شَرْحُ
(نَظمِ الُّلؤْلُؤِ الْمَكنُونِ للحافِظِ الْحَكَمِي)
شرحُ الشَّيخِ
عبدُ الكريمِ بنُ حميدٍ الخضيرِ
مقدمة الشارح
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعليه وعلى آله أجمعين، أما بعد:
فلا يخفى على من حضر فضل العلم الشرعي وما أعده الله -جل وعلا- من ثواب عظيم لحملته، بل لمن سعى في طلبه ولو لم يدركه، وجاء في الحديث: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ( مجرد أن يسلك الإنسان الطريق يثبت له إن كان مخلصا لله ( هذا الموعود الصادق، فإذا كان العلم يؤثر في الحيوانات بل في أخسها، فماذا عن مسلم مؤمن يبتغي بهذا العلم وجه الله والدار الآخرة.
الأمر في غاية الأهمية، ومقابله في غاية الخطورة؛ لأن العلم الشرعي ويراد به ما يعتمد على الوحيين من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك، فمن تعلم لكي يقال عالم، هذا مصيره أن يكون أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، ولو قيل له: عالم، ولو تبوء منزلة بين الناس، ولو تبوء المنازل والمناصب بين الناس، ليستوفي حقه في الدنيا ويدخر له العذاب يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية .
والعلم الذي جاءت النصوص بمدحه ومدح حامله هو العلم الشرعي، والعلم الشرعي المعتمد على الوحيين، أما ما سواه من العلوم فهو كغيره مما يعانيه الناس من أمور دنياهم، إن احتسب به نفع المسلمين أُجر عليه كما يؤجر الصانع والمزارع وغيرهما، وإن خلا عن النية فلا له ولا عليه، وهذا بخلاف هذا العلم الذي هو في الحقيقة عبادة بل من أجلّ العبادات؛ ولذا يقرر أهل العلم في أبواب صلاة التطوع يرتبون ما يتطوع به العبد بعد الفرائض ويجعلون العلم وطلب العلم ومدارسة العلم في رأس القائمة، والمراد به علم الوحيين الكتاب والسنة .(1/1)
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتلقون العلم من النبي ( مباشرة ودون وسائط، فلا يحتاجون إلى وسائل تعينهم على فهم الكتاب والسنة، فلما وجدت الوسائط بين من ينشد العلم ويطلبه وبين مبلغه عن ربه --عليه الصلاة والسلام-- احتيج إلى مثل هذه الوسائل.
في القرن الأول والثاني العهد قريب، والقرائح باقية، والفطر على ما كانت عليه، ثم لما وجدت الحاجة إلى أن يؤلَّف في علوم الوسائل إلى المقصد الأصلي هو علم الوحيين هذه الحاجة أوجدت هذه العلوم، فألف الناس في العقائد، وبينوا العقائد الصحيحة المتلقاة من كتاب الله ( وسنة نبيه ( وما يبين ذلك من أقوال الصحابة والتابعين لما وجد المخالف في هذا الباب، فبينت هذه العقائد ودونت فيها الكتب حماية للمسلمين وردا على المخالفين.
بعد العهد واختلط العرب بغيرهم فاحتاجوا إلى ما يعينهم على فهم كلام الله ( فألفت التفاسير، كثرت الوسائط بين الناس وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- فاحتيج إلى أن تبحث أحوال هذه الوسائط جرحا وتعديلا، واحتيج أن يصنف في قواعد من قبل أهل العلم تضبط ما يقال في هؤلاء الرواة من جرح وتعديل، فالحاجة أوجدت هذه العلوم، والعلماء أدوا ما عليهم في خدمة الكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة.
احتيج أيضا إلى تدوين أقوال سلف هذه الأمة في القضايا والنوازل ليفاد منها في كيفية التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، فألفت كتب الفروع، ووجدت القواعد والضوابط والأصول التي يستعين بها طالب العلم في كيفية التعامل مع النصوص، فألفت بقية العلوم لتخدم الكتاب والسنة.
وهذا العلم -أعني: علم مصطلح الحديث- من هذا النوع، وأُلف للتوصل به وبواسطته إلى معرفة المقبول والمردود مما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فكان موضوعه الأسانيد والمتون الذي نظم فيهما هذا النظم الذي بين أيدينا .(1/2)
هذا الكتاب الذي معنا كتاب جامع متوسط، لم يكن اختصاره مخلا كالبيقونية وغرام صحيح وغيرهما، ولم يكن مطولا كالألفيات وغيرها مما زاد عليها، قد يقول قائل: هذا نظم وجاءت النصوص بذم الشعر فكيف نتقرب إلى الله ( بما جاء ذمه في النصوص، ( ((((((((((((((( (((((((((((( (((((((((((( ((((( ( (1) وجاء في الصحيحين: ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا ( هذا ذم الشعر، لكنه محمول عند أهل العلم على من امتلأ جوفه وذهنه وحافظته من هذا النوع من الكلام.
وإذا امتلأ هذا الظرف وهذا الوعاء فإنه لن يكون لما أُمر به من حفظ للكتاب والسنة من كلام الله ( وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام، لن يكون له مكانة، فمن كان ديدنه الشعر حتى يمتلئ بحيث لا يستطيع أن يستوعب غيره معه، يرِد فيه مثل هذا الحديث.
وبعض أهل العلم حمل هذا الحديث وما جاء في معناه على الشعر المذموم، ولا شك أن الشعر كلام حسَنُه حسن وقبيحه قبيح، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- الشعر، وأُنشد الشعر بين يديه -عليه الصلاة والسلام- استمع للشعراء، وأمر حسانا بأن يهجو الكفار، فدل على أن الشعر إذا خلا مما ذكر فإنه من قبيل المباح، ثم إذا اشتمل هذا الشعر على ما ينفع من دفاع على الإسلام وأهله يرد فيه نحو: ( اهجهم وروح القدس يؤيدك ( كونه مأمورا به، إذا كان فيه بيان للدين ودفاع عنه، ورد على المخالفين يكون مما أمر به.
كانت البدايات في نظم العلوم ضعيفة ومقتصرة على التواريخ والأدب، وأنا دونت بعض من نظم في التواريخ من الأوائل: أبان بن عبد الحميد اللاحقي متوفى سنة مائتين نظم في الأدب والأخلاق كتاب كليلة ودمنة، ونظم في التاريخ سيرة أنوشروان وسيرة أردشير. جاء بعده بشر بن المعتمر الهلالي المعتزلي متوفى سنة عشر ومائتين فنظم قصيدة يقال أنها في أربعين ألف بيت رد فيه على جميع المخالفين لاعتقاده.(1/3)
جاء بعده علي بن الجهم القرشي متوفى سنة تسع وأربعين ومائتين فنظم أرجوزة تاريخية ذكر فيها تاريخ الخلق منذ آدم -عليه السلام- حتى الخليفة المستعين بالله، جاء بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن المعتز المتوفى سنة ست وتسعين ومائتين فنظم أرجوزته في تاريخ الخليفة المعتضد وغيره، وتقع في عشرين وأربعمائة بيت، ثم جاء ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة فنظم أرجوزة تاريخية في مغازي عبد الرحمن الناصر، ورتبها على السنين وتقع في خمسة وأربعين وأربعمائة بيت، وأرجوزة أخرى في العروض تقع في ثلاث وتسعين ومائة بيت.
استمر الحال على ذلك الضعف إلى أن جاء العصر العباسي الرابع الذي يبدأ من سبعة وأربعين وأربعمائة وينتهي بسقوط بغداد بالكارثة الأولى سنة ست وخمسين وستمائة، فتغيرت حال الشعراء عما كانوا عليه، وانصرفت القرائح إلى نظم العلوم الشرعية فأودعوا علومهم في قصائد طويلة تارة وقصيرة تارة أخرى؛ ليسهل حفظها وتذكرها.
والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، فمن أطول هذه القصائد مما وجد نظم ابن عبد القوي -رحمه الله- للمقنع المسمى عقد الفرائد، وهذه طويلة جدا "عقد الفرائد وكنز الفوائد" مطبوع في مجلدين تزيد أبياتهما على اثني عشر ألف بيت، وهذه المنظومة لا شك أن فيها ضبط لفقه الحنابلة على طولها، ولا مانع أن يعتني بها طالب العلم كما يعتني بغيرها من كتب الفقه، يقرؤها قراءة وإذا وجد بيتا يشتمل على فائدة نادرة أو ضابط يمكن أن يحفظه فهو أحسن من النثر .
نونية ابن القيم تذكر في هذا المجال وهي منظومة نافعة عظم نفعها بلغت في عد خمسة آلاف وعشرين بيتا، والألفيات في كل علم أشهر من أن تذكر؛ هناك ألفية ابن مالك، وألفية العراقي، وألفية السيوطي.. الألفيات كثيرة، ألفية في الفرائض ألفية في الفقه.(1/4)
هناك المختصرات المنظومات المختصرة التي عم نفعها كالرحبية في الفرائض، البيقونية على اختصارها في المصطلح، ونظم الآجرومية، ونظم الورقات، وغير ذلك من المنظومات التي لا ينكر نفعها، فهذه منظومات مهمة والنظم كما عر فنا يقابل النثر، ومنه نظم العقد وجمع مفرداته في خيط واحد، كما أن النظم نظم الكلام جمع كلمات البيت الواحد في عقد واحد وهو البيت، بل في عقود وهي الأبيات.
اللؤلؤ المكنون عندنا العنوان نظم اللؤلؤ المكنون جاء في تفسير القرطبي على قوله -جل وعلا: ( ( ((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((( (((((((((( (((((((( ((((((((( (((( ( (2) من سورة الطور يقول: كأنهم في الحسن والبياض لؤلؤ مكنون في الصدف، والمكنون المصون، وقال الكسائي: كننت الشيء سترته وصنته من الشمس، وأكننته في نفسي أسررته.
وقال أبو زيد: كننته وأكننته بمعنى في الكن وفي النفس جميعا، تقول: كننت العلم وأكننته فهو مكنون ومُكَن، وكننت الجارية وأكننتها فهي مكنونة ومُكَنّة.
واللؤلؤ: هو الدر عبارة عن أجسام مستديرة بيضاء لماعة تتكون في الأصداف من رواسب بعض الحيوانات المائية، واحدتها لؤلؤة والجمع لؤلؤ ولآلئ.
"في أحوال الأسانيد والمتون" يعني: في توضيح وبيان أحوال الأسانيد وذكر السند والمتن، سيأتي في النظم لكن وروده هنا في أول مكان يغنينا عن إعادته فيما بعد إن شاء الله -تعالى.
"الأسانيد": جمع سند، وهو لغة: ما ارتفع من الأرض وما يليك من الجبل وما قابلك مما يليك من الجبل وعلا عن السفح، وكل شيء أسندته إلى شيء فهو مسند وسند، ويقال: أسند في الجبل إذا صعده، كما يقال: فلان سند أي: معتمَد، فالسند ما يستند إليه ويعتمد عليه من متكأ ونحوه.(1/5)
اصطلاحا: عرفوه بأنه الإخبار عن طريق المتن، قال ابن حجر: حكاية طريق المتن، يعني: الطريق الموصِل إلى المتن، والإسناد يأتي بمعنى السند، حديث إسناده حسن أو سنده حسن لا فرق، وإن كان الأصل الإسناد والمصدر رفع الخبر إلى قائله أو رفع الحديث إلى قائله .
والسند كما تقدم يمكن نصوغه بعبارة تكون أوضح مما تقدم هو: سلسلة الرواة الذين يذكرهم المحدث ابتداء بشيخه وانتهاء بالنبي -عليه الصلاة والسلام.
"والمتون": جمع متن وهو ألفاظ الحديث التي هي الغاية من دراسة هذا العلم، وأما دراسة الأسانيد فهي وسيلة ألفاظ الحديث التي تقوم بها المعاني، مأخوذ من المماتنة وهي المباعدة في الغاية؛ لأن المتن هو غاية السند، أو من المتن وهو ما صلُب وارتفع من الأرض؛ لأن المسنِد يقوي المتن بالسند ويرفعه إلى قائله، أو من تمتين القوس أي يشدها بالعصب؛ لأن المسند يقوي الحديث ويسنده أو يقوي الحديث بسنده.
والأسانيد والمتون هي موضوع علوم الحديث، يعني علوم الحديث موضوعه في الأسانيد والمتون يقول السيوطي:
علم الحديث ذو قوانين تحد
يدرى بها أحوال متن وسند
ذلك الموضوع، وقُدم الموضوع على الحد للحاجة إلى شرح عنوان الكتاب، وإلا فالأصل تقديم الحد، والمبادئ العشرة معروفة :
إن مبادئ كل علم عشرة
ونسبته وفضله والواضع
الحد والموضوع ثم الثمرة والاسم والاستمداد ثم حكم الشارع
على كل حال الذي يعنينا من هذا تعريف علوم الحديث وموضوعه بقية المبادئ العشرة بحثها موجود، فعلوم الحديث ويسمونه أصول الحديث ويسمونه مصطلح الحديث، وهو بمنزلة علوم القرآن وأصول الفقه وهو القوانين المعرفة بحال الراوي والمروي، يعني بحال السند والمتن بحال الموضوع.(1/6)
هذا أخصر ما قيل فيه، وإن كان له تعريفات باعتبار أسمائه وشهرته في مصطلح الحديث في هذه الكلمة وهي عبارة عن جزأين، رُكب أحدهما على الآخر، جزأين متضايفين: مصطلح وحديث، وله تعريف باعتبار جزأي المركب، وتعريفه الذي مضى باعتباره علم على هذا العلم .
المصطلح: هو العرف الخاص، يعني ما يتعارف عليه أهل علم من العلوم، فإذا كان هذا المصطلح لا يتضمن مخالفة لما تقرر في علم من العلوم فإنه لا مشاحة فيه، وأهل العلم يطلقون: لا مشاحة في الاصطلاح مع أنه ينبغي أن تقيد بما لا يخالف نصا شرعيا أو مما تقرر في أي علم من العلوم.
يعني لو قال شخص: أنا أصطلح لنفسي أن تكون السماء وهي في مكانها أقول: تحت، الناس يقولون: فوق، والأرض فوق وإن كانت تحت؛ هذا يخالف ما تقرر عند جميع العقلاء، فليس لنفسك أن تصطلح ما يخالف ما تقرر، لو قال: أنا أجعل الشمال جنوبا والجنوب شمالا، أجعل في اصطلاحي أن اليمن في جهة الشمال وأن الشام في جهة الجنوب، نقول له: هذا يخالف ما اصطلح عليه.
لكن لك أن تصطلح لنفسك ولا مشاحة في الاصطلاح أن تقلب الخارطة فبدلا من أن يكون الشام في رأس الخارطة واليمن في أسفلها اقلب لا بأس ما فيه مانع؛ لأن هذا لا يغير من الواقع شيئا. أقول هذه المسألة التي تطلق على ألسنة أهل العلم هي بحاجة إلى مثل هذا التقييد، ولا نريد أن نسترسل أكثر من هذا.
فنأتي إلى التعريف بالمؤلف: المؤلف -رحمة الله عليه- أشهر من نار على علم، فهو بالنسبة لاسمه الشيخ العالم العلامة وإن صغر سنه فالعبرة بما حواه من علم وعمل، اسمه: حافظ بن أحمد بن على الحكمي، نسبة إلى الحكم بن سعد العشيرة، ولد -رحمة الله عليه- نريد أن نختصر اختصار شديد جدا؛ لأن سيرة الرجل -رحمة الله عليه- العطرة كُتب فيها رسائل علمية، ودونت في بطون الكتب ضمن التراجم بإفاضة، استوفيت حياته -رحمة الله عليه- شيوخه، تلاميذه، مؤلفاته، شيء من أخباره، المقصود أن هذا مستوفى لا نستطرد بذكره(1/7)
ولد -رحمة الله عليه- سنة اثنتين وأربعين وثلاث مائة وألف بشهر رمضان بقرية يقال لها السلام، تابعة لمدينة المضايا حاضرة قبيلة الحكّامية، الحكامية أنتم أعرف بضبطها التي ينتسب إليها، ثم انتقل إلى قرية الجاضع التابعة لمدينة صامتة، تعلم مبادئ القراءة والكتابة في الكتاب حيث ألحقه أبوه بكتاب القرية، حفظ القرآن وبعض المتون العلمية في وقت مبكر جدا.
لزم الشيخ عبد الله القلعاوي الذي انتقل إلى المنطقة هناك في جيزان سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وألف في شعبان، رزقه الله حافظة قوية وفهما ثاقبا، حصل في مدة يسيرة جدا من العلوم ما لا يدرك في عقود .
ومؤلفاته شاهدة على ذلك التي من أشهرها: سلم الوصول شرح معارج القبول، أعلام السنة المنشورة، دليل أرباب الفلاح في المصطلح، المنظومة النونية في الوصايا والآداب العلمية، وهذه المنظومة لا يستغني عنها طالب علم، أودعها -رحمة الله عليه- وصايا يحتاج إليها كل طالب علم، النور الفائض في علم الفرائض وغير ذلك من مؤلفات الشيخ الكثير. توفي الشيخ -رحمة الله عليه- بعد أن أدى الحج سنة سبع وسبعين وثلاث مائة وألف وكان عمره خمسا وخمسين سنة وأشهر، إذ كان النووي -رحمة الله عليه- يضرب به المثل في وجود البركة في عمره ومدته على قصرها، فالشيخ حافظ -رحمة الله عليه- أصغر منه بعشر سنوات مع ما قدمه للأمة من علم محرر محقق، والله المستعان.
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد.. قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف، قال -رحمه الله تعالى- في كتابه نظم اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون:
الحمد كل الحمد للرحمن
ثم على رسوله خير الأنام(1/8)
ذي الفضل والنعمة والإحسان
والآل والصحب الصلاة والسلام
ــــــــــــــــــــ
الناظم -رحمه الله تعالى- ابتدأ نظمه بالبسملة والحمدلة اقتداء بالقرآن الكريم الذي افتتح بهما على ما بيّن أهل العلم من خلاف في البسملة، وهل هي آية من الفاتحة فقط، أو من كل سورة، أو ليست به آية مطلقا، والإجماع قائم على أنها بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست بآية في أول سورة براءة، على كل حال أجمع الصحابة على كتابة البسملة، الحمدلة من أصل القرآن. فينبغي لمن أراد أن يكتب وأن يؤلف كتابا أن يقتدي بهذا الكتاب العظيم
النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما عرف من عاده المضطردة في خطبه يفتتحها بالحمد، وفي مكاتباته يفتتحها بالبسملة فهل الكتب والرسائل مشبهة للخطب أو للرسائل، القرآن كتاب الله فالكتب تشبهه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في مكاتباته ومراسلاته يبتدئ بالبسملة، لا يبتدئ بالحمدلة وفي خطبه يبتدئ بالحمدلة، وعلى كل حال الجامع بينهما اقتداء بالقرآن؛ لأن الكاتب إنما يؤلف كتابًا، لكن لو بعث رسالة أو خطابا اقتصر على البسملة وإذا خطب اقتصر على الحمدلة تنزيلا للنصوص في منازلها، وإيقاعًا لها في مواضعها.
ورد في حديث أبي هريرة وغيره وله طرق ( كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله فهو أبتر ( وفي رواية: "بـ بسم الله"، له ألفاظ وطرق كثيرة، محكوم عليها عند جمع أهل العلم بالضعف فلا تقوم بها حجة، وحكم النووي على لفظ الحمد على وجه الخصوص بالحسن وقبله ابن الصلاح، فمن بلغ عنده مرتبة الحسن عمل به، ومن جرى وصار على مذهب جمهور أهل العلم من الاحتجاج بالضعيف في مثل هذا المقام يفتتح بالبسملة والحمدلة، على كل حال، عمدتنا في ذلك القرآن الكريم وما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام.(1/9)
"الحمد" يعرفه كثير من أهل العلم بل الأكثر بأنه: هو الثناء على الله -عز وجل، ابن القيم -رحمه الله- عرفه في "الوابل الصيب" بأنه هو الإخبار عن الله ( بصفات كماله مع محبته والرضا به، والثناء عنده هو تكرير المحامد، شيئا بعد شيء، تكرير المحامد: هل هو من الثني أو من التثنية، فرق بين ثنَّى وثنَا؛ ولذا في حديث ماعز لما اعترف ردده حتى ثنَا عليه الأمر أو حتى اعترف مرارا، اعترف أكثر من مرتين، أما إذا ثنَّى فهو اثنين فقط، الثناء هو تكرير المحامد شيئًا بعد شيء، والتفريق بين الحمد والثناء هو الراجح .
وإن فسر أكثر أهل العلم الحمد بأنه الثناء لما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ( أنه سمع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يقول: قال الله -تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله -تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: الرحمن الرحيم، قال الله -تعالى: أثنى علي عبدي ( .
فغاير بينهما في هذا النص الصحيح، والحديث مخرج في صحيح مسلم "والـ" في الحمد للجنس، جنس الحمد مختص بالله ( أو للاستغراق، جميع أنواع المحامد لله -عز وجل، و"اللام" في "للرحمن" للاختصاص كما هي في قوله -جل وعلا: "الحمد لله" للاختصاص سواء بسواء، وكل الحمد تأكيد لاستغراق جميع أنواع المحامد لله -جل وعلا واختصاصها بالله -عز وجل.
"ذي الفضل" صاحب الفضل على جميع مخلوقاته حيث أوجدهم من العدم وأصبغ عليه النعم، والنعمة: يقول الراغب: النعمة الحال الحسن، وبناء النعمة بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان يعني بناء هيئة كالجلسة والركبة والذبحة وما أشبه ذلك، والنعمة التنعم، وبناؤها بناء المرة كالضربة والشتمة وما أشبه ذلك، والنعمة للجنس نعم؛ لأنه قال: "ذي الفضل والنعمة" هل المراد النعمة الواحدة أو النعم التي لا تعد ولا تحصى.(1/10)
النعمة: "الـ" هنا فيها للجنس، فيقال: النعمة للقليل والكثير، كما في قوله -جل وعلا: ( ((((( ((((((((( (((((((( (((( (( ((((((((((( ( ( (3) هل المراد أن نعد نعمة واحدة، نعد نعمًا، لكننا لا نحصي هذه النعم، ( ((((( ((((((((( (((((((( (((( (( ((((((((((( ( ( (4)
( ((((((((((( (((((((((( (((((((( (((((((((( (((((((((( ( (5) ( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( ( (6) ( (((((((((((((( (((((((((( ((((( (((( ( (7) إلى غير ذلك من الآيات، المقصود أن النعمة تطلق ويراد بها جنس النعم، فتطلق وإن كان لفظها لفظ المفرد؛ لأنها تطلق على القليل والكثير.
"والإحسان" كما في البصائر للفيروزابادي إفعال من الحسن، وهو كل مبهج مرغوب فيه عقلا أو حسا، وقد حسُنَ يحسُنُ ككرُم يكرُم وحسَن يحسُن كنصَر ينصُر، فهو حاسن وحسَنٌ وحَسِين، وحِسان وحُسان، والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة تضادها.
والإحسان يقع على وجهين: أحدهما الإنعام على الخير عن الإحسان المتعدي، أحسن إلى فلان، والثاني: إحسان في فعله، يعني: إحسان من الإنسان على نفسه، وذلك إذا علم علما حسنا أو علّم علما حسنا أو عمل عملا حسنا.
والإحسان أعم من الإنعام، وقد ورد الإحسان في التنزيل على ثلاثة عشر وجها لا نطيل في ذكرها، من أرادها يراجعها، في بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي .
وعطف الإحسان بأنه قال: والإحسان أعم من الإنعام؛ لأن يكون عطف الإحسان على النعمة من باب عطف العام على الخاص، ( ( (((((( (((((((((((( (((((((( (((((( (((((((((((( (((((( ((((( ((((((((((((((( ( (8) من عطف العام على الخاص، وعطف العام على الخاص وعكسه موجود في النصوص كثيرة من كلام العرب ومن كلام أهل العلم كثير، للعناية بشأن الخاص والاهتمام به، ولو لم يذكر لدخل في العام .(1/11)
ثم على رسوله -صلى الله عليه وسلم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي المبعوث رحمة للعالمين، خير الأنام أكرم الخلق وأشرفهم على الله ( سيد ولد آدم، والأنام: الناس كما يذكر عن ابن عباس، وقال الحسن: هم الجن والإنس وقال الضحاك: كل ما دب على وجه الأرض وهذا أعم.
"والآل" اختلف في أصله، فقيل: أصله الأهل، ثم قلبت الهاء همزة فقيل: أأل، ثم سهلت الهمزة الثانية فقيل: آل؛ ولهذا يرجع إلى أصله في التصغير فيقال أهيل، وضعّف ابن القيم هذا القول، من ستة أوجه يراجعها من أراد في جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، وهو كتاب بديع في بابه.
لو ذهبنا نستطرد كل ما قاله أهل العلم والأيام قليلة والإخوان بعضهم يمل من زيادة التفصيل، وإن كان بعضهم يريد استطرادات ويريد فوائد تزيد على ما يمكن أن يقال في شرح هذا المتن في مثل هذا الظرف في دورة علمية، ومن المجزوم به أن المتن لن يكمل في هذه الدورة ولا في التي تليها، ولا في التي تليها، يمكن تحتاج إلى ثلاث أو أربع دورات، هذا مع الاختصار الشديد، وإلا لو شرحنا الكتاب على طريقتنا في الاستطرادات ولمّ العلوم كلها بعضها على بعض نحتاج إلى أزمان متطاولة .
ولعل هذا يتيسر مثله في مصنف، لأن الكتاب اقترحناه على الأخوة باعتباره بكر لم يشرح، لكن اليوم بعد صلاة العصر بُعث إلي شرح قام به بعض طلاب العلم من أسرة الشيخ نفسه، اسمه على اسمه حافظ بن محمد بن عبد الله الحكيمي أستاذ مساعد في الجامعة الإسلامية، ولم يتيسر لي الاطلاع على هذا الكتاب، لأنه وصل متأخرا، على كل حال نأتي بالمهمات من المسائل -إن شاء الله تعالى، ونترك الباقي إما لفطنة القارئ لوضوحها أو توفرها في المصادر.
وقيل: أصله أوْل، وذكره الجوهري في باب الهمزة والواو واللام، قال وآل الرجل أهله وعياله وأتباعه، وهو عند هؤلاء مشتق من الأوْل وهو الرجوع .
واختلف في المراد بالآل على أربعة أقوال:(1/12)
الأول: الذين حُرمت عليهم الصدقة، الصدقة أوساخ الناس لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وهم معروفون عند أهل العلم منهم من يخصهم ببني هاشم ومنهم من يلحق بهم بني المطلب.
الثاني: أنهم أزواجه وذريته خاصة، اللهم صل على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، المقصود أن هذين القولين كما يقول ابن القيم الأول هو الأصح ويليه الثاني،
أما الثالث: وهو أنهم أتباعه إلى يوم القيامة، هم يدخلون في الآل دخولا لغويا كما نص على ذلك الجوهري في كلامه، قال: وآل الرجل أهله وعياله وأتباعه، لكنه في النصوص الشرعية هذا القول أتباعه إلى يوم القيامة.
القول الرابع: بأنهم الأتقياء من أمته -عليه الصلاة والسلام-.
قال ابن القيم: وأما الثالث والرابع فضعيفان، يعني إذا دخل الأتباع في الآل لغة فدخولهم في النصوص يكون من باب الدخول اللغوي، بالمعنى الأعم.
والصَّحْب: جمع صاحب، كركْب وراكب، والمرجح في تعريف الصحابي ما ذكره البخاري في صحيحه: من صحب النبي ( أو رآه من المسلمين فهو صاحب، الصحبة شرف ومنزلة، تبوأها صدر هذه الأمة ممن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ويحتاج التعريف إلى زيادة قيد؛ ولذا يقول المتأخرون: الصحابي من رأى النبي ( مؤمنا به ومات على ذلك ولو تخلل ذلك ردة، فالذي رآه قبل أن يؤمن قبل أن يسلم ثم أسلم بعد ذلك ليس بصحابي على هذا، ومن رآه مؤمنا به ثم مات على ردته ليس بصحابي ولا كرامة.
المقصود أن من رآه مؤمنا به ومات على ذلك ولو تخلل ذلك ردة، ثم عودة إلى الدين فإنه يسمى صحابيا على المختار عند كثير من أهل العلم.(1/13)
الصلاة: روى البخاري في صحيحه تعلقها مجزوما به عن أبي العالية، قال: ( صلاة الله يعني على رسوله ( ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء ( وروي عن ابن عباس أنه قال: يصلون يبركون، البخاري يأتي بمثل هذه التفسيرات، لكلمات جاءت في القرآن ليستفيد القارئ ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وعن غيره مما يعين على فهم كتاب الله -عز وجل، فهو يعني بالغريب.. فهو يعني ببيان الغريب.
وأحيانا يلتفت الإنسان لمناسبة عن لفظ أو للفظ ذكره البخاري عَرَضا في باب فيصعب عليه إدراك الرابط، فتجد هذه الكلمة التي شرحها البخاري في نص من الكتاب أو من السنة له علاقة بالموضوع، وإلا لم تكن العلاقة الكلمة نفسها لكنها كلمة غريبة وردت في هذا النص، فهو يستفيد أكثر من فائدة، أو يفيد أكثر من فائدة، يفيد بيان معنى هذه الكلمة الغريبة، ويفيد لفت نظر القارئ إلى النص الذي وردت فيه هذه الكلمة، مما يفيد في الباب.
فيصلون يُبَرِّكون وهو يشير إلى قوله -جل وعلا: ( (((( (((( ((((((((((((((((( ((((((((( ((((( (((((((((( ( ( (9) يعني: يبركون ( ((((((((((( ((((((((( (((((((((( ((((((( (((((((( (((((((((((( (((((((((( (((( ( (10) وفي سنن الترمذي: يقول روي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم، قالوا: "صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، والسلام هو التحية".
ولم يقتصر الناظم -رحمه الله تعالى- على ذكر الصلاة امتثالا للأمر في قوله -جل وعلا- في الآية آنفة الذكر ( (((( (((( ((((((((((((((((( ((((((((( ((((( (((((((((( ( ((((((((((( ((((((((( (((((((((( ((((((( (((((((( (((((((((((( (((((((((( (((( ( (11) فجمع بينهما ليتم الامتثال، وإن وقع في كلام بعض أهل العلم الاقتصار على الصلاة، أو الاقتصار على السلام، كما فعل مسلم في مقدمة صحيحه، وهذه إنما تقع من مثل هؤلاء إذا طال الفصل.(1/14)
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه" ثم ينسى "وسلم تسليما كثيرا"، لكن لو قرن بينهما، وقال: "وصلى الله وسلم وبارك" ما نسي السلام، على كل حال أن النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه لكلام مسلم أطلق الكراهة بالنسبة لمن يقتصر على الصلاة دون السلام أو العكس.
وخص الحافظ ابن حجر الكراهة فيمن كان ديدنه ذلك بالاستمرار يصلي على النبي ( ولا يسلم عليه أو العكس ومثل هذا لا يتم امتثاله للأمر المذكور في الآية على كل حال هو وقع من بعض العلماء ولم يكن ديدنا لهم.
ولم يقتصر الناظم -رحمه الله تعالى- عليه على ذكر الآل فأفردهم عن الصحب وإن دخل الصحب في الآل بالمعنى الأعم؛ لأن بعض طوائف المبتدعة تقتصر على ذكر الآل ولم يقتصر على ذكر الصحب، مخالفة لمبتدعة آخرين فجمع بينهما ولا شك أن كلا من الآل والصحب لهم حق على الأمة، فالآل وصيته -عليه الصلاة والسلام، والآل وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن امتثال هذه الوصية ومن البر به -عليه الصلاة والسلام.
ومما يطلبه من أمته المودة في القربى، فمن تمام الصلاة عليه ( الصلاة على آله والصحب بواسطتهم نصر الدين في حياته -عليه الصلاة والسلام- ونقل الدين وبلغ الدين من جاء بعده فلهم أيضا حق في الصلاة والسلام عليهم تبعا له -عليه الصلاة والسلام ، ويعني هذا أن الإنسان إذا لم يُصلِّ على الصحب لا يصل على الآل أو العكس، لا، لكن أقول: من تمام الامتثال أن يصلي على الآل والصحب، وليس من باب الأولى أن يقتصر على الآل فقط، أو الاقتصار على الصحب فقط، لما عرفنا أن الاقتصار على الآل صار شعارا لطائفة من المبتدعة كما أن الاقتصار على الصحب صار شعارا لطائفة آخرين، نعم.
أهمية السنة ومنزلتها من القرآن
وبعد إن شرف العلوم
علم الحديث إذ هو البيان
فسنة الرسول وحي ثان
وإنما طريقها الرواية
بصحة المروي عن الرسول
لا سيما بعد تظاهر الفتن
فقام عند ذلك الأئمة
وخلصوا صحيحها من مفترى
ثم إليها قربوا الوصول(1/15)
ولقبوا ذاك بعلم المصطلح
وزاد من جاء بعدهم عليها
وكل بحث أهل هذا الفن
عنوا بالإسناد الطريق الموصلة
والمتن ما إليه ينتهي السند
عن النبي وقد يقولون الخبر
وهاك تلخيص أصول نافعة
بعد كتاب الصمد القيوم
لما به قد أنزل القرآن
عليهما يطلق الوحيان
فافتقر الراوي إلى الدراية
ليعلم المردود من مقبول
ولبس إفك محدثين بالسنن
بخدمة الدين ونصف الأمة
حتى صفت نقية كما ترى
لغيرهم فأصلوا أصولا
حيث عليه الكل منهم اصطلح
بحسب احتياجهم إليها
في حال إسناد وحال المتن
بالمتن عمن قاله أو فعله
من الكلام والحديث ما ورد
كما أتى عن غيره كذا الأثر
لجل ما أصلوه جامعة
يقول الناظم -رحمه الله تعالى بعد أن حمد الله -جل وعلا- على نعمه وأفضاله وإحسانه، صلى على نبيه -عليه الصلاة والسلام- وعلى آله وصحبه يقول: "وبعدُ إن أشرف العلوم": أما بعد: يؤتى بها للانتقال من غرض إلى آخر ومن أسلوب إلى آخر ومن الوسائل إلى غاياتها، المقصود أنها يؤتى بها للانتقال، وقد ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أحاديث تزيد على الثلاثين في خطبه وفي رسائله، فالإتيان بها سنة بهذا اللفظ "أما بعد".
ولم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "وبعد"، لكن يقول بعض العلماء: إن الواو هذه تقوم مقام "أما" كأنها من باب التسهيل، لكن الامتثال والاقتضاء إنما يتم باللفظ المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو "أما بعد"
"أما": حرف شرط، و"بعد": ظرف مبني على الضم قائم مقام الشرط، وجواب الشرط ما بعدها مما يقترن بالفاء؛ لأن "أما" لا بد أن يقترن جوابها بالفاء، وهنا مما يعتذر به للناظم أن النظم قد لا يطاوع، وارتكب في النظم من الضرورات ما لم يرتكب في النثر، المقصود أن الاقتضاء إنما يتم بقولنا: "أما بعد"ن و"أما بعد" اختلف أهل العلم في أول من قالها، على ثمانية أقوال يجمعها قول الناظم:
الخُلف في "بعد" من كان بادئا بها
ويعقوب أيوب الصبور وآدم
عد أقوال وداود أقرب(1/16)
وقس وسحبان وكعب ويعرب
والأكثر هو على أن أول من قالها داود عليه السلام، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه، والمقصود أنها سنة يسن الإتيان بها في المراسلات وفي الخطب، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا تحتاج إلى "ثم" قبلها، وإن استفاض على ألسنة بعض من ينتسب إلى طلب العلم حينما يقدم يأتي بالحمدلة والصلاة، "ثم أما بعد" لست بحاجة إلى "ثم" ولا يوجد في النصوص هذا العطف، إن احتجتها ثانية للانتقال من أسلوب بدأته بـ"أما" بعد المقدمة، إن احتجت إلى الانتقال إلى أسلوب آخر تأتي بـ"ثم"، تعطف عليها.
ولا أعرفها في مصنفات المتقدمين إلا في نسخة من تفسير الطبري، نسخة خطية من تفسير الطبري وإن اعتمدها محمود شاكر الذي حقق الكتاب، وهو من كبار المحققين، وعلى كل حال العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
"وبعد إن أشرف العلوم": لا شك أن العلم إنما يشرف بشرف المعلوم بعد "كتاب الصمد القيوم" يعني: بعد كتاب الله ( الذي هو أشرف الكتب، وفضله على سائر الكلام كفضل الله ( على خلقه، ولسنا بصدد بيان فضل القرآن والعناية بكتاب الله -عز وجل، ذاك له مناسبات أخرى ولا إخال أحدا من الحاضرين يخفى عليه ذلك، لكن الكلام في "ما بعد كتاب الصمد القيوم" وهو علم الحديث .
علم الحديث: علم شريف، علم" الحديث إذ هو البيان" المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد كتاب الله ( علم الحديث، الذي هو ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، لماذا؟ لأنه هو البيان لكتاب الله -عز وجل.
علم الحديث إذ هو البيان
لما به قد أنزل القرآن(1/17)
( ((((((((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((((( (((((((( ( (12) هذه وظيفة النبي ( بيان ما نزل إليه من ربه -عز وجل، واستقلت السنة بأحكام لا توجد في القرآن لأنها؛ وحي من الله ( ( ((((( ((((((( (((( (((((((((( ((( (((( (((( (((( (((((( ((((((( ((( ( (13) فما يأتي به النبي -عليه الصلاة والسلام- هو بيان لما أجمل من قوله -جل وعلا ( ((( ((((((((( ((( ((((((((((( ((( (((((( ( ( (14) .
علم الحديث إذ هو البيان
لما به قد أنزل القرآن
القرآن يشتمل على مجمل بينته السنة، والبيان يأخذ حكم المبيَّن "فسنة الرسول وحي ثان" كما جاء في قوله -جل وعلا: ( ((((( ((((((( (((( (((((((((( ((( (((( (((( (((( (((((( ((((((( ((( ( (15) .
والخلاف بين أهل العلم في النبي ( هل له أن يجتهد ويصدر حكما من تلقاء نفسه لم يتلق فيه عن الله ( خبرا أو ليس له ذلك؟ والجمهور أن له أن يجتهد إلا أنه لا يقر على خلاف الأولى، وقصة فداء الأسرى مثال على ذلك فسنة الرسول وحي ثان .
"عليهما قد أطلق الوحيان" فالكتاب والسنة هما الوحيان، وإذا قيل: "نصوص الوحيين" فالمراد بذلك: نصوص الكتاب والسنة، وأُلف كتاب اسمه "تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين" فكرة هذا الكتاب أننا لسنا بحاجة إلى أي كتاب على وجه الأرض إلا القرآن والبخاري ومسلم، هذا من باب التيسير على المتعلمين هذا هدف المؤلف وهذا قصده، وقد عرف بالعلم والعمل إلا أنه في هذه المسألة أخطأ؛ فإنه يصفو من كتب السنة من الصحيح الزائد على الصحيحين الشيء الكثير، وفي صنيعه هذا إهدار لجل السنة، وإن كان ابن الأخرم يقول: لكن قلما عند ابن الأخرم منه قد فاتهما، يعني: قليل الذي فات الصحيحين ولم يذكراه.(1/18)
نقول: لا؛ ولذا قال الحافظ العراقي: "وردّ -يعني كلام ابن الأخرم- لكن قال يحيى: البر لم يفت الخمسة إلا النذر، وفيه ما فيه -يعني كلام يحيى الذي هو النووي، وفيه ما فيه لقول الجعفي أحفظ منه عشر ألف ألف .
يعني يحفظ مائة ألف، والكتب الخمسة ليس فيها من غير تكرار ولا ربع هذا المقدار، بل ولا نصف الربع ولا الثمن، المقصود أنه يصفو من صحيح السنة الزائد على الصحيحين الشيء الكثير، فهذه الدعوة وجهها وألف فيها على أنه مجتهد لكنه أخطأ في اجتهاده، وكل دعوة تظهر على هذه البسيطة لا تخلو من مؤيد؛ ولذا وجد فرقة وطائفة تدعو إلى الاقتصار على القرآن والصحيحين، لكن مثل ما ذكرنا هذا يهدر أكثر السنة.
نعم العناية بكتاب الله ( لا يناقش فيها أحد والعناية بكتب السنة، لا سيما صحيح البخاري ثم صحيح مسلم لا يماري في ذلك أحد، لكن ليس معنى هذا أنك تنتقص، كم من حديث صحيح في مسند الإمام أحمد لا يوجد في الستة، فضلا عن الصحيحين وغيره من دواوين الإسلام المعتبرة عند أهل العلم.
وأوردنا هذا الكلام لأن هذه الفكرة لها رواج، نعم هي فيها تيسير وفيها حصر للعلم وإدراك للعلم في أقصر مدة، لكن يبقى أن فيها تضييع وإهدار، لو إنسان قال: أنا أقتصر الصحيحين قراءة ودراسة وإقراء وفهما ما يلام، لكن لا يتضمن كلامه هذا إهدار لبقية الكتاب .
بالطرف المقابل هذا أيضا مما يعاب على بعض المتعلمين شغفهم بالإغراب؛ فتجد بعض مبتدئي الطلبة يعنى بأجزاء غير معروفة، معاجم غير مشهورة.. مشيخات.. مسلسلات.. ما فيها طرق لأحاديث أصولها معروفة، ولا يلام من بدأ بالأهم فالمهم كما يقول الشيخ حافظ -رحمه الله تعالى- في قصيدته الميمية :
بالمهم المهم ابدأ لتدركه
وقدم النص والآراء فاتهم(1/19)
اتهم الآراء، نعم، لا تذهب إلى الإغراب، تذهب إلى جزء كذا وجزء كذا، مشيخة كذا، معجم كذا، وأنت لا تعرف الصحيحين، هذا خلل في منهجية التحصيل، وقل أن يفلح من يتخبط بمثل هذه التخبطات، ويترك الأهم ويذهب إلى ما دونه، فطالب العلم يوصى بأن يعنى بكتاب الله ( الذي مجرد تلاوته عبادة، ثم بعد ذلك يثنّي بأصح الكتب بعد كتاب الله ( وهو صحيح البخاري، ثم يثلث بصحيح مسلم، ثم باقي السنن، ثم المسانيد إلى آخره.
هذا الترتيب الطبيعي للطلبة، نعم ما إذا كان مبتدئا له كتب تناسب مستواه العلمي، إذا ترقى بعد ذلك إلى الطبقة الثانية له كتب، إلى الثالثة إلى الرابعة، هذه جواد مطروقة عند أهل العلم، ليس معنى أنا نقول لأول من بدأ عليك بكتاب الله واعتن به وبتفاسيره كل شيء يدور حوله، إذا انتهيت من جميع التفاسير انصرف إلى السنة، أو
نقول في بداية الطلب ابدأ بالبخاري ثم مسلم قبل المتون التي هي مثل الجواد عند أهل العلم تسهل ما بعدها من متون هي أكبر منها الآن، يرتقي طالب العلم على الطريقة المرسومة عند أهل العلم في كل علم من العلوم .
الدهلوي له كلام في ترتيب كتب السنة والبداءة بها يقول: ينبغي أن يبدأ طالب العلم بسنن أبي داود والترمذي قبل الصحيحين؛ لأن الفائدة قريبة جدا سهلة منهما، أما صحيح البخاري لا شك أن فيه صعوبة، لكن من اعتاده وتمرن عليه يجد فيه متعة لا يدانيها أي كتاب حاشا كلام الله -عز وجل، كلام الله ( يردده العالم والمتعلم والعامي باستمرار ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وكلما ازداد المسلم -فضلا عن طالب العلم أو العالم- قراءة وتدبرا لكتاب الله ( ازداد نهما به وشغفا، لكن صحيح البخاري بعد كتاب الله ( كما هو معروف.(1/20)
والمقارنة ليست واردة بين كتاب الله ( وكلام المخلوقين، لكن يبقى أن كتاب البخاري من يعنى به يجد فيه بغيته، ومن يجعله ديدنا له بعد كتاب الله ( يجد فيه من العجائب ما لا يخطر على باله، ثم بعد ذلك ينصرف بعده إلى صحيح مسلم ثم الترتيب المعروف.
والسنن مرتبة الصحيحين، والمقصود بذلك السنن الأربعة، ثم بعد ذلك المسانيد بعد السنن، ودونها في رتبة ما جعل على المسانيد فيدعى جفلا، المقصود أن الكلام في هذا الباب يطول وله أوقاته إن شاء الله تعالى.
فسنة النبي وحي ثان
عليهما قد أطلق الوحيان
وإنما طريقها الرواية، طريقها طريق العلم والاطلاع، والسنة الرواية؛ لأنها لا تدرك بالرأي، ولو كان الإنسان من أذكر الناس وأقواهم حافظة، لا يروي السنة بأي طريق معتبر من طرق التحمل المعروفة عند أهل العلم، ماذا يدرك من السنة، لأن هذا العلم علم الرواية وليس علم رأي قد يقول قائل: إننا نسمع من يتصدى للقاء الناس
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ
وتعليم الناس وإفتاء الناس والقضاء بين الناس مَن بضاعته في هذا الباب قليلة أو مزجاة؛ ومع ذلكم مشت أمورهم؟
نقول: هذا اعتمد على الرأي؛ نعم قد يوجد عند بعض الناس من الذكاء ما يجعله يفهم وقد تكون حافظته أقل؛ فهذا في الغالب ينصرف إلى الرأي؛ لأنه يعجزه حفظ المروي لكن لا شك أن هذا ينقصه نور الوحي؛ ولذا
تجدون البون الشاسع في كلام من يفتي بقال الله وقال رسوله ومن يفتي بقال فلان وعلان وذكر فلان في الكتاب الفلاني أو في الجزء الفلاني؛ هناك بون شاسع .
وإنما طريقها الرواية، "فافتقر الراوي إلى الدراية"، راوٍ لا يفهم الراوي بأمس الحاجة أنه يعرف ما يروي وأن يعرف كيف يروي وأن يعرف عمن يروي كله بحاجة إلى بيان، وسيأتي هذا مفصلا في الأنواع والأبواب اللاحقة إن شاء الله تعالى.(1/21)
" فافتقر الراوي إلى الدراية" والدراية تقابل الرواية، ولذلك يقولون: علم رواية الحديث وعلم دراية الحديث، وكأنهم يجعلون الرواية هي النقل بالوسائط عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والدراية الفهم؛ لهذا المنقول كيف ينقل وما يستنبط منه وغير ذلك مما يتعلق بدرايته.
"واحتاج إلى الدراية" بصحة المروي عن الرسول، كيف يحتج وكيف، يستدل من لا يعرف الصحيح من الضعيف، كيف يفتي وكيف يعلّم من يختلط عليه أمر الصحيح والضعيف؟ لكن نحن في زمن يرعى فيه الهشيم، ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رؤيا الهشيم، ولولا ذلك ما جلسنا في هذا المكان لكن زكاة المال منه إذا كان المال كله رديء فالزكاة تقبل والله المستعان.
"فافتقر الراوي إلى الدراية بصحة المروي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم" وُجد بعد عصور الراوية من همه بعد عصور الأئمة من همه الرواية ليكون أعلى إسنادا في الدنيا وأكثر مرويا ولا يحسن ولا يتقن ولا يفهم ماذا يروي، بمثل هذا حفظ الله خصيصة هذه الأمة التي هي بقاء سلسلة الإسناد، فسلسلة الإسناد بقاؤها من خصائص هذه الأمة، لكن مثل هذا لا يعول عليه في ما عدا ذلك، وجد من لا يفرق بين الصحيح والموضوع المكذوب على الرسول -صلى الله عليه وسلم.
الحافظ العراقي -رحمة الله عليه- سئل عن حديث فقال: هذا لا أصل له، مكذوب على النبي ( فقام شخص ممن ينتسب إلى العلم -مع الأسف الشديد من الأعاجم- فقال: يا شيخ، كيف تقول موضوع مكذوب
............................................................................................................
على رسول الله ( وهو مروي في كتب السنة بالإسناد، فقال جزاك الله خيرا أحضره لنا لننظر في إسناده، فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي.(1/22)
ابن الجوزي يروي هذه الموضوعات بأسانيدها ويبين فتعجب من كونه لا يعرف الموضوع، والناس يعجبون في أن يوجد من يدرس من يقضي ومن يفتي ومن يعلم وهو ليس لديه بضاعة، من هذا العلم العظيم الشريف، لا شك أن الأمر معجب لأن هذا العلم مع كلام الله -جل وعلا- الأصل، فكيف يبني على غير أصل، فعلينا أن نعنى بالكتاب والسنة، وأن نوليهما ما يستحقان من صرف وجهد ووقت وحفظ وفهم.
التكملة غدا وبعده، ولا أريد أن أطيل عليكم وأشق عليكم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س: هذا السؤال تكرر كثيرا يقول: ظهر ما يعرف بعرض كتب المتأخرين من الحديث على المتقدمين، ثم يذكر بعض الأشخاص الذين يدعون إلى... بعضهم يصرح بنبذ كتب المتأخرين والأخذ مباشرة من كتب المتقدمين اعتمادا على قواعد المتقدمين .
ج: نظير هذه الدعوة وهي صادرة من أناس -نحسبهم والله حسيبهم- من أهل الغيرة على هذا العلم نظير هذه الدعوة، أو الدعوة إلى الاجتهاد والاعتماد على النصوص من الكتاب والسنة ونبذ كتب الفقه، والكتب التي تعين على فهم كتب أهل العلم من باب أولى من كتب أصول الفقه وغيره .
المتأخرون الذين قعدوا وألفوا في قواعد الحديث ومصطلح الحديث وفي أصول الفقه وفي علوم القرآن، وقل مثل هذا في علوم الآلة كلها، إنما اعتمدوا في تقعيدهم على كلام المتقدمين مع تطبيق كلامهم النظري على مواقع استعمالهم العملي، فلم يأتوا بشيء جديد من عندهم.
نعم المتأخرون جعلوا هذه القواعد مطردة، والمتقدمون لا يعرف عنهم قواعد مطردة لا سيما في المسائل العملية في تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع، والحكم بالعلة والشذوذ، وأيضا زيادة الثقة وغيرها، المتقدمون يحكمون بالقرائن، والمتأخرون ألفوا في هذا العلم وقعدوا قواعد مطردة كل على حسب ما ترجح له من كلام المتقدمين .(1/23)
فمنهم على سبيل المثال من يقول: تقبل زيادة الثقة مطلقا؛ لأنها زيادة، ويؤيد كلامه بكلام المتقدمين، ويذكر لهذا الكلام أمثلة كثيرة من صنيع المتقدمين، ومنهم من يقول: لا تقبل مطلقا ويذكر أمثلة من صنيع المتقدمين على
............................................................................................................
ما ذهب إليه، أقول الدعوة التي صدرت للتقليل من شأن كتب المتأخرين أو لإعادة النظر في كتب المتأخرين صدرت من أناس قد تأهلوا.
وألقيت هذه الدعوة على مبتدئين كما قيل قبل ربع قرن أو أكثر من الزمان بنبذ كتب الفقه، والأخذ مباشرة من الكتاب والسنة، كيف نعتمد على أقوال البشر، هم رجال ونحن رجال، والنصوص عندنا نقول: يا أخي كلامك صحيح لكن هذا بالنسبة لمن تأهل واستطاع أن يستنبط مباشرة من الكتاب والسنة، لكن لا يمكن أن يتأهل حتى يمر على كتب المتأخرين، لا يمكن كيف نقول لشخص مبتدئ تفقه من الكتاب والسنة، وهو لا يعرف العام من الخاص، ولا المطلق من المقيد الناسخ من المنسوخ .
للتقليل من شأن كتب المتأخرين، أو لإعادة النظر في كتب المتأخرين صدرت من أناس قد تأهلوا، وألقيت هذه الدعوة على مبتدئين، كما قيل قبل ربع قرن أو أكثر من الزمان، بنبذ كتب الفقه، والأخذ مباشرة من
الكتاب والسنة، كيف نعتمد على أقوال البشر، هم رجال، ونحن رجال، والنصوص عندنا، نقول: يا أخي كلامك صحيح، لكن هذا بالنسبة لمن تأهل، لمن تأهل واستطاع أن يستنبط مباشرة من الكتاب والسنة، لكن لا يمكن أن يتأهل حتى يمر على كتب المتأخرين، لا يمكن.(1/24)
س: كيف نقول لشخص مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة، وهو لا يعرف العام من الخاص، المطلق من المقيد، الناسخ من المنسوخ، المجمل من المبين، ما يعرف شيء، كيف نقول، كيف يعمل العامي ومن في حكمه، ومعروف أن العامي فرضه سؤال أهل العلم، وهو التقليد، وفي حكمه من لم يتأهل من مبتدئي الطلبة، هؤلاء فرضهم التقليد، وسؤال أهل العلم .
ج: بالنسبة للمتعلمين المبتدئين، هؤلاء بدلا من أن يسألوا أهل العلم في كل مسألة، يقرؤوا في كتبهم، وإذا أشكل عليه شيء يسألون، وهم في طريقهم إلى التأهل، للتفقه من الكتاب والسنة : ( (((((((((((( (((((( (((((((((( ((( ((((((( (( ((((((((((( (((( ( (16) فإذا كان الطالب المبتدئ، قل له: اجتهد خذ من الكتاب والسنة ابدأ بالقرآن، سيأتيه في أول موضع آية مطلقة، ماذا يصنع ولها ما يقيدها، سيأتيه بعد حين يعمل بالمطلق على إطلاقه، إذا واجهه في أول القرآن، أو أول البخاري حديث منسوخ، أو آية منسوخة، ماذا يصنع؟ هو لم يتأهل؟
............................................................................................................(1/25)
صادفت هذه الدعوى قلوبا خالية من أوساط المتعلمين، وهي مثل ما ذكرت هي متعينة بالنسبة للمتأهلين، ونختلف معهم في شيء واحد، وهو أن هذا الكلام يلقى للمبتدئين لا أكثر ولا أقل، من تأهل الأصل الكتاب والسنة، عليه أن يتفقه في الكتاب والسنة، لكن إذا قرأ في صحيح مسلم باب الأمر بقتل الكلاب، وأخذ مسدسا -وقد حصل- كلما رأى من كلب أفرغ في رأسه رصاصة، ودرس الغد باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، مثل هذا يقال له اجتهد تفقه من الكتاب والسنة، نظير هذا ما عندنا شخص مبتدئ في علم الحديث، درس حديثا روي موقوفا ومرفوعا، ماذا يصنع؟ حديث رفع اليدين بعد الركعتين، والقيام من التشهد الأول، ماذا يصنع؟ من يقلد من المتقدمين؟ وبمن يقتدي من المتقدمين؟ مسألة مفترضة في المبتدئ، هل يقول الحكم للرفع ويقلد في ذلك الإمام البخاري حيث أخرجه في صحيحه مرفوعا، أو يقول: لا، الحكم للوقف؛ لأنه هو المتأكد، كما يقول الإمام أحمد،
إذن من يقلد من المتقدمين؟ الأئمة الكبار إذا أراد أن يقلدهم، وهم الأصل، وهم القدوة، وعلى عملهم وكلامهم عمدة المتأخرين، لكن من يقلد من هؤلاء المتقدمين، هل يقلد شخصا بعينه، هذا هو التقليد الذي ينفرون منه، هل ينظر باجتهاده، ليس من أهل النظر والاجتهاد، هل يوازن بين أقوالهم، لم يتأهل لهذا العمل الواحد من الأئمة
الكبار، يعني إذا أراد أن يقلد واحدا منهم، وقع في التقليد الذي يحذر منهم، اختار مثلا الإمام أحمد وقلده، الإمام أحمد أحيانا يحكم بوسط، وأحيانا يحكم بإرسال؛ لقرائن يدركها الإمام، لكن لا يدركها من يقلده .(1/26)
فأقول المبتدئ لا بد أن يتمرن على قواعد المتأخرين، وفي الأحكام لا بد أن يدرس الفقه على الجواد المطروقة عند أهل العلم، في كتب أهل العلم، ولا يعني هذا أن طالب العلم يستمر على هذه الطريقة، لا إذا حصلت له الأهلية للنظر في النصوص، واستطاع أن ينظر في النصوص على مقتضى نظر أهل العلم، وحاكاهم وتأهل للموازنة بين النصوص، وعرف الراجح من المرجوح، هذا فرق، لا يقلد في دينه الرجال، وإذا قيل لطالب علم: ادرس عمدة الفقه مثلا، أو ادرس دليل الطالب، أو ادرس زاد المستقنع، هل يعني هذا أن زاد المستقنع قرآن، معصوم من الخطأ، الزاد خالف المذهب في اثنتين وثلاثين مسألة، وخالف الراجح في كثير من المسائل، لمن يعني هذا، أن تتخذ ذلك الكتاب أو غير هذا الكتاب، مما تختاره من أي مذهب من المذاهب، تجعله منهج بحث، تدرس مسائل هذا الكتاب، تتصور هذه المسائل، كمرحلة أولى، تفهم هذه المسائل، تعود إلى الكتاب مرة ثانية، تستدل لهذه المسائل؛ لأن الكتاب مجرد من التدليل، تبحث عن أدلة لهذه المسائل، ثم بعد ذلك مرحلة ثالثة تنظر من وافق المؤلف، من أهل العلم، وقد عرفت دليله ومن خالفه، وأبحث عن دليله، ثم بعد ذلك تتكون لديك أهلية النظر،
............................................................................................................
فإذا تكونت لديك الأهلية على هذه الطريقة، نقول: فرضك أن تأخذ من الكتاب والسنة، لا يجوز لك أن تقلد، وإذا أشير إلى كتاب معين فلا يعني أن صاحبه معصوم من الخطأ، وليس بدستور .(1/27)
نقول: ابحث ونقب تعلم تدرج في التعليم والتحصيل؛ حتى تتأهل، ومثله بالنسبة لعلوم الحديث، اقرأ في كتب المتأخرين، وتخرج عليها، وخرج الأحاديث على مقتضاها، فإذا خرجت مجموعة من الأحاديث تؤهلك للنظر في كلام الأئمة وترجيحاتهم، وتكونت لديك الأهلية للعمل بالقرائن، هذا فرض، لا يمكن أن يوجد شخص يعارض كلام ابن حجر بكلام الإمام أحمد، ولا أبي حاتم وكلام الدارقطني، لكن المسألة مسألة تمرين، هذه مداخل، فإذا ولجت وتأهلت، هذه الدعاوى على العين والرأس، لا أحد يقف في طريقك، لكن الإشكال أن تطرح على المبتدئين، الإشكال أن تطرح مثل هذه الدعوات على المبتدئين؛ لأن هذا في الحقيقة تضييع لهم، شخص مبتدئ، لا يعرف من العلم إلا اسمه، الآن بدأ أو عرف القراءة والكتابة، وقرأ كتابا أو شيئا من هذا، نقول له: اجتهد من
الكتاب والسنة، هناك علوم تعين على فهم الكتاب والسنة، تلك المقدمات، هي وسائل لفهم الكتاب والسنة، لا بد من معرفتها .
قد يقول قائل: الصحابة ما قرءوا لا في أصولا الفقه، ولا في علوم الحديث، الصحابة عايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرفوا المقاصد، وهم عرب أقحاح، وأخذوا العلم بالتدريج على حسب التنزيل، والحديث ما
جاءهم دفعة واحدة، وإنما جاءهم مؤقتا، حسب الحاجة، وأفهامهم تختلف عن أفهامنا؛ لكثرة الوسائط، أيضا هم يأخذون من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، فلا يكلفون بمعرفة الجرح والتعديل، وقواعد الجرح والتعديل، وما قيل في الرواة ليس هناك رواة.(1/28)
إذن نحن لا بد أن نقرأ في كتب المتأخرين، وننظر في مواضع الاستعمال عند المتقدمين، ونوازن ونكثر من التمرين، ونطيل النظر في كتب المتقدمين، بعد مرحلة بعد كتاب وكتابين، يعني الذي يقرأ النخبة ويفهمها، ثم يقرأ بعدها اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم ألفية العراقي، بعد ذلك تأهل خلاص إذا كان عنده ملكة، إذا تولدت الملكة، والملكة لا يمكن أن تتولد من الكلام النظري إطلاقا، الملكة لا تتولد إلا من العمل، هذه العلوم عملية، يعني لو شخص يدرس عمرة في مدرسة دلة للسيارات، كيف تعلم هذا؟ لكن يمسك بالمفتاح ويسوق السيارة يومين ثلاثة خمسة عشرة تعلم. لكن الكلام النظر يقرأ، كيف يخرج الحديث على الطرق المعروفة عنده؛ ولذا تلاحظون أنه لم يكتب في التخريج، طرق التخريج عند المتقدمين شيء، يعني كيف تخرج الحديث من طرفه الأول من كلمة غريبة من صحابي من كذا من كذا، ما ألف فيه شيء، إلا من وقت قريب، من ربع قرن، لما
............................................................................................................
احتاجه الناس، وإلا فالأصل من هذا علم عمل محتاج إلى حديث، تبحث عنه في الكتب وتعلم، كيف تخرج لست بحاجة بأن تقرأ في كتاب تخريج، هذا علم عملي مثل ما تأخذ تحصيل أول يوم، ثاني يوم، تعثر ثم بعد ذلك تسلك، فأنت إذا تأهلت للنظر فيه، عرفت ما قاله المتأخرون، وما ذكروه من خلاف، ثم ما استدل كل واحد منهم، فأنت تتأهل بإذن الله، إذا قارن ذلك العمل التخريج العملي، تعمل وتدرس الأسانيد عمليا، وتمشي مع الطرق، وتنظر مواضع الاتفاق والخلاف، وتعرض نتائجك على كلام المتقدمين وأحكامهم على الأحاديث، بذلك تتأهل .
س: يقول: حصل لكم لقاء في إذاعة القرآن، عن مكتبة طالب العلم في حلقتين، فهل يمكن إخراج هذا اللقاء بشريط أو كتاب ؟(1/29)
ج: أما بالنسبة للقاء، حصل مثل ما ذكرت، اثنان وثالث ورابع وخامس وسادس إن شاء الله، وأما بالنسبة للقاء الأول والثاني، خلال أسبوع إن شاء الله تنزل في الأسواق في شريطين أو ثلاثة أو أربعة، ما أدري، يمكن ثلاث شرائط، وأما اللقاءات اللاحقة تنزل في وقتها إن شاء الله تعالى، عسى أن يكون فيها فائدة .
س: يقول: إن آية الرجم ذكر اسم شخص لا نحتاج إلى ذكره، يقول: إن آية الرجم الراجح فيها أنها ليست منسوخة، وذكر بعض التعليلات .
ج: إن كان قصده أنها ليست منسوخة حكما، هذا كلام صحيح، أما إن كان قوله وقصده بأنها ليست منسوخة تلاوة، فهذا باطل مردود، إذن القرآن مصون محفوظ من الزيادة و النقصان، ولا توجد في المصحف الذي اتفق عليه الصحابة، حكمها باق إجماعا وتلاوتها منسوخة إجماعا.
س: يقول: لقد قرأت فتاوى وآراء الأولين في الصور، بأدلة واضحة صحيحة صريحة عن النبي ( وإني أرى علماء اليوم تغيروا تغيرا كليا عن الصور، وأجد في نفسي شيئا على كل ما أباح الصور فما رأيك؟
ج: أولا ما قرأته عن العلماء المتقدمين بشأن الصور، هو ما تتناوله النصوص بغير خلاف، إذا كانت الصورة باليد بصنع الإنسان، أو كانت مجسمة، هذا تتناوله النصوص والنصوص في غاية الشدة، هؤلاء الذين تساهلوا من المتأخرين لهم وجهة نظر، وإن كانت عندي مرجوحة في التصوير الشمسي، وأنه عمل الآلة، التي صورت الآلة، ما الآدمي، الآدمي ضغط الزر، والآلة التي صورت، هذه حجتهم.
ونقول: هذه الحجة عليلة؛ لأن الذي يضغط زر المسدس ويقتل شخصا، الذي قتل، الذي ضغط الزر، ما نقول المسدس الذي قتله؛ لأن هذا الشيء مقرر في الشريعة، أن هناك مباشرا، وهناك متسببا، نعم المباشر
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ(1/30)
للتصوير الآلة، المباشر للقتل المسدس، لكن المتسبب هو الذي ضغط الزر، هذا هو المتسبب. يقول أهل العلم: إن المباشرة تقضي على أثر التسبب، نقول: صحيح، إذا كان المباشر يتجه إليه التكليف، فالمتسبب لا علاقة له بالأمر، إلا أن يعذر؛ لأنه دفع هذا المباشر، لكن إذا لم يكن المباشر مكلف، يمكن أن يتجه إليه العقاب، فيرجع فيه الأمر إلى المتسبب.
لو أن شخصا ألقى مثقلا على شخص، وقال: الحجر الكبير هذا هو الذي قتله، ما لي صالح، نقول: أنت السبب في قتله، ما دام المباشر لقتله لا يتجه إليه خطاب، يتجه الخطاب إلى المتسبب، ونظير الدعوى بأن التي صورت هي الآلة، وليس الشخص، نقول: لا نظيره بالتمام من ضغط زر المسدس، إذا استطاع أن يتنصل الذي يضغط زر المسدس فيقتل مسلما، ويقول: قتله المسدس، ووافقه الناس، فليفعل ما شاء في التصوير هذا مثله.
هم ينازعون أيضا في التصوير المسمى تصوير الفيديو، يقولون: مجرد حفظ، وأشبه ما يكون بالإطلالة مع نافذة، أو مرآة أو ما أشبه ذلك، نقول: الفرق واضح، الإطلالة مع النافذة لا يمكن إعادتها، وكذلك المرآة، أما إذا حفظت الصورة بشريط معاد حسب الحاجة، نقول: هذا التصوير؛ ولذا المتجه تحريم التصوير، بجميع صوره وأشكاله وآلاته، لذوات الأرواح لا شمسي لا فيديو غير ذلك كله، من باب أولى النقوش، وما النقوش.
ويدخل في ذلك ما أجمع عليه التصوير، ذوات الظل، وينازع بعضهم فيما يسمونه بالعرائس، ولعب الأطفال في الأسواق، ويقولون: إنها وجدت في عصر السلف، وجاءت بها النصوص، نقول: نعم وجد في عصر السلف
عرائس يتمرن عليها البنات، لكن لماذا العرائس، العرائس شرحوها في كتب الشروح أنها عبارة عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، هذا كل الموجود .(1/31)
فهل في هذا شبه أو قرب مما يوجد في أسواق المسلمين ؟ من تصوير دقيق لهذه العرائس، إذا أرجعت بكت، إذا أرجعت ثانيا غمضت عينيها، إذا أجلست ضحكت، إذا أوقفت دارت ورقصت وغنت، هذه لعب البنات عند المتقدمين، وما يدرون أن مثل هذه التساهلات جرت ويلات، وأدخلت محذورات، وأن بعض المفتونين استورد أحجاما مناسبة للاستعمال، كله من جراء هذه الفتوى، نسأل الله العافية.
على كل حال، إن وجد هذا الكلام من عالم، تبرأ الذمة بتقليده، فالعامي إذا قلد العالم هذه فرضه، لكن يبقى أن للعلماء زلات، ليسوا بالمعصومين وإشكال أن بعض الناس يأخذ من زلات بعض أهل العلم، ما يناسب هواه، هذا آثم إذا كان اقتداؤه بهذا العالم؛ لأن هذه الزلة تناسب هواه، أو تخدم مصلحة من مصالحه، أو رغبة من رغباته، لا لأنه مرتاح لها، ومقتنع بصاحبها، الإثم ما حاك في النفس . نأتي إلى درسنا والله المستعان.
نشأة علم المصطلح
إذن نأتي على الأبيات الباقية من درس الأمس، ثم نقرأ الجديد، إن شاء الله تعالى.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبيينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وإنما طريقها " يعني طريق معرفة الوحيين الرواية؛ لأنها لا تدرك برأي ولا استنباط
وإنما طريقها الرواية
فافتقر الراوي إلى الدراية
لا بد أن يدري ما يروي، وكيف يروي وعمن يروي
بصحة المروي عن الرسول
ليعلم المردود من المقبول
لا بد أن يعرف صحة المروي، ويعرف المقبول من المردود، في عصر الصحابة في أول الأمر ليسوا بحاجة إلى مثل هذه القواعد، وهذه الضوابط وليسوا بحاجة إلى تمييز المقبول من المردود؛ لأنهم يأخذون مباشرة من النبي (
إنما احتيج إلى ذلك بعد أن ظهرت الفرق المبتدعة، وكذبوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- وافتروا عليه؛ تأييدا لبدعهم.
ولذا يقول الناظم -رحمه الله- تعالى :
لا سيما بعد تظاهر الفتن
........................................(1/32)
بعد أن وجدت هذه الفتن، وهذه الفرق، لما وجدت الفتن بعد مقتل عثمان ( وما حصل بين علي -رضوان الله عليه- ومعاوية ( وما حصل بين الصحابة مما شجر بينهم، احتاج بعض ضعاف الدين بل ضعاف العقول أن يضع بعضهم في تأييد ما يذهب إليه، فوجدت الخوارج، وجدت الروافض، وجدت النواصب .
وجدت القدرية، وكل فرقة تعرف أن دعواها لا تنتشر بين الناس إلا بنص، أية بدعة لبعض المتشابه، ونظروا إلى النصوص بعين واحدة، فنظر الخوارج إلى نصوص الوعيد، ونظر المرجئة إلى نصوص الوعد، وأوغلوا فيه الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا احتيج إلى نقد الرجال، بعد تظاهر الفتن.
.......................................
ولبس إفك المحدثين بالسنن
هنا كانت الحاجة إلى معرفة أحوال الرجال؛ لأنه ليس كل أحد يقبل قوله، وليس كل أحد تقبل روايته.
................................................................................................................ــــــــــــــــــــ
ولذا يختلفون في رواية المبتدع، ويؤكدون على رد ما يؤيد بدعته، وسيأتي تفصيل القول في رواية المبتدع إن شاء الله تعالى.
فقام عند ذلك الأئمة
بخدمة الدين ونُصح الأمة
ما قصروا، حذروا من الضعفاء، حذروا من الرواية عن المبتدعة، تثبتوا في قبول الأخبار، سموا لنا الرجال، العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، الإسناد من الدين، بيننا وبين القوم قوائم من الإسناد، المقصود أنهم شددوا في هذا الباب؛ لئلا يدخل في الدين ما ليس منه .
واستمر الأمر على بيان أحوال الرواة في أول الأمر كلام بقدر الحاجة قليل، ثم ازداد، لما ازداد عدد الوسائط، زاد الكلام، وكثرت أقوال أهل العلم في الرواة جرحا وتعديلا، وصنفت في ذلك المصنفات، وألف في السنة، وميز الصحيح من الضعيف، فألفت كتب الصحاح، والسنن والمسانيد الصحاح، خصصت لما صح وثبت(1/33)
عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسنن والمسانيد فيها، الصحيح والضعيف، والحسن من غير بيان اكتفاء بالأسانيد؛ لأنه إذا أسند برأ من العهدة.
والناس في أول الأمر يعرفون الرواة، والعهد قريب كثير، منهم عاشر الرواة وعاصرهم، وعاش بينهم، وعاشوا معهم، يعرف أن فلانا ضعيفا، يعرف أن فلانا في عدالته كلام، ويعرف فلانا في ضبطه كلام، لكن بعد ذلك احتيج إلى التصنيف في الجرح والتعديل، وكثر كلام أهل العلم في الرواة، حتى أنه ليوجد في الراوي الواحد أكثر من عشرة أقوال، فاحتيج إلى ضبط ذلك بالقواعد، قواعد الجرح والتعديل، شروط الجارح، شروط المحدث، متى يقبل الجرح؟ متى يقبل التعديل؟
المقصود أن أهل العلم ما قصروا، وألف في الأحاديث الضعيفة على حدة، ألف في الموضوعات على حدة،
فقام عند ذلك الأئمة
.......................................
يعني بالأمر الحق خير قيام، وهذا من حفظ الدين الذي تكفل الله بحفظه .
.......................................
بخدمة الدين ونُصح الأمة
وخلصوا صحيحها من مفترى
.......................................
خلصوا صحيح السنة وما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من مفتراه
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ
.......................................
حتى صفت نقية كما ترى
الأحاديث الصحيحة معروفة في الصحيحين وغيرهما، الأحاديث الضعيفة نبه عليها أهل العلم، نبهوا على جميع الرواة جرحا وتعديلا، ميزوا الضعيف والموضوع ألف في الموضوعات، وغير ذلك .
وخلصوا صحيحها من مفتراه
ثم إليها قربوا الوصولا
حتى صارت نقية كما ترى
لغيرهم فأصلوا أصولا(1/34)
المتقدمون كانت عندهم القواعد في الصدور، لا يوجد كتاب في أصول الفقه من المتقدمين قبل الإمام الشافعي، ولا يوجد في علوم الحديث كتاب مستقل يجمع ما يحتاج إليه المتأخرون، أما ما يحتاجونه فلم يقصروا
فيه، والحاجة كلما طال العهد تزداد؛ ولذا تجدون في كل علم من العلوم في التصنيف، فيه يبدأ مختصرا حسب الحاجة، ثم يزيد أهل العلم فيه ما يحتاجون إليه، مما طرأ بعد، ثم يزاد عليه كذلك .
ثم إليها قربوا الوصولا
لغيرهم فأصلوا أصولا
" يعني ضبطوا القواعد، يستعينوا بها من جاء بعدهم على معرفة المقبول من المردود .
ولقبوا ذاك بعلم المصطلح
حيث عليها الكل منه مصطلح
هناك اصطلاح، وهو العرف الخاص عن أهل هذا الشأن، يسمى الاصطلاح، فإذا اصطلح أهل الحديث على شيء، يسمى مصطلح أهل الحديث، اصطلح أهل اللغة على شيء، يسمى مصطلح أهل اللغة، اصطلح أهل التجارة على شيء، يسمى مصطلح التجار، اصطلح أهل الزراعة على شيء وهكذا .
موضوع علم الحديث وتعريف الحديث والأثر والخبر
ولقبوا ذاك بعلم المصطلح
حيث عليها الكل منه مصطلح
وزاد من جا بعدهم عليها
بحسب احتياجهم إليها
نعم. لو نظرنا إلى أول ما كتب في المصطلح، سواء ما وجد مبثوثا في كتب الإمام الشافعي، أو من خلال سؤالات الأئمة، وما دون في تواريخهم، وما كتبه الترمذي في جامعه من بعض القواعد، والدارقطني ومن جاء بعدهم، إلى أن جاء الرامهرمزي، صنف كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، لكنه لم يستوعب، طبيعي أنه
لا يستوعب، هي أول لبنة توضع في هذا البناء، من عمل البشر، هل يتصور أن تكون مستوعبة، لا يتصور، ولو استوعب الأول، انقطعت الأجور عمن جاء بعده، خلاص ليس لمن جاء بعده دور.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ(1/35)
وهذا الدين -ولله الحمد- أبواب الخير فيه كثيرة، مشرعة مترعة، كل ما جاء إلى يوم القيامة يجد فيه ما يناسبه، مما يقربه إلى الله ( فجاء بعد الذي لم يستوعب من استوعب، نوعا ما، وبقي أشياء جاء الحاكم أبو عبد الله فألف المعرفة، معرفة علوم الحديث، لكنه لم يهذب، ولم يرتب، تصور أن التأليف في العلوم في بداية الأمر من ناحية الصناعة، وترتيب المعلومات بعضها على بعض، يكون مثل صنيع المتأخرين الذين استفادوا من المتقدمين، وتخرجوا على كتبهم، وصاروا عالة عليهم، يعني يصير دور المتأخر شيء من الزيادة ما احتيج إليه، وترتيب وتهذيب، والفضل للمتقدم، كما قال الإمام مالك:-
وهو بسبق حائزٌ تفضيلا
مستوجبٌ ثنائي الجميلا
السابق له فضل على اللاحق؛ لأنه استفاد منه، ثم بعد الحاكم، الحاكم قال فيه الحافظ ابن حجر: إنه لم يهذب، ولم يرتب، وقال ابن خلدون في مقدمته: إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه، فنأخذ بقول الحاكم، وبقول ابن حجر. نجمع بينهما ماذا نقول ابن خلدون رتب وهذب، نقيض الدعوة، كثير من طلاب العلم يقول: نقض كلام ابن حجر، وابن خلدون ما له اعتبار، مسألة نظر شخص، نظر في كتاب، وقال: مرتب، هل يحتاج إلى النص، نقول: ابن خلدون ما له نظر، نعم .
إذا نظرنا إلى كلام ابن حجر، لم يهذب، ولم يرتب، بالنسبة لمن جاء بعده، فإذا قارنا ذلك بعلوم الحديث، علوم الحديث لابن الصلاح، وجدنا أن المعرفة ما رتبت مثل ترتيب ابن الصلاح، رتبه وإن كان يلاحظ عليه بالنسبة لمن جاء بعده، أن ابن الصلاح لم يرتب، جاء بعده من هو أدق منه في الترتيب، وكلام ابن خلدون أول من هذب ورتب، بالنسبة لمن قبله، ابن الصلاح جاء بعدهم أبو نعيم قبله، وضع مستخرج على المعرفة للحاكم.(1/36)
ثم جاء القاضي عياض فألف الإلماع، وهو كتاب لطيف، لكنه في باب الخاص من هذا العلم، وهو أصول الرواية، وتقييد السماء في التحمل والأداء، ثم جاء ابن الصلاح فنظر في هذه الكتب، بل قبله وقبل القاضي عياض الخطيب البغدادي، الذي ألف الكفاية في قوانين الرواية، وألف الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وألف في غالب أنواع علوم الحديث، كل نوع من أنواع الحديث، وضع فيه مصنفا خاصا، ابن الصلاح جاء بعدهم فنظر في هذه المؤلفات، واعتنى بتآليف الخطيب، فأخذ كتابه علوم الحديث .
ثم بعد ذلك سار الناس بسير ابن الصلاح، وداروا بفلكه، وعنوا بكتابه، كما قال الحافظ: فلا يحصى كم شارح له ومختصر، كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومنتصر، وأيش ومعارض له ومنتصر، المقصود الناس داروا بفلكه، فلا تحصى مختصراته ونظم من قبل، جمع من أهل العلم، شرح من قبل جمع غفير، حشي وضعت عليه، النكت
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ
المقصودة الناس عنوا به، وكأنهم ألغوا ما قبله من الكتب، لكن هي الأصول تبقى الأصول، هو جامع لهذه الأصول، وتبقى الأصول؛ ولذا يقول :
وزاد من جاء بعدهم عليها
بحسب احتياجهم إليها
وما زال الناس يكتبون في علوم الحديث، والباب ما زال في حاجة، الأمثلة التي تتكرر في كتب المصطلح يمكن تغير، يمكن يضاف إليها، يمكن أن يوضع فيها من جهة أخرى، المقصود أن هذا العلم ما زال حيا، وما زال التأليف فيه باقيا، والمسألة ما هي مسألة نص لا يحتاج إلى تقديم ولا تأخير، ولا إعادة نظر، هذه المسألة صناعة قابلة للتطوير، والعمدة في ذلك على ما قاله المتقدمون، مجرد أن ينظر في كلامهم ويجمع كلامهم، ويصاغ ويقدم للمتعلمين .
وكل بحث أهل هذا الفن
في حال إسناد وحال المتن(1/37)
نعم. أهل هذا الفن الذين هم أهل الحديث، أهل مصطلح الحديث، بحثهم في أمرين: هما موضوع هذا العلم السند والمتن، السند والمتن هل غير السند والمتن لا يوجد غير السند والمتن، وتقدم تعريف السند، وتعريف المتن، وذكره المؤلف هنا في البيت الذي يليه فقال:
عنوا بالإسناد الطريق الموصلة
للمتن عمن قاله أو فعله
الإسناد الطريق الموصل للمتن، حكاية طريق المتن، سلسلة الرجال أو الرواة الذين يذكرهم المحدث ابتداء بشيخه، وانتهاء برسول الله (
عنوا بالإسناد الطريق الموصلة
للمتن عمن قاله أو فعله
يعني سواء المنقول بهذا الإسناد قول أو فعل، عمن وهذه من صيغ العموم فتشمل من قاله، سواء كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في المرفوع، أو الصحابي في الموقوف، أو التابعي فيمن دونه في المقطوع، على ما سيأتي بيان ذلك كله، إن شاء الله تعالى.
والمتن ما إليه ينتهي السند
من الكلام والحديث ما ورد
- عطف على الإسناد، وإن شئت أن تستأنف لطول الفصل، قلت: والحديث ما ورد.
المتن ما ينتهي إليه السند، من الكلام أو هي الألفاظ الغايات من هذه الأسانيد، الأسانيد مجرد وسائل لمعرفة هذه الألفاظ، التي هي المتون.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ(1/38)
والحديث ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يطلق الحديث إطلاقا أعم، فيشمل به ما روي عنه -عليه الصلاة والسلام-، وما روي عن الصحابة والتابعين، بل معنى الأعم؛ لأن الحديث في الأصل ما يتحدث به، كلام المعاصرين حديث بهذا المعنى، والمعنى الأعم كل ما يتحدث به، حديث لكن أهل العلم خصصوا الحديث، بما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- المرفوع، ومنهم من أدخل معه كلام الصحابة والتابعين، مما يشمله اسمه الأثر؛ ولذا لو قيل لك في مكتبة هذه الجهة كتب الحديث، وهذه قسم التفسير، وهذا قسم الفقه، لك أن تقول: لا يا أخي هذا التقسيم ما له أصل، كله حديث، كل ما يتحدث به كله كلام، نقول: لا، نعم الإطلاق الأعم يشمل كل شيء الحديث، ما يتحدث به لكن العرف، والاصطلاح خصوه بما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن جعله بعضهم مرادف للخبر :
عن النبي وقد يقولون الخبر
كما أتى عن غيره كذا الأثر
فيقولون: جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الحديث، وما جاء عن غيره خبر؛ ولذا يقولون : من ينتسب إلى الحديث محدث، أو حديثي ومن ينتسب إلى الخبر إخباري، نسبة إلى مصدر، فإن قلت: أخباري فهو نسبة إلى الجمع، جمع الخبر، وأهل العلم يقولون: إن النسبة إلى جمع شاذة ".(1/39)
"كما أتى عن غيره الخبر عنه وعن غيره -عليه الصلاة والسلام-، - كذا الأثر، وعرفنا أن الحديث بالمعنى الأعم المراد به الخبر عنه، وعن غيره -عليه الصلاة والسلام-، كذا الأثر، الأثر أعم، فكل ما يدلك على شيء فهو أثر، كتابتك هذه أثر نطقك أثر، مشيك على الأرض أثر، فهو أعم، لكن من أهل العلم من يطلق الأثر على الموقوف، والخبر على المرفوع كالحديث، وهذا منسوب لبعض الفقهاء من الخراسانيين، وإن كان كثير من أهل اعلم ينتسب إلى الأثر لعنايته بالسنة، من يعتني بالسنة ينسب إلى الأثر، ويريدون بذلك المأثور عن نبي الله ( وعن صحابته من يعتني بالأحاديث، وأقوال الصحابة، يقال له: آثاري، وانتسب إلى الأثر جماعة من أهل العلم، بحق وبغير حق بمجرد دعوى في مطلع ألفية العراقي يقول:
راجي ربه المقتدر
عبد الرحيم بن الحسين الأثري
وما زال الاسم مطروق عند المتقدمين والمتأخرين .
وهاك تلخيص أصول نافعة
لجل ما أصلوه جامعه
يقول: خذ ملخص لما كتبه أهل العلم في هذا الباب، أو في هذا الفن؛ لأن عرفنا أنهم ابتدعوه، ثم كل من جاء زاد؛ ولذا قال: وزاد كل من جا بعدهم عليها الشيخ نظر -رحمة الله- عليه فيما كتبوه وأصلوه، فلخص هذه الأصول:
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــ
وهاك تلخيص أصول نافعة
لجل ما أصلوه جامعه
لكثير مما ذكروه في كتبهم المطولة، والمختصرة جمعه في هذه الأبيات القليلة، صفحات يسيرة تجمع جل ما أصلوه، بنظم سلس نافع جامع، فرحمه الله وأكرم مثواه. نعم يا سيدي .
أنواع الحديث على سبيل الإجمال
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- :
ولتحفظ الأنواع منه مجمله(1/40)
قل متواتر وآحاد شهر
متابع وشاهد له انجلا
ومحكم معارض ومختلف
والراجح المرجوح ثم المشكل
منقطع مدلس قد احتمل
ومنكر مقابل معروفهم
مدرج مقلوب مزيد مضطرب
مجهول عين ثم مستور وجد
مرفوع موقوف ومقطوع أتى
معرفة الصحب وتابعيهم
عالم ونازل وفاق وبدل
وسابق ولاحق أكابر
أقرانهم ثم مدبج علم
واصيه الأدا والأسما والكنى
متفق مفترق والمهمل
مشتبه والطبقات بالولا
سن تحمل مع التحديث
كذا تواريخ المتون جمعا
كتابة الحديث والمقابله
تصنيفه فهذه ألقاب ما
وسأعيد الكل في مواضعه
مبينا أنواعه معتبرا
فلا يملنك ما تكررا
من قبل أن نخوضها مفصله
عزيز فرض وغريب اعتبر
ثم صحيح حسن قد قبلا
وناسخ قابل منسوخا عرف
معلق ومرسل ومعضل
موضوع متروك وموهم معل
وشاذ قابل محفوظا لهم
مصحف محرف قد اكتتب
مختلط سيء حفظ انتقد
ومسند متصل قد ثبتا
وطبقاتهم ومن يليهم
تصافح كذا التساوي لا جدل
عن الأصاغر وبعكس يكثر
وأخوة والأخوات قد فهم
ألقابهم أنسابهم للاعتنا
مؤتلف مختلف قد سجلوا
جرح وتعديل وأقسام الولا
وحدانهم وسبب الحديث
وأدب الطالب والشيخ معا
سماعه إسماعه الرحلة له
يشهر منه والجميع قسما
في النظم إجمالا وتفصيلا فعه
من جهات تقسيماته محررا
لعله يحلو إذا تقررا
ــــــــــــــــــــــــــ(1/41)
المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد المقدمة، ذكر فهرسا يجمع الأنواع، يجمع سرد الأنواع التي سوف يتحدث عنها في كتابه ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ذكر في مقدمة الكتاب الأنواع السبعة والستين، التي فصلها فيما بعد، والمؤلف هنا ذكر هذه الأنواع على سبيل الإجمال، ثم تحدث عنها تفصيلا واحدا تلو الآخر، وهذا ما يعرف عند أهل العلم باللف والنشر، تذكر الأقسام أو ما يراد الحديث عنه على سبيل الإجمال، ثم بعد ذلك تنشر وتفصل، فإن كانت على نفس الترتيب ترتيب النشر، التفصيل على نفس ترتيب الإجمال، سمي اللف والنشر مرتب، وإن كان فيه شيء من الاختلاف من التقديم والتأخير سمي اللف والنشر غير المرتب.
وقد يقول أهل البلاغة: المشوش لف ونشر مشوش، وكونه مشوشا ليس بعيب، ليس بعيب إذا قدم في النشر، ما أخر في الإجمال لمصلحة، فهذا ليس بعيب، فقد جاء في أفصح الكلام اللف والنشر المرتب، وغير المرتب، كله موجود في القرآن، وفي استعمالات العرب في السنة أيضا، في القرآن اللف والنشر المرتب في سورة هود ( (((((((((( (((((( ((((((((( ((((( ( (17) ( ((((((( ((((((((( ((((((( ( (18) ( ( ((((((( ((((((((( ((((((((( ( (19) ترتيب النشر على نفس ترتيب اللف، التفصيل مرتب على نفس
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/42)
ترتيب الإجمال، وجاء في سورة آل عمران: ( (((((( (((((((( ((((((( (((((((((( ((((((( ( ((((((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ( (20) ( ((((((( ((((((((( (((((((((( ( (21) هذا غير مرتب، والأول مرتب، على كل حال الشيخ أجمل الأنواع، ثم تحدث عن هذه الأنواع واحدا بعد الآخر، ولسنا بحاجة إلى أن نقرأ، ما قرأه؛ لأنه مجرد قراءة، وشرح هذه الأنواع سيأتي تفصيلا، فلا داعي لأن نعيد ما قرئ إجمالا؛ لأنه إن وقفنا عند كل كلمة كلمة، ماذا بقي للتفصيل كان مجرد ذكر لا داعي للتفصيل، ستأتي تفصيلا إن شاء الله تعالى .
الحافظ ابن حجر ترتيبه لكتابه النخبة ترتيب بديع، مبتكر يختلف عن ترتيب من تقدمه، ممن كتب في هذا العلم على هذه الطريقة، اللف والنشر المرتب، لكن هذا لف للعناوين كما فعل ابن الصلاح، "وذاك لف للأنواع" يعني ذاك لف للأنواع، ذاك يشبه الصبر والتقسيم، وهذا جاء بهذه الأنواع بأسمائها، وذاك جاء بالأسماء وحصرها في أنواع، وحصرها في أنواع متجانسة، ثم تحدث عن هذه الأنواع بالتفصيل .
أحيانا يذكر النشر قبل اللف، استعمله الحافظ في النخبة، أحيانا يتحدث عن النوع، ثم الذي يليه، ثم الثالث ثم الرابع، ثم يقول: فالأول كذا، والثاني كذا، إن كان كذا فالأول كذا، والثاني كذا إلى آخره، يعني سواء جئنا باللف ثم النشر، أو العكس، يعني أقرب ما يكون في الصورة التنظيم عندنا صنيع أهل اللغة.
يعني أقرب ما يكون في التنظيم عندنا صنيع أهل اللغة، فإن قدمنا اللف، وأخرنا النشر، كل المعاجم التي تبحث في متن اللغة على هذه الطريقة، مبنية على تقديم، الألفاظ عكسه، أن يكون عندك النشر، وتبعث عن أصله، هذا يسمى فقه اللغة، وهذا مجرد تنظيم، ولا يوجد اختلاف في عمل هؤلاء، و عمل هؤلاء من جهات أخرى؛ ولذا قال :
تصنيفه فهذه ألقاب ما
يشهر منه والجميع قسما(1/43)
وسأعيد الكل في مواضعه ، سأعيد سوف يعيد هذه الأسماء في مواضعها، وسأعيد الكل في مواضعه، في النظم إجمالا وتفصيلا، فعه يعني انتبه، الماضي وعى والمضارع يعي، والأمر عِ، عين مفردة مثل قِ من الوقاية، قِ نفسك
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
النار، نعم الأمر بالحرف المفرد، لكن إن وقفت عليه جئت بهاء السكت، كالنظم "فعه" لفلان كلام جميل في كتاب كذا فرَه، يعني انظر إليه.
مبين أنواعه معتبرا جهات تقسيماته محررا
فلا يملنك ما تكررا
لعله يحلو إذا تقررا
بعض الناس يمل من التكرار، ويود أن كل ما يوجد من تكرار في الكتب يحذف، ويتمنى أنه في جميع العلوم يقتصر على الصافي، يؤلف كتاب ما فيه مكررات، ويؤتى بالكتاب الآخر فتذكر زوائده، والثالث كذلك والرابع كذلك، فيجمع مكتبة حديثية، مكتبة فقهية، كل العلوم تحذف المكررات، وبدل من أن تكون الكتب فيها في بعضها ما في البعض الآخر، تطويل بغير طائل.
نقول: لا يا أخي، هذا التكرار مفيد ومقصود لأهل العلم، فأنت إذا درست متنا باعتبارك مبتدئا، وهذا المتن يشتمل على خمسمائة مسألة مثلا، ثم لما انتهيت منه انتقلت إلى المتن الذي يليه، أول ذلك بعمدة الفقه، مثلا الذي ألفه الموفق للمبتدئين، انتهيت من هذا الكتاب تنتقل إلى المرحلة التي تليها، المقنع للإمام الموفق، وقد ألفه للطبقة الثانية هل من الحسن أن يقال لا تنظر في جميع المسائل، المسألة التي تتركها ضياع، وقت هل وصل بالمسلم من الحرص على وقته، أن يستضيق بمثل هذه الأمور، أهل العلم رتبوا هذه الأمور، وجعلوا بعضها يتركب، أو مرتب على بعض؛ لترسخ هذه العلوم، كي ترسخ هذه العلوم.(1/44)
أنت قرأت المسألة في كتاب، ثم قرأتها في كتاب آخر، بشكل أوسع، نعم لا شك أن هذه المسألة تثبت عندك؛ ولذا المطالبة من بعض الناس أن تكون العلوم متكاملة، هذه دعوة يعني الذي يدرس في الحديث لا تدرسه في الفقه، الذي تدرسه في الفقه لا تدرسه في التفسير، الذي مر عليك، هذه مسألة طبيعية يا أخي، يعني المسألة مرت عليك مرة واحدة تثبت هذه المسألة، تمر عليك في كتاب فيها شيء من الاستغلاق، تمر عليك في كتاب آخر، صحيح مكررة لكن مبسوطة، بأسلوب أوضح.
ولكن يلغى التأليف بعض المتقدمين خلاص الفقه لسنا بحاجة، لماذا ابتدأ مسلم تأليف كتابه ابتداءا، وفيه ما يتفق مع البخاري الشيء الكثير، ما اقتصر على زوائد لا يتكرر العمل، البخاري نفسه لماذا كرر الأحاديث ثلاثة أضعاف في صحيحه، أو أكثر من ثلاثة أضعاف، إذا تكرر ورود الكلام عليك العلم على ذهنك، نعم لا شك أن بعضه يوضح بعضه بعضا، المواضع يكون مستغلق، بعض المواضع يكون أوضح، أيضا التكرار بدلا من أن تقرأ المسألة عشر مرات اقرأها في هذه الكتب، فإذا انتهيت ضبطت هذه المسائل، ولذا قال:
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
فلا يملنك ما تكررا
لعله يحلو إذا تقررا
كم من مسألة قرئت مرارا، فإذا وجدت بعد ذلك في كتاب بأسلوب أوضح، ودراسة أوعب يطرب لها الإنسان، ما يقول والله مليت، البخاري حينما كرر الأحاديث -رحمة الله عليه- هو بالمكرر أكثر من سبعة آلاف، وبدون المكرر ألفين وخمسمائة، ثلاثة أضعاف، هل تظنون أن هذا التكرار لا فائدة فيه؟ لنعتمد على المختصرات، لا يا إخوان البخاري -رحمة الله عليه- لا يكرر الحديث الواحد في موضعين بإسناده ومتنه بغير زيادة فائدة، سواء أكانت في المتن أو الإسناد، إلا في نحو عشرين موضع فقط.(1/45)
وإذا اقتصرنا على ما لا تكرار فيه حذفنا كل المكررات، ماذا يبقى للأبواب اللاحقة، إذا قلنا: والله هذا الحديث مر في كتاب الطهارة، فلسنا بحاجة بأن نذكره في كتاب بدء الخلق مثلا، ماذا يبقى للأبواب الأخيرة من أبواب الدين نضرب مثالا واحدا : وهذه المسألة ينبغي أن يوليها طلاب العلم عناية فائقة؛ لأن كثير من الناس يعمدون إلى فوائد كذا، فوائد كذا، نعم الحفظ شيء، ودراسة الكتب شيء آخر، في كتاب الرقاق من صحيح البخاري.
وقد أبدع الإمام في هذا الكتاب -رحمة الله عليه- في هذا الكتاب سواء كان في انتقاء المرويات، سواء كان في سياق المتون والأسانيد، سواء في تراجم أبواب هذا الكتاب، أو فيما يختاره من الآثار، كتاب الرقاق يقرب من مائتي حديث مترجم، على كل حديث بترجمة فقه من الإمام -رحمة الله عليه- لو رجعنا إلى المختصرات كم في مختصر الزبيدي في كتاب الرقاق من حديث الأصل مائة وثلاث وتسعون، المختصر سبعة أحاديث، كم يفيد طالب العلم إذا اقتصر على المختصر، فوائد أودعه الإمام، وأبدع فيها، في هذا الكتاب.
ولا شك أن التكرار مفيد يفيد طالب العلم، يعني إذا جيء لك بالفائدة على جهة، ثم أتي بها على جهة أخرى جمعت المسائل، استنبطت قاعدة، نظرت إلى قاعدة، استدللت لها بمسائل فرعية، هذا أو ذاك كله نافع، كل هذا من وسائل تحصيل العلم الميسرة للعلم، المحببة للعلم، لكن افترض أن البخاري اقتصر على ألفين حديث بدون تكرار، ولا شرح، الملل يأتي هنا، تقرأ حديث الأعمال بالنيات، تقرأه عشر مرات لكن، اقرأه في سبعة مواضع من البخاري.
وكل موضع فيه زيادة فائدة، يعني خير عظيم، أنت تريد أن تقرأ في المختصر، تقرأ عشر مرات لكي تحفظ، فبدلا من أن تقرأ عشر مرات، اطلع عليه في مواضعه السبعة، لكل موضع فائدة زائدة، ثم يقول القائل: إن التكرار هذا(1/46)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
ممل، يضيع الوقت، ويا ليتنا نختصر اختصار الكتب آفة، والاختصار لا ينفع إلا المختصِر نفسه؛ ولذا نقول قيام طلاب العلم باختصار الكتب للانتفاع الشخصي من وسائل التحصيل، ما يمنع تطلع بنفسك، وتقرأ
هذه المكررات، وتقتصر على أكثرها فائدة، ما يمنع، لكن كم يحرم الذي يقرأ في مختصرك من الفوائد، أنت استفدت؛ لأنك اطلعت على المراجع، لكن الذي يأتي بعدك هو ينظر في المسائل حية، جاء طالب في الجامعة، كتاب كبير حوالي ثلاثمائة صفحة، جاء تبرع واحتسب وجاء واختصر لأصحابه في خمسين صفحة، فقالوا: جزاك الله خيرا .
نعم. هو تصور مسائل الكتاب، وفهم الكتاب، وهضم الكتاب، ويمكن حذف مسائل مهمة، وقد يأتي أسئلة فيما حذف، كم جنى على زملائه بطريقته، باسم التيسير والتسهيل، وأقول القراءة في هذه الكتب لا يملها طالب علم، ولو كان فيها تطويل، لو فيها مكرر، يبقى أن علم السلف له فضله، وله مزيته، كتب بنوايا خالصة صالحة؛ ولذا بقي نفعه، فنعود إلى كلام الناظم -رحمة الله عليه- :
فلا يملنك ما تكررا
لعله يحلو إذا تقررا(1/47)
إذا تكرر فهمت المسألة وأتقنتها، ولو كانت من أعقد المسائل، نعم. لا شك أنها تحلو إذا فهمتها، وتكررت في ذهنك؛ ولذا تجدون النحو وأصول الفقه، وهذه أمثلة عند بعض الناس، أثقل من جبل، وعند آخرين أخف من ريش صحيح؛ لأن ما يفهم، وجد الحاجز واستثقل، ووضعت الحواجز النفسية دونه، ودون فهم هذا العلم، يكره هذا العلم، لكن إذا دخل في العلم، وتيسر أمره، وفهم مسألة، ثم مسألة يطرب، ويحلو له العلم، ويتوغل فيه، وهكذا سائر العلوم، لكن بالنسبة للنحو وأصول الفقه الناس فيه على طرفي نقيض، شخص يديم النظر في هذه الكتب؛ لأنه فتحت له المغاليق فولج، وآخر وجدت الحواجز والسدود فاستثقله واستصعبه، ونقول: هذه الاستطرادات لعلها تقوم في الوقت تقابل الأبيات التي طوينها . نعم .
تعريف الخبر المتواتر وشروطه
اعلم بأن أهل هذا الشان
لذي تواتر يفيد العلم لا
وهو الذي جمع رواه اتفقوا
عن مثلهم رووا بلا امتراء
واستند انتهاءهم للحس لا
ذلك أن يصحب ذاك الخبر
فقد يجيء في لفظه التواتر
أما القرآن فهو قد تواتر
قد قسموا الأخبار بالتبيان
بنظر بل بالضرورة انجلا
أحالت العادة أن يختلفوا
من ابتدا الإسناد لانتهاء
محض اقتضاء العقل وانضاف إلى
إفادة العلم اليقين لا مرا
وجاء في معناه وهو الأكثر
لفظا ومعنى كله لا يمترى
ــــــــــــــــــــــــــ
بعد سرد الأنواع والعناوين، شرع المؤلف -رحمه الله تعالى- في الكلام على هذه الأنواع تفصيلا، فبدأ بالقسم الأول، وهو المتواتر جريا على طريقة المتأخرين، في تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وأنكر بعضهم وجود المتواتر، وأنه لا يمكن أن يبحث في علوم الحديث، وشنع بعضهم كثير من المتأخرين تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وأنها طريقة المتكلمين، ويقصدون بذلك أن الآحاد فيه ما فيه، وسيأتي الكلام فيه، إن شاء الله تعالى .(1/48)
وأنا أقول: لا ضير أن تُقسم الأخبار بما يحصرها، ويتمكن طالب العلم من ضبطها، وشيخ الإسلام وهو شيخ الإسلام ابن تيمية، لم يخش هذا المحظور الذي ذكروه، فقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وهو من أشد الناس على البدع والمبتدعة، فلا مانع بأن يعتنى بالتقسيم الذي يذكره أهل العلم، في كل فن حسب اصطلاحهم، على ألا نلتزم وننساق وراء مبتدع، سواء بقصد أو بغير قصد، فنلتزم باللوازم التي يلتزمونها، والمحاذير التي يرتكبونها لا، لا مانع أن نجعل اصطلاحا، لكن لنا نظرنا المستقل في الاصطلاحات.
شيخ الإسلام ابن تيمية يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، يقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، يعني على طريقة أهل العلم، في هذا ولو عنده أدنى حساسية، ولا يختلف اثنان بأن الأخبار متفاوتة من الأخبار، ما يلزمك سماعه،
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
بتصديقه مجرد ما تسمع، صدق بحيث لا تبحث عنه، يفيدك العلم الضروري ومن الأخبار، ما يفيد ظنا وما يفيد علما نظريا، منها ما يفيد علما ضروريا، مجرد ما تسمع يقال لك: جاء فلان من بغداد، جاء فلان من مصر، جاء
فلان من الشام، هل تقول: والله ما أدري ما الشام؟ تبحث في معجم البلدان لكي ترى هل هناك شام، ولا ما شام، يحتاج إلى هذا والله ما يحتاج.(1/49)
لكن والله حضرت أنا أو ذكر أن في قهب الطير كذا، ولا كذا، يقال جاء فلان من قهب الطير، هذا بلد الموجود حقيقة الذي يرى بالعين يفيد العلم، الذي مر على هذه البلدة، ورآه بعينه، أفاده العلم الذي سمع عنها، أفاده العلم إذا تواتر الخبر عنها، وهو علم النظر لماذا؟ لأنك لم تصدق بها مباشرة، تبحث شو هذه البلد، كم من بلد ذكر اسمه ومصحف، ذكر البلد مصحف عنده، واستمر على هذا؛ لأنه ليس من البلدان التي يلزم تصديقها بسماعها، فأنت إذا احتجت إلى نظر واستدلال أفادك علم، لكنه نظري، إلا لم تحتج إلى نظر ولا استدلال، أفادك العلم لكنه ضروري، إذا قيل: كم نصف الاثنين، قيل هذا الكلام لصبي صغير، لشيخ كبير، لمتوسط لعالم عامي، هل نقول: انتظر يا أخي عندما المحلات تفتح نشتري آلة، نقسم نحتاج إلى هذا ما نحتاج هذا ضروري، ملزم بتصديقه، بمجرد سماعه.
لكن لو قال لك واحد: ثلاثة عشر ألف وتسعمائة وستة وأربعين، كم سبعهم؟ تحتاج إلى نظر واستدلال، تأتي بالقلم وتقسم بآلة، أو بشيء، لكن إذا استقر عندك خرجت القسمة، ضربت المقسوم على المقسوم عليه، وطلعت النتيجة صحيحة، تقسم عليه، صرت طالب علم، نتيجة مائة بالمائة، هذا علم لكنه نظري، والأول علم لكنه ضروري، قلنا: إن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ويقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، ويمثل للمتواتر اللفظي بحديث "من كذب"، ويمثل للمتواتر المعنوي في كل مقام ما يناسبه، ففي منهاج السنة مثلا يمثل للمتواتر المعنوي بأي شيء؟ فضائل أبي بكر وعمر متواتر، تواترا معنويا، ويذكر الآحاد ويتكلم عن الآحاد، وما يفيد خبر الواحد على ما سيأتي.
المقصود مثل هذه الأمور اصطلاحات لا تغير من الواقع شيئا، وهنا نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، يعني كون الاسم لا يوجد عند المتقدمين، لكن إذا كان تسرده لغة العرب، ويسرده الواقع ولم ينص المتقدمين على ما يخالفه، ويعارضه لا مانع من اعتماده .(1/50)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
وإذا كان أهل العلم جروا على اصطلاحات فيها ما يخالف بعض النصوص وتواطئوا عليه، واستعملوه بغير نكير، اصطلحوا على أن المكروه ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله، لكن لو استعرض النصوص ماذا تعني؟ ما معنى المكروه في النصوص الشرعية، كثير من النصوص تدل على المكروه، محرم من المحرمات الشديدة، كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها، وفيه ما فيه من العظائم؛ ولذا الإمام أحمد من ورعه يستعمل ما جاءت النصوص
بأنه مكروه على الكراهة، بعض الاصطلاحات درج خيار الأمة علماء الأمة وأتباعهم، على ما يرى في بادئ الأمر، أنه معارض للنص فرض رسول الله ( زكاة الفطر من رمضان، هذا كلام الصحابي.
يقول الحنفية: زكاة الفطر واجبة، وليست بفرض على اصطلاحهم الذي قعدوه، هناك اصطلاحات تتواطأ عليه أهل العلم نعم ما يخالف النصوص يشاحح فيه، ولكن ما لا يعارض نصا وتسنده لغة العرب، ودرج عليها أهل العلم، ما مانع من استعماله، المتقدمون ما يذكرون المتواتر، وينازع بعضهم في وجود المتواتر، لماذا وجوده؟ يعني هل ينازع أحد في علم الحديث من كذب يروى عن سبعين صحابي، وكل صحابي يرويه عنه جماعة، مجرد ما تسمعه يقر في قلبك، بأنك لا تتردد في قبوله.
نعم. هم يقولون: لا وجود له يعني أن هذا الحديث لا يبحثون المتواتر، لماذا يحتاج لجهد أهل الحديث، بحثوا في الأسانيد والمتون؛ من أجل معرفة ما صح، وما لم يصح، المتواتر هل يحتاج إلى بحث ؟ هل ننظر هل يثبت أو لا يثبت؟ ما يحتاج إلى بحث، إذن وجوده في كتب المصطلح نادر، يوجد في كتب المتأخرين تتميما للقسمة، وإلا فالمتواتر لا يحتاج إلى بحث؛ ولذا لا يشترط فيه ثقة الرواة إذا وصل لحد التواتر، لا ينظر في رجاله بالشروط التي ذكرها الإمام، ولا نريد أن نطيل عليكم مثل هذا الكلام .(1/51)
والله أعلم، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
س: هذا يقول: هل الأفضل أن يحفظ مختصر الصحيحين، يبدأ بالبخاري أم بمسلم، نريد مثالا لطالب العلم لتطبيقه على الحديث تصحيحا وتضعيفا ؟
ج: من أراد أن يحفظ مختصرا وهو مبتدئ، عليه أن يبدأ بالأربعين؛ لأنها من جوامع الكلم، ثم بعد ذلك بالعمدة، بأحاديث الأحكام من الصحيحين في الجملة، ثم بلوغ المرام، كما هو معتاد للجادة عند أهل العلم، وإذا أراد أن يبدل البلوغ بالمحرر، فلا مانع؛ لأن الكتابين متشابهين، إذا أراد أن يبحث في الأصول، ومعلوم أن حفظ الأصول الكبار مثل البخاري ومسلم، فضلا عن بقية الكتب حفظ الأسانيد المكررة، والمتون المكررة. قد يصعب على كثير من طلاب
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
العلم، والهدف الأصلي المتون المرفوعة، هذا هو الهدف من تأليف هذه الكتب، بعد ذلك فهو سهل لا مانع أن يحفظ ما تفرد به البخاري من متون، ثم يضيف إليه ما زاده مسلم، يحفظ البخاري بدون مكرر، يحفظ البخاري من غير تكرار، وليعتمد على أحد المختصرات، ثم يضيف إليه زوائد مسلم، وبعض طلاب العلم يفضل أن يحفظ مسلم، من غير تكرار، ثم تؤخذ زوائد البخاري، وحجتهم في ذلك
أن مسلما -رحمه الله تعالى- يعتني ببيان ألفاظ الشيوخ، والبخاري لا يلتفت إلى مثل هذا، يقول مسلم: حدثنا فلان وفلان وفلان، وفلان وفلان واللفظ لفلان، والبخاري يقول: حدثنا فلان فلان ولا يبين صاحب اللفظ.(1/52)
نعم. عرف بالاستقراء من صنيعه أن اللفظ للثاني للأخير، لكن عناية مسلم بهذا أشد، وهو في هذا أدق، لكن إذا قال الإمام مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة، واللفظ لقتيبة، هذا محل عناية مسلم، هل يعني أن لفظ قتيبة هو اللفظ النبوي ؟
أو أن هذا لفظ قتيبة من بين الرواة الثلاثة وما دام قتيبة وأبو بكر وإسحاق كلهم من شرطه، كلهم عرفوا بالحفظ والضبط والإتقان، وكلهم ممن جوز له جمهور أهل العلم أن يروي الحديث بالمعنى، هل يهمنا أو يؤثر على لفظ الحديث أن يكون لقتيبة أو لإسحاق أو لأبي بكر بن أبي شيبة، يعني لو كان مسلما يُعنى باللفظ النبوي ودون ذلك خرق القتاد، يعني بينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسائط، وجمهور أهل العلم جوزوا رواية الحديث بالمعنى؛ إذن الصحابي يجوز له رواية الحديث بالمعنى، لا نجزم بأن هذا هو اللفظ النبوي.
التابعي هو تلقى الحديث من الصحابي يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى، من بعده يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى، الشرط المعتبر عند أهل العلم، المسألة فوضى؟ لا، هناك شروط وضوابط لمن يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى، فهل لبيان الإمام مسلم لصاحب اللفظ أثر على اللفظ النبوي بمعنى أن يجزم أن هذا هو اللفظ النبوي المعني به؟ يعني ما الفائدة في أن يعنى بلفظ قتيبة دون لفظ أبي بكر أو العكس؟ لنقدم صحيح مسلم في هذا الباب على صحيح البخاري.
عرفتم حجة من يقدم مسلم في هذا الباب ويقول: يحفظ مسلم ثم تحفظ زوائد البخاري، وقد سلك هذا في التطبيق عند جمع من الإخوان؛ لأن مسلم يعتني بالألفاظ، بألفاظ شيوخه، لكن هل يعنى باللفظ النبوي، اللفظ النبوي من فوقه، من شيوخ شيوخه، من فوقه من الصحابة، وقد جُوِّز للجميع أن يرووا بالمعنى بشرطه، إذن لا نجزم بأن هذا اللفظ الذي نص على أنه لفظ قتيبة أنه هو اللفظ النبوي، ويستوي في ذلك أن يكون اللفظ لقتيبة(1/53)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
أو لإسحاق أو لأبي بكر بن أبي شيبة ولو لم ينبه على ذلك، والمقصود أن كلهم ممن اتصف بالحفظ والضبط والإتقان مع تمام العدالة.
الإشكال فيما لو روى الإمام عن ثقة وغير ثقة، هنا لا بد أن يبين ما رواه الثقة مما رواه غير الثقة، لماذا؟ لأن غير الثقة لا يدخل فيمن تجوز روايته بالمعنى، وأيضا روايته لا تقبل، فلا بد من تمييز ما يرويه الثقة، إذا كان بعض الحديث عن واحد والبعض الآخر عن الثاني، أما إذا كان الحديث كاملا مرويا عن الثقة وكاملا مرويا عن الضعيف ما يمكن، العمدة في ذلك الثقة، ولا التفات للضعيف، وجوده كعدمه؛ ولذا يجوز إبهامه وعطفه على
الثقة، يجوز أن يروي البخاري عن مالك وغيره، إذا كان الحديث كاملا عند مالك يجوز، وليس هذا من تدليس التسوية؛ لأن عمدته في ذلك على الثقة دون الضعيف.
فنحفظ البخاري، نبدأ بالبخاري، لا شك أن من عنده فضل الحفظ فيحفظ الكتاب على وضعه بأسانيده ومتونه وموصلاته ومعلقاته بصيغ الأداء، بتراجم الإمام، هذا نور على نور، قد يقول قائل: هذا مستحيل، نقول: ليس بمستحيل، إذا وجد في الأمة من يحفظ المستدرك والبيهقي على طول أسانيدها فحفظ البخاري سهل، إذا وجد من بين المسلمين من يكون من فضول محفوظاته كتاب الأغاني فحفظ البخاري سهل.(1/54)
المقصود أنه صعب على كثير من الناس، يعني: لا ينكَر هذا أن كثيرا من الناس صعب عليهم، فالذي لا يستطيع أن يحفظ الكتاب كما هو ويحفظ المتون من غير تكرار، ويضيف إليها زوائد مسلم، ثم زوائد أبو داود، على الطريقة المتبعة عند الإخوان وفقهم الله، ولا شك أن هذه سنة حسنة من سنها له أجرها وأجر من عمل بها، وكان الناس إلى وقت قريب يرون أن هذا من المستحيلات بل ضرب من الخيال، وإذا قرءوا في تراجم المتقدمين وسمعوا محفوظاتهم ظنوه مبالغة، لكن هذا موجود.
س: يقول: نريد مثالا لطالب العلم في تطبيق الحديث تصحيحا وتضعيفا.
ج: مسألة دراسة الأسانيد وتصحيح الأحاديث وتضعيفها، لا شك أنه في البداية نظري، له قواعده والتي سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، لكنه في الجملة عملي، أكثر تطبيقه عملي، ولا يثبت ولا يرسخ ولا يتبين وجهه على حقيقته إلا بالعمل والتطبيق.
س: يقول: ما رأيكم في تضعيف بعض المتأخرين بعض الأحاديث في صحيح البخاري؟
ج: صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله ( وما رواه البخاري على ما سيأتي فيما يفيده الخبر الواحد، عنده ابن الصلاح ومن يقول بقوله، وسيأتي تفصيل المسألة، مقطوع بصحته مفيد للعلم سوى أحرف
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ كالدار قطني، ثمانون حديثا في البخاري تكلم فيها الدار قطني وأجيب عنها، كاستدراكات الدار قطني، أجيب عنها، الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وفي أثنائه وغيره من الأئمة أجابوا عن هذه الاستدراكات.(1/55)
ويبقى أن صحيح البخاري أصح الكتب، لكن ماذا عما لو ضعف أحد حديث لم يُسبَق إلى تضعيفه، نقول: ما في صحيح البخاري مما لم يسبق بتضعيفه من الأئمة الكبار مفيد للعلم، وكونه يفيد العلم حكمه حكم ما لو سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- تكلم بهذا الحديث، كأنك رددت القول من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وهذا أمر في غاية الخطورة، هذا إذا لم يسبق إلى تضعيفهم من يعتد بقولهم من أهل العلم، على أن من
يعتد بقوله كالدار قطني من أهل العلم في تضعيفهم لبعض الأحاديث في الصحيحين لا شك أنه في الغالب مردود عليه، والصواب مع الإمام رحمة الله عليه.
بقي أن نلفت نظر طلاب العلم أن لا يتجرءوا أو يهجموا على أهل الكتب تصحيحا وتضعيفا؛ لأنه إذا تطاول طالب العلم على البخاري فماذا يبقى للأمة من مستند ومعتمد! إذا كان جمع من أهل العلم يقولون: لو أن شخصا حلف بالطلاق أن جميع ما في صحيح البخاري صحيح أنه لا يحنث ولا تبين له امرأته، هذا الكلام لا شك أنه إجمالي لأنه فيه بعض المعلقات التي نبه البخاري على ضعفها، البخاري نفسه نبه على ضعفها.
المقصود أن من يهجم على هذه الكتب ويتطاول عليها لا يخدم إلا الأعداء، لا يخدم إلا الأعداء، قد يوجد من أهل العلم المتأهل وينظر ويؤديه اجتهاده إلى أن هذا الحديث كيف صححه البخاري، قد يخفى عليه وجه تصحيح البخاري، لكن المعول في هذا على تصحيح الإمام رحمه الله تعالى، ولم يكتسب ذلك هذه القوة من الإمام وحده، وإنما لأن الأمة تلقت الكتاب بالقبول، هذا التلقي وحده كما يقول ابن حجر وغيره أولى بالاعتماد من مجرد كثرة الطرق، فالحذرَ الحذرَ أن يتطاول الناس على هذه الكتب.
س: يقول: دار بيني وبين المتخصص أو شبه متخصص في علوم السنة حوار حول تعريف الحسن عند المتقدمين.
ج: على كل حال نؤجل تعريفه إن شاء الله.
س: هذا يسأل عن فتح الباري الذي طُبع معه البخاري برواية أبي ذر.(1/56)
ج: أما بالنسبة للشرح فالنسخة التي صُوّرت أسوأ الطبعات؛ لأنها صورت على الطبعة الثانية والثالثة من الطبعة السلفية، الطبعة السلفية الثانية والثالثة هما واحد، سموها الثالثة لأنها صورة عن الثانية، وفيها أسقاط كثيرة، وهذا يسأل عن أية نسخة في فتح الباري أفضل ليقتنيها طالب العلم، وخاصة إذا كان لا يستطيع، إن
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
طبعة بولاق أو صورة منها ويخدمها أيضا ينقل عليها التعليقات والملاحظات التي لوحظت على الشارح ويرقم الأحاديث ويذكر الأطراف، وهذا أشير بها على بعض دور النشر، ووعدوا أنهم يفعلون ذلك إن شاء الله تعالى.
إذا لم يتمكن طالب العلم من صورة لطبعة بولاق فالطبعة السلفية الأولى أفضل ما يوجد الآن، الطبعة السلفية الأولى، على أن يقوم طالب العلم بتصحيح جداول الخطأ والصواب في آخر كل مجلد، إذا صحح الخطأ والصواب في آخر كل مجلد تكون أمثل الطبعات، ويستفاد من مختصرات أهل العلم ما يجعل له مختصرا معتمدا، أو مختصرا معتمدا على مختصر العالم الذي قد يزيد عليه ما يراه، المقصود أن المختصرات إنما يلجأ إليها عند الحاجة، عند الحاجة، وإلا فالأصل العلم في المتون.
وقد يترك المختصر شيئا يراه لا يهم طالب العلم، أو يرى أنه بالنسبة لما ذكره غير مهم، وبينما هو في غاية الأهمية من وجهة نظر آخر، قد يترك شيئا أنت بأمس الحاجة إليه، هو تركه وطواه لأنه ورد على ذهنه مرارا فصار من البديهيات فيظنه كذلك عند الناس كلهم، وهو من الضروريات عند بقية الناس، المقصود أن الأصل أن يقتنى الأصول ويعتنى بها، فإذا قام الشخص باختصار الأصل فيكون على اطلاع مما حذف واطلاع مما أُبقِي.
س: يقول: تعريف الناظم للسند والمتن أليس يلزم منه الدور؟(1/57)
ج: الدور ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه، السند حكاية طريق المتن، والمتن غاية ما ينتهي إليه السند من الكلام، الفاصل موجود، الفاصل موجود بينهما، ماذا يقول الشيخ عن تعريف السند؟ عنوا بالإسناد الطريق الموصلة للمتن، عمن قاله ... الطريق الموصلة للمتن، إذا افترضنا أن هذا هو الطريق ينتهي هنا، والمتن ما بعد ذلك، والمتن ما إليه ينتهي السند، ينتهي إلى هنا، إلى آخره، فيلزم عليه الدور، الدور ترتيب شيء على شيء مترتب عليه، يعني كما في قوله:
لولا مشيبي ما جفا
لولا جفاه لم أشب
رتب الجفاء على الشيب، ورتب الشيب على الجفاء، هذا الدور.
يقول :
لولا مشيبي ما جفا
لولا جفاه لم أشب
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
هذا يلزم منه الدور لا شك، وسيأتي في المتواتر الآن بيان كيفية الدور، والآن أيهما الذي بدأ، من الذي يلام في البيت، ما السبب في الجفاء، السبب في الجفاء هو أيش؟ الشيب، والسبب في الشيب هو الجفاء؛ إذن هذا مترتب على هذا، وهذا مترتب على هذا، هل يمكن أن يوجد مثل هذا؟ يمكن ما يمكن أن يوجد؛ لأن المسألة لا بد فيها من بداية، ثم شيء يرتب على هذه البداية، لكن إذا رُجِعت البداية ورتبت على ما ترتب عليها صار الدور، لكن التسلسل غير الدور، هذه البيضة من هذه الدجاجة، لكن لو كانت هذه الدجاجة من هذه البيضة نفسها لزم لها الدور، ولا يمكن أن يكون هذا، لكن هذه البيضة من هذه الدجاجة، وهذه الدجاجة من بيضة أخرى، والبيضة من دجاجة ثانية، وهكذا، هذا التسلسل، نعم، لكن لو كانت هذه البيضة من هذه الدجاجة وهذه الدجاجة من هذه البيضة، صار دورا؛ فترتيب المؤلف لا يظهر فيه أبدا الدور.(1/58)
بدأنا بالأمس في تقسيم الأخبار من حيث كثرة الطرق إلى متواتر وآحاد، وقلنا: إن هذا التقسيم يعتبر عند أهل العلم، وإن لم يكن موجودا في كلام المتقدمين إلا أنه يفيد طالب العلم، تسوده اللغة من جهة، واعتنى به أهل العلم، ولا محظور فيه شرعا، لا يخالف نصا ولا محظور فيه، نعم المحظور الذي يرتب على خبر الآحاد وأنه لا يفيد إلا الظن سيأتي بحثه إن شاء الله فيما بعد، لكن اعتمد هذا التقسيم الكبار من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وجمع غفير من أهل العلم.
يقول:
اعلم بأنّ أهل هذا الشانِ
لذي تواترٍ يُفيدُ العلم لا
قد قسّموا الأخبار بالتِّبْيانِ
بنظرٍ بل بالضرورة انجلى
طيب، المتواتر يفيد العلم، ولا بد من بيان معنى العلم، ومعنى الظن للمحتاج هذه الأمور في هذا الباب وفي باب خبر الواحد، فالعلم عندهم: الذي لا يحتمل النقيض، لا يحتمل النقيض، العلم هو ما لا يحتمل النقيض بل نتيجته مائة بالمائة، نتيجته مائة بالمائة، ما يحتمل النقيض بوجه من الوجوه، هذا من الأخبار. الظن: هو الاحتمال الراجح. الشك: الاحتمال المساوي. الوهم: الاحتمال المرجوح، إذا أخبرك جمع من الثقات بأن زيدا قدم، لا محيد ولا مفر من تصديق هذا الخبر، وحينئذ يكون هذا الخبر أفادك العلم؛ لأنه لا يخطر ببالك أنهم بمجموعهم كذبوا عليك، أو وقع منهم الخطأ بمجموعهم.
لكن لو أخبرك واحد أو اثنان أو ثلاثة بأن زيدا قدم، وهم ثقات عندك، وجاء شخص رابع وقال: زيد لم يقدم، خبر الثلاثة وكلهم ثقات أفادك علما، لو جاء الرابع مؤيدا لهم بأن زيد قدم وخامس وسادس وعاشر .................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/59)
وعشرون، خلاص أفادك العلم، فلا يؤثر فيه أن يأتي شخص يقول: لم يقدم زيد، لكن لو قال الثلاثة: زيد قدم، ثم جاء الرابع قال: لم يقدم زيد، كلام الثلاثة راجح، إذًا هو ظن، كلام الرابع مرجوح إذن هو وهم من حيث الحكم، هذا من حيث الحكم، لو جاءك ثلاثة قالوا: زيد قدم، وثلاثة قالوا: زيد لم يقدم، وكلهم بميزة واحدة، هذا يورث عندك الشك وهو الاحتمال المساوي.
....... يُفيدُ العلم لا
بنظرٍ بل بالضرورة انجلى
وعرفنا الفرق بين العلم النظري والعلم الضروري، العلم الضروري لا يحتاج إلى نظر ولا استدلال ولا يحتاج إلى مقدمات، بينما العلم النظري يحتاج إلى مقدمات حتى تصل إليه، فإذا وصلت إليه صار مثل الضروري في النتيجة، لا يحتمل النقيض، وضربنا أمثلة بالأمس.(1/60)
ثم قال معرفا المتواتر، والمتواتر مأخوذ من التواتر وهو التتابع، وهو مجيء الشيء دفعات، تقول: جاءت الإبل متواترة، أي: دفعات، ما جاءت دفعة واحدة، فهؤلاء ما دخلوا عليك المكان وقالوا: جاءك زيد ثم جاء عمرو ثم جاء بكر ثم جاء كذا، هذا الأصل، وهو الذي رواه جمع، وهو الذي جمع رواه، لا بد أن يكون من رواية جمع ليفيد التواتر، وهذا الجمع لا حصر له، هذا القول الصحيح، لا حصر له، لا يحصر بأربعة ولا بعشرة ولا بعشرين ولا بسبعين ولا بأربعين وإن قيل بذلك، لكن لا حصر له، إذا كان العدد هذا لا حصر له كيف نعرف أن هذا الجمع بلغ حد التواتر؟ قد يبلغ التواتر وهم عشرون، قد يبلغ التواتر وهم عشرة، كيف نعرف أن هذا الجمع قد بلغوا حد التواتر أو القدر المقبول في التواتر؟ هؤلاء الجمع لا بد أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو يحصل منهم اتفاقا، أو لا بد أن يرويه جمع من غير حصر عن مثله في جميع الطبقات، جمع عن جمع عن جمع عن جمع، وأن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، ولا يحصل منهم ولو من غير تواطؤ ولا اتفاق، هو أن يسندوا خبرهم إلى الحس، إلى شيء محسوس لا إلى شيء معقول، زاد بعضهم: وأن يفيد العلم، وإفادة العلم شرط لنعرف أن هذا العدد قد بلغ الحد المطلوب؛ ولذا يقول:
وهو الذي جمعٌ رواه اتفقوا
عن مثلهم رووا بلا امتراء
أحالت العادةُ أن يختلفوا
من ابتدا الإسناد لانتهاء
عن مثلهم رووا، هذا الشرط الثالث، "بلا امتراء، من ابتدا الإسناد لانتهاء" أي: من أن يبتدأ إلى أن ينتهي.
واستند انتهاؤهمْ للحسِّ لا
ذلك أن يصحب ذاك الخبرا
محضَ اقتضاء العقل وانضاف إلى
إفادة العلمِ اليقيني لا مِرا
............................................................................ ــــــــــــــــــــــــــ(1/61)
هذه شروط المتواتر: أن يرويه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، جمع تحيل العادة عن جمع مثلهم، وأن يستندوا في خبرهم إلى الحس، يعني: المشاهدة من سماع بإحدى الحواس الخمس، أن يتقنوا إدراك الخبر بإحدى الحواس الخمس لا بالعقل؛ يعني لو جاءنا أمة تقول وقد وجد أعداد هائلة عن مثلهم ممن يقول بقدم العالم مثلا،
نقول: إن هذه المسألة عقلية، مهما كثروا ومهما تواطؤا لا يفيد خبرهم العلم، تواطؤ النصارى على القول بالتدليس لا يفيد العلم، لأنهم لم يستندوا في ذلك إلى الحس.
ما يشاع من الأخبار، ما يشاع من الأخبار وسيلة من وسائل نقل الأخبار إما مرئية أو مسموعة أو مقروءة مما يثق الناس به، بعض الآلات يوثق بها من قبل عموم الناس؛ لأنها جربت، تأتي بأخبار جديدة وغريبة وفي الغالب يعني دقيقة، أشاعت خبرا ثم تناقلته جميع وكالات الأنباء وتحدث الناس به في مجالسهم، نقول: هذا وإن نقله كافة إلا أن نقله عن جهة واحدة، ما رووه عن مثلهم، فهذه إشاعة.
ولذا في الصحيح في البخاري عمر ( لما دخل المدينة وجد الناس يتناقلون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، فجاء إلى المسجد فوجد الناس مجتمعين حول المنبر يسألهم قالوا: نعم، طلق النبي -عليه الصلاة والسلام- نساءه، النبي -عليه الصلاة والسلام- آلى من نسائه شهرا واعتزل في المشربة، وصاحب ذلك شيء من احتجابه -عليه الصلاة والسلام- وعدم استقباله للناس، فتوقع شخص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه فأشاعه والأرضية موجودة لقبول الخبر كما يُفعل الآن عند ترويج بعض الأخبار، يُوطن الناس وتوجد الإرهاصات ثم يذكر هذا الخبر، تجد الناس يقبلونه.(1/62)
شخص من المنافقين أشاع، والإشاعات الناس.. النفوس عموما جبلت عليها، لكن على الإنسان أن يلتزم بآداب الشرع وتعاليم الشرع، لا يقبل مثل هذه الإشاعات؛ ولذا يقول الحافظ في شرح الحديث: والإشاعات ولو كثر ناقلوها فإنها لا تفيد العلم ما لم تستند إلى الحس، وبعض الناس يكون فيه شيء من التغفيل، بحيث يوطن لقبول خبر، يلقى إليه مرة أو مرتين على وجوه وعلى صور من قبل شخص ويضيف عليها آخر، وهكذا تصير تفيد العلم وفي الأصل لا أصل له.
فالإشاعات لم تستند إلى حس؛ لأنه ما نطق بها صاحب الشأن؛ ولذا لما استأذن عمر على النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة مرتين ثلاثة أذن له ودخل سأله، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أطلقت نساءك؟ قال: لا، والناس كلهم يتحدثون في المدينة: النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه.
............................................................................ ــــــــــــــــــــــــــ
فمثل هذه الإشاعات لا تفيد علما ولو كثر ناقلوها، ولو تناقلتها وكالات الأنباء وبثتها الصحف والقنوات وتحدث بها الناس كلهم، فالأمة متبوعة لا تابعة، عندنا أصول نعتمد عليها، عندنا قواعد وضوابط نمحص بها الأخبار، وعلم مصطلح الحديث كفيل بضبط أمور الناس في هذا الباب لو طبق كما هو، قواعد لقبول الأخبار، قواعد لقبول نقلة الأخبار، قواعد لقبول من ينقض النقلة.
والآن تجد الإشاعات على أشدها، وتمشي على كثير من الناس، وتجد ناسا يعدلون ويجرحون ليسوا بأهل، وتجد آحادا من طلاب من ينتسبون إلى العلم يقعون في الكبار من المتقدمين والمتأخرين ولا يردعهم رادع ولا ورع ولا شيء، ينصبون أنفسهم حكاما على خلق الله ( فلا بد أن تتوافر هذه الشروط، وعرفنا أنه لا بد أن يرويه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وأن يحصل ذلك منهم اتفاقا عن مثلهم في جميع طبقات الإسناد وأسندوه إلى شيء محسوس.(1/63)
وزاد ابن حجر، وأورده الناظم رحمة الله عليه: أن يكون خبرهم مفيدا للعلم؛ لأنهم قد يأتون بكثرة خبر ما يفيد العلم، كما ذكرنا عن الإشاعات، وأن يكون مفيدا للعلم، هنا يأتي الإشكال، إذا اشترطنا إفادة خبرهم جاء الإشكال، جاء الدور الذي أشار إليه الشارح، نحن لا نعرف أن هذا العدد اكتمل، العدد المفيد للتواتر، العدد المطلوب المشترط للتواتر لا نعرف أنه بلغ الحد المطلوب إلا إذا أفاد خبرهم العلم، وخبرهم لا يفيد العلم حتى يكتمل العدد.
ظاهر الدور أم ليس بظاهر؟ نعيد، طيب يعاد.
هؤلاء الجمع الذين يروون هذا الخبر قلنا: إنهم من غير حصر، يعني: لو قلنا سبعين مثلا أو أربعين انتهى الإشكال، عندنا عدد مهما بلغ خمسين ستين سبعين، خلاص كفوا التواتر، أفاد علما أو ما أفاد علما شيء آخر، ما في إشكال، لكن هم يقولون جمع بلا حصر، لكن متى نعرف أنه اكتمل العدد الذي نريده للتواتر؟ إذا رأينا أنفسنا تلزمنا بتصديقه، إذا لزمنا تصديقه عرفنا أن العدد المطلوب اكتمل، ومتى يفيدنا خبرهم العلم، في بداية الأمر أو إذا اكتمل العدد؟ نعم يا إخوان، إذا اكتمل العدد، يلزم الدور أم لا يلزم الدور.
أنتم معنا أم ما أنتم معنا يا إخوان، نعم يعاد، يعاد، هنا ما قال الشيخ "وهو الذي جمع رواه" طيب كم يا شيخ، عشرة، يقول: من غير حصر على الصحيح، من غير حصر، الأربعة جمع، إذا قلنا: الثلاثة مشهور، قلنا: الأربعة جمع، الخمسة جمع، الستة جمع، إلى متى؟ يكفي أربعة خمسة ستة عشرة أو ما يكفي؟ نقول: من غير حصر، طيب خلي المسألة عائمة بهذا الشكل أو لا بد من حد نقف عنده؟ إذا أفادنا العلم، إذا اكتمل العدد، جاءنا
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/64)
واحد اثنان ثلاثة، خلاص تعرف من نفسك، يعني: لو واحد طرق عليك الباب وقال: قدم فلان، ثم طرق ثان قدم فلان، ثالث قدم فلان، رابع قدم فلان، عاشر... أنت الآن تجد نفسك ملزم بتصديق هذا الخبر لأنه جاء من طرق متباينة.
شخص جاءك من العلي، واحد من الشفا، واحد من النسيم، واحد من العريجة، جاءوا من كل الجهات، يعني: لو جاءوا من جهة واحدة قلت: هؤلاء متفقون معا على شيء، الآن هذا جمع من غير حصر، هذا الجمع من غير
حصر، متى عرفت أن العدد اكتمل المطلوب؟ لما وجدت نفسك ملزم بالتصديق، هذه إفادة العلم، لكن متى أفادك هذا الخبر العلم، هل بمجرد طروق الشخص الأول الثاني الثالث الرابع.. إلى أن ينتهي العدد، إلى أن يصل إلى العدد الذي يريد، أفادك العلم، والعدد، ما حصل العدد المطلوب حتى أفادك العلم، إذا يلزم عليه الدور، إفادة العلم مبنية على اكتمال العدد، واكتمال العدد مبني على إفادة العلم، هذا هو الدور.
اتضح أم ما اتضح؟ الدور يا إخوان ممنوع، ممنوع الدور، هم يقولون في مسائل الغرقى والهدمى: ويرث كل واحد من الآخر عشرة متوارثون، كل واحد يرث من الثاني، ماتوا جميعا، ما تدري من مات منهم الأول؟ أو غرقوا في سفينة جميعا، او انهدم عليهم بيت جميعا، ما تدري الأول مات، لما عرف من مات الأول يورث والثاني وارث، لكن ما تدري، يرث كل واحد من الآخر من تلاد ماله، لا مما ورثه منعا للدور، .. أنت تورث هذا من هذا، وهذا ورث هذا. ما تنتهي المسألة.(1/65)
نأتي إلى مسألة وفي فهمها عسر، وفي الإجابة عنها عسرا أشد، ويكرر هذا الكلام ويقول: ولا دور، أيش ولا دور؟ نقول: فيه دور، كيف ندفع هذا الدور؟ أنت الآن لو قلت لأحد: أنا عطشان، طرقت باب شخص وقلت: أنا عطشان، ثم جاء لك بسطل كبير قال: اشرب، أيش تسوي بهذا الماء؟ كثير كم أنت جربت؟ نعم، أنت بطنك ظرف، لا تدري أن هذا يرويك حتى يمتلئ، يعني: متى تعرف أن هذا الكوب يكفيك؟ احتمال أن بطنك تأخذ خمسة أكواب، وأنت إذا عطشت يكفيك كوب، متى عرفت؟ من خلال التجربة، شيئا فشيئا، أقول: مثل هذه الأمور مثل آداب المتواتر مثل نمو الطفل، يبلغ شيئا فشيئا فشيئا إلى أن ينمو ويتم من غير أن تشعر، نمو النبات مثلا، فأنت ما عرفت أن هذا الإناء يكفيك وهذا الوعاء يشبعك حتى عرفت القاعدة مستمرة مستقرة، في شرح السفارينية، وهذا من العلوم التي دخلت على علم السلف، السفارينية في العقيدة في بيان عقيدة السلف، وإن كان دخلها لوثة لكنها خفيفة.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
حينما يقرر أن المتواتر يفيد العلم يقول: "والعلم يحصل عنده لا به" يحصل عنده لا به، الشبع يحصل عند الأكل لا به، الري يحصل عند الشرب لا به، الكلام هذا فيه محظور أم ليس ما فيه محظور، من أي وجه؟ هذا مسألة عقدية، نعم، هذا على مذهب الأشاعرة في نفي تأثير الأسباب، وجود الأسباب كعدمها لا قيمة لها؛ ولذلك لو تشرب بئرا ما كان رِيُّك به، إنما كان ريك عنده، لو تأكل إناء كبيرا من الطعام وينتفخ بطنك كان شبعك عند الأكل لا به، الأكل سبب، الشرب سبب، والري والشبع حصل عنده لا به، هم يلغون الأسباب ويجعلون وجودها مثل عدمها.(1/66)
يقابلهم المعتزلة، المعتزلة يرون أن من للأسباب تأثير مستقلا، وأهل السنة يقولون: إن الأسباب مؤثرة بلا شك، لكن الله -سبحانه وتعالى- وهو المسبب هو الذي جعل لهذه الأسباب تأثيرا؛ ولذا قد يتخلف المسبب عند وجود السبب، قد يتخلف المسبب عند وجود السبب لوجود مانع مثلا لا سيما في الأسباب المعنوية والحسية أيضا، قد تلبس في الشتاء مائة ثوب ويدخلك البرد، وقد تغتسل بالماء البارد بثيابك في الشتاء ولا يضرك، لكن لا نقول: إن هذا هو الأصل هو المطرد، نقول: لا، هذا خلاف الأصل؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل لهذه الأسباب تأثيرا لا على جهة الاستقلال، والمسبب هو الله جلا وعلا.
يعني الأشاعرة فيهم أصحاب عقول كبار كبار، يعني: لو نظرت مثلا إلى عقل الرازي أو الباقلاني أو غيرهم من الكبار، لكن يقعون في مثل هذه الأشياء، يقول لك: ممكن أن تشوف وأنت كفيف، جالس على الناصية تشوف الذي يحدث في أمريكا، يعني: عباراتهم من كتبهم، يقولون: يجوز أن يرى أعمى الصين البَقَّة في الأندلس، يقولون هذا الكلام؛ لأن البصر سبب، البصر سبب لأن في كتبهم هذا يقولون: يعني ما نحن نقول افتراء، في كتبهم يقولون: يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، البقة صغار البعوض، لماذا؟ لأن البصر سبب، والأسباب لا قيمة لها؛ لأن وجودها مثل عدمها.
ولذلك قال السفاريني: ويحصل العلم عنده لا به، وهذه لوثة من مذهب الأشعرية، وأنتم تعرفون أنه يقرر في بداية الكتاب السفاريني أن مذهب أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، فالمقصود أن هذه لوثة ولا يوافق على هذا، لا يوافق على هذا، لكن الذي جرنا إلى الكلام عليه وجود هذه المسألة، وتتكلم عليه، فنقول: إفادة الخبر المتواتر للعلم إنما جاءت بالتدريج كنمو الصبي كنمو النبات وما أشبه ذلك.(1/67)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
"عن مثلهم رووا بلا امتراء" بلا مرية ولا شك، "من ابتدا الإسناد لانتهاء" يعني: من أول الإسناد إلى آخره، ما يكون جمع بالصفة المذكورة عن شخص واحد أو اثنين أو ثلاثة لا يتصفون بالوصف المذكور عن غيرهم، لا بد من ابتداء الإسناد لانتهاءه.
واستند انتهاؤهمْ للحسِّ لا
ذلك أن يصحب ذاك الخبرا
محضَ اقتضاء العقل وانضاف إلى
إفادة العلمِ اليقيني لا مِرا
هذا هو المتواتر .
فقد يجي في لفظه التواتر
وجاء في معناه وهو الأكثر
الناظم رحمة الله عليه- في هذا البيت يبين أنهم قسموا المتواتر إلى قسمين: ما تواتر لفظه ومعناه ومثّل له أهل العلم بحديث: من كذب، وما تواتر في معناه فقط، بأن يرد نصوص كثيرة من جهات ومن طرق.
وعن جمع من الرواة من الصحابة ومن دونهم تقرر شيئا واحدا لألفاظ مختلفة وبمناسبات متعددة، كما جاء في الحوض مثلا، ما جاء في الحوض، حديث الشفاعة متواتر، فضائل أبو بكر، فضائل عمر، فضائل علي ( فيه تواتر قدر مشترك، مثال حسي: جاء شخص وقال: أعطاني فلان شيكا بمائة ألف، ثم جاء ثان وقال: أعطاني فلان سيارة جديدة، وجاء ثالث وقال: أعطاني فلان قطعة أرض، هو نفسه، وجاء رابع وقال: والله أعطاني فلان كذا، أعطاني مبالغ، يعني: ألا تجزم النفوس بأن هذا الشخص متصف بصفة الكرم، يعني: جاءت هذه الوقائع ما تقرر قضية واحدة، تقرر قضايا متعددة لكنها بمجموعها مصبها واحدة، فهذا تواتر بقدر مشترك، وهو التواتر المعنوي، هذا الذي يقرره أهل العلم في تقسيم المتواتر.(1/68)
يضيف بعضهم في صاحب فيض الباري محمد أنور الكشميري، يضيف يقول: هناك تواتر العمل والتوارث، يعني: لو أردت أن تبحث عن أسانيد لأمر توارثه الناس، يعني أسانيد حديث الآذان مثلا، أسانيد آداب الصلوات، هي ثابتة في الصلاة، الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات وهكذا، لكن إذا نظرت إلى أسانيدها لا تصل إلى حد التواتر الموجب للعلم عند أهل العلم في الجملة، لكن الأمة تواترت على ذلك، يعني: إضافة إلى ورودها بالأسانيد الصحيحة الملزمة الموجبة للعمل إذا تواتر الناس على قبولها والعمل بها، وهذا سموه تواتر العمل والتوارث.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
أما القرآن فهو قد تواتر لفظا ومعنا، كله لا يمترى، القرآن متواتر لفظا ومعنى، لماذا؟ لأنه أولا: تكفل الله -جلا وعلا- بحفظه، نعم في بداية الأمر لما كانت القراءات أو الأوجه السبعة -الأحرف السبعة- تقرأ، يجوز أن تقرأ بـ (أقبِل وهلم وتعالى) وما أشبه ذلك، لكن لما أجمع الصحابة على ما بقي من القرآن بعد رفع القراءة بالأحرف السبعة واتفقوا على ما كتب بين الدفتين، لو زاد أحد حرفا في القرآن أو نقص حرفا كفر؛ لأنه تواتر لفظه ومعناه، والقرآن مصون من الزيادة والنقصان، القرآن مصون من الزيادة ولو حرفا واحدا، لا زيادة ولا نقص، فمن ادعى أنه زيد فيه أو نقص منه فهو كافر، ومن ادعى أنه يجوز أن يُزاد فيه أو ينقص منه.(1/69)
لو قال قائل: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم أكفرتم، ثم يزيد "فيقال" نعم المعنى يقتضيها، لكن هل نستطيع زيادتها؟ لا يمكن؛ من زادها يكفر، لو يقول قائل: ( (((( (((( (((( (((((( ((( ( (22) ما الفائدة من ذكر الأمر "قل"؟ ( (((( ((((((( ((((((( (((((((( ((( ( (23) أنا أنتظر الأمر، لأيش أكرر الأمر؟ وقد نادى بعض المفتونين بحذف مثل هذا، وهذا كفر -نسأل الله العافية- لأنه تواتر لفظه ومعناه، وأجمعت الأمة عليه، فالقرآن كما ذكرنا مصون ولا يستطيع أحد أن يلبس على أحد، ولا يمكن، وهذا من حفظ الله ( لكتابه أن تروج نسخة زِيد فيها حرف على المسلمين ولا على عوام المسلمين.
يحيى بن أكثم قاض في عهد الرشيد -دعوا عنكم ما يذكر في كتب الأدب لكنه قاض وعالم من علماء المسلمين- دعا يهوديا إلى الإسلام فرفض اليهودي، وبعد سنة كاملة جاء اليهودي إلى يحيى بن أكثم وأعلن إسلامه، فسأله عن قصته وسبب إسلامه قال: جئت إلى التوراة فنسخت منها ثلاث نسخ، كل نسخة تختلف عن الثانية، أزيد وأنقص وأقدم وأؤخر، وذهبت بها إلى اليهود وإلى علمائهم فاشتروها، راحت، جئت إلى الإنجيل فنسخت منه ثلاث نسخ كل نسخة تختلف عن الثانية، فذهبت بها إلى النصارى نفس الشيء، جئت إلى المصحف فكتبت ثلاثة مصاحف وزدت ونقصت وقدمت شيئا لا يذكر، أحرف، فجئت به إلى سوق الوارقين من المسلمين
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
أعرضه عليهم، كل من فتح المصحف لفظ في وجهي، يا خبيث هذا محرم، والثاني كذلك والثالث كذلك، فعرفت أن هذا الدين حق، وأن دستوره مصون محفوظ.(1/70)
قصة عجيبة، حج يحيى بن أكثم فذكر القصة لسفيان بن عيينة، قال: هذا منصوص عليه في القرآن، كيف؟ قال الله -جلا وعلا- يقول في الكتب السابقة: ( ((((( ((((((((((((((( ( (24) وما استحفظوا، وُكل الحفظ إليهم فما حفظوا، وقال في القرآن: ( وإنا لَهُ لَحَافِظُونَ ( (25) تكفل الله بحفظه.
وبعض المفتونين بعد أن انفتحت أبواب الشرور على المسلمين في هذه القنوات وصاروا يسمعون كلام الأعداء والشبه تُلقى على عوام المسلمين في بيوتهم، يأتيك من يشكك في المصحف، وكيفية جمعه، لماذا اتفقوا؟
لماذا حذفوا؟ وكيف فعلوا؟ والقراءات؟ ويشككون في أسانيد وردت في كتاب المصاحف وغيره لابن أبي داود، ويأتون بأحاديث تدل على أن هناك ما نُسخ، وأن هناك ما بقي حكمه ولا يوجد في المصحف، وقد توفي رسول الله ( وهُنَّ مما يتلى من القرآن، إذن تصرف الصحابة تصرفوا، لا، ما تصرفوا.
في حديث الرضاعة "عشر رضعات يحرمن" فنسخن بخمس، توفي رسول الله ( وهن مما يتلى من القرآن، إذن الصحابة تصرفوا وحذفوا، نعم يتلوهن من لم يبلغه النسخ، استمروا يتلونها إلى أن عرفوا أنها منسوخة، منسوخة لفظا، لا يمنع أن الإنسان يخفى عليه النسخ، ويعمل بالمنسوخ لعدم علمه بالنسخ، فإذا علم بالنسخ لزمه العمل به وهكذا.
هو الذي جمع رواة اتفقوا
أحالت العادة أن يختلقوا
الاختلاق: الكذب، أحالت العادة أن يكذبوا.
نقول: لا بد أن يكون مستند الخبر إلى الحس لأن هنا مسألة لا بد أن يتنبه لها، وهو أنه قد يتلبس الشيطان ويتمثل لبعض الناس في المنام ولا يمنع أن يتلبس لجمع من الناس من بلدان كثيرة أنه سيحصل كذا، أو أن فلانا هو كذا، يتلبس بالناس بالمغرب والمشرق والجنوب، ويأتيك ستون سبعون شخصا يقولون مثلا: إن فلان مثلا هو المهدي، نقول: وأيش مستندك؟ مستندهم رؤى مثلا،(1/71)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
نقول: لا يمنع أن يتلبس الشيطان أو يتراءى لجمع من الناس في آن واحد، لكن مستندهم في هذا الخبر على أيش؟ هل استندوا على الحس أو استندوا على رؤيا، الرؤيا لا يبنى عليها حكم من الأحكام وهذا حكم من الأحكام، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر أن بعض الشياطين تلبس بصورة الشيخ، ولبس على بعض المفتونين، وقال: إن شيخ الإسلام يقول: كذا، وكذبوا شيخ الإسلام، نقول: هذا شيطان تصور بصورته، فلا بد أن يكون مستند الخبر الحس، هذه تنبيه خفيف.
أقسام خبر الآحاد وتعريف المشهور
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين!
أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
والثاني آحاد فمنه ما اشتهر
فإن أتى من طرق ثلاث أو
وحيث عمت شهرة كل السند
وما عن اثنين رواه اثنان
وما به الواحد قد تفردا
فالمطلق الفرد به الصحابي
وغيره النسبي من دون خفا
وباعتبار موضع التفرد
فمنه فرد متنه والسند
وفرد بعض المتن أو بعض السند
وقيد النسبي أيضا بثقة
وإن تجد متابعا أو شاهدا
زال بها تفرد عن فرد
وازداد شهرة بها الذي اشتهر
فإنما يحصل ذا لمن سبر
من سنن ومن جوامع ومن
فما على مرويه قد تابعه
فإن تكن لنفسه فوافره
وما له يشهد متن عن سوى
في اللفظ والمعنى أو المعنى فقط
وهو يفيد العلم أعني النظري
ثلاثة أحكام نقل تعرف
والأصل في القبول صدق من نقل
ولالتباس الحال قف فيه إلى
وأربع مراتب المقبول
صحيحهم لذاته أو غيره
وكلها في عمل به اشتراك
كذا عزيز ثم فرد قد ظهر
من فوقها فذاك مشهور رأوا
فالمستفيض عندهم بدون رد
فهو العزيز فافهمن تبياني
فالفرد مطلقا ونسبيا غدا
عن النبي عن سائر الصحاب(1/72)
وبالغريب عندهم قد عرفا
أربعة أنواع فرد فاعدد
ومنه ما في السند التفرد
ولم تجد غريب متن لا سند
كذا براوٍ أو بمصر حققه
لخبر الآحاد كان عاضدا
واشتهر العزيز دون رد
وكشفه بالاعتبار قد ظهر
طرق الحديث ثم إياه اعتبر
معاجم ومن مسانيد فدِنْ
عن ذا الصحابي آخر متابعة
أو شيخِه فصاعدا فقاصره
ذاك الصحابي فشاهد سوا
لكنما مرتبة الثاني أحط
عند ثبوته فبعد النظر
قبوله والرد والتوقف
والكذب أصل الرد يا من قد عقل
بيانه إن بالقرائن انجلى
بينها أئمة النقول
ومثل ذين حسن فلتدره
وبينها تفاوت بدون شك
ــــــــــــــــــــــــــ
لما انتهى المؤلف -رحمة الله تعالى- عليه من المتواتر أردف الكلام السابق بالكلام على قسيمه وهو الآحاد؛ لأن الخبر من حيث الطرق إما أن يرد بلا حصر أو مع حصر، فبلا حصر هو المتواتر، ومع الحصر هو الآحاد، وهذا الحصر إما أن يكون بواحد أو باثنين أو ثلاثة فأكثر، فالأول الغريب، والثاني العزيز، والثالث المشهور، والكلام عليها يأتي.
ولذا يقول رحمه الله تعالى: "والثاني آحاد" والآحاد جمع أحد، وإن قال ثعلب -وهو من أئمة اللغة الثقات-: حاشا أن يكون للأحد جمع، وهو نظر إلى هذا اللفظ باعتباره من أسماء الله -جلا وعلا- وأسماء الله -جلا وعلا- لا تجمع؛ لأنه واحد وهو الأحد الفرد، يقول: حاشا أن يكون للأحد جمع، لكنه خفي عليه أن لفظ الأحد من المشترك، مما يجوز إطلاقه على غير الله جلا وعلا، فإذا قيل لك: كم في الشهر من أحد؟ اليوم الذي يلي عندنا يوم السبت يوم الأحد، كم في الشهر من أحد، كم؟ أربعة آحاد؛ إذن جمع الأحد آحاد.
................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/73)
أقول: خفي على هذا الإمام وهو إمام كبير ما هو شخص عادي يمكن أن يتطاول عليه، لكنه خفي عليه أن هذا اللفظ وهذا الاسم وهو من أسماء الله -جلا وعلا- أنه من الأسماء المشتركة التي تطلق على الله ( وعلى غيره، والتمثيل باليوم ظاهر، الآحاد جمع أحد، والأحد هو الواحد، خبر الآحاد وخبر الواحد لا يختلف، يطلق خبر الآحاد ويراد به الخبر الذي لم تتوافر فيه شروط المتواتر، وإن رواه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة ما لم يبلغ حد التواتر، ما لم يبلغ حد التواتر فهو آحاد، وهو الخبر الواحد، وهذا مجرد اصطلاح، وإلا فالأصل أن الخبر الواحد ما يرويه شخص واحد، لكن هم في باب المقابلة، إذا قابلوا الآحاد بالمتواتر فيكون الآحاد ما عدا المتواتر، وما عدا المتواتر كل ما يروى من طريق لا يبلغ به أو لا يصل إلى حد التواتر مما لا يفيد العلم، على ما سيأتي تقريره مما يرويه الواحد والاثنان والثلاثة والأربعة إلى آخره.
"والثاني آحاد فمنه ما اشتهر" هذا هو القسم الأول من أقسام الآحاد المشهور، "كذا عزيز" هذا الثاني، "ثم فرد" هذا الثالث، "قد ظهر"، وعرفنا أن القسمة التي صدرنا بها الكلام، الخبر إما أن يروى من طرق أو لا، فإن كان من طرق فإما أن لا تكون هذه الطرق محصورة وهو المتواتر، أو تكون مع الحصر، فإن كانت ثلاثة فأكثر فهو المشهور، وإن كانت من اثنين فهو العزيز، وإن لم ترد من طرق متعددة فهو الغريب.
فإن أتى من طرق ثلاث أو
من فوقها فذاك مشهور رأوا(1/74)
طرق ثلاثة، وثلاثة، الطريق مذكر أم مؤنث؟ الطريق سلكتها أو سلكته، أو نقول: إن هذا الحديث جاء من طريق أخرى أم طريق آخر؟ يذكر ويؤنث، تجدونه في كتب التخريج جاء من طريق أخرى، يعني: أن هذا غالب كلامه، ما يقول: من طريق آخر، المقصود أنه يذكر ويؤنث، والدليل على تذكيره الاستعمال على التأنيث كثير؛ لأنه خلاف أصل اللفظ، والناس يحبون أن يعتمد ما هو خلاف الأصل، نعم، يعني: لفظه مذكر لكن يجوز تذكيره وتأنيثه، طريقا في البحر أيش؟ يبسا، ما قال: يابسة.
وعلى كل حال هو مما يجوز تذكيره وتأنيثه، فمن قال: طريق آخر، أو طريق أخرى، لا إشكال في ذلك، "فإن أتى من طرق ثلاث"، ما قال: ثلاثة؛ لأنه يجوز، "أو من فوقها فذاك مشهور رأوا" وعلى هذا فالمشهور ما رواه ثلاثة فأكثر مما لم يصل إلى حد التواتر، ما رواه ثلاثة فأكثر، عن ثلاثة فأكثر، عن ثلاثة فأكثر... إلى آخره، يرويه ثلاثة مثلا عن خمسة عن أربعة عن سبعة، نقول أيش؟ مشهور.
وحيث عمت شهرة كل السند
فالمستفيض عندهم بدون رد
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
المستفيض هو المشهور عند قوم، وبعضهم يجعل المستفيض أحد قسمي المتواتر، وهذا القول عند الحنفية، المستفيض عندهم قسم من المتواتر وليس قسيما له، أحد قسمي المتواتر، ومنهم من يقول: المستفيض هو المشهور الذي تتساوى فيه الأعداد، بأن يرويه عن ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة، أربعة عن أربعة عن أربعة... إلى آخره، هذا المستفيض، والمشهور ما يرويه أعداد متفاوتون على أن لا ينقص العدد عن ثلاثة في أي طبقة من طبقات السند.(1/75)
والمعروف عند أهل العلم أن المستفيض والمشهور بمعنى واحد، والشهرة من الانتشار والوضوح، ولا شك أن الخبر إذا جاء من طرق انتشر ووضح أمره بين الناس، ومنه قيل للشهر: الشهر، سمي شهرا لوضوحه، هذا هو المشهور، وهذا هو المشهور الاصطلاحي، وهناك مشهور لغوي وليس اصطلاحي، مشهور على الألسنة فقط، يعني: الحديث الذي يروى من ثلاث طرق فأكثر على رأي ابن حجر، ثلاثة فأكثر، وهو الشارح لها، والناظم على هذا، ابن الصلاح يرى أنه ما يرويه أكثر من ثلاثة فهو المشهور، وأما ثلاثة أو اثنان هذا عزيز، داخل في حيز العزيز، يقول صاحب البيقونية:
عزيز مروي اثنين أو ثلاثة
مشهور مروى فوق ما ثلاثة
لكن المعتمد هنا عند الناظم وهو الذي يراه ابن حجر أن مروي الثلاثة مشهور، هذا الذي يرويه الثلاثة مشهور اصطلاحي، هناك مشهور لغوي ليس باصطلاحي، يعني منتشر بين الناس، اشتهر على الألسنة، ولو لم يكن له إلا طريق واحد أو اثنان، أو لا أصل، له لا سند له، تداولته الناس ولاكته الألسنة على أنه مما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مشهور، لكنه مشهور لغوي، وأُلفت فيه المؤلفات.
ومن المشهور اللغوي هذا على الألسنة ما لا أصل له، ما ليس بحديث أصلا، لكن الناس يتداولونه على أنه حديث: "النظافة من الإيمان"، "المعدة بيت الداء" وغير ذلك أحاديث كثيرة يلوكها الناس ويبثونها فيما بينهم على أنها أحاديث، هذه ليست بأحاديث، ألفت في هذا الكتب؛ لكي يتوقى الناس من الوقوع في مثل هذه الأحاديث: (المقاصد الحسنة- الدرر المنتظرة- كشف الخفى- ومزيل الإلباس) المقصود أن هناك كتب تبين هذه الأحاديث التي اشتهرت على ألسن الناس.(1/76)
واشتهر على ألسن الناس الأحاديث الصحيحة، لا يعني هذا أن كل ما اشتهر على ألسنة الناس ليس بصحيح، اشتهر على ألسنة الناس أحاديث صحيحة، واشتهر وكثر على ألسنتهم أحاديث ليست بصحيحة، فهذا يسمونه مشهورا وهو في الحقيقة قد لا يكون حديثا أصلا، والمشهور غير اصطلاحي.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
وما عن اثنين رواه اثنان
فهو العزيز فافهمن تبياني
العزيز ما رواه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى آخره، يعني: على أن لا يقل الرواة عن اثنين، يعني: يرويه ثلاثة عن أربعة عن اثنين عن خمسة عن سبعة، نسميه أيش؟ عزيز، لماذا لا نقول: مشهور، اعتبارا بالأكثر؟ نقول: لا، عزيز، لماذا؟ لأن العدد الأقل يقضي على الأكثر، هذه قاعدة عندهم، العدد الأقل يقضي على الأكثر، لو رواه مائة عن واحد، ثم عن مائة ثم عن عشرة، هكذا نقول: غريب؛ ولذا كما سيأتي بحديث الأعمال بالنيات يرويه عن يحيى بن سعيد على ما قيل سبع مائة، ومع ذلك غريب، فرد مطلق؛ لأن العدد الأقل يقضي على الأكثر، فالعبرة بالأقل.
فالعزيز إما من العزة وهي الندرة، أو من كونه عز بمجيئه من طريق آخر وقوي إما لقلته وندرته أو لقوته، لا شك أن العزيز أقوى من الفرد، أقوى من الغريب، فقد قوي بمجيئه من طريق آخر، واصطلاحا ما ذكره الشيخ:
وما عن اثنين رواه اثنان
فهو العزيز فافهمن تبياني
*ما يرويه -ولو في بعض طبقات السند- اثنان فهو عزيز، ولا يشترط لصحة الخبر أن يكون عزيزا، لا يشترط لصحة الحديث أن يكون عزيزا؛ ولذا يقول ناظم النخبة لما عرف العزيز قال:
وليس شرطا للصحيح فاعلمي
وقد روي من قال بالتوهم
وقال في بعض النسخ:
وليس شرطا للصحيح فاعلمي
وقيل شرط وهو قول حاكم(1/77)
من أهل العلم مَن يرى أنه لا بد أن يصل إلى درجة العزيز وإلا فلا يصح، شرط للصحة مطلقا أو شرط للبخاري في صحيحه، والواقع أنه ليس بشرط لا للصحة مطلقا ولا للبخاري في صحيحه، وإن كان شرط البخاري قويا، لكنه لا يشترط التعدد، الذين يشترطون العدد في الرواية وأنه لا يقبل خبر الواحد المعتزلة، لكن المعتمد عند أهل السنة أن خبر الفرد -خبر الواحد- يصح ولو لم يأت إلا من طريق واحد، يفهم من كلام الحاكم أبي عبد الله أنه لا يصح الخبر حتى يروى من أكثر من طريق، وهذا مجرد فهم من كلامه في المعرفة.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
وصرح الكرماني الشارح بأن هذا شرط للبخاري في صحيحه: إنه لا يخرج الحديث إلا إذا روى من طريق اثنين عن اثنين... إلى آخره، لا يتفرد به شخص واحد، وهذا -كما قال أهل العلم- جهل بالكتاب الذي يشرحه، أول حديث في الصحيح فرد، وآخر حديث في الصحيح فرد، فكيف نقول شرط البخاري أن لا يروي
إلا ما ثبت عن اثنين عن اثنين... إلى آخره، أول حديث في الصحيح وآخر حديث يرد هذه الدعوى، حتى قالوا: إن هذا جهل بالكتاب الذي يشرحه.
ابن العربي في عارضة الأحوذي يقول: حديث "والطهور ماؤه" حديث صحيح ولم يخرجه البخاري لأنه ليس على شرطه؛ لتفرد راويه به، طيب البخاري خرج حديث "الأعمال بالنيات"، البخاري خرج حديث أبي هريرة "كلمتان خفيفتان على اللسان..." إلى آخره، حديث فرد، فرد مطلق.
البيهقي أيضا يفيد بعض كلامه أنه يشترط لصحة الخبر أن يروى من أكثر من طريق:
وما به الواحد قد تفرد
فالفرد مطلقا ونسبيا غدا
الكلام على الغريب والفرد أقسامه يطول، لعلنا نؤجله غدا إن شاء الله تعالى.(1/78)
س: يقول: هناك مواقع في الإنترنت خاصة في تحريف المصحف الشريف وإلقاء الشبه، وثبت أنها مواقع من صنع اليهود، فهل يوجب هذا التحذير من الخوض في مواقع الإنترنت بدون توجيه؟
ج: المراقبة ممن لهم علم بذلك، والاقتصار على المواقع الإسلامية الواضحة المعروفة، وخاصة مواقع الكبار من أهل العلم، وكل هذه المواقع أنواع، تتنوع أنواعا: منها ما هو ضرر محض وشر خالص، فهذه لا يجوز أن يرى فيها بحال إلا لمن يقدر على التغيير، فمثل هذا من أجل التغيير والتأكد من حصول هذه المنكرات التي يجب تغييرها؛ هناك مواقع فيها شيء من النفع وضررها غالب وحكمها أيضا التحريم؛ لأنه إذا زادت المفسدة على المصلحة فالمنع عند أهل العلم قاطبة؛ ومنها ما هو سيان فيه وفيه، فإن أمكن التمييز بين خيره وشره نفعه وضرره وأمكن الانتفاع ودون ذلك خرط القتاد؛ لأن مثل هذه الأمور تجر الإنسان ولو كان في نيته وقصده طلب الخير، فمثل هذا لماذا يعرض الإنسان نفسه للتأثر بمثل هذه الشرور وليست لديه القدرة على التغيير، ومن الذي يأمن على نفسه أن يتأثر.
ويوجد الآن كبار سن في السبعينات كانوا عُمَّار المساجد، والآن لا يشهدون صلاة الفجر مع الجماعة، تأثروا بهذه الآلات، ومن قناة إلى أخرى، ومن شبكة إلى أخرى، ومن موقع إلى آخر، ثم ماذا! الذي لا يميز بين الحق
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
والباطل لا يجوز له النظر بحال، والذي يميز إن كان بنية التغيير ولديه القدرة على ذلك، أو بنية الرد -كما في السؤال- فهو مأجور إن شاء الله تعالى.
ولذا نُقل الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل، وللسخاوي كتاب (اسمه الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل) وقصة عمر ظاهرة في الموضوع، في تحريمه، ونرى بعض أهل العلم(1/79)
ينقلون من بعض الكتب المتقدمة، هل ينقلون هذا الكلام ليعتمدوا عليه، أو ليردوا به على من يرى تقديس هذه الكتب، أو ليمثلوا به على شناعة التحريف في هذه الكتب، شيخ الإسلام رد على النصارى، نظر في كتبهم، ورد على الطوائف والفرق ونظر في كتبهم.
نقول مثل هذا في حكم شراء هذه الكتب واقتناء هذه الآلات، والذي يستطيع أن يرد وينكر المنكر هذا يجوز له أن يشتري هذه الكتب بهذه النية، والذي لا يستطيع أن يرد ويُخشَى عليه من الانحراف بسببها لا يجوز له بحال أن يشتري هذه الكتب أو هذه الآلات، كما أنه لا يجوز بيعها عليه إذا شُك في أمره.
س: ماذا تقول لو أعطيتنا حديثا واحدا عن المتواتر مثلت لنا به، رواه فلان عن فلان عن فلان؟
ج: ما ينفع هذا في المتواتر؛ لأن المتواتر يشترط له الكثرة، فيكفينا أن نمثل بحديث "من كذب" وأنه رواه أكثر من سبعين صحابيا، ورواه عن كل صحابي جماعة، أحاديث الحوض رويت من أكثر من أربعين طريقة، هذا المتواتر، لكن الغريب الفرد سهل التمثيل له، التمثيل للغريب سهل، العزيز سهل، المشهور سهل، لكن المتواتر قلنا: بلا حصر، كيف تمثل! على كل حال مما تواتر حديث من كذب، ومن بنى لله بيتا واحتسب، والمؤلفات في الأحاديث المتواترة متوافرة وموجودة.
س: هذا يرجو توضيح الأحرف السبعة في القرآن.
ج: الخلاف فيها طويل جدا بيّنه أهل العلم، وأفاض الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في مقدمة تفسيره فليرجع إليه.
س: وهذا يرجو أن توضح عن غرابة المتن من أوله ومن آخره.
ج: يأتي الغريب إن شاء الله تعالى.
س: يقول: هل بلاغات الزهري صحيحة أم ضعيفة؟
ج: البلاغات لا بد لها من مبلغ، وهو الواسطة بين من يذكر هذا البلاغ وبين من يرويه عنه، لو قال: بلغني عن فلان، لا بد أن يكون هناك مُبلِّغ واسطة، فإذا لم يمكن الاطلاع على هذه الواسطة من(1/80)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
طرق أخرى، فالبلاغ ضعيف، لأنه سقط من إسناده واحد، أو أكثر.
س: يقول: هل تعتبر معلقات الإمام البخاري في الصحيح، أو من الصحيح؟ على كل حال، كتابها محتملة .
ج: نعم، هي من صحيح البخاري، يعني واقعة في صحيح البخاري، لكن هل المعلقات صحيحة، أو غير صحيحة؟ الحديث المعلق يأتي الكلام عليه، لكن المعلقات في صحيح البخاري عدتها ألف، وثلاث مائة، وواحد وأربعين، وصل منها في الصحيح نفسه، أو قل: كلها موصولة في الصحيح نفسه، إلا مائة وستين، ومحل للبحث في
المعلقات، هو هذه المائة والستين، التي لم توصل بموضع آخر، منها ما وصل في مسلم، منها ما وصل في أبي داود، منها ما وصل في كتب أخرى، وتولى وصلها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وتغليق التعليق، وهذه المعلقات على قسمين: منها ما صدر بصيغة الجزم، روى فلان، قال فلان، ذكر فلان، ومنها ما صدر بصيغة التمرير؛ فما صدر بصيغة الجزم، صحيح مجزوم به إلى من علق عنه، ويبقى النظر، والبحث في من حذف، وأما ما صدر بصيغة التمرير، فلا يجزم بضعفه، والغالب أنه إذا صدر الخبر بصيغة التمرير، أن في متنه، أو في إسناده، إما في إسناده أخطاء يسيرة، أو في متنه مخالفة يسيرة من راويه، أو أن الإمام البخاري، رحمه الله، تصرف في متنه، فعلقه بصيغة التمرير، لا بصيغة الجزم، ومما علق بصيغة التمرير ما روي موصولا في الصحيح نفسه، وليس من صحيح البخاري، حتى المعلقات بصيغة التمرير، شيء شديد ضعفه، ما اشتد ضعفه لا يوجد، إذا وجد نبه عليه الإمام البخاري، يروى عن أبو هريرة لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح، المقصود أن الإمام، رحمة الله عليه، انتقى هذه الأحاديث:
..........................................
مضعفا, ولهما بلا سند أشياء
ممرضا, فلا, ولكن يشعر(1/81)
وفي الصحيح بعض شيء قد روي
فإن يجزم فصحح, أو ورد
بصحة الأصل له كي يذكر
س: يقول: هل يكفي حفظ اللؤلؤ والمرجان، ثم يتم حفظ ما انفرد به البخاري، ثم مسلم ؟
ج: نعم؛ هذه أسئلة لها علاقة بالحديث الحسن، ستأتي، إن شاء الله، هناك.
س: يقول: في بعض الأحاديث، في كتب سنن أبي داود، سكت عنها، فما حكمها؟
ج: هذا مؤدى السؤال، أبو داود، رحمه الله، في رسالته إلى أهل مكة، يصف السنن، يقول:-
ذكرت فيه الصحيح, وما يشبهه
ويقاربه, وما فيه وهن شديد بينته
................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
فالضعف الشديد يبينه، ثم قال: وما سكت عنه، فهو صالح، ومعلوم أن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، وأن تكون للاستشهاد، فيدخل في ما سكت عنه الضعيف، الذي ضعفه شديد الضعيف، الذي ضعفه ليس بشديد، لأنه يصلح للاعتبار.
س: هل العلماء يعتمدون على تصحيح الترمذي للأحاديث ؟
ج: الترمذي؛ نص الذهبي، وغيره على أنه، رحمة الله عليه، متساهل، وقد صحح أحاديث، فيها انقطاع، وحسن أحاديث كثيرة، في أسانيدها بعض من ضعف، وعلى كل حال، هو إمام من أئمة المسلمين، فإذا صحح حديثا، فلما يشهد له من أحاديث الضعف، ولذا يردف الحديث بقوله، وهو في الباب، عن فلان، وفلان، وفلان، وفلان من الشواهد، لا يعني أنه إذا قال: هذا الحديث حسنه، صحيح أنه يحدث أن الحديث بمفرده، لا يلزم ذلك.
س: يقول: نرجو نُصح بعض طلبة العلم، الذين يتطاولون على ابن حجر، ويهونون من شرحه في صحيح البخاري، ويقولون: لديه أخطاء عقدية، ولا ينبغي قراءتها.(1/82)
ج: الأخطاء موجودة في فتح الباري، وفي النووي على مسلم، وفي القاضي عياض على مسلم، وفي المفهم القرطبي، وفي تفسير القرطبي، وفي التفاسير، وفي شروح الأحاديث، الأخطاء موجودة فهل يعني هذا أننا لا نقرأ إلا ما سلم مائة في المائة، إذن نقتصر على القطعة التي شرحها الحافظ ابن رجب، رحمه الله، من البخاري، وشرح أيضا الأربعين، وكلام ابن القيم من سنن أبي داود، لأن الخطابي عنده مخالفات عقدية، وابن حجر عنده، والعيني عنده، والقسطلاني عنده، والكرماني عنده، كل الشروح عندهم، أي نقتصر على ما سلم مائة بالمائة؟ لا يمكن أن يسلم كتاب مخلوق من كل وجه، لا يمكن، تفسير الحافظ ابن كثير من أسلم كتب التفسير، ونقب، وبحث، ووجد، لكنها خفيفة، لا تظهر لكل الناس، فمن المعصوم؟ لكن المفترض في طالب العلم أن يعرف أن يسبر هذه الأخطاء، أو تسبر له، والحمد لله، لم تظهر طبعات بين فيها بعض الأخطاء، وإن لم تكن؛ يعني مستوعبة، لكن وجد، وأحسن من لا شيء.
التطاول على أهل العلم مصيبة، وظهر في الآونة الأخيرة من بعض من ينتسب إلى طلب العلم، ومعلوم ما جاء في الكلام في المسلمين عموما، وأهل العلم على وجه الخصوص، وبالأخص من مات منهم، فمن مات تذكر محاسنه، فالتطاول على أهل العلم، تطاول على العلم، وإفقاد الناس الثقة من أهل العلم، يجعل الناس يعيشون بدون مرجع، وهل كل الناس يستطيع أن يستفيد من النصوص دون، واسطة أهل العلم؟ لا يمكن، فإذا هونا من شأن العالم الفلاني، والثاني، والثالث،
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/83)
والرابع، ماذا يبقى لنا؟ تبقى أنها وجهات نظر! إذا هون جمع من الناس فلانا، وقلنا خلاص هذا انتهى، هذا *احترق، وجمع آخرون هونوا من شأن فلان، وكذا، وهكذا، من الذي يصلح؟ ومن الذي يسلم من الأخطاء؟ ولو هانوا، أنه لا يسلم منها أحد، ولا يعني هذا أن هؤلاء العلماء؛ سواء كانوا من المتقدمين، أو المتأخرين، أنهم معصومون؟ لا.
يخطئون من خطأ، يبين خطأه بالطريقة المناسبة، التي تؤدي الغرض، ولا يترتب عليها مفسدة، لكن إذا كان تبيين الخطأ يترتب عليه مفسدة مؤلف؛ كتاب في أخطاء فلان، كثيرا من الناس ما يستحضر هذه الأخطاء.
يقول شخص عنده هذه الأخطاء، كيف نستفيد منه، لكن إذا مرت هذه الأخطاء، وجاء لها مناسبة في أثناء شرح، أو في أثناء درس، وقد زل فيها بعض أهل العلم، يقال من غير تعيين للشخص، إلا إذا ترتب على تعيينه مصلحة، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، وإذا أردنا أن نحذر من كل كتاب يشتمل على خطأ على، ومن الذي يضمن أن هذه الكتب التي رشحناها، نقول إنها خالية من الأخطاء، وأنها تعرى من الأخطاء، ومن وجهة نظر آخرين، فيها أخطاء، إذن يترك العلم كله؟ العبرة بكون هذه المفسدة مغمورة في جانب ما يشتمل عليه الكتاب من فوائت، فإذا كانت المفسدة مغمورة في جانب ما اشتمل عليه من الفوائت؛ فائتة لا بد منها، كيف تفهم من النصوص من غير الرجوع إلى التفاسير، تفاسير أهل العلم ومن القرآن؟ كيف تفهم نصوص السنة من غير اللجوء إلى ما قاله أهل العلم في شروح الأحاديث؟
س: يقول: ظهرت في المكتبات كتب السنة، طبعت على مجلد واحد لكل كتاب، فما رأيكم بهذا؟ وهل تغني عن الطبعات المعروفة، وما رأيكم بمختصر مسلم، والقرطبي؟(1/84)
ج: هذه الطبعات التي ظهرت؛ كل كتاب في مجلد، هي خفيفة الحمل، لكن الطبعات القديمة تولى تصحيحها علماء، والواقع يشهد بأن هذه الطبعات فيها أخطاء بغض النظر عن إصدار فلان، أو فلان، أو فلان، هي طبعت أكثر من مرة، فهذه الطبعات تشتمل على أخطاء، والطبعات القديمة تولى تصحيحها علماء، فالذي أنصح به طالب العلم، أن يقتني الطبعات القديمة، إلا إذا كان من الجديد ما يحققه من شهد له بالعلم بالخبرة، والدقة، والضبط، والإتقان، وبين أنه وقف على نسخ، اكتشفها بنفسه لما اطلع عليها من طبع الكتاب غيره، فلا بأس.
س: قال: هل صحيح مسلم أفضل من صحيح البخاري، ولماذا؟
ج: مسألة المفاضلة بين الصحيحين سترد إن شاء الله تعالى.
هنا فيه أسئلة كثيرة هل ينصح بحفظ اللؤلؤ المكنون؟ وهل يستغنى به، عن ألفية العراقي؟ ما الفرق بين منهج المتقدمين، والمتأخرين؟ المقصود ما المراد بالمتقدمين؟ ما أحسن نسخ بلوغ المرام هذه؟
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
ج: حصل الكلام فيها في مناسبات كثيرة، وفي طلب من أمس، لكنه لا يمكن تحقيقه، هذا يطلب أن يواصل في الشرح، شرح الكتاب الأسبوع القادم، حتى تتم الفائدة مواصلة، غير ممكنة، لأنه فيه كتابا بديلا عند هذا في الأسبوع القادم، يوجد كتاب بديل في الأسبوع القادم، وعلى كل حال، المسألة مترددة بين أن يجعل، أو يترك المتبقي من الكتاب إلى دورة لاحقة، أو أن نواصل في شرحه مع بداية الدراسة، كما صنعنا في الورقات، وأتممنا شرحها، بدأنا شرحها في الدورة، ثم أتممناها، وسجلت، وانتهيت، أو نشرح ما نستطيع، ونحيل الباقي على
الشرح الموجود الآن، لا سيما وأن آخر المصطلح لا يوجد فيه إشكالات، فالأمر سهل، اللهم صل، وسلم، وبارك على عبده، ورسوله.(1/85)
حفظ منهج المتقدمين، والمتأخرين، وشرح بلوغ المرام، مر في مناسبات كثيرة منها الكلام على منهج المتقدمين، والمتأخرين، وأشرنا إليه في بداية الدرس، وهو موجود، ومسجل.
الحديث العزيز والغريب
يقول -رحمه الله تعالى-:
وما به الواحد قد تفرد
فالمطلق الفرد به الصحابي
وغيره نسبي من دون خفا
فالفرد مطلقا, ونسبيا غدا
عن النبي, عن سائر الصحاب
وبالغريب عندهم قد عرفا
حديث الفرد، والغريب شيء واحد، وهو ما يتفرد بروايته شخص واحد، شخص واحد، وعندنا فرق بين الحديث الفرد، وبين الآحاد، وعندنا بين الغريب من الحديث، وغريب الحديث، لا بد من التنبه لهذه الفروق، فالغريب، والفرد: ما يتفرد به راو واحد، ولو في طبقة واحدة من طبقات الإسناد، فإن كان التفرد في أصل السند؛ أي طرفه الذي فيه الصحابي، فهي غرابة مطلقة، وأكثر ما يطلق عليه الفرد، وإن كان التفرد في أثناء السند، دون طرفه الذي فيه الصحابي، أو في آخره، من جهة المؤلف، فالغرابة نسبية، وأكثر ما يقال فيه غريب، تفرد به فلان عندنا من أوضح ما يمثل به للفرد المطلق، أو الغريب غرابة مطلقة، حديث إنما الأعمال بالنيات، يرويه الإمام البخاري، عن شيخه الحميدي، عن عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن، وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب، ( لا يثبت عن النبي، عليه الصلاة والسلام، إلا من طريق عمر ( ولا يثبت عن عمر، إلا من طريق علقمة، ولا يثبت عن علقمة،
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/86)
إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يرو عنه سوى يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر، حتى قال بعضهم: إنه يروى، عن يحيى بن سعيد، من طريق من أكثر من سبع مائة وجه يرويه، عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة راو، وإن كان الحافظ بن حجر يشكك في هذا العدد.
ويقول إنه يجمع الطرق في هذه الحديث، منذ بداية الطلب إلى وقت تأليف فتح الباري، وقال إنه لم يقدر على تكميل المائة فضلا عن مائتين، وثلاث مائة، وسبع مائة، فالحديث كما سمعتم فرد مطلق تفرده في أصل السند لم
يروه عن النبي، عليه الصلاة والسلام إلا صحابي واحد، ولم يروه عن هذا الصحابي، إلا تابعي واحد، وهكذا في أربع طبقات، يشبهه آخر حديث في الصحيح: كلمتان على اللسان: ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان العظيم ( هذا الحديث يرويه أبو هريرة، لا يشركه في روايته أحد، ويرويه عنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجري، ويرويه عنه عمارة بن القعقاع، لا يرويه غيره، وتفرد بروايته عنه محمد بن فضيل، لا يرويه غيره، وعن محمد بن فضيل، انتشر هذان الحديثان من الأفراد من أفراد البخاري، وإن شئت فقل من غرائب الصحيح، التفرد في أصل السند أصل، السند طرفه الذي فيه الصحابي، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحابي وحده، أو من يرويه عن الصحابي، وجاء عند ابن حجر، رحمه الله تعالى، تنزيل الفرد المطلق على تفرد الصحابي.
وجاء أيضا في تعريف الفرد المطلق، أن يتفرد بروايته عن الصحابي شخص واحد، وكأنه في هذا الموضع رأى أن تفرد الصحابي لا يضر، لأن الواحد من الصحابة يعدل أمة، على كل حال، هذا هو الفرد في اصطلاحهم، وهذا هو الغريب، يقول ابن حجر: إن الفرد، والغريب مترادفان لغة، واصطلاحا، لكن إذا بحثنا في معنى الفرد في اللغة، ومعنى الغريب في اللغة، تجدون فرقا، فلا ترادف، اغترب: بعد عن وطنه، فهو غريب، اغترب فهو غريب.(1/87)
وتفرد إذا استقل عن غيره، فلم يشاركه أحد، فهما، من حيث اللغة، ليسا بمترادفين، قد يسافر مجموعة، نعم قد يسافر مجموعة من بلدهم، من بلد واحد، إلى بلد ثان، هل يقال لهم أفراد، وهم مجموعة؟ لكن يصح أن يقال إنهم مغتربون، وقد يكون الواحد المتصف بصفة، لا يشاركه فيها أحد فرد، وإن لم يكن، ومغتربا بعيدا، عن وطنه، والغربة، والاغتراب معروفة المعنى، والتوحد، والتفرد معروف المعنى، هذا من حيث اللغة، الذي ذكر الحافظ أنهما مترادفان في اللغة، أما من حيث الترادف الاصطلاحي، الذي أشار إليه ابن حجر، ففي كلامه ما يدل على خلافه، في كلامه ما يدل على اختلافه، وأنهم غايروا؛ يعني أهل الحديث، غايروا بينهما في الاصطلاح،
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
فأكثر ما يطلق الفرد على كذا، وأكثر ما يطلق الغريب على كذا، ومعلوم أن هذا من حيث إطلاق الاسمية: الفرد، والغريب.
أما من حيث إطلاق الفعل، فلا فرق بينهما، تفرد به فلان، وأغرب به فلان، لا فرق حينئذ، فكلام الحافظ يلاحظ عليه مثل هذا، رحمه الله، هناك غرابة مطلقة، وغرابة نسبية، فالفرد مطلقا، ونسبيا إذا تفرد راو من بين جميع الرواة برواية هذا الخبر؛ بحيث لا يشركه في روايته أحد، فهو غرابته مطلقة، وهو إن كانت الغرابة في أصل
سنده فرد مطلق، وإن تفرد به شخص، تفرد بروايته عن راو، وإن رواه آخرون عن راو آخر، فغرابته نسبية؛ يعني تفرد برواية هذا الحديث بالنسبة لهذا الشيخ، وإن روي عن غير هذا الشيخ من طرق الغرابة نسبية، إذا
تفرد أهل بلد برواية حديث، مثل ما يقال: هذه سن غريبة، تفرد بها أهل مصر، أو تفرد بها أهل العراق، أو تفرد بها أهل الحجاز، هذه غرابة نسبية، ليست حقيقية، لأنه قد يكون هذا الخبر يرويه جمع من أهل هذه البلاد، فليست الغرابة حقيقية، بل نسبية:
فالمطلق الفرد به الصحابي(1/88)
وغيره النسبي دون خفا
عن النبي عن سائر الصحابي
..........................................
يعني ما كان التفرد فيه دون أصله في أثناء السند.
...........................................
وبالغريب عندهم قد عرفا
يعني إذا كانت الغربة في أصل السند، يقال له الغريب، إذا كانت الغرابة في أصل السند، وهم مخرج الخبر، يكون أكثر ما يطلق عليه الفرد.
وباعتبار موضع التفرد
أربعة أنواع فرد فاعدد
من يقسم إلى أربعة أنواع، فمنه فرد متنه، والسند أن تكون الغرابة في المتن، والسند التفرد في المتن، والسند، بمعنى أنه لا يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ، إلا عن هذا الراوي.
...........................................
ومنه ما في السند التفرد
التفرد: هذا الحديث لا يرويه إلا فلان، لكن متنه معروف برواية آخرين
وفرد بعض المتن, أو بعض السند
...........................................
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
فرد بعض المتن؛ يعني أن يكون هناك كلمة، يتفرد بها راو من الرواة، أو جملة في الخبر، يتفرد بها راو من الرواة، هذا التفرد فيه في بعض المتن، وقد يكون التفرد فيه في بعض السند، كما إذا تفرد هذا الراوي بروايته، عن هذا الراوي، كما قلنا في النسبي.
...........................................
ولم نجد غريب متن لا سند
يوجد غرابة في المتن مع السند، يوجد غرابة في بعض المتن، يوجد غرابة في السند، والمتن يوجد غرابة في السند فقط، لكن غرابة في المتن فقط، لا يمكن أن توجد، لماذا؟ هل يتصور أن يوجد متن؟ نعم، غريب.
...........................................
ولم نجد غريب متن لا سند(1/89)
كيف يوجد غريب متن لا سند؟ نعم، قول إيش هم لا يبحثون في غريب الحديث، الذي هو غرابة بعض الألفاظ؛ يعني اشتمال الحديث على ألفاظ غريبة، تحتاج إلى إيضاح وبيان، هذا بحث آخر، لكن هذا الغريب، هذا اللفظ الذي وجد، هذا اللفظ الغريب، الآن مسألة مفترضة في حديث لا سند له، ركزوا معي يا إخوان، ولم نجد غريب متن لا سند، يمكن أن يوجد متن لا سند له، السند؛ لو كل حديث لا بد أن يروى بإسناد، أما الحديث الذي لا إسناد له، نقول ليس بحديث، لا أصل له، إذن لا يمكن أن توجد غرابة المتن دون السند، ولكن توجد غرابة الإسناد دون المتن، ولذا قال:
...........................................
وفرد بعض المتن أو بعض السند
ومنه ما في السند التفرد ...........................................
وفي الكل تقدم، لكن تميم القسمة، تميم القسمة العقلية: غرابة المتن فقط، غرابة المتن لا بد أن يصاحبها غرابة السند، وقيد النسبي أيضا بثقته، أو بثقة.
وقيدوا النسبي أيضا بثقة
كذا براو أو بمصر حققه
يعني لا يروي هذا الحديث من الثقات إلا فلان، وإن شاركه في الرواية أناس، لكنهم ضعافا، فتفرد هذا الثقة، لاشك أنه تفرد نسبي على أنه يوجد من يروي الحديث غيره، يوجد غير هذا الراوي يروي الحديث، لكن بهذا الوصف، فهو فرد، فهو فرد نسبي، غريب غرابة نسبية، فإذا تفرد برواية الخبر ثقة من بين سائر الثقات، لا يشاركه راو ثقة غيره، وإن شاركه بعض الضعفاء، فإنه يسمى غريبا، لكن الغرابة نسبية، كذا براو لا يرويه، عن فلان إلا فلان، لا يروي هذا الحديث عن أبي هريرة إلا أبو زرعة، لا يروي هذا الحديث عن عمر إلا علقمة، كذا
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/90)
براو تفرد بالرواية عن عمر، تفرد بالرواية عن أبي هريرة، أو بمصر حقق، هذه سنة؛ كثير ما يقولون: هذه سنة، تفرد بها أهل البصرة مثلا، أو المدينة، أو مكة، أو ما شابه، هذه كلها غرابة نسبية.
المتابعات والشواهد
وإن تجد متابعا أو شاهدا
زال بها تفرد عن فرد
وازداد شهرة بها الذي اشتهر
فإنما يحصل ذا لمن سبر
لخبر الآحاد كان عاضدا
واشتهر العزيز دون رد
وكشفه بالاعتبار قد ظهر
طرق الحديث ثم إياه اعتبر
عندنا مصطلحات: شيء اسمه الاعتبار، وشيء اسمه المتابع، وشيء اسمه الشاهد، عنون لهذه المصطلحات الثلاثة في ابن الصلاح، وغيره الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، وإن استدرك، وانتقد العنوان، لأن نسق المتابعات، والشواهد على الاعتبار، يوهم بأن الاعتبار قسيم للمتابعات، والشواهد، وهو في الحقيقة، ليس في القسم، ليس عندنا غير متابعات، وشواهد، والاعتبار؛ ما هو؟ هيئة التوصل إلى المتابعات. والشواهد: طريقة البحث. هذا هو الاعتبار.(1/91)
الاعتبار: سبرك الحديث؛ هل شارك راوٍ غيره في ما حمل، فصبرك هيئة التوصل طريقة البحث عن المتابعات، والشواهد تسمى اعتبارا. نأتي إلى المتابعات، والشواهد؛ هذا الحديث الفرد بحثت ما وجدت له شاهدا، فإذا خلا عن المتابعات والشواهد، كما يقول الحافظ: وكل ما *نعم، وما خلا عن كل ذا مفارد؛ يعني الذي لا يوجد متابع، ولا شاهد فهو من المفردات من الغرائب، لكن إذا بحثنا في الكتب، فوجدنا من يتابع الحميدي على رواية الحديث، حديث الأعمال بالنيات عن سفيان، وجدنا من يتابع الحميدي، هذه متابعة، متابعة تامة، ولا قاصرة تامة، لأنها من ابتداء السند المتابعة في الشيخ مباشرة، إذا لم نجد من يتابع الحميدي، وجدنا من يتابع سفيان في الروايات عن أبي سعيد، هذه متابعة، لكنها قاصرة، وجدنا من يتابع يحيى بن سعيد في روايته، عن محمد بن إبراهيم، وهذه مسألة افتراضية، وإلا أهل العلم يقررون أنه لا يرويه عن محمد بن إبراهيم التيمي، إلا يحيى بن سعيد، أو يجد له متابعا فيما بعد، أو هكذا إلى الصحابي، ما هذه المتابعات، وهذه الموافقات على رواية الحديث عن صحابي واحد، الحديث ما زال يروى عن عمر؛ سواء كانت المتابعة في الشيخ، أو شيخه، أو شيخ شيخه، أو الثالث، أو الرابع، أو الخامس إلى أن يتفقوا في الصحابي، هذه تسمى متابعات؛ يعني مشاركة الراوي في رواية
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/92)
الحديث من طريق الصحابي نفسه، هذه يسمونها إيش؟ متابعات. إذا لم يجد من يتابع هؤلاء كلهم، وجدنا هذا الحديث، يروى كما يروى عن عمر، يروى عن أبي هريرة، إذا اختلف الصحابي، فإيش فالشاهد هذا؟ هو القول المعتمد عند المتأخرين من أهل العلم، وعليه الأكثر، يجعلون المتابع فيما يروى عن طريق الصحابي نفسه، والشاهد فيما يروى عن طريق غيره من الصحابة من غير نفر إلى اللفظ والمعنى، فإذا جاء الحديث عن الصحابي نفسه؛ سواء اتحد اللفظ، أو اختلف مع اتحاد المعنى فالمتابع، وإذا روي من طريق صحابي آخر، بغض النظر عن معناه، ولفظه، سواء اتحد اللفظ، أو اختلف؛ فالشاهد.
من أهل العلم من يرى العكس، أن المنظور إليه اللفظى الحديث، إذا روي، ولو من طريق صحابي آخر، إذا روي بلفظه، فالمتابع إذا روي بمعناه، ولو اتحد الصحابي؛ فالشاهد، فمنهم من ينظر إلى الفظ والمعنى، ويجعل المتابع في اللفظ، والشاهد في المعنى، بغض النظر عن الصحابي، ومنهم من يرى العكس؛ النظر إلى الصحابي، بغض النظر عن اتحاد اللفظ، واختلافه، وعلى كل حال، الأمر سهل؛ سواء سمينا هذا متابعا، أو سميناه شاهدا؛ الوضع لا يختلف، لماذا؟ لأن الهدف من البحث عن المتابعات، والشواهد: التقوية، والتقوية تحصل بهذا، وتحصل بهذا، فالمغايرة بينهم مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإن تجد متابعا، أو مشاهدة لخبر الآحاد، كان عاضدا، زال بها تفرد عن فرد؛ يعني انتهى التفرد، لا يروي إلا فلان، وجدنا فلانا، أي انتهى التفرد، واشتهر العزيز؛ يعني صار بدلا من أن يرويه اثنان؛ حد العزيز، زدنا ثالثا، صار إيش؟ صار مشهورا، واشتهر العزيز دون رد، وازداد شهرة بها الذي اشتهر، الذي يروى من طريق ثلاثة، وجدنا رابعا يزداد شهرة، وازداد شهرة بها الذي اشتهر، وكشفه بالاعتبار قد ظهر، كشف هذه المتابعات، وهذه الطرق، وهذه الشواهد؛ إنما يكون بالاعتبار، الذي هو السبر، والنظر في الكتب.(1/93)
وتتبع الطرق يقول: فإنما يحصل ذا لمن سبر ما يحصل لغير من سبر، لا يمكن أن تجد حديثا، وأنت لم تبحث، هل يمكن أن تجد حديثا، وأنت لم تبحث؟ لم يمكن، السماء لا تمطر ذهبا، ولا فضة، أتجلس في فراشك، وتنتقل من مجلس إلى مجلس، وقيل، وقال، واستراحات، وراحات، وجيات، ونزه، ورحلات، وأنت تهاجم طرق الحديث، وأنت على هذه الطريقة؟ لا؛ لا يمكن، فإنما يحصل ذا لمن سبر، من جد، وجد طرق الحديث، ثم إياها اعتبر من سنن، تبحث في السنن، والسنن هي في الغالب ما يجمع أحاديث الأحكام المرفوعة، يشاركها المصنفات، تجمع أحاديث الأحكام، لكنها تضم إلى المرفوع الموقوفات، والآثار، ومن جوامع السنن فيها أحاديث الأحكام، غالبا
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
قد يوجد أبواب يسيرة من أبواب الدين الأخرى في فتن، وما أشبه ذلك، قد توجد كما في سنن أبي داود من الآداب، والفتن فيها أشياء يسيرة، لكن الغالب على الكتاب حديث الأحكام من سنن، ومن جوامع، السنن، ممثل
لها سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وسعيد بن منصور، والدارقطني، وكتب سنن كثيرة.(1/94)
ومن جوامع الجوامع هذه هي الكتب، والأحديث التي تجمع جميع أبواب الدين، جميع ما يحتاج إليه من أبواب الدين، ففيها العقائد، فيها الإيمان، فيها العلم، فيها العبادات، فيها المعاملات، فيها الأنحكة، والأقضية، والجنايات، فيها السير، والمغازي، والشمائل، والمناقب، فيها الزهد، والرقاق، والتفسير، فيها كل شيء، كل ما يحتاجه المتعلم من أبواب الدين، هذه تسمى إيش؟ جوامع؛ من أمثلتها: الجامع الصحيح للبخاري، الجامع الصحيح للإمام مسلم، الجامع للترمذي، هذه تجمع أبواب الدين، ومن معاجم المعاجم؛ هي التي ألفت على طريق المسانيد، مسانيد الصحابة، أو على طريق الشيوخ، شيوخ المؤلف، وقد تؤلف على طريقة المسانيد، مسانيد الصحابة، وتجتمع في هذا مع المسانيد، وتختلف معها في أن ترتيب هذه المسانيد، أو أحاديث هذه المسانيد على شيوخ المؤلف.
وبالمسانيد؛ المسانيد هي التي يذكر فيها أحاديث كل صحابي على حدة، أحاديث كل صحابي على حدة، ثم ترتيب أحاديث الصحابة على ما يختاره المؤلف، والغالب أنهم يرتبون المسانيد؛ الصحابة على حسب الأفضلية، كما فعل الإمام أحمد في المسانيد العشرة، ثم من يليه من سنن، ومن جوامع، ومن معاجم، ومن مسانيد، فدم: دم؛ اعترف، دم بالفضل لهؤلاء الذين تعبوا، وجمعوا، وألفوا، دم لهم، واعترف بالفضل، وادع لهم أن ييسروا لك هذا العلم، وجمعوا في هذه المصنفات، واحمد ربك، واشكره، والهج بذكره وشكره، أن يسر لك هذا الطريق.
فما على مروييه قد تابعه عند الصحابي آخر المتابعه .(1/95)
فما على مروييه قد تابعه عند الصحابي؛ يعني عن نفس الصحابي، آخر تابعه آخر، عن الصحابي نفسه فمتابعة، وهذا قررناه، فإن تكن لنفسه فوافرة؛ يعني تامة، إذا كانت المتابعة للشخص نفسه الراوي؛ يعني آخر السند؛ بمعنى أن المتابعة حصلت في جميع السند، في شيخ نفس الراوي فالمتابعة وافرة؛ يعني تامة، أو شيخه فصاعدا فقاصرا، ومثلنا أن الحميدي توبع في رواية حديث: الأعمال بالنيات، هذه متابعة تامة، وهذا التمام والقصور نسبي، المتابعة هذا الوصف بالتمام، والقصور نسبي إذا توبع البخاري على رواية الحديث، عن الحميدي، متابعة تامة، لكن بالنسبة لمن دون البخاري إذا توبع شيخ البخاري الحميدي، بالنسبة للبخاري تامة لو خرج الحديث
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
الحميدي في مسنده، وتوبع سفيان على روايته، صارت تامة بالنسبة للحميدي، فهذه الأمور نسبية، فإن تكن لنفسه فوافرة، أو شيخه فصاعدا فقاصرة، وتقرب من التمام، كلما قربت إلى نهاية الإسناد، وتقرب من القصور، كلما قربت إلى نهاية الإسناد من أعلاه، وما له يشهد المتن عن سوى ذاك الصحابي، فشاهد سواه في اللفظ،(1/96)
والمعنى، أو المعنى فقط، لكن ما مرتبة الثاني أحط المؤلف، رحمه الله تعالى، جرأ على التفريق بين المتابع، والشاهد بأي شيء؟ بالصحابي، بغض النظر عن اللفظ والمعنى، ولذا قال: وما له يشهد متن عن سوى ذاك الصحابي، فشاهد سوى في اللفظ، والمعنى؛ يعني سواء إن كان الشهادة من ذلك الصحابي لآخر، وافقت وطابقت في اللفظ، أو في المعنى فقط، أو المعنى فقط، لكن ما مرتبة الثاني أحط، مرتبة الثاني هذه إيش؟ الشاهد، أو الموافقة في المعنى فقط الاحتمالات ثلاثة، لكن ما مرتبة الثاني، الموافقة في المعنى فقط، أو الثاني الذي هو الشاهد، والموافقة في، والاختلاف في الصحابي، أو الثاني الذي هو الآحاد قسيم المتواتر هذه احتمالات، وعوده إلى الأقرب أقرب، لا شك أن الموافقة في اللفظ، والمعنى أتم، وأقوى من الموافقة في المعنى فقط. نعم؛ يعني كون الحديث مضبوطا، متقنا من جهات من طرق بلفظه، أليس أقوى من أن يوجد فيه اختلاف من بعض رواته في بعض الألفاظ؟ ولذا قال: لكن ما مرتبة الثاني أحط.
جاءت المسألة التي هي من أهم ما يبحث في هذا الفن:
وهو يفيد العلم أهل النظري
ثلاثة أحكام نقل تعرف
عند ثبوته فبعد النظري
قبوله والرد والتوقف
يعني الخبر منه ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، ومنه ما يتوقف فيه:
نأتي إلى ما يفيده خبر الواحد، انتبهوا يا إخوان، يقول: وهو يفيد العلم أهل النظري عند ثبوته فبعد النظري،(1/97)
تقدم في المتواتر أنه يفيد العلم ماذا؟ الضروري، الذي لا يحتاج إلى نظر، ولا استدلال، ولا مقدمات، وإن خالفوا في ذلك طائفة، فقالوا: إنه يفيد العلم النظري، إذا سمعت الخبر المتواتر، وجدت نفسك مضطرا إلى تصديقه، دون مقدمات، ولذا يحصل العلم به لمن ليس من أهل النظر، يحصل العلم به لمن ليس من أهل النظر، لو تسأل أجهل شخص من المسلمين، فتقول له: هل يجوز الكذب على النبي، عليه الصلاة والسلام؟ قال: لا يجوز، فمجرد ما يسمع هذا الخبر، يؤمن به، ويتيقنه، لأنه متواتر هنا، وهو؛ يعني ما مضى الحديث عنه، وهو الآحاد؛ يعني منتهى الكلام في المتواتر معه، يفيد العلم أهل النظر عند ثبوته، فبعد النظر خبر الواحد إذا صح، أو غلب على الظن ثبوته في مسألة الحسن، يفيد العلم النظري.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
ذكرنا سابقا المراد بالعلم، والظن، والشك، والوهم؛ هل نحن بحاجة إلى إعادتها العلم ما لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه؛ بمعنى أنك تحلف عليه، وإن كان من أهل العلم من يرى جواز الحلف على غلبة الظن، لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه الظن، هو الاحتمال الراجح الشك، هو الاحتمال المساوي، والوهم هو الاحتمال
المرجوح، خبر الواحد إذا صح يشترط لصحة الخبر على ما سيأتي أن يكون رواته ثقات، عدولا ضابطين، وأن يكون متصلا، ويسلم المتن من الشذوذ، والعلة، هذا الخبر الذي توافر فيه هذا الوصف على ضوء تعريف العلم، والشك، تعريف العلم، والظن، والشك، والوهم ماذا يفيد؟ هل نستطيع أن نقول ما يخبر به الإمام مالك، يفيدنا العلم اليقيني النظري؛ بمعنى أن نتيجته مائة بالمائة، ويترتب عليه أن الإمام مالك لا يخطئ، لأنه إذا احتمل الخطأ ما، صار علم بهذا التقرير. واضح هذا، أم ليس بواضح؟(1/98)
نسوق الأقوال؛ الأول أولا: داود الظاهري، وحسين الكرابيسي، وابن حزم رواية، عن مالك، وابن حزم أطال في تقرير هذا القول، وهو أن خبر الواحد يفيد العلم مطلقا، والإطلاق هنا ما يقابل ما سيأتي من القول الثالث، والقول الثاني، إنه لا يفيد العلم مطلقا، وإنما يفيد الظن، وعزاه النووي للجمهور، وفي موضع للأكثر، وفي موضع للمحققين، هذان القولان متقابلان، يفيد العلم مطلقا، يفيد الظن مطلقا، هناك قول ثالث، وهو أنه مفيد العلم، إذا احتفت به قرينة.
الآن البحث مع من يوافق على هذا التقسيم، وعلى هذه التعريفات، التي ذكرنا في تعريف العلم، والظن: القول الأول، يفيد العلم مطلقا، نعم يقولون: العمل به واجب، فكيف نعمل بما يفيد الظن؟ والظن لا يغني من الحق شيئا، ( (((( (((((( ((( (((((( (((( ((((( (((((( ( ( (26) لا تتبع ما ليس لك به علم، الظن لا يغني من الحق شيئا، إذن هذا الذي يوجب العمل، إذن يوجب العلم، لكن هل يمكن أن يستجيب، إذا قال شخص: إن خبر الثقة يوجب العلم، إذا قال له زيد من الناس، وهو من أوثق الناس عنده، هل يمكن أن يستجيب شخص؟ قال له زيد من الناس، وهو من أوثق الناس عنده، أن الشمس طالعة، لأنه متردد في طلوع الشمس، وهو في مكان مظلم، ليس فيه ما يدل على طلوع الشمس، ثم يأتيه فلان، يقول: الشمس طالعة، هل يستطيع أن يطلق امرأته أن الشمس طالعة؟ نقول الحلف؛ لأن يجوز الحلف على غلبة الظن عند بعض أهل العلم؛ يعني إذا أخبرك زيد من
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/99)
الناس قال: إن الشمس طالعة، وأنت تثق به، حلف أن الشمس طالعة، نعم، لكن هل يستطيع أن يطلق أن الشمس طالعة، أو في نفسه شيء، احتمال أن يكون أخطأ، لا يرد أن يكون احتمال أن يكون أخطأ، هذا الاحتمال ينزل الخبر من مائة إلى تسعة وتسعين، أو ثمانية وتسعين، أو سبعة وتسعين؛ على حسب ثقتك بالرجل، لكن الاحتمال في نفسك موجود. عرفنا؟
القول الأول: ، وهو أنه يوجب العلم مطلقا، وهو قول داود الظاهري، وحسين الكرابيسي، والحارث المحافظي، وابن حزم أطال في تقريره، وشدد فيه أحمد شاكر، ورجحه أيضا، لكن هؤلاء؛ أجزم أننا نختلف معهم في تعريف العلم، والظن، ولا ما في أحد يجي يقر الخبر في قلبه ؛ بحيث لا يحتمل النقيض، أليس عندنا الإمام مالك، رحمه الله، نجم السنة في قمة الحفظ، والضبط، والإتقان، ألم يحفظ عنه أخطاء، وأوهام، هذا الاحتمال من الإمام مالك، ينزل خبره من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين، لأنه نجم السنة، لكن غيره قد ينزل خمسة وتسعين، وقد ينزل تسعين، وقد ينزل ثمانين؛ حسب توافر شروط القبول من عدمها.(1/100)
القول الثاني: لا يفيد العلم مطلقا، يفيد الظن لوجود هذا الاحتمال، ليس هناك شخص معصوم، ما يخطئ، ما دام هذا الاحتمال احتمال النقيض موجود، إذن كيف نجزم بأنه مائة بالمائة، والاحتمال موجود، إذا قلنا إنه مائة بالمائة، فكأنك تراه، الخبر المتواتر ينزل منزلة الرؤية؛ الرؤية البصرية؛ يعني لو طلق شخص امرأته أن واقعة الفيل حاصلة، أتطلق امرأته، أم لا تطلق؟ تطلق، أم لا تطلق؟ لا تطلق؛ لأنها حاصلة، وجاء التعبير عنها في سورة الفيل: ( (((((( (((( (((((( (((((( ( (27) ؛ الرسول ما رأى، لكن: ألم ترى، لأنه نزل هذا الخبر المتواتر المستفيض عندهم منزلة المرئي المشاهد، لكن لو جاءك خبر، قيل لك: فلان حضر، فلان مات، من أوثق الناس عندك؛ يعني هل تستطيع أن تخبر شخصا، وتطلق امرأتك، أن فلانا حضر، لأن زيدا، أخبرك زيد من الناس، أخبرك؛ فوجود هذا الاحتمال ينزل الخبر من مائة بالمائة، لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه، إلى نسبة تناسب الشخص المخبر، وعرفنا حجة هؤلاء، الاحتمال قائم.
القول الثالث: إنه يفيد الخير، خبر الواحد يفيد العلم، إذا احتفت به قرينة، لماذا؟ الآن، الاحتمال ليس ضعيفا، احتمال النقيض ليس ضعيفا، هذه القرينة جبرت هذا الاحتمال، فجعلنا نقنع، ونجزم به، لوجود هذه القرينة، التي صارت في مقابل هذا الاحتمال، إذا لم تحتف به قرينة، لا يجوز اللفظ بأن الظن هو غلبة
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
الاحتمال الراجح، أولئك يقولون: الظن لا يغني من الحق شيئا، نقول: صحيح، لكن الظن جاء في النصوص بكذا اعتبارات، وإطلاقات، جاء الظن، والمراد به اليقين، والاعتقاد الجازم، وسمعنا في قراءة الإمام: ( (((((( ((((((( (((((( ((((((( ((((((((((( (((( ( (28) ما نقول إن الظن لا يغني من الحق شيئا، في هذا الباب(1/101)
ينفع الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم، ينفع على اعتبار الثاني، أنه لا يغني من الحق شيئا، نعم لا ينفع، لا ينجيك من عذاب الله أن تأتي بمجرد كلام، لا يغني من الحق، إذن هو باطل.
إذا كان لا يغني من الحق الظن، جاء في النصوص، ويراد به اليقين، ويراد به ما يغلب على الظن، ويراد به الوهم، وهو الذي لا يغني من الحق شيئا، حسنا هم يقولون: ( (((( (((((( ((( (((((( (((( ((((( (((((( ( ( (29) إذا أنت عملت بما لا يوجب العلم، أنت قفوت ما ليس لك به علم، نقول: العلم إنما يضاده الجهل، ما ليس لك به علم، الذي تجهل فيه، الذي تجهل هذا الذي ليس لك به علم، وحمل بعضهم هذه الآية على مسائل الاعتقاد، والذي يرجحه شيخ الإسلام، ويقرره أنه لا فرق بين مسائل الاعتقاد، ومسائل الأحكام، ما يثبت في هذا يثبت في هذا، لا فرق، ونسمع كلام شيخ الإسلام في ما يفيده خبر الواحد، شيخ الإسلام، رحمه الله تعالى، في مواضع كثيرة من كتبه يقول: منهاج السنة في الجزء الثامن في الصفحة ثلاث مائة، القرآن لا يثبت بخبر الآحاد، بل لا بد أن يكون منقولا بالتواتر، هذا معتمد في الجزء السابع، صفحة خمس مائة وخمسة عشر، وستة عشر.
اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلغ عن العلم واحدا، بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر، الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، وخبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، هذا كلام من الإمام القدوة، شيخ الإسلام، وخبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية، أو خفية عن أكثر الناس، فابن رجب في شرح البخاري في شرح حديث: تحويل القبلة، في الجزء الأول، صفحة مائة وتسعة وثمانين، وما يقال من أن هذا يلزم منه نسخ المتواتر، وهو الصلاة إلى بيت المقدس بخبر الواحد، فالتحقيق في جوابه أن خبر الواحد يفيد العلم، إذا احتفت به القرائن، فنداء الصحابي، فانظر القرينة الآن التي احتفت بخبر الصحابي، فنداء الصحابي في الطرق، والأسواق؛(1/102)
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
بحيث يسمعه المسلمون كلهم بالمدينة، ورسول الله، ( بها موجود لا يتداخل من سمعه شك في أنه صادق فيما يقول، وينادي به، والله أعلم.
وقال في الجزء التاسع، صفحة أربع مائة وثمان وثلاثين، وقول اثنين فصاعدا من المأمومين، إذا نبها الإمام، اثنان، يجب أن يرجع حجة شرعية يقول: وقول اثنين فصاعدا من المأمومين، حجة شرعية، فيجب العمل بها، وإن لم يوجب العلم، لماذا؟ لأنه مصدر الخبر واحد آحاد كسائر الحجج الشرعية، التي يجب العمل بها من البينات، وغيرها، لماذا أطلنا في هذا؟ كررنا في مناسبات كثيرة أن أقول الذي يخالف في هذا، قد يخالف في تعريف العلم، والظن، لكن الظن، والعلم على ما شرح، وكرر سابقا، الراجح هو القول الأخير، وشيخ الإسلام له كلام كثير.(1/103)
ابن القيم في الظواهر أطال في تقرير إفادة خبر الواحد العلم، نعم، أطال إطالة كثيرة جدا، وهو بصدد الرد على المبتدعة، الذين يردون خبر الواحد، وصرح في مواضع، أنه إذا احتفت به قرينة، يفيد العلم، وكلام شيخ الإسلام هنا، وخبر الواحد، لا يفيد العلم إلا بقرائن كلام صريح، ولا احتمال يا إخوان، أنا أؤكد على هذه المسألة، لأنه يوجد من يخالف، ويبعث الرأي الثاني، أن خبر الواحد إذا صح، فإنه يفيد العلم، وهم من خيار من يتعاطى هذا الشأن؛ علم الحديث، وتقرير هذه المسألة؛ يعني إذا تقررت لدينا، لا نجزم، لا نشك بأنهم يذهبون إلى أن الظن غير ما نذهب إليه، والعلم غير ما نذهب إليه، المتقدمون: داود الظاهر، وحسين الكرابيسي، وغيرهم، قالوا: لا يوجب، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن نعمل بجهل، لا نعمل بجهل، الأحكام مبنية على إيش؟ على غلبة ظن، الآن لو استفتيت مثلا شخصا، نعم ذهبت إلى أعلم من في البلد، وأفتاك بفتوى، أفتاك بقول، قال: هذا حرام، ثم ذهبت إلى آخر، أقل منه منزلة، فأفتاك بكلام آخر، غير هذه الفتوى، الآن تستطيع أن تحلف أن الموافق لما عند الله، ( العلم اليقين، الذي لا يحتمل النقيض هو ما قاله الأول، ألا يحتمل أن يكون المفيد هو الثاني، وإن كان أقل منه منزلة، هذا هو الاحتمال الموجود عندنا في خبر الواحد، هم سواء بسواء، ونسمع من يشنع على ابن حجر، أن خبر الواحد لا يفيد العلم، إلا إذا احتفت به قرائن؛ يعني إذا شنعنا على ابن حجر، وفيه شيء من بدعة، فمؤكد نشنع بشيخ الإسلام، أشد الناس على المبتدعة، يقال: شيخ الإسلام ليس بمعصوم، رجل. نعم؛ ليس بمعصوم، لكن ليس منا معصوم، المسألة فيها حساسية، وهي أن المبتدعة يشغشغون بمثل هذا الكلام، لأن لهم مقصدا ثانيا غير ما نقصده عندهم، هم يقررون أن العقائد لا تثبت بأخبار الآحاد، لأنها لا تفيد إلا الظن، نقول: لا يا أخي؛ الأخبار العقائد تثبت بخبر الواحد، وإيش الفرق بين العقائد، والصلاة؟ كلها(1/104)
شرح، إذن القرائن ذكروا بعض القرائن، مثل ما ذكره ابن رجب، الآن قرينة قبول خبر واحد جاءهم، نقول لقد حولت وهم على
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
قبلة قطعية، كيف تحولوا من قطعة من قبلة قطعية إلى قبلة مظنونة بهذا خبر الواحد؟ ألا يحتمل أن يكون أخطأ، ألا يحتمل أن يكون واهما؟ قرائن؛ عندي من أقوى القرائن، كون النبي، عليه الصلاة والسلام، متشوفا إلى تحويل القبلة، والصحابة على علم بها: ( (((( (((((( (((((((( (((((((( ((( ((((((((((( ( ((((((((((((((((( (((((((( (((((((((( ( ( (30) إلى أن جاء النسخ بقوله جل وعلا: ( ((((((( (((((((( (((((( (((((((((((( ((((((((((( ( ( (31) هذه قرينة ابن رجب، ماذا يقول؟
فالتحقيق، وفي جوابه أن خبر الواحد، يفيد العلم إذا احتفت به القرائن، فنداء الصحابي في الطرق، والأسواق؛ بحيث يسمعهم المسلمون كلهم بالمدينة، ورسول الله، ( بها موجود، لا يتداخل من سمعه شك في أنه صادق فيما يقوله، وينادي به، ولو ذهبنا ننقل كل ما قاله أهل العلم في هذه المسألة، لطال بنا الكلام، وقال بإفادة خبر الواحد العلم، إذا احتفت به قرينة جمع غفير من أهل العلم، فابن الصلاح يرى أن خبر الصحيحين يفيد العلم.(1/105)
وأقطع بصحة لما قد أسند كذا له؛ يعني ابن الصلاح، وقيل ظنا، ولدى محققيه قد عزاه النووي، وفي الصحيح بعض شيء قد روي، المقصود أن هذه المسألة الذي دعانا إلى التأكيد عليها، وبحثها، هو أنه يوجد من خيار الناس من لديه حساسية شديدة في هذه المسألة، ولا شك أن هذا القول، أو القول بأنه لا يفيد إلا الظن مطلقا، هذا استغل، لكن إذا لم نلتزم بلوازم، إذا لم نلتزم باللوازم الباطلة، انتهينا، ما صار عندنا مشكلة، وإلا لو قيل: إن القول بأنه يفيد العلم مطلقا، يرده الواقع، والعقل، كيف يفيد العلم إلا عند من يفسر العلم بمعنى أعم؛ بحيث يشمل الظن، الآن يزودون النصوص نصوصا، بحثنا في مسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ورجحنا نظرنا في أدلة القول الأول، وأدلة القول الثاني، ورجحنا كون نصيب القول الأول من الترجيح سبعين بالمائة، لأن أدلته قوية جدا، ونصيب الثاني ثلاثين بالمائة، فهل معنى هذا أن القول الأول هو الراجح، هو المقطوع به، أنه هو الموافق لحكم الله، ( نسبة سبعين بالمائة، عندهم أدلة، والأدلة التي تنتابها وجهات النظر؛ سواء كان ذلك في ثبوتها، أو في دلالتها، كيف تفيد علما؟ دعونا من العلم بالمعنى الأعم، لا يأتينا واحد، ويقول: هذا حديث: إنما الأعمال بالنيات ........ لا يفيد علما، إذن يفيد جهلا! أليس هو بصحيح يا إخوان إن فسرنا العلم بما هو أعم من العلم المقطوع به، والعلم غلبة الظن،
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/106)
والأحكام مبنية على غلبة الظن، نعم، ممكن أن يمشي هذا القول، ولذلك توسع في تعريف العلم، أما تعريف العلم بأنه لا يحتمل النقيض، كما هو مقرر عند أهل العلم، لا يحتمل هذا الكلام من القرائن أن يكون الحديث مرويا في الصحيحين، أو في أحدهما مما لم ينتقد، وذلكم لتلقي الأمة الصحيحين بالقبول، من ذلك أن يكون الحديث مشهورا شهرة واسعة، لم يصل إلى حد التواتر، لكن جاء من طرق متباينة، سالمة من العلل، والقوادح، يفيد علما؛ معناه أنه يلزمك بقبوله الحديث المروي من طرق الأئمة، الحديث الذي يتداوله الأئمة، كالحديث الذي يرويه أحمد، عن الشافعي، عن مالك، إلى آخره، هذا مقطوع بصحته، يفيد علما، لماذا؟ لأن الاحتمال الذي وجد عند مالك، نعم لا يمكن أن يوافقه عليه من الأخطاء، احتمال الخطأ موجود عند مالك، لا يوافقه عليه الشافعي، لا يمكن أن يمر على الشافعي، إذا مر على الشافعي، لا يمكن أن يفلت من أحمد، فوجود رواية هؤلاء الأئمة تتكامل؛ بحيث تكون في مقابل النسبة التي هي نسبة احتمال النقيض، التي ذكرت سابقا.
ثلاثة أحكام نقل تعرف
قبوله والرد والتوقف
فالخبر منه ما هو المقبول، ومنه ما هو المردود، ومنه ما يتوقف فيه؛ فالمقبول: الصحيح بقسميه، والحسن: بنوعيه، على خلاف في الحسن سيأتي، والمردود: الضعيف فما دونه، المتوقف فيه: ما يشك في ثبوته، وعدمه، على حد سواء، لا يغلب على الظن ثبوته، ولا يغلب على الظن رده، هذا يتوقف فيه، فالأصل في القبول: صدق من نقل؛ يعني مدار الرواية على الصدق، على صدق اللهجة، لأن المسألة نقل كلام، فمن صدق في كلامه؛ قبل قوله.
والأصل في القبول صدق من نقل
والكذب أصل الرد يا من قد عقل
إذا كان مدار القبول على الثبوت، وعدمه، فالصدق: مدار القبول، والكذب: مدار الرد، يا من قد عقل!
ولالتباس الحال قف، ما قال قبوله والرد والتوقف، ما جاء الأصل في القبول، والأصل في الرد، ثم جاء إلى التوقف.(1/107)
ولالتباس الحال قف: بحثت حديثا، وعجزت أن تصل إلى نتيجته؛ الحكم فيه محير، هناك قرائن تدل على ثبوته، وقرائن تدل على عدم ثبوته، فيه راو من رواته؛ عجزت أن ترجح بين أقوال أهل العلم فيه؛ جرحا، وتعديلا، تتوقف في الراوي، ثم تتوقف في المروي:
ولالتباس الحال قف فيه إلى
بيانه إن بالقرائن انجلا
................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
وأنت تتمرن في تخريج الأحاديث، لا شك أن هذه الأقسام الثلاثة تواجهك، سوف تواجهك هذه الأقسام الثلاثة، حديث: لا إشكال فيه في تصحيحه؛ سنده واضح، ومتنه ظاهر، ليس فيه مخالفات، ثم طابقت حكمك عليه، على حكم أهل العلم، مثل هذا؛ لا تتردد في تصحيحه، وآخر؛ العكس، الحكم عليه بالضعف والرد ظاهر، الثالث؛ هذا الذي عجزت أن تحكم عليه، الكفة متساوية، مثل هذا تؤجله، تؤجل الحكم عليه، تتوقف في الحكم عليه، حتى ترجح القرائن، إن كنت من أهل القرائن، إن كان لديك أهلية النظر في الحديث، من خلال القرائن، حتى تتوافر عندك القرائن المرجحة للقبول، أو للرد.
ولالتباس الحال قف فيه إلى
بيانه عن بالقرائن انجلا
هذه طريقة أهل العلم الراسخين، ويبقى دور الطالب المتعلم، الذي لم يتأهل، يخرج لنفسه بالتمرين، ويكثر من التقريب بدراسة الأسانيد، ويعرض عمله على أهل الخبرة، والمعرفة، فإذا تأهل فيما بعد، حصلت لديه الأهلية، صار من أهل هذا الشأن.
والمقبول أربع مراتب: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره.
وأربع مراتب المقبول
بينها أئمة النقول
بينها أهل العلم في كتبهم، ثم بعد ذلك لم يتكلم المؤلف، رحمة الله عليه، على هذه الأقسام الأربعة.
انتهى درس الخميس، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/108)
س: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويسأل عن القواعد، التي وضعها المعلم في مقدمة التنكيل
ج: المعلمي من أهل هذا الشأن، من أهل هذا الحديث، ومن أهل الاستقراء، والتتبع، وقواعده مفيدة، يستفيد منها طالب العلم.
س: هذا يسأل يقول: إن النووي ألف كتابا سماه الأربعين، ولكن الأحاديث التي فيها أكثر من ذلك.
ج: هو اشترط في كتابه أن يكون من جوامع الكلم من الأحاديث، التي تدور عليها أحكام الملة، فكون هذه الأحاديث أكثر من ذلك، وهي داخلة من شرطه، الزيادة مقبولة، الزيادة مقبولة، ففيها أربعون وزيادة، وأضاف إليها الحافظ ابن رجب، رحمه الله، زيادة عليها، حتى وصلت إلى خمسين.
س: هذا يسأل، عن بعض الأشخاص المعاصرين، وعن خدماتهم لعلم الحديث، وتصحيحهم، وتضعيفهم، وحكم من ينتقصهم ؟
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
ج: على كل حال، ما ذكر في السؤال كله، فيما نحسب، والله حسب الجميع؛ من أهل الخير، والفضل، والمنتقص لا يضر إلا نفسه.
س: يقول: ما الفرق بين متفق عليه، ولفظ: رواه البخاري، ومسلم؟
ج: لا يظهر فرق، لأنه إذا لم يذكر الصحابي فيما رواه البخاري عن فلان، ومسلم عن فلان، فلا فرق، فإذا رواه البخاري، ومسلم عن صحابي واحد، فهو متفق عليه، هذا عند الأكثر، إذا روى البخاري، ومسلم حديثا عن راو واحد من الصحابة، فهو متفق عليه، *المجد، والمنتقى، يضيف الإمام أحمد للشيخين، ليكون الحديث متفقا
عليه، والذي يظهر من صنيع البغوي، في شرح السنة، أنه لا يشترط اتحاد الصحابي، يقول: هذا حديث متفق عليه، أخرجه *محمد من حديث أبي هريرة، ومسلم من حديث ابن عمر.
س: يقول: كم عدد أصول الحديث، التي يدور عليها صحيح البخاري، ومن جمعها، وإذا لم يوجد، فهل يمكن أن تجمع بطريقة، يسهل على الطلاب حفظها بعد طبعها؟(1/109)
ج: وكذلك السؤال في صحيح مسلم، وهل يمكن إضافة زيادات مسلم على أصول البخاري؛ يحفظها طلبة العلم؟
أنا نصيحتي لكل طالب علم؛ أن يتولى هذا بنفسه، ولا يعتمد على اختصار غيره، لأنه يستفيد من اختصاره، هو الاطلاع على كتاب الأصل، ويكون على علم مما ذكر، وعلى علم مما حذف، والأصول التي في صحيح مسلم من غير تكرار، كما هو معروف عدتها ألفان وخمسمائة، وحديثان، هذه الأحاديث من غير تكرار، لكن على طالب العلم أن يستخرجها بنفسه، ويطلع على المكرر، وينظر ما فيه من زوائد في ألفاظ المتون، واختلافه في صيغ الأداء، كل هذا مفيد لطالب العلم، فإذا قام بالاختصار بنفسه، استفاد فوائد عظيمة، ثم يأتي بعد ذلك إلى مسلم، ويأخذ زوائده على البخاري، ثم يأتي إلى سنن أبي داود، بعد أن يقرأ الكتاب كاملا، ويستخرج زوائده على الصحيحين، وهكذا، أما الاعتماد على مختصرات الآخرين، لا شك أنه يوفر بعض الجهد، لكن كيف يبخل بالوقت على مثل هذا العمل الجليل؟ لماذا نوفر الجهد، ونختصر الوقت؟ هذه وسيلة الاطلاع على الكتب الأصلية، كم فيها من فائدة، حرم منها مَن يُعنى بالمختصرات! والذي يختصر بنفسه؛ يطلع على هذه الفوائد، وينظر، نعم؛ هناك مهم، وهناك أهم، لأن طالب العلم، إذا اطلع على صحيح البخاري، ورأى أن التكرار أقل في الأهمية؛ من معاناة ما لا تكرار فيه، من معاناة غير المكرر، وإذا رأى أن العناية بالمتون أهم من العناية بالأسانيد، نقول له ذلك، لكن متى إذا تولى ذلك بنفسه، واطلع على المفضول من وجهة نظره، وإن كان فاضلا عند قوم آخرين، إذا اطلع على هذا،
................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/110)
ورسخ في ذهنه، واختصر، وردد، وكرر ما اختصره؛ استفاد، ولذا يوصي بعضهم، هذا شيء مجرب عند القراءة، عند قراءة الكتب، ومسحها، الكتب المطولة من التفاسير، وشروح الأحاديث، وغيرها في الفنون، أن يصحب الطالب الذي يريد أن يقرأ هذا الكتاب الكبير أقلاما ملونة، فيها الأسود، والأحمر، والأزرق، والأخضر، ويضع اصطلاحا في طرة الكتاب، يقول: الأحمر لما يراد حفظه مثلا، الأسود لما يطلب تكراره، الأخضر لما يراد فهمه، الأزرق لما يراد نقله.
وهكذا سوى ذلك، وهو يقرأ، هذه فائدة مهمة جدا، يضع عليها أحمر من أجل أن يرجع إليها، فيحفظها، كلام أقل في الأهمية، لكنه بحاجة إلى تكرار، يضع عليه اللون المناسب، كلام يمكن أن يفيد منه، وينفع به
الآخرين، ويلقيه في مجالس الناس، وفي محافلهم ليستفيدوا منه، فينقله إلى مذكراته فيضع عليه لونا مميزا، هذه طريقة نافعة مجربة، لأن الإنسان المصاب الفراغ من هذا الكتاب الكبير، قد لا يتسنى له، قد يمل، ويترك، لو انتهى من هذه الأمور في وقتها، يريد أن يحفظ هذا المقطع وكرره، قد تكون الحافظة كليلة وضعيفة لا تسعفه، فأخذ عليها يوما كاملا، وكل مقطع يريد حفظه يأخذ عليه يوما كاملا، يمل ويترك مثل هذا، لكن إذا فرغ من الكتاب وأخذه كاملا، بحيث صار عنده تصور كامل عن الكتاب ... وإن كان بعض الناس يقلل من قيمة القراءة السريعة والمسح للمطولات، لكن هذا ما جرب، لكن لو جرب ... وقد يكون جرب فراجع نفسه بعد الفراغ من الكتاب، فلم يتذكر منه شيئا، يحاسب نفسه يقول: أنا قرأت الكتاب في مدة سنة، لكن أيش الفائدة ؟!(1/111)
يريد أن يستذكر شيئا ما يستطيع، مثل هذا الاستذكار إذا لم تكن الحافظة قوية ما ينصف، إلا عند الحاجة، فإذا بحثت مسألة في مجلس ما، تذكرت أنها مرت عليك في الكتاب الفلاني، وصار لديك تصور عن هذه المسألة، بينما يوجد كثير من طلاب العلم لا يعرف أن هذه المسألة بحثت من قبل أهل العلم، فعلى طالب العلم أن يتولى أموره بنفسه.
س: يقول: ذكر بعض الباحثين أن رد السنة ونقدها لمعارضتها القرآن، أو عرض الحديث على القرآن ليس من منهج المتقدمين.
ج: أولا: جاء في المسألة حديث موضوع، وأنه لا بد من عرض قوله -عليه الصلاة والسلام- على كتاب الله ( وهذا الخبر موضوع، يقول: ليس من منهج المتقدمين، ولا يصح أن يكون علامة على ضعف الحديث، إلا إذا كان الحديث قريبا.
................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكن أن يوجد تعارض حقيقي بين السنة والقرآن، لا يمكن أن يوجد تعارض، كما أنه لا يوجد تعارض حقيقي في حقيقة الأمر فيما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يوجد تعارض بين ما جاء في القرآن وصحيح السنة وبين الواقع، ما يمكن أن يأتي بما يخالف الواقع.
نعم ليس من منهج المتقدمين أنهم عند تصحيحهم وتضعيفهم لكل حديث أن يعرضوه على القرآن، يعني: ليس من درجات وخطوات العمل لإثبات الحديث أو رده عرض الحديث على القرآن، لكن القرآن محفوظ في الصدور، فإذا وجد تعارض في الظاهر بين آية وحديث، لا بد من سعي وتوفيق من أجل دفع هذا التعارض.
س: عائشة -رضي الله عنها- ردت حديث: ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله ( لأنه معارض لقوله -جل وعلا-: ( (((( (((((( ((((((((( (((((( (((((((( ( ( (32) .(1/112)
هل هذا لأنه ثبت عندها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله، لكنه لما عارض القرآن والقرآن المصدر الأول وهذا الثاني إذا يقدم الأول؟ لا، لم يبلغها بطريق ملزمة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ( ((((( ((((( (((((((((( (((( (((((((((( ((((( ((((( (((( ((((((((((((( ((((((( ((( ((((((( (((((( (((((((((((( (((( (((((((((( ( (33) ليس لأحد خيار.
ج: نعم قد يوجد في الظاهر تعارض، لكن في الحقيقة لا تعارض، لا بد من إيجاد مخرج، بأن يحمل هذا على كذا وأن يحمل هذا على كذا، إن لم يوجد هذا المخرج فلم يمكن الجمع بين هذه النصوص المتعارضة في الظاهر، ولا عرف المتقدم من المتأخر، ولا أمكن الترجيح بين هذه النصوص ليحكم للراجح بأنه هو المحفوظ، والمرجوح بأنه شاذ، فحينئذ التوقف.
س: كلام الأخ الذي هنا ذكر بعضهم أن رد السنة ونقدها لمعارضتها القرآن، أو عرض الحديث على القرآن -ليس من منهج المتقدمين، نعم، ولا يذكر في خطوات النقد، بل القرآن محفوظ، وبداهة أي خبر يعارض القرآن يدقق فيه، فإما أن يكون ناسخا على القول بأن الآحاد ينسخ القرآن، والجمهور على خلافه، أو يكون مخصصا أو مقيدا.
ج: المقصود: أنه لا يوجد تعارض بين الوحيين -تعارض حقيقي-، اللهم إلا إذا كان أحدهما متأخرا والثاني متقدما فيحكم للناسخ، وليس هذا بتعارض، هذا ليس من التعارض في الحقيقة.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/113)
ابن خزيمة -وهو من أعرف الناس في هذا الباب- ينفي التعارض بين الأحاديث، يقول: من كان عنده شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن كان عنده حديثان متضادان، فليأتني لأوفق بينهما. ومع ذلك عجز عن التوفيق بين حديث: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ( في دعاء الاستفتاح، وحديث ما جاء من ذم الإمام الذي يخص نفسه بدعوة دون المأمومين، حكم على الثاني بالوضع؛ لأنه معارض بحديث صحيح.
التوفيق سهل، شيخ الإسلام يحمل الثاني على الدعاء الذي يؤمّن عليه، أما الدعاء الذي يُسر به فمثلما جاء في دعاء الاستفتاح، قال: ( اللهم باعد بيننا ( ومنهم من يقول: الذم إنما هو في حق ما لا يشترك فيه المأموم مع الإمام، أما ما يشترك فيه المأموم مع الإمام كدعاء الاستفتاح فلا يلزم فيه جمع الضمير.
س: يقول: مع العلم إن هذه الطريقة ظاهرة الاستعمال عند المحدثين مما يظهر، وذكر بعض الأشخاص الذين استعملوها، وأن هذا الحديث ...
ج: أولا الحديث الذي لا يشك في قبوله وسنده صحيح ومتنه ولم يقدح فيه أحد من أهل العلم، مثل هذا يُسعى فيه للتوفيق بينه وبين ما يعارضه في الظاهر، أما الحديث الذي يُشك في صحته، أو أهل العلم على تضعيفه، مثل هذا يرد بالمعارضة. وإن كان من باب التمرين واحتمال أن يثبت هذا الخبر، يقال: فإن صح فالمراد به كذا.
مثال ذلك حديث: ( نية المؤمن خير من عمله ( هذا حديث ضعيف، لكن لا مانع أن يقال: إن ثبت هذا الخبر يُحمل على النية المجردة، أفضل من العمل المجرد عن النية، يعني: نية دون عمل. شخص ينوي الخير، في نيته فعل الخير متى تيسر له، وآخر يعمل بدون نية، لا عمل إلا بالنية، ولا يقبل عمل إلا بالنية، إذًا العمل مردود والنية عمل مصحوب بهذه النية، النية عمل القلب، فهو عمل مشروع، فإن صح هذا الخبر حمل على هذا، على أن النية المجردة أفضل من العمل المجرد، وهذا بحثه في مختلف الحديث .(1/114)
س: عندما يقولون في التخريج: هذا الحديث روي بطرق كلها عن فلان، أو إن إسناده يدور على فلان، هل معنى هذا أن الحديث غريب؟
ج: هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل: إن كان المراد بهذا الحديث عن هذا الصحابي شيء، أو هذا الحديث عن هذا الراوي الثقة فقط لا يرويه إلا فلان، أو لا يدور إلا عن فلان، يعني ما يروى عن الزهري إلا من طريق فلان، مداره على فلان، بينما يروى عن غير الزهري من طرق، هذا تسميته "غريب" تجوّزا، وهي من الغرابة النسبية، وإلا فله طرق، وإن أرادوا أنه يدور على فلان لا على غيره من جميع الطرق ومن جميع الوجوه، فهو غريب.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ
س: يقول: ( من أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوما كتبت له براءتان: براءة من النفاق، وبراءة من النار. ( .
ج: : هذا حديث ضعف عند أهل العلم، وإن حسّنه بعضهم، وبعضهم يقبله في مثل هذا الباب ولو كان ضعيفا؛ لأن ضعفه ليس بشديد.
يقول: ذكر الحاكم أن البخاري لا يذكر حديثا إلا إذا رواه اثنان، وردوا على الحاكم بأن أول حديث: ( إنما الأعمال بالنيات ( وبآخر حديث، ويمكن أن يجاب عن الحاكم بأنه يرى أن البخاري لا يذكر الحديث في صحيحه إلا إذا كان له راويان، ولم يقل الحاكم بأن البخاري لا بد أن يذكر السندين أو الطريقين في صحيحه، بل قد يكتفي بأحدهما كما في أول حديث رواه، حتى لا يوجد له إسناد آخر ولا في
غير البخاري، لا يوجد لحديث: ( إنما الأعمال بالنيات ( إسناد آخر ولا في غير البخاري، لا يصح إلا عن عمر، ولا عن عمر إلا عن علقمة وهكذا.(1/115)
فالإشكال باق، منهم من رد بجواب أوسع من هذا، فقال: لا يخرج حديث لراوٍ من الوحدان، بمعنى أنه لا يروي عنه إلا شخص واحد، خرج حديث ( إنما الأعمال بالنيات ( لعمر، ولعمر جمع من الرواة، ولو في غير هذا الحديث، وعلقمة له جمع من الرواة في غير هذا الحديث، إذًا البخاري لا يخرج للوحدان، ورد عليه بأن في الصحيحين من الوحدان جمع ممن ليس لهم إلا راو واحد، كما سيأتي ببحث المجهول إن شاء الله تعالى.
س: أسئلة كثيرة مهمة، نختم بهذا السؤال: كيف يبدأ الطالب في حفظ متون المصطلح؟ وبأيها يبدأ؟
ج: كتب المصطلح كثيرة، لكن إذا بدأ بالنخبة وحفظها وقرأ شروحها، وسمع ما عليها من شروح الأشرطة، وحضر بعض الدروس عليها، وقرأ بعدها اختصار علوم الحديث لابن كثير وما كتب عليه، ثم بعد ذلك ألفية العراقي، بهذا التدرج يفيد من علم المصطلح -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد ذلك إذا أتقن هذه الكتب كلها ماشية على القواعد المضطردة عند أهل العلم، وأكثر من التطبيق، ونظر في كتب العلل، فإنه حينئذ يستفيد ويتأهل إن شاء الله تعالى.
س: يقول: قول الأصوليين بالتساقط عند تعارض النصوص، وعدم وجود مرجح، وعدم معرفة التاريخ، وعدم إمكانية الجمع، هل هذا اللفظ أفضل؟
ج: نقول هذا اللفظ "التساقط" السقوط ليس باللفظ الجيد، والتساقط كأنها بعد مقارعة وبعد مصارعة، وهذا لا يليق إطلاقه بإزاء النصوص، فعلى طالب العلم أن يتأدب بالألفاظ المشروعة، لا سيما في حق مثل هذا المبحث
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــ(1/116)
من النصوص، المسألة مضطردة فيه، قال الله وقال الرسول، تتساقط، لا التوقف .. لا شك أنها كلمة ألطف وأفضل، وهي المناسبة لهذا المقام "التوقف"؛ لأن التساقط يُرجع فيه العيب إلى النصوص نفسها، فيكون بعضها أسقط بعضا، والتوقف يحال إلى قصور أو تقصير في الباحث نفسه، أما التساقط فيُرجع السبب فيه إلى النصوص نفسها.
الحديث الصحيح
تعريف الحديث الصحيح
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فما روى العدل عن العدول
متصلا ولم يشذ أو يُعل
والعدل مَن يلزم تقى الخلاق
والضبط ضبطان بصدر وقلم
ينسَ فحينما يشاء أداه
والثاني من في سفره قد جمعه
حتى يؤدي منه أي وقت
والاتصال كون كل سمعا
وما للشاذ من التعريف
وقد تفاوت رتب الصحيح
من أجل ذا قالوا أصح سند
وتم ضبط الكل للمنقول
فهو لذاته صحيح قد حصل
مجتنبا مساوئ الأخلاق
فالأول الذي متى يسمع ولم
مستحضر اللفظ الذي وعاه
وصانه لديه منذ سمعه
وسمِّ ما يجمعه بالثبت
عن شيخه من الرواة ووعى
وللمعل يأتي في تعريف
بحسب الموجب للتصحيح
أصح سنة لأهل البلد
وما روى الشيخان فيه قدموا
فما على شرطهما فما على
يعنون أن ينقل عن رجال
وما يماثله وكان الضبط خف
ثم البخاري يليه مسلم
شرط البخاري شرط مسلم تلا
قد نقل لهم مع اتصال
فحسن لذاته فإن يحف
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:(1/117)
المؤلف -رحمه الله تعالى- ذكر أن الخبر منه المقبول، ومنه المردود، ومنه ما يتوقف فيه، فالمقبول أربع مراتب، كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-: بينها أئمة النقول. وعرفنا المراد بالأربع: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره. وأما المردود فهو الضعيف، وأقسامه كثيرة جدا، تذكر في موضعها إن شاء الله تعالى.
بدأ بالقسم الأول أو المرتبة الأولى وهو الصحيح لذاته:
صحيحهم لذاته أو غيره
..........................................
هذا الثاني.
.......................................
ومثل ذين حسن فلتدره
حسن لذاته وحسن لغيره
وكلها في عمل به اشترك
وبينها تفاوت بدون شك
كلها -الأقسام الأربعة- تشترك في وجوب العمل، فيجب العمل بالحديث الصحيح لذاته، ويجب العمل في الصحيح لغيره، كما أنه يجب العمل في الحسن بقسيمه في جميع أبواب الدين.
فالدين والشرع متساويا الأقدام: عقائده، وعباداته، ومعاملاته، وكل ما يضاف إليه. كل ما يضاف إلى الدين من أبوابه متساوي الأقدام، خلافا لمن يفرق بين العقائد والأحكام من جهة، والأحكام والفضائل من جهة أخرى، فلا يقبلون في العقائد إلا ما يوجب العلم، ولا يقبلون في الأحكام إلا ما صح أو حسُن على الأقل، ويقبلون في الفضائل وشبهها من التفسير والمغازي يقبلون في ذلك الضعيف على ما سيأتي.
المقصود أن جميع ما يمكن أن ينسب إلى الدين من جميع أبوابه لا بد أن يكون مقبولا، والقبول يشمل المراتب الأربعة والأقسام الأربعة، والحديث إذا صح أو حسن غلب على الظن ثبوته، والعمل بغلبة الظن واجب.
وكلها في عمل بها اشترك
وبينها تفاوت بدون شك
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ(1/118)
لا شك أن الصحيح لذاته أقوى من الصحيح لغيره؛ لأن الصحيح لغيره عبارة عن حسن تعددت طرقه، والصحيح لغيره أفضل من الحسن لذاته؛ لأن الصحيح لغيره عبارة عنه وزيادة، عن الحسن لذاته وزيادة، والحسن
لذاته أقوى من الحسن لغيره؛ لأنه ضعيف في الأصل تعددت طرقه؛ ولذا يخالف بعض أهل العلم في الاحتجاج بالحسن بقسميه؛ لأنه قصُر عن رتبة الصحيح، وبعضهم يخالف في الحسن لغيره على وجه الخصوص.
وممن يخالف في قبول الحسن أبو حاتم الرازي وأبو زرعة وأبو الحسن بن القطان وبعض أهل العلم، لكن الجمهور على أن الحسن كالصحيح، بل من أهل العلم من لا يفرق بين الحسن والصحيح.
وهو من بأقسام الصحيح الملحق
حجية وإن يكن لا يلحق
في الاحتجاج هو ملحق بأقسام الصحيح، وإن كان لا يلحق به من حيث الرتبة، بمعنى أنه لو تعارض حديث صحيح مع حديث حسن قدمنا الصحيح بلا شك؛ فهو في المرتبة دونه، ثم عرف الصحيح لذاته بقوله:
فما روى العدل عن العدول
متصلا ولم يشذ أو يعل
وتم ضبط الكل للمنقول
فهو لذاته صحيح قد حصل
هذا تعريف الصحيح لذاته، فما روى العدل عن العدول وتم ضبطه، العدل من له ملَكة، يقول أهل العلم: العدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والملكة هي الهيئة والصفة الراسخة، هذه الهيئة وهذه الصفة وهذه الملكة تحمل هذا الراوي على ملازمة التقوى، وهي فعل الواجبات واجتناب المحرمات.
والمروءة وهي آداب نفسانية تحمل على مجانبة ما يخل بها، ومردها إلى العرف، مرد المروءة إلى العرف؛ فقد يعد في بلد هذا العمل خرم للمروءة، وفي بلد آخر لا يعد خرما للمروءة، فلو خرج شخص حاسرا عن رأسه في بلد، انتقد، بينما يحسر عن رأسه في بلد آخر ولا ينتقد، لو أكل في السوق ينتقد في بلد ولا ينتقد في بلد، فالبلد الذي انتقد فيه يعد قد خرم المروءة، والذي يستخف بمشاعر الناس عند أهل العلم تسقط عدالته.(1/119)
فما روى العدل عن العدول، والنظر في الجمع إلى المجموع، مجموع الرواة، لا يشترط أن يكون من رواية عدل عن جماعة عدول، لا، يكفي في ذلك رواية العدل عن عدل آخر، ولو تفرد به.
فما روى العدل عن العدول
وتم ضبط الكل للمنقول
لا بد من تمام الضبط ليكون الحديث صحيحا لذاته؛ ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
وأهل هذا الشأن قسموا السنن
فالأول متصل الإسناد
عن مثله من غير ما شذوذ
إلى صحيح وضعيف وحسن
بنقل عدل ضابط الفؤاد
وعلة قادحة فتوذي
وتم الضبط، والضبط هو الحفظ، وسيأتي تعريفه عند المؤلف -رحمه الله تعالى-، وتم ضبط الكل، يعني: جميع الرواة الذين تتابعوا في رواية هذا الخبر على اتصاف بهذا الوصف متصلا، لا بد أن يكون إسناده متصلا، بمعنى أنه يكون كل راو من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل، هذا الاتصال على ما سيأتي من كلام الناظم -رحمه الله تعالى.
ولم يشذ أو يعل، هذا بالنسبة للإسناد يشترط فيه عدالة الرواة، تمام الضبط، الاتصال، والعدالة قيد يخرج رواية الفاسق، سواء كان فسقه بارتكاب عمل أو اعتقاد، أو ترك ما أوجب الله ( إما بفعل عمل محرم، أو اعتقاد فاسد، أو بترك واجب، هذا مقتضى العدالة.
الضبط قيد يخرج به من خف ضبطه، وإن وجد فيه مسمى الضبط؛ لأنه شرط الحسن على ما سيأتي، ويخرج فيه من ضعف ضبطه، فيخرج به راوي الصحيح، كما يخرج به من باب أولى من فُقد منه هذا الوصف.(1/120)
والاتصال (اتصال السند) يخرج به الانقطاع، قيدٌ يخرج الانقطاع في السند، سواء كان الانقطاع ظاهرا أو خفيا، ظاهر يدركه أوساط المتعلمين، ويعرف بالتأريخ، بالمواليد والوفيات، فيشمل الانقطاع والإرسال والإعضال والتعليق، أو كان الانقطاع خفيا، بأن لا يدرك من أول وهلة، بل لا يدركه إلا من له عناية بهذا الشأن، ويشمل التدليس والإرسال الخفي.
ولم يشذ، يعني لم يشتمل على المخالفة (مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه)، يشترط انتفاء الشذوذ، فلماذا لم يشترطوا انتفاء النكارة؟ نعم .. لأن الرواية المنكرة ضعيفة، والمسألة مفترضة في راو صحيح، نعم وهو عدل، هذا على ما سيأتي في تعريف المنكر، وهو رواية الضعيف مع مخالفته للثقاة، وفيه أقوال أخرى تأتي في وقتها إن شاء الله تعالى.
ولم يشذ أو يعل، يعني: لم يشتمل المتن على علة قادحة، هناك علل غير قادحة، وهناك علة قادحة، فمن أطلق أراد القادحة، ولذا قال الحافظ العراقي:
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
...........................................
وعلة قادحة فتوذي
وليس كل ما يعلل به أهل الحديث المتن يقتضي الرد، كما أنه يوجد في كتب العلل، والأصل في العلة أن تكون سببا خفيا غامضا يقدح في صحة الخبر، يوجد في كتب العلل ما هو أسباب ظاهرة، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- في بحث المعل.
"فهو لذاته صحيح" يعني: صحيح لذاته، يعني من غير نظر إلى جابر وعاضد يعضده، وإنما صحته لذاته، لا لأمر آخر كما في الصحيح لغيره، قد حصل، يعني: وجود هذا الوصف قد حصل لهذا الخبر الذي اشتمل على هذه الشروط الخمسة: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة.
تعريف العدل:
والعدل من يلزم تقى الخلاق
مجتنبا مساوئ الأخلاق
يعني: يلزم التقوى والمروءة أيضا؛ لأن مساوئ الأخلاق مخلة بالمروءة.(1/121)
والعدل من يلزم تقى الخلاق
مجتنبا مساوئ الأخلاق
وهذا تقدم بيانه في تعريف العدل، وأنه من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، وعرفنا المراد بالتقوى والمراد بالمروءة.
...........................................
والضبط ضبطان بصدر وقلم
ينس.......................................
مجتنبا مساوئ الأخلاق
فالأول الذي متى يسمع ولم
...........................................
الضبط ضبطان: ضبط صدر، وضبط قلم. ضبط صدر، وضبط كتاب، فالأول ضبط الصدر وهو الأصل، الأصل أن الحفظ حفظ الصدور، كما كان عليه الحال في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته الكرام، يلقي إليهم وهم يسمعون فيحفظون ويبلغون، وظهور هذا النوع في الصدر الأول جلي لا خفاء فيه، لا سيما قبل الإذن بكتابة الحديث؛ لأنه جاء النهي عن كتابة الحديث، في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: ( لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، فمن كتب شيئا غير القرآن فليمحه ( ليعتمد الناس على الحفظ.
.................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــ
هذا شيء مجرب الذي يقيد ينسى؛ يعتمد على هذه الكتابة، بل لا يقصد الحفظ، كان الناس يحفظون الأرقام مهما طالت، مهما كثرت، يحفظون النصوص يحفظون القصائد الطويلة، ثم لما جاءت الكتابة اعتمد الناس عليها، فضعفت الحافظة، فلجأ الناس إلى النوع الثاني وهو ضبط الكتاب (ضبط القلم).
وإن خالف بعض أهل التشديد فمنعوا الرواية من الكتاب، بعضهم يمنع الرواية من الكتاب، يقول الأصل النبي -عليه الصلاة والسلام- يلقي والصحابة يسمعون ويحفظون ويبلغون، والكتابة محدثة، إضافة إلى أن الكتابة والكتاب وما يدون فيه عرضة؛ لأن يهجم عليه أحد ويحرّف، ولذا يشترطون فيمن يكتب أن يحفظ كتابه، وأن لا يعيره إلا إلى ثقة:
حافظا إن حدث حفظا يحوي
كتابه إن كان منه يروي(1/122)
لا بد أن يحفظ كتابه، ما يترك الكتاب عرضة للعبث والزيادة والنقصان، ثم يروي منه، لا، ولذا طُعن في بعض من ابتلي بمثل هؤلاء، إما ولد يتصرف، أو خادم، أو ربيب، أو ما أشبه ذلك، طعن فيهم.
حافظا إن حدث حفظا يحوي
كتابه إن كان منه يروي
يعني: لا يعيره إلا إلى ثقة.
والضبط ضبطان صدر وقلم، فالأول متى يسمعه لم ينس، إذا سمع النص، والمراد هنا الحديث، أودعه في حفظه، وضبطه، وأداه كما سمعه متى شاء، هذا الذي يقبل لهذا النوع من الحديث، أن يكون من الحزم والحفظ والضبط بحيث يتمكن من أداء ما حفظه متى شاء، فالأول الذي متى يسمعه لم ينس، فحينما يشاء أداه، متى ما أراد الأداء وتبليغ من بعده هذا الخبر، يؤده كما سمعه.
مستحضر اللفظ الذي وعاه، مستحضر اللفظ، ولا شك أن هذا أولى إن أمكن، وإلا فجمهور أهل العلم يجيزون للعارف بما يحيل الألفاظ والمعاني، عارف مدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني أن يروي بالمعنى.
...........................................
مستحضر اللفظ الذي وعاه
والثاني: يعني ضبط الكتاب، من ضبطه ضبط كتاب.
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــــ
والثاني من سفره قد جمعه
...........................................
في كتابه قد جمعه.
...........................................
وصانه لديه منذ سمعه
يصونه ويحافظ عليه من عبث العابثين، ومن تحريف المحرفين ولا يعيره لأحد هذا الأصل إلا إلى ثقة، إن كان ولا بد فيعيره إلى ثقة.(1/123)
والحرص على الكتب ينبغي أن يكون هم طالب العلم؛ لأنها عدته، هي عدة طالب العلم، طالب بدون كتاب كساع إلى الهيجا بغير سلاح، فعلى طالب العلم أن يعنى بكتبه، لا سيما الكتب التي فيها أثره، إما أن يكون قد قرأ الكتاب ووثق نصوصه بالرجوع إلى الكتب وعلق عليه، أو حضر به دروسا، وعلق عليه وأفاد منه، مثل هذا ينبغي أن يعتنى به.
عندهم الكتاب شيء آخر، عندهم الكتاب هو الرواية؛ ولذا من تحترق كتبه خلاص ينتهي، يطعن فيه، فلان احترقت كتبه، انتهى من الرجوع؛ لأنه يعتمد عليها اعتمادا كليا، ومروياته في هذا الكتاب، لكن هل يؤثر هذا بالنسبة لطالب علم موجود اليوم جمع ألوف الكتب ورصها في الدواليب احترقت كتبه، ما الفرق؟
احترقت أو ما احترقت لا فرق؛ لأنه بإمكانه في أيام يجمع كتب غيرها، وعلاقته بكتبه مثل علاقته بكتب الآخرين، ليست له بها رواية وليست له بها عناية.
مما طعن به ابن + أن مكتبته احترقت، قد يقول قائل: احترقت مكتبته، الحمد لله المكتبات مفتوحة، هذا طعن هذا بالنسبة لك، لكن بالنسبة لمن عمدته كتابه، لا ما ينفع، وجوده وجود الكتاب إذا كان ضبطه ضبط كتاب.
حصل من الطرائف في مناقشة طالب، والطالب هذا لما أنهى رسالته احترقت مكتبته بالكامل بما فيها البحث، فأسس مكتبة من جديد، وبحث من جديد، وفي رسالته الجديدة يقول: مما طعن به احترقت كتبه، هذا طعن، كون احترقت كتبه، إذن أنت ضعيف، لا بد من إضافة قيد: "احترقت كتبه وعمدته عليها"، هذا معروف عند المتقدمين، كتبه: مروياته، أما عندنا كلها، ما فيه شيء اسمه مرويات، يختلف الأمر في وقتنا عما كان في وقتهم.
الآن التدرج التأريخي للكتب والمؤلفات ... في أول الأمر سمعنا حديث أبي سعيد: النهي عن الكتابة؛ ليعتمد الناس على الحافظة، ثم بعد ذلكم الإذن بالكتابة، وتداولها الناس من غير نكير، وأُجمع عليها، واعتمد عليها كثير من الناس؛ فهبطت نسبة الحفظ وضعفت الحوافظ، والضعف في ازدياد.(1/124)
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
لو أذن بالكتابة صار كل واحد يكتب لنفسه مروياته، يدونها بنفسه، ثم أصيب الناس بالترف، فوكلوا نسخ الكتب إلى غيرهم، ووجدت دولة الوراقين، وقامت سوقهم، لكن هناك معاناة، إما بإعارة أو بإجارة، ثم ينكب على هذا الكتاب وينسخه، يفيد من كتابته أكثر من قراءته عشر مرات، واستمر الحال بالنزول إلى أن جاءت المطابع.
قد يقول قائل: الكتابة نعمة، نعم الكتابة نعمة، لكن أثر هذه النعمة على هذا العلم ظاهر، هي نعمة حفظت الدين، ما المتصور لو كانت السنة غير مدونة، والناس في وضعهم الحالي من ضعف وإدبار، استمر الأمر على ذلك إلى أن جاءت المطابع، فأوجس أهل العلم منها خيفة، كيف؟
المطابع يا أخي نعمة، ورق جميل، وحبر جميل، وتيسر لك الكتاب، تفسير الطبري بدل ما تجلس عشر سنين تنسخه، في يوم تشتريه، فتح الباري كذلك، تشتري نسخة من فتح الباري بدل ما تقعد سنين تنسخ.
أوجس أهل العلم خيفة، نظير ما وجد في أول الأمر، يعني لا تفرقون بين شخص ما في جيبه دليل للهاتف، إذا سمع رقما يهمه حفظه واستمر عنده، وشخص إذا سمع رقما كتبه، خلاص، هذا آخر علمه في هذا الباب، ثم جاءت الجوالات وتخزين الأرقام، لو تحترق الشريحة خلاص انتهى، ما عنده ولا رقم، من جديد يبني، هذا الاعتماد على هذه الآلات.
جاءت المطابع فأفتى علماء الأزهر بتحريم طبع الكتب الشرعية؛ لما للطبع من أثر على التحصيل، وقد يكون من زعمهم إضافة إلى ذلك أن هذه أمور محدثة والمسألة مسألة دين، كما أفتى في أول الأمر جمع من أهل العلم بتحريم المكبرات واستعمالها في العبادات، ومن أهل العلم من مات ولم يستعملها، وآلات التسجيل وغيرها.(1/125)
أفتى علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية مدة، وأنه لا بأس تطبعون كتب أدب، كتب تاريخ؛ لما للطباعة من أثر على حفظ العلم، نعم رضي الناس بالكتابة، وصار لها أثر على الحفظ، لكن نفس المعاناة (معاناة الكتابة) وسيلة تحصيل، الآن بعض الناس إن عجز يحفظ مقطعا ردده كتابة، يكتبه مرتين ثلاثة ثم يحفظه، وسيلة، لكن طباعة الذي طبع غيرك، والذي راجع غيرك، والذي صحح غيرك، كيف تحفظ؟! لا بد تبني من جديد.
ثم عادت الطباعة فرضت نفسها، وصار القول بتحريم الطباعة سفها مضحكا، الآن إذا انتشر الشيء فأنكره بعض الناس يُستغرب كيف؟ الناس يزاولونه من غير نكير، منكرات لا يستطيع الإنسان أن ينكرها؛ لأنه استفاض بين الناس فعلها، وعمت بها البلوى، فكيف بالمباحات؟! لا يستطيع الإنكار، فالذي ينكر شيئا من المنكرات يُعد في عرف كثير من الناس متخلفا هذا، الناس وصلوا وراحو وجاءوا واخترعوا وصنعوا... وأنت تنكر؟!
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
المقصود أن الناس أعداء لما يجهلون، وأول ما يأتي الأمر يُستنكر، ثم يكون ما فيه نكير، جاءت الطباعة وأثرها واضح على التحصيل، ووجد من حصل ولله الحمد من الكتب المطبوعة؛ لأنها إعانة، لكن شريطة أن يكون العزم والهمة موجودة.
جاءت الآلات (الحواسب) الذي ضغطة زر في ثانية وأقل من ثانية تحصل على كل ما تريد، تبحث في صحيح ابن حبان (الأصل) الأنواع والتقاسيم من أجل حديث واحد تبحث شهرا؛ لأنه رتبه لهذا الهدف وهذا الغرض، الذي يريد حديث يقرأ الكتاب كله كي يصل إلى الحديث، ثم بعد ذلك وجدت الفهارس يسّرت، وجدت الآلات بزر واحد تخرج لك الحديث من عشرين أو ثلاثين طريقا، زر آخر على قرص آخر يأتي لك بما قيل في هذه المسألة عن أهل العلم.(1/126)
ووجد الآن برامج تؤلف للكتب، تضرب لك عنوانا أو تطبع لك عنوانا: "حماية البيئة"، ما ورد فيها من نصوص وأقوال، اضرب زرا يطلع لك كل ما قيل في هذا، وغلّف، جمعه فلان، وبعناية فلان، وتحقيق فلان، زور وبهتان، وإذا طفت الكهرباء يوما من الأيام ترجع عاميا، مشكلتنا مشكلة.
وهذه بقدر ما هي نعمة ويسرت، لكنها أيضا صارت صوارف، المنح -يا إخوان- أحيانًا إذا لم تستغل كما هو المطلوب أو على الوجه المحمود، تنقلب محنا، وهي منح في الأصل.
فلا بد من استغلال هذه الآلات استغلالا مناسبا، أولا لا يمكن أن يبنى طالب علم ويتخرج على هذه الآلات، لا بد أن يُسلك العلم ويؤتى من أبوابه وعلى الأوجه المعروفة عند أهله، فإذا تأهل الإنسان وحصل من العلم ما يستحق أن يسمى من أهله والوصف المناسب له، لا مانع من أن يفيد من هذه الآلات.
شخص خرّج حديثا بنفسه من بطون الكتب من طرق متعددة، وأراد أن يختبر عمله، هل بقي عليه شيء، لا بأس، يستعمل هذه الآلات، يعني لو ألغيت الكتب وصار البحث من طريق هذه الآلات فقط، كم يحرم الناس من علم.
أنت تريد مسألة، فتبحث في مظنتها في الكتب، كم يمر عليك من مسألة من عشرات المسائل وأنت تبحث، بعضها أو كثير منها أفضل وأهم من المسألة التي تبحث عنها، فهذه بقدر ما هي نعمة وميسرة، لكنها صارف، تصرف كثيرا من الناس عن التحصيل. نعود إلى مسألة الضبط وضبط الكتاب.
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
يقول المؤلف -رحمه الله-:
والثاني من في سفره قد جمعه
حتى يؤدي منه أي وقت
وصانه لديه منذ سمعه
وسمِّ ما يجمعه بالثبت
عندنا "ثبْت" بإسكان الباء، و"ثبَت"، يقولون في بعض الرواة: فلان ثقة ثبْت ولا ثبَت، ثقة ثبْتٌ، يقولون: بإزاء الكتب: الفهارس والأثبات. الأثبات جمع ثبَت، والذي عندنا:
حتى يؤدي منه أي وقت
وسم ما يجمعه بالثبْت(1/127)
أو بالثبَت؟ هو يريد أن يصف الكتاب أو يصف الضابط، هو يصف الكتاب الذي جمعت فيه هذه المرويات، أو يريد أن يصف صاحب الكتاب، نعم.
حتى يؤدي منه أي وقت
حتى يؤدي منه أي وقت
أكثر الشعراء يعنون بالحركات أيش؟ أواخر الأبيات التي يسمونها .. نعم، يقول الحافظ العراقي:
وكثر استعمال "عن" في ذا الزمن
إجازةً وهي بوصلٍ ما قَمن
بفتح الميم، مراعاة لما جاء في الشطر الأول، وقمَن وقمِن بمعنى واحد، لكن المستفيض على ألسنة الناس الكسر، ( فإنه قمِن أن يستجاب لكم ( .
هنا مقتضى ذلك أن تكون
............في أي وقت
وسم ما يجمعه بالثبْت
فإما أن نقول: إن الشيخ أراد "مَن" يجمع، وإن كان الأصل أن يقول:
...........................................
وسم مَن يجمعه بالثبْتِ
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
وتأتي "ما" بمعنى "من"، والعكس: ( (((((((((((( ((( ((((( ((((( ( (34) أو يكون المراد "بالثبَت" لكنها سُكنت مراعاة للروي.
والاتصال كون كلٍّ سمعا
...........................................
التنوين في "كلٍّ" عِوَض عن المضاف إليه، والاتصال معناه: كون كُلّ: أي كل واحد من رواته قد سمع.
...........................................
عن شيخه من الرواة ووعى
سمع، أي: يشترط السماع.
هل يشترط أن يكون التحمل بطريق السماع، أو يكفي أي طريق معتبر من طرق التحمل؟ يكفي أي طريق معتبر من طرق التحمل؛ لأن قول "قد سمع" يقتضي أن يكون طريق التحمل من طريق السماع، وعلى هذا يخرج ما روي بطريق العرض (القراءة على الشيخ)، وما روي بطريق الإيجاز، وما روي بطريق المناولة، وغير ذلك من الطرق.
والاتصال كون كل سمع
...........................................
فهم يعبرون بالسماع عن التحمل بأي طريق كان
...........................................(1/128)
عن شيخه من الرواة ووعى
يعني: أدرك وحفظ ما سمع، وعى.
فالراوي يقال له ... من وعى، واع، ولذا في كتاب الرامَهُرمزي: المحدث الفاصل بين أيش؟ نعم، الراوي والواعي، بعض الناس مجرد راو ينقل، لكن ما يفهم ما ينقل، وبعضهم واع يفهم ما ينقل وما يسمع وما يحفظ.
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
وما للشاذ من التعريف
وللمعل يأتي في تعريف
يعني: يأتي ذكر الشاذ والمعل -إن شاء الله تعالى، يأتي تعريف الشاذ والخلاف فيه ومثاله، ويأتي تعريف المعل في كلام المؤلف وتعريفه وأقسامه وأمثلته إن شاء الله تعالى.
مراتب الصحيح
وقد تتفاوت رتب الصحيح
بحسب الموجب للتصحيح
أي عندنا أوصاف: عدالة، وضبط، اتصال، انتفاء شذوذ، انتفاء علة. الرواة ليسوا مثل المصنوعات؛ تدخل لك ألف راو في مصنع يطلعهم لك على وتيرة واحدة، على مستوى واحد من الضبط والحفظ والإتقان، زيدٌ عدلٌ ضابط، وعمرو عدل ضابط، موصوف عند أهل العلم بهذا، وهذا موصوف بهذا، لكن هل هما متساويان من كل وجه؟ لا، ما يمكن، لا بد من التفاوت بين الرواة، وإن تساووا في الأوصاف.
يوصف فلان بأنه ثقة، وفلان بأنه ثقة، وبينهما تفاوت، هذا واضح، هل يوجد إنسان مساو لآخر من كل وجه: في الديانة، في العدالة، في الضبط، في الحفظ، في الإتقان؟ يوجد مساو من كل وجه؟ لا، ما يوجد، ما يمكن أن يوجد، هذا التفاوت بين هؤلاء الرواة، أوجد تفاوتا بين المرويات، التفاوت الذي تصورناه في الرواة لا بد أن يكون أثره على هذه المرويات؛ لأن المروي أثر لذلك الراوي، فإذا وجد الأثر في الراوي، فليوجد هذا الأثر في مَرْوِيِّهِ.
وقد تتفاوت رتب الصحيح
بحسب الموجب للتصحيح(1/129)
الموجب للتصحيح: ما ذكر من الأوصاف: العدالة، الضبط، حتى الأعدل مع العَدل. قد يعرض لهذا العدل في بعض الأوقات ما يجعله أعدل ممن هو أعدل منه، هذا الأضبط قد يعرض له ما يجعل ضبطه مفُوقا بالنسبة لمن دونه في الضبط.
هذه أمور وإن قالوا: إنها ملكات وصفات وهيئات ثابتة، لكن ثبوتها في الجملة، الإنسان يدرك من نفسه أنه أحيانا يسمع الحديث فلا يحتاج إلى إعادة، وأحيانا يسمعه ويكرره؛ لأنه يطرأ هناك عوارض تعترض هذه الأمور،
العدالة يطرأ عليها ما يخففها، ويطرأ عليها ما يزيد تبعا لزيادة الإيمان ونقصه، والضبط يطرأ عليه الشواغل، يطرأ عليه فراغ البال، المهم أن هذه الأمور متفاوتة بالنسبة للشخص نفسه، فضلا عنه مع غيره، كل هذا مدرك.
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
أصح الأسانيد
وقد تتفاوت رتب الصحيح
من أجل ذا قالوا أصح سند
بحسب الموجب للتصحيح
أصح سنة لأهل البلد
يعني: تحدثوا عن أصح الأسانيد؛ لأن هذه الأوصاف متفاوتة بالنسبة للراوي الواحد، وبالنسبة للراوي مع غيره، بالنسبة للراوي الواحد حسب ظروفه وأحواله، وبالنسبة له مع غيره من أقرانه، لا بد أن يظهر لذلك أثر على مروياته، فالأوثق حديثه أصح؛ ولذا قال بعض أهل العلم واختار بعض أهل العلم بعض الأسانيد وقالوا: إنها أصح من غيرها، فلان عن فلان عن فلان أصح الأسانيد عن فلان ... وهكذا، لكن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يُحكم على سند بأنه أصح مطلقا؛ لِما عرفنا، لا يمكن ضبط هذه الأمور، والمعتمد كما يقول الحافظ العراقي:
إمساكنا عن حكمنا على سند
خاض به قوم فقيل مالك
بأنه أصح مطلقا وقد
عن نافع بما رواه الناسك
مالك عن نافع عن ابن عمر.
مولاه واختر حيث عنه يسند
الشافعي, قلت وعنه أحمد
-عبد الله بن عمر-(1/130)
هذا القول الأول في أصح الأسانيد، مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا قول الإمام البخاري.
وجزم ابن حنبل بالزهري
وقيل: زين العابدين عن أبِه
أو فابن سيرين عن السلمان
النخعي عن ابن قيس علقمة
عن سالم أي عن أبيه البرِّ
عن جده وابن شهاب عنه به
عنه أو الأعمش عن ذي الشان
عن ابن سيرين ولُمَّن عمَّمه
المقصود أن الأئمة لهم أقوال، كل واحد منهم اختار سندا وقال: هذا أصح الأسانيد، وهناك كتاب في أحاديث الأحكام يغفل عنه كثير من طلاب العلم، اسمه "تقريب الأسانيد"، أحاديثه كلها مروية بهذه الأسانيد التي
................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
قال عنها أهل العلم: إنها أصح الأسانيد، "تقريب الأسانيد" للحافظ العراقي وشرحُه من أنفس الشروح وإن غفل عنه وأهمله كثير من طلاب العلم، اسمه "طرح التثريب في شرح التقريب"، والشرح مشترك بين الحافظ العراقي وولده الإمام الحافظ -وولده حافظ- أبي زرعة ابن الحافظ العراقي.
لو وقفنا عند قول الإمام البخاري في أصح الأسانيد مع قول الإمام أحمد، لنرى إمكانية اختيار أصح الأسانيد، أو عدم الإمكانية؛ الإمام البخاري إمام الصناعة بدون منازع، والإمام أحمد جبل، نقارن بين قوليهما، البخاري يقول: مالك عن نافع عن ابن عمر، الإمام أحمد: الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.
نبدأ بالصحابي: هل الصحابي ابن عمر أعدل الصحابة على الإطلاق؟ أعدل منه أبوه، هل هو أحفظ الصحابة؟ أحفظ منه أبو هريرة، نأتي إلى الطبقة التي تليه: نافع في قول البخاري، وسالم في قول الإمام أحمد، الأكثر على أن سالما أجل من نافع وأحفظ ومقدم عليه.(1/131)
نأتي إلى الطبقة الثالثة: مالك مع الزهري. مالك لا يختلف أحد في أنه نجم السنن، والزهري منزلته في الرواية والدراية أمرها معلوم، إمام من أئمة المسلمين في هذا، فكيف نفاضل بين مثل هؤلاء؟! ولذا يقول الحافظ العراقي:
والمعتمد إمساكنا عن حكمنا على سند
بأنه.................
إلى آخره.
فالفائدة من معرفة أصح الأسانيد، يقولون: الفائدة الترجيح، يعني لو جاءك حديث مروي بسند قال فيه أهل العلم أنه أصح الأسانيد، وحديث بسند آخر، لم يقل أهل العلم إنه أصح الأسانيد، فترجح هذا على هذا، لكن لو جاءنا مالك عن نافع عن ابن عمر معارَض بحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر، ما المقدم منهما؟
تريد أن ترجح، يا إخوان، دون الترجيح خرط القتاد، يعني مسألة مفترضة في حديثين، في سنن أبي داود مثلا، أو مسند أحمد، حديثان متعارضان، واحد من طريق الأول، والثاني من الطريق الثاني، ترجح أيش؟ دعنا من كون الحديث في صحيح البخاري، يعني لو وجدنا في البخاري: الزهري عن سالم عن أبيه، ووجدنا في سنن أبي داود: مالك عن نافع عن ابن عمر، أيش ترجح؟
نعم، يعني هذا في صحيح البخاري، والذي في سنن أبي داود ترجيح للبخاري، أيش ترجح؟ ترجح ما في صحيح البخاري، ولو لم يقل فيه أحد أنه من أصح الأسانيد؛ لأن الحديث وجد في أصح كتاب، في كتاب تلقته الأمة بالقبول.
المقصود أن مثل هذه الأمور الترجيح فيها يحتاج إلى قرائن.
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
...........................................
أصح سنة لأهل البلد
هذا أصح حديث يروى على الإطلاق، ولم يقل أحد في حديث بعينه، اللهم إلا أن يدَّعى في حديث: ( مَن كذب ( الذي يروى عن طريق أكثر من سبعين صحابيا، وتواتر لفظه ومعناه، يعني لو قيل: أصح حديث على وجه الأرض حديث: ( من كذب ( ما بعد.(1/132)
...........................................
أصح سنة لأهل البلد
يعني لو قيل: أصح عند المدنيين، أصح حديث يرويه المدنيون، يعني: أهل العلم كما خاضوا في أصح الأسانيد مطلقا، خاضوا في أصح الأسانيد بالنسبة للبلدان، وهذا أسهل، أصح أسانيد المكيين، أصح أسانيد المدنيين، أصح أسانيد البصريين ... إلى آخره، قالوا بهذا.
وقالوا أيضا: أصح حديث يرويه أهل الشام كذا، أجل حديث عند أهل الشام كذا، حديث أيش؟ أجل حديث يرويه أهل الشام حديث أبي ذر: ( يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي ( المقصود أن مثل هذا يذكر في الكتب، لكنه عند الترجيح المسألة تحتاج إلى قرائن؛ لأنه قد يعرض للمَفوق ما يجعله فائقا.
معنى قولهم على شرط الشيخين
وما روى الشيخان فيه قدموا
فما على شرطهما فما على
يعنون أن ينقل عن رجال
ثم البخاري يليه مسلم
شرط البخاري شرط مسلم تلا
قد نقل لهم مع اتصال
طيب ما روى الشيخان، إذا أردنا أن نرتب الأحاديث نقول: المتفق عليه يأتي في الدرجة الأولى، ما تفرد به البخاري في الدرجة الثانية، ما تفرد به مسلم في الدرجة الثالثة، ما صح عند غيرهما على شرطهما، ما صح عند غيرهما على شرط البخاري، ما صح عند غيرهما على شرط مسلم، ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرط واحد منهما، فهي سبعة.
.............................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
وأرفع الصحيح مرويُّهما
شرطهما حوى فشرط الجعفي
ثم البخاري ثم مسلم فما
فمسلم فشرط غير يكفي
المقصود أن هذا الترتيب المتفق عليه: ما تفرد به البخاري، ما تفرد به مسلم، ما صح عند غيرهما مما هو على شرطهما معا، ما صح عند غيرهما مما هو على شرط البخاري، ما صح عند غيرهما مما هو على شرط مسلم، ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرط واحد منهما.(1/133)
مقتضى هذا أن ما اتفق عليه الشيخان مساو لما رواه الجماعة، يعني: هل حديث أخرجه السبعة (البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد) أفضل من الحديث المتفق عليه فقط؟ لأنه متفق عليه وزيادة، ولماذا لم يذكر مثل هذا؟ لا يذكرون مثل هذا؛ لأن هذا يتسلسل؛ لأنك إذا قلت: رواه الجماعة، لو أضفت كتابا ثامنا الدارقطني أفضل مما رواه الجماعة؟ لو أضيف البيهقي نقول: أفضل؟ المستدرك، المعاجم... ما تنتهي المسألة، وإذا وجد الحديث في الصحيحين فوجوده في غيرهما قدر زائد على المطلوب؛ ولذا يقتصر كثير من أهل العلم في التخريج على الصحيحين، إذا وجد الحديث في الصحيحين، ما له داع، نطول الحواشي، ونطول الكلام، الحديث المتفق عليه، فهو في الذروة الذي هو في الصحيحين.
ما رواه الشيخان فيه قدموا
ثم البخاري ثم يليه مسلم
-وهو ما يقال عنه متفق عليه-
هذا يدعونا إلى الكلام عن المفاضلة بين الصحيحين.
أول من صنف في الصحيح
ومسلم بعدُ وبعض الغرب معْ
محمد وخُص بالترجيح
أبي علي فضلوا ذا لو نفعْ
هما قولان لأهل العلم، وإن شئت فقل بالتساوي عند قوم ثلاثة، أكثر أهل العلم على أن البخاري أرجح وأصح من مسلم.
وأول من صنف في الصحيح
ومسلم بعدُ....................
محمد وخُص بالترجيح
...........................................
.................................................................................................................ـــــــــــــــــــــــــ
هذا القول الأول وهو قول الجمهور.
القول الثاني: وهو قول أبي علي النيسابوري وبعض المغاربة:
.........وبعض الغرب معْ
أبي علي فضلوا ذا لو نفعْ(1/134)
كلامهم طيب ولكنه لا ينفع؛ لأن الجمهور على خلاف، الجمهور أيدوا كلامهم، أولا الواقع يقتضيه، يعني لو بحثنا أحاديث الكتابين، لوجدنا الواقع كما هو، الإمام البخاري نفسه ومسلم نفسه، يعني البخاري ذاته ومسلم ذاته، لو رجحنا بين المؤلفين، لما كانت هناك نسبة بين البخاري ومسلم، حتى قالوا: لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء. البخاري إمام الصنعة، ومسلم تلميذه وخريجه، فالبخاري أرجح.
قد يقول قائل: إن ترجيح المؤلف لا يعني ترجيح المؤلَّف، بعض الناس عنده علم عظيم، أعلم من غيره، لكن إذا كتب تجد الكتابات دون المستوى، ولا يعني هذا أن كل كتاب مقرون بفضل مؤلفه، هذا الأصل أن الأثر مقارن للمؤثر، لكن يبقى هناك أمور استثنائية المؤلف يضعف فيها عن مستواه العلمي، وهذا شيء مشاهد.
هناك أوجه للترجيح؛ لأن مدار الصحة على ثقة الرواة واتصال الأسانيد، والبخاري كتابه أوثق رواة وأشد اتصالا، وبيان ذلك أن الرواة المتكلَّم فيهم في صحيح البخاري أقل من الرواة المتكلم فيهم في صحيح مسلم، ولا شك أنه كلما قل العدد ارتفعت الكفة، وكلما ارتفع العدد هبطت الكفة، الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة في صحيح مسلم، وهذا كسابقه، قالوا: صحيح البخاري أسانيده أشد اتصالا.
وهذه المسألة (مسألة اشتراط البخاري للقاء واكتفاء مسلم بالمعاصرة) والنزاع الطويل الذي حصل فيها ويحصل وما زال يكتب فيه بقوة يأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-، لكن أهل العلم اعتمدوا على هذا، ورجحوا صحيح البخاري لأنه يشترط هذا الشرط إن ثبَت عندهم، وأنا لا أشكك في هذا بقدر ما أترك المسألة لجو يوطنها ويوطئها لبحثها مستقبلا -إن شاء الله تعالى-، بهذا رجح صحيح البخاري على صحيح مسلم.
أبو علي النيسابوري هو إمام من أئمة المسلمين، في ترجمته يقول الحافظ الذهبي: من عرف حال هذا الرجل جزم يقينا أن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين.(1/135)
أبو علي النيسابوري يقول: لا يوجد كتاب على ظهر الأرض أصح من كتاب مسلم، وبعض المغاربة صرحوا بأن كتاب مسلم أفضل من كتاب البخاري، وبعضهم قال: هو أفضل من كتاب البخاري؛ لأنه لا يوجد فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، الحديث ما خلط بغيره، ما فيه آثار ولا فيه معلقات إلا أشياء نادرة كلها موصولة.
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
نقول: كلام أبي علي محتمل؛ لأن يكون مراده أرجح من صحيح البخاري، وأن يكون مراده أنه مساو، يعني كونه لا يوجد أصح منه، لا ينفي أن يوجد كتاب مساو له، وإن كان العرف المتعارف عليه عند الناس أنه إذا أطلق مثل هذا الأسلوب أن المراد به نفي حتى المساوي.
والمسألة طويلة أوردوا فيها حديثا: ( ولا أصدق لهجة من أبي ذر ( هل معناه أنه أصدق من الصديق؟! كلام طويل في هذه المسألة، لكن نقتصر منه على ما يكشف المراد.
حُكي التساوي، قول ثالث في المسألة، وعلى كل حال المعتمد عند أهل العلم البخاري أصح، فإن كان تفضيل المغاربة لصحيح مسلم على صحيح البخاري بأنه لا يخالطه بعد المقدمة شيء ما ليس فيه، وأنه ليس فيه بعد المقدمة إلا الحديث السرد هذا غير راجع إلى الأصحية، فالمقصود بالبخاري عند الإطلاق الأحاديث الأصول التي اعتمد عليها البخاري، وهنا تكون الملاحظة، مع أن هذا التفضيل إجمالي، يعني: صحيح البخاري إجمالا أصح من صحيح مسلم. ولا يعني هذا أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم.
فما على شرطهما..............
...........................................
نجعل الكلام في شرط الشيخين غدا -إن شاء الله-، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/136)
س: يقول: مسألة ترتيل الآيات أثناء خطبة الجمعة، يقول: وقد سمعنا أن البعض لا يرى في ذلك بأسا وفي المقابل، فإن البعض قد يشنع على من يفعل ذلك من الخطباء، وينكر عليهم الترتيل وتحبير الصوت.
ج: أُمرنا بترتيل القرآن، والقرآن سواء كانت قراءته بقصد التلاوة لذاتها من المصحف، أو من حفظ، أو مرت هي قرآن، خلال خطبة مثلا هي قرآن، فهي مما أمر بترتيله، وإذا كان صوت الخطيب بالقرآن مؤثرا، فكونه يعظ الناس بالقرآن أولى من وعظهم بكلام البشر.
وقد أُمرنا بتحسن الصوت، وأمرنا بتزيين القرآن بالصوت، وجاء مدح داود -عليه السلام- وأبي موسى الأشعري لتحسين صوتهما بالقرآن، فنحن مأمورون بتزيين القرآن.
ولا شك أن الناس يتأثرون بقراءة القرآن بالصوت الحسن، وقد يُشكِل فهم هذا على بعض الناس، قد يقول قائل: نسمع الآية، أو نسمع السورة من شخص فنتأثر، ونسمعها من آخر فلا نتأثر، إذًا التأثير للصوت وليس التأثير للقرآن.
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
نقول: على الإنسان أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به شرعا: بالترتيل والتدبر، والتأثر بالقرآن المؤدى بالصوت الحسن هو تأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، وليس التأثر بالصوت نفسه؛ بدليل أنه لو قرأ غير القرآن بهذا الصوت ما أثر في الناس، فالتأثير للقرآن، وليس للصوت، فعلى الإنسان أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وقراءة القرآن على الوجه المأمور به كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: تورث من العلم واليقين والطمأنينة ما لا يدركه إلا من عاناه؛ يعني فعل هذا الفعل، فعلى الإنسان أن يعنى بقراءة القرآن على الوجه المأمور به.(1/137)
قد يقول قائل: الذي يقرأ القرآن لا على الوجه المأمور به هل هو محروم من الأجر؟ نقول: لا، له أجر ما رتب على الحروف، ولو كان هزا، كما جاء في المسند والدارمي أنه ( يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، كما كنت تقرأ في الدنيا ( هذه الرواية بإسناد حسن، هزا كان أو ترتيلا، وهو في المسند والدارمي، فالذي يقرأ القرآن لتحصيل الأجر المرتب على الحروف يحصل له ذلك، ولا يخفى عليكم أن في القرآن أكثر من ثلاثمائة آلاف حرف، و ثلاثمائة آلاف حرف في عشرة -الحد الأدنى للمضاعفة- ثلاث ملايين حسنة، والمحروم من حرم، المؤسف أن يوجد بين طلاب العلم من يسمع النصوص الواردة في فضل القرآن وتعلم القرآن وتعليم القرآن ولا يتصدى لذلك، نجد من ينتسب إلى العلم من كبار وصغار يقرئون جميع العلوم إلا القرآن.
يعني هل سمعتم بأن شيخ كبير من الكبار المعروفين بالعلم أو أستاذ جامعة من الجامعات جلس يقرئ الناس القرآن؟ لا، يتركون هذا لغيرهم، ويدرسون الحديث والفقه والتوحيد، ولا يقصد بذلك شخص بعينه، ذكر لي اثنان من الأساتذة في الأحساء لديهم شهادات عليا، ويقرئون الناس القرآن في المسجد، فشكرت لهم ذلك، فمن كانت لديه أهلية تعليم القرآن على الوجه المأمور به -مهما كان موقعه- هذا أشرف العلوم، ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ( فالمسألة تحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بالقرآن، وما يخدم القرآن من علوم، ما أعطي القرآن حظه من العناية، حتى ولا التفسير -رغم أهميته- ما أعطي حظه، تجد اهتمام الناس بالأحكام، تجدهم بالعقائد، هذا كله مطلوب، لكن يبقى أن كلام الله أهم المهمات، وأولى ما تصرف فيه الأوقات، والله المستعان.
س: يقول: ما حكم من أدخل الموسيقى إلى المسجد، وأسمع المصلين، وأفسد عليهم بالموسيقى؟(1/138)
ج: أقل ما في ذلك التشويش على المصلين، وشغل المصلين، إضافة إلى أن الموسيقى حرام، وفتوى اللجنة الدائمة معروفة في هذا، الموسيقى حرام، ومع الأسف الشديد أن تشبه المساجد بالكنائس، يؤدون عباداتهم والموسيقى شغالة، فصرنا نقلدهم، الإنسان قد يرتكب المحرمات، ويتوب ويستغفر، لكن محرمات مضاعفة مركب
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
بعضها على بعض مثل هذا؛ يستمع إلى الموسيقى وهي حرام، ويتعدى ضرره إلى غيره من المصلين، ويحضر ذلك إلى أماكن العبادة، ألا يعلم أن صلاته باطلة عند الظاهرية الذين يرون أن كل نهي يقتضي الفساد، وإن كان بعض
الظاهرية لهم رأي في الغناء أصلا، لكن يبقى أن كل نهي يقتضي الفساد عندهم، فصلاته فاسدة على رأيهم، المقصود أن الأمر ينبغي الاهتمام به، وحفظ هذه الشعيرة، وحفظ هذه الأماكن مواطن العبادات، وحفظ حياة المسلم كلها مما يؤدي إلى غضب الله ( .
يقول النبي: ( إن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ( هذه من المعزف، إلى آخر الحديث.
س: يقول: هل يلزم لتلقي الأمة لصحيح البخاري وصحيح مسلم بالقبول، وأنهما أصح كتب -بعد القرآن- ألا يكون في السنن الأربعة أسانيد أصح من أسانيد البخاري ومسلم أو تساويها، وإذا كان لا يلزم فلماذا رجّحت السند في الدرس الماضي عندما قارنت بمجرد وروده في صحيح البخاري على سنده في سنن أبي داود، وهما من أصح الأسانيد؟(1/139)
ج: أولا قد يرد الحديث بإسناد بسلسلة معروفة عند أهل العلم في صحيح البخاري، ويرد في سنن أبي داود أو مسند الإمام أحمد بنفس السلسلة، على الهيئة المجتمعة، بصيغ الأداء هنا وهناك واحدة، ونقول: ما في صحيح البخاري أرجح، هل هذا تفريق بين المتماثلات؟ لا، قد يكون في هؤلاء الرواة من اختلط وسماعه لمن روى عنه محتمل قبل الاختلاط وبعده، لكن تحري البخاري ومسلم في مثل هذه الأمور، وألا يرووا عمن هذه صفته إلا ما ثبت عندهم أنه سمعه منهم قبل الاختلاط، وقد يقول قائل: هذا الإسناد بالصورة المجتمعة وصيغ الأداء وفيه تصريح، لكن كيف؟ لأن من الرواة من اختلط، ومن الآخذين عنه من روى قبل الاختلاط فقط، ومنهم من روى عنه بعد الاختلاط فقط، ومنهم من روى عنه في الحالين، فإذا عرفنا أن هذا الراوي روى عن هذا الراوي المختلط قبل الاختلاط انتهى الإشكال، وإذا كان هذا الراوي روى عنه بعد الاختلاط أيضا لا إشكال، خبره مردود، إذا كان ممن روى عنه قبل الاختلاط وبعده لا بد أن يوجد ما يدل على أنه روى عنه قبل الاختلاط، وما في صحيح البخاري ومسلم من هذا النوع، وهذا يأتي الكلام فيه أول مسألة من مسائل درس اليوم إن شاء الله تعالى.
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
س: يقول: هل من وصايا لطالب العلم بطريقة مراجعة ما حفظه من الكتاب والسنة والمتون الأخرى؟ يطلب إقامة درس أو دورة في التخريج والأسانيد وجمع الطرق، ويطلب أيضا إعداد منهجية لطالب العلم في العلوم المختلفة، وثالث ما أطلبه إعداد وريقات في الكتب المشهورة والمهمة لبيان أحسن الطبعات؟(1/140)
ج: هذا كل سؤال يحتاج إلى درس، لكن باعتبار هذا آخر الدروس وبنهايته يكون قد أنهينا ثلث الكتاب، وقد أبلغت القائم على الدورة -وفقه الله- أنني على استعداد -إجابة لطلب الإخوان- أن أكمل الكتاب في الدورة اللاحقة الحادية عشرة، وأن يكون نصيبه أسبوعين بدل أسبوع واحد، وينتهي -إن شاء الله تعالى- لأن هؤلاء
المجتمعون ما يمكن جمعهم في مكان آخر إلا في مثل هذه الدورة، وأنا أعدكم -إن شاء الله تعالى- أني أكمله في الدورة اللاحقة -بإذن الله- ما لم يحصل هناك مانع من الموانع، والموانع -والله المستعان- متوقعة، البشر عرضة، هذا يسأل عن بعض البنوك والمعاملات، كثيرة الأسئلة.
س: أيضا هذا يسأل عن أصح الأسانيد أفضل ما في المتون أحاديث الأحكام، بلوغ المرام أو المحرر لابن عبد الهادي، وما الفرق بينهما؟
ج: هما مقاربان، ابن حجر استفاد من المحرر، وابن عبد الهادي لا شك أنه من أهل هذا الشأن، وأشار إلى بعض العلل في نهاية كل حديث، فهو كتاب قيم يحتاجه طالب العلم، وإشاراته مهمة، لكن كون الكتاب مطروقا مثل بلوغ المرام، ومعتنى به في بلد من البلدان، العناية به أولى؛ لأنه إذا أشكل شيء يجد من يحل له الإشكال، من الشروح والأشرطة والدروس والدورات وغير ذلك، أما المحرر نعم بدأت به العناية، نعم قد تكون شهرة بلوغ المرام متلقاة من بلدان أخرى أهلها من الشافعية؛ لأن كل أهل مذهب يعنون بكتبهم، وابن حجر شافعي ويعنى بأدلة الشافعية، وإن كان يذكر أدلة الأقوال الأخرى، وابن عبد الهادي حنبلي، يعنى بأدلة الحنابلة، فينبغي العناية به من هذه الحيثية، وشروح البلوغ تخدم المحرر، وشروح المنتقى أيضا تخدم المحرر، شروح العمدة تخدم المحرر، وهكذا وإلا فالمحرر لا يوجد له شرح متداول الآن، وإن كانت العناية بدأت به.
س: يسأل هذا يقول: ما أفضل الشروح المسموعة على نخبة الفكر؟(1/141)
ج: نعم له شروح كثيرة بها خير وبركة ونفع، ويسأل: هل لي أنا شخصيا شرح؟ لنا شرح في ستة عشر شريطا آخر عرضات الكتاب العام الماضي في حائل، وهي التي الاعتماد عليها، وما عداها وما قبلها منسوخ؛ لأن
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
الكتاب شرح قبل عشر سنوات وسجل نصفه، والنصف الثاني ما اعتني به، وشرح مرارا، ولكن العرضة الأخيرة التي بحائل هي المعتمدة.
س: يقول: قلت في درس سابق: بأن الخوارج قد وضعوا أحاديث.
ج: لا شك أن الخوارج من أصدق الناس لهجة، وبهذا دافع الحافظ ابن حجر عن تخريج الإمام البخاري لعمران بن حطان وهو داعية، وانتقده العيني، وقال: وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي، عمران بن حطان قصيدة مشهورة مدح فيها ابن ملجم قاتل علي ( لكنه مع ذلك وهو يمدح هو يرى أنه على حق، فهو يمدح ما يراه الحق، بغض النظر هل يوافق أو لا يوافق؛ يعني هذا لا يقدح في صدق لهجته، والشيء المعروف لأهل العلم قاطبة أن الخوارج يكفرون مرتكبي الكبيرة، والكذب كبيرة إذن لا يكذبون، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية.
لكن وجد في كتب الموضوعات بعض الأحاديث التي في طريقها من رمي ببدعة الخوارج، نعم، وذكر عن بعض الخوارج أنه اعترف بالوضع لما تاب، المقصود أن كون الإنسان يخالف مذهبه لأمر يراه يخدم هذا المذهب هذا معروف في المذاهب كلها، وإن كنا نرى أن الخوارج أبعد الناس عن الكذب، لكن لا يمنع هذا أنه يقع منهم.
الحسن لذاته والصحيح لغيره وزيادة الثقة
شرط الشيخين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وما يماثله وكان الضبط خف
بمثله صحح بالمجموع
ويطلق الوصفان للتردد(1/142)
ويطلقان باعتبار الطرق
واقبل زيادة به تفردا
وما روى المستور أو من دلسا
عند اجتماع الطرق المعتبرة
وقولهم أصح شيء فيه أو
بل زعموا أشبه شيء وأشف
وليس في القبول شرطا العدد
ويقسم المقبول من حيث العمل
فالمحكم النص الذي ما عارضه
فمن أتته سنة صحيحة
فما له عنها عدول الأبد
وغيره معارض إن أمكنا
كالأمر إن عورض بالجواز في
ومثله لكره صرفا
واخصص بما خص عموما وردا
وهكذا فاجمع بلا تأسف
ولا يجوز ردك المعارضا
فحسن لذاته فإن يحف
واكتسب القوة بالجموع
إن أطلقوهما مع التفرد
في غير فرض فادره وحقق
راويهما ما لم ينافي الأجودا
والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا
فحسن لغيره فاعتبره
أحسنه ليسوا ثبوته عنوا
وأنه أقل ضعفا وأخف
بل اشتراط ذلك بدعة ترد
إلى معارض ومحكم استقل
نص كمثله بحيث ناقضه
عن النبي سابقة صريحة
لأي قول كان من أي أحد
بينهما الجمع فقد تعينا
ترك مأمور إلى الندب اصرف
بحل إتيان وحذره انتفى
والمطلق احمله على ما قيدا
بل بين مدلوليهما فألف
ما أمكن الجمع بوجه ارتضى
ـــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أن للصحيح مراتب حسب تمكن الحديث من الشروط التي سبقت في متنه وإسناده، ذكرنا أن مراتب الصحيح عندهم سبع: المتفق عليه، وما تفرد به البخاري، وما تفرد به مسلم، وما كان على شرطهما، وما كان على شرط البخاري، وما كان على شرط مسلم، وما كان صحيحا عند غيرهما مما هو ليس على شرطهما، فما على شرطهما فما على شرط البخاري شرط مسلم تلا، ما المراد بشرطهما، يقول:
يعنون أن ينقل عن رجال
قد نقل له مع اتصال(1/143)
مسألة شرط الشيخين أو شروط الأئمة عموما، الشرط واحد الشروط، ويطلق ويراد به ما يلزم من عدمه العدم، لكنه لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ ولذا لا يمكن أن يلزم البخاري ومسلم بإخراج أحاديث استوفت الشروط التي اشترطوها، ولم يخرجاها في كتابيهما، فالإلزام ليس بوارد، بل ترك من الصحيح الشيء الكثير خشية الطول، كما صرحا بذلك، ولم يصرح لا البخاري ولا واحد من الأئمة بشرطه بالتفصيل، وإنما ظهر ذلك بالاستقراء عند أهل العلم، وكل قال بما أداه إليه اجتهاده، وزعم أنه شرط البخاري أو شرط مسلم؛ ولذا يختلفون في هذه المسألة اختلافا كبيرا.
مسلم أودع في مقدمة كتابه بعض ما اشترطه، ووضح شيئا من منهجه في كتابه، أبو داود في رسالته لأهل مكة ذكر بعض المنهج الذي سار عليه، الترمذي في علل الجامع أشار إلى بعض ما ينفع في هذا الباب، يبقى البخاري النسائي ابن ماجه، ما عدا ما ذكر في الكتب الثلاث التي أشرنا إليها كله استنباط ليس فيه كلام صريح لهم.
وصنف في شروط الأئمة كتب؛ فألف الحازمي شروطا خمسة، وألف أبو الفضل بن طاهر شروط الأئمة الستة، ما يريد الحازمي بهذه الشروط؟ ما الذي يريده الحازمي بهذه الشروط؟ وما الذي يريده ابن طاهر بهذه الشروط؟ أما بالنسبة لابن طاهر فقال: إن شرط البخاري ومسلم تخريج الأحاديث التي أجمع على ثقة نقلتها، تخريج
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
الأحاديث التي أجمع على ثقة نقلتها، وكأنه لم يعتد بالخلاف الذي أبداه بعضهم في بعض رواة الصحيحين، أما الحازمي فقال: إن شرط كل واحد من الأئمة يبينه التفصيل الآتي:
الرواة على طبقات:
فمنهم من عرف بالحفظ والضبط والإتقان وملازمة الشيوخ، وهذه هي الطبقة الأولى .
الثانية: عرفوا الحفظ والضبط والإتقان مع خفة ملازمة الشيوخ.(1/144)
والثالثة: عرفوا بملازمة الشيوخ مع عدم السلامة من غوائل الجرح الخفيف.
الرابعة: عرفوا بعدم الملازمة للشيوخ مع عدم السلامة من غوائل الجرح.
الخامسة: قال: نفر من الضعفاء والمجاهيل.
ثم عاد بعد هذا البيان إلى تنزيل الكتب عليها، فقال:
الطبقة الأولى: هي شرط البخاري، فالبخاري يستوعب أحاديث الطبقة الأولى، وقد ينزل فينتقي من أحاديث الطبقة الثانية، ومسلم يستوعب أحاديث الطبقة الأولى والثانية، وقد ينزل إلى الانتقاء من أحاديث الطبقة الثالثة، التي هي شرط أبي داود والنسائي، والرابعة شرط الترمذي، لا شك أن الترمذي خرج لبعض المجاهيل بعض المتروكين، وأما ابن ماجه فهو يستوعب أحاديث هذه الطبقات كلها.
يهمنا بالدرجة الأولى الآن ما بين أيدينا ما المراد بشرط الشيخين، كلام الحازمي وتفصيله في الرواة كلام جميل، لكن هل معنى هذا أنه لا يوجد في صحيح البخاري من أحاديث الطبقة الثالثة شيء، ولا يوجد في صحيح مسلم من أحاديث الطبقة الرابعة، أو قد يوجد مع الاحتياط لتخريج أحاديث مثل هؤلاء؟ إصدار قواعد عامة كهذه يبقى أنها قواعد أغلبية، لا يستدرك عليها براوٍ واحد أو اثنين، ولا تخلو قاعدة من شواذ، لكن هذا الغالب، قواعد أغلبية.
هناك قول ثالث بالمراد بشرط الشيخين، وهو الذي درج عليه صاحب الكتاب الناظم -رحمه الله تعالى-:
يعنون أن ينقل عن رجال
قد نقل لهم مع اتصال
شرطهما رواتهما؛ يعني إذا وجدنا حديثا مخرجا في مسند الإمام أحمد مثلا بسند خرج له البخاري ومسلم على الصورة المجتمعة، نقول: الحديث على شرط الشيخين، وإذا وجدنا حديثا خرج لرواته البخاري دون مسلم قلنا: على شرط البخاري، وهكذا فيما إذا وجد حيث خرج لرواته الإمام مسلم دون البخاري، ويبقى أن هناك فرق مثل ما أشرنا سابقا أنه قد يخرج غير الشيخين بسند موجود في الصحيحين على الهيئة المجتمعة، وعلى الصورة(1/145)
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
المذكورة، بالترتيب المذكور، بالصيغ المذكورة، صيغ الأداء، ومع ذلك تنزل مرتبته على ما في الصحيحين لما أشرنا إليه سابقا، فلا نحتاج إلى إعادته.
نعود إلى القول الأخير وهو أن شرط الشيخين رواتهما، قالوا: تصرف الحاكم في مستدركه يقوي هذا القول، وهو الذي شهر هذه المسألة، في جميع أحاديثه يقول: صحيح على شرط الشيخين، صحيح على شرط البخاري؛ صحيح على شرط مسلم، صحيح فحسب، ما يقول: على شرطهما، تصرف الحاكم يقوي هذا القول؛ لأنه خرّج حديثا من طريق أبي عثمان التبان، وقال: أبو عثمان هذا ليس هو النهدي، ولو كان هو النهدي لقلت: إنه على شرطهما؛ فدل على أنه يريد بشرطهما رواتهما، وهذا ظاهر، وهذا أولى ما يقال في هذه المسألة.
لكن يشكل عليه قول الحاكم في خطبة الكتاب، خطبة المستدرك، يقول: وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، حينما نقول: إن شرط الشيخين رجال الصحيحين، والحاكم -الذي شهر هذا الكلام وأكثر منه- يقول: احتج بمثلهم، ما قال: احتج بهم الشيخان، أو قال: احتج بها، وهل مثل الشيء هو الشيء نفسه؟ لا، ليس هو، مثل الشيء هو غيره، هذا أشكل على ما رجحه جل المتأخرين، وتصرف الحاكم يقويه؛ يعني تصرف الحاكم في كتابه يؤيد قول هؤلاء، ويشكل على تصرفه أيضا ما ذكره في مقدمته، إذا كيف نجيب؟(1/146)
ابن حجر ماذا يقول؟ يقول: إن الحاكم في المقدمة استعمل المثلية في أعم من حقيقتها ومجازها، استعملها في المعنيين، فيخرج أحاديث لرجال احتج بهم الشيخان ولرجال احتج بمثلهم الشيخان، متى تكون المثلية على حقيقتها؟ إذا قلنا: إن الرواة أنفسهم احتج بهم الشيخان؟ لا هذه مجازية، المثلية مجازية، إنما تكون المثلية حقيقية إذا كان الرواة مثل -وليسوا أنفس- من احتج بهم الشيخان، إنما مثلهم في الصفات، والمقصود الصفات، ظاهر أم ما هو ظاهر؟
هل يجوز استعمال اللفظ الواحد في معنييه؟ أولا مسألة وجود المجاز وإقرار المجاز وعدم إقراره نتكلم على رأي من يجيزه، وهم أهل الشأن هذا الكلام هذا، الذين يتكلمون بهذا الكلام يجيزون وجود المجاز، نعم.
هل يجوز استعمال اللفظ في معنييه حقيقته ومجازه؟ الأصل الحقيقة لكن لو عملنا بهذا الأصل نسفنا كل أحاديث المستدرك، وكله على شرط الشيخين؛ لأنه يقول بمثلها شرطه في مقدمته بمثلها، وقد احتج بهم أنفسهم فهمت؟ نعم، الحافظ يقول: نستعمل المثلية في حقيقتها ومجازها معا، والجمهور لا يجيزون مثل هذا، لا يجيزون استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ(1/147)
طيب لو كان أمامك رجل شجاع ورجل أبخر وأسد، ثلاثة أمامك، أسد حقيقي حيوان مفترس، ورجل شجاع، وأبخر، ثم قلت: يا أسد، والتفت الثلاثة كلهم، هل أنت في قرارة نفسك تريد الثلاثة كلهم أو تريد واحدا منهم، إما الحقيقي الذي هو الأسد، أو المجازي الرجل الشجاع، ومجازه هنا قريب من الحقيقة، أو المجاز الثاني البعيد عن الحقيقة؛ لأن الرجل يقال له: أسد لأن الأسد أبخر؟ أنت إذا قلت: يا أسد، إن كنت ممن يجيز إطلاق اللفظ بجميع معانيه فأنت تقصد الثلاثة بهذا اللفظ، لكن إن كنت ممن لا يجيز، وهو الظاهر؛ لأنك لا تدعو ثلاثة في آن واحد، بل لك حاجة في واحد منهم، على كل حال الشافعية يجيزون استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والحاكم شافعي وابن حجر شافعي، وجل من تكلم في هذا الباب من الشافعية، والجمهور لا يجيزونه.(1/148)
الحافظ يقول: الحاكم استعمل المثلية في أعم من حقيقتها ومجازها، فاستعملها في حقيقتها إذا خرج الأحاديث من طريق غير رواة الشيخين إنما هم مثل في الأوصاف، واستعملها في مجازها إذا خرج عنهم أنفسهم، ودعم ذلك بقصة: رأى رجل ثوبا مع شخص فأعجبه، فقال له: اشتر لي مثل هذا الثوب، يعني بكم يساوي هذا الثوب؟ قال: عشرة دراهم. قال: له خذ عشرة دراهم اشتر لي مثل هذا الثوب. جاءه بعد مدة يسيرة بالثوب نفسه، قال: هذا الثوب، تفضل. الموكل كأنه ندم، قال: ما قلت لك: اشتر لي الثوب نفسه، اشتر لي مثل الثوب، ما قلت لك: اشتر لي الثوب نفسه. فتحاكما عند شريح القاضي فألزمه بأخذ الثوب، قال: الثوب يلزمك. ولا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، أنت تريد مثل هذا الثوب خذ الثوب نفسه؛ لأنه قد يأتي لك بمثل هذا الثوب، قد تختل بعض المواصفات وتقبل، وليس الخبر كالعيان، أنت الآن رأيت هذا الثوب بعينك، وأعجبك من جميع الوجوه، هل تتصور أن لما تقول: جيب لي مثل هذا الثوب يأتي لك بأفضل منه؟ هذا احتمال، لكن الاحتمال الثاني -وهو الأقوى- أنه قد يكون يشابهه في جل الأوصاف دون جميعها، فالقول المرجح في هذه المسألة أن شرط الشيخين رجال الشيخين، وعرفنا أن الحاكم هو الذي شهر هذا، وتصرفه في مستدركه يقوي هذا.
مسألة تتعلق بالشرط، وحصل فيها نزاع طويل وكلام شديد من متقدمين ومتأخرين، وهي مسألة السند المعنعن وحكم الاحتجاج به، والإمام مسلم -رحمه الله تعالى- شنع على من حكم على السند المعنعن بالانقطاع، وعلى من اشترط أكثر من المعاصرة مع إمكان اللقاء، وشدد في المسألة، واستدل بصنيع أهل العلم، وذكر أحاديث أنها لا تثبت على وجه الأرض -ذكر ثلاثة أحاديث لا تثبت إطلاقا- إلا معنعنة، ووجد من يكتب ويذكر أن هذا القول عليه إجماع أهل العلم، وينفي ما نسب إلى الإمام البخاري.(1/149)
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
من الناحية العملية لا شك أن رأي مسلم عليه العمل، والقول الثاني -وهو اشتراط اللقاء ولو مرة- هو اللائق بتحري الإمام البخاري وتثبته، الأحاديث التي ذكرها مسلم وأنها لا توجد عند أحد من الرواة إلا معنعنة،
هي موجودة في صحيحه بصيغة التحديث، صحيح مسلم نفسه، وللإمام أبي عبد الله محمد بن رشيد بحث نفيس في هذه المسألة، اسمه السنن الأبين في الخلاف بين الإمامين في السند المعنعن، من أهل العلم من يرى أن السند المعنعن منقطع، ومنهم من يرى أنه متصل بالشرطين المذكورين، وكل على مذهبه في اشتراط اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة:
وصححوا وصل معنعن سلم
من دلسة راويه واللقا علم
الإمام البخاري، وهو من أهل التحري والتثبت، نقل عنه وتداول أهل العلم من غير نكير القول باشتراط اللقاء، ونسب القول أيضا لعلي ابن المديني، والإمام مسلم نسبه إلى مبتدع، إلى شخص مبتدع، ورد على هذا المبتدع، وشدد وشنع على هذا المبتدع، فالذين يقولون: إنه لا يمكن أن يقول البخاري بهذا القول ويصفه مسلم بالبدعة، ويشدد النكير عليه وهو شيخه، هو تلميذه، ولولاه ما راح ولا جاء، ما يمكن أن يكون هذا وصار سببا لنفي هذا القول عن الإمام البخاري، نقول: يمكن أم يقول البخاري باشتراط اللقاء، يمكن، وهذا القول تداوله الأئمة من قديم ونسبوه إلى الإمام البخاري، نعم إذا طالبت بالسند المتصل إلى الإمام البخاري، قد لا تجد كغيره من القضايا التي تداولها أهل العلم وسلموا بها.(1/150)
لكن كيف يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ويشنع القول، هذا قول مبتدع، قول مخترع، يريد هدم السنة، ويفعل ويترك إلى آخره؟ يقول مسلم هذا، هل يقصد البخاري؟ نقول: ما يقصد البخاري، يقصد شخصا مبتدعا كيف والبخاري يقول بهذا القول، علي ابن المديني نسب إليه هذا القول؟ لماذا لا يقصد البخاري؟ نقول: لا يقصد البخاري، البخاري شيخه، ولا يمكن أن يحصل هذا بين البخاري ومسلم، وقد عرف من حال الإمام مسلم وصنيعه بالإمام البخاري ما عرف، لا يمكن أن يوجه له مثل هذا الكلام.
إذن على من يرد مسلم؟ نقول: مسلم يرد على مبتدع، يريد أن يستثمر كلام الإمام البخاري واحتياط الإمام البخاري لرد السنة، يريد أن يستغل هذا الاحتياط لرد السنة، إذا رددنا على الجبائي من المعتزلة، أو رددنا على أبي الحسين البصري منهم، وكل منهما يستدل بفعل عمر ( الذي لم يقبل خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، إذا رددنا على أبي الحسين البصري أو على أبي علي الجبائي في ردهم السنة؛ استدلالا بقول عمر، هل نحن نرد على عمر؟ لا نرد على عمر، نرد على من يستثمر قول عمر في رد السنة، كما أننا نرد على
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
من يفهم من آية غير الفهم الصحيح، ولا نرد على الآية، أو من حديث فهما يناسبه يريد أن يستفيد من هذا الفهم للطعن في الدين، نرد عليه بعينه، يعني إذا رددنا على الخارجي الذي يقول بكفر القاتل، قاتل المؤمن
المتعمد، وقد استدل بآية النساء، هل معنى ذلك أننا نرد الآية، أو نرد استدلال هذا الخارجي بهذه الآية التي لها ما يوجهها من النصوص الأخرى؟ نعم، نرد على الاستدلال.(1/151)
فإذا رددنا على المعتزلة في ردهم خبر الذي يرويه شخص واحد، ويريدون بذلك أن يردوا السنة، فإننا لا نرد عمر ( على احتياط عمر، عمر عرف بالاحتياط والتحري، والدين محفوظ، وكون عمر يتثبت في حديث أو حديثين أو عشرة لا يعني أنه يرد كل السنة، وقد عمل عمر بخبر واحد، وعمل قبله أبو بكر بخبر واحد، وهكذا، فمن أراد أن يستغل احتياط الإمام البخاري وشدة تحريه لهدم السنة نرد عليه بعينه، ولا نرد على البخاري.
نظير ذلك لو جاء شخص من شراح الحديث ويقول: قوله -عليه الصلاة والسلام-: ( والذي نفسي بيده (؛ أي روحي في تصرفه، إذا عرفنا من حال هذا الرجل أنه يثبت صفة اليد على ما يليق بجلال الله وعظمته، نرد عليه في هذا الموضع؛ ما في أحد روحه ليست في تصرف الله ( إذا كان ممن عرف بإثبات اليد، لكن إذا كان ممن ينفي اليد نقول: لا، هذا فرار من الصفات، بل في الحديث دليل على إثبات صفة اليد لله ( على ما يليق بجلاله وعظمته، فتنزل الأمور منازلها.
فكون أهل اعلم تداولوا هذا القول ونقلوه لا يعني أنه قول خاطئ، ولا يعني أن البخاري -إذا احتاط لصحيحه- أنه يرد الأحاديث التي لم تثبت بتلك الكيفية، بل نقل عنه تصحيح أحاديث -نقل عنه الترمذي وغيره- ما هو أخف من هذا الشرط، أخف بكثير من شرط مسلم، لكنه يعتني بصحيحه وينتقي أحاديثه، كونه وجد في البخاري حديث أو حديثين أو ثلاثة أو عشرة يبدو للناظر فيه أنه أخل بشرطه لا يعني أنه لا يشترط هذا، وقد يغفل الإنسان، يسهو الإنسان، يجتهد في تطبيق الشرط ولا يستطيع، فلا نشنع على أهل العلم بمثل هذه المناقشات؛ يعني كون الحديث يصح ولو لم يثبت اللقاء، صححه الأئمة، ومشوا عليه ودرجوا عليه، وأنت إذا درست الإسناد ووجدت أن المعاصرة موجودة مع إمكان اللقاء يكفي.(1/152)
الحافظ عبد الغني لما ألف عمدة الأحكام، وقصد أن تكون أحاديثها من الصحيحين، كونه وقع فيها من أفراد أحادهما لا يعني أنه أخل بشرطه بالجملة، ومع ذلكم أنه لا يصحح أحاديث عملية في الأحكام غير ما انتقاه؛ المقصود أن نفهم المراد بالشرط عند أهل العلم، يشترط أهل العلم -في الجملة- شروطا بمعنى أنهم يرسمون منهجا، قد يتخلف هذا الشرط، ولا يعني أنه يلزم من عدمه العدم -كما هو مقرر في تعريف الشرط- قد ينزلون
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
عنه للحاجة، قد يردون في بعض الأبواب أحاديث ليست على شروطهم، لأنه لم يجد في الباب غيره، كما صنع أبو داود وغيره.
المقصود بأن هذه المسالة، وإن كتب فيها بعض الفضلاء، يبقى لهم فضلهم وغيرتهم على السنة، وحرصهم عليها، هذا شيء لا ينكر، ودقتهم واطلاعهم، هذا شيء لا ينكر، لكن أيضا كونه نستدرك على أهل العلم بهذه الطريقة، يعنى المعنى أن يتضمن تجهيل لكل من كتب في هذا الموضوع، ودافع وقال شرط البخاري والشراح الذي تتابعوا على هذا، وأنه علم جديد ابتكرناه نرد به على السابقين، ما بصحيح، ولا يعني هذا أن كل من تقدم معصوم لا يخطئ، لا، يخطئ، كما أن الإنسان لا يدعي لنفسه العصمة، وإذا أراد أن يناقش مسألة، وأين هو من الأئمة الكبار، يعرضها عرضا بأسلوب مناسب، ويجعلها بحثا لعل المراد كذا، لعل كذا، لا يرد بقوة وبعد ذلك يتبين الخلل في كلامه، والمسألة الخلاف فيها واسع، ولا حجر فيها، وإذا أردنا أن نتتبع مثل هذه الكلمات بالألفاظ الشديدة التي يفهم منها ما يفهم وقعنا في إشكالات كثيرة.
التمييز بين الحسن والصحيح
يقول:
وما يماثله وكان الضبط خف
حسن لذاته فإن يحف
يعني يماثل الصحيح بشروطه السابقة، يكون الرواة عدولا، هناك تمام الضبط هنا خف الضبط؛ لأنه يقول:
........................وكان الضبط خف(1/153)
فحسن لذاته......................
يعني مجرد الاختلاف بين الصحيح لذاته والحسن لذاته الضبط، الضبط خف، وبقية الشروط مشترطة؛ عدالة الرواة، اتصال الإسناد، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، يبقى الاختلاف في الضبط، يشترط للصحيح تمامه، ويتنازل عن تمامه للحديث الحسن، هذا ما يختاره المؤلف، وهو قول ابن حجر، وهو منتزع من كلام الأئمة السابقين، وأهل العلم -المتقدمون والمتأخرون- يختلفون اختلافا كبيرا في حد الحسن، حتى أشار الذهبي وغيره إلى أنه لا مطمع في تمييزه، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى- العراقي:
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
والحسن المعروف مخرجا وقد
حمدٌ وقال الترمذي ما سلم
بكذب ولم يكن فردا ورد
وقيل ما ضعف قريب محتمل
اشتهرت رواته بذاك حد
من الشذوذ مع راو ما اتهم
قلت وقد حسن بعض ما انفرد
فيه وما بكل ذا حد حصل
كل الكلام الذي سمعناه ما بحد؛ لأن كله عليه مناقشات, وأخذ ورد، ولا تحرر الحسن من الصحيح، ولا تفصل الحسن من الضعيف؛ فالخطابي له تعريف، الحسن المعروف مخرجا، عرف مخرجه واشتهر رجاله، بذاك حد حمد، هذا الخطابي، عرف مخرجه، اشتهر رجاله، هل في هذا ما يميز الحسن عن غيره بدقة، بمعنى أننا نستطيع أن نميز الحسن من الصحيح؟ الصحيح اشتهر رجاله، وعرف مخرجه، الضعيف قد يكون اشتهر رجاله بالضعف، اشتهر رجاله، المقصود أنه ليس في هذا ما يميز الحسن عن غيره، تعريف الترمذي الترمذي اشترط للحديث الحسن شروطا ثلاثة:
وقال الترمذي: ما سلم
بكذب ولم يكن فردا ورد
من الشذوذ مع راو ما اتهم
...........................................
اشترط ثلاثة شروط، وهناك مناقشات طويلة يعني لا يتسع لها المقام، لكن نتصور هذه التعريفات، "وقيل ما ضعف قريب محتمل " هذا كلام ابن الجوزي:
وقيل ما ضعف قريب محتمل
فيه وما بكل ذا حد حصل(1/154)
هذا الحافظ العراقي، كل التعريفات ما استفدنا منها بتمييز الحسن عن غيره، والسبب في ذلك أن الحسن مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، تتباين فيها الوجهات، تتباين فيها وجهات النظر، من أهل العلم من يرى أن الشروط توافرت، فيلحقه بالصحيح، ومنهم من يرى أن شروط هذا الحديث لم تتوافر، فينزله إلى الضعيف؛ ولذا من نتاج هذا البحث يقرر جمع من أهل العلم أن الذي يختلف في تصحيحه وتضعيفه من غير ترجيح أنه يكون من قبيل الحسن، أو يختلف في الراوي بين توثيقه وتضعيفه من غير ترجيحه من رواة الحسن؛ لأن الحسن منزلة متوسطة.
أنا لو جاء واحد أو عشرة مثلا يختبرون الإخوان الحاضرين، ويقال لهؤلاء العشرة: ميزوا الحاضرين إلى ثلاث فئات، ممتاز وجيد جدا وجيد، كلام شفوي ما هو مدون وما عليه درجات ومضبوط ومتقن، مع أن المدون تتباين
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
فيه أيضا الوجهات، لو أعطيت هذه الورقة صححها وأعطي عليها تسعين يأخذها ثان ويمنح ثمانين مثلا أو خمسة وتسعين، من هذا القبيل اختلاف المناقشين للرسائل، إذا خلت اللجنة تجد واحد يعطي للطالب خمسة تسعين والثاني خمسة وثمانين والثالث ثمانين مثلا، التمييز في الدقة في مثل هذه الأمور فيه صعوبة، قل مثل هذا في الأحاديث، منزلة متوسطة؛ يعني لو جاء عشرة من أهل العلم في هذا الشأن أو في غيره وقالوا: اختبروهم، أو انتهت الدورة وقيل لعشرة من المشايخ: اختبروا هؤلاء الطلاب، وكل حسب اجتهاده، يصنفهم ثلاث فئات.(1/155)
لكن الذي يشهد له الواقع أنهم لن يجعلوا الضعيف جدا مع القوي جدا، نعم، لم يجعلوا هذا، هذا ظاهر؛ يعني شخص راسب ما يمكن يأتي اثنان يصححوا الامتحان يعطونه ممتاز، هذا ما يمكن، لكن جيد جدا يطلعه إلى الممتاز أو ينزله إلى الجيد كثير هذا، وهذا الاحتمال الواقع في ترقية الحسن إلى الصحيح أو إنزاله إلى الضعيف والتذبذب بين المرتبتين؛ ولذا حد الحسن من أصعب ما يدرس، وهو صعب أيضا في التطبيق، إلا أن صاحب الخبرة والدربة تتكون لديه ملكة، تجعله بالقرائن يحكم عليه أنه في مرتبة لا يطلع إلى الصحيح ولا ينزل إلى الضعيف؛ ولذا تجدون في النقاد من كثر في صنيعه إلحاق الحسان بالصحاح، وجعل لا يميز بين الصحيح والحسن، وفيهم من كثر إلحاق الحسان بالضعيف، ووصف الأول بالتساهل ووصف الثاني بالتشدد؛ والسبب في ذلك كون الحسن في مرتبة متذبذبة.
فطالب العلم يقرأ مثل هذه الأمور للتمرين، يتمرن عليها، لكن إذا أكثر من التطبيق تتضح له الصورة، والعلم علم عملي، وذكرني أحد الأخوة بمثال كنت قد قرأته قديما للشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- قال: لو تحضر كتابا في تعليم السباحة، وتعطيه شخصا يقرأ هذا الكتاب حفظا كما يحفظ الفاتحة، يحفظه حفظا عن ظهر قلب، وتحمل هذا الشخص الذي حفظ الكتاب وتلقي به في البحر، فائدته من العلم النظري كبيرة؟ يمكن يغرق ويموت وهو حافظ للكتاب، هذه العلوم عملية تحتاج إلى مزاولة، فإذا كثرت مزاولة طالب العلم لهذا العلم ومعاناته، مع الاطلاع على أعمال أهل العلم في هذا، وقراءة تخريجهم وأحكامهم على الأحاديث؛ بإذن الله تتولد لديه الملكة، لكن على أن يصحب ذلك سلامة قلب، وإخلاص، ونية صالحة، وعفة لسان.(1/156)
أحيانا من يكون عرف شيئا من علوم الحديث يتهجم على أهل العلم، ويسفه ويجهل الكبار والصغار، صحيح وإن ضعفه أحمد، وضعيف وإن...، إيش الكلام هذا؟ طالب العلم بحاجة إلى الأدب، بحاجة ماسة إلى أن يتأدب، وهو أولى الناس أن يكون قدوة لغيره، وإذا أراد طالب العلم بأن يتأدب بأدب مناسب يتعامل به مع الكبار فليقرأ
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
مقدمة موضحة وهامة، مقدمة جمع التفريق للخطيب البغدادي، معه أيضا يقرأ مقدمة القول المسدد لابن حجر، ويقرأ في جامع بيان العلم وفضل للإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر، والجامع لأخلاق الراوي، وكتاب السمعاني
في أدب طالب العلم، المقصود أن هناك كتب ألفت في هذا الباب ينبغي أن يكون طالب العلم على علم بها، فيتأدب مع الكبار والصغار، نعم، جامع بيان العلم وفضله من أنفس ما كتب في الباب، يعني لا يستغني عنه طالب علم، لكن مقدمة الخطيب موضحة وهامة -جمع التفريق- لأنه بصدد الرد على الكبار، هذه الأوهام حصلت من كبار، فقدم بمقدمة يحتاجها كل طالب علم، وفي هذا الكتاب الذي ندرسه، آداب الشيخ والطالب، ويأتي -إن شاء الله- بيانها بالتفصيل.
الحسن لذاته إذا حف بطرق أخرى
...........................................
بمثله صحح بالمجموع
فحسن لذاته فإن يحف
...........................................
أن يحف الحسن لذاته فإنه يعني يظل إليه، يحف بطريق آخر بمثله صحح، يعني حسن لذاته مع طريق آخر حسن لذاته يكون المجموع صحيح لغيره.
والحسن المعروف بالعدالة
طرق أخرى نحوه من الطرق
إذ تابعوا محمد بن عمرو
والصدق راويه إذا أتى له
صححته كمتن لولا أن أشق
عليه فارتقى الصحيح يجري
المقصود أن الحسن لذاته إذا حف بطرق أخرى نحو هذا الطريق فإنه يرتقي، ويكون في الدرجة الثانية من درجات القبول، وهو الصحيح لغيره(1/157)
...................صحح بالمجموع
واكتسب القوة بالجموع
لأنك إذا نظرت إلى مفرداته وجدتها لا تصل إلى درجة الصحيح، لكن بمجموعها ترتقي، أنت لو ربطت حبلا في هذه السارية، قلت: قم يا فلان، اسحب هذا الحبل حتى ينقطع، عجز، تأتي بثانٍ يسحبه ينقطع حصلت هذه القوة بالمجموع، ما حصلت بواحد، لأنك لو أتيت بالثاني بمفرده ما ينقطع الحبل، فالقوة إنما تحصل بالمجموع،
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
حسن مع حسن يساوي صحيحا، فقل مثل ذلك في الضعيف الذي ضعفه قابل للانجبار يرتقي إلى الحسن لغيره بالمجموع.
وصف الحديث بالصحة والحسن
ويطلق الوصفان للتردد
إن أطلقوهما مع التفرد
إذا قيل: هذا حديث حسن صحيح، الوصفان، الحسن والصحة:
ويطلق الوصفان للتردد
ويطلقان باعتبار الطرق
إن أطلقوهما مع التفرد
في غير فرض فادره وحقق(1/158)
إذا قال أهل العلم -وهذا أكثر ما يوجد عند الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح، أولا هل هذا التعبير فيه إشكال أم ليس فيه إشكال؟ كيف؟ من أي وجه يكون الإشكال؟ الترمذي كثيرا ما يقول: حسن صحيح، هل المقصود من الكلمة واضح من أول وهلة أم لا؟ نقول: استشكل الوصف بالصحة والحسن، هذا مشكل، كيف مشكل؟ نعم حسن صحيح، يعني إذا قلنا: الحديث حسن "بوصفان متباينان"، إذا قلنا: حسن فمعناه أنه قصر عن رتبة الصحيح، فإذا أضفنا إلى ذلك الصحيح أنه طلع، نزل عن رتبة الصحيح ثم طلع، كيف في آن واحد؟ ++ صحيح، أو أثبت القصور ثم نفى هذا القصور، يعني نظير ذلك إذا قلت: تخرجت، نقول: ما تقديرك؟ قلت: جيد جدا ممتاز، تأتي أم لا تأتي؟ نعم تأتي مع اتحاد الجهة لا يمكن تأتي، تقديرك العام ممكن يصير جيد جدا ممتاز، مع اتحاد الجهة لا يمكن يأتي، مع انفكاك الجهة يأتي تقديرك العام جيد جدا، وتخصصك ممتاز ممكن، وهنا نقول: مع انفكاك الجهة ممكن، لكن مع اتحاد الجهة كيف طالب ينزل عن التسعين ثم يطلع عن التسعين؟ يصير؟ ما يمكن، إلا مع انفكاك الجهة، وهو نظير ما نحن فيه، كيف ينزل الحديث عن درجة الحديث ثم يطلع إليها؟ يعني إثبات للقصور ونفي لهذا القصور، إثبات ونفي في آن واحد لا يمكن، لكن مع انفكاك الجهة سهل، يمكن الطالب في مواد التخصص يصير ممتازا، وفي التقدير العام جيد جدا، سهل.
وهنا إن كان الحديث مروي من طرق أكثر من طريق بعضها صحيح وبعضها حسن، الأمر ظاهر، مثل التخصص والتقدير العام، نعم بعضها صحيح وبعضها حسن، فعل هذا مع تعدد الطرق -هذا إذا تعددت الطرق- محمولا على أنه ثبت بأسانيد صحيحة وأسانيد حسنة، وغاية ما هنالك أن الإمام حذف حرف العطف، فعليه أن يقول: صحيح وحسن أو حسن وصحيح حسن من طريق وصحيح من طريق، يرد على هذا أنه إذا لم
.................................................................................................................(1/159)
ـــــــــــــــــــــــــ
يعرف إلا من طريق واحد، يعني ما في إلا طريق واحد، كيف؟ يعني إذا قلت: جيد جدا ممتاز، وما فيه إلا مادة واحدة، كيف تأخذ جيد جدا ممتاز؟ نقول: اختلفوا واحد قال: ممتاز وبعدين قال: يستحق جيد جدا.
وهنا اختلف العلماء هل يصل إلى درجة الصحيح أو إلى درجة الحسن؟ وغاية ما هنالك أن يقال: إن الإمام حذف حرف التردد، فعليه أن يقول: حسن أو صحيح، يتردد في حكمه؛ لأن النقاد ترددوا، أو الناقد نفسه تردد هل بلغ أم لم يبلغ، واضح، الكلام في هذه المسألة كثير جدا بلغت الأقوال بضعة عشر قولا لأهل العلم في هذه المسألة، لكن هذه من أوضح ما يقال مما يناسب الظرف، منهم من يقول: السند لا يصل إلى درجة الصحيح، والمتن لورود ما يشهد له يصل، ومنهم من يقول: إن الحديث وهو يسند القول السابق مشرب، الصحة مشربة بحسن، صحته مشربة بحسن، يعني أنه ليس بصحيح بمعنى الإطلاق ولا بحسن، في مرتبة بينهما، يعني مثل ما تقول: حامض حلو، بين الأمرين، مشرب، ومنهم من يقول: الحسن المراد به الحسن اللغوي، ألفاظه حسنة وجميلة، وصحته من حيث الثبوت، المقصود أن هناك أقوال كثيرة لا نطيل بذكرها.
مسألة زيادة الثقة
ويطلق الوصفان للتردد
إن أطلقوهما مع التفرد
يعني مع التفرد ليس له إلا إسناد واحد تردد، هل بلغ أم لم يبلغ، وهذا ذكرناه.
ويطلقان باعتبار الطرق
واقبل زيادة به تفردا
في غير فرد فادره وحقق
رويه ما لم ينافِ الأجودا(1/160)
هذه مسألة زيادة الثقة، وهي من المعضلات، زيادة الثقة هل تقبل زيادة الثقة؟ إذا جاءنا راو ثقة بحديث مستقل تفرد به عن غيره من الرواة يقبل أم لا يقبل؟ يقبل؛ لأننا لم نشترط التعدد، لكن اشترك الرواة في رواية حديث ،عشرة تسعة رووه بدون جملته الأخيرة، رواه واحد باللفظ الذي ذكروه وزاد جملة، " إن الله يحب التوابين "، " إنك لا تخلف الميعاد "، "زيادة من المسلمين في زكاة الفطر"، نعم "جعلت تربتها"، المقصود أن الزيادات في هذا كثيرة، فهل تقبل باعتباره ثقة؟ ولو تفرد بالحديث نقبل، فكيف لا نقبل زيادة؟ أو نقول: لو كانت محفوظة، تواطأ على روايتها التسعة كلهم، لكن لما تفرد بها شككنا، المسألة خلافية، والمتأخرون جروا
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
على قواعد مضطردة، منهم من يقبلها مطلقا؛ لأن من زاد معها زيادة علم، ومنهم من يردها مطلقا؛ لأن عدمها متيقن ووجودها مشكوك فيه:
واقبل زيادات الثقات منهم
ومن سواهم + عليه المعظم
المقصود أن المسألة مختلف فيها، فالأكثر على أنها تقبل مطلقا، وهناك نقول عن أهل العلم، عن ابن حبان، عن ابن عبد البر، جمع من الأئمة يقبلون، هناك من تصرفات الأئمة الكبار ما فيه قبول بعض الزيادات، ومن رد وقال: إن عدم ذكر هذه الزيادة هو المتعين له وجه؛ لأنها كانت محفوظة، وتصرف بعض الكبار الأئمة يقوي الرد، فالأئمة الكبار في كلامهم ما يؤيد القبول، وفي صنيعهم ما يؤيد الرد، ونخلص بهذا إلى أن زيادة الثقة، ومنها تعارض الوصل والإرسال.(1/161)
ومنها تعارض الوقف والرفع، لا يمكن القول بقبولها باضطراد ولا الرد باضطراد، إذن ماذا نصنع؟ نصنع صنيع الأئمة الكبار إذا تأهلنا، ما هو من الآن نقبل ونرد، وما أنا عارف كيف نقبل وكيف نرد، هناك قرائن تجعل القبول متعينا، وهناك قرائن تجعل الرد هو الراجح، وهذه القرائن لا يمكن أن تلوح إلا للمتأهل، فطالب العلم المبتدئ في وقت التمرين، وهو يخرج أحاديث لنفسه ما يلزم الناس بالعمل بها، يخرج الحديث لنفسه ويتمرن، يجري على هذه القواعد، ويعرض تخريجه على أهل الخبرة، ويعرض النتائج على أقوال أهل العلم، وإذا أكثر من هذا سوف تتكون لديه الأهلية إن شاء الله تعالى.
ابن الصلاح يقول: إن الزيادات لها ثلاث حالات:
زيادة موافقة لما يرويه الأكثر، يتفرد بها ثقة عن غيره لكنها موافقة، أو ليس فيها مخالفة على الأقل لما يرويه الأكثر، وزيادة مخالفة لما يرويه الأكثر، وزيادة فيها نوع موافقة ونوع مخالفة، فالتي ليس فيها مخالفة مقبولة وهي التي فيها الإطلاق، والتي فيها المخالفة مردودة وهي التي فيها الرد، والتي فيها نوع مخالفة ونوع موافقة هي محل التردد.
الزيادات التي ما فيها مخالفة سهلة، والتي فيها مخالفة واضحة، المسألة في المخالفة من وجه والموافقة من وجه، وهذه هي التي تشكل في الباب، الزيادة الموافقة من وجه مخالفة من وجه وهذه المسألة تحتاج إلى عناية، يعني لو صرفنا فيها ربع ساعة ما تضيق صدوركم -إن شاء الله- نعم، في الحديث الصحيح في حديث الخصائص: ( وجعلت لي الأرض مسجدا طهورا ( جاء في حديث مسلم: ( وجعلت تربتها لنا طهورا ( لفظ التربة فيه موافقة للأرض من وجه وفيه مخالفة من وجه، نعم تيمموا صعيدا والصعيد كل ما
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ(1/162)
صعد على وجه الأرض، ولفظ التربة هذا اللفظ المزيد يجعل التيمم بالتراب، هذه اللفظة "التربة" موافقة للأرض من وجه، باعتبار أنها جزء من أجزاء الأرض، ومخالفة لما عداها من على وجه الأرض مما يصح التيمم به بالأحاديث الأخرى.
الآن لفظ التربة -والتربة جزء مما على وجه الأرض- موافقة للأرض باعتبارها جزء منها، ومخالفة باعتبار الأجزاء الأخرى، نقدم النتيجة، طيب وجدت على وجه الأرض صخرة، تيمم أم لا؟ تيمم عملا بإيش؟ تيمموا صعيدا، "جعلت لي الأرض" هذا على رواية الأرض، أما على رواية تربتها ما تتيمم على الحجارة، ولا تيمم ولا على رمل؛ لأنه ما هو بتراب، مقتضى الزيادة ففيها مخالفة، مخالفة من وموافقة من وجه؛ ولذا يختلف أهل العلم فيما يتيمم به، هل يشترط أن يكون المتيمم به ترابا أو لا يشترط؟ من عمل بالأحاديث التي فيها إطلاق أو عموم، هذا يترتب عليه اختلاف كبير في النتيجة، إطلاق أو عموم، والتربة نقول تقييد أو تخصيص؟ نعم إطلاق أو عموم وخصوص؟(1/163)
الآن هل التربة فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصاف الأرض؟ فرد يعني الأرض ذات أفراد، التراب فرد من أفرادها، أو نقول الأرض ذات أوصاف التراب وصف من أوصافها، نعم، إذا قلت: فردا نقضت كلامك الأول، يعني يترتب كبير عمل إذا قلنا: فرد أو وصف، أو قلنا: تخصيص أو تقييد يختلف ولا ما يختلف؟ نعم، ينقلب إذا قلنا: فرد نعم قلنا: عموم وخصوص، وذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام ما يقتضي تخصيصا، خلاص إذن أولى ما يتيمم به التراب تنصيص عليه بالعناية بشأنه، ولا ينفي أفراد الأرض الأخرى للنصوص الأخرى التي ذكرت فيها نقول: بعمومها، ما نقول: بإطلاقها، إذا قلنا: إطلاق، وتفول: تقييد، قلنا: لا، لا بد من تقييد المطلق في مثل هذا؛ للاتحاد في الحكم هو السبب، فلا بد من التقييد، وحينئذ لا يتيمم بالتراب؛ ولذا تجدون أهل العلم يختلفون في هذا، الشافعية يجوز عندهم التيمم على الصخرة، يجوز أم لا يجوز؟ الحنابلة يجوز أم لا يجوز؟ ما هي من التراب، المذاهب الأخرى يجوز كل ما على وجه الأرض، ومردهم إلى هذا، فمن قال: عموم الخصوص قيل: ذكر التربة فرد من أفراد الأرض بحكم موافق بحكم العام، وهو جواز التيمم بالتربة أو بما على وجه الأرض لا يعني التخصيص.
وإذا قلنا: إطلاق وتقييد فلا بد أن نعمل بالمقيد ونقيد به المطلق، وتقييد المطلق في مثل هذه الصورة واجب لا بد منه، الاتفاق حاصل عليه، لماذا؟ للاتحاد في الحكم والسبب، واضح أم غير واضح، لأن الوقت معنا، إذا قلنا:
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــ
وصف لأن التقييد تقليل الأوصاف والتخصيص تقليل الأفراد، يعني وصف الرقبة بأنها مؤمنة، نعم هذا وصف أم فرد؟ وصف، طيب ذكر زيد من بين الرجال وصف أم فرد؟ فرد، إذا قيل في الوصية مثلا: وقف يعطى لطلاب(1/164)
العلم والفقهاء منهم، يعطى طلاب العلم، احذف الواو، طلاب العلم الفقهاء منهم، نعم تخصيص أم تقييد؟ قلنا: الأوصاف في الإفراد والتقييد قلنا: إن الإيمان وصف، وزيد من بين الرجال فرد، كيف وصف؟ إذن ما نعطي غير الفقهاء، نعم لا نعطي غير الفقهاء، أو نقول ذكر الفقهاء من باب التخصيص للعناية بهم والاهتمام بشأنهم.
لا تقولوا لي في هذه المسألة والتي قبلها: الحكم يختلف، طيب جاء محدّث تعطيه أم لا تعطيه؟ جاء لغوي، المحدث قد يكون فقيها ينطبق عليه الوصف، يا إخواني الفرق بين التقييد والتخصيص لا بد لطالب العلم من العناية به، يختلف الحكم، فإذا قلنا: إن التربة وصف من أوصاف الأرض قلنا: لا بد أن يكون المتيمم به ترابا، وهذا شرط عند جمع من أهل العلم، لا يرون التيمم بغير التراب؛ لأنهم يقيدون ما أطلق في الروايات الأخرى، وإذا قلنا: إنه فرد من أفراد الأرض قلنا: ذكر التراب بالاهتمام به والعناية بشأنه.
الحسن لغيره
وما روى المستور وهو من دلس
عند اجتماع الطرق المعتبره
والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا
فحسن لغيره فاعتبره
يفترض أن يكون ذكر هذا الكلام بعد ذكر الحديث الضعيف؛ لأن الحسن لغيره لا يمكن تصوره إلا بعد تصور الضعيف، فيؤجل مع الضعيف، وبهذا نكون انتهينا، ضع عليها علامة نحتاج إلى وقت.
س: هذا يسأل يقول سؤال بصيغة الخبر: لما رجحت دراسة ألفية العراقي على ألفية السيوطي؟
ج: كيف؟ هل يسأل عن سبب الترجيح؟ الأسباب كثيرة؛ منها إمامة الحافظ العراقي، وهذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، لو تأخذ علمك من الحافظ العراقي أفضل مما تأخذه ممن دونه، ألفية العراقي الأصل في الباب؛ ولذا يقول السيوطي:
واقرأ كتابا تدر منه الاصطلاح
كهذه أو أصلها ابن الصلاح
يعني ألفية العراقي وابن الصلاح، فهي أصل لألفية السيوطي.
.................................................................................................................(1/165)
ـــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني: ألفية العراقي أسلس وأسهل، والعناية بها من قبل أهل العلم أكثر، نعم زاد السيوطي بعض الأبواب تؤخذ من ألفية السيوطي، وما عدا ذلك يعتنى بألفية العراقي.
س: يقول: البعض يقول: يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، والبعض الآخر أنه لا يجوز؛ لأن فضائل الأعمال من الدين، ما الصحيح؟
ج: نعم فضائل الأعمال يريد بها الجميع ما يرتب على فعله ثواب، ولا يرتب على تركه عقاب، هذه فضائل الأعمال، فإذا كان هذا حده فهو المستحب، فهو السنة، والسنة والمستحب حكم تكليفي، ففضائل الأعمال والسنة والمستحب حكم من الأحكام التكليفية، فكيف نقول: لا يشترط أن نعمل بالضعيف في الفضائل دون الأحكام؟ والفضائل من الأحكام، والمسألة تحتاج إلى بسط طويل، ومن قال به من جمهور أهل العلم بالعمل في الفضائل شروط أوصلها بعضهم إلى عشرة شروط، تبسط -إن شاء الله- في وقت البحث في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.
وصل الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ( وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقدمة الجزء الثاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخلاف فيما وقفنا عليه ثلاثة أقوال، والترجيح من عندكم، العلامة عندي وُضعت على (الحسن لغيره)، وطبعوا هم (من المحكم المتشابه)، والقارئ له رأي ثالث. فلا شك أن الإخوان يقيدوني بهذا الموقف، فنقيد ولا ما نقيد؟ نحتاج إلى مرجح.
- نعم. الحسن لغيره.. غيره.
- الحسن لغيره.. هذا الثاني، نعم.
........... هو من حيث التقسيم لم يسبق ذكره؛ لكن الكلام يحتاج تفصيل؟.....
وين؟(1/166)
هو يحتاج إلى وقت، وقد وضعت علامة هذا هو، وضعت علامة على النص، فإن كان الإشكال لو استجبنا لطلبهم مختلف الحديث، لبقيت عندنا أبيات يصعب جدا أن تشرح في غير هذا الموضع، يعني: يصعب يعني الخلل في الشريط ولو دقيقة أثقل من جبل أو دقيقتين، وعانينا من هذا كثيرا وقلنا: نبدأ من هنا أحوط؛ لأنها شروح للعامة، وعلى ذلك ما نسترسل فيه، ما نطول، نجمع يعني، عندي الحسن لغيره كأنه اتفاق وأنا عندي إشارة. نعم. أحسنت.
الحسن لغيره
تعريف الحديث الحسن لغيره
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
الحسن لغيره:
وما روى المستور أو من دلسا
والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا
عند اجتماع الطرق المعتبره
فحسن لغيره فاعتبره
وقولهم أصح شيء فيه أو
أحسنه ليسوا ثبوته عنوا
بل زعموا أشبه شيء وأشف
وأنه أقل ضعفا وأخف
وليس في القبول شرط لعدد
بل اشتراط ذاك بدعة ترد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/167)
نستأنف الدرس بعد انقطاعه سنة كما هو مقتضى تنظيم الدورات، ولا شك أن هذا الانقطاع له أثر على ارتباط المعلومات، وتسلسل المسائل؛ لا سيما في العلم الذي يطلب آخره أوله كهذا العلم، العلم مرتب، كل باب يتطلب الذي قبله. ولا شك أن ظروف الدورات تقتضي هذا، تقتضي الانقطاع، ليس بدرسا مستمرا، و انقطاع سنة إن لم يكن هناك مذاكرة أو مراجعة، لا شك أن الطالب سينسى ما سمع، ثم بعد ذلك يصعب عليه الربط. فمذاكرة العلم أمر لا بد منه، فالطالب الذي لا يحفظ، ولا يقرأ شرحا، ولا يسمع شريطا، ولا يحضر الدرس بعد الاستعداد التام، ثم ينصت للشيخ، ويناقش ما يشكل عليه، ثم يذاكر إذا خرج من الدرس، مثل هذا يقول أهل العلم: إنه قل أن يفلح.
فلا بد من بذل جميع ما يستطيعه طالب العلم من حفظ وفهم وقراءة واستماع وحضور ومذاكرة، لا بد من بذل هذه الأسباب كلها؛ ليدرك الطالب ما يناله -إن شاء الله تعالى-، متوجا ذلك بنية صالحة، وعمل بما علم. والله المستعان.
على كل حال.. مثل ما ذكرنا أن ظروف الدورات تقتضي أن الانقطاع لا بد منه فنبدأ مما وقفنا عليه في العام الماضي.
المؤلف -رحمه الله تعالى- يرتب المعلومات حسب القوة، فبدأ بالصحيح، ثم ثنى بالحسن، وثلث بالضعيف.
هناك مرتبة بين الصحيح والحسن وهي: الحسن إذا تعددت الطرق يقوى فينتهي إلى درجة الصحيح -الصحيح لغيره-. هذه مرتبة بين الحسن لذاته والصحيح لذاته.
وهناك مرتبة بين الضعيف والحسن وهو: الضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.(1/168)
والترتيب الطبيعي.. أن يبدأ بالصحيح، ثم الحسن لذاته، ثم الصحيح لغيره؛ لأن معرفة الصحيح لغيره مرتبة على معرفة الحسن لذاته، ثم بعد ذلك الضعيف، ثم الحسن لغيره؛ لأن معرفة الحسن لغيره متطلبة لمعرفة الضعيف ومرتبة عليه؛ لأنه هو الضعيف إذا تعددت الطرق. هنا يقول في الحسن لغيره: وما روى المستور أو من دلسا، المستور: يطلقه أهل العلم بإزاء المجهول، مجهول يساوي مستور. والمجهول بأقسامه -عند أهل العلم- الثلاثة: مجهول الحال ظاهرا وباطنا، مجهول الحال باطنا فقط، ومجهول العين.
منهم من يقول: إن المستور هو المجهول بأقسامه الثلاثة. ومنهم من يقصره ويخصه بمجهول العدالة باطنا؛ وإن كان معلوم العدالة ظاهرا، وهو من يحتاج فيه إلى أقوال المزكين، هذا هو المستور، إذا روى المستور بأن لم تعرف حاله باطنا؛ وإن كان عدلا في الظاهر، مثل هذا لا بد من أن يأتي حديثه من طريق آخر، من طريق معتبر يساوي هذا الطريق أو يكون فوقه بحيث لا ينزل عنه.
وعرفنا فيما تقدم في بحث العدالة أنه هل المطلوب العدالة الظاهرة تكفي بناء على أن الأصل في المسلم الستر وأنا إنما كلفنا بالعمل بالظاهر أو أنه لا بد من معرفة عدالته الباطنة وحينئذ يلجأ إلى أقوال المزكين؟ الخلاف تقدم ذكره، واختار الثاني جمع من أهل العلم.
حيث لا تقبل شهادة من جهلت عدالته باطنا؛ إلا بالتزكية.
وإن كان القول الأول مختارا عند جمع من أهل التحقيق، لأننا لم نكلف بالبحث في البواطن، لنا الظاهر والباطن له الله -جل وعلا-.
المدلس والتدليس
وما روى المستور أو من دلسا
....................................
المدلس، والتدليس بحث مستقل، نوع من أنواع الحديث المدلس نوع من أنواع الضعيف. وعلى كل حال.. التدليس: إظهار الحديث على وجه يخفى فيه عيبه. فالمدلس الذي يظهر الحديث على وجه لا عيب فيه، كالذي يظهر السلعة على وجه لا عيب فيه يسمى مدلسا.(1/169)
وخيار التدليس -كما تعرفون عند أهل العلم- يقولون: ككثرة تسويد شعر الجاهل، وجمع ماء الرحى، وما أشبه ذلك. المقصود أن إظهار السلعة على وجه لا عيب فيه يسمى تدليسا، وهو في الحقيقة غش، والتدليس غش.
على كل حال.. التدليس: إذا روى الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة. يكون قد دلس. أو يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه. أيضا هذا ضرب من التدليس. وأما رواية المعاصر عمن لم يلقه هذا هو الإرسال الخفي عند أهل العلم -وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى-.
الذي يدلس ويروي الحديث عمن لم يسمعه منه بصيغة موهمة كعن -مثلا- أو قال أو أن فلانا هذه صيغ موهمة، إذا روى المدلس وليس فيه عيب سوى التدليس، أما من ضعف بأمر آخر غير التدليس شأنه آخر. فحديث المستور، وحديث المدلس، والمرسل الخفي، هو مثل التدليس؛ إلا أنه يفترق عنه بأن راوي المرسل الخفي قد ثبتت له معاصرة من روى عنه ولم يثبت لقاؤه له، هذا المرسل الخفي.
....................................
والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا
يعني: سيئ الحفظ، بمعنى: أنه إذا كان سبب التضعيف في الخبر انقطاع يسير، أو ضعف محتمل في الراوي كسيئ الحفظ والمستور، أو انقطاع يسير كالتدليس، ضعفوه، انقطاع محتمل ليس فيه نص أو الإرسال الخفي فإنه ينجبر بغيره إذا جاء ما يشهد له من طريق صحابي آخر، أو يتابعه على روايته عن ذلك الصحابي فإنه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.
وما روى المستور أو من دلسا
والمرسل الخفي ومن في الحفظ سا
حذفت الهمزة، والأصل ساء
الضعف الشديد والضعف اليسير
عند اجتماع الطرق المعتبره؛ بحيث يرد الخبر من طريقين فأكثر؛ شريطة أن تكون هذه الطرق معتبرة، يعني: لا يكون ضعفها شديدا؛ لأن الضعف الشديد لا يقبل الانجبار، أما الضعف اليسير يقبل الانجبار عند أهل العلم، وهذه أمثلته.
عند اجتماع الطرق المعتبره ..(1/170)
ومن أهل العلم من تجده من حيث التقعيد يقول بهذا الكلام؛ لكن إذا جاء التطبيق تجده يجبر الأحاديث بما ضعفه شديد، وهذا يسلكه السيوطي؛ بل صرح به في ألفيته بعد أن ذكر الضعف الشديد قال:
وربما يكون كالذي به
....................................
يعني: . به أولا الضعف الخفيف؛ بحيث يحتاج إلى هذا الترقية.
عند اجتماع الطرق المعتبره فحسن لغيره ...
يعني: لا لذاته؛ إنما وصل إلى درجة الحسن التي هي أدنى مراتب القبول بغيره بتعدد الطرق.
فحسن لغيره فاعتبره
....................................
يعني: اعتبر هذا، واعمل به، وعند تطبيقك للحكم على الأحاديث اعتبر به وطبقه.
وقولهم أصح شيء فيه أو
أحسنه ليسوا ثبوته عنوا
بل زعموا أشبه شيء وأشف
وأنه أقل ضعفا وأخف
طيب، أفعل التفضيل: أصح، وأضعف، وأوثق. فلان أوثق من فلان، فلان أضعف من فلان، حديث أصح من كذا، حديث أصح ما في الباب. والحديث أضعف، أضعف ما في الباب. أفعل التفضيل مقتضاها عند أهل العربية في الأصل: أن يشتركا اثنان في صفة، يكون أحدهما أقوى من الآخر في هذه الصفة. يكون المفضل أقوى من المفضل عليه في هذه الصفة، هذا الأصل؛ لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فإذا قلت: زيد أكرم من عمرو. لا شك أنهما في الأصل يشتركان في الكرم، ما يمكن أن تقول: حاتم أكرم من أشعب. أبدا يمكن؟ ما يمكن؛ لأنه قدح في حاتم؛ نعم. لكن لا بد إذا أتيت بأفعل التفضيل أن تأتي باثنين قد اجتمع فيها الوصف؛ وهو الكرم.
وهنا إذا قالوا -يعني أهل الحديث-: حديث كذا أصح من كذا، حديث بسرة أصح من حديث طلق، وبالمقابل إذا قالوا: حديث طلق أضعف من حديث بسرة، إذا قالوا: سالم أو نافع أضعف من سالم، أو قالوا: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي، يستعمل في المرويات وفي الرواة، فإذا قالوا: حديث بسرة أصح، هل يقتضي أن يكون الحديثان صحيحين؟ هم لا يستعملونه على ذلك؛ بل يكون حديث بسرة أرجح من حديث طلق.(1/171)
نعم. المهم لا يقتضي التصحيح -هنا-، كما أنهم إذا قالوا: حديث طلق أضعف من حديث بسرة لا يقتضي أن الحديثين ضعيفان، أبدا. لا يلزم من هذا هذا؛ بل هم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، هم يستعملونها في الترجيح؛ لكن استعمالهم إياها للترجيح؛ مع عدم ملاحظة أصل المادة، فقد يكون الحديثين ضعيفين، يمكن هذا أرجح منه، أصح من هذا، يعني: أنه أرجح، وقد يكون الحديثان صحيحين ويقال: هذا أضعف. بمعنى: أنه أنزل منه درجة، فهو مرجوح بالنسبة إليه، ومثله إذا قلنا: نافع أضعف من سالم. هل يقتضي هذا تضعيف سالم ونافع؟ أبدا؛ بل هما في أعلى درجات القبول؛ لكن الأكثر على أن سالما أجل من نافع، وعلى هذا.. إذا نظرنا إلى ناحية الضعف قلنا: نافع أضعف من سالم، وهذه لا تقتضي التضعيف، كما أننا إذا قلنا: الإفريقي، أو ابن لهيعة أوثق من الإفريقي. لا يعني أن الراويين ثقتان. فهما يستعملونها على غير بابها؛ ولذا قال:
وقولهم أصح شيء فيه أو
أحسنه ليسوا ثبوته عنوا
بل زعموا أشبه شيء -يعني أرجح- أشبه شيء وأشد. أيش معنى أشد؟ نعم، جاءت في حديث الربا.. ولا تشفوا، يعني: لا ترجحوا، لا تزيدوا بعضها على بعض. وهنا إثبات المادة، يعني: يرجح، والمفضل راجح بغض النظر عن أن ينطبق عليه وصف أو لا ينطبق، على كل حال.. هو أولى وأوثق وأرجح مما فضل عليه، وأنه أقل ضعفا وأخف ضعفا.
قبول خبر الواحد
وليس في القبول شرطا العدد
بل اشتراط ذاك بدعة ترد
وليس العدد شرطا في قبول الخبر.
......................................
بل اشتراط ذاك بدعة ترد
تقدم في تعريف الحديث الصحيح، وتقسيم الصحيح، ذكر أو الإشارة إلى هذه المسألة، هو أن الصحيح: ما يرويه الثقة، العدل، الضابط، عن مثله؛ مع اتصال السند، والخلو من الشذوذ، والعلة القادحة.
وخبر الواحد مقبول بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم.(1/172)
واشتراط العدد في الرواية قول مرفوض عند أهل العلم؛ بل هو قول المبتدعة من الجهمية والمعتزلة، هم الذين لا يقبلون خبر الواحد.
وليس شرطا للصحيح، وليس شرطا للبخاري في صحيحه كما ادعاه بعضهم؛ ولذا ناظم النخبة لما ذكر الحديث العزيز قال:
وليس شرطا للصحيح فاعلم
وقد رمي من قال بالتوهم
وقد يفهم من كلام الحاكم أنه يومئ كلامه إلى أن هذا شرط؛ ولذا ناظم النخبة في بعض النسخ وهي صحيحة، يقول:
وليس شرطا للصحيح فاعلم
......................................
وقيل شرط وهو قول الحاكم
ليس بشرط أن الصحيح أصلا لقبول الحديث، وليس بشرط للبخاري في صحيحه؛ خلافا لما يزعمه بعضهم.
البيهقي يومئ كلامه في بعض المواضع أنه لا بد من العدد، الكرماني شارح البخاري في مواضع عديدة كرر أن العدد شرط البخاري في صحيحه، ابن العربي المالكي في "تحفة الأحوذي"، في حديث البحر، في أوائل الكتاب قال -لما نقل عن البخاري أنه صحح الحديث- قال: ولم يخرجه في صحيحه؛ لأنه من رواية واحد عن واحد. فيفهم من كلامه أن شرطه في كتابه أنه لا يخرج رواية واحد عن واحد -أي- أنه يشترط العدد، وهذا الكلام ليس بصحيح، وسبقت الإشارة إلى أن أول حديث في الصحيح، وآخر حديث في الصحيح يرد هذه الدعوى، حديث عمر حديث الأعمال بالنيات يرد هذه الدعوى وينقضها ويقوض دعائمها، حديث عمر لم يروه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب خطب به على المنبر، ولم يثبت عنه إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، وعلقمة لم يثبت عنه إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يثبت عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر. هذا أول حديث في الصحيح يبطل هذه الدعوى.(1/173)
آخر حديث في الصحيح.. حديث أبي هريرة: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا عن أبي هريرة، ولم يثبت عنه إلا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، ولم يثبت عنه إلا من طريق عمارة بن القعقاع، ولم يثبت عنه إلا من طريق محمد بن الفضيل، وعنه انتشر.
فهذان من أفراد الصحيح، ومن غرائب الصحيح، والصحيحان فيهما غرائب، هي ترد هذه الدعوى. نعم.
تقسيم المقبول من حيث العمل
المحكم والمعارض
تعريف المحكم والمعارض
ويقسم المقبول من حيث العمل
إلى معارض ومحكم استقل
فالمُحْكَمُ النَّصٌّ الذي ما عَارَضَهْ
نَصٌّ كَمِثْلِهِ بِحَيْثُ نَاقَضَهْ
فَمَنْ أَتتْهُ سُنَّةٌ صَحِيحَهْ
عِنِ النَّبِي ثَابِتةٌ صَرِيَحهْ
فَمَا لَهُ عَنْهَا عُدُولٌ الأَبَدْ
لأَيِّ قولٍ كانَ مِنْ أَيِّ أَحَدْ
وَغَيْرُهُ مَعارَضٌ إنْ أَمْكَنا
بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ فَقَدْ تَعَيَّنَا
كالأَمْرِ إِنْ عُورِض بِالجَوازِ فِيْ
تَرْكٍ لِمَأْمُورٍ إلَى النَّدْب اصْرِفِ
وَمِثْلُهُ النَّهْيُ لِكُرْهٍ صُرِفَا
بِحِلّ إِتْيَان وَحَظْرٍ انْتَفَى
واخْصُصْ بما خصَ عُموما وَرَدا
والْمُطْلَقَ احْمِلْهُ على ما قُيِّدَا
وهكذا فَاجْمَعْ بِلاَ تَعَسُّفِ
بل بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا فأَلِّفِ
ولا يَجُوزُ رَدُّكَ الْمُعَارَضَا
ما أَمْكَنَ الجَمْعُ بِوَجْهٍ يُرْتَضَى
يكفي، يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في تقسيم المقبول من حيثية أخرى، قسم المقبول إلى: الصحيح، والحسن. وعلى سبيل البسط إلى الصحيح لذاته، ولغيره، والحسن لذاته، ولغيره.
المقبول من حيث العمل يقسم إلى: محكم، ومعارض. وهو ما يسمى بمختلف الحديث، وإلى: ناسخ، ومنسوخ. وإلى: مجمل، ومبين. وعام، وخاص. ومطلق، ومقيد. ومنطوق، ومفهوم. تقاسيم معروفة عند أهل العلم، تشترك فيها علوم الكتاب والسنة.
فهنا..(1/174)
ويقسم المقبول من حيث العمل
إلى معارض ومحكم استقل
يقسم المقبول من حيث العمل إلى: معارض، ومحكم.
معارض: جاء خبر آخر يعارضه من حيث المعنى؛ وإلا المفترض فيه أن كلا منهما مقبول، يعني: صحيح أو حسن؛ وإلا فالضعيف لا يعارض به المقبول لا الصحيح ولا الحسن.
ومنه المحكم: المستقل الذي لا يعارض بشيء. يعني: استقل في حكم المسألة؛ بحيث لا يعارض هذا محكم، إذا جاء في المسألة حديثان متعارضان متضادان في الظاهر هذا هو مختلف الحديث.
فالمُحْكَمُ النَّصٌّ الذي ما عَارَضَهْ
نَصٌّ كَمِِثْلِهِ بِحَيْثُ نَاقَضَهْ
فالمُحْكَمُ النَّصٌّ الذي ما عَارَضَهْ . الذي لم يرد في المسألة ما يعارضه من حيث المعنى.
ما عَارَضَهْ نَصٌّ كَمِِثْلِهِ، يعني: في القبول، وعلى هذا.. فالضعيف لا يعارض به المقبول لا الصحيح ولا الحسن.
كَمِِثْلِهِ بِحَيْثُ نَاقَضَهْ . ناقضه في المعنى، ونعلم أن التعارض بين النصوص لا يمكن أن يوجد في الحقيقة، التعارض المعنوي الحقيقي في الباطن لا يمكن أن يوجد، قد يوجد في الظاهر بحسب فهم أهل العلم، بحسب الفهم من الحديثين المتعارضين؛ لكن في الحقيقة لا يوجد حديثان صحيحان متعارضان؛ ولذا يقول ابن خزيمة -إمام الأئمة-: لا يوجد حديثان صحيحان متعارضان، فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما. ابن خزيمة اشتهر في هذا الباب، ونقل عنه أمور كثيرة في هذا الصدد، وتراجم الأبواب في صحيحه فيها شيء من هذا، جمع بين الروايات المختلفة، وهذه ميزة في الكتاب، ونقل عنه في هذا الباب أشياء، ومختلف الحديث ألّفت فيه الكتب، وأول من كتب فيه.. الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في ثنايا كتاب "الأم" و"الرسالة"، وفي "الأم" جزء سماه: اختلاف الحديث، منهم من يرى أنه تصنيف مستقل في هذا الشأن، ومنهم من يراه بابا من أبواب "الأم".(1/175)
وعلى كل حال.. الكتب في الباب موجودة، "اختلاف الحديث" لابن قتيبة، "مشكل الحديث"، "مشكل الآثار" للطحاوي، و"مشكل الحديث" لابن فورك؛ لكن ينبغي أن يُعنى في هذه المسائل وفي غيرها بكتب أهل السنة، فإذا أشكل عليك حديث معارض لحديث آخر ترجع إلى "مشكل الحديث" لابن فورك وهو لا يسلم من شر البدعة، قد يجمع بين النصوص من وجهة نظره، فلنكن على حذر من هذا، ولتكن عنايتنا بالأئمة أهل التحقيق.
ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- مع أنه عرف في هذا الباب، ونقل عنه أشياء؛ إلا أنه ليس بالمعصوم من الخطأ، حكم على حديث ثوبان، حكم على حديث: لا يؤمّن رجل قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم هذا حديث حسن لا يؤمن عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم قال: هذا الحديث موضوع. لماذا؟ قال: لأنه معارض لما ثبت في الصحيحين من قوله -عليه الصلاة والسلام-: اللهم باعد بيني وبين خطاياي ويقول -عليه الصلاة والسلام- بين السجدتين: رب اغفر لي.. رب اغفر لي فهذه الأحاديث الصحيحة معارضة له،إذن.. ما هي صحيحة، يعني: خفي عليه وجه الجمع بينهما، ومن هذا نعلم أنه مهما أشيد بعالم أو بإمام، ومهما بلغت منزلته ورسوخ قدمه في العلم؛ إلا أنه لا بد أن يقع منه الهفوة والزلة، ولا بد أن يجانب الصواب في مسائل؛ لأنه ليس بمعصوم.
وهذا مثل الكثير من الأئمة خفي عليهم مثل هذا، وشيخ الإسلام يرى أن الحديث الذي يمنع الإمام من تخصيص نفسه بالدعاء خاص بالدعاء الذي يؤمّن عليه، كدعاء القنوت -مثلا-، يعني: هل يتصور أن يقول للإمام وخلفه الصفوف: اللهم اهدني فيمن هديت؟ نعم، هل يطيق المأموم سماع هذا الكلام؟ وينتظر من المأمومين أن يقولوا: آمين؟ هذا لا يجوز له أن يخص نفسه بالدعاء.(1/176)
فالدعاء الذي يؤمن عليه لا يجوز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء فيه، وعلى هذا يحمل الحديث. وغيره يرى أن الدعاء الذي لا يجوز تخصيص الإمام نفسه به.. الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم، الدعاء الذي يشترك فيه الإمام والمأموم بمعنى: أن المأموم يدعو دعاء الاستفتاح، فلا داعي أن يدعو له الإمام، المأموم يقول: رب اغفر لي وارحمني بين السجدتين؛ لكن في السجود لا يجوز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء؛ لأنه احتمال أن لا يدعو المأموم لنفسه في هذا الموضع، وإذا فرغ من التشهد يتخير من المسألة ما شاء لا يجوز له أن يخص نفسه بالدعاء؛ لكن كأن كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح.
إذا وجدنا حديثين متعارضين متضادين في الظاهر؛ و إلا في الباطن لا يمكن أن يثبت حديثان متعارضان في الباطن في الحقيقة، كما أن السنة لا تعارض القرآن ولا تناقضه، كما أن العقل الصريح لا يمكن أن يتعارض مع النقل الصحيح، لا يمكن بحال أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح -كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم: "درأ تعارض العقل والنقل"؛ لكن الفهوم والعقول قد يوجد فيها شيء من التعارض، فإذا وجد مثل هذا التعارض وهذا التضاد فإن أمكن الجمع بينهما تعين؛ لرفع هذا التعارض، وأهل العلم يسلكون مسالك للجمع قد لا تظهر في أول وهلة للطالب، وأحيانا يستضعفها الطالب أو غيره من أهل العلم لا يلوح له وجه التوفيق بين هذين الحديثين، إذا لم يظهر له وجه الجمع هناك مسالك أخرى ترد تباعا.
العدول عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم
فالمُحْكَمُ النَّصٌّ الذي ما عَارَضَهْ
....................................
هذا محكم.
....................................
نَصٌّ كَمِثْلِهِ بِحَيْثُ نَاقَضَهْ
فَمَنْ أَتتْهُ سُنَّةٌ صَحِيحَهْ
عِنِ النَّبِي ثَابِتةٌ صَرِيَحهْ
فَمَا لَهُ عَنْهَا عُدُولٌ الأَبَدْ
....................................(1/177)
لا يجوز له أن يعدل عن السنة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تحت أي تأثير، لا يجوز بحال أن نقدم على قوله -عليه الصلاة والسلام- قول أحد كائنا من كان، لا إمام معتبر ولا غيره ولا ضغوط حياة ولا شيء أبدا، قول النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الحكم على كل شيء؛ ومع الأسف نسمع من ينادي بإعادة النظر في السنة، ومقاييس نقد السنة، ويتطاولون على الأحاديث بآراء ملوثة، يعني: يمكن أن يرد حديث في الصحيح كمثل: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة بقول بعضهم: جولدا مائير هزمت العرب؟ رئيسة وزراء اليهود؟! ترد السنن الصحيحة الثابتة بمثل هذا؟! أو غاندي حكمت الهنود، وتاتشر حكمت الإنجليز؟! هل هذا يقوله من رضي بالله ربا؟! الله المستعان.
فَمَن ْأَتتْهُ سُنَّةٌ صَحِيحَهْ
عِنِ النَّبِيِّ ثَابِتةٌ صَرِيَحهْ
فَمَا لَهُ عَنْهَا عُدُولٌ الأَبَدْ
....................................(1/178)
مهما كان، نعم. قد يعجز عن تطبيق ما فيها، قد يعجز . تضمن أمرا؛ لكن ما يستطيع؛ لكن له أحاديث أخرى: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ليس معناه: أن من لم يستطع العمل بالحديث يرد الحديث أو يؤول الحديث؛ ولذا لما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- كثرة الخسف والمسخ في هذه الأمة في آخر الزمان، قال: إن المسخ يكون في طائفتين؛ لكن يهمنا منها الطائفة الأولى، وهي علماء السوء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل، ما أعجبه يأوله، ولأتباع المذاهب ممن يتعصب للأئمة عليهم كفل من هذا، تجده يرد السنة؛ لأنه لا يوافق أصول إمامه؛ حتى قال قائلهم: ولا يجوز العدول عن المذاهب الأربعة؛ ولو خالفت كتابا أو سنة أو قول صحابي. نعم، هذا وجد من بعض من يتسمى بالعلم؛ لكن هو في الحقيقة ليس من أهل العلم؛ لأن ابن عبد البر -رحمه الله- نقل الاتفاق على أن المقلد ليس من أهل العلم. ولا يجوز العدول عن أقوال الأئمة الأربعة؛ ولو خالفت كتابا أو سنة أو قول صحابي. ثم زاد الطين بلة بعد أن أراد أن يوضح، فزاد الأمر سوءا، يقول: لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر. نسأل الله السلامة والعافية، وهذا عند بعض الجهات كتبه تدرس، تدرس في بعض المذاهب، والله المستعان.
ومتعصبة المذاهب؛ سواء كانت الأصلية أو الفرعية لهم مواقف في رد بعض السنن؛ لأنها تخالف أصول مذاهبهم، فليكن المسلم على حذر من أن يخرج عن تحكيم الكتاب والسنة لقول أي كائن من كان.
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
والله ما خوفي الذنوب وإنها
لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من
تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها
لا كان ذاك بمنة الرحمن
فلتكن السنة قبلها الكتاب هي المعتصم الذي يعتصم به طالب العلم، وهي الملاذ الذي يفر إليه عند المضايق والأزمات.
فَمَا لَهُ عَنْهَا عُدُولٌ الأَبَدْ
لأَيِّ قولٍ كانَ مِنْ أَيِّ أَحَدْ(1/179)
في بعض كتب الآداب قد نُقلت عن شخص، في بعض كتب الآداب تقول: إذا كان رد السلام يذهب هيبة العالم أو هيبة القاضي أو كذا ما يرد السلام، ونقل عن شخص أنه يقول بهذا ويفعله، وروح سلم عليه ولا يرد، هو يعتمد مثل هذا، . والله لو قاله أبو بكر لرمينا به عرض الحائط، والله -جل وعلا- يقول: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا على أقل الأحوال، فكثير من الأحوال قد يخرج الإنسان فيها عن مثل هذا وهو لا يشعر، فعلينا أن نعنى بذلك عناية تامة.
إذا انتهينا من المحكم الذي لا يجوز عنه العدول بحال يأتينا المعارض.
الجمع بين النصوص المتعارضة ما أمكن
وَغَيْرُهُ مَعارَضٌ إنْ أَمْكَنا
بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ فَقَدْ تَعَيَّنَا
إذا أمكن الجمع بين النصوص المتعارضة فلابد منه، يعني: الخطوة الأولى: الجمع والتوفيق بين النصوص؛ لأننا إذا جمعنا ووفقنا بين النصوص عملنا بالنصوص كلها، أما إذا حكمنا بنسخ -مثلا- أو ترجيح فإننا نعمل ببعض النصوص دون بعض، نعمل بالناسخ ونعمل بالراجح ونترك المنسوخ ونترك المرجوح، فإذا أمكن الجمع تعين، يقول:
وَغَيْرُهُ مَعارَضٌ إنْ أَمْكَنا
بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ فَقَدْ تَعَيَّنَا(1/180)
يعني: من أوضح الأمثلة في حديث شداد بن أوس ويدعون هذا بالنسخ، في حديث: لا عدوى ولا طيرة وفي حديث: فر من المجذوم فرارك من الأسد لا يورد ممرض على مصح ؛ مع قوله: لا عدوى ولا طيرة أهل العلم جمعوا بين هذه النصوص، فمن قائل يقول: إنه لا عدوى، بمعنى: أن المرض لا يتعدى ولا يسري بنفسه من المريض إلى السليم؛ ولكن الله -جل وعلا- جعل مخالطة الصحيح للمريض سبب لانتقال المرض؛ و إلا فالأصل.. أنه لا عدوى، لا عدوى، المنفي أن يتعدى ويسري المرض بنفسه من المريض إلى السليم، فر من المجذوم فرارك من الأسد لا يورد ممرض على مصح هذا من أجل أيش؟ أن المخالطة سبب، سبب للانتقال، لا يعني أن المرض بنفسه ينتقل؛ لكن المخالطة سبب، والمسبب هو الله -جل وعلا-، والذي نقل المرض من المريض إلى السليم هو الله -جل وعلا- الذي هو المسبب، وعلى هذا.. هل تصلح مخالطة المرضى على هذا القول؟ يعني: هل مخالطة سليم لمريض مثل مخالطة سليم لسليم؟ هي سبب؛ ولذا جاء الأمر بالفرار من المجذوم، منهم من يقول: أبدا، مخالطة الصحيح للمريض كمخالطة الصحيح للصحيح، ولا أثر للمخالطة، فكونك تخالط فلانا المريض كمخالطتك لفلان الصحيح فيباشر المريض.
إذن النهي: فر من المجذوم لا يورد ممرض على مصح من باب سد الذريعة، عندك الحديث: لا عدوى صحيح، فإذا خالط الصحيح المريض، ومخالطته لا أثر لها البتة، فإذا خالطه وقد قدر الله -جل وعلا- أن يمرض هذا الصحيح بنفس المرض من غيره بغض النظر عن المريض الثاني، نعم. قد يقع في قلبه تكذيب لحديث: لا عدوى فلهذا أمر بالفرار منه؛ و إلا ما يجوز، المقصود أن المخالطة مطلوبة ولّا ممنوعة في الشرع؟ فر من المجذوم لا يورد ممرض على مصح صحيحة، فأنت تتقي، معنى تتقي السبب الذي جعله الله تعالى في مخالطة المريض والمسبب هو الله -جل وعلا-، أو تتقي؛ لئلا يقع في نفسك شيء بعد الإصابة بالمرض فتضطر إلى تكذيب الخبر الصحيح، وكلاهما ممنوع.(1/181)
كأن الأطباء يقررون أن التأثير موجود، تأثير المخالطة موجود، وهو ماش على القول الأول عند أهل العلم، وهي أن المخالطة سبب، وليست بسبب محقق كغيرها من الأسباب، قد يوجد المسبب عند حصول السبب، وقد يتخلف حصول المسبب مع وجود السبب؛ لوجود مانع مثلا.
على كل حال.. من جزم بأن المرض لا يتعدى بنفسه ولا يسري؛ وإنما الذي ينقل المرض من المريض إلى السليم هو الله -جل وعلا- له أن يختار هذا القول، بس إياه إياه أن يرى تأثير السبب استقلالا، كقول المعتزلة.
صرف الأمر من الوجوب إلى الجواز
وَغَيْرُهُ مَعارَضٌ إنْ أَمْكَنا
بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ فَقَدْ تَعَيَّنَا
كالأَمْرِ إِنْ عُورِض بِالجَوازِ فِي
تَرْكِ لِمَأْمُورِ إلَى النَّدْب اصْرِفِ
الأمر، الأصل فيه الوجوب، ومن أوضح الأدلة على هذا قوله تعالى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ دل على أن مخالفة الأمر تعريض للعقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك الواجب، ومن الأدلة على ذلك حديث لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وفي الحديث الآخر عند كل وضوء فأمر الاستحباب ثابت إذا الأمر بيّن أمر الوجوب، إذا تقرر هذا وأن الأمر للوجوب فقد يرد الأمر ثم يرد مخالفة لهذا الأمر مما يدل على جواز الترك.
كالأَمْرِ إِنْ عُورِض بِالجَواز فِي
تَرْكٍ لِمَأْمُورٍ إلَى النَّدْب اصْرِفِ
وكثيرا ما تقرءون في الكتب الأوامر الصريحة من النبي عليه الصلاة والسلام ثم ترون قول الجمهور أن هذا الأمر للاستحباب، هذا أمر استحباب لا بد للوجوب صارف، وإلا فالأصل الأمر بالوجوب، قد يبحث طالب العلم يجد صارفا فيعجز عن وجود صارف . ثم ينظر في المسألة وإذا بالأئمة الأربعة وأتباعهم يقولون بالاستحباب ثم لا تجد من يقول بالوجوب مثلا إلا أهل الظواهر.(1/182)
يعني أن نقول أن الأئمة وجدوا صارفا ونتهم أنفسنا بالتقصير في البحث عنه، أو أن نقول الأصل في الأمر الوجوب ولا علينا من الأئمة إلا أن نجد صارفا، نعم لو وجد إجماع على أن الأمر للاستحباب قلنا يوجد صارف ولو لم نقف عليه . كما أنه إذا أجمعوا . على نسخ حكم ولا يوجد ناسخ ولو لم نقف عليه . كما سيأتي، لو حصل إجماع قلنا أن الأمر للاستحباب وقطعا يوجد صارف ولو لم نقف عليه، نعم، فوجدنا الظاهرية يقولون بالوجوب أو من العلماء المتأخرين مثلا، الصنعاني الشوكاني هؤلاء لهم عناية في العمل بالسنة مع تركهم لقواعد أهل العلم أحيانا .
يعني هم يعملون بالقواعد العامة لكن إذا جاءت قواعد خاصة تجدهم يتمسكون بالأصل، يتفقون على أن الأمر للوجوب ثم ما تجد خارج الوجوب إلا ظاهرية أو الشوكاني أو الصنعاني، وأحيانا الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى قد تجد له قول بالوجوب لأن النص دل على الوجوب والأئمة كلهم قالوا بالاستحباب، فهل نعتمد قول الأئمة وأتباعهم ونتهم أنفسنا، أو نقول الأصل في الأمر الوجوب، ونعمل به حتى نجد صارفا، أما من لم يعتد بقول الظاهرية هذا ما عنده مشكلة، يعني وجود قولهم مثل عدمه. كما قال النووي، ولا يعتد بقول داود لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، لكن فيمن يعتد بقول الظاهرية، وأنهم يخدشون الإجماع إذا خالفوا.(1/183)
فهل نقول مقتضى الأصل أن الأمر للوجوب مهما كثر القائلون بصرفه عن الوجوب، ما لم نطلع على الصارف، وهذا يواجهكم. كثيراً في المسائل، يواجهكم . في كتب الفقه و يواجهكم . في كتب الشروح، كثير هذا، ماذا نقول؟ نعم ..... الوجوب يعني هذا الأصل، ولو خالف الأئمة الأربعة كلهم بأتباعهم إلى يومنا هذا خلال اثني عشر قرن أو أكثر، كلهم قالوا بالاستحباب، في كتبهم كلها التي تداولها الناس ملايين مئات آلاف الملاين تداولوها، وقالوا بالاستحباب ولا واحد منهم خالف، نعم، ....... ما وجدودا صارف كل الكتب التي بين أيدينا ما وجدوه، يعني نقول بقول الظاهرية، ولا نتهم أنفسنا يمكن الصارف في كتب ما وصلت إلينا يمكن أنا قصرنا في البحث، نعم ...... هو قرينة لكن هل نقول إن اتفاق هؤلاء الأئمة وأتباعهم وفي أتباعهم الأئمة المحققون، لا شك نجد من يخالف الشافعي من الشافعية، البيهقي والنووي وغيرهم يخالفون الشافعي ونجد من يخالف أحمد من الحنابلة، نجد من يخالف مالك من أتباعه.
نجد مثلا أبو حنيفة يخالفه صاحباه في كثير من المسائل، هل في هذه المسألة اتفقوا كلهم؟ ما عندنا إلا الظاهرية، نعم ..... نعمل بقول الأئمة، ما في شك أن الجبن أحيانا فيه خير، نعم .......، لا ما هو بإجماع يعني الذي لا يعتد بقول الظاهرية يقول بالإجماع، وينقل النووي الإجماع . كثيرا، والظاهرية قولهم معروف، الأصل الدليل، واتهام النفس أيضا له نصيب وتجدوه في كثير من هذه المضايق، نعم .... تجد من أهل العلم وطلاب العلم فيهم الجريء ولا عليهم الأئمة ولا أتباعهم .يقول عندك نص خلاص ما يعرف . فيهم الجريء نعم.....، تجد شيخ الإسلام مثلا ومن مثل شيخ الإسلام.(1/184)
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول "أحابستنا هي" وشيخ الإسلام يقول لا تحبس الرفقة . لكن أهل العلم والإمامة في الغالب لا تكون إلا بها يعني إذا وضع الدليل نصب عينيه ولم يلتفت إلى أحد لكن لا بد من الإحاطة والاطلاع والمعرفة والفهم والحفظ، ما هي جرأة زائفة من لا شيء كيف يفتح الباب للطلاب على ما سيأتي في تحذير الشيخ رحمه الله تعالى على من القول على الله بغير علم ما يفتح المجال لمثل هذا ولذلك تجدون المخالفين في كثير من القضايا يتبعوا أهل الجرأة وهم الذين ينبغون وتحفظ أقوالهم وينالون الإمامة، أنا سألت الشيخ عبد العزيز -رحمه الله تعالى- عن هذه المسألة لأنها تواجه بكثرة يعني يحز في النفس أننا كم عشنا؟ اثنا عشر قرنا من الزمان يعني ما خالفوا في هذه المسألة ... قال الحق في الدليل وإن خالفهم من خالفهم، ومع ذلكم لا تجدون الشيخ رحمه الله له أقوال يخالف فيها الأئمة إلا القليل النادر.
كالأَمْرِ إِنْ عُورِض بِالجَواز فِي
تَرْكٍ لِمَأْمُورٍ إلَى النَّدْب اصْرِفِ(1/185)
طيب الأمثلة على هذا كثيرة جدا يعني كتب الفقه وكتب علوم اللغة لكن يلفت النظر مثال يمثل به بعض الأصوليين بمثل هذه المسألة يمثلون بحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم هذا يدل على وجوب الغسل، جاء في حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل يدل على جواز على أن الوضوء يكفي، عثمان رضي الله عنه لما دخل وعمر رضي الله تعالى عنه يخطب ذكر أنه لم يغتسل ولم يتوضأ نعم، قال والضوء أيضا، الصوارف كثيرة لكن أقول هل مثل هذا يصلح مثالا ولّا ما يصلح؟ يصلح ولّا ما يصلح؟ ... لماذا .... كيف لا لا.... نقول الأمر للوجوب الأصل فيه الوجوب إن جاءنا صارف نصرف هذا الأمر افعلوا إلى أنه على سبيل التوجيه والإرشاد وليس على سبيل الإلزام، لكن قوله واجب هل يمكن صرف هذه الكلمة واجب يمكن صرفها وهي كلمة واحدة ليست أمرا تحتمل الوجوب وغير الوجوب، إذا قال افعلوا هذا الأمر يحتمل الوجوب و الاستحباب، لكن كلمة واجب تحتمل ولّا ما تحتمل؟ بحيث نصرفها من كذا إلى كذا؟ ما تحتمل نص في الوجوب، الذي يمكن صرفه اللفظ المحتمل اللفظ المحتمل للأمرين الوجوب والاستحباب، أما اللفظ المعين لاحتمال واحد بحيث لا يحتمل أمر آخر ما يتصرف إلا إذا بحثنا في معنى الكلمة وهو معنى الوجوب وإذا قلنا إن معنى الوجوب في الحديث ليس معناه الوجوب الاصطلاحي فيكون الحديث من الأصل ما يدل على الوجوب، فليس بحاجة إلى صارف.(1/186)
بدي الإخوان ينتبهون لمثل هذا لأن هذه من دقائق العبادة، يمثلون يتواطئون على التمثيل بهذا في كتب الأصول كثير، حتى في كتب علوم الحديث وغيرها، لكن الكلام فيما إذا ورد صارف لنص يحتمل أمرين يحتمل الوجوب وعدمه، نعم.......، إذا قال افعل. الأمر الأصل فيه الوجوب ويحتمل أن يكون للاستحباب، نعم.....، الأمر الأصل فيه الوجوب والاحتمال الثاني أن يكون للاستحباب لكن لا بد لمخالفة الأصل من صارف يصرف من الوجوب إلى الاستحباب كون اللفظ الواحد الذي لا يحتمل.. يعني إذا حملناه على الوجوب من الأصل ما فيه صارف، نص في الموضوع، نعم .... نص في الموضوع.
يعني إذا قيل لك مثلا: الشرب قائما حرام. ثم نقول النبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه شرب قائما، هل نقول كلمة حرام هذه صرفت من التحريم إلى الكراهة؟ يمكن صرفها وهي كلمة لا تحتمل، ما تحتمل إلا التحريم، لكن النهي عن الشرب قائما يحتمل النهي أن يكون للتحريم أو أن يكون للكراهة فجاء ما يصرفه.
ظاهر ولّا ما ظاهر، إذا بحثنا في دلالة الكلمة، التي هي واجب هل كلمة واجب في أصل شرح النصوص هي التي تعنيها هذه الكلمة في اصطلاح العلماء.(1/187)
يعني في لغة العرب إذا قيل: حقك واجب علي. نجد بعض الناس تقول لشخص كبير حقك واجب علي. هل معنى هذا أنك تأثم إذا ما أديت شيئا من حقوقه؟ إذا نظرنا إلى الحقائق الشرعية مع الحقائق العرفية والاصطلاحية نجد فيها شيء من التباين، وبهذا تنفك الجهة، إذا أقسم لك واحد عمره كله ما شاف جمل أصفر تقول يا أخي تكذب القرآن كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ تقول له هذا الكلام، يقسم بالله العظيم أنه ما رأى جمل أصفر، ومراده بالأصفر الأصفر المتعارف عليه الآن، وين أصفر شوف الكتاب الذي فيه أصفر خلف الكتاب .. فيه جمل بهذا اللون؟ ....... لكن لو قال مثلا أنا عمري كله ما رأيت جمل أصفر، نقول يا أخي أنت وقعت في أمر عظيم القرآن يقول: (كأنه جمالات صفر) اختلاف الحقائق العرفية مع الحقائق الشرعية في مندوب حمل لهذا فليتبين هذا.
صرف الأمر من التحريم إلى الكراهة
كالأَمْرِ إِنْ عُورِض بِالجَواز فِي
تَرْكٍ لِمَأْمُورٍ إلَى النَّدْب اصْرِفِ
وَ مِثْلُهُ النَّهْيُ لِكُرْهٍ صُرِفَا
....................................
يعني النهي الأصل فيه التحريم: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه النهي الأصل فيه التحريم.
وَ مِثْلُهُ النَّهْيُ لِكُرْهٍ صُرِفَا
بِحِلٍّ إِتْيَان وَحَظْرٍ انْتَفَى
نعم الأصل في النهي التحريم، قد يأتي ما يدل على جواز الفعل، فإذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام دل على أنه للكراهة لا للتحريم، ومثل هذا النهي عن الشرب قائما، جاء النهي عن الشرب قائما وجاء التشريب فيه : من شرب قائما فليقئ نعم، ثم ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه شرب قائما فدل على أن النهي للكراهة لا للتحريم، فهذا صارف.
الأصل أن نهيه مع شربه فيه تعارض، فيه تعارض ولّا ما فيه تعارض؟ فيه تعارض في الظاهر لكن يجمع بينهما أن النهي يحمل على التنزيه لا التحريم، والفعل يدل على الجواز، وقلنا مثل هذا في الأمر.
تخصيص العموم وتقيد المطلق
واخْصُصْ بما خصَ عُموما وَرَدا(1/188)
والْمُطْلَقَ احْمِلْهُ على ما قُيِّدَا
عندنا عام وخاص ومطلق ومقيد، واخْصُصْ بما خصَ يأتيك نص عام، ثم يرد ما يخصصه، والعام ما يشمل أفرادا، والتخصيص إخراج بعض الأفراد بدليل، والمطلق ما يشمل أوصاف والتقييد تقليل لهذه الأوصاف، فعندنا العام والخاص، فاللفظ العام لفظ شائع يشمل أفرادا متعددة، ثم إذا جاء نص الخاص ببعض الأفراد، فلا يخلو إما أن يكون الحكم أعني حكم الخاص موافق لحكم العام، فمثل هذا يخصص به أو لا يخصص؟ إذا كان الحكم موافقا، نعم ...... إذا قال أعط بني تميم ثم قال أعط زيدا، هل معنى هذا ألا نعطي إلا زيد، نعم ... إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ نوح خاص والنبيين عام.
فالحكم واحد موافق لحكم العام وهو في مثل هذه الصورة لا يخص به ولا يقصر عليه، وإنما يذكر الخاص للاهتمام بشأنه والعناية به، فإذا قيل أعط بني تميم ثم قيل بعد ذلك أعط زيدا، لا يقتضي التخصيص، يعني لو عندنا في وصية وصية مثلا هذا العقار وقفه ريعه على بني تميم مثلا ثم بعد ذلك يعطى طلاب العلم منهم كذا، هل غير طلاب العلم من بني تميم، نعم ... ، ما يعطون ولا يعطون؟ لكن التنصيص على الطلاب العلم للاهتمام بشأنهم والعناية بهم، لكن لو كان الحكم مخالفا لحكم العام قلنا بحمل العام على الخاص، فلو قيل مثلا أعط بن تميم ثم قيل لا تعط العزاب من بني تميم، قلنا إن هذا الموصي يشجع على الزواج، وحينئذ لا يعطى العزاب لأن الحكم يختلف، حكم الخاص يختلف عن حكم العام، وقل مثل هذا في المطلق والمقيد، يأتيك لفظ مطلق ثم يقيد ببعض الأوصاف.
حمل المطلق على المقيد
والْمُطْلَقَ احْمِلْهُ على ما قُيِّدَا
....................................(1/189)
وهذا من أوجه الجمع، فلا يبطل النص بالكلية وإن كان رفع لبعض أفراده بهذه الطريقة، بعض أفراد العام يرفع بالمخصص، وبعض أوصاف المطلق ترفع بالقيد الذي يذكر في النص المقيد، لكن قد يعترينا أمور تشكل علينا مع هذا، يكون التعارض من أكثر من وجه، ما يكون التعارض وجهي بين نصين، يكون التعارض وجهي بمعنى أن هذا يكون أعم من وجه وأخص من وجه، والثاني أعم من وجه وأخص من وجه، كما في مسألة فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي وهذه مسألة بسطت كثيرا في مناسبات كثيرة، لكن قد يكون التعارض من وجه آخر، عندك عام وخاص، نعم. لكن العام منطوق والخاص مفهوم، هذا له وجه قوة وله وجه ضعف، وهذا له وجه قوة وله وجه ضعف.
إن الماء طهور لا ينجسه شيء هذا عام، إن الماء طهور لا ينجسه شيء وهو منطوق في المجامير، الماء لا يؤثر فيه شيء، مهما وقع فيه من النجاسات؛ إلا بالاستثناء الذي دل عليه الإجماع، إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه، وأما الاستثناء في النص فهو ضعيف باتفاق الحفاظ.
هذا المنطوق بعمومه هو عام، هذا المنطوق بعمومه معارض بمفهوم خاص، حديث القلتين: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث عند من يصححه، منطوقه: أنه إذا بلغ الماء قلتين فأكثر أنه لا يتأثر. فمنطوقه موافق لحديث أبي سعيد أن الماء طهور لا ينجسه شيء ؛ لكن مفهومه: أنه إذا لم يبلغ القلتين أنه يحمل الخبث؛ ولو لم يتغير، وهذا المفهوم مخالف لمنطوق حديث أبي سعيد؛ وهو وإن كان المفهوم خاصا والمنطوق عاما؛ نعم.
إلا أنه فيه معارضة، فهل يقدم منطوق حديث أبي سعيد على مفهوم حديث ابن عمر في القلتين؟ أو يقدم الخاص وإن كان خصوصه بالمفهوم، نعم. على عموم حديث أبي سعيد وإن كانت دلالته في العموم؟ فما الذي يقدم؟ يعني مسألة عام وخاص أمرها سهل يعني ما تشكل على آحاد الطلاب، العموم والخصوص الوجهي ضربنا له أمثلة وأظن الإخوان ملو الكلام فيه، نعم. في مناسبات كثيرة؛ لكن يبقى مثل هذا.(1/190)
نعم....، نعم هو يحتج بمفهوم المخالفة، الحنابلة والشافعية يحتجوا ومالك بمفهوم المخالفة؛ لكن عندنا منطوق ومفهوم أيهما أقوى؟ المنطوق أقوى من المفهوم، وعندنا عام وخاص أيهما أقوى؟ الخاص أقوى، فمن رجح حديث المفهوم حديث القلتين قال: لأنه خاص فيخصص به عموم حديث أبي سعيد، ومن رجح عموم حديث أبي سعيد قال: هو منطوق، حديث القلتين مفهوم، والمنطوق أقوى من المفهوم، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عندكم والشافعية والحنابلة رجحوا مفهوم حديث القلتين، وعملوا به وخصصوا به حديث أبي سعيد، شيخ الإسلام عمل بمنطوق حديث القلتين، ولم يعمل بمفهومه؛ لأنه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد، وهو قول المالكية.
لكن هل نستطيع أن نجد مرجحات لما رآه شيخ الإسلام من إلغاء المفهوم؟ إلغاء المفهوم إذا عورض بمنطوق ولو كان عاما، نعم. كلهم أئمة مجتهدون فعندك مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة، أئمة كبار ، نعم.... كيف؟ الأصل أن المفهوم معتبر، المفهوم معتبر؛ لكن إذا عورض بمنطوق أقوى منه، نعم. يلغى، مثلا في قوله -جل وعلا-: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ مفهومه: أنك لو استغفرت واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم؛ لكنه معارض بالمنطوق: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ لو استغفرت ألف مرة، الباب مقفل، محسومة المسألة، فألغينا المفهوم لمعارضته للمنطوق، طيب لو . أضعافا مضاعفة، مفهومه إذا لم يكن أضعافا مضاعفة ضعف ولا ضعفين، نعم. يعني الألف بألف وخمسمائة ما في أضعاف، نعم. مفهوم الآية: أنه يجوز لك؛ لكنه معارض بمنطوقات كثيرة، تدل على أن الربا حرام؛ مهما قلت نسبته، فإذا عورض المفهوم بالمنطوق فإنه حينئذ يلغى المفهوم، وحينئذ يكون الكلام لا مفهوم له.(1/191)
طبعا بدأنا متأخرين، عفوا على تأخرنا؛ مع أن الليل في الصيف قصير، وكثير من الإخوان يصير عنده ارتباطات في الإجازة؛ لكن إن رأيتم نستمر نستمر، يعني نقف على النسخ؟ نعم....
الجمع بين النصوص
يقول:
وهكذا فَاجْمَعْ بِلاَ تَعَسُّفِ
....................................
بلا تعسف يعني: ابحث عن وجوه الجمع المقنعة الواضحة، ولا تتعسف للتوفيق بين النصوص من أجل اتباع فلان أو علان، لا تتعسف، اجمع بوجوه معتبرة بين أهل العلم؛ ولهذا تجدون في أوجه الجمع بين النصوص عند أهل العلم فيها أشياء ضعيفة، تجد بعض الأتباع لا بد أن يوجد وجه للجمع وإن لم يكن وجها وجيها؛ ولذا قال:
وهكذا فَاجْمَعْ بِلاَ تَعَسُّفِ
بل بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا فأَلِّفِ
بالمناسبة.. الأتباع -أتباع المذاهب- يتعاملون مع نصوص أئمتهم كتعاملهم مع نصوص الكتاب والسنة، يجمعون بين أقوالهم، إذا كان للإمام أكثر من قول في المسألة، لا بد أن يوجدوا جمع، مخرج؛ ولو بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد هذا كلامهم بالنص ما هو اغتياب، فإن لم يوجد وجه للجمع نظرنا المتقدم والمتأخر؛ و إلا فأقربهم من أصوله وقواعده، يقولون مثل هذا الكلام.
وهكذا فَاجْمَعْ بِلاَ تَعَسُّفِ
بل بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا فأَلِّفِ
بعض الناس يريد أن يجمع، فيكون له ملحظ لا يوافق عليه، ملحظ لا يدل عليه الخبر، وهو يريد بذلك أن يوجد مبررا لالتزامه بمذهبه وقد يند الفهم، قد يكون قصده الحق؛ لكن يخطئ، ما كل من أراد الحق وقصده يصيبه.
لا يجوز رد المعارض إذا أمكن الجمع
ولا يَجُوزُ رَدُّكَ الْمُعَارَضَا
ما أَمْكَنَ الجَمْعُ بِوَجْهٍ يُرْتَضَى(1/192)
ولا يَجُوزُ رَدُّكَ الْمُعَارَضَا: النص المعارض لا يجوز أن ترده ما أمكن الجمع، يعني إذا أمكن الجمع وجب المصير إليه، ما أَمْكَنَ الجَمْعُ بِوَجْهٍ يُرْتَضَى من غير تعسف كما أشار الشيخ -رحمه الله-، فإذا أمكن الجمع بوجه ظاهر يدل عليه الخبر، فيتعين حينئذ ويجب المصير إليه؛ لأن في الجمع عملا بالنصين؛ لأن الجمع عملا بالنصين، وأما حمل العام على الخاص فيه إخراج لبعض الأفراد، حمل المطلق على المقيد فيه إخراج لبعض الأوصاف، القول بالنسخ ترك التخصيص والتقييد في نسخ جزئي، والنسخ رفع كلي للحكم، فعلى كل حال.. الجمع إذا أمكن من غير تعسف وجب المصير إليه.
أنت وقفت على هذا؟ أي نعم. لا، نقف عليه، نعم. الدرس المقرر ساعة ونصف؛ بحيث لا يمل الإخوان ولا مثل ما ذكرنا الوقت قصير والمسافات بعيدة ونقف على هذا إن شاء الله تعالى.
....
السلام عليكم.. في مسألة التعارض بين النصوص، يخصص القول الراجح؟
المفهوم ضعيف، والمنطوق أقوى منه بلا شك، يبقى عندنا مسألة العام والخاص. لا شك أن الخاص أقوى من العام؛ لكن النصوص التي أوردناها من المسائل التي يتفق أهل العلم على تخصيص، نعم. على عدم التخصيص بالمفهوم مثل: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ مثل لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً يدل على أن التخصيص بالمفهوم فيه ضعف.
..............................؟
أي نعم. يقول المفهوم ملغى، ما يعمل بالمفهوم في حديث القلتين؛ لهذا الأمر؛ لأن المفهوم ضعيف، ومعارض بمنطوق، فإذا عورض المفهوم بالمنطوق يلغى المفهوم ويكون الكلام لا مفهوم له.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: ما أهمية علم المصطلح في هذا الزمان؟ هل له فائدة أم لا؟
أولا: هذا الزمان كغيره من الأزمان التي يتناولها الحث على طلب العلم، ومن خير ما تصرف فيه الأعمار.. طلب العلم.(1/193)
ومن أهم العلوم علم السنة، بعد علم الكتاب.. علم السنة. والسنة لا يعرف صحيحها من ضعيفها إلا بواسطة علوم الحديث، وعلم المصطلح، يعني هو من الأهمية؛ بحيث لا يخفى على أحد المتعلمين، إذا كان موضوع علم المصطلح: معرفة الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود مما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الأسوة والقدوة فكيف يتجه مثل هذا السؤال؟ نعم. قد يقول قائل: كثير ممن درس هذا العلم استمروا يقلدون في أحكامهم على الرواة وفي أحكامهم على الأحاديث، فإذا كان التقليد لازما لطالب العلم فلماذا يدرس هذه الوسائل التي بها يدرك الصحيح من الضعيف؟ نقول: إذا رضي لنفسه بالتقليد فليرض لنفسه -أيضا- بتقليد الأئمة في الأحكام -أيضا-، ولماذا يدرس علم الأصول؟ ثم بعد ذلك يتسلسل الأمر إلى أن يقول: أكتفي بسؤال أهل العلم.
وبهذا يكون عاميا، وكلامي موجه لمن يريد طلب العلم بعد أن سمع من النصوص ما يحثه على ذلك ويرغبه فيه، فلا مندوحة لطالب العلم الذي عنده العزيمة على طلب العلم الشرعي لا مندوحة له من دراسة المصطلح، وأصول الفقه، وعلوم العربية، وعلوم القرآن، كل هذه مما لا بد لطالب العلم معرفته، وهي تعين على فهم الكتاب والسنة، وهي وإن لم تكن مقاصد إلا أنها وسائل لفهم الكتاب والسنة.
يقول: الرجل يملك سيارة؛ وعليه ديون؛ فأراد أن يبيعها لرجل آخر لِيَسُدَّ ديونه، ثم بعد ذلك يشتريها منه هو ورجل آخر بالتقسيط، فهل هذا من بيع الْعِينة؟
هذه عكس مسألة العينة؛ مسألة العينة: يشتريها ممن يملكها بثمن مرتفع؛ ثم يبيعها عليه بثمن أقل..هذه مسألة العينة.. هذه عكس مسألة العينة؛ يبيعها على شخص يُسَدِّدُ بقيمتها ديونه؛ ثم بعد ذلك يشتريها منه هو ورجل آخر، يعني: شركة بينهما بالتقسيط؛ هذه عكس مسألة العينة؛ وفيها من التحايل على الربا ما في مسألة العينة.(1/194)
يقول: إن الإخوة المنظمين للدورة: السلام عليكم ورحمة الله- أرجو منكم طرح هذا السؤال في أقرب فرصة -هذه تريد الجواب مكتوبا.. تُعَلَّقُ الفتوى على بوابة مدخل النساء لأهميتها.
هذه تقول: هناك بعض الأخوات ممن لديهن عذر شرعي؛ يأتين للمسجد لضرورة حضور الدورة للاستفادة؛ وحبا في الخير؛ وخشية فوات العلم؛ ويجلسن على درج المسجد الداخلي.. فهل الدرج من المسجد؛ وهل يحل لهن الجلوس فيه؟ نأمل منكم توضيح الأمر، وتيسيير مكان للأخوات؟
أولا: إذا كان هذا الدرج داخل سور المسجد؛ فحكمه حكم المسجد، والمرأة التي عليها الدورة المعذورة-مثل هذه- تعتزل مكان الصلاة الذي هو المسجد، فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد، ولقوله -عليه الصلاة والسلام- وليعتزل الْحُيَّضُ المصلى وهل يحل لهن الجلوس فيه؟ نأمل منكم توضيح هذا الأمر، وتيسيير مكان للأخوات؟ إن كان لا يجوز لهن دخول المسجد وجزاكم الله خيرا.على الأخوان المشرفين على المسجد وأعماله وأنشطته، لا بد أن ييسروا هذا الأمر.
يقول: هناك بعض الأخوات يحضرن ومعهن أطفالهن؛ يشوشن على الحاضرات بلعب الأطفال وزعيقهم .(1/195)
هذه أيضا إذا لم تتمكن من الحضور إلا بطفلها الذي يزعج الناس ويشغلهم عن تحصيل العلم، هذه جلوسها في بيتها، وسماعها الدرس من الأشرطة، أو من غيرها أفضل في حقها؛ لأن ضرر الأولاد مُتَعَدٍّ إلى غيره، وإنْ خُصِّصَ لذوات الأطفال مكان كذوات الأعذار؛ فلا بأس. لكن مثل هؤلاء النسوة اللاتي معهن أطفال يصدر منهم أصوات يشغلون الناس، بحيث لا تتمكن الحاضرة من سماع الدرس، فمثل هذا يُمْنَعُ حضورها، نعم حضرن الصلاة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع صياح وبكاء الصبي، ويخفف الصلاة من أجله، نعم، والصلاة أيضا مما يطلب لها راحة البال. لكن يبقى أن الحضور إلى الصلاة، والحث عليه ما هو مثل الحضور إلى الدروس، الدروس تحتاج إلى مزيد من تفريغ البال للفهم، الدرس يحتاج إلى الفهم.
يقول: هل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أسفل من الكعبين ففي النار يُخَصَّصُ بقوله من جر ثوبه خيلاء بهذا يحمل الأول إن كان بلا خيلاء على الكراهة؟
هذا من باب الإطلاق والتقييد؛ في النص الأول مطلق.. لم يقيد بالخيلاء، وفي الثاني مقيد بالخيلاء؛ وحَمْلُ المطلق على المقيد له صور؛ لكنها منها: إذا اختلفا في الحكم والسبب لم يُحْمَلِ المطلق على المقيد، وهنا اختلفا في الحكم والسبب، حكم مجرد جر الثوب، أو إنزال الثوب إلى أسفل من الكعبين هذا في النار، وهو أخف مِنْ حكم مَنْ جر ثوبه خيلاء، فالحكم مختلف، والسبب مختلف، فهذا مجرد إنزال للثوب، وهذا مقترن بالخيلاء.. فإذا اختلفا في الحكم والسبب لا يُحْمَلُ المطلق على المقيد.
يقال: إن هناك شرحا لشيخ الإسلام على عمدة الأحكام، يقول: فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؟
لا لا؛ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- إنما شرح العمدة، عمدة الموفق، عمدة الفقه.
يقول: ما هي المتون التي يتدرج فيها الطالب في علم المصطلح؟(1/196)
الطالب يتدرج في المتون من الصغير إلى المتوسط، إلى الكبير، لكن بالنسبة للقواعد النظرية لعلم المصطلح يكفي الطالب ثلاثة كتب، يبدأ بالنخبة يحفظها، ويقرأ ما كُتِبَ حولها، ويسمع الأشرطة، ويناقش ما يُشْكِلُ عليه، ثم بعد ذلك اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، مع حاشية الشيخ أحمد شاكر عليه.. ومع الشروح التي سُجِّلَتْ عليه، ثم بعد ذلك يجعل همته لألفية العراقي فيحفظها، ويقرأ شروحها، وإذا كان عليها أشرطة مسجلة يُعْنَى بها؛ وإذا أشكل عليه شيء يسأل عنه، وإن كان هناك دروس مقامة لشرحها؛ فليلزمها؛ فكل الصيد في جوف الْفِرَا، والله المستعان.
يقول: ذكرتم أن ابن القيم ذكر أن المسخ يكون في طائفتين؛ الأولى: علماء السوء .
لا شك أن الْأُولى: علماء السوء الذين يُبَدِّلُون الدين بالتحريف والتأويل؛ والثانية: ذَكَرَ الحكام الظلمة.
يقول: أنا إنسان عامِّيٌّ، وأحضر هذه الدروس، وأنا لا أفقه ما يقوله المشايخ، فهل يعني..
هل يدخل -مفاد كلامه- في حديث ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله . ؟
بلى.. يدخل، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
ما حكم أن يتسمى الرجل بالحنبلي والشافعي أو غير ذلك على سبيل حُبِّهِ، لا على سبيل اتباعه، في كل صغيرة وكبيرة ؟
على كل حال إذا كان مُتَّبِعًا لهذا الإمام لرجحان أقواله عنده؛ وهو من أهل التقليد، في حُكْمِ العامِّيِّ يعني: ممن لم يتأهل للنظر في النصوص؛ هذا ينتسب إلى المذاهب لا بأس. وكم انتسب إلى المذاهب من الكبار! وعلى كل حال مسألة الانتساب إن كانت بحق ومن يتبع هذا الإمام لكونه لم يتأهل فهذا حكاية واقع ما فيها شيء، وانتسب كذلك أئمة كبار في كل مذهب، أما إذا كان ينتسب، وهو لا يعرف من مذهب الإمام شيئا، ولا يُعنى بمذهب هذا الإمام فهو كاذب في انتسابه.
هل يلزم من الناسخ والمنسوخ الاتحاد في الرتبة والقوة أم لا؟
لعله يَرِدُ إن شاء الله -تعالى- في بحث النسخ.(1/197)
يقول: ما درجة الحديث الذي يفيد أن من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة ؟
هذا الحديث مما اخْتُلِفَ فيه، والذي يغلب على الظن أنه لا ينزل عن الحسن، إن شاء الله -تعالى- وصححه بعضهم؛ ومَنْ جلس حتى تنتشر الشمس فقد اقتدى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يجلس -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح؛ صحيح مسلم؛ حتى تنتشر الشمس؛ ثم إذا صلى هاتين الركعتين بنية الضحى حصل له الأجر إن شاء الله -تعالى- ثبت الخبر أو لم يثبت.. له أجر صلاة الضحى، وله أجر المكث إلى انتشار الشمس اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين لما ذكر طريقة الأبرار وطريقة المقربين؛ كلكم تعرفون أن الأبرار في منزلتهم دون منزلة المقربين؛ قال عن الطائفتين: كلهم يجلسون بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس؛ كلهم يجلسون.. لكن الأبرار يُصَلُّون قبل الانصراف، والْمُقَرَّبُون: إن شاءوا صلوا، وإن شاءوا انصرفوا بدون صلاة هاتين الركعتين؛ فما السبب في التفريق بينهما؟ وما الذي يفيده كلام ابن القيم؟ هل يفيد ثبوت الحديث أو لا يفيده؟
نعم.. سبب التفريق: الأبرار لا ينصرفون حتى يصلوا ركعتين؛ وأما المقربون إن شاءوا صَلَّوْا، وإن شاءوا انصرفوا من غير صلاة ، ومعروف أن منزلة المقربين أعلى من منزلة الأبرار.. ولهذا يقول أهل العلم: "حسنات الأبرار سيئات المقربين".
نعم. صلاة الضحى إذا تأخرت فهي أفضل؛ لكن لماذا قال: الأبرار يصلون قبل الانصراف، والمقربون إن شاءوا صلوا وإن شاءوا انْصَرَفُوا؟.(1/198)
نعم.. وجهة نظره-رحمة الله عليه- أن وقت المقربين معمور بالطاعة؛ والأبرار: معمور بالطاعة وغيرها من أمور الدنيا؛ فالأبرار على حد كلامه يُصَلُّون هاتين الركعتين، وينصرفون إلى أحوالهم من أمور الدنيا؛ أما الْمُقَرَّبُون فهم متفرغون للعبادة، فهم من عبادة إلى عبادة، إن شاءوا انصرفوا.. ثم بعد انصرافهم يُصَلُّون.. لا يزالون يُصَلُّون ويتعبدون.
الأسئلة كثيرة عن قناة المجد. . يقول: ما رأيكم في قناة المجد؟ وهل تنصحون بالاشتراك فيها؟
قناة المجد. . ذكرنا مرارا أن المعافى عن جميع القنوات.. السلامة لا يعدلها شيء.. لا المجد ولا غير المجد؛ وأما المبتلى فالمجد من خير ما يرى ومن خير ما يُعْرَضُ في هذه الأيام. هذا المبتلى.
يقول: لماذا اختير هذا المتن؟
ما يدري أنه اختير في العام الماضي... ذكرنا السبب في اختياره.
وهل هذا يعتبر من المتون التي يبتدأ بها، أم ماذا أحسنها؟
هو متن من المتون؛ العلوم اللى في النخبة موجودة فيه يعني؛ العلوم..المسائل والبحوث التي في النخبة، وفي جميع كتب علوم الحديث هي موجودة فيه.
ومعروف أن المتون في فن واحد على مذهب واحد معروف أنها تكاد تتفق على قضايا: كليات العلم تكون متفقا عليها؛ ثم بعد ذلك كل كتاب يزيد من عنده بعض المسائل.. ولذا لا يقول قائل: إن تصنيف الطلاب وتقسيمهم إلى مبتدئين ومتوسطين ومنتهين هذا تكرار للعلم.. ما في فائدة -طيب- أنا بأقرأ النخبة لأيش أقرأ اختصار علوم الحديث لابن كثير؟ وبينهما اتفاق بنسبة ثمانين بالمائة؛ ولماذا لا أقتصر على الزائد من اختصار علوم الحديث؟ ثم بعد ذلك أقتصر على الزائد من ألفية العراقي، أو توضيح الأفكار أو غيرها من الكتب المطولة أو التدريب؟
نقول: لا يا أخي.. هذا التكرار مقصود لأهل العلم.. وبهذه الطريقة يثبت العلم.(1/199)
أنت تضبط الكتاب الأول الذي فيه من العلم بنسبة عشرين. ثلاثين بالمائة باعتبارك مبتدئا.. لكن إذا ارتقيت إلى كتب الطبقة التي تليها أنت ضمنت هذه العشرين في المائة.. فتفهمها مرة ثانية على صيغة واحدة، على تصور ثانٍ.. أقول: على صيغة أخرى وتصور آخر.. قد تكون مختصرة في ذلك الكتاب، وبسطت في الكتاب الآخر.. قد تكون بأسلوب مرت عليك عسر عليك فهمه.. تفهمه مرة ثانية.. ثم بعد ذلك تبني على ذلك المسائل الزائدة، ولذا الذين يعتنون بالزوائد يخالفون الطريقة المتبعة.
يقول: هل يصح وصف الله -عز وجل- بأنه مخالف للحوادث؟
المقصود بالحوادث المخلوقات.. الأمور الحادثة بعد الله -جل وعلا- الأمور الحادثة، ويقصدون بذلك المخلوقات، والله -جل وعلا- هو الخالق، وهو الأول بلا بداية.. الأول وليس قبله شيء.
من هم المتكلمة؟
هم طوائف المبتدعة الذين بنوا مسائل العقائد على علم الكلام.
يقول: التبريد شديد عند النساء، نرجو ضبط المكيفات بحيث تكون متوسطة.
يقول: لعل القول بتحريم التصوير بشتى أنواعه.. ما الحكم إذا كانت الصورة غير ثابتة، كالموجود في شاشة التلفاز ، بمجرد انتهاء المحاضرة أو البرنامج تزول الصورة؟
إذا كانوا لا يستطيعون إعادته مرة ثانية، بمعنى أنه على الهواء وانتهى.. نعم. إذا كانوا لا يستطيعون إعادته مرة ثانية، لم يُسَجَّلْ عندهم على شريط، هذا ليس بتصوير. يعني مثل الكاميرات التي تراقب الأسواق مثلا، أو الكاميرات التي في الحرمين وغيرها من المجامع الكبيرة التي يُرَاقَبُ منها الناس من بُعْدٍ، بحيث لا تثبت صورهم.
الناسخ والمنسوخ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ وسابِقٌ دُرِي
عُيِّن نَسْخُ حُكْمِهِ بالآخِرِ(1/200)
ويُعْرَفُ النَّسْخُ بِنَصِ الشارِعِ
أَوْ صَحْبِهِ ثُمَّ بِتَارِيخِ فَعِ
ولَيْسَ الاجْمَاعُ عَلَى تَرْكِ العَمَلْ
بِنَاسِخٍ لكنْ علَى النَّاسِخِ دَل
وعند فقدِ العِلْمِ بالمُقَدَّمِ
فَأَرْجَحُ النَّصَّينِ فَلْيُقَدَّمِ
كَكَونِهِ أَشهْرَ أو أَصَحَ أَوْ
ناقِلُهُ أَجَلُّ عند مَنْ رَوَوا
أو حُكْمُهُ فِيمَن رواه قد أَتَى
وَمَنْ نَفَى قَدِّمْ عَلَيْهِ المُثْبِتَا
كذاك ما خَصَّ على العُمُومِ
وقَدِّم المنطوقَ عن مَفْهُومِ
إنْ لَمْ تَجِدْ مِنْ هَذِهِ شَيئاً فَقِفْ
فِي شَأْنِهِ حَتّى عَلَى الْحَقِّ تَقِفْ
ودون بُرهَانٍ بِنَصِّ لا تَرُد
نَصًّا فَإِنَّ بَعْضَهَا بعْضًا يَشُد
ولا تُسِيءُ الظَنَّ بِالشَّرْعِ وَلا
تُحَكِّمَنَّ العَقْلَ فِيما نُقِلاَ
إيَّاكَ والْقَولَ عَلَى اللهِ بِلَا
عِلْمٍ فَلاَ أَعْظَمَ مِنْهُ زَللا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر ما ذكر من وجوه الجمع والتوفيق بين النصوص مع الإمكان؛ إذا أمكن الجمع تَعَيَّنَ، لأنه عَمَلٌ بالنصوص كلها؛ فيُحْمَلُ أحد النصين على حال، والنص الآخر على حال. ولو كان الجمع بحمل العامِّ على الخاصِّ، والمطلق على المقيد، لأن ذلك -وإن كان رفعا جزئيا للحكم- إلا إنه أسهل من الرفع الْكُلِّي الذي يكون بالنسخ؛ لأن النسخ رَفْعٌ كُلِّيٌّ للحكم، وأما التخصيص والتقييد فهو رفع جزئي، كما تقدم بيانه والتمثيل له.
وحيث لم يمكن التوفيق بين النصوص على ما سبق تفصيله (وسابق دُرِي) يعني: عرف المتقدم من النصين؛ عُيِّنَ نسخ حكمه بالآخر؛ -يعني- تَعَيَّنَ نسخ المتقدم بالمتأخر؛ ولا يُلْجَأُ إلى النسخ ولا الترجيح إلا إذا لم يمكن الجمع؛ فإذا لم يمكن الجمع، وعُرِفَ المتقدم من المتأخر حُكِمَ بالنسخ.(1/201)
والنسخ: رَفْعُ حكم شرعي ثابت بدليل، بخطاب آخر، بدليل آخر متراخ عنه. رفع الحكم بالكلية يُسَمَّى نسخا.
وجاء في تعبير السلف عن التخصيص بأنه: نسخ، نعم.. هو نسخ جزئي، لا نسخ كلي.
وأما الاصطلاح عند المتأخرين، وهو الذي استقر عليه العمل عند أهل العلم: أنه الرفع الكلي، فإذا تَعَذَّرَ وانسدت جميع المسالك- مسالك الجمع- يُلْجَأُ حينئذ إلى القول بالنسخ، فإذا وَجَدْنَا نَصًّا يعارِضُهُ نَصٌّ آخر، وعرفنا المتقدم من المتأخر حكمنا بأن المتأخر ناسخ للمتقدم.
فمثلا: في حديث شداد بن أوس يقول: أفطر الحاجم والمحجوم وجاء في بعض طُرُق الحديث: أنه كان في عام الفتح، وفي حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائِمٌ مُحْرِمٌ دَلَّتِ الروايات الأخرى أنه كان في حَجَّةِ الوداع، ومعلومٌ أن حجة الوداع متأخرةٌ عن عام الفتح، فمع هذا التعارض:
الذي يُفِيده حديث شداد بن أوس أن الحجامة تُفَطِّرُ الصائم؛ والذي يفيده حديث ابن عباس أن الحجامة لا تُفَطِّرُ الصائم، فالناسخ هو المتأخر وهو حديث ابن عباس؛ لأنه في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام- والمنسوخ هو حديث شداد. وبهذا حكم الإمام الشافعي.(1/202)
هل لقائل أن يقول: هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- والقول ينتابه العموم، وذاك من فعله -عليه الصلاة والسلام- والفعل لا عموم له فيُحَمَلُ على أنه خاص به؟ أو كما يعبر بعض منهم: قضية عين لا عموم لها، ويبقى: أفطر الحاجم بالنسبة لعموم الأمة، وهذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- كونه احْتَجَم؟ هذا يلجأ إليه بعضهم، لكن لنعلم أن كل كمال يُطْلَبُ من البشر- لا سيما- إذا اقترن بعبادة.. التي طُلِبَ من المسلمين تعظيمها- كالصيام مثلا- فإذا طُلِبَ من الأمة هذا الكمال، ألا يكون الأولى به النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أن ينزه صومه الذي نهى عنه غيره؛ ينزه صومه عن أن يُخْدَشَ بمثل هذا؟ لابد؛ لأن بعض الناس عند التعارض- تعارض القول مع الفعل- يقول: الفعل خاصٌّ به -عليه الصلاة والسلام-.
أولا: الخصوصية لا تثبت إلا بدليل.
الأمر الثاني: أنه ينبغي أن نستحضر أَنَّ كل كمال يُطْلَبُ من الأمة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أَوْلَىَ به.
بمثل ما قالوا في: النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط: ثبت النهي من قوله -عليه الصلاة والسلام- وثبت من فعله -من حديث ابن عمر- أنه استدبر الكعبة، واستقبل الشام، وهو يقضي حاجته.
منهم مَنْ يقول: هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- نقول: تعظيم الجهة- جهة القبلة- من تعظيم شعائر الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أَوْلَى به من غيره، فكيف نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- مَنْ ينتهك مثل هذه الأشياء والأمة تُنَزَّهُ عنه؟!
للعلماء وجوه كثيرة للجمع بين هذه النصوص؛ لكن مَثَّلْتُ بها لنكون على علم من هذا.
وكل ما اختلف عندنا هذا وهذا.. قلنا هذا خاص بالنبي!! الخصوصية تحتاج إلى دليل، وينبغي أن نفهم ما يليق به -عليه الصلاة والسلام- يعني كمال يُطْلَبُ من الأمة والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينتهك هذا الكمال!!(1/203)
يعني مثل ما قيل في حديث جرهد: الفخذ عورة، وغَطِّ فخذك وحسر النبي عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أنس- عن فخذه، قالوا: حَسْرُ الفخذ خاصٌّ بالنبي عليه الصلاة والسلام! لكن يقال: أيهما أكمل: تغطية الفخذ أو حسره؟
أيهما أكمل؟ التغطية.. ولذا غطى النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل عثمان، واستحيا منه، فهذا أكمل بلا شك. فهل نقول: إن الكمال يطلب من الأمة، ودون الكمال يطلب من نبيها؟! نقول: لا يا أخي.. فلا نلجأ إلى مثل هذا إلا إذا دل الدليل على الخصوصية، وكان الفعل في الذي يختص به -عليه الصلاة والسلام- لائقا به. نعم. لو كان العكس قلنا: مقبول.
ويُعْرَف النَّسْخُ بِنَصِ الشارِعِ
....................................
النسخ يُعْرَفُ بأمور، منها:- أن يَنُصَّ الشارع في الخبر نفسه، أو بخبر آخر: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
"فكنت" دل على أنه نهاهم في الماضي، وهذا مستقبل؛ لأن الأمر مُتَمَحِّضٌ للاستقبال، والماضي للزمن الماضي.. فدل على أن النهي متقدم على الأمر. فهذا يُعْلَمُ أن النهي منسوخ بِنَصِّهِ عليه الصلاة والسلام.
............ بنص الشارع
أَوْ صَحْبِهِ ......................
أو بنص الصحابي: كقوله كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تركَ الوضوء مما مَسَّتِ النار ؛ فدلَّ على أنه كان في السابق -أول الأمرين- كان يتوضأ مما مست النار، ثم ترك.
ترك الوضوء مما مست النار مفهومه.. نعم.. أنه كان في أول الأمرين يتوضأ مما مست النار. دَلَالة هذا الحديث على عدم الوضوء مما مست النار، بما في ذلك لحم الإبل.. دلالته على ذلك بالعموم، وهو مخصوص بما جاء في لحم الإبل على وجه الخصوص، مِثْلُ هذه المسائل فيها بحوث دقيقة جِدًّا.
الآن عندنا في هذا الحديث كان آخر الأمرين ترك الوضوء بعمومه يتناول الإبل وغير الإبل، فدل بمفهومه على أن أول الأمرين الوضوء مما مست النار، بما في ذلك لحم الإبل.(1/204)
فالحديث بعمومه متناول للحم الإبل؛ لكن جاء حديث بخصوصه... نعم... يدل على أن لحم الإبل ناقض، ولو مسته النار.
فعندنا استدلال بالعموم، مع العلم بكونه متأخرا كان آخر الأمرين واستدلال بالخصوص، مع الجهل بتقدمه أو تأخره، فهل نقول بحمل العام على الخاص؟ أو نقول بالنسخ لعلمنا بالمتأخر؟ نعم... نقول: بالنسخ.. يعني: الوضوء من لحم الإبل منسوخ بحديث كان آخر الأمرين...
وحيث لم يمكن.. متى يُلْجَأُ إلى القول بالنسخ؟ إذا لم نستطع الجمعَ.
ومن وجوه الجمع: حمل العامِّ على الخاصِّ -على ما تَقَدَّمَ- إذًا يحمل العام على الخاص، ولا نلجأ إلى القول بالنسخ، والسبب في ذلك أن النسخ رَفْعٌ كلي للحكم؛ إلغاء للحكم بالكلية، بينما التخصيص رفع جزئي للحكم.
فمثل هذه المسألة تدخل في قوله: (وحيث لم يمكن) وهنا أمكن الجمع بحمل العامِّ على الخاصِّ، فلا نلجأ إلى القول بالنسخ في مثل هذه الصورة. مثل هذا ظاهر... ظاهر ولا مو بظاهر؟ والمسألة كما تعرفون خلافية بين أهل العلم.
أَوْ صَحْبِهِ ثُمَّ بِتَارِيخِ فَعِ
....................................
تاريخ: عرف تاريخ حديث شداد، وفيه قوله -عليه الصلاة والسلام- : أفطر الحاجم والمحجوم وحديث ابن عباس احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم مُحْرِمٌ عرفنا التاريخ فحكمنا بالنسخ.
منهم من يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: أفطر الحاجم والمحجوم بأن مآل الحاجم والمحجوم إلى الفطر، لا أنهما أفطرا حقيقة، فالمحجوم يَضْعُفُ بالحجامة؛ فيُضْطر إلى الفطر، والحاجم قد يصل إلى جوفِهِ شيء من ما يمتصه من بدن المحجوم. فمعنى أفطر: باعتبار ما سيكون، وما سيؤول إليه الأمر.
ومنهم مَنْ حمل الحديث على حالة خاصة، وهو أنه رأى حاجما ومحجوما يغتابان الناس، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم لا بالحجامة، وإنما بالغيبة.(1/205)
لكن ابن خزيمة يقول: لو سُئِلَ هذا القائل: هل الغيبة تُفَطِّرُ الصائم؟ لقال: لا؛ لأن هذا القائل لا يَرَى أن الغيبة تُفَطِّرُ الصائم؛ إذًا كيف يَحْمِلُ الحديث على أنهما كانا يغتابان الناس؟
وعلى كل حال القول بالنسخ قال به الشافعي، وجماعة من أهل العلم، وهو مُتَّجِهٌ. وبعضهم يرى أن الحجامة تُفَطِّرُ الصائم؛ لحديث شداد بن أوس. وحديث ابن عباس أجابوا عنه بعضهم بالخصوصية.
على كُلِّ حال أجابوا عنه، منهم مَنْ رجح.. قال: إن المثبت للحجامة مُقَدَّمٌ على النافي للفطر بها، ووجوه الجمع كثيرة تطلب في مظانها، والحازمي في الاعتبار أطال في تقريرها.
ولَيْسَ الاجْمَاعُ عَلَى تَرْكِ العَمَلْ
بِنَاسِخٍ، لكنْ علَى النَّاسِخِ دَل
وجدت حديثا.. نُقِلَ الإجماع على تَرْكِ العمل به.. وذُكِرَ أكثر من عشرين حديثًا، وكلها صحيحة من حيث الصناعة، نُقِلَ الإجماع على ترك العمل بها. ويقول الترمذي في عِلَلِ جامعه: وليس في حديث مما أجمع العلماء على عدم العمل به إلا حديث: جمع النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة من غير خَوْفٍ ولا مَطَر وقَتْل الشارب.. حديث معاوية في المرة الرابعة، قتل مدمن الخمر.. وبهذا يقول: إن العلماء أجمعوا على ترك العمل بهذين الحديثين.
وابن رجب في شرح العلل أضاف أحاديث كثيرة، والْمُعَلِّقُ أيضا أضاف أحاديث.. فالإجماع على تَرْكِ العمل بخبر يقول:
ولَيْسَ الاجْمَاعُ عَلَى تَرْكِ العَمَلْ
بِنَاسِخٍ ..............
لأن النسخ من خصائص النصوص.. ما في نسخ إلا بدليل من كتاب أو سنة؛ النَّسْخُ لا يثبت بمجرد احتمال، ولا يثبت بقاعدة، ولا يثبت بإجماع- وإن كان قطعيا- وإنما الإجماع يدل على وجود ناسخ ولو لم نَطَّلِعْ عليه.(1/206)
النووي يقول: أجمع العلماء على ترك العمل بحديث ابن عباس في الْجَمْعِ؛ ونقل أيضا الإجماع على عَدَمِ قتل الشارب، ولو تَكَرَّرَ منه ذلك. وكُلٌّ من الْإِجْمَاعَيْنِ مَخْدُوش! أما بالنسبة لقتل الشارب فداود، وابن حزم يقررون بأن الشارب يُقْتَلُ إذا لم يَرْدَعْهُ الحد في المرة الأولى، والثانية، والثالثة، يقتل في الرابعة، ويرجحه السيوطي وأحمد شاكر.
لكن لا يُسْتَدْرَكُ على النووي بمَنْ تَأَخَّرَ عنه، ولا بالظاهرية؛ لأنه لا يَعْتَدُّ بقولهم.
شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم يرون أن الشارب إذا لم يَرْدَعْهُ الحد، وتواطأ الناس على الشرب، وكثر الشرب في المجتمع الإسلامي، ولم يرتدع الناس بالحد، أن الشارب يقتل تعزيرا لكي يرتدع هو وغيره.. يرتدعون عن الشرب، فهو محكم، وليس بِمَنْسُوخ.
وعند فقدِ العِلْمِ بالمُقَدَّمِ
فَأَرْجَحُ النَّصَّينِ فَلْيُقَدَّمِ
وعند فقدِ العِلْمِ بالمُقَدَّمِ
..........................................
عندنا نصان متعارضان في الظاهر، وما استطعنا أن نُوَفِّقَ بينهما بأي وجه من وجوه الجمع، ولا عرفنا المتقدم من المتأخر..ماذا نصنع؟ نُرَجِّحُ.. فَأَرْجَحُ النَّصَّينِ فَلْيُقَدَّمِ.. وجوه الترجيح كثيرة جدا بين النصوص.. وجوه الترجيح كثيرة جدا، هي عند الحازمي بلغت الخمسين، وعند الحافظ العراقي في نُكَتِهِ على ابن الصلاح زادت على المائة.
والترجيح -كما تعرفون- إذا أمكن أَوْلَى من التوقف؛ وأحيانا يرجحون بالقشة! وكثير من المرجحات لا تنهض للترجيح.. وكثير منها مختلف فيه اختلافا متباينا.
فمثلا: من وجوه الترجيح عندهم إذا وجدنا نصا يتضمن التيسير، ونصا يتضمن التشديد، قال بعضهم: نرجح ما تضمن التيسيير؛ لأن طبيعة الشريعة سهلة والدين يسر؛ وقال بعضهم: العكس.. نُرَجِّحُ ما تضمن التشديد؛ لأن الشريعة شريعة تكاليف وعبودية، والخروج من العهدة بيقين في الْأَشَدِّ.. هذا مُرَجِّحٌ عندهم.(1/207)
المقصود أن هذه المرجحات الكثيرة التي ذكروها كثير منها مختلف فيه، وكثير منها في غاية الضعف.. لكن هناك وجوه للترجيح معروفة، ومتفق عليها عند أهل العلم.
فَأَرْجَحُ النَّصَّينِ فَلْيُقَدَّمِ
كَكَونِهِ أَشهْرَ................
كَكَونِهِ أَشهْرَ.. عندنا نص صحيح، وجدنا آخر يعارضه -صحيح أيضا- لكن أحدهما أشهر؛ يَعْنِي يُرْوَى من طرق كثيرة متباينة سالمة من القوادح، مثل هذا يرجح على غيره.. وسبق أن قلنا أن الشهرة قرينة على القطع بقبول الخبر.
ككونه أشهر، أو أصح.. كونه أشهر يعني من حيث تعدد الطرق، أو أصح ولو كان هذا من طريق واحد، وهذا من طريق واحدة.. لكن الأصحية مردها إلى ثقة الرواة، واتصال الأسانيد، فإذا كان هذا أنظف إسناد، أو أقوى من جهة الاتصال رجحناه على غيره، وعملنا بهذا دون هذا.
فمثلا لو وجدنا حديثا مَرْوِيًّا بإسناد في صحيح البخاري مثلا، وحديثا آخر يعارضه بنفس الإسناد في سنن أبي داود؛ نرجح عليه البخاري، رجحناه لأن رواته أوثق؟ الرواة هم الرواة، رجحناه لأنه أشد اتصالا؟ الاتصال هو الاتصال.
لكن رجحناه برجحان الكتاب الذي تَلَقَّتْهُ الأمة بالقبول، وقد يكون هذا الراوي الذي خَرَّجَ عنه البخاري، وخرج عنه أبو داود لهذا الظرف، أو بهذا الحديث أتقن وضبط أكثر من أحاديث أخرى، فالانتقاء عند أرباب الصحيح معروف عند أهل العلم.
على كل حال المرجحات كثيرة، ومنها: الترجيح بالشهرة، والترجيح بالقوة؛ لكونه أصح، أو ناقله أَجَلّ، جاءنا حديث من طريق سالم عن ابن عمر، و جاءنا آخر من طريق نافع عن ابن عمر، الأكثر يُرَجِّحون ما يرويه سالم؛ لأنه أجلّ من نافع، نعم.
ناقِلُهُ أَجَلُّ عند مَنْ رَوَوا
....................................
عند أهل العلم الناقل هذا أَجَلُّ إذا يُرَجَّحُ على صاحبه وإن كان السند صحيحا نظيفا.(1/208)
قد يرد على كلامهم هذا أنه قد يعرض أحيانا للمفوق ما يجعله فائقا؛ فنقف على حديث في صحيح مسلم أرجح من حديث في صحيح البخاري.. لكن المسألة إجمالا.. المسألة إجمالية، ومَنْ نظر في آحاد الأحاديث المتعارضة، فيُنَزَّلُ ويُنْظَرُ في كل حديث على حدة. فقد يُرَجُّح حديث في صحيح مسلم على غيره في صحيح البخاري ورجح الأئمة أحاديث على أحاديث؛ لأنها احتَفَّ بها ما يرجحها، وقد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا.
أو حُكْمُهُ فِيمَن رواه قد أَتَى
....................................
حُكْمُه فيمن رواه قد أتى: بأن يكون الراوي صاحب القصة.. إذا كان الراوي صاحب القصة يُرَجَّحُ على غيره؛ لأنه أدرى بقصته، فمثلا: ميمونة لما قالت تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهما حلالان.. معارض بحديث ابن عباس، وهو في الصحيح، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو مُحْرِمٌ.. يُرَجَّحُ حديثها على حديث ابن عباس، وإن كانت خالته؛ لأنها هي صاحبة الشأن، وصاحب الشأن يضبط أكثر من غيره.
ابن عمر لما روى حديث اقتناء الكلب، ولم يذكر فيه كلب الزرع.. أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- روى حديث الاقتناء، وأضاف الزرع في روايته، هل الإضافة من عنده؟
ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: وكان صاحب زرع- يعني: أبا هريرة- فما دام صاحب زرع، وهو يحتاج للكلب، وسمع هذه الكلمة من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ضبطها وأتقنها.
أنت بحاجة إلى معاملة من المعاملات مثلا، بحاجة ماسة إليها، وعندك زملاء مثلا جالسين في مجلس، ويسمعون مثلا نور على الدرب، ما لهم علاقة بهذه المسألة... مرت هذه المسألة، سئل عنها أحد المشايخ فأفتى بها، تتصور إن إخوانك دول اللي يسولفون يضبطونها مثل ما تضبطها أنت؟! لأنك محتاج إليها، نعم.(1/209)
النظير لو ما اجتمع فئام من الناس ينتظرون إعلان النتيجة..نعم.. واحد يقرأ النتيجة بورقة ومكبر يسمعون، فلان ابن فلان فلان ابن فلان فلان ابن فلان أنت تضبط اسمك.. لو مر.. لكن لو سئلت عن غيرك احتمال.. على حسب اهتمامك بهذا الشخص أنت تضبط اسمه، وهنا نقول:
أو حُكْمُهُ فِيمَن رواه قد أَتَى
....................................
لا شك أن هذا سوف يضبط ما يتعلق به ولذا رُجِّحَ حديث ميمونة على حديث ابن عباس، ورُجِّحَ حديث أبي هريرة على حديث ابن عمر الذي ليس فيه الكلمة، وإن كانت هذه مقبولة من باب:" قبول زيادة الثقة".
يبقى مسألة التنبيه عليها مطلوب، وهو أن بعض الشراح أساء الأدب، وظن بابن عمر أنه يتهم أبا هريرة!! وهذه يستغلها بعض المغرضين، وبعض المبتدعة، ويشنشنون حولها!! أبدًا ابن عمر لا يتهم أبا هريرة.. وإنما يشهد له بأنه ضبط وأتقن، كيف لا وهو حافظ الأمة؟ أتقن أحاديث الزكاة، وهو ليس ذا مال، ما عنده مال.. هل الفقير بحاجة إلى ضبط أحاديث الزكاة؟
ما عنده مال يزكي، فليس عنده مال يزكي، قد يقول قائل: إنه طرف.. هو معطى من الزكاة، هو معطى معطى، فَقِهَ الزكاة أم لم يَفْقَه.. لكن الذي عنده مال يزكيه، لا بد أن يضبط، ويعرف الواجب عليه، ويخرج من العهدة بيقين؛ فيضبط ما يهمه.
أبو هريرة رضي الله عنه مع فقره أتقن أحاديث الزكاة، وأتقن أحاديث غيرها من الأبواب.. فنعم.. هو ما هو بحاجته أشد ضبطا، ويضبط غيره. وأبو هريرة لا مجال للكلام فيه، فهو حافظ الأمة على الإطلاق! ولا شك أن الإنسان بحاجة إلى أن يضبط كل ما يتعلق به، ولا يقول: أنا والله.. أنا فقير، ما لي دعوى.. ما أنا بدارس كتاب الزكاة.
واحد من طلاب العلم الأيام هذه يقول: والله أنا لي عناية بالفقه، لكن تركت كتاب الزكاة.. ما لي دعوى! أجل يا أخي كتاب الحيض ليش تدرسه بعد؟ إذا قلنا بهذا انتهينا.. كل واحد بيجدع له باب، وينتهي الإشكال.(1/210)
لا لا؛ أبدا.. طالب العلم عليه أن يحيط بالعلوم من جميع أطرافها، وأبو هريرة أَتْقَنُ الصحابة وأَضْبَطُهُمْ، ولا يقدح في أبي هريرة إلا شخص في نفسه دخل، وقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحببه إلى الأمة، ويحبب الأمة إليه، واستجاب الله دعاءه عليه الصلاة والسلام، فما رآه أحد إلا أحبه، ولا يبغضه إلا شخص في نفسه شيء.
وقد يقول قائل: لماذا يتعرض الناس لأبي هريرة أكثر من غيره؟ لماذا نجد الكلام في أبي هريرة، ولا نجد شخصا يتكلم في أبيض بن حماد؟ لماذا؟
هذا إذا طُعِنَ في هذا الراوي الذي حمل السنة؛ طُعِنَ في السنة من أساسها، لكن يطعن في راوٍ يروي حديثا واحدا؟!! إيه المشكلة حديث واحد أو حديثين.. ما تُشْكِلُ، بقدر ما يشكل ألوف مؤلفة من الأحاديث.
أو حُكْمُهُ فِيمَن رواه قد أَتَى
وَمَنْ نَفَى قَدِّم عَلَيْهِ المُثْبِتَا
ومَنْ نفى قَدِّمْ عليه المثبتَ : شخص ينفي حكم هذه المسألة بالدليل، معه دليل ينفي، أو دَلَّ الدليل على نفي الوجوب.
أو دل الدليل على نفي التحريم في هذه المسألة، ثم جاء حديث آخر يُثْبِتُ الوجوب، أو يُثْبِتُ التحريم.
النافي ماشي على الأصل، وهذا ناقل عن الأصل، الْمُثْبِتُ للأصل.. المثبت للبراءة الأصلية يُقَدَّمُ عليه... النافي للحكم هو ماش وجار على البراءة الأصلية؛ والمثبت للحكم ناقل عن البراءة الأصلية إلى حكم جديد.. فيحتمل أن هذا الخبر في أول الأمر، ثم نُسِخَ بهذا الحكم الناقل.
ولذا عند أهل العلم وجه للترجيح: أن الْمُؤَسِّسَ مُقَدَّمٌ على المؤكد، والتأسيس عندهم خير من التأكيد.(1/211)
أيش معنى هذا الكلام؟ هذا يؤسس حكما جديدا، وهذا يؤكد أحكاما سابقة.. فمثلا: الصعيد الطيب، وضوء المسلم، أو طهور المسلم، ولو لم يجد الماء عشر سنين.. وهذا يُحْتَاج إليه في فهم النص الواحد.. ولو لم يجد الماء عشر سنين.. فإذا وجد الماء فليتق الله، ولْيُمِسَّهُ بشرته.. طيب.. فليتق الله وليمسه بشرته عن الأحداث الماضية، أو اللاحقة؟ عما يَسْتَقْبِلُ من الأحداث، أو عما مضى من الأحداث؟ إذا قلنا لما يستقبل من الأحداث ؛ قلنا: لسنا بحاجة إلى هذا الحديث.. كل أحاديث الطهارة تدل على أنه إذا وجد الماء يجب عليه أن يمسه بشرته.. فلسنا بحاجة إلى هذا الحديث.. فهو مؤكد لأحاديث أخرى.
لكن إذا قلنا: فليتق الله وليمسه بشرته مما مضى مِنْ حدث، قلنا: هذا مؤسس لحكم جديد.. وبهذا يستدل من يقول: بأن التيمم مبيح.. لا رافع. ويظهر مثل هذا الاختلاف، بل يَسْتَدِلُّ به مَنْ يقول: بأنه يرفع رفعا مؤقتا، لا يرفع بالكلية، وليس بمبيح بمعنى أنه غير رافع.. بل يرفع رَفْعًا مؤقتا، له حكم الأصل، البدل له حكم المبدل، لكنه مؤقت بوجود الماء.
فمثلا: شخص تيمم عشر سنين، ثم وجد الماء، هل نقول له: توضأ عشر سنين، وأَعِدِ الصلاة؟
لا.
شَخْصٌ أجنب- عليه جنابة- والصلوات التي صلاها بالطهارة السابقة -طهارة البدن، وهي التيمم صحيحة- لكن شخص أجنب، ثم بعد ذلك صلى بالتيمم سنين.. ثم بعد ذلك وجد الماء، هل نقول له: اغتسل لأنك وجدت الماء، فاتق الله ومُسَّهُ بشرتك؟ كما نقول له: توضأ.. أو نقول له: التيمم رافع رفعا مطلقا، ولست بحاجة إلى الغسل، إن احتجت إليه فيما بعد فاغتسل.(1/212)
وأيش القول الراجح في هذه المسألة؟ فالقول الوسط في هذه المسألة: أَنَّهُ مِثْلُ ما دل عليه الحديث أنه يرفع رفعا مؤقتا حتى يجد الماء.. والتَّرْجِيحُ بالقاعدة وهي:" أن التأسيس خير وأولى من التأكيد". فلو قلنا: إنه يمسه بشرته لما يستقبل من أحداث، قلنا: جميع نصوص الطهارة تدل على ذلك، وإذا قلنا: يمسه بشرته لما مضى من حدث، ولا يعني أنه يعيد الصلوات.. الصلوات خلاص انتهت.. اتقى الله ما استطاع، وسقط بها الطلب، لكن ما مضى من أحداث يتقي الله ويمسه بشرته.
نعم.. أي متعلق؟ حذف أيش ؟ أَيُّهُ؟ يعني: حذف الْمُتَعَلَّقِ يدل على التعميم، أيش معنى هذا الكلام؟
مررت، ما أقول: مررت بعمرو ولا بزيد ولا بالمسجد ولا كذا.. يحذفون أحيانا المتعلق.. لماذا؟ ليسرح الذهن كل مسرح، كل ما يُتَصَوَّرُ إنه مر به فقد حصل.
كما يقول: ضربت.. أيش ضربت؟ عمر ولا بكر ولا أيش؟ كل ما يتصور إنه يضرب ضرب.. فحذف المفعول وحذف المتعلق فيه دلالة على التعميم عندهم، ولعله من هذا النوع.
............................
وَمَنْ نَفَى قّدِّم عَلَيْهِ المُثْبِتَا
كذاك ما خَصَّ على العُمُومِ
.......................
نعم: اتق الله، ومسه بشرته، يغتسل، نعم.
الوضوء يتوضأ..لازم يتوضأ.. إذا جاءه شيء بيتوضأ.. لكن الخلاف يظهر في الغسل؛ أما الصلوات كلها: اتقى الله ما استطاع ولا يعيد شيئا، كيف؟ الغسل يغتسل، نعم.
كذاك ما خَصَّ على العُمُومِ
وقدِّم المنطوقَ عن مَفْهُوم
ما خُصَّ على العموم :خاصٌّ مُقَدَّمٌ على العام. وأيضا المنطوق مقدم على المفهوم على ما تقدم، وهذه مسألة ذكرناها بالأمس، وأطلنا فيها شيء من الكلام، ومثلنا لها فلا نعيدها.
إن لم تجد من هذه شيئا فَقِفْ
....................................
لم تستطع الجمع بأي وجه من وجوه الجمع، ولم تعرف المتقدم من المتأخر، فلا تستطيع حينئذ تحكم بالنسخ، وليس عندك أي مرجح لأحد النصين على الآخر.(1/213)
إن لم تجد من هذه شيئا فَقِفْ
فِي شَأْنِهِ حَتَّى عَلَى الْحَقِّ تَقِفْ
ما وجدت مرجح، هل يدخل مثل هذا في حيز الاضطراب؟ يحكم على الخبرين بالاضطراب لوجود التعارض؟ أو الاضطراب من شأن الحديث الواحد؟
الآن عندنا حديثان متعارضان حاولنا نجمع ما استطعنا بأي وجه من وجوه الجمع.. ولا بحمل عام على خاص، ولا مطلق على مقيد، ما عرفنا تاريخ... ولا استطعنا الترجيح.. وأيش الواجب علينا حينئذ؟ التوقف. نتوقف لأن عملنا بأحد الدليلين دون مرجح تَحَكُّمٌ.. وهذا شرع.. تعمل بأحد النصين تَحَكُّمٌ. نعم إذا كان النصان فيهما احتياط وغيره ؛ لك أن تحتاط، لكن إذا كان النصان متعارضين.. واحد يدل على الوجوب، وواحد يدل على التحريم، ما يمكن الاحتياط في هذا، لا بد أن تتوقف.
وأمور الترجيح يقرر جَمْعٌ من أهل العلم أنه لا بد منها حتى في الأمور العادية، لا بد ترجح، أما بداءتك بشيء قبل غيره من غير مرجح؛ تَحَكُّمٌ.
لكن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول :أبدا..الناس في عاداتهم يرجحون في حياتهم العامة من غير مرجح، يقول: كسلوك أحد الطريقين، والبداءة بأحد الرغيفين. ترجح من غير مرجح..أنت تستدني هذا الرغيف وتأكله..أيش المانع؟ ما تأخذ واحد والثاني باليمنى واليسرى وتشوف أيهما أفضل.. مثل هذا ما يحتاج إلى مرجح، نعم... لكن النصوص الشرعية، أنت عَبْدٌ لله جل وعلا.. ما تسير تبع هواك.. ولا ترجح بغير مرجح.. ولا تتحكم بأن تعمل بأحد النصوص وتترك بعضها لأن هذا قد يدخل في الإيمان ببعض، والكفر ببعض.. هذا إذا استغلق عليك الأمر؛ فقف.
إن لم تجد من هذه شيئا؛ فقف.. توقف، والتوقف أولى من تعبير بعضهم بالتساقط، يبغون النصوص مثل البينات، تساوت وتساقطت، نقول: لا يا أخي هذا في جانب النصوص سوء أدب.. أنت بدورك تتوقف؛ لأنك لا تعمل بهذا إلا بمرجح. هل التوقف قولٌ أو عدم؟
ولذلك حينما يساق الخلاف في كثير من المسائل، المسألة فيها ثلاثة أقوال، ثالثها: التوقف.(1/214)
إذا اعتبروه قول... فهل هو قول أو ليس بقول؟ يعني: في سياق الخلاف، هل نقول: توقف فلان؟ وما الفائدة من قول توقف فلان؟هل أعطانا جديد حينما توقف؟ أفادنا حينما توقف؟ نعم... بناءً على قوة التعارض.. طيب.
رجح إمام وقال: بالوجوب؛ ورجح ثان وقال: بالتحريم؛ وثالث قال: بالتوقف.. لماذا يُذْكَرُ هذا القول؟ -يعني- مثلا لو بحثنا مسألة مبدأ اللغات، هل هو توقيفي، أو اجتهادي؟
يقولون: الأقوال أربعة : توقيف، توفيق، تلفيق، توقف. أيش معنى الأقوال الأربعة؟ هذا باختصار شديد -يعني- كما يقولون: إن، وأن، والثالث، وأصلان، إذا أرادوا الاختصار الشديد في الخلاف.
توقيف من الله -جل وعلا- ليست اجتهادية.
توفيق الله -جل وعلا- وفق هؤلاء، واجتهدوا النطق بهذه الكلمات.
تلفيق: بعضها كذا وبعضها كذا.
الرابع: التوقف؛ ما ندري.
فهل التوقف بالفعل يعتبر قول؟ ولا هو سكوت، ترك؟
نعم... هذا ما هو بجهل.. إمام كبير متبوع من ملايين البشر نقول له جهل؟ نعم.. يعتبر قول.. لماذا؟ نعم.بلا شك.
التوقف من الكبار قول. لئلا يجرأ عليه الصغار.. يساق مثل هذا لئلا يجرأ الصغار؛ وكثير من طلاب العلم يلاحظ عليهم أنهم في عضل المسائل من أسهل الأمور أن يقول رأيه!! تصرح بعضهم.. طالب شبه مبتدئ.. ما عرف قدر نفسه، ويقول: وجماهير أهل العلم كذا.. والذي أراه كذا!! عجب.. وسيأتي الإشارة إليه.
إن لم تجد من هذه شيئا فقف
.........................
عرفنا أن التوقف هو المطلوب من العالم.
ومنهم من يحكم بالاستحسان والميل والاسترواح؛ والقول بالاستحسان قول قال به بعضهم، وأنكره آخرون، حتى قال قائلهم: من استحسن فقد شَرَّعَ! نعم.
والترجيح قد يكون باعتبار القائلين، لا باعتبار القول، ولا باعتبار دليله.(1/215)
نظرت في أدلة.. عندك خلاف بين الإمام أحمد مثلا، وقول الأوزاعي مثلا.. هذا عنده دليل، وهذا عنده دليل، نظرت في الأدلة متكافئة من كل وجه، كيف ترجح؟ أنت مستصحب أن الأمام أحمد أولى بالتقليد من الأوزاعي مثلا.. أنت رجحت باعتبار القائلين، وهذه قشة قد يلجأ إليها بعضهم! ولذا لما ذكروا أصح الأسانيد، وأن المعتمد عند أهل العلم الإمساك عن الحكم على سند ما بأنه أصح مطلقا، ولذا يقول: الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
...................................
.................. والمعتمد
إمساكنا عن حكمنا على سند
بأنه أصح مطلقا وقد
خاض به قوم فقيل مالك
عن نافع بما رواه الناسك
إلى آخره.
يقولون: حتى مع كونه المعتمد.. أن هذا هو المعتمد.. لا نخوض ولا نحكم بسند بأنه أصح الأسانيد، وهذه مسألة سبق بحثها.
إذا كان المعتمد هذا، فلماذا تذكر هذه المسألة؟ قالوا: تذكر للترجيح باعتبار القائلين.
الإمام البخاري رجح مالك عن نافع عن ابن عمر
وجزم ابن حنبل بالزهري
عن سالم أي عن أبيه الْبَرِّ
فأنت إذا رجحت بين هذين الاثنين، رجحت باعتبار القائلين.
وإذا نظرت مثلا إلى حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين، هو عند الإمام البخاري مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي نقد الإمام أحمد: موقوف. فأنت ترجح باعتبار القائلين، وهذه يحتاجها الذين هم في الأصل مقلدة ومتبعة، يتبعون الدليل، لكنهم إذا أشكل عليهم شيء من هذا، ولم يستطيعوا الترجيح مالوا مع من يرونه.. أو الأقوى.
إنْ لَمْ تَجِدْ مِنْ هَذِهِ شَيئاً فَقِفْ
فِي شَأْنِهِ حَتّى عَلَى الْحَقِّ تَقِفْ
(حَتّى عَلَى الْحَقِّ تَقِفْ) حتى تجد مرجح.
ودون بُرهَانٍ بِنَصِّ لا تَرُد
نَصّاً فَإِنَّ بَعْضَهَا بعْضاً يَشُدْ(1/216)
(ودون بُرهَانٍ بِنَصّ) لا بد أن يكون المعول عليه: البرهان- وهو الدليل الشرعي- لا تَرُدَّ نصا دون برهان.. لا ترد نص بنص، لا ترد نصا بنص بدون برهان، ودليل، ومرجح لأحدهم على الآخر.
(فَإِنَّ بَعْضَهَا بعْضاً يَشُد) نعم.. النصوص يشد بعضها بعضا، فلعلك تجد شيئا تشد به أحد النصين، وترجحه به على الآخر.
ولا تُسِيء الظَنَّ بِالشَّرْعِ وَلا
تُحَكِّمَنَّ العَقْلَ فِيما نُقِلاَ
تُسِيء الظَنَّ بِالشَّرْعِ إذا أشكل عليك مسألة -يعني- بعبارة العوام: ما دخلت مزاجك.. أو رأيتها تخالف بعض الأمور التي في قرارة نفسك حق، تسيء الظن بالشرع؟! يعني الشارع الذي قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة تسيء الظن بمثل هذا النص الصحيح، وتقول: فلانة حكمت، وفلانة نجحت في حكمها؟!! هذا إساءة ظن بالشرع بلا شيء!
لكن قد يتطرق إلى فهم الطالب- دعونا من الراسخين- فهم الطالب حينما يصعب عليه إدراك بعض الأمور -يعني- ما يهضم بعض المسائل: كيف يقع هذا التعارض في النصوص؟(1/217)
نقول: يا أخي يقع.. القرآن فيه المحكم والمتشابه، وهذا له حكمته، وهذا له حكمته؛ لينظر مدى استسلامك وانقيادك، وهذا ينظر مدى امتثالك وعملك. قد لا يستسيغ الطالب -يعني غير الراسخ- كون الرب جل وعلا ينزل في آخر كل ليلة، ولا يخلو منه العرش.. فيسيء الظن، إما ينفي أحاديث العلو، أو ينفي أحاديث النزول!! نقول: لا يا أخي، هذه أمور غيبية لا تدركها أنت، وما يتعلق بالخالق لا يمكن أن يقاس على ما يتعلق بالمخلوق.. فللخالق ما يخصه، وللمخلوق ما يخصه.. قد لا يستسيغ الطالب كون الشمس تسجد كل ليلة تحت العرش بالحديث الصحيح.. ونحن نراها في فلكها! أهل الهيئة يقولون: لا تغيب أبدا.. دائمة في فلكها، تغيب عن قوم وتخرج على آخرين، فكيف تسجد تحت العرش؟ نقول: يا أخي قل: سمعنا وأطعنا.. عليك أن تقول: سمعنا وأطعنا في الأمور التي لا تدركها، ولا تثبت قَدَمُ الإسلام إلا على قنطرة التسليم! وعلى هذا ليس لأحد أن يسيء الظن بالشرع، وإنما عليه أن يسيء الظن بنفسه، وينسب إليها القصور والتقصير.
.........................ولَا
تُحَكِّمَنَّ العَقْلَ فِيما نُقِلاَ
تقول: هذا ما يمكن يقبله عقل.. لا يقبله عقل، وهذا كلما ازداد نصيب الإنسان من الجهل زاد تدخله، وتحكيم عقله.
في مجلس خطيب من الخطباء ومشهور أيضا، لما جيء بحديث البقرة التي ركبها صاحبها، فالتفتت إليه(1/218)
وقالت: ما خُلِقْنَا لهذا.. قال هذا الخطيب: دعونا من خرافات بني إسرائيل!! على مهلك يا أخي!! الحديث في الصحيحين ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر اللي بيعرض مثل هذا الكلام على عقله بيقبل؟ قد لا يقبل العقل مثل هذه الأمور، لكن ما عليك إلا.. أنت عبد.. أنت وظيفتك العبودية لله -جل وعلا- فعليك أن تستسلم إن كنت مسلما، فعليك أن تستسلم؛ لأن الإسلام هو الاستسلام.. والآن نعرض كثيرا من قضايانا في وسائل الإعلام بأنها قابلة للنقاش، وليس هناك ثوابت.. وكل شيء، ودخلت الشبهة في بيوت المسلمين، وسمعها عوام المسلمين.. والله المستعان.
إيَّاكَ والْقَولَ عَلَى اللهِ بِلا
عِلْمٍ فَلاَ أَعْظَمَ مِنْهُ زَللا
القول على الله بلا علم هو الكذب على الله وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ جعله في المرتبة بعد الشرك، وهو: القول على الله بلا علم، والكذب عليه وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ يعني: من غير علم.
فالأمر جد خطير.. والله جلا وعلا لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، إنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقي عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا؛ فَسُئِلُوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا نسأل الله السلامة والعافية.(1/219)
في آية الزمر آية مخيفة.. مخيفة جدا في هذا الباب: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ يعني: إذا قلت هذا حلال وهذا حرام كذبت على الله.. فلا تجوز الفتوى على الله بغير علم؛ وهناك مسائل لو سئل عنها عمر- كما قرر كثير من أهل العلم- لجمع لها أهل بدر.. جمع لها المهاجرين والأنصار؛ استشار الصحابة، ومكث مدة يستشير ويستخير؛ ومع ذلك قد يفتي بها الآن -كما هو مشاهد وملاحظ- من لم يسمع السؤال كاملا!!! في منتصف السؤال بعضهم يفتي!! هذا دليل جهل؛ دليل رِقَّة دين؛ دليل عدم توفيق؛ وليس بابا للشهرة؛ ليس بابا للرزق ولا للشهرة مثل هذا.. وليس بباب، ولا طريق للرفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، ونسأل الله جل وعلا العفو والمسامحة، وألا يؤاخذنا بما فعلنا، وما فعل السفهاء منا.
إيَّاكَ والْقَولَ عَلَى اللهِ بِلا
عِلْمٍ فَلاَ أَعْظَمَ مِنْهُ زَللاً
جُعِلَ على سبيل الترقي في آية الأنعام... نعم: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ جُعِلَ أعظم من الشرك نسأل الله السلامة ، لأنه يشمل.. لأن الموقعين عن الله جل وعلا يضلون الناس.. المفتي مُوَقِّعٌ عن الله -جل وعلا- يقول: هذا حكم الله في هذه المسألة.
بعضهم يكتب: أنت تسأل، والإسلام يجيب، كتبٌ!! نعم.. وأكثر الأجوبة اجتهادية! إذا كان ليس هناك مندوحة من الجواب تَعَيَّنَ عليك الجواب بعد التحري والتثبت؛ قل يا أخي: لعل المراد كذا، وإن كنت تحفظ فتوى لإمام معتد به قل: يقول فلان كذا، تبرأ من العهدة.
أما إذا كان عندك علم بهذه المسألة لا يجوز أن تسكت، فمن سئل عن علم فلم يجب ألجم بلجام من نار يوم القيامة ؛ فالمسالة لا بد من الجواب. ويقرر أهل العلم أنه لا يجوز البقاء في بلد ليس فيه عالم يفتي الناس. والله المستعان.
اسأل الإخوان أخشى بهذه الطريقة ما ننجز الكتاب. نعم.(1/220)
نستطيع أن نمشي..يعني نأخذ كل يوم عشرين بيتا خمسة وعشرين بيتا وينتهي الكتاب؛ لكن بغير هذه الطريقة.. إن أردتم المشي مشينا.نعم..؟ يعني: تترك.. الأسئلة هي تأخذ وقت بلا شك.. هي تأخذ وقت.. لكن بعضهم يرى أنها ضرورية، ولا يستفيد كثير من الإخوان إلا بالسؤال والجواب.. أفضل عند الكثير من مسألة الشرح، لأنه بالسؤال والجواب يتقرر العلم؛ ولذا جاء جبريل يُعَلِّمُ الناس الدين على طريقة السؤال والجواب هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. وهذه طريقة معروفة ومألوفة عند أهل العلم.
أقسام الضعيف
المردود
تعريف الضعيف
وكُلُّ ما شَرْطَ قَبُولٍ فَقَدا
فَهُوَ مِنَ المرْدُودِ لَنْ يُعْتَمَدا
والطَّعْنُ في الرَّاويْ وسَقْطٌ في السَّنَدِ
ضدانِ للقَبُولِ أصلانِ لِرَدْ
وجُمْلَةُ الأَسْبَابِ منها تُحْصَرُ
خَمْسَةَ عَشْرٍ فادْرِ ما أُسَطِّرُ
فَخَمْسَةٌ تَخْرُجُ بالعَدالةِ
أَسْوَأُهَا الكِذْبُ بِلَا مَحَالَةِ
فَذَاكَ مَوْضُوعٌ ومَنْ بِهِ اتُّهِمْ
وَلَمْ يَبِنْ عَنْهُ فَمَتْرُوكٌ وُسِمْ
وَمَنَ عَلَى النَّبِي تَعَمُّدًا كَذَبْ
فَلْيَرْتَدِ الْمَقْعَدَ مِنْ ذَاتِ لَهَبْ
ومَنْ يُحدِّثْ بِحَديثٍ يَعْلَمُ
تَكْذِيبَهُ عليه مِنْهُ قِسَمُ
نعم.. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وكُلُّ ما شَرْطَ قَبُولٍ فَقَدا
فَهُوَ مِنَ المرْدُودِ لَنْ يُعْتَمَدا
هذا هو القسم الثاني من قسمي الأخبار؛ لأن الأخبار منها المقبول والمردود، والمقبول بأقسامه -بقسميه الرئيسين- وبأقسامه الفرعية.. مضى الكلام فيه.
وهذا الكلام في المردود، وهو الضعيف بأقسامه.
ابن الصلاح يُعَرِّفُ الضعيف بأنه: ما لم تجتمع فيه شروط الحديث الصحيح، والحديث الحسن، فإذا اختل شرط من شروط القبول -التي هي شروط الصحيح والحسن- صار الخبر ضعيفا مردودا غير مقبول.(1/221)
والحافظ العراقي رحمه الله تعالى يقول: لا داعٍ لأن نذكر الصحيح في الْحَدِّ، لأنه تطويل، لأنه إذا فَقَدَ شروط الْحَسَن فَقَدْ فَقَدَ شروط الصحيح، ولذا يقول في ألفيته :
أما الضعيف فهو مالم يبلغِ
مرتبة الحسن وإن بَسْطٌ بغي
إلى آخر كلامه.
إذا لم يبلغ مرتبة الحسن فهو عن رتبة الصحيح أقصر، ولتحرير مثل هذا الكلام نحتاج إلى تصور الأقسام الثلاثة.
وأهل هذا الشأن قسموا السنن
إلى صحيح وضعيف وحسن
ما النسبة بين الأقسام؟ هل النسبة بينها تداخل أو تباين؟ وبالمثال يتضح الكلام.
هل تقسيم الخبر إلى صحيح وحسن وضعيف، مثل تقسيم الكلام: إلى اسم وفعل وحرف؟
إذا كان مثله قلنا: هم يقولوا في الحرف: ما لم يقبل علامات الاسم، ولا علامات الفعل... ما اكتفوا بواحد منها.
وهل النسبة بين الأقسام الثلاثة -أقسام الحديث- التداخل؟ بمعنى: أن بعضها يُغْنِي عن ذكر بعض؟ يعني: .ما تقول شباب، وكهولة، وشيخوخة، نعم.. فإذا قلت الشباب: من لم يبلغ سن الكهولة.
يحتاج أن تقول والشيخوخة؟ يحتاج ولا ما يحتاج؟ ما يحتاج؛ لأنه إذا لم يبلغ سن الكهولة من باب أولى ألا يبلغ سن الشيخوخة.
فهل النسبة بين الحديث الصحيح والحسن والضعيف مثل ما بين الاسم والفعل والحرف؟ أو مثل ما بين الشباب والكهولة والشيخوخة من النسب؟
بمعنى: أنها إذا تداخلت نكتفي ببعضها، إذا لم يبلغ رتبة الْحُسْن؛ فهو عن رتبة الصحيح أقصر.
نعم.. يعني: ما الذي بين الصحيح والحسن؟هل هما متداخلان أو متباينان؟
متباينان، والإخوان يقولون: متداخلان، نعم... هو لكل منهما وجه، متداخلان من وجه، متباينان من وجه. أيش معنى هذا الكلام؟
بين الصحيح لذاته والْحَسَنِ لغيره تباين، ما فيه التقاء إطلاقا بين الصحيح لذاته، والحسن لغيره. وبين الصحيح لغيره، والحسن لذاته تداخل.. فهما متباينان من وجه، متداخلان من وجه.(1/222)
والكلام في هذه المسألة يطول؛ وإذا استطردنا بذكر النظائر طال الكلام؛ لكن ابن حجر خرج من هذا الخلاف بكلام يُرْضِي الطرفين، قال: ما لم تتوافر فيه شروط القبول... الضعيف ما لم تتوافر فيه شروط القبول.. وانتهى الإشكال! والقبول يدخل فيه الصحيح والحسن، فلسنا بحاجة إلى طول الكلام في هذه المسألة.
........................
فَهُوَ مِنَ المرْدُودِ لَنْ يُعْتَمَدا
نعم. المردود لا يُعْتَمَدُ عليه، والضعيف لا يُحْتَجُّ به.. على خلاف بينهم في بعض القضايا.. أما بالنسبة للعقائد والأحكام يكادون يتفقون على أن الضعيف لا يُقْبَلُ فيها، وأنه لا بد من ثبوت الخبر، وأن يكون في حيز دائرة المقبول.
أما بالنسبة لأبواب. . .
من أبواب الدين كالفضائل، والمغازي، والتفسير وغيرها من الأبواب فقد تسامح الجمهور فيها؛ فقبلوا فيها الضعيف بشروط:
شروط قبول الضعيف
أن لا يكون الضعف شديدا، وأن يندرج تحت أصل عام، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، إنما يعتقد الاحتياط، وأضافوا شروطا أخرى.
وعلى كل حال تطبيق هذه الشروط، قد يصعب، ولذا رجح كثير من أهل التحقيق أنه لا يحتج به مطلقا، لأن غلبة الظن تدل على عدم صحة نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يعني المسألة . مسألة غلبة ظن،. لو غلب على الظن أن نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام ثابتة؛ احتججنا به، والأحكام مدارهن على غلبة الظن، لكن كونه يدل على الاحتياط في مسألة ما، جمهور أهل العلم على هذا، والنووي نقل الاتفاق.
وممن نقل عنه هذا صراحة الإمام أحمد، وابن مهدي وجمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، ولا شك أن الاحتياط للدين، وسد جميع الأبواب الموصلة إلى البدع، أنك تجعل الناس يعملون بما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لا شك أنه في عدم قبول الضعيف.
لكن ماذا نصنع، وعامة أهل العلم وجماهير أهل العلم على قبوله في الفضائل؟(1/223)
نقول: لا بد أن تحتاط للأمر حتى على القول بقبوله، ولا بد أن تنطبق الشروط بدقة وألا يؤدي الاسترسال فيه إلى ارتكاب بدعة، وألا يؤدي القول به إلى إهدار سنة، لأن الذي يعمل بخبر غير ثابت ويتشرع به، ويتعبد به، لا شك أنه يتصرف على مقتضى ظاهره، من عمل ببدعة حرم سنة، ولا يعني . أنه عمل بدعة مثلا مكفرة أو كبيرة أو من البدع الكبرى، لا، كما سيأتي بالتفصيل في البدع.
لا، قد تكون بدعة يسيرة لكنها تصد عن سنة في مقابلها، فعلى الإنسان أن يعنى بما صح وحسن ودخل في حيز القبول مما ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
أما ما لم يبلغ مرتبة الحسن، الذي هو أقل الأحوال فمثل هذا لا يعتني به طالب العلم، اللهم إلا إذا كان الباب أو المسألة محتاج إليها حاجة شديدة، ولم يقف فيها على نص عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ فقد تسامح جمع من أهل العلم في الحديث الضعيف؛ إذا لم يكن في الباب غيره.
ونقف على جملة الأسباب لأنها كثيرة وتحتاج إلى تتابع، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هذا يشكو من ضيق الوقت، ويقول: الاشتغال في حفظ الأسانيد في هذه الأيام مع قلة الوقت وضيقه يعتبر ما يشتغل به طالب العلم، يقول: هل الاشتغال بها مهم بالنسبة لطالب العلم، أو يصرف جهده ووقته لحفظ المتون، والاستنباط منها؟
أولا: الأسانيد إنما تطلب من المتون، فهي الطريق الموصل إلى المتن، الطريق الموصل إلى المتن، فإذا صح المتن وثبت، فترتب الأثر على الإسناد في إثبات الغاية، من صحة المتن، وثبوت نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
وبنوع آخر من السؤال يكثر بين أهل العلم: هل المهم في مثل هذه الظروف العناية بالرواية أو بالدراية، هل العناية أولى أو بالدراية؟(1/224)
أما بالنسبة لما صح من الكتب كالصحيحين مثلا، فعلى طالب العلم أن يعنى بالاستنباط منهما، وحفظ أحاديثهما ودراستها، دراسة المتون، فالعمر لا يستوعب أن تدرس جميع الأسانيد على الطريقة المطلوبة المؤدية إلى الاجتهاد، العمر لا يستوعب.
فإذا أراد طالب العلم أن يدرس أحاديث الكتب الستة مثلا، الكتب الستة كم فيها من راو؟ فيها أكثر من اثني عشر ألف راو ، وغالب الرواة فيها اختلاف كثير، يعني منهم من اتفق على توثيقه ومنهم من اتفق على تضعيفه، وهؤلاء لا يكلفونه شيئا، الأمر فيهم سهل، لكن جمع غفير منهم يزيدون على النصف هم بحاجة إلى عمر ثان لدراستهم.
هذا مجرد الرواة، وكل راو فيه من الأقوال المتعارضة والمتضاربة في بعضهم عشرين قولا، أنت بحاجة إذا أردت الاجتهاد في كل راو، راو أن تنظر في جميع هذه الأقوال، وفي ثبوتها عن قائليها، وتوازن بينها على ضوء القواعد وترجح وتعمل بالقول الراجح، انتهيت من راو من الكم الهائل من الرواة، ثم تحتاج إلى دراسة راو ثان، ثم ثالث، ثم تعود إلى الرواة الذين درستهم.
ما وضع هذا الراوي مع من روى عنه؟ فقد يختلف حكمه في روايته عن شخص عن حكمه في روايته عن شخص آخر، فالمسألة ليست بالسهلة يا إخوان، تحتاج إلى عمر طويل، لكن طالب العلم يتمرن، ويتدرب بحيث تكون له أهلية النظر، بمعنى أنه إذا احتاج إلى دراسة إسناد أشكل عليه؛ فإنه يستطيع الوصول إلى القول الصحيح بنفسه.
أما أن يدرس كل حديث، حديث، يمشي على أحاديث الكتب الستة ويدرس أسانيدها على الطريقة المشروحة، على الطريقة التي شرحت هذه تأخذ من العمر الشيء الكثير، بحيث يضيق هذا العمر على الاستنباط الذي هو الغاية من معرفة النصوص، هو الغاية من معرفة النصوص.
. فالعناية بالرواية جانب مهم لطالب العلم لكن لا ينبغي أن يأخذ عليه جهده ووقته وعمره ويصرفه عن الدراية، وفهم هذه النصوص والاستنباط منها بعد حفظها، فهذا الإنسان يسدد ويقارب.(1/225)
كنا سمعنا في دورة القصيم في العلم لأبي خيثمة يقول: بحثت عن هذا الكتاب بهذا الاسم فلم أجده.
هو مطبوع طبعات من أمثالها طبعة الشيخ الألباني رحمه الله ضمن أربع رسائل، وطبع مفردا، فهو موجود يعني إذا بحث عنه وجد.
يقول: أنا أرجو إعادة شرح تقديم النص النافي على النص المثبت.
السؤال خطأ تقديم المثبت على النافي، المثبت للحكم الجديد النافي للبراءة الأصلية مقدم على النافي للحكم.
يقول: ما رأيكم فيمن يقولون إن علماءنا لا يفهمون الواقع؟
علماؤنا المعروفون المعتبرون هم أهل العلم، وهم الراسخون فيه، وهم أهل العمل، وهم المخلصون فيما نحسبهم والله حسيبهم، وهم الناصحون، كونهم يخفى عليهم بعض الأمور يخفى عليهم، كما يخفى على غيرهم،. لا يتصور في غير الأنبياء العصمة، ومقل ومستكثر، قد يكون فهم بعض الوقائع التي يهتم بها بعض الناس والحوادث، والأمور الحادثة ومتابعة الأخبار، والقنوات والصحف، هذه تأخذ عمر على كثير من أهل العلم، لكن أين هم من علم الكتاب والسنة التي إليها المحتكم في محل الخلاف.
نعم، حكم إرث المسلم لأبيه الكافر؟
معروف ومرجح أنه لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، وبهذا جاء الخبر، قد يكون هناك ابتلاء وامتحان، رجل كافر يكون له عشرة من الأولاد، تسعة كفار، والعاشر مسلم، والأموال كثيرة وطائلة، مئات الملايين مثلا، هذا من باب الابتلاء، والامتحان، هل يثبت على إسلامه؟ أم لا يثبت؟ نعم، هل يثبت أو لا يثبت؟ ولا شك أن الإسلام الدين أغلى ما يملكه الإنسان، قد يستروح بعض أهل العلم أن مثل هذا يورث تثبيتا له على دينه، لكن الأصل يبقى أنه لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر.
يقول: ما رأيك في سلسلة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ؟(1/226)
سلسلته لا شك أنها مما يحتاج إليها طالب العلم، والشيخ رحمه الله إمام في هذا الباب، ولا يعني أنه معصوم بمعنى أن جميع أحكامه صواب، هو كغيره يخطئ ويصيب، لكن الصواب أكثر، وسيأتي في ميزان الرواة، أنه ينظر إلى الخطأ والصواب، إن كان صوابه أكثر يؤخذ بقوله والشيخ رحمه الله تعالى تعد أخطاؤه باليد، يعني يسيرة، ما يوجد شيء بالنسبة لجهوده، وإصابته.
أفضل كتاب للمبتدئين في المتون والأسانيد يعني في تقرير فن الاصطلاح؟
قلنا: النخبة، وهذا يكاد يكون جامعا لمقاصد ..
يقول: لماذا التقيد بهذه الدورات، لماذا لا يكون هناك درس ثابت؟
درس ثابت وين؟ إذا كان يقصد في هذا المسجد، ففيه شُقة، شُقة بعيدة، يعني علينا جدا، صعب أن نلتزم بدرس في هذا المسجد، وأما بالنسبة للدروس في المساجد القريبة من البيت، فهي لله الحمد كثيرة سبعة دروس في الأسبوع- إن شاء الله- . كافية.
يقول كيف نجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا؛ ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وبين قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء في ذكر العمل في آخر الزمان وهو يعدل عمل خمسين من الصحابة كما جاء في الحديث؟
نعم العمل في مقابل العمل يعدل خمسين، لكن الصحبة لا يعدلها شيء.
يقول: ما الفرق بين قاعدة سد الذرائع، وتحريم الحلال؟
الحلال الموصل إلى الحرام ينبغي منعه، الحلال الذي يتوصل به إلى الحرام، ينبغي سده، وهذه الذرائع الموصلة للحرام، ففرق بين حلال لا يوصل إلى حرام، هذا لا يجوز تحريمه، وبين حلال يتوصل به إلى حرام، أو هو بطبعه موصل إلى حرام ووسيلة إلى الحرام هذا يجب منعه.
يقول: أليس الحجامة تضعف الصائم؟ أفلا يفهم من هذا أن ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فعل كمال، حيث يحتجم ولا يضره ذلك.
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي من القوة على العبادة ما لم يعطه غيره، لكن الأصل في أفعاله الاقتداء والاقتفاء.(1/227)
يقول: إننا نعرف بأن في العالم الإسلامي اليوم مقلدون للمذاهب الأربعة، فما حكم التقليد؟ ومن الذي يقلد ومن الذي لا يقلد؟ وهل التقليد للعامي فقط؟ وما المراد بالعامي؟. وهل طلاب العلم يدخلون فيه يقصد يدخلون في العامي.؟
الله جل وعلا فرض على العامي ومن في حكمه يعني في حكم العامي كل من ليست لديه أهلية النظر في النصوص والموازنة بينها والتعامل معها على قواعد صحيحة سليمة عند أهل العلم هو في حكم العامي فرضه تقليد أهل العلم، سؤال أهل الذكر فالعامي ومن في حكمه فرضهم التقليد فطالب العلم المبتدي حكمه حكم العامي، والمتوسط أيضا الذي لا يستطيع ولا يتمكن من الموازنة بين النصوص، والنظر فيها على القواعد المعروفة عند أهل العلم، والنظر في أقوال أهل العلم وأدلتهم، والموازنة بينها وترجيح الراجح.
فمثل هذا حكم العامي، يقلد ومن الذي يقلد، يقلد أهل العلم من استفاض ذكرهم في الأمة، لأنهم علماء أهل علم وعمل، فيقلدهم العامي، ويجتهد في هذا والاستفاضة في هذا كافية.
يقول: ما أفضل شرح لسنن الترمذي؟
أفضل شرح، لكنه معدوم، على ما نقل عنه وذكر شرح ابن رجب- رضي الله عنه- وهو معدوم بالكلية ما عدا شرح الجزء الأخير وشرح العلل، يليه شرح ابن سيد الناس، وتكملته للحافظ العراقي، ومن أفضل ما كتب على سنن الترمذي، وهو الآن جاهز ينتظر الطبع، هناك أيضا شرح ابن العربي رحمه الله تعالى، عارضة الأحوذي؛ شرح فقهي عنايته بالصناعة قليلة الصناعة الحديثية، لكن فيه من الفقه ما فيه، وطباعته سيئة جدا، تجعل طالب العلم لا يستفيد منه، وهو مختصر، و. تحفة الأحوذي وهو أمثل من شرح ابن العربي لجمعه بين الصناعة الحديثية والاستنباط.
رجل له عدد من الأولاد لم يستطع القيام بعقيقة، لعدم تيسر ذلك، ثم بسط الله له الرزق، فهل له أن يذبح له سبعا منهم بدنة أو بقرة(1/228)
يقولون إن العقيقة لا يصلح فيها الاشتراك، لأن الله أعطاك رقبة كاملة؛ فاذبح رأسا كاملا، قياسا على الأضحية ومنهم من يقول: إن الحكم واحد، فالأضحية والعقيقة والهدي حكمها واحد عند بعض أهل العلم، لكن إن تيسر أن تكون العقيقة من الضأن فهي أفضل.
يقول: ذكر بعض العلماء أن لفظة غريب يختلف . علماء المصطلح به، وإطلاق الأوائل له فكيف ذلك، ما معنى قول الإمام أحمد: .الحديث قول . أو غريب. ؟
على كل حال الإطلاقات تختلف من إمام إلى آخر، وينبغي لطالب العلم أن يعنى بهذا، ويعرف اصطلاح كل إمام على حدة، فلا شك أن الإمام أحمد وغيره يطلق الغريب ويريدون به التفرد، ويطلقون مثله الغرابة التي تقابل المحفوظ، ويطلقون النكارة، ويريدون به التفرد، ويطلقون الشذوذ، ويريدون به التفرد، المقصود أن الاصطلاحات لا بد أن تدرس اصطلاح كل إمام على حدة، ولعل هذه الألفاظ ترد عند شرحنا لبعض الأنواع القادمة.
يقول ولدت زوجتي ولدي السابع، ودعوت الله أن يقبض روحه، لأني خشيت أن يصاب بإعاقة؛ فيتكدر في حياته، فهل عليّ في ذلك شيء؟
عليك أن تصبر، تصبر على ولدك، وإن كان معاقا وإن تعبت من . فلا شك أن هذه مصيبة تؤجر عليها، وبقدر صبرك عليها تؤجر، والله جل وعلا هو الواهب، هو المعطي، وهو الآخذ، فيهبك ولدا ذكرا جميلا ذكيا موفقا، هذه نعمة تحتاج إلى شكر.
واعلم أنها ليست منحة من كل وجه، لأن هذا الولد عرضة، والعين إليه أسرع من غيره، وكم من شخص ولد من هذا النوع؛ فتكدر بقية حياته، فالخيرة لا يعلمها إلا الله جل وعلا، والأمور غيب فلعل الإنسان يولد ولد ذكاؤه أقل، أو بنيته أقل، أو فيه شيء من الإعاقة، ويرزق بسببه، تفتح له أبواب الخير بسببه، وقد يدعو له وينكسر بين يدي الله جل وعلا من أجله؛ فيتعرف على الله، ينكسر بين يديه؛ فتفتح له أبواب تفيده في دينه.(1/229)
وكم فتح للمصاب، شخص يصاب بمرض، يظنه شرا محضا، وعاقبته حميدة، وهو إلى الخير أقرب، لأن الإنسان ما دام في حال الصحة والعافية وتيسر الأمور، قد لا يضطر إلى اللجوء إلى الله جل وعلا، لأن الإنسان إذا اضطر إلى القرب من الله جل وعلا بسبب مرض، أو بسبب مصيبة تصيبه، هذه منح إلهية، وإن كان ظاهرها أنها مصيبة، لكن كثير من المصائب منح إلهية لاسيما مع الصبر والاحتساب، ومن المصائب ما هو كفارة للذنوب ورفع للدرجات؛ فلا تجزع.
كن صابرا للفقر وادّرع الرضا
بما قدر الرحمن واشكره واحمد
يقول ما حكم السحب من مكائن الصرف الآلي في البنوك الربوية، وأنا أحمل بطاقة صراف الراجحي؟
هذه البنوك تأخذ عليك زيادة، أو على البنك الذي تتعامل معه، المقصود أن هذه الزيادة محرمة.
أسباب الرد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وجُمْلَةُ الأَسْبَابِ منها تُحْصَرُ
خَمْسَةَ عَشْرٍ فادْرِ ما أُسَطِّرُ
جملة الأسباب التي يتطرق الخلل أو الضعف إلى الخبر منها خمسة عشر.
جملة الأسباب التي بسببها يرد الخبر، تنحصر في خمسة عشر.
كيف؟ الطعن في الراوي . طيب.
وكُلَّما شَرْطَ القَبُولَ فَقَدا
فَهُوَ مِنَ المرْدُودِ لَنْ يُعْتَمَدا
شروط القبول التي تقدمت خمسة:
عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال الإسناد، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة القادحة.
فالضعف في الحديث وسبب رده يعود إلى انتفاء واحد من هذه الخمسة.
نعم، ويمكن إجمالها في اثنين: في السقط من السند، والطعن في الراوي.
الطعن في الراوي، والسقط من الإسناد، وكل واحد من هذين الاثنين ينشأ عنه فروع، فمثلا الطعن في الراوي، الطعن في الراوي إما أن يكون متجها إلى عدالته، أو إلى ضبطه.(1/230)
وأوجه الطعن المتجهة والمتعلقة بانتفاء العدالة خمسة، ثم بعد ذلك السقط من السند؛ إما أن يكون ظاهرا جليا ، وإما أن يكون خفيا، فالظاهر: إما أن يكون من مبادئ السند من أوله جهة المصنف، أو من أثنائه بواحد، أو من أثنائه بأكثر من واحد، أو من نهايته من أعلاه، طرفه الذي هو الصحابي.
والسقط الخفي: إما أن يكون من معاصر لم يلق أو من معاصر لقي، هذه الخلاصة فعندنا.خمسة عشر، وجملة الأسباب والطعن في الراوي والسقط في السند . هذان هما الركنان.
نعم القطبان، السببان الرئيسان في رد الأخبار؛ إما طعن في راويه أو سقط في إسناده؛ لأنه لا بد أن يكون الراوي ثقة عدلا ضابطا فإذا اختل أحدهما رد الخبر. أيضا لا بد أن يكون الإسناد متصلا بمثل هذا الراوي العدل الضابط إلى منتهاه؛ فالمدار الذي عليه قبول الأخبار ثقة الرواة واتصال الأسانيد، ثقة الرواة يخرم هذه الثقة ما يتعلق بانتفاء العدالة، وما يتعلق بانتفاء الضبط.
ويتعلق بانتفاء العدالة خمسة أمور:
الكذب؛ التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، خمسة أشياء.
ويتعلق بانتفاء الضبط خمسة أشياء:
الوهم، وسوء الحفظ، وفحش الغلط، مخالفة الثقات، وأيضا..
نعم؟ فحش الغلط، عندنا: الوهم، وسوء الحفظ، وفحش الغلط، مخالفة الثقات، وأيضا الغفلة، هذه متعلقة بالعدالة، وهذه متعلقة بالضبط، ما يتعلق بالسقط مع الإسناد، عرفنا أنه ينقسم إلى قسمين: جلي، وخفي. جلي لا يخفى على آحاد المتعلمين وإدراكه سهل، وخفي لا يدركه إلا المتخصصون.
والجلي: يعرف بعدم التلاقي، يعني بعدم المعاصرة، السقط الظاهر، إذا رجعت إلى ترجمة هذا؛ وجدت الشيخ توفي سنة مائة، والتلميذ ولد سنة مائة وعشرة، سقط ظاهر، لكن إذا رجعت إلى الترجمة؛ وجدت الشيخ توفي سنة مائة، والراوي عنه ولد سنة ثمانين، لكن هذا في أقصى المشرق، وهذا في أقصي المغرب.(1/231)
فالمعاصرة موجودة، لكن التلاقي لم يثبت، فإذا روى من حاله هكذا؛ فهو سقط خفي، ويعرف بالمرسل الخفي، إذا مات الشيخ سنة مائة، وولد الراوي عنه سنة ثمانين؛ فالمعاصرة موجودة، وعرفنا أنهما حجا في سنة واحدة، والتقيا، لكن لا نعرف أنه سمع منه شيئا، فروى عنه ما نجزم أنه لم يسمعه منه، نعم هذا يسمى تدليس وتفصيل هذه الأمور ستأتي.
وجُمْلَةُ الأَسْبَابِ .......
....................................
يعني على سبيل البسط.
وجُمْلَةُ الأَسْبَابِ منها تُحْصَر
خَمْسَةَ عَشْرٍ فادْرِ ما أُسَطِّرُ
فَخَمْسَةٌ تَخْرُجُ بالعَدالةِ
..........................
اشتراط العدالة يخرج الخمسة التي هي: الكذب، التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة.
بيان الخبر الموضوع
فَخَمْسَةٌ تَخْرُجُ بالعَدالةِ
أَسْوَؤُهَا الكِذْبُ بِلاَ مَحَالَةِ
أسوأ ما يطعن به الراوي الكذب، والمراد به الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، فذاك موضوع يعني حديث من اتصف بالكذب، من عرف بالكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، حديثه الموضوع، حديثه يسمى موضوع، يعني مكذوب، مختلق على النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا النوع من الأحاديث لا تجوز روايته، إلا لبيان وضعه.
ولا بد أن يقال: هذا موضوع، هذا مكذوب، هذا مختلق، مصنوع، لم يقله النبي عليه الصلاة والسلام، ولا بد من البيان في البيان، يعني لا يكفي أن تصعد المنبر، وتأتي بحديث موضوع، ثم تقول هذا حديث موضوع، لا يكفي في هذه الأزمان، لا يكفي أن تأتي بحديث موضوع، وتقول: هذا موضوع وتبرأ من العهدة، ما تبرأ، لأن السامع قد لا يفهم معنى موضوع.
وقد حكم الحافظ العراقي على حديث بأنه مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام؛ فقام شخص عليه أثر العلم، وهو أعجمي، فقال: كيف يا شيخ تقول مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالإسناد، يروى بالإسناد عن النبي عليه الصلاة والسلام في كتب السنة؟(1/232)
قال: إذا تحضره لنا، فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي؛ فتعجبوا من كونه لا يعرف الموضوع منه، ونريد بهذا أن الأئمة والخطباء لا يكفي، ولا تبرأ العهدة أن يقول: هذا موضوع، بل لا بد أن يبين معنى كلمة موضوع؛ لأن بعض الناس قد لا يفهمون.
والوضع في الحديث، الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام موبقة من الموبقات، عظيمة من عظائم الذنوب، كبيرة من الكبائر: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار نسأل الله السلامة، وقد حكم بعضهم بكفر من يتعمد الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه قول شاذ، لا يعمل به.
نعم، هي كبيرة من كبائر الذنوب، لكن لا يخرج بها عن الدين، وحكم روايته الرد، حديثه مردود ، جميع أحاديثه، حكم جميع أحاديثه الرد، لا يقبل منه أي حديث، فإن تاب من الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال بعضهم: لا تقبل توبته، أيش معنى لا تقبل توبته؟
بمعنى أنه لا يقبل حديثه، لا يقبل حديثه، وأما توبته إن كانت بشروطها فالله جل وعلا يتولاه في الآخرة، وليس الكذب على النبي أعظم من الشرك الذي يتاب منه، وهذا بينه وبين ربه، إن صدق في توبته؛ فالتوبة تهدم ما كان قبلها، لكن يبقى أن حديثه مردود، ومنهم من يقول: تقبل توبته ويقبل حديثه كغيره من مرتكبي الكبائر.
فَذَاكَ مَوْضُوعٌ ومَنْ بِهِ اتُّهِمْ
وَلَمْ يَبِنْ عنه فَمَتْرُوكٌ وُسِم
يقول:
فَذَاكَ مَوْضُوعٌ ومَنْ بِهِ اتُّهِمْ
....................................
ومن بالكذب اتهم، إذًا عندنا كذاب، ومتهم بالكذب، الكذاب: الذي سبق وحديثه الموضوع ، والذي يتهم بالكذب دون الموضوع، وحديثه يسمى المتروك، حديثه يسمى المتروك، لكن متى يتهم الراوي بالكذب؟(1/233)
إذا عرف بكذبه في الحديث العادي بين الناس، معروف الكذب مهنته؛ يكذب على فلان، وعلى فلان، وعلان، صار عادته وديدنه الكذب، لكن لم يعرف عنه الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، في هذه الحالة يتهم بالكذب، وكذلك إذا روى حديثا لا يعرف إلا من طريقه، ويكون مخالفا للقواعد العامة، يسمى أيضا متهم بالكذب، وحديث حينئذ متروك.
.....................
وَلَمْ يَبِنْ عنه فَمَتْرُوكٌ وُسِم
يعني وسم حديثه بأنه متروك.
الكذب على النبي
وَمَنَ عَلَى النَّبِىْ تَعَمُّداً كَذَبْ
.............................
ومن تعمد الكذب على النبي عليه الصلاة والسلامْ فليرتد المقعد فليتخذ، فليتبوأ، فليهيئ لنفسه مقعدا من النار.
..............................
فَلْيَرْتَدِ الْمَقْعَدَ مِنْ ذَاتِ لَهَب
وهي النار- نسأل الله السلامة والعافية- الجويني والد إمام الحرمين يحكم بكفر من تعمد الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام.
وينقل عن ابن الجوزي أنه يكفر من يتعمد الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام في تحليل حرام، أو تحريم حلال، في باب الحلال والحرام خاصة، وكلاهما قول ضعيف، وأهل السنة لا يكفرون بالذنوب.
المعروف عند أهل السنة أنهم لا يكفرون بالذنوب، خلافا للخوارج، ومسألة التكفير أمر شنيع، وأمر من سيم الخوارج، الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، هذه سيماهم: التكفير بالذنوب وهذا باب خطير، لأنه إذا كفر من لا يستحق الكفر، إن كان المكفر أهلا، وإلا حارت عليه - نسأل الله السلامة- رجعت عليه.
ومَنْ يُحدِّثْ بِحَديثٍ يَعْلَمُ
.............................
أو يَعلم تكذيبه، يُعلم تَكْذِيبَهُ على الضبطين
....................................
تَكْذِيبَهُ عليه مِنْهُ قِسِمُ(1/234)
من يحدث بحديث يُعلم أنه كذب أو يَعلم أنه كذب على الضبطين، عليه مِنْهُ قِسِمُ عليه الإثم من الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في الحديث الذي خرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن النبي عليه الصلاة والسلام: من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب لا يلزم أن يراه هو بنفسه، فهو أحد الكاذِبَين أو الكاذبِين، على اختلاف ضبطها من حدث عني بحديث يُرى الضبط الثاني: من حدث عني بحديث يَرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين يَرى أو يُرى ما الفرق بينهما؟
نعم، يعلم أنه كذب، هذا إذا علم بنفسه فهو أحد الكاذبين، لكن إذا لم يعلم بنفسه ما نقل عنه بنفسه وإن اطلع عليه غيره فهو أحد الكاذبين، على كل حال هذه أسهل، يرى أنه كذب لكن الإشكال في رواية يُرى أنه كذب، هذه تجعل طالب العلم يحتاط أشد الاحتياط لما يضيفه إلى النبي عليه الصلاة والسلام. يحتاط أشد الاحتياط لما يضيفه إلى النبي عليه الصلاة والسلام خشية أن يكون غير ثابت وهو لا يدري؛ فعليه منه قسم من الكذب قسم ونصيب وقسم لأنه كما في الحديث أحد الكاذبين؛ فالمسألة خطيرة على طالب العلم أن يحتاط؛ يدرب نفسه ويمرن نفسه ألا ينسب للنبي عليه الصلاة والسلام إلا ما ثبت عنده أنه من قوله عليه الصلاة والسلام أو مثله. نعم.
خبر الفاسق والمبتدع
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
-لعل بعضهم يستدرك يقول: قل وللسامعين ليشمل الحاضرين في المسجد والمستمعين خارج المسجد، نعم-.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
-والمستمع كما هو معلوم أخص من السامع لأنه قد يمر في طريقه إلى المسجد، ويسمع لكنه غير مستمع، فالقارئ لا يريد أن يدخل مثل هذا لأنه لم يقصد التحصيل. نعم-.
أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:(1/235)
وَالثَّالِثُ الفِسْقُ بِدُونِ المُعْتَقَدْ
والرَّابِعُ البِدْعَة عندَ مَنْ نَقَدْ
فَمَا رَوَاهُ فَاسِق فَقَدْ دَخَلْ
فِي منكَرٍ في رأي بَعْضِ مَنْ نَقَل
وفي قَبُولِ خَبَرِ الْمُبْتَدِع
خُلاصَةُ الْبَحْثِ سأُمْلِيه فَعِ
مَنْ لَمْ تَكُنْ بِدْعَتُهُ مُكَفِّره
ولَيْسَ دَاعِياً لها فَاعْتَبِرَه
مَعْ حِفْظٍ دِيْنِهِ وَصِدْقِ لَهْجَتِهْ
لا إنْ رَوَى مُقَوِّياً لِبِدعَتِهْ
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: والثالث بعد الكذب، والاتهام به، والثالث من أوجه الطعن المتعلقة بانتفاء العدالة الفسق: وهو الخروج عن التدين. الفسق بدون المعتقد يعني: الفسق بمخالفة الأوامر والنواهي، بترك الأوامر، وفعل النواهي، يعني الفسق خلاف التقوى، خلاف التقوى، فإذا كان الله جل وعلا إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فيقابلهم الفساق الله- جل وعلا- لا يتقبل منهم، كما هو مفهوم الآية، ومعنى عدم القبول هنا: انتفاء الثواب لا بطلان العمل، انتفاء الثواب المترتب على العبادة .
فالفاسق الذي يترك بعض الواجبات، أو يرتكب بعض المحرمات، ليس بعدل، وفي الشهادة تطلب العدالة، وحكمها الرواية، فالفاسق لا يقبل خبره، إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا قراءة أخرى: فتثبتوا
والثالث الفسق بدون المعتقد
....................................
يعني بفعل الأفعال العملية، وليس المراد بالفسق بارتكاب المخالفات العقدية، لأن هذا مبحث خاص، وإن كان فاسقا، إلا أن مبحثه خاص وهو البدعة.
..... بدون المعتقد
والرابع البدعة......
أيهما أعظم، يترك الواجبات أو يفعل المحرمات؟
ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه من خلال هذا النص أيش تفهم؟(1/236)
إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه أن النواهي أشد يعني: ارتكاب المحرمات أشد من ترك الأوامر، لهذا يقولون: ارتكاب المحظورات من باب المفاسد، وفعل المأمورات من باب المصالح، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
نعم، ولذا ينبغي أن تكون العناية بالنهي عن المنكر أكثر من الأمر بالمعروف، وإن كانا قرينين، نعم لأن ارتكاب المنكر ضرره يتعدى.
على كل حال المسألة خلافية، الحديث يفهم منه أن فعل المحظور أعظم من ترك المأمور، وشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- يرى العكس؛ ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، لماذا؟
لأن معصية آدم عليه السلام بفعل محظور، ومعصية إبليس بترك مأمور، ومعصية إبليس أعظم من معصية آدم، هذه حجته- رحمه الله- واضحة حجته ولا ما واضحة؟
واضحة لكن، هل يستقيم أن يطرد القول بأن هذا أعظم أو ذاك؟ نعم، لا يستقيم، لأن المأمورات متفاوتة، والمحظورات متفاوتة، فإذا كان المقابل من مأمور عظيم محظور يسير؛ صار ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، والعكس، يعني أنت مطالب بصلاة الجماعة في المسجد، هذا واجب، وفعله من باب فعل المأمور، وترك الصلاة مع الجماعة، من باب ترك المأمور، صح ،ولا ،لا ،وأنت في طريقك إلى المسجد منكر لا تستطيع تغييره، منكر ، ناس في طريقك تقول لهم: صلوا، ما يصلوا وتكرر عليك هذا المنكر، نقول هذا مبرر لترك الجماعة في المسجد، نعم نقول: لا، ليس بمبرر، بل تركت المأمور صرت وقعت في أعظم من المحظور المترتب على الفعل.
لكن افترض أن في طريقك المسجد بغي وعندها ظالم، لا تمر حتى تقع عليها، أيهما أعظم؟ نقول في هذه الحالة: صل في بيتك، اترك المأمور، ولا تفعل المحظور، فالمحظورات والمأمورات متفاوتة منها الأوامر الشديدة التي لا يمكن الإخلال بها بحال مهما ارتكبت في طريقها من محظور إذا كان دونها، والعكس، فلا يطرد القول لا في هذا ولا هذا.(1/237)
نعم، قد يحتفّ بالمعصية ما يجعلها أعظم من قدرها المحدد .شرعا، نعم قد يحتف بها، أنك عاص، معصية واحدة يرتكبها اثنان، معصية واحدة يرتكبها اثنان، نعم، واحد يدخل بها النار، وواحد يدخل بها الجنة، هذا حصل له من الذل والانكسار. والندم قد يدخل بها الجنة، والثاني: لا، حصل معه، مع ذلك الاغترار والاستكبار، نعم وحصل الاستخفاف بها، تضاعفت في حقه، وهي المعصية الواحدة ، فالمحظورات تتفاوت، والمأمورات أيضا تتفاوت.
وَالثَّالِثُ الفِسْقُ بِدُونِ المُعْتَقَدْ
والرَّابِعُ البِدْعَة عندَ مَنْ نَقَدْ
البدعة: عرفوها في اللغة بأنها ما عمل على غير مثال سبق. وعرفوها في الاصطلاح: ما تُعُبد به من غير أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة.
يعني الأمر الذي يتعبد به مما لم يسبق له شرعية بالكتاب ولا بالسنة، لأن العبادات توقيفية، والبدع كلها مذمومة؛ لأن ثبت في الحديث: أن كل بدعة ضلالة وبعضهم يقسم البدعة: إلى بدع محمودة، وبدع مذمومة، وهذا التقسيم مردود بالحديث الصحيح: كل بدعة ضلالة
النووي، ابن حجر، العز بن عبد السلام ؛ مجموعة من أهل العلم يرون أن البدع تنقسم إلى ما يحمد وإلى ما يذم.
وقسمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة التكليفية، بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، لكن الشاطبي رد هذا التقسيم، وقوض دعائمه، وقال: إنه مبتدع، مخترع، مذموم، هذا التقسيم.
ولمن قسم البدعة إلى مذمومة و محمودة يتشبث بمثل قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: نعمت البدعة، والشاطبي يقول: هذه بدعة مجاز، وليست حقيقة، مجاز وليست حقيقة، وشيخ الإسلام يقول: بدعة لغوية، وليست بدعة شرعية، وهي ليست لا بدعة لغوية، ولا شرعية؛ لأنها لو كانت بدعة لغوية قلنا: إنها عملت على غير مثال سابق، وقد سبق لها المثال من فعل النبي عليه الصلاة والسلام.(1/238)
فليست لغوية ولا شرعية، إنما تعبير عمر رضي الله عنه بتسميتها بدعة هذا من باب المشاكلة والمجانسة . كأن قائلا قال له: ابتدعت يا عمر، أو خشي أن يقال له: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة ، وأسلوب المشاكلة معروف من النصوص في لغة العرب معروف. نعم.
....................
والرابع البدعة عند من نقد
أي عند النقاد مما يخل بعدالة الراوي البدعة.
فَمَا رَوَاهُ فَاسِق فَقَدْ دَخَلْ
....................................
فاسق ممن يفعل المحرمات أو يترك بعض الواجبات.
فَمَا رَوَاهُ فَاسِق فَقَدْ دَخَلْ
فِي منكَرٍ في رأي بَعْضِ مَنْ نَقَل
يعني عند من لا يشترط في المنكر المخالفة، فيمن لا يشترط في المنكر المخالفة، وإنما يدخل فيه رواية الفاسق، ومعه ما سيأتي.
فَمَا رَوَاهُ فَاسِق فَقَدْ دَخَلْ
فِي منكَرٍ.....................
وسيأتي في الشاهد بالمنكر بحث مستقل إن شاء الله تعالى.
فعند من لا يشترط قيد المخالفة يدخل رواية الفاسق في المنكر، أما من يشترط قيد المخالفة على ما سيأتي فيقول المنكر: ما رواه الضعيف مخالفا فيه الثقات.
وفي قَبُولِ خَبَرِ الْمُبْتَدِع
خُلاصَةُ الْبَحْثِ سأُمْلِيه فَعِِ
في قبول خبر المبتدع خلاف طويل بين أهل العلم، في قبول خبر المبتدع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من رد أخبار المبتدعة رأسا، كل من هم مبتدعة لا يقبل خبره، هذا قول لبعض أهل العلم، ومنهم من قبل خبر المبتدع مطلقا، هذان قولان متقابلان، ومنهم من .فصل، والخلاف في المبتدع الذي لا يكفر ببدعته، لا تصل بدعته إلى حد الكفر.
وفي قبول خبر المبتدع
خلاصة بحث سأمليه.....
يعني في الأبيات اللاحقة.
فعِ: أمر من الوعي، وهو الانتباه انتبه لما يرويه الشيخ، وهذا من أفعال الأمر التي تأتي على حرف واحد، عِ، ق: أمر من الوقاية، وهذا أمر من الوعي انتبه.
نعم.
من لم يكن بدعته مكفرة
....................................(1/239)
يعني: من فسق ببدعته وهو مقابل للفاسق بدون المعتقد، الذي سبق التنبيه عليه، من فسق ببدعته بحيث لا تصل بدعته إلى حد الكفر.
....................................
ولَيْسَ دَاعِياً لها فَاعْتَبِرَه
وليس داعيا لها يعني، لبدعته، فاعتبر: يعني أخرج الشيخ رحمه الله من كُفر ببدعته، وأخرج أيضا الدعاة إلى البدع.
فاعتبره: تقبل روايته، إذا لم يكن داعيا لبدعته، ولم يخرج ببدعته عن دائرة الإسلام، أما من كفر ببدعته فهذا خارج، لأن الإسلام شرط في الرواية؛ فلا تقبل روايته، ومنهم من يقول المبتدع، وإن حكم بكفره من خلال المعتقد، ما لم ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة؛ فروايته مقبولة إذا لم ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، لأنه إنما ارتكب هذه البدعة لشبهة عنده نوع شبهة لا بمعاندة، يعني يختلف من اشتبه عليه فهم النصوص مثلا، وارتكب أمرا مخرجا عن الملة بنوع شبهة، لوجود اشتباه في النصوص يختلف عمن عاند، وخلع ربقة الدين من غير شبهة عند هؤلاء، وهذا مرجح عند بعض العلماء، وممن يرجحه.، إذا كانت بدعته مكفرة بإنكار أمر معلوم من الدين بالضرورة.
ويقولون: إن كل طائفة قد تكفر مخالفيها أو بعض مخالفيها، ثم الطائفة تكفرها طائفة أخرى، وحينئذ لا نعرف من يقبل خبره ومن لا يعرف خبره ، فمثلا كثير من أهل السنة كفروا الجهمية، والجهمية كفروا الحشوية والمجسمة، بناء على أن إثبات النصوص تجسيم ، فهم يقولون بهذا، إن هؤلاء يكفرون، وهؤلاء يكفرون، المعتزلة قالوا بخلق القرآن، وجمع من أهل العلم كفروا من قال بخلق القرآن، نعم، وبالمقابل المعتزلة قد يكفرون أهل السنة، وهكذا.
هذه حجة من يقول إن المبتدع ولو كفر ببدعته، ولو كُفّر ببدعته، ما لم ينكر أمرا معلوما بالضرورة لأن كل طائفة قد تبالغ وتكفر مخالفيها، والجهمية كفرهم جمع غفير من أهل العلم.
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
عشر من العلماء في البلدان(1/240)
خمسمائة عالم كفرهم، كفروا من يقول بخلق القرآن، المقصود هل هذا يكفي لرد الرواية؟ الشيخ رحمه الله تعالى ما لم تكن بدعته مكفرة، واقتفى في ذلك أثر ابن الصلاح، لأن ابن الصلاح أخرج من كفر ببدعته من دائرة القبول جملة وتفصيلا، لكن يبقي أننا هل مثل هذا الكلام يسوغ أن كل طائفة تكفر الأخرى، نعم نقول : المقياس الكتاب والسنة، نعم والمرد إليهما، فمن خالف الكتاب والسنة نعم وخرج عن دائرة الإسلام بمخالفة الكتاب والسنة هذا لا كرامة.
قد يعود علينا القائل ويقول: من الذي يحكم بأن هذه الطائفة هي التي اقتفت أثر الكتاب والسنة والطائفة الأخرى لم تقتفِ؟
هذه أمور لا تنتهي، نستمر في دوامة، فإذا كنا في شك من أمرنا وديننا..
نعم، فأهل الحق يعرفون أنهم على الحق بالطرق الشرعية المتبعة والحق أبلج؛ لا يخفى على أحد، فمن كفر ببدعته لا تقبل روايته، ولا كرامة.
قد يقول قائل: لماذا لا نرد أحاديث المبتدعة جملة وتفصيلا، لأن البدع أعظم من الكبائر، ومرتكب الكبيرة فاسق فلا تقبل روايته ؟
نقول كلامك جميل، وجيد، واحتياط للدين، واحتياط للسنة، لكن ماذا تفعل في الرواة الذين رموا بالبدعة وخرج لهم في الصحيحين، ماذا تصنع؟ نعم لا بد من قبول روايتهم، كتب السنة طافحة بالرواية عن المبتدعة، وأهل السنة أهل إنصاف، أهل السنة أهل إنصاف، إذا توافرت شروط القبول في الراوي بأن كان متدينا، ولو خالف في المعتقد بنوع شبهة لا بمعاندة، وأداه اجتهاده إلى هذا، وتحلى بالصدق على ما سيأتي من كلام الشيخ.
مع حفظ دينه وصدق لهجته
.......................
فأهل السنة أهل إنصاف.
من لم تكن بدعته مكفرة
وليس داعيا لها فاعتبره
يعتبر ويقبل خبره وكتب السنة شاهدة بها، بما في ذلك صحيح البخاري وصحيح مسلم وبقية الكتب، وأشد الأئمة على المبتدعة الإمام مالك رحمه الله تعالى، لكن لا مندوحة لنا من قبولهم؛ لأن أحاديثهم موجودة في الصحيحين وغيرهما.
مع حفظ دينه وصدق لهجته(1/241)
لا إن روى مقويا لبدعته
مع حفظ دينه وصدق لهجته
لأن المعول في الرواية على الصدق، وبعض طوائف المبتدعة يتحاشون الكذب أكثر من كثير من أهل السنة، دعنا من الرافضة أهل بهت وأهل كذب، والإمام الشافعي نص في مواضع من كتبه أنه يقبل أحاديث أهل الأهواء إلا الرافضة ونص على الخطابية منهم لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم، الخوارج وهم يرون كفر مرتكب الكبيرة، يتحاشون الكذب، ومع ذلك قد يقع فيه بعضهم، إن صح الخبر عن خارجي تاب، فقال: كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا، فقد يقع من الخوارج وهم أهل تحري في هذا الباب.
مع حفظ دينه وصدق لهجته
....................................
فإذا عرف بصدق اللهجة قبلت روايته.
....................................
وليس داعيا لها فاعتبر
ابن حبان نقل الاتفاق على أن الداعي إلى البدعة لا يقبل خبره، فأخرجوه من الخلاف، وابن حزم يرى أن الداعية أولى بالقبول من غير الداعية، لماذا؟
حجة الجمهور أن الداعية إن تحمس لدعوته نعم؛ لا بد أن يثبت رأيه بشيء يستند إليه، فقد لا يجد من صحيح السنة ما يدعمه، ولا بد أن يوجد ما يستند إليه؛ فيضطر حينئذ إلى الكذب، هذا الداعي.
ومع ذلك إذا رأى ما يؤيد بدعته؛ فكن على وجل، فكن على وجل من روايته، لا شك أن تأييد البدعة برواية من مبتدع يعتنقها، هذا يوجد ريبة في قلب السامع، لكن يرد على الداعية مع العلم صدق اللهجة.
البخاري- رحمه الله تعالى- خرج لعمران بن حطان، وكان داعية إلى مذهب الخوارج، والحافظ ابن حجر يقول: ما المانع للتخريج له وقد عرف بصدق اللهجة، وقال العيني متعقبا له: أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟!
واضح ولا ما هو واضح، ابن حجر يقول: ما المانع من قبول روايته، وقد عرف بصدق اللهجة؟(1/242)
من الأمور المسلم بها أن الخوارج أصدق طوائف البدع في الكلام، وأكثرهم تحاشيا للكذب، لكن نسأل الله تعالى السلامة والعافية، يعني: زيادة حرصهم على الخير مع الجهل والزيادة على المطلوب شرعا، وتعدي ما حد الله جل وعلا لعباده، هذا يوقع الإنسان في هذه البلية، وهي الغلو والتطرف، والتشدد والخروج.
هذه آفات لأن الشيطان ينظر في العبد، فإن وجده متساهلا متراخيا؛ زاده تساهلا، وثبطه عن الطاعات، وإن وجد عنده نوع حرص على العبادة؛ دفعه على أنه هيأ له أن يزيد على ما شرعه الله- جل وعلا- وكلاهما مذموم.
يقول: أي مانع من قبول روايته، وقد عرف بصدق اللهجة؟ لأنه من الخوارج، وقد عرفوا بصدق اللهجة، لكن العيني تعقبه بقوله: أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟
عمران بن حطان له قصيدة يمدح فيها ابن ملجم الذي قتل عليا رضي الله عنه، لكن القتل والمدح عندهم ديانة.
.. عن .إقناعه، لا يمكن، ديانة، فهو يتحمس لما يراه حقا، ولنذكر في هذا قول ابن حزم: إن الداعية أولى بالقبول من غير الداعية، لأنه أكثر حماسا لدينه، هو يرى أن هذا الحق، وهل تكفي رؤية الإنسان لنفسه أن هذا هو الحق؟
نعم؟ لا يكفي، لا يكفي، على الإنسان أن يتهم نفسه باجتهاداته. نعم إذا كان من الإطلاع الواسع وأهل النظر التام ، نعم يجتهد، أما أن يكون عنده قصور في بعض الأمور، ويجتهد، ويخالف الأئمة، ويركب رأسه، ويزعم أن رأيه هو الصواب، وأن رأيه غير خطأ، هذا خذلان للمرء، لا بد أن يتهم الإنسان نفسه، وقد يجد الإنسان نصا دلالته على ما يراه مثل الشمس، لكنه يغفل عما يعارضه أو يقيده أو يخصصه، يغفل عن الطرف الآخر!(1/243)
والنصوص لا شك أنها علاج، النصوص علاج، تجد من النصوص الصحيحة الصريحة ما يؤيد مذهب الخوارج، وتجد من النصوص الصحيحة الصريحة ما يؤيد مذهب المرجئة مثلا، ولذا نظر بعضهم بهذه العين التي لا تنظر إلى هذه النصوص، نصوص الوعيد، ونظر آخرون بالعين الأخرى التي لا تقرر إلا الوعد، ووفق الله أهل السنة بأن نظروا إلى الأمرين معا، ووفقوا بين الطرفين؛ فخرجوا بالرأي الوسط بين الخوارج والمرجئة.
طيب، نرجع إلى عمران بن حطان، وكلام ابن حجر، ورد العيني، الخلاصة؛ الخلاصة: خرجه البخاري فمنهم من يقول: إن البخاري خرج عنه ما رواه قبل أن يعتنق مذهب الخوارج، ويذكرون في هذا قصة، ومنهم من يقول: إنه تاب في آخر عمره عن مذهب الخوارج، وكان في رواية الحديث عنه بعد أن تاب، ومنهم من يقول أن الحديث الذي خرجه عنه في الشواهد، ولا يحتاج فيها إلى أعلى الدرجات، يقبل فيها ما لا يقبل في الأصول، طيب، عمران بن حطان كان من أهل السنة، وهذا أمر لا بد من التنبه له، كان من أهل السنة، لا بد من سؤال الثبات، لا بد أن يلهج المسلم بالثبات، لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن.
عمران بن حطان خطب امرأة في غاية الجمال، وهو دميم منظره ليس بالجميل، خطب امرأة في غاية الجمال، إلا أنها على مذهب الخوارج؛ فقال: فرصة نتزوجها، ونحصل على هذه الصفة وندعوها، لعل الله عز وجل أن يهديها إلى مذهب أهل السنة، وما الحاصل؟ الحاصل أنها أثرت عليه؛ فاعتنق مذهب الخوارج.
إن كثيرا من الشباب يقول: الآن نحن نهتم بالجمال، لأنه صفة ثابتة، والجمال ما يجيبه دعوة و لا مخالطة، ما يجيبه، نعم، الأمور الأخرى كون الديانة أقل، أي كون المرأة رقيقة الديانة، تأتي هذا فيما بعد بالدعوة والمخالطة والحكمة واللين، ولكن من الذي يضمن أنك لن تنجرف معها؟(1/244)
فعلى الإنسان ألا يعرض نفسه لمثل هذه الأمور، لأن الخسارة ليست خسارة بالسهل، هذا الغبن، ما هي بسيارة! تقول: والله أشتريها؛ فخسرت ألف ألفين خسارة سهلة:
وكل كسر فإن الدين يجبره
وما لكسر قناة الدين جبران
كل خسارة تهون مع الحفاظ على رأس المال وهو الدين، دينُك، دينُك أو دينَك دينَك، على الضبطين؛ فإنه لحمك ودمك، ويثبت جمع من أهل العلم خيار الغبن في السلع، وينفيه آخرون، وأنه ليس في الدنيا غبن؛ لأن الله جل وعلا يقول: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ
إذا الدنيا كلها لو راحت بحذافيرها ما في غبن، ما دام رأس المال سالما ما في غبن، وهو الدين، فننتبه لهذا، الإخوان! كثير منهم يهتم إلى ذات الجمال، ويقول: الدين يأتي، كم من امرأة تزوجت وهي أقل، فالتزمت بالدعوة والمخالطة، ونكسب أجرها بعد، من دعي إلى هدى كان له مثل أجر فاعله لكن من الذي يضمن أنها تدعوك فتنحرف بسببها؟ والله المستعان.
مع حفظ دينه وصدق لهجته
لا إن روى مقويا لبدعته
فالذي يروي ما يقوي بدعته روايته مردودة، روايته مردودة. نعم.
رواية المجهول
خامِسُهَا الْمَجْهُولُ وهو يُقْسَمُ
مجهول عَيْنٍ ويُسمّى الْمُبْهَمُ
وسَبَبُ الإِبْهَامِ ألاَّ يُذْكرا
أو ذِكْرُهُ بما بِهِ ما اشْتَهَرا
ولاَ يَضٌرُّ مُبْهَمُ الصَّحَابِيْ
لثقةِ الكُلِّ بلا ارْتِيَابِ
ثانِيهما مَنْ حالُهُ قَدْ جُهِلاَ
وذَاك مَسْتورٌ وَفِي الذِّكْرِ خَلاَ
وأصْلُهُ قِلَّةُ مَن عَنْهُ نَقَلْ
لِكَونِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَقَلْ
يقول الناظم- رحمه الله تعالى- خامسها المجهول، انتهى: الكذب، التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، خامسها الجهالة.(1/245)
الأصل أن يقول خامسها الجهالة؛ لأنه وصف على وصف، لا راو على راو، لكن لعل النظم اضطره إلى ذلك، وخامسها المجهول، لأنه قال في الأول: أسوؤها الكذب، ومن به اتهم، الآن الكذب صفة، من به اتهم، راو ولا صفة؟ راو، والثالث: الفسق، ولم يقل الفاسق، والرابع: البدعة، فالأكثر أوصاف، وهنا الخامس يتفق مع الثاني، خامسها: المجهول واسم مفعول من الجهالة، والجهالة وصف ينبغي الانتباه له.
الجهالة: إذا قيل في الراوي: مجهول، هل قول الإمام من أئمة الجرح والتعديل: فلان مجهول، مردها عدم علم هذا الإمام بحال الراوي، أو مردها وصف ملازم للراوي؟
بمعنى: هل الجهالة قدح في الراوي مثل الفسق، وصف يتصف به الراوي، أو أنها عدم علم من الناقد بحال الراوي؟ عدم علم من الناقد بحال الراوي، وصف كالفسق والبدعة.
نعم، أبو حاتم كما ينقل عنه ابنه في الجرح والتعديل قال: في ألف وخمسمائة راو، أو يزيدون: مجهول، وقال في مثلهم: لا أعرفه، وقال في مجموعة من الرواة: مجهول أي: لا أعرفه.
مجهول أي: لا أعرفه، كلام أبي حاتم يدل على أن الجهالة عدم علم بحال الراوي، وعدم العلم ليس بحكم، أما من يقول: إن الجهالة وصف يضعف به الراوي.
والدليل على ذلك أن الجهالة لفظ من ألفاظ التجريح، وتوضع في مراتب الجرح، لا في مراتب التعديل، ولا في منزلة بين الجرح والتعديل، فعلى هذا استعمالها عند الأكثر أنها وصف قادح في الراوي.
أما كونها عدم علم بحال الراوي، يعني كون الراوي مجهولا، يعني جهل أمره الناقد، ولم يعلم بحاله؛ فلا يلزم أن يكون مجهولا حقيقية.
خامِسُهَا الْمَجْهُولُ وهو يُقْسَمُ
مجهول عَيْنٍ ويُسمّى الْمُبْهَمُ
المبهم عند أهل العلم من لم يسم؛ حدثني رجل، ولو ذكر بلفظ التعديل، حدثني الثقة، أو من لا أتهم، مبهم، ويسمى المبهم، الناظم- رحمه الله تعالى- جعل المجهول العين هو المبهم.(1/246)
مع أن الجمهور على أن المبهم لم يسم أصلا، ومجهول العين سمي اسمه، قد يكون رباعيا أو خماسيا، اسمه معروف عند أهل العلم، لكن لقلة ما مروياته، لم يرو عنه إلا واحد، ولم يعدل، فهل مجهول العين إذا قال: حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الأنصاري، مثلا نعم وهذا الراوي لم يرو عنه سوى هذا الشخص، الذي ذكر بهذا الإسناد.
هذا مجهول عين عند أهل العلم، هل هو مثل لو قال: حدثني رجل، كلاهما مبهم؟ المبهم يحتاج إلى تعيين، وهذا عُين اسمه، الناظم يوافق الحافظ بن كثير فيما ذكره؛ فيجعل مجهول العين والمبهم شيئا واحد، وسواء سمي الراوي أو لم يسم؛ يطلق عليه لفظ الإبهام، لكن الأكثر على أن المبهم شيء، ومجهول العين شيء واحد، وأنا سميت المبهم مجهول الذات، مجهول الذات غير مجهول العين، والمسألة مسألة اصطلاحية.
يعني حينما يقول حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الأنصاري، نعم ذاته معلومة، وعينه معلومة، نعم لكن هذه مسألة اصطلاحية، إذا لم يرو عنه إلا راو واحد يقولون: مجهول عين، ولم يوثق.
وأما المبهم الذي سميته أنا مجهول الذات، هذا ما ذكر اسمه أصلا في السند، وهو يختلف عمن ذكر اسمه في السند من مجاهيل، مجهول العين ذكر اسمه بما يوضحه عن غيره، لكنه مقل من الرواية، بحيث لم يرو عنه إلا راو واحد، هذا مجهول العين ولم يوثق.
وأما المبهم: فلم يسم، حدثني رجل، وحدثني الثقة، وحدثني من لا أتهم، ولو بلفظ الإبهام، ولا يقبل أهل العلم التعديل على الإبهام؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، وليس بثقة عند غيره، لا بد أن ينظر في حاله، لا بد أن يعين قدره، ويبحث عند غير هذا الإمام الذي وصفه بالثقة.
ومبهم التعديل ليس يكتفي
به الخطيب والفقيه الصيرفي
فلا يكفي التعديل على الإبهام عند الجمهور.
وسبب الإبهام أن لا يذكرا
....................................(1/247)
لا يذكر الاسم بالكلية، هل معنى هذا أن يسقط من السند؟ لا، إنما لا يذكر اسمه، وإن ذكر ما يدل على وجوده كرجل مثلا.
وسبب الإبهام ألا يذكرا
أو ذكره بما به ما اشتهرا
أو ذكره بما به اشتهر، وهذا يكثر في نوع من أنواع التدليس، وهو تدليس الشيوخ إذا ذكر شيخه بما لا يُعرف به، لو قلت مثلا: حدثني أبو صالح بن هلال الشيباني، من يعرف هذا؟
نعم ، أحمد ابن حنبل، هو معروف بأبي عبد الله، هو معروف بنسبته إلى جده حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، الشيباني هذه نسبته ، فمثل هذا تبحث . وهذا لا شك أنه فيه تعمية، قريب من عدم الذكر، يشترك مع عدم الذكر في توعير الوصول إليه.
فمثل هذا التدليس، ويسمونه تدليس الشيوخ؛ عند الشيخ، يستوي مع عدم الذكر، لأن هذا الذكر وجوده مثل عدمه:
وسبب الإبهام ألا يذكرا
أو ذكره بما به ما اشتهرا
لم يشتهر الإمام أحمد بأبي صالح، وإن كان صالح أكبر من عبد الله، عبد الله، اشتهر الإمام أحمد بالتكني به، ولم يشتهر أيضا بالنسبة إلى جد أبيه هلال، وإنما اشتهر بالنسبة إلى جده أحمد بن حنبل.
....................................
أو ذكره بما به ما اشتهرا
ولا يضر مبهم الصحابي
....................................
مبهم الصحابي لا يضر، إبهام الصحابي، لا يضر، فإذا قال الراوي: حدثني رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صالح بن خواف عمن صلى مع النبي- صلى الله عليه وسلم- صلوا صلاة الخوف، هذا لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول.
ولا يضر مبهم الصحابي
لثقة الكل بلا ارتيابِ
بلا شك، فالصحابة كلهم عدول ثقات، ولو جلدوا في حد، فالصحبة لا يعدلها شيء.
وقد رضي الله عن الصحابة كلهم، ونصوص الكتاب والسنة التي تدل على عدالتهم دون استثناء أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، والخلاف في قبول التائب من الحد بعد جلده لا يتناولهم.(1/248)
ونقول: مثل هذا الكلام. ومقرر عند أهل العلم أن الصحابة كلهم عدول، لأننا نسمع في الأيام الأخيرة من يدخل بعض الشبهة إلى بيوت عوام المسلمين.
نقول: حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة من طريق أبي بكرة وهو .مجلود بحد القذف، و الله جل وعلا يقول: وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا والآية التي تليها: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا الصحابة، وإن وقع منهم بعض الزلات إلا أنهم موفقون للتوبة، لأن الله جل وعلا رضي عنهم، ولا يمكن أن يعذبهم، وقد رضي عنهم.
ولا يضر مبهم الصحابي
لثقة الكل بل ارتياب
بلا شك
ثانِيهما مَنْ حالُهُ قَدْ جُهِلاَ
....................................
الأول: مجهول العين، وهو من عرف اسمه كاملا، لكن هو مقل من الراوية بحيث لم يرو عنه إلا واحد، ولم يوثق، وهذا الأكثر، الجماهير على رد حدثيه، وبعضهم يحكي الاتفاق على أن حديثه غير مقبول.
ثانِيهما مَنْ حالُهُ قَدْ جُهِلاَ
وذَاك مَسْتورٌ وَفِي الذِّكْرِ خَلاَ
ثانيهما من حاله قد جهلا
....................................
معروف اسمه، كامل، رباعيا أوخماسيا، من ولد فلان ابن فلان من ولد أحد الصحابة معروفين، يعني اسمه متصل بأحد الصحابة، مثلا معروف اسمه، ومشتهر ذكره، لكن يروي عنه أكثر من واحد؛ فارتفعت عنه جهالة العين، ومع ذلك لا يوجد من تكلم فيه من أهل العلم بتعديل أو تجريح، هذا يسميه أهل العلم مجهول الحال، مجهول الحال.
ثانِيهما مَنْ حالُهُ قَدْ جُهِلاَ
وذَاك مَسْتورٌ وَفِي الذِّكْرِ خَلاَِ
مجهول الحال وهو عند المؤلف بإزاء المستور، فالمستور عند المؤلف هو مجهول الحال، وعرفنا بالأمس أن من أهل العلم من يطلق المستور بإزاء الجهالة، بجميع أنواعها، ومنهم من يطلق المستور بإزاء مجهول الحال دون مجهول العين، ومنهم من يطلق المستور بإزاء من جهلت عدالته الباطنة كابن حجر.
..........................
وذَاك مَسْتورٌ وَفِي الذِّكْرِ خَلاَِ(1/249)
وأصْلُهُ قِلَّةُ مَن عَنْهُ نَقَلْ
لِكَونِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَقَلْ
طيب، في الصحابة من لم يرو عنه إلا واحد، لا نقل مجهول، صحابي ما وري عنه إلا واحد، لا نقل مجهول، لماذا؟ لأن الجهالة ترتفع بالتعديل، وهؤلاء معدلون من قبل الله جل وعلا.
من رواة البخاري من لم يرو عنه إلا واحد، نقول تخريج البخاري تعديل، والجهالة ترتفع بالتعديل. نعم:
وأصْلُهُ قِلَّةُ مَن عَنْهُ نَقَلْ
لِكَونِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَقَلْ
مجهول الحال الذي روى عنه جمع، اثنان فأكثر، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل.
إذا روى ما لا مخالفة فيه يقبله جمع من أهل العلم؛ وهو مذهب الحنفية، وإليه ميل ابن خزيمة وابن حبان بناء على أن الأصل في المسلم العدالة، ولم يطعن فيه وروى عنه جمع من الرواة، ولعل من هؤلاء من يقول: إن رواية الراوي عن غيره تعديل له.
ومن العلماء من عرف بأنه لا يروي إلا عن ثقة؛ فإن كان منهم لا يروي إلا عن ثقة اتجه هذا القول، وإن لم يكن منهم هذا النوع لا يتجه هذا القول.
من أهل العلم من يقول: إن مجهول الحال إذا عرف بغير العلم؛ اشتهر بالكرم مثلا، اشتهر بالشجاعة والإقدام. نعم، ولم يعرف في جرح ولا تعديل يقبل، وهذه الشهرة كافية.
ومنهم من يقول: إذا تولى عملا لأحد أهل التحري كان كالتعديل له، طيب هذا راوي يروي عنه جمع من الرواة ولم يذكر فيه تعديل، ما عرف فيه تعديل ولا جرح، ولاه عمر بن عبد العزيز القضاء، من أهل العلم: هذا يكفي، لا يمكن أن يولي عمر بن عبد العزيز غير عدل، ولاه إمارة على جهة من الجهات.(1/250)
المقصود: أنه ولاه أي عمل يحتاجه المسلمون. نقول: هذا تعديل له، يكفي هذا، ارتفعت عنه الجهالة وثبتت عدالته بهذا. ومنهم من يقول: إنه لا بد أن ينص على تعديله، منهم من يطلق الجهالة بإزاء قلة الرواية، وقال أبو حاتم في أحد الرواة، قال: من المهاجرين الأولين مجهول، صحابي من المهاجرين الأولين مجهول، كيف مجهول؟ الجهالة ترتفع بالنسبة للصحابة، إطلاق الجهالة في مثل هذا بإزاء قلة الرواية، روايته نادرة.
إذا كان الذي يروي عنه واحد مجهول العين؛ فالذي لا يروي عنه أحد مجهول أيش؟ مجهول الحال؟ ولّا مجهول العين؟ نعم، طيب الذي يروي عنه أكثر من واحد اثنان فأكثر مجهول الحال صح، والذي لا يروي عنه إلا واحد مجهول العين طيب اللي ما يروي عنه أحد مجهول أيش؟ نعم؟ كيف؟ يعني هذا وجوده كالعدم، لا يحتاج إلى حكم هذا؛ لأنه ما روى شيئا، الذي لم يرو عنه أحد ما روى شيئا، لماذا نحكم عليه بمجهول أو غير محهول؛ لسنا بحاجة إلى الحكم عليه أصلا، وعلى كل بحث الجهالة بحث جدير بالعناية، وكثير من الرواة حكم عليهم بالجهالة ثم بعد ذلك بالتتبع والاستقراء، تعرف بعض أحوالهم.
وهل يكفي طالب العلم أن يبحث عن الراوي في الكتب التي بين يديه ثم يحكم عليه بأنه مجهول؟ ما وجد له ذكرا في الكتب التي بين يديه، يسوغ له أن يقول: مجهول؟ يكفي؟ لا، ما يكفي. ما يكفي أن يقول: مجهول حتى يحكم أهل العلم بأنه مجهول.
طيب، دور طالب العلم إذا بحث عن راوي فلم يجده؟ نعم؟ لأن بعضهم يجرئ، ويقول: الحديث الضعيف لوجود فلان، ولم أجد له ذكرا فيما بين يدي من الكتب. نقول: إذا لم يجد ولم يعرف حال راوي عليه أن يتوقف.(1/251)
من الرواة من يذكر في كتب الرجال، نعم، لكن لا يذكر فيه جرح ولا تعديل مجرد ذكر، وهذا يوجد في التاريخ الكبير للإمام البخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم نعم، ما حكم أمثال هؤلاء؟ هل نقول: مجاهيل، وهم ما ذكر فيهم شيء أو ما دام سكت هذا الإمام مع أنه لا يسوغ له أن يسكت عن حال هذا الراوي إلا وهو مرضي عنده عدل ثقة كما يقول بعضهم: سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا فهو ثقة، هذه يقولها أحمد شاكر كثيرا في تعليقاته: ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا؛ فهو ثقة، وقد يقول: فهذه أمارة توثيقه، يقول مثل هذا الشيخ أحمد شاكر، فهل نستطيع أن نوثق بمجرد السكوت أو نقول: هم مجهولون حتى نقف على التصريح بقبولهم؟
ابن أبي حاتم في المقدمة صرح أنه ذكر أناسا ولم يذكر فيهم شيئا عله أن يتبين له من حالهم شيء، فهذا كالنص على أنه لم يقف فيهم على شيء. فالصواب أن يتوقف في أمره، يتوقف في أمره ويكون في دائرة الجهالة حتى يوقف لهم على تعديل.
هل يمكن الاحتياط في مثل هذا الباب؟ يكون توقفنا في كثير من الأحاديث هو الراجح احتياطا للسنة؟ هل يمكن الاحتياط في مثل هذا الباب؟ أو يقول بعضنا: نسلك مسلك التشدد في القبول؛ في قبول الرواة وقبول الأخبار احتياطا للسنة؟
نعم، يقول الثاني المقابل: لا يا أخي نتساهل في قبول الرواة وفي قبول المرويات حفاظا على السنة من الضياع؛ لأن الطرفين كليهما أمر ينتابه الاحتياط، وعلى هذا لا يتجه الاحتياط في الطرفين؛ كيف؟ لأنك إن احتطت للسنة وضعفت الرواة وصار خطرك على التشديد في تضعيف الأحاديث، فوت العمل بأحاديث؛ نعم الأمة بحاجة إليها وقد لا يكون في الباب غيرها، وهي صحيحة عند غيرك لكن أنت حرمت الناس من العمل بها، وأيضا التساهل يجعلك تجعل الناس يعملون بأحاديث غير ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام.(1/252)
ولذا عندنا على طرفي نقيض مستدرك الحاكم وموضوعات ابن الجوزي، مستدرك الحاكم تساهل؛ فصحح بعض الأحاديث الضعيفة؛ بل بعض الأحاديث شديدة الضعف؛ بل بعض الواهيات- صححها، وإذا تجاوزنا قلنا: بعض الموضوعات، وبالمقابل الحاكم طريقته تجعل الناس يعملون بأخبار غير ثابتة بناء على تصحيحه لها، وبالمقابل صنيع الإمام ابن الجوزي أدخل حديثا في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر في الموضوعات وأدخل حديثا في صحيح مسلم في الموضوعات، أدخل أحاديث من السنن في الموضوعات، أدخل تسعة أحاديث من المسند في الموضوعات.
وعمل الرجلين كل منهما خطأ؛ لأن تضييع الأحاديث وتفويت العمل بهذه الأحاديث على الأمة فيه ما فيه، وأيضا التساهل وجعل الأمة تعمل بأشياء غير ثابتة فيه ما فيه، إضافة إلى أن الإنسان بهذه الطريقة يسيء إلى نفسه ويسقط - على ما يقولون - المصداقية من علمه؛ إذا قيل: هذا متشدد أو قيل: متساهل واسع؛ فلا أحسن من التوسط، مع أن التشدد والتساهل قد يكون أصله جبليا في الإنسان. بعض الناس يميل في غالب أموره للتسهيل، وبعضهم يميل إلى التشديد.
فليحرص الإنسان على أن يسلك الأمر الوسط في هذا الباب وفي غيره من أبواب الدين، فالدين وسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا وأهل السنة وسط بين طوائف المبتدعة فعلينا أن نتوسط؛ ولذا إذا اختلف الأئمة في تعديل راو ولم تجد مرجحا؛ وثقه جمع وضعفه آخرون؛ لم تستطع أن ترجح، من أهل العلم من يرى أن هذا الراوي ينبغي أن يكون من رواة الحسن يعني: توسط .
اختلف العلماء في تصحيح حديث وفي تضعيفه، بعضهم يرى أن هذا الحديث ينبغي أن يكون حسنا لا من الصحيح ولا من الضعيف. فعلينا أن نتوسط في أمورنا كلها.
هل فيه وقت نأخذ، لأن بهذه الطريقة ما ننتهي؛ لأن الأبيات الآتية مترابطة وفي موضوع هو من أصعب موضوعات علوم الحديث، وهو المعل فإن كان نقدر نأخذ منه شيئا، وتجزئته غير واردة. طيب.
الأسئلة(1/253)
هذا يقول: إن الناظم رفع كلمة المبهم، وحقها أن تنصب، يقول: مع أن الظاهر لي والله أعلم أن تعرب مفعولا به. .الجهالة، "ويسمى الراوي المبهم". يقول: مع أن الظاهر لي والله أعلم أن الأقرب أن تعرب مفعولا به، ويكون نائب الفاعل ضميرا مستترا.
الأصل: أن يقال: ويسمى يعني هو الراوي المبهم، وعلى كل حال إعرابه بالحركة الواحدة لأنه بـ "ال"، وإذا سكن وإن كان مفعولا إذا وقف عليه يسكن فيقول:
خامسها المجهول وهو يقسم
مجهول عين ويسمى المبهم
لا بأس.
يقول: في مسألة المجلود في حد: ألا يمكن أن يجاب بأن الصحابي هنا روى ويشهد، وإنما الآية في عدم قبول الشهادة اللهم إلا أن يكون وجه الطعن أنه يوصف بالفسق إذا لم يتب.
هم يقولون: ما ثبت للشهادة ثبت للرواية، وأنه لا بد أن يكون الراوي والشاهد عدلين مرضيين، والصحابة يقع منهم بعض الهفوات؛ لكنها نادرة فيهم ويوفقون للتوبة بمقتضى الصحبة التي أخبر الله جل وعلا أنه رضي عنهم.
يقول: ما الفرق بين العام والخاص والمطلق والمقيد رجاء توضيح ذلك بالأمثلة؟
مشكلة الأمثلة تأخذ وقتا طويلا ونحن بحاجة إلى شيء من الوقت، لكن التخصيص تقليل أفراد العام؛ لأن العام له أفراد، والمطلق له أوصاف والتقييد: تقليل أوصاف المطلق تقييد، والأمثلة يطول ذكرها. الأمثلة مشكلة تحتاج إلى وقت.
يقول:هل يمكن أن تكون الأمثلة آخر الدرس حتى يتوفر الوقت للدرس؟
اقتراح طيب. نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وخَمْسَةٌ تَخْرُجُ بالضَّبْطِ وَهِيْ
وَهْمٌ وفُحشُ غَلَطٍ وغَفْلَةِ
وكثرةُ الخلافِ للثِّقَاتِ
وسوء حِفْظٍ فَادْرِ تفصيلاَتِ(1/254)
فالوَهْمُ أَنْ يَرْوِيْ عَلَى التَّوَهُّمِ
وَهْوَ المُعَلُّ عِنْدَهُم فَلْيُفْهَمِ
عِلَّتُهُ طَوراً بالاِسْنَادِ تَقَعْ
كَرَفْعِ مَوقُوفٍ وَوَصْلِ ما انْقَطَعْ
وتارةً في الْمًتْنِ حَيثُ أُدْخِلاَ
فِي الْمَتْنِ لَفْظٌ مِنْ سِوَاهُ نُقِلاَ
وقسَّم الْحَاكِمُ عَشْرًا العلَلْ
مرجِعُها هَذَينِ مِنْ دُونِِ خَلَلْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أوجه الطعن المتعلقة بانتفاء العدالة؛ وهي خمسة: الكذب والطعن به. والفسق والبدعة والجهالة، عقب ذلك بخمسة المتعلقة بانتفاء الضبط. والضبط شرط لا بد منه لقبول الخبر، لا بد منه كالعدالة لقبول الخبر،
أجمع جمهور أئمة الأثر
والفقه في قبول منقل الخبر
بأن يكون ضابطا معدلا
أي يقظا ولم يكن مغفلا
حافظا لمحبة حفظ الوحي
كتابه وإن كان منه يروي
لا بد من الحفظ والضبط؛ إذا كانت العدالة منصوصا عليها: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فالضبط وحفظ الأخبار لا بد منه للقبول؛ لأن من لا يضبط الخبر لا يعتمد عليه، لا يؤمن أن يخطئ، لا يؤمن أن يزيد وينقص، ولذا اشترطوا الحفظ، وجعلوا الحفظ أحد ركني التوثيق بعد العدالة؛ فالثقة من جمع بين العدالة والحفظ.
والضبط: هو أخذ المسموع، هو أخذ المروي بحزم، وتيقن، وإتقان من يوم سماعه إلى أن يؤدي. والأصل في الحفظ: حفظ الصدر؛ إذ كانت الكتابة غير معروفة عند صدر هذه الأمة إلا في القليل النادر، بل جاء النهي عن الكتابة في أول الأمر من حديث أبي سعيد: لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، ومن كتب شيئا غير القرآن فليمحه لئلا يعتمد الناس على الكتابة فيختل الحفظ.(1/255)
وهذا أمر مشاهد معروف، من اعتمد على الكتابة نسي الحفظ، فخشية من يعتمد عليها وينسى الحفظ الذي هو الأصل نهى عن الكتابة في أول الأمر، وخشية أن يختلط غير القرآن به؛ يخشى أن يكتب بعض الناس السنة في صحف القرآن فيختلط به.
ثم بعد ذلك جاءت النصوص التي تدل على جواز الكتاب: اكتبوا لأبي شاه أبو هريرة يقول: ما كان أحد أحفظ مني من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب." وهذا على حسب ظنه.
فالضبط -كما يقول أهل العلم- ضبطان:
ضبط صدر وضبط كتاب، فضبط الصدر هو الأصل بأن يحافظ على ما سمعه، حفظه بحزم وقوة وإتقان إلى أن يؤدي.
وضبط الكتاب: بأن يكتب من أصل شيخه ويقابله بعد الكتابة ويحفظه، يحفظه فلا يعيره إلا إلى ثقة خشية أن يغير فيه، ومنع بعضهم من الرواية من الكتاب، وهو قول ينسب لأبي حنيفة ومالك؛ لأن الأصل في الحفظ الصدر.
وأجازه الأكثر يعني فضله بعضهم، يعني حفظ الكتاب على حفظ الصدر لأن الحفظ خوان وإذا كان الكلام مكتوبا أمن من نسيانه، ولا يشك في أن الأصل حفظ الصدر؛ وعلى طالب العلم أن يعنى بالحفظ والضبط والإتقان في صدره، ولا يعتمد على الكتابة.
مشاهد مجرب كان الناس يحفظون ثم لما قبلت الكتابة وتوسع الناس فيها ضعف الحفظ؛ ضعف الحفظ، وإلا فقد يقول قائل هل الصحابة لهم مزية على غيرهم في الضبط والحفظ والإتقان؟ نقول: الظروف تساعدهم، ولا شك أن الحفظ ملكة من الملكات فمن حفظ هذه الملكات وسائر الجوارح من المعاصي؛ لا شك أنه معان على كل ما يريده بأي جارحة من جوارحه؛ ولذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم نور
ونور الله لا يؤتاه عاصي(1/256)
وقد عوقب بعضهم بنسيان القرآن من جراء معصية بعد أربعين سنة؛ فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر، فإذا أردنا أن نتعلم العلم الشرعي نتعلمه بإخلاص لله -جل وعلا- ونتقي الله -جل وعلا- في كل ما نأتي وما نذر: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
فالتقوى لها أثر كبير في التحصيل والذي يعتمد على المكتوب، مثل هذا إذا غاب عنه المكتوب لا شك أنه يعود عاميا، الذي يعتمد على المكتوب؛ فالحفظ ما حواه الصدر، وازداد الأمر ضعفا بعد أن اعتمد الناس على الكتابة وضعفت الحافظة؛ لكن الكتابة ومعاناة الكتابة وسيلة من وسائل تثبيت الحفظ.
وكان الناس يكتبون الكتب بأيديهم، الكتابة وقراءة النص عشر مرات كما هو مجرب لكن كتابة بحضور القلب. ظهرت الآلات وصار الطالب إذا أراد شيئا صوره وإذا أراد كتابا اشتراه جاهزا مطبوعا، وظهر أثر ذلك على التحصيل ثم بعد ذلك الحواسب "الكمبيوترات" إذا أراد الطالب أي معلومة في أي فن من الفنون ضغط زرا وخرجت هذه المعلومة، ولا شك أن أثر هذا التحصيل ظاهر بين؛ لأن من يعتمد على هذه الآلات لن يدرك العلم، قد يدرك حكم المسألة في هذا الظرف؛ لكن هذه المسألة دخلت بسرعة وتخرج بسرعة، إضافة إلى أن الطالب إذا أراد بحث مسألة في كتاب أو في كتب عرف عشرات المسائل وهو في طريقه وبحثه عن هذه المسألة؛ فلا شك أن هذه الآلات مع أنها -نعم- تقرب العلوم إلا أنها لا يعتمد عليها، ولا يربى عليها طالب علم.
فإذا طلب العلم من وجهه وتمكن فيه، له أن يستفيد من هذه الآلات أو ضاق عليه الوقت؛ بحيث لا يتمكن من النظر التام في المسألة أو في درجة حديث أو في نسبة قول إلى قائله؛ ضاق عليه الوقت لا مانع من أن يستفيد من هذه الآلات. المقصود من أهل، الحفظ كلام أهل العلم فيهم كثير، ولا علم إلا بحفظ.(1/257)
الدعاوى التي تقول: إن الحفظ يبلد الذهن، هذه دعاوى مغرضة ومناوئة، فهي أشيعت. قبل ثلاثين أو أربعين سنة أو خمسين سنة عندما بدأ التعليم النظامي وجاء الوافدون للتعليم أشاعوا هذه الأمور وتلقوها عن شيوخهم من المستشرقين وغيرهم ليصرفوا المسلمين عن العلم الشرعي الأصيل.
نعم العلوم التجريبية المعتمدة على الفهم والفك والربط ما تحتاج حفظا، يعني لو إنسان ذهب إلى المكتبة يريد كتاب تعليم قيادة السيارة. إذا صلى الظهر في يوم خلص من هذا الكتاب، أمضى الليل في السيارة وبقي يمشي، هذه أمور تجريبية ما تحتاج إلى حفظ، لكن الذي لا يحفظ القرآن كيف يستدل من القرآن، الذي لا يحفظ السنة كيف يستدل من السنة، لا بد من الحفظ أما دعاوى أن الحفظ يبلد الذهن فهي دعاوى مناوئة مغرضة تريد صرف المسلمين عن مصادرهم؛ ليخرج لنا جيل لا ارتباط له بالمصادر الأصلية.
وأنتم تفرقون بين الشيوخ في دروسهم وفي فتاواهم وفي تاريخهم، الذي عمدته على الحفظ، تأتي فتواه محررة متقنة مضبوطة، والذي يعتمد على الفهم دون الحفظ هذا يأتي إنشاء.
حتى إن بعضهم تعرف أنه لم يدرك المسألة ولا يعرف ماذا يقول من أول كلامه؛ لأنه توقعات. فالحفظ أمر لا بد منه، والحفظ بلا فهم لا شك و إن كان مفيدا لطالب العلم يؤجر عليه، حفظ النصوص أمر لا بد منه، لكن أيضا الركن الثاني: الفهم.
ويحاول الطالب إذا حفظ أن يفهم أيضا، ولا يدخل في تعديل بعضهم أنه يزاد نسخة في البلد. إذا حفظ كتابا زاد نسخة. فلا بد إذا من الحفظ والفهم فلينتبه طالب العلم لهذا وليستغل العمر فإن العمر يفوت.
يفوت العمر ولا يقول: أنا الآن في مقتبل العمر وأحتاج إلى أن يؤمن المستقبل بالوظيفة أوبالتجارة ثم ألتفت إلى العلم. لا، ما يمكن. فالعلم والحفظ والفهم له سن، لا بد أن يبدأ من أول الأمر، ثم بعد ذلك يبني على ما فهمه وما حفظه سابقا.(1/258)
الخمسة القوادح التي تنتفي وتخرج باشتراط الضبط هي: الوهم، وفحش الغلط، والغفلة، ومخالفة الثقات، وسوء الحفظ:
وخمسة تخرج بالضبط وهي
وهم وفحش غلط وغفلة
وهذا البيت يحتاج إلى إعادة، يحتاج إلى صياغة هل فيكم من شاعر؟ نعم؟ لأن الشعراء وإن كانوا من المتقنين المجودين المشهورين المعروفين لا بد أن يختار الأبيات اللي . لا تسعفهم فيه الملكة:
وخمسة تخرج بالضبط وهي
وهم وفحش غلط وغفلة
قد يقول قائل: إن من العلوم علوما من أهل العلم، من ليس بصدد العناية بالشعر وتنمية الملكة هم مشغولون فيما هم فيه، ويكفيهم أنهم ضبطوا هذه العلوم لتحفظ؛ لكن كلما كان الشعر أتقن وأسلس كان حفظه أسهل، ويكون الحرص عليه أشد.
لما ننظر في كلام شاعر متقن يعني: مثل: المنحة للحريري المنحة سهلة، لا يعتريك بيت يستغلق عليك سببه عدم إسعاف الملكة، قد نجد في ألفية العراقي بعض الأبيات التي تنزل عن مستوى المنظومات، ومن هذا ألفية ابن مالك قد يأتي بأفضل منها، والعلماء ليسوا بصدد تنمية الملكة، لا، هم مشغولون بعلمهم؛ لكن يبقى أن من جمع الله له بين العلم وفنون العلوم كلها لا شك أنه يكون أبرع وكلامه أوقع.
نعم. أيش يقول؟ جزاك الله خيرا. نعم. الشطر الثاني، لأنه بالموازين والتفاعيل المعروفة، مستفعلن، مستفعلن ست مرات في الرجز لا بد منه .بجانب أنه يقطعه. له نفس خاص، يتقنه هذه بداية طيبة، هذا الأمر ما يهمنا إنما يهمنا الضوابط ويهمنا الأركان ويهمنا الشروط وهي كثيرة في الحواشي بكثرة ولا شك أنه تتم الآلة بمثل هذا إذا كان الطالب مؤهلا لأن يرتقي بنفسه إلى مثل هذا تتم آلته إن شاء الله .
الوهم: يعني بداية الحديث على سبيل التوهم، والوهم والتوهم . كما يفصل الشيخ:
وكثرةُ الخلافِ للثِّقَاتِ
وسوء حِفْظٍ فَادْرِ تفصيلاَتِيْ
فالوَهْمُ أَنْ يَرْوِيْ عَلَى التَّوَهُّمِ
....................................(1/259)
يَرْوِيْ عَلَى التَّوَهُّمِ، كيف يَرْوِيْ عَلَى التَّوَهُّمِ ؟ يعني: يروي على الاحتمال المرجوح؛ لأن المعلوم درجات: إما أن يكون بحيث لا يحتمل النقيض يعني مائة من مائة وهذا عند أهل العلم يسمى العلم، وإذا احتمل النقيض فالاحتمال الراجح يسمى ظنا، والمرجوح وهما، والمصادم شكا. فالوهم أن يروي على التوهم يعني على الاحتمال المرجوح وهو المعل عندهم فليفهم.
والمعل والمعلل والمعلول إطلاقات؛ لكن أصحها المعل بلام واحدة، وأما المعلول فكثر استعمالها عند أهل العلم من المحدثين يقول: هذا حديث معلول، وعند الأصوليين العلة والمعلول وعند المتكلمين وغيرهم، لكنه صرح بعضهم بأنها لحن، وقال بعضهم:إنها مرذولة.
ويقول ابن سيده في المحكم: لست منها على ثلج يعني: ما أني مرتاح منها، معلل تلي المعل فهي مرتبة متوسطة بين المعل والمعلول والمعل هي أصح الإطلاقات؛ لأنها من أعله: أعل الحديث فهو معل، وليست من علله فهو معلل، إنما من أعله فهو معلول، أعله بكذا يعني أظهر فيه علة فهو معل إلا أن أعل رباعي، ومعلول اسم المفعول من الثلاثي، ومعلل اسم مفعول من علل، ومقصود ذلك البيت بهذا الحافظ العراقي بين ووضح.
والمعل عندهم الحديث الذي اشتمل على علة، والعلة سبب خفي غامض تقدح في الحديث الذي ظاهره السلامة منها. وتقدم تعريف العلة في شرط الصحيح؛ لأنهم اشترطوا انتفاء العلة، فالمعل هو الذي يشتمل على علة:
............................
وَهْوَ المُعَلُّ عِنْدَهُم فَلْيُفْهَمِ
عِلَّتُهُ طَوراً بالاِسْنَادِ تَقَعْ
كَرَفْعِ مَوقُوفٍ وَوَصْلِ ما انْقَطَعْ
العلة تقع في الإسناد وتقع في المتن وتقع فيهما معا، تقع في الإسناد وتقع في المتن وتقع فيهما معا، فالمعل أقسامه ثلاثة باعتبار مكان وجود العلة.
عِلَّتُهُ طَوراً بالاِسْنَادِ تَقَعْ
..............................
هذا أيضا بيت يقول: يمكن أن يقال:
وخَمْسَةٌ تَخْرُجُ بالضَّبْطِ وَهِيْ جملة(1/260)
وَهْمٌ وفُحشُ غَلَطٍ وغَفْلَةِ
ماشي.
عِلَّتُهُ طَوراً بالاِسْنَادِ تَقَعْ
كَرَفْعِ مَوقُوفٍ وَوَصْلِ ما انْقَطَعْ
الحديث معروف من حديث الثقات موقوف، يرويه بعضهم على جهة التوهم فيرفعه. هذا قريب منه جدا لكن أيش نسوى بالبيت اللي، طيب، تخرج بأيش؟ المتعلقة بالمحذوف يقول:
وخَمْسَةٌ تَخْرُجُ بالضَّبْطِ وَهِيْ جملة
وَهْمٌ وفُحشُ غَلَطٍ وغَفْلَةِ
لكن تخرج بأي شيء؟ .تخرج بأي شيء بالضبط، على كل حال محاولات طيبة تحتاج إلى حكم، يصير أصله عنده هذه الملكة حكما بينكم، أما أنا فالشعر لم أشم له رائحة، أتذوقه ولا أقوله.
كرفع موقوف يعني يعرف الحديث من جهة الثقات الضابطين موقوفا فيأتي من هو دونهم فيرفعه؛ فيكون حينئذ رفعه احتمالا مرجوحا، إنما ممن هو أوثق من احتمال راجح، ومثله لو كان منقطعا من جهة الأضبط، ويأتي هذا فيصله على سبيل التوهم:
وتارةً في الْمًتْنِ حَيثُ أُدْخِلاَ
فِي الْمَتْنِ لَفْظٌ مِنْ سِوَاهُ نُقِلاَ
علة المتن: أن يأتي المتن من جهة العدول الثقات الضابطين متقنا محررا مضبوطا ثم يأتي من يرويه على خلاف من رووه وهو دونهم، والمعل فيه مداخلة كونه به. كثير من الجمل الضعيفة فتجده يدخل فيه الشاذ كما هنا، يدخل في الشاذ والحافظ العراقي -رحمه الله- تبعا لابن الصلاح مثل لحديث البسملة:
وعلة المتن كنفي البسملة
إذ ظن راوي مثلها فنقله(1/261)
حديث أنس الصحيحين: صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر كانوا يستفتحون القراءة بالحمد الله رب العالمين فظن بعض الرواة أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فنقلها على حسب ظنه ورأيه؛ فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم. لا في أول قراءة ولا في آخرها، لا يذكرون، فهو فهم من قوله: يفتتحون القراءة بالحمد لله أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم؛ فروى على حسب وهمه على أنه يمكن أن تخرج هذه الرواية؛ كما قال ابن حجر وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية على أن المراد من هذه الرواية: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم. جهرا، فتجتمع بذلك الروايات، والحديث في الصحيح في صحيح مسلم.
وإذا أمكن . وأمكنت صياغة الصحيح تعين ذلك، يتعين ذلك وحمله على وجه صحيح ممكن، فيحمل نفي الذكر على نفي الجهر فتلتئم الرويات.
وتارةً في الْمًتْنِ حَيثُ أُدْخِلاَ
فِي الْمَتْنِ لَفْظٌ مِنْ سِوَاهُ نُقِلاَ
ما شاء الله تجود القرائح بأبيات طيبة من وجوه أطيب، على كل حال هذا المتن الموجود في هذا الحديث من أدق الأمور، لا يتداخل مع كثير من الأمور الضعيفة، وإذا قرأتم في كتب العلل وجدتم أمثلة من الشاذ، ومن المنكر، ومن المضطرب، تدخل في كتب العلل.
والأصل في كتب العلل أن تكون خاصة بالعلل الخفية؛ لكنهم يتوسعون فيدخلون في كتب العلل العلل الظاهرة؛ القوادح الظاهرة وغيرها. منشأ الضعف ضعف . ومنهم من يدخل في العلل . في الحديث ولو كان صحيحا؛ ولذا سمى الترمذي النسخ علة؛ لما ذكر حديث عبد الله بن أم مكتوم، بين أنه منسوخ. قال في. العلل: قد بينا علته في الكتاب، وعلته: النسخ.(1/262)
والنسخ، لا شك أن هذا الأمر أمر معتبر لكن ليس بعلة تقدح في صحته وثبوته، وكتب العلل وعلم العلل علم دقيق لم يقم به إلا أفراد قلة من المتقدمين من الفحول الكبار وأقل منهم من المتأخرين، وذلك لأمور وقد يعلون الحديث من غير بيان لوجه العلة وهذا يجعل الأمر في غاية الصعوبة لمن أراد دراسة هذا السند، يقول: أمر . في ذلك أن تسألني فأقول: الحديث فيه علة، قد تظهر العلة للتلميذ، ثم تذهب إلى فلان فتسأله، فيقول فيه علة: تذهب . إن تواطأ الكبار على أن فيه علة وقد يعجزون عن التعبير عنها، يعجز اللسان عن التعبير عنها.
والمصنفات من أجلها العلل لابن أبي الحاتم، وهو من قبل كتاب العلل للإمام أحمد وعلل علي ابن المديني ، ومسند يعقوب بن شيبة ومسند المهلل، والكتب في هذا الشان كثيرة جدا ومن أجملها وأجلها: علل الدار قطني.
ويوجد خلاف على بعض الشباب أنهم اشتغلوا بهذا اللون وأفنوا فيه الأعمار وهو فن عظيم شريف لا يستهان به؛ لكن مثل ما ذكرنا طالب العلم المبتدئ يتمرن والمتوسط يشتغل بالاستنباط وفهم المتون وإذا تأخر فيما بعد لا ضرر؛ أما أن ينشغل بالعلل قبل أن يتأهل للاستنباط، وقبل أن يعرف ويقرأ قدرا كافيا من المتون فبلا شك أنه خلل، ويوجد بعض طلاب العلم عندهم معرفة وفهم ودقة وتحري وحرص، لكن يردون بعض الطلاب هذا ويشكرون على هذا. لكن ينبغي أن يكون الأهم من ذلك بالنسبة للطلاب الاهتمام بالمتون والاستنباط منها تعليل وتحليل.
الحاكم في معرفة علوم الحديث ذكر عشرا من أجناس العلل، ذكر ذلك بالأمثلة:
وقسَّم الْحَاكِمُ عَشْراً العلَلْ
مرجِعُها هَذَينِ مِنْ دُونِِ خَلَلْ
كلها تعود إلى أن تكون علة في سند الحديث أو في المتون والحاكم ذكر عشر علل لا على سبيل الحصر؛ لأنه لا يمكن حصرها، على الطريق التي ذكرها وإنما ذكر أجناس العلل التي يستفيد منها العالم في قياس غيرها عليها.
وفَاحِشُ الغَفْلَةِ حيثُ يَنْفَرِدْ(1/263)
كَفَاحِشِ الأَغْلاطِ مُنْكَرا يَرِدْ
وفِي الْمُخَالفاتِ أقسامٌ تُعَدْ
مِنْ ذاكَ شَاذٌ ومُنْكَرٌ يُرَدْ
ومُدْرَجُ الْمَتْنِ ومُدْرَجُ السَّندْ
والقَلْبُ والْمَزِيدُ فِيهِ قدْ وَرَدْ
وَمِنْهُ مَا بالاضْطِرَابِ يُعْرَفُ
كذلكَ التَّصْحِيفُ والْمُحَرَّفُ
قلنا: إن هذه الأنواع الخمسة التي تحدث عنها الشيخ رحمه الله -تعالى- فحش الغلط وسوء الحفظ والغفلة والوهم والتوهم، كلها تحتاج إلى ضوابط لأن هذه الأمور هي مطلوبة قبل الاستخبار؛ لكن هل يحكم على الراوي بالوهم لأنه روى خبرا وهم فيه؟ أو خبرين؟ أو ثلاثة؟ هل يحكم عليه بفحش الغلط لأنه أخطأ في حديثين؟ أو ثلاثة؟ هل يوصف بالغفلة لأنه غاب عن باله أحاديث يسيرة؟ هل يعد مخالفا للناس إذا خالفهم في أحرف يسيرة؟ فما الضابط في ذلك؟
بعضهم يقول: الحكم للغالب فإذا كانت أغلاطه وأوهامه وغفلته ومخالفته للثقات أكثر من إصابته في هذه الأبواب يدخل في هذا وإلا فلا؛ لأن الحكم للغالب، طيب. من ضبط واحد وخمسين بالمائة من مروياته يسمى ضابطا ولّا لا؟ على هذا الكلام؟ اللي يحفظ ألف حديث فغلط في أربعمائة وخمسين، ووهم في أربعمائة وخمسين وغفل في أربعمائة وخمسين، على هذا يكون: نعم؟ مكروه مكروه لأن الغالب .، لكن الضابط عند أهل الحديث ليس هذا. ومن يخالف يقول: ومن يوافق - قول العراقي -رحمه الله تعالى- وكلام الحافظ العراقي أقوى:
ومن يوافق غالبا للضبط
فضابط أو نادر في النقل
لكن في الكلام والاستقراء لأحكام أهل العلم على الرواة بهذه الأحكام، تجدهم لا يوصلون نسبة الخطأ إلى هذا الحد بل صرح بعضهم بالسبع.(1/264)
نعم، هذه أمور نسبية، فإذا كثر الخطأ في حديث الراوي فهل يحمل ألف غلط في الحديث؟! نعم؟ لا شك أن الكثرة تغفر منه إذا كان من مرواياته الصواب، لكن راوي يروي الحديث لا يغلط في خمسة عشر حديثا هذا، قد لا يغتفر لأن المسألة نسبية؛ فالمكثر من الرواية يغتفر في خطئه ما لا يغتفر من المقل، وليست ثابتة قد تكون هذه أكثر وهذه أقل؛ فمن يخطئ في خمس مثلا في رواية الحديث يكثر الخطأ في الحديث ويرد خبره من أجلها وكلما زادت النسبة في الخطأ زادت الريبة وزاد التوقف في قبولها، وكلما قلت النسبة: نسبة الخطأ، الوهم، الغفلة، والمخالفات كلما قلت النسبة رجح ظنا منه الإصابة وغلب على الظن ضبطه وإتقانه فالمسألة نسبية.
وهذا العلم لا شك أنه من أصعب العلوم ليس بالعلم السهل، يعنى حتى أن الترجيح بين رواية فلان وفلان، الترجيح بين روايتين، كيف؟ يكون إذا نظرت بين الضبط .، هذا ضبط أحاديث، وهذا ضبط أحاديث وهذا عنده مميزات وهذا عنده مميزات، هذا مثلا روى وأخطأ وهذا مثلا روى وأخطأ ،فكيف ترجح بين راويين؟ لا يمكن أن يوجد راويان متطابقان في كل شيء لا بد أن يوجد عند هذا ما لا يوجد عند هذا من الحفظ والضبط والإتقان؛ ويوجد عند هذا من الأغلاط ما لا يوجد عند هذا؛ فالمسألة كلها نسبية ووفق الله -جل وعلا- في هذا أفراد العلم وحفظ الله بهم الدين؛ فحكموا على الرواة بأحكام دقيقة موثقة رغم أن هذا الحكم يحتاج إلى دقة رواية، ويكفي فيه غلبة الظن.
يعني كيف يظن؟ إذا جاءه الشهود فهل يتصور أن القاضي يعرف من الشهود كل ما يعملونه من طاعات وكل ما يقعون فيه من مخالفات؟ لا يتصور. أخوك الذي معك في البيت أو ابنك قد يتصرف تصرفات تخفى عليك، وهذه التصرفات التي تخفى عليك تؤثر في الحكم أي: في حكمك عليه؛ .وأيضا الاستفاضة إذا استفاض وانتشر بين الناس ذكر رجل، يكفي في الحكم عليه؛ ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وصححوا استغناء بالشهرة عن(1/265)
تزكية الكلام في المجلس
يحتاج إذا ورد في سند حديث ما، أن ينظر في كتب الرجال هل هو ثقة أم غير ثقة لا، ومع ذلك اتفق عليه يعني ليس بمكثر فالمسألة نسبية.
المسألة: شيء ينقدح في ذهن الإمام المصحح المضعف القادر المعدل الجارح؛ لذا قد يكون في غاية الصعوبة على كثير من المتأخرين؛ لأن الأئمة عاصروا الرواة وعرفوهم عن كثب، وحفظوا المرويات، منهم الذي يحفظ مئات الألوف من الأحاديث، هذا يعرف صواب الحديث من خطئه، والعلل لا تتبين إلا بجمع الطرق والذي لا يحفظ الأحاديث من أين له أن يجمع إلا بالوسائل المعروفة بالمراجعات، وقد يخفى عليه . وليس هذا من باب التنقيص للمعاصرين والمتأخرين؛ لا، لكنه حفظ مرهون على إدامة النظر في أحكام أهل العلم وأقوالهم.
فالطالب الذي يبدأ مثلا بالتقريب ويمسك التراجم ويفتح معه التهذيب، تهذيب التهذيب وتهذيب الكمال، والكاشف وكل ما يملك من كتب؛ الكتب الستة ثم يصدر هذا الحكم الذي حكم به الحافظ ابن حجر على هذا الراوي بكلمات، ماذا قال فيها؟ ماذا قال فيها أحمد وماذا قال مالك؟ وماذا قال القطان؟ وماذا قال فلان؟ وماذا قال فلان؟ ثم بعد ذلك مع كثرة المراجعة تتولد عنده ملكة؛ فلا يمكن يقارن قول الحافظ ابن حجر رحمهم الله بأقوال الأئمة إلا وقد تولدت عنده ملكة يستطيع بها أن يصدر بعض الأحكام منها أما أن يعتمد على التقريب وحده . ولم يوازن بين أقوال العلماء كان يستمر مقلدا،. وليتطوع في هذا الكم . كما أنه . لم يكن من الفائدة حفظناها.
لكن لم يحفظ الأدلة ولم يأخذ المسائل لا يمكن أن نتصور المسائل ونتصور هذه المسائل لكن يجوز لنا أن نستدل إلا بالمقارنات فطالب العلم لا بد أن يقارن بين أقوال أهل العلم ، فإذا أكثر من ذلك صارت لديه ملكة، إنما طالب العلم يحكم على الأحاديث من خلال التقريب. هذا تهوين .بشكل تقريبي قد يكون بالنسبة لكثير من طلاب العلم لا يسعهم ذلك، والكبار يعتمدون عليه، يعتمد عليه الكبار.(1/266)
ليس من أن هذا لهم تفضيل. هم كغيرهم من البشر، الشيخ ابن باز رحمه الله . الشيخ الألباني رحمه الله . لكن نقول الطالب الذي يريد أن يؤسس نفسه، من الوقوف في هذا العلم لا يمكن القول منه يستفيد من التقريب من هذه الطريقة. بدءا من أولها، من أولها ويبدأ به ثم يراجع التهذيب ثم يراجع تهذيب التهذيب، يقارن أقوال ابن حجر بالذهبي، يقارن أقوال ابن حجر بالتقريب في أحكامه على الرواة في الكتب الأخرى ثم بعد ذلك ما ينتهي من هذا الكتاب إلا ولديه ملكة من هذه الطريقة. نعم؟
هذا الحافظ العراقي يقول:
وصححوا استغناء بالشهرة عن
تزكية الكلام في المجلس
مثلا أحمد بن حنبل، سفيان ، المغيرة في سند الحديث . لا بد أرجع إلى التقريب في في الرجال لابن حجر . هذا يمكن؟ لا يمكن أن يقال . يعني: لما علم من هذا المنزل ضرورة فلا يخفى على أحد.
وفاحش الغفلة تقرب من النسيان يعني: عدول الشيء عن استذكار واستحضار المحفوظ إما في التحمل أو في الخبر. قد يغفل الإنسان عن تحفظ الأحاديث لانشغاله بأمر ما . فيظهر تحمله على وجه أو يصاب بغفلة أو . فتؤثر على مجهوده.
وفَاحِشُ الغَفْلَةِ حيثُ يَنْفَرِدْ
كَفَاحِشِ الأَغْلاطِ مُنْكَرٌ يَرِدْ
المنكر: يسمى حديثه المنكر، كفاحش الأغلاط ومثل ما قيل: في حديث الفاسق وهذا عند من لا يشترط قيد المخالفة للحكم على الحديث بالنكارة، فالنكارة قد تكون في المتن وقد تكون في السند.
فإذا روى من لا يحكم بتفرده حديثا انفرد بروايته حكم عليه بأنه منكر؛ فمثلا حديث أبي زكير في السنن: كلوا البلح بالتمر؛ فإنه فإذا أكل ابن آدم غضب الشيطان وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق.
أبو زكير لا يحتمل التفرد فحكم على حديثه بالنكارة وأيضا لفظه منكر؛ لأن الشيطان لا يغضب من كثرة . استغله فيما لا يرضي الله جل وعلا،. أما غضبه فمن استغلال العلم فيما يرضي الله جل وعلا ولو كان قصيرا؛ فهذا وجه المفارقة في الحديث.(1/267)
وفِي الْمُخَالفاتِ أقسامٌ تُعَدْ
مِنْ ذاكَ شَاذٌ ومُنْكَرٌ يُرَدْ
عددها المؤلف -رحمه الله تعالى- على سبيل الإجمال ثم فصل القول فيها على طريقة اللف والنشر المرتب:
وفِي الْمُخَالفاتِ أقسامٌ تُعَدْ
مِنْ ذاكَ شَاذٌ...............
إذا فمفادها أن . خشية
.......................................
مِنْ ذاكَ شَاذٌ ومُنْكَرٌ يُرَدْ
ومُدْرَجُ الْمَتْنِ ، فالثالث المدرج الثالث والرابع والقلب هذا الخامس والْمَزِيدُ فِيهِ قدْ وَرَدْ،
وَمِنْهُ مَا بالاضْطِرَابِ يُعْرَفُ
....................................
هذا المضطرب هو السابع على حسب ترتبيه.
....................................
كذلكَ التَّصْحِيفُ والْمُحَرَّفُ
الثامن والتاسع، ثم المنكر من إخراجه على سبيل اللفظ نشرها فبدأ بالأول قال: فالشاذ، الفاء هذه تسمى أيش؟ نعم إيه الفصيحة، فاء الفصيحة؛ وتقع في جواب شرط مقدر. إذا عرفت هذا فالشاذ، وإن أردت التفصيل فالشاذ: ما خالفهم به الثقة، قابلهم محفوظهم بحق وما يخرجون من الضعيف فمنكر. اقرأ:
الشاذ
فَالشّاذُ ما خَالَفَهُمْ بِهِ الثَقَهْ
قَابَلَهُ مَحْفُوظُهُمْ فَحَقَّقَهْ
وما يُخَالِفُهُمْ بِهِ الضَّعِيفُ
فَمُنْكَرٌ قَابَلَهُ الْمَعْرُوفُ
ومُدْرَجُ الْمَتْنِ كلامٌ أَجْنَبِيْ
يُدْخِله النَّاقِلُ في لَفْظِ النَّبيْ
فَغَالِباً يكونُ في آخِرِهِ
وَقَلَّ في أثْنَائِهِ أَوْ صَدْرِهِ
يُعْرَفُ بالبَيَانِ مِمَّنْ قَدْ نَقَلْ
أو اسْتَحَالَ أَوْ مِنَ الْمَتْنِ انْفَصَلْ
ومَا بِتَغْيِير سِيَاقَاتِ السَّنَدْ
خَالَفهُمْ فَذاكَ مُدْرَجُ السَّنَدْ
كَأَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ عَنْ جَمْعٍ نُقِل
كُلٌّ له فِيهِ طريقٌ مُسْتَقِلْ
فَيُجْمَع الكل على طرِيقِ
مِنْ غَيرِ تَبْيينٍ ولا تَفْريقِ
ومنه مروي بعض متن السند
لا طرفا فمن سواه قد ورد
رواهُ بالأَوَّل بالتَّمامِ
ثُمَّ أَضَافَ الزِّيدَ للإِتْمَامِ(1/268)
وِمِنْهُ مَتْنَانِ بِإِسْنَادَينِ
رَوَاهُمَا بِواحدٍ مِنْ ذيْنِ
مُقْتَصِراً أَوْ زادَ مِنْ ذَا الآخرِ
فِي ذَاكَ لَفْظاً كان َمِنْهُ قد بَريْ
ومِنْهُ أَنْ يَعْرِضَ آخِرَ السَّنَدِ
قولٌ يُظَنُّ مَتْنَ ذكَ السَنَدْ
ذكر المؤلف رحمة الله عليه فصل الأنواع الناشئة عن المخالفة من الراوي لغيره من الرواة فبدأ بالشاذ. ومشى على ما اختاره المتأخرون واجتهدوا من الشافعي فالشاذ المخالفة من الثقة إذا خالف الثقة من هو أوثق منه فمرويه يقال له: شاذ، ومرويه يقابله له: محفوظ. الشاذ يقابله المحفوظ:
فَالشّاذُ ما خَالَفَهُمْ بِهِ الثَقَهْ
قابله محفوظهم فحققه
ومنهم من يطلق على مجرد التفرد من أي راوي ثقة أو غير ثقة؛ المروي شاذ ومنهم من يطلق على تفرد الثقة شاذا، ولكن هنا اشترط قيد المخالفة، وهو الذي حققه الإمام الشافعي:
المنكر
وما يُخَالِفُهُمْ بِهِ الضَّعِيفُ
فَمُنْكَرٌ قَابَلَهُ الْمَعْرُوفُ
إذا خالف الضعيف الرواة الثقات؛ فحديثه منكر يقابل المنكر المعروف، رواية الثقات هي المعروفة، ورواية هذا الضعيف الذي خالفهم يقال له منكر، فالفرق بين الشاذ والمنكر: أن راوي الشاذ ثقة وراوي المنكر ضعيف، ويجتمعون في المخالفة للثقات. ومنهم من يري أنه لا فرق بين الشاذ والمنكر هذا قول، ويجعل الشاذ من المنكر والمنكر من الشاذ.
وما يُخَالِفُهُمْ بِهِ الضَّعِيفُ
فَمُنْكَرٌ قَابَلَهُ الْمَعْرُوفُ
ومُدْرَجُ الْمَتْنِ كلامٌ أَجْنَبِيْ
....................................(1/269)
كيف؟ الذي ينظر في إطلاقات الأئمة ومن واقع استعمالهم لهاتين الكلمة يجدهم يطلقون على هذا القول، يطلقون النكارة على مسألة التفرد، يطلقون . مجرد التفرد. نعم لكن هذه القواعد يتمرن عليها طالب العلم ويحفظ هذه الأقوال لئلا يواجه بأقوال، نعم ، تخرج عما حفظه فيستنكرها؛ فتشوش عليه فإذا عرف جميع ما قيل في المسألة وعرف الأقوال والخلاف فيها إذا واجهه إطلاق من . وإطلاق من ابن . قال: منكر نعم مع أن ما فيه مخالفة تعرف المذهب قوي معتبر من بعض الأئمة، ومنهم الشافعي حرر وحقق أن الشذوذ إنما لا يمكن إطلاقه إلا على ما فيه مخالفة ومنهم أئمة مجتهدون .نعم.
وهذه القواعد يتخرج عليها طالب العلم، وأنتم تسمعون. وقرروا في بداية الدرس أن هناك دعاوى تنادي بنبذ هذه القواعد؛ قواعد المتأخرين، والعناية بكلام المتقدمين والحكم على الحديث من خلال طرائق المتقدمين لكن المتقدمون يحكمون بقرائن، وبعد تأهل؛ فليس لطالب العلم أن يحاكي المتقدمين إلا أن تولدت لديه الملكة التي يدرك بها هذه القرائن.
ونذكره بالحديث المعل كيف يدرك الطالب العلة؟. ظاهر السند ظاهر الحديث السلامة من العلل؟ كيف يدرك الطالب العلة؟ نقول: يعرف بالخلاف أو تعرف العلة أويعرف الحديث المعلل بالخلاف والتفرد، مع قرائن تنضم يهتدي يشبهها، طيب .النقاد الخبير من طلاب العلم؛ فطالب العلم يجب أن يتمرن على قواعد المتأخرين ويكثر من النظر في كلام الأئمة ويكثر من التقريب بدارسة الأسانيد وإذا تأهل الله يجازيه على فهمه، كغيره من العلوم. وبسطنا هذه المسألة يمكن في الدرس الأول من دورة العام الماضي.
المدرج
ومُدْرَجُ الْمَتْنِ كلامٌ أَجْنَبِيْ
يُدْخِله النَّاقِلُ في لَفْظِ النَّبيْ
يعني: الراوي يدخل من كلامه سواء كان من الصحابة أو من التابعين يدخل لفظ كلامه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمى مدرجا . نعم.(1/270)
مسألة زيادات الثقات سبق الكلام عليها، وضبط الثقات إما أن تكون مخالفة نعم، زيادة الثقة إن كانت مخالفة لرواية منه أوثق منه فهو شاذ، وإن كانت موافقة.. إن كان فيها نوع موافقة ونوع مخالفة . وتأتي هذه المسألة إن شاء الله.
على كل حال، موضوع زيادة الثقات مع تداخله في بعضه لا شك أنها تحتاج إلى دربة؛ لذلك الذي يحكم بآلات قواعد المتأخرين الذي نقل عنهم الاتفاق على قبول زيادة الثقة تجده عندما يأتي مثل . ولكن . زيادة الثقة . من أجل المخالفة نعم، هو كلام صحيح ويشهد له القرآن..
نعم، لكن أهل العلل الذين يعرفون خبايا الأمور ودقائقها لا يقولون مثل ذلك، إما أبيض وإما أسود، ثابت وإلا غير ثابت ما يلفظون بأنه كلام صحيح، وكلام جميل، ويشهد له القرآن، ولا يعارضه شيء.
فمُدْرَجُ الْمَتْنِ كلامٌ أَجْنَبِيْ يعني: من الرواة إما صحابي أو من دونه يدخله الناقل، الراوي في لَفْظِ النَّبيْ، فغالبا يكون في آخره، غالبا ما يكون المدرج في آخر المتن: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" .
وقل في أثنائه: "والتحنث: التعبد مدرج من كلام الزهري.
أو صدره: "أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار " في صدر الحديث في أوله.
يُعْرَفُ بالبًيًانِ مِمَّنْ قَدْ نَقَلْ
....................................
أسبغوا الوضوء فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ويل للأعقاب من النار " عرفنا بهذا أن هذا اللفظ مدرج، يعرف بالراوي بالبيان ممن قد نقل أو استحال: لولا الجهاد وبر أمي، هذا يستحيل أن يقوله النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن أمه قد ماتت نعم، أو من المتن انفصل، يعني: بروايات أخرى.
ثم بعد هذا مدرج السند وصوره التي ذكرها المؤلف، وفصلها الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، وإن فصل فيه أمورا كثيرة؛ فالعلماء ذكروا للإدراج في السند صورا متعددة يمكن حصرها في أربعة:(1/271)
هذه الصور: أن يسمع الراوي حديثا من جماعة مختلفين في إسناده؛ فيرويه عنهم باتفاق أي بإسناد واحد ولا يبين اختلافهم، ومثل لهذا بما رواه أبو داود عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم الحديث.
فهذا الحديث قد أدرج فيه إسناد آخر، وبيان ذلك أن عاصم بن ضمرة رواه موقوفا على علي، والحارث الأعور رواه مرفوعا؛ فجاء جرير بن حازم فجعله مرفوعا من روايتين.
أدرج رواية هذا في رواية هذا فجعله مرفوعا من رواية الاثنين مع أن أبا داود ذكر أن شعبة وسفيان وغيرهما رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه؛ فعلمنا أن جريرا وهو أحد الأعيان، لا بقصد . القصد الحارث الأعور. لمثل هذا نعم لكن الإشكال في جرير بن حازم الذي مزج الروايتين ومزج الإسنادين وجعله على وتيرة واحدة من طريق؛ من الطريق الصحيح مرفوعا وهو في الحقيقة من الطريق الصحيح موقوف ومن الطريق الضعيف مرفوع؛ فجعله مرفوعا من روايتين، لأن أبا داود ذكر أن شعبة وسفيان وغيرهما رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه؛ فعلمنا أن جريرا قد أدرج رواية عاصم مع رواية الحارث فجعل الحديث مرفوعا. وكلام أبي داود بعد رواية الحديث.(1/272)
الصورة الثانية: يكون المتن عند الراوي بإسناد واحد إلا طرفا منه؛ فإنه عنده بإسناد آخر فيرويه راوي عنه تاما بالإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني. يعني تذكر الحديث مرويا بالإسناد ويجيء الثاني مرويا بإسناد آخر؛ فيروي الجملتين بالإسناد الأول؛ ومثال هذا ما روى أبو داود عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي آخره: أنه جاء بعد ذلك بزمان فيه برد شديد؛ فرأى الناس وعليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب. والصواب أنه روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط، ولم يذكر بآخر ما جاء بعد ذلك . بهذا الإسناد صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط، وفصل ذكر الآتي، فصل ذكر رفع الأيدي عنهم فرواه عن عاصم.
عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل بن حجر.
ويلتحق بهذه الصورة ما إذا سمع الراوي من شيخه حديثا بلا واسطة؛ إلا طرفا منه، فيسمعه من شيخه بواسطة، فيرويه عنه عاما بحذف الواسطة؛ مع أنه لم يسمع الطرف إلا بالواسطة.
الصورة الثالثة: أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان، بإسنادين مختلفين. فيرويه عنه راو مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناد خاص به؛ لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول.
مثاله: ما روى سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا الحديث...
فقوله: لا تنافسوا مزيدة في هذا الحديث من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا هذا اللفظة: ولا تنافسوا أخذت من حديث أبي هريرة وأضيفت إلى حديث أنس، وكلاهما في "الصحيح".(1/273)
الصورة الرابعة: أن يسوق الراوي الإسناد، فيعرض له عارض، فيقول كلاما من قبل نفسه، فيرميه بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك.
ومثاله: ما وقع لثابت بن موسى الزاهد، أنه دخل على شريك القاضي وهو يقول: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. شريك القاضي يحدث، يحدث الطلاب، فساق إسناد حديث، ساق إسناد يقول: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-. لما انتهى من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، دخل ثابت بن موسى الزاهد، فقطع الكلام شريك.
هذا زاهد، ثابت بن موسى زاهد، وقد أثر زهده وعبادته في وجهه، فقال من عند نفسه كلام شريك؛ انقطع الكلام، انتهى الكلام عليه، وقف على قوله: -صلى الله عليه وسلم-، ثم لما دخل هذا الرجل، قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجه بالنهار. فثابت لما سمع إسناد شريك، وسمع الكلام، فجمع بينهما، ضم هذا المتن لذلك الإسناد، وهذا إدراج من هذه الحيثية، ويسمى ويقول بعضهم: إن هذا شبه وضع؛ لأن هذا الخبر لم يقله النبي
-عليه الصلاة والسلام-؛ لكن شبه وضع من شريك ولا من ثابت؟ لا. شريك فصل بينهما؛ ذكر الإسناد، فلما دخل الرجل قال كلاما ينافي هذا الراوي، هو شبه وضع؛ لكن ممن؟ ممن يرويه على هذه الصفة وهو ثابت، ثابت ليس من أهل الحديث، ولا من أهل العناية بحفظ الحديث، صاحب عبادة، فلما سمع السند، ثم بعد ذلك انقطع الكلام فسمع المتن لفق. فده أيش؟ إدراج من هذه الحيثية، وهو شبه وضع؛ يعني: غير مقصود، وهو صادق في سماعه للحديث؛ صار يقول: حدثنا شريك، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.(1/274)
نعم. يريد به ثابت، ظن ثابت أن ذلك سند الحديث فكان يحدث بهذا الإسناد، وذكرت في نوع الموضوع؛ لأنها مما وضع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن صحابته، وليس من كلامه.
ولا شك أن إلصاقه بالمدرج أشبه؛ لأن (من استطاع منكم أن يطيل غرته) . هو ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويروى في الخبر على أنه من كلام النبي، مثل هذا، يرويه من بعد من أدرجه على أنه من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو شبيه بهذا.. فإلصاقه بالمدرج أولى من إلصاقه بالموضوع.
كَأَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ عَنْ جَمْعٍ نُقِل
كُلٌّ له فِيهِ طريقٌ مُسْتَقِلْ
نعم. هذا الكلام أصله لابن حجر، هذا الكلام كله أصله مأخوذ من ابن حجر. ابن حجر سمعه من كلام الخطيب وغيره، والبسط، يعني: بالأمثلة والتوضيح توجد في كتاب اسمه: "الحديث الضعيف" نسوي الدعاية للكتاب، لا. هذا ما يصح، عنوانه "الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به".
فَيَجْمَع الكل على طرِيقِ
مِنْ غَيرِ تَبْيينٍ ولا تَفْريقِ
ومِنْهُ أَنْ يَعْرِضَ آخِرَ السَّنَدِ
قولٌ يَظُنُ مَتْنَ ذكَ السَنَدْ
مثل: لا تنافسوا
رواهُ بالأَوَّل بالتَّمامِ
ثُمَّ أَضَافَ ......................
أيش؟ والأصل.. المضاف والمزيد. نعم. الأصل.. المضاف والمزيد، اسم مفعول، ويأتي المصدر ويراد به اسم المفعول. يأتي المصدر: زاد، يزيد، زيدا، وزيادة. هذا مصدر، فإن كان أراد إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول استقام الكلام، كما تقول: فلانة في بطنها حمل، أيش تريد؟ تريد المصدر؟ أو تريد المحمول؟ الطفل المحمول؟ نعم. يطلق المصدر ويراد به اسم المفعول.
وِمِنْهُ مَتْنَانِ بِإِسْنَادَينِ
رَوَاهُمَا بِواحدٍ مِنْ ذيْنِ
مُقْتَصِراً أَوْ زادَ مِنْ ذَا الآخَرِ
فِي ذَاكَ لَفْظاً كان َمِنْهُ قد بَريْ
ومِنْهُ أَنْ يَعْرِضَ آخِرَ السَّنَدِ
....................................
يعني: في آخر السند.
ومِنْهُ أَنْ يَعْرِضَ آخِرَ السَّنَدِ(1/275)
قولٌ يَظُنُ مَتْنَ ذكَ السَنَدْ
كما في قصة شريك مع ثابت بن موسى الزاهد.
ونقف على المقلوب، ثم بعد ذلك نتابع -إن شاء الله تعالى-،
الأسئلة
والآن نستعرض بعض الأسئلة.
يقول: بعض علماء هذا الفن يقولون: بأن هذا التعريف الذي قلت لا ينطبق على الشعر كما ينبغي، وأن التعريف غير كاف، ما رأيكم في هذا القول؟
مثل ما ذكرنا.. يعني: قد تطبق كلام الشافعي على بعض الإطلاقات، وقد تطبق كلام الخليل في الشعر على بعض الإطلاقات؛ تطبق كلام الحاكم على بعض الإطلاقات. أيش معنى هذا الكلام؟ الشافعي ما جاء من فراغ، جمع كم حديث، أطلق عليها .مذهب، فرأى من يجمعها قول المخالف. الخليلي جمع من إطلاقات الأئمة على بعض الأحاديث أنها الشاذة، ولم ير فيها المخالفة. الحاكم كذلك، فالمسألة تحتاج من تطبيق القواعد النظرية؛ مع مواقع استعمال الأئمة أمر لا بد منه للخروج بالنتائج الصائبة، ولا يمكن أن تخرج بتعريف محرر دقيق جامع مانع لجميع الصور. نعم؛ لأن هذه الإطلاقات كثيرة، إما أن يطلق معتمدا على المعنى اللغوي لهذه الكلمة، الآخر يعتمد على أن هذا المعنى العرفي لهذا الكلمة، فالمعول عليه في إطلاقات الأئمة، والحدود والتعاريف، أنها تؤخذ من مجموع كلامهم.
يقول: قلت: إن الذي يريد أن يتفرغ للعلم لا بد من أن لا يكون منشغلا الآن بالوظيفة والتجارة، ثم التفرغ للعلم كيف نعيش من غير المال فعلى الأقل الوظيفة؟
أنا أقول كما قال الله -جل وعلا-: وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا فالمسألة تحتاج إلى توازن؛ لا رهبانية في الإسلام، المسألة تحتاج إلى توازن؛ لكن مع ذلك لا تنهمك؛ بحيث تحتاج إلى أن يقال لك: لا تنس نصيبك من الآخرة.
هل يجوز في عصرنا هذا أن نتكلم في فن العلل، كما يقول بعض العلماء: إن العلل خاص ببعض العلماء كالبخاري، ولا يجوز تفصيل الكلام حول العلل أيا كان؛ لأنه خصوصية لهذا الكلام.(1/276)
على كل حال.. من استطاع بعد المران الطويل، والممارسة، والقوة في الحفظ، والضبط، والإتقان، وجودة الذهن، وطول الممارسة، والتوفيق من الله -جل وعلا-، إذا استطاع أن يحاكي المتقدمين، واختبر عمله، وطابقه على عملهم فلا مانع.
يقول: هل سبق لكم شرح "النخبة"؟ وهل هو مفرغ في أشرطة؟
نعم. موجود، تسجيلات شرح "النخبة" كامل.
هذا يسأل عن أيهما أفضل: حفظ صحيح البخاري من مختصر الزبيدي، أم مختصر، يعني: مثلا كتاب في جمع حديث البخاري مع معلقاته ومروياته.
المختصرات كثيرة؛ لكن مختصر الألباني جيد.
يخرج .بالحرص أمور خمسة
وهم وفحش غلط وغفلة
طيب، شوف أسئلة النساء. نعم. والله .وفق مثل الشيخ حافظ على التراجم.
هذه تقول: في المناهج الدراسية تحتوي بعض المناهج على بعض المسائل الفقهية، أو غيرها من المسائل، وبعضها تحتوي على بعض الأقوال لبعض العلماء، فهناك دعوة لطرح هذه المسائل وغيرها من المواضيع للنقاش والحوار؛ بحجة تدريب الطلاب على الحوار والنقاش؛ بحجة أن العلماء ليسوا معصومين، وأقوالهم ليست مقدسة، وأنها ظنية وليست قطعية؛ علما بأن الطلاب من الذكور والإناث في المرحلة المتوسطة والثانوية، وهم غير متمرسين في هذا العلم؟
في هذه المرحلة، الطلاب في هذه المرحلة حكمهم حكم العوام؛ عليهم أن يأخذوا أقوال أهل العلم، ثم إذا تأهبوا للنظر فيها، وعرضوها على الأدلة، ووجدوا ما يخالف الأدلة منه، مثل ما ذكر، ليسوا بمعصومين، لهم أن يخرجوا عنها.
يقول: ما أوقات النهي التي نهي عن الصلاة بها؛ منها تحية المسجد، أو ذوات الأسباب؛ حيث إن بعضهم يذهب قبل أذان المغرب بربع ساعة ويؤدي تحية المسجد؟
هذا الكلام يمكن كثيرا من الإخوان ملوه من كثرة ما طرحناه.
تقول: كتب حسنات الأبرار سيئات المقربين؟
مسألة ذوات الأسباب أظنها عرضت في آخر حلقات، في يوم جمعة. نعم.(1/277)
سؤال على الهاتف، يقول: إن العلماء يقولون: حسنات الأبرار سيئات المقربين. ماذا يفعل المقربون حتى وصلوا إلى هذه المرحلة؟
المقربون لا شك أنهم فطموا أنفسهم عن هذه الدنيا، وتعلقوا بالله -جل وعلا-، ولجأوا إليه بصدق وإخلاص، وحرصوا على تطبيق جميع ما أمروا به مما ثبت، وابتعدوا عن جميع ما نهوا عنه؛ حرصوا على ذلك، وهم -أيضا- ليسوا بمعصومين. يبقى أنهم بشر، يخطئون كغيرهم؛ لكن حرصوا على أن يتخلوا عن كثير من أمور الدنيا؛ حتى وفقهم الله -جل وعلا-، وعصمهم من كثير من الذنوب التي يتساهل فيها كثير من الناس. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقربون لهم برنامج ذكره ابن القيم في "طريق الهجرتين"؛ ذكر برنامجهم وخطتهم التي يسيرون عليها، وأقسم مع ذلك بعد أن شرح المنهج بدقة وكأنه واحد منهم، ويعيش بينهم، وكأنه يشرح حال نفسه، أقسم -رحمة الله عليه- أنه ما شم لهم رائحة.
المقلوب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين، واعصمنا من الفتن أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وَمَا بالانِْعكَاسِ والإِبْدَالِ
فذاكَ مَقْلوبٌ بِلا جِدالِ
فَمِنْهُ قَلْبُ سَنَدٍ دُونَ مِرا
أَنْ يُبْدَلَ الرَّاوِيْ بِرَاوٍ آخَرَا
وَمِنْهُ بِالتَّقْدِيمِ والتَّأخِيرِ فِي
الأَسْما كَجَعْلِ الأَبِ اِبْنًا فَاعْرِفِ
وَقَلْبُ مَتْنٍ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ مَا
يَخْتَصُّ بِالشَّيء لِضِدَّ عُلِما
كقوله فيما رَوَاهُ مُسْلِمُ
فِي أحدِ السَّبْعَةِ مَنْ لا تَعْلَمُ
يَمِينُهُ مَا بِالشَمالِ أَنْفَقَا
وِالَبَذْلُ مِنْ شَأْنِ اليَمِينِ مُطْلَقا
وَمِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ مَتْناً لسَنَد
وَقَلْبُ مَتْنِه لذلكَ السَّنَد
وَسَوَّغُوا هذا للاخْتِبَارِ
لحاجةِ مِنْ دُونِمَا إصْرَارِ(1/278)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
النوع الخامس من أنواع الضعيف، المترتبة على مخالفة الراوي لغيره من الرواة الثقات، وهو مما يتعلق.
يقول هذا النوع الخامس، الناشئ عن مخالفة الراوي لغيرة من الثقات. ومخالفة الثقات من الأوجه المتعلقة بانتفاء رد الراوي، وهو: المقلوب. بعد أن ذكره على سبيل الإجمال مع غيره من الأنواع فصل القول فيه، فقال -رحمه الله تعالى-:
وَمَا بالانِْعكَاسِ والإِبْدَالِ
فذاكَ مَقْلوبٌ بِلا جِدالِ
مقلوب اسم مفعول من القلب، وهو جعل الأول آخرا والآخر أولا، والأعلى أسفل والأسفل فوق، وغير ذلك من صور القلب الحسي.
وَمَا بالانِْعكَاسِ والإِبْدَالِ
....................................
انعكس اللفظ، وانعكس المعنى، انعكس اسم الراوي، ينقلب، يبدل الراوي بغيره، كل هذا قلب؛ داخل في المقلوب.
بِلا جِدالِ . بلا نزاع، بلا خلاف.
فَمِنْهُ قَلْبُ سَنَدٍ دُونَ مِرا
أَنْ يُبْدَلَ الرَّاوِيْ بِرَاوٍ آخَرَا
وذلك بأن يؤتى إلى حديث معروف من رواية نافع، فيجعل من رواية ثابت -مثلا-؛ هذا قلب.
...............................
أَنْ يُبْدَلَ الرَّاوِيْ بِرَاوٍ آخَرَا
وَمِنْهُ بِالتَّقْدِيمِ والتَّاخِيرِ فِي
الأَسْما كَجَعْلِ الأَبِ إِبْناً فَاعْرِفِ
مثل: نصر بن علي، يجعل علي بن نصر. كعب بن مرة، يجعل مرة بن كعب، فيجعل الأب ابنا، والعكس؛ كعب بن مرة، يقول: مرة بن كعب، ومثله: نصر بن علي، وعلي بن نصر. يسهل هذا القلب على ألسنة الناس كون كل من الاثنين يكثر دورانه في كتب الحديث؛ نصر بن علي، وعلي بن نصر، يروي عنهما مسلم بكثرة. ويشتركان في بعض الشيوخ، فهذا يسهل القلب.
وَقَلْبُ مَتْنٍ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ مَا
يَخْتَصُّ بِالشَّيء لِضِدَّ عُلِما
ما لليمين يجعل لليسار، وما لليسار يجعل لليمن؛ يجعل للضد تماما.
كقوله فيما رَوَاهُ مُسْلِمُ(1/279)
فِي أحدِ السَّبْعَةِ مَنْ لا تَعْلَمُ
يَمِينُهُ مَا بِالشَمالِ أَنْفَقَا
وِالَبَذْلُ مِنْ شَأْنِ اليَمِينِ مُطْلَقا
يعني: في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ المتفق عليه: ورجل تصدق بصدقة أخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه... جاء في صحيح مسلم مقلوب: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا؛ حتى يؤذن ابن أم مكتوم جاء في أحد الروايات أن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا؛ حتى يؤذن بلال. جاء هذا؛ ففي حديث السبعة يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-:
كقوله فيما رَوَاهُ مُسْلِمُ
فِي أحدِ السَّبْعَةِ مَنْ لا تَعْلَمُ
يَمِينُهُ مَا بِالشَمالِ أَنْفَقَا
....................................
أنفقت شماله، لا تعلم يمينه ما أنفقه بشماله، ما تنفقه شماله.
....................................
وِالَبَذْلُ مِنْ شَأْنِ اليَمِينِ مُطْلَقا
الإعطاء والأخذ والتعامل مع الناس كله باليمين، لو واحد -مثلا- ناول هذا باليسار، ما هو مستساغ، ولا مقبول، جاء في الحديث: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوا منه ما استطعتم، وإذا أمرتكم بأمر فأتوه مقلوب، قلب هذا.
وأمثلة المقلوب كثيرة جدا؛ لكن يهمنا صيانة الصحيح، وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يهاب الصحيحين.(1/280)
والمقلوب -كما هو معروف- من قسم الضعيف، فماذا نقول عما في صحيح مسلم؟! المقلوب ضعيف؛ فماذا نقول عن حديث السبعة وفيه: لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ؟! هل يمكن تخريجه على وجه صحيح؛ بحيث نصون الصحيح من الحكم على حديث من أحاديثه، وقد تلقته الأمة بالقبول؟ نصونه عن الضعف كيف؟ نقول: الأمر سهل، هذا الرجل يمدح، كما يمدح بالإخفاء يمدح بكثرة الإنفاق، كما يمدح بالإخفاء -إخفاء صدقته-؛ حتى لا تعلم يمينه، أو لا تعلم شماله، يمدح بالإخفاء؛ ولذا لا يعلم طرفه الآخر، إذا كان لا يعلم عن إنفاقه جانبه فكيف بغيره؟ فهذا الرجل كما يمدح بالإخفاء يمدح -أيضا- بكثرة الإنفاق؛ يعني: مع كثرة إنفاقه يستطيع أن يخفي؛ فلكثرة إنفاقه مرة ينفق بيمينه، ومرة بشماله، ومرة من أمامه، ومرة من خلفه. والإخفاء قد يضطر الإنسان إلى أن ينفق بالشمال. يفترض عنده ناس جالسين عن يمينه، فجاء فقير من شماله فأعطاه بحيث لا يرده، صح جدا، ممكن، نعم. والفقير إذا أعطي لن يحمل في نفسه شيء؛ لأنه أعطي بالشمال؛ والمقصود الأعظم قد حصل. يؤيد ذلك الحديث المخرج في صحيح البخاري: ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبا؛ تأتي علي ثلاث وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين؛ حتى أقول فيه: هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله، ومن أمامه ومن خلفه. هذا كناية عن كثرة الإنفاق؛ وبهذا نصون الصحيح من دعوى القلب، والمقلوب من الضعيف. وإذا أمكن تخريج الخبر على وجه يصح؛ لا شك أنه يتعين؛ لأنه يترتب على عدم التخريج توهيم الرواة، والمسألة مفترضة الآن في رواة الثقات رواة الصحيح الذين قال كثير من أهل العلم: إنهم جازوا القنطرة.
مما حكم عليه بالقلب: حديث البروك: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه وهو أرجح من حديث وائل: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبته قبل يديه ؛ لأن الأول له شاهد من حديث ابن عمر.(1/281)
على كل حال.. من حيث الصناعة حديث أبي هريرة أرجح من حديث وائل. وقرر ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وأطال تقرير القلب في حديث أبي هريرة، وأنه مقلوب؛ لأنه -على رأي ابن القيم- يكون إن لم يحكم بقلبه يتناقض؛ آخره يهدم أوله؛ لأن البعير إذا برك يقدم يديه قبل ركبتيه. ابن القيم لما اقتنع بهذا.. أجلب عليه في "الهدي"، وأطال في تقرير القلب، وأنتم تلاحظون من أنفسكم ومن غيركم أنه إذا علق شيء بذهن الشخص، وحال دونه ودون فهم الحديث على وجهه انقفل الذهن، صار ما يحتمل قولا آخر؛ لأنه في بادئ الأمر البعير يقدم يديه قبل ركبتيه. فكيف يقول: وليضع يديه قبل ركبتيه؟ يقول -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث وائل: أنه إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ونقول: ليس في الحديث قلب، وليس فيه تعارض، ولا تضاد، ولا أدنى إشكال، ولله الحمد.(1/282)
متى يقال: برك البعير؟ يقال: برك البعير إذا نزل على الأرض بقوة. يقال: برك البعير، وحصحص البعير إذا فرق الحصى، وأثار الغبار. من البرك؛ لكن الذي يصلي إن فعل هذا الفعل؛ بحيث نزل على يديه بقوة، وثار الغبار، وفرق الحصى، وخلخل البلاط، تسمعون البلاط يرتج، نقول: برك مثل ما يبرك البعير؛ لكن لو قدم يديه، وضع يديه قبل ركبتيه مجرد وضع على الأرض، نقول: لم يبرك مثل بروك البعير، وامتثل الأمر، وضع يديه قبل ركبتيه. ما فيه قلب، يعني: نفرق بين البروك وبين مجرد الوضع، يعني: أنت لو قيل لك -مثلا-: ما حكم وضع المصحف على الأرض؟ تقول: جائز؛ وضع المصحف على الأرض جائز؛ لكن إلقاء المصحف على الأرض؟ هذا استخفاف بالقرآن، يصل إلى حد عظيم عند الله تعالى، يعني: ما فيه فرق بين هذا وهذا. مجرد وضعه على الأرض، وإلقائه على الأرض فيه فرق، فمن يرجح حديث أبي هريرة على حديث أبي وائل ما عنده أدنى إشكال؛ يقدم يديه قبل ركبتيه، ولسنا بحاجة إلى الكلام الطويل الذي يكرره بعضهم: أن ركبتي البعير في يديه ولا كذا، ما من دعوى؛ لأنه حتى لو قلنا: ركبة البعير في يديه ما انحل الإشكال. طيب، نأتي إلى الحديث الثاني: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه المسألة مسألة وضع. بعض الناس ينزل بركبتيه على الأرض مثل نزول الحمار؛ أشد من البعير، نعم. بقوة، هو ينزل، ويخلخل البلاط؛ يسمع هذا. هذا يسمع من بعض الذين يسجدون، فإذا وضع ركبتيه مجرد وضع على الأرض من غير نزول بقوة، نقول: أنت بحديث وائل، وكل على حسب ما ترجح عنده، إما هذا أو هذا؛ لكن يلاحظ أنه لا قلب في الحديث؛ إنما المطلوب الرفق، وأن توضع اليدين أو الركبتين، كل هذا على حسب ما يرجح، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لحظ كلمة وضع في النصين، وقال: المصلي بالخيار؛ سواء قدم يديه أو ركبتيه لا فرق، بس الملحظ أيش هو؟ الوضع. الملحظ الوضع.(1/283)
وأما الكلام في الحديث طويل جدا؛ لأنه أشكل على كثير من الكبار فضلا عن طلاب العلم، وابن القيم -رحمه الله تعالى- لما حال دون تصور الحديث على وجهه؛ لأن بعض الناس يحجم ذهنه على شيء، فيفهمه على وجه، ويستمر عليه؛ ولذلك تجد المعلومات التي يتلقاها طالب العلم في أول الأمر، ولا يدرسها في النهاية بعناية، يعلق في ذهنه ما هجم على ذهنه في أول الأمر، هذا إذا لم يدرس المسائل بعد ذلك بعناية، وتوسع، وفهم دقيق. ولا ما مر عليك كلام وأنت في المتوسط من الزاد وحفظته مهما مر عليك فيما بعد من كلام الأئمة الآخرين ما يعلق في ذهنك إلا القديم؛ لأنه هجم على الذهن بقوة، وجد الذهن فارغ، فتمكن، فمهما حاولت إلا إذا بحثت المسألة من جذورها، ووازنت الأقوال، وبحثتها بقوة؛ بحيث ترسخ في ذهنك؛ لتقاوم ما هجم على ذهنك حينما كان خاليا.
يقول -رحمه الله تعالى-، لا أريد أن أطيل في تقرير هذه المسألة، المسألة واضحة -إن شاء الله تعالى-. نعم.
إيه.. كل كتب المصطلح تقول: مقلوب. هو بدأ الكلام في صيانة الصحيحين. الصحيحين تلقتهما الأمة بالقبول، فصيانتهما متعينه؛ لأنه إذا تطاولنا على الصحيحين فماذا بقي لنا من الكتب؟! تلقتهما الأمة بالقبول ما يجعل الحديث الذي يرويه أصحاب الصحيح قطعي؛ ولذلك رأوا من القرائن التي تحتف بالخبر حتى يكتسب القطعية كونه مخرج في الصحيحين أو في أحدهما، في كتاب يثبت صحته، وتلقته الأمة بالقبول. ومثل هذا لا بد منه، ثم أما في غيرهما من الكتب يحرص الإنسان على أن يصون الرواة الثقات عن الوهم، ويتقي الله -جل وعلا- قدر استطاعته، ويحكم بما يوصله إليه اجتهاده.
وَمِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ مَتْناً لسَنَد
وَقَلْبُ مَتْنِه لذلكَ السَّنَد
ومثل في هذا الموضع بحديث شريك الذي ذكرناه في باب المدرج في الصورة الرابعة بالأمس. جعل متن هذا الحديث، أو المتن(1/284)
-متن هذا الكلام- لذلك السند، نعم. وأحيانا يهِم بعض الرواة فيجعل حديث عمر -مثلا- لأبي هريرة، والعكس، هذا قلب، هذا نوع من القلب الذي أشار إليه المؤلف هنا؛ لكن بعض الرواة الضعفاء يأتون إلى حديث يروى بسند ضعيف، أو بسند تالف، فيركب له إسناد غير إسناده؛ ليكون مقبولا عند السامع، وقد يكون الحديث صحيحا بإسناده؛ لكن يركب له إسناد ثان للإغراء، وهذه يسمونه سرقة الحديث، وهو من أشد القوادح.
وَسَوَّغُوا هذا للاخْتِبَارِ
لحاجةِ مِنْ دُونِمَا إصْرَارِ
تأتي تختبر طالب لتعرف مدى إتقانه لما كلف بحفظه. عندك طلاب، تدرس لهم البخاري، وتطالبهم بحفظه سندا ومتنا؛ فتأتي إلى حديث فتركب عليه سند حديث آخر، والحديث الآخر تركب عليه سند الحديث الأول؛ هذا لمجرد الاختبار؛ يعني: تعمد القلب حرام؛ لأنه يجعل المقبول مردودا، والمردود مقبولا. فهذا بمجرد حرام، تضليل لما اشتمل عليه الحديث المقبول بجعله غير مقبول، وجعل الأمة تعمل بحديث غير مقبول؛ لأنه ركب عليه إسناد مقبول. فهذا حرام؛ لكن للامتحان. هنا يقول:
وَسَوَّغُوا هذا للاخْتِبَارِ
لحاجةِ مِنْ دُونِمَا إصْرَارِ(1/285)
يعني: ليبين حقيقة الأمر في نفس المجلس؛ يلقي على الطلاب اختبار، طلبت عليهم الأسانيد؛ لكن في نفس المجلس قبل أن يتفرق أحد يبين الصواب. حصل لأهل العلم حكايات في الاختبار، وأبدوا براعة وإجادة. قلب على الإمام البخاري مائة حديث، قلب على الدارقطني أحاديث، قلب على المزني أحاديث؛ للامتحان. إذا جاء إلى أهل البلد امتحنوه. البخاري لما قدم من بغداد، وهذه القصة رواها ابن عدي في جزء ذكر فيه شيوخ البخاري؛ رواها ابن عدي عن عدة من شيوخه؛ بعضهم يضعف هذه القصة؛ لأن الشيوخ مجهولون؛ لأنه قال: عن عدة من شيوخي. وأهل العلم في مثل هذا التعبير يقول: هؤلاء الشيوخ، نعم. وإن كانوا غير معروفين بأعيانهم؛ إلا أنهم باعتبارهم جمع يجبر بعضهم بعضا؛ لا سيما وأنهم شيوخ، من شيوخ الحديث، وأخذ عنه ابن عدي، وهو الجهبذ، النقاد، الخبير؛ أخذ عن عدة من الشيوخ؛ ولو افترضنا ضعفهم يجبر بعضهم بعضا. الجهالة بهم يجبر بعضهم؛ لكونهم عدة يجبر بعضهم بعضا فيصحح القصة.(1/286)
لما قدم الإمام البخاري بغداد اختبروه، فعمدوا إلى مائة حديث، ووكلوها إلى عشرة من الأشخاص، قلبت أسانيدها؛ سند هذا جعل لمتن هذا، ومتن هذا جعل لمتن هذا، إلى أن تمت المائة، ووزعت على عشرة أشخاص؛ كل واحد له عشرة أحاديث، فلما استقر بهم المجلس، قام واحد من العشرة، فقال: ما تقول في حديث فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا؟ فقال: لا أعرفه. وما رأيك في حديث عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا؟ قال: لا أعرفه. وهكذا إلى أن أتم العشرة -عشرة الأحاديث-، الذي لا يعرف حقيقة الحال يقول: هذا البخاري يطير ذكره عجز، ولا حديث من العشرة أجابه، أما الفهماء من الحاضرين يقول: عرف الرجل. فهم مقصود الرجل، ثم قام الثاني، ففعل وصنع مثل ما صنع الأول، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم العاشر، إلى أن تمت المائة. فلما تمت المائة التفت إلى الأول، قال: قلت: كذا. وصوابه: كذا. الثاني: قلت: كذا. وصوابه: كذا. فتعجب العلماء من حفظه لها على هذا الترتيب، وأقول: أعجب من ذلك؛ حفظه لخطئها كحفظه لصوابها؛ لأن العالم قد يحفظ الصواب؛ لكن كونه يحفظ مائة حديث مقلوبة ملخبطة ما جاءت على وجهها، ثم يحفظ الخطأ ويعيده إلى الصواب بهذه الطريقة؛ عجب. ولا شك أنه من حفاظ الإسناد الكبار.(1/287)
الدارقطني حفظه تضرب به الأمثال؛ يحضر الشيوخ وهم يملون -يملون الأحاديث-، ومعهم كتاب، كتاب آخر خارج الدرس، ينسخ من كتاب إلى كتاب، ينسخ كتب أثناء الدرس، فلما انتهى الشيخ، قال واحد من الجالسين: أنت النهارده ضيقت علينا، يا أخي الناس تنسخ في بيتها. فقال له الدارقطني: ذكرنا جزاك الله خيرا- مما قال الشيخ. فلم يستذكر ولا حديث، قال: اكتب ما قاله الشيخ. فأملى عليه الأحاديث كلها، واحد بعد آخر. قال: يا أخي: حفظي ليس مثل حفظك. نحن لسنا على منزلة واحدة. نعم. قد يقول القائل: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ؛ لكن الحفاظ يقررون أنه يكفيهم من الحديث شمه. بس يجلب أدنى طرف كلمة ويكمل الباقي؛ عجائب. وكل في فنه، هذا معروف، كل في فنه، من اهتم بشيء أتقنه، نعم. تجد البارع في أي فن من الفنون مثل المرئي، نقول مثل هذا في جميع الصنايع والفنون. تأتي بالسيارة إلى صاحب الورشة، بما إنه بارع يفتت يفكك يفتح هذا، نزل الكبوت، افتح لي ما أدري أيش، افتح الصفاية، شيل ما أدري أيش. ما يقف على علة؛ هذه مسألة حاصلة. صار السيارة فيها رجة، فدخلنا ورشة فيها عمال كثير، واللي يفك منها، واللي يفك منها، ما فيه، جاء صاحب الورشة كان غير الكفر الأمامي، هذا الأمامي غيرناه ما حصلش، إحنا ما جربنا، ما راح ما جاء؛ يعني: فيه ناس مكفوفين في بعض الصنائع، مهرة فيه صنائع لا يتقنها المبصرون، كل هذا سببه أيش؟ العناية، العناية بالشيء، مكفوف، تأتي بآلة مثل هذا يقولك: ما تشتغل. وله أن يقول مثل ما قال الكبار من المحدثين: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل. له أن يقول ذلك.
على أن لا يستمر الوضع في القلب المتعمد من أجل الامتحان حتى يتفرق الناس؛ لا يجوز أن يستمر هذا حتى يتفرق الناس، فيحفظه بعضهم على الخطأ، لا بد من بيان الصواب فيه. نعم.(1/288)
.إحنا نرويه بالإسناد عن الإمام البخاري؛ ما فيها وسايط عن عدة من شيوخه، ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه عن صاحب القصة، أما من حضر القصة، يعني: ما فيه وسائط كثر؛ بحيث يحتمل أن كل واحد من هؤلاء الوسائط يتطرق الخبر من قبله، ما فيه خطأ من الوسائط؛ إن هؤلاء عدة من شيوخ ابن عدي، ورواها عنه الخطيب في "تاريخ بغداد"، ورويت عنه، اشتهرت؛ تناقلها العلماء من غير نكير. والاستفاضة في مثل هذه الأخبار التي لا يترتب عليها حكم، نعم. كافية؛ مع أنها تندرج تحت الأصل العام الذي يعترف به كل أحد في إمامة البخاري وحفظة وسعة اطلاعه على هذا الفن. نعم.
المزيد في متصل الأسانيد
وإِنْ يُزَدْ في السَّنَدِ الْمُتَّصِلِ
رَاوٍ فَذَا الْمَزِيدُ فِيهِ فَصِّلِ ِ
فَإنْ يَكُنْ مَنْ لَمْ يَزِدْهُ أَتْقَنَا
وَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنَا
تَرجّحَ الإِسْقَاطُ لا شَكَّ وَإنْ
كانَ الذِي قَدْ زَادَهُ أَتْقَنُ مِنْ
مُسْقِطِهِ لا سِيِّمَا إِنْ عَنْعَنَا
فَلْيَكُ تَرْجِيحُ الْمَزِيدِ أَبْيَنَا
وَيَسْتَوي الأَمْرَانِ حَيْثُ احْتَمَلا
إِنْ كانَ عَنْ كِلَيهمَا قد نَقَلاَ
نعم. هذا نوع من أنواع علوم الحديث، مرتب على المخالفة، وهو: المزيد في متصل الأسانيد. إذا وجدت حديثا بإسناد من طريق خمسة؛ يسمونه الخماسي، ثم وجدته من طريق ستة. هم الخمسة، بينهم واحد زائد؛ مزيد واحد. يحتمل أن يكون هذا بالفعل مزيد، ويحتمل أن يكون الناقص فيه سقط، ويحتمل أن يكون الراوي عن هذا المزيد رواه على وجهين: مرة بواسطة، ومرة بغير واسطة. فالاحتمال قائم؛ لكن ما الذي يرجح من هذه الاحتمالات؟ يرجحه ما قاله الشيخ:
وإِنْ يُزَدْ في السَّنَدِ الْمُتَّصِلِ
رَاوٍ فَذَا الْمَزِيدُ فِيهِ فَصِّلِ ِ(1/289)
هذا مزيد، إن يزد فهو من المزيد؛ لكن ما العمل؟ هل نحكم بأنه مزيد مطلقا؟ يعني: الزيادة هذه خطأ -مثلا-؟ سبق قلم من بعض الناس؛ من بعض الرواة؟ أو وجود هذا الراوي المزيد له وقع وله دور في أداء هذا الخبر؟
فَإنْ يَكُنْ مَنْ لَمْ يَزِدْهُ أَتْقَنَا
....................................
وجدنا من رواه خماسيا أتقن وأحفظ وأضبط ممن رواه سداسيا.
فَإنْ يَكُنْ مَنْ لَمْ يَزِدْهُ أَتْقَنَا
وَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنَا
يعني: صرح بالسماع والتحديث، فالمسألة مفترضة. فيه راو ثقة أسقط راوي سند، وصرح بالتحديث ممن هو فوق هذا الراوي الذي أسقطه، فإن كان هذا المسقط أتقن، وصرح بالتحديث.
فَإنْ يَكُنْ مَنْ لَمْ يَزِدْهُ أَتْقَنَا
وَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنَا
ترجح الإسقاط، هنا الراجح أنه مزيد، والخماسي أرجح من السداسي.
تَرجّحَ الإِسْقَاطُ لا شَكَّ وَإنْ ْ
كانَ الذِي قَدْ زَادَهُ أَتْقَنُ مِنْ
مُسْقِطِه .................
....................................
فإن كان الذي رواه سداسيا أتقن ممن رواه خماسيا.
.............لا سِيِّمَا إِنْ عَنْعَنَا
....................................
صاحب الخماسي الذي أسقط رواه بالعنعنة؛ احتمال أن يكون بينهما واسط. أما إذا قال: حدثنا. لا يتصور أن يكون بينهما واسط.
.................. لا شَكَّ وَإنْ ْ ْ
كانَ الذِي قَدْ زَادَهُ أَتْقَنُ مِنْ
مُسْقِطِهِ لا سِيِّمَا إِنْ عَنْعَنَا
....................................
يعني: رواه بعن، أو ما يقوم مقامها، مثل: قال، وأن فلانا. نعم.
لا سِيِّمَا إِنْ عَنْعَنَا
فَلْيَكُ تَرْجِيحُ الْمَزِيدِ أَبْيَنَا
يعني: رجح المزيد، إذا رواه من أسقط، وهو أدنى منزلة ممن زاد، ورواه بالعنعنة؛ قلنا: إن هذا أسقط راو. كيف؟ لا. هو الزايد. نعم.
مِنْ ْ مُسْقِطِهِ لا سِيِّمَا إِنْ عَنْعَنَا
....................................(1/290)
المسقط. إذا عنن المسقط، قلنا: إن (عن) ليست صريحة بالاتصال، ما يوجد حدثنا وسمعته. نعم. يحتمل أن بينهما راو سقط.
....................................
فَلْيَكُ تَرْجِيحُ الْمَزِيدِ أَبْيَنَا
لكن إذا كانا على حد سواء، لم تستطع أن ترجح هذا ولا ذاك؛ لم تستطع الترجيح.
وَيَسْتَوي الأَمْرَانِ حَيْثُ احْتَمَلا
إِنْ كانَ عَنْ كِلَيهمَا قد نَقَلاَ
إذا احتمل أن هذا الراوي الثالث في السند، نعم. رواه عن الأول بدون واسطة، هذا احتمال؛ ولا سيما إذا كان قد لقيه، وروى عنه أحاديث. نعم. هذا احتمال، ويحتمل أنه رواه عنه بواسطة. نعم. ولا يمنع أن يكون مرة يرويه عنه كذا، ومرة يرويه عنه كذا. فقد تسمع أنت في حياتك العادية كلام عن شيخ من الشيوخ في بلد من البلدان من طريق شخص. نعم. فيتيسر لك أنك التقيت بالشخص؛ بالشيخ نفسه، فسألته، وقال لك، فأنت إن شئت أن ترويه بواسطة ذلك الشخص، وإن شئت أن ترويه عنه بدون واسطة؛ لأنك سمعته منه. كثير من الأخبار تروى بواسطة، ثم يحرص على نزول الواسطة؛ طلبا للعلو؛ وحينئذ يجوز أن تفعل على الوجهين، وما تعديت الحقيقة. إن رويت عن زيد عن عمر فقد أخبرك زيد عن عمر أنه قال: كذا، وإن أسقطت زيدا، ورويت عن عمر مباشرة ساغ لك ذلك؛ لأنك تمكنت من تلقي الخبر بدون واسطة. فالاحتمال قائم إذا استوى الأمران.
وَيَسْتَوي الأَمْرَانِ حَيْثُ احْتَمَلا
....................................
احتمل الأمرين: يحتمل المزيد، ويحتمل الإسقاط.
....................................
إِنْ كانَ عَنْ كِلَيهمَا قد نَقَلاَ
نقل الخبر بالواسطة، ومرة بدون واسطة، وهذا كثير في النصوص، ومتصور، وقد يقع، يسمع الخبر عن شخص بواسطة، بواسطة ثالث، ثم يلتقي الراوي عمن أسند إليه الخبر فيأخذه عنه مباشرة.(1/291)
نعم. فيأخذه عنه مباشرة بدون واسطة؛ فأحيانا ينشط فيذكر الواسطة، وأحيانا يسقط الواسطة، ولا ضير؛ لأنه يرويه على الوجهين؛ ولو راجعتم حديث: الدين النصيحة في أوائل صحيح مسلم فيه إسقاط واسطة، واسطة اثنين ما هي واحد، والأمر محتمل ما فيه إشكال؛ لأنه يروى على الوجهين؛ لكن عند أهل العلم العلو أرغب من النزول. لكن إن كان النزول فيه نظافة أسانيد، إسناد أكثر مما اشتمل عليه العلو؛ فنظافة الإسناد أهم وأولى من العلو -على ما سيأتي في العالي والنازل إن شاء الله تعالى-. نعم.
المضطرب
وإن يَكُنْ راوٍ بِرَاوٍ أُبْدِلا
كَذاكَ مَرْوِيٌ بِمَرْوِيٍّ ولا
جَمْعٌ ولا تَرْجِيح فيهِ حَصَلا
فَإنَّه مَضْطَرِبٌ لا جَدَلا
فيِ سَنَدٍ تُلْفِيهِ أوْ مَتْنٍ وَقَدْ
يكونُ في كِلَيهِما وَهْوَ أَشَدْ
ولَيس قَدْحاً خُلْفُهُمْ في اسم الثّقَهْ
أَوْ فِي صَحَابيِّ لهُ فَحَقّقهْ
فحققه، يعني: أصل الكلمة أمر، أو إخبار ماضي، كما أمر. وإذا كان أمر كيف ينطق؟ نعم. فلا بد أن يقال: فحققه. فحققه. يعني هذا النوع السابق؛ وهو المضطرب. وكلها متعلقة بالمخالفة؛ -مخالفة الثقات-.
هذا المضطرب: اسم فاعل من الاضطراب. وأخصر ما يقال في تعريفه: أنه هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية. لا بد أن تكون روايته على أوجه، فإن كان على وجه واحد فلا اضطراب. وأن تكون هذه الأوجه مختلفة، فإن روي على أوجه متفقة فلا اضطراب. ولا بد أن تكون هذه الأوجه المختلفة متساوية؛ بحيث لا يمكن الترجيح بينها، فإن أمكن الترجيح بينها انتفى الاضطراب. هذا خلاصة تعريف المضطرب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وإن يَكُنْ راوٍ بِرَاوٍ أُبْدِلا
................................(1/292)
يعني: جاءك هذا الخبر من طريق راوٍ، ثم وجدته من طريق راوٍ آخر، أبدل راوٍ براوٍ، يعني: أبدل بعض الرواة، هو معروف من طريق فلان، ثم جاء بعض الرواة الثقات فأبدله براو آخر. المسألة مفترضة في الثقات، أو في متساويين على الأقل؛ يعني: مقبولين متساويين.
..............................
كَذاكَ مَرْوِيٌ بِمَرْوِيٍّ ولا
يعني: المتن، أبدل لفظ في المتن، أو جملة في متن، فمثلا: حديث: شيبتني هود وأخواتها يروى مرة عن أبي بكر، ومرة عن عائشة، شيبتني هود وأخواتها ومرة عن أنس.
وفي المتن حديث: القلتين -مثلا- حكم عليه بالاضطراب؛ لأنه جاء فيه القلتين، وجاء فيه بالإفراد قلة، وفيه الشك قلتين أو ثلاثا، وجاء بلفظ أربعين قلة. هذا اضطراب؛ لكن إذا أمكن الترجيح انتفى الاضطراب؛ لو رجحنا لفظا على آخر. الذين يصححون حديث القلتين، يقول: الراجح قلتين، فرواتها أحفظ من رواة القلة.
....................................
كَذاَ مَرْوِيٌ بِمَرْوِيٍّ ولا جَمْعٌ
يعني: لا يمكن الجمع بين هذه الألفاظ؛ بحيث يحمل هذا على حال وهذا على حال؛ يكون اضطراب. في حديث عائشة: ليس في المال حق سوى الزكاة وجاء عنها: إن في المال لحقا سوى الزكاة نعم. هذا اضطراب؛ لكن أمكن الجمع؛ كيف يمكن أن يتم الجمع؟ بأن يحمل النفي ليس في المال حق سوى الزكاة على اللفظ: ليس في المال حق مفروض سوى الزكاة، وإن في المال لحقا سوى الزكاة تطوع. فأمكن الجمع، فانتفى الاضطراب؛ لكن حيث لا يمكن الجمع يبقى الخبر مضطربا.
ولا جَمْعٌ ولا تَرْجِيحُ فيهِ حَصَلا
فَإنَّه مَضْطَرِبٌ لا جَدَلا
فيِ سَنَدٍ تُلْفِيهِ أوْ مَتْنٍ وَقَدْ
................................(1/293)
من أمثلة مضطرب الإسناد، وبه مثل ابن الصلاح وغيره، حديث الخط: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه عصا إلى أن قال: فإن لم يجد فليخط خطا مثلوا به للمضطرب، وذكروا أنه يروى على عشرة أوجه في إسناده، فهو مثال للمضطرب، وابن حجر رجح وجها على بقية الأوجه فانتفى الاضطراب عنده، ولذا لما أورده في "البلوغ"، قال: ولم يصب من زعم أنه مضطرب؛ بل هو حديث حسن. وابن الصلاح وضح وجه الاضطراب فيه؛ لكن ابن حجر تمكن من الترجيح؛ فانتفى الاضطراب.
فيِ سَنَدٍ تُلْفِيهِ أوْ مَتْنٍ وَقَدْ
....................................
في حديث: شيبتني هود رجح بعضهم بعض الأسانيد على بعض، ونفى عنه الاضطراب.
فيِ سَنَدٍ تُلْفِيهِ أوْ مَتْنٍ وَقَدْ
....................................
وعرفنا أن من مضطرب المتن -عندهم- من أمثلته: حديث: القلتين، فإنه مضطرب في لفظ القلة، وفي معناها. في معنى القلة اضطرب أهل العلم في بيانه، والوصول إلى حد دقيق يفصل بين ما يبلغ القلة وما لا يبلغها.
...................... أوْ مَتْنٍ وَقَدْ
يكونُ في كِلَيهِما وَهو أَشَدْ
يعني: إذا كان الاضطراب في السند فقط، أو في المتن فقط، قادح في صحة الخبر، فكيف إذا كان في السند والمتن معا؟! لا شك أنه أشد، أشد في القدح.
ولَيس قَدْحاً خُلْفُهُمْ في اسم الثّقَهْ
أَوْ فِي صَحَابيِّ لَهُ...
مقتضى ذلك أن يقول: فحقه، أو فَحَقَّقَهْ ، فحققه.. تفيد؟ أهل مكة أدرى بشعابها. نعم. الأصل أن تقول: حققه، صح؟ لكن هم يرتكبون من الضرائر الشعرية ما لا يرتكب في النثر. على كل حال.. المسألة واضحة.
ولَيس قَدْحاً خُلْفُهُمْ في اسم الثّقَهْ
....................................(1/294)
تبحث في إسناد حديث وجدت فيه حماد، يسمى أيش؟ مهمل، نعم. ماذا يسمونه إذا قلت: حماد، ولا سفيان، من غير نسبة؟ مهمل، ليس بمبهم؛ وإنما هو مهمل، مهمل من النسب. طيب. وجدته يقول: عن حماد، ثم وجدت في طبقته حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وكلاهما يروي عن الشيخ، ويروي عنه التلميذ، وعجزت عن أن تميز بينهما، يضعف الحديث بهذا؟ وكلاهما ثقة؟ لا يضعف، وفي آخر الجزء السابع من "سير أعلام النبلاء" قاعدة، ذكرها الحافظ الذهبي للتمييز بين السفيانين، والحمادين، وهي قاعدة أغلبية، وليست كلية.
ولَيس قَدْحاً خُلْفُهُمْ في اسم الثّقَهْ
....................................
يعني: سواء كان حماد بن زيد أو حماد بن سلمة، أينما دار فإنما يدور على ثقة. وقل مثل هذا في سفيان، لو قال: عن سفيان، صعب عليك هل هو سفيان الثوري، أو ابن عيينة الأمر سهل، هذا لا يقدح في الخبر، وإن سماه بعضهم: علة؛ لكنها علة غير قادحة؛ لأنه أينما دار إنما يدور على ثقة.
....................................
أَو فِي صَحَابيِّ له .........
وجدت صحابي مهمل -مثلا-، ما تدري.. هل هو ابن فلان وأبوه فلان؟ أو وجدت إبهام، وهو أشد من الإهمال عن رجل صحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعجزت أن تبين هذا وتعين وتميز هذا المبهم؛ عجزت جمعت طرق الحديث كلها فلم تستطع. نعم. لم تستطع عمن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- هل هو أبوه خوات بن جبير، أو سهل بن أبي حثمة، المقصود جاء ما على هذا وعلى هذا؛ لكن افترض أنك عجزت، ما يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول ثقات، كلهم مقبولون. نعم.
المصَحَّف
وما يَكُونُ لَفْظُهُ قَدْ غُيِّرَا
أَوْ رَسْمًا أَوْ مَعنىً فَتَصْحِيفٌ يُرى
كاحْتَجَرَ النَّبِيُّ قِيْل: احْتَجَمَا
وَصَحَّفُوا مُزَاحِمًا مُرَاجِمًا
واخْصُصْ مُحَرَّفا بِشَكْلٍ أُبْدِلاَ
نَحْوَ سَـ لِيمٍ بسُلَيمٍ مَثَلًا
وَمِنْهُ إِبْدَالُ أُبَيٍّ بِأَبِي(1/295)
وَصَامَ سِتًّا قِيْلَ شَيْئًا فانْسُبِ
هذا بحث المُصَحَّف والمُحَرَّف، وهو فن ونوع من علوم من أنواع علوم الحديث، ألفت فيه مؤلفات، وذكر فيه طرائف وغرائب مضحكات. نعم.
جاء في كتب التصحيف أشياء مضحكة؛ ولعل بعضها يكون من باب التنكيت؛ لكنه وإن كان مخرج لصيانة الرواة عن الخطأ؛ إلا أنه من جهة أخرى تنكيت في نصوص أمره خطير؛ يعني: قد نصون بعض الرواة عن أن يخطئ في كلمة، يعني: نتقنا الجبل، يقول: نتقنا الحبل. نعم. التصحيف وارد؛ لكن من عالم كبير يحدث؛ لكن إذا فررنا من صيانة هذا العالم فقد وقعنا في أمر عظيم، ففي كتب التصحيفات، وللعسكري أكثر من كتاب في الباب من هذا النوع كثير، وفي كتب الأدب -أيضا- ما يتندر به الأدباء الشيء الكثير.(1/296)
والتصحيف قد يسبق اللسان إليه فينطق بغير المراد فيحفظ، وقد يصاب السمع بشيء من الذهول؛ فيسمع الكلمة ويؤديها بما يقرب منها من حيث الوزن الصرفي؛ لأن من التصحيف ما هو تصحيف سمع، ومنه ما هو تصحيف بصر. فالتصحيف ما يسلم منه أحد؛ إلا شخص له عناية بالقراءة على الشيوخ الضابطين المتقنين. أما من عمدته الصحف والقراءة في الكتب فمثل هذا يأتي بالعجائب، ومن الصحف والاعتماد عليها أخذ التصحيف، كم نسمع من يقرأ وليست له عناية بالضبط؛ يقرأ الكلمات، تتعجب كيف جرؤ أن يقرأها؟! فعلى طالب العلم أن يعنى بالقراءة على الشيوخ الضابطين المتقنين، وأن يعنى بالكتب التي تعتني بضبط الكلمات، وضبط الأسماء، والاهتمام بضبط الأسماء؛ الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى ضبط المتون؛ لأن ضبط المتون. المتون كلام، يعني: يستدل على الكلمة بما قبلها وما بعدها وتمشي؛ لكن الاسم ما يستدل عليه مما قبله ولا مما بعده، فعلى هذا.. نعنى بالكتب التي تعتني بضبط الكلمات، وأهل العلم يضبطون، ولا يكتفون بضبط الكلمة بالشكل؛ بل بالحروف، ويتفننون في ضبط الكلام بالحروف؛ أحيانا يكون بفتح المهملة، وكسر المعجمة، وكذا التحتانية وكذا، يضبطون مثل هذا، وأحيانا بالمثيل، حدثنا حرام بن عثمان بلفظ ضد الحلال، خلاص ما تكون غلطان، خلاص، وأيش إللي ضد الحلال؟ الحرام، ما تقال حزام على الإطلاق. نعم.(1/297)
حدثنا الحكم بن عتيبة. نعم. بتصغير عتبة الدار، انتهى الإشكال. لهم من هذا أشياء تدل على تمام العناية، وأحيانا يقطعون الكلمة؛ لأنها إذا كتبت مشبوكة. الهجيمي -مثلا- يتطرق إليها التصحيف؛ لأن الهاء هذه، وقبلها حرف وبعدها حرف تلتبس في بعض الحروف، والجيم كذلك، وهكذا.. الجيم يكتبونها، وقد وقفنا عليها في كتب أهل العلم، يكتبها هاء مفردة، ثم جيم، نعم. ثم ياء، من أجل أيش؟ ما تخطئ في قراءة الكلمة المشبوكة، وهذا إنما يستعمل فيما يشكل؛ يعني: عندهم الضبط لما يشكل؛ الشكل لما يشكل. أما شكل جميع الحروف هذا ممجوج.
بعضهم يضبط "قال"!! قاف مفتوحة، والألف عليها سكون واللام عليها فتحة، هل فيه أحد يخطئ في قراءة قال؟ لأ هذا ممجوج، فعلى الطالب أن يعنى بهذا أتم العناية، فيقرأ على الشيوخ الضابطين المتقنين، ويقرأ الكتب التي تعتني بالضبط، ويراجع الكتب فإذا وقف على ضبط كلمة يعتني بذلك كما يقول أهل العلم، ويودعها سويداء قلبه؛ لا تمر عليه مرور بحيث ينساها قبل أن يقوم من مجلسه، وكذلك إذا اهتم بمعنى لفظة، وراجع عليها كتب الغريب يعنى بها، ويقيدها، هناك فوائد وشرائد تمر مرور من غير قصد؛ فمثل هذه على طالب العلم أن يكون له دفتر أو مذكرة فيها مقيدات سواء في ضبط اسم علم وضبط.. كثيرا ما إذا اجتمع الإخوان اختلفوا في ضبط كلمة.
وما يَكُونُ لَفْظُهُ قَدْ غُيِّرَا
أَوْ رَسْمًا أَوْ مَعنىً فَتَصْحِيفٌ يُرى
أولا: التفريق بين التصحيف والتحريف اصطلاحي لبعض أهل العلم، ومنهم من يرى أن المصحَّف والمحرف واحد، وهو ما غير عن وجهه على أي وجه كان ذلك التغيير؛ سواء كان بالنقط أو بالشكل تحريف. يعني: إذا غير بالنقط هل تقول: هذا تصحيف ولا تحريف؟ نعم. يسميه ابن حجر تصحيف؛ لكن إذا غير الشكل سماه: تحريف. فالتفريق بينهما اصطلاح لبعض أهل العلم؛ لكن كثير من أهل العلم لا يرون فرقا.(1/298)
والتحريف كما يكون للألفاظ يكون للمعاني يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛ سواء حرفوا السورة، أو حرفوا المعنى.
وما يَكُونُ لَفْظُهُ قَدْ غُيِّرَا
أَوْ رَسْمًا أَوْ مَعنىً فَتَصْحِيفٌ يُرى
شو الفرق بين لفظه قد غيرا، أو رسما أو معنى فتصحيف يرى؟ أو هذه تعطف أيش؟ أو رسما على أيش؟ نعم. يكون معطوفا على لفظ ونصب ولفظه قد غيرا أو رسما؟ يعني: مصدر معطوف على ماض مبني للمجهول. نعم. لا. هذا العطف يدل على أن هناك كلام ذكره أهل العلم والشيخ طواه ما ذكره، وهو أن التصحيف كما يكون في الرسم. نعم. في الرسم وفي المعنى يكون -أيضا- في الكلام المسموع وهو تصحيف السمع. ما غير رسم، قال: واصل الأحدب، فروى عنه الراوي عاصم الأحول، نعم. ما فيه رسم، ما هو الرسم في الأصل؛ إنما السمع، وهذا يسمونه تصحيف السمع، وقد يصحف الراوي رسم الكلمة.
...............................
أَوْ رَسْمًا أَوْ مَعنىً.............
يصحف الرسم، كما صحفت كلمة احْتَجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قِيْل: احْتَجَمَ. وصحف الصولي -كما سيأتي-؛ لكن هذا يظنه ولكن.. هو من التصحيف؛ لكن يقول: ومنه..لا فيه شيء من الخلط؛ يأتي في وقته، كتصحيف
احْتَجَرَ النَّبِيُّ قِيْل احْتَجَمَا
...............................
احتجر، واحتجم قريبة من بعض، وتصحيف هذه بهذه سهل، يعني: قريب من بعضه، وإن كان المعنى يختلف اختلافا جذريا.
...............................
وَصَحَّفُوا مُزَاحِمًا مُرَاجِمًا
لأنهما قريبان من بعض، المسألة نقطة تقدمت وتأخرت، وأكثر ما يقع التصحيف إذا كان الحرفين متقاربين؛ مثل: النجاري والبخاري، نقطة فوق ونقطة تحت إيش تسوي؟ بينهما فارق بس هذا يتقدم يسيرا وهذا تأخر شيئا يسير. نعم.(1/299)
لو قال: أنس بن مالك البخاري، كيف؟ أو محمد بن إسماعيل النجاري، هنا الفرق كبير؟ ما هو كبير في الرسم؛ لأن بس الحرفين قبلهم كذا وكذا، يقدم هذا ويؤخر، ويصير بخاري ونجاري،شو المانع؟ وعلى الطالب أن يعنى بهذا أشد العناية؛ لأنه سهل التحريف، سهل التصحيف.
...............................
وَصَحَّفُوا مُزَاحِمًا مُرَاجِمًا
واخْصُصْ مُحَرَّفا بِشَكْلٍ أُبْدِلاَ
...............................
إذا أبدل الشكل، مثل: لَهيعة، قال: لُهَيعة -مثلا-، لهيعة قال: هذا هو أيش؟ تحريف؛ لكن هذا تصحيف على ما اختاره وذكره المؤلف؟ لا.. هو تبع فيه ابن حجر؛ لكن عند الآخرين هو تصحيف وتحريف، ومثله: سَلِيم بسُلَيم، ومثله: عَبِيدة بعُبَيدة، عَبِيدة بن عمرو السلماني، بعضهم يقول: عُبَيدة تصحيف، طيب.. ربعي بن حراش. لو قال: خراش؟ هذا تصحيف، وضبطه المنذري في "مختصر سنن أبي داود" بالخاء المعجمة، وهو معروف أنه بالحاء حراش، فهذا تصحيف.
واخْصُصْ مُحَرَّفا بِشَكْلٍ أُبْدِلاَ
نَحْوَ سَلِيمٍ بسُلَيمٍ مَثَلًا
وَمِنْهُ إِبْدَالُ أُبَيٍّ بِأَبِي
.................................
جابر بن عبد الله قال: أصيب أُبيّ يوم الأحزاب في أكحله؛ هذا حرَّفه بعضهم، وقال: أبي، أبوه مات قبل ذلك في أحد، نعم. فهذا أيش؟ تحريف؛ لكنه يسهل عند تحريف بعض القراء. بعض الشباب ليست لهم عناية بكتاب الله -جل وعلا- إِلَّا إِبْلِيسَ أيش قال؟ صحيح سُمعت هذا في امتحان الطلاب، سُمعت صحف أبى فقال:... كيف؟ جعله أبًا له!! تصحيف شنيع، وهذا لا عقل ولا نقل!! أين عقله وهو يقرأ؟ وكثيرا ما يذكر شيخ الإسلام-رحمه الله- من كلام بعض المتكلمين شيئا لا يقبله العقل، ثم يعبر عنه بقوله: وهذا من باب قولهم: (فخر عليهم السقف من تحتهم). لا عقل ولا نقل، ممكن؟ لا. كيف؟ يخر.. كونه يمضي عليه؛ يصير من تحتهم. يخر عليهم من تحتهم، هذا ما يمكن إطلاقا.
وَمِنْهُ إِبْدَالُ أُبَيٍّ بِأَبِي(1/300)
وَصَامَ سِتًّا قِيْلَ شَيْئاً فانْسُبِ
وهذا يجتمع فيه التصحيف والتحريف. صحف الصولي حديث: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال... قال: شيئا من شوال. وهذا تصحيف. نعم.
رواية سيئ الحفظ
وسَيِّئ الحِفْظِ الذِي مَا رَجَحَا
عَنْ خَطَئِهْ جانِبُ ما قَدْ صحّحا
فإن يَكُنْ ذلك قَدْ لازَمَ لَهْ
فَشَاذٌّ في رأي بَعْض النَّقَلَهْ
وَسَمِّه مُخْتَلِطاً حَيْثُ طَرا
وَرُدَّ ما بَعْدَ اخْتِلاطٍ خُبِرا
وحَمَلُوا ما في الصَحَيحَينِ أَتَى
مِنْهُ بِأنْ قَبْلَ اخْتِلاَطٍ ثَبَتَا
نعم. ما يرويه سيئ الحفظ الذي رجح جانب الخطأ عنده على جانب الصواب، وهذا الضابط يذكره بعض المحدثين والأصوليون، يذكرون هذا؛ لأن الحكم للغالب؛ مثل فحش الغلط؛ لكن أهل الحديث لا ينظرون إلى جانب الصواب؛ وإنما ينظرون إلى الخطأ، فمن يخطئ بالثلث سيئ الحفظ، سيئ الحفظ يعني: يروي ألف حديث فيخطئ في ثلاثمائة حديث هذا سيئ الحفظ، وإن كان على هذا الضابط الذي ذكره، نعم. مقبول على هذا؛ لكن ذكرنا أن بعضهم كأبي داود الطيالسي وغيره أشاروا إلى أن السبع كثير، فهم لا ينظرون إلى جانب الإصابة؛ لكنهم مع ذلك هم ينظرون إلى النسبة في جنب ما روى، ففرق بين من يخطيء في مائة حديث وقد روى ألوف، وبين من يخطئ في حديث واحد وهو لم يرو إلا حديثين، نعم. فرق بين هذا وذاك؛ لكن يبقى أنه إذا كثر الخطأ في حديث الراوي ترك.
وسَيِّئ الحِفْظِ الذِي مَا رَجَحَا
عَنْ خَطَئِهْ جانِبُ ما قَدْ صحّحا
جانب الإصابة. ترجح الخطأ على جانب الإصابة، وهذا الخطأ لا يخلو من حالين: إما أن يكون ملازما له، الخطأ ملازم له من ولادته ونشأته إلى أن يموت؛ هذا له حكم، أنتم تسمعون كثير من الناس مبتلى بالخطأ، بعضهم يصعب عليه أن يركب جملة واحدة صحيحة ويقولها بسرعة.....(1/301)
بعض الناس، نعم هذا موجود، لكن هؤلاء من عامة الناس لا يحملون العلم، ولا يؤخذ عنهم، وخطؤهم إن شاء الله مغفور؛ لأنه غير مقصود. له أمثلة كثيرة لكن لا يحسن ذكرها؛ لأنها أشبه ما تكون بالنكت؛ وإلا حصل أمثلة كثيرة من هذا النوع.
فإن يَكُنْ ذلك قَدْ لازَمَ لَهْ
فَشَاذٌّ في رأي بَعْض النَّقَلَهْ
يعني: إن كان لازم له؛ لازم لهذا الراوي، أو لهذا الشخص فما يرويه شاذ، "في رأي بعض النقلة" لاسيما من لم يشترط في الشذوذ قيد المخالفة، الذي لا يشترط المخالفة يدخله في الشذوذ، إذا رواه سيئ الحفظ، وقد يدخله في المنكر؛ لأن المنكر بمعنى الشذوذ عند بعضهم:
المنكر الفرد كذا البرديجي
أطلق والصواب في التخريج
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر
فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر
فالشذوذ ما فيه المخالفة، ما يرويه الثقة مخالفا فيه من هو أوثق منه.وما يرويه متفردا به من لا يحتمل تفرده كسيئ الحفظ، وقد يطلق عليه أيضا أنه منكر، هذا الملازم.
لكن الطارئ؛ عاش سنين؛ نصف قرن يحدث الناس بأحاديث مضبوطة متقنة محررة، ثم طرأ عليه ما طرأ بأن تغير، وهذا يسمونه المختلط، وهو تغيره طارئ، والاختلاط له أسباب منها: أن يصاب الإنسان بآفة تؤثر عليه؛ على ذاكرته، أو مصيبة بموت أو فقد حبيب أو مال، أو يكون قابلا لهذا التغير بعدم رسوخه خِلْقة؛ بعض الناس إذا سمع صوت الباب أرتج عليه، ولم يعرف هل هو في أول الصفحة أو في آخرها. هذا موجود بكثرة، نعم. وبعض الناس لأدنى سبب، بعض واحد من الرواة نهق حماره فتغير؛ نسي اللي هو حافظه كله، وبعضهم فقد عشرة آلاف درهم وتغير، وبعضهم فقد ولده، وبعضهم احترقت كتبه التي يعتمد عليها فاختلط. هذا التغير الطارئ يقال له الاختلاط، وفيه كتب ومؤلفات.(1/302)
المختلط هذا الذي تغيره طارئ هذا فيه تفصيل عند أهل العلم، فلا يخلو إما أن يتميز، ويُعرف ما حدَّث به قبل الاختلاط، وما حدَّث به بعد الاختلاط؛ فيُقبل ما حدث به قبل الاختلاط، ويرد ما حدث به بعد الاختلاط، وذلك بمعرفة الرواة الذين أخذوا عنه قبل الاختلاط، ومعرفة الرواة الذين لم يأخذوا عنه إلا بعد الاختلاط، ويبقى بعض الرواة يأخذون منه قبل وبعد من غير تمييز؛ بعض الناس إذا رأى التغير خلاص وقف،نعم المتغير لا تضيع وقتك عنده، اللهم إلا إذا كان على ما يكون أنه يصحو ويغيب، يضبط بعض الأخبار وبعض القصص، وبعضها ما يدري عنه شيئا، فمثل هذا يؤخذ عنه ما ضبطه.
ويلاحظ في هؤلاء المختلطين أن ما عاشوه في أوائل العمر أيام الشباب والقوة، وأكثروا ترداده في المجالس هذا يحفظونه، لكن ما أدركوه فيما بعد يمسح؛ لذلك تجد الذاكرة تمسح من الآخر، الآخر فالآخر إلى أن يصل إلى أن يمسح زوجته وأولاده، هذا موجود.
وأهل العلم يقولون: إن الاختلاط لا شك أنه آفة؛ لكن هناك أمور ذكروا أن من اتصف بها يحفظ من الاختلاط بإذن الله تعالى:
أولا: من لزم الصدق جادا وهازلا يقولون إنه لا يختلط ولا يتغير، وذكروا أن من حفظ القرآن مثلا حفظه الله جل وعلا من الاختلاط.
المقصود: أن على الإنسان أن يحرص على حفظ نفسه، وأن يترك كل ما لا يعنيه.
وَسَمِّه مُخْتَلِطاً حَيْثُ طَرا
وَرُدَّ ما بَعْدَ اخْتِلاطٍ خُبِرا
يعني: ما عرف أنه روي عنه وتحمل عنه بعد الاختلاط يرد.
وحَمَلُوا ما في الصَحَيحَينِ أَتَى
مِنْهُ بِأنْ قَبْلَ اخْتِلاَطٍ ثَبَتَا(1/303)
يعني: قد تجد في الرواة الذين خرج لهم البخاري أو مسلم إذا رجعت في ترجمته أنه اختلط في آخره عمره، اختلط بأخرة؛ يعني في آخر عمره، هذا الذي اختلط من رواة البخاري، أنت تبحث إسناد حديث في البخاري مثلا وهذا اختلط، هل تدري قبل الاختلاط ولَّا بعد؟ لا. نقول: كل ما في الصحيحين قبل الاختلاط، منهم من يقول هذا تحسينا للظن بالشيخين، ومنهم من يقول ذلك عن خبرة ودراية؛ لأن الشيخين يعني من شدة اهتمامهما وعنايتهما بالأحاديث، وانتقاء الأحاديث حتى من أحاديث من تكلم فيهم لا تجد فيها المخالف؛ ولذا وضع الله لهما القبول؛ لأنه ما فيه دليل يدل على أنك تعتمد صحيح البخاري ولا تعتمد سنن أبي داود، أبدا، لكن الله جل وعلا يضع القبول، نعم.
وقُلْ مثل هذا إلى يومنا هذا؛ تجد بعض العلماء تجلس عنده درس درسين عشرة دروس ما تسمع جديد، ومع ذلك الناس يتقاتلون عليه. من الذي يضع القبول؟ إنه الله سبحانه وتعالى، وهذا مداره على الإخلاص. يعني هناك كتب ألفت في كل مسجد من مساجد المسلمين خلال قرون طويلة، خمسة قرون، ستة قرون، عشرة (قال رحمه الله تعالى!) يعني: يدعون له الناس شاءوا أم أبوا، قال رحمه الله تعالى! الله جل وعلا هو الذي يسوق الناس، الناس ما يساقون بعصيان.(1/304)
من الذي بعد عمر بن عبد العزيز من الولاة؟ من هو؟ نعم. يزيد بن عبد الملك طيب. جاء إليه شخص فقال: إن أباك أعطاني أرضا، إن أباك منحني أرضا، فجاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله فأخذها. كلام عجيب ولَّا ما هو بعجيب؟ عجيب من أي جهة؟! أن الذي أعطاه ما قال: رحمه الله، ما قال: إن أباك رحمه الله أعطاني أرضا، إنما قال: جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله فأخذها، يعني: المفترض لو الإنسان يتحدث بمصلحته، لو الإنسان يسوق نفسه ، الذي أعطاه هو صاحب المنة عليه، لا الذي أخذ منه! فقال: سبحان الله! الذي أعطاك ما تقول رحمه الله، والذي أخذ منك تقول رحمه الله؟! قال: والله ما أنا اللي بقوله.. كل الناس تقوله!! صحيح.
فعلى كل حال على الإنسان أن يحرص أن يشهد له الناس بخير، والناس شهداء الله في أرضه، وقد جاء في الحديث الصحيح: مُرَّ بجنازة على النبي عليه الصلاة والسلام فأثنوا عليها خيرا فقال: وجبت وجبتْ وجبت، ومُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت وجبتْ وجبت، فسألوه، قال: الأولى أثنيتم عليها خيرا فوجبت له الجنة، والثانية أثنيتم عليها شرا فوجبت له النار، وأنتم شهداء الله في أرضه
فليحرص الإنسان على حفظ جوارحه وقت الرخاء، ووقت الشباب؛ لتحفظ له في وقت الحاجة. طاهر بن عبد الله الطبري قفز بعد أن جاز المائة، قفز قنطرة، فتعجبوا، قالوا: هذا يصير ينكسر.. هذا مائة سنة! نعم، أكيد أنه خلاص انتهى، فما أصيب بشيء، فقيل له: كيف؟ فقال: جوارح حفظناها في الصغر فحفظها الله في الكبر.(1/305)
وأنا أدركت إماما في شارع الطيان داخل في الديرة، قد جاز المائة، وكانت الحفريات حفريات المجاري عميقة جدا، يعني سنة ثلاث وتسعين، وأربع وتسعين، عميقة الحفريات القديمة، يعني بعضها عشرون مترا في الأرض. هذا الإمام جاز المائة، وهو أعمى خرج إمام مسجد فوقع في هذه الحفرة؛ فجزم الناس كلهم أن هذا قبره انتهى، فأخرجوه فإذا هو لم يصب بأذى، العصا انكسرت. نعم، توفي الرجل رحمة الله عليه، لكن أهل العبادة حفظوا أنفسهم فحفظهم الله سبحانه وتعالى.
فعلينا أن نحفظ أنفسنا لتحفظ لنا عقولنا؛ يعني ما قيمة الإنسان بدون عقل؟! بحيث إذا صار في آخر عمره، وفي مكتمل عمره، واحتاج الناس إليه صار مضحكة وملعبة للصبيان؟!! فإذا حفظ الإنسان نفسه حفظه الله جل وعلا. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
يثبت خمسة وعشرين، . كم؟ قسمتها أنت؟ .. يعني نصيب كل يوم؟ .. لا. نبغي أن نستمر على خمسة وعشرين إن شاء الله تعالى بقدر الإمكان.
.. كيف؟ ..
أحيانا أولاده يمنعونه من التحديث، وعلى كل حال من اختلط وخشي على الدين وعلى العلم منه إن منعه أولاده وذووه؛ وإلا يجب على ولي الأمر منعه، فالذي يخشى على الدين منه يجب منعه.
عبد الله بن لهيعة؟
كيف؟ .. على كل حال منهم من يرى أن رواية العبادلة عنه أقوى من غيرها، والمرجح عند كثير من أهل العلم تضعيفه مطلقا؛ لأن فيه ثلاثة عشر قولا للمضعفين من الأئمة. على أن ضعفه ليس بشديد، يقبل الانجبار.
يقول: كيف يتدرج طالب العلم في علم أصول الفقه؟ وما هو الأنسب؟ حفظ الورقات أو نظمها؟
أولا: الورقات هي اللبنة الأولى في تأسيس وتأصيل هذا العلم، ثم يبني عليها، فإذا حفظ الورقات أو حفظ نظم الورقات للعمريطي، نظم جيد وسلس، لا سيما وهو أنه بالنسبة للمنظومات في أصول الفقه؛ فيه لكن منها الطويل جدا ألوف، ومنها العسر، لكن هذا نظم سهل -نظم العمريطي نظمه سهل.(1/306)
.. اسمه أيش؟ .. كيف؟ تسهيل الطرقات، وأيش؟ ..
هو مشروح أيضا، فإذا حفظ نظم الورقات، وفهم المتن وقرأ عليه الشروح، وسمع عليه الأشرطة، استفاد كثيرا، ثم بعد ذلك ينتقل إلى: ( قواعد الأصول ومعاقد الفصول)، أو ( مختصر التحرير ) على صعوبة فيه؛ لكن يحرص أن يقرأه على عالم من علماء الفن يحله له، وإن أبدله بمختصر الروضة "البلبل" للطوفي، وكل من الكتابين مخدوم، لا مختصر التحرير ولا البلبل؛ الكتابان مشروحان بشرح طيب جدا، يعني لو عمد طالب العلم إلى أحد هذين الشرحين، وفهم المتن، وقرأه على شيخ، ثم اختصر هذا الشرح بشرح مناسب مختصر، هذه من وسائل التحصيل.
ثم بعد ذلك يقرأ ما فوقه من كتب الأصول، وبالمناسبة كتب الأصول دخلها من علم الكلام ما دخل؛ فتقرأ بحذر، وأكثر من صنف في الأصول هم الأشاعرة، فليكن طالب العلم على حذر من هذا، مع أنها فيها فوائد، فيها علم كثير، لا يستغني عنها طالب العلم.
وهناك مطالبات بتنقيتها من الشوائب؛ لكن يخشى من هذه التنقية أن يفقد حلقة في تسلسل المعلومات؛ لأنه أحيانا قد تحتاج إلى شيء يربط هذا الكلام بسابقه، يعني: كلام شيخ الإسلام وهو إمام أهل السنة أحيانا لا تستطيع أن تفهمه إلا بعد فهم بعض القضايا الكلامية، فإذا أردت أن تفهم كلام شيخ الإسلام هناك حلقة مفقودة بينك وبين كثير من كلام شيخ الإسلام.(1/307)
فإذا طبعت هذه الكتب، ونبه على المخالفات، لا مانع أن تبقى هذه المخالفات، فالذي يخشى من الدعوة إلى تنقيتها أن تبقى هذه الحلقة المفقودة لفهم الكلام السابق؛ يعني: نظير ما صنعه بعضهم في بيان صحيح السيرة -مثلا- حذف الأخبار الضعيفة وغيرها من السيرة؛ لكن تجد كلام مبتور، أحيانا هذا الضعيف يوضح لك ما قبله، وارتباطه بما بعده نعم. فإذا بين الصحيح من الضعيف من الحسن، المقبول من المردود، الموافق والمخالف؛ انتهى الإشكال لا سيما وأن هذه الكتب مضى عليها عقود والناس يتداولونها من غير نكير، وأفادوا منها، وتعاملوا مع نصوص الكتاب والسنة على ضوئها.
يعني هناك دعوة لاهتمام طلاب العلم برسالة الإمام الشافعي. طيب، يعني ما عندنا غير رسالة الإمام الشافعي في الأصول؟! ما يصفو لنا إلا رسالة الإمام الشافعي، والمسودة لآل تيمية؟! يعني ما تشمل جميع أبواب الأصول، ولا تفرق تفريقات دقيقة من خلال الأمثلة التي يحتاجها طالب العلم، ولا شك أن الخلل العقدي مصيبة وكارثة؛ لكن نحتاج إلى عالم من علماء السنة يستطيع أن يبدل هذه المصطلحات، أو يبين الخلل في هذه المصطلحات، ولا يمنع أن يستفاد منها.
وإذا أردنا أن لا نأخذ من العلم إلا ما صفا؛ يمكن ما يصفو لنا شيء، ما الذي يصفو لنا من تفاسير القرآن؟ ما الذي يصفو لنا من شروح الأحاديث؟ يعني نحتاج نقتصر على ابن كثير، وشرح ابن رجب وانتهى الإشكال، والباقي؟! يعني ألم تستفد الأمة من التفاسير الكبيرة على ما فيها؟! لكن يبقى أن طالب العلم المبتدئ يحذر من الكتب التي تشتمل على بدع، لا بد أن يحذر هذا ويحذر من هذا، وإذا تجاوز هذه المرحلة ينصح بقراءة بعض الكتب التي فيها الشيء اليسير؛ لكن التي فيها الطوام، التي فيها الشبه لا يقرؤها حتى يتأهل ويتمكن.
يقول: هل اختلط أحد من الشيخين: البخاري ومسلم؟(1/308)
لا، ما اختلطا، وما طالت أعمارهم، مسلم: اثنين وخمسين سنة -موته- أو واحد وخمسين سنة، والبخاري: كم؟ خمس وستين؛ يعني ما طالت أعمارهم، والمشاهد المجرب أن هناك فترة زمنية يعني من خلال التجربة، والأمثلة أن هناك مرحلة بين السبعين والثمانين في الغالب هذه محل الاختلاط، إذا تجاوزها الإنسان يندر أن ختلاط، ويندر أن يختلط قبلها؛ يعني وجد لكنه قليل جدا.
هذا يقول: ما أول كتاب قرأته كله من أوله إلى آخره؟
يقول: ما رأيك في من يفتي بغير علم، وهو طالب علم بل أقل من ذلك، وكذلك لو طرحت مسألة قال: فيها كذا وكذا، وأجاب بدليل واحد فقط، والمسألة لا تتوقف على دليل يحفظه؟
الذي يفتي بدليل واحد أحسن من لا شيء؛ لأنه وجد من يفتي خلاف الدليل.
يقول: هل هناك شرح مطبوع للؤلؤ المكنون؟
نعم فيه شرح واسمه: ( المسلك الواضح المأمون لشرