علم زوائد الحديث
دراسة ومنهج ومصنفات
تأليف
عبد السلام محمد علوش
العشرونية في علم زوائد الحديث
1 ... حمداً إلهي ربنا باري الورى ... ولطفه على الهادي دوماً سرى
2 ... وللصحاب رضوان حتى رضوا ... والمقتفين نهجه والأثرا
3 ... فذي عشرون في المزاد قلتها ... رمت بها جمع القواعد مسطراً
4 ... أصلتها من كتبهم متلوة ... تلواً رتيباً متقناً محرراً
5 ... خلف الصحاب عندنا زيادة ... وللمتون مثلها سوى يرى
6 ... للأول عن صاحب ليس له ... حديثه في كتبهم ما أخبرا
7 ... إفادة لفظ عفي ونقصه ... دوماً أبنها عقبه كي تشهرا
8 ... ولو حوى ما قبلها أو بعدها ... معنى لها ولو قياساً ظاهراً
9 ... والمرسل والمعضل أخرجهما ... قولاً أكيداً واحداً معتبراً
10 ... ما لم تجد المرسل اسماً ذكر ... في مسند المتن المزاد خبرا
11 ... وقف الصحاب كالرفع هو في علمنا ... إلا لوقف بلغوه الحاشرا
12 ... والنص إن ألفيته معلقاً ... فإنه ما أخرج أو سطرا
13 ... لا تغفلن حكاية المتن التي ... قد أرخت أو فسرت ما فسرا
14 ... أو مدرجاً حلت به ألفاظه ... أو بسطه للمجمل أو سطرا
15 ... مخصص إن عمم أو مطلق ... إن قيد حقاهما أن يذكرا
16 ... وخلف العد فادنا معنى له ... بالفضل أو خلافه إن قصرا
17 ... والنقص إن كان حرف مقصداًو ... لا تطرحن مفاده المغيرا
و
#5#
18 ... ولا اختلافاً بيناً في سبكه ... قد صاغه من قد رآه عبرا
19 ... بمثل البدء حمدنا نعيده ... في ختمناه مثل منشرا
20 ... على المقيم يثرباً في جدثه ... وبل السحائب هماً معطرا
#6#
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } [ آل عمران : 102 ].
{(1/1)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } [ النساء : 1 ] .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [الأحزاب: 70 – 71].
وبعد فهذا أوان الشروع في بيان مقصد هذا الكتاب وحصر فصوله وأبوابه ، وكشف النقاب عن كنه علم زوائد الحديث ولبابه، وتقعيد قواعده ، وتأليف موارده ، واقتناص شوارده ، وإجلاء فوائده ، وقد سميته ( علم زوائد الحديث – دراسة ، ومصنفات ) أسأل الله به التوفيق والسداد ، والرحمة والرفعة يوم التناد . آمين .
#7#
ما جاء في شرف علم الحديث وأهله
والحض على طلبة وجمعه ثم العمل بما فيه
أخرج الخطيب البغدادي في " الرحلة في طلب الحديث " عن محمد بن وزير الواسطي قال : " سمعت يزيد بن هارون يقول لحماد بن زيد : يا أبا إسماعيل هل ذكر الله تعالى أصحاب الحديث في القرآن ؟
فقال : نعم ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ... } الآية .
فهذا في كل من رحل في طلب العلم والفقه ، ورجع به إلى من وراءه فعلمه إياه"(1).
وأخرج هو وابن جرير عن عكرمة في قوله تعالى :? { السَّائِحُونَ } قال : قال ابن عباس : " هم طلبة الحديث "(2).
__________
(1) الرحلة في طلب الحديث ص ( 87 ).
(2) تفسير القرآن العظيم ( 2/392 ) .(1/2)
وأخرج الشيخان (1) وغيرهما من حديث سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر ، إنما هو موسى آخر .
#8#
فقال ابن عباس : كذب عدو الله ، حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيباً فسئل : أي الناس أعلم ؛ فقال : أنا . فتعب الله عليه حيث لم يرد العلم إليه فقال : عبد لي عند مجمع البحرين هو أعلم منك .
قال : أي رب فيكف به ؟
قال : فأخذ حوتاً فاجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم .
قال : فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلقاً يميشان – هو وفتاه يوشع بن نون – حتى أتى الصخرة فقام ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر ، فأمسك الله عن الحوت الماء مثل الطاق ، وجاوز موسى.
فلما استيقظ موسى نسى أن يخبره بالحوت – يعنى يوشع – فلما كان من الغد قال له موسى :? { آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) } .
فقال له يوشع :? { فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } .
فقال موسى :? { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (62) } .
فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، وكان للحوت سرباً ولهما عجباً ، فإذا رجل مسجى نائم ، فسلم موسى ، فقال له الخضر : هل بأرضي من سلام ؟!
فقال له موسى عليه السلام : أنا موسى بني إسرائيل أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً... وساق الحديث .
فهذا أول من بلغنا عنه أنه رحل في طلب العلم ، وهو نبي الله وكليمه ، الذي أكثر ربنا جل ذكره في كتابه من ذكره وقصصه مع قومه ، فلم يحل بينه وبين طلب العلم علمه وعلو كعبه فيه ، للسفر في التحصيل،
#9#
__________
(1) أخرجه البخاري في العلم ( 74 ) باب ما جاء في ذهاب موسى - صلى الله عليه وسلم - في البحر إلى الخضر ، ومسلم في الفضائل ( 7 / 103 – 108 ).(1/3)
والصبر على الفهم ، والتواضع لشيخ ، بعد الانزعاج عن الوطن وفراق الأهل ، لكن للعلم أهله ، وإنما يسافر من الناس الوحدان .
فاطو طومار الهذيان يا صاحب القلب الرشيد ، وأحمل على حفظ الحديث وكتبه ، وخذه عن أشياخه تسعد به ، عسى إن أدمت فيه النظر ، وأرقت فيه المداد أن تعد من أهله وحزبه ، فتصيبك دعوة نبيك وحبيبك - صلى الله عليه وسلم - الذي قال :" نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها كما سمعها(1) ".
فإذا أدركتك تلك النضرة الآتية من الحضرة النبوية ، والرحاب المصطفوية ، ما أظنك إلا قد أشرفت أنوار كمن بعض بريقها ، وهبت عليك نفحات الأنس ونسائم الشوق نحو الباقية ، حتى يصير ذكر هاذم اللذات ذكر مقرب الجنات . وذكر الحديث ذكر المحدث ، الذي لا يطيب المجلس إلا بالصلاة عليه ، حتى قال بعض أهل العلم من السلف : " لولا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما حدثت " (2).
فإذا بلغت هذه الرتبة ، وتجاوزت تلك العتبة ، لم تأسف على فائت يفوت , ولا حي يموت ، وكأنما حيزت لك الدنيا بأجمعها ، وتربعت على سرير الملك من غير سلطان الأمور المحسوسة المشاهدة بعيون الدهش ، وهنا موضع الحكاية المشهورة عن ابن أبي الخناجر:
#10#
__________
(1) أخرجه أبو داود ( 3660 ) والترمذي ( 2656 ) ، وحسنه ، وابن ماجه ( 4105) ، وأحمد في المسند ( 5 / 183 ) ، والدرامي ( 1 / 75 ) ، وابن حبان ( 72 ) وغيرهم من حديث زيد بن +ثابت ، وفي باب عن أنس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم أجمعين .
(2) أخرجه تمام في " فوائده " عن وكيع بن الجراح كما في " الروض البسام " حديث رقم ( 98 ) ( 1 / 154 ) ، وأخرجه من طريق تمام السمعاني في " أدب الإملاء " ( صفحة 64 ) .(1/4)
قال تمام في فوائده : حدثنا خيثمة بن سليمان ، ثنا ابن أبي الخناجر قال : كنت في مجلس يزيد بن هارون بواسط ، فجاء أمير المؤمنين فوقف علينا المجلس ، وفي المجلس ألوف ، فالتفت على أصحابه وقال : هذا الملك (1) .
واعلم رحمك الله أنه لأجل هذه النكة العزيزة كان السلف وأهل العلم الأوائل ممن مضى يلقبون المحدث بأمير المؤمنين ، كما لقب بذلك جماعة منهم الثوري واسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم ، وكيف لا يكونون هم الأمراء وليس إلا إمام واحد معصوم ، والله يقول : ? { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } .
وقد جاء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة " (2).
وفى حديث أبي أمامة : " فمن كان أكثرهم علي صلاة ، كان أقربهم مني منزلة "(3) .
قال الإمام أبو حاتم ابن حبان بعد ذكر حديث ابن مسعود : في هذا
#11#
الخبر دليل على أن اولى الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة يكون أصحاب الحديث ، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - منهم .
__________
(1) " الروض البسام " رقم ( 99 ) ، ورواه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " ( 220 ) ، والسمعاني في " أدب الإملاء " ص ( 22 ) .
(2) أخرجه الترمذي ( 484 ) ، والبخاري في تاريخه ( 5 / 177 ) ، والبغوي في " شرح السنة " ( 686 ) ، والخطيب في " شرف أصحاب الحديث " رقم ( 63 ) ، وابن حبان في صحيحه ( 911 ) ، وله شاهد من حديث أبي أمامة قال فيه الحافظ في " الفتح " ( 11/ 167 ) : لا بأس بسنده .
(3) رواه البيهقي في سننه ( 3 / 249 ) ، وفي " حياة النبياء " ( 11 ) قال المنذري في الترغيب والترهيب ( 3 / 3036 ) : رواه البيهقي بإسناده حسن ، إلا أن مكحولاً قيل : لم يسمح من أبي أمامة ، وقد تقدم قول الحافظ ابن حجر فيه .(1/5)
وقال أبو نعيم فيما نقله عنه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (1) : وهذه منقبة شريفة يختص بها الآثار ونقلتها ، لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخاً وذكراً . انتهى .
وجاء في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " (2) من حديث أبي بكر الصديق : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من كتب عني علماً وكتب معه صلاة علي لم يزل في أجر ، ما قرئ ذلك الكتاب " ولم يصح (3)، من قبل إسناده ، ومعناه صحيح تشهد له أحاديث كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجوز من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ...." أخرجه (4) مسلم وغيره من حديث أبي هريرة .
واخرج من حديث أبي مسعود الأنصاري قوله - صلى الله عليه وسلم - :" من دل على خير فله مثل أجر فاعله " (5) وليس في الدنيا هدي مثل هديه - صلى الله عليه وسلم - ، ولا خير مثل خيره ، وقد صح في الحديث : " إن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير
#12#
__________
(1) صفحة ( 35 ) .
(2) صفحة ( 1 / 420 ) .
(3) فيه أبو داود سليمان بن عمرو النخعي ، كذاب كما في الميزان ( 2 / 216 – 218 ) ، وأنظر " تدريب الراوي " ص (292 ) و " تنزيه الشريعة " ( 1 / 260 ) ، وقال ابن كثير في التفسير ( 3 / 516 ) : ليس هذا بصحيح من وجوه كثيرة . وقد روى من حديث أبي هريرة ولا يصح أيضاً . قلت : وقد روى نحو هذا من حديث ابن عباس أيضاً ولا يصح .
(4) رقم ( 2674 ) في كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة .......
(5) أخرجه مسلم ( 3 / 1056 ) .(1/6)
الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ...." (1) فليس من هدي يقدمه المسلم أو يؤخره ، أحب إلى الله عز وجل من هذا الهدي ، وقد قال تعالى :? { يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ? } .[ القيامة : 13 ] .
وثبت في مسلم وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعاً : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " (2).
وليس من العلوم علم أنفع من كلامه - صلى الله عليه وسلم - بعد كتاب الله . فإن فيه التوحيد وأصوله والصفات وأنواعها ، والأسماء ومعانيها ، والجواب عن مقالات الملحدين ، وقصص السابقين وأخبار الزاهدين ، ومواعظ النبيين ، وإعجاز البلغاء ، ومصدر علم الفقهاء ، وأيامه - صلى الله عليه وسلم - وسراياه ، وأحكامه وقضاياه ، وذكر أزواجه وأولاده وأصهاره وأصحابه ، ومناقبهم ومآثرهم وأخبارهم وفضائلهم ، وأعمارهم وأنسابهم ، وأحوالهم وأقوالهم ، ومذاهبهم وفتاويهم .
بل وعلى التخصيص إن أردت التمحيص ، فإنك لا تدرك تفسير القرآن العظيم والذكر الحكيم إلا بالسنة ، ولا تستطيع أن تزن ملل الإسلاميين إلا بها ، في كل عصر ومصر ، كما بسطت القول على هذا في غير هذا الموضع (3).
فإذا أدركت هذا ، علمت أن هذا العلم هو آنف العلوم الشرعية ، ومشكاة الأدلة السمعية ، ومستند الحكايات والاستنباطات الفقيهة ، ودقيق
#13#
وجليل الفنون الدينية ، لا يعتني به إلا الحبر البحر ، ولا يحرمه إلا كل غمر .
__________
(1) أخرجه البخاري ( 6849 ) في الإعتصام ، باب الإقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(2) رواه برقم ( 1631 ) في الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته .
(3) أنظر كتابنا " فجر الساهد وعون الساجد " فصل : السنة الميزان صفحة ( 21 / 27 ) .(1/7)
وكيف لا يكون من المحرومين من حرم كثرة الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ثبت " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً " (1).
وقد روي عن سفيان بن عينية قال : كان لي أخ مؤاخ في الحديث ، فمات ، فرأيته في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قلت : بماذا ؟ قال : كنت أكتب الحديث فإذا جاء ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - كتبت : " - صلى الله عليه وسلم - " أبتغي بذلك الثواب ، فغفر الله لي بذلك .
وقال عمر بن أبي سليمان الوراق : رأيت أبي في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قلت : بماذا ؟ قال : بكتابتي الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث .
قال ابن سنان الراوي عن عمر : سمعت عباساً العنبري وعلي بن المديني يقولان : ما تركنا السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث سمعناه ، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه (2).
هذا والله أعلم أننا لا نحتج بالمنامات والرؤى , وإنما نقول : "الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
#14#
الفصل الأول
المدخل إلى علم زوائد الحديث
وفيه مباحث :
المبحث الأول في تعريفه :
اعلم رحمك الله أنه :
قبل الشروع في الوصول للمقصود من هذا المبحث ، من الواجب معرفة جملة فروع :
أولهما : أن ما صنف من الزوائد في الحديث على ضربين .
الأول : الزيادة في الرجال والرواة .
__________
(1) أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما وفي البا عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة وأنس بن مالك وأبي بن كعب وغيرهم ، أنظر " الأذكار " للنووي ( 96 – 97 ) وتفسير ابن كثير ( 3 / 506 – 509 – 516).
(2) أنظر " الجامع لأخلاق الراوي " ( 1 / 422 ) و " " تدريب الراوي " ( 293 ) .(1/8)
أ- كما فعل الحافظ ابن حجر رحمه الله في " لسان الميزان " في إخراج زوائد أسماء المترجم لهم ممن هم مذكورون في " ميزان الاعتدال " الذهبي ، وليس لهم ذكر في " تهذيب الكمال " الذي جمع الرواة المخرج لهم في الكتب الستة – البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه - .
فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " لسان الميزان " (1) :
#15#
ثم ألف الحفاظ في أسماء المجروحين كتباً كثيرة ، كل منهم على مبلغ علمه ومقداره وما وصل إليه اجتهاده ، ومن أجمع ما وقفت عليه في ذلك كتاب " الميزان " ، الذي ألفه الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، وقد كنت أردت نسخه على وجهه فطال علي ، فرأيت أن أحذف منه أسماء من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم . فلما ظهر لي ذلك استخرت الله تعالى ، وكتبت منه ليس في " تهذيب الكمال " وكان لي من ذلك فائدتان :
إحداهما : الاختصار والاقتصار ، فإن الزمان قصير والعمر يسير .
والأخرى : أن رجال التهذيب إما أئمة موثقون ، وإما ثقات مقبولون ، وإما قوم ساء حفظهم ولم يطرحوا ، وإما قوم تركوا وجرحوا ، فإن القصد بذكرهم ، أنه يعلم أنه قد تكلم فيه من الرواة في الجملة ، فتراجمهم مستوفاة في التهذيب .
ب- وكما فعل حافظ وقته أبو فضل بن الحسين العراقي ، فصنف الزوائد على " الميزان " ممن تكلم فيه من الرواة ، وفات صاحب الميزان ذكره (2) .
وهو يقع في مجلد لطيف ، فعاد تلميذه الحافظ ابن حجر فأدخل هذا الزائد ممن ذكرهم العراقي ، على اللسان .
فعرف من هذا انك قد تجد من له ذكر في " اللسان " ، وليس هو في " الميزان " (3) ، وأنك قد لا تجد في اللسان من هو مذكور في الميزان .
#16#
__________
(1) لسان الميزان ( 1 /4 ) .
(2) لسان الميزان ( 1 /4 ) .
(3) وقد صنف السيوطي كتاباً أسماه " زوائد اللسان على الميزان " ( كشف الظنون – 1918 ) فكأنه فيه أعاد تصنيف العراقي ، وهو من عجيب صنع السيوطي رحمه الله وغريب تصنيفه .(1/9)
ج- وكما فعل من بعده قاسم بن قطلوبغا الحنفي مصنف كتاب : " زيادة رجال العجلي على رجال الكتب الستة " (1).
والثاني : هو الزيادة الحاصلة في متن الحديث . وهو ما يعرف بالحديث الزائد .
وتعريفه هو : " الحديث الذي في لفظه زيادة أو نقص ، أو اختلاف مفيد ، أو المروي عن صحابي آخر ".
وهذا الذي سيأتي شرحه مفصلاً إن شاء الله في هذا الكتاب .
وإنني لم آت هنا بتعريف يؤثر عن أحد من العلماء يكون ضابطاً ، لأنه لم يصنف في تقعيد هذا الفن من قبل ، اللهم إلا في كتيب صغير ، هو بمثابة المدخل (2).
هذا ، وإن الذي يتتبع من صنف في إخراج الزوائد التي من هذا النوع ، يعلم أن أول هؤلاء الإمام الحاكم في المستدرك ، ثم الحافظ ابن كثير ، ثم الحافظ الهيثمي ، ثم تلاهم الحافظ البوصيري ، ثم الحافظ ابن حجر ، ثم ابن قطلوبغا الحنفي ، ثم السيوطي ، ثم انقطع التصنيف بعدهم في هذا الفن إلى هذا الزمان ، حتى استأنفه في عصرنا غير واحد ، منهم العبد الفقير محرر هذه الكلمات كما سيأتي عند ذكره تصانيفه إن شاء الله تعالى .
#17#
فهؤلاء الحفاظ جميعهم لم يصنفوا في هذا العلم وقواعده وضوابطه ، وإنما على الأكثر بينوا شرطهم في أول كتبهم ، كعادة أهل العلم في بيان المراد من التصنيف . ومن يقف على فصول هذا الكتاب وأبوابه ، يعلم أنه لا يمكن الإتيان بملخص لهذا العلم في مقدمة كتاب .
ولأجل هذا لم يطل المحدث الكتاني الحديث ، في تعريف هذا العلم ، فقال في " الرسالة المستطرفة " (3) .
__________
(1) ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون تحت باب : علم الثقات والضعفاء من رواة الحديث ( 1 / 522 ) فقال : وكتاب الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي ، وهو كبير في أربع مجلدات .
(2) هو كتاب " علم زوائد الحديث " للدكتور خلدون الأحدب ، جزاه الله خيراً ، طبع دار القلم ، دمشق .
(3) ص ( 170 )(1/10)
" ومنها كتب الزوائد : أي الأحاديث التي يزيد بها بعض كتب الحديث على يعض آخر معين" . انتهى .
فهذا فيه قصور بين إن كان عنى به التعريف الذي هو اللفظ الجامع المانع للمقصود من الكلمة المعرفة ، وأما إن كان أراد – وهو الراجح – مجرد التعرف على العلم فهو سائغ مقبول . وإن كان هو أقرب لتعريف الكتاب فوق ما هو لتعريف العلم نفسه .
وقد ذكر الدكتور الأحدب – جزاه الله خيراً – في مستهل كتابه تعريفاً تحسن مناقشته ، لما فيه من الفوائد ، وما عليه من الاستدراكات التي يستفيد منها القارئ .
فإنه قال (1) :
......ويمكن تعريف علم الزوائد بأنه :
" علم يتناول إفراد الأحاديث الزائدة في مصنف رويت فيه الأحاديث بأسانيد مؤلفه ، على أحاديث كتب الأصول الستة أو بعضها ، من حديث بتمامه لا يوجد في الكتب المزيد عليها ، أو هو فيها عن صحابي آخر . أو
#18#
من حديث شارك فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم ، وفيه زيادة عنده " انتهى .
فهذا التعريف من حيث الأصل فيه تفصيل تام ، من ثلاثة أقسام :
الأول : في الكتاب المراد إخراج زوائده ، وموضع الكلام عليه من التعريف من أوله لقوله ..... " بأسانيد مؤلفه " .
والثاني : في الكتاب أو الكتب المراد ذكر الأحاديث الزائدة عليها أو عليه ، وموضع الكلام عليه من التعريف قوله " على أحاديث كتب الأصول الستة أو بعضها ".
والثالث : في طريقة إخراج الأحاديث الزائدة .
ومن يراجع تعريفنا يجد أننا لم يجد أننا لم ندخل فيه القسمين الأولين ، لا لذهول عنهما ، وإنما لكونهما مما يشترطه مخرج الزوائد ، كما ستأتي المناقشة فيهما ، مع القسم الثالث .
وهاك شرحه للتعريف ومناقشته فيه فإنه قال :
[ " في مصنف رويت فيه الأحاديث بأسانيد مؤلفه " قال : يشتمل على نقطتين اثنتين :
__________
(1) علم زوائد الحديث ( 12 ) .(1/11)
الأولى : أنه ليس شرطاً أن شرطاً أن يكون الكتاب الذي تفرد زوائده ، من كتب الرواية كالمسانيد والسنن والجوامع والمعاجم ، وكتب الفوائد ، وإن كان جل المصنفات التي أفردت زوائدها ، تناولت كتب الرواية أمثال مسانيد الأئمة : أحمد وأبي يعلى والبراز والطيالسي والحميدي ......
حيث إن هناك الكثير من المصنفات من غير كتب الرواية المتخصصة ، قد ضمت نسباً متفاوتة من الحديث النبوي ، بلغ في بعضها آلافاً مؤلفة ، ولا يوجد كثير مما تضمنته من الحديث في كتب الرواية ،
#19#
وهذه المصنفات جميعاً قد ساق أصحابها ما ذكروا من الحديث النبوي بأسانيدهم .
ثم قال : ويمكن أن تدرج هذه المصنفات تحت الأقسام الكلية التالية – ويمكن الزيادة عليها - ......ثم ذكر بعضها .
ثم قال :
النقطة الثانية :
هي أنه لا بد للمصنفات التي تفرد زوائدها من أن تكون أحاديثها رويت بأسانيد مصنفيها ، لأن قيمة الخبر المروي قيمة سند ابتداءً ، فهي الأزمة والخطم ، وإن الحديث بلا إسناد ليس بشيء .
وكما قال الإمام عبد الله بن المبارك : " الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " (1) .
وقوله أيضاً : " بيننا وبين القوم القوائم ، يعني : الإسناد "(2) .
وقال الإمام شعبة بن الحجاج : " كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا ، فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام " (3).
فبالإسناد أولاً يميز صحيح الحديث من سقيمه ، وعلى هذا التمييز يكون ما يكون من استنباطٍ للأحكام ، وإحكام للعمل ، وتمثلٍ بالهدي النبوي في كل أمر وشأن .
#20#
ثم قال :
__________
(1) رواه مسلم في مقدمة صحيحة ( 1 / 15 ) .
(2) رواه مسلم في مقدمة صحيحة ( 1 / 15 ) .
(3) رواه الخطيب البغدادي في " الكفاية " ( 283 ) .(1/12)
وهذا القيد من التعريف ضروري , لما قدمت عن أولا , ولأن علم الزوائد إنما يقوم في أساسه على اختلاف طرق الأحاديث ومخارجها ، وما تؤدي إليه من زيادات المتون أو بعضها, فضلاً عن عظيم الأثر لذلك من ناحية الصناعة الحديثية ، من كشفٍ لعلل المتون والأسانيد ، ووقوفٍ على متابعات وشواهد يتغير معها الحكم على الأحاديث قبولاً وردّاً)
انتهى كلام الدكتور – جزاه الله خيراً -0
ولنا عليه استدراكان موضّحان لا مخطآن:
الأول : هو في عدم تفرقته بين كتب الرواية – كما يسميها ويقصد بها الكتب التي اشتملت
على الحديث فقط ، دون تلك التي داخلها شيء من التراجم والشرح وغير ما هو من السند
والمتن – وبين الكتب التي اشتملت على غير السند والمتن مما تقدم ذكره من الشرح والتراجم للرواة ووجوه الإعراب ، واستنباط الأحكام 0
وعدم التفرقة هذه وإن كانت سائغة , إلا أنها لا تنهض بالغرض بتمامه المقصود من إخراج الزوائد, وهو أن ما لا يكون زائداً لابد أن يكون ذكر في الكتاب المزاد عليه , وهذا
لا يمكن أن يتحقق قي كتب الرواية .
ومثال ذلك مسند عبد بن حميد, فقد أخرج الحافظ ابن حجر زوائده على الكتب الستة ومسند الإمام أحمد , وكذا أخرج زوائده البوصيري على الكتب الستة , ثم فقد المسند, وليس بين أيدينا اليوم إلا (المنتخب من مسند عبد بن حميد ) وهو جزء يسير منه, لكننا مع هذا لم يفتنا شيء مما فيه من المتون التي ليست عندنا على القطع , اللهم إلا على سبيل السهو أو
الخطأ من الحافظين مجتمعين- وهو أمر مستبعد- فستطيع أن نحكم
#21#
بوجود سائر متونه مع فقدانه, بخلاف ما لو أخرجنا زوائد الحلية , ثم فقدناه, ولم تبق إلا زوائده , فيكون قد فاتنا من الكتاب شيء كثير, مما ليس هو من الأحاديث0(1/13)
هذا مع الإشارة إلى أن إخراج الزوائد حتى من كتب الرواية , لا يغنينا عنها , من جهة أسانيد المتون التي ليست هي من الزوائد أصلاً, ولا مدخل لها فيها , فقد يكون في الأسانيد: متابعات , أو تصريح بالسماع , وغير ذلك مما يحتاجه أهل النقد في الحكم على الأحاديث , ومعلوم أن علم الزوائد, لا يبحث في هذه المسألة, من زيادة المتابعات واختلاف ألفاظ الرواة في التحمّل 0
والثاني: في شرحه لقوله: "رويت فيه الأحاديث بأسانيد مؤلّفه" فجزم بوجوب الإسناد وعلق على ما يبنى عليه , وفاته التنبيه على الاحتراز من الروايات التي بأسانيد مؤلفيها أيضاَ , لكن من جهة المستخرجات , وطرق الحافظ المخرّج للزوائد , ولو من طريق المصنف , وهي نكتة لطيفة ما كان يجدر به إغفالها.
وذلك لأن مثل هذا الاحتراز يدفع التوهم من وجود زيادة أو نقص في ألفاظ الكتاب المراد إخراج زوائده , وفي هذا يكون قد فات المخرج من الزوائد شيء غير يسير بحسب هذا الاختلاف, أو أنه قد يعد من الزوائد ما ليس منها بنفس المقدار.
ومثال ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث طارق بن شهاب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لوفد بزاخة: " تتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين أمراًَ يعذرونكم به " ولم يزد .
أما أبو بكر البرقاني في مستخرجه , والحميدي في " الجمع بين
#22#
الصحيحين " ، فإنهما وإن كانا أخرجاه من طريق البخاري نفسه , لكن لهما فيه رواية مطولة ذكراها , وأوردها ابن الأثير في جامع الأصول , ونبه عليها الحافظ ابن حجر في الفتح (1) فقال:
" كذا ذكر البخاري هذه القطعة من الخبر مختصرة.
ثم قال:
__________
(1) 3/210) في كتاب الأحكام , باب الاستخلاف.(1/14)
وقد أوردها أبو بكر البرقاني في مستخرجه , وساقها الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" ، ولفظه : الحديث الحادي عشر من أفراد البخاري عن طارق بن شهاب قال : جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر الصديق يسألونه الصلح , فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية , فقالوا : هذه المجلية قد عرفناها , فما المخزية ؟ قال: ننزع منكم الحلقة والكراع, ونغنم ما أصبنا منكم, وتردّون علينا ما أصبتم منا, وتدون لنا قتلانا ويكون قتلاكم في النار , وتتركون أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - أمراً يعذرونكم به , وعرض أبو بكر ما قال على القوم , فقام عمر فقال : قد رأيت رأياً وسنشير عليك : أما ما ذكرت- فذكر الحكمين الأولين- قال: فنعم ما ذكرت , وأما تدون قتلانا , ويكون قتلاكم في النار , فإن قتلانا قاتلت على أمر الله وأجورها على الله ليس لها ديات , قال فتتابع القوم على ما قال عمر .
قال الحميدي: اختصره البخاري فذكر طرفاً منه , وهو قوله لهم " يتبعون أذناب الإبل - إلى قوله - يعذرونكم به " وأخرجه بطوله البرقاني بالإسناد الذي أخرج البخاري ذلك القدر منه, انتهى ملخصاً .
وبه انتهى ما ذكره الحافظ ابن حجر.
#23#
وقد وقع في كتب المستخرجات من هذا كثير, وقد وقفت في مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم من هذا أشياء غير قليلة ، فالواجب اعتبار هذا الشرط الذي ذكرناه , والتقيد بما ثبت في النسخ المعتمدة , والإشارة عند الاختلاف . كما فعل الحافظ ابن حجر رحمه الله في "المطالب العالية" فأنه قال :
" إلا أنني تتبعت ما فاته- يعني الهيثمي – من مسند أبي يعلى , لكونه اقتصر في كتابه
على الرواية المختصرة " (1) انتهى.
قلت : وقد رأيته استدرك عليه أحاديث أخطأ فيها, حيث كان شيخه الهيثمي ذكرها ,
__________
(1) " المطالب العالية" ( 1/4) .(1/15)
لكن الظاهر أنه لم يفطن لمواضعها, كحديث أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى على ابنه إبراهيم
فكبر عليه أربعاً , فقد ذكره ابن حجر في المطالب ونسبه لأبي يعلى(1) , مع أنه في المجمع
أيضاً , وقد نسب لأبي يعلى (2) , فوقع له من هذا أحاديث غير قليلة نبهت على جميعها ، كما سيأتي بسط القول على ذلك في فصل تصانيف كتب الزوائد ، إن شاء الله تعالى .
ومن هذا الضرب الذي نحكيه ما يذكره الحاكم في مواضع كثيرة من " المستدرك " فيقول : " لم يخرجاه " .
وقد يكونان أخرجاه ، أو أخرجه أحدهم بحروفه .
فالراجح عندي أن هذه الأحاديث سقطت من نسخته ، التي وقف عليها للشيخين ، كما سيأتي بسط الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى .
#24#
وينبؤنا عن شئ من هذا ما جاء في " المجمع " (3) للهيمثي :
[ وعن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء . وأني أعطيت أربعة عشر : حمزة ، وجعفر ، وعلي ، وحسن ، وحسين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو ذر ، والمقداد ، وحذيفة ، وعمار ، وسلمان ، وبلال".
قال الهيثمي : عزاه في الأطراف لبعض روايات الترمذي ، ولم أجده في نسختي ] انتهى .
قلت : الحديث في الترمذي (4) ، ولكنه أبدل مصعب بحذيفة ، فهو من الزوائد على كل حال .
ثم قال في تعريفه وشرحه :
" على أحاديث الكتب الستة أو بعضها " .
__________
(1) "المطالب العالية"(1/ 216 ) رقم (766) .
(2) "مجمع الزوائد" ( 3\ 53).
(3) " مجمع الزوائد " ( 9 / 156 ) .
(4) سنن الترمذي ( 3787 ) .(1/16)
ثم قال : وجل الكتب التي أفردت زوائدها إنما أفردت على تلك الأصول الستة – البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه – كما سيأتي بيانه عند ذكر كتب الزوائد ، إلا ما كان من الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ، حيث ضم إليها المسند للإمام احمد بن حنبل ، وذلك في كتابه " المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية " و" الزوائد مسند البراز " ، و" زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة " ] انتهى .
قلت : فهذا استدراك منه في الشرح جيد ، لكنه أخطأ بإفراد ذكر مسند الحارث بن أبي أسامة ، لأنه من جملة المسانيد الثمانية التي في " المطالب " فلا معنى لإفراده بعد أن ذكر " المطالب " .
#25#
ثم قال :
[ وثمة نقطة أخرى هي أن جلَّ الكتب التي أفردت زوائدها إنما أفردت على تلك الأصول الستة مجتمعة ، إلا أن بعضها تم إفراد زوائده على بعضها كالصحيحين ، كما فعله الإمام نور الدين الهيثمي رحمه الله في كتابه " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " ....
كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الإمام شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري ، قد أفرد " زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة " .....
وقد قام الحافظ ابن حجر رحمه الله بعمل متميز في صنعه الزوائد ، لا يدخل تحت ما عرف وأشتهر في هذا الفن ، وهو تصنيف لزيادات بعض الموطآت على بعض (1) ] انتهى .
__________
(1) فهرس الفهارس والإثبات ( 1 / 3 – مخطوط ) قلت : ومع اعتنائه بنسخ " الموطأ " وبيان الزائد في بعضها على بعض ، فقد فاته منها أحاديث ، منها حديث " إنما الأعمال بالنيات " فقد أنكر وجوده في الموطأ كما في شرح أول حديث من الفتح – أي هذا الحديث : إنما الأعمال بالنيات – مع أنه ثابت في بعض النسخ ، كما ذكر ذلك السيوطي في مقدمة " تنوير الحوالك على موطأ مالك" .(1/17)
قلت : فهذه الاستدراكات توجب أن يزاد على التعريف : " أو غيرها أو ما هو معها " بعد قوله : " بعضها " ، لا أن يترك التعريف هكذا ، أو عدم اشتراطه لهذا الشرط من أصله ، وعدم إدخاله في التعريف .
وكذلك فإنه كان من الواجب اشتراط ما اشترطه في الكتاب المراد إخراج زوائده ، من أن تكون مروية بأسانيد مؤلفيها ، من نسخهم المعتمدة الموثقة التي عليها سماعات وقراءات، للأمن من الوقوع في السقط ، والنقص والزيادة .
#26#
ولذلك تجد الإمام البوصيري ، لا يعتمد في إخراج زوائد سنن ابن ماجه على جامع الأصول لابن الأثير الجزري ، الذي جمع الأصول الخمسة مع الموطأ ، وذلك أن في روايات ابن الأثير اختلاف في بعض الأحاديث عن ألفاظها في أصولها ، بل وسقط وزيادة ، كما نبهت في حديث وفد بزاخة، بل وربما سقطت منه بعض الأحاديث التي أخرجها أحد الخمسة ، كما نبهت على ذلك في كتابي " إجابة الفحول في إدخال سنن ابن ماجه على جامع الأصول " في غير موضع ، وجهدت في استدراك الفائت . وإصلاح الخطأ الواقع في الألفاظ ، والزيادة والنقص .
أما القول في الحديث المعلق هل يعتبر من جملة الكتاب المراد إخراج الزوائد عليه أم لا ، فله مبحث خاص يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
ثم قال الدكتور الأحدب :
[ " من حديث بتمامه لا يوجد في الكتب المزيد عليها ، أو هو فيها عن صحابي آخر ، أو من حديث فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم ، وفيه زيادة مؤثرة " ] .
قلت : وهو بيت القصيد من هذا المصنف ، وفي تعريفه هذا نقص ، نأتي على ذكره عند شرح تعريفنا السابق .
ولكنه يوضح طريقه الاستخراج ، فهي باختصار أن ينظر أولاً في المتن وألفاظه من الكتاب المراد إخراج زوائده ، هل هو في الكتاب المزيد عليه ؛ فإن لم يجده فيه كان الحديث من الزوائد بكل حال ، وكذا لو وجد بعضه دون بعض ، وأما إن وجده بتمامه ، فينظر في صحابيه ، فإن اتحدا لم يعد من الزوائد ، وإلا فهو منها .
#27#(1/18)
وبهذا يعلم أن قواعد ومسائل هذا العلم إنما تنحصر في فرعين :
أ الأول : في النظر في اختلاف المتون وألفاظها .
ب الثاني : في تمييز أحاديث الصحابة بعضها من بعض .
فأما الفرع الأول فقد ذكر فيه الدكتور الأحدب سبع قواعد لا ثامن لها ، وهي عندنا تقع في أضعاف ذلك .
وأما الفرع الثاني فذكر منه قاعدتين اثنتين حسب ، والحق أن قواعده تقع في نحو من عشر قواعد ، تحصلت عندي بالتتبع والاستقراء والعمل في الصنعة ، والنظر في صنيع الحفاظ ، وهي من أشق مسائل هذا الكتاب وأدقها ، وغالبها غير مذكور في كتب المصطلح ، وأهل العلل يذكرون أمثلة هذه القواعد في تصانيفهم ، ولا يعرجون على هذا الحكم الذي نطلبه من عملنا هذا ، فلم نستفيد منهم في ذلك بشيء.
ولولا عمل أصحاب المسانيد ، ومن يؤلف بين الكتب ، كالحميدي وابن الأثير وغيرهما ، لم يكن لنا في معرفة مذهب القوم في هذه المسائل جواب ، ولا دليل لذلك اجتهدت في تعقيد هذه القواعد بمعرفة آرائهم من خلال مسالكهم وصنيعهم . وإن لم يصرحوا منها بشيء .
وعليه فأكون بحمد الله وتوفيقه ، أول من صنف في هذا الفن ، وشق فيه طريق السالكين ، أسال الله السداد .
وهذا أول الشروع في شرح التعريف الذي ارتضيته وذكرته ، وكر القواعد المتفرعة عنه:
#28#
ذكر الفرع الأول
وفيه أبواب
الفرع الأول في قولنا في التعريف : " هو الحديث " :(1/19)
وقد اختلف أهل الاصطلاح في حد الحديث وتعيينه ، ونحن نحكي في هذا الباب ملخص القول فيه عندهم ، وإن كانت أكثر كتب المصطلح تخلو من هذا الباب ، فالرامهرمزي (1) لم يذكره في " المحدث الفاصل " وهو أول من صنف في هذا الفن فيما بلغنا ، ولا الحاكم في " علوم الحديث " (2)، وأبو نعيم الأصبهاني في مستخرجه على الحاكم (3) ،والخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " (4) وابن كثير (5) في " اختصار علوم الحديث " وغيرها من كتب الاصطلاح التي يطول ذكرها وتتبعها .
#29#
ومنتهى ما تدور عليه ألفاظهم في هذا الباب أربعة أسماء : الحديث ، والخبر ، والأثر ، والسنة ، ومراداتهم منها تختلف وتتفق ، إلا أن الجمهور من المحدثين يرون أن هذه الثلاثة مترادفة ويعنون بها : ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وما أضيف إلى الصحابي أو التابعي .
قال السيوطى في " تدريب الراوي " (6) : " يقال أثرت الحديث : بمعنى رويته ، ويسمى المحدث أثرياً نسبة للأثر " .
وقال العراقي الحافظ في أول ألفيته :
" يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحمن بن الحسين الأثري "
فالأثري عنده بمعنى المحدث ، وقد صرح بذلك فقال :
__________
(1) القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة ( 360 ) للهجرة .
(2) وكتابه هو الثاني ، والحاكم هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المتوفى سنة ( 405 ) للهجرة .
(3) زاد على " علوم الحديث " أشياء ، وكانت وفاته سنة ( 430 ) للهجرة .
(4) وله في المصطلح كتاب آخر هو " الكفاية في علم الرواية " ، ويكنى أبا بكر ، أحمد بن علي بن ثابت المتوفى سنة ( 463 ) للهجرة.
(5) هو عماد الدين أبو الفداء صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة ( 774 ) للهجرة ، اختصر فيه " علوم الحديث " لابن الصلاح .
(6) " تدريب الرواي " شرح " التقريب " للنواوي .(1/20)
فهو على هذا مرادف الخبرا ... وشهروا ردف الحديث والأثر(1)
وكذا أطلق ابن حجر الأثر على الحديث ، في تسمية كتابه في المصطلح " نخبة الفكر في شرح مصطلح أهل الأثر " يعني أهل الحديث ، فيكون قد تابع شيخه الحافظ العراقي على ذلك .
والنووي كان قد سبقهما لذلك وقال : هو المذهب المختار الذي قال المحدثون وغيرهم من السلف وبعض الخلف(2) .
وقال أبو البقاء الكفوي في " الكليات " (3) " الحديث : هو اسم من التحديث ، وهو الأخبار ، ثم سمي به قول أو فعل أو تقرير نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويجمع على " أحاديث " على خلاف القياس ".
#30#
قال الفرّاء : واحد الأحاديث أحدوثة . ثم جعلوه جمعاً للحديث ، وفيه أنهم لم يقولوا : أحدوثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفي الكشاف : " الأحاديث اسم جمع ، ومنه حديث النبي "
وفي البحر : ليس الأحاديث باسم جمع ، بل هو جمع تكسير لحديث ، على غير القياس كأباطيل ، واسم الجمع لم يأت على هذا الوزن ، وإنما سميت هذه الكلمات والعبارات أحاديث كما قال تعالى :? { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ } .[الطور : 34 ] ، لأن الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية ، وكل واحد من تلك الحروف يحدث عقيب صاحبه ، أو لأن سماعها يحدث في القلوب من العلوم والمعاني . والحديث نقيض القديم ، كأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن(4) .
والحديث ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والخبر ما جاء ما جاء عن غيره ، وقيل : بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل حديث خبر حديث خبر من غير عكس ، والأثر : ما روى عن الصحابة ، ويجوز إطلاقه على كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً " انتهى كلام أبي البقاء .
__________
(1) هو البيت الثاني عشر من ألفيته .
(2) انظر " منهج ذوي النظر " ( ص 8 )
(3) ص ( 152 ) .
(4) يعني لما قالوا : إن القرآن غير مخلوق ، قابلة أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - مخلوق محدث .(1/21)
وجاء في النخبة وشرحها للحافظ ابن حجر :
" الخبر عند علماء الفن مرادف للحديث " (1).
ثم قال: " وفي اصطلاح المحدثين : تطلق السنة على ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة عند بعضهم ، والأكثر : أنها تشمل ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي "(2) .
#31#
لكن قال التفتازاني في حاشية التلويح (3) : " والسنة ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير ".
فيكون التفتازاني من الأقل الذي عناه الحافظ ابن حجر ، وهذا الذي ذهب إليه التفتازاني قد ذهب إليه الكرماني والطيبي ومن وافقهما ، فقال الكرماني : لا يدخل في تعريف الحديث والسنة الحديث الموقوف ، ولا المقطوع (4).
قال شيخ الإسلام ابن تميمة في بعض فتاويه : الحديث النبوي هو عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به عنه - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة ، من قوله وفعله وإقراره ، فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة...
__________
(1) النخبة ( ص 3 ) .
(2) شرح نزهة النظر ( ص 16 ) .
(3) الحاشية ( 2/2) .
(4) انظر " الكواكب الدراري " للكرماني ( 1 / 12 ) .(1/22)
ثم قال : والمقصود أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أطلق دخل فيه ما قاله بعد النبوة ، وذكر ما فعله ، فإن أفعاله التي أقر عليها حجة ، لاسيما إذا أمرنا أن نتبعها كقوله" صلوا كما رأيتموني أصلي " (1) وقوله " لتأخذوا عني مناسككم " (2) وكذا كل ما أحله الله له فهو حلال للأمة ، ما لم يقم دليل التخصيص ، ولهذا قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } . [الأحزاب : 37] ولما أحل له الموهوبة قال :? { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } .[الأحزاب : 50 ] ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سئل عن الفعل يذكر للسائل أنه يفعله ليبين للسائل أنه مباح ، وإذ قيل له قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : " إني أخشاكم لله وأعملكم بحدوده " (3).
#32#
ومما يدخل في مسمى حديثه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يقرهم عليه ، مثل إقراره على المضاربة التي كانوا يعتادونها (4)، وإقراره لعائشة على اللعب بالبنات (5)، ولإقراره في الأعياد على مثل غناء الجاريتين (6) ، ومثل لعب الحبشة بالحراب في المسجد (7).
__________
(1) متفق عليه عند الشيخين .
(2) متفق عليه أيضاً .
(3) متفق عليه أيضاً .
(4) يعنى في زرع الرجل أرض أخيه ، على أن يكون الربح لهما ، أو نحو هذا .
(5) وهو في البخاري ومسلم ، والمقصود في البنات ، اللعب التي تتخذ للصغار يلعبون بها .
(6) يعني في الأعياد ، كما في الصحيحين ، وأن لا يكون في الغناء ما هو محرم .
(7) وهو في البخاري وغيره .(1/23)
قال : فهذا كله من مسمى الحديث ، وهو المقصود بعلم الحديث ، فإنه إنما يطلب ما يستدل به على الدين ، وذلك يكون بقوله أو فعله أو إقراره ، وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل نبوته ، وبعض السيرة قبل النبوة ، مثل تحنثه بغار حراء (1) ، ومثل حسن سيرته لأن الحال يستفاد منه ما كان عليه قبل النبوة من كرائم الأخلاق ، ومحاسن الأفعال ، كقول خديجة له " كلا والله ، لا يخزيك الله ، أنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقرى الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق " (2) .
ومثل المعرفة ، فإنه كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ (3) ، وإنه كان معروفاً بالصدق والأمانة(4)، وأمثال ذلك مما يستدل به على أحواله التي تنفع في المعرفة بنبوته وصدقه ، فهذه الأمور تحتاج وينتفع بها كثيراً في دلائل النبوة . ولهذا يذكر مثل في كتب سيرته كما يذكر فيها نسبه وأقاربه وغير ذلك من أحواله ، وهذا أيضاً قد يدخل في مسمى الحديث.
#33#
والكتب التي فيها أخباره منها كتب التفسير ، ومنها كتب السيرة والمغازي ، ومنها كتب الحديث " (5) .
انتهى كلام شيخ الإسلام .
__________
(1) والتحنث هو التعبد ، وكان ذلك في أول الإسلام قبل نزول الوحي .
(2) هو في البخاري من كتاب نزول الوحي رقم ( 27 ) .
(3) كما ثبت بذلك أحاديث كثيرة ، ونطق به القرآن .
(4) حتى سمي بالأمين ، وذلك من المشركين أنفسهم .
(5) أنظر " قواعد التحديث " ص ( 62 ) .(1/24)
ولا شك أن قوله " كتب التفسير " يفهم أن منها : كتب الفضائل كالذي لأبي عبيد القاسم بن سلام (1) ، و" فضائل القرآن " لابن الضريس (2) والنسائي(3) ، ويفهم منها كتب " أسباب النزول " كالذي لابن حجر وهو المسمى " العجاب في بيان الأسباب " (4) و " أسباب نزول القرآن " للواحدي (5) والكتب التي صنفت في المصاحف ، كالذي لابن أبي داود (6).
ويفهم من قوله " كتب السيرة والمغازي " : كتب الشمائل أيضاً كالذي للترمذي الإمام ، وكتب الأخلاق ، كالذي لأبي الشيخ الأصبهاني(7) ، وكتب " دلائل النبوة " كالذي للبيهقي وأبي نعيم ، وكتب " الزهد " كالذي لابن المبارك وللإمام أحمد بن حنبل ، وكتب " مكارم الأخلاق " كالذي لابن أبي الدنيا والخرائطي ، والطبراني .
ويدخل تحت السيرة : كتب معرفة الصحابة والرجال والبلدان وتواريخها ، " كالطبقات " لابن سعد ، وللأصبهاني ، و" حلية الأولياء " لأبي
#34#
__________
(1) المتوفى سنة ( 224 ) هـ .
(2) محمد بن أيوب المتوفى سنة ( 295 ) هـ .
(3) أحمد بن شعيب النسائي ، صاحب السنن المتوفى سنة ( 303 ) هـ .
(4) هو العسقلاني صاحب " الفتح " وكتابه لم يتم .
(5) علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة ( 468 ) هـ .
(6) المتوفى سنة ( 316 ) هـ . وهو ولد الإمام أبي داود صاحب السنن .
(7) وكتابه هو " أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وآدابه " وتوفي سنة ( 369 ) هـ .(1/25)
نعيم و " التاريخ الكبير " للبخاري ، و " المعرفة والتاريخ " للفسوي (1) و " معرفة الصحابة " لأبي نعيم ، و " ومعجم الصحابة " للبغوي " (2) و " فضائل الصحابة " للإمام أحمد ، والنسائي ، وكتب التاريخ التي للبلدان ك " تاريخ واسط " لبحشل (3) و " تاريخ جرجان " للسهمي (4) ، و " تاريخ نيسابور " و " تاريخ دمشق " ، الأول للحاكم وهو مفقود ، والثاني لابن عساكر (5).
ويفهم من كتب الحديث : كل كتاب اقتصر على الأسانيد والمتون ، وإن أضيف عليه بعض الشرح والتراجم والأبواب ، ككتب العقيدة ، منها " السنة " لابن الإمام أحمد ، ولابن أبي عاصم (6) ، وكتب " الأسماء والصفات " كالذي للبيهقي ، ونحوها من كتب العقيدة ، وككتب الفقه ك ( المحلى " لابن حزم ، و " الأموال " لأبي عبيد ، وغيرها (7) .
وهذا كلام شاف كاف في معرفة ما هو من الحديث ، ومعرفة مصادر الحديث ، ويكون ذلك قد رخص لنا الانتقال لباب آخر ، لكن استحسنا أن نلخص الذي تقدم فنقول :
الحديث أنواع :
منه : ما كان من كلامه - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر كلامه حديث ، أكان عن الله وأسمائه وصفاته ، أم عن الأنبياء والسابقين وقصصهم ، أم عن الأحكام والسنن ، أم عن الحوادث الآتية بعد قوله ، بل وفي حياته - صلى الله عليه وسلم - .
#35#
ومنه : ما كان من فعله ، وسائر فعله حديث ، كعبادته ، وقيامه وسفره ، ونومه وأكله وشربه ، ولباسه وسائر حركاته .
ومنه : إقراراته ، وهي عدم إنكاره على كل من رآه يفعل أو يقول من الأمور المذكورة آنفاً .
__________
(1) يعقوب بن شبيان المتوفى سنة ( 277 ) هـ .
(2) عبد الله بن أحمد المتوفى سنة ( 317 ) هـ .
(3) أسلم بن سهل المتوفى سنة ( 292 ) هـ .
(4) حمزة بن يوسف المتوفى سنة ( 427 ) هـ
(5) علي بن حسن المتوفى سنة ( 571 ) هـ
(6) أحمد بن عمرو المتوفى سنة ( 287 ) هـ
(7) وانظر " الرسالة المستطرفة " لتقف على غالب هذه الكتب المصنفة .(1/26)
ومنه : ما كان صفة له ، خلقية : كطوله وعرضه ، ووصف شعره ووجهه وأنفه وجبهته وخاتم نبوته وشبيه .
أو خلقية ، كحمله وغضبه وصبره ورحمته وعطفه وحسن عشرته ونحو ذلك .
وجميع هذه الأمور مأتاها من ثلاثة أقسام :
الأول : الحديث المرفوع ، وهو الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو فعله أو أقره أو وصف به نفسه.
الثاني : الحديث الموقوف ، وهو عن الصحابي من قوله .
الثالث : الحديث المرسل : وهو عن التابعي . يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله .
الباب الثاني : في قولنا في التعريف : " الذي في لفظه زيادة – مفيده – " :
وفى قولنا في العشرينية : " وللمتون مثلها – أي الزيادة – سوف يرى " .
وهذا الباب هو أوسع أبواب أنواع الزوائد ، لأنه هو المراد حقيقة من هذا العلم ، وغيره من الأبواب إنما هي مرادة مجازاً كما سيأتي شرحها في مواضعها .
والمراد بالزيادة ، القدر الزائد في اللفظ ، ولو كان كلمة واحدة ، أو
#36#
حرفاً أحياناً ، والمراد بالمفيدة ، إفادة حكم ، ولو كان هذا المعنى أو هذا الحكم مفهوماً من غير هذه الزيادة ، سواء من مفهوم المخالفة ، أو دلالات الاقتضاء ونحوها من طرق الاستنباط والاستدلال .
المثال الأول : على الزيادة الطارئة على المتن ، التي لم يتقدم قبلها ما يدل عليها ، لا تصريحاً ، ولا استنباطاً .
أ أخرج أصحاب الكتب الستة حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في المسح على الخفين ، وأتم ألفاظه عندهم لفظ البخاري ومسلم ، قالاً :
قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : " كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فقال : يا مغير خذ الإداوة ، فأخذتها ، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عني فقضي حاجته ، وعليه جبه شامية ، فذهب ليخرج يده من كمها فضاقت ، فأخرج يده من أسفلها ، فصببت عليه ، فتوضأ وضوءه للصلاة ، ومسح على خفيه ثم صلي " .(1/27)
وفي رواية أخرى لهما : " فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ، ثم أهويت لأنزع خفيه ، فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " وله عندهم روايات أخرى نحو الذي أوردناه(1).
فهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث المغيرة بن شعية أيضاً ، ولفظه عنده : قال المغيره : وضأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فغسل وجهة وذراعيه ومسح برأسه ومسح على خفيه ، فقلت يا رسول الله ألا أنزع خفيك ، قال " لا فإني أدخلتهما وهما طاهرتان ، ثم لم أمش حافياً بعد " .
#37#
فزاد الإمام أحمد رحمه الله في روايته هذه الزيادة في آخره : " ثم لم أمش حافياً بعد".
لذلك أورد الهيثمي هذا الحديث في " المجمع " وقال : ( رواه أحمد ، وهو في الصحيح خلا قوله : " ثم لم أمش حافياً بعد " ورجالة رجال الصحيح ) (2) .
وهذه الزيادة ، لم يؤت عليها من قبل لا تصريحاً ولا تلويحاً ، وهي أفادت زيادة في المعنى ليست في الحديث الأول ، لأنه قد يكون - صلى الله عليه وسلم - أدخل رجليه وهما طاهرتان ، ثم خلعهما لأمر ما ، ثم عاد فلبسهما ، ثم لما حان وقت الوضوء مسح عليهما .
فأفادتنا هذه الزيادة حكماً شرعياً ، وهو أنه يشترط لمن أراد المسح على الخفين أن يكون أدخل رجليه فيهما طاهرتين ، ثم لم يخلعهما ويمش حافياً إلى حين الوضوء الثاني ، حتى يحق له المسح عليهما .
ولا شك أن المراد بقوله " أدخلتهما طاهرتين " طهارة الوضوء لا مجرد الغسل ، إلى ما هناك من الشروط في كيفية الخف ، ومدة المسح المقررة في كتب الفقه . وما لو خلعهما فقط ولم يمش عليهما .
المثال الثاني : في الزيادة الطارئة على المتن ، لكن تقدم قبلها ما يشير إليها ، والتي أشرنا إليها بقولنا في العشرينية .
" ولو حوى ما قبلها أو بعدها ... معنى لها ولو قياساً ظاهراً "
__________
(1) انظر كتابنا " إجابة الفحول " الحديث رقم ( 5269 ) .
(2) " مجمع الزوائد " ( 1 / 255 ) .(1/28)
أ أخرج الترمذي وأبو داود من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
#38#
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة" وفي لفظ آخر " الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد"(1).
وهذا الحديث عن انس قد أخرجه أبو يعلى في مسنده أيضاً ، بلفظ : " ألا إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ".
فزاد قوله " فادعوا ".
قال الهيثمي في " المقصد العلي" (2) : [ رواه أبو داود وغيره خلا قوله "فادعوا " ] .
فهذه الزيادة قد سبق التنبيه عليها في نفس المتن ، حيث أنه لا فائدة من المتن إلا العلم باستجابة الدعاء في هذا الوقت ، ليحض على الدعاء فيه ، لكن وقعت الفائدة بهذه الزيادة أن لفظ المتن ليس فيه أمر ، بل مجرد حث واستجاب ، بخلاف الزيادة فإن ظاهرها الوجوب ، وهو الأصل في كل أمر شرعي أن يفهم على الوجوب حتى يأتي ما يصرفه عن الوجوب للاستحباب .
( قاعدة مهمة ) وأصحاب الزوائد لا ينظرون إلى إفادة الزيادة من الوجه الفقهي بين الحديث وغيره من الأحاديث ، وغنما ينظرون إلى الفائدة الفقهية من الحديث بعينه وحده ، لأمور :
أولاها : تعذر استحضار سائر متون الأحاديث في المسألة .
ثانيها : اختلاف الحكم على هذه الأحاديث .
ثالثها : الجواب لبعض هذه الأحاديث عن بعض في معارض الترجيح .
#39#
رابعها : ترك الإخلال بمقصد الزوائد الباحث عن فوائد الأحاديث وزياداتها .
لذلك فإن هذه الزيادة لا يختلف في إخراجها أحد من مخرجي الزوائد، هذا مع كونه جاء في إحدى روايات الترمذي لهذا الحديث : " قيل : فماذا نقول يا رسول الله ؟ قال : سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة " .
المثال الثالث : في الزيادة الطارئة على النص ، ويمكن معرفتها بالقياس الجلي ونحوه.
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم ( 212 ) و( 3588 ) و ( 3589 ) ، وأبو داود رقم ( 521 ) .
(2) " المقصد العلي " ( 1 / 117 ) طبع دار الكتب العلمية .(1/29)
وهي التي أشرنا إليها بقولنا في العشرينية :
" ولو حوى ما قبلها أو بعدها ... معنى لها ولو قياساً ظاهراً "
أ – دل عليه ما أخرج الترمذي من حديث عقبة بن عامر رضي اله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فإن الله يطمعهم ويسقيهم ".
... وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه عن عقبة أيضاً بلفظ "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم".
فزاد ابن ماجه : و" الشراب " .
قال البوصيري في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " (1) .
[ رواه الترمذي في الجامع عن أبي كريب عن بكر بن يونس به ، خلا قوله " والشراب " فلذلك أوردته في الزوائد ] انتهى .
#40#
قلت : فقوله هنا ، في الحكم على الحديث لكونه من الزوائد لأجل هذه الزيادة ، قد لا يجده كذلك من ينظر إلى الحديث بعين الفقهاء .
ب وقد أورد البوصيري في الزوائد (2) : حديث عائشة : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجال والنساء من دخول الحمامات ، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر ، ولم يرخص للنساء ".
مع أن الحديث عند أبي داود والترمذي ، دون آخره " ولم يرخص للنساء " وهى زيادة مفهومة على قاعدة الاستثناء من ذكرها .
ج- وقال الهيثمي في " المجمع " (3) :
عن عبد الله بن مسعود قال :
" كنا نعد الماعون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدلو والفأس والقدر " .
قال الهيثمي :
[ " رواه أبو داود خلا قوله " والفأس " رواه البراز والطبراني .....] .
د- وقد أخرج ابن حبان في صحيحة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أفطر في شهر رمضان ناسياً ، فلا قضاء عليه ولا كفارة ".
__________
(1) رقم ( 1169 ) ص ( 2 / 207 ) ، وأنظر كتابنا إجابة الفحول والحديث رقم ( 5631 ) منه .
(2) رقم ( 1311 ) .
(3) 7 / 143 ) .(1/30)
والحديث مخرج عند الستة بلفظ " إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه " ولهم فيه ألفاظ نحو هذا ، ليس في شئ منها ذكر القضاء والكفارة .
فأخرجت هذا الحديث في زوائد ابن حبان على الستة ، وتتبعت
#41#
ألفاظ الحديث ، فوجدت أن الهيثمي قد سبقني لذلك ، فأورده ثم قال : " له حديث في الصحيح غير هذا " وسبقنا الحاكم في المستدرك جميعاً فأورده ثم قال : " لم يخرجاه بهذه السياقة " فوافق اعتبارنا اعتباره على الاتفاق ، لا المتابعة ، والحمد الله (1).
هـ- ومن هذا ما ذكره الهيثمي في " المجمع " قال :
[ وعن جرير قال : " أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله ، أبايعك على الهجرة ، فبايعني واشترط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النصح لكل مسلم ، فبايعته على هذا " .
قال الهيثمي : هو في الصحيح " فاشترط علي والنصح لكل مسلم " رواه الطبراني ...](2).
قلت :
فأخرج الحديث في الزوائد ، لزيادة قوله " فبايعته على هذا " مع أن ذلك مفهوم من السياق .
المثال الرابع : في الزيادة الطارئة على النص من جهة الأعداد بالزيادة أو النقص ، وهي معنى قولنا في العشرينية :
" وخلف العد فادنا معنى له ... بالفضل أو خلافه إن قصرا"
وإنما لم نفرق بين الزيادة والنقص ، لأن العدد بعينه هو المعتبر كما سيأتي :
أ أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن زيد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فغسل يديه مرتين ووجهه ثلاثاً ، ومسح برأسه مرتين " .
#42#
قال الهيثمي في " المجمع " (3) :
[ هو في الصحيح خلا قوله " مسح برأسه مرتين " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
__________
(1) الإحسان ( 3521 ) ، و " المجمع ( 3 / 157 – 158 ) ، والمستدرك ( 1/ 230 ) .
(2) المجمع ( 9 / 373 ) .
(3) المجمع ( 1 / 229 - 230 ) .(1/31)
... وهذا الذي قاله الهيثمي لو صح ، لكان شاهداً لمثالنا صالحاً ، إلا أنه وهو فيه ، واغتر به الدكتور الأحدب فأورده في كتابه في أمثله الزيادة .
وليس الأمر كذلك فالحديث أخرجه النسائي بذكر المسح على الرأس مرتين (1) .
فإما أن يكون الهيثمي لم يستحضر كونه في النسائي أصلاً ، وهو مستبعد ، وإما أنه لم يستحضر هذه الرواية بعينها .
وأما قوله " في الصحيح " فالهيثمي يطلق هذه العبارة كثيراً ، ولا يريد بها الصحيحين فقط ، سيما وأن هذا الحديث مخرج عند أصحاب الكتب الستة – البخاري – ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه – وهو يخرج زوائده عليهم جميعاً لا على الصحيحين فقط ، لكنه في الغالب يستغني عن الباقين إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما .
ب- أخرج ابن ماجه في سننه (2) : من حديث أبي هريرة قال : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثاً ثلاثاً ".
قال الهيثمي في " المجمع " (3) : [ وعن أبي هريرة بإسناد رجاله رجال الصحيح : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل
#43#
وجهه ثلاثاً ، وغسل يديه ثلاثاً ، ومسح برأسه ثلاثاً ، وغسل قدميه ثلاثاً – قلت : رواه ابن ماجه خلا قوله :" ومسح برأسه ثلاثاً " – رواه الطبراني في الأوسط ] انتهى .
قلت : وهو صحيح في كون الحديث من الزوائد لكونه جاء مفسراً في رواية الطبراني ، لأنه يصح أن يكون مسح مرة واحدة ، ويبقى لفظ الحديث توضأ ثلاثاً ثلاثاً ، ويكون المراد غالب الأعضاء .
__________
(1) النسائي ( 1 / 72 ) في باب عدد مسح الرأس .
(2) رقم الحديث ( 415 ) .
(3) 1 / 230 ) .(1/32)
ولكن الهيثمي أخطأ في قوله " رواه ابن ماجه خلا قوله " ومسح برأسه ثلاثاً فقد قدمنا لفظ ابن ماجه فيه ، وأنه ليس عنده إلا أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً ، وقد جاء في " المقصد العلي " (1) [ من حديث أبي هريرة أيضاً قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :
ما إسباغ الوضوء ؟
فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حضرت الصلاة ، قال فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فغسل يديه ثم استنثر ومضمض وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ومسح برأسه ، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً ثم نضح تحت ثوبه ، فقال " هذا إسباغ الوضوء ".
قلت – القائل الهيثمي – لأبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثاً ثلاثاً ، وليس فيه السؤال عن إسباغ الوضوء ، ولا نضح ما تحت الثوب ، والله أعلم ](2)
قلت – أنا أبو عبد الله - : فصحح ما كان وهم فيه من قبل بعزو الحديث جميعه لأبي هريرة ، إلا قوله " ومسح رأسه ثلاثاً " لكن كان
#44#
الصواب هنا أن لا يقول : " ولا نضح ما تحت الثوب " إلا بعد أن يذكر أن لأبي هريرة حديثاً في النضح أخرجه الترمذي وابن ماجه ، ولفظ الأول : " جاءني جبريل فقال : يا محمد إذا توضأت فانتضح " ولفظ الثاني : " إذا توضأت فانتضح " (3) ولك يجعله من كلام جبريل عليه السلام .
ولقد وقفت للهيثمي في المجمع على أوهام مثل ما تقدم كثيرة ، يأتي الكلام عليها عند الحديث على " المجمع " إن شاء الله تعالى .
__________
(1) 1 /87 ) حديث رقم ( 140 ) باب رقم ( 71 ) .
(2) وقد جاء الحديث في المجمع ( 1 / 237 ) ، لكن ليس بذيله قول الهيثمي عليه .
(3) انظر كتابنا " إجابة الفحول " رقم ( 5129 ) .(1/33)
هذا وقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الحديث في " المطالب " (1) ونسبه لأبي يعلى ، ولم يعلق عليه بشيء ، فقصر حيث لم يشر لما أخرج منه أصحاب الكتب السبعة ، وأخطأ في ذكره ، لأن شرطه في الكتاب كما قدمنا أن يخرج لأبي يعلى ما فات الهيثمي ذكره ، لأن شرطه في الكتاب كما قدمنا أن يخرج لأبي يعلى ما فات الهيثمي ذكره ، وقد تقدم أن الهيثمى لم يفته ذكره ، حيث ذكره في " المقصد " و " المجمع " .
جـ- : وجاء في " المجمع " (2) : وعنها – عن أم هانئ – " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الفتح ، فصلى الضحى ست ركعات " قال الهيثمي : [ رواه الطبراني في الكبير والوسط ، وإسناده حسن ، ولها في حديث الصحيح (3) أنه صلاها ثمان ركعات ] .
قلت : وهذا المثال منه فائدة في علم الزوائد أخرى ، وهو أن العدد يعتبر من الزوائد سواءً أكان في النقص أو الزيادة ، إذ العبرة بذات العدد لا بقيمته ، وذلك أن أورد الست في الزوائد مع أن الثمانية تشملها .
#45#
د- وأخرج ابن ماجه في سننه(4)من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ....الحديث " .
فأخرجه البوصيري في الزوائد (5) وقال : [ أخرجه الترمذي وقال : " ستين " بدل " سبعين " ] .
هـ- وقد جاء في " المجمع " (6) في أول تفسير سورة الروم في قوله تعالى ?? { } عن أبن عباس قال : " البضع ما بين السبع إلى العشرة " .
قال الهيثمي : " له عند الترمذي البضع ما دون العشرة " .
و- وفيه أيضاً (7) :عن أبي هريرة مرفوعاً : " رؤيا العبد المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة " .
__________
(1) برقم ( 116 ) ( 1 / 36 ) .
(2) ص : ( 2 / 238 )
(3) يعني عند الشيخين وغيرهما ، كما في البخاري (176 ) ، ومسلم ( 1 / 479 ) ، وأبي داود ( 1291 ) وغيرهم .
(4) رقم ( 2704 ) .
(5) رقم ( 959 ) .
(6) 7 / 89 ) .
(7) 3 / 174 ) .(1/34)
قال الهيثمى : [ له في الصحيح من " ستة وأربعين " ، و" خمسة وأربعين " رواه البزار ....] .
والشاهد من أمثال إخراج الحديث في الزوائد إن كان فيه اختلاف عدد ، سيما في العبادات ، وما ذكر الأعداد فيه معتبر .
المثال الخامس : الزيادة الطارئة قبل المتن أو بعده . في تحقيق مناط الحديث .
وهى التي أشرنا لها في العشرينية :
" لا تغفلن حكاية المتن التي ... قد أرخت أو فسرت ما أضمرا"
,
#46#
وهذا النوع من الزوائد من أشرف العلوم وأجلها ، وأدقها علماً وأكثرها نفعاً وفائدة ، ولا يفوز بمعرفتها إلا الأكابر الممحصون .
ونعنى بالمناط : الحادثة والواقعة التي من أجلها قيل هذا الحديث ، فقد يكون هذا الحديث قيل بمناسبة خاصة ، وواقعة معينة ، فإن حمل على الإطلاق حصل منه إشكال وتناقض .
وأحسن من رأيته يذكر ذلك ويشير إليه من أصحاب المصنفات الحديثة ، هو الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله في صحيحة ، فتراه كثيراً ما يبوب " ذكر السبب الذي من أجله قيل كذا وكذا ".
وتراه في مواطن كثيرة من صحيحة يدفع الإشكالات الواردة في الأحاديث بتبيين سبب مساق الحديث .
واسمع إليه وهو يقول (1) : بعد إيراده حديث " من شهد أن لا إلا الله حرمه الله على النار وأوجب له الجنة " :
[ هذا خبر خرج خطابه على حساب الحال . وهو الضرب (2) الذي ذكرت في كتاب السنن : أن الخبر إذا كان خطابه على حسب الحال لم يجز أن يحاكم به في كل الأحوال ، وكل خطاب كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسب الحال ، فهو على ضربين :
أحدهما : وجود حالة من أجلها ذكر لم تذكر تلك الحالة مع ذلك الخبر .
#47#
والثاني : أسئلة سئل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجاب عنها بأجوبة ، فرويت عنه تلك الأجوبة من غير تلك الأسئلة .
__________
(1) " الإحسان " في تقريب صحيح ابن حبان " تحقيق شعيب الأرناؤوط ، حيث رقم ( 199 ) صفحة ( 1 / 429 ) .
(2) النوع .(1/35)
فلا يجوز أن يحكم بالخبر إذا كان هذا نعته في كل الأحوال ، دون أن يضم مجمله إلى مفسره ، ومختصره إلى متقصّاه ] .
ويقول الشيخ إبراهيم بن محمد الشهير بابن حمزة (1) في كتابه المسمى : " البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف " (2)
[ وإن من أجل أنواع علوم الحديث معرفة الأسباب ، وقد ألف فيها أبو حفص العكبري كتاباً ، وذكر الحافظ ابن حجر أنه وقف منه على انتخاب . ولما أظفر في عصرنا بمؤلف مفرد في هذا الباب . غير أوائل تأليف شرع فيه الحافظ السيوطي ورتبه على الأبواب ، فذكر فيه نحو مائة حديث واخترته المنية قبل إتمام الكتاب . سنح لي أن اجمع في ذلك كتاباً تقر به عيون الطلاب ....].
قلت : ومن أمثلته :
أ ما أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب ، عالية أصواتهم ، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شئ ، فقول : والله لا أفعل ، فخرج أنا يا رسول الله ، فله أي ذلك أحب " (3) .
#48#
__________
(1) وهو من المتأخرين كانت وفاته سنة ( 1120 ) للهجرة .
(2) 1 / 31 ) في المقدمة له ، طبع الكتب العلمية .
(3) أخرجه البخاري ( 2558 ) في الصلح ، باب هل يشير الإمام بالصلح ، ومسلم ( 1557 ) في المساقاة ، باب استجاب الوضع من الدين .(1/36)
فهذا الحديث ظاهره في الدين عموماً ، وبذلك ترجم مسلم رحمه الله ، أما البخاري فلم يعين ، ومن يجهل سبب ورود الحديث ويظن أن كل مدين إن طالبه الدائن ثم اختصما إلى الحكام أن يشير عليهما الحاكم أولا بوضع شيء من الدين عن المدين ، والشريعة وإن كانت رغبت في التجاوز عن المعسر ، أو الإنظار ، إلا أنها لم تجعل ذلك من باب المطالبة والإلزام ، حتى لا تضيع الحقوق ، ويتساهل المدينون في الوفاء ، لذلك عادت فخاطبت المدين بمغبة التباطؤ في وفاء الدين ، حتى كان - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام على المدين ، حتى يقضي عنه دينه(1).
ولذلك جاء في حديث عبد الله بن سلام: أن اليهودي زيد بن سعنة لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ألا تقضي حقي؟!
قال زيد بن سعنة: فنظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره ، وقال: أي عدو الله أتقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسمع ، وتفعل به ما أرى ، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك . . . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء (2) ، وتأمره بحسن التباعة (3) . . الحديث" (4) .
#49#
__________
(1) البخاري (5056) في النفقات ، ومسلم (1619) في الفرائض ، من حديث أبي هريرة .
(2) مع أنه في الحديث نفسه لم يكن حان وقت الأداء .
(3) المطالبة بالدين .
(4) أخرجه ابن حبان في صحيحه (288) الإحسان ، وأبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" برقم (48) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/278 – 280) ، والحاكم (3/604) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ) صلى الله عليه وسلم (81) ، وابن ماجه (2281) باختصار .(1/37)
والحاصل أن الحديث ليس في عموم الدين مطلقا ، بين ذلك الحافظ ابن حبان رحمه الله في صحيحه ، فروى بسنده عن عائشة رضي الله عنهما في الحديث السابق ذكره عند الشيخين قالت:
"دخلت امرأة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت: بأبي وأمي ، إني ابتعت أنا وابني من فلان ثم ماله ، فأحصيناه ، لا والذي أكرمك بما أكرمك به ، ما أحصينا منه شيئاً إلا شيئا نأكله في بطوننا ، أو نطعم لنا شيئاً ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - "تألمي لا يصنع خيرا –ثلاث مرات- قالت: فبلغ ذلك صاحب الثمر ، فقال: بأبي وأمي أن شئت وضعت ما نقصوا ، وإن شئت من رأس المال ، فوضع ما نقصوا"(1) .
ب- ومنها ما أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي" .
فقد أخرجه ابن حبان (3) عنه بلفظه "إن الرجال استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضرب النساء ، فأذن لهم ، فضربوهن ، فبات ، فسمع صوتا عاليا فقال: ما هذا ، قالوا: أذنت للرجال في ضرب النساء فضربوهن ، فناهم وقال: "خيركم . . وذكره" .
لأجل هذا استحق الحديث إيراده في الزوائد ، وعرف من هذه الزيادة أن الحديث في النهي عن ضرب النساء كيفما اتفق ، وعلى كل تقصير ، فأوردته في "تشنيف الآذان بسماع زوائد ابن حبان" (4) .
#50#
__________
(1) أخرجه ابن حبان باسناد قوي برقم (5032) ، وتقدم أن أصله في الصحيحن .
(2) سنن ابن ماجه رقم (1977) .
(3) الإحسان برقم (4186) .
(4) "تشنيف الآذان" رقم (605/ 4186) .(1/38)
ثم إنني أثناء إيرادي هذا المثال هنا ، انقلبت للمجمع علي أجد من رواه بلفظ ابن حبان ، وأن يكون الهيثمي أورده ، فوافقت الطلب ، وقرت العين ، حيث أورده الهيثمي بلفظ ابن حبان ، إلا قوله "فنهاهم" – وهو مما يؤكد الذي ذهبت إليه أي تأكيد- ؛ ثم قال –الهيثمي- : [روى ابن ماجه بعضه ، رواه البزار . .](1) .
وحيث أن الهيثمي عزاه للبزار انقلبت إليه ، لأحظى بموافقة ابن حجر أيضاً حيث ساقه بحروفه التي أوردناها الهيثمي – إلا: فنهاهم –وهو مما يؤكد ضبط الهيثمي ، وصحة ما ذهبنا إليه ، ثم قال الحافظ ابن حجر: [روى ابن ماجه بعضه ، ورواه ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه](2) .
ولأجل هذا أيضاً علم من الرواية السابقة لحديث عائشة أن الحديث في وضع الجوائح (3) ، لا في مطلق الدين ، وبذلك بوب الحافظ ابن حبان رحمه الله قبل إيراده فقال:
"ذكر البيان بأن وضع الجوائح من الخير الذين يتقرب به إلى البارئ جل وعلا".
وبهذا أيضاً ترجم الإمام مالك رحمه الله في الموطأ (4) فقال:
"باب الجائحة في بيع الثمار والزرع" .
#51#
وهذا هو الموافق لما أخرجه مسلم والحاكم وابن حبان وغيرهم من حديث جابر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح" (5) .
فإن قلت: إن سياق الحديثين مختلفان ، فالذي عند الشيخين أنهما رجلان ، والذي عند ابن حبان أن المرأة دخلت عليه .
__________
(1) "مجمع الزوائد" (4/303) .
(2) "زوائد مسند البزار" رقم (1040) صلى الله عليه وسلم (1/585) .
(3) يعني الذي يضمن ثمارا ثم تصاب بجائحة ، فعندها يطالب صاحب الثمر بوضع شيء من الدين بحجم الجائحة .
(4) 2/621) في البيوع .
(5) مسلم (1554) (17) في المساقاة ، باب وضع الجوائح ، وأبو داود (3374) ، والنسائي (7/265) ، والحاكم (2/40 – 41) وغيرهم .(1/39)
قلنا: قد ذكرت المرأة في حديث ابن حبان أنها فعلت ذلك مع ابنها ، فالظاهر أن ولدها هو الذي كان يخاصمه ، وأن أمه دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والحاصل أن هذه الزيادة توجب وضع الحديث في الزوائد ، ولذلك أخرجت هذا الحديث في "زوائد ابن حبان"(1) .
ج- ومثال هذا ، ما أخرجه الترمذي من حديث بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله – ما يظن أن تبلغ ما بلغت – يكتب سالله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله – ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت – يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه" .
وأخرج الحديث ابن ماجه من طريق علقمة بن وقاص قال: مر به رجل له شرف ، فقال له علقمة: إن لك رحما ، وإن لك حقا ، وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء ، وتتكلم عندهم بما شاء الله أن تتكلم به ، وإني
#52#
سمعت بلال بن الحارث صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : . . . وذكر الحديث .
فأورد البوصيري الحديث في الزوائد (2) وقال: [أخرجه الترمذي في الجامع دون ذكر القصة في أوله] .
ولم نعتبر القصة من مناط حكم الحديث ، أنها لم تقع عند قوله هو - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما وقعت القصة بعد في حياة الرواة .
ووجه الفائدة من ذكرها إفادة أن الدخول على الأمراء ، وتزيين الكلام لهم أو مدحهم ، أو وصفهم بما ليس فيهم ، يدخل تحت عموم التحذير الوارد في الحديث ، كما هو صريح في حديث أخرجه البخاري وابن ماجه عن ابن عمر ، لما ذكر له شيء من هذا قال: كنا نعد هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النفاق (3) .
__________
(1) انظر كتابنا "تشنيف الآذان بسماع زوائد ابن حبان" آخر الكتاب .
(2) مصباح الزجاجة رقم (1398) .
(3) انظر سنن ابن ماجه (3975) .(1/40)
المثال السادس: في الزيادة الطارئة قبل الحديث ، وليس لها تعلق بمناط حكمه ، حين قوله ، وهي مشتقة من الأول والخامس ، فانظر قولنا في العشرينية فيهما .
أ- ويوضحه ما أخرجه أبو داود من حديث الهرماس بن زياد الباهلي قال:
"رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى" (1) .
#53#
والحديث أخرجه الطبراني (2) بألفاظ أكثرها في الزوائد(3) لإفتراقها عن لفظ أبي داود ، إلا أن لابن حبان فيها لفظ قريب جداً من لفظ أبي داود ، قال (4):
أخبرنا أبو خليفة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا الهرماس بن زياد قال: "أبصرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي ، وأنا مردف وراءه على جمل ، وأنا صبي صغير ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته العضباء بمنى" .
فأفادت هذه الرواية تفصيلاً ليس في متن الحديث ، ولا هو متعلق به ، وهي ذكر زياد الباهلي والد الهرماس ، وأنه كان ممن شهد الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن لم يكن حج معه ، فقد ثبت لقاءه له - صلى الله عليه وسلم - .
فإن قلت: فهذه الزيادة لم تثبت حكماً شرعياً .
قلنا: قد لا يكون إثبات الحكم الشرعي في ذات الخبر ، وإنما في غيره ، فاستفدنا من هذا الخبر صحبة زياد ، حتى إذا جاءنا الحديث عنه حكمنا له بالوصل ، وذلك أن زياداً رضي الله عنه لم تذكر له صحبة إلا في هذا الحديث بلفظ ابن حبان ولفظين للطبراني وما كان نحوهما ، فثبتت صحبته فيه ، ومن ثبتت له الصحبة ، ثبتت له أحكام الصحابة .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة هذا الحديث في ترجمة زياد رضي الله عنه وصححه .
#54#
__________
(1) أبو داود رقم (1954) (2/204) .
(2) "معجم الطبراني الكبير" (22/532 – 533 – 534) .
(3) انظر "المجمع" (3/258) و (3/485) و (3/235) .
(4) "الإحسان" رقم (3875) .(1/41)
نعم قد جاء عند الدار قطني في رواية ذكر إسلامه ، لكن في إسناد الحديث عنده مجاهيل .
ولذلك أوردت هذا الحديث في كتابنا المسمى "تشنيف الآذان بسماع الزائد على الستة عند ابن حبان" .
ب- ومن مثاله ما أخرجه الحاكم في المستدرك (1) أن رجلاً من بني كعب يقال له مسعود بن عمرو قال لابن عمر: "يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان بأرض فارس فيمن كان عند عمر بن عبيد الله ، وأنه وقع بالبصرة طاعون شديد ، فلما بلغ ذلك نذرت إن جاء الله بابني أن أمشي إلى الكعبة ، فجاء مريضا فمات ، فما ترى؟ قال ابن عمر:
"أو لم تنهوا عن النذر ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره ، وإنما يستخرج به من البخيل ، أوف بنذرك" .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، انتهى .
وقد خرج الشيخان (2) وغيرهما هذا الحديث عن ابن عمر ، واقتصروا على القدر المرفوع ، فرأى الحاكم أن هذه الزيادة ، تجعله من الزوائد على الشيخين فأورده في المستدرك ، وعقب بقوله: "لم يخرجاه بهذه السياقة" .
وأما توهيم الحافظ ابن حجر للحاكم في إيراده (3) ، فذلك أنه نظر للمتن فقط ، ونظر الحاكم للسياق ، ولو أن الحاكم قال: "ولم يخرجاه بهذه القصة" لكان أصوب ، ولدفع تعقيب الحافظ عنه بلا شك .
#55#
المثال السابع: في ذكر غوامض الأسماء المبهمة الواردة في الحديث .
اعلم أنه قد ورد في الكتاب والسنة أنباء وأحكام ، بعضها منسوب لمن جرت له أو وقعت عليه ، وبعضها غير منسوب من تحديد الأعلام الظاهرة ، وما يشبه الأعلام .
وقد ذكر أهل المعرفة للتعريف والتنكير دواعي وأسبابا وحكما يسوقونها في الشروح والتفاسير ، يعزون بعضها للستر على صاحب الخبر ، ودفع إهانته .
__________
(1) المستدرك (4/ 304) .
(2) البخاري برقم (6692) ، ومسلم (1693) .
(3) الفتح (11 / 585) .(1/42)
وربما يكون الستر للأسماء قد جاء من صاحب الخبر نفسه وراويه بقصد ترك التفاخر ، أو الحياء ، كما هو مبسوط في مواضعه ومشهور .
لكن حيث يكون في ذكر المبهمات فوائد ، ولم يكن الإبهام من باب القصد ، وإنما مما وقع للرواة فيه نسيان ، - إذ نسيان الأسماء أقرب للحدوث من نسيان الوقائع – أو ربما ينشط الراوي مرة فيعدد الأسماء ، وتقعد به الهمة أخرى فيغفلها .
فما كان من هذا النوع قام أصحاب الهمم بتتبع مثل هذه المخفيات وإجلائها ، وبدافع استخراج مكنون الفوائد ، أو ربما عند بعضهم بدافع شغف المعرفة المجردة .
وليس هذا النوع من العلوم ممن تأخرت الدراية به والعناية ، فقد كان أوله في حياته - صلى الله عليه وسلم - .
فقد أخرج أبو داود والترمذي – واللفظ له – من حديث فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه قال:
فقد أخرج أبو داود والترمذي – واللفظ له – من حديث فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه قال:
أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي
#56#
بمن أقبل منهم؛ فإذن لي في قتالهم وأمرني ، فلما خرجت من عنده ، سأل عني: ما فعل الغطيفي ؟ فأخبر أني سرت ، فأرسل في إثري فردني ، فأتيته – وهو في نفر من أصحابه – فقال: ادع القوم ،ت فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك . قال: وأنزل في سبأ ما أنزل . فقال رجل: يا رسول الله . ما سبأ؟ أرض؟ أو امرأة؟
قال: "ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن منهم ستة ، وتشاءم منهم أربعة ، فأما الذين تشاءموا ، فلخم وجذام وغسان وعاملة ، وأما الذين تيامنوا ، فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار" .
فقال رجل: وما أنمار؟(1/43)
قال: "الذين منهم خثعم وبجيلة" (1)
ففي هذا الحديث سؤالان عن مبهمين سبأ وأنمار .
ومن هذا الضرب ما صح في البخاري ومسلم (2) وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية ما أستطيع أن أسأله هيبة له ، حتى خرج حاجا فخرجت معه ، فلما رجع فكنا ببعض الطريق ، عدل إلى الأراك لحاجة له ، فوقفت
#57#
حتى فرغ ، ثم سرت معه ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، من اللتان تظاهرتا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه – يعني قوله: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ . . . . . .} فقال عمر: تلك حفصة وعائشة .
قال: فقلت له: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك ، قال: فلا تفعل ، ما ظننت أنه عندي من علم فسلني ، فإن كنت أعلم أخبرتك . ..".
قلت: فتأمل هذا السعي من الحبر ، وموافقة عمر له على هذا الطلب .
والذي بلغنا أن أشهر من صنف في مبهمات القرآن الكريم هو السهيلي رحمه الله في كتابه "التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام"(3) .
__________
(1) رواه الترمذي في التفسير (3220) باب ومن سورة سبأ ، وأبو داود (3978) في الحروف والقراءات ، وفي سنده أبو سبرة النخعي لم يوثقه إلا ابن حبان ، ولكن أخرجه الحاكم من طريق آخر (2/423) ، وله شاهد عنده من حديث ابن عباس (2/423) ، ولذا قال الترمذي: حديث حسن ، والحديث عند أحمد (3/451) ، وابن جرير الطبري (32/52) ، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" وزاد نسبته لبعد بن حميد ، والنجار في تاريخه ، وابن المنذر ، وابن مردويه .
(2) رواه البخاري (37/7) ، ومسلم (75/10) بشرح النووي .
(3) والكتاب مطبوع متداول ، ط الأزهر سنة (1356) هـ ، والسهيلي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المتوفى سنة (581) للهجرة .(1/44)
ثم جاء من بعده تلميذه ابن عساكر فذيل على كتاب شيخه بـ"التكميل والاتمام"(1) ثم جاء بدر الدين بن جماعة فجمع بين الكتابين مع زيادة في كتابه "التبيان" ، وكان السيوطي آخر من صنف في هذا بكتابه "البيان في مبهمات القرآن" (2) ومن أراد أن يلحق بهذا الصنف من المصنفات كتب أسباب النزول أمكنه .
وأما في مبهمات الحديث ، وغوامض الأثر ، فأول من صنف فيها فيما وقفنا عليه ، هو الشيخ عبد الغني بن سعيد ، من القرن الرابع في كتابه
#58#
المرسوم بـ "مبهمات عبد الغني بن سعيد" أو "الغوامض والمهملات" (3) كذا ذكر النووي في التقريب ، ثم أردف بعده كتاب الخطيب البغدادي "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" .
وأوله عنده بعد التحميد:
"هذا كتاب أوردت فيه أحاديث تستمل على قصص متضمنة ذكر جماعة من الرجال والنساء أبهمت أسماؤهم (4) وكني عنها ، وجاءت في أحاديث أخر مبينة محكمة . . . . ." .
وقد أثنى النووي عليه في مختصره "شرح المبهمات" .
ثم تلاهما – لعبد الغني والبغدادي – أو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب مختصر سماه: "إيضاح الإشكال" (5) لكنه ليس يدخل في هذا الفن تماما لأنه ذكر فيه أسامي أقوام من الصحابة يروي عنهم أولادهم ، ولا يسمونهم في الرواية .
__________
(1) انظر "البرهان في علوم القرآن" (1/155) .
(2) مطبوع بهامش الفتوحات الإلهية ، ط الحلبي ابتداء من (4/491) .
(3) يوجد منه نسخة خطية في الظاهرية كما في فهرس الألباني صلى الله عليه وسلم (348) .
(4) فهو متخصص بأسماء الأعلام فقط ، بخلاف كتاب السهيلي المتقدم ذكره في "مبهمات القرآن" فإنه قال في فواتحه: "ذكرت فيه من لم يسم اسمه من نبي أو ولي أو آدمي أو ملك أو جني أو بلد كوكب أو شجر أو حيوان" .
(5) توجد منه نسخة بالجامعة الإسلامية ، مصورة .(1/45)
ثم صنف في ذلك ابن بشكوال من القرن السادس (1) ، "غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة" ، وهو يقع في مجلدين (2) ، قال فيه ولي الدين العراقي في مقدمة كتابه "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد": "هو أنفس كتاب صنف في المبهمات" .
#59#
والعراقي المذكور مع كتابه ، إنما صنف بعد هؤلاء جميعهم ، فجمع أقوالهم في إيجاز مقنع ، وحسن تصرف ، وأنفع ترتيب ، وبيان لما اتفقوا عليه أو تفرد أحدهم به .
ثم ختم هؤلاء جميعهم الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الإحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام"(3) و "ترتيب المبهمات على الأبواب" و "الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة" وهذا الأخير مختص بمبهمات صحيح البخاري ، التي ساقها في مقدمة الفتح من "هدي الساري" .
ومن أعجب ما وقفت عليه في ذكر غوامض الأسماء المبهمة ، ما حكاه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (4) ، في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء . . . الحديث" .
قال الحافظ: [وقد اعتنى بجمع أصحاب أهل الصفة ابن الأعرابي ، والسلمي ، والحاكم ، وأبو نعيم ، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر ، وفي بعض ما ذكروه اعترض ومناقشة ، لكن لا يسمع هذا المختصر تفصيل ذلك] .
وهذا أوان الشاهد على ما قدمنا من اعتبار الحديث من الزوائد إذا وقع فيه تبين المبهم.
أ- أخرج ابن ماجة (5) من بين الستة وحده ، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أردوا أن يحفروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعثوا إلى أبي
#60#
__________
(1) توفي سنة (578) للهجرة .
(2) طبع عالم الكتب ط الأولى (1407) هـ
(3) انظر "كشف الظنون" (1/ 21) ، و "غوامض الأسماء المبهمة" (1/22) .
(4) 1/536) من كتاب الصلاة ، باب نوم الرجال في المسجد .
(5) السنن (1628) .(1/46)
عبيدة بن الجراح ، وكان يضرح كضريح أهل مكة ، وبعثوا إلى أبي طلحة ، وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة ، وكان يلحد ، فبعثوا إليهما رسولين ، فقالوا: اللهم خر لرسولك ، فوجدوا أبا طلحة فجيء به ، ولم يوجد أبو عبيدة ، فلحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . وساق الحديث .
وفيه:
ونزل في حفرته ، علي بن أبي طالب ، والفضل بن العباس ، وقثم أخوه ، وشقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال أوس بن خولي ، وهو أبو ليلى ، لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله وحظنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له علي: أنزل . . . الحديث .
والحديث أخرجه البزار عن ابن عباس أيضاً باختصار كبير فقال:
"دخل قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - العباس والفضل وعلي ، وشق لحده - صلى الله عليه وسلم - رجل من الأنصال ، وهو لذي شق قبور الشهداء يوم أحد" .
قال الهيثمي في "المجمع (1) بعد ذكر الحديث:
"رواه ابن ماجه أطول من هذا ، وليس فيه ذكر العباس ، ولا الذي شق لحده - صلى الله عليه وسلم - رواه البزار عن شيخه . . . ." .
قلت: فتأمل كيف أن السبب الأول في إخراجه له هو ذكر العباس ، حيث لم يذكر في حديث ابن ماجه .
وأما قوله: "ولا شق لحده - صلى الله عليه وسلم - " فهو وإن كان يشهد لهذا الذي نقرره ، إلا أنه غير مستقيم كما عرفت في رواية ابن ماجه ، بل هي مصرحة في كونه أبا طلحة الأنصاري ، وليس عند البزار: إلا أنه رجل من الأنصار .
#61#
نعم لو كان قال: "وليس عند ابن ماجه أن الذي شق لحده - صلى الله عليه وسلم - هو الذي شق قبور الشهداء يوم أحد" لكان صوابا .
فيكون حصل من رواية البزار هذه فائدتان:
الأولى: أن العباس كان ممن نزل قبره - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) "المجمع" (9/37) .(1/47)
الثانية: أن الأنصاري – المسمى عند ابن ماجه أبا طلحة – هو الذي شق قبور شهداء أحد ، سيما وأن الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله قد حسن إسناد هذا الحديث ، كما هو في زوائد مسند البزار (1) .
ب- ومن هذا الباب حديث عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفه "ويأتيك بالأخبار من لم تزود" .
قال الهيثمي: "رواه الترمذي غير أنه جعل مكان طرفه ، عبد الله بن رواحه"(2).
ج- ومن هذا الباب ، الحديث الذي أوردناه في ذكر النجباء والرفقاء ، عند الحديث على نسخ الكتب .
د- ومن هذا الباب ما أخرجه أبو داود في سننه (3) من حديث جابر بن عبد الله "أن امرأة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : صل علي وعلى زوجي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم صل عليها وعلى زوجها" .
فقد أخرج ابن حبان (4) هذا الحديث عن جابر بلفظ: "أتانا
#62#
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فنادته امرأتي فقالت: يا رسول الله صل علي . . . الحديث".
فتبين من هذه الرواية أن الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى زوجته هو جابر نفسه رضي الله عنه ، وعرفنا أن الحديث في فضل جابر وزوجته .
هـ- ومنه ما أخرج الشيخان وغيرهما (5) من حديث أم هانئ قالت: "ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح ، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب . . ." الحديث .
وفي لفظ النسائي: "قد سترته فاطمة بثوب ، دونه ماء في قصعة فيها أثر العجين. . . " الحديث .
__________
(1) "زوائد مسند البزار" رقم (1864) الصفحة (2/279) .
(2) "المجمع" (8/128) .
(3) سنن أبي داود رقم (1533) .
(4) الإحسان رقم (916) .
(5) البخاري رقم (280) ، ومسلم (336) (70) ، والترمذي (2735) وغيرهم .(1/48)
فقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده (1) بلفظ: "نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة ، فأتيته ، فجاء أبو زر بجفنة – هي القصعة – فيها ماء – قالت: إني لأرى فيها أثر العجين ، فستره أبو ذر ، ثم ستر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر فاغتسل" .
فأورده الهيثمي في "المجمع" (2) وقال: "هو في الصحيح خلا قصة أبي ذر ، وستر كل واحد منهما الآخر" .
و- ومن هذا النوع حديث "الجنة تشتاق إلى ثلاث" .
فقد أخرجه الترمذي من حديث أنس وسماهم: عليا وعمارا وسلمان ، لكن وقع عند البزار "الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار ، وأحسبه قال: وأبي ذر" .
#63#
قال الهيثمي (3): [" رواه الترمذي غير ذكر أبي ذر" رواه البزار بسند حسن] .
وكان الحديث تقدم من قبل (4) عنده عن أنس أيضاً بلفظ "إن الجنة تشتاق إلى أربعة علي وعمار وسلمان والمقداد بن الأسود" .
فقال: [رواه الترمذي – غير ذكر المقداد – رواه الطبراني . . .] .
قلت: فملخص القول في هذا النوع ، إخراج جميع الأحاديث التي ترد فيها الأسماء المبهمة وقد صرح بها ، والله أعلم .
ومن هذا النوع التصريح بذكر العدد المبهم ، فهو يدخل في الزوائد من بابين ، من باب ذكر الأعداد ، ومن باب ذكر غوامض المبهمات .
ومثاله ما جاء في "المجمع" (5) .
[" وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يزوج العبد في الجنة سبعين زوجة .
فقيل: يا رسول الله : أيطيقها؟
قال: يعطي قوة مائة –قلت- يعني الهيثمي – رواه الترمذي باختصار . . .].
قلت: والحديث في الترمذي لكن قال: "كذا وكذا" ، بدل: "سبعين" .
المثال الثامن: الزيادة الآتية من كلام الراوي للحديث ، وليست هي من متنه ، وهو ما يسمى عند أهل الاصطلاح بالإدراج ، أو – إدراج المتن - .
#64#
__________
(1) المسند (6/341) .
(2) 1/269) .
(3) "المجمع" (9/230) .
(4) "المجمع" (9/317) .
(5) "المجمع" (10/417) .(1/49)
وهو الذي أشرنا إليه بقولنا في العشرينية:
"أو مدرجا حلت به ألفاظه ... أو بسطه للمجمل إن فسرا"
والإدراج في اللغة: جعل شيء في طي شيء آخر ، وعرفه بعضهم بقوله: أن يدخل في الشيء ما ليس منه .
وهو في اصطلاح المحدثين: أن يدخل الرواي شيئاً من كلامه في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيتوهم السامع أن هذا الكلام من الحديث ، والإدارج يكون قبل المتن وبعده ، وأثناءه (1).
وبعضهم يعرفه بقوله: "ما ذكر ضمن الحديث متصلا به من غير فصل ، وليس منه"(2) .
وقولنا في المثال: "من كلام الرواي" عام يشمل الصحابي ومن دونه ، كذا هو عندنا وعند أهل المصطلح .
والذي حملنا على اعتبار الإدراج الوارد في الحديث ، غنما هو فائدته ، التي اشترطناها في الزيادة ، إذ الحامل على الإدراج في الغالب البيان والشرح للمتن ، الذي قد لا يعرف من ألفاظ الحديث الواردة ، فأشبه أن يكون من جنس تحقيق المناط في بعض أحواله .
وقد رأينا أسباب الإدراج تنحصر في أمور منها:
أ- تحقيق المناط .
ب- الاستفصال في الحكم .
ج- الاستنباط ، وهو في الغالب معتبر .
#65#
د- شرح الألفاظ ، وذكر المبهمات .
هـ- إسناد القول لقائله ، وبه يعرف المرفوع من الموقوف .
و- ذكر الثلث الناشئ عن قلة الضبط .
ز- الإدراج من جهة الوهم – وهو ما يقع زيادة خطأ من الرواة الضعاف وسيئ الحفظ في الغالب – وهو نادر في أحاديث الحفاظ .
ج- الزيادة المتعمدة على المتن ، وهو فعل الزنادقة ، ومن يدعون لبدعهم ، وهذا إدراج محرم باتفاق ، ويورد النيران .
أ- ومن أنواعه:
ما ذكره الدار قطني في السنن قال (3):
__________
(1) انظر "مصطلح الحديث ورجاله" صلى الله عليه وسلم (141) .
(2) انظر "منهج النقد في علوم الحديث" ص (439) .
(3) سنن الدار قطني (1/148)(1/50)
حدثنا أحمد بن عبد الله ، نا علي بن مسلم ، ثنا محمد بن بكر ، نا عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ" .
قال الدار قطني: كذا رواه عبد الحميد بن جعفر عن هشام ، وهم في ذكر الأنثيين والرفغ ، وإدراجه ذلك في حديث بسرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمحفوظ أن ذلك من قول عروة ، غير مرفوع . انتهى .
قلت: فهذا النوع يدخل في النوع الأخير الذي ذكرناه .
ب- ومن أنواعه:
ما أدرجه أبو هريرة رضي الله عنه في حديث "ويل للأعقاب من النار" فقال في أوله: "أسبغوا الوضوء" ثم ذكر الحديث .
#66#
قال الخطيب البغدادي بعد ذكره هكذا: وهم أبو قطن وشبابة في روايتهما له عن شعبة على ما سقناه ، وقد رواه الجم الغفير كرواية آدم – يعني بدون قوله "أسبغوا الوضوء" – كذا جاء في تدريب الراوي .
وقد نقل هذا من كلام الخطيب ، في كتابه الحافل الذي صنفه لهذا الغرض حسب ، وهو "فصل الوصل ، لما أدرج في النقل" (1) .
قلت: وهذا يدخل في النوع الثالث الذي ذكرناه .
ج- ومن أمثلة هذا:
ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن أبي أوفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرها – لخديجة – ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب (2) .
فقد أخرج الطبراني في "الأوسط" هذا الحديث بلفظ: قال لي جبريل عليه السلام: "بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب – يعني قصب اللؤلؤ-" .
فأورد الهيثمي هذا الحديث في "المجمع" (3) وقال: "في الصحيح بعضه" .
__________
(1) انظر "الباعث الحثيث" ص (70) .
(2) صحيح مسلم ص (1888) حديث رقم (2433) .
(3) 9/224) .(1/51)
فجعله من الزوائد – والله أعلم – لأجل الزيادة في آخره المفسرة لمعنى القصب، ومثل هذا التفسير لا يمكن أن يقال بالرأي ، فلا بد فيه من مستند – ربما يكون من اللغة على الأرجح- .
#67#
وأما الزيادة في أوله من أن المخبر بذلك جبريل عليه السلام ، فهو نوع من ذكر الغوامض . إذ لم يكن له - صلى الله عليه وسلم - أن يبشر خديجة بذلك لولا الوحي الذي من أنواعه قول جبريل عليه السلام له - صلى الله عليه وسلم - . والذي من أنواعه ، الرؤى ، وما كان يأتيه كصلصلة الجرس ، وغير ذلك مما هو مذكور في الحديث .
المثال التاسع: في الزيادة التي تفيد تأريخ قول الحديث أو وقوعه .
وهو معنى قولنا في العشرينية:
"لا تغفلن حكاية المتن التي ... قد أرخت أو فسرت ما أضمرا"
وهذا النوع من الزوائد ، أكثر من يحتاج له الفقهاء ، وأصحاب السير .
فالأولون لا يكون خلاصهم عند تعارض الأحاديث ، ومعرفة ناسخها من منسوخها ، ومتقدمها من متأخرها ، إلا بالتأريخ ، الذي يكون المرجع إليه ، ويخلص به للجواب الفصل ، ويرتفع الإشكال .
بل وبما يتبين لهم من ذلك أحوال قول الحديث ، وتتكشف لهم بعض مناطاته المعتبرة ، التي هي من أهم ما يعرف التشريع به ، وتظهر منه العلل .
وأما الآخرون أصحاب السير ، فحاجتهم ظاهرة بينة ، لأنهم إنما يشتغلون بالتأريخ .
ومثال هذا:
أ- ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بن أوس قال:
[كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمشي إلى البقيع ، زمان الفتح ، فنظر إلى
#68#
رجل يحتجم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفطر الحاجم والمحجوم"] (1) .
وهذا الحديث بعينه ، قد أخرجه أبو داود (2) عن شداد ، ولم يقل فيه: "زمن الفتح" .
__________
(1) "الإحسان" رقم (3534) .
(2) "سنن أبي داود" (2368) و (2369) .(1/52)
لذلك فإنني قد أخرجت هذا الحديث بحمد الله في زوائد ابن حبان ، لأجل هذه الزيادة ، وأنا أذكر الآن مسألة الاحتجام وما وقع لنا في هذه الزيادة من عظيم الفائدة .
فقد اختلف الفقهاء في الصائم ، هي يفطر بالاحتجام أم لا .
فذهب الشافعية والحنفية إلى أن الحجامة لا تفسد الصوم ، وكذا المالكية ، إلا أنهم كرهوها في الصوم .
وانفرد الحنابلة عن الثلاثة فقالوا إنها تفسد الصوم (1) .
وحجة من قال بأن الحجامة لا تفسد الصوم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم" ، وفي لفظ "احتجم وهو محرم" .
وهو مخرج عند البخاري وأبي داود والترمذي والطحاوي والبيهقي وابن حبان وغيرهم (2) .
ووقع في لفظ لهذا الحديث عند الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي
#69#
شيبة ، وأحمد ، وأبي داود ، والترمذي وابن ماجه وأبي يعلى والطبراني والطحاوي والدار قطني والبيهقي والبغوي بلفظ "وهو صائم محرم" .
وأما حجة من قال بأن الحجامة تفطر فحديث:
أ- ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع ، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يحتجم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفطر الحاجم والمحجوم" .
وحديث ثوبان أخرجه ابن حبان ، وابن خزيمة ، والحاكم والبيهقي وصححوه ، والطحاوي وأحمد وعبد الرزاق ، والطيالسي والدارمي ، وأبو داود ، وابن ماجه والطبراني وابن الجارود ، والنسائي في الكبرى ، وابن أبي شيبة (3) .
__________
(1) انظر "الدر المختار" (2/142) – "فتح القدير" (2/70) – "البدائع" ، القوانين الفقهية (122) – "مغني المحتاج" (1/440) – "المهذب" (1/184) ، "المغني" (3/135) – "كشف القناع" (2/370) وغيرها .
(2) انظر "الإحسان" (8/ 300) .
(3) انظر "الإحسان" (8/301- 302) .(1/53)
ب- شداد بن أوس قال: بينما أنا أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثمان عشرة خلت من رمضان ، إذ حانت منه التفاته ، فأبصر رجلاً يحتجم فقال - صلى الله عليه وسلم - : "أفطر الحاجم والمجوم".
والحديث أخرجه ابن حبان ، والحاكم ، وأحمد ، والدارمي ، والطبراني ، والبيهقي ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة وأبو داود وغيرهم (1) .
والبخاري ، وإن لم يخرج الحديثين فإنه صححهما ، بل جعلهما أصح شيء في الباب ، فنقل عنه الترمذي قوله في "العلل الكبير" (2) ، ونقله عنه الزيلعي في نصب الراية:
[قال البخاري: ليس في الباب أصح من حديث ثوبان وشداد .
#70#
قال الترمذي: فذكرت له الاضطراب – يعني مرة يروي عن شداد ، ومرة عن ثوبان – فقال: كلاهما عندي صحيح ، فإن أبا قلابة روى الحديثين جميعاً ، رواه عن أبي أسماء عن ثوبان ، ورواه عن أبي الأشعث عن شداد .
قال الترمذي: وكذلك ذكروا عن ابن المديني: أنه قال: حديث ثوبان وحديث شداد صحيحان] . انتهى .
قلت: فتبين مما تقدم ، صحة الأحاديث الثلاثة ، وتعارض حديثي ثوبان وشداد ، مع حديث ابن عباس .
فجنح من قال بحديث ابن عباس إلى نسخ حديثي ، شداد وثوبان . وإن اختلفوا في تعليل النسخ .
وكذا جنح من قال بحديثي شداد وثوبان لنسخ حديث ابن عباس ، وله في ذلك تعليلات أيضاً .
لكننا بحمد الله ، لما وقفنا على هذا الحديث الصحيح بزيادة هذه اللفظة ، علمنا تأخر الحديث في النهي عن الحجامة للصائم ، وأنها تفطر ، فقلنا بأنه هو الناسخ ، لأجلها ، والله أعلم .
ومثاله حديث ثوبان الذي قدمناه في الحجامة أيضاً:
ولفظ ابن حبان فيه: "أنه – يعني ثوبان – خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثمان عشرة خلت من شهر رمضان إلى البقيع ، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يحتجم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفطر الحاجم والمحجوم" .
__________
(1) "الإحسان" (8/303) .
(2) العلل الكبير ص (362 – 364) .(1/54)
فالحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه ، وليس عندهما منه إلا القدر المرفوع (1).
#71#
نعم أخرج أبو داود هذه السياقة في حديث شداد ، لا في حديث ثوبان ، فلذلك أخرجت الحديث في الزوائد لابن حبان .
(تعقيب):
وبهذه الزيادة التي أوردتها في حديث شداد ، رأيت البيهقي منها ينقل عن الإمام الشافعي عكس الذي رأيته من نسخ الحديث ، لأنها أثبتت أن المنع كان سنة الفتح لثمان للهجرة ، وحديث ابن عباس فيه وهو محرم ، وهو لم يحج إلا في العاشرة ، فعلم تقدم حديث شداد ، على حديث ابن عباس ، وصار حديث ابن عباس هو الناسخ .
ونحن لا نسلم أن الإحرام في حديث ابن عباس إنما هو إحرام الحج ، وربما كان إحرام عمرة القضاء سنة سبع . فيبقى وجهه ووجهنا محتملين .
وقد جمع ابن حبان بين الحديثين جمعا أعمل فيه حديث شداد وثوبان ، فقال: هذان خبران ، قد أوهما عالما من الناس إنهما متضادان ، وليس كذلك ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم محرم ، ولم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - في خبر صحيح ، أنه احتجم وهو صائم دون الإحرام ، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - محرما قط إلا وهو مسافر ، والمسافر قد أبيح له الإفطار: إن شاء بالحجامة وإن شاء بالشربة من اللبن أو أي شيء من الأشياء .
(استدراك):
قد نظرت لقوله في الحديث "زمان الفتح" وقوله "في البقيع" ، فما رأيت أحدا ممن روى الحديث جمعهم في لفظ واحد ، وهم وإن لم
#72#
__________
(1) انظر "الإحسان" (3532) ، وسنن أبي داود (2367) وابن ماجه (1680) .(1/55)
يجمعوا ، فمجموعهم باطل ، سيما وقد وقع – كما عند البيهقي – "عام الفتح" لأنه - صلى الله عليه وسلم - حينما لم يكن بالمدينة ليزور البقيع ، وإنما كان في مكة فإما أن يعتبر قوله "عام الفتح" من تصرف الرواة ، والصواب "زمان التفح" في العام الذي قبله أو بعده ، وإما أن يطرح أحد الألفاظ الثلاثة ليزول الإشكال ، فينظر في الرواة لنقض الضعيف منها ، وإما أن يعل الحديث بهذه العلة التي لم يقلها أحد من قبلي فيما علمت ، والله أعلم .
المثال العاشر: في الزيادة في اللفظ بالرواية المطولة:
وهو يدخل تحت قولنا في العشرينية:
"وللمتون مثلها سوف يرى" .
أي زيادة كما قدمنا .
وهو أن يكون الحديث قد جاء في الكتب المزاد عليها بلفظ مختصر ، ثم جاء في الكتب المزاد منها ، بسياق مبسوط ، أو فيه بعض تطويل ، وزيادة استفصال ، وفضل وصف ، يبلغ فائدة عن اللفظ المختصر ، وهو النوع الذي يردفه علماء الزوائد بقولهم: "روي باختصار" . فهو لا يختلف عن زيادة اللفظ بكبير شيء ، إلا كالآتي:
أ- ومن مثاله:
[حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"والذي نفس أبي القاسم بيده ، لينزلن عيسى ابن مريم إماما مقسطا ، وحكما عدلا ، فليكسرن الصليب ، ويقتلن الخنزير ، وليصلحن ذات البين ، وليذهبن الشحناء ، وليعرضن المال فلا يقبله أحد .
ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد ، لأجبته" .
#73#
قال الهيثمي: هو في الصحيح باختصار ، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح] (1) .
قلت: الحديث عند الستة إلا النسائي ، ولكن ليس عندهم:
"وليصلحن ذات البين وليذهبن الشحناء" ولا قوله في أخره: "ثم لئن قام على . . . ." (2) .
__________
(1) "المجمع" (8/211) .
(2) انظر البخاري (2109) ومسلم (155) ، وأبا داود (432) ، والترمذي (2234) وابن ماجه (4078) .(1/56)
فوقعت الزيادة في هذا الحديث في أثنائه ، وفي آخره ، لا في آخره فحسب أو طرفه الأول ، فاستحق أن يقال عقبه "روي باختصار" .
وأما لو كانت الزيادة في آخره لقيل: "فيه زيادة" أو "ليس عندهم آخره" أو نحو هذا . وإن كان يوجد منهم بعض التساهل في هذا أحياناً .
ب- ومن مثاله حديث له آخر أيضاً رضي الله عنه قال:
[" إن لله عز وجل خلق خلقا يبثهم تحت الليل كيف شاء ، فاوكوا السقاء وأغلقوا الأبواب ، وغطوا الإناء ، لا يفتح بابا ولا يكشف غطاء ، ولا يحل وكاء" .
قال الهيثمي: رواه ابن ماجه باختصار ، رواه أو يعلى . . ] (1) .
قلت: هو عند ابن ماجه بلفظ: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بتغطية الإناء ، وإيكاء السقاء ، وإكفاء الإناء" (2) .
#74#
ج- وفي حديث له ثالث رضي الله عنه:
[قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسبوا الدهر ، فإن الله عز وجل قال:
"أنا الدهر والأيام والليالي أجددها وأبليها ، وآتي بملوك بعد ملوك" .
قال الهيثمي: هو في الصحيح باختصار . . . . .] (3) .
قلت: هو عند الشيخين وأبي داود ، ولهم فيه ألفاظ أقربها للفظ المذكور: "قال الله عز وجل: يسب بنو آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار" (4) .
فهذا من تصرفهم الذي ذكرناه . – والله أعلم - .
(استكمال) في معرفة الزوائد غير المفيدة .
قد سبق وقدمنا بحمد الله في تعريفنا والشرح ، اشتراط الإفادة من الزيادة الطارئة على المتن لحكم شرعي على سبيل المباشرة ، كأن تثبت تاريخا للحديث يفيد النسخ – إعمالا – أو شرطا- فتحيل هذه الزيادة الحكم على الحديث الناسخ ، أو كأن تثبت صحبة صحابي مثلا ، فنحكم لأحاديثه بالوصل ، فتكون الفائدة فيما حكمنا عليه من أقواله بالوصل ، لا في نفس الزيادة .
__________
(1) "المجمع" (8/111) .
(2) سنن ابن ماجه (3411) .
(3) "المجمع" (8/71) .
(4) البخاري (5827) ، ومسلم (2246) ، وأبو داود (5274) .(1/57)
فمفهوم من اشتراطنا الإفادة في الزيادة حتى نترك إخراج الزيادة، عند عدم الإقادة، وهو الذي نسميه في هذا الفن، اختلافا أو زيادة غير مؤثرة .
وفي ذلك مثال نورده بعد ، في فصل النقص المفيد في (إكماله) في
#75#
مجيء مختصرا ، المروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، والذي خالفنا فيه البوصيري ، واعتبرنا الاختلاف أو الزيادة غير مؤثرة .
ونورد هنا مثلين :
الأول: في الاختلاف غير المؤثر :
أ- ومثاله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :
"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ، فلها أجرها بما أنفقت وللزوج بما اكتسبت ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً" .
فرواه الخمسة (1) بلفظ "من بيت زوجها" وبلفظ "أنفقت" .
والشيخان بلفظ "من طعام بيتها" .
والبخاري وحده بلفظ "من بيتها" .
وللترمذي وللنسائي بلفظ "تصدقت" بدل "أنفقت" ، وفي أخرى "أعطت" ووقع هذا الحديث في رواية ابن ماجه بلفظ "أطعمت" و "من بيت زوجها" . فاختلف معهم ابن ماجه في قوله "أطعمت" (2) .
وحيث أن هذا الاختلاف غير مؤثر ، لم يخرج البوصيري الحديث في الزوائد .
ب والثاني في مثال الزيادة غير المؤثرة :
#76#
وهو ما أخرجه النسائي من حديث أبي كاهل الأحمسي قال : "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على ناقة، وحبشي آخذ بخطام الناقة" (3) .
فقد أخرجه ماجه وقال : "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يخطب على ناقة حسناء ، وحبشي آخذ بخطامها " (4) .
فزاد ابن ماجه "حسناء" وهي زيادة غير مؤثرة ، ولا تفيد حكما .
#77#
الفصل الثاني
في قولنا في التعريف : "أو نقص – مفيد –"
__________
(1) البخاري (1372) ، ومسلم (1024) ، والترمذي (671) ، والنسائي (5/65) ، وأبو داود (1685) .
(2) سنن ابن ماجه (2294) .
(3) سنن النسائي (3/185) .
(4) سنن ابن ماجه رقم (1285) .(1/58)
وهو الذي أشرنا إليه في العشرينية بقولنا : "وزيادة اللفظ المفيد ونقصه...."
وهذا الفصل من غوامض علم الزوائد" لأنه في الظاهر مناف لشكلها ، فهي في الزوائد على المتون ، وهو في النواقص .
لكن الجواب ، أن هذا الباب وإن كان ناقصا في اللفظ فهو زائد في المعنى .
فإن قلت : كيف يكون نقص اللفظ زيادة في المعنى ؟!
قلنا : يكون بحذف التخصيص والتقييد ، بعد العام والمطلق ، كقولك "أحب الشراب" فإنه أعم من قولك : "أحب الشراب البارد" "أو الحلو" أو نحو ذلك .
وكنت في أول الأمر في ذكره رجلاً وأوخر أخرى .
فيحملني على ذكره ما فيه من زيادة المعنى ، وإن كان اللفظ المقيد سيعود فيقيده ، لكن كما قدمنا أن علم الزوائد ينظر لنفس الحديث الواحد ، لا للفقه المستنبط منه ومن غيره معا ، وإنما منه فردا ، لما قدمنا من الأسباب ، وأنه ربما يصح العام ، ويضعف الحديث المقيد ، فلا بد من جعله من الزوائد .
#78#
وكان يؤخرني عن ذلك عدم وقوفي على ما يشهد لهذه القاعدة عند من أخرج الزوائد، حتى وفقني الله لذلك كما سيأتي في أمثلته :
المثال الأول : في النقص المحذوف من المتن من تخصيص أو تقييد ويوجب زيادة معنى .
أ- أخرج أبو داود وابن ماجه من حديث حبيب بن مسلمة الفهري :
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل الثلث بعد الخمس" (1) .
وفي لفظ آخر : "كان ينفل الربع بعد الخمس ، والثلث بعد الخمس ، إذا قفل" (2).
وفي لفظ ثالثا : "نفل الربع في البدأة ، والثلث في الرجعة" (3) .
هذه ألفاظ أبي داود .
وأخرج ابن ماجه لفظ أبي داود الأول (4) والثالث (5) .
فإذا تأملت ألفاظ التنفيل المتعلقة بالثلث وجدتها ثلاثا :
أ- بعد الخمس .
ب- بعد الخمس إذا قفل .
ج- في الرجعة .
__________
(1) أبو داود رقم (2748) .
(2) أبو داود رقم (2749) .
(3) أبو داود رقم (2750) .
(4) سنن ابن ماجه رقم (2851) .
(5) سنن ابن ماجه رقم (2853) .(1/59)
فلما رأيت تماما في فوائده ، أخرج الحديث عن حبيب بلفظ :
#79#
"شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقل الثلث" (1) أخرجت الحديث في الزوائد ، حيث جعل الثلث عاما في سائر الأحوال دون تقييد أو تخصيص .
وكأن تماما رحمه الله أراد هذا الاختلاف عندما قال عقب هذه الرواية : "غريب من حديث سليم عن سعيد ولم نكتبه إلا عن ابن هاشم ، وكنيته سعيد بن عبد العزيز (أبو محمد) ، ولكن هكذا قال" (2) وربما يكون عني ذكره في هذا الإسناد حسب ، فالله أعلم .
ب- قال الحافظ الهيثمي في الزوائد (3) :
"وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اللهم بارك لأمتي في بكورها" .
قال الهيثمي :
"قلت : روى ابن ماجه : اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس ، وهو هنا مطلق ، رواه الطبراني في الأوسط ".... ".
قلت : فتبين من هذا اللفظ أن البركة لا تخص يوم الخميس حسب ، وإنما هي في سائر الأيام عند البكور .
ج- ولأجل هذه النكتة أخرجت حديث أنس رضي الله عنه عند الطبراني في "مكارم الأخلاق" (4) في الزوائد .
#80#
فهو عند الطبراني بلفظ : "ما أكرم شاب شيخا إلا قيض الله له من يكرمه" .
وتفرد به الترمذي عن الستة بلفظ "ما أكرم شاب شيخا إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه" فتأمل ، هذا النوع من الزوائد ما أعتاه .
المثال الثاني : في النقص المحذوف من المتن ، الذي يغير المعنى .
أ- ومثاله : ما أخرجه الحافظ ابن حبان في صحيحه (5) من حديث بريدة قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أحساب أهل الدنيا المال" .
فظاهر الحديث ، أن الحسب في نظر الشرع هو المال ، لكن إذا رجعت لأصل الحديث علمت إن المراد غير هذا .
__________
(1) فوائد تمام رقم (891) (892) .
(2) الروض البسام (3/88) .
(3) "مجمع الزوائد" (4/62) .
(4) رقم (149) صفحة (368) ملحق بكتاب : "مكارم الأخلاق" لابن أبي الدنيا ط دار الكتب العلمية.
(5) "الإحسان" رقم (669) .(1/60)
فقد أخرجه النسائي (1) ولفظه :
"إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال" .
فتبين من هذا اللفظ أن المراد غير ما تقدم ، وأن المقصود : "إن أهل الدنيا يذهبون إلى أن الحسب هو المال" . فالحسب المال عن أهل الدنيا ، لا في نظر الشارع . وهذا بين .
وهذا المعنى الذي حكيته ، تفطن له من قبل الحافظ ابن حبان رحمه الله ، فبعد أن أورد اللفظ الأول المختصر ، رجع فقال :
"ذكر البيان بأن قوله - صلى الله عليه وسلم - "أحساب أهل الدنيا المال" أراد به الذين يذهبون إليه عندهم" .
#81#
ثم ذكر الحديث بلفظ النسائي المطول .
من أجل هذا أوردت اللفظ الأول في "تشنيف الآذان بسماع زوائد ابن حبان" (2) ونبهت على ذلك .
(إكمال) في مجيء الحديث مختصرا ، إذا كان في الكتب المزاد عليها مطولا .
فمثل هذا الاختصار إن لم يكن مخلا بالمعنى على النحو الذي قدمناه ، فإنه لا يجوز إخراجه في الزوائد لعدم الجدوى ، وامتناع الفائدة .
وكان بمثابة الحديث المطول الذي يكون أطرفا ، وجاء منه طرف واحد في حديث آخر ، فهو متفق على عدم إخراجه في الزوائد .
أ- ومن مثال النوع الذي جاء طرفه : حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فيما أخرجه أبو داود (3) مرفوعا "خير الكفن الحلة ، وخير الأضحية الكبش الأقرن" .
فروى منه ابن ماجه طرفه الأول : "خير الكفن الحلة" (4) لذلك لم يذكره البوصيري في الزوائد .
ب- ومن مثال النوع المختصر (وهو غالب ما يقع في حكاية الوقائع) .
حديث ميمونة بنت كريم رضي الله عنها قالت : خرجت مع أبي في حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعت الناس يقولون :
#82#
__________
(1) سنن النسائي (4/64) .
(2) "تشنيف الآذان" رقم (166/ 699) .
(3) سنن أبي داود (3156) .
(4) سنن أبي ماجه (1473) .(1/61)
رسول الله ، فجعلت أيده بصري ، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له ، معه درة كدرة الكتاب ، فسمعت الأعراب والناس يقولون : الطبطبية الطبطبية . فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه ، قالت : فأقر له ، ووقف فاستمع منه ، فقال : يا رسول الله : إني نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة ، في عقبة من الثنايا عدة من الغنم – قال الراوي – لا أعلم إلا أنها قالت : خمسين – فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل بها من الأوثان شيء قال : لا . قال : فأوف بما نذرت به لله ، قال : فجمعها ، فجعل يذبحها ، فانفلتت منه شاة ، فطلبها وهو يقول : اللهم أوف عني نذري ، فظفر بها فذبحها" .
هكذا أخرجه أبو داود (1) .
واختصره ابن ماجه عنها بلفظ (2) : "أن أباها لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي رديفة له ، فقال : إني نذرت أن أنحر ببوانة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل بها وثن؟ قال : لا ، قال : أوف بنذرك".
فلم يخرج البوصيري الحديث في الزائد ، وهو صحيح لكنه متعقب بشيء ، وهو زيادة ما وقع في رواية ابن ماجه من قولها "وهي رديفة له" فلولا هذه الزيادة لكان فعله صوابا ، أما بها فالواجب إخراجه في الزوائد ، لما استفدنا من هذه الزيادة من جواز ركوب البنت خلف أبيها على دابة واحدة ، في الحج وغير قياسا عليه . خلافا لمن منع ذلك من الفقهاء . لأن الذي جاء في كلام العرب من استعمال هذه اللفظة ، هو الذي ذكرناه ، بخلاف ما قد يظنه البعض احتمالا من ركوبها على دابة أخرى أو نحو هذا ، فهو غير مراد من استعمالها هذا .
#83#
ج- ومنها حديث عائشة عند الخمسة (3) ، ولها عندهم روايات منها :
__________
(1) سنن أبي داود (3314) .
(2) سنن ابن ماجه (1231) .
(3) البخاري (5611) ومسلم (2107) ، والترمذي (2470) ، والنسائي (8/213) ، وأبو داود (3153) .(1/62)
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ، وكنت أتحين فقوله ، فأخذ نمطا – وفي رواية النسائي : سهوة – وفي رواية الترمذي والنسائي : فيه تصاوير – كان لنا ، فسترته على العرض ، فلما جاء استقبلته ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله الذي أعزك وأكرمك . فنظر إلى البيت فرأى النمط . فلم يرد علي شيئاً ، ورأيت الكراهية في وجهه ، فأتى النمط حتى هتكه ، ثم قال : إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن .
والحديث أخرجه ابن ماجه مختصرا ولفظه (1) عنها :
"سترت سهوة لي ، تعني الداخل ، بستر فيه تصاوير ، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - هتكه ، فجعلت منه منبوذتين ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - متكئا على إحداهما" .
فكان حق هذا الحديث أن لا يخرج في الزوائد ، لكن أخرجه البوصيري لقولها في آخره : "فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - متكئا على إحداهما" . كما صرح هو بذلك (2) .
#84#
وذلك أن هذه الزيادة ، ليس فيها فائدة حكم ومعنى جديد ، حيث فهم من قولها : "في وسادتين" ومن قولها : "فلم يعب علي" أنه رضي بالصنيع ، وأنهما قد استعملتا ، لكننا صححنا إخراج الحديث في الزوائد لأجل ما قدمناه في المثال الثاني من الباب الثاني . والله أعلم .
والحاصل أن ما قدمنا من المثالين ، مفهم لغرضنا من هذا الباب ، والحمد لله .
#85#
الفصل الثالث
في قولنا في التعريف "أو اختلاف اللفظ – المفيد –"
وهو معنى قولنا في العشرينية .
"ولا اختلافاً بيناً في سبكه ... قد صاغه من قد رآه عبَّرا"
وهو ثلاثة فروع :
1- الأول : في مجيء حديث آخر عن نفس الصحابي ، في نفس الموضوع الفقهي ، وإنما هو في جوانب أخرى ، وهو ما يعبرون بعده بقوله : "له حديث غير هذا" أو "هو غير الحديث المخرج عندهم" أو "أخرجوا له حديثاً غير هذا" .
__________
(1) سنن ابن ماجه (3653) .
(2) مصباح الزجاجة رقم (1269) .(1/63)
2- الثاني في مجيء الحديث نفسه في نفس الباب الفقهي ، بلفظ وتركيب وسبك مخالف ، وهو الذي يقولون عقبه : "أخرجوه بغير هذا اللفظ" أو "لم يخرجوه بهذا اللفظ".
3- الثالث : ما اتحد موضوعه ، واختلفت سياقته ، وهو الذي يقولون فيه "أخرجه بغير هذه السياقة" .
والحق في هذا الباب، أن تحقق الاختلاف باللفظ يقطع بإفادة المعنى ، ولا بد ، لمن عرف العربية ومدلولاتها وفقهها الجزري ، أعنى ذلك الذي يرجع لإنتفاء جزر تركيب ما ، في تحقيق معنى معين . فعليه يكون
#86#
الاشتراط للفائدة من اختلافه ، أمر من لوازمه ، كما سنأتي عليه في أمثلتنا إن شاء الله تعالى.
ومن مثال الفرع الأول :
أ- ما أورده الهيثمي رحمه الله في "المجمع" (1) قال :
[وعن علي قال : صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : كتاب كتبه الله ، فيه أهل الجنة بأسمائهم وأنسابهم، مجمل عليهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى يوم القيامة ، صاحب الجنة مختوم بعمل أهل الجنة ، وصاحب الجنة مختوم بعمل أهل الجنة ، وصاحب النار مختوم بعمل أهل النار ، وإن عمل أي عمل .
وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاء ، حتى يقال : ما أشبهه بهم ، بل هو منهم ، وتدركهم السعادة فتستنقذهم .
وقد سلك بأهل الشقاء طريق أهل السعادة ، حتى يقال : ما أشبهه بهم ، بل هو منهم ، ويدركهم الشقاء .
من كتبه الله سعيدا في أم الكتاب ، لم يخرجه من الدنيا حتى يستعمله بعمل يسعده قبل موته ، ولو بفراق ناقة .
ثم قال : الأعمال بخواتيمها ، الأعمال بخواتيمها – ثلاثلا -.
قال الهيثمي : له حديث في الصحيح في القدر غير هذا .
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه حماد بن رافد الصفار ، وهو ضعيف] . انتهى .
#87#
قلت : نعم حديث علي خرج عند الستة إلا النسائي ولفظه :
__________
(1) المجمع (7/213) .(1/64)
"كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد ، وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة ، فجعل ينكت بها الأرض ، ثم قال . ما منكم من أحد – أو ما من نفس منفوسة – إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة ، إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة .
فقال رجل : يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ، فمن كان من أهل السعادة ليكونن إلى أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة ليكونن إلى أهل الشقاوة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بل اعملوا فكل ميسر ، فأما أهل السعادة فييسرون لأهل السعادة ، وأما الشقاوة فييسرون لأهل الشقاوة، ثم قرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)} [الليل : 5 – 10] (1) انتهى .
قلت : وللحديث ألفاظ بنحوه ، فالحديثان في القدر ، لكن في كلا الحديثين جوانب ليست في الآخر .
ب- ومن مثاله :
ما أخرجه الهيثمي في "المجمع" (2) قال :
[وعن هشام بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك . فمن قال : أنت ربي أفتتن ، ومن قال : كذبت ، ربي الله عليه توكلت . فلا يضره . أو قال : فلا فتنة عليه .
#88#
قال الهيثمي : له حديث في الصحيح غير هذا .
رواه أحمد ورجاله الصحيح ، ورواه الطبراني] . انتهى .
قلت : حديثه المراد أخرجه مسلم ، ولفظه :
"ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق – أو أمر – أكبر من الدجال" (3) .
ج – ومن مثاله :
__________
(1) البخاري (4661) ، ومسلم (2647) ، وأبو داود (4694) ، والترمذي (2137) ، وابن ماجه (78).
(2) المجمع (7/242) .
(3) مسلم (2946) .(1/65)
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصعة ، فأكل منها ففضلت فضلة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يجيء رجل من هذا الفج من أهل الجنة ، يأكل هذه الفضلة ، قال سعد : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ ، قال : فجاء عبد الله بن سلام فأكلها .
قال الهيثمي : "له حديث في الصحيح غير هذا" (1) .
قلت : حديث سعد عند الشيخين ولفظه :
"ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لحي يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام" .
قال : وفيه نزلت { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ . . . }
[الأحقاف : 10] (2) .
وأما الفرع الثاني :
فهو في الغالب متحد المعنى إلا ما أفاد اختلاف جزر التراكيب من التنوع كما قدمنا . وأما لاختلاف استعمال الصيغ .
#89#
أ- ومثاله :
حديث أبي هريرة مرفوعاً :
"ثلاث حق على الله أن لا يرد لهم دعوة : الصائم حتى يفطر ، والمظلوم حتى ينتصر ، والمسافر حتى يرجع" .
قال الهيثمي : أخرجته في الزوائد لدعوة المسافر ، وأيضاً فالذي عند الترمذي لم أره بهذا السياق – كذا في زوائد البزار - .
وقال : رواه الترمذي باختصار المسافر وبغير هذا السياق – كذا في المجمع (3).
وقال البزار : لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ ، إلا أبو هريرة بهذا الإسناد ولم يتعقبهما الحافظ ابن حجر في هذا ، فكأنه وافقهما – لمن عرف عادته في ذلك – (4) .
قلت : الحديث عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه :
ولفظ الأول :
"ثلاثة لا ترد دعوتهم :الصائم حين يفطر ، والإمام العادل ، دعوة المظلوم يرفعها الله . . . " .
وله في آخر : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك في إجابتهن : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ودعوة الوالد على الولد" وهما لابن ماجه أيضاً .
__________
(1) المجمع (9/327) .
(2) البخاري (3601) ، ومسلم (2483) .
(3) المجمع (10/151) .
(4) مختصر زوائد البزار رقم (2144) .(1/66)
#90#
ولأبي داود : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك في إصابتهن : دعوة الوالد ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم" .
ومن مثاله : (وهو في استعمال الصيغ) .
حديث أبي هريرة : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله زائرات القبور" هكذا أخرجه ابن حبان في صحيحة (1) ، وقد أودعته الزوائد .
فالحديث عند الترمذي وابن ماجه بلفظ "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور" .
ولم أخرجه في الزوائد للاختلاف بين "لعن الله" و "لعن رسول الله" فإنهما واحد ، كما ثبت في الحديث وعرف من الشرع ، لمن كان مستحقا لهذا اللعن .
وإنما أخرجته لأجل الخلاف في قوله "زائرات" .
فإن الذي يزور في العمر مرة يسمى زائراً .
بخلاف الزوار على وزن فعال ، صيغة مبالغة ، ممن يكثر الزيارة .
فتبين أن بين اللفظين حكم ، وتفاوت كبير .
وقد ذهب بعض أهل العلم القول بظاهر الحديث فمنعوا النساء من زيارة القبور مطلقا ، وأباح قوم زيارتها للنساء مطلقا ، واحتجوا بحديث عائشة في الصحيح :
"ماذا أقول إن أنا زرت المقابر . . . " وغيره من الأحاديث .
وكل منهما أطلق النسخ على الحديث الآخر ، أو أجاب .
#91#
والحكم – والله أعلم – أن اللعن إنما هو للمكثرات ، بخلاف المقلات من الزيارة ، وبهذا يجمع بين الأحاديث .
وأما لفظ "زائرات" فهو من تصرف الرواة .
دلنا عليه أن جميع من روى هذا الحديث ، إنما أخرجوه من طريق أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة به .
__________
(1) "الإحسان" (3178) .(1/67)
وقد بين أبو داود الطيالسي أن اللفظ "زوارات" حيث رواه عن أبي عوانة بلا واسطة (1) . والإمام الترمذي أخرجه من طريق قتيبة بن سعيد عن أبي عوانة به ، ولفظه "زورات" (2) ، وكذا ابن ماجه أخرجه من طريق محمد بن خلف عن محمد بن طالب ثنا أبو عوانة به وقال :"زوارات" (3) ومثلهم الإمام أحمد في موضعين عن يحيى بن يحيى عن أبي عوانة به ، بلفظ "زوارات" (4) ومثلهم البيهقي من طريق أبي سلمة عن أبي عوانة بلفظ "زوارات" (5) .
فلم يبق لنا إلا أن شيخ ابن حبان قد تصرف فيه ، فإنه رواه من طريق محمد بن عبد الله بن الجنيد عن قتيبة بن سعيد عن أبي عوانة .
وحيث لم يذكر جميع من تقدم لفظ محمد هذا ، كالذي ذكره ، وخالفوه فيه ، حكمنا أنه من صنعه وتصرفه ، لمخالفته من هو أثبت منه مرات كالإمام الترمذي . فإن شيخهما فيه سعيد .
#92#
وما أحسب لفظ "الزائرات" يثبت في حديث صحيح بمفرده ، من غير إعلال .
وأما حديث ابن عباس الذي جاء فيه لعن الزائرات ، فإنه متبوع بقوله "والمتخذات عليها المساجد والسرج" فلا يكون اللعن مختصا بفعل الزيارة" والله أعلم .
فإن قلت : فلم أخرجت الحديث ، مع قولك بخطئه ، وأن الحكم خلافه .
قلنا : كذا علم الزوائد كما قدمنا . لا ينظر في الزيادة للحكم ، ولا لصحة الحديث ، وإنما ينظر لما وقع من زيادة المعنى فقط .
فإن كنا أخرجنا لفظ "زوارات" أيضاً ، لو كان اللفظ عند الستة أو أحدهم : "زائرات" . بغض الطرف عن الحكم في المسألة .
على أن هذا اللفظ يمكننا إحالته لمعنى "زوارات" من باب حمل الألفاظ بعضها على بعض على ما يراه بعض أهل العلم ، لكن فيه نظر لا يخفى ، وإبطال لفوارق الألفاظ الآتية في متون الأحاديث ، التي لا يزال يستنبط منها الفقهاء .
الفرع الثالث :
__________
(1) 2358) .
(2) 1056) .
(3) 1586) .
(4) 2/337) و (2/356) .
(5) 4/78) .(1/68)
وأما الفرع الثالث الذي اتحد موضوعه واختلفت سياقته ، فهو أكثر من يقول به الحاكم ، بل هو عنده في معظم الكتاب ، مما يقع بالمآت ، ونحن نذكر منه طرفا وقع له ، وللهيثمي وغيرهما .
أ حديث عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيت في النوم أني أعطيت عسا مملوءا لبنا فشربت حتى تملأت ، حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت فضله ، فأعطيتها عمر بن الخطاب .
#93#
فأولوها قالوا : يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملاك منه ، ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب .
فقال أصبتم .
قال الهيثمي : هو في الصحيح بغير هذه السياقه (1) .
قلت : هو عند الشيخين والترمذي ولفظهم عن ابن عمر :
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن ، فشربت منه حتى لأرى الري يخرج من أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب .
قال من حوله : فما أولت ذلك يا رسول الله .
قال : العلم (2) .
ب- وحديث الحاكم عن تميم الطائي قال : جاء رجل إلى عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال : إني تزوجت امرأة فأعطني .
قال : أكتب لك بدرع ومغفر فتعطاهما .
فتسخط الرجل .
فحلف عدي أن لا يعطهما إياه .
فقال الرجل : كنت أرجو أني تعطني وصيفاً .
فقال : والله لهما أحب إلي من وصيفين .
فقال الرجل : أكتب لي بهما .
#94#
فقال عدي : أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا حلف أحدكم علي يمين ، فرأى خيرا منها ، فليأت الذي هو خير ، ما كتبت لك بهما ، فكتب له بهما .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه بهذه السياقة (3) . انتهى .
__________
(1) المجمع (9/69) .
(2) البخاري (3478) ، ومسلم (2390) ، والترمذي (2285) .
(3) "المستدرك" (4/300 – 301) .(1/69)
قلت : والحديث عند مسلم بنحو الذي هنا، لا يكاد يختلف عنه ، إلا أن الحاكم متشدد جداً في إخراج الزوائد على الشيخين ، كما سيأتي في الكلام عن المستدرك ، إن شاء الله تعالى .
هذا على الكثرة الواقعة في المستدرك في الأوهامت مما أخطأ فيه أو وهم، وظن أنه ليس عند الشيخين أو أحدهما .
ثم إن الحاكم رحمه الله يتوسع في هذه التفرقة ، اتساعاً كبيراً ، فيطلقها عند الزيادة على المتن ، وعند الاختلاف الكبير ، وغير ذلك ، فلا يعني بها تماما الذي نحكيه هنا .
بخلاف الهيثمي وابن حجر والبوصيري ، فإنهم إنما يتلزمون بهذا الذي وضعناه تماماً ، ولا يريدون غيره من هذا الإطلاق . فليعلم . والحمد لله .
(ملحق اختلاف اللفظ – في الأدعية والأذكار) :
وقد أفردت هذا النوع هنا ملحقاً ، لأميزه عما سبق من الأنواع ، وأنبه على مخالفة حكمه والتشدد في اللفظ فيه غاية التشدد .
#95#
والحامل لي علي هذا ما أخرجه البخاري وغيره من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا فلان ، إذا أويت إلى فراشك فقل : "اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت . فإنك إن مت في ليلتك مت على الفطرة" .
فوقع في رواية للشيخين : "قال البراء : فقلت : أستذكرهن : وبرسولك الذي أرسلت . فقال : لا ، ونبيك الذي أرسلت (1) .
فلم يرض منه - صلى الله عليه وسلم - إبداله "رسولك" بـ "نبيك" .
وقد قال الحافظ ابن حجر في هذا الموضع من "الفتح" (2) .
__________
(1) البخاري (5954 ، ومسلم (2710) وغيرهما .
(2) "فتح الباري" (11/ 112) .(1/70)
قيل : وفي الاستدلال به – بهذا الحديث – على منع الرواية بالمعنى ، ففيه نظر ، لأن شرط الرواية بالمعنى أن يتفق اللفظان في المعنى المذكور ، وقد تقرر أن النبي والرسول متغايران لفظا ومعنى فلا يتم الاحتجاج بذلك.
قيل : وفي الاستدلال بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى نظر ، وخصوصا إبدال الرسول بالنبي وعكسه إذا وقع في الرواية ، لأن الذات المحدث عنها واحدة ، فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف إذا ثبتت الصفة له ، وهذا بناء على أن السبب في منع الرواية بالمعنى أن الذي يستجيز ذلك قد يظن أنه وفي معنى اللفظ الآخر ، ولا يكون كذلك في نفس الأمر، كما عهد في كثير من الأحاديث. . .
#96#
ثم قال الحافظ رحمه الله :
وأولى ما قيل في الحكمة في رده - صلى الله عليه وسلم - عن من قال "الرسول" بدل "النبي" ، أن ألفاظ الأذكار توقيفية ، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس ، فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به ، وهو اختيار المازري ، قال : "فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه ، وقد يتعلق الخبراء بتلك الحروف . ولعله أوصى إليه بتلك الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها" . انتهى .
وبه انتهى كلام الحافظ .
قلت : وهذا الذي اختاره المازري ، وعده ابن حجر من أولى الأقوال ، هو الذي ارتضيته واخترته ، لأنه ظاهر الدلالة ، ولا يدفع إلا بمتعسف التآويل ، ومتكلف البراهين .
لأجله لم نرض المرور على خلاف اللفظ في أحاديث الأذكار والأدعية ، ولو كانت بالنقص المجرد عن الفائدة ، إلا بإخراجها في الزوائد ، والله الموفق .
(تنبيه) على الحديث المطول إذ كانوا أخرجوه ملفقا ، وأنه لا يعتبر من الزوائد.
وذلك كان يكون الحديث المنظور فيه مكونا من شطرين مثلا ، فيخرج بعض الستة شطرا منه في حديث ، أو أحدهم ، أو كلهم . ثم يخرجوا شطره الآخر في موضع آخر . عن نفس الصحابي في الموضعين .
فبمثل هذا لا يعد الحديث من الزوائد .
ومثاله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :(1/71)
"قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" .
#97#
هذا لفظ ابن ماجه (1) .
والحديث عند البخاري والترمذي وأبي داود ، ولكن ليس عندهم ذكر الجهل فيه (2) في هذا السياق ، ولكن وقع النهي عن الجهل في حديث آخر عن أبي هريرة أيضاً (3) فيه : "فلا يرفث ولا يجهل" .
فتبين لنا من ذلك أنهم أخرجوه مبددا مفرقا في أكثر من سياق .
وهو معنى قولنا : "أخرجوه ملفقاً" .
ولذلك لم يورد البوصيري هذا الحديث لابن ماجه في زوائده على الخمسة .
وكذلك لم أورده أنا في "تشنيف الآذان" للعلة نفسها، ولكونه هو لفظ ابن ماجه أصلاً.
#98#
الفصل الرابع
في إخراج الحديث من الكتب المزاد منها في الزوائد ولو جاء
معلقاً في الكتب المزاد عليها
وهو معنى قولنا في العشرينية :
"والنص إن ألفيته معلقا ... فإنه ما أخرج أو سطَّرا"
وذلك أن التعليق لا يعد إخراجاً ، لأنه ربما يكون سقط من السند ، ثلاثة أو أربعة أو خمسة ، وربما يكون غير مروي بإسناد أصلاً إلى معلقه . فلم نعتبره مخرجا لهذه العلة .
ومثاله ما جاء في "المطالب" (4) .
عن سعيد بن رمانة قال : قيل لوهب بن منبه :
أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله .
قال : بلى ، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان ، فمن أتى الباب بأسنانه فتح ، ومن لم يأت الباب لم يفتح له .
قال الحافظ : حسن موقوف . علقه البخاري لوهب . انتهى .
فأفادنا هذا مذهب ابن حجر .
#99#
أما الهيثمي فقد صرح بذلك في مقدمة "المقصد العلي" فقال :
"وما كان من ذلك رواه البخاري تعليقاً . . . ذكرته" (5) .
__________
(1) سنن ابن ماجه (1689) .
(2) انظر البخاري (1903) ، وأبا داود (2364) ، والترمذي (707) .
(3) انظر البخاري (2840) ومسلماً (1153) ، والترمذي (1624) ، والنسائي (4/172) .
(4) "المطالب" (2874) .
(5) المقصد العلي (ص88) .(1/72)
وكذلك البوصيري فإنه قال في مقدمة "الإتحاف" :
"وقد أوردت ما رواه البخاري تعليقاً (1) – يعني وغير البخاري ، وإنما خصه بالذكر لأن غيره من السنة ، إما لم يعلق شيئاً أصلاً ، أو علق أحاديث يسيرة ، بخلاف البخاري فإنه أكثر من أورد ذلك في صحيحه .
أ- ومن مثال ما علقه الترمذي وأخرجوه :
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : "رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبول قائماً ، فقال : يا عمر لا تبل قائماً ، فما بلت قائماً بعد" .
فهذا الحديث قد أخرجه الترمذي تعليقاً (2) .
حيث ذكر حديث عائشة قبله ثم قال :
وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : "رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبول قائماً ، فقال : يا عمر ، لا تبل قائماً . فما بلت قائماً بعد" .
قال الترمذي : وإنما رفع الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه . انتهى كلام الترمذي .
#100#
وقد أخرج ابن ماجه (3) الحديث موصولاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومن طريق عبد الكريم المذكور بلفظه .
فأورد البوصيري الحديث في الزوائد (4) .
وهذا المذهب هو مذهب الحاكم أيضاً ، حيث أورد حديث : "لا تقوم الساعة حتى لا يحج بالبيت" وقال "لم يخرجاه" (5) .
قلت : وقد جاء الحديث معلقا في البخاري بهذا اللفظ .
وربما يقول قائل : قد يكون وهم فيه ولم يرد أن المعلق لا يكون مخرجاً ، فإن الحاكم أوهامه كثيرة .
والجواب : لا ، لأنه لفظا لأبي سعيد آخر بعده ، ولم يقل : لم يخرجاه ، واللفظ الآخر في البخاري مسنداً ، وبذيله قد أتى اللفظ المعلق المذكور ، والله أعلم .
#101#
الفصل الخامس
وجوب إخراج الأحاديث المرسلة في الزوائد
__________
(1) 1/3) – محظوظ -.
(2) سنن الترمذي رقم (12) .
(3) سنن ابن ماجه رقم (308) .
(4) "مصباح الزجاجة رقم (122) .
(5) "المستدرك" 4/453) .(1/73)
وهو معنى قولنا في العشرينية : ...
"والمرسل والمعضل أخرجهما ... ... قولا أكيداً واحداً معتبرا"
وقد أطلقت القول في هذا الفصل وأنا أعنيه.
فالواجب إخراج الحديث المرسل في الزوائد ، سواء كان في المرفوع مثله في الكتب المزاد عليها أم لا ، وسواء كان في المرفوع مثله في الكتاب المزاد منه أم لا . إلا أن يكون قد جاء الحديث عن المرسل نفسه موصولاً في الكتب المزاد عليها .
وهو معنى قولنا في العشرينية :
"ما لم تجد للمرسل إسماً ذُكر ... ... في مسند المتن المزاد حُبِّرا"
وقبل الشروع في البيان ، لابد من ذكر معنى الحديث المرسل ، إذ ليس الأمر كما يحسب بعض طلاب العلم ، أنه يطلق فقط على ما رفعه التابعي أو رسله . حين يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كذا وكذا . . . مثل ما رواه الشافعي رحمه الله عن مجاهد قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظهر التلبية (1) .
#102#
فمجاهد تابعي ، حدث عن الصحابة ، لم يختلف أهل العلم في تابعيته .
فقوله هنا : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظهر . . ." يعتبر إرسالاً .
وهذا هو المشهور في تعريف المرسل عند أهل الاصطلاح ، والمتأخرون جميعهم ، لا يطلقون المرسل إلا على هذا النوع .
وهذا هو الذي نعنيه نحن هنا .
ولكن أردت أن أشرح تعابير أهل العلم ومرادهم من تعريف الإرسال ، والحديث المرسل ، حتى إذا نقلنا أقوالهم في قبول الحديث المرسل ورده ، علم الذي أرادوه ، وتمحصت من عباراتهم أشياء يظنها من لا علم عنده اختلافا ، والحاصل أنها ليست كذلك .
فاعلم أن كثيرا ممن يشتغل بالفقه والأصول ، بل وبعض من يشتغل بالحديث ، يطلقون المرسل ويعنون بذلك الحديث المنقطع ، الذي سقط من إسناده أحد الرواة .
__________
(1) ترتيب مسند الشافعي (1/304) .(1/74)
منهم : الخطيب ، وابن الأثير ، والشافعي ، وأبو زرعة ، ويحيى بن معين وغيرهم(1) .
فإذا رأيت مثل هؤلاء يقول : لا يحتج بالحديث المرسل ، فإنما يعنون : لا يحتج بالمنقطع – عندنا – ونحن لا نخالفهم في ذلك .
ولذلك قال أبو العباس القرطبي – أحد المتأخرين من أئمة المالكية – في كتابه "الوصول" : المرسل عند الأصوليين والفقهاء عبارة عن الخبر
#103#
الذي يكون في سنده انقطاع ، بأن يحدث واحد منهم عمن لم يلقه ولا أخذ عنه .
وخص كثير من المحدثين اسم المرسل بما سكت فيه عن الصحابي واسم المنقطع بما سُكت فيه عن غيره (2) . انتهى .
وقد نقل الحاكم عن أكثر أئمة الحديث أنهم إنما يريدون بالحديث المرسل الذي نريده ، وهو ما سقط صحابيه من الإسناد ، ورفعه التابعي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال :
وأما مشايخ أهل الكوفة ، فيطلقون معنى المرسل لكل من أرسل الحديث من التابعين وأتباع التابعين ، ومن بعدهم من العلماء ، فإنه عندهم مرسل محتج به (3) .
قال العلائي بعد إيراده (4) : وهذا قول الحنفية بأسرهم .
قلت : فهذا في عرف أهل الاصطلاح المعضل ، وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا ، يسميه الحنفية مرسلاً .
ونحو هذا قال إمام الحرمين في "البرهان" (5) . يعني كقول الحنفية .
قلت : فهذا محصل القول في تعابيرهم مراداتهم بالحديث المرسل .
وأما عن الاحتجاج به ، وهل هو من الأدلة أم لا ، فليس هو من مقاصد هذا الكتاب ، ولا لوازمه ، ولا هذا العلم وأبوابه ، فإن الآن غرضاً
#104#
جمع سائر المرويات في وصف واحد ، أو معرفة ما في الكتاب الواحد ، مما ليس في كتب أخرى ، على أن الناس قد اختلفوا في الحديث المرسل بين قابل وراد – وهم قليل –.
__________
(1) انظر المراسيل لابن أبي حاتم (127) – الكفاية (384) – جامع الأصول (1/62 – 64) .
(2) جامع التحصيل ص (27) .
(3) معرفة علوم الحديث ص (27) .
(4) جامع التحصيل ص (29) .
(5) جامع التحصيل ص (29) .(1/75)
ونحن نخرج في الزوائد جميع أنواع المراسيل التي أوردناها ، على نحو ما صنع أئمة هذا الفن ، رحمهم الله تعالى أجمعين . ونشهد لهم بالإصابة في صنيعهم ، فإن هذا العمل هو أول أعمال الفقه في جمع الأدلة ، وهو لازم لكل محتج به ، شاهد لمهمله أو معارض ، وعمدة وحجة عند أكثر الناس حيث لا يكون في الباب سواه .
وهذه أمثلتنا على أنواع ما ذكروه من المراسيل في كتبهم .
1- النوع الأول : الذي هو معروف عند غالب أهل الاصطلاح ، بإسقاط الصحابي رواي الخبر ، ورفعه من جهة التابعي للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
أ- ومثاله حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه محمد قال : "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا رأيتم الحريق فكبروا" .
أورده ابن حجر في المطالب وقال : "مرسل حسن" ونسبه لأبي يعلى (1) .
وهو عند البوصيري في "اتحاف المهرة" (2) .
ولم يورده الهيثمي في المجمع ، فلعله لم يكن في روايته المختصرة ، ومحمد بن علي يروي عن أنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وجديه الحسن والحسين ، وسمرة بن جندب ، وابن عباس ، وابن عمر وغيرهم ، وله
#105#
روايات عن التابعين كان المسيب ، وعطاء بن يسار وغيرهما (3) .
ب- وحديث عقبة بن عبد الغافر قال : قال حماد : لا أعلمه إلا وقد رفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من قال : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، فقد اكتال بالكيل الأوفى" .
أورده الحافظ ابن حجر في "المطالب" (4) ونسبه لابن أبي عمر .
وكذا البوصيري في الإتحاف ، وقال : رواه ابن أبي عمر مرسلا ، ورواته ثقات .
وحماد هذا ، لم أعرفه أي الحمادين هو ، لكن قول البوصيري ، مفيد بأنه حدث عن الصحابة .
__________
(1) "المطالب العالية" رقم (3424) .
(2) نقله الأعظمي عنه في الحاشية تحت الحديث المذكور .
(3) انظر "تهذيب الكمال" (26/117) .
(4) المطالب (3378) .(1/76)
ج- وحديث الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة ، فإنها ستعرض علي" .
أورده الحافظ في المطالب وقال : "لمسدد ، مرسل" .
ومثله فعل البوصيري رحمه الله (1) .
والحسن يروي عن أنس بن مالك ، وثوبان ، ولم يلقه ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وجاربة بن قدامة ، وجندب بن عبد الله ، وسمرة بن جندب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وأبي برزة ، وغيرهم .
#106#
د- وحديث موسى بن أبي شيبة الجندي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من بدا أكثر من شهرين فهي أعرابية" .
أخرجه الحافظ في المطالب وقال : "لإسحاق ، فيه ضعيف" .
ووقع في المسندة من "المطالب" : هذا مرسل ضعيف الإسناد .
ومثله قول البوصيري في "الإتحاف" (2) .
وموسى يروي عنه معمر بن راشد ، لا يعرف له راو عنه غيره ، وقيل : لا يعرف له إلا هذا الحديث الواحد المرسل ، وقد أخرجه عنه أبو داود في المراسيل (3) ، وهو مجهول الحال .
هـ- حديث أبي عمران الجوني (4) أنه بلغه : "أن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبكي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يبكيك .
فقال : والله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار مخافة أن أعصيه فيعذبني فيها".
أورده الحافظ في المطالب ونسبه لأحمد في الزهد .
وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الأزدي ، يروي عن أنس بن مالك ، وجندب بن عبد الله ، وعبادة بن الصامت وغيرهم من الصحابة . معدود ي التابعين ، من كبار الرابعة .
(استكمال) في مثال الحديث المرسل إذا كان مخرجا في الكتب المزاد عليه موصولا ، فإنه لا يخرج في الزوائد من الكتاب المزاد منه .
#107#
__________
(1) المطالب رقم (3322) .
(2) المطالب رقم (3257) .
(3) المراسيل رقم (307) .
(4) في "المطالب" (3251) الجوفي ، بالفاء وهو تحريف .(1/77)
كحديث قيس بن أبي حازم عن أبيه : أنه جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، فقام في الشمس، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحول إلى الظل" .
أخرجه أبو داود (1) .
فهذا الحديث جاء مرسلا عند أحمد في رواية ، حيث روى القصة قيس (2) .
فلم يخرج الهيثمي هذه الرواية في "المجمع" للعلة التي ذكرناها ، من طرح الحديث المرسل إذا جاء في الكتب المزاد عليها موصولا ، والله أعلم .
2- النوع الثاني : المشهور عند أهل الاصطلاح بالمعضل ، وهو الذي سقط من إسناده اثنان فصاعدا .
ومن أمثلته :
أ- حديث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال : أتي أبو بكر الصديق بغراب ، وافر الجناحين ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ما صيد صيد ، ولا عضدت عضاة ، ولا قطعت وشيجة إلا لقلة التسبيح" ، ثم خلى عن الغراب .
قال الحافظ : "لإسحاق ، فيه ضعف ، وهو معضل" (3) . انتهى .
قلت : وهذا المتن لا يوجد في شيء من الكتب السبعة .
ب وحديث منصور بن المعتمر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن
#108#
إبليس قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام فقال : تسلم وتترك دينك ، وأهلك ، وولدك ، ومولودك ؟ فعصاه فأسلم .
فقعد له بطريق الهجرة فقال له : أتهاجر ، وإنما الهجرة كالفرس في طوله . لا يريم؟
فعصاه فهاجر .
فقعد له بطريق الجهاد ، فقال له : أتجاهد ، إنما الجهاد كاسمه ، يجهد المال والنفس ، فتقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ، ويقسم المال .
فعصاه فجاهد .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فمن يكون فيه هذه الخصال فهو مضمون على الله ، إن مات أو غرق أو احترق أن يدخله الجنة .
قال الحافظ : للحارث ، مرسل أو معضل" (4) .
__________
(1) سنن أبي داود (4822) .
(2) المسند (3/ 426) .
(3) "المطالب" (3415) .
(4) "المطالب" (2997) .(1/78)
قلت : وهذا الحديث حقه أن يخرج ، فليس هو في الكتب السبعة إلا من طريق موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد ، عن سبرة بن أبي الفاكه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فهو موافق لأصلنا الذي أصلناه .
3- النوع الثالث : فيما ليس هو من جنس الأحاديث المرفوعة ، أو الموقوفة أو المرسلة ، وإنما هو جنس التراجم والحوادث ، ويروي عن التابعين وتابعي التابعين ، ومن دونهم ومما هو من البلاغات .
#109#
ومثاله :
ما جاء في "المجمع" (1) للهيثمي قال :
أ- قال الطبراني : عبد الله قيس ، أبو موسى الأشعري حليف آل عتبة بن عبد شمس ، كان إسلامه بمكة ، وهاجر إلى أرض الحبشة حتى قدم زمن خبير ، وقيل : مات أبو موسى سنة خمسين ، ودفن بالتوتة على مبلين من الكوفة .
ب- وعن شباب العصفري قال :
ولي أبو موسى الكوفة ، وله بها أهل ودار حضرة الجامع ، ومات أبو موسى سنة إحدى وخمسين . وهو عبد الله بن قيس الأشعري بن حصين بن حرب بن عامر بن تميم بن بكر بن عامر . . . بن قحطان .
قال الهيثمي : رواه الطبراني .
ج- وعن قيس بن الربيع قال :
مات أبو موسى سنة اثنين وخمسين .
قال الهيثمي : رواه الطبراني ، وفيه الواقدي ، وهو ضعيف .
د- وعن سعيد بن عبد العزيز قال :
قدم أبو موسى الأشعري على النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبير . . . قال الهيثمي : رواه الطبراني منقطع الإسناد ، وإسناده حسن .
هـ - وعن ابن إسحاق قال :
كان أبو موسى ممن هاجر إلى الحبشة فأقام بها . . .
#110#
قال الهيثمي : رواه الطبراني منقطع الإسناد ، ورجاله إلى ابن إسحاق ثقات .
و- وعن الواقدي قال : يقال كان علي بن أبي طالب آدم ربعة سمنا ضخما . . ذكره في "المجمع" (2) .
وأخرج الهيثمي بلاغاً عن أحمد بن حنبل قال :
قال أحمد بن حنبل : بلغني أن زيد بن ثابت توفى سنة إحدى وخمسين (3) .
__________
(1) "المجمع" (9/358) .
(2) "المجمع" (9/101) .
(3) "المجمع" (10/11) .(1/79)
4- النوع الرابع : مما هو في إسناده انقطاع ، سواء في المرفوع والموقوف وغيرهما .
أ- ومثاله : حديث أبي عبيدة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "قلب ابن آدم مثل العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات" .
قال الحافظ ابن حجر : إسناده حسن لكنه منقطع ، وقال البوصيري مثله (1) .
ب- ومثاله :
حديث القاسم قال : كان عبد الله إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزع نعليه من رجليه ، ويدخلهما في ذراعيه ، فإذا قام ألبسه إياهما ، ويمشي بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة.
#111#
قال الحافظ : لابن أبي عمر .
قلت : عبد الله هو ابن مسعود صاحب النعلين .
والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر ، لم يدرك عبد الله إن كان روى الحديث عنه ، وإلا فهو مرسل .
وقد ذكرنا في الباب السابق وما تقدم أشياء كثيرة منقطعة الإسناد ، فاستغنينا عن ذكرها هنا .
وأما قول من قال أن مثل هذا لا يخرج في الزوائد فهو مردود بأمور :
أولها : أن أصحاب الزوائد فعلوا ذلك ، وهم الذين أصلوا هذا الفن بصنيعهم ، وقعدوه بتخريجاتهم ، وإنما نحن متلمسون لها ، فترك مخالفتهم فيها أولى .
ثانيها : أن الفائدة لا تخلو من الأحاديث المنقطعة الإسناد ، في نص ليس له إلا هذه الطريق المنقطعة ، أو متابعة لسند آخر فيما دون الانقطاع ، أو انقطاع بين تابعي لا يحدث إلا عن الثقات ، وبين صحابي .
وهذا النوع الثالث الذي انقطع فيه الإسناد بين التابعي الذي لا يحدث إلا ثقة ، وبين الصحابي راوي الخبر ، لهو عندي ، أحرى بالقبول ، من الموقوف ، بل ومن المرسل المشتهر في المصطلح ، الذي يكون مرسله يحدث عن الثقة وغيره ، ولا ندري عمن أخذه .
فليتأمل من أجاز إخراج المرسل في الزوائد ، وتحرج عن المنقطع بمثل ذلك .
__________
(1) "المطالب العالية" (2819) .(1/80)
ثالثها : أن الانقطاع يختلف فيه اجتهاد الناس ، ولا أكاد أعرف راويا من الرواة إلا وقد اختلف فيه في بعض شيوخه ، أو بعض من سمع منه ، واضطراب الناس في اتصال حديثهم .
#112#
وأصحاب الفن يعرفون أن اجتهاد الأواخر ، لا يذهب اختلاف الأوائل في مثل هذا ، ولا يكاد يقع الاجتهاد في مثل هذه المسائل أصلا ، الله إلا بشيء يسير ، فلا تكاد تخلص إلى قول .
والرجل الذي في الإسناد لم يسم ، كيف تعده .
ومذهب أي الناس تأخذ ، إن كان الحديث على مذاهب ، ما بين : منقطع الإسناد ، وما هو في إسناده انقطاع ، وما هو مرسل أو معضل .
وجهالة بعض الرواة ، قد يكون فيها انقطاع لازم لها ، وقد لا يكون فبأي الحكمين ترى لنا الصنع رحمك الله؟!
رابعها: وكنا قدمنا طرفا منه، في أول الكتاب ، واخترنا أن تكون الكتب المراد إخراج زوائدها من مثل الصحاح والسنن والمسانيد ، والفوائد ، وأحاديث الشيوخ ، ونحوها من المصنفات التي لا يكاد يوجد فيها إلا الأحاديث النبوية ، وما جرى مجراها مما هو في السنن والمسانيد .
فإذا أبقيت المقطوعات والمنقطعات ونحوها مما هو قليل جداً في مثل هذه الكتب ، ولم تخرجه في الزوائد ، تكون فوت بعض الحجج على من يحتج بمثلها ، وضربت على هذا القسم من الكتاب وتركته مطموساً ، ولم يحصل لنا الجمع التام بين الكتب المزاد عليها والمزيد منها .
وما أحسن ما ذكره البخاري في وصف ما يلزم من أنواع الحديث فقال : "المسندات ، والمرسلات ، والموقوفات ، والموقوفات والمقطوعات" (1) .
فرحم الله هؤلاء الحفاظ قبلنا . الذين ببركة اختيارهم هذا لم يفتنا شيء من الكتب التي درست وأخرجوا زوائدها .
والذين أدركوا بصافي القريحة ، أي الكتب تنتقي في الموضوع .
#113#
الفصل السادس
في وجوب إخراج الأحاديث الموقوفة
ونعني به كل حديث موقوف :
__________
(1) "تهذيب الكمال" (24/462) . وقد أخرنا كلامه بطوله في أول فصل "الحامل على العمل بعلم الزوائد" فالبتكرم نحيلك .(1/81)
وهو الذي أشرنا إليه في العشرينية :
"وقف الصحابْ كالرفع هوْ في علمنا ... إلا لوقف بلّغوه الحاشرا"
إلا حديثاً موقوفاً له حكم الرفع ، وكان في الكتب المزاد عليها مرفوعاً ، فقد تركوا إخراج مثل هذا ، لأنه ليس فيه فائدة ترجي ، إلا من زيادة طارئة ، وهو معنى قولنا "بلّغوه الحاشرا" أي رفعوه للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
فإذا جاء في الحديث الموقوف الذي لا يقال من جهة الرأي ، زيادة طارئة على المتن ، على النحو الذي اعتبرناه في شرحنا لزيادة اللفظ ، وجب إخراج الحديث في الزوائد ، للعلة التي ذكرناها .
والموقوفات أنواع :
1- الأول : ما كان من تفسير القرآن وأسباب النزول ونحوها ، ومن الفضائل وأنواعها .
أ- ومثاله حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(219)} من صلب نبي إلى صلب نبي ، حتى صرت نبياً.
#114#
قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني ، ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة (1) .
ب- وحديثه : أن يهود كانوا يقولون : هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب لكل سنة يوما في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودات ، فأنزل الله عز وجل : {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} إلى قوله : { فِيهَا خَالِدُونَ (82)} .
أورده الهيثمي في المجمع (2) .
ج- وحديث أبي سعيد { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} قال : عدلاً .
قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3) .
2- الثاني : ما هو مأخوذ من القرآن استنباطاً .
أ- ومثاله : حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :
"من سلم عليك من خلق الله فأردد عليه ، وإن كان مجوسياً ، فإن الله يقول : {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} .
__________
(1) "المجمع" (7/86) .
(2) "المجمع" (6/314) .
(3) "المجمع" (6/316) .(1/82)
ذكره الهيثمي في "المجمع" (1) ، والحافظ في المطالب ، وقد رواه أبو يعلى .
لكن لفظه في "المطالب" : "من سلم عليك من خلق الله أردد عليه وإن كان مجوسياً ، فإن الله يقول: { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا} لأهل الإسلام ، { أَوْ رُدُّوهَا} ، لأهل الشرك (2) .
#115#
ب- وحديث أنس رضي الله عنه قال:
"لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا تبارك وتعالى، ثم لم نخرج له من كل أهل ومال: أن تجاوز لنا عما دون الكبائر، يقول تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً(31)}.
أورده في "المجمع"(3).
3- الثالث ما هو من جنس الفتاوى.
أ- ومثاله حديث ابن الزبير رضي الله عنه قال: من سنة الحاج أن يصلي يوم التروية الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يمني، ثم يغدو ويقبل حيث كتب الله له، ثم يروح إذا زالت الشمس فيخطب الناس، ثم ينزل فيجمع بين الصلاتين...
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ... (4)
ب- وحديث ابن مسعود رضي الله عنه:
"لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب" (5)
ج- وحديثه:
"لا وقت ولا عدد في الصلاة على الجنازة – يعني التكبير".
أورده الهيثمي وقال: رواه البزار ورجاله ثقات(6).
#116#
4- الرابع: ماله حكم الرفع.
أ- ومثاله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
ما منكم من أحد إلا أن ربه عز وجل سيخلو به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر.. فيقول: ابن آدم، ما غرك بي، ابن آدم ما غرك بي، ابن آدم، ما أجبت المرسلين، ابن آدم ماذا علمت...
__________
(1) "المجمع" (8/41) .
(2) المطالب رقم (2636) .
(3) "المجمع" (7/3).
(4) "المجمع" (3/250).
(5) "المجمع" (5/43)
(6) "المجمع" (3/34).(1/83)
أورده الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً، وروى بعضه مرفوعاً في الأوسط(1).
قلت:
وفيه فائدتان في علم الزوائد:
الأولى: جواز إخراج الحديث الموقوف في الزوائد، ولو جاء في المرفوع مثله في الزوائد أيضاً.
الثاني: جواز إخراج الحديث الموقوف في الزوائد، إذا جاء في المرفوع، لكن كان في الموقوف فيه زيادة.
ب- وحديثه: "ما من عام إلا الذي بعده شر منه، ولا عام خير من عام، ولا أمة خير من أمة . ولكن ذهاب علماؤكم وخياركم، ويحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم، فينهدم الإسلام وينثلم".
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه مجالد بن سعيد، وقد اختلط(2).
#117#
ج- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"ما من عبد يسبح لله تسبيحة، أو يحمده تحميدة، أو يكبره تكبيرة، إلا غرس الله له بها شجرة في الجنة ، أصلها من ذهب ، وأعلاها من جوهر ، مكللة بالدرر والياقوت ، ثمارها كثدي الأبكار ، ألين من الزبد . . ." .
قال الهيثمي : "رواه الطبراني في الأوسط موقوفا عن أبي هريرة ، وفيه سليمان بن أبي كريمة ، ضعيف" (3) .
5- الخامس : ما جاء في المرفوع مثله ، من غير حديث واقفه :
أ- ومثاله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : من أتى كاهنا أو عرافا وتيقن بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أورده الهيثمي في "المجمع" (4) ، وابن حجر في المطالب (5) ، ورواه البزار .
فإن هذا الحديث جاء عن واثلة بن الأسقع وابن عمر وأبي الدرداء وجابر وعمر وغيرهم رضي الله عنهم ، في الكتب الستة .
وحديث ابن مسعود قال :
"من السنة الغسل يوم الجمعة" .
أورده الهيثمي (6) وابن حجر (7) . ورواه البزار ورجاله ثقات .
#118#
__________
(1) "المجمع" (10/347) .
(2) "المجمع" (1/180) .
(3) "المجمع" (10/89) .
(4) "المجمع" (5/118) .
(5) المطالب (2464) و (2465) .
(6) "المجمع" (2/173) .
(7) المطالب رقم (600) .(1/84)
فإن هذا الحديث قد جاء في المرفوع عن جماعة من الصحابة كثيرين منهم : سهل بن حنيف ، وأبي أيوب ، وأبي الدرداء ، ونبيشة الهذلي ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي سعيد ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وثوبان ، وعائشة ، وأبي مالك الأشعري وغيرهم .
6- السادس : الذي قال الصحابي في أوله : "من السنة" ، وهو مثل المرفوع عن العلماء .
أ- ومثاله حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :
"من السنة – يعني يوم الفطر – أن تطعم قبل أن تخرج ولو بتمرة" .
رواه البزار ، والطبراني بسند حسن ، وأورده الهيثمي فني "المجمع" (1) .
ب- وحديثه أيضاً :
"من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة ، ثم يتيمم للأخرى" .
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ، وفيه الحسن بن عمارة ، وقد ضعفه شعبة وسفيان ، وأحمد بن حنبل (2) .
#119#
الفصل السابع
في الحديث يكون مروياً من كلامه
ثم يروي من فعله
فهل يعد من الزوائد؟
قد ذهب غير واحد من الأصوليين لعدم التفرقة بين الحديثين ، وإن كانوا اختلفوا في الأقوى منهما ، إلا أن بعض أهل العلم قد فرق بينهما ، وجعلهما مختلفين .
لأجل هذا ، اخترنا إخراج الحديث في الزوائد ، على عدم إخراجه ، واعتبرنا قول من قال : إن الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - ، ربما يكون لأمر طارئ ، أو من خصوصياته ، بخلاف قوله الذي يذهب مذهب العموم في الغالب .
ثم إنني رأيت البوصيري برحمه الله قد ذهب هذا المذهب ، فعزز الاختيار .
أ قال الهيثمي – رحمه الله – "في مصباح الزجاجة بزوائد ابن ماجه" (3) .
[عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام عن ركعتي الفجر, فقضاهما بعدما طلعت الشمس".
#120#
__________
(1) "المجمع" (2/199) .
(2) "المجمع" (1/294) .
(3) رقم (216) ص (217) .(1/85)
قال البوصيري : هذا إسناد رجاله ثقات ، رواه الترمذي أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : "من لم يصل ركعتي الفجر ، فليصلهما بعدما تطلع الشمس" وقال : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه] انتهى .
قلت : هو كما قال ، والحديث عند الترمذي باللفظ المذكور (1) .
(ملحق : في بيان وجوب إخراج الحديث الموصول أو الموقوف ، إذا جاء مرسلا في الكتب المزاد عليها ) .
فإن الواجب إخراج الحديث الموصول أو الموقوف ، إذا كان مخرجا في الكتب المزاد عليها مرسلا ، سواء أكان من نفس طريق المرسل أو من غير طريقه ، وسواء كان في الوصل أو الوقف زيادة أو نقص أم لا .
أ- ومن مثاله حديث عبد الله بن شقيق عند الترمذي ، مرسلا :
فإنه جاء عند الحاكم عند عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال : "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة" (2) .
فأوردت الحديث في زوائد المستدرك على الستة لهذه العلّة .
#121#
الفصل الثامن
في التمييز بين الأحاديث
وتخليص مسانيد الصحابة بعضهم من بعض
وبيان معنى قولنا في التعريف "المروي عن صحابي آخر"
وفي العشرينية :
خلف الصحاب عندنا زيادة ... وللمتون مثلها سوف يرى
للأول عن صاحب ليس له ... حديثه في كتبهم ما أخبرا
اعلم رحمك الله ، أن هذا العلم من الحديث ، لم توضع فيه من قبل سوداء في بيضاء ، في مصنف ، بل ولا في بعض مصنف ، إلا ما هو من جنس الكلام على حديث واحد بعينه ، والترجيح فيه ، هو من مسند أي من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين.
__________
(1) سنن الترمذي (423) .
(2) "مستدرك الحاكم" (1/7) .(1/86)
فالمحدثون قاطبة ، يبذلون غاية الجهد ، ومنتهى الوسع ، في تحديد الحديث هو مَنْ مسند مَنْ ، ويعلون الحديث كثيرا ، فيقولون : هو من مسند فلان لا من مسند فلان ، وهذا الحديث لا يعرف إلا من حديث فلان. ورواه الجماعة عن فلان من الصحابة ، وخالف فيه فلان من الرواة فجعله عن صحابي آخر ، ويقولون : المحفوظ من حديث زيد ، ولا نعرفه من حديث عمرو. ويقولون : وهم الراوي فيه. فجعله من مسند فلان ، وهو
#122#
في مسند فلان. على غير ذلك من تعابيرهم. وأقوالهم التي يطول ذكرهم ولا تكاد تحصر.
وأكثر الذين يعانون هذا من أهل الحديث ثلاثة أصناف :
الأولون : الأئمة أصحاب المسانيد.
واللاحقون : أصحاب المجاميع ، أو الجوامع.
والآخرون : أصحاب الأطراف.
وأما المشتغلون بالتخريج فإنهم وإن كانوا يعانونه ، فإنما هم يخوضونه في أحاديث معينة تكلم عليها أصحاب العلل ، لا في كل حديث ، سيما الصحاح المخرجة في الأصول الكبرى ، المتفق على صحتها. والأحاديث التي رواها جماعة فجعلوها في مسند معين ، وجماعة آخرون جعلوها في مسند غيره.
فأما الأولون ، وهم أمس الناس لمعرفة ذلك ، في كل حديث لإلحاق الحديث في مسند صحابيه. وإلا فإنه يعاب عليهم إخراجهم ذلك ، وإن كان موافقا لظاهر الرواية.
وأما اللاحقون ، وهم مثلهم كمثل الأولين ، لأجل جمع روايات الحديث الواحد ، وإلحاق طرف الحديث بأصله ، بل وجمع طرفين في حديث واحد ، لا يقوم بمعرفة ذلك إلا النحارير.
وأما الآخرون أصحاب الأطراف ، فكتبهم كالمسانيد من غير متون – إلا أول الحديث – وإنما زادوها ترتيبا على الرواة عن الصحابة والتابعين.
ولكنك إن نظرت بعين المدقق ، وجدت نظر صاحب الأطراف في السند ، أقوى من نظر صاحب المسند ، ووجدت نظر صاحب المسند في
#123#
المتن ، أطول من نظر صاحب الأطراف فيه ، وإن كان كل منهما ، له طول باع في النظر في الإسناد والمتن.(1/87)
ومن لا علم عنده يحسب أن صنيع هؤلاء رحمهم الله من العبث ، وقصر الأناة، وترف المعرفة ، والبحث بما لا نفع منه ولا جدوى ، ولكن حسبانهم يخيب.
فإن الفصل بين الأسانيد قد عايناه فوجدناه من أهم أدلة معرفة مصدر الحديث ، والحكم على الاحتجاج به أم لا ، وليس علم الحديث كله يطرق إلا هذا الباب ، فإن كان هذا من أهم ذلك ، فأعلم أن معرفة قبول الحديث ورده ، لا بد أن يدخل من هذا الباب.
وقبل الشروع في الفصل نذكر أن المراد بقولهم : "هذا الحديث في مسند فلان" يعني أن هذا الحديث النبوي المذكور ، إنما نقله لنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلان المذكور ، ومهما كان قبل الحديث وبعده من كلام وتفسير ، وحكاية وقائع ، ليس فيها كلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الحديث لا يكون إلا في مسند فلان المذكور ، راوي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد فصلت هذا الفصل لفرعين :
أ- فرع في الحديث عموماً ، وهو مدخل لمعرفة الأحاديث الزوائد.
ب- وفرع في الزوائد خصوصاً.
الفرع الأول الذي هو في الحديث عموماً :
وقبل الشروع في تقعيد مسائلة ، أورد ما هو بمثابة المدخل لهذا العلم ، فأقول : قال الشيخ ابن الأثير رحمه الله – صاحب جامع الأصول – في الفصل الثاني من كتاب العدة ، في عدة الوفاة والحمل :
#124#
(خ م(1) ... أم سلمة رضي الله عنها)(2) ...
أخرجه البخاري عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة ، كانت تحت زوجها ، فتوفى عنها وهي حبلي ، فخطبها أبو السنابل بن بعكك ، فأبت أن تنكحه ، فقال : والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين ، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : انكحي].
__________
(1) إشارة إلى أن الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
(2) يعني جعل الحديث في مسندها. وهو في الجامع برقم (5956) تحقيق الأرناؤوط.(1/88)
انتهى ما أورده ابن الأثير.
فقد رأيت هنا ، كيف جعل الحديث في مسند أم سلمة ، لأن القصة كلها ليس فيها من كلامه - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله "انكحي" ، ولم يرو هذه اللقطة لنا فيه إلا أم سلمة ، فاستحق الحديث أن يكون في مسندها ، دون أن يكون في مسند زينب ابنتها ، ولا سبيعة صاحب القصة ، ولا أبي السنابل خاطبها.
ثم أورد ابن الأثير – رحمه الله – بعد هذه الرواية ، رواية مسلم فقال :
[وأخرجه مسلم من رواية سليمان بن يسار : أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة ، وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال.
فقال ابن عباس : عدتها آخر الأجلين.
وقال أبو سلمة : قد حلت :
فجعلا يتنازعان ذلك.
#125#
فقال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي – يعني : أبا سلمة – فبعثوا كريبا – مولى العباس – إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ، فجاءهم فأخبرهم أن أم سلمة قالت : إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال ، وإنها ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمرها أن تتزوج] انتهى.
فإنه أورد هذا الحديث في مسندها لما قدمناه ، وإن كان فيه فتاوى عن ابن عباس وأبي سلمة وأبي هريرة ، وإن كان السائل لأم سلمة كريباً. ولو كان صاحب هذه القصة جميعها سليمان بن يسار.
ثم إن ابن الأثير قال في حديث بعده تماما :
[خ – أبو سلمة بن عبد الرحمن(1) رحمه الله قال :
جاء رجل إلى ابن عباس ، وأبو هريرة جالس عنده فقال : أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة.
فقال ابن عباس : آخر الأجلين.
وقلت أنا – أبو سلمة - : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق : 4]. قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي – يعني : أبا سلمة -.
فأرسل ابن عباس غلامه كريباً فسألها؟
__________
(1) جامع الأصول (5957) ، وهذا اسم التابعي راوي الخبر ، فهو حتى الآن لم يجزم بالصحابي راوي الخبر كما سيأتي بيانه.(1/89)
فقالت : قتل زوج سبيعة وهي حبلي ، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ، فخطبت ، فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان أبو السنابل بن بعكك فيمن خطبها.
أخرجه البخاري.
#126#
قال ابن الأثير :
أورده الحميدي في أفراد البخاري في مسند عائشة ، وقال : أخرجه أبو مسعود الدمشقي في أفراد البخاري لعائشة من ترجمة يحيي بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن عائشة.
قال الحميدي : ثم قال أبو مسعود : أخرجه مسلم من حديث يحيي الأنصاري عن سليمان بن يسار عن أم سلمة. وذلك مذكور في مسند أم سلمة في أفراد مسلم في ترجمة كريب عنها.
قال الحميدي : وليس عندنا من كتاب البخاري إلا كما أوردناه "فسألها" مهملاً ، ولم يذكر لها اسماً ، ولعل أبا مسعود وجد ذلك في نسخته "عن عائشة".
قال ابن الأثير :
صدق الحميدي ، ليس في كتاب البخاري لها اسم مذكور ، إنما قال : "فأرسل غلامه كريباً فسألها" ولم يسمها.
وما أظن أبا مسعود إلا قد وهم في إضافة هذا الحديث إلى عائشة ، فإن الحديث باختلاف طرقه مرجوع إلى أم سلمة..
ثم قال ابن الأثير : وحينئذ يكون هذا الحديث من جملة روايات الحديث الذي قبله.
أما إن صح ما حكاه أبو مسعود فيكون مفردا برأسه.
وحيث أفرده الحميدي اتبعناه في إفراده] انتهى.
قلت : وهذا كلام بين جداً ، ليس بحاجة إلى شرح ولا تفصيل. إلا الإشارة إلى أنه رمز في أوله للبخاري فقط دون مسلم ، وذلك للعلة الذي ذكرها.
#127#
ثم إن ابن الأثير أورد حديثاً ثالثا هكذا :
[س(1) – أبو سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله قال :
"بينما أنا وأبو هريرة عند ابن عباس ، إذ جاءته امرأة فقالت : توفي عنها زوجها وهي حامل ، فولدت لأدنى من أربعة أشهر من يوم مات.
فقال بن عباس : آخر الأجلين.
__________
(1) رمز هنا له للنسائي فقط ، لما سيأتي ، والحديث في "الجامع" برقم (5958).(1/90)
فقال أبو سلمة : أخبرني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن سبيعة الأسلمية جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال توفى زوجها وهي حامل ، فولدت لأدنى من أربعة أشهر ، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتزوج.
قال أبو هريرة : وأنا أشهد على ذلك".
أخرجه النسائي] انتهى ما أورده ابن الأثير.
قلت : فقد فرق هذا الحديث الثالث عن الحديثين قبله لأن فيه هنا :
"فقال أبو سلمة أخبرني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ...".
فالحديث في مسند رجل صحابي لم يسم ، وليس هو في مسند أم سلمة.
ولو أنه جعل في مسند أبي هريرة لكان صوابا ، لأن أبا هريرة قد قال فيه :
"وأنا أشهد على ذلك" يعني أنه شهد كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن حيث أن كلامه محتمل، جاز ترك ذلك ، فقوله "وأنا أشهد على ذلك" يحتمل أنه
#128#
شهد على سماع الحديث من الصحابي المبهم ، ويحتمل أنه شهد السؤال وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعلى الأولى ليس هو في مسنده ، وعلى الثاني جاز.
وقد رجعت لهذا الحديث في كتب المسانيد والأطراف.
فوجدت المزي ذكره في مسند أم سلمة ، وعلم عليه للشيخين وغيرهما ، كما في الجامع(1).
ووجدته أشار لما كان أشار له أبو مسعود ، وتلقفه عنه الحميدي وناقشه فيه هو وابن الأثير ، فأورده في مسند عائشة فقال :
[حديث سبيعة في عدة الوفاة ، يأتي في ترجمة كريب عن أم سلمة ، ورمز له بحرف "الخاء" إشارة للبخاري فقط(2)].
فهو هنا ، وإن كان أحال على مسند أم سلمة ، لكنه إنما ذكر ذلك في مسند عائشة ، فأشار إلى هذا الخلاف الذي تقدم ، ورجح كون الحديث في مسند أم سلمة ، حيث أحال عليه ، وإنما اكتفى بالإشارة هنا للحديث دون ذكره المتن – بخلاف عادته حيث لم يأت التصريح في رواية البخاري بذكر عائشة ، فلذلك لم يذكرها.
__________
(1) انظر التحفة رقم (18157) و (18206).
(2) انظر التحفة رقم (17785).(1/91)
وإنما نبه على ذلك لطول باعه في هذا الفن ، ومعرفته ، أنه وقع في غير لفظ البخاري فيه ذكر عائشة ، فإذا رجع من وقف على تلك الرواية التي ليست هي في لفظ البخاري للتحفة ، ولم يجدها ، ظن أن الحافظ المزي أغفلها ، فدفعا لمثل هذا التوهم أوردهما.
وأما في مسند أبي هريرة فلم يذكره ، للعلة التي ذكرنا ، ولو أنه أشار لذلك لكان أحسن وأكمل ، ولكنه أيضاً ، لا غضاضة بترك ذكره.
#129#
وأما في المسانيد.
فقد أخرج الإمام أحمد الرواية التي عند الشيخين وغيرهما – وهي الأولى – في مسند أم سلمة ، كما هو في "الجامع" و "التحفة" إذ لا خلاف عليها(1).
وحيث أنه لم يخرج لفظ البخاري الذي تفرد به ، ولا لفظ النسائي الأخير ، لم نفد.
قلت :
وقد جاء هذا الحديث بعينه من حديث ، المسور بن مخرمة ، وهو بين في سياقة.
وقد ذكره ابن الأثير من حديث(2) :
[خ – ط – س – (المسور بن مخرمة رضي الله عنه) قال : إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - واستأنذته أن تنكح فأذن لها فنكحت.
ثم ذكره من حديث أبي السنابل(3) :
[ن – س (أبو السنابل رضي الله عنه) ، قال : وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين يوما ، فلما تعلت تشوفت للنكاح ، فأنكر ذلك عليها ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن تفعل فقد حل أجلها... ].
#130#
ثم ذكره من حديث سبيعة الأسلمية نفسها(4).
قال ابن الأثير :
(خ – م – د – س (سبيعة الأسلمية رضي الله عنها) : أخرجه البخاري بالإسناد مختصرا عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أنه كتب إلى ابن أرقم أن يسأل سبيعة : كيف أفتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فقالت : "أفتاني إذا وضعت أن أنكح" ...].
__________
(1) انظر المسند رقم (26720).
(2) انظر الجامع رقم (5959).
(3) انظر الجامع رقم (5960).
(4) انظر الجامع رقم (5961).(1/92)
وهذه الأحاديث الثلاثة لم يختلف عليها لا في "التحفة" ولا في المسند.
وهذا بحمد الله جميعه بين لا شك فيه ، وبه نكون قد أوضحنا معنى قولهم : الحديث في مسند فلان ، أو : هو في مسند فلان وفلان ، إلى غير ذلك.
لكن بقى في الموضوع المسائل المعضلة ، التي لا تحل ببادئ النظر ، والتي بدونها ، لا نكاد نعرف الحديث الزائد من غير الزائد ، حتى ندلى الدلو ، ونملأ السقاء ، ونجزم بالحكم على هذه المسائل ، لنحقق معنى قولنا في آخر التعريف. "المروي عن صحابي آخر".
وحتى نعرف متى بعد أهل الحديث الحديث في مسند صحابي آخر.
وهذه المسائل هي :
#131#
الفرع الثاني :
المسألة الأولى :
إذا جاء الحديث المرفوع عن التابعي الواحد على وجهين :
أ مرة صرح باسم الصحابي راوي الحديث.
ب ومرة أبهم اسم الصحابي راوي الحديث.
فما الحكم؟
الجواب : إنهما يعتبران حديثاً واحداً ، ما دام التابعي الراوي عنهما واحداً ، لا اثنين. ودل المتن على أن الحديث واحد.
أ- ومثاله : حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال...".
فهذا الحديث أخرجه أو داود قال :
حدثنا محمد بن الصباح البزار ، ثنا جرير بن عبد الحميد الضبي ، عن منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة".
وقد رواه النسائي قال :
أخبرنا إسحق بن إبراهيم ، قال : أنبأنا جرير.. وساقه بسند أبي داود ومتنه تماماً ، إلا أنه زاد قوله "قبله" بعد قوله "الهلال" وفي آخر الحديث.
فقد اتفقا رحمهما الله على هذا الحديث ، أنه من طريق ربعي عن حذيفة.
#132#
لكن هذا الحديث قد روى أيضاً من طريق منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومع ذلك فقد عدوه هو نفسه الحديث الأول الذي فيه التصريح باسم حذيفة.(1/93)
فقال أبو داود بعد رواية حديث حذيفة السابق : [ورواه سفيان وغيره عن منصور ، عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يسم حذيفة].
فتأمل قوله : "لم يسم حذيفة" فكأنه قطع بأن المبهم هو حذيفة رضي الله عنه.
ومثل أبي داود فعل النسائي ، وترجم قبل إيراد الروايتين :
ذكر الاختلاف على منصور في حديث ربعي فيه – في حديث إكمال شعبان ثلاثين – ثم ساق الرواية الثانية التي فيها إبهام الصحابي ، ولفظه : "عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
ومثل هذا فعل المزي في "التحفة" (1) ، حيث أورد حديث حذيفة المذكور ، وذكر الطريقين : المصرحة باسم الراوي الصحابي حذيفة ، والمبهمة له ، ورمز له : للنسائي وأبي داود.
ومثل هذا فعل ابن الأثير في الجامع(2) ، فرمز لهما ، ثم أورد حديث حذيفة ، وقال : [وللنسائي : - في رواية – عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يسمه ...].
قلت : فقوله : "ولم يسمه" وإيراده عقب الحديث ، يدل على أنه يراهما حديثاً واحداً.
#133#
وقد أخرج الإمام أحمد الرواية التي فيها إبهام الصحابي(3) ، فقط ، دون المصرحة. أوردها في مسند حذيفة.
ولفظ أحمد فيها : "عن ربعي عن بعض أصحاب النبي" وهذه الكلمة "بعض" تطلق وظاهرها أكثر من واحد ، ولكنها تطلق على الواحد أيضاً. وهي على كل حال مثل رواية النسائي.
فلم يخرج الهيثمي هذه الرواية في الزوائد ، لسببين :
الأول : أنها عند النسائي بعينها.
والثاني : على اعتبار أن الصحابي المبهم هو حذيفة رضي الله عنه.
ب- ومثاله حديث سليمان الأعمش عن يحيي بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أراه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم.
__________
(1) رقم (3316).
(2) رقم (4379).
(3) المسند رقم (18847).(1/94)
أخرجه الترمذي وقال : قال ابن أبي عدي : كان شعبة يرى أنه ابن عمر.
وهذا الحديث قد أخرجه ابن ماجه في سننه من طريق سليمان الأعمش عن يحيي بن وثاب عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن الذي يخالط الناس..." فذكره.
وهذا الحديث قد تفرد به ابن ماجه من بين الستة ، إلا ما قدمنا عند الترمذي من رواية الإبهام.
#134#
فلو أن حديث ابن ماجه عدّه البوصيري حديثاً آخر ، لكان أخرجه في الزوائد على الخمسة ، ولكن حيث أنه لم يخرجه عرفنا أنه ذهب المذهب الذي اخترناه ، واختاره ، أبو داود والنسائي ، والحافظ المزي ، وابن الأثير ، والهيثمي ، وغيرهم.
وقد جزم الحافظ ابن حجر بهذا ، فقال : وهو – يعني حديث ابن ماجه – عند الترمذي ، إلا أنه لم يسم الصحابي(1). جزم بذلك في "بلوغ المرام" (2).
وكذلك الحافظ المزي في "التحفة" ذكر الحديث في مسند ابن عمر ، وعزاه للترمذي وابن ماجه(3).
ومما يؤكد صحة هذا ، أن الحافظ ابن حجر ذكر في "النكت الظراف" تحت هذا الحديث فقال : أخرجه الطبراني في كتاب "مكارم الأخلاق" من طريق مسلم بن إبراهيم عن شعبة ، وسمى "ابن عمر" ، وأخرجه أيضاً من طريق الثوري عن الأعمش كذلك. انتهى.
المسألة الثانية :
إذا جاء الحديث عن التابعي الواحد على وجهين :
أ مرة صرح باسم الصحابي ورفعه.
ب ومرة أرسله ، ولم يذكر فيه صحابياً ، لا مصرحاً ولا مبهماً.
#135#
فما الحكم؟
الجواب : إنهما يعتبران حديثاً واحداً ، ما دام التابعي الراوي عنهما واحداً ، ودل المتن على أن الحديث واحد.
أ ومثاله حديث حذيفة المتقدم.
فقد أخرجه النسائي من طريق الحجاج بن أرطأة عن منصور عن ربعي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأيتم الهلال فصوموا.. الحديث بنحوه".
__________
(1) "انظر تحفة الأحوذي" نقلها عن الحافظ (7/179 – 180).
(2) سبل السلام (40/211) – ط دار إحياء التراث العربي.
(3) التحفة رقم (8565).(1/95)
فأردف النسائي هذه الرواية بالروايتين المتقدمتين(1).
وكذا الحافظ المزي في الأطراف فعل ، فبعد أن أوردهما في المراسيل ، أحال على حديث حذيفة(2) ، بعد أن رمز للنسائي فقط ، كما هو الحال.
وكذا فعل ابن الأثير في الجامع ، فأورد هذه الرواية مع السابقتين(3).
ب ومثاله ما أخرجه أبو داود من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري – وهو تابعي – عن أبي هريرة : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة".
فإنه عاد فأخرج الحديث من طريق أبي سلمة دون ذكر أبي هريرة.
وأوردهما متعاقبين ، بعضهما بعد بعض ، لاعتبارهما حديثاً واحداً كما قدمنا(4).
#136#
وهذا كثير مشهور جداً لا يختلف فيه أحد من الناس فيما نعلم.
وعليه فإن الحديث إذا جاء في الكتاب المراد إخراج زوائده مرسلاً ، وكان جاء في أحد الكتب المراد إخراج الزوائد عليها موصولاً عن صحابي ، لم يجز إخراج الحديث في الزوائد لأجل الإرسال ، إلا أن يكون في متنه زيادة توجب جعله في الزوائد ، كما لو كان الحديث موصولاً.
وهذا الذي قدمناه ، لا يفيد إهمال الحديث المرسل برأسه ، إن لم يكن جاء موصولاً في الكتب المراد إخراج الزوائد عليها ، فإن مثل هذا ، يكون حديثاً برأسه ، والواجب إخراجه ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة :
إذا جاء الحديث عن الصحابي على وجهين :
أ مرة : رواه عن صحابي آخر.
ب ومرة : رواه هو ، ولم يذكر الصحابي الآخر.
فما الحكم؟
الجواب : إنهما يعتبران حديثين اثنين ، الأول في مسند الصحابي الآخر ، والثاني في مسند الصحابي الراوي عن الآخر الخبر.
__________
(1) "سنن النسائي" (4/136).
(2) "تحفة الأشراف" رقم (18631).
(3) "جامع الأصول" رقم (4379).
(4) سنن أبي داود (4512).(1/96)
أ- ومثاله : حديث عبد الله بن بسر السلمي ، عن أخته الصماء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجر فليمضغه".
هذا الحديث قد أخرجه أبو داود(1) فقال : حدثنا حميد بن مسعدة ،
#137#
ثنا سفيان بن حبيب. عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء(2) ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ... فذكره.
وأخرجه الترمذي قال(3) :
حدثنا حميد بن مسعدة ، ثنا... فذكره بإسناده ومتنه.
وأخرجه ابن ماجه فقال(4) :
حدثنا حميد بن مسعدة .... فذكره.
لكن ابن ماجه أيضاً أخرجه من طريق ثانية فيها ذكر "الصماء" فقال :
"حدثنا أبو بكر بن أبي شبيبة ، ثنا عيسى بن يونس ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فذكره...".
فلأجل ما قدمناه من اعتبار هذه الرواية حديثاً آخر ، أخرج البوصيري هذه الرواية الثانية التي عن عبد الله بن بسر في الزوائد(5).
ولذلك أورد المزي رواية ابن ماجه الثانية ، في مسند عبد الله بن بسر ، ولم يورد الأولى ، وعلم على الحديث برمز ابن ماجه(6) ، دون أبي داود ، ولا الترمذي ، على اعتبار أنهما لم يخرجاه من حديثه.
#138#
وأما في مسند الصماء ، فأورد الحديث ونسبه للثلاثة(7).
(إكمال) :
وقد جاء هذا الحديث عن عبد الله بن بسر عن أبيه ، عند النسائي في الكبرى ، لا في السنن الصغرى ، فذكره الحافظ المزي في "التحفة" (8) ، ورمز له للنسائي فقط ، دون الثلاثة.
__________
(1) سنن أبي داود رقم (2421).
(2) الصماء لقب ، لا أنها كانت صماء.
(3) تحفة الأحوذي رقم (741).
(4) سنن ابن رقم (1726).
(5) مصباح الزجاجة رقم (627)
(6) تحفة الأِشراف رقم (5191).
(7) تحفة الأشراف رقم (15910).
(8) تحفة الأشراف رقم (2016).(1/97)
ولأجل هذا الذي ذكرناه ، فقد أخرج الهيثمي في الزوائد(1) حديث ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احفظوني في أصحابي ، ثم الذين يلونها ثم الذي يلونهم ، ثم يفشو الكذب ، حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد ، وحتى يحلف قبل أن يستحلف ، ويبذل نفسه يخطب الزور، فمن سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ، ولا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ، ومن ساءته سيئته، وسرته حسنته فهو المؤمن".
وهذا الحديث قد أخرجه بطوله الترمذي في السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب(2) في كتاب الفتن ، باب لزوم الجماعة.
بل إن الهيثمي رحمه الله لم يشر لكونه جاء في الترمذي عن عمر. ولو أشار لكان لا بأس بذلك. والله أعلم.
وأخرج الهيثمي حديث أبي جبيرة بن الضحاك عن عمومة له قال :
#139#
قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وليس أحد منا إلا وله لقب أو لقبان ، فكان إذا دعاه بلقبه ، قلنا يا رسول الله إنه يكرهه : فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ } إلى آخر الآية(3).
قال الهيثمي بعد ذكره : هو في السنن من حديث أبي جبيرة نفسه ، وهنا عنه عن عمومة له. انتهى.
قلت : فأشار هنا في هذا الموضع ، كما كنا أحببنا ذلك في الحديث قبله.
المسألة الرابعة :
إذا تردد الراوي باسم الصحابي :
أ فمرة يقول : فلان بن زيد.
ب ومرة يقول : فلان بن عمرو.
فما الحكم؟
الجواب : أنه يرجع لكتب الصحابة ، والأطراف ، فإن عدوهما واحداً ، كان حديثاً واحداً ، وإن عدوهما اثنين ، كانا حديثين اثنين.
أ- ومثاله الاختلاف في نسب خولة امرأة حمزة بن عبد المطلب.
فقد جاء لخولة هذه أسماء أشهرها : خولة بنت قيس ، وخولة بنت ثامر.
وقد ذهب الجمهور إلى أنهما واحداة.
__________
(1) مجمع الزوائد (5/225).
(2) "تحفة الأحوذي" رقم (2254).
(3) مجمع الزوائد (7/111).(1/98)
فقد ذكرها ابن حجر في الإصابة قال : [خولة بنت ثامر.
#140#
قال على بن المديني : هي بنت قيس بن قهد بالقاف ، وثامر لقب. ويقال هما ثنتان] (1).
فكأنه لم يرتض الثاني.
ونحو هذا صنع المزي في "تحفة الأشراف" فذكر مسند خولة بنت ثامر ، ولم يذكر عندها حديثاً بل أحال على مسند خولة بنت قيس(2).
ثم ذكر في مسند خولة بنت قيس أن لها أسماء ، وأعقب ذلك بقول ابن المديني المتقدم ، وساق الحديث الواحد الفرد الذي لها في البخاري واسمها عنده – أي عند البخاري – حولة بنت ثامر ، ثم ساق حديثها الواحد الفرد ، الذي ليس لها غيره عند الترمذي ، واسمها عنده – أي عند الترمذي – خولة بنت قيس. وانتهى مسندها بهما(3).
المسألة الخامسة :
إذا جاء الحديث عن التابعي على وجهين :
أ مرة : قال أظنه عن زيد.
ب ومرة : قال عن رجل يشبه زيدا.
أو كلاما نحو هذا ، لم يحدد فيه في الموضعين ، ولم يجزم.
فما الحكم؟
الجواب : أن الحديثين حديث واحد ، ما دام التابعي صاحب الخبر في الوجهين واحداً.
#141#
ومثاله حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري.
فقد أخرج أبو داود(4) من حديث أحمد بن يونس قال ثنا زهير عن داود بن عبد الله ، عن حميد الحميري – وهو ابن عبد الرحمن – قال : لقيت رجلاً صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صحبه أبو هريرة قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمتشط أحدنا كل يوم ، أو يبول في مغتسله".
وأخرجه النسائي(5) فقال : أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال : لقيت رجلاً صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صحبه أبو هريرة أربع سنين ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث.
__________
(1) "الإصابة في تمييز الصحابة" (4/289).
(2) تحفة الأشراف (11/ 297).
(3) تحفة الأشراف (11/ 300).
(4) سنن أبي داود رقم (28).
(5) سنن النسائي (1/130).(1/99)
وهذا الحديث قد أخرجه الحاكم(1) فقال : حدثنا أبو العباس السياري ، ثنا أبو الموجه ، ثنا أحمد بن يونس ، ثنا زهير عن داود بن عبد الله ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، أظنه عن أبي هريرة قال : نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث.
فالأحاديث الثلاثة حديث واحد ، وإنما وقع مثل هذه العبارات من تصرف الرواة ، لأن مثل هذه التعابير ، يقع فيها الظن والتخمين ، بل والوهم ، والله أعلم.
من أجل هذا لم أخرج حديث الحاكم في الزوائد على الكتب الستة.
المسألة السادسة :
إذا جاء الحديث عن تابعيين مختلفين ، وكل منهما أبهم صحابيه في الحديث.
#142#
فما الحكم؟
الجواب : اعتبارهما حديثين.
ومثاله ما أخرجه النسائي في حديث وضع الصوم عن المسافر وشطر الصلاة.
فقد أخرجه النسائي من طرق كثيرة منها :
1- عن أيوب عن شيخ من قشير عن عمه ، أنه ذهب في أبل له فانتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2- عن أبي قلابة عن رجل قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3- عن أبي العلاء بن الشخير عن رجل قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
4- عن هانئ بن الشخير عن رجل من نجريش عن أبيه قال : كنا نسافر ما شاء الله فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد أطنب النسائي في ذكره هذه الروايات(2) ، ومنها ما جاء التصريح فيه باسم الصحابي ، فتارة جعله من مسند عبد الله بن الشخير ، وتارة من حديث أنس بن مالك – وهو غير أنس بن مالك الصحابي المشهور – إلى غير ذلك من الروايات.
لكن حيث أن هذه الروايات اضطربت هكذا في ذكر الصحابي ، واختلف الرواة عن الصحابة فيه ، فأمكن التعدد في الخبر ، وجب اعتبار كل حديث اختلف تابعيه – في مثل هذا الذي هنا – حديثاً برأسه. والله أعلم.
ولأجل هذا فقد أخرج الحافظ رحمه الله في "المطالب" حديث أبي
#143#
__________
(1) المستدرك (1/168).
(2) "المطالب العالية" (2727).(1/100)
صالح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن المؤمن الذي يخالط الناس...". ونسبه لمسدد فقط(1).
مع أن الحديث جاء عن يحيي بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعده حديثاً آخر ، ونسب حديث يحيي للحارث فقط.
وسيأتي مزيد بسط لهذا في آخر الحديث عن كتاب "المطالب" إن شاء الله تعالى.
ملحق الفرع الثاني الذي هو في اعتبار الحديث من الزوائد لأجل زيادة صحابي فيه :
وإن كنا قد فصلنا من قبل أن رواية الحديث عن صحابي آخر ، يجعل الحديث حديثين ، وكلما ازداد عدد رواة هذا الحديث من الصحابة ، حكمنا بزيادة العدد ، لذلك فقد قعدنا في هذا الفرع مسائل :
المسألة الأولى :
إذا جاء الحديث في الكتاب المزاد منه عن صحابيين تأكيداً ، وكان هو في الكتب المزاد عليها عن صحابي واحد فقط منهما.
هل يخرج الحديث في الزوائد؟
الجواب : نعم ، يخرج في الزوائد على اعتباره حديثين ، لا حديثاً واحداً.
أ- ومثاله :
حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "ما من مسلم يخذل امرءاً مسلماً ، في
#144#
موضع تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه ، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته.
وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته ، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته فيه".
فهذا الحديث قد أخرجه أبو داود في سننه(2) عن صحابيين :
1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
2- وعن أبي طلحة رضي الله عنه.
وهذا الحديث بعينه ، قد أخرجه الطبراني في الأوسط. إلا أنه رواه عن :
1- جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
2- وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
فقال : حدثنا ... عن جابر بن عبد الله وأبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره...
__________
(1) "المطالب العالية" (3177).
(2) سنن أبي داود رقم (4884).(1/101)
فكان حق هذا الحديث أن يورد في الزوائد ، لأنه فيه زيادة أبي أيوب ، على ما عند أبي داود.
وقد فعل الهيثمي رحمه الله فأخرج الحديث في الزوائد ، وقال : "حديث جابر وحده رواه أبو داود" (1).
حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب
#145#
فيه ولا نصب". فقد أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن أبي أوفى(2) رضي الله عنه.
وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة(3) رضي الله عنه.
والحديث قد أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير من حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا : فذكره... فكان حقه أن يخرج في الزوائد.
وقد فعل الهيثمي رحمه الله فأخرجه في الزوائد ثم قال : "حديث أبي هريرة في الصحيح" (4) :
ج- ومن مثاله :
ما جاء في "المجمع" (5) : [عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "سيكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها.
قالوا : فما تأمر من أدرك ذلك يا رسول الله.
قال : تأدّون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم".
قال الهيثمي : حديث ابن مسعود في الصحيح ، رواه الطبراني في الأوسط ...].
د- ومن مثاله حديث سعد بن أبي وقاص وأم سلمة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
#146#
قال لعليّ : أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي".
أخرجه ابن حبان :
فأوردته في الزوائد ، لأنه جاء في الصحيحين عن سعد وحد(6).
هـ- ومن مثاله ما أورده البوصيري في الزوائد من حديث ابن عباس وأبي هريرة في حديث "اجتمع عيدان في يومكم هذا" هكذا هو عند ابن ماجه.
__________
(1) "مجمع الزوائد" (7/267).
(2) رواه البخاري (3608) في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(3) رواه البخاري (3609) ، ومسلم (2432).
(4) "مجمع الزوائد" (9/224).
(5) "مجمع الزوائد" (7/283).
(6) انظر "الإحسان" رقم (1644) (6926) (6927).(1/102)
وكان أخرجه أبو داود عن أبي هريرة وحده.
فأخرجه البوصيري في الزوائد لأجل زيادة ابن عباس فيه(1).
المسألة الثانية :
إذا جاء الحديث في الكتاب المزاد منه عن صحابيين – على الشك في أحدهما – وكان الحديث في الكتب المزاد عليها عن أحد الصحابيين المذكورين.
فهل يخرج الحديث في الزوائد :
الجواب : نعم ، يخرج الحديث في الزوائد ، كما في المسألة السابقة ، لاحتمال أن يكون الصواب منهما ، من ليس حديثه في الكتب المزاد عليها.
وذلك أن المقطوع به عند سائر الناس ، أن الزيادة في مثل هذا ، أو التكرار ، أولى من النقص.
#147#
فاحترزنا عن النقص بإيراده ، وأملنا الزيادة ، قبل التكرار.
وقد رجعت "للمجمع" و "المطالب" رجوعاً حثيثاً ، وقلبت وتتبعت ، وقتا طويلاً غير قصير ، فلم أظفر على ذلك مثالاً ، حتى وقع الشك عندي في اعتبارهما لذلك من جنس الزوائد ، وأنا أتطلب ذلك إلى الآن ولم أجده.
وقد رجعت لحديث كنت قد أخرجته في "تشنيف الآذان بسماع زوائد ابن حبان" فيه الشك بالصحابي راوي الخبر ، وأحدهما عند الستة ، وهو بعينه مخرج عند الطبراني على وجه ذكره في الزوائد ، ولكن لم يخرجه الهيثمي فيه ، وما أدري ما عذره ، ولعله من السقط ، إذ مطالبة إخراجه فيه آتية عليه من وجوه ثلاثة أذكرها ، كما أن في ذكر الحديث فوائد أخرى كثيرة.
وهاك تفصيلة :
أ- أخرج ابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن غنم قال :
[حدثنا أبو عامر ، وأبو مالك الأشعريان سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"] (2).
فأخرجت الحديث في الزوائد ثم قلت : علقه البخاري ، وأخرج أبو داود بعضه وابن ماجه بمعناه ، لكن عن أبي مالك وحده.
__________
(1) مصباح الزجاجة رقم (466).
(2) الإحسان رقم (6754).(1/103)
فالحديث أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً(1) بغير إسناده ، - أو بإسناد ليس منشؤه المصنف – من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ، والله ما كذبني : سمع
#148#
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول "ليكون ناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام منهم إلى جنب علم ، يروح عليهم بسارحة لهم – يأتيهم – يعني الفقير – لحاجة فيقولوا : أرجع إلينا غداً.
فيبيتهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".
فرواية ابن حبان زائدة على رواية البخاري لأمرين :
الأول : أن الحديث في البخاري معلق ، والحديث المعلق لا يعتبر مخرجاً ، فالحديث الذي رواه ابن حبان يكون من الزوائد على البخاري في هذا.
الثاني : أنه في البخاري عن رجل واحد شك فيه : هل هو أبو مالك الأشعري ، أم هو أبو عامر الأشعري ، ولذلك وصفه بقوله : "الأشعري" وبقوله "والله ما كذبني" فهو واحد يقينا.
أما الذي عند ابن حبان ، فهما اثنان قطعا ، حيث قال : "أبو عامر وأبو مالك الأشعريان" والاثنان أكثر من واحد ، فهو زائد أيضاً.
والحديث عند أبي داود(2) عن أبي مالك الأشعري فقط أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليشر بن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، وفي لفظ آخر "تستحل أمتي ...".
فهو زائد على رواية أبي داود من وجهين :
الأول : أنه عند أبي داود عن أبي مالك فقط.
#149#
والثاني : أنه جاء ببعض الحديث ، لا بتمامه ، فإنه لم يذكر في روايته الحرير والمعازف.
وأما ابن ماجه(3) فأخرجه عن أبي مالك وحده بلفظ "ليشربن ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم القردة والخنازير".
__________
(1) صحيح البخاري (5268).
(2) سنن أبي داود (3688) و (3689).
(3) سنن ابن ماجه (4020).(1/104)
فهو زائد أيضاً على رواية ابن ماجه من وجهين.
الأول : ليس عند ابن ماجه ذكر الحرير فيه.
الثاني : أنه عنده عن أبي مالك وحده.
وليس في جميع ما قدمنا شاهد على مسألتنا ، إلا ما يأتي وهو :
أن الطبراني في "الكبير" (1) قد أخرج رواية البخاري موصولة كما هي.
وكان يلزم الهيثمي إخراجها لثلاثة أمور :
الأول : أنه جاء مسنداً في رواية الطبراني وهو عند البخاري معلق ، فليخرج ، لأن المعلق لا يعد مخرجاً.
الثاني : أنه جاء بالشك عند الطبراني ، وهو عند أبي داود وابن ماجه عند أبي مالك فقط ، فهو من الزوائد لأجل زيادة الصحابي.
الثالث : أن فيه زيادة كبيرة في المتن على روايتي أبي داود وابن ماجه.
#150#
ومع ذلك فلم يخرجه!!
وقد تلمست لذلك عذراً ، ما رأيت له غيره ، وهو أن الحديث قد جاء في البخاري هكذا :
وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عبد الرحمن بن غنم... الحديث كما أوردناه.
فظن الهيثمي أن البخاري في قوله "وقال هشام بن عمار" هو موصول ، وأن البخاري سمع ذلك ، فلا يكون الحديث معلقا ، بل مسنداً مخرجاً.
وذلك أن هشام بن عمار ، هو من شيوخ البخاري ، وقد حدث عنه البخاري ، وقد رمز لذلك المزي في تهذيب الكمال(2). وفي رمزه أشكال. لكن عبارته مصرحة فإنه قال : [روى عنه البخاري ، وأبو داود...].
__________
(1) رقم (3417) (3/282).
(2) رقم (30/244) لكن وقع الرمز "ت" فقط. لكنه كان فصل في مقدمة الكتاب (1/149) أن رمز تعليق البخاري "خت" لا "ت" وأن رمز الرواية في الجامع "خ" فقط ثم إن المزي لما عد من روى عنهم البخاري في الجامع ذكر منهم هشاما هذا ، (433) ورمز له بـ "ت" بعده. فالحاصل أن روايته عنه ثابتة.(1/105)
وحيث أن البخاري أرّخ وفاته كما في التاريخ الصغر(1) سنة خمس وأربعين ومائتين ، صار سماعة منه محتملاً ، وكذا ذكر روايته عنه الذهبي في السير(2) فقال : "روى عنه البخاري" وقد ذكر ذلك غيرهما.
وقد رجعت للفتح فوجدت الحافظ(3) قال :
#151#
[(وقال هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد) وهكذا في جميع الشيخ من الصحيح ، من جميع الروايات مع تنوعها عن الفربري ، وكذا في رواية النسفي وحماد بن شاكر.
وذهل الزركشي في توضيحه فقال : معظم الرواة يذكرون هذا الحديث معلقاً ، وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال : "قال البخاري حدثني الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار" قال فعلي هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري.
وبذلك يرد على ابن حزم دعواه الانقطاع. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر : وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل ، وذلك أن القائل "حدثنا الحسين بن إدريس" هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري ، ثم هو الحسين بضم أوله ، وزيادة التحتانية الساكنة وهو الهروي ، لقبه خرم ، بضم المعجمة ، وتشديد الراء ، وهو من المكثرين.
وإنما الذي وقع في رواية أبي ذر من الفائدة أنه استخرج هذا الحديث من رواية نفسه عن غير طريق البخاري إلى هشام ، على عادة الحفاظ إذا وقع لهم الحديث غالبا عن الطريق التي في الكتاب المروي لهم ، يوردونها عالية عقب الرواية النازلة. وكذلك إذا وقع في بعض أسانيد الكتاب المروي خلل ما ، من انقطاع أو غيره ، وكان عندهم من وجه آخر سالماً أوردوه ، فجري أبو ذر على هذه الطريقة. فروى الحديث عن شيوخه الثلاثة عن الفربري عن البخاري قال : "وقال هشام بن عمار" ، ولما فرغ من سياقه ، قال أبو ذر : "حدثنا أبو منصور الفضل بن العباس النفروي. حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار به..." انتهى.
__________
(1) التاريخ الصغير (2/382).
(2) سير أعلام النبلاء (11/ 422).
(3) فتح الباري (10/ 52).(1/106)
ثم ذكر الحافظ كلاماً طويلاً ، وأيد فيه قول جماعة من شيوخه ، ومن غيرهم ، أن البخاري إنما سمعه من طريق الحسن بن سفيان عن هشام ، إلى آخر ما ذكر.
#152#
ولم ينبه على هذا الذي ذكرناه ، وأنه محتمل.
والحاصل أن الهيثمي رحمه الله ربما لم يخرج الحديث في الزوائد لأجل هذا الذي قررناه ، فكان عنده في بعض النسخ وصل ، أو ظن الذي احتملناه ، والله أعلم.
ب- ومن أمثلة هذا النوع ما جاء في تاريخ بغداد – على ما مثل به الدكتور الأحدب(1).
عن ابن عباس أو أبي سعيد مرفوعاً : "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور ، وحنا جبهته ، واضعاً سمعه نحو العرش متى يؤمر".
قال – الأحدب :
[فالحديث رواه عن أبي سعيد دون شك ، مطولاً مرفوعاً : الترمذي في كتاب صفة القيامة. باب ما جاء في شأن الصور ، وقال حديث حسن ، ولم يخرجه من حديث ابن عباس أحد من أصحاب الستة الأصول].
قلت : هو كذلك ، والحديث عند الترمذي ليس فيه "واضعاً سمعه نحو العرش" ولا "وحنا جبهته" (2) فهو من الزوائد أيضاً لأجل هذا.
المسألة الثالثة :
إذا جاء عن صحابي مسمى وآخر مبهم ، وكان المسمى ، في الكتب المزاد عليها دون ذكر آخر مبهماً.
فما الحكم؟
الجواب : وجوب إيراد الحديث في الزوائد.
#153#
لما جاء في "المجتمع" [من حديث عائشة وبعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس بين يديه فقال يا رسول الله :
إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له : بحسب ما خانوك وكذبوك وعصوك ، وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك.
وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ، كان كفافاً ، لا لك ولا عليك.
__________
(1) "علم زوائد الحديث" ص (72 – 73).
(2) تحفة الأحوذي (7/99).(1/107)
وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقى قبلك.
فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويهتف.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مالك ما تقرأ كتاب الله { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ(47)} فقال الرجل : يا رسول الله ما أجد خيرا من فراق هؤلاء – يعني عبيده – أشهدك أنهم أحرار كلهم.
قال الهيثمي – رحمه الله : حديث عائشة وحده رواه الترمذي ، رواه أحمد ...](1).
المسألة الرابعة :
إذا جاء الحديث هكذا عن صحابي لم يسم بمفرده ، وكان الحديث
#154#
أخرج في الكتب المزاد عليها عن صحابة قد سمّوا أو صحابي واحد مسمّى.
فما الحكم؟
الجواب : وجوب إخراج الحديث في الزوائد إن لم يكن التابعي راوي الخبر عن الصحابي المبهم ، هو الذي روى الحديث في الكتب المزاد عليها عن الصحابة أو الصحابي الواحد المسمّى.
ومثاله :
حديث أبي معشر (زياد بن كليب) قال : حدثنا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه - صلى الله عليه وسلم - جلس مجلسا فلما أراد أن يقوم قال : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك قال : فقال رجل من القوم : ما هذا الحديث يا رسول الله.
قال : كلمات علمنيهن جبريل كفارات لخطايا المجلس.
أورده ابن حجر في "المطالب" ونسبه لأبي بكر بن أبي شيبة وصحح إسناده(2).
وذلك أن هذا الحديث قد أخرجه :
الترمذي (3502) عن ابن عمر والراوي عنه نافع.
وهو (3433) وأحمد (2/494) عن أبي هريرة ، والراوي عنه أبو صالح.
وأبو داود (4858) عن أبي هريرة ، والراوي عنه أبو سعيد المقبري.
#155#
وأحمد (4/425) وأبو داود (4859) عن أبي برزة ، والراوي عنه أبو العالية.
__________
(1) "المجمع" (10/352).
(2) المطالب رقم (3376).(1/108)
وأبو داود (4857) عن عبد الله بن عمرو ، والراوي عنه أبو سعيد المقبري.
وأحمد (3/450) مرسلاً عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر.
فتبين أن هذا الحديث على شرط الحافظ ابن حجر ، على ما قدمنا.
والله أعلم.
#156#
الفصل التاسع
في تراجم الأئمة المصنفين في علم الزوائد
1- ترجمة أبي عبد الله الحاكم (405) هـ :
الإمام الحافظ الناقد العلامة ، شيخ المحدثين ، أبو عبد الله بن البيع ، النيسابوري الشافعي ، صاحب التصانيف ، محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدوية بن نعيم بن الحكم.
ولد يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول ، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بنيسابور.
وطلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله ، وأول سماعه كان في سنة ثلاثين ، وقد استملي على أبي حاتم ابن حبان – صاحب الصحيح – في سنة أربع وثلاثين.
ولحق الأسانيد العالية بخراسان والعراق ، وما وراء النهر ، وسمع من نحو ألفى شيخ ينقصون أو يزيدون ، فإنه سمع بنيسابور وحدها من ألف نفس.
وارتحل إلى العراق وهو ابن عشرين سنة فقدم بعد موت إسماعيل الصفار بيسير.
وحدث عن أبيه ، وكان أبوه رأي مسلما صاحب الصحيح ، وعن محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار ، وخلق كثيرين جداً لا يحصون.
#157#
وحدّث عنه الدارقطنى – وهو من شيوخه – وأبو بكر البيهقي الحافظ صاحب السنن الكبري ، وحفاظ كثيرون يعتبرون من شيوخه.
قال الحافظ الخليل بن عبد الله :
ناظر الدارقطني فرضيه ، وهو ثقة واسع العلم ، بلغت تصانيفه قريباً من خمسمائة جزء ، يستقصى في ذلك ، يؤلف الغث والسمين ، ثم يتكلم عليه فيبين ذلك(1).
