ضرورة استقرار الضبط الاصطلاحي للإرسال الجلي والخفي من خلال الاستفادة من جهود المتقدمين والمتأخرين من المحدثين
د.نجم عبدالرحمن خلف
الأستاذ المشارك بكلية التربية والعلوم الأساسية
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.
أولاً: مقدمة البحث:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن جميع العلوم تطرد وتنمو وتتطور مادام هناك من يتفاعل معها، ويشتغل فيها بحماسة وصدق.وعلوم الحديث وفنونه تسري عليها هذه القاعدة دون شك، فالمتتبع لسير حركة التصنيف والاصطلاح والتعريف لأنواع ومفردات هذا العلم يجد الأمر مطابقا تماما لما قدمناه.(1/1)
والمتصفح لكتاب »المحدث الفاصل بين الراوي والواعي« للإمام الرامهرمزي (ت 360 هـ) وكتاب »معرفة علوم الحديث« للإمام الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ) ومداخل الإمام أبي بكر البيهقي (ت 458 هـ) كمدخل »السنن الكبرى« و»مدخل معرفة السنن والآثار« و»مدخل دلائل النبوة« وكذا مصنفات الإمام الخطيب البغدادي ( 463 هـ)، في هذا الفن وهي كثيرة مباركة. وكذا المتصفح لكتاب »مقدمة علوم الحديث« للإمام ابن الصلاح (ت 643 هـ) وألفية الإمام العراقي (ت 806 هـ) والإمام السيوطي (ت 911 هـ)، والشروح التي قامت عليها، وعلى رأسها »فتح المغيث« للإمام السخاوي (ت 902 هـ)، وما تبلور عند الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) في »نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر« وهكذا تتوالى الجهود مرورا بما كتبه الإمام عبد الحي اللكنوي (ت 1304 هـ) والإمام جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) وانتهاء بما أثمرته الدراسات العلمية الحديثة المعمقة على شكل أطاريح لنيل شهادة الدكتوراه من الجامعات المتعددة في البلاد العربية والإسلامية. إن المتصفح لهذه المصنفات وما حوته من برنامج ومناهج، وأساليب وطرائق في الشكل والمضمون يجد بوضوح أن هذا العلم بجميع أنواعه آخذ في التطور والتبلور مع توالي الأجيال المجتهدة في خدمته كل حسب اجتهاده ومقدرته.(1/2)
والجهد المبارك الذي ابتدأه الإمام الرامهرمزي في الجمع والتهذيب، إنما أقامه على جهد هائل ضخم قد سبقه النبلاء من العلماء في التأسيس له والعمل على إشاعته وإثرائه، كالإمام شعبة (ت 170 هـ)، وابن المديني (ت 234 هـ)، وابن معين (ت 233 هـ)، وأحمد بن حنبل (ت241هـ)، وأبوزرعة (ت 264 هـ)، وأبو حاتم (ت 275 هـ)، والبخاري (ت256هـ)، والترمذي (ت 279 هـ)، والنسائي (ت 303 هـ)، وابن خزيمة (ت 311 هـ) وابن حبان (ت 354 هـ)، وابن عدي (ت365 هـ)، وقبل هؤلاء ومع هؤلاء وبعد هؤلاء جمهرة جليلة القدر، غزيرة العلم، عظيمة الحماسة بذلت جهدا هائلاً في خدمة الحديث النبوي الشريف وعلوم السنة المباركة بكل صدق وعزيمة وإخلاص.
وفي جهود هؤلاء المتقدمين غنيمة باردة حاضرة، ولنا فيها سهم كبير، وتعويل كثير، والحصيف العاقل هو الذي يبدأ من حيث انتهى الناس، فيعمل على التأمل فيما خلفه لنا هؤلاء الأسلاف الكرام، ويحيط به علما وفهما وجمعا، ثم يحاول أن يمضي بهذا العلم بما يفتح الله عليه من زيادة في ضبط أو إضافة لجديد، أو تنبيه على خطأ، أو تطوير في المنهج التنظيمي الشكلي لهذه العلوم فكم ترك المتقدم للمتأخر ثم لابد لها من التطوير في البناء والمضمون بما يتناسب مع تطور العصر، ويتواكب مع أحوال طلبة العلم وغيرهم من المسلمين، حيث إن هذه الواقعية تحتاج إلى برامج تشويقية وتسويقية ودعوية تشد الناس من جديد إلى هذا العلم، وتجمعهم أسوة بمن سلف من كرام أسلافهم، وبهذا تبقى رايته خفاقة مرفوعة، وعلماء السنة اليوم هم المسؤلون مسؤولية مباشرة عن هذا الأمر، وهم المكلفون بتحقيقه، والله المستعان.
