لا زمتان للراوي فيما قبل ثلاثمائة للهجرة ؛ لأن الرواة كانوا يحدثون من الحافظة ، وإذا حدث الواحد منهم من كتاب يكون هذا الكتاب عبارة عن كتاب جمع فيه أحاديثه، ولكنه لم يقصد التأليف بدليل أن ذلك الكتاب لم يوجد فيما بعد ذلك ، ولكن الكتب اندثرت مثل كتاب غندر .(1/123)
لكن ما بعد سنة ثلاثمائة للهجرة استغنى العلماء عن الكلام في حفظ الرواة وأراحوا أنفسهم ؛ لأن بعد ثلاثمائة للهجرة ضبطت الكتب ودونت السنة واكتملت ، فأصبحت كل الأحاديث التي تروى فيها بعد ثلاثمائة للهججرة عبارة عن كتب ، وأصح العلماء في هذا المجال محتاجين للكلام في عدالة الرواة في الدرجة الأولى ، وفي طريقة التحمل : هل يصح تحمل هذا الراوي لهذا الكتاب أم لا يصح؟
أما الحفظ فلم يعد معتبراً بعد سنة ثلاثمائة للهجرة ، فمثلاً تجد الواحد منهم يروي مسند الإمام أحمد ، فيقولون : هل سماعك لمسند الإمام أحمد سماع صحيح أملا ؟ أي هل أخذته عن الشيخ مباشرة أم لا ؟
وبعضهم قد يتساهل في السماع ، وهذا التساهل أحياناً يقدح في عدالته ؛ لذلك كانوا فيما بعد سنة ثلاثمائة للهجرة يطالبون بما يسمى بالأصول ، فإذا قال الواحد منهم : أنا عندي - مثلاً - كتاب مسند الإمام أحمد ، قالوا : أبرز لنا أصولك ، أي الأوراق التي كتبتها عن ذلك الشيخ ، فينظرون فيها هل هي أوراق قديمة أم جديدة ، هل هي أصولاً عتيقة أم أصول بخط حديث ، فإذا كان بخط حديث عرفوا أنه كذاب ، وإن كانت أصولاً عتيقة عرفوا أنه فعلاً سمع قديماً وهذا هو الذي قصده الذهبي في حده بين المقام والتأخير .
هناك مسألة أخرى وهي أن تقسيم المنهج إلى منهج متقدمين ومتأخرين لا يمكن بحال من الأحوال ؛ لأننا نجد في المتأخرين - لو سرنا على هذا المفهوم الذي يقول به هؤلاء الأخوة في المتأخرين - من هو يسير على منهج المتقدمين بحسب مفهومه ، مثل ابن عبد الهادي ومثل ابن كثير - رحمهما الله - ، ومثل المعلمي في العصر المتأخر جداً ، فهؤلاء في مفهومهم على منهج المتقدمين .(1/124)
ثم من المتقدمين من هو يسير على منهج المتأخرين على مفهومهم هم ، مثل الفقهاء ، فالفقهاء لهم منهج في مسألة الزيادة في الإسناد والمتن يختلف عن منهج المحدثين ، فالزيادة عند الفقهاء مقبولة إذا جاءت من ثقة ، أما عند المحدثين ينظرون في هذه الزيادة نظرة أخرى غير نظرة الفقهاء ، والفقهاء المتقدمين كثر ، ثم من المحدثين أنفسهم القدامى ، من يمكن أن يوضع في مضاف المتأخرين بناء على هذا المفهوم ، مثل البخاري في بعض الأحاديث التي يخرجها ، وإلا فلم يكن الدارقطني لينتقد هذه الانتقادات في كتابه التتبع .
( ( (
فالبخاري أحياناً يخرج أحاديث بناء على مفهوم هؤلاء الأخوة ، فيمكن أن يوضع في مصاف المتأخرين ، فهل يليق بمثل هذا الإمام أن يقال له متأخر أو يسير على منهج المتأخرين .
على كل حال ، الذي يفض النزاع في هذه القضية نقاش علمي ، أو مؤلف يخرج حتى يمكن مناقشة هذه القضايا العلمية ، أما أن يكون بين شباب علمهم قليل ، حدثاء الأسنان لم ترسخ أقدامهم في علم الحديث فتنطلي عليهم مثل هذه الكلمات البراقة ، فهذا لا ينبغي ، ولكن ينبغي له أن يدعو إليه الناس قاطبة ، وليس شباباً معينين لا يجلس معهم أحد يمكن أن يناظرهم ويقول لهم : هذا المنهج خطأ ؛ لذلك ينبغي أن يكتب فيه كتاباً أو يبرز للناس ؛ حتى ينظر فيه العلماء وطلبة العلم ، ويقول هذا المنهج خطأ بدليل كذا وكذا ويفندونه ، أ, على الأقل يصمد الواحد لنقاش علمي الهدف منه الحق لا الجدل ولا المراء .
ونحن إن شاء الله بعيدون عن هذا ، فنحن نريد التوصل للحق ، ونحسن الظن بإخواننا ، ونلطف العبارات معهم فتقول في نقاش علمي هادئ : أنت قلت كذا أثابك الله ، ولكن نرى أن الصواب كذا وكذا بدليل كذا وكذا ، وأنت قلت : كذا فما حجتك في كذا ، فنحن نريد هذا الأسلوب ولا نريد التشنجات والإثارات ولا المراء ولا الجدال .
( ( (
س/ ما الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في علم الحديث ؟(1/125)
ج / أقول : نحن لا نشك في أن هناك متقدماً ومتأخراً ، فكل من تقادم زمناً فهو متقدم لمن جاء بعده ، فملاً البخاري متأخر عن الإمام أحمد ومسلم متأخر عن الإمام البخاري ، فالإمام أحمد توفي سنة مائتين وواحد وأربعين ، والبخاري متوفي سنة مائتين وستة وخمسين ، ومسلم توفي سنة مائتين وإحدى وستين وهكذا .. ، فلا يشك في هذا من حيث الوجود حقيقة . أما إذا أردنا أن نضع منهجاً ، فنقول : هذا منهج المتقدمين ، وهذا منهج المتأخرين ، فنقول : هؤلاء المتأخرون حينما أتوا بهذا المنهج هل ابتدعوا أم لهم فيه سلف ؟ نحن نجد أن علم الحديث الذي قُعّد فيما بعد - نجد أن جميع هذا المنهج متكئ على منهج العلماء المتقدمين ، فهم يوردون كلام الأئمة السابقين ويلخصونه على قواعد ويبوبونه على أبواب ويتفننون في هذه الناحية الحديثية ، فالمتأخرون عبارة عن أناس تفننوا فقط في التقسيم والتنويع ، وإلا فهم في علومهم كلها متكئون على كلام المتقدمين .
لكن الذي يظهر لي أن من يطلق هذه العبارة يرى أن العلماء المتقدمين ركزوا على جانب علل الأحاديث ، وأما المتأخرون فلم يعنوا بهذا الجانب .
وهذا تعميم لا ينبغي أن يطلقه طالب علم ؛ لأن فيه ظلماً للآخرين ، فلو أتينا مثلاً لابن كثير في تاريخه ، ومثاله حديث الطير ، نحد أن ابن كثير لم يعن إطلاقأً بهذه الطرق ، واعتبرها كلها منكرة ، وحكم على الحديث بالنكارة ، على الرغم من أن لها بضعة وستين طريقة ، فهل هذا يعتبر يتنافى مع من أطلق أن ابن كثير من المتأخرين الذين لا ينظرون إلى علل الأحاديث ؟ هذا غير صحيح .
ولو نظرنا لنقد ابن كثير - رحمه الله - لحديث قصة هاروت وماروت - نجد كلاماً جيداً محكماً| يتلاقى مع منهج المتقدمين .(1/126)
ثم لو أتينا لهذا الذي يثير هذه الدعوى نجده كأنه يصور أنهم مجمعون على منهج واحد في إعلال الأحاديث ونقدها ، وهذا ليس بصحيح ، فلو نظرنا لكثير من الأحاديث نجد أن فيها خلافاً بين العلماء ؛ فمنهم من يصححها ، ويودعها في صحيحه ، ومنهم من ينقدها ويبين علتها ، وهذه العلة التي يذكرها هي التي يطلقها بعض طلبة العلم على أنه منهج المتقدمين ، وكأنهم مجموعون على هذا المنهج ، وهذا ليس بصحيح .
وليس أدل على هذا من الخلاف بين البخاري والدارقطني ، فلو نظرنا لتتبع ابن حجر للأحاديث التي انتقدها الدارقطني على البخاري لرأينا أن المنهج واضح في هذه الأحاديث ؛ فالبخاري يأتي حديث من الأحاديث فيه زيادة لفظة ، فيخرج الحديث في صحيحه ، ويأتي الدارقطني فيعل هذه اللفظة بأي شيء كان يكون هذا الحديث رواه فلان وفلان ، ولم يذكر هذه الفظة ، ورواه فلان فذكر هذه اللفظة ، فالدارقطني يعتبر هذه اللفظة شاذة ، والبخاري يعتبر هذه اللفظة من زيادات الثقة ومقبولة عنده .
كذلك أيضاً في مسألة تعارض الوصل والإرسال ، أو الوقف والرفع ، سواء عند البخاري أو عند مسلم بمقارنتهما مع الدارقطني ، نجد أن المنهج الذي عليه البخاري ومسلم في هذه الأحاديث هو الذي عليه بعض طلبة العلم منهج المتأخرين ، فل ندعي أن البخاري ومسلماً من المتأخرين ؟ .
ثم نقول له : حدد لنا الطريق الذي يحدد به المتقدم من المتأخر ، فالغالب أنهم يذكرون الحد سنة ثلاثمائة للهجرة ، فمن كان قبل ثلاثمائة فهذا من المتقدمين ، ومن كان بعد ثلاثمائة فهذا من المتأخرين.
فنقول له : أليس من الظلم للدارقطني أن يعد من المتأخرين ، وهو صاحب المنهج المعروف ، وكتاب " العلل " مليء بهذه الأحاديث التي ما نقض أحد الأحاديث كما نقضها الدارقطني ؟ فهل يجوز أن يقال عن الدارقطني : إنه من المتأخرين ؟ فمنهج الدارقطني هو منهج المتقدمين ، لكن من حيث التاريخ يعتبر من المتأخرين .(1/127)
كذلك لا يستطيع أحد أن يحدد تاريخاً بالضبط ، ويقول : هذا هو الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر . نقول : إن قائل هذه العبارة قد أخذها من الذهبي فالذهبي قد أطلقها في مقدمة ( ميزان الاعتدال)(81) فقال : ( حد المتقدم من المتأخر سنة ثلاثمائة من الهجرة " .
لكن مراد الذهبي بهذا : أن الرواة قبل سنة ثلاثمائة للهجرة هم الذي يحتاج الأمر إلى نقد حافظتهم ، فلابد أن نعرف هل هذا الرجل ضابط متقن حافظ أم لا . أما بعد ثلاثمائة للهجرة فسلنا في حاجة لذلك ، ويكفينا أن يكون الرجل عدلاً ، وأن تكون طريقة تحمله للحديث صحيحة ؛ وذلك لأنهم لم يعودوا يعتمدون على الحافظة ، فأصبحت السنة مدونة ، وغاية ما هنالك أن يكون الواحد منهم يتحمل جزءاً حديثياً فيرويه ، والشيخ يرويه عن شيخه ، وهكذا .
