جزء في علوم الحديث في بيان المتصل والموقوف والمنقطع
تصنيف
أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني المقرئ
ت 444 هـ(1/43)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال: أَخْبَرنَا الشيخ الفقيه المقرئ المحدث أبو علي مَنْصُور بن خميس بن مُحَمَّد بن إبراهيم اللخمي المري قال: أَخْبَرنَا الشيخ الصالح الفقيه المقرئ المحدث العلامة النسابة أبو عبد الله مُحَمَّد بن سليمان بن يحيى القيسي ثم البونتي والفقيه أبو عمرو الخضر بن عبد الرحمن بن سعيد القيسي والشيخ الصالح المقرئ أبو الحَسَن علي بن مُحَمَّد بن هذيل(1/45)
قالوا جميعا: حَدَّثَنا أبو داود سليمان بن أبي القاسم مولى المؤيد بالله أمير المؤمنين هشام، قال: حَدَّثَنا أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ رضي الله عنه قال:(1/46)
أما بعد:
1- فإنكم سألتموني أحسن الله توفيقكم أن أعرفكم بطريق نقل الآثار وكيفية المسند المتصل منها والمرسل الذي ليس بمتصل والموقوف والمنقطع لتقفوا على حقيقة ما يرد من ذلك في الموطآت وفي سائر المصنفات فأسرعت في إجابتكم عما سألتمونيه وشرحت لكم الأنواع المذكورة التي بها ترد الآثار نوعا نوعا على حدة وجعلت لكل نوع منها مثالا يقاس عليه سائر أشكاله ويستدل به على نظائره وأمثاله وأضفت لكم إلى ذلك أحوال المدلسين من أصحاب الحديث الذين لا يميز من كتب عنهم ما سمعوه مما لم يسمعوه وقسمت طبقاتهم وبينت مذاهبهم واعتمدت في جميع ذلك على الاختصار وترك الإطناب والإكثار ليصل من رغب معرفة ذلك من طلبة الحديث ورواة الأخبار إلى حقيقته في يسر وينحفظ في قرب وبالله عزَّ وجلَّ نستعين وعليه نتوكل وهو حسبنا وإليه أنيب.(1/47)
1- باب ذكر بيان المسانيد من الآثار وتقسيمها
2- قال عثمان بن سعيد: المسند من الآثار الذي لا إشكال في اتصاله هو ما يرويه المحدث، عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها وكذلك شيخه، عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/48)
3- فالمتصل من رواية أهل الثقة هو مثل الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعا، ومثل الزهري، عن [ابن] المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا، ومثل مالك، عن نافع، عن ابن عُمَر مرفوعا، ومثل عُبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً، ومثل مَنْصُور بن المعتمر والأعمش، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مرفوعا وكذلك ما كان مثله فهو متصل مرفوع.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
4- حَدَّثَنا حمزة بن علي بن حمزة البغدادي، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن قهزاذ بن مهران السيرافي، قال: حَدَّثَنا أبو غسان مالك بن يحيى، قال: حَدَّثَنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، قال: حَدَّثَنا ابن عون، عن عامر، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحلال بين والحرام بين وإن بين ذلك أمورا متشابهات قال وربما قال أمورا متشابهة.(1/49)
5- قال أبو عمرو: فسماعي من حمزة ظاهر وسماعه من ابن قهزاذ ظاهر وكذلك سماع ابن قهزاذ من أبي غسان وكذلك سماع أبي غسان من عبد الوهاب وسماع عبد الوهاب من ابن عون وسماع ابن عون من الشعبي وسماع الشعبي من النعمان وسماع النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم.
6- وسمعت عبد الوهاب بن أَحْمَد بن الحُسَين بن منير بمصر يقول سمعت أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الأعرابي بمكة يقول سمعت أبا رفاعة يقول سمعت ابن عائشة يقول سمعت عبد الوهاب بن عبد المجيد(1/50)
يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول سمعت مُحَمَّد بن إبراهيم يقول سمعت علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما نوى.(1/51)
7- فهذا أيضا متصل مسند بين الاتصال لصحة سماع كل من ذكر فيه من شيخه الذي ذكره وهذا مثل ضربته لسائر ما يرد من المسند البين الاتصال.(1/53)
1- فصل
8- وإذا قال الصحابي كنا نفعل كذا وكنا نؤمر بكذا وأمرنا أن نفعل كذا ونهينا، عن كذا ومن السنة كذا ومن الفطرة كذا وكنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا كذا وكنا لا نرى بأسا بكذا وكان يقال كذا وكذا وشبه هذا إذا قاله الصحابي المشهور بالصحبة فهو حديث مسند متصل وجميع ذلك في مخرج المسانيد وإن لم يذكر الصحابي في شيء من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.(1/54)
ومثال ذلك ما
9- حَدَّثَناه مُحَمَّد بن عبد الله المري، قال: حَدَّثَنا وهب بن ميسرة الحجازي، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن وضاح، قال: حَدَّثَنا أبو بَكْر بن أبي شيبة، قال: حَدَّثَنا شاذان، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عُمَر، قال كنا نفاضل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه متوافرون فنقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبو بكر وعمر وعثمان ثم نسكت.(1/55)
10- وَحَدَّثَنا [أبو] إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّد بن سعدون المقرئ، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد المكي، قال: حَدَّثَنا علي بن عبد العزيز، قال: حَدَّثَنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك كنا نصلي العصر فيذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة.(1/56)
11- وَحَدَّثَنا علي بن مُحَمَّد المالكي، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن أبي هاشم، قال: حَدَّثَنا عيسى بن مسكين وأَحْمَد بن أبي سليمان قالا: حَدَّثَنا سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة قال خمس من الفطرة تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والاختتان.(1/57)
12- في نظائر لهذا كثيرة جعلت هذه الأحاديث مثالا لما يرد من ذلك وسواء قال ذلك الصحابي في حكايته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يقل فمحمله محمل المسند كما قلناه حتى يظهر بالنقل غير ذلك.(1/58)
2- فصل
13- وما قال فيه ناقلوه، حَدَّثَنا أو أَخْبَرنَا أو أَنْبَأنَا أو أعلمناه أو سمعناه قراءةً عليه أو قرأه علينا علينا فذلك كله متصل لا إشكال فيه.