وهذه الحركة التي ندعو إليها إنما تتلخص في الاستفادة من جهود المتقدمين والمتأخرين، وهي الصورة المثلى لتحقيق هذه الأمنية.(1/3)
نحن في الغالب الأعم نرقب ونرصد أثر السابق في اللاحق، ونتنبه إلى فضل الأسلاف على من خلفهم، وهذا مهم ومطلوب، ولكنه جانب من الصورة المرادة، والصورة الشاملة الكاملة أن يضم إلى هذا ما أضافه الخلف في كل جيل إلى ما قدمه السلف من جهود. وهو كثير يقتضي الوقفة والتأمل والرصد والمتابعة، وعلى أساس هذه النظرة يكون التطوير والإبداع، ويذهب الهدر والإغفال في هذا البناء العلمي المتواصل. فالأصل ألا ينكرللسلف فضلهم، ولا للخلف جهدهم، وهذا هو الإنصاف المطلوب.
وهذه النظرة تحتاج منا إلى بذل الجهود الواسعة في الإحاطة بما كتبه السلف على توالي العصور، مع إحاطة أخرى بما دونه علماء السنة في هذين القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وهو جهد عظيم حري بالجمع والتتبع كما أنه حري بالنظر والتأمل، وبالاستفادة والتوظيف في تطوير هذه المسيرة العلمية المباركة لعلوم الحديث الشريف.
وقد قامت في نهاية القرن الرابع عشر الهجري المنصرم ومطالع هذا القرن نهضة علمية واسعة في خدمة علوم السنة النبوية من طبع للكثير من مؤلفاتها، وتحقيق وتوثيق جملة من أهم مصادرها ومراجعها، كما زامنت هذه الحركة جهود علمية لنقد المرويات وفحصها لتمييز الصحيح من الضعيف والمقبول من المردود.
ولا شك أن المتصدين لرصد هذه الحركة العلمية السابقة والمعاصرة في خدمة السنة النبوية من المحدثين النقاد ينبغي أن يضعوا في اعتبارهم ضرورة استصحاب مناهج هؤلاء المنظرين من السلف والخلف من علماء الحديث لئلا يقعوا في الخلط بين مناهجهم المختلفة والتي أدت أحيانا إلى هذا التفاوت الواقع في الصور والنتائج.(1/4)
وإن من أهم ثمار هذه العملية العلمية إثر الجمع والدرس والفحص الناقد أن نصل إلى توحيد المصطلحات الحديثية ما أمكن لتعين الدارس المعاصر على سرعة الفهم وعدم التشتت وسط سيل من التعريفات والعبارات المختلفة والتي تنتهي بالطالب إلى السآمة والنفور، وتهدر الجهد والطاقة فيما لا جدوى ولا طائل من ورائه.
ثانيا: موضوع البحث:
وسوف أعالج في هذا البحث المتواضع غياب الاستقرار الاصطلاحي أحيانا لدى المتصدين للكتابة في علوم الحديث من خلال دراسة بعض أنواع علوم الحديث مثل الإرسال والإرسال الخفي وسأحاول تسليط الضوء على ما بينهما من التداخل والتشابك في تعريفات المحدثين حيث تلمس ضياع الفيصل الذي يضع الحدود والضوابط لكل مصطلح بما يميزه عن سواه من المصطلحات، ونقطع هذا السرد المتدفق من التعريفات المتضاربة التي تشتت ذهن الطالب، وتربكه وتساهم في تنفيره.