فمثلاً لو جئنا لصحيح مسلم ، نجد أنهم يرون صحيح مسلم بالإسناد ، ومسند الإمام أحمد يأخذونه بالإسناد . المهم أن يكون هذا الراوي صح تلقيه عن شيخه ، فلا يكون ممن يكذب في تلقيه ؛ وذلك لأن بعضهم قد تأتي الناس - عمن ترويه ؟ فيقول : عن عبد الله بن أحمد ، فهذه طريق غير طريق القطيعي ؛ فنظفر بها ونأتي نسمع ، ويكون هو كاذب ولم يتلقه عن عبد الله ابن الإمام أحمد ، وإنما أخذه نسخة القطيعي ونسبها لنفسه .
فنجدوهم يمتحنون هذا الراوي ، يقولون له : أخرج لنا أصولك إذا كنت تزعم أنك تلقيت هذا عن عبد الله بن الإمام أحمد . فإذا كان تلقاه فلابد أن يكون نسخه ، والأصول تعرف بقدمها ، والخطوط القديمة يعرفونها ؛ فإذا جاءهم بأصل قديم قبلوا منه ذلك ، وإذا جاءهم بأصل طري ، وورق جديد ، والخط واضح أنه جديد ؛ فيتكلمون فيه ، ويقولون : طلبناه بأصوله فأخرج لنا أصولاً بخط طري ؛ فيقدح هذا في عدالته .(1/128)
لذلك يقول الذهبي : إن من كان بعد هذه الفترة - أي بعد الثلاثمائة - نحن في حاجة فقط إلى إثبات العدالة ، أما مسألة الحفظ فماعاد يعتمد عليها ، أما من كان قبل الثلاثمائة فكان الواحد منهم يتصدر ويجلس ويقول : حدثنا فلان وحدثنا فلان ، وقد يكون يحدث من كتابه ، وقد يكون يحدث من حفظه ، فهم في هذه الحالة يحتاجون إلى الكلام من ناحيتين : ضبط الصدر ، وضبط الكتاب .
إذن مراد الذهبي بإطلاق هذه العبارة أمر آخر ، فالناس في واد ، والذهبي في واد آخر ، ولم أر أن الذهبي - رحمه الله - جعل منهجاً للمتقدمين ومنهجاً للمتأخرين ، بل إن الذين يطلقون هذه العبارة يجعلون الذهبي في مصاف المتأخرين ، فهل من المعقول أن يجني الإنسان - الذهبي - على نفسه ويقول : حد المتأخر من المتقدم كذا ؟ ! .
ثم لو نظر إلى النسائي - مثلاً - المتوفي في سنة ثلاثمائة وثلاث للهجرة - هل نعتبرة متقدماً أم متأخراً ؟ بناء على كلامهم يجعلونه من المتقدمين ، فانخرمت القاعدة . وكذلك ابن خزيمة المتوفي سنة ثلاثمائة وإحدى عشر ، أي أنهم كلما وضعوا حداً فاصلاً جئناهم بما يخرمه من السنوات .
وعلى كل حال : هذا منهج ليس علمياً ، لكن الصواب أن يتكلم عن المناهج أنفسها ، فيقال : من يتساهل في الأحاديث ويعتبر أن مجرد جمع الطرق الضعيفة ، أنه يكفي لجعل الحديث حسناً لغيره ، ويعتمد عليه ، فيمكن أن ينقد هذا المنهج كـ ( منهج ) لكن لا نجعل هناك قضية القضايا هي : منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين .
إذن إطلاق العبارة بهذه الصورة خطأ ، ولكن يمكن أن يتكلم عن الشخص ، فالسيوطي إذن تناولته بالنقد أن أقول : أن السيوطي متساهل ، بل له منهج غير جيد ، فحينما يرى حديثاً فيه ضعيف شديد - وهو الذي فيه راو متروك ، وما إلى ذلك - يقول : يمكن أن يرتفع ضعفه بتعدد طرقه ، وهذا منهج عند السيوطي وقد صرح به في ألفيته وفي " التدريب " .(1/129)
نقول : هذا المنهج عند السيوطي منهج خطأ ، فننقد منهج السيوطي نفسه .
ولو جئنا إلى ابن حجر، نقول : ابن حجر في كلامه على الرواة في " التقريب " جيد ، وفي نقده للأحاديث في " فتح الباري " لا بأس به ، ولكننا نجده في أجوبته عن " مشكاة المصابيح " في بعض الأماكن عنده شيء من التساهل .
فيمكن أن يحدد كل إنسان بمنهجه الذي يسير عليه ، أما أن نعمم ، فنجعل السيوطي مثل ابن حجر مثل الذهبي مثل ابن كثير مثل ابن تيمية مثل ابن القيم ؛ فهذا خطأ ، وهم لا يستوون ، وليس كلهم واحد في مناهجهم .
( ( (
س / هل تخريج العراقي لكتاب إحياء علوم الدين مطبوع ، وهل هو مفيد .
ج / للعراقي - رحمه الله - تخريجان : تخريج مطول ، وتخريج مختصر ، والتخريج المطول يبدو أنه فقد ؛ لأننا لا نعرف عنه شيئاً الآن ، وهو كتاب " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار " . أما التخريج المختصر فهو مطبوع بحاشية بعض طبعات الإحياء أو كلها .
( ( (
س / هل الكتب التي تذكر الإسناد - وهي لبعض المعاصرين - تُعد مصادر أصلية ؟
ج / أقول : لا أعرف في المعاصرين من يروي حقيقة حديثاً بالإسنان ويمكن أن يسلم له به ، على سبيل المثال وأنا أقرأ في مقدمة سنن سعيد بن منصور بتحقيق الشيخ / حبيب الرحمن الأعظمي . ذكر أنه يروي هذه السنن عن شيخه الفلاني ، وذكر إسناده لهذه السنن .
هذا الإسناد تلقاه قبل أن يظفر بهذه القطعة التي أخذها من سعيد بن منصور ، فإذا هو يحصد في الهواء ويروي أسانيد من كتب ليست في متناول يده فهذه الكتب سمعتها على من ؟ وهل أخذتها ؟
أما أن تُجاز بكتب ليست موجودة فهذا كلام شبيه - كما قلت - بالحصد في الهواء ، ثم حتى القطعة التي وجدها بعد ذلك لا تشكل إلا جزءاً يسيراً من سنن سعيد بن منصور ، فأين البقية التي ترويها بهذا الإسناد ؟.(1/130)
ثم هذه الأسانيد التي عند المتأخرين هؤلاء ينتابها كثير من الغموض ، وبالذات أن الكذب انتشر وبخاصة بعد انتشار الطرق الصوفية ، وقد وجدت أن كثيراً من هذه الطرق يدور على كثير من هؤلاء المتصوفة ، وحقيقة كثير منهم هم الذين يعنون بهذه الأسانيد .
ثم أن الإظلال الذي هو في هذه الأسانيد هم بحاجة إلى من ينيره ، فما بعد القرن التاسع - تقريباً - يحتاج إلى وجود تراجم لرجال هؤلاء الأسانيد أولاً ، فالله أعلم هل ولدتهم أرحامهم النساء أم لا ؟ فمثلاً : يأتيك في إسناد : حدثنا أبو محمد ، من أبو محمد هذا ؟ الله أعلم من هو : وتحد : حدثنا فلان بن فلا ن ، أين الكتاب الذي ذكره ؟ وأين الكتاب الذي ترجم له ؟
على كل حال هي صورة أسانيد ، ولكنها تفتقد حقيقة الأسانيد ، فأنا لا أرى أن في هذه الأسانيد مزيد فائدة ، وإن كان بعض الأخوة يقول : على الأقل فيها الحفاظ بهذا الشرف للأمة المحمدية ،وهو ذلك الخصيصة التي خص الله بها أمة محمد ( ، وهو الإسناد ، فعلى كل حال هذا اجتهاد من قبل بعض الأخوة لكن أنا والله لا أراه .
( ( (
س / نرجو إلقاء الضوء على الطبعات الخاصة بالمستخرجات والشروح والمصنفات والمبهمات والعلل .
ج / أقول : بالنسبة للمستخرجات لم يُطبع من المستخرجات على الصحيحين إلا مستخرج أبي عوانه ، ولم يُطبع إلا طبعة واحدة وهي طبعة ناقصة ، فالآن هناك عدة جهود مبذولة لتحقيقه ، فلا ندري أيها يخرج أولاً ؛ لأنه عثر على نسخة كاملة ، فاجتهد بعض المحققين في إخراج هذا الكتاب محققاً ، وننتظر إن شاء الله متى يخرج .
أما بالنسبة لمستخرج الطوسي على الترمذي فقد طُبع أيضاً ، وليس له إلا طبعة واحدة ، والكتب التي ليس لها إلا طبعة واحدة لا تحتاج إلى من يتكلم عليها .(1/131)
أما بالنسبة للشروح ، فشرح صحيح البخاري الذي هو فتح الباري أحسن طبعة - فيما أرى - هي طبعة الطبعة السلفية التي حقق أول ثلاثة مجلدات منها الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - ، والبقية أكملت بعناية محب الدين الخطيب - رحمه الله تعالى - ، فهذه هي أحسن الطبعات ، ولكن ينبغي أن تنتبهوا أني أتحدث عن الطبعة الأولى من الطبعة السلفية ، أما الطبعة الثانية فهي سقيمة وغير جيدة ؛ لأن فيها سقطاً وتصحيفاً كثيراً .
ويمكن أن يميزوا بين الطبعتين بالنظر في أي صفحة من الصفحات ، فإذا وجدتهم كلمة ( قوله ) تبرز بخط عريض وتوضع من أول السطر ، فهذه هي الطبعة الثانية فتجنبوها ، وأما إذا كان قوله - أحياناً - يرد في نصف السطر فهي الطبعة الأولى .
أما المصنفات ؛ فبالنسبة لمصنف عبد الرزاق لم يطبع إلا طبعة واحدة بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، وهي طبعة عليها أيضاً ملاحظات ، ولكن ليس في الإمكان إلا هي .
أما مصنف ابن أبي شيبة فقد طبع طبعتين ، و الطبعة الأولى أجود من الطبعة الثانية ، وإن كانت الطبعة الأولى بحاجة إلى مزيد من عناية وتحقيق .
أما المبهمات فكتاب الخطيب البغدادي وكتاب ابن بشكوال لا أعرف إلا أنهما طبعا طبعة واحدة ، فالطبعة الواحدة ليس في الوجود إلا هي ، فيمكن أن يكتفى بها .
كذلك كتاب العلل للدارقطني حتى الآن لم يكتمل ولم يطبع إلا طبعة واحدة ، وكذلك كتاب العلل لابن أبي حاتم لم يطبع إلا طبعة واحدة .