14- قال أبو عمرو: ومن شرائط المسند ألا يكون في إسناده أخبرت عن فلان ولا حدثت عن فلان ولا بلغني عن فلان ولا رفعه فلان ولا أظنه مرفوعا وشبه هذا من الألفاظ التي ينفسد بها ويخرج عن حد المسند.(1/59)
3- فصل
15- وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها (عن) [عن] فهي أيضا مسندة متصلة بإجماع أهل النقل إذا عرف أن الناقل(1/61)
أدرك المنقول عنه إدراكا بينا ولم يكن ممن عرف بالتدليس وإن لم يذكر سماعا.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
16- حَدَّثَناه أَحْمَد بن عمر بن مُحَمَّد القاضي بالجيزة، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مسعود الزبيري، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حَدَّثَنا ابن وهب قال أَخْبَرَنِي عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه(1/62)
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى أعرف ذلك فيه ويفطر حتى أقول ما هو بصائم وكان أكثر صيامه في شعبان.
17- فهذا مسند ولم يذكر فيه سماع لأن رواته مدنيون وليس من مذهبهم التدليس وكذلك سائر ما يرد من الأخبار عن أهل الحجاز وأهل(1/63)
البصرة والشام ومصر لأنهم لا يدلسون.(1/64)
4- فصل
18- وإذا قال الناقل عن الذي ينقل عنه قال كذا، أو فعل كذا وشبهه من اللفظ ولم يقل حدثني ولا سمعته يقول وكان معروفا بالرواية عنه سالما من التدليس فهو أيضا مسند متصل بالمنقول عنه.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
19- حدثناه عَبْد الرَّحْمن بن عمر بن محمد المعدل إملاء في منزله بمصر، قال: حَدَّثَنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حَدَّثَنا علي بن عبد العزيز، قال: حَدَّثَنا أحمد بن يونس، قال: حَدَّثَنا زهير، قال: حَدَّثَنا أبو الزبير قال: سمعت نافعا يقول قال ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر من أتى الجمعة فليغتسل.(1/65)
وَمِثَالُ ذَلِكَ أيضًا مَا:
20- حدثناه إبراهيم بن سعدون الزاهد، قال: حَدَّثَنا أحمد بن محمد، قال: حَدَّثَنا علي، قال: حَدَّثَنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصَّلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير.. إلى آخره.(1/66)
21- محمله محمل المتصل لاستيقان صحبة ابن شهاب لعروة مع سلامته من التدليس.
22- وكذا قول عروة في الحديث نفسه كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث، عن أبيه لاستيقان إدراك عروة من هو أكبر من بشير.
23- وكذا ما روى مالك، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع إن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى.(1/68)
محمله محمل المسند أيضا لأن محمودا عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل مجة مجها من بئر في وجهه.
24- قال أبو عمرو: وكذا سائر ما يرد من مثل هذا هو متصل بالمنقول عنه إلا أن يجيء، عن الناقل ما يبين أنه لم يسمعه من المنقول عنه وذلك مثل أن يقول الناقل بلغني أو سمعت أن فلانا قال كذا وانتهى ذلك إلينا وشبهه من الألفاظ فذلك غير متصل لأنه ليس في(1/69)
مقام من قال حدثني من لم يسمه لأن هذا قد بين أن ناقلا نقله إليه يسميه ويعينه، عن المنقول عنه وذلك الآخر أهمل القول.(1/70)
5- فصل
25- وإذا ذكر التابعي ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصف قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وسمى الصحابي بما كان منه فليس ذلك من البين الاتصال حتى تكون حكايته لذلك، عن قول الصحابي.(1/71)
26- وذلك مثل أن تقول عمرة بنت عبد الرحمن كان من النبي صلى الله عليه وسلم في أمر كذا كذا فقالت له عائشة رضي الله عنها كذا فليس في هذا ما يرفعه ويوصله على أنه قد يخرج مثل هذا في المسند من يقصد إلى ذكر اختلاف اللفظ في الحديث الواحد واضطراب الناقلين له فيذكره على سبيل التنبيه على الخلاف فيه.