وقد اعتمدت في تسجيل الملاحظات ووضع الحلول على كتب المصطلح والأثر القديمة والمحدثة، وركزت في اختيار الأمثلة وسرد النماذج على كتاب »السنن الكبرى« للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ) حيث إني قد خبرته فوجدته قد أكثر من استعمال الحديث المرسل فقد استوعب مراسيل أبي داود وضم إليه ضعفه من المراسيل الأخرى مع التنبيه عليها ونقدها، ثم إن الإمام البيهقي محدث جليل بارع في هذه الصناعة، كما أنه فقيه كبير الشأن جليل القدر لأجل ذلك كان الوصول إلى الحكم الشرعي من النصوص الحديثية هو شغله الشاغل وفق المنهج الحديثي وما يتطلبه من تفنن وبراعة وإتقان، فكان يوازن وينقد ثم يرجح ليبني حكمه الفقهي على أساس ذلك.(1/5)
ورغم أن الحديث المرسل ((من أجل الأبواب، فإنه أحكام محضة، ويكثر استعماله، بخلاف غيره)) (1) إلا أنه واحد من المصطلحات التي تداخلت تعريفاته، واتسعت إلى حد دخل فيه واختلط به الحديث المعضل، والمعلق، والمنقطع، والمنقطع الخفي، والإرسال الخفي، بحجة أن هذا سائغ في اللغة، وأن جميع هذه الأحاديث يجمعها وقوع الانقطاع فيها وكذا الحال بالنسبة للمنقطع فقد أصابه من الترهل والاتساع ما أضاع ضبط اصطلاحه، وحبك تعريفه، ورسم حدوده عند البعض من المحدثين.
وإذا ساغ في الماضي أن تكون الصورة على ما وجدنا للتطور الحاصل في الاصطلاح، فإنه لا يصح أن يبقى الحال على ما هو عليه في وقتنا الحاضر، وقد استقرت العلوم، ووضعت القواعد والضوابط والحدود لكل منها بما يرسم معالمها الدقيقة الحاسمة حيث لا تختلط بغيرها.
ثالثاً: تعريف الحديث المرسل (2) :
__________
(1) السخاوي - فتح المغيث: 1/155.
(2) وجمعه مراسيل بإثبات الياء، وحذفها أيضا، وأصله مأخوذ من الإطلاق، وعدم المنع كقوله تعالى: ((إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين)) (سورة مريم /83).
فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف. أو من قولهم: ناقة مرسال، أي سريعة السير كأن المرسل أسرع فيه عجلا، فحذف بعض إسناده، أو من قولهم: جاء القوم أرسالا. أي متفرقين، لأن بعض الإسناد منقطع من بقيته. (السخاوي - فتح المغيث: 1/ 134 - 135).(1/6)
استغرق الحافظ ابن حجر سبع صفحات من الكلام المتواصل في نكته على كتاب ابن الصلاح (1) في إطار الحديث عن تعريف المرسل وانتهى من اختلاف تعاريف الأئمة له أنه على أربعة أوجه، ثم ساقها، ثم ساق أقوالا أخرى مما حكاه الفقهاء والأصوليون في تعريفه. ثم انتهى من كل ذلك بقوله في تعريفه تعريفا جامعا مانعا: ((ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره)) (2) وهذا يكفي في حسم الأمر، واستقرار الاصطلاح.
كما أن الخوض في حكم الحديث المرسل من حيث القبول والرد قضية ذات شجون، وظلت كذلك لوقوع الاختلاف في المناهج والطرائق إلى يومنا هذا. والأمر قد حسم عند المحققين من مئات السنين إلا أنه يحلو لكثير ممن صنف في علوم الحديث أن يعود إلى جميع هذه الآراء المتشابكة والمتعارضة فيسردها على الطلبة الناشئين بطريقة مملة مربكة منفرة. بيد أن حكم الحديث المرسل ليس هو محور حديثنا هنا.
وقد عَرَّفَ البيهقي الحديثَ المرسل من حيث الاصطلاح بأنه: ((كل حديث أرسله واحد من التابعين أو الأتباع، فرواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر مَن حمله عنه)) (3) .
ومن هذا التعريف الصريح يتبين لنا أن البيهقي يتوسع في نظرته إلى ((المرسل))، ويُعطيه مدى أبعد، شأنه في ذلك شأن جمهور المتقدمين من الفقهاء والأصوليين، وبعض أهل الحديث، إذ يعممون التابعين وغيرهم (4) .
2- أنواع الحديث التي تدخل في مسمى المرسل:
ومن خلال الاستقراء والتتبع وجدتُ الإمام البيهقي ومن سبقه من الأئمة المتقدمين وبعض من عاصره أو جاء بعده يطلقون المرسل على:
حديث التابعي، كبيراً كان أم صغيراً.
حديث تُبَّعِ الأتباع.
الحديث المنقطع.
الحديث غير المرفوع، كالموقوفات.
__________
(1) انظر ابن حجر -النكت على كتاب ابن الصلاح: ص 540-546.
(2) المصدر السابق: ص 546.