وقد كان قال الحاكم رحمه الله : "شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف(2).
__________
(1) انظر "سير أعلام النبلاء" (17/166) ، و "طبقات السبكي" (4/157-158).
(2) "تبيين كذب المفتري" (228) ، "الأنساب" (2/371)(1/109)
وقال السلمي : سألت الدارقطني : أيهما أحفظ. ابن منده أو ابن البيع – الحاكم؟ فقال : الحاكم أتقن حفظاً(1).
وقال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل :
الحاكم أبو عبد الله هو إمام الحديث في عصره ، العارف به حق معرفته ، وبيته بيت الصلاح والورع ، والتأذين في الإسلام ، وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه ، وقد قرأ على قراء وقته ، وتفقه على أبي الوليد.
واختص بصحبة الإمام أبي بكر الضبعي ، وكان الإمام يراجعه في السؤال والجرح والتعديل ، وأوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة ، وفوض إليه ولية أوقافه.
#158#
ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه ، ويحكون أن مقدمي عصره مثل أبي سهل الصعلوكي ، والإمام بن فورك ، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم ، ويراعون حق فضله ، ويعرفون له الحرمة الأكيدة...
ثم قال : وهذه جمل يسيره هي غيض من فيض في سيره وأحواله ، ومن تأمل كلامه في تصانيفه ، وتصرفه في أماليه ، ونظره في طرق الحديث ، أذعن بفضله ، واعترف له بالمزية على من تقدمه ، وإتعابه من بعده ، وتعجيزه اللاحقين شأوه ، وعاش حميداً ، ولم يخلف في وقته مثله.
مضي إلى رحمة الله في ثامن صفر سنة خمسٍ وأربعمائة.
واتفق له من التصانيف ما لعله قريبا يبلغ من ألف جزء منها :
"تخريج الصحيحين".
"معرفة علوم الحديث".
"المستدرك على الصحيحين"
"تاريخ النيسابوريين"
"مزكي الأخبار".
"المدخل إلى علم الصحيح"
"الإكليل"
"فضائل الشافعي"
وكتب في العلل والتراجم والشيوخ والأبواب(2).
#159#
2-ترجمة الحافظ مغلطاي (762) هـ :
__________
(1) السير (17/171) – "تذكرة الحفاظ" (3/1044).
(2) انظر "سير أعلام النبلاء" (17/162) ، "الوافي بالوفيات" (3/320) ، "البداية والنهاية" (11/355) ، "طبقات السبكي" (4/155) ، "المنتظم" (7/274) ، "لسان الميزان" (5/232) ، "النجوم الزاهرة" (4/238) ، "غاية النهاية" (2/184) ، "اللباب" (1/198) ، "العبر" (3/91).(1/110)
هو الحافظ مغلطاي بن قليج عبد الله البكري الحنفي الحكري علاء الدين ، صاحب التصانيف.
ولد بعد التسعين وستمائة ، كذا ضبطه الصفدي – وكان مغلطاي يذكر أن مولده سنة تسع وثمانين وستمائة (689).
سمع من التاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدين ، والحين بن عمر الكردي ، وألواني ، والختني ، والدبوسي ، وأحمد بن الشجاع الهاشمي ، ومحمد بن محمد بن عيسى الطباخ.
وأكثر جداً من القراءة بنفسه والسماع ، وكتب الطباق ، وكان قد لازم الجلال القزويني.
فلما مات ابن سيد الناس تكلم له مع السلطان ، فولاه تدريس الحديث بالظاهرية ، فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا ، ولم يبال بهم ، وبالغوا في ذمه وهجوه.
فلما كان سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، وقف له العلائي (لما رحل إلى القاهرة بابنه أبي الخير – شيخ الحافظ ابن حجر – ليسمعه على شيوخ العصر. وهو يسوق الكتب) على كتاب جمعه في العشق تعرض فيه لذكر الصديقة عائشة ، فأنكر عليه ذلك ، ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي فاعتقله بعد أن عزره ، فانتصر له جنكلي بن البابا وخلّصه.
#160#
وكان يحفظ الفصيح لثعلب ، وكفاية المتحفظ.
وأخذ عنه الحفاظ البلقيني ، والعراقي ، والدميري ، والمجد إسماعيل الحنفي ، وكانت رياسة الحديث انتهت إليه في زمانه ، وتخرج بابن سيد الناس وغيره.
ومن تصانيفه "شرح البخاري"
و "ذيل المؤتلف والمختلف"
و "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم".
و"سيرة المصطفي وتاريخ من بعده من الخلفا".
و "إصلاح ابن الصلاح" في علوم الحديث.
و "الإعلام لسنة النبي عليه السلام" شرح لسنن ابن ماجه يقع في خمس مجلدات.
و"التحفة الجسيمة لإسلام حليمة".
و "التلويح في شرح الجامع الصحيح".
و "الواضح المبين فيمن مات من المحبين" (1).
ودرس أيضاً بجامع القلعة مدة ، وكان ساكنا جامد الحركة ، كثير المطالعة والكتابة والدأب ، وعنده كتب كثيرة جداً – قاله الصفدي.
__________
(1) انظر هدية العارفين (6/467)(1/111)
وقال ابن رافع ، جمع السيرة النبوية ، وولي مشيخة الظاهرية للمحدثين ، قال : وأنشدني لنفسه في الواضح المبين شعراً ، يدل على استهتار وضعف...
#161#
قال ابن حجر نقلاً عن ولده زين الدين :
وله ذيل على "تهذيب الكمال" يكون في قصور الأصل ، واختصره مقتصراً على الاعتراضات على المزي في نحو مجلدين ، ثم في مجلد لطيف ، وغالب ذلك لا يرد على المزي.
قال : وكان عارفاً بالأنساب معرفة جيدة ، وأما غيرها من متعلقات الحديث ، فله بها خبرة متوسطة.
وله شرح البخاري ، وقطعة من أبي داود ، وقطعة من ابن ماجه.
قال ابن حجر : قال شيخنا :
ادعى أنه أجاز له الفخر ابن البخاري ، ولم يقبل أهل الحديث ذلك منه.
ورتب المبهمات على أبواب الفقه ، رأيت منه بخطه.
وكذا رتب بيان الوهم لابن القطان ، وأضافها إلى الأحكام ، وسماه : "منارة الإسلام".
وصنف "زوائد ابن حبان على الصحيحين".
وذيل على ابن نقطة ، ومن بعده في المشتبه.
قال ابن حجر :
وتصانيفه كثيرة جداً ، مات لأربع وعشرين ليلة خلت من شعبان ، سنة اثنين وستين وسبعمائة(1).
#162#
3-الحافظ الكبير ابن كثير (774) هـ :
هو عماد الدين أبو الفداء ، إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير من زرع البصري ، ثم الدمشقي ، الفقيه الشافعي.
ولد سنة سبعمائة ، وقدم دمشق وله سبع سنين، سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه.
وحفظ التنبيه وعرضه سنة ثمان عشرة ، وحفظ مختصر ابن الحاجب. وتفقه بالبرهان الفزاري ، والكمال بن قاضي شهبة ، ثم صاهر الحافظ المزي ، وصحب ابن تيمية ، وقرأ في الأصول على الأصبهاني.
وألف في صغره "أحكام التنبيه".
وكان كثير الاستحضار ، قليل النسيان ، جيّد الفهم ، يشارك في العربية ، وينظم نظام وسطاً.
ذكره الذهبي في "معجمه المختص" فقال :
الإمام المحدث المفتي البارع.
__________
(1) انظر "الدر الكامنة" (4/354) ، و"شذرات الذهب" (6/197).(1/112)
ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة ، منهم الحسيني والعراقي وغيرهما ، وسمع من الحجار والقسم بن عساكر وغيرهما ، ولازم الحافظ المزي ، وتزوج بابنته ، وسمع عليه أكثر تصانيفه ، وأخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية فأكثر عنه.
#163#
وقال ابن حبيب فيه :
إمام روى التسبيح والتهليل ، وزعيم أرباب التأويل – يعني التفسير والاستنباط – سمع وجمع وصنف ، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف ، وحدث وأفاد ، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير.
وهو القائل :
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عاد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدّر
ومن مصنفاته : التاريخ المسمى بـ "البدابة والنهاية" والتفسير ، وكتاب جمع فيه المسانيد العشرة.
قال ابن حجر عن هذا الكتاب(1) :
لما رتب الحافظ شمس الدين ابن المحب المعروف بالصامت مسند أحمد على ترتيب حروف المعجم ، حتى في التابعين المكثرين عن الصحابة ، أعجب ابن كثير ، فاستحسنه ، ورأيت النسخة بدمشق بخط ولده عمر ، فألحق ابن كثير ما استحسنه في الهوامش من الكتب الستة ، ومسندي أبي يعلى والبزار ، ومعجمي الطبراني مما ليس في المسند ، وسمي الكتاب "جامع المسانيد والسنن" وكتب منه عدة نسخ نسبت إليه ، وهو الآن في أوقاف المدرسة المحمودية ، المتن ترتيب ابن المحب ، والإلحاقات بخط ابن كثير في الهوامش والعصافير ، وقد كنت رأيت نسخة منه بيضها عمر بن العماد بن كثير مما في المتن والإلحاق ، وكتب عليه الاسم المذكور.
واختصر "تهذيب الكمال" وأضاف إليه ما تأخر في الميزان ، وسمّاه
#164#
"التكميل" ، و "طبقات الشافعية" ، وله سيرة صغيرة ، وشرع في أحكام كثيرة حافلة ، كتب منها مجلدات إلى الحج ، وشرح قطعة من البخاري ، وغير ذلك.
وتلاميذه كثر منهم بن صبحي ، وقال فيه :
__________
(1) "إنباء الغمر" (1/47).(1/113)
أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ، وما أعرف أني اجتمعت به – مع كثرة ترددي إليه – إلا واستفدت منه.
وقال غيره كما ذكره ابن قاضي شهبة في طبقاته :
كانت له خصوصية بابن تيمية ، ومناضلة عنه ، واتباع له في كثير من آرائه ، وكان يفتي برأيه – يعني رأي ابن تيمية – في مسألة الطلاق ، وامتحن بسبب ذلك وأوذي.
وتوفى في شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة ، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية(1).
#165#
4- الحافظ ابن الملقن (804) :
الأنصاري الأندلس الأصل ، المصري الشافعي ، المعروف بابن الملقن.
ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة بالقاهرة ، وكان أصل أبيه من الأندلس فتحول منها إلى التكرور ثم قدم القاهرة ، ثم مات بعد أن ولد صاحب الترجمة بسنة ، فأوصى به إلى الشيخ عيسى المغربي ، وكان يلقن القرآن فنسب إليه ، وكان يغضب من ذلك ولم يكتبه بخطه ، إنما كان يكتب ابن النحوي وبها اشتهر في البلاد كاليمن.
ونشأ في كفالة زوج أمه ووصيه ، وتفقه بالتقي السبكي والعز بن جماعة وغيرهما ، وأخذ العربية عن أبي حيان ، والجمال بن هشام وغيرهما ، وفي القراءات على البرهان الرشيدي.
قال البرهان الحلبي : إنه اشتغل في كل فن ، حتى قرأ في كل مذهب كتاباً وسمع على الحفاظ كابن سيد الناس ، والقطب الحلبي ، وغيرهما.
قال الحافظ ابن حجر : شرح ابن الملقن البخاري في عشرين مجلداً.
وشرح "زوائد مسلم على البخاري" في أربعة أجزاء.
وشرح "زوائد أبي داود على الصحيحين" في مجلدين.
#166#
وشرح "زوائد الترمذي على الثلاثة" – يعني الصحيحين وأبي داود – ولم يكمله.
وشرح "زوائد النسائي على الأربعة" – الصحيحين والترمذي وأبي داود – كتب منه جزءً.
__________
(1) انظر "الدر الكامنة" (4/373) ، و "شذرات الذهب" (4/232).(1/114)
وشرح "زوائد ابن ماجه على الخمسة" في ثلاثة مجلدات(1).
كذا رأيت بخطه ، ولكن لم يوجد بعده لأن كتبه احترقت.
ورحل إلى الشام وبيت المقدس وأجاز له جماعة كالمزي. وله مصنفات كثيرة منها :
"تخريج أحاديث الرافعي" سبع مجلدات.
"مختصر المنتقي" في جزء.
"تذكرة الأحبار بما في الوسيط من الأخبار" خرج فيه أحاديث الوسيط للغزالي ، وهو مجلد.
"تخريج أحاديث المهذب" وهو المسمّى :
"المحرز المذهب بتخريج أحاديث المهذب" مجلدان.
"تخريج أحاديث المناهج" جزء.
"الإعلام شرح عمدة الأحكام" ثلاث مجلدات.
#167#
"أسماء رجال العمدة" مجلد.
"شرح المنتفي في الأحكام" للمجد ابن تيمية ، لم يتم.
"طبقات المحدثين".
"شرح المنهاج" ست مجلدات.
"هادي النبيه إلى تدريس التنبيه".
"جمع الجوامع" جمع فيه كتب الشافعية في عصره.
قال الشوكاني : وقد ترجمه جماعة من أقرانه الذين ماتوا قبله ، كالعثماني قاضي صفد ، فإنه قال في "طبقات الفقهاء" : إنه أحد مشايخ الإسلام ، صاحب التصانيف ، التي ما فتح على غيره بمثلها في هذه الأوقات.
وقال البرهان الحلبي : كان فريد وقته في كثرة التصانيف ، وعبارته فيها جلية جيدة ، وغرائبه كثيرة.
وقال ابن حجر : إنه كان موسعاً عليه في الدنيا ، مشهوراً بكثرة التصانيف ، حتى كان يقال إنها بلغت ثلاثمائة مجلدة ما بين كبير وصغير ، وعنده من الكتب ما لا يدخل تحت الحصر.
ثم قال ابن حجر : إن العراقي والبلقيني وابن الملقن كانوا أعجوبة ذلك العصر.
الأول – العراقي : في معرفة الحديث وفنونه.
والثاني- البلقيني : في التوسع في معرفة مذهب الشافعي.
والثالث – ابن الملقن : في كثرة التصانيف.
__________
(1) انظر "البدر الطالع (1/510) - "الأعلام" (5/218) - "الضوء اللامع" (6/190) - "إنباء الغمر" (5/41) – "حسن المحاضرة" (1/ 249) – "شذرات الذهب" (7/44) – "هدية العارفين" (1/ 791) – "طبقات الشافعية" (2/373).(1/115)
وكل واحد من الثلاثة ولد قبل الآخر بسنة ، ومات قبله بسنة ، فأولهم
#168#
ابن الملقن ثم البقيني ثم العراقي ، ومات في ليلة الجمعة سنة أربع وثمانمائة.
#169#
5- الحافظ الهيثمي (807) هـ :
هو الحافظ على بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح بن نور الدين ، أبو الحسن الهيثمي القاهري الشافعي ، ويعرف بالهيثمي.
كان أبوه صاحب حانوت بالصحراء : فولد له على في رجب ، سنة خمس وثلاثين وسبعمائة.
ونشأ فقرأ القرآن ، ثم صحب الزين العراقي وهو بالغ ، فلم يفارقه سفراً وحضراً حتى مات ، بحيث حج معه حجاته ، ورحل معه سائر رحلاته ، ورافقه في جميع مسموعاته بمصر والقاهرة والحرمين وبيت المقدس ودمشق وبعلبك وحلب وحماه وطرابلس وغيرها.
وربما سمع الزين – العراقي الحافظ – بقراءته ، ولم ينفرد عنه الزين بغير ابن البابا والتقي والسبكي وابن شاهد الجيش ، كما أن صاحب الترجمة لم ينفرد عنه بغير صحيح مسلم على ابن عبد الهادي.
وممن سمع عليه سوى ابن عبد الهادي الميدومي ، ومحمد بن إسماعيل بن الملوك ، ومحمد بن عبد الله النعماني ، وأحمد بن الرصدي ، وابن القطرواني ، والعرضي ، ومظفر الدين محمد بن محمد بن يحيي العطار ، وابن الخباز ، وابن الحموي ، وابن قيم الضيائية ، وأحمد بن عبد الرحمن المرداوي.
#170#
فمما سمعه على المظفر : صحيح البخاري ، وعلى ابن الخباز : صحيح مسلم ، وعليه وعلى العرضي : مسند أحمد ، وعلى العرضي والميدومي : سنن أبي داود ، وعلى الميدومي وابن الخباز : جزء ابن عرفة.
وهو مكثر سماعا وشيوخا ، ولم يكن الزين – العراقي – يعتمد في شيء من أموره إلا عليه ، حتى إنه أرسله مع ولده الولي – ولي الدين أبي زرعة – لما ارتحل بنفسه إلى دمشق ، وزوجه ابنته خديجة ، ورزق منها أولادا.
وكتب الكثير من تصانيف الشيخ – العراقي – بل قرأ عليه أكثرها ، وتخرج به في الحديث. ودربه شيخه العراقي في إفراد زوائد كتب :
كالمعاجم الثلاثة للطبراني.(1/116)
والمسانيد :
لأحمد بن حنبل وسماه (غاية المقصد في زوائد أحمد).
والبزار ، وسماه : (البحر الزخار في زوائد البزار).
وأبي يعلى ، على الكتب الستة. وسماه (المقصد الأعلى في زوائد أبي يعلى).
وابتدأ أولاً بزوائد أحمد في مجلدين ، وكل واحد من الخمسة الباقية في تصنيف مستقل ، إلا الطبراني في الأوسط والصغير فهما في تصنيف واحد ، ثم جمع الجميع في كتاب واحد محذوف الأسانيد سماه "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد".
وكذا أفراد زوائد ابن حبان على الصحيحين وسماه : "موارد الظمآن لزوائد ابن حبان" ورتب أحاديث "الحلية" لأبي نعيم على الأبواب ، ومات عنه مسودة ، فبيضه وأكمله الحافظ ابن حجر في مجلدين.
#171#
ورتب أحاديث الغيلانيات والخلعيات ، وفوائد تمام ، والأفراد للدارقطنى أيضاً على الأبواب ، ومات عنه مسودة ، فأكمله الحافظ ابن حجر في مجلدين.
ورتب كلا من "ثقات ابن حبان" و "ثقات العجلي" على الحروف.
وقد أعانه شيخه – العراقي – بكتبه ، ثم بالمرور عليها وتحريرها وعمل خطبها ونحو ذلك ، وعادت عليه بركته في ذلك ، ثم استروح الزين – العراقي 0 بعد عمله ، سيما "المجمع".
وكان الهيثمي رحمه الله عجبا في الدين والتقوى والزهد والإقبال على العلم والعبادة والأوراد – المأثورة – وخدمة الشيخ ، وعدم مخالطة الناس في شيء من الأمور ، والمحبة في الحديث وأهله.
وحدث بالكثير رفيقا للزين – العراقي – بل قل ما حدث الزين بشيء إلا وهو معه ، وكذلك قلّ أن حدّث هو بمفرده.
لكنهم بعد وفاة شيخه العراقي أكثروا عنه ، ومع ذلك فلم يغير حاله ، ولا تصدّر ولا تمشيخ ، وكان مع كونه شريكاً للشيخ يكتب عنه الأمالي ، بحيث كتب عنه جميعها ، وربما استملى عليه ، ويحدث بذلك عن الشيخ لا عن نفسه إلا لمن ضايقه.
قال الحافظ ابن حجر :(1/117)
وكان خيراً ساكناً لينا سليم الفطرة ، شديد الإنكار للمنكر ، كثير الاحتمال لشيخنا- يعني العراقي لأنه شيخ ابن حجر أيضاً – ولأولاده ، محبا في الحديث وأهله.
وكان يودني كثيراً – يعني يود ابن حجر – ويعينني عند الشيخ – العراقي.
#172#
وبلغه أنني تتبّعت أوهامه في "مجمع الزوائد" فعاتبني ، وتركت ذلك إلى الآن ، واستمر على المحبة والمودة.
وكان كثير الاستحضار للمتون ، يسرع الجواب بحضرة الشيخ فيعجب منه ، وقد عاشرتهما مدة ، فلم أرهما يتركان قيام الليل.
وقال البرهان الحلبي :
كان من محاسن القاهرة ، ومن أهل الخير.
وقال التقي الفاسي :
كان كثير الحفظ للمتون والآثار ، صالحاً خيراً.
وتوفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر رمضان سنة سبع وثمانمائة بالقاهرة ، ودفن من الغد خارج باب البرقية منها ، رحمه الله(1).
#173#
6- الحافظ البوصيري (840) هـ :
هو الحافظ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر البوصيري الشافعي نزيل القاهرة.
قال الحافظ ابن حجر عنه :
ولد في المحرم سنة اثنين وستين وسبعمائة ، واشتغل قليلاً ، وسكن القاهرة ، ولازم شيخنا العراقي على كبر فسمع منه الكثير.
ثم لازمني في حياة شيخنا فكتب عني "لسان الميزان" و "النكت على الكاشف" وسمع على الكثير من التصانيف وغيرها.
ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية والأجزاء ، وكتب على نسخ "الفردوس" و "مسند الفردوس" سماعات ، وعلق بذهنه من أحاديثهما أشياء كثيرة وكان يذاكر بها.
وانشغل في النحو قليلاً على بدر الدين القدسي ، لكن لم يشارك في شيء منه ، ولا من الفقه.
وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة ، مع حدّة الخلق.
وجمع أشياء منها "زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الأصول الخمسة" ، مع الكلام على أسانيدها.
#174#
وعمل "زوائد المسانيد العشرة".
__________
(1) انظر "شذرات الذهب" (7/70) ، "معجم المؤلفين" (7/45) ، "حسن المحاضرة" (1/205) ، "هدية العارفين" (1/727) وغيرها.(1/118)
و "زوائد السنن الكبرى للبيهقي على الستة" ، في مجلدين أو ثلاثة.
وجمع من مسند الفردوس وغيره أحاديث في كتاب حافل جعله ذيلاً على "الترغيب" للمنذري سماه "تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب" ومات قبل أن يبيضه ويهذبه ، فبيضه من مسودته ولده على خلل كثير فيه.
ولم يزل مكباً على الاشتغال والنسخ إلى أن مات في الثامن عشر من محرم ، بمدرسة السلطان حسن بالرملية ، وله ثمان وسبعون سنة.
انتهى كلام الحافظ ابن حجر من "إنباء الغمر" (1) و "الضوء اللامع" (2).
قلت : ومن كتبه "رفع الشك باليقين في تبيين حال المختلطين" و "زوائد أبي داود الطيالسي" وقد عاد فأدخله في إتحاف المهرة" ذكرهما في أثناء كلامه في "مصباح الزجاجة".
#175#
7- الحافظ ابن حجر (852) هـ :
هو شيخ الإسلام علم الأعلام أمير المؤمنين في الحديث ، حافظ العصر شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن على بن أحمد ، الشهير بابن حجر ، نسبة لآل حجر ، - قوم تسكن الجنوب الآخر على بلاد الجريد ، وأرضهم قابس – الكناني العسقلاني الأصل ، المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة ، الشافعي المذهب.
ولد ثاني عشر شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، ومات والده وهو حدث السن ، فكفله بعض أوصياء والده(3).
فأدخل الكتاب بعد إكمال خمس سنين ، وكان سريع الحفظ ، حاد الذكاء ، حفظ سورة مريم في يوم واحد ، وكان يحفظ الصحيفة من "الحاوي الصغير" من مرتين الأولى تصحيحا والثانية قراءة من نفسه ، ثم يعرضها حفظا في الثالثة.
حج في أواخر سنة أربع وثمانين ، وجاور بمكة السنة التي بعدها ، وحفظ القرآن العظيم.
ثم عاني المتجر ، وتولّع بالنظم ، وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية.
#176#
__________
(1) "إنباء الغمر بأبناء العمر" (9/ 431).
(2) "الضوء اللامع" (1/251).
(3) وهو الزكي الخروبي كما في "الضوء اللامع".(1/119)
ثم حبب إليه طلب الحديث ، فأقبل عليه وسمع الكثير بمصر وغيرها من البلاد ، كالحرمين وبيت المقدس والخليل ونابلس والرملة واليمن.
فانتقى وحصّل.
سمع بالقاهرة من السراج البلقيني ، والحافظ ابن الملقن والعراقي ، وأخذ عنهم الفقه أيضاً ، ومن البرهان الإبناسي ، ونور الدين الهيثمي وآخرين.
وبسر ياقوس من صدر الدين الأبشيطي.
وبغزة من أحمد بن محمد الخليلي.
وبالرملة من أحمد بن محمد الأيكي.
وبالخليل من صالح بن خليل بن سالم.
وببيت المقدس من شمس الدين القلقشندي ، وبدر الدين بن مكي ، ومحمد المنبجي ، ومحمد بن عمر بن موسى.
وبدمشق من بدر الدين بن قوام البالسي ، وفاطمة بنت المنجا التنوخية ، وفاطمة بنت عبد الهادي ، وعائشة بنت عبد الهادي وغيرهم.
وبمنى من زين الدين أبي بكر بن الحسين.
ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة ، وأقبل على الاشتغال والتصنيف ، وبرع في الفقه والعربية وصار حافظ الإسلام.
قال بعضهم : كان شاعراً طبعاً ، محدثاً صناعة ، فقيهاً تكلفاً ، انتهت إليه معرفة الرجال واستحضارهم ، ومعرفة العالي والنازل ، وعلل الأحاديث ، وغير ذلك ، وصار هو المعول عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار ، وقدوة الأمة ، وعلامة العلماء ، وحجة الأعلام ، ومحيي السنة ،
#177#
وانتفع به الطلبة ، وحضر دروسه وقرأ عليه غالب علماء مصر ، ورحل إليه الناس من الأقطار ، وأملى بخانقاة بيبرس نحوا من عشرين سنة.
ثم انتقل لما عزل من منصب القضاء بالشمس القاياتي إلى دار الحديث الكاملة بين القصرين ، واستمر على ذلك ، وناب في الحكم عن جماعة ، ثم ولاه الملك الأشرف قضاء القضاة الشافعية بالديار المصرية ، عن علم الدين البلقيني بحكم عزله ، وذلك في السابع عشر من محرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، ثم لا زال يباشر القضاء. ويصرف مراراً كثيرة إلى أن عزل نفسه في الخامس عشر من جمادي الآخرة ، وانقطع في بيته ملازماً للاشتغال والتصنيف.
قال السخاوي :(1/120)
حدّث بأكثر مروياته ، مع تواضعه ، وحلمه واحتماله وصبره وبهائه ، وظرفه ، وقيامه الليل ، واحتياطه ، وورعه ، وميله إلى النكت اللطيفة ، والنوادر الظريفة ، ومزيد أدبه مع الأئمة والمتأخرين ، بل ومع كل من يجالسه من كبير وصغير.
وقال ابن فهد :
هو إمام علامة حافظ متقن ، متين الديانة ، حسن الأخلاق ، لطيف المحاضرة ، حسن التعبير ، عديم النظير ، لم تر العيون مثله.
قلت : وقد أطال في الثناء عليه كل من ترجم له من بعده.
كالحافظ السخاوي في "الضوء" ، والفاسي في "ذيل التقييد" ، والبشتكي في "طبقات الشعراء" ، والمقريزي في "العقود الفريدة" ، بل وفي "تاريخ مصر" ، والعلاء ابن خطيب الناصرية في "ذيل تاريخ حلب" ، وابن قاضي شهبة في تاريخه. والتقي بن فهد في "ذيل طبقات الحفاظ" ، وابن العماد في "شذرات الذهب" وغيرهم ممن لا يحصون.
#178#
قال ابن العماد رحمه الله :
وكان – ابن حجر – رحمه الله تعالى صبيح الوجه ، للقصر أقرب ، ذا لحية بيضاء ، نحيف الجسم ، فصيح اللسان ، ...
مع كثرة الصوم ولزوم العبادة ، واقتفاء السلف الصالح ، وتوفي سنة اثنين وخمسين وثمانمائة، ليلة السبت ثامن عشر ذي الحجة ، ودفن بالرملية ، وكانت جنازته حافلة مشهورة. انتهى.
ومن تصانيفه :
- "تغليق التعليق" ، وصل فيه تعليقات البخاري ، وهو من أوّل ما صنّف.
- "فوائد الاحتفال في بيان أحوال الرجال المذكورين في البخاري زيادة على تهذيب الكمال" وهو مجلد ضخم.
- "كتاب تجريد التفسير من صحيح البخاري" رتبه على ترتيب السور.
- "تقريب الغريب".
- "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" في ثمان مجلدات ، ثم أفرد منه.
- "أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي" جمع فيه أطراف مسند أحمد.
- "أطراف الصحيحين".
- "أطراف المختارة" للضياء ، في مجلد ضخم.
- "تهذيب التهذيب" مختصر تهذيب الكمال ، في ست مجلدات ، ومختصره. #179#
- "تقريب التهذيب" في مجلد ضخم واحد.(1/121)
- "تعجيل المنفعة برواية رجال الأئمة الأربعة" أصحاب المذاهب.
- "الإصابة في تمييز الصحابة" خمس مجلدات.
- "لسان الميزان" مختصر "ميزان الاعتدال" للذهبي مع زيادات عليه.
- "تحرير الميزان".
- "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" في مجلد.
- "طبقات الحفاظ" في مجلدين.
- "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" أربع مجلدات.
- "إنباء الغمر بأبناء العمر" خمس مجلدات.
- "قضاة مصر" مجلد ، وقيل "رفع الأصر عن قضاة مصر".
- "الكاف في تحرير أحاديث الكشاف" مجلّد.
- "الاستدراك على الكافي" مجلد آخر.
- "التمييز في تخريج أحاديث الوجيز" مجلدان.
- "الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية".
- "الإعجاب ببيان الأسباب" مجلد ضخم ، في أسباب النزول.
- "الإحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام".
- "الزهر المطلول في بيان الحديث المعلول".
- "شفاء الغلل في بيان العلل".
- "تقريب النهج بترتيب الدرج".
#180#
- "الأفنان في رواية القرآن".
- "المقترب في بيان المضطرب".
- "التعريج على التدريج".
- "نزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب".
- "مزيد النفع بما رجح فيه الوقف على الرفع".
- "بيان الفصل ، بما رجح فيه الإرسال على الوصل".
- "تقويم السناد بمدرج الإسناد".
- "الإيناس بمناقب العباس".
- "توالي التأسيس بمعاني ابن إدريس".
- "المرجئة الغيثية على الترجمة الليثية".
- "الاستدراك على تخريج الإحياء" استدرك فيه على شيخه العراقي.
- "تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب" في مجلدين.
- "تحفة الظراف بأوهام الأطراف".
- "النكت الظراف على تحفة الإشراف" وربما هو الذي قبله.
- "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" سيأتي الكلام عليه.
- "التعريف الأوحد بأوهام من جمع رجال المسند".
- "تعريف أولى التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس".
- "الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام".
- "تعريف الفئة بمن عاش مائة" من هذه الأمة.
#181#(1/122)
- "القصد الأحمد فيمن كنبته أبو الفضل واسمه أحمد".
- "القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد".
- "إقامة الدلائل على معرفة الأوائل".
- "الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة".
- "الشمس المنيرة في معرفة الكبيرة.
- "الإتقان في فضائل القرآن.
- "الأنوار بخصائص المختار".
- "الآيات النيرات للخوارق والمعجزات".
- "النبأ الأنبه في بناء الكعبة".
- "بلوغ المرام من أدلة الأحكام".
- "بذل الماعون بفضل الطاعون".
- "المنحة فيما علق فيه الشافعي القول على الصحة".
- "الأجوبة المشرقة على الأسئلة المفرقة".
- "الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة".
- "الأجوبة اللائقة على الأسئلة الفائقة".
- "شرح مناسك المنهاج".
- "تصحيح الروضة".
- "نزهة النظر" شرح فيه :
- "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر".
#182#
- "الانتفاع بترتيب الدارقطني على الأنواع".
- "مختصر البداية والنهاية لابن كثير".
- "تخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية".
- "الأربعين المتباينة".
- "شرح الأربعين النووية".
- "ترجمة الإمام النووي".
- زوائد مسند البزار".
- "تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير".
- "تحفة أهل الحديث عن شيوخ الحديث".
- "نزهة الألباب في الألقاب".
- "الانتقاض والاعتراض".
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري" وهو أجل هذه الكتب وأنفعها ، وشهرته تغني عن الكلام عنه ، وغيرها من الكتب والرسائل التي يطول ذكرها(1).
#183#
8- الحافظ السيوطي (911) هـ :
هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الشيخ همام الدين الخضيري ، السيوطي ، الشافعي ، المسند المحقق المدقق ، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.
ولد بعد مغرب ليلة الأحد ، مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة.
__________
(1) انظر "شذرات الذهب" (7/272).(1/123)
وعرض محافظيه على العز الكناني الحنبلي فقال : ما كنيتك ، فقال : لا كنية لي ، فقال : "أبو الفضل" وكتبه بخطه.
توفي والده وله خمس سنوات وسبعة أشهر ، وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التحريم.
وأسند والده الوصاية إلى جماعة منهم الكمال بن الهمام ، فقرره في وظيفة الشيخونية ، ولحظه بنظره ، وختم القرآن العظيم وله من العمر دون ثمان سنين ، ثم حفظ عمدة الأحكام ، ومنهاج النووي ، وألفية ابن مالك ، ومنهاج البيضاوي ، وعرض ذلك على علماء عصره ، فأجازوه.
وأخذ عن الجلال المحلي ، والزين العقبي ، وأحضره والده مجلس الحافظ ابن حجر ، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة
#184#
أربع وستين وثمانمائة ، فقرأ على الشمس السيرامي صحيح مسلم إلا قليلاً ، والشفا ، وألفية مالك ، فما أتمّها إلا وقد صنف ، وأجازه بالعربية ، وقرأ عليه قطعة من التسهيل ، وسمع عليه الكثير من ابن المصنف ، والتوضيح ، وشرح الشذور ، والمغني في أصول فقه الحنفية ، وشرح العقائد للتفتازاني ، وقرأ على الشمس المرزباني الحنفي الكافية وشرحها ، ومقدمة إيساغوجي وشرحها للكاتي ، وسمع عليه من المتوسط ، والشافية وشرحها للجاربردي ، ومن ألفية العراقي ، ولزمه حتى مات سنة سبع وستين.
وقرأ الفرائض والحساب على علامة زمانه الشهاب الشارمساحي ، ثم درس على البلقيني من شوال سنة خمس وستين ، فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة.
ولزم أيضاً الشرف المناوي ، إلى أن مات ، وقرأ عليه ما لا يحصى.
ولزم دروس محقق الديار المصرية سيف الدين الحنفي ، والعلامة التقى الشمني ، ودروس الكافيجي ، وقرأ على العز الكناني.
وفي الميقات : على مجد الدين ابن السباع ، والعز بن محمد الميقاتي.
وفي الطب : على محمد بن إبراهيم الدواني لما قدم القاهرة من الروم ، وقرأ على التقي الحصكفي والشمس البابي وغيرهم.(1/124)
وأجيز بالإفتاء والتدريس ، وقد ذكر تلميذه الداوودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا مرتبين على حروف المعجم ، فبلغت عدتهم أحداً وخمسين نفساً.
واستقصى أيضاً مؤلفاته الحافلة ، الكثيرة الكاملة ، الجامعة النافعة ،
#185#
المتقنة المحررة ، المعتبرة ، فنافت على خمسمائة مؤلف(1) ، وشهرتها تغني عن ذكرها.
وقد اشتهرت أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقاً وغرباً ، وكان آية كبرى في سرعة التأليف ، حتى قال تلميذه الداوودي : عانيت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريراً.
وكان مع ذلك يملي الحديث ، ويجيب عن المتعارض فيه منه بأجوبة حسنة ، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه ، رجالاً وغريباً ومتناً وسنداً واستنباطاً للأحكام منه.
وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث وقال : لو وجدت أكثر لحفظته ، وقال : ولعله لا يوجد على الأرض الآن أكثر من ذلك(2).
ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة ، والانقطاع إلى الله تعالى ، والاشتغال بعبادته صرفا ، والإعراض عن الدنيا وأهلها ، كأنه لا يعرف أحدا منهم ، ثم شرع في تحرير مؤلفاته ، وترك الإفتاء والتدريس واعتذر عن ذلك في مؤلف سماه : "التنفيس".
وأقام في روضة المقياس ، فلم يتحول منها إلى أن مات ، سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
قال عن نفسه رحمه الله في "حسن المحاضرة" : سافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب.
#186#
__________
(1) قلت : بل هي نحو الألفين ، ما بين رسالة وكتاب ، كما ذكرته في ترجمته في كتابنا "فجر الساهد وعون الساجد" فلينظر.
(2) قد يفهم من هذا أن الأحاديث تنقص مع الأيام ، وليس بصحيح ، فالدين محفوظ والنص لا يذهب ، وإنما تفرق الأحاديث في البلاد يجعلها مستعصية الجمع على من لم يكثر الرحلة ، وطوي الآفاق ، ويصرف غالب عمره في جمعه.(1/125)
ولما حجبت شربت من ماء زمزم لأمور : منها أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني ، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر.
ورزقت التبحر في سبعة علوم : الحديث والتفسير والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع.
ثم قال :
والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم الستة سوى الفقه ، والنقول التي أطلعت عليها فيها ، لم يصل لها أحد من أشياخي فضلاً عمن دونهم ، وقد كملت عندي آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى. انتهى.
ومن مؤلفاته :
"الدر المنثور بالتفسير المأثور" ست مجلدات ضخام.
"الإتقان في علوم القرآن" مجلد كبير.
"حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة".
"الجامع الكبير".
"الجامع الصغير".
"اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة".
"قوت المغتذي شرح جامع الترمذي".
"مصباح الزجاجة شرح سنن ابن ماجه".
"الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج".
"التوشيح على الجامع الصحيح".
#187#
"زهر الربي على سنن المجتبي".
"مرقاة الصعود حاشية سنن أبي داود".
"إسعاف المبطأ برجال الموطأ" (1).
"كشف المغطي بشرح الموطأ".
"تنوير الحوالك على موطأ مالك".
وغيرها من الكتب الكثيرة جداً جداً ، والتي يصعب حصرها(2).
#188#
الفصل العاشر
في معرفة كتب الزوائد
وقد قدمنا ذكر بعض أسمائها في تراجم أصحابها ، ونحن نذكر الآن إن شاء الله هذه التصانيف ، محررة متقنة ، مرتبة الواحد بعد الآخر ، على وفيات أصحابها ، مع ذكر موضعها ، وعلى أي الكتب هي ، وحال وجودها إن تيسر وعدمه ، مع الحرص على مناقشتها قدر المستطاع ، وانتقادها إن لزم :
فنقول بحمد الله :
#189#
__________
(1) وقد اختصرته وأنا ابن ست عشرة سنة ، وأسميته "الإلمام بمعرفة رجال الإمام".
(2) انظر "شذرات الذهب" (8/52) ، ومقدمة "تحفة الأحوذي" ص (302).(1/126)
1- "كتاب المستدرك على الصحيحين" (1) :
ومؤلفه الحاكم الإمام أبو عبد الله المتوفى سنة (405) هـ.
والكتاب مشهور جداً متداول ، لا أعرف من الأئمة ممن بعد الحاكم ، لم يرجع لهذا الكتاب ولم يستفد منه ومن طرقه ، وهو عظيم النفع ، غزير الفوائد ، حسن التصنيف ، والترتيب على الكتب والأبواب.
قال الحاكم رحمه الله في مطلعه (2) :
"أنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدهما".
ثم قال :
"عند كافة فقهاء الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون مقبولة ، والله المعين على ما قصدته...".
#190#
فقد جمع الحاكم رحمه الله في كتابه هذا ، سائر الأحاديث المروية التي بلغته ، وليست هي عند البخاري ومسلم أو أحدهما ، وزاد شرطا آخر لم يشترطه أحد ممن صنف من بعد في الزوائد ، وهو أن يكون الحديث على شرط الشيخين من الصحة.
وهذا الشرط كان لا بد منه لمن يزيد على الصحيحين فقط ، ولذلك ترى كلاً من مغلطاي ، والهيثمي ، لما أرادا تخريج الزوائد على الصحيحين ، لم ينتقيا لذلك كتاباً من السنن ، أو المعاجم ، وإنما اختارا صحيح ابن حبان لذلك ، الذي غالب أسانيده صحيحة أو حسنة ، كما يأتي الكلام على هذا الكتاب مفصلاً إن شاء الله تعالى.
فالمستدرك لا يختلف عن الكتب المصنفة بعده في زوائد الحديث ، إلا من وجهين :
أولهما : أن الحاكم لم يختر كتاباً لإخراج زوائده على الصحيحين ، وإنما جعل سائر مروياته ومحفوظاته ، بمثابة الأصل الذي يخرج منه الزوائد.
وثانيهما : أنه اشترط الصحة لإخراج الحديث في الزوائد ، خلافاً لسائر من صنف ممن لا يشترطون ذلك.
__________
(1) ثمة كتاب آخر بهذا الاسم للحافظ أبي ذر الهروي ، إلا أنه غير موجود ، فلم نفذ منه ، انظر "كشف الظنون" (4/1672).
(2) "المستدرك" (1/3).(1/127)
وقد بين الحاكم رحمه الله ، كما هو حال سائر من صنف في الزوائد ، منهجه في أول الكتاب ، وشرطه في الإخراج ، وهو مطابق مطابقة تامة للشروط التي ارتضيناها وحكيناها في مطلع الكتاب ، وقعدنا قواعدها ، وأصلنا أصولها.
أ فهو يخرج الحديث الذي متنه ليس في الصحيحين أصلاً كما في المستدرك(1):
#191#
من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهتجرا ، كان أحدهما خارجاً من الإسلام حتى يرجع الظالم".
قال الحاكم عقبه : "هذا حديث على شرط الشيخين جميعا ، ولم يخرجاه".
وكما فيه من حديث أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بلباس الصوف تجدون حلاوة الإيمان في قلوبكم" (2).
وكما فيه من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال أمر هذه الأمة قواماً ، أو قال مقارباً ، ما لم يتكلموا في الولدان والقدر".
قال الحاكم عقبه : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولا نعلم له علة ، ولم يخرجاه(3).
ب- ويخرج الحديث إذا كان أخرج الشيخان بعضه دون سائره ، وينبه على ما أخرجا منه ، كما يصنع سائر أصحاب مصنفات الزوائد.
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : "إذا استجمر أحدكم فليوتر ، فإن الله وتر يحب الوتر ، أما ترى السموات سبعاً ، والأرضين سبعاً ، والطواف وذكر أشياء".
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ ، إنما اتفقا على "من استجمر فليوتر" فقط(4).
#192#
__________
(1) ص (1/22).
(2) ص (1/28) ، وهو حديث ضعيف ، كما قال الذهبي في التليخص ، وقد أخرجه الحاكم في الشواهد ولم يدع صحته.
(3) ص (1/33).
(4) "المستدرك" (1/158) ، والحديث عند البخاري (161) ، ومسلم (237).(1/128)
وكما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : "أن رجلاً مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول ، فسلم عليه ، فلم يرد عليه ، حتى توضأ ، ثم اعتذر إليه ، وقال : إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ، أو قال على طهارة".
قال الحاكم : "هذا حديث على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ".
قلت : أراد أنه ليس عندهما بتمامه هكذا ، وهو كما قال ، فالحديث أخرجه مسلم هكذا إلى قوله "لم يرد عليه" ، وليس عنده بقيته(1) ، وليس هو عند البخاري أصلاً.
ج- ويخرج الحديث إذا كان الشيخان أو أحدهما أخرج متنه بلفظ آخر ، على ما قعدنا وأصلنا من اختلاف ألفاظ المتن ، في المعنى الواحد ، في شرح الباب الثالث من التعريف "أو اختلاف اللفظ المفيد".
كما في حديث أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليلني منكم الذي يأخذون عني – يعني الصلاة".
قال الحاكم بعد إخراجه : "قد اتفق الشيخان على حديث أبي مسعود "ليلني منكم أولوا الأحلام والنهي" فقط ، وهذه الزيادة بإسناد صحيح على شرطهما(2).
قلت : كأنه يعني هذه الزيادة في المعنى ، والزيادة في اللفظ ، لأنه لم يخرج من لفظ حديثه شيئاً عندهما – كما يقول ، والصواب : عند مسلم فقط – إلا "ليلني منكم" ، والباقي عنده زيادة ، ثم هو لم يخرج باقي اللفظ
#193#
الذي عند مسلم(3). والحاصل أن هذا من النوع الذي حكيناه ، وفصلنا أمثلته من قبل في بابه.
وكما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ عام الفتح سجدة ، فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد على الأرض ، حتى إن الراكب ليسجد على يده".
قال الحاكم : "هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه..." (4).
__________
(1) "المستدرك" 1/167) ، والحديث عند مسلم رقم (370).
(2) "المستدرك" (1/219).
(3) صحيح مسلم رقم (432).
(4) "المستدرك" (1/219).(1/129)
قلت : يعني لم يخرجاه بهذه السياقة وهذا اللفظ ، وهو كما قال ، فالحديث أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع من كتاب سجود القرآن :
بلفظ : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة ، فيسجد ونسجد فنزدحم ، حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته" (1).
وأخرجه مسلم بنحوه ، وفي لفظ آخر : "ربما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا ، حتى ازدحمنا عنده ، حتى ما يجد أحدنا مكانا ليسجد فيه ، من غير صلاة" (2).
فهو رحمه الله ذكر فيه أشياء كثيرة ليست عندهما :
منها أنه عين تاريخ القراءة بيوم الفتح.
ومنها أن الناس كلهم سجدوا – ولفظ ابن عمر عند الشيخين محتمل لذلك ، لكن لا يجزم به.
#194#
ومنها أن منهم الراكب.
ومنها أن منهم من يسجد على يده.
وإنما وافقهما في المعنى العام الذي هو سجود التلاوة ، ووصف تلك الواقعة بالازدحام ، وهذا النوع الذي قدمناه ، والذي يطلق فيه أصحاب الزوائد قولهم : "له غير هذا عندهم".
وكما في حديث جابر بن سمرة : "كان بلال يؤذن ثم يمهل ، فإذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج قام ، فأقام الصلاة".
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وإنما ذكر مسلم حديث سماك – يعني عن جابر بن سمرة : "كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس" (3).
#195#
فرع في مناقشة الحاكم في المستدرك وما ينتقد عليه أو يعترض :
الاعتراض الأول : في تركه التنبيه على الأحاديث التي في الصحيحين أحياناً :
__________
(1) البخاري رقم (1025- 1026- 1029).
(2) صحيح مسلم رقم (575).
(3) "المستدرك" (1/201-202).(1/130)
أنه قد يذكر الحديث الذي هو عند البخاري ومسلم أو أحدهما أحياناً ، ولا يذكر ذلك أخرى ، إما على سبيل النسيان أو الخطأ ، أو يكون ذكره على سبيل الاستشهاد فإنه كثيرا ما يورد في مثل هذا الموضع ، ما هو إما ضعيف الإسناد ، أو صحيح الإسناد ، وهو مخرج عند الشيخين أو أحدهما ، إذا ضاقت عليه مخارج الحديث الذي صححه واستدرك فيه ، ولكن لم تقم صحته فيه على النحو الذي يريد ، ولم يجد من الشواهد ، إلا ما حكينا حاله من الأحاديث.
أ- فأورد رحمه الله حديث القاسم بن محمد قال : "كنا عند عائشة ، فجئ بطعامها. فقام القاسم بن محمد يصلي ، فقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يصلي بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان" (1).
ولم يذكر الحاكم عقب هذا الحديث شيئاً ، وانتقل لحديث آخر
#196#
بعده ، لكن كان قدم في أول الباب حديث عبد الله بن أرقم المرفوع : "إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء ، وقامت الصلاة ، فليبدأ بالخلاء".
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وله شهود(2) بأسانيد صحيحة...
ثم ذكر ثانيها حديث عائشة المتقدم. وسكت عليه.
والحديث الذي ذكره عن عائشة مع قصته ، قد أخرجه مسلم بأتم مما عند الحاكم ، وليس حرف عند الحاكم إلا وهو عند مسلم(3).
ب-ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها : "أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وأنها استحيضت سبع سنين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذا ليس بالحيضة ، ولكنها عرق فاغتسلي".
أورده الحاكم وسكت عليه(4).
والحديث الذي ذكره الحاكم ، هو بعينه عند مسلم ، وله روايات كذلك سوى اللفظ المذكور(5).
__________
(1) "المستدرك" (1/ 168)
(2) يعني شواهد.
(3) صحيح مسلم رقم (560)
(4) "المستدرك" (1/173).
(5) صحيح مسلم رقم (334).(1/131)
وإنما أورده كما قدمناه في الشواهد ، لأنه كان أخرج حديث حمنة في هذا الباب ، ثم قال : "وشواهده" ... ثم ذكر حديث عائشة المتقدم.
ج- ومن ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : " أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أمة توفيت ، أفينفعها إن تصدقت عنها ، قال : نعم. قال إن لي مخرفا ، وأشهدك أني قد تصدقت عنها".
#197#
أخرجه الحاكم وسكت عليه(1).
فإنه كان قبله ذكر حديثاً بمعناه عن سعد بن عبادة ، وصححه ثم قال :
"وله شاهد" صحيح على شرط البخاري ، حدثناه... وذكر حديث ابن عباس هذا.
وحديث ابن عباس المذكور ، أخرجه البخاري في صحيحه بتمامه ، وصرح فيه باسم الرجل(2).
الاعتراض الثاني : تشدّده في اللفظ المخرّج في الزوائد :
أنه ضيّق الخطى جداً في إخراج الحديث واستدراكه عليهما ، بما لا يمكن أن يقبل إلا بعد طول التكلف والتعسف. وإن كان في بعضها محقاً ، وصح له الذي أراد رحمه الله رحمة واسعة.
أ-ومثال هذا الاعتراض ، ما أخرجه في المستدرك من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بدلاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" قال الحاكم : "لم يخرجاه بهذه السياقة ، وهو صحيح على شرطهما" (3).
والذي يرجع إلى الصحيحين يجد الحديث فيهما بلفظين :
الأول : "... أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة" (4).
الثاني : "أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة" (5).
#198#
فلم يبق معنى لقوله رحمه الله إلا أن يكون أراد أنه عند الشيخين بلفظ المبني للمجهول ، "أمر" ولم يذكر فاعله ، وهو عنده بالأمر المبني للمعلوم ، وأن آمره هو - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) "المستدرك" (1/ 420).
(2) انظر "صحيح البخاري" (2756) و (2762).
(3) "مستدرك الحاكم" (1/198)
(4) البخاري رقم 5 (578) و (3270) ومسلم (378) (43).
(5) البخاري رقم (580) و (581) و (582) ، ومسلم (378) (2).(1/132)
وكل المسلمين يقطعون أن معنى الحديث عند الشيخين ، وإن أبهم الآمر ، لا يمكن أن يراد منه إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى ولو كان المبلغ بذلك لبلال صحابياً.
فالذي نقطع به أن واجب الحاكم هنا ، هو عدم الاستدراك ، والله أعلم. سيما وقد اتفق أهل الأصول من المحدثين والفقهاء أن قول الصحابي : أمرنا بكذا ، ونهينا عن كذا ، له حكم المرفوع.
ب- ومثاله الآخر ما أخرجه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال : الصلاة في أول وقتها ، قلت : ثم أي؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قلت : ثم أي؟ قال : بر الوالدين".
قال الحاكم : هذا حديث يعرف بهذا اللفظ ، بمحمد بن بشار بندار عن عثمان بن عمر ، وبندار من الحفاظ المتقنين الأثبات.
ثم أورده مقتصراً على شطره الأول "... وقتها" وقال :
فقد صحت هذه اللفظة ، باتفاق الثقتين. بندار بن بشار ، والحسن بن مكرم ، على روايتهما عن عثمان بن عمر ، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه(1).
انتهى كلام أبي عبد الله الحاكم.
#199#
قلت : فعلم مما تقدم أنه أخرج الحديث في المستدرك لأنه ليس عندهما بهذا اللفظ "الصلاة أول وقتها" ، والذي جزم به صحيح من جهة تركيب اللفظ ، فإنهما رحمهما الله قد أخرجا هذا الحديث في مواضع كثيرة ، وفي سائرها عندهما : "الصلاة على وقتها" (2) أو "الصلاة لوقتها".
ولما رأى الحاكم رحمه الله ما بين اللفظين من التفاوت ، أدخل الحديث في المستدرك. وأنا أرجع الآن إلى "الفتح" للحافظ ابن حجر رحمه الله ، لأنقل ما جاء في الكلام على هذين اللفظين.
قال الحافظ رحمه الله (3) :
(
__________
(1) "المستدرك" (1/188).
(2) انظر صحيح البخاري (504) و (2630) و (5625) و (7096) ، ومسلم (85).
(3) "فتح الباري" (2/10).(1/133)
تنبيه:) اتفق أصحاب شعبة على اللفظ المذكور في الباب وهو قوله "علم وقتها" (1) وخالفهم على بن حفص ، وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال : "الصلاة في أول وقتها" أخرجه الحاكم والدارقطني والبيقهي من طريقه.
قال الدارقطني : ما أحسبه حفظه ، لأنه كبر وتغير حفظه.
قلت – أي ابن حجر : ورواه الحسن بن علي المعمري في "اليوم والليلة" عن أبي موسى محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة كذلك ، قال الدارقطني : تفرد به المعمري ، فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ "على وقتها" ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كراوية الجماعة ، وهكذا رواه أصحاب غندر عنه ، والظاهر أن المعمري وهم فيه ، لأنه كان يحدث من حفظه.
#200#
وقد أطلق النووي في شرح المهذب : أن رواية "في أول وقتها" ضعيفة ، قال الحافظ : لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان بن عمر ، عن مالك بن مغول عن الوليد ، وتفرد عثمان بذلك ، والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة ، كذا أخرجه المصنف وغيره.
وكأن من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد ، ويمكن أن يكون أخذه من لفظه "على" لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت فتعين أوله.
وقال القرطبي وغيره : قوله "لوقتها" اللام للاستقبال ، مثل قوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي مستقبلات عدتهن ، وقيل للابتداء كقوله تعالى { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ }.
وقيل بمعنى : في أي وقتها.
وقوله "على وقتها".
قيل : "على" بمعنى "اللام" ففيه ما تقدم ، وقيل لإرادة الاستعلاء على الوقت ، وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء. انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله.
__________
(1) تحرفت إلى "عن وقتها" لكن حيث ثبتت في الحديث "على وقتها" وفي الترجمة "لوقتها" تبين أن "عن وقتها" تحريف.(1/134)
قلت أنا أبو عبد الله : وختام المقام هذا عندي ، أن هذه الألفاظ جميعها ، في معنى واحد ، وقد عرف أهل العربية أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض باتفاق. وأن قوله "على وقتها" و "لوقتها" و "في أول وقتها" سواء ، لما تقدم في العربية ، ولما عرف من قولهم : جاء على الوقت. أي في أوّله.
ولما تقدم في سؤال الحديث أن السؤال كان على أحب الوقت ، أو أفضل الوقت ، ولم يختلف المسلمون أن الصلاة أول الوقت أحب إلى الله
#201#
من آخره ، كما جاء في الأحاديث الصحيحة الصريحة ، وأن التأخير لم يكن يفعل إلا لعلة ، من خر ، أو سفر أو نحوه.
وقد أشار لهذا الاستواء الإمام البخاري رحمه الله ، كما هي عادته ، حيث ترجم للباب بلفظ "لوقتها" ، وأورد لفظ الحديث "على وقتها".
ومحال أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أجاب ابن مسعود عن سؤال بجوابين ، ففهم أن هذه الألفاظ من تصرف الرواة ، والله أعلم.
ثم بقى القول أن ترتيب الشيخين للحديث قد خالفا فيه ترتيب الحاكم ، فعند الحاكم جعل أول ذلك الصلاة ، ثم الجهاد ، ثم برد الوالدين ، كما قدمناه ، والذي عند الشيخين في سائر الروايات تقدم بر الوالدين على الجهاد.
والحاصل ، أن الحاكم رحمه الله متعنت في تخريج الألفاظ أيما تعنت ، وإنما مأتى هذا ، النظر بعين الفقيه المدقق ، المستنبط للأحكام ، المستخرج للغوامض ، وهذا واجب تحققه في سائر المشتغلين بهذا الفن ، وأما النظر للحديث على ظاهر من اللفظ(1) ، ولا أقول على ظاهر اللفظ ، يذهب الفوائد ويلغي فقه الزوائد.
__________
(1) فقد عاب الله تعالى ذلك.(1/135)
ولو كنت مكان الحاكم أبي عبد الله ما وسعني إلا إخراج هذا الحديث ، لجلاء هذه اللفظة ، ولرفع الخلاف في المراد من الحديث ، لأننا رأينا من لا يأخذ من الفقه إلا بالألفاظ الصريحة الجلية البينة ، ولو قامت القرائن على معناها ، قيام الأساطين ، ولولا الخروج عن أصل ما صنفت هذا الكتاب لأجله ، لبسطت القول على هذه اللفظ ، بما يشفي العليل
#202#
ويروي العليل ، وقررت صحة مسألة التغليس بالفجر على الإسفار ، وصحة ما ذهب إليه الشافعي في هذا وغيره ، نسأل الله غفران التقصير.
ج : ومثال ثالث أخرجه في كتاب الجمعة(1) :
[فروي بسنده ، عن أبي هريرة مرفوعا : "سيد الأيام يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها. ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة".
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، فقد استشهد بعبد الرحمن بن أبي الزناد ، ولم يخرجا "سيد الأيام"].
قلت : الحديث في مسلم هكذا ، إلا أنه أبدل "سيد الأيام" فقال "خير الأيام" (2) ! !
فالحاصل أنه وقع له من هذا أشياء كثيرة.
الاعتراض الثالث : في نفيه لأحاديث في الصحيحين أو أحدهما وهي موجودة :
لجهة الأوهام الواقعة له في نفي وجود الحديث في الصحيحين أو أحدهما وهو فيهما ، أو في أحدهما.
وأكثر ما رأيت له من هذه الأوهام ، إنما هي على صحيح مسلم ، وعلى البخاري قليلة ، وكنت من قبل قدمت عزو هذا الأمر لشيئين :
أولهما : أن يكون حصل من نسخته بعض السقط ، فيرفع عنه الملام في ذلك ، ويعتذر له عن إيراده لهذه الأحاديث ، وهذا النوع يدخل في
#203#
الشرط الأول الذي ألزمنا وجوده من التأكد من تمام النسخة المراد إخراج الزوائد عليها ، وخلوها عن الزيادة ، أو النقص ، أو استبدالها بكتب المستخرجات.
__________
(1) "المستدرك" (1/277)
(2) صحيح مسلم (854).(1/136)
هذا وقد ذكر من ترجم للحاكم رحمه الله ، أن له تخريجاً للصحيحين ، فلا ندري أعني به مستخرجاً لهما أم لا ، وهل أعتمد هذا المستخرج في الاستدراك إن تحقق وجوده ؟
وثانيهما : أن يكون الوهم حصل حقيقة له ، فطرأ عليه النسيان الذي يطرأ على جميع بني آدم. وأحفظ الحفاظ ، وقد وقع أشباه هذا كثيرا في المجمع وغيره ، على ما يأتي ذكره.
ويبقى هذا المقدار مغتفراً ، إذا ما قورن بالجهد المبذول في الكتاب. وهو أهون وأيسر بكثير من نقيضه ، الذي هو عدم إخراج الحديث في الزوائد ، ظنا أنه في الكتاب المخرج عليه.
أ- ومن مثال هذا النوع.
أ- ما أخرجه الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من قال حين يسمع المؤذن : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً ، وبمحمد نبياً ، وبالإسلام ديناً ، غفر له ذنبه".
قال الحاكم : صحيح ولم يخرجه" (1).
قلت : وهم فيه الحاكم ، والحديث هكذا بحروفه أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه(2).
#204#
ب- وما أخرجه من حديث أم عطيه. قالت : لما نزلت { إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } إلى قوله { وَلاَ يَعْصِينَكَ } كانت منه النياحة ، فقلت يا رسول الله ، إلا آل فلان ، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن أسعدهم ، فقال : إلا آل فلان.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(3).
قلت : وهم فيه ، وهو عند مسلم هكذا بحروفه من حديث أن عطيه(4).
__________
(1) "المستدرك" (1/203).
(2) "صحيح مسلم" رقم (386).
(3) "المستدرك" (1/383).
(4) صحيح مسلم رقم (936).(1/137)
ج- وما أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : زار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكي من حوله ، ثم قال : استأذنت ربي أن أزور قبرها فأذن لي ، واستأذنته أن استغفر لها فلم بؤذن لي ، فزوروا القبور ، فإنها تذكر الموت".
قال الحاكم أبو عبد الله بعده :
"هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" (1).
قلت : وهم فيه الحاكم ، والحديث بحروفه عند مسلم(2).
د- وما أخرجه من حديث جابر : "أن عبداً لحاطب جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو حاطباً ، فقال : يا نبي الله ، ليدخلن حاطب النار.
#205#
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كذبت لا يدخلها أبداً ، وقد شهد بدراً والحديبية".
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه(3).
قلت : هو عند مسلم هكذا عن جابر تماماً(4).
هـ- وما أخرجه عن خالد بن عمير قال :
خطبنا عتبة بن غزوان ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ، وإنما بقى منها صبابة كصبابة الإناء يصطبها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا منها بخير ما يحضركم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقي من شفير جهنم فيهوي بها سبعين عاما ولا يدرك لها قعراً ، فوالله لتملأنّه.
أفعجبتم وقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما أربعون سنة ، وليأتين عليه يوم كظيظ من الزحام.
ولقد رأيتني وإني لسابع سبعة ، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا.
وإني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام ، فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها.
وما أصبح منا اليوم أحد حتى ، إلا أصبح أمير مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً ، وعند الله صغيراً.
#206#
__________
(1) "المستدرك" 1 (376).
(2) صحيح مسلم رقم (976).
(3) "المستدرك" (3/301)
(4) صحيح مسلم ص (1942).(1/138)
وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناقصت حتى يكون عاقبتها ملكاً.
وستجربون ، أو ستبلون الأمراء بعدي.
قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1).
قلت : بل هو عند مسلم بحروفه هكذا(2) إلا أنه قال "تناسخت" بدل "تناقصت" وهما بمعنى واحد.
والحاصل أنه وقع للحاكم رحمه الله من هذا أشياء ، حتى صنفت في ذلك كتاباً أسميته "إذهاب عشى الواهم. المغتر باستدراك أبي عبد الله الحاكم".
هذا ولي عليه مصنفات أخرى.
منها : "استيقاف الهامم بالتعقيب على الحاكم" وموضوعه في بيان منهج الحاكم رحمه الله في التصحيح والتضعيف ، والحكم على الرجال.
ومنها : "جمع المغانم بالزائد على الستة عند الحاكم" ذكرت فيه زوائده على الكتب الستة. – لم يتم – وهو المسمى أيضاً "نفخ المواسم من زوائد أبي عبد الله الحاكم".
والحمد لله على كل حال.
* * *
#207#
2-"زوائد ابن حبان على الصحيحين" :
ومؤلفه مغلطاي بن قليج الحنفي المتوفى سنة (762)هـ.
وهو يقع في مجلد واحد ، على ما وصف الحافز تقي الدين بن فهد المكي في "لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ" (3).
وممن نسبل هذا الكتاب له ، السيوطي في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" ونقله عنه صاحب "هدية العارفين" (4).
ولم أر فيما وقفت عليه أحداً من أهل هذا الزمان رآه أو ذكر أنه موجود ، فالظاهر أنه درس من جملة ما درس من المصنفات الكثيرة ، لكن يغني عنه الكتاب الذي صنفه من بعده الحافظ الهيثمي ، حيث اتحدا في نفس الموضوع ، وقد بلغت مجموع أحاديث الهيثمي التي أوردها في كتابه
#208#
__________
(1) "المستدرك" (3/261).
(2) مسلم رقم (2967).
(3) ص (139)
(4) "هدية العارفين" (6/468) ، وقد قصر الدكتور الأحدب حين قال في كتابه (ص/94) "علم زوائد الحديث" : [والظاهر أن عمله هذا لم يكتب له الذيوع والانتشار ، ولم أقف على من ذكره أو أشاد به ممن صنف في هذا الفن أو غيرهم] ، فقد عرفت أن ثمة من ذكره.(1/139)
نحواً من ألفين وستمائة وسبعة وأربعين حديثاً. بحكم ببادئ النظر أنها هي التي كان من واجب مغلطاي إخراجها في كتابه ، اللهم إلا ما كان من اختلاف منشؤه الغلط والنسيان ، وزيادة بعد الشروط أو نقصانها في إخراج الزوائد ، وما حده كل منهما لنفسه في مطلع الكتاب.
وموضوع الكتابين واحد كما قدمنا وهو : إخراج كل حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه ، وليس هو عند البخاري أو مسلم.
#209#
3-"جامع المسانيد والسُنَنْ الهادي لأقوم سَنَنْ" (1) :
ومؤلفه أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن كثير المتوفى سنة (774) هـ.
قال الحافظ ابن كثير في مقدمة الجامع ، وهو يحكي عنه :
"جمعته أيضاً من كتب الإسلام المعتمدة في الأحاديث الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ذلك الكتب السنة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه) ومن ذلك "مسند الإمام أحمد" و "مسند أبي بكر البزار" و "مسند الحافظ أبي يعني" و "المعجم الكبير" للطبراني ، رحمهم الله.
فهذه عشرة كاملة ، أذكر في كتابي هذا مجموع ما في هذه العشرة ، وربما زدت عليها من غيرها ، وقل ما يخرج عنها من الأحاديث مما يحتاج
#210#
إليه في الدين ، وهذه الكتب العشرة تشتمل على أربى من مائة ألف حديث بالمكررة...
وشرطي فيه أن أترجم كل صحابي له رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مرتباً على حروف المعجم ، وأورد له جميع ما وقع له في الكتب ، وما تيسر لي من غيرها" (2).
ووصف ابن حجر هذا الكتاب فقال :
__________
(1) قال الدكتور الأحدب – جزء الله خيرا – وقد قام بتحقيق قسم منه الأستاذ صالح أحمد الوكيل ، وقدمه إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام (1405) هـ كرسالة دكتوراه.
والكتاب ذكره غير واحد ، منهم حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/573) ، ومن قبله الحافظ ابن حجر – كما قدمنا في ترجمة ابن كثير – وغيرهما.
(2) نقلا عن "علم زوائد الحديث" ص (50).(1/140)
لما رتب الحافظ شمس الدين ابن المحب المعروف بالصامت ، مسند أحمد على ترتيب حروف المعجم ، حتى في التابعين المكثرين عن الصحابة ، أعجب ابن كثير فاستحسنه...
فألحق ابن كثير في الهوامش من الكتب الستة ، ومسندي أبي يعلى والبزار ومعجمي الطبراني ، مما ليس في المسند ، وسمي الكتاب "جامع المسانيد والسنن".
وكتب منه عدة نسخ نسبت إليه ، وهو الآن في أوقاف المدرسة المحمودية . . .(1).
ووصف السيوطي الكتاب فقال :
"رتب مسند أحمد على الحروف ، وضم إليه زوائد الطبراني وأبي يعلى" (2).
ووصف حاجي خليفة الكتاب فقال(3) :
#211#
"وهو كتاب عظيم جمع فيه أحاديث الكتب العشرة في أصول الإسلام ، أعني الستة والمسانيد الأربعة".
وبهذا يعرف أن السيوطي رحمه الله قد قصر في وصفه الذي حكاه تقصيراً كبيراً ، فلم يذكر الكتب الستة ، ولا مسند البزار.
وقد نازع بعض الناس(4) في عدّ هذا الكتاب من الزوائد ، وساعتهم تسمية الكتاب على ما ذهبوا إليه.
ولكن بالنظر لصنعته ، وتقسيماته ومراحله ، ووصفه ، يعلم أنه ليس إلا من مصنفات الزوائد.
حسبك في ذلك قول الحافظ ابن حجر :
"فألحق ابن كثير في الهوامش ، من الكتب الستة ، ومسندي أبي يعلى والبزار ومعجمي الطبراني ، مما ليس في المسند".
وهذا لا يكون إلا بعد إخراج زوائد الكتب الستة على المسند وإلحاقها ، ثم إخراج زوائد كل مسند بمفرده على مسند أحمد ، وإلحاق هذه الزوائد بالحاشية ، وهذا واضح جداً في قوله "مما ليس في المسند" ، فكيف يعلم ما ليس في المسند إلا عند طريق الزوائد.
__________
(1) "إنباء الغمر" (1/47).
(2) ذيل طبقات الحفاظ" (ص 361).
(3) "كشف الظنون" (1/573).
(4) منهم الشيخ الأحدب كما في "علم زوائد الحديث" (49-50).(1/141)
ونحو هذا المصنف ، ما فعله الشيخ محمد بن محمد بن سليمان الفاسي المغربي المالكي نزيل الحرمين الشريفين. في كتابه "جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد" الذي جمع فيه بين "جامع الأصول" لابن الأثير المشتمل على الكتب الخمسة مع الموطأ. وبين "مجمع الزوائد" للهيثمي ، وجعلهما في كتاب واحد ، وألحق بهما زوائد ابن ماجه ، لكونه
#212#
ليس في الجامع ، وسنن الدار قطني ، مراعاةً لمن يجعل سننه سادسة الكتب الستة ، عوضاً عن ابن ماجه(1).
فأنت ترى أن هذا الكتاب إنما تم عن طريق معرفة الزوائد على الستة أولاً ، ثم إلحاقها ، كما أن كتاب ابن كثير ، لا يتم إلا عن طريق معرفة الأحاديث الزائدة على مسند الإمام أحمد ثم إلحاقها.
لكن الحافظ ابن كثير ضم هذه الزوائد جميعها في كتاب واحد مع الكتاب المزاد عليه ، فأشكل الأمر على من لم يحقق النظر.
وفي المقام زيادة نأتي عليها إن شاء الله عند آخر الحديث عن كتاب الشيخ البوصيري رحمه الله المسمى :
"تحفه الحبيب للحبيب ، بالزوائد في الترغيب والترهيب" فلينظر.
#213#
4- "غاية المقصد في زوائد المسند" :
للحافظ نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة (807) هـ :
جمع فيه "زوائد مسند الإمام أحمد" على الكتب الستة ، مرتبا على الأبواب ملتزماً بذكر أسانيدها.
والكتاب موجود مخطوط لم يطبع(2).
__________
(1) انظر "مقدمة تحفه الأحوذي" (ص68).
(2) ذكر ذلك الدكتور الأحدب – جزاه الله خيرا – وقال : ومنه نسخة في مكتبة الحرم المكي ، وقفت على مصورتها في مكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وهي برقم (1839) ، وعدد أوراق هذه النسخة (360) ورقة. وقد حقق في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، في أربع رسائل للدكتوراه. أنظر "علم زوائد الحديث" (ص50).
وذكر محقق "زوائد مختصر البزار" أن له ثلاث مخطوطات بالمحمودية بالمدينة المنورة ، وبجامعة القرويين بفاس ، وبذار الكتب ، وأن بعض الأخوة يقومون على تحقيقه. أنظر "زوائد مختصر البزار" (1/12) ، وكأنه تلقفه عن كمال الحوت ، محقق "مصباح الزجاجة" فإنه قال : "للكتاب ثلاث نسخ ، نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة ، وهي مكتوبة بخط أحمد بن سليمان بن محمد ، من سنة خمس وعشرين ومائة وألف ، ونسخة جامعة القرويين بفاس في المركز صورة عنها – يعني مركز الأبحاث والخدمات الثقافية ، ونسخة ثالثة في تركيا ، ويقوم بتحقيق الكتاب سيف الرحمن لينال به درجة دكتوراه في جامعة الملك عبد العزيز. "مصباح الزجاجة" (1/19).(1/142)
وكان فراغ الشيخ الهيثمي منه سنة ست وسبعين وسبعمائة(1).
#214#
وقد جاء في مقدمة هذا الكتاب :
"ذكرت فيه ما انفرد الإمام أحمد رضي الله عنه ، من حديث بتمامه ، ومن حديث شاركهم فيه أو بعضهم ، وفيه زيادة عنده ، فربما فصلت الزيادة بأن تكون في أول الحديث وهو طويل ، فأذكرها ثم أقول : فذكره..
وربما كانت في آخره ، وهو طويل ، جداً ، فأذكر أول الحديث ثم أقول : إلى أن قال كذا وكذا.
وربما ذكرت الحديث ونبهت عليها.
وربما سكت لوضوحها عندي.
وسيأتي الكلام مبسوطاً على هذا الكتاب وما يعلّق عليه ، عند الحديث عن "مجمع الزوائد" إن شاء الله تعالى.
#215#
5- "كشف الأستار عن زوائد البزار" :
لمؤلفه الإمام نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة (807) هـ.
جمع فيه الهيثمي رحمه الله زوائد مسند البزار المسمي "البحر الزخار" على الكتب الستة ، ورتب الكتاب على الأبواب ، وساق الأحاديث بأسانيدها وقد بلغت عدة أحاديث ثلاثة آلاف وستمائة وثمانية وتسعين حديثاً.
والكتاب مطبوع ، محقق(2).
#216#
قال الهيثمي في مقدمته :
__________
(1) انظر "زوائد مختصر البزار" (1/12).
(2) طبع الكتاب في أربعة أجزاء في مؤسسة الرسالة عام (1399) هـ. بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمى ، وقد وصف المحقق النسخة بأنها مقروءة على الحافظ الهيثمي نفسه ، وأن عليها تعليقات وتعقيبات للحافظ ابن حجر وبعض السماعات.
قلت : وقد جاءت أحاديثه نحو ثلاثة آلاف وسبعمائة حديث ، وهذا المطبوع حشى الأخطاء والسقط والتصحيفات في الأسانيد أكثر منها في المتون.
وأما تخريج الأعظمى رحمه الله تعالى – عليه ، ففيه قصور بالغ لجهة التخريج ، وادعاءات غير صحيحه ، كما هو الحال في "المطالب العالية" بتحقيقه ، كما سيأتي.(1/143)
"فقد رأيت مسند الإمام أبي بكر البزار المسمى بـ"البحر الزخار" قد حوى جملة من الفوائد الغزار ، يصعب التوصل إليها على من التمسها ، ويطول ذلك عليه قبل أن يخرجها ، فأردت أن أتتبع فيه ما زاد على الكتب الستة :
من حديث بتمامه وحديث شاركهم فيه أو بعضهم وفيه زيادة – يعني عند البزار – مميزا بقولي : قلت : "رواه فلان خلا كذا" ، أو : "لم أره بهذا اللفظ" ، أو : "لم أره بتمامه ، اختصره فلان" ، أو نحو هذا.
وربما ذكر الحديث بطرق فيكتفي بذكر سند الحديث الثاني ، ثم يقول : فذكره ، وذكر نحوه ، وما أشبه ذلك ، فأقول بعد ذكر السند : قال فذكره ، أو قال : فذكر نحوه...
وإذا تكلم على الحديث بجرح رواة أو تعديل بحيث طول : اختصرت كلامه من غير إخلال بمعنى ، وربما ذكرته بتمامه إذا كان مختصراً.
وقد ذكر فيه – يعني في البحر الزخار – جرحاً وتعديلاً مستقلاً لا يتعلق بحديث بعده ، وروى فيه أحاديث بسنده ، فرويت الأحكام والكلام عليها إن كان تكلم عليها وتركت ما عداه" انتهى.
وقد رتب الكتاب على أبواب الفقه ، وبدأه بكتاب الإيمان ، وختمه بكتاب الزهد. وذكر إسناده إلى البزار في مقدمة الكتاب ، واعتمد في روايته على طريقين إحداهما أعلى من الأخرى بدرجتين.
وقد أورد الأحاديث بأسانيد البزار إلى منتهاها مع كل حديث.
وسيأتي بسط الكلام على منهجه عند الحديث عن "المجمع" إن شاء الله تعالى.
#217#
لكن بقيت الإشارة إلى أن نسخته التي اعتمدها – أعني الهيثمي – كانت رديئة ، بعض الشيء ، كما يظهر من قوله في مواضع :
أ- "رواه الطبراني في الكبير ، والبزار لم يحسن سياقه الحديث ، ولعله من سقم النسخة ، والله أعلم" (1) .
ب- "رواه البزار ، وفي الأصل علامة سقوط" (2).
ج- "رواه البزار" وهكذا وجدته فيم جمعته" (3).
#218#
6- "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" :
للهيثمي الحافظ المتوفى سنة (807) للهجرة.
__________
(1) 2/151).
(2) 4/210).
(3) 8/40).(1/144)
وقد جمع فيه رحمه الله زوائد مسند أبي يعلى الموصلي على الكتب الستة ، والكتاب مطبوع(1) وأوله :
"الحمد لله البر الجواد ، الهادي إلى سبيل الرشاد ، رافع السماء بغير عماد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه عن الأنداد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بالملائكة في الجهاد. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نشروا العلم في البلاد. صلاة دائمة إلى يوم التناد.
وبعد :
فقد نظرت في مسند الإمام أبي يعلى : أحمد بن علي بن المثنى الموصلي رضي الله عنه فرأيت فيه فوائد غزيرة لا يفطن لها كثير من الناس.
#219#
فعزمت على جمعها على أبواب الفقه ،ـ لكي يسهل الكشف عنها لنفسي ، ولمن أزاد ذلك ، وسميته : "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" (2).
وأسأل الله أنت ينفع به أنه قريب مجيب.
فذكرت فيه ما تفرد به عن أهل الكتب الستة ، من حديث بتمامه ، ومن حديث شاركهم فيه ، أو بعضهم ، وفيه زيادة.
وأنبه على الزيادة بقولي :
"أخرجه فلان خلا قوله : كذا" أو :"لم أره بتمامه عند أحد منهم".
ونحو هذا من الفوائد.
وربما ذكر الإمام أبو يعلى بعد الحديث أحياناً(3) ثم يقول : فذكره أو ذكر نحوه ، فإذا ذكرت ذلك أقول : قال : فذكره.
وما كان من ذلك ليس فيه "قال" ، فهو من تصرفي.
وما كان من ذلك رواه البخاري تعليقاً ، والنسائي في الكبير ذكرته.
وما كان في النسائي الصغير المسمى بالمجتبي لم أذكره...
ثم ذكر الهيثمي رحمه كيف وقع له الكتاب وعلى من سمعه ...
ثم قال :
__________
(1) طبع الجزء الأول منه عام (1402)هـ. بتحقيق الدكتور نايف الدعيس ، ونشرته مؤسسة تهامة في المملكة العربية السعودية ، ثم عاد فطبع كاملا عام (1413) هـ بدار الكتب العلمية بيروت ، بتحقيق سيد كسروي حسن.
(2) وبعض المراجع تذكره باسم : "المقصد الأعلى بزوائد أبي يعلي".
(3) كذا في المطبوع بدار الكتب العلمية ، وهو تحريف بين ، ولعل الصواب ، "فراغا" بدل "أحيانا"(1/145)
وما كان فيه من حديث في أوله (كـ )فهو من المسند الكبير لأبي يعلى أيضاً ، وما نظرت منه سوي مسند العشرة.
#220#
وقد رتبته على كتب أذكره.. ثم ساقها رحمه الله ، انتهى(1).
قلت : فقد تبين من مساق كلامه أن لأبي يعلى رحمه الله مسندين ، أخرج زوائد الصغير منهما ، ومن الكبير مسانيد العشرة حسب.
ولذلك فإن الحافظ ابن حجر بعد ، قال في مقدمة "المطالب" (2) :
"إذا أنني تتبعت ما فاته – يعني للهيثمي – من مسند أبي يعلى ، لكونه اقتصر في كتابه على الرواية المختصرة...".
فهو لم يسمه "المسند الكبير" ، وأطلق "الرواية المختصرة" على نسخة شيخه الهيثمي.
وقد رجعت لكتب التراجم والرجال ، فوجدت ما يشفي العليل ويروي الغليل ، وذلك فيما ذكر الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمته من "سير أعلام النبلاء" فإنه قال(3) :
[قال أبو سعد السمعاني : سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الحافظ يقول : قرأت المسانيد ، كمسند العديني ، ومسند أحمد بن منيع ، وهي كالأنهار ، ومسند أبي يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار.
قال الذهبي معقباً.
صدق ، ولاسيّما مسنده الذي عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه ، فإنه كبير جداً ، بخلاف المسند الذي رويناه من طريق أبي عمرو بن حمدان عنه ، فإنه مختصر] انتهى كلام الذهبي.
#221#
وبه عرف أن الهيثمي اعتمد النسخة المختصرة في إخراج الزوائد ، كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمه "المطالب".
لكنني رجعت إلى الأحاديث التي ذكر الحافظ ابن حجر في "المطالب" ، ونسبها لأبي يعلى ، فوجدت كثيرا منها قد ذكر في "المقصد" و "الجميع".
ومنها أول حديث مذكور في المطالب : وهو حديث عائشة المرفوع : "الماء لا ينجسه شيء".
وقد نسبه الحافظ لأبي يعلى(4).
__________
(1) "المقصد العلي" (1/29).
(2) "المطالب العالية" (1/4).
(3) "سير أعلام النبلاء" (14/ 180).
(4) "المطالب العالية" الحديث رقم (1).(1/146)
فهذا الحديث كان الواجب خلو "المقصد" و "المجمع" عنه ، وإلا انتقض الشرط الذي ذكره الحافظ في مقدمة "المطالب".
لكن بالرجوع "للمقصد" و "للمجمع" وجدت الحديث فيهما(1) !
ومنها حديث عائشة أيضاً : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم للوضوء يكفئ الإناء فيسمى الله ، ثم يسبغ الوضوء".
نسبه ابن حجر لأبي يعلى فقط ، لكن الحديث في المقصد والمجمع(2) !
ومنها حديث أبي هريرة في إسباغ الوضوء ، هو في الكتب الثلاثة(3) !.
#222#
ومنها حديث أنس : "كانوا يضعون جنوبهم فينامون..." وهو فيهما(4) !
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة ، التي هي بعد التتبع ، أكثر من نصف الأحاديث التي تفرد بها أبو يعلى في المطالب ، وبهذا يظهر ، أن الحافظ ابن حجر رحمه الله ، لم يكن عارفا بالضبط ، بما في الرواية المختصرة لمسند أبي يعلى ، فكان يورد ، كل ما ظنه ليس فيه ، أو أن يكون الحديث تكرر في أكثر من موضع من المسند الكبير ، فلما أعاد إخراجه الحافظ ، كان في نسخة الهيثمي له ذكر في موضع آخر ، والله أعلم.
وسيأتي بسط الحديث على منهج الهيثمي في هذا الكتاب عند الحديث عن "المجمع" إن شاء الله تعالى.
#223#
7- "البدر المنير في زوائد المعجم الكبير" :
للإمام الهيثمي أيضاً.
وقد جمع فيه زوائد "المعجم الكبير" للإمام الطبراني ، على الكتب الستة ، ويقع في ثلاثة مجلدات(5).
__________
(1) أنظر "المقصد العلي" طبع دار الكتب العلمية بيروت (1/80) رقم الحديث (120) و "مجمع الزوائد" طبع دار الكتاب العربي بيروت (1/214).
(2) أنظر "المطالب" رقم (82) ، و "المقصد" رقم (121) ص (1/80) ، و "المجمع" (1/220).
(3) "المطالب" رقم (116) ، و"المقصد" رقم (140) ، و "المجمع" (1/ 237).
(4) المطالب (153) ، والمقصد (145) ، والمجمع (1/248).
(5) "الرسالة المستطرفة" ص (140 – 172) ، "لحظ الألحاظ" لابن فهد (240).(1/147)
ولم يتيسر لنا الوقوف على هذا الكتاب ، ولا مكان وجود نسخ منه ، فلعله من جملة الكتب الدارسة.
#224#
8- "مجمع البحرين في زوائد المعجمين".
له أيضاً.
وقد جمع فيه زوائد المعجمين ، "الأوسط" و "الصغير" للإمام الطبراني ، على الكتب الستة ، مرتبا على الأبواب مع ذكر الأسانيد.
والكتاب مخطوط(1).
وقد جرى على طريقته فيه بمثل الذي جرى عليه في الكتب المتقدمة الأخرى. وقال في مقدمته :
"فما كان من حديث على أوله (ق) فهو في "المعجم الصغير" و "الأوسط" بإسناده سواء ، ومتنه بنحوه أو مثله.
وما كان على أوّله (ص) فهو مما انفرد به "الصغير".
وما كان من "الصغير" ، وله أسانيد في "الأوسط" بدأت بإسناد "الصغير" ، وذكرت طرقه من "الأوسط".
قلت : وهو الذي ضمّه للمجمع مع الكتب السالفة ، وهذا الكلام عن المجمع :
#225#
9- "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" :
له أيضاً رحمه الله :
وهو أنفس هذه الكتب المتقدمة جميعها ، وأجمعها ، وأوعبها ، وأطنبها ، وكل كتب الزوائد من بعده لم تبلغ شأوه. ولا مقداره.
بذل فيه الهيثمي رحمه الله قصارى جهده ، وغاية وسعه ، وعنفوان همته ، ونتاج فكره ، وأكثر وقته.
وهو مطبوع بحمد الله(2).
__________
(1) له مصورة في الجامعة الإسلامية برقم (76) عن النسخة المخطوطة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا ، وتبلغ صفحاته (508).
(2) ذكر محقق "مصباح الزجاجة" (1/21) أنه مطبوع في خمس مجلدات كبار ، وبذيله كتاب "بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد" للسيوطي ، وذكر الشيخ الأحدب – حفظه الله -0 أنه طبع في القاهرة عام (1352 هـ في عشرة مجلدات ، ونشرته مكتبة القدسي ، "علم زوائد الحديث" ص (53).
قلت : وقد أعيد طبع الكتاب مرارا في "دار الكتاب العربي" بيروت. ثم طبع أخيرا في "دار الكتب العلمية" بيروت ، مرقم الأحاديث ، مع ملحق بالفهارس.(1/148)
جمع فيه نزولاً عند رغبة شيخه – كما هو الأمر في أكثر الكتب المتقدمة له – زوائد جميع الكتب السالفة ، من زيادات المسند لأحمد وللبزار ولأبي يعلى ، وزوائد معاجم الطبراني الثلاثة – "الكبير" و "الصغير"
#226#
و "الأوسط" – على الكتب الستة ، بعد أن حذف أسانيدها ورتب أحاديثها ، وحكم على أسانيدها بما يناسبها من الصحة والضعف.
فإن كان الحديث مروياً عند أحمد وغيره ، التزم الكلام على سند أحمد ، إلا أن يكون إسناد غيره أصح. فإنه يحكم على الحديث على مقتضى أصح الأسانيد التي جاء بها ، دون ذكر ضعافها.
قال الشيخ الهيثمي رحمه الله في المقدمة(1) :
[وبعد : فقد كنت جمعت زوائد مسند الإمام أحمد وأبي يعلى الموصلي وأبي بكر البزار ، ومعاجم الطبراني الثلاثة رضي الله تعالى عن مؤلفيهم وأرضاهم ، وجعل الجنة مثواهم ، كل واحد منها في تصنيف مستقل – ما خلا المعجم "الأوسط" و "الصغير" فإنهما في تصنيف واحد.
فقال لي سيدي وشيخي العلامة شيخ الحفاظ بالمشرق والمغرب ، ومفيد الكبار ومن دونهم ، الشيخ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه : "اجمع هذه التصانيف ، واحذف أسانيدها ، لكي يجتمع أحاديث كل باب منها في باب واحد من هذا".
فلما رأيت إشارته إلى بذلك ، صرفت همتي إليه ، وسألت الله تعالى تسهيله والإعانة عليه... ثم قال :
وقد سميته بتسمية شيخي وسيدي له "مجمع الزوائد ، ومنبع الفوائد" وما تكلمت عليه من الحديث من تصحيح أو تضعيف. وكان من حديث صحابي واحد ، ثم ذكرت له متنا بنحوه ، فإني اكتفى بالكلام عقب الحديث الأول؛ إلا أن يكون المتن الثاني أصح من الأول. وإذا روى
#227#
الحديث الإمام أحمد وغيره ، فالكلام على رجاله – يعني رجال أحمد – إلا أن يكون إسناد غيره أصح.
__________
(1) "مجمع الزوائد" (1/7) "طبع دار الكتاب العربي" بيروت.(1/149)
وإذا كان للحديث سند واحد صحيح ، اكتفيت به من غير نظر إلى بقية الأسانيد وإن كانت ضعيفة.
ومن كان من مشايخ الطبراني في الميزان نبهت على ضعفه ، ومن لم يكن في الميزان ألحقته بالثقات الذين بعده.
والصحابة لا يشترط فيهم أن يخرج لهم أهل الصحيح فإنهم عدول ، وكذلك شيوخ الطبراني الذين ليسوا في الميزان] انتهى كلام الهيثمي رحمه الله.
ثم ذكر رحمه الله أسانيده لهذه المسانيد والمعاجم.
وقد وفّى الشيخ رحمه الله ورضي عنه ، في هذا الذي شرطه على نفسه ، والتزم به غاية الإلتزام. إلا أنه بقي عليه بعض الاستدراكات التي لا يخلو منها كتاب مصنف في الدنيا.
وقد تمثلت هذه الاستدراكات عليه في أمرين :
الأول في كلامه على الرجال ، والحكم على الأسانيد ، والرواة ، حتى صنف في ذلك الإمام السيوطي رحمه الله ذيلا على الكتاب أسماه : "بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد" (1).
#228#
وقد ضمّن السيوطي ذيله ردوداً على الهيثمي واستدراكات وإضافات ، لما فاته من ذكر المجروحين الموجودين في الأسانيد ، ولم يذكرهم الهيثمي ، وكذا على الانقطاعات ، ونحوها ، مما ليس هو في مبحثنا في هذا الكتاب.
وقد أدلى الحافظ بدلوه في هذا ، وكان حكى هو في مواضع كثيرة من مصنفاته هذا ، فقال :
"ومما قرأت عليه بانفراده – يعني الهيثمي – نحو النصف من "مجمع الزوائد" له ، ونحو الربع من زوائد أحمد ، ومسند جابر من مسند أحمد وغير ذلك ، وكان يودني كثيرا ويشهد لي بالتقدم في الفن – جزاه الله خيرا.
وكنت قد تتبعت أوهامه في كتابه "مجمع الزوائد" فبلغني أن ذلك شق عليه ، فتركته رعاية له" (2). انتهى.
__________
(1) ذكره في "كشف الظنون" (2/1602) ، باسم "مجمع الزوائد" ، ثم قال : ذيله السيوطي وسماه : "بغية الرائد" لكنه لم يتمه ، ذكره في فهرست مؤلفاته في فن الحديث. انتهى.
قلت : وقد ذكر الكتاب غير واحد ممن ترجم للسيوطي رحمه الله.
(2) "إنباء الغمر" (5/260).(1/150)
لكن استدراكات الحافظ فيما وقفت عليه من بعض المواضع التي أثبتت على هوامش "المجمع" رأيت أكثرها في التخاريج ، مما وهم فيه الهيثمي ، فظنه ليس في الكتب الستة ، وهو فيها :
وهذا هو الشق الآخر الثاني :
في إيراد أحاديث ظنها ليست في الكتب الستة أو أحدها ، وهي فيها .
وقد كنت قدمت مثالاً في هذا ، عند الحديث عن الزيادة الطارئة على المتن من جهة الأعداد. في موضعين فيه.
ومن أوهامه ما ذكر في "المجمع" (1) :
#229#
[وعنه – يعني أبا سعيد – عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليقومن على أمتي من أهل بيتي ، أقنى أجلى ، يوسع الأرض عدلاً ، كما وسعت ظلماً وجوراً ، يملك سبع سنين" رواه أبو يعلى ، وفيه عدي بن أبي عمارة ، قال العقيلي : في حديثه اضطراب ، وبقية رجاله رجال الصحيح] انتهى.
قلت : والحديث مخرج عند أبي داود بمثل الذي هنا ، وعند الترمذي وابن ماجه(2).
ومنها قوله :
["وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله عز وجل يقول : إذا أذهبت حبيبتي عبدي فصبر واحتسب أثبته بهما الجنة" (3).
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه عبيد الله بن زحر ، وهو ضعيف].
انتهى.
قلت : وهذا الحديث قد أخرجه الترمذي عن أبي هريرة مثله ، إلا أنه قال في آخره : "لم أرض له ثواباً دون الجنة" (4) ، واللفظان معناهما واحد.
ولا يقال هنا إنه أخرجه لأجل هذا الاختلاف في آخره ، وذلك لأمرين.
أولهما : أن المعنى متحد.
الثاني : أنه لو تنبه لوجوده في الترمذي ، لكان نبه لذلك ، إما بقوله : "أخرج الترمذي نحوه" ، أو "وبعضه في الترمذي" أو "له حديث عند
#230#
الترمذي غير هذا" أو نحو هذه العبارات. ولكن حيث لم يفعل – وما ينبغي له – علمنا أنه وهم في إيراده.
ومنها قوله :
[
__________
(1) "المجمع" (7/314).
(2) أبو داود )4285 ، وابن ماجه (3795 ، والترمذي (2233).
(3) "مجمع الزوائد" (2/309).
(4) الترمذي رقم (2401).(1/151)
وعن أبي أيوب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أوثر بخمس ، فإن لم تستطع فبثلاث ، فإن لم تستطع فبواحدة ، فإن لم تستطع فأومئ إيماءً.
قال الهيثمي : أخرجه أبو داود باختصار ، وقد تقدمت طرق الطبراني في الباب الذي قبله ، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح] (1). انتهى.
قلت : والحديث عند أبي داود(2) كما قال ، فإنه أخرجه إلا قوله "فإن لم تستطع فأومى إيماءً" ، لكن هذه الزيادة ، قد أخرجها النسائي ، في آخر رويات حديث أبي أيوب رضي الله عنه ، ولفظه عنده "... ومن شاء أوتر بواحدة ، ومن شاء أومأ إيماءً" (3).
نعم هي عند النسائي موقوفه ، وعند أبي داود وأحمد مرفوعة ، فلعله لأجل هذا لم يدخل رواية النسائي في هذا الحديث ، والله أعلم.
ومنها قوله : ["وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقي المنبر ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فقيل : يا رسول الله ما كنت تصنع هذا ؟
فقال : إن جبريل - صلى الله عليه وسلم - : قال رغم أنف من دخل عليه رمضان ثم لم يغفر له ، ثم رغم أنف عبد أدرك والديه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة ، ثم قال : رغم أنف عبد أو رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت آمين".
#231#
قال الهيثمي : في الصحيح منه ما يتعلق ببر الوالدين فقط بنحوه رواه البزار ، وفيه كثير بن زيد الأسلمي وقد وثقه... (4)"] انتهى.
قلت :
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في هذا الموضع فقال(5) :
"بل رواه الترمذي بتمامه من وجه آخر".
قلت :
وهو كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، فالحديث في الترمذي(6) ، مع تقديم وتأخير ، حيث قدم ذكر الصلاة ، ثم الصوم ، ثم إدراك الوالدين.
__________
(1) "المجمع" (2/241) (2/240).
(2) "سنن أبي داود" (1422).
(3) "النسائي" (3/239).
(4) "المجمع" (10/166-167).
(5) حاشية "المجمع" (10/ 167).
(6) "تحفة الأحوذي" رقم (3777.(1/152)
قلت : وكأن الهيثمي رحمه الله ، لم يتنبه لكونه في الترمذي أصلاً ، وإنما استحضر أنه في مسلم فقط ، وهو الذي عناه بقوله "في الصحيح" ، فالحديث عند مسلم بذكر الأبوين فقط ، وعنده – أي عند مسلم – أن الذي قال ذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس عنده ذكر لجبريل عليه السلام(1).
ومنها قوله :
["وعن عبد الله بن مسعود قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا هذا الكلام :
اللهم أصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا ، وأهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم.
#232#
واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها ، قابلين لها ، وأتمها علينا".
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وإسناد الكبير جيّد(2)] انتهى.
قلت : وقد وهم في إيراده ، فالحديث عند أبي داود بهذه الحروف(3) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ومنها قوله(4) :
[وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" رواه البزار وفيه داود بن فراهيج ، وهو ثقة وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات]. انتهى.
قلت : وقد وهم فيه ، فالحديث بحروفه هكذا عند ابن ماجه(5). عن أبي هريرة مرفوعاً كما هنا.
ومنها قوله(6) :
[
__________
(1) "صحيح مسلم" (2551).
(2) "المجمع" (10/ 179).
(3) "سنن أبي داود" رقم (969) في باب التشهد.
(4) "المجمع" (8/165).
(5) "سنن ابن ماجه" رقم (3674).
(6) "المجمع" (5/183).(1/153)
وعن عبد الله بن مسعود قال : لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فأتاهم عمر فقال : يا معشر الأنصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ، قالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
قال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلى ، وفيه عاصم بن أبي النجود ، وهو ثقة وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح] انتهى.
#233#
قلت : وقد وهم الهيثمي في إيراده ، فالحديث في سنن النسائي بهذه الحروف من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه(1).
والحاصل أن هذا في المجمع موجود منه أشياء تكاد تكون جزء من مائتي جزء ، وقد أثبت هذه الاعتراضات والأوهام التي بدت لي على الحافظ الهيثمي رحمه الله على نسختي ، في حاشية سميتها : "حاشية الراصد لإصلاح أوهام مجمع الزوائد" ، يسّر الله طبعها مع الكتاب.
باب في تشدد الهيثمي رحمه الله في إخراج الحديث في الزوائد :
وقد قامت عند الحديث عن "المستدرك" أن هذا واجب مخرجي كتب الزوائد جميعهم ، وأن من لم يسلك هذه الطريق ، تفوته فوائد كثيرة تكون موجودة ، في هذه الزيادات ، والاختلافات ، التي ربما لا يراها غير المطلعين على خبايا النصوص والألفاظ والتراكيب.
فمثل هذا التشدد عندي – والله أعلم – مما يرفع قدر الكتاب ، وينبي عن دقّة حفظ واستحضار مخرّجه ، وتتبعه الفوائد دقيقها وجليلها.
وقد اتقن الشيخ الهيثمي هذا رحمه الله اتقاناً بيّناً ، يطرب له الفقهاء.
وإني قد رأيت في هذا الباب معلماً للطلاب على استخراج الفقه من النصوص ، لمن نظر في سبب جعل الحديث من الزوائد ، لاختلاف اللفظ البسيط ، وحاول أن يستنبط الفارق بينهما ، من اختلاف وتعارض ، واتفاق وافتراق ، أو زيادة معنى غير متحصلة في أحد اللفظين.
ومن هذا الباب قول الشيخ في "المجمع" (2) :
#234#
[
__________
(1) "سنن النسائي" (2/74)
(2) "المجمع" (5/126).(1/154)
وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "بينما رجل ينظر في عطفية قد أعجبته نفسه ، إذ تجلجلت به الأرض إلى يوم القيامة".
قلت : "من الخيلاء" إذ خسف به..." رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ، خلا أحمد بن...] انتهى.
قلت : والحديث كما قال رحمه الله(1) ، والذي يتأمل اللفظين ، يقف على ما بينهما من التفاوت ، فلفظ حديث البزار عام كما في قوله "ينظر في عطفيه قد أعجبته نفسه" غير مقيد بلباس ، ولا بجر إزار ، وأما في لفظ البخاري والنسائي "يجر إزاره" فهو في جر الإزار خاصة.
فبين اللفظين خصوص وعموم ، لذلك أخرج الحديث في الزوائد.
وكأن الحافظ ابن حجر ، لم يقنع بمثل هذا ، فأغفل ذكر الحديث في زوائده على البزار(2) ، مع أنه من شرطه ، حيث أن أحمد لم يخرجه في المسند.
ومنه قوله(3) :
["وعن أسماء بنت يزيد قالت : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبايعه ، فدنوت وعلى سواران من ذهب ، فبصر ببصيصهما ، فقال : ألق السوار يا أسماء ، أما تخافين أن يسورك الله بأسوار من نار ، قالت : فألقيتهما ، فما أدري من أخذهما".
#235#
قلت – يعني الهيثمي – رواه أبو داود باختصار ، رواه أحمد عن شهر... ] انتهى.
قلت : والحديث عند أبي داود(4) كما ذكر ، وكذلك هو عند النسائي(5) ، ولفظهما نحوه ، وأبدلا السوار ، بالقلادة ، وفي لفظ آخر بالخرص.
وحكم هذه الثلاثة واحد باتفاق ، عند جميع المسلمين ، لم يفرق أحد منهم بين ما يوضع حول العنق أو في اليد ، أو الأذن. فما أظنه أخرجه لأجل هذا التنوع؛ والغالب عندي أنه أخرجه لقولها في أوله "لأبايع" فأفادت هذه اللفظة أنها من المبايعات له - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) انظر "جامع الأصول" (822).
(2) انظر باب اللباس من "زوائد مسند البزار" (1/647).
(3) "المجمع" (5/148).
(4) "سنن أبي داود" رقم (4238).
(5) "النسائي" (4/157).(1/155)
وقد جاء هذا عنها في حديث آخر عنده وعند الطبراني ، يعني في ذكر المبايعة ولبس خاتم الذهب.
فكأنه لأجل هذه النكتة أخرجه رحمه الله في الزوائد.
ومنها قوله(1) :
[وعن عبد الله بن عكيم قال : "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"] انتهى.
وهذا اللفظ بعينه قد أخرجه أبو داود ، ولفظ الترمذي "لا تنتفعوا..." فذكره ، وأخرج النسائي نحو الأول ، وابن ماجه نحو الثاني(2).
#236#
ولكن لما ثبت في روايات أصحاب السنن الأربعة جميعهم في أول الحديث : "جاءنا كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن لا .. " أو بلفظ "قرئ علينا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن لا ..." أو بلفظ "أتانا كتاب..." كان إخراج هذا الحديث في الزوائد صوابا صحيحاً ، لأنه فيه إفادة السماع للحديث – إن صح(3) – من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير واسطة.
ولذلك قال الشيخ الهيثمي رحمه الله بعد إخراجه في "المجتمع" :
[رواه الطبراني في "الأوسط" ولعبد الله بن عكيم حديث في السنن عن كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه عبيدة بن...] انتهى.
باب في مستدركات على "المجمع" :
1-الإستدراك الأول :
وفيه التنبيه على أن قول الشيخ الهيثمي رحمه الله في "المجمع" : "رواه فلان : لا يدل على أنه لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة غير فلان المذكور ، فإن الشيخ رحمه الله لا يستوعب ، إما اختصاراً ، وإما عند ذكر من ألفاظه أقرب لمتن الحديث المخرج من غيره ، وإما لعدم الاستحضار – كما بينا.
ومن أمثلة هذا قوله رحمه الله(4) :
[
__________
(1) "المجمع" (1/218).
(2) انظر "إجابة الفحول" رقم (5086).
(3) وقد بينا مرارا أن الحديث لا ينظر لصحته عند إخراجه في الزوائد من كتاب ما.
(4) "المجمع" (10/325).(1/156)
وعن أبي موسى قال : "لو رأيتنا ونحن مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - لحسبت أن ريحنا الضأن ، إنما لباسنا الصوف ، وطعامنا الأسودان : التمر والماء" – رواه أبو داود باختصار – رواه الطبراني في الأوسط ...] انتهى.
#237#
قلت : والحديث المذكور : لم يتفرد به أبو داود كما ذكر الشيخ ، وهو عند الترمذي وابن ماجه أيضاً ، بمثل الذي عند أبي داود ، بل عند ابن ماجه زيادة "إصابة السماء" – يعني بالماء (1).
ولكن لعله قصر في العزو واختصاراً.
ومن هذا قوله(2) :
[وعن عبد الله بن عبيد بن عمير : أنه سمع أباه يقول لابن عمر : مالي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين : الحجر الأسود والركن اليماني.
فقال ابن عمر : إن أفعل ، فقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن استلامهما يحط الخطايا" وسمعته يقول : "من طاف أسبوعا يحصيه وصلى ركعتين ، كان له كعدل رقبة" وسمعته يقول : "ما رفع رجل قدماً ولا وضعها إلا كتب له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئا ، ورفع له عشر درجات".
قال الهيثمي : روى ابن ماجه بعضه.
رواه أحمد ، وفيه عطاء بن السائب ، وهو ثقة لكنه اختلط] انتهى.
قلت : والذي يرجع للحديث ، يجد هذا البعض الذي لابن ماجه منه ، وهو المتعلق بالطواف ، فقط(3) ، ولكن أيضاً يجد الحديث عند الترمذي إلا شيئاً يسيراً جداً.
#238#
ولفظ الترمذي(4) :
[عن عبيد بن عمير أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين زحاماً ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزاحمه ، فقال : إن أفعل ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن مسهما كفارة للخطايا".
وسمعته يقول :
"منم طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه ، كان كعتق رقبة" وسمعته يقول :
"لا يرفع قدماً ولا يضع قدماً ، إلا حط عنه بها خطيئة ، وكتب له بها حسنة"].
__________
(1) "إجابة الفحول" (8348).
(2) "المجمع" (3/240).
(3) "سنن ابن ماجه" (2956).
(4) "سنن الترمذي" (959).(1/157)
ويجد الحديث أيضاً عند النسائي ولفظه(1) :
[يا أبا عبد الرحمن : ما أراك تستلم إلا هذين الركنين ؟ فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن مسهما يحطان الخطيئة ، وسمعته يقول :
"من طاف سبعاً ، فهو كعتق رقبة"].
فتأمل كيف أغفل ذكرهما ، وهما أحق بالذكر من ابن ماجه ، لاسيما الترمذي الذي أخرج أكثر الحديث.
والشاهد مما تقدم أن هذا ، توجد منه أشياء غير قليلة موجودة في "المجمع" قد نبهنا عليها هنا ، وتقدم في الأبواب السابقة منها أمثلة.
وقد استوعبنا الكلام عليها بحمد الله في حاشيتنا التي أشرنا إليها من قبل.
#239#
(ملحق الاستدراك) :
وإتماماً للفائدة نذكر ، أن الحديث الذي يكون كبير المتن ، ويكون الستة أو بعضهم ذكروا منه طرفا يسيراً ، فإن الشيخ الهيثمي لا يعرج على هذا القدر اليسير ، هو وسائر من صنف في هذا الفن فيما نعلم ، اللهم إلا في بعض المواطن اليسيرة ، حيث تنشط بهم الهمة على ذلك :
ومن مثال هذا قوله(2) :
["وعن عبد الله بن سرجس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يبولن أحدكم في الحجر ، وإذا نمتم فأطفئوا السراج ، فإن الفأرة تأخذ الفتيل فتحرق أهل البيت ، وأوكوا الأسقية. وخمّروا الشراب ، وغلّقوا الأبواب بالليل.
قالوا : لقتادة : ما يكره من البول في الحجر ؟
قال : يقال : إنها مساكن الجن".
رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح] انتهى.
قلت : حديث عبد الله بن سرجس في النهي عن البول في الحجر ، خرجه أبو داود والنسائي(3).
باب في بيان كلام الهيثمي على الرواة :
__________
(1) "سنن النسائي" (5/221).
(2) "المجمع" (8/111).
(3) "سنن أبي داود" رقم (29) ، و "سنن النسائي" (1/33).(1/158)
وقد جعلت هذا الباب آخر أبواب وصف "المجمع" ، حيث أنه ليس من صنعة الزوائد ، إنما هو مفيد جداً ، لمن يعتمد أقوال الشيخ رحمه الله عند الرجوع إلى "المجمع" ، لذلك رأيت أن أفرد هذا الباب خدمة للكتاب ومعتمدية ، وخوف الخروج عن مقصد الكتاب. والإطالة ، حصرت هذا الباب في ثلاثة أنواع.
#240#
النوع الأول : في اختلاف عباراته في الراوي الواحد ، وأنه يزيد وينقض ، مع أن المعنى واحد.
ومن رواة هذا النوع : شهر بن حوشب :
وهو راوٍ قد اختلف الناس فيه ، والأكثر على توثيقه ، وقيل : يكون حسن الحديث ، فإذا رجعت لكلام الشيخ فيه ، وجدت تبايناً في اللفظ ، واتحاداً في المعنى. وأنه يزيد وينقص بحسب المقام.
قال الشيخ رحمه الله في شهر :
"اختلف في الاحتجاج به" (1).
"وثق على ضعف فيه" (2).
"ضعيف وقد وثق" (3).
"اختلفوا فيه ، ووثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ويعقوب" (4).
"ثقة فيه كلام" (5).
"فيه كلام وحديثه حسن" (6).
"حديث حسن" (7).
#241#
"حديثه حسن وفيه ضعف" (8).
"ضعيف يكتب حديثه" (9).
"ثقة وفيه كلام لا يضر" (10).
"اختلفوا فيه" (11).
"وثقه أحمد ، وفيه خلاف" (12).
"وثقه أحمد وغيره ، وضعفه غير واحدة" (13).
"وثق" (14).
ومن رواته : عاصم بن أبي النجود : وحاله حال شهر المتقدم.
قال فيه الشيخ :
"ثقة ، وفيه ضعف" (15).
"ثقة وفيه كلام" (16).
"حسن الحديث وفيه ضعف" (17).
#242#
"حسن الحديث" (18).
__________
(1) "المجمع" (1/27 )
(2) "المجمع" ( 1/254)
(3) "المجمع" ( 1/184)
(4) "المجمع" ( 1/213)
(5) "المجمع" ( 3/125)
(6) "المجمع" ( 4/51)
(7) "المجمع" ( 4/217)
(8) "المجمع" ( 4/294)
(9) "المجمع" ( 5/147)
(10) "المجمع" ( 6/228)
(11) "المجمع" ( 10/63)
(12) "المجمع" ( 10/64)
(13) "المجمع" ( 10/221)
(14) "المجمع" ( 10/240)
(15) "المجمع" ( 4/341)
(16) "المجمع" ( 5/303)
(17) "المجمع" ( 7/48)
(18) "المجمع" ( 9/78)(1/159)
"حسن الحديث على ضعفه" (1).
"وثق" (2).
وهذه الألفاظ مع تنوعها ، لا تضاد فيها ولا تهاتر.
ومن هذا النوع : على بن زيد. وهو لا ينزل عن درجة من قبلة إلا قليلاً ، لأن من ضعفه أكثر ، لكن حديثه حسن في الغالب ، وربما ضعف.
قال فيه الشيخ :
"ضعيف واختلف في الاحتجاج به" (3).
"فيه كلام وقد وثق" (4).
"ضعيف وقد وثق" (5).
"فيه كلام ، والغالب عليه الضعف" (6).
"فيه ضعف ، ومع ذلك فحديثه حسن" (7).
"ضعف لسوء حفظه" (8).
#243#
"فيه ضعف ، ويحسن حديثه في الشواهد" (9).
"سيّء الحفظ" (10).
"حسن الحديث" (11).
"فيه خلاف" (12).
النوع الثاني : في اتحاد العبارات من غير زيادة ولا نقصان :
ومن رواه هذا النوع :
1- قزعة بن سويد ، وهو مختلف فيه.