27- فأما إن قالت عمرة: قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم في كذا أو سئل عن كذا فقال فيه كذا فهو متصل وإن لم تقل عمرة حَدَّثَتني(1/72)
عائشة وكذلك ما أشبهه وهذا على ما قررناه إذا كان الناقل ممن أدرك المنقول عنه.(1/73)
6- فصل
28- وقد يحكي الصحابي قولا لا يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسميه بل يوقفه على نفسه فيخرجه أهل الحديث في المسند المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم لامتناع ذلك من أن يكون الصحابي يقوله رأيا دون التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
29- حَدَّثَناه أبو بَكْر عبد الرحمن بن أحمد المعدل، قال: حَدَّثَنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عمر بن لبابة، قال: حَدَّثَنا يحيى بن إبراهيم بن مزين، قال: حَدَّثَنا مطرف بن عبد الله، عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم(1/74)
عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أنه قال: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة سنة.(1/75)
وَمِثَالُ ذَلِكَ أيضًا مَا:
30- حَدَّثَناه عبيد الله بن سلمة بن حزم المكتب، قال: حَدَّثَنا عمر بن مُحَمَّد المقرئ، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن الحَسَن الفارسي يعرف بالممتع، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إسماعيل يعرف بالسوطي، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن إشكاب، قال: حَدَّثَنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر، قال: حَدَّثَنا حمزة بن حبيب الزيات، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خير بني آدم خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومُحَمَّد عليهم السلام وخيرهم مُحَمَّد.(1/77)
31- قال أبو عمرو: هذان الحديثان وشبههما لا يجوز أن يقالا بالرأي والاستنباط إنما يقال مثل هذا على التوقيف فلذلك دخل في جملة المسند لأن الصحابي لا يقول من رأيه.(1/79)
7- فصل
32- فأما من لا يعرف أنه أدرك من يحدث عنه فذلك لا يتحمل اتصال حديثه بل يطلق عليه الإرسال.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
33- حَدَّثَناه إبراهيم بن سعدون المقرئ، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد المكي، قال: حَدَّثَنا علي بن عبد العزيز، قال: حَدَّثَنا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عَطَاء بن يسار، عن الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(1/80)
إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان...الحديث.(1/81)
34- وكذلك قوله إذا توضأ العبد المؤمن... وشبه ذلك إذا ورد عمن لا تعرف له صحبة فلا يصح دروكه من يروي عنه.
35- قال أبو عمرو: فهذا معرفة المسند من الآثار مفسرا بجميع أنواعه وضروبه وأقسامه وبالله التوفيق.(1/82)
2- باب ذكر بيان المرسل من الآثار وتفصيله
36- قال عثمان بن سعيد: والمرسل من الحديث ما يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
37- وكذلك سبيل ما أرسله أتباع التابعين ومن دونهم من العلماء عند عامة الكوفيين وخولفوا في ذلك ومذهب علي بن المديني وجماعة إليه أن ما أرسله أتباع التابعين ومن دونهم نحو ابن وهب، عن مسلمة بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وشبه ذلك فهو يسمى معضلا.(1/83)
38- وهذا الضرب الذي ذكرناه من المرسل قل ما يتعذر معرفته على الطالبين وهو مثل الزهري، عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
ومثل: الأعمش، ومنصور، عن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
وكذلك يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
وكذلك قول الحَسَن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:وشبه ذلك من الأسانيد التي لا يسمي فيها التابعي الصحابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
39- حَدَّثَناه إبراهيم بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنا علي بن عبد العزيز، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عَطَاء بن يسار، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن شدة(1/84)
الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا، عن الصلاة. الحديث في نظائر لهذا كثيرة يرسلها التابعون.
ومن ذَلِكَ أيضا مَا:
40- حَدَّثَناه أَحْمَد بن مُحَمَّد بن بدر القاضي بالفسطاط، قال: حَدَّثَنا الحُسَين بن مُحَمَّد بن داود يعرف بمأمون، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن هشام، قال: حَدَّثَنا الفضل بن العلاء، قال: حَدَّثَنا طلحة بن عمرو، عن عَطَاء، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه مضطجعا.... الحديث فأرسله عطاء، عن عمر لأنه لم يدركه.
41- وكذلك سائر ما يرد من مثل هذا مما يعلم أن الناقل لم يلق(1/85)
المنقول عنه ولا لحقه من طريق سنه أو مشاهدته وشبه ذلك من الوجوه التي يرتفع بها سماعه منه.(1/86)
8- فصل
42- ومن المرسل ضرب صعب تتعذر معرفته إلا على من تبحر في الحديث وكثر وعرف طرق النقل وميزها لكون ظاهر ذلك مسنداً.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
43- حَدَّثَناه خلف بن إبراهيم بن مُحَمَّد المقرئ، قال: حَدَّثَنا عبد الواحد بن أَحْمَد بن أبي الخصيب، قال: حَدَّثَنا الحَسَن بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حَدَّثَنا عبد الرزاق، عن معمر، عن مُحَمَّد بن واسع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقال نادما أقاله الله نفسه يوم القيامة، ومن كشف عن مسلم كربة كشف الله عنه كربة من كرب الآخرة يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.(1/87)
44- قال أبو عَمْرو: هذا إسناد من نظر إليه من غير أهل صناعة الحديث لم يشك في سنده باتصاله وليس كذلك بل هو مرسل في موضوعين:
لأن معمر بن راشد على ثقته وإمامته لم يسمع من مُحَمَّد بن واسع شيئا.