( ( (
س / ما هو الكتاب الذي خرجه كتاب البدر المنير لابن الملقن ؟ وما اسم اختصاره لابن حجر ؟(1/132)
ج / أقول : كتاب " البدر المنير " هو تخريج لكتاب " الشرح الكبير " للرافعي ، و" البدر المنير " لابن الملقن خرج فيه أحاديث " الشرح الكبير " في فقه الشافعية للرافعي ، و " الشرح الكبير " هذا شرح لكتاب " الوجيز " للغزالي في فقه الشافعية ، والمختصر لهذا الكتاب للبدر المنير هو كتاب " التلخيص الجبير " لابن حجر ، فابن الملقن أطال العبارة وابن حجر اختصرها ، كما أن ابن حجر اختصر أيضاً كتاب " نصب الراية " في كتاب الدراية .
وأنا أقول : ينبغي لطالب العلم أن يضم بين المختصر والمطول إذا أراد التخريج ؛ لأن المطول لا يستغني عنه ، والمختصر فيه إضافات لابن حجر لا يستغني عنها طالب العلم .
فطرق التخريج التي ذكرناها(82) ، والتي تنقسم من حيث أصلها إلى طرق تتعلق بالسند ، وطرق تتعلق بالمتن ، وتعرضنا بإيجاز لكل طريق من هذه الطرق ، بما بمجموعة يُعطي صورة واضحة لطالب العلم عن الطريقة المثلى ، التي ينبغي أن يسلكها إذا أراد تخريج حديث من الأحاديث .
( ( (
س / ما رأيكم في كتب شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد للسفاريني وعلى أي أساس رتب هذا الكتاب ؟
ج / مسند الإمام أحمد - رحمه الله - من المصادر الحديثة المهمة جداً ، والإمام أحمد أسانيده في كثير من الأحيان تعتبر عالية ؛ أي ليس بينه وبين النبي ( إلا رجال قليلون ؛ لذلك جاء في هذا المسند أحاديث ثلاثية أي ليس بين الإمام أحمد والنبي عليه الصلاة والسلام إلا ثلاثة رجال : الصحابي ، والتابعي ومن بعده .
عدد هذه الأحاديث الثلاثية في مسند الإمام أحمد ثلاثمائة حديث تقريباً ، أفردها السفاريني بالجمع ، أي استلها من مسند الإمام أحمد فجمعها في كتاب ، وشرح هذه الأحاديث الثلاثية في كتابه : ((شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد )) ، ورتب هذه الأحاديث الثلاثية على الموضوعات .
( ( (
س / ماذا يقصد الإمام البخاري - رحمه الله حينما يقول في صحيحه : قال بعض الناس ؟(1/133)
ج / أقول : عرف بالاستقراء للمسائل التي يتعقب البخاري فيها بعض الناس في كلامه أنه يقصد الحنفية .
بل إنه ألف بعض الأجزاء الحديثة للرد على الحنفية في بعض المسائل ، مثل " جزء القراءة خلف الإمام " ، ومثل " جزء رفع اليدين في الصلاة " فإنه قصد بهذين الجزأين الرد على الحنفية .
لكن من العجب العجاب أن نجد أبا غدة يؤلف رسالة في نفي هذا المفهوم في نفي أن يكون البخاري قصد بكلامه هذا الحنفية ، ويتكلف تكلفاً ظاهراً جداً في نفي هذا المفهوم ، بل جاوز الحد إلى درجة مضحكة ؛ حيث زعم أن البخاري حنفي المذهب ! كأن هذا يأتي من باب أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع .
( ( (
س / نرجو التعريف بكتاب " التنكيل " للمعلمي ، وكذا التعريف بمؤلفه ومنهجه في هذا الكتاب ؟
ج / أقول : والله هذه يا أخي دعوة عريضة ، الكلام الذي تريده ألفت فيه رسائل جامعية ؛ فيمكن أن ترجع إليها أفضل .
( ( (
س / هل كتاب " جامع المسانيد " يعتبر كتاباً يرجع إليه في إخراج الحديث ؟
ج / أقول : نعم يمكن أن يرجع إليه في إخراج الحديث ، لا سيما أنه احتفظ أيضاً لنا بنصوص كتب أصبحت الآن مفقودة أو فقد بعضها ، فهذا الكتاب يحسن الرجوع إليه في تخريج الأحاديث ، وقد رتب الصحابة على حروف المعجم ترتيباً بديعاً جداً .
( ( (
س / يقول : هلا ذكرت لنا الأحاديث الضعيفة في مسند الإمام أحمد ؟
ج / أقول : الأحاديث الضعيفة في مسند الإمام أحمد كثيرة وهذا أمر لا يخالف فيه ، أولا يخالفه فيه إلا من هو مجاوز الحد في إحسان الظن بمسند الإمام أحمد ، إلى درجة منا أرادها المؤلف نفسه - رحمه الله تعالى - ؛ لأن فيه أحاديث يخرجها هو ، أي نفس الإمام أحمد ، ويضعفها ، مثل أحاديث البسملة في الوضوء .
الإمام أحمد يقول : لا يصح في هذا الباب شيء ، ومع ذلك أخرجها هو في مسنده ، فصاحب البيت أدرى بما فيه ، فلماذا نحمل الإمام أحمد رحمه الله شيئاً ما قاله ؟! .(1/134)
لأننا لو قلنا : إن الإمام أحمد قصد التأليف في صحيح الحديث ، لأصبح هناك إساءة الظن بالإمام أحمد ؛ كأنه لا يعرف الحديث الصحيح من السقيم . وهذا لا يليق بمثل هذا الإمام ، فهو إنما أراد جمع الأحاديث المحتج بها عموماً ، وما يمكن أن يحتج به في حال الحاجة إليه أو ما يمكن أن يتقوى بمجموع الطرق وهذا أمر بديهي ومعروف من خلال صنيع الإمام أحمد - رحمه الله - في مسنده .
( ( (
س / يقول ما رأيكم في الكتب التالية :
1 - " سنن الدارمي " بتحقيق مصطفى البغا .
2 - " المنار المنيف " تحقيق أبي غدة .
3 - " أصول الحديث " لمحمد عجاج الخطيب .
4 - الطبعة الثالثة " لفتح الباري " الطبعة للمكتبة السلفية 1407هـ .
5 - "مناقب الإمام أحمد " لابن الجوزي ، وما هي أفضل طبعة لهذا الكتاب .
ج / 1 - بالنسبة " لسنن الدارمي " بتحقيق مصطفى البغا ، لم أطلع عليها ، ولكن اطلعت على تحقيق مصطفى البغا لكتب الستة ، ولعلكم رأيتم هذا ، فتحقيقه تحقيق عليه الكثير من المؤاخذات والملاحظات ، بالنسبة لضبط النصوص ، وبالنسبة لوجود بعض التصحيفات ، بل ربما بعض السقط أيضاً مما يدل على أنه ليس بالمحقق المتقن ، فالله أعلم هل يكون تحقيقه في سنن الدارمي بهذه الصورة أولاً ؟.
2 - أما " المنار المنيف " تحقيق أبي غدة لكتاب ابن القيم ؛ فأنا لا أذكر الآن ما يحضرني من نقد لتحقيق هذا الكتاب ، فعلى كل حال يستفاد من الجهد حيثما كان بغض النظر عن توجه المحقق ، أو ما لنا عليه من ملاحظات ، المهم أن الكتاب خرج بتحقيقه ، وهو تحقيق في الحقيقة فيه تعليمات يمكن أن يستفيد منها طالب العلم ، أما المؤاخذات فلا يحضرني الآن أي شيء .(1/135)
3 - " أصول الحديث " لمحمد عجاج الخطيب ، لست بكثير القراءة في هذا الكتاب لكن أعرف أنه من الكتب التي ألفت في مصطلح الحديث ، فيمكن من طالب العلم التمكن الرجوع إليه ، وإلى غيره من الكتب ، والأخذ مما فيها من الفوائد ، وأما إذا وجدت بعض الأخطاء فيمكنه أن يتقيها ، أو على الأقل يسأل عنها أهل هذا الشأن .
4 - الطبعة الثالثة لفتح الباري لم أطلع عليها ، ولكن اطلعت على الطبعة الثانية ، وهي التي قلت : إن فيها كثيراً من السقط ، وهي طبعة في الحقيقة منسوخة ، فانصح طلبة العلم بعدم اقتنائها .
5 - " مناقب الإمام أحمد " لابن الجوزي كتاب جيد ونافع ، وفيه فوائد كثيرة في الترجمة للإمام أحمد ، وفوائد أخرى كثيرة ، فانصح بقراءة هذا الكتاب .
وأما أفضل طبعاته فأنا لا أعرف طبعة واحدة فقط ، ولا أعرف له أكثر من طبعة حتى يمكن أن نقول هذه الطبعة أفضل من تلك الطبعة .
( ( (
س / هل كتاب " صحيح مسلم " له اسم آخر سماه به مصنفه ؟ وكذا كتاب النووي هل اسمه " المنهاج لشرح صحيح مسلم بن الحجاج " ؟
ج / أقول : يا أخي ، " المنهاج " هذا هو كتاب النووي نفسه ، والشرح سماه النووي : " المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج " أما صحيح مسلم فيعبر عنه اختصاراً بصحيح مسلم ، وأما اسمه كاملاً فهو " المسند الصحيح المختصر من السنن ينقل العدل عن العدل عن رسول الله (" كما نص عليه ابن خير الأشبيلي في فهرسته ص (98) .
( ( (
س / يذكر ابن كثير في تفسيره حديثاً ولكن لا يذكر الحديث من أوله وإنما يذكر الشاهد من الحديث ، فما هي الطريقة التي تخرج مثل هذه الأحاديث من غير الرجوع إلى المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ؟
ج / أقول : إذا كان الحديث الذي ذكره ابن كثير موجوداً في الكتب التي بين أيدينا فالحمد لله ، المصادر الأصلية موجودة ، فارجع للمصدر الأصلي وخذ الماء من ينبوعه الأصلي .(1/136)
أما إذا كان الكتاب مفقوداً كما أشرت كتفسير ابن مردويه او غيره ، فأنت الآن محتاج إلى أخذه من ابن كثير على علاته أي برغم اختصاره ، فخذ ما وجدته من ابن كثير ، ويمكن أن تكمل المتن من تفسير الدر المنثور للسيوطي ، أو غيره من الكتب التي ربما نقلت المتن كاملاً ، فتجم ع بين هذا وذلك .
( ( (
س / ما مدى صحة الحديث الذي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه ، والذي جاء فيه (( أنا أعرابياً جاء إلى رسول الله ( فقال : يا رسول الله ، جئت أسألك عما يغنيني في الدنيا والآخرة ، فقال رسول الله ( : سل عما بدا لك . قال : أريد أن أكون أعلم الناس ؛ فقال : اتق الله تكن أعلم الناس .. )) وهل هو موجود في مسند الإمام أحمد ؟
ج / أقول : أنا أذكر أني كنت بحثت عن ذلك الحديث ، وأقل أحواله أنه ضعيف ، ولكن الظاهر أنه اشد من كونه ضعيفاً فقط ، فعلى كل حال الحديث لا يصح ، ولا يحوز التحدث به ، ولا نسبته للنبي ( .
وأيضاً في نسبته لمسند الإمام أحمد شيء من اللبس ، فإنني عثرت عليه في كنز العمال ، وقد عزاه إلى بعض الكتب التي ليس في متناول أيدينا منها كتاب للمستغفري ، أما مسند الإمام أحمد فلا أذكر أني عثرت عليه فيه ، وقد يكون فيه ولكنني نسيت .
( ( (
س / هل كتاب " جامع المسانيد " يعتبر كتاباً يرجع إليه لتخريج الحديث ؟
ج / أقول : نعم ، يمكن أن يرجع إليه .
( ( (
س / كيف يستفاد من " تحفة الأشراف " في التأكيد أن الحديث ليس منقطعاً ، أي أن الراوي لم ينقل الحديث إلا ممن روى عنه ؟ وما اسم الكتاب الذي اختصر تحفة الأشراف ؟
ج / أقول : كتاب " تحفة الأشراف " كتاب يذكر الأسانيد التي في الكتب الستة مع غض النظر عن كون ذلك الإسناد فيه انقطاع أو فيه راو لم يسمع من راو آخر ، أو راو لم يثبت سماه من راو آخر ، .. إلى آخر أنواع الأسئلة التي قد ترد .(1/137)
نقول : " تحفة الأشراف " في معظم الأحيان لا يعين ولا يبين أن في السند كذا وكذا ، صحيح هو قد ينقل كلاماً للترميذ أو بعض الأئمة الذين يرد لهم كلام عقب رواية الحديث ، ولكن نقل كلام الترمذي لا يدل على بيان بعض العلل التي توجد في بعض الأسانيد ، وقد لا يكون الحديث أصلاً مخرجاً عن الترمذي ، فيورد الأسانيد إيراداً من باقي الكتب .
أما الكتاب الذي اختصره " تحفة الأشراف " هو كتاب " ذخائر المواريث " للنابلسي ، وقلت : إن هذا الكتاب يغني عن كتاب " تحفة الأشراف " فعلاً .
أما إن كان مقصد الأخ بالمختصرات التي خرجت في هذه الأيام ، فقد أطلعني أحد الأخوة على مختصر لتحفة الأشراف في ثلاث مجلدات ، اختصره البسيوني زغلول .
وهذا المختصر يختلف في منهجيته عن منهجية تحفة الأشراف ، فتحفة الأشراف يذكر الأسانيد ويذكر الكتب والأبواب وهكذا ، أما هذا الكتاب فرتب الأحاديث نفس ترتيب تحفة الأشراف ، ولكن بدلاً من ذلك العزو الطويل الذي ذكرناه يعطيك رقم الجزء ورقم الصفحة في الكتاب وينتهي الكلام .
وهذا المختصر يفيد في أننا بدلاً من أن نحمل ثلاثة عشر أو أربعة عشر مجلداً يمكن أن نحمل ثلاث مجلات ، وبدلاً من أن نستعين - مثلاً - بالكشاف وما إلى ذلك يمكن أن نعمد إلى رقم الجزء ورقم الصفحة مباشرة من الكتاب .(1/138)
وبلا شك سيكون هذا أسرع في التخريج إذا وجد ، لكن المشكلة تكمن في أن فوائد تحفة الأشراف متعددة ، ولا تتجلى في مثل هذا العمل ؛ فهذا العمل عمل تخريجي سريع لا يذكر أسانيد ولا يذكر كتباً ولا أبواباً ، والأرقام والرموز دائماً مظنة الوقوع في الخطأ ، فربما قال لك : الحديث في صفحة ثلاثة وعشرين ، والحديث في صفحة ثلاثة وثلاثين ، فمجرد التصحيف في جزء بسيط جداً يتعبك جداً ، وهذا واقع ؛ فالموسوعة الحديثية التي عملها البسيوني زغلول أنا أرجع إليها في بعض الأحيان للتخريج ، فيتعبني في بعض الأحيان ؛ لأن الأرقام هذه تحاج إلى تدوين دقيق ومراجعة دقيقة ، وإلا فالتصحيف فيها سيكون كثيراً .
ثم أن تسمية الباب والكتب هي في الحقيقة ضابطة لأي طبعة من الطبعات التي يمكن أن تكون بينيديك ، فإذا أحالك هو مثلاً على طبعة من طبعات صحيح البخاري ليست بين يديك ، فمعنى ذلك أنك لن تستفيد من ترقيمه ؛ فستكون لابد محتاجاً إلى تحفة الأشراف ؛ لأن هذا يلجئك لأن تأخذ الطبعة التي عنده ، فقد لا تكون أصلاً متوفرة في الأسواق ، ولو كانت متوفرة لألزمك بشراء طبعة أنت غير محتاج إليها لكونك تقتني طبعة أخرى .
فعلى كل حال : الكتاب لا يمكن أن يستفيد منه للعمل بسرعة ، ولكن ترد عليه المحاذير التي ذكرت .
( ( (
س / كيف يمكن الاستفادة من " التحفة " في تخريج الأحاديث القدسية ؟
ج / أقول : يمكن ذلك بحسب راوية من الصحابة ؛ فإذا جاءك حديث يرويه أبو هريرة مثل حديث : ( يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي "(83) تجده في مسند أبي هريرة فهو من قول النبي (.
( ( (
س / هل يجمع المزي في كتابه " تحفة الأشراف " جميع أحاديث الكتب الستة ؟
ج / أقول : نعم ، يجمع جميع أحاديث الكتب الستة ؛ ولذلك بلغ عددها في " تحفة الأشراف " تعسة عشر ألفاً وتسعمائة وخمسة وتسعين حديثاً إن لم تخطئني الذاكرة .(1/139)
وبالرغم من ذلك العدد فمسند الإمام أحمد أكثر أحاديث منها ؛ فمسند الإمام أحمد بدون المكرر بلغ حوالي ثلاثين ألف حديث ، فأحاديثه أكثر من أحاديث الكتب الستة بمجموعها .
وهناك شيء مهم وهم أن كتاب " تحفة الأشراف " ليس مقصوراً على الكتب الستة ، وإنما على بعض ملحقاتها ، والمقصود بالملحقات بعض كتب الأئمة أصحاب الكتب الستة ، لكنه لم يورد من هذه الملحقات إلا كتابين :
الكتاب الأول : كتاب " المراسيل " لأبي داود ، وهو لا يعتبر من السنن ، وإنما هو كتاب مستقل ، فهذا مما أدخله المزي في " التحفة " .
الكتاب الثاني : كتاب " الشمائل المحمدية " للترمذي ، وكتاب الشمائل المحمدية هذا كالب مستقل أدخله المزي أيضاً في تحفة الأشراف .
( ( (
س / ما هي كتب الحديث وكتب التخريج والفهارس التي لا ينبغي أن تخلو منها مكتبة طالب العلم إذا كان لا يستطيع شراءها كلها ؟
ج / أقول : أما بالنسبة لكتب الحديث ، فالأمهات ضرورية كالكتب الستة ومسند أحمد ونحوها .
أما بالنسبة للفهارس ، فإذن كان لا يستطيع شراءها كلها فيمكن أن يقتني موسوعة أطراف الحديث النبوي التي عملها البسيوني زغلول ، فهي تجمع شتات الفهارس المتفرقة ، ولكن نأخذ بعين الاعتبار أن الخطأ وارد في مثل هذا الكتاب ؛ لأن المسألة في الأرقام يعتريها ما كنت أشرت إليه قبل قليل .
( ( (
س / يوجد في المكتبات كتاب " مسند الإمام الشافعي " فهل تصحيح نسبته للإمام الشافعي ؟
ج / أقول : هذا الكتاب المسمى " بمسند الإمام الشافعي " هو صحيح بالنسبة لرواية الشافعي لهذه الأحاديث ، ولكن الشافعي لم يؤلف هذا المسند ، وإنما ألفه أحد الخرسانيين ، فقد أستله من كتب الشافعي كالأم وغيره ، وكل حديث يأتي به الشافعي بسنده يأتي به هذا وبرتبة على مسانيد ، وسمي الكتاب مُسند الشافعي .(1/140)
وهذا مثل مسند أبي داود الطيالسي تماماً ؛ فمسند أبي داود الطيالسي لم يؤلفه أبو داود الطيالسي نفسه ، وإنما ألفه تلميذه يونس بن حبيب .
( ( (
س / ما الفرق بين المستخرجات والمستدركات ؟
ج / أقول : هناك فرق بين المستخرجات والمستدركات ؛ فالمستدرك تكون فيه أحاديث زائدة عن الكتاب الذي استدرك عليه ، مثل مستدرك الحاكم ، فالحاكم يقصد جمع الأحاديث الصحيحة التي إما على شرط الشيخين ، أو على شرط أحدهما ، أو صحيحة الإسناد ولو لم تكن على شرط واحد منهما ، لكن هذه الأحاديث الصحيحة التي بهذه الصورة لا توجد كلها عند البخاري ومسلم ، فإذا ما ضُمت هذه الأحاديث مع الصحيحين شكلت مقداراً كبيراً من السنة النبوية .
أما المستخرجات فجميع الأحاديث التي فيها موجود فيها من الكتاب الذي استخرجت عليه ، فلو نظرنا مثلاً إلى مستخرج أبي نعيم على صحيح البخاري نجد أن جميع الأحاديث التي يوردها موجودة في صحيح البخاري ، ولكن يروي هذه الأحاديث بسنده هو لا بسند البخاري نفسه .
فهو يريد أن يجعل كتابه هذا هو نفس كتاب البخاري ، ولكن بإسناده هو لا بإسناد البخاري ، فربما التقي مع البخاري في شيخه أو فيه شيخ شيخه أو فيمن فوقه ولو في الصحابي .
قد يسأل سائل ويقول : ما فائدة هذا العمل ؟ نقول : الفائدة تتلخص في المقال الآتي : لو كان البخاري روى حديثاً من طريق - مثلاً- الإمام أحمد عن عبد الرزاق ابن همام الصنعاني ، وهذا الحديث موجود في مصنف عبد الرزاق ، ثم جاء بعد ذلك أبو نعيم وأراد أن يخرج هذا الحديث من طريق البخاري ، فبينه وبين البخاري إثنان : شيخه وشيخ شيخه ثم البخاري ، وسيكون بينه وبين عبد الرزاق أربعة رواة : شيخه وشيخ ثم البخاري ثم الإمام أحمد .(1/141)
لكن لو أنه أخرج هذا الحديث من غير طريق البخاري كطريق سليمان بن أحمد الطبراني ، فالطبراني شيخ لأبي نعيم مباشرة ، والطبراني يروي مصنف عبد الرزاق بعلو ، ظفر به بنعمة من الله عز وجل عليه ؛ فالطبراني المتوفي سنة ثلاثمائة وستين للهجرة يساوي البخاري المتوفي سنة مائتين وست وخمسين للهجرة في الرواية عن عبد الرزاق ، فالفرق بين وفاتيهما مائة وأربع سنوات ، ومع ذلك يشارك البخاري في رواية الأحاديث في مصنف عبد الرزاق ؛ فبين الطبراني وبين عبدالرزاق راو واحد وهو إسحاق بن إبراهيم الدبري ، وبين البخاري وعبد الرزاق راو واحد ، فهذا يسمي علو إسناد .