(3) البيهقي - دلائل النبوة: 1/39
(4) ابن كثير - الباعث الحثيث: 45.(1/7)
الحديث المعضل وهو مذهب الزيدية كما قال الشوكاني كما سيأتي تفصيله قريبا.
وبيان ذلك فيما يلي:
1- مرسل التابعي سواء أكان كبيراً أم صغيراً:
وهو المشهور عند المحدثين في استعمال المرسل، كما قَدَّمنا آنفا.
مِنْ ذلك قوله - بعد أنْ ساق حديث حِبان بن أبي جَبَلَة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أحد أحق بماله من والده، وولده، والناس أجمعين)).
قال البيهقي: ((هذا مرسل، حِبان بن أبي جَبَلَة القرشي من التابعين)) (1) .
وهذا النوع كثير عند البيهقي، وذلك كمرسلات سعيد بن المسيب، وأبي العالية، والحسن البصري، وابن شهاب الزهري، وعطاء بن أبي رباح، وغير ذلك.
وعلى هذا المعنى في تعريف الإرسال هو الذي استقر عليه المتأخرون (2) .
2- مرسل أتباع التابعين (3) :
وهذا النوع داخل في تعريف البيهقي للحديث المرسل تصريحاً، فإنه قال: ((كل حديث أرسله واحد من التابعين، أو الأتباع)) (4) . وشواهده كثيرة في ((السنن الكبرى)).
من ذلك قوله - بعد أنْ ساق حديث »وجوب العشر« من طريق سليمان بن موسى، عن أبي سيارة المتقي مرفوعاً -: ((قال البخاري: هذا حديث مرسل، وسليمان بن موسى لم يدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وليس في زكاة العسل شئ يصح)).
وكذلك قوله: ((وهذا مرسل، إسحاق بن عمر لم يدرك عائشة)) (5) .
__________
(1) البيهقي - السنن الكبرى: 10/319.
(2) انظر: د.نور الدين عتر - منهج النقد: 370.
(3) أي الذين لم يدركوا أحداً من الصحابة.
(4) البيهقي - دلائل النبوة: 1/39، وممن صرح بنحوه من المحدثين، الإمام الحاكم، فإنه قال في (المدخل): ((هو قول التابعي، أو تابع التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) وتابعه البغوي في (شرح السنة). قال المناوي: ((ولكن الذي مشى عليه - أي الحاكم - في علومه خلاف ذلك)). (فتح المغيث: 1/137).
(5) المصدر السابق: 1/435(1/8)
وقوله: ((هذا مرسل، لم يسمعه يحيى - أي ابن أبي كثير- عن أنس، إنما سمعه عن رجل من أهل البصرة، يقال له: عمرو بن زينب، ويقال: ابن زينب عن أنس)) (1) .
3- اطلاق الإرسال على الحديث المنقطع:
إنَّ النوع الثاني ((مرسل أتباع التابعين)) هو من المنقطع، ولكننا أفردنا هذا النوع الثالث بالذكر، وإن كان في حقيقته كالثاني لتنصيص البيهقي على استعمال لفظ الإرسال في المنقطع.
وقد وقع هذا للإمام البيهقي، كما وقع للمتأخرين عموماً. فإنهم عَرَّفوا المرسل بأنه: ((كل ما لا يتصل، سواء أكان يُعْزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره)) (2) .
وقال النووي: ((والصحيح الذي ذهب إليه الفقهاء، الخطيب، وابن عبدالبر، وغيرهما من المحدثين: أنَّ المنقطع ما لم يتصل إسناده على أيَّ وجه كان انقطاعه)) (3) .
وبهذا يزول الاستغراب الذي يرتسم في ذهن الباحث وهو يرى صنيع البيهقي في استعمال اصطلاح (المرسل) في موضع (المنقطع)، و(المنقطع) في موضع (المرسل) مِمَّا يجعل القارئ - غير المحيط بهذه الدقيقة - يلاحظ أنَّ هناك اضطراباً كبيرا لدى البيهقي في كتابه ((السنن الكبرى)) (4) .
ومثال ذلك، قوله: ((وفيه إرسال بينه - أي ابن جريج -وبين عبدالكريم)) (5) .
- وقوله : (( هذا مرسل ابن أبي زكريا لم يسمع من أبي الدرداء )) (6) .
- ومن ذلك قوله: ((وهذا مرسل، شعيب بن يسار لم يدرك عمر)) (7) ثم ساق الدليل على ذلك.