ومحمد بن واسع أيضا على جلالته وعدالته لم يسمع من أبي صالح شيئا.
فبين كل واحد منهما فيه رجل.
45- وهذا مثل ضربته لأعداد كثيرة ترد من الآثار ولا يميزها إلا(1/88)
أهل الصنعة المخصوصون بمعرفة ذلك(1/89)
9- فصل
46- وأكثر من تروى عنه المراسل من أهل المدينة سعيد بن المسيب ومن أهل مكة عَطَاء بن أبي رَبَاح ومن أهل الكوفة إبراهيم بن يَزِيد النخعي ومن أهل البصرة الحَسَن بن أبي الحَسَن البصري ومن أهل الشام مكحول الدمشقي ومن أهل مصر سعيد بن أبي هلال وقد ترد مراسل كثيرة، عن غير هؤلاء من التابعين.
47- وأصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب لأنه من أولاد الصحابة وأبوه من أصحاب الشجرة وقد أدرك سعيد عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وسائر العشرة وليس في التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم.(1/90)
ومع هذا فإنه فقيه أهل الحجاز ومفتيهم، وأول الفقهاء السبعة الذين يعد مالك بن أنس إجماعهم إجماع كافة الناس.
وهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وبعضهم يجعل سالم بن عبد الله مكان أبي(1/91)
سلمة.
وأيضا فقد تأمل العلماء مراسيله، فوجدوها بأسانيد(1/92)
صحيحة، وهذه الشرائط لا توجد في مراسيل غيره.(1/93)
3- باب ذكر بيان الموقوف من الآثار وأنواعه
48- قال عثمان بن سعيد وهذا باب منه جلي لا يخفى على الطالبين ومنه خفي لا يعرفه إلا أهل الصنعة.
49- فأما الجلي من ذلك فما ورد من الآثار موقوفة على الصحابة لا يجاوزون بها وذلك مثل أن يروى الحديث مسنداً إلى الصحابي من غير إرسال، فإذا بلغ الصحابي قال إنه كان يقول كذا وكذا وكان يفعل كذا وكذا وكان يأمر بكذا وكذا وشبه ذلك من اللفظ. ومثل ذلك نحو الزهري، عن سالم، عن أبيه موقوفاً، ونحو ذلك، وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال، ونحو زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر موقوفاً، ونحو الأعمش، عن مَنْصُور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله موقوفاً، وشبه ذلك مما هو موقوف على الصحابة.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
50- حَدَّثَناه مُحَمَّد بن أَحْمَد بن علي البغدادي، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن(1/94)
موسى، قال: حَدَّثَنا العباس بن مُحَمَّد الدوري، قال: حَدَّثَنا أبو يحيى الحماني، قال: حَدَّثَنا الأعمش، عن حبيب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله بن مسعود قال اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.(1/95)
51- وهذا مثل لسائر ما يرد من نحوه موقوفا على الصحابة.(1/96)
10- فصل
52- وأما الخفي من الموقوفات مثاله ما:
53- أَخْبَرنَاه عبد الملك بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله الحافظ، قال: حَدَّثَنا الزبير بن عبد الواحد، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن أحمد الزيبقي، قال: حَدَّثَنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حَدَّثَنا الأصمعي، قال: حَدَّثَنا كيسان مولى هشام بن حسان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير.(1/97)
54- فهذا ربما تأمله من ليس من أهل الحديث فظن أنه مسند لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك إنما هو موقوف على صحابي حكى(1/98)
عن أقرانه من الصحابة فعلا وليس يسنده واحد منهم وكذلك سبيل ما يرد من مثل ذلك، عن الصحابة.(1/99)
11- فصل
55- ومن الموقوفات أيضا ما:
56- حَدَّثَناه أَحْمَد بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنا سعيد بن عبد الرحمن، قال: حَدَّثَنا ابن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} قال الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
57- وهذا وما أشبهه من الموقوفات يعد في تفسير الصحابة.(1/100)
58- وقد يرد عنهم تفسير يعد في المسند دون الموقوف.(1/101)
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
59- حَدَّثَناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الفرائضي، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن صالح ببغداد، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن عمير، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حَدَّثَنا أبو بَكْر بن أبي أويس قال: سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عُمَر أن رجلا أتى امرأة من دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله عز وجل {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
60- قال أبو عمرو: فهذا وما أشبهه مسند غير موقوف لأن الصحابي المشاهد للوحي والتنزيل أخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فهذا حديث مسند كما قد بيناه في المسند قبل.(1/102)
12- فصل
61- ومن الموقوف ما يرسل قبل الوصول إلى الصحابي ومعرفة ذلك من أصعب ما في هذا الباب.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
62- حَدَّثَناه مُحَمَّد بن عبد الله الفقيه، قال: حَدَّثَنا وهب بن مسرة، قال: حَدَّثَنا ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن حَمَّاد بن زَيْد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.(1/103)
63- فهذا موقوف على ابن مسعود ومرسل قبل التوقيف لأن إبراهيم لم يدركه.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
64- أَخْبَرنَاه عبد الملك بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن يعقوب، قال: حَدَّثَنا بحر بن نصر، قال: حَدَّثَنا ابن وهب قال: أخبرني مُحَمَّد بن عمرو، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى(1/104)
قال: قال جابر بن عبد الله إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من المحارم ولسانك من الكذب ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.(1/105)
65- فهذا الحديث يتوهمه من ليس الحديث من صناعته أنه موقوف على جابر فقط وهو موقوف ومرسل قبل التوقيف لأن سليمان بن موسى الأشدق لم يسمع من جابر ولم يره بينهما عَطَاء بن أبي رَبَاح في نظائر لهذا كثيرة لا يعرفها إلا أهل التمييز من أصحاب الحديث.
66- قال أبو عَمْرو: ومُحَمَّد بن عمرو الذي روى عنه ابن وهب ليس بابن علقمة المدني لأنه لم يلقه ولا روى أيضا، عن ابن جريج وهو رجل آخر يعرف باليافعي شيخ من أهل مصر مشهور.(1/106)
13- فصل
67- ومن الموقوفات أيضا ما هي مسندة في الأصل إلا أن بعض الرواة يقصر بها فلا يسندها ويوقفها على الصحابي ويسندها غيره فتعد في جملة المسند ولا يعرف ذلك إلا الفرسان من حفاظ الحديث.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
68- أَخْبَرنَاه أَحْمَد بن فراس، قال: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن عبد الله بن مُحَمَّد المقرئ قال: حدثني جدي، قال: حَدَّثَنا سفيان بن عيينة، عن مَنْصُور، عن ربعي بن حراش، عن أبي مسعود قال فيما حفظ من كلام النبوة إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.(1/107)
69- فهذا الحديث قصر به ابن عيينة، عن مَنْصُور وتابعه روح بن القاسم عنه على ذلك فأوقفاه وأسنده الثوري(1/108)
وشعبة وغيرهما، عن مَنْصُور.(1/109)
70- فحدثنا سلمون بن داود بن سلمون القروي بها، قال: حَدَّثَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عبد الله الشافعي ببغداد، قال: حَدَّثَنا موسى بن سهل، قال: حَدَّثَنا روح بن عبادة، قال: حَدَّثَنا شعبة والثوري قالا، حَدَّثَنا مَنْصُور، عن ربعي قال: سمعت أبا مسعود عقبة بن عمرو البدري يقول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما أدركنا من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فافعل ما شئت.
71- وَحَدَّثَنا حمزة بن علي البغدادي، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن القاسم بن أبي خلاد، قال: حَدَّثَنا أبو خليفة، قال: حَدَّثَنا القعنبي، قال: حَدَّثَنا شعبة، عن مَنْصُور، عن ربعي، عن أبي مسعود البدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك(1/110)
الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.(1/111)
72- وهذا مثل لأعداد من الحديث ترد على نحو هذا.(1/112)
4- باب ذكر المقطوع من الآثار وتمثيله
73- قال عثمان بن سعيد والمنقطع من الأسانيد هو غير المرسل وهو ما يرد من قول التابعين وذلك مثل الزهري، عن سعيد أنه قال.(1/113)
ومثل الزهري وهشام بن عروة، عن عروة، أنه قال.
ومثل الأعمش، ومَنْصُور، عن إبراهيم، أنه قال.
وعن الحَسَن، أنه قال وشبه ذلك مما يقوله التابعي.
74- ومن المنقطع أيضاً نوعان خفيان قل ما يوجد في الحفاظ للسنن من يميزهما.(1/114)
فالنوع الأول: مثاله ما:
75- حَدَّثَناه مُحَمَّد بن عبد الله المالكي، قال: حَدَّثَنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنا سلم بن عبد العزيز، عن يونس، عن ابن وهب.
قال: وأَخْبَرَنِي مسملة بن علي، عن عبد الرحمن بن زيد قال: حدثني رجل، عن النواس بن سمعان الكتاني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع ربك، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه.(1/118)
76- وأَخْبَرنَا أبو مُحَمَّد الصقلي، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله، قال: حَدَّثَنا عثمان بن السماك، قال: حَدَّثَنا أيوب بن سليمان، قال: حَدَّثَنا أبو روح عبد العزيز بن موسى اللاحوني، قال: حَدَّثَنا هلال بن حق، عن الجريري، عن أبي العلاء وهو ابن الشخير، عن رجلين من بني حنظلة، عن شداد بن أوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أحدنا أن يقول في الصلاة اللهم إني أسألك التثبت في الأمور وعزيمة الرشد وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأستغفرك لما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأسألك من خير ما تعلم.(1/121)
77- فهذا وشبهه منقطع لجهالة الرجل الذي بين عبد الرحمن وبين النواس والرجلين اللذين بين أبي العلاء وشداد.(1/124)
14- فصل
78- وقد يرد الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع وذلك إذا قصر بعض الرواة عن تسمية وسماه غير وذلك مثل ما:
79- حَدَّثَناه عبد الرحمن بن عثمان بن عفان، قال: حَدَّثَنا قاسم بن أصبغ، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن زهير، قال: حَدَّثَنا مسلم بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنا سلام بن مسكين، قال: حَدَّثَنا قتادة، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إن سورة من القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتى أدخلته الجنة.(1/125)
لم يسم الرجل سلام عن قتادة، وسماه شعبة عنه.
80- فحدثنا ابن عفان، قال: حَدَّثَنا قاسم، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن [أبي] خيثمة، قال: حَدَّثَنا أبي، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سعيد، قال: حَدَّثَنا شعبة قال: حدثني قتادة... الحديث.(1/126)
فالرجل الذي لم يسمه سلام هو عباس الجشمي فصار الحديث مسنداً.
81- وهذا النوع من المنقطع في الظاهر لا يعرفه إلا الحافظ الفهم المتبحر في الصنعة الكثير الرواية.(1/127)
15- فصل
82- والنوع الثاني من المنقطع هو أن يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروي عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي الذي هو موضع الإرسال فلا يقال لهذا النوع من الحديث مرسل إنما يقال له منقطع.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا:
83- أَخْبَرنَا به عبد الملك بن الحَسَن الصقلي في الإجازة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله النيسابوريّ الحافظ، قال: حَدَّثَنا أبو النضر مُحَمَّد بن يوسف الفقيه، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدثني مُحَمَّد بن سهل، قال: حَدَّثَنا عبد الرزاق قال ذكر الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم وإن وليتموها عليا فهاد مهدي يقيمكم على طريق مستقيم.(1/128)
84- قال أبو عَمْرو: وهذا إسناد لم يتأمله متأمل إلا شهد له بالاتصال والسند لأن سماع عبد الرزاق من الثوري مشهور واشتهاره به معروف، وكذا سماع الثوري من أبي إسحاق واشتهاره به أيضا مشهور معروف، وفيه انقطاع في موضوعين وذلك أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجندي، عن سفيان(1/129)
وسفيان أيضا لم يسمعه من أبي إسحاق وإنما سمعه من شريك، عن أبي إسحاق.(1/130)
85- وكذلك كل راو مشهور بالرواية، عن إمام من الأئمة معروف به إذا ورد عنه مثل هذا مفسرا سبيله سبيل هذا الخبر في تسميته منقطعا.(1/131)
وهذا من أدق أنواع هذا العلم إذ لا يعرفه إلا المميز الماهر الجامع لطرق الحديث وبالله التوفيق.(1/132)
5- باب ذكر أحوال المدلسين من أصحاب الحديث وتقسيم طبقاتهم وشرح مذاهبهم
86- حَدَّثَنا عبد الوهاب بن أَحْمَد بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنا ابن الأعرابي(1/133)
, قال: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن مرزوق البدوري، قال: حَدَّثَنا أبو نعيم قال: سمعت شعبة يقول لأن أزني أحب إلي من أدلس.(1/134)
87- أَخْبَرنَا سلمون بن داود المقرئ، قال: حَدَّثَنا أبو علي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الصواف، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حَدَّثَنا روح بن عبد المؤمن قال: سمعت يَزِيد بن زريع يقول لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أدلس.
88- حَدَّثَنا ابن عفان، قال: حَدَّثَنا قاسم بن أصبغ، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن أبي خيثمة، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد الصفار قال: سمعت يَزِيد بن زريع وسئل، عن التدليس فقال التدليس كذبة.(1/135)
ضروب التدليس ومراتب المدلسين
قال أبو عَمْرو: والتدليس في الحديث يرد على ستة أضرب.
89- فالضرب الأول أن يدلس الراوي، عن الأثبات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه غير أنهم لم يخرجوا من جملة من يقبل خبره ويحتج بنقله.(1/136)
فمنهم من التابعين أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة وغيرهما.
90- والضرب الثاني قوم يدلسون الحديث عمن سمعوا منه وشاهدوه فيقولون قال فلان كذا ولم يسمعوا منه، فإذا وقع إليهم مميز لما سمعوا مما لم يسمعوا أو سئلوا أو وقفوا على سماعهم وروجعوا في ذلك ذكروا فيه سماعاتهم وكشفوا عن ذلك(1/137)
91- أَخْبَرَنِي أبو مُحَمَّد عبد الملك بن الحَسَن في الإجازة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله الناقد قال: أخبرني مُحَمَّد بن أحمد الذهلي، قال: حَدَّثَنا إبراهيم بن مُحَمَّد السكري، قال: حَدَّثَنا علي بن خشرم قال: قال لنا ابن عيينة الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري؟ قال: لا ولا ممن سمعه من الزهري، حَدَّثَنِي عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.