قال فيه الشيخ :
"وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه البخاري وغيره" (13).
"وثقه ابن عدي وغيره ، وضعفه أحمد وجماعة" (14).
"وثقة ابن معين في رواية ، وابن عدي ، وضعفه الجمهور" (15).
"ضعيف وقد وثق" (16).
2- ومنهم : قيس بن الربيع ، وهو مختلف فيه أيضاً.
#244#
قال فيه الشيخ :
"وثقه شعبه وسفيان ، وضعفه أحمد ويحيي بن معين وغيرهما" (17).
"وثقه شعبه والثوري وغيرهما ، وضعفه ابن معين وأحمد وغيرهما" (18).
"وثقة شعبة والثوري ، وضعفه غيرهما" (19).
"وثقة شعبة والثوري ، وضعفه يحيي القطان" (20).
__________
(1) "المجمع" ( 9/287)
(2) "المجمع" ( 10/15)
(3) "المجمع" ( 1/128)
(4) "المجمع" ( 3/88)
(5) "المجمع" ( 4/116)
(6) "المجمع" ( 4/117)
(7) "المجمع" ( 5/44)
(8) "المجمع" ( 5/74)
(9) "المجمع" ( 5/302)
(10) "المجمع" ( 6/85)
(11) "المجمع" ( 9/312)
(12) "المجمع" ( 10/152)
(13) "المجمع" ( 1/45)
(14) "المجمع" ( 4/176)
(15) "المجمع" ( 6/245)
(16) "المجمع" ( 6/286)
(17) "المجمع" ( 1/158)
(18) "المجمع" ( 4/110)
(19) "المجمع" ( 4/283)
(20) "المجمع" ( 5/42) و (10/95)(1/160)
"وثقة شعبة والثوري ، وفيه ضعف" (1).
"ضعيف ، وقد وثق" (2).
"مختلف فيه" (3).
3- ومن رواته : كثير بن زيد :
قال فيه الشيخ :
"وثقه ابن حبان ، وضعفه غيره" (4).
"وثقه أحمد وغيره ، وفيه كلام" (5).
#245#
"وثقة أحمد وجماعة ، وفيه ضعف" (6).
"وثقه أحمد وغيره ، وضعفه النسائي(7).
"فيه خلاف" (8).
النوع الثالث في معرفة الراوي بعد الجهل به وتغير حكمه فيه.
وهذا النوع من الازدياد هو في سائر العلوم ، لأن العلوم جميعها كسبية ، فكلما زاد الاكتساب زادت المعرفة ، وحصل العلم بالشيء بعد الجهل ، وهذا كثيرا ما يحصل في الكتاب الواحد إذا كان من المطولات ، وهو واقع لا بد ، بل ولمثيله يقع الاختلاف والتعارض والتناقض ، وقد بينت طرفا من هذا وقع للحافظ ابن حجر في "الفتح" ، في الجزء الأول من كتابنا "جني الجنتين وسندس الروضتين" وذلك في حديث مهاجر أم قيس ، وحديث "نية المؤمن خير من عمله ، حيث تعارضت فتاوى الحافظ فيهما ، ما بين أول "الفتح" وآخره ، الذي قضى فيه نحواً من ربع قرن من الزمن.
فمثل هذا الزمان الطويل يقف فيه على علوم لم يكن عرف مثلها فيما مضى من الزمان ، ويطلع فيه على روايات وطرق ، وأجزاء وكتب ، لم يكن سمع بوجودها أصلاً ، وهذا لا ينزل من رتبته شيئاً أبداً ، فالفتح هو "الفتح" ، والحافظ هو "الحافظ".
وقد مثلت على هذا النوع عند الشيخ رحمه الله في.
الأول : على بن عاصم.
قال فيه الشيخ أولاً :
#246#
"لم أر من ترجمه" (9).
ثم إنه وجده رحمه الله من بعد فقال :
"كان كثير الغلط ، وينبه على ذلك ، فلا يرجع ، ويحتقر الحفاظ" (10).
ثم إنه علم أن ثمة من وثقه فقال :
__________
(1) "المجمع" ( 5/146)
(2) "المجمع" ( 9/166)
(3) "المجمع" ( 9/170)
(4) "المجمع" ( 2/140)
(5) "المجمع" ( 4/14)
(6) "المجمع" ( 4/66)
(7) "المجمع" ( 5/245)
(8) "المجمع" ( 9/411)
(9) "المجمع" ( 1/172)
(10) "المجمع" ( 1/209)(1/161)
"فيه ضعف ، وقد وثق" (1).
ثم كان آخر ما جاء في "المجمع" فيه : "ضعيف لكثرة غلطه ، وتماديه فيه ، وقد وثق" (2).
الثاني : مسلم بن خالد الزنجي :
فإنه قال فيه :
"ضعيف وقد وثقه ابن حبان" (3).
ثم قال : "فيه كلام ، وقد وثق" (4).
ثم قال : "ضعيف ، وقد وثق" (5).
ثم قال : "ضعيف" (6).
#247#
ثم قال: وثقة ابن معين وابن حبان ، وضعفه جماعة" (7).
ثم قال : وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه أحمد وغيره" (8).
ثم قال : "الجمهور ضعفه ، وقد وثق" (9).
ثم قال : "وثق" (10).
قلت : فمثل هذا لا ينشأ عن اختلاف اللفظ ، وإنما هو ناشئ عن تغير المعرفة ، إذ لا وجه للجمع بين لفظيه الرابع والأخير ، وقد أفردهما هكذا ، دون استدراك ولا تعقيب.
هذا آخر ما أردنا حكايته في وصف هذا الكتاب النفيس ، العزيز المنال ، الغزير الفوائد ، الذي لا يستغنى عنه ، طالب علم ، ولا معلم.
والحمد لله رب العالمين.
#248#
10- بغية الباحث عن زوائد الحارث" :
للإمام الهيثمي أيضاً.
جمع فيه زوائد "مسند الحارث بن أبي أسامة" المتوفى سنة مائتين واثنتين وثمانين للهجرة ، على الكتب الستة ، وقد رتبه على الأبواب ، ذاكراً الأحاديث بأسانيدها.
وقد بدأه بكتاب الإيمان ، وختمه بكتاب صفة الجنة.
صنفه رحمه الله بأمر شيخه – كباقي الكتب – زين الدين العراقي ، وحض ابن شيخه أبي زرعة العراقي.
والكتاب مخطوط(11).
قال الشيخ في مطلعه :
[
__________
(1) "المجمع" ( 4/19)
(2) "المجمع" ( 6/179)
(3) "المجمع" ( 2/91)
(4) "المجمع" ( 3/192)
(5) "المجمع" ( 3/260)
(6) "المجمع" ( 4/50)
(7) "المجمع" ( 4/142)
(8) "المجمع" ( 4/185)
(9) "المجمع" ( 5/45)
(10) "المجمع" ( 10/193)
(11) عدد أوراقه مائة وتسع وثلاثون ورقة ، متوسط الحج ، وخطه رديء قديم ، وقد حققه الأستاذ حسين أحمد صالح البكرري ، وقدمه للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، كرسالة دكتوراه.(1/162)
إن سيّدي وشيخي شيخ الإسلام زين الدين أبا الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي – أحسن الله إليه وأرضاه ، وجعل الجنة مثوانا ومثواه – أهلّني لإقراء كتب ، فسررت بذلك.
#249#
ثم أمرني بتخريج زوائد الحارث بن أبي أسامة...
فجمعتها من نسخة في تجزئة سبعة وثلاثين جزءاً ، فوجدتها ناقصة الجزء الثالث عشر ، ومقداره عشر أوراق أو نحوها ، وصفحة من أول الجزء الحادي عشر ، وصفحة من أول الجزء الأخير ، وأنا أتطلب ذلك إلى الآن ، ولم أجدها ، وعسى أن يسهلها الله بمنه وفضله ، آمين] (1).
#250#
11- "موارد الظمأن إلى زوائد ابن حبان" :
للشيخ الهيثمي أيضاً رحمه الله.
إلا أنه يختلف عن سائر ما تقدم من الكتب ، لجهة الكتب المراد إخراج الزوائد عليها ، لا من جهة القواعد التي سبق تحريرها. لهذا الفن ، وهذه الصنعة ، فإنه رحمه الله ، جمع فيه زوائد "صحيح ابن حبان" على "الصحيحين" البخاري ومسلم ، لا على الكتب الستة ، كما هو في الكتب المتقدمة.
ورجّح اختياره هذا ، بعدم الجدوى والفائدة من عزو الحديث لابن حبان ، ما دام موجوداً في الصحيحين أو أحدهما.
والكتاب مطبوع(2).
قال الشيخ في مقدمته(3) :
[وقد رأيت أن أفرد زوائد "صحيح أبي حاتم ابن حبان ، محمد بن حبان البستي" رضي الله عنه ، على صحيح البخاري ومسلم رضي الله عنهما ، مرتبا ذلك على كتب فقه أذكرها ، لكي يسهل الكشف منها.
#251#
فإنه لا فائدة من عزو الحديث إلى "صحيح ابن حبان" مع كونه في شيء منهما.
__________
(1) 1/1) عن المصورة ، نقلا عن الدكتور الأحدب – (ص54).
(2) حققه الشيخ عبد الرحمن حمزة ، ونشرته المكتبة السلفية في القاهرة.
(3) "موارد الظمأن" (ص28).(1/163)
وأردت أن أذكر الصحابي فقط ، واسقط السند اعتماداً على تصحيحه ، فأشار على سيدي الشيخ الإمام العلامة الحافظ ولي الدين أبو زُرْعة .. بأن أذكر الحديث بسنده ، لأن فيه أحاديث تكلم فيها بعض الحفاظ ، فرأيت ذلك هو الصواب ، فجمعت زوائده ، ورتبتها على كتب أذكرها وهي... ] انتهى.
#252#
12-"إتحاف الخيرة المهرة بزاوئد المسانيد العشرة" :
للإمام شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الكناني البوصيري المتوفى سنة أربعين وثمانمائة للهجرة ، جمع فيه زوائد المسانيد العشرة ، على الكتب الستة.
وعني بالمسانيد العشرة هذه :
1- "مسند أبي داود الطيالسي" سليمان بن أحمد (204) هـ.
2- "مسند الحميدي" أبي بكر ، عبد الله بن الزبير (219)هـ.
3- "مسند مسدد بن مسرهد" الأسدي (228) هـ.
4- "مسند ابن أبي شيبة" أبي بكر ، عبد الله بن محمد (235) هـ.
5- "مسند إسحاق" بن راهوية (1)(238) هـ.
6- "مسند ابن أبي عمر العدني" محمد بن يحيي (243)هـ.
7- "مسند أحمد بن منيع" البغوي الأصم (244) هـ.
8- "مسند عبد بن حميد" الكشي (249) هـ.
#253#
9- "مسند الحارث بن أبي أسامة" التميمي (282) هـ.
10- "مسند أبي يعلى الموصلي الكبير" أحمد بن علي (307) هـ.
والكتاب مخطوط(2).
__________
(1) وقد سقط منه أجزاء.
(2) يوجد منه صورة في مكتبة الجامعة الإسلامية عن الأصل الذي بدار الكتب المصرية ، في ثمانية مجلدات ، وهي ناقصة من بعض أجزائها ، بعض الأوراق من وسطها نقصا كبيرا.
وذكر محقق "مصباح الزجاجة" (1/15) : أن الموجود منها : الجزء الأول والثالث والرابع ، وسقط الجزء الثاني ، وقد كتب الجزء الثالث بخط المؤلف في سنة (822) هـ ، وعدد أسطره يتراوح بين (185) إلى (21) سطرا ، وعدد أوراقه (869) ورقة.(1/164)
وقد رتب الشيخ كتابه على الكتب والأبواب ، ذكر منها مائة وأربعة كتب. وأورد الأحاديث بأسانيدها ، وتكلم عليها قبولاً ورداً ، اللهم إلا ما كان من جنس الآثار ، الأحاديث غير المرفوعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الموقوفة على الصحابة ، فإنه لم يتكلم عليها بشيء.
وللشيخ البوصيري رحمه الله طريقته في الإيراد والتعاليق ، والكلام على الحديث ، بما لا يبعد عن طريقة الشيخ الهيثمي رحمه الله ، من حيث الأصل ، ولكن بزيادة تدقيق ، وبسط كلام على صحة الحديث وضعفه ، بما لا تجده على نحوه عند الشيخ الهيثمي.
واللاحق يستفيد من السابق ، والمتقدم يخبر المتأخر ، فعلي القطع قد استفاد البوصيري من الهيثمي ، سيما وقد تخرج بابن حجر في حياة شيخه العراقي ، الذي ولا شك أطلع منه على هذا الفن وأصوله ، حتى تتابع هؤلاء على العمل به.
#254#
وقد كشف الشيخ البوصيري رحمة الله. عن منهجه في "الإتحاف" وطريقته فقال(1).
[فإن كان الحديث في الكتب الستة – البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه – أو أحدها من طريق صحابي واحد(2) ، لم أخرجه إلا أن يكون الحديث فيه زيادة ، عند أحد المسانيد المذكورة تدل على حكم(3).
فأخرجه بتمامه ، ثم أقول في آخره : "رواه أو بعضهم باختصار" وربما بينت الزيادة ، مع ما أضمه إليه من مسندي أحمد بن حنبل ، والبزار ، وصحيح ابن حبان ، وغيرها كما سيري إن شاء الله.
__________
(1) "إتحاف الخيرة" (1/2-3) عن النسخة المصورة.
(2) أي هو نفسه في المسانيد العشرة أو أحدها ، وفي الكتب الستة أو أحدها.
(3) فقوله هذا ، هو الذي حكيناه في قاعدتنا ، وعبرنا عنه بـ "الزيادة المفيدة".(1/165)
وإذا كان الحديث من طريق صحابيين فأكثر ، وانفرد أحد المسانيد بإخراج طريق فيه – ليس عند الستة أو أحدهم – أخرجته – في الزوائد – وإن كان المتن واحداً ، هو نفسه عند أحد المسانيد أو أحد الكتب الستة – وأنبه عقب الحديث. أنه في "الكتب الستة" أو أحدهما من طريق فلان – الذي هو غير الصحابي المخرج حديثه في الزوائد – مثلا إن كان (1) – لئلا يظن أن ذلك وهم(2).
#255#
فإن لم يكن الحديث – يعني المتن – في "الكتب الستة" أو أحدها ، من طريق صحابي آخر(3) – ورأيته في غير "الكتب الستة" نبهت عليه للفائدة ، وليعلم أن الحديث ليس بفرد.
وإن كان الحديث في مسندين فأكثر ، من طريق صحابي واحد ، أوردته بطرقه في موضع واحد إن اختلف الإسناد ، وكذات إن اتحد. بأن رواه بعض أصحاب الأسانيد معنعناً ، وبعضهم صرح فيه بالتحديث.
فإن اتفقت الأسانيد في إسناد واحد ، ذكرت الأول منهما ، ثم أحيل عليه.
وإن كان الحديث في مسند – واحد – بطريقين فأكثر ، أذكر صاحب المسند في أول الإسناد ، ولم أذكره في الثاني ولا ما بعده ، بل أقول : قال. ما لم يحصل اشتباه.
هذا كله في الإسناد.
أما في المتن :
فإن اتفقت المسانيد على متن بلفظ واحد ، سقت متن المسند الأول حسب. ثم أحيل ما بعده عليه.
وإن اختلفت ، ذكرت كل مسند.
__________
(1) قوله "إن كان" لا بد منه ، لأن الحديث قد يكون جاء عن صحابيين ، ليس لأحد منهما وجود في الكتب الستة ، فإذا جاء حديث أحدهما في أحد المسانيد العشرة ، لم يكن على البوصيري أن ينبه لوجود الحديث الآخر ، لأنه ليس عند الستة أو أحدهم.
(2) وهذه القاعدة وهي الشطر الثاني من قواعد علم الزوائد ، والتي تتعلق بالصحابي فقط ، راوي المتن ، إذ القاعدة عند أهل الحديث ، أن المتن إن جاء عن صحابين – ولو بنفس اللفظ – عدد حديثين ، لا حديثا واحدا – كما قدمنا.
(3) كالمثال الذي ضربناه عند قوله "إن كان" في التعليق.(1/166)
وإن اتفق بعض واختلف بعض ، ذكرت المختلف فيه ثم أقول في آخر. فذكره..] انتهى(1).
#256#
وقد امتازت حواشيه وتعليقاته عن الكتب بأمور.
أولها : الحكم على الحديث ، كأن يقول : "هذا إسناد صحيح" ، أو "هذا إسناد ضعيف" وقليلا ما لا يصنع ذلك ، بخلاف الهيثمي ، فإنه لا يحكم على الحديث إلا نادراً جداً ، ويكتفي بالقول : "رجاله ثقات" "رجاله رجال الصحيح" "فيه فلان ضعيف ، وباقي رجاله ثقات" "رجاله رجال الشيخين" ونحو هذا العبارات ، التي لا تفيد حكماً على الحديث.
فإنك تعلم أن قول الحافظ : "رجاله رجال الصحيح" لا يعني صحة الإسناد ، فقد يكون رجاله رجال الصحيح ، لكنه لا يسلم من انقطاع ، أو شذوذ ، أو علة أخرى ، تضعف الإسناد المذكور.
ثانيها : شرح المعاني الغربية ، أو الحمل الغامضة فإن البوصيري ، قلما يفوته من شرح الغريب والجمل الغامضة شيء ، إلا ما ظن هو أنه لا يحتاج لشرح ، ويكون الأمر عند غيره بخلافه ، وهذا ما لا يفعله الهيثمي.
ثالثها : بسط الحديث عند الكلام على طرق الحديث وشاهده ، ومراعياً الاختصار قدر الإمكان ، بخلاف الشيخ الهيثمي فإنه لا يعرج على هذا البتة ، ولا يطرق بابه ، ثم إن الشيخ البوصيري رحمه الله قد بدا له باد ، وجد له جديد ، أو ربما أراد أن يحذو حذو الهيثمي ، فاختصر الكتاب ، وجرده من أسانيده ، وسماه : "مختصر إتحاف الخيرة المهرة ، بزوائد المسانيد العشرة" وهو مخطوط ، على نقص فيه(2).
وقد أجّلت بقية الكلام على عمل الشيخ البوصيري رحمه الله ، أذكره عند الحديث على الكتاب الثاني له ، وهو :
#257#
__________
(1) جميع ما وجد في قوله بين علامتين هكذا (ـ.....ـ) فهو من زياداتي لأجل بيان مراده.
(2) وقد ذكر الدكتور الأحدب ، أنه وقف على نسخة ناقصة منه ، في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة (ص56) ، وكذا ذكر محقق "مصباح الزجاجة" (1/15) : وأنه يقع في أربع مجلدات ، وأنه ناقص أيضاً.(1/167)
13- "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" :
للشيخ البوصيري رحمه الله.
جمع فيه زوائد "سنن ابن ماجه" على الكتب الخمسة – البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود.
والكتاب طبع مراراً(1).
وقد بين الشيخ البوصيري رحمه الله طريقته في استخراج زوائد فقال(2) :
[فقال استخرت الله عز وجل في إفراد زوائد الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني ، على الخمسة الأصول : صحيحي
#258#
البخاري ومسلم ، و-سنن – أبي داود ، والترمذي ، والنسائي في الصغرى رواية ابن السني.
فإن كان الحديث في الكتب الخمسة أو أحدهم ، من طريق صحابي واحد ، لم أخرجه إلا أن يكون فيه زيادة عند ابن ماجه تدل على حكم.
وإن كان من طريق صحابيين فأكثر ، وانفرد ابن ماجه بإخراج طريق منها أخرجته ، ولو كان المتن واحداً ، وأنبه عقب كل حديث أنه في الكتب الخمسة المذكورة ، أو أحدها ، من طريق فلان مثلا إن كان.
فإن لم يكن ، ورأيت الحديث في غيرها نبهت عليه للفائدة ، وليعلم أن الحديث ليس بفرد ، ثم أتكلم على كل إسناد بما يليق بحاله من صحة ، وحسن ، وضعف ، وغير ذلك ، وما سكت عليه ففيه نظر.
وهذا ترتيب كتبه أذكرها ليسهل الكشف منها ، وهي...
وسميته "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه".
__________
(1) طبع أولا في المكتبة العربية في بيروت ، أو الدار العربية للطباعة والنشر (1402- 1983) بتحقيق محمد المنتقي الكشناوي. في مجلدين في أربعة أجزاء. وهي طبعة سقيمة مشحونة بالسقط والتحريف والتصحيف ، والأخطاء الإملائية ، وعدم ضبط العبارات. ثم عاد فطبع في بيروت في مجلدين ، في دار الجنان – مركز الخدمات والأبحاث الثقافية – سنة (1406- 1986) بتحقيق كمال يوسف الحوت ، ولم تزل فيه أشياء بحاجة إلى إصلاح ، قد أصلحناها في "إجابة الفحول" جميعها ، وعلقنا على البوصيري فيما وجدنا أن التعليق لازم ، والحمد لله.
(2) "مصباح الزجاج" (1/40) ط دار الجنان (1406) هـ.(1/168)
وقد أخبرني بجميع سنن الإمام أبي عبد الله بن ماجه إذنا خاصا شيخنا.. العراقي. وأخبرني شيخنا الإمام... ابن حجر العسقلاني...] انتهى.
وحيث أن "المصباح" الوحيد من كتبه الذي بلغنا صحيحا من غير خرم ولا سقط ، وكنت اشتغلت عليه في "إجابة الفحول في إدخال سنن ابن ماجه على جامع الأصول : فقد آثرت الحديث على منهجه من خلاله ، سيما وقد كنت من قبل تكلمت عليه في "الديباجة على سنن ابن ماجه" (1).
#259#
وقد تتبعت جميع زوائده في هذا الكتاب ، فألفيتها متقنةً ، منضبطةً مع ما أصلنا من كلامه وكلام شيخه ، وشيخ شيخه ، ومن أتى بعدهم ، على نحو كأنه يخرج من مشكاة واحدة ، لشيخ واحد.
وأول ما نفصله في مقامنا هذا :
1- الأول : تشدده في اللفظ في إخراج الزوائد :
أ- ومن أمثلته : حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب ، فإن الله يطعمهم ويسقيهم" قال في الزوائد بعد إيراده(2) :
[رواه الترمذي في الجامع – يعني في السنن – عن أبي كريب عن بكر بن يونس ، خلا قوله : "الشراب" ، فلذلك أوردته في الزوائد] انتهى.
ب- ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في معاملة أهل خيبر ، ولفظه عند ابن ماجه : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى خيبر أهلها على النصف ، نخلها وأرضها".
فقد أخرج البوصيري هذا الحديث في الزوائد(3) ، وتكلم على رجاله ثم قال : "وله شاهد من حديث ابن عمر ، رواه الشيخان وغيرهما ، وقال الترمذي : وفي الباب عن أنس وابن عباس وزيد بن ثابت وجابر" انتهى كلام البوصيري.
لكن الحديث عند أبي داود عن ابن عباس في رواية مطولة ، وفيها -:
#260#
__________
(1) مقدمة "إجابة الفحول" (1/13-55).
(2) "مصباح الزجاجة" (1196) (2/207) ، والحديث عند ابن ماجه برقم (1820) في الزكاة.
(3) "مصباح الزجاجة" (872) (5/54).(1/169)
"فحرز النخل وقال : فإن إليّ جزاز النخل ، وأعطيكم نصف الذي قلت" وفي تمام الحديث أنهم قبلوا ذلك(1). فهو حديث ابن ماجه.
وكدت أقطع أن البوصيري وهم في إيراده في الزوائد ، حتى رأيته لم يعلم على رواية ابن ماجه(2) الأخرى المطولة لهذا الحديث ، كما عند أبي داود ، التي أخرجها ابن ماجه في الرهون.
فعلمت أنه أخرج الحديث وهو مستحضر لرواية أبي داود – والله أعلم – إلا أنه رأى فيها ذكر الأرض ، فتكون المقاسمة على النخيل ، وعلى ما يزرع من الخضروات في الأرض ، وظاهر رواية أبي داود أن المقاسمة كانت على النخيل حسب.
ج- ومن هذا ، حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهراً" وفي لفظ آخر "أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان".
هذان اللفظان لابن ماجه(3).
والحديث قد أخرجه. أبو داود بلفظ(4) : "إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه باطل".
ومع ذلك فقد أخرج البوصيري رحمه الله الحديث في الزوائد(5) وقال :
#261#
[هذا إسناد فيه مندل بن علي ، وهو ضعيف ، رواه أبو داود في سننه من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نكح لعبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل" قال أبو داود : هذا الحديث ضعيف ، وهو موقوف ، وهو قول ابن عمر] انتهى كلام البوصيري.
والحق أنه ليس من خلاف بين لفظي ابن ماجه وأبي داود ، في ظاهر الأمر ، لأن الرجل لا يكون عاهراً أو زانياً إلا إذا لم يكن ناكحاً نكاحاً صحيحاً ، فكأنه قال : "فنكاحه باطل".
__________
(1) "سنن أبي داود" (3410) و (3411) و (3412).
(2) "سنن ابن ماجه" رقم (2468).
(3) "سنن ابن ماجه" رقم (1959) و (1960).
(4) "سنن أبي داود" رقم (2079)
(5) "مصباح الزجاجة" رقم (710)(1/170)
إلا أن الذي ما زلنا نقرره أن الألفاظ بعضها أصرح من بعض ، وقد بحكم على المساواة بينهما ببادئ الرأي ، فإذا تطلبت الألفاظ عند شداد المسائل رأيت الجواب في بعضها دون.
فمن نظر في صحة نكاح العبد بغير إذن سيده ، وهل ينعقد به النكاح ، اختار لفظ أبي داود ، وقويت حجته ، وبان رسوخ دليله.
وقد يدرأ الحدّ عن العبد ، وإن حكم ببطلان النكاح ، بحجة أن الحدود تدرأ بالشبهات ، فإذا طالعه لفظ ابن ماجه ، قرت به عينه ، وصلحت فتواه. إن كان العبد عارفا بهذا. فلا شك أن لفظ ابن ماجه أقرب لجواز إقامة الحد عليه من لفظ أبي داود. سواء ، أفتيت بذلك أم لا.
وقد عمل الأئمة الأربعة بالحديث فقالوا : لا يصح نكاح العبد بغير إذن سيّده ، ثم اختلفوا :
فقال مالك وأبو حنيفة : إذا أجاز ذلك بعد العقد صح.
وقال الشافعي وأحمد : لا يصير العقد صحيحاً ولو أجازه من بعد(1).
#262#
والرأي عندي أنهم إنما اتفقوا على ذلك لدلالة اللفظ الواضح ، ولو لم يأت النص بهذا ، وكان على رواية ابن ماجه ، ربما وقع اختلاف. بصرف النظر عما إذا كان في النصوص ما هو غير هذا في الباب – والله أعلم.
2-الثاني : بيان ما أخطأ فيه من الأحاديث فأخرجها في الزوائد وهي ليست فيها:
أ- من ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود والنصاري".
فقال في الزوائد(2) :
[هذا إسناد فيه مقال ، عبد الرحمن بن عباس لم أر من ضعفه ، ولم من وثقه ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيه.
__________
(1) "عون المعبود" (6/65).
(2) "مصباح الزجاجة" رقم الحديث (934) ص (2/86).(1/171)
رواه أبو داود في سننه من طريق عمرو بن شعيب بلفظ "دية المعاهد نصف دية الحر" ورواه الترمذي بلفظ : "دية عقل الكافر ، نصف دية عقل المؤمن" وقال : حديث حسن. انتهى. ورواه الإمام أحمد في مسنده ، والدار قطني في سننه عن عمرو عن أبيه عن جده أيضاً] انتهى كلام البوصيري.
قلت : ولو كان سلم له هذا لكان أصاب ، إذ يبقى الخلاف بين اللفظين في "المعاهد" و "الكتابي" وبين اللفظين تفاوت لا يخفي.
وأما "الحر" فالمراد به المسلم قطعا ، وكذا لفظ الترمذي فهو مختلف.
#263#
وعليه فلا مانع من إخراجه في الزوائد.
لكن وهم البوصيري رحمه الله ، فالحديث عند النسائي ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، بمثل الذي عند ابن ماجه ولفظه : "عقل أهل الذمة ، نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود والنصارى" (1).
فإن قلت : لكن بقي الاختلاف بين رواية ابن ماجه والنسائي ، بأن في الأولي "أهل الكتابين" وفي الثانية "أهل الذمة" وقد يدخل في أهل الذمة من ليسوا بأهل كتاب ، كالمجوس وغيرهم ، وهو رأي بعض الصحابة ، والتابعين والفقهاء.
فالجواب : أن آخر الحديث بين أوله ، وسقط الخلاف المزعوم ، حيث قرر في كل من اللفظ الأول والثاني المقصود : "هم اليهود والنصارى".
فإن قلت : قد خرج قوله "وهم اليهود والنصارى" مخرج الغالب في أهل الذمة ، وليس المراد الحصر.
قلنا : وعليه أيضاً فلا يكون الحديث من الزوائد ، لأن لفظ "أهل الذمة" جاء عند النسائي ولفظ "أهل الكتابين" جاء عند ابن ماجه ، وقد وسعت بقولك المراد من لفظ النسائي ، على لفظ ابن ماجه ، فلم يعد في لفظ ابن ماجه زيادة معني على لفظ النسائي ، وانتفت شبهتك ، وانتفت شبهتك في جعل الحديث من الزوائد.
فتبيّن من هذا أن الشيخ البوصيري رحمه الله قد وهم فيه.
ب-ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
#264#
__________
(1) أنظر "إجابة الفحول" (2493) ففيه ألفاظ الأربعة.(1/172)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لا عمري ، فمن أعمر شيئاً فهو له" هذا لفظ النسائي فيه ، وله ألفاظ أخرى عنده ، وللحديث ألفاظ أخرى عند البخاري ومسلم وأبي داود ليست بهذا التمام(1).
والحديث بهذا اللفظ المنسوب للنسائي ، قد أخرجه ابن ماجه.
فأورده البوصيري في الزوائد(2) وقال :
[هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة ، مقتصراً على قوله "العمري جائزة" ، وله شاهد من حديث جابر ، رواه الستة ، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث زيد بن ثابت] انتهى كلامه.
والخلاصة مما تقدم أن الشيخ رحمه الله أدخل في الزوائد أحاديث ليست منها ، وكذا فإن في بعض ما أدخله وهو يعلم وجود لفظه الذي في الستة – منازعة.
وقد تتبعت جميع ذلك عليه وأحصيته ، فتجاوز المائة ، فأتبعته بحاشية أسميتها "إسعاف ذوي الحاجة بمعرفة زوائد ابن ماجه".
والذي يرجع لكتابنا "إجابة الفحول" يقف على الذي تعقبته فيه.
ومنه يعرف أن عدد أحاديث زوائده لا تبلغ القدر الذي ذكره البوصيري في آخر الكتاب حين قال(3) :
#265#
[وفيه – يعني المصباح – من الأحاديث الصحيحة والضعيفة ، ألف وخمسمائة وثلاثين حديثاً] (4) انتهى.
هذا آخر الكلام عن "المصباح".
#266#
14- "فوائد المنتقي لزوائد البيقهي" :
للبوصيري أيضاً :
جمع فيه زوائد "السنن الكبرى" للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، على الكتب الستة.
قال السخاوي : "إنه يقع في مجلدين أو ثلاثة" (5). ونقله عنه في "معجم المؤلفين".
__________
(1) أنظر "إجابة الفحول" (6001)
(2) "مصباح الزجاجة" رقم (840) صفحة (2/39)
(3) "مصباح الزجاجة (2/361).
(4) مع أن الذي أحصيناه ألف وخمسمائة واثنين وخمسين بالمكرر ، فلعله أراد سوى المكرر.
(5) "الضوء اللامع" (1/251) و "معجم المؤلفين" (1/175).(1/173)
قلت : وما أظن هذا إلا من تهور السخاوي وتخميناته ، فأقل ما يمكن أن يكون الكتاب ضعف هذا.
كيف ؟ !
وفي سنن البيهقي نحواً من ثلاثين ألف حديث ، وما في الكتب الستة ، لا يبلغ من غير المكرر أحد عشر ألفاً إلا شيئاً يسيراً ، كما بيناه في "إجابة الفحول".
ثم تأمل قوله : "أو".
فلعله نسى ، أو لم يستحضر ، أو حاول تقدير أوراقه.
#267#
والحاصل أن الكتاب مصنّف(1) ، لكنه غير موجود.
وكنت في غابر الأيام أشك بوجوده ، حتى رأيت ذكره عن لسان الشيخ البوصيري غير مرة في "المصباج".
فقال عند باب التلبينه في حديث عائشة رضي الله عنها :
"... ورواه البيهقي في الكبرى عن الحاكم ، وسياقه أتم ، كما بينته في زوائد البيهقي على "الكتب الستة" (2).
وذكر عند باب اللعان.
عند حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : "أربع من النساء لا ملاعنة بينهن...".
قال(3) :
[ورواه الحاكم في المستدرك من طريق يحيي بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن شعيب به ، ورواه البيهقي في الكبرى عن الحاكم ، وقال البيهقي :
يحيي بن أبي أنيسة متروك ، وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس ، رواه ابن ماجه وابن عدى والبيهقي كما بينته في زوائد البيهقي] ... انتهى.
وذكر نحو هذا في باب ما جاء في البكاء على الميت(4).
قلت : ففهم مما تقدم أشياء :
أولها : أنه أخرج زوائد أحاديث السنن على الكتب الستة.
#268#
ثانيها : أن تصنيفه لزوائد البيهقي ، سابق لتصنيفه "المصباح".
ثالثها : أنه تكلم على الحاشية للزوائد ، بنحو الذي صنعه في "المصباح".
#269#
15- "تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب" (5) :
__________
(1) حيث ذكره السخاوي كما تقدم (1/251) ، وذكره في "ذيل طبقات الحفاظ"
(379- 380) ، و "الرسالة المستطرفة" (170- 171).
(2) "مصباح الزجاجة" (1197) (2/208)
(3) "مصباح الزجاج" رقم (736) (1/357)
(4) "مصباح الزجاجة" رقم (580) (1/283).
(5) "كشف الظنون" (3/245) "شذرات الذهب" (7/234)(1/174)
للشهاب البوصيري أيضاً :
قال الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" (1) :
[وجمع من مسند الفردوس وغيره أحاديث ، أراد أن يذيل بها على الترغيب والترهيب للمنذري ، ولم يبيضه ، وسماه : "تحفه الحبيب للحبيب ، بالزوائد في الترغيب والترهيب]. انتهى.
وقال صاحب "الضوء" (2) :
[والتقط من هذه الزوائد – التي صنفها – ومن مسند الفردوس كتاباً ، جعله ذيلاً على الترغيب والترهيب للمنذري ، سماه "تحفة الحبيب للحبيب ، بالزوائد في التغريب والترهيب" ، ومات قبل أن يبضه ويهذبه ، وبيضه من مسودته ولده ، على خلل فيه]. انتهى :
قلت : والكتاب غير موجود الآن.
#270#
لكن علم مما تقدم أنه أراد أن يزيد على الترغيب والترهيب الأحاديث التي ليست فيه من كتبه التي صنفها في الزوائد ، مضمومة مع مسند الفردوس.
وهذا العمل هو نحو الذي صنعه الحافظ ابن كثير رحمه الله في "جامع المسانيد والسنن" الذي سبقت الإشارة إليه ، مع اختلاف أسماء الكتب والمواضيع.
والذي كان هناك ينكر أن يدخل مثل هذا في علم الزوائد ، فالواجب أن يستروح هنا ، ويقضي بالذي قررناه هناك ، وأن يحمل بأجناد تسمية هذا الكتاب الذي هنا على شك ارتيابه فيبدده.
وكان هذا آخر ما صنف الشيخ البوصيري رحمه الله فيما بلغنا. والله أعلم.
#271#
16- "زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة" :
للحافظ ابن حجر العسقلاني.
جمع فيه زوائد "مسند الحارث بن أبي أسامة" على الكتب الستة ، ومسند أحمد. وقد ذكره صاحب "فهرس الفهارس والإثبات" (3).
وسيأتي الكلام عليه ، حيث أن الحافظ بعد ، أدخله في "المطالب العالية" له ، مع بقية زوائد مسانيد أخرى.
والكتاب بمفرده غير موجود.
#272#
17- "زوائد مسند أحمد بن منيع" :
للحافظ أيضاً.
جمع فيه زوائد "مسند أحمد بن منيع" على الكتب الستة ، ومسند أحمد بن حنبل. ثم أنه عاد فضمه لسابقه ، كما سيأتي الكلام عليه.
__________
(1) "إنباء الغمر" (8/432)
(2) "الضوء اللامع" (3/251).
(3) صفحة (1/334).(1/175)
وهو بمفرده غير موجود(1).
#273#
18- "زوائد الأدب المفرد للبخاري" :
له أيضاً.
جمع فيه زوائد "الأدب المفرد" للبخاري على الكتب الستة(2).
#274#
19- "زوائد مسند البزار" (3) :
له أيضاً :
جمع فيه زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد ، وهو مختصر كتاب شيخه الذي ذكرناه قبل ، فإنه انتزع منه الأحاديث التي في مسند أحمد ، لعله ذكرها يأتي التنبيه عليها بعد.
#275#
والكتاب له نسخ خطية جلية ، وهو مطبوع(4).
قال الحافظ رحمه الله في مطلع الكتاب بعد التحميد :
[
__________
(1) نبه عليه الدكتور شاكر عبد المنعم في كتابه "ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته" (1/424) ولم يزد على ذلك.
(2) أنظر "فهرس الفهارس والإثبات" (1/334).
(3) وقد وقع له أسماء غير هذا :
ففي "النظم" للسيوطي (ص48) : "المنتخب في زوائد البزار على الكتب الستة ومسند أحمد" وفي عنوان الزمان" للبقاعي (وكتابه مخطوط بدار الكتب المصرية) عن مصورة (ق51) : "المنتخب من مسند البزار مما ليس في الستة ولا مسند أحمد" وفي "فهرس الفهارس" (1/335) "المختار المعتمد من مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد".
وفي "مقدمة تحفه الأحوذي" (1/90) : "مسند البزار وزوائده على مسند أحمد والكتب الستة".
وفي بعض النسخ المصورة "زوائد مسند أبي بكر البزار على مسند الإمام أحمد والكتب الستة" أنظر "مختصر زوائد البزار" (1/50) ط- مؤسسة الكتب الثقافية وفي نسخة ثانية "زوائد مسند البزار" (1/53) من نفس الكتاب.
وقد جاء في "كشف الظنون" (2/1682) كان سنة (808) هـ ، بعد موت شيخه بسنة واحدة.
(4) حققه صبري عبد الخالق أبو ذر ، مكتفيا بذكر موضع الحديث في "كشف الأستار" و"المجمع" ، وضبط نصه ، وقدم له تقديما حسنا ، والكتاب طبع مؤسسة الكتب الثقافية 1412 هـ.(1/176)
فإنني لما علقت الأحاديث الزائدة على الكتب الستة ، ومسند أحمد رضي الله عنه ، من جمع شيخنا الإمام أبي الحسن المذكور ، على الكتب الستة أيضاً.
فرأيت أن أفرد ههنا تصنيفه المذكور ، ما انفرد به أبو بكر عن الإمام أحمد ، لأن الحديث إذا كان في المسند الحنبلي لم يحتج إلى غزو إلى مصنف غيره لجلالته و...(1).
فإنني كنت عملت أطراف مسند أحمد تمامه في مجلدتين(2) وحاجتي ماسة إلى الازدياد ، فآثرت هذا المصنف على الاختصار الذي وصفت ، وأضفت إليه كلام الشيخ أبي الحسن على الأحاديث ، مجموعة الذي عمله محذوف الأسانيد ، لأن الكلام على بعض رجال السند عقب السند أولى ، لعدم الوهم ، والله الموفق.
#276#
وزدت جملة من الكلام على الأحاديث ، أقول في أولها : "قلت" والله الموفق] انتهى كلام الحافظ ، وبه تنتهي المقدمة(3).
ولما كان العمل لشيخ الإسلام ، كان أسدّ نهجاً ، وأًضبط إلحاقاً ، وأحسن تصرفاً ، وأكثر صواباً في الكلام على الرواة ، وصحة الأحاديث أو ضعفها ، وشواهدها ، ونحن نذكر إن شاء الله هاهنا ، ما اتصف به هذا الاختصار البارع ، وقد قسمنا هذا لأنواع :
أ- النوع الأول : في طريقة الحافظ في الاختصار للأسانيد والمتون.
__________
(1) سقط بالأصلين ، والمطبوع.
(2) وهذا الكتاب ذكره ابن فهد في "لحظ الألحاظ" (ص333) ، والبقاعي في "عنوان الزمان" (1/ق50) ، و "كشف الظنون (1/7-117) ، و "الرسالة المستطرفة" (169) و"الجواهر والدرر" للسخاوي (ق 24ب ، 154أ) وقال : "وكان حافظ الوقت العراقي كبير الاعتماد عليه في إملائه" ثم ادعى السخاوي أن الكتاب غرق مع بعض مصنفات الحافز في رحلته لليمن سنة (806) هـ. فأوهم فقدانه.
وليس بصحيح ، فيوجد من الكتاب نسختان بمكتبة "داماد إبراهيم باشا باستنبول (18-19) تحت رقم (255- 256) ، وسيصدر قريبا إن شاء الله عن مؤسسة الرسالة بيروت في ثمانية أجزاء ، بتحقيق حمدي السلفي.
(3) "زوائد مسد البزار" (1/59).(1/177)
1-حذف الحديث الذي جاء في المسند ، حذفاً تاماً ، حتى إذا لم يبق للباب حديث حذف الباب من أصله ، فتجد كتاب "الإيمان" بعد أن كان في "كشف الأستار" أربعة وأربعين بابا ، قد أصبح في المختصر ثلاثة أبواب ، لما قدمنا.
2-حذف الإسناد المكرر بتمامه ، ويبدله بقوله : "وبهذا الإسناد" ومثاله :
(77-) حدثنا سليمان بن سيف المراني ، ثنا سعيد بن سلام ، ثنا عمر بن محمد ، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إني لأعرف ناسا ما هم أنبياء ... الحديث".
(88-) وبهذا الإسناد :" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع : نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ... الحديث.
3-اختصار المتون اختصاراً غير مخلّ ، أو حذفه إن كان تقدم.
#277#
ومثاله :
(103-) حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا... عن أبي سعيد قال : كنا جلوسا عند باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتذاكر ، ينزع هذا بآية ، وينزع هذا بآية ، فقال : "يا هؤلاء ألهذا بعثتم ، أبهذا أمرتم ، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".
(104-) حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا عبد الرحمن... عن أنس قال : بمثله(1).
4-يقطع الحديث بحسب الموضوع عند طوله ، ويشير في كل موضع إلى تمامه في الموضع الآخر.
وفي هذا النهج فوائد :
منها : ليسهل الكشف عن الحديث.
ومنها : حتى لا تضيع فائدة الحديث ، كأن يكون الحديث – كما هو آت – في الصلاة والوضوء ، فإن أوره في الصلاة ، لم يجده من طلبه في أبواب الوضوء ، وإن أورده في أبواب الوضوء ، لم يجده من طلبه في الصلاة.
ومنها : شحذ الأذهان على استحضار الطرف الآخر.
ومنها : التذكير بحديث مضي ، وهو مما يسهل الحفظ.
ومن مثال هذا :
[(165-) حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا محمد بن حجر ،
#278#
__________
(1) ونحو هذا الرقمان (115-116) وغيرهما.(1/178)
ثنا ... عن وائل بن حجر قال : شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتى بإناء فيه ماء ، فألقى على يمينه ثلاثا ، ثم غمس بمينه في الماء فغسل بها يساره ثلاثاً ، ثم أدخل يمينه في الإناء فحفن بها حفنة من الماء ، فمضمض واستنشق ثلاثاً ، واستنثر ثلاثاً ، ثم أخذ كفيه في الإناء ، وقال : هذا تمام الوضوء ، ولم أره تنشف بثوب ، ثم نهض إلى المسجد.... فذكر الحديث.
قال ابن حجر : سيأتي في الصلاة إن شاء الله تعالى.
(392-) حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري... عن أوائل بن حجر قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتى بإناء فيه ماء – فذكر الحديث في الوضوء – وقال : "لم أره تنشف بثوب ، ثم نهض إلى المسجد فدخل في المحراب – يعني موضع المحراب – وصف الناس خلفه وعن يمينه وعن يساره وعند صدره ، ثم افتتح القراءة فجهر.... وسلم عن يساره حتى رئي بياض خده الأيمن.
قال ابن حجر : تقدم الكلام عليه في الطهارة] انتهى.
هذا مع أن الحديث كان في "كشف الأستار" الذي هو تأليف شيخه ، في موضع واحد لا في موضعين.
5-الاستدراك على البزار وعلى شيخه عند الحاجة باقتضاب شديد.
فإذا رأي حاجة للتعقيب على البزار أو على شيخه استدرك بغية الاختصار ، ولم يفصل في المقام.
كحديث ابن عباس مرفوعاً : "الحيات مسخ الجنِّ...".
قال البزار : "حديث عبد العزيز ، لا نعلم حدث به إلا معمر".
قال ابن حجر : إسناده صحيح(1).
#279#
وكحديث عائشة مرفوعاً : "باكروا طلب الرزق ، فإن الغدو بكرة ونجاح".
قال البزار : هذا حديث غريب ولم نسمعه إلا من إبراهيم بن سعيد وإسماعيل بن قيس صالح الحديث.
قال ابن حجر : بل ضعفه جماعة(2).
وكحديث أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع : نضر الله امرءاً سمع مقالتي...".
قال البزار :
__________
(1) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (852) (1/495).
(2) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (868) (1/503)(1/179)
سعيد وعمر لا يتابعان على حديثهما.
وقال الشيخ – الهيثمي – : سعيد شيخ سليمان إن كان ابن بزيغ فما عرفت.
وإن كان ابن الربيع ، فهو من رجال الصحيح.
قال ابن حجر : بل هو ابن سلام ، والسلام(1).
وكحديث ابن عباس : "إن لكل عمل شرّة...".
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.
قال ابن حجر : كلا بل مسلم هو ابن كيسان الأعور ، ضعيف جدّاً(2).
#280#
6-توضيح كلام البزار في تعليقاته ، عند الحاجة :
أ- كحديث كعب بن مالك : أن عامر بن مالك قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهدية فقال : "إنا لا نقبل هدية لمشرك".
قال البزار : رفعه ابن المبارك ووصله ، وأرسله عبد الرزاق ، ولا نعلم روى عامر إلا هذا.
قال ابن حجر : الإسناد صحيح غريب ، وابن المبارك أحفظ من عبد الرزاق ، وحديث عبد الرزاق أولى بالصواب. انتهى(3).
ب-وكحديث جابر رضي الله عنه قال : "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة ، ثم انصرف فقال : ها هنا من بني فلان أحد ؟ فلم يجبه أحد.
فقال : ها هنا من بني فلان أحد ؟ ثم أعادها الثالثة.
فقال رجل : أنا يا رسول الله.
فقال : ما منعك أن تقوم.
قال : فرقت يا رسول الله أن يكون حَدَثَ حَدَثٌ.
فقال : إن صاحبكم فلان قد حبس بباب الجنة من أجل دينه.
فقال الرجل : على دينه يا رسول الله.
قال البزار : هكذا رواه مجالد ، ورواه إسماعيل وسعيد بن مسروق ، عن الشعبي عن سمرة.
قال ابن حجر : ومن ذلك الوجه أخرجه أبو داود والنسائي(4).
#281#
ج- وكحديث ابن عباس مرفوعاً : "الوزن وزن أهل المدينة والمكيال مكيال أهل مكة".
قال البزار : لا نعلم أحداً أسنده عن طاووس إلا حنظلة ، ولا رواه عنه إلا الثوري. فاختلف عليه فيه :
__________
(1) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (78) (1/119)
(2) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (502) (1/322)
(3) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (936) (1/535)
(4) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (916) (1/525- 526).(1/180)
فقال الفريابي. عن ابن عمر.
وقال أبو أحمد : عن ابن عباس.
قال ابن حجر : حديث ابن عمر في السنن. انتهى(1).
7-الحكم على بعض الأحاديث بالصحة والضعف.
وكأن الحافظ رحمه الله ، لم يكن يرجع عند كل حديث فيتقصّى فيه ، لمعرفة الحكم ، وإنما تنكشف له صحة بعض هذه الأسانيد أو ضعفها ببادئ النظر ، فيحكم على ما انكشف له من ذلك ، دون ما لم يتبين.
ورأيته كثيرا ما يحكم على حديث ، قد أوهم كلام البزار أو الهيثمي ، خلاف واقع الحديث.
فيحكيان التفرد مثلا للطريق ، مما يشير للضعف غالباً ، ويكون الإسناد صحيحاً ، فينشط للكلام عليه.
أو يقطعان أو أحدهما بتفرد الراوي ، ويكون له متابعا فيذكره.
أو يذكران اختلافاً أو أحدهما على راو فيه ، مما يوهم التعليل ، ويكون أحد المختلفين ضعيفاً ، مما لا يوهن الحديث ، ولا يعلله ، فيشير لضعفه. وأشياء نحو هذا.
#282#
أ- ومن أمثله هذا حديث أنس رضي الله عنه : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس".
قال البزار : لا نعلم رواه عن حفص إلا أسامة.
قال ابن حجر : هو إسناد حسن. انتهى(2).
ب-ومن أمثلته : حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتر بركعة" قال البزار : لا نعلم له طريقا عن جابر أحسن من هذا.
قال ابن حجر : وهو إسناد حسن. انتهى(3).
ج- ومن أمثلته : حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
كسفت الشمس يوم مات إبراهيم ، فقال الناس : إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ... الحديث".
رواه البزار بإسنادين ثم قال :
قال أبو أحمد : كان سفيان حدثنيه عن حبيب بن حسان ، عن الشعبي. ثم حدثناه حبيب.
قال الهيثمي : حبيب ضعيف.
__________
(1) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (876) (1/507)
(2) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (520) (1/330)
(3) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (491- 466) (1/103).(1/181)
قال ابن حجر : الإسناد الأول لا بأس به ، وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه. انتهى(1).
#283#
فرع في الاستدراك على الحافظ رحمه الله :
كان الحافظ رحمه الله قد شرط على نفسه كما قدمت في مقدمته ، وكذا هو ظاهر في تسمية الكتاب ، أن لا يذكر حديثاً في زوائد البزار ، قد أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، لكن الحافظ رحمه الله قد ندت عنه أحاديث ليبست بالقليلة ، تستدرك عليه.
وكان هو بنفسه قد تنبه لبضعة أحاديث ، فاستدرك على نفسه ، وقال : "يحول"(2).
أ- فمن ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد لصلاة الغداة. وإذا رجل يصلي ركعتي الفجر ، فقال : أتصلي الصبح أربعاً ؟
وقد رواه أحمد بمثل الذي هنا ، لكن في أوله "أقيمت الصلاة" والباقي مثله(3).
وحديث البزار ، وإن لم يكن فيه صريح هذا اللفظ ، لكن فيه ما يدلّ عليه.
ب- ومن ذلك حديث أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من بني النجار.
فقال : يا خال : قل لا إله إلا الله.
قال : خالٌ أم عمٌ.
قال : بل خال.
#284#
قال : وخير لي أن أقولها ؟
قال : نعم.
وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده بحروفه من حديث أنس بن مالك(4).
ج- ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر ليلة القدر فقال : "التمسوها في العشر الأواخر ، في وتر منها".
والحديث عند الإمام أحمد بهذا(5). في مسند عمر.
د- ومن ذلك أثر عن عطاء قال : لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المصبوغ بالزعفران قد غُسِلَ.
__________
(1) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (495-466) (1/103)
(2) أنظر الأحاديث رقم (512) (534) (415).
(3) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (334) ، ومسند أحمد رقم (2130).
(4) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (544) ، ومسند أحمد رقم (12545)
(5) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (721) ، وفي مسند الإمام أحمد رقم (298).(1/182)
والحديث في المسند بهذا ، وزاد : "ليس فيه نقص ، ولا ردع" (1).
لكن قد يكون عده من الزوائد وهو عارف بذلك ، على قاعدتنا التي أصلناها من قبل ، في إيراد الحديث المطلق في الزوائد ، ولو كان جاء هو بعينه مقيداً ، في الكتاب ، المخرج عليه. والله أعلم.
هـ- ومن ذلك حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من شاب شيبة في الإسلام ، كانت له نوراً يوم القيامة".
فقال رجل عند ذلك : إن رجالاً ينتفون الشيب.
#285#
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شاء فلينتف نوره".
وقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث بحروفه عن فضالة ، من غير زيادة ، ولا نقصان(2). إلا أنه قال : "في سبيل الله".
فكان الواجب أن ينبه عليه ، أو على الشطر الآخر الذي اتفقا عليه "من شاء فلينتف نوره".
و- ومن ذلك حديث أبي حميد الساعدي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هدايا العمال غلول".
والحديث في مسند أحمد هكذا ، بهذه الحروف تماما ، دون زيادة ، ولا نقصان ، ومن حديث أبي حميد الساعدي(3).
والحاصل أنه حصل له أشياء من أمثال هذا ، وفي بعضها نزاع ، حيث لم يتفق اللفظان تماماً.
والمسلم لنا فيه – والله أعلم – يقع نحو ثلاثين حديثاً(4) ، تستدرك عليه. وتحول من المختصر.
هذا ما أردنا قوله عن المختصر ، وقد آن أوان الارتحال "للمطالب العالية".
#286#
20-"المطالب العالية بزاوائد المسانيد الثمانية" :
للحافظ أيضاً.
__________
(1) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (749) ، وفي مسند الإمام أحمد رقم (3313).
(2) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (1214) ، وفي مسند الإمام أحمد رقم (24007).
(3) "مختصر زوائد مسند البزار" رقم (1265) ، وفي مسند الإمام أحمد رقم (23662).
(4) لا أكثر كما يوهم صنيع محقق المختصر ، فإنه ذكر نحو خمسين ، وزعم أن لها بقية.(1/183)
جمع فيه رحمه الله "زوائد المسانيد العشرة" المتقدم الكلام عليها في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" على الكتب الستة ، ومسند أحمد.
وإنما ذكر ثمانية فقط في اسم الكتاب ، لأن التاسع الذي هو "مسند اسحق بن راهويه" لم يقف إلا على قطعة منه بقدر النصف ، ولأن العاشر كان المقصود به ، ما زاد في الرواية المطوّلة لمسند أبي يعلى، على الرواية المختصرة ، التي كان اعتمدها الهيثمي في "المقصد العلي" ، ثم حولها من بعد للمجمع ، فأراد أن يستدرك هذا النقص ، وكذا ضم للعشرة أيضاً متفرقات يسيرة يأتي ذكرها.
والكتاب الأصل مخطوط ، وله مختصر – بدون ذكر الأسانيد – مطبوع(1).
__________
(1) ولما كان الشيخ حبيب الرحمن الأعظمى قد قام بتحقيق النسخة المختصرة ، المطبوعة في أربعة مجلدات عام (1390) هـ ، ونشرته وزارة الأوقاف الكويتية ، وكان تكبد جهدا في البحث عن نسخة ، أنقل هنا كلامه في مقدمة "المطالب العالية" (1/ك) :
[طالما فتشت عن كتاب "المطالب" في مكاتب الهند والحجاز... فلم أظفر به إلا في المكتبة السعيدية (بحيدر آباد – الهند) في نة (1958) م لكن نسختها عبارة عن النصف الأول من الكتاب فحسب.
وقد كنت قرأت في مقالة للبحاثة الكبير السيد سليمان الندوي في كانون الأول سنة (1926) م أن نسخة منه في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة. فلما زرتها في سنتي (1961) و (1965) فتشت عنه فيها فلم أجحده ، ورأيت في قائمة كتبها فوق اسم الكتاب حرف الميم (م) ، رمزا إلى كونه مفقودا.
ثم أن الله تعالى قد من على إذ أظفرني بنستختين منه. والفضل في ذلك يرجع إلى الشيخ محمد سلطان النمنكاني ، صاحب المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. فإنه تكرم على بإرسال نسخة منه مسندة. وأخرى مجردة من الأسانيد ، اجتلب تصويرهما من تركيا.
المسندة : مشرقية الخط ، عدد أوراقها (84) في كل ورقة صفحتان ، وخطها صغير جدا ، وهي مملوءة بالأغلاط والتصحيفات والتحريفات. ونسخها يرجع لعام (110) هجرية.
المجردة : خطها مشرقي ، نسخت سنة (1113) هجرية ] انتهى باختصار.(1/184)
#287#
قال الحافظ رحمه الله في المقدمة(1) ، بعد الحمد :
[أما بعد فإن الاشتغال بالعلم ، خصوصاً بالحديث النبوي ، من أفضل القربات. وقد جمع أئمتنا من الشتات على المسانيد والأبواب المرتبات ، فرأيت جمع جميع ما وقفت عليه من ذلك في كتاب واحد ، ليسهل الكشف منه على أولى الرغبات ، ثم عدلت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات ، في "الكتب المسندات".
وعنيت بالمشهورات الأصول الستة ، ومسند أحمد ، وعنيت بالمسندات. ما رتب على مسانيد الصحابة.
وقد وقع منها ثمانية كاملات ، وهي :
لأبي داود الطيالسي.
#288#
والحميدي.
وابن أبي عمر.
ومسدّد.
وأحمد بن منيع.
وأبي بكر بن أبي شيبة.
وعبد بن حميد.
والحارث بن أبي أسامة.
ووقع لي أشياء منها كاملة أيضاً كمسند البزار وأبي يعلى والطبراني ، لكن رأيت شيخنا أبا الحسن الهيثمي قد جمع ما فيها وفي مسند أحمد في كتاب مفرد محذوف الأسانيد ، فلم أر أن أزاحمه.
إلا أنني تتبعت ما فاته من مسند أبي يعلى لكونه اقتصر في كتابه على الرواية المختصر(2).
ووقع لي عدة من المسانيد غير مكملة ، كمسند إسحق بن راهوية ، ووقفت منه على قدر النصف ، فتتبعت ما فيه ، فصار ما تتبعته من ذلك من عشرة دواوين.
ووقفت على قطع من عدة مسانيد ، كمسند الحسن بن سفيان ، ومحمد بن هشام السدوسي ، ومحمد بن هارون الروياني ، والهيثم بن كليب وغيرها ، فلم أكتب منها شيئاً لعلي إذا بيضت هذا التصنيف أن أرجع,
#289#
فأتتبع ما فيها من الزوائد ، وأضيف إلى ذلك الأحاديث المتفرقة من الكتب التي على فوائد الشيوخ.
ورتبته على أبواب الأحكام الفقهية ، ثم ذكرت : بدء الخلق...
وسميته : " المطالب العالية بزاوئد المسانيد الثمانية ".
وشرطي فيه :
__________
(1) " المطالب العالية " (1/3).
(2) انظر ما قدمناه في هذا ، عند الحديث عن "المقصد العلي" من قبل.(1/185)
ذكر كل حديث ورد عن صحابي لم يخرجه الأصول السبعة من حديثه ، ولو أخرجوه أو بعضهم من حديث غيره ، مع التنبيه عليه أحياناً ، والله أستعين في جمع الأمور. لا إله إلا هو ]. انتهى كلام الحافظ.
قلت : فتبين مما تقدم ، أن " المطالب العالية " و" إتحاف الخيرة " موضوعهما واحد ، في قواعد علم الزوائد ، وفي تسمية الكتب المراد إخراج زوائدها ، إلا ما زاد الحافظ من شرط لجهة الكتب المراد إخراج الزوائد عليها ، فزادها كتاباً واحداً ، هو المسند للإمام أحمد بن حنبل.
وقد زعم بعض الناس أن البوصيري قد اقتبس من الحافظ أشياء ، مع أن وفاة البوصيري قبل وفاة الحافظ بنحو من اثنتي عشرة سنة.
وربما الذي حملهم على زعمهم أن الحافظ قد عُدَّ في شيوخ البوصيري ، وتشابهت عليهم بعض التعليقات.
لكن بمثل هذا الظن لا يقطع ، سيما وأن أحدهما قد أخذ عن الآخر علماً ، وكثيراً ما يقع الحافر على الحافر في مثل هذا الفن ، المقيّد ، المضبوط ، المتقن ، المحرر أحسن تحرير ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قلت : وقد عملت على "المطالب" أعمالاً بحمد الله ، وأنا أرجو أخري ، يسر الله لي ذلك بمنه وفضله ، ورأيت أشياء فيه يحسن ذكرها للفائدة والتنبيه ، فأحببت ذكرها ، ها هنا:
#290#
أولها : أن الحافظ جري هنا ، على ما كان جري في "مختصر زوائد مسند البزار" من تقطيع الأحاديث بحسب أبوابها.
أ- فقطع حديث إبراهيم بن عبيد بن رفاعة قال : دخلت على جابر بن عبد الله فوجدته جالسا يصلي لأصحابه العصر. وهم جلوس...
أورده في باب الأمر بإتباع الإمام في أفعاله من كتاب الصلاة (1).
ثم عاد فأورده في باب التجميع في البيوت. جزءاً منه (2) المتعلق بالتجميع في البيوت.
ثم عاد فأورد في الوتر وما يتعلق به ، دون ذكر بقية الحديث (3).
__________
(1) " المطالب العالية " رقم (414) صفحة ( 1/114)
(2) " المطالب العالية " رقم (435) صفحة (1/120)
(3) " المطالب العالية " رقم (566) صفحة (1/153)(1/186)
إلا أنه في المواضع الثلاثة لم يشر إلى أنه تقدم أو سيأتي ، لكن يقول في أول الحديث : " فذكر الحديث..." ولا يزيد على هذا.
ب- وقطع حديث قيس بن عاصم أنه أوصى بنيه فقال : وادفنوني حيث لا يراني بكر بن وائل فإني كنت أعاديهم في الجاهلية. (لمسدد) (1).
وقد رأيت أنه لم يشر إلى أن الحديث له طرف ، أو هو جزء من حديث ، مع أن الحديث عاد فأورده بعده ، لكن نسبه لأبي يعلى.
والحديثان جاءا في باب الدفن.
ثم أورد الحديث في باب النهي عن المسألة لمن لا يحتاج إليها وفيه أنه أوصى بنيه عند موته : أوصيكم بتقوى الله.. فذكر الحديث.
#291#
وفيه : " وإياكم والمسألة ، فإنها آخر كسب الرجل " (لمسدد) (2).
فدل هنا على أن للحديث طرف.
ثم أورده في الحديث الذي بعده تماماً وقال : وفيه : " وإياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء ، وإن أحدا لن يسأل إلا بذل حسنة " (لأبي يعلى) (3).
ثم عاد فأورده في فضل صلة الرحم ، من أوله إلى قوله " وإياكم والمسألة " ثم قال : " فذكر الحديث (لمسدد) " (4).
ثم جاء بعده بسياق نحوه ، عن قيس بن عاصم أيضاًَ ونسبه لأبي يعلى.
__________
(1) " المطالب العالية " رقم (777) صفحة (1/218)
(2) " المطالب العالية " رقم (850) صفحة (1/246)
(3) " المطالب العالية " رقم (851) صفحة (1/246)
(4) " المطالب العالية " رقم (2503) صفحة (2/383)(1/187)
- وقد وقفت له على حديث قد قطعه في خمسة وأربعين موضعاً من " المطالب " ، وقد تتبعت هذه المواضع جميعها ، فما رأيته كرر شيئاً منها(1) ، وهو حديث موضوع ، يروي عن أبي هريرة وابن عباس.
ثانيها : في تعقيباته على الأحاديث.
#292#
وهي قليلة جداً ، لا تكاد تتجاوز عشر أحاديث الكتاب . وهي تعليقات مختصرة جداً كالتي أوردناها شواهد على كتاب "مختصر زوائد مسند البزار".
أ- كما في حديث أنس : " مروهم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لثلاث عشرة " أورده ، وقال : " للحارث ، فيه داود ، متروك ". انتهى(2).
ب- وكما في حديث أبي أيوب الأنصاري : أخذ رجل قملة من ثوبه في المسجد ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أعدها في ثوبك ".
قال الحافظ : " لإسحاق ، فيه انقطاع" (3).
ج- وكما في حديث ابن عمر قال : إذا قاموا ثلاثة ، يتقدم أحدهم ، ويتأخر اثنان يصفان خلفه ، قال : وجئت مرة فقمت عن يساره ، فأقاماني عن يمينه. قال الحافظ عقبه : "لمسدد ، صحيح موقوف" (4).
ثالثها : فيما يستدرك على الحافظ رحمه الله في " المطالب " وفيه فرعان :
الأول :
__________
(1) أنظر الأحاديث التي برقم (244) – (351) – ( 419) – (487) – (625) – (765) – (278) – (764) – (882) – (931) – (1056) – (1058) – (1281) – (1308) – (1359) - (1370) -(1382) - (1398) - (1400) - (1403) - (1499) - (1515) - (1530) - (1542) - (1549) - (1886) - (2083) - (2153) - (2163) - (2301) - (2435) - (2480) - (2832) - (2838) - (2844) - (2032) - (2052) - (3189) - (3234) - (2345) - (3514) - (3808) - (3823) - (4215) - (4382) فهذه خمسة وأربعون موضعا ، قد قطع فيها هذا الحديث الواحد.
(2) " المطالب العالية " رقم (349) صفحة (1/97)
(3) " المطالب العالية " رقم (358) صفحة (1/100)
(4) " المطالب العالية " رقم (329) صفحة (1/108)(1/188)
قد كنت قدمت من قبل في الكلام عن " المقصد العلي" في آخره ، أن الحافظ رحمه الله لم يدقق في إخراج الأحاديث التي لم يذكرها الهيثمي في "المقصد" و "المجمع" ، ومثلت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحافظ قد وهم في إيراده لبعض الأحاديث التي هي ليست على شرطة. وما لنا عليه إلا هذا الاستدراك الواحد. ونحن لا ندري حقيقة عذره فيه.
#293#
الثاني :
ما رأيت فيه الشيخ حبيب الرحمن قد استدرك عليه في موضعين ، فإني وجدت الصواب في ذلك مع الحافظ في موضع ، ومع حبيب الرحمن الأعظمى في آخر.
1- أما الموضع الأول الذي وهم فيه الحافظ :
فهو حديث جابر مرفوعا ، قال : " سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون ، فإن عدلوا فلأنفسهم ، وإن ظلموا فعليهم ، وأرضوهم. فإن تمام زكاتكم رضاهم ، وليدعوا لكم".
أخرجه الحافظ في المطالب ، وعزاه لابن أبي شيبة (1).
فتعقبه الأعظمى فقال : عده الحافظ من الزوائد سهواً ، فقد رواه أبو داود في سننه (2) ، وجابر هذا هو جابر بن عتيك ، ولعله لما رأى جابراً غير منسوب ظنه ابن عبد الله ، ويكون الحديث على هذا زائدا – يعني لو صح ظنه.
قلت : وهو كما قال الأعظمى ، فالحديث عند أبي داود ، وقد صرح أنه ابن عتيك ، حيث أورده من طريق بشر بن الغصن ، عن صخر بن إسحق ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه فذكره.
وهذا الحديث بعينه ، كان قد أوهم فيه الحافز من قبل ، فعده في " زوائد البزار "(3) ، وسنده ولفظه كالذي عند أبي داود من طريق أبي
#294#
الغصن – ثابت بن قيس – عن خارجه بن أسحق ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن جابر به.
وكان الهيثمي من قبل وهم فيه ، فأورده في " كشف الأستار" وفي " المجمع " (4).
__________
(1) 825) صفحة (1/237)
(2) هو في " سنن أبي داود " برقم (1589).
(3) " مختصر زوائد البزار " رقم (615) صفحة (1/376).
(4) " كشف الأستار " رقم (1946) ، والمجمع (3/79).(1/189)
وأما الآخر الذي تعنت فيه الأعظمى فهو :
حديث يحيي بن وثّاب عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ".
أورده الحافظ في " المطالب " هكذا ونسبه للحارث بن أبي أسامة (1).
ثم عاد الحافظ فأورده في باب فضل مخالطة الناس :
من حديث أبي صالح ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المؤمن الذي يخالط الناس ... الحديث(2) (لمسدد).
فانتقد الأعظمى ذلك عليه في الموضعين ، وأحال من الثاني على الأول.
والحق أن أول ما يعترض به على المعترض ، أنه لا يعرف ليحيي بن وثاب كنية أبي صالح ، فإن صح اعتراضه في أحد الموضعين ، فلن يكون صحيحاً في الآخر ، لأنهما ما داما ليسا واحداً ، فقد يكون كل منهما روى عن صحابي غير الآخر ، وهذا بين ، والذي يقطع بذلك أن الحافظ أورد
#295#
الحديث في الموضعين بنفس اللفظ ، وعزي الأول للحارث ، والآخر لمسدد ، ولو كان واحداً لما فعل ذلك. ولعزا الحديث في كل من الموضعين للحارث ولمسدد.
نعم قد أصاب الأعظمى في قوله أن الترمذي أخرجه عن يحيي بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند أحمد كذلك (3) ، وكان الحافظ صرح أن حديث ابن عمر هو حديث يحيي ، كما قدمنا في المسألة الأولى ، من فصل تمييز الأحاديث.
__________
(1) "المطالب العالية" رقم (2727) صفحة (3/8-9)
(2) "المطالب العالية" رقم (3177) صفحة (3/174)
(3) سنن الترمذي [2625 : تحفه الأحوذي] ، ومسند أحمد رقم (5022).(1/190)
لكن لفظه عند الترمذي وأحمد : " عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، والذي هنا في حديث يحيي بن وثاب : "عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - " وظاهر هذا أنه سمعه من أكثر من صحابي ، فيكون هو من الزوائد ، إلا أن يريد بالبعض : الواحد ، وهو جائز.
نعم ، في رواية أبي صالح "عن شيخ" لكن قد قدمنا ، أنهم لم يذكروا ليحيي كنية " أبي صالح " فهو آخر ، والله أعلم ، فصح اعتراضه على رواية أبي يحيي ، دون رواية أبي صالح ، والله أعلم.
هذا وقد وقع عند الترمذي "إن المسلم" ، ولكن لا يعترض على الأعظمى بهذا ، لأن لفظه في المسند " إن المؤمن " كما هو في " المطالب ". والله أعلم.
فتبين من هذا ما كنا أصلناه في علم الزوائد ، من عد الحديث حديثاً آخر إذا جاء عن تابعين اثنين.
#296#
(تنبيه) :
قد وقع في المطالب عزو لبعض الأحاديث لمسانيد ومصنفات غير العشرة ، وغير التي وقع له منها أجزاء غير كاملة.
فعزا لعبد الرزاق ، والفاكهي ، والبيهقي ، ولأحمد في الزهد(1). كما نبه على ذلك الشيخ الأحدب جزاه الله خيراً.
#297#
21- شرح " زوائد مسلم على البخاري" أربعة مجلدات.
22- شرح " زوائد أبي داود على الصحيحين" مجلدان.
23- شرح " زوائد الترمذي على الثلاثة" لم يتم ، يعني : الصحيحين وأبا داود.
24- شرح " زوائد النسائي على الأربعة" لم يتم ، يعني : الصحيحين ، وأبا داود والترمذي.
25- شرح" زوائد ابن ماجه على الخمس" ثلاثة مجلدات ، يعني بقية الخمسة من الستة غير ابن ماجه.
جميعها لابن الملقن(2) ، حيث أخرج هذه الزوائد ثم شرحها.
وقد قدمنا في ترجمته أن الحافظ ابن حجر رآها ، ثم إنها احترقت قبل موت الشيخ ، فلا يدري أنسخ منها شيء قبل احتراقها أم لا.
#298#
26- " زوائد شعب الإيمان للبيهقي" :
__________
(1) أنظر الأرقام : (752) – (1223) – (1224) – (747) (2494) – (2495). من " المطالب ".
(2) أنظر " طبقات الشافعية " (4/374) .(1/191)
للإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله.
والكتاب جمع فيه السيوطي رحمه زوائد " شعب الإيمان" على الكتب الستة. ولكنه لم يكمله كما جاء في "كشف الظنون".
فإنه قال : "والشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي جمع زوائد الأصل – شعب الإيمان – على الكتب الستة ، كتب منه الثلث فقط" (1).
وهو غير موجود ، ويقع في مجلد واحد(2).
27- "زوائد نوادر الأصول للحكيم الترمذي".
للسيوطي أيضاً.
ذكره في "الكشف" و "الرسالة و "فهرس الفهارس" (3).
ولا أعرف من ذكر وجوده. ولا قدره.
#299#
الفصل الحادي عشر
في بيان بعض الكتب التي عدّت من كتب
الزوائد وليست كذلك
1- "زوائد الحلية لأبي نعيم" (4)
2-"زوائد فوائد تمام" (5)
__________
(1) " كشف الظنون" (1/574) .
(2) " الرسالة المتسطرفة " (172) " فهرس الفهارس والإثبات " (2/1016) .
(3) "كشف الظنون" (2/1979) – "فهرس الفهارس" (2/1027) – "الرسالة المستطرفة" (172).
(4) يعني كتابه "حلية الأولياء ، وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم الأصفهاني رحمه الله ، المتوفى سنة (430) هـ ، وهو يقع في عشرة أجزاء. ط دار الكتب العلمية.
(5) يعني : تمام بن محمد الرازي ، المتوفى سنة (414) هـ ، عن ثمانين سنة. وهو الذي صدر مؤخراً عن دار البشائر الإسلامية باسم "الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام" لأبي سليمان الدوسري جزاه الله خيراً على حسن صنيعه فيه ، وقد بلغت عدة أحاديثه ألفاً وسبعمائة وثمانية وتسعين حديثاً.(1/192)
3- "زوائد الغيلانيات" (1)
4- "زوائد الخلعيات" (2).
#300#
جميعها للهيثمي.
كذا ذكروا ، وهو خطأ ، والصواب أنه رتب هذه الكتب على الأبواب الفقهية ، كما قدمت في ترجمته رحمه الله.
5-" زوائد سنن الدار قطني" :
لزين الدين القاسم بن قطلوبغا الحنفي.
وهو غلط قبيح ، وإنما الذي صنعه أنه أخرج زوائد رجال "سنن الدار قطني" على رجال الكتب الستة(3).
وقد قدمت ذلك في مطلع الكتاب فلينظر.
6-"زوائد مسند الفردوس" :
للحافظ ابن حجر.
نسبه له المحدث الكتاني في "الرسالة المستطرفة" (4).
وهو غلط. فإن أبا شجاع شيرويه بن شهر دار الديلمي الهمداني المتوفى سنة (509) هـ كان صنف "فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب" فأتى ولده الحافظ شهر دار المتوفى سنة (855) هـ ، وجمع أسانيد الكتاب ، ورتبها ترتيبا حسنا في أربعة مجلدات وسماه "مسند الفردوس" فلم يسق فيه متنا إلا بإسناد. فجاء من بعد الحافظ
#301#
__________
(1) وهي أحد عشر جزءا حديثياً – والجزء قدر عشرين ورقة – للإمام أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي البزار المتوفى سنة (354) هـ. رواها عنه أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار المتوفى سنة (354) هـ. رواها عنه أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار المتوفى سنة (404) هـ فنسبت إليه. وهي أحاديث عالية الإسناد. حققها مؤخرا الأستاذ حلمي عبد الهادي كرسالة دكتوراه في جامعة أم القرى عام (1403) هـ.
(2) وهي عشرون جزءاً حديثيا للقافي مسند للديار المصرية أبي الحسن على بن الحسن بن الحسين الخلعي المتوفى سنة (492) ، جمعها وخرجها له أبو نصر الشيرازي وسماها؛ "الخلعيات" انظر "سير أعلام النبلاء" (19/ 74).
(3) "الضوء اللامع" (6/187) ، "فهرس الفهارس والإثبات" (2/972).
(4) "الرسالة المستطرفة" (171).(1/193)
ابن حجر فاختصر "مسند الفردوس" في كتاب سماه : "تسديد القوس في مسند الفردوس" (1).
#302#
ملحق في
كتب في الزوائد لا يعرف موضوعها
1- "زوائد مسند أبي حنيفة" :
ذكره في كشف الظنون(2) ، ولم يفصح عن فحواه.
2- "تيسير الوصول لمعرفة الأحاديث الزائدة على جامع الأصول" :
لمحمد بن يعقوب الشيرازي الفيروز آبادي الشافعي. المتوفى سنة (817) هـ.
ذكره تقي الدين ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية في ترجمته" وكذا جاء في "كشف الظنون" تحت "جامع الأصول" لابن الأثير ، وكذا في مقدمة "تحفة الأحوذي" (3).
ولم يفصح عن زوائد أي من الكتب عليه.
#303#
3- "زوائد الكتب الأربعة مما هو صحيح" :
للحافظ.
ذكره الكتاني في "فهرس الفهارس" (4) وسكت عن موضوعه. وهو غير موجود.
والراجح عندي والله أعلم أن المراد به :
أ- إما صحيح "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" فهو يشتمل على مسند أحمد والبزار وأبي يعلى ، ومعاجم الطبراني. فيكون هؤلاء هم الأربعة.
ب- وإما صحيح السنن الأربعة.
4- "زوائد الموطآت" :
لابن حجر.
ذكر فيه ما وقع في بعض الموطآت من الزوائد على بعض ، بسبب اختلاف النسخ والروايات للموطأ. كذا ذكر السيوطي ، لكان كلامه يحتاج لمزيد بسط في تفاصيل أخرى.
وهو غير موجود(5).
#304#
"كتب في الزوائد تحت الطبع"
1- " زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة" : للدكتور خلدون محمد سليم الأحدب.
2- " كشف النقاب عن زوائد مسند الشهاب ".
3- " إطلاق المقعد بسماع زوائد الأدب المفرد ".
4- " وبل الغمام من زوائد فوائد تمام ".
5- " إيقاف النائم لسماع زوائد السنة لابن أبي عاصم".
6- "إيناس المشتاق لسماع زوائد مكارم الأخلاق".
__________
(1) انظر "كشف الظنون" (2/1684).
(2) "كشف الظنون" (1680)
(3) طبقات الشافعية (4/395 – التحفة (66-68).
(4) فهرس الفهارس (1/336).
(5) "فهرس الفهارس" (1/335) ، و "ابن حجر ودراسة مصنفاته" (1/425).(1/194)
7- " تشنيف الآذان بسماع زوائد ابن حبان".
8- "نفح المواسم من زوائد أبي عبد الله الحاكم" – لم يتم بعد.
جميعها لمحرر هذه الكلمات ، راجي رحمات ربه الغفور ، هي وأجزاء حديثية ، وكتب أخرى ، وأعمال في هذا الفن ، أسأل الله النفع بها في الدارين ، إنه سميع مجيب.
تم فصل مصنفات الزوائد بحمد الله العلي الكبير.
#305#
الفصل الثاني عشر
في الحامل على العمل بزوائد الأحاديث
روى الحافظ المزي رحمه الله بإسناده إلى أبي المظفر البخاري قال : لما عزل أبو العباس الهمذاني عن قضاء الري ، ورد بخاري سنة ثماني عشرة وثلاث مئة ، لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفصل البلهمي ، فنزل في جوارنا.
قال أبو المظفر : فحملني معلمي الختلي إليه وقال له : أسألك أن تحدث هذا الصبي بما سمعت عن مشايخك رحمهم الله.
فقال أبو العباس الهمذاني : ما لي سماع.
فقال الختلي معلم أبي المظفر : كيف وأنت فقيه ، فما هذا ؟ !
فقال أبو العباس : لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى طلب الحديث ، ومعرفة الرجال ودراية الأخبار ، وسماعها.
فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري صاحب "التاريخ" ، والمنظور إليه في معرفة الحديث ، فأعلمته مرادي ، وسألته الإقبال على بذلك.
فقال البخاري لي : يا بني ، لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده ، والوقوف على مقاديره. قال أبو العباس : فعرفني حدود ما قصدت له ، ومقادير ما سألتك عنه.
#306#
فقال البخاري : اعلم أن الرجل لا يصير محدثاً كاملاً في حديثه إلا بعد أن يكتب:
أربعاً
مع أربع ،
كأربع ،
مثل أربع ،
في أربع.
عند أربع.
بأربع
على أربع.
عن أربع.
لأربع.
وكل هذه الرباعيّات لا تتم إلا بأربع مع أربع.
قال أبو العباس : فقلت له : فسر لي رحمك الله ، ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات ، عن قلب صاف ، بشرح كاف ، وبيان شاف ، طلباً للأجر الوافي.
فقال البخاري : نعم.
أما الأربعة التي تحتاج إلى كتبتها هي :(1/195)
أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرائعه ، والصحابة ومقاديرهم ، والتابعين وأحوالهم ، وسائر العلماء وتواريخهم.
#307#
مع : أسماء رجالها ، وكناهم ، وأمكنتهم ، وأزمنتهم.
كالتحميد مع الخطب ، والدعاء مع الترسل ، والبسملة مع السور ، والتكبير مع الصلوات ، مثل : المسندات ، والمرسلات ، والموقوفات ، والمقطوعات.
في : صغره ، وفي إدراكه ، وفي شبابه ، وفي كهولته.
عند : شغله ، وعند فراغه ، وعند فقره ، وعند غناه.
بـ : الجبال ، والبحار ، والبلدان ، والبراري.
على : الأحجار ، والأصداف ، والجلود ، والأكتاف ، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق.
عن : من هو فوقه ، وعن من هو مثله ، وعن من هو دونه ، وعن كتاب أبيه ، يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره.
لـ : وجه الله تعالى طالباً لمرضاته ، والعمل بما وفق كتاب الله منها ، ونشرها بين طالبيها ومحبيها ، والتأليف في إحياء ذكره بعده... (1).
إلى آخر ما جاء في هذه الحكاية التي لو ذوكر بها لذاكرنا ، وإنما ضربنا على سائرها هنا ، خشية الخروج عن مقصد الكتاب.
وقد ظهر لنا من كلام البخاري رحمه الله – وهو من أعرف الناس بحدود العلم – أن هذا العلم لا ينبغي فيه التقصير ، وأنه ليس يجزئ بعضه عن كله ، ولا قليله عن كثيره ، وأن الواجب لمن أراده صرف سائر الوقت المهيأ له فيه ، مع شديد الاعتناء ، وبذل الوسع ، والحرص في الطلب ، في سائر الأزمان من تارات العمر.
#308#
والذي يتأمل كلامه هذا ، وكلام من سبقه من شيوخ الإسلام ، وبدور الملة وأساطين الدين ، ومحاسن ، العصر ، يعلم أن كلام هؤلاء جميعهم ، إنما هو من مشكاة واحدة ، ليس لهم في هذا الأمر إلا قول واحد.
__________
(1) "تهذيب الكمال" (24/ 461- 462- 463).(1/196)
وبهذا سبق الأولون الآخرين ، وتربعوا على أسرة الملك ، وتقابلوا على الأرائك متكئين ، فأضحى علمهم وفقههم على منهاج النبوة ، وصافي الطريف وسواء السبيل ، وبقيت آثارهم تشهد لكبير المتابعة ، وعظيم المعرفة ، في إنزال الأحكام منازلها ، وسارت بكتبهم الركبان في المشارق والمغارب ، وضربت إليهم أعطان الإبل ، حتى ارتفع شأوها ، وبأن فضلها ، وأيس من بعدهم أن يأتي بمثلهم. وبخل الزمان أن يأتي بهذا الضرب ، أو أن يحوم حول تلك الحمي ، - اللهم إلا ما تكلفت به نفحات مواسم الأيام ، وكرائم الليالي.
فابك إن شئت ذهاب تلك القرون ، ويبوس الرطب على العرجون ، وأن لا تقر عينك بأمثال على بن المديني وأحمد بن حنبل.
ولقد طارح الفقه من بعدهم من ليسوا لذلك بأهل ، ولا له بجوار ، وهم المعدودون عند العوام أهل الخصوص ، والاجتهاد والتمحيص ، وقد عزت عنهم النصوص ، ونازعتهم الأدوات ، واضطربت عليهم الدعاوى ، واختلفت عليهم الأقيسة ، وقيدتهم سقطات ما أسموه بالأصول عن الوصول ، ولعبت بهم واهي التعليلات ، وأوهن الإشكالات.
فخرجوا على الناس ببضاعة مزجاة ، يحسبون البهرج ديناراً ، والقطمير قنطاراً ، والسواقي بحاراً.
وأما الذي تفطن منهم بعد طيّ طومار الهذيان ، خرج فنادي على الناس ، وكان أمثلهم طريقة : أوف لنا الكيل وتصدّق علينا.
#309#
ولقد كانت كتبه نادت عليه من قبل على رؤوس الإشهاد. اللهم إلا القليل القليل.
لكن أمته - صلى الله عليه وسلم - كالمطر ، لا يدري أوله خير أم آخره ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق ، لا يضرها من خذلها حتى تقوم الساعة ، وينفخ صاحب القرن قرنه ، بعدما كان حنا جبهته وانتظر متى يؤمر.
لقد استنارت أيام ذلك التاريخ الذي عادت فيه سير الأوائل إلى نفوس الأواخر ، وبلغت شغافها ، فأرادوا أن يحذوا حذوهم ، وإن لم يبلغوا مبلغهم. فاستدار الزمان على مثل هذا الذي به تقوم الأدلة ، وتنتصب البراهين ، وتنجلي الأحكام.(1/197)
فإن الفقه لا يستقيم إلا بذلك الجمع للنصوص ، ومعرفة صحيحها من سقيمها ، ومقبولها من مردودها ، وما هو محتج به ، مما ليس كذلك.
فدعاهم الداعي لجمع هذا الشتات ، وترتيبه وتسهيله ، وهو الذي حملهم على هذا العلم الذي به يتحقق المراد ، وتجتمع الأدلة ، وتعرف المناطات ، وتكشف المبهمات ، وتخصصات العامات ، وتقيد المطلقات ، ويضمحل فاسد القياسات ، وأشياء كثيرة يطول ذكرها.
ولقد أنبأنا جميعهم عن قصدهم هذا الذي حكيناه. فقال الهيثمي رحمه الله في مقدمة "كشف الأستار عن زوائد البزار" (1).
"فقد رأيت مسند الإمام أبي بكر البزار المسمي بـ "البحر الزخار" قد حوى جملة من الفوائد الغزار يصعب التوصل إليها على من التمسها ، ويطول ذلك عليه قبل أن يخرجها ، فأردت أن أتتبع ما زاد فيه على الكتب الستة".
#310#
ونحوه في مقدمة "القصد العلي بزوائد أبي يعلى الوصلي" (2).
"فقد نظرت في مسند أبي يعلى أحمد بن على بن المثني رضي الله عنه ، فرأيت فيه فوائد غزيرة لا يفطن لها كثير من الناس ، فعزمت على جمعها على أبواب الفقه ، لكي يسهل الكشف عنها لنفسي ولمن أراد ذلك".
وفي مقدمة "مجمع البحرين بزوائد المعجمين" (3) "فأردت أن أجمع منهما كل شاردة ، إلى باب من الفقه يحسن أن تكون فيه واردة".
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" (4).
"قد جمع أئمتنا – من الحديث – الشتات ، على المسانيد والأبواب المرتبات ، فرأيت جمع جميع ما وقفت عليه من ذلك في كتاب واحد ، ليسهل الكشف فيه على أولى الرغبات ، ثم عدلت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات ، في الكتب المسندات... ورتبته على الأبواب الفقهية".
#311#
الفصل الثالث عشر
في فوائد هذا العلم
__________
(1) "كشف الأستار" (1/5)
(2) "المقصد العلي" (1/81)
(3) "مجمع البحرين" (1/2 – مخطوط).
(4) "المطالب العالية" (1/3 – 4).(1/198)
فقد تمحص من هذا الذي أوردناه من كلامه رحمهم الله تعالى ، أمور ، هي التي نبهنا عليها جملة واحدة قبل إيراد عباراتهم ، ويمكن أن تحصر في جملة فوائد. وهي تقسم إلى قسمين :
القسم الأول في إسناد :
أ- فائدة معرفة الحديث الموقوف ، إن جاء مرفوعاً في الكتب المزاد منها.
ب- فائدة معرفة الموصول إن جاء مرسلاً ، أيضاً.
ج- فائدة معرفة ما جاء من المقطوعات والبلاغات موصولاً في الكتب المزاج منها ، على الكتب المزاد عليها.
د- فائدة معرفة الصحابة رواة الحديث الواحد.
القسم الثاني في المتن :
أ- معرفة المتون الزائدة التي لم يكن لها ذكر البتة في الكتب المزاد عليها.
#312#
ب - معرفة الألفاظ الزائدة ، على المتون ، في الكتب المزاد عليها.
ج - معرفة غوامض الأسماء والأعداد المبهمة ، الواردة في الكتب المزاد عليها.
د - معرفة مناطات الأحكام ، والوقائع التي من أجلها ورد الحديث.
هـ - التأكيد بمعرفة الأحكام التي قد تدرك بالقياس والقواعد الأصولية الظاهرة.
و - معرفة الحكم على الألفاظ المختلفة ، وما يستنبط منها من الأحكام.
ز - معرفة مرادات العبارات ، من تفاسير الرواة الحاصلة في الإدراجات.
ح - بيان ما وقع للرواة من الشك في بعض الألفاظ ، أو رواة الأحاديث من الصحابة.
ط - بيان اختلاف السياقات التي جاء بها المتن ، أو المعني الواحد.
ي - بيان النقص الوارد في بعض الروايات التي تخل بالمعنى.
ك - بيان الاختلاف الوارد في المتون لجهة تخصيص العام ، وتعميم الخاص ، ونحو ذلك.
ل - ذكر فتاوى الصحابة في المسائل الفقهية.
م - بيان بعض الحوادث والحكايات التاريخية. أو التراجم.
ن - بيان تاريخ بعض الحوادث ، والأقوال النبوية.
س - مزيد الكشف والاستفصال في حوادث السيرة النبوية.
#313#
وقد أضاف لها الأئمة أموراً عظاماً ، ليس هي من فن علم الزوائد منها :
أ- الحكم على الأحاديث ومعرفة درجاتها ، وعللها.
ب- ترتيب المسانيد على الأبواب والكتب الفقهية.(1/199)
ج- الكلام على الرواة في الجرح والتعديل ، وبيان المدلسين منهم ، وما بين بعض الرواة من الانقطاع ، ونحو ذلك.
د- التنبيه والإرشاد ، لما جاء من هذه المتون وأطرافها ، في الكتب المزاد عليها.
ه- بيان اختلاف النسخ ، في بعض المواطن.
و- ذكر الشواهد والمتابعات للحديث استطراداً في معرفة الحكم ، كما يفعل البوصيري.
ز- بيان طرق العزو ، والدربة على اختصارها في بيان الألفاظ المخرجة.
ومن الغايات تعرف الثمرات :
فإن جميع هذه الغايات التي قدمناها. إنما بها يجتني الثمر. وهي بمثابة المقدمات للموضوعات ، وأدوات المسائل الفقهيات ، لأن هذه الفوائد والمصارف جميعها إنما تدور في آخرها على معرفة الأحكام الخمسة ، من المأمورات ، والمزجورات ، والمكروهات ، والمستحبات ، والمباحات.
لكنهم إنما قدموها بصنيعهم هذا ، مختصرة بغاية الاختصار ، مشاراً لمواضع زوائد الأحكام ، مبينة الحال من جواز العمل بها أم لا ، وما وقع
#314#
فيها من الاختلاف ، فقد تمت فيها أدوات الاجتهاد ، إذا ضمت للكتب المزاد عليها ، والمعرفة الواجبة المطلوبة في الناظر فيها ابتداءً ، بعد جمع جميع الزوائد.
وبقدر حجم الجمع منها يقع الصواب في الاجتهادات ، ومعرفة حكم الشارع ، ولأجله نادينا بجمع الزوائد.
وهو الذي كان نادي به الحافظ ابن حجر من قبل ، رحمه الله رحمة واسعة.
وأنا الآن لست أرى أمراً أجل وأصوب وأوجب في العلوم الشرعية من جمع هذه الزوائد ، ثم جمعها في كتاب واحد ، مرتب على الكتب والأبواب ، مع الإتيان بدرجاتها ، وشرح غريبها.(1/200)
وأن يقتصر في جمع الزوائد على هذه الكتب المشهورات أولاً ، التي ذكرها الحافظ ابن حجر ، وهي المرجوع إليها في التخاريج . كالستة إذا ضمت لما في "المجمع" و "المطالب" وزوائد سنن البيهقي والنسائي الكبرى ، وسعيد بن منصور ، وغيرها من السنن المشهورات كالدارقطني والدرامي ، مع المصنفات لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما ، والصحاح ، لابن حبان وابن خزيمة ومنتقى ابن الجارود ومعها شعب الإيمان ودلائل النبوة ، وكتب الزهد والرقائق والأدب ومكارم الأخلاق من هذه الكتب المشتهرة المطبوعة في أيامنا . وأنا جاد في ذلك ، وباذل فيه غاية الوسع. أسأل ربي العون والإتمام ، وإخلاص النية ، رب أعن ويسر يا كريم. آمين.
#315#
ذكر أهم المراجع الواردة في الكتاب
1- "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة".
للشهاب البوصيري ، أحمد بن بكر الكناني ، المتوفى (840) هـ ، مخطوط ، مصورة الجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة ، رقم (232).
2- "إجابة الفحول لإدخال سنن ابن ماجة على جامع الأصول".
للمؤلف ، أبي عبد الله عبد السلام محمد عمر علوش ، طبع دار الندوة الجديدة.
3- "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان".
تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، طبع مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى عام (1412- 1991)
4- "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
لأبي الشيخ ، عبد الله بن محمد الأصبهاني ، المتوفى (369) هـ ، تحقيق : محمد أحمد مرسي ، ط دار النهضة المصرية (1972) م.
5- "الإصابة في تمييز الصحابة".
لابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي ، المتوفى (852) هـ ، طبع دار العلوم الحديثة ، ط (1328) هـ ، الطبعة الأولى.
6- "الأعلام".
للزركلي ، خير الدين ، نشر دار العلم للملايين ، بيروت.
7- "الإلمام بمعرفة رجال الإمام".
للمؤلف ، أبي عبد الله عبد السلام محمد عمر علوش ، مخطوط.
#317#
8- "إنباء الغمر بأبناء العمر".(1/201)
لابن حجر العسقلاني ، أحمد بن على المتوفى سنة (852) هـ ، الطبعة الأول ، الهند (1387) هـ ، مطبعة مجلس المعارف العثمانية.
9- "الأنساب".
للسمعاني ، المتوفى سنة (562) هـ ، تحقيق : المعلمي اليماني ، ط محمد أمين دمج.
10- "الباعث الحثيث على اختصار علوم الحديث".
للحافظ ابن كثير عماد الدين إسماعيل ، المتوفى سنة (774) هـ- تحقيق : أحمد شاكر ، طبع دار الندوة الجديدة.
11- "البدائع".
للكساني الحنفي ، الطبعة الأولى.
12- "البداية والنهاية".
للحافظ ابن كثير ، المتوفى سنة (774) هـ ، ط مكتبة المعارف (1977)م ، بيروت.
13- "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع".
للشوكاني ، محمد بن علي ، المتوفى سنة (1250) هـ ، طبع دار المعرفة بيروت ، بدون تاريخ.
14- "تبيين كذب المفتري فيما نسب لأبي الحسن الأشعري".
لابن عساكر الدمشقي.
15- "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي".
للمباركفوري ، محمد بن عبد الرحمن ، المتوفى (1353) هـ ، دار الكتب العلمية.
16- "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف".
للحافظ المزي ، يوسف بن عبد الرحمن ، المتوفى (742) هـ ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين ، ط الدار القيمة بومباي ، الهند.
17- "تذكرة الحفاظ".
للذهبي الحافظ ، المتوفى سنة (748) هـ ، طبع دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
#318#
18- "تشنيف الآذان بسماع زوائد ابن حبان".
للمؤلف ، أبي عبد السلام محمد عمر علوش ، طبع دار الجيل ، تحت الطبع.
19- "جامع الأصول".
لابن الأثير المبارك بن محمد ، المتوفى (606) هـ ، طبع دار الفكر ، تحقيق : عبد القادر الأرناؤوط ، الطبعة الثانية (1403) هـ.
20- "جامع التحصيل".
للحافظ العلائي ، صلاح الدين خليل ، المتوفى سنة (761) هـ ، طبع عالم الكتب (1407) هـ ، تحقيق : حمدي السلفي.
21- "حسن المحاضرة".
للسيوطي ، جلال الدين ، المتوفى (911) هـ ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبع البابي الحلبي ، مصر (1387) هـ.(1/202)
22- "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء".
للأصبهاني ، أبو نعيم ، على نسختين : أ- طبع المكتبة السلفية ، بد دار الكتب العلمية.
23- "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"
للحافظ ابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي ، المتوفى (911) هـ ، طبع دار الجيل (1414) هـ.
24- "دلائل النبوة".
للحافظ البيهقي ، أحمد بن الحسين المتوفى سنة ( ) هـ ، تحقيق عبد المعطي قلعجي ، طبع دار الكتب العلمية ، بيروت (1405) هـ.
25- "ذيل طبقات الحفاظ"
للسيوطي ، جلال الدين ، المتوفى (911) هـ ، مصورة دار إحياء التراث العربي.
26- "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة".
#319#
للكتابي ، محمد بن جعفر ، المتوفى سنة (1345) هـ ط دار البشائر الإٍسلامية ، بيروت (1406) هـ ، الطبعة الرابعة.
27- "زوائد مختصر البزار".
للحافظ ابن حجر العسقلاني ، أحمد بن على المتوفى سنة (852) هـ ، طبع مؤسسة الكتب الثقافية ، الطبعة الأولى (1412) هـ ، تحقيق : صبري أبو ذر.
28- "سبل السلام"
للصنعاني ، محمد بن إسماعيل ، المتوفى سنة (1182) هـ ، ط دار إحياء التراث العربي.
29- "سنن الترمذي"
للإمام الترمذي ، أكثر من طبعة.
30- "سنن أبي داود".
للإمام أبي داود السجستاني ، أكثر من طبعة.
31- "سنن ابن ماجة".
للحافظ ابن ماجة القزويني ، تحقيق : فؤاد عبد الباقي ، طبع دار إحياء التراث العربي.
32- "سنن النسائي"
للحافظ النسائي ، طبع دار الجيل (1407) هـ ، مصورة عن دار الحديث ، القاهرة.
33- "سير أعلام النبلاء".
للحافظ الذهبي ، شمس الدين (748) هـ ، تحقيق : جماعة من المحققين ، مؤسسة الرسالة (1401) هـ.
34- "شذرات الذهب في أخبار من ذهب"
لابن العماد الحنبلي ، عبد الحي ، المتوفى سنة (1089) هـ ، طبع دار إحياء التراث العربي ، دون تاريخ.
35- "الضوء اللامع".
للسخاوي ، محمد بن عبد الرحمن ، المتوفى (902) هـ ، طبع دار مكتبة الحياة ، بيروت.
36- "طبقات الشافعية".(1/203)
للأسنوي ، جمال الدين المتوفى سنة (772) هـ ، تحقيق عبد الله الجبوري ، ط الأوقاف العراقية ، بغداد (1390) هـ.
#320#
37- "طبقات الشافعية".
لابن قاضي شهبة ، المتوفى سنة (851) هـ ، طبع حيدر آباد ، الهند (1398) هـ.
38- "طبقات الشافعية الكبرى".
للسبكي ، عبد الوهاب ، تحقيق : محمود الطناحي ، ط البابي الحلبي ، مصر.
39- "العبر"
للذهبي – شمس الدين ، تحقيق : صلاح المنجد ، الكويت (1960) م.
40- "عون المعبود"
لابن القيم ، وعبد العظيم شمس الحق آبادي ، طبع دار الكتب العلمية (1410) هـ.
41- "فتح الباري بشرح صحيح البخاري".
للحافظ ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة (852) هـ ، طبع دار المعرفة ، بيروت ، بدون تاريخ.
42- "فتح القدير"
لابن الهمام ، كمال الدين ط المكتبة الكبرى الأميرية.
43- "فجر الساهد وعون الساجد"
للمؤلف ، أبي عبد الله عبد السلام محمد عمر علوش ، طبع دار الندوة الجديدة (1412) هـ.
44- "فوائد تمام"
لتمام الرازي ، تحقيق : الدوسري ، طبع دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الأولى.
45- "فهرس الفهارس والأثبات :
للكتاني ، محمد عبد الحي ، المتوفى (1382) هـ ، بعناية إحسان عباس ، ط دار الغرب الإسلامي ، بيروت (1402) هـ.
46- "قواعد التحديث"
لجمال الدين القاسمي تحقيق : محمد بهجة البيطار ، ومحمد رشيد رضا ، طبع دار النفائس ، الطبعة الثاني (1414) هـ.
#321#
47- "كشف الأستار عن زوائد البزار".
للهيثمي ، نور الدين الحافظ ، المتوفى سنة (807) هـ ، تحقيق ، حبيب الرحمن الأعظمى ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الرسالة (1399) هـ ، بيروت.
48- "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون".
لحاجي خليفة ، طبع مكتبة المثنى ، بغداد.
49- "الكفاية في علم الرواية"
للخطيب البغدادي ، تحقيق : أحمد عمر هاشم ، ط دار الكتاب العربي ، بيروت (1405) هـ.
50- "اللباب في تهذيب الأنساب".
لابن الأثير ، ظ دار صادر ، بيروت.
51- لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ" .(1/204)
لابن فهد المكي ، محمد بن محمد ، المتوفى سنة (871) هـ ، مطبوع في آخر تذكرة الحفاظ للذهبي ، دار إحياء التراث العربي.
52- "لسان الميزان".
للحافظ ابن حجر ، المتوفى سنة (852) هـ ، ط مؤسسة الأعلمي ، بيروت (1390) هـ.
53- "مجمع البحرين في زوائد المعجمين"
للحافظ الهيثمي ، نور الدين على ، المتوفى سنة (807) هـ ، مخطوط ، مصورة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة رقم (76).
54- "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"
للهيثمي أيضاً ، طبع دار الكتاب العربي ، بيروت (1402) هـ.
55- "المراسيل"
لأبي داود السجستاني صاحب السنن ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، طبع مؤسسة الرسالة.
56- "المستدرك على الصحيحين"
للحاكم ، طبع دار الفكر ، مصورة (1398) هـ.
#322#
57- "المسند"
للإمام أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة (241) هـ ، طبع المكتب الإسلامي ، بيروت (1403) هـ ، ونسخة أخرى طبع دار الفكر ، بيروت (1413) هـ.
58- "مصباح الزجاجة"
للشهاب البوصيري ، المتوفى سنة (840) هـ ، تحقيق كمال يوسف الحوت ، طبع دار الجنان (1406) هـ.
59- "المطالب العالية".
للحافظ العسقلاني ، المتوفى سنة (852) هـ ، تحقيق الأعظمى ، طبع دار المعرفة ، بيروت ، دون تاريخ.
60- "معرفة علوم الحديث"
للحاكم ، أبي عبد الله ، المتوفى (405) هـ ، تحقيق : معظم حسين ، مصورة المكتبة العلمية في المدينة المنورة.
61- "المغني"
لابن قدامة ، أبي محمد عبد الله بن أحمد ، المتوفى سنة (620) هـ.
62- "المقصد العلي"
للحافظ الهيثمي ، نور الدين ، المتوفى سنة (807) هـ ، طبع دار الكتب العلمية (1413) هـ ، الطبعة الأولى.
63- "منهج النقد في علوم الحديث"
لنور الدين عتر ، دار القلم ، دمشق.
64- "موارد الظمآن"
للهيثمي ، نور الدين ، تحقيق : محمد عبد الرزاق حمزة ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
#323#
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
العشرونية في تبيين قواعد علم زوائد الحديث ... 5
المقدمة ... 7
ما جاء في شرف أهل الحديث(1/205)
المدخل إلى علم زوائد الحديث، وبيان تعريفه
تعريف الحديث وكتبه
الفصل الأول: شرح معنى قولنا في التعريف: "وزيادة اللفظ المفيد"
زيادة اللفظ أنواع:
أ- الزيادة الطارئة على المتن، وليس قبلها أو بعدها ما يدل عليها
ب- الزيادة الطارئة على المتن، وسبقها ما يشير إليها ... 38
ت- الزيادة الطارئة على المتن، لكنها تعرف بالقياس الجلي ... 40
ث- الزيادة الطارئة على المتن، من جهة اختلاف الأعداد ... 42
ج- الزيادة الطارئة على المتن، في تحقيق مناط الحكم ... 46
ح- الزيادة الطارئة على المتن مطلقا، ولكنها تفيد معنى ... 53
خ- الزيادة الطارئة على المتن لجهة بيان غوامض الأسماء المبهمة ... 56
د- الزيادة الطارئة على المتن إدراجا ... 64
ذ- الزيادة الطارئة على المتن لجهة معرفة تاريخ قول الحديث ... 68
ر- الزيادة الطارئة على المتن، في تطويل الرواية التي أخرجوها مختصرة ... 73
ملحق في معرفة الزوائد غير المؤثرة ... 75
#324#
الفصل الثاني: شرح معنى قولنا في التعريف: "ونقص اللفظ المفيد" ... 78
نقص اللفظ أنواع:
أ- النقص الذي يعمم ويطلق، بعد تخصيص وتقييد، فيوجب زيادة معنى ... 79
ب- النقص المحذوف من المتن الذي يغير المعنى ... 81
(إكمال) في مجيء الحديث مختصرا، بعد الرواية المطولة ... 82
الفصل الثالث: في شرح معنى قول التعريف: "أو اختلاف اللفظ المفيد" ... 86
وفيه ثلاثة فروع:
أ- الفرع الأول في مجيء حديث آخر عن نفس الصحابي في نفس الموضوع الفقهي
ب- الفرع الثاني في مجيء حديث نفسه في نفس الباب الفقهي في تركيب لفظي مختلف
ت- الفرع الثالث ما اتحد موضوعه، واختلفت سياقته
ج- (ملحق اختلاف اللفظ في الأوعية والأذكار)
تنبيه في الحديث المطول إن كانوا أخرجوه ملفقا
الفصل الرابع: في إخراج الحديث إذا كان عندهم معلقا
الفصل الخامس: في إخراج الحديث المرسل بشرط، وأنواع ذلك (استكمال)
النوع الأول: المرسل عند الجمهور
النوع الثاني: المفصل عند الجمهور
النوع الثالث: في البلاغات
النوع الرابع: في المقطوعات(1/206)
الفصل السادس: في إخراج الأحاديث الموقوفة. وأنواع ذلك
النوع الأول: ما كان من تفسير للقرآن، وذكر أسباب النزول، والفضائل
النوع الثاني: المستنبط من القرآن الكريم.
النوع الثالث: الفتاوي
النوع الرابع: ما له حكم الرفع
#325#
النوع الخامس: ما جاء في المرفوع مثله
النوع السادس: الذي يقول الصحابي في أوله: "من السنة كذا"
الفصل السابع: في الحديث يكون مرويا من كلامه - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يروي من فعله، وعكسه
(ملحق في إخراج الحديث الموصول أو الموقوف، إذا جاء مرسلا)
الفصل الثامن: في التمييز بين الأحاديث، وفيه فرعان:
الفرع الأول:
الفرع الثاني وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا جاء الحديث عن التابعي من وجهين
المسألة الثانية: إذا جاء الحديث عن التابعي من وجهين آخرين
المسألة الثالث: إذا جاء الحديث من الصحابي من وجهين
المسألة الرابعة: إذا تردد الراوي باسم الصحابي
المسألة الخامسة: إذا جاء الحديث عن التابعي عن صحابي لم يتقنه على وجهين
المسألة السادسة: إذا جاء الحديث عن تابعيين
ملحق الفرع الثاني: وفيه مسائل
المسألة الأولى: إذا جاء عن صحابيين تأكيدا
المسألة الثانية: إذا جاء عن صحابيين على الشك
المسألة الثالثة: إذا جاء عن صحابيين أحدهما مبهم
المسألة الرابعة: إذا جاء عن صحابي لم يسم
الفصل التاسع: في تراجم الأئمة المصنفين في علم الزوائد
1- أبو عبد الله الحاكم صاحب المستدرك
2- الحافظ مغلطاي
3- الحافظ ابن كثير
4- الحافظ ابن الملقن
5- الحافظ الهيثمي ... 170
#326#
6- الحافظ البوصيري
7- الحافظ ابن حجر العسقلاني
8- الحافظ السيوطي
الفصل العاشر: في معرفة كتب الزوائد، والكلام عليها
1- المستدرك على الصحيحين للحاكم
أ- ذكر شرطه في الكتاب
ب- ذكر منهجه
ج- فرع في مناقشة الحاكم:
وفيه اعتراضات:
الاعتراض الأول: في عدم عزو الأحاديث للصحيحين إن كانت فيهما أو في أحدهما
الاعتراض الثاني: تضييق الخطي في إخراج الزوائد(1/207)
الاعتراض الثالث: نفي وجود أحاديث في الصحيحين، وهي منهما
2- " زوائد ابن حبان على الصحيحين" لمغلطاي
3-"جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن" لابن كثير
4- "غاية المقصد في زوائد المسند" للهيثمي
5- "كشف الأستار عن زوائد البزار" له أيضاً
6- "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي"
7- "البدر المنير في زوائد المعجم الكبير" له أيضاً
8- "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" له أيضاً
9- "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" له أيضاً
والاستدراكات عليه:
الأول: في كلامه على الرجال
الثاني: الوهم ببعض الأحاديث
بيان تشدد الهيثمي في "المجمع"
مستدركات من نوع آخر: ... 237
#327#
10- "بغية الباحث عن زوائد الحارث" له أيضاً
11- موارد الظمأن إلى زوائد ابن حبان
12- "إتحاف الخبرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" للبوصيري
13- "مصباح الزجاجة بزوائد ابن ماجة"
14- فوائد المنتقي لزوائد البيهقي
15- "تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب"
16- "زوائد مسند الحارث" لابن حجر
17- "زوائد مسند أحمد بن منيع" له
18- "زوائد الأدب المفرد" له
19- "زوائد مسند البزار" له
20- "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" له
21- "زوائد مسلم على البخاري"لابن الملقن
22- "زوائد أبي داود على الصحيحين" له
23- "زوائد الترمذي على الثلاثة" له
24- "زوائد النسائي على الأربعة" له
25- "زوائد ابن ماجة على الخمسة" له
26- "زوائد شعب الإيمان" للسيوطي
27- "زوائد نوادر الأصول للحكيم الترمذي" للسيوطي
الفصل الحادي عشر: في بيان الكتب التي نسبت لهذا العلم وليست منه
ملحق: في كتب في الزوائد لا يعرف موضوعها
ملحق: في كتب في الزوائد تحت الطبع
الفصل الثاني عشر: في الحامل على العمل بزوائد الأحاديث
الفصل الثالث عشر: في فوائد هذا العلم
ذكر أهم المراجع الواردة في الكتاب
الفهرس ... 324
#328#(1/208)