-وقوله أيضاً: ((إلاّ أنه مرسل، ربيعة لم يدرك أبا سعيد - أي الخُدْري-)) (8)
__________
(1) المصدر السابق:4/240.
(2) ابن عبد البر - التمهيد لما في الموطأ من السنن والمسانيد: 1/21.
(3) النووي - التقريب: 7.
(4) البيهقي - السنن الكبرى: 4/126.
(5) المصدر السابق:8/38.
(6) المصدر السابق: 9/306.
(7) المصدر السابق:4/139.
(8) المصدر السابق: 4/77.(1/9)
- وقوله: ((إسحاق بن يحيى لم يدرك عُبَادة بن الصَّامت، فهو مرسل)) (1) .
والأمثلة والشواهد في ذلك كثيرة (2) .
4- إطلاق (المرسل) على غير المرفوع من الآثار:
وهذا يؤكد منهج البيهقي في نظرته إلى »المرسل« و»المنقطع« وما بينهما من عموم وخصوص، ويجلى رأيه في ذلك، فإنه قد استعمل مصطلح الإرسال في غير المرفوع، كما استعمل المنقطع في موضع المرسل أحياناً، والمرسل في موضع المنقطع أحياناً أخرى، فهذه الأوصاف جميعاً تصدق على كل ما لا يتصل إسناده.
قال ابن الصلاح: ((وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، وهو الذي ذكره الحافظ أبوبكر الخطيب في »كفايته)) (3) .
ومثال إطلاق الإرسال على غير المرفوع عند البيهقي، قوله: (هذا مرسل موقوف) (4) ، وقد قال ذلك عقب قول ابن عباس، وذلك لأن في السند انقطاعاً.
وساق قولاً لابن مسعود من طريق المَسْعُودي عن القاسم بن عبدالرحمن عنه، ثم قال: ((مرسل، وهو موقوف على عبدالله بن مسعود)) (5) .
وفي باب (النهي عن التغالي في المهور) ساق قول عمر من طريق بكر، ثم ساق له شاهداً من طريق الشَّعْبي عن عمر من قوله، ثم قال: ((هذا مرسل جيد)) (6) .
وليس ثَمَّةَ اعتراض يَرِدُ على البيهقي في إطلاق المرسل على غير المرفوع، باعتبار أنه عَامَل المرسلَ معاملة المنقطع، وجعل كليهما شاملين لكل ما لا يتصل إسناده، وذلك لأنَّ المنقطع شامل لكل ما لا يتصل إسناده، سواء أكان يُعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم إلى غيره.
__________
(1) المصدر السابق: 6/1548،/74.
(2) المصدر السابق: 1/125، 4/200، 5/333، 6/247، 7/118، 304 وغير ذلك من المواضع.
(3) ابن الصلاح- المقدمة: 58.
(4) البيهقي - السنن الكبرى:7/199.
(5) المصدر السابق: 5/165.
(6) المصدر السابق: 7/233.(1/10)
قال ابن عبدالبَر الأندلسي: ((المنقطع عندي: كل ما لا يتصل، سواء كان يُعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره)) (1) .
5- اطلاق المرسل على الحديث المعضل:
قال الشوكاني في حقيقة المرسل: ((أنه ما سقط من إسناده راوٍ أو أكثر من أي موضع، فعلى هذا المرسل، والمنقطع، والمعضل واحد، وهو مذهب الزَّيدْية)) (2) .
رابعاً: حقيقة المرسل، وموقف المحدثين من إطلاقه على المنقطع وغيره:
سبق أن قدَّمنا أن جمهور المحدثين يطلقون المرسل على ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أما صنيع البقية الباقية من المحدثين فإنهم يطلقونه على هذا النحو، ويطلقونه على المنقطع أيضاً.
وقد وجدت البيهقي ينتهج هذا المنهج، وينحو منحاه، فهو أحياناً يستعمل الاصطلاح الشائع لدى المحدثين، وأحياناً أخرى كثيرة يتوسع فيه، فيطلق المرسل على المنقطع وغيره.
قال النووي - بعد أنْ ساق أقوال المحدثين في تعريف المرسل -: ((والمشهور في الفقه والأصول أنَّ الكل مرسل، وبه قطع الخطيب، وهذا اختلاف في الاصطلاح والعبارة)) (3) .
__________
(1) ابن عبد البر- التمهيد: 1/21.
(2) الصنعاني - توضيح الأفكار: 1/286.
(3) النووي - التقريب: 6-7.(1/11)
قال السخاوي: ))وممن أطلق المرسل على المنقطع من أئمتنا أبوزرعة (1) ، وأبو حاتم (2) ، ثم الدارقطني، ثم البيهقي، بل صَرَّحَ البخاري في حديث إبراهيم بن يزيد النخعي، عن أبي سعيد الخدري بأنه مرسل، لكون إبراهيم لم يسمع من أبي سعيد، وكذا صَرَّحَ هو وأبو داود في حديث لعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود، بأنه مرسل، لكونه لم يدرك ابن مسعود، والترمذي (3) في حديث لابن سيرين، عن حكيم بن حزام، بأنه مرسل، وإنما رواه ابن سيرين عن يوسف بن ماهك، عن حكيم، وهو الذي مشى عليه أبوداود في )مراسيله (4) (، في آخرين (5) ((. انتهى كلام السخاوي.
وممن ألفيته يصنع ذلك من الأئمة، زيادة على من ذكر السخاوي: الإمام ابن خزيمة، فقد صَرَّحَ بذلك في حديث عطاء، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة مرفوعاً.
قال البيهقي: ((قال أبوبكر بن خُزَيْمَة: هذا حديث مرسل، بين أبي الخليل وبين أبي قتادة رجل)) (6) .
ومن الشواهد الأخرى التي وجدتها في (السنن الكبرى) خلال استقرائي للحديث المرسل فيها، زيادة على ما ذكره السخاوي:
ما صَرَّحَ به البخاري في ((حديث وجوب العشر))، إذ قال: ((هذا حديث مرسل، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في زكاة العسل شئ يصح)) (7) .
كما أنه أطلق الإرسال على رواية شعيب بن يسار عن عمر بن الخطاب، لأن شعيباً لم يدرك عمر (8) .
__________
(1) انظر: (المراسيل) ابن أبي حاتم: 127.
(2) أي في كتابه (المراسيل) إذ أدخل فيه مالم يتصل من الأسانيد، وهذا في إطلاق اسم الإرسال على المنقطع وكذلك صرح في العكس، فإنه أطلق اسم الانقطاع على المرسل. انظر: ابن أبي حاتم - المراسيل: 7.
(3) د.نور الدين عتر - الإمام الترمذي وجامعه:200-201.
(4) البيهقي - السنن الكبرى:6/120.
(5) السخاوي - فتح المغيث: 1/137-138.
(6) البيهقي - السنن الكبرى: 5/224.
(7) المصدر السابق: 4/126.
(8) المصدر السابق: 4/139.(1/12)
وبهذا أيضاً صَرَّحَ أبوداود السَّجستاني، فإنه قال في حديث إبراهيم التيمي، عن عائشة: ((هذا مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة)) (1) .
بل توسع أبوداود في ذلك، فأطلق المرسل على المبهمات، وتابعه عليه الإمام النووي، وهو خلاف ما عليه أكثر الأئمة.
قال السخاوي: ((وممن أخرج المبهمات في المراسيل، أبو داود، وكذا أطلق النووي في غير موضع على رواية المبهم مرسلاً، وكل من هذين القولين خلاف ما عليه الأكثرون من علماء الرواية)) (2) .
وممن أطلق المرسل على المنقطع الإمام الدارقطني، فقد صَرَّحَ في حديث عامر الشّعبي، عن عمر بن الخطاب، فقال: ((هذا مرسل، عامر لم يدرك عمر)) (3) .
وممن تابعهم في ذلك من الأئمة المتأخرين الحافظ العلائي الكيكلدي في كتابه الحافل »جامع التحصيل بأحكام المراسيل«، فقد تكلم فيه على أنواع الحديث المنقطع، ثم أورد أسماء المدلسين، ثم الأسانيد المنقطعة.
قال ابن تيمية: ))وكذلك ما يسقط من إسناده رجل، فمنهم من يخصه باسم المنقطع، ومنهم من يدرجه في اسم المرسل، كما أن فيهم من يسمي كل مرسل منقطعاً، وهذا كله سائغ في اللغة (4) ((.
قلت: وهل كُل ما هو سائغ في اللغة يسوغ استعماله في المصطلح؟! فما فائدة علم المصطلح؟
__________
(1) المصدر السابق: 1/127.
(2) السخاوي - فتح المغيث: 1/151.
(3) البيهقي - السنن الكبرى: 5/322.
(4) ابن تيمية - مجموع الفتاوى: 18/38.(1/13)
إنما وضع هذا العلم لتضبط مفرداته ضبطا دقيقا، وتحصر وتقصر وفق حدود تمنع الاشتراك وتدفع التداخل وإذا ساغ سرد جميع هذه التعريفات وتسجيلها بتفاصيلها في مرحلة الدراسات العليا لمعرفة التدرج العلمي لقواعد المصطلح ودراسة مناهج أصحابه فإنه لا يجوز ولا يقبل بحال في المرحلة الجامعية، ولا في المصنفات التي تكتب لعموم المثقفين والمختصين بغير علم الحديث، بل الأصل أن تعرف المصطلحات الحديثية تعريفا نهائيا قطعيا يحسم الخلاف والتردد وفق ما استقر عليه الاصطلاح ومشى عليه جمهور المحدثين.
خامساً: ضبط تعريف المرسل الخفي:
وهو نوع مهم، عميق المسالك، لم يتكلم فيه قديماً وحديثاً إلّا نقاد الحديث وجهابذته (1) .
تعريف المرسل الخفي:
وقد اختلفت آراء العلماء في تعريف (المرسل الخفي) اختلافا كثيرا (2) ورجح الإمام السخاوي تعريف ابن حجر له، فقال: ((بل هو على المعتمد في تعريفه، حسبما أشار إليه شيخنا - ويعني ابن حجر العسقلاني -: الانقطاع في أي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا، وكذا لو التقيا ولم يقع بينهما سماع، فهو انقطاع مخصوص، يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص...)) (3) .
وقد رأيت أن أنتهج لنفسي منهجا اصطلاحيا جديدا يلتقي مع مناهج المتقدمين في الفحوى، قصدت فيه الدقة الزائدة في الاصطلاح والعبارة، وغرضي من ذلك أن أضبط الاصطلاح ضبطا موافقا لمسماه، ومطابقا لفحواه فجعلت (المرسل الخفي) مقصورا على رواية التابعي عن الصحابي الذي عاصره، ولم يسمع منه، أو لم يعاصره، وروى عنه. فإن الذي استقر عليه الحفاظ - سيما في أزمنتنا المتأخرة - استعمال صيغة (الإرسال) في الحديث الذي سقط منه الصحابي.
قال الإمام طه بن محمد البيقوني:
__________
(1) السخاوي - فتح المغيث: 3/85.
(2) د.نور الدين عتر- منهج النقد: 286.
(3) السخاوي - فتح المغيث: 3/85-86.(1/14)
وَمُرْسَلٌ منْهُ الصَّحابيُّ سَقَط ... ... وَقُلْ غَرِيبٌ ما رَوى رَاوٍ فَقَطْ (1)
ولهذا أحببت أن أقصر لفظ (الإرسال) الظاهر في الحديث الذي سقط منه الصحابي فحسب، وهذا أمر ثابت ومسلم عند الحفاظ في (المرسل) العادي.
أما في (المرسل الخفي) فقد اختلفوا فيه اختلافا واسعا، وصرفوه على أوجه بعيدة عن أصل لفظه الاصطلاحي، ولا يمنع توسع المتقدمين في استعمال (الإرسال) بمعنى الانقطاع عموما -في أي موضع في السند- أن نضبط تعريف (المرسل الخفي) أسوة (بالمرسل) الظاهر الذي استقر الاصطلاح في إطلاقه على الحديث الذي سقط منه الصحابي، فما دام هناك إرسال فثم صحابي ساقط.
وعلى هذا يكون الإرسال -عندي- قسمين:
أولهما: الإرسال الظاهر المعروف بسقوط الصحابي من سند الحديث سقوطا حقيقيا عينيا، ويقوم التابعي برفع الحديث إلى النيي صلى الله عليه وسلم.
ثانيهما: (المرسل الخفي) وهو الحديث الذي يكون الصحابي مصرحا به في الإسناد، ويرويه عنه التابعي بصيغة »العنعنة« ولم يسمع منه هذه الرواية سواء أسمع منه أم لم يسمع، فيكون الصحابي هنا في حكم الساقط، ويكون الحديث مشتملا على (الإرسال الخفي)، وذلك لعدم توفر السماع عند من روى عنه، فالصحابي هنا ثابت لفظا، وساقط حكما، ولما كان مدار الانقطاع على الصحابي، استحسنا تسميته بالمرسل لاختصاصه به، ولما كان ظاهره الاتصال -وهو في حقيقته منقطع- ناسب أن أسميه (بالخفي)، وعليه يكون اصطلاحنا الذي أطلقناه بخصوص هذه الحالة من الإرسال الباطن لا غبار عليه (2) إن شاء الله تعالى، والحمد لله.
__________
(1) البيقوني - المنظومة البيقونية (التعليقات الأثرية): 23. وانظر: السيوطي- تدريب الراوي: 1/195، الصنعاني - توضيح الأفكار: 1/283- 287، ود.عجاج الخطيب- المختصر الوجيز: 149.
(2) هذا فهم انفرد به الباحث، وما وقفنا عليه عند أحد من السابقين!!! (لجنة إعداد الندوة).(1/15)
وأما الانقطاع في غير هذا الموضع من السند فله اصطلاحه وتعريفه الذي يميزه عن غيره من الأنواع ويمكن أن يكون -وفق ما قدمنا- منقطع ظاهر ومنقطع خفي، ومعضل ظاهر ومعضل خفي، والله أعلم وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله، وصحبه والحمد لله رب العالمين.
فهرس المصادر والمراجع
* البيقوني: محمد طه:
* المنظومة البيقونية، (انظر: التعليقات الأثرية لعلي حسن).
* البيهقي: أحمد بن الحسين (ت 458 هـ):
-دلائل النبوة، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى 1405 هـ / 1985م. وهناك طبعة أخرى بتحقيق السيد أحمد صقر طبع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الجمهورية العربية المتحدة 1389 هـ / 1970م. وقد ميزت بين الطبعتين بأن ذكرت طبعة المجلس الأعلى كلما اقتبست منها، وتركت الأخرى غفلا.
- السنن الكبرى، دار المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى سنة 1343 هـ.
* ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ):
- مجموع الفتاوى، جمعها ورتبها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ومساعده ابنه محمد بن محمد بن عبد الرحمن مكتبة المعارف، الرباط، الطبعة الثانية، سنة 1981م.
* ابن أبي حاتم: عبدالرحمن بن أبي حاتم (ت 327 هـ):
- المراسيل، مكتبة المثنى ببغداد، تحقيق شكر الله نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة، بيروت،الطبعة الثانية 1402 هـ / 1982م.
* ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي (ت 852 هـ)
- تحقيق د. ربيع بن هادي المدخلي، المجلس العلمي لاحياء التراث، المدينة المنورة الطبعة الأولى سنة 1984م.
* السخاوي: محمد بن عبدالرحمن بن محمد (ت 902 هـ):(1/16)
- فتح المغيث شرح ألفية الحديث، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1403 هـ /1983م في ثلاث مجلدات، وطبعة أخرى بتحقيق الشيخ سليمان ربيع في مجلد واحد، طبعت بمصر، وقد اعتمدت أصلا على الطبعة الأولى، وميزت بينهما بذكر طبعة مصر كلما أحلت عليها أو اقتبست منها.
* السيوطي: جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ):
- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1399 هـ / 1979م، طبعة أخرى، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطبف، مكتبة القاهرة بمصر سنة 1379 هـ / 1959م وقد فرقت بينهما بالتنبيه على طبعة القاهرة.
* ابن الصلاح: أبو عمر وعثمان بن عبدالرحمن ( ت 643 هـ):
- علوم الحديث، تحقيق د. نور الدين عتر. دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة سنة 1404 هـ / 1984م.
* الصنعاني: محمد بن إسماعيل الأمير (ت 1182 هـ):
- توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار ضياء التراث، الطبعة الأولى سنة 1366 هـ.
* ابن عبد البر: يوسف بن عبدالله (ت 463 هـ):
- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد، وزارة الأوقاف بالمغرب.
* د. عتر: نور الدين:
- الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1390 هـ / 1970م.
- منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة 1401 هـ / 1981م.
* د. عجاج الخطيب: محمد عجاج الخطيب:
- أصول الحديث علومه ومصطلحه، دار الفكر، الطبعة الثانية سنة 1971م.
* علي حسن علي عبد الحميد:
- التعليقات الأثرية على المنظومة البيقونية، المكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى سنة 1403 هـ /1982م.
* ابن كثير: عماد الدين إسماعيل بن عمر (ت 774 هـ):
- الباعث الحثيث شرح مختصر علوم الحديث، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت 1403 هـ.
* النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف (ت 676 هـ):(1/17)
- تقريب الإرشاد مختصر علوم الحديث لابن الصلاح، مكتبة الحلبوني، دمشق.(1/18)