92- حَدَّثَنا عبد الوهاب بن أَحْمَد بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد الأعرابي، قال: حَدَّثَنا أبو رفاعة عبد الله بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنا إبراهيم بن بشار، قال: حَدَّثَنا سفيان، عن عَمْرو بن دينار، عن الحسن بن مُحَمَّد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم....، وذكر حديثا فقال له رجل يا أبا مُحَمَّد سماعا من(1/138)
عمرو قال لا تفسدون قال سماعا من عمرو قال ابن جُرَيْج، عن عمرو قال يا أبا مُحَمَّد سماعا من ابن جُرَيْج قال: أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج قال يا أبا مُحَمَّد سماعا من أبي عاصم قال قد أفسدته حدثنيه علي بن المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج.
93- أَخْبَرَنِي سلمة بن سعيد الإمام فيما أذن لي في روايته، قال: حَدَّثَنا منذر بن عطاف، قال: حَدَّثَنا أبو عبد الله مُحَمَّد بن قاسم، قال: حَدَّثَنا أبو جعفر(1/139)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خيرون القروي قال: حدثنا أبو جعفر مُحَمَّد بن الحُسَين البغدادي قال: سمعت أبا عبد الله بن حنبل يقول قدمنا إلى مكة إلى ابن عيينة وكان يحدث، عن الزهري في الموسم لاجتماع الناس فلما أن قعدنا إليه، قال: حَدَّثَنا الزهري، عن القاسم بن مُحَمَّد عَنْ عَائِشَةَ، فلما أن انقضى الحديث استأنف فقال الزهري، عن سالم، عن أبيه، فقام يحيى بن معين فقال سألتك بالله أبا مُحَمَّد من دون الزهري؟ فقال أوليس في الزهري من مقنع؟ قال بلى تمم قال اقعد فقعد فقال اكتبوا معمر، عن الزهري، فوثب يحيى بن معين فقال سألتك بالله يا أبا مُحَمَّد من دون معمر؟ قال أوليس في معمر من مقنع قال اقعد فقال اكتبوا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري فقام ابن معين فقال سألتك بالله أبا مُحَمَّد من دون ابن المبارك؟ فقال بعض أصحابنا اكتبوا لا بارك الله لكم. قال ابن حنبل فعلمت أنه أفهمنا.
94- قال أبو عَمْرو: وقد ثبت مثل هذا عن محمد بن إسحاق ويزيد بن أبي زياد وأبي إسحاق ومغيرة وهشيم بن بشير، ولقد روي أن(1/140)
جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يوما على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك فكان يقول في كل حديث يذكره: حَدَّثَنا حصين ومغيرة، عن إبراهيم فلما فرغ قال لهم هل دلست لكم اليوم فقالوا لا فقال لم أسمع من مغيرة حرفا واحدا مما ذكرته إنما قلت حَدَّثَنِي حصين ومغيرة غير مسموع لي.
95- أَخْبَرنَا ابن داود، حَدَّثَنا أبو علي بن الصواف، حَدَّثَنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت القواريري يقول كتب وكيع إلى هشيم(1/141)
إنك تفسد أحاديثك بهذه التي تدلسها قال فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم كان أستاذاك يفعلانه سفيان والأعمش.
96- والضرب الثالث قوم يدلسون، عن أقوام مجهولين لا يدري من هم ولا من أين هم.
فمنهم سفيان الثوري يروي، عن أبي همام السكوني وأبي مسكين(1/142)
وأبي خالد الطائي وغيرهم من المجهولين ممن لم يوقف حذاق المحدثين على أسمائهم غير أبي همام فيقال اسمه الوليد بن قيس والله أعلم.
ومنهم أيضا شعبة بن الحجاج يحدث أيضا، عن جماعة من المجهولين وكذلك بقية بن الوليد يحدث، عن جماعة لا يوقف على(1/143)
أسمائهم ولا عدالتهم حتى قال أحمد بن حنبل رحمه الله إذا حدث بقية عن المشهورين فروايته مقبولة، وإذا حدث عن المجهولين فغير مقبولة.(1/144)
97- والضرب الرابع: قوم يدلسون أحاديث رووها عن(1/145)
المجروحين فغيروا أسماءهم وكناهم لئلا يعرفوا
98- قال علي بن المديني: كل ما في كتاب ابن جُرَيْج أخبرت عن داود بن الحصين وأخبرت عن صالح مولى التوأمة فهو عن إبراهيم بن أبي يحيى.(1/146)
99- حَدَّثَنا عبد الرحمن بن عثمان الزاهد قال قاسم بن أصبغ قال أَحْمَد بن زهير قال وسمعت يحيى بن معين يقول حدثت من مات مريضا مات شهيدا رواه حجاج، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي عَطَاء، عن موسى بن وردان وإنما كان يكني ابن جُرَيْج فيقول ابن عطاء وإنما هو إبراهيم بن أبي يحيى.(1/147)
100- حَدَّثَنا خلف بن حمدان المالكي، حَدَّثَنا عثمان بن مُحَمَّد، حَدَّثَنا أَحْمَد بن شيبان، حَدَّثَنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن مُحَمَّد بن أبي عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتاني القبر وغدي وريح عليه برزقه من الجنة.(1/148)
101- أَخْبَرنَا عبد الوهاب بن منير، قال: حَدَّثَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد، حَدَّثَنا عباس الدوري، حَدَّثَنا يحيى بن معين قال إبراهيم بن أبي يحيى(1/149)
كذاب كان ابن جُرَيْج يقول يقول فيه إبراهيم بن أبي عطاء يكني عن اسمه وهو إبراهيم بن أبي يحيى كان رافضيا قدريا ليس بثقة.
102- أَخْبَرنَا عبد الرحمن بن عمر بن مُحَمَّد المعدل، حَدَّثَنا عمر بن مُحَمَّد بن سليمان العطار، حَدَّثَنا أبو عبد الملك أَحْمَد بن إبراهيم القرشي، حَدَّثَنا أبو زرعة الرازي، حَدَّثَنا ابن نمير، حَدَّثَنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت الكلبي يقول قال لي عطية قد كنيتك بأبي سعيد، فإذا قلت، حَدَّثَنا أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/150)
103- قال أبو عَمْرو: وقد كان الثوري يحدث عن إبراهيم بن هراسة فيقول: حَدَّثَنا [أبو] إسحاق.(1/152)
104- قال سليمان الشاذكوني من أراد التدين بالحديث فلا يأخذ عن الأعمش ولا عن قتادة إلا ما قالا سمعناه.
105- والضرب الخامس: قوم يدلسون، عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه.(1/153)
106- قال علي بن المديني: ربما كان سفيان بن عيينة إذا أراد أن يدلس يقول عشرة، عن زبيد منهم مالك بن مغول، عن مرة، عن عبد الله: إن الله قسم بينكم أخلاقكم.
107- قال علي: وكان زهير وإسرائل يقولان، عن أبي إسحاق أنه كان يقول ليس أبو عبيدة، حَدَّثَنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه(1/154)
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة.(1/155)
108- قال سليمان بن الشاذكوني: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى قال أبو عبيدة لم يحدثني ولكن عبد الرحمن، عن فلان، عن فلان ولم يقل حَدَّثَنِي فجاز الحديث وسار.
109- والضرب السادس قوم يروون عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم إنما قالوا [قال] فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم [عنهم] سماع عال ولا نازل.(1/157)
110- أَخْبَرَنِي عبد الملك بن الحَسَن في الإجازة، حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عبد الله، حَدَّثَنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان، حَدَّثَنا إبراهيم بن نصر، حَدَّثَنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثني صاحب لي من أهل الري يقال له أشرس قال قدم علينا محمد بن إسحاق وكان يحدثنا، عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق بن راشد فجعل يقول، حَدَّثَنا الزهري وَأَخْبَرنا الزهري قال فقلت له أين لقيت ابن شهاب قال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له ثَمَّ.(1/158)
جمل كلية وضوابط مهمة في سماع بعض التابعين من الصحابة وعدمه
111- قال أبو عَمْرو: ولنذكر من هذا الضرب جملاً يعمل عليها إذا ورد فيها شيء.
112- فمن ذلك أن الحَسَن لم يسمع من أبي هريرة ولا من جابر ولا من ابن عمر ولا من ابن عباس قط.(1/159)
وكذلك الأعمش لم يسمع من أنس بن مالك إنما رآه بمكة.
وقد قال أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي إنه سمع منه حديثا واحدا.(1/160)
والثالث أنه لم يسمع منه شيئا.
113- وكذلك الشعبي لم يسمع من عائشة ولا من عبد الله بن مسعود ولا من أسامة بن زيد ولا من علي بن أبي طالب إنما رآه رؤية ولا من معاذ بن جبل ولا من زيد بن ثابت.
114- وكذلك قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس بن مالك وحده.
115- وكذلك عامة حديث عمرو بن دينار، عن الصحابة غير مسموع منهم.(1/161)
116- وعامة حديث مكحول أيضا عن الصحابة كذلك.
117- وهذا كله يخفى إلا على الحافظ للحديث الجامع للطرق.
118- قال أبو عَمْرو: فأما أهل الحجاز وأهل الحرمين ومصر والعوالي فليس التدليس من مذاهبهم وكذلك أهل خراسان والجبل وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان وما وراء النهر وكذلك أهل المغرب أطرابلس والقيروان والأندلس وسائر أعمال هذه البلدان لا نعلم أن أحدا من أئمتهم دلس.(1/162)
119- وأكثر المحدثين تدليسا أهل الكوفة ونفر(1/163)
يسير من أهل البصرة فأما أهل بغداد فليس أحد من متقدمي مشيختهم ولا من متأخريهم دلس ولا ذكر ذلك عنه، إلا ما قيل عن أبي بكر مُحَمَّد بن سليمان الباغندي الواسطي أنه كان يدلس.
120- قال أبو عَمْرو: قد ذكرنا جميع ما اشترطناه مما سئلنا عنه ومما لم نسأل مما يتصل بذلك ويرتبط به على مذاهب أئمة أصحاب الحديث الذين هم مصابيح الهدى وزين الورى وشرحنا ذلك طاقتنا ودللنا على حقيقته غايتنا.
جعل الله ذلك لوجهه خالصا وإلى رضاه سائقا آمين رب العالمين(1/164)
وصلى الله على مُحَمَّد خاتم النبيين ورضي الله تعالى عنه وأصحابه أجمعين.(1/165)