قد يسأل سائل ويقول : كيف حصل هذا للطبراني ؟
أقول : الطبراني ولد سنة مائتين وستين للهجرة ، أي بعد وفاة البخاري بأربع سنوات ، فحينما ولد وابتدأ في طلب العلم وجد هناك عدة من الشيوخ ، فاحتار أيهم يقدم في الطلب ؛ وبخاصة في اثنين هما إسحاق بن إبراهيم الدبري ، وأبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، فلما احتار نام نومه فرأى النبي ( في المنام فسأل النبي ( : من يلازم ؟ فقال : الزم إسحاق بن إبراهيم الدبري ، فلازم الدبري ، فتوفي الدبري مبكراً سنة مائتين وواحد وثمانين ، وعمر الطبراني حينذاك واحد وعشرون أو اثنان وعشرون سنة ، فلزم الدبري وأخذ منه مصنف عبد الرزاق ، فحصل له هذا العلو .
وتأخر وفاة أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم إلى ما بعد ذاك بمدة طويلة ، فلم يتوف إلا في سنة ثلاثمائة وخمس وأربعين للهجرة ، فاصبح عند الطبراني متسع من الوقت ليلازم الأصم ويسمع منه .
فهذا العلو الذي حصل له اكتسبه أبو نعيم الأصبهاني المتوفي في سنة أربعمائة وثلاثين للهجرة ، فيصبح أبو نعيم في هذه الحال ليس بينه وبين عبد الرزاق المتوفي في سنة مائتين وإحدى عشر للهجرة سوى راويين اثنين ، مع ملاحظة الفرق الزمني بين وفاة عبد الرزاق وأبي نعيم .(1/142)
فهذه المسافة الزمنية الطويلة لا يكون فيها بين أبي نعيم وبين عبد الرزاق إلا روايين اثنين ؛ لذلك إذا خرج الحديث من طريق الطبراني وحصل له بهذا العلو يعتبر مفخرة له ، والظفر بعلو الإسناد هذا من فوائد المستخرجات .
( ( (
س / ما هو السبب في اختلاف المسميات : مستدرك مصنف ، موطأ ، مستخرج ، وغير ذلك من المسميات ؟
ج / أحياناً التسمية يكون لها أثرها ، فالمستدرك - مثلاً - يستدرك أشياء ليست موجودة في نفس الكتاب ، والمستخرج يستخرج أشياء موجودة في نفس الكتاب ؛ فالتسمية أحياناً يكون لها أثرها .
وبعض التسميات يمكن أن تكون مترادفة ، فالموطأ والمصنف والسنن أحياناً بمعنى واحد .
فلو عُبر عن أحدهم بالآخر لكان ذلك سائغاً فيما لو سمي مصنفه ذلك الكتاب كذلك .
فلو نظرنا مثلاً لسنن سعيد بن منصور ومصنف ابن أبي شيبة وموطأ الإمام مالك نجد أن موضوعها واحد ؛ فكلها كتب تعنى بالأحاديث المرفوعة وبالآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ، وتتضمن في طياتها الأحاديث المتصلة والمرسلة والمنقطعة ، والمقاطيع ، وكلها كتب رتبت على حسب الأبواب الفقهية ، فموضوعها واحد ، وإنما اختلفت في التسمية فقط .
( ( (
س / أي الطبعتين " لسنن البيهقي الكبرى " أجود ؛ هل هي التي بهامشها " الجوهر النفي " أم التي طبعتها دار الكتب العلمية بتحقيق عطا ؟
ج / أقول : أنا لم أطلع على التي بتحقيق عطا هذا ، لكن حقيقة أنا لا أكتمكم شعوري أنني لا أعب الطبعات الجديدة ، وبالذات إذا لم يكن المحقق من المعروفين بالدقة .
وأما طبعة سنن البيهقي التي بهامش "الجوهر النقي " فهذه الطبعة غاية في الجودة ، والذين أشرفوا على هذه الطبعة يبدو أنهم علماء ؛ فقد اتقنوا وضبطوا النص وأثبتوا فروق النسخ ، فقد قابلوها على حوالي عشر نسخ .(1/143)
فلا أظن أن المحقق الذي مثل عطا أو غيره إلا سيأخذ هذه الطبعة نفسها ويستل منها " الجوهر النقي" ويبقى الطبعة ، وربما أضاف عليها بعض التحسينات التي يهتم بها بعض الناس في هذا الزمان.
على كل حال : الطبعة القديمة أنا أعتبرها غاية في الجودة ، وليس طالب العلم بحاجة إلى مزيد على ذلك .
( ( (
س / ما مدى صحة حديث : (( من صلى الفجر في جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حجة وعمرة ، تامة ، تامة ، تامة ))(84) .
ج / أقول : الحديث فيه مقال ، ولكنه حسنه بعض طلبة العلم بمجموع طرقه ، وأنا حقيقة لم أتتبع طرق التتبع الذي استطيع به أن أقول للأخ السائل : إنه يمكن أن يكون حسناً لغيره أولاً .
( ( (
س / ما صحة حديث : (( من جلس في مجلسه أو مصلاة بعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين كانت له حجة وعمرة تامة تامة )) .
ج / الحديث من الأحاديث الضعيفة ، وبعضهم يرى أنه بمجموع طرقه يمكن أن يصل إلى درجة الحسن لغيره ، ولكن نفسي لا تطمئن إلى هذا تماماً .
( ( (
س / ما رأيكم في كتاب " صحيح الجامع الصغير " للألباني و " ترتيب أحاديث صحيح الجامع " للشيخ علي عبد الحميد ؟
ج / أقول : بالنسبة لكتاب ترتيب أحاديث صحيح الجامع ، فلو أن طالب العلم اكتفى بكنز العمال لأغناه عن هذا الكتاب ؛ فهو يمكن أن يرجع لموضوع الحديث في كتاب " كنزل العمال " وينظر للحديث ، فإذا كان من أحاديث " الجامع الصغير " ، وهو الذي يكون في الأول ،فكما قلت : إنه يأتي بأحاديث الجامع الصغير ، ثم بالإكمال ، ثم بعد ذلك يأتي بالمستدرك .
فإذا وجد الحديث من أحاديث " الجامع الصغير " ينظر حرفه ، فيذهب إليه في " صحيح الجامع " ، أو " ضعيف الجامع " ليعرف الحكم عليه ؛ لذلك يمكن الاستغناء بكنز العمال عن هذا الكتاب .(1/144)
أما كتاب " صحيح الجامع " فالحقيقة أن الكلام عن " الجامع الصغير ، وعن " كنز العمال " وعن " الجامع الكبير " يحتاج إلى مزيد كلام فأنا ذكرت الخلاصة فقط .
ومن هذا الكلام الذي نحتاجه التعريف بأن السيوطي وجد أحاديث قد فاته ذكرها في " الجامع الصغير " وهي موجود في قسم الأقوال في " الجامع الكبير " فأتى بها ، ثم وجد أحاديث فاته ذكرها في " الجامع الكبير " وفي " الجامع الصغير " وهي أحاديث قولية ، فأتى بها ، وجعل هاتين الزيادتين في مؤلف واحد سماه " زيادة الجامع الصغير " وقد جعل في مؤلف مستقل ؛ لأنه لا يستطيع أن يدخل الأحاديث بعد أن فرغ من تأليف " الجامع الصغير " .
جاء بعد ذلك النبهاني فضم هاتين الزيادتين في كتاب سماه " الفتح الكبير " .
ثم جاء الشيخ ناصر الدين الألباني " للفتح الكبير " هذا فوجد أن السيوطي في الجامع الصغير وزيادته يحكم على الأحاديث ، فالحديث الصحيح يرمز له بـ ( صح ) والحديث الحسن يرمز له بـ ( ح ) ، والضعيف يرمز له بـ ( ض ) .
فوجد الشيخ الألباني أن هذه الأحكام من السيوطي عليها بعض الانتقادات ، فاجتهد فحكم على أحاديث الجامع الصغير وزيادته بهذه الأحكام الموجودة في " صحيح الجامع " و " ضعيف الجامع " فأورد في " صحيح الجامع " الصحيح والحسن ، وأورد في " ضعيف الجامع " الضعيف والضعيف جداً والمنكر والموضوع .
وهذا العمل لا شك أنه عمل جيد ، أما الموافقة على كل تصحيحه فهذه مسألة أخرى ، لكنه بلا شك أنه أجود من عمل السيوطي بلا مقارنة .
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل : " إن السيف أمضى من العصا "
فيكفي أن نصف الكتاب تقريباً نحاه الشيخ الألباني ، بمعنى أنه أحاديث ضعيفة موضوعة ، فهذا النصف الذي نحاه لا أظنك تجد عليه مزيداً ، أي لا أظنك ستجد حديثاً ضعيفاً تقول : إنه يمكن أن يكن صحيحاً أو حسناً .(1/145)
أما القسم الأول الذي ورد فيه الصحيح والحسن ،فيمكن أن يكون هناك بعض المخالفات للشيخ في أحكامه ، وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه فالاختلاف سُنة كونية .
( ( (
س / ما رأيك في كتاب ( صحيح الجامع الصغير ) وهل ينفع لاستخدامه في تخريج الحديث ؟
ج / أقول : كتاب " صحيح الجامع الصغير " للألباني - حفظه الله تعالى - حيث جاء الكتاب الجامع الصغير للسيوطي ، فقسمه إلى قسمين من وجهة نظره ؛ فعزل الصحيح على حده والضعيف على حدة ، والأحاديث التي فيه مرتبة على حروف المعجم .
وهو من كتب التخريج التي تساعد في تخريج الحديث ، ولكنه ليس مصدراً أصلياً ، ولذلك لا يليق بطالب العلم أن يقول : الحديث أخرجه الألباني في " صحيح الجامع الصغير " ، فكلمه أخرجه هذه لا تطلق إلا على مصدر أصلي أي على الكتاب الذي يروي بالسند .
( ( (
س / ما مدى صحة قصة آدم عليه السلام وتسميته لولده عبد الحارث ؟
ج / أقول القصة ليست صحيحة .
( ( (
س / ما هي الكتب الأساسية التي يقتنيها طالب العلم لتخريج الحديث النبوي ؟
ج / أقول : الأمهات ينبغي ألا تخلو منها مكتبة طالب العلم ، بالإضافة إلى كتب التخريج المهمة " كنصب الراية " و " البدر المنير " و " التلخيص الحبير " و " إرواء الغليل " ، فهذه الكتب مهمة في التخريج ، وينبغي أن تكون في مكتبة طالب العلم .
( ( (
س / ما مدى صحة حديث : (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))(85) ؟
ج / أقول :الحديث فيه ضعف ، وإن كان بعض العلماء قد يتسامح فيه .
( ( (
س / كيف حققت سنن " سعيد بن منصور " مع العلم أنها نسخة واحدة ؟ وهل هذه النسخة كاملة؟
ج / أقول : معروف أن الكتاب الذي ليس له إلا نسخة واحدة سيكون الجهد فيه مضنياً ، لكن الحمد لله رب العالمين ، توفيق الله جل وعلا ونعمه على العبد لا تحصى .
وهذه النسخة ليست كاملة ، ولكنها نسخة ناقصة ، لكن يوجد فيها خير وبركة والحمد لله .
( ( (
الفهرس
الموضوع
الصفحة(1/146)
لماذا نطلب علم الحديث
معنى السند والمتن والحديث المتواتر
تعريف المتواتر
أدلة الأقوال فيه
ضعف اشتراط العدد في الحديث المتواتر
هل يشترك في الحديث المتواتر أن ننظر في رجال سنده أم لا ؟
بماذا يفيد خبر الآحاد
القرينة الأولى
القرينة الثانية
القرينة الثالثة
خلاصة القول
كبار الصحابة وقبولهم خبر الآحاد
حديث الآحاد وما يفيده .
المراد بالنسخ في أحاديث رسول الله ( .
ما يُعرف به النسخ .
ذكر القرائن التي يعرف بها المتقدم من المتأخر
الكتب المؤلفة في ناسخ الحديث ومنسوخة
ذكر وجوه الترجيح
الحديث المرسل وسببه
الحديث المنقطع والمعضل
كيف نعرف الحديث المنقطع ؟
الموضوع
الصفحة
أنواع السقط الخفي
موقف العلماء من المدلس
ذكر مثال في تدليس ابن عيينة ، وكيف عُرف
تعريف التدليس
تعريف المرسل الخفي
كيف نعرف الإدراج ، ولماذا يحصل ؟
سؤال حول زيادة الثقة وأنها لا تقبل إلا بوجود القرائن ؟
( برفعه ) أو ( ينميه ) من الألفاظ الصريحة
كيف نعرف بأن الرجل صحابي
من هو المخضرم .
من حدث ونسي
الفرق بين الإعلام والمناولة
فائدة معرفة مواليد الرواة ووفياتهم
حكم الحديث المبهم .
هل يقبل التعديل على الإبهام ؟
المراد بالمبتدع .
البدع المكفرة .
البدع الغير مكفرة
المراد بالقدري
المراد بالمرجئ .
المراد بالمتشيع .
ذكر القاعدة في ذلك .
الموضوع
الصفحة
شروط قبول الحديث المرفوع الحكمي .
فائدة معرفة الطبقات
الفرق بني طبقات الحفاظ وتذكرة الحفاظ .
المراد بالأسماء المفردة وذكر من ألف فيه .
الاختلاف في تحديد طبقة الراوي .
الحكم المتناقض عن راو واحد ماذا نفعل فيه ؟
تنبيه هام .
مسألة اختلاف علماء الجرح والتعديل في الجرح والتعديل .
المراد بالمسانيد
المراد بالأبواب .
المراد بالعلل .
المراد بالأطراف .
المقصود بالأحاديث المعلقة .
صنيع البخاري في الأحاديث المعلقة .
هل استوعب صحيح مسلم كل الصحيح ؟
تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم عند الجمهور .(1/147)
مناقشة تفضيل المغاربة لصحيح مسلم على البخاري .
تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم .
أمثلة في تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم
الفرق بين حدثنا وأخبرنا .
عدم اهتمام الإمام مسلم بالأسانيد العالية .
روايات ابن داسة واللؤلؤي .
الموضوع
الصفحة
المراد بالكتب الجوامع والسنن .
أقوال العلماء في الأحاديث التي سكت عنها أبو داود في سننه ؟
الأحاديث المسكوت عنها .
ذكر الاختلاف في تسمية كتاب الترمذي
بيان الراجع في ذلك .
رأي ابن الصلاح والعراقي في صحيح ابن خزيمة .
خلاصة القول في صحيح ابن خزيمة
هل صحيح ابن خزيمة مقدم على صحيح ابن حبان
التعليق على كلام الشيخ شعيب الأرناؤوط .
تنبيه هام
شروط البخاري في الرواية
المعلق بصيغة الجزم عند البخاري
هل المجرزوم من المعلقات هو ما ورد بصيغة المبنى للمعلوم ؟
هل هناك كتب تُعنى بمعلقات البخاري ؟
هل شرط البخاري صحة أم شرط كمال ؟.
روايات الأعمش في صحيح البخاري !
هل في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة .
الكلام على ما علقه البخاري بصيغة الجزم
شروط العمل بالحديث الضعيف .
الكلام على حديث جبريل ، ومن رواه .
حديث في صحيح مسلم ذكره ابن الجوزي في الموضوعات .
تشنيع الإمام مسلم بالبخاري .
الموضوع
الصفحة
منهج الإمام مسلم في صحيحه .
سبب تأليف مسلم لصحيحه .
التفريق بين صحيح البخاري ومسلم في بيتين .
الأخلاف بين ما يرويه مسلم في مقدمته وما يرويه في صحيحه .
التزم مسلم الدقة في الألفاظ المستعملة في صحيحه .
الكلام على انتقادات الدارقطني لمسلم .
المبالغة في صوف الصحيحين .
الأحاديث المتكلم فيها في الصحيحين وذكر القاعدة في ذلك .
هل هناك انتقاد على صحيحي البخاري ومسلم .
الاحتجاج بالحديث في أبواب الفقه .
الشروح الحديثية على سنن أبي داود .
صحيح وضعيف السنن للعلامة الألباني .
قول لابن حجر في النكت على ابن الصلاح .
قول أبي داود : حدثنا فلان وفلان المعني وبيان المقصود منه .(1/148)
سنن أبي داود والنسائي وبيان أيهما أصح .
قصة أبي داود وابنه مع ابن صالح المصري .
وصف الإمام الترمذي بالتساهل وتقرير ذلك .
ابن أبي النجود والقراءات ، وكيف يمكن أخذ القراءة منه وهو ضعيف .
الكلام على تحقيق الشيخ أحمد شاكر لجامع الترمذي .
مختصر البخاري وبلوغ المرام وأيهما يقدم في الحفظ ؟
هل أورد مسلم حديثاً بقوله : حدثنا وحدثناه ؟
الأحاديث الضعيفة المصححة ماذا يُعمل فيها ؟
الموضوع
الصفحة
تقديم الترمذي على أبي داود عند البعض والصحيح خلاف ذلك .
المراد بقول الترمذي : حديث غريب .
الخلاف في المسح على الخفين .
قول ابن خزيمة : ( هذا مختصر المختصر من المسند ) المراد بالمسند .
تحقيق الشيخ أحمد شاكر لصحيح ابن خزيمة
شرح لصحيح ابن خزيمة
حول صحيح ابن خزيمة
الطريقة في النظر في أسانيد جامع الترمذي
التخصص في علم الحديث
سنن سعيد بن منصور وتحقيق الشيخ لها
من يذكره ابن حبان في ثقاته أو في غيره .
طبعة جيدة لصحيح ابن حبان .
قائمة لجميع السنن بالطبعات الجيدة .
مدرسة أهل الحديث وأهل الرأي والتفصيل في ذلك .
ابن حبان ومذهبه الأشعري .
قاعدة ابن حبان فيتوثيق المجاهيل وعدم العمل بها .
شرط ابن حبان في التصحيح
ذكر مذهب ابن حبان في الفقه .
التفريق بين أبي حاتم ( ابن حبان ) وأبي حاتم الرازي .
كتاب الإيمان والتوحيد لابن منده أم لغيره ؟
مدى صحة الأحاديث في صحيح ابن حبان .
منهج ابن حبان وتخريجه لحديث الرواي الخالي من الجرح والتعديل .
الموضوع
الصفحة
الحاكم وتأثيره بالكرامية .
هل روى شعبة عن بعض الضعفاء ؟
من هو الأوقدي الذي شرح صحيح مسلم ؟
الكلام على تضعيف حديث : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) .
الكلام على كتاب ( الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ) للشيخ مقبل .
الرأي في منهج الشيخ العدوي .
الكلام على مراتب الحديث الصحيح .
ما المراد بالحديث المسلسل بالأولية ؟
صحة حديث " لا تصوموا يوم السبت .. " .(1/149)
إلى تنسب السنن الصغرى ؟
انتفاء السنن الصغرى من الكبرى ، وسبب ذلك .
قواعد أصول الجرح والتعديل للشيخ بكر أبو زيد .
مدفن النسائي .
عدم خروج كتاب السنن الكبرى مطبوع كاملاً .
سبب اختلاف الرواة في نقل كتب الأئمة .
موقف طالب العلم مع الحديث الموجود في رواية دون أخرى .
ليس من فائدة وراء معرفة صاحب السنن الصغرى .
التوفيق بين زيادة الثقة المقبولة والشذوذ الذي هو مخالفة الثقة .
الحكم في تخريج الأحاديث من الكمبيوتر .
تخريج بعض كتب السنة عن طريق الكمبيوتر .
القول على شرح صحيح مسلم للأبي .
الكلام على تلخيص المستدرك للذهبي .
الموضوع
الصفحة
فوائد تخريج الحديث .
ذكر أسباب الاختلاط .
كيفية معرفة حال الراوي قبل وبعد الاختلاط .
المؤلفات التي ألفت في تخريج الأحاديث .
أسباب تأخر التصنيف في موضوع التخريج .
الكلام في عبد الله بن لهيعة .
طالب العلم والمختصرات .
سؤال عن أصح الأحاديث ونصيحة لطالب علم .
الفرق بين التخريج والتحقيق .
القول في كتاب ( كشف اللثام ) .
كيفية الاستفادة من كتب المشيخات في التخريجات .
كيفية الاستفادة من المسانيد والمشيخات والناسخ والمنسوخ في تخريج الأحاديث .
الحكم على كتاب مفتاح كنوز السنة .
التفصيل في تعريف التخريج والحكم على الحديث .
الأحاديث القدسية والمسلسلات وتخريج الأحاديث .
ما ينصح به طالب العلم .
كتاب جامع المسانيد والسنن لابن كثير .
الفرق بين التخريج وأصول التخريج .
كتب تعيين في الرجوع إليها في تخريج الأحاديث .
الكلام على تحقيق سنن ابن ماجة وطرق تخريج الحديث .
الكلام على كتاب غريب الحديث لإبراهيم الحربي .
الكتاب الذي يجمع الكتب الحديثية الستة .
الموضوع
الصفحة
الحديث المتفق عليه ؛ أي كتاب يُرجع الحديث .
أصحاب المعجم المفهرس وطبعات الكتب التي اعتمدوا عليها .
مدى صحة حديث " إن الله يستحي من عبدة .. " .
التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين .(1/150)
الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في علم الحديث .
تخريج العراقي لكتاب إحياء علوم الدين .
هل تعد الكتب التي تذكر الإسناد مصادر أصلية ؟
هل تعد الشروح والمصنفات والمبهمات مصادر أصلية ؟
الكلام على كتاب البدر المنير لابن الملقن وتلخيص الحبير لابن حجر .
شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد .
مقصد البخاري من قوله : قال بعض الناس .
التعريف بكتاب التنكيل .
الرجوع إلى جامع المسانيد في التخريج .
الأحاديث الضعيفة في مسند الإمام أحمد .
الكلام على بعض كتب الحديث .
كتاب صحيح مسلم ، والمنهاج لشرح صحيح مسلم بن الحجاج .
الطريقة التي يُخرج بها الشاهد من الحديث .
مدى صحة حديث " يا رسول الله جئت أسألك .. " .
جامع المسانيد من تحفة الأشراف وذكر المختصرات لها .
الاستفادة من التحفة في تخريج الأحاديث القدسية .
المزي وكتابة تحفة الأشراف .
ذكر الكتب التي لا ينبغي أن تخلو منها مكتبة طالب علم .
الموضوع
الصفحة
صحة نسبة ( مسند الإمام الشافعي ) للإمام الشافعي .
بيان الفرق بين المستخرجات والمستدركات .
سبب اختلاف المسميات : مستدرك ، مصنف ،موطأ .
أي الطبعتين أجود لسنن البيهقي الكبرى ؟
الكلام على صحة حديث " من صلى الفجر " .
الكلام على صحة حديث " من جلس في مصلاة "
كتاب "صحيح الجامع الضغير " ، و " ترتيب أحاديث صحيح الجامع " .
مدى نفع كتاب " صحيح الجامع الصغير " في التخريج .
الكلام على صحة قصة آدم عليه السلام وتسميته لولده عبد الحارث .
الكتب الأساسية التي يقتنيها طالب العلم لتخريج الحديث النبوي .
الكلام على صحة حديث " من حسن إسلام المرء " .
تحقيق سنن سعيد بن منصور ، رغم أنها نسخة واحدة .
الفهرس .
( 1 ) انظر : تفصيل ذلك بشرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ سعد بن عبد الله الحميد ص14 .(1/151)
( 2 ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما عدد ما يحصل به التواتر فمن الناس من جعل له عدداً محصوراً ، ثم يفرق هؤلاء ، فقيل : أكثر من أربعة ، وقيل : اثنا عشر ، وقيل : أربعون ، وقيل : سبعون ، وقيل : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وقيل : غير ذلك .
- وكل هذه الأقوال باطلة لتكافئها في الدعوى .
- والصحيح الذي عليه الجمهور : أن التواتر ليس له عدد محصور .. الخ " أ هـ .
- انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ( 18/50) .
( 3 ) انظر رسالة العلامة الألباني : ( الحديث حدة بنفسه ) ، ورسالة ( وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد عل شبه المخالفين ) .
( 4 ) حديث توريث الجدة وقصة ذلك : رواه أبو داود رقم ( 2894) ، والترمذي رقم (2100، 2101) ، وابن مادة رقم (2724) ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة رقم (595) .
( 5 ) حديث الاستئذان : رواه البخاري رقم (6245) ، ومسلم رقم ( 2153 ، 2154) ، وأبو داود رقم ( 5180 ، 5181 ، 5182 ، 5183، 5184 ) ، والترمذي رقم (2690) ، وابن ماجة رقم (3707) .
( 6 ) رواه الإمام مالك في الموطأ ( 1/278) في الزكاة باب جزية أهل الكتاب والمجوس ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( وهذا منقطع مع ثقة رجاله .. ) نظر الفتح (6/302) .
( 7 ) حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : رواه أبو داود رقم ( 1521) ، والترمذي رقم (3006) ، وابن ماجة رقم (1395) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم (1144) .
( 8 ) رواه البخاري رقم (132، 178 ، 269) ، ومسلم رقم (303) ، وأبو داود رقم (207،208،209) والنسائي (1/97) .
( 9 ) رواه مسلم رقم (977) ، وليس عنده ( فإنها تذكر الآخرة ) ورواه أبو داود رقم (2235) - وعنده ( فإن في زيارتها تذكرة ) ورواه الترمذي رقم (1054) وعنده زيادة " فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه .. " ورواه النسائي (4/89) بنحو رواية مسلم .(1/152)
( 10 ) رواه بهذا اللفظ : أبو داود رقم (192) ، والنسائي (1/108) ، ورواه الترمذي بلفظ آخر رقم (80) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (177) .
( 11 ) رواه أبو داود رقم ( 2367 ، 2368 ، 2369 ، 2371) ، والترمذي رقم (774) ، وابن ماجة رقم ( 1679 ، 1680 ، 1681) ، وصححه الألباني في الإرواء رقم (931) .
( 12 ) رواه البخاري رقم (1938 ، 1939 ، 5694) ، وابو داود رقم (2372 ، 2373) ، والترمذي رقم (775 ، 776 ) ، وابن ماجة رقم (1682 ) .
( 13 ) رواه أبو داود رقم (181) ، والترمذي رقم (82 ، 83، 84 ) ، والنسائي (1/100 ، 101) وابن ماجة رقم (479) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (388) .
( 14 ) رواه أبو داود رقم ( 182 ، 183 ) والنسائي ( 1/101) ، والترمذي رقم ( 85 ) ، وابن ماجة رقم ( 483) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم ( 74 ) .
( 15 ) وهذا من المستحيلات ، أنه يوجد حديثان متعارضان ولا يمكن الجمع .
( 16 ) حديث أبي هريرة :رواه البخاري ، تعليقاً . رقم ( 2311 ، 2375 ، 5010) وهو من الأحاديث التي لم يصلها البخاري في صحيحه .
( 17 ) رواه أبو يعلي في مسنده والحاكم في مستدركه كما في تفسير ابن كثير (1/288) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (658) .
( 18 ) رواه الترمذي رقم (2880) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (2309) ، ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/423) .
( 19 ) رواه البخاري رقم ( 60 ، 96 ، 163 ) ، ومسلم رقم (241 ) ، وأبو داود رقم (97) ، والنسائي (1/78 ) .
( 20 ) رواه البخاري رقم ( 2548) ، ومسلم رقم (1665) .
( 21 ) رواه البخاري رقم (60 ، 96 ، 163 ) ، ومسلم رقم (241 ) ، وأبو داود رقم (97) ، والنسائي (1/78) .
( 22 ) وذلك في حديث عائشة - رضي الله عنها : ( أن النبي ( كان يتحنث في غار حراء ، وهو التعبد الليالي ذوات العدة .
- فالزهري هو الذي قال : وهو التعبد .(1/153)
- جزء من حديث طويل ، رواه البخاري رقم (3) - وفي مواضع أخرى - ، ومسلم رقم (160).
( 23 ) رواه البخاري (1/211) برقم (116) ، ومسلم رقم(2537) ، وأبو داود رقم (348) .
( 24 ) انظر : شرح نخبة الفكر للشيخ سعد - حفظه الله - .
( 25 ) رواه أبو داود رقم (2334) في الصوم ، باب كراهية صوم يوم الشك ، والترمذي رقم (686) في الصوم ، باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك ، والنسائي (4/153) في الصوم ، باب صيام يوم الشك ، والدارمي (2/2) في الصوم ، باب في النهي عن صوم يوم الشك ، والدارقطني رقم (227) ، والحاكم (1/424) ، وصححه الألباني في الإرواء رقم (961) .
( 26 ) رواه أبو داود رقم ( 3662) في العلم ، باب الحديث عن بني إسرائيل ، وصححه الألباني في ( صحيح الجامع ) رقم ( 3131) .
( 27 ) انظر : تذكرة الحفاظ (1/237 ) .
( 28 ) رواه البخاري (1/284) في الوضوء ،باب البول عند سباطة قوم ، ومسلم رقم (273) في الطهارة ، باب المسح على الخفين ، وأبو داود رقم ( 23 ) في الطهارة ، باب البول قائماً ، والترمذي رقم (13) في الطهارة ، باب ما جاء في الرخصة في البول قائماً .
( 29 ) أي : في السؤال السابق .
( 30 ) راجع تفصيل ذلك في " مناهج المحدثين " تأليف الشيخ سعد آل حميد ص (21) وما بعدها.
( 31 ) انظر صحيح مسلم (404) .
( 32 ) أخرجه مسلم في ( الإيمان ) باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله (.. ( 14/23، 24 ) وكرره في " الأشربة " : باب النهي عن الانتباذ في الزفت والدباء والخنتم والنقير .. ( 17/39 فما بعده ) .
( 33 ) أخرجه الترمذي (2660 ) ، وقال : هذا حديث غريب من هذا الوجه .
( 34 ) أخرجه أبو داود : كتاب اللباس : باب فيما تبدي المرأة من زينتها ( 4104) .
( 35 ) أخرجه أبو داود : كتاب الأدب : باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق ( 5273) ، تحقيق : عزت عبيد الدعاس .(1/154)
( 36 ) قال المنذري في مختصره للسنن : داود بن أبي صالح - هذا - هو المدني ، قال أبو حاتم الرازي : هو مجهول ، حدث بحديث منكر أ هـ . وقال أبو زرعة الرازي : لا أعرفه إلا في حديث واحد يرويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي ( ،وهو حديث منكر أهـ . وذكر البخاري هذا الحديث في " تاريخه الكبير " من رواية داود هذا ، وقال : لا يُتابع عليه أ هـ .
وقال ابن حيان : يروي الموضوعات عن الثقات ، حتى كأنه يعتمد لها ، وذكر له هذا الحديث .
التاريخ الكبير (3/234 ) ، والجرح والتعديل (3/ت 1902) ، والمجروحين لابن حبان (1/290).
( 37 ) انظر : سير أعلام النبلاء (13/274) .
( 38 ) أخرجه ابن خزيمة (1887) ، وترجم له : " باب فضائل شهر رمضان إن صح الخبر " والمحاملي في " أماليه " (293) من طريق علي بن زيد بن جُدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان رضي الله عنه .
- وهذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جُدعان التيمي البصري .
- قال ابن سعد : " كان كثير الحديث ، فيه ضعف ، ولا يُحتج به " .
وقال أحمد : " ليس بالقوي " .
وقال عثمان الدارمي : " ليس بذاك القوي " .
وقال الجوزجاني : " واهي الحديث ضعيف " .
وقال ابن أبي خيثمة : " ضعيف في كل شيء " .
وقال ابن خزيمة : " لا أحتج به لسوء حفظه " .
وقال الحافظ في التقريب : " ضعيف " .
ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه في " علل الحديث " (1/249) " حديث منكر " .
قال ابن خزيمة في الترجمة : " إن صح الخبر " ، ثم سقطت ( إن ) من بعض المراجع مثل "الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري (2/95) وغيره ، وعلى ذلك فسد المعنى ، واغتر به بعض الوعاظ والمدرسين .
ومثله حديث : " لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها .. إلخ" الحديث .(1/155)
- رواه ابن خزيمة ( 1886) من وجهين عن جرير وقال : " إن صح الخبر ، فإن في القلب من جرير ابن أيوب البجلي " ، ورواه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ( 2/547-549) من طريق جرير بن أيوب البجلي ، عن الشعبي ، عن نافع بن بردة ، عن أبي مسعود الغفاري ، وقال ابن الجوزي ، هذا حديث موضوع على رسول الله ( والمتهم به جرير بن أيوب .
قال يحي : " ليس بشيء " وقال الفضل بن دُكين : " كان يضع الحديث " . =
= وقال النسائي والدارقطني : " متروك "
- وقال د . مصطفى الأعظمي المحقق لابن خزيمة " إسناده ضعيف بل موضوع " ، جرير بن أيوب البجلي قال عنه البخاري : منكر الحديث " أ هـ .
( 39 ) راجع التفصيل في كتابة ( مناهج المحدثين ) للدكتور سعد آل حميد ، عند الكلام على "صحيح ابن خزيمة" .
( 40 ) الحديث هو : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوماً يغدون في سخط الله عز وجل ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر )
- أخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3/309) في الأحكام السلطانية : باب ذم الشرط ، وكذا رواه ابن حبان في " المجروحين " (1/176) ، وقال : هذا خبر بهذا اللفظ باطل . وقال الذهبي في " تلخيص كتاب الموضوعات " ص (285) رقم (772) : بل الحديث على شرط مسلم ، ولكنه منكر . أ هـ .
- بل الحديث أخرجه مسلم ( 2857) في الجنة وصفه نعيمها وأهلها : باب النار يدلها الجبارون ، والجنة يدخلها الضعفاء . - وقال الحافظ ابن حجر في " القول المسدد " ص (37-38) الحديث (3) مُتعقباً على ابن الجوزي وابن حبان : وهذا الحديث أخرجه مسلم في " صحيحه " عن جماعة من مشايخه عن أبي عامر العقدي بهذا .. ثم قال الحافظ : ولم أقف في كتاب الموضوعات لابن الجوزي على شيء حكم عليه بالوضع وهو في أحد الصحيحين غير هذا الحديث ، وأنها لغفلة شديدة منه .(1/156)
( 41 ) موضوع ؛ من أجل الزيادة ، رواه ابن الجوزي في الموضوعات ( 542) (ج2 / ص5) وقال " هذا الاستثناء موضوع ، وضعه محمد بن سعيد ، لما يدعو إليه من الإلحاد ، شهد عليه بأنه وضعه جماعة من الأئمة .. قتله المنصور في الزندقة وصلبه .
قال سيفان الثوري ، وأحمد بن حنبل : كان محمد بنسعيد كذاباً ، وفي رواية عن أحمد : أنه قال : قتله أبو جعفر في الزندقة ، وحديثه موضوع .
واخرجه الحوزقاني في " الأباطيل " ( 1/120-121) ، وقال : هذا استثناء موضوع باطل، لا أصل له من حديث أنس ولا حميد ، وإنما هو من موضوعات محمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة .
( 42 ) سورة الأحزاب آية : 40 .
( 43 ) أخرجه أبو داود (4252) من حديث ثوبان ، في الفتن : باب ذكر الفتن ودلائلها ، والترمذي (2203 ، 2220 ، 2230 ) في الفتن : باب (32) ، وباب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون ، وكلاهما من حديث طويل .
( 44 ) حمل ابن عبد البر معناه - على فرض صحته - على الرؤيا الصالحة ؛ لأنها جزء من النبوة . انظر : " التمهيد " (1/314) ، (5/55) .
( 45 ) أخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1455) ( 3/229) في الزينة : باب النهي عن الخضاب بالسواد ، وقال : " هذا حديث لا يصح عن رسول الله ( ،ـ والمهتم به عبد الكريم بن أبي المخارق .. إلخ " أ هـ .
وتعقبه الذهبي في " تلخيص الموضوعات " ص ( 267) رقم ( 712) بقوله : ( ما هو ابن أبي المخارق ، والحديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله )) أ هـ .
وقال الحافظ ابن حجر في " القول المسدد " ص 48 رقم (9 ) : " أخطأ ابن الجوزي ، فإن عبد الكريم الذي هو في الإسناد هو ابن مالك الجوزي الثقة المخرج له في الصحيح ".(1/157)
وقال ابن عراق في " التنزية " (2/275) : " وسبق الحافظ ابن حجر إلى تخطئة ابن الجوزي في هذا الحديث الحافظ العلائي ، فذكر نحو ما مر لابن حجر ثم قال : العلائي : ولو سلم أنه ابن أبي المخارق فقد روى عن الإمام أحمد ولا يروي إلا عن ثقة عنده ، وأخرج له البخاري تعليقاً ، ومسلم في المتابعات ،ولا يجوز أن يُحكم على ما انفرد به بالوضع أ هـ . =
= وقد أخرج هذا الحديث أحمد ( 1/273) ، وأبو داود (4212 ) في الترجل : باب ما جاء في خضاب السواد ، والنسائي ( 5075) ( 8/138) في الزينة :باب ( 15) ، الحاكم ، وابن حبان ، والبيهقي (7/311) في " السنن " وفي " الشعب " (6414) ، فالحديث صحيح ، وانظر : الأجوبة عن أحاديث المصابيح " المشكاة " (3/1783) .
( 46 ) ذكره مسلم في المقدمة ( 1/6) ، وقد وصله أبو داود (4842) ، وقال : ميمون لم يدرك عائشة .
( 47 ) أخرجه مسلم (5)مرسلاً ومتصلاً ، والأكثر على إرسالة ،وهو ما رجحه الدارقطني .
( 48 ) انظر : هدي الساري ص ( 364 )
( 49 ) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (18/74) ، والباعث الحثيث تحقيق أحمد شاكر ص ( 29) وغيرهما .
( 50 ) أخرجه مسلم (891) - ( 14) من طريق عبيد الله بن عتبة بن مسعود : أن عمر بن الخطاب سأل ابا واقد .. وأخرجه (891) - ( 15) من طريق عبيد الله عن أبي واقد الليثي قال : سألني عمر قال النووي : الرواية الأولى مرسلة ،لأن عبيد الله لم يدرك عمر ، ولكن الحديث صحيح بلا شك متصل من الرواية الثانية ، فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف ، فلا عتب على مسلم حينئذ في روايته ، فإنه صحيح متصل ، والله أعلم .
( 51 ) طبعت عدة طبعات ،وهناك أيضاً رسالة : " الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف " لولي الله أحمد بان عبد الرحيم الدهلوي .(1/158)
( 52 ) نعم هو نفسه ، وقد ذكر الذهبي في ترجمته من النبلاء (17/33) من تصانيفه هذين الكتابين وابن منده هذا : هو أبو عبد الله محمد ابن المحدث أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده .
( 53 ) الكرامية : هي فرقة تنسب إلى محمد بن كرام بن عراق ، يتخلص مذهبهم في التشبيه والتجسيم ، وأن الله أحدي الذات ، أحدي الجوهر ، فشاركتهم النصارى في وصفه بالجوهر ، وشاركهم اليهود في وصف الله بأنه جسم .
انظر : الملل والنحل الواردة في كتاب الأنساب للسمعاني ، جمع وترتيب عبدالله البراك ، ص 60.
( 54 ) انظر : السلسلة الصحيحة رقم (1750) ،والمشكاة رقم (6082) .
( 55 ) انظر : فتح المغيث للسخاوي ( 4/41) .
( 56 ) أخرجه أبو داود (4920) ، والترمذي (1994) ، وأحمد (2/160) ، والحاكم (4/159) ،وغيرهم .
( 57 ) أخرجه أبو داود (2421) ، والترمذي (744) ، وابن ماجة (1726) ، وأحمد (6/368) ، والدارمي (2/19) ، وابن خزيمة (2164) ، والحاكم (1/435) ، والبيهقي (4/302) .
( 58 ) أخرجه مسلم (1144) عن أبي هريرة .
( 59 ) أخرجه البخاري (1975) ، ومسلم (1159) .
( 60 ) أخرجه البخاري ( 1970) ، ومسلم (1156-1176) .
( 61 ) أخرجه مسلم ( 1162 ) عن أبي قتادة .
( 62 ) جزء من الحديث المتقدم ، وصوم التاسع عند مسلم ( 1134) عن ابن عباس .
( 63 ) جزء من الحديث المتقدم .
( 64 ) أخرجه مسلم ( 1163 ) عن أبي هريرة .
( 65 ) أخرجه ابن ماجه (1728) ، وهو في سنن الترمذي (758 ) .
( 66 ) تقدم تخريجه .
( 67 ) انظر : سسن النسائي ( 1/20 ) .
( 68 ) انظر : سنن النسائي (3/116) .
( 69 ) انظر : سنن النسائي ( 7/27 ) ، ( 8/59 ) .
( 70 ) انظر : سنن النسائي ( 5/150 )
( 71 ) انظر : سنن النسائي ( 3/61 ) .
( 72 ) انظر : سنن النسائي ( 8/88 ) .
( 73 ) انظر : سنن النسائي ( 8/320 ) .
( 74 ) انظر : سنن النسائي ( 8/128 ) .(1/159)
( 75 ) وقد ظهر الآن أضخم موسوعة حديثية في الحاسب الآلي ، بها ( 120) كتاباً تحوي (360) مجلداً و ( 250.000 رواية ) و ( 150.000 ) ترجمة ، فهو موسوعة شاملة للحديث النبوي متناً وسنداً وترجمة لرواته .
( 76 ) انظر : سير أعلام النبلاء ( 17/175 ) .
( 77 ) وهو محقق كتاب " الجعديات " لأبي القاسم البغوي .
( 78 ) رواه مسلم في المقدمة ( 1/62 ) ، والترمذي في العلم رقم ( 262 ) .
( 79 ) رواه أبو داود رقم ( 491) في الأدب ، والترمذي رقم (1924) في البر والصلة ، ورواه كذلك الإمام أحمد ( 2/160 ) .
( 80 ) حسن أخرجه أحمد ( 5/438) ، أبو داود [ 1474] ، والترمذي [3627] ،وابن ماجة [3865] ، وابن حبان [ 868 - موارد ] ، والحاكم [ 1/479] ، والبغوي في " شرح السنة " [ 1385 ] ، القضاعي في " مسند الشهاب " برقم [ 1110-1111 [ ، من حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " [11/143] ، " سنده جيد " . أ هـ .
( 81 ) ميزان الاعتدال ( 1 / 4 )
( 82 ) راجع كتاب " طرق تخريج الحديث " للشيخ سعد آل حميد " حفظه الله " .
( 83 ) جزء من حديث قدسي رواه مسلم ( 2577) من حديث أبي ذر رضي الله عنه .
( 84 ) رواه الترمذي رقم ( 586) ، وقال : حسن غريب ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6346) ، للحديث شواهد كثيرة منها : عن أبي أمامة عند الطبراني وقال الحافظ المنذري وإسناده جيد .و عن ابن عمر عن الطبراني في الأوسط ، وعن أبي أمامة أيضاً وعتبه بن عبد عند الطبراني كذلك ، قال المنذري : وللحديث شواهد كثيرة أنظرها في الترغيب والترهيب للمنذري (1/294) ، وما بعدها ، وصحيح الترغيب والترهيب (1/260) وما بعدها .
( 85 ) رواه الترمذي رقم ( 2317 ، 2318 ) في الزهد ، ورواه ابن ماجه رقم (3796 ) في الفتن ، وغيرها ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم ( 5911) .
??
??
??
??
16(1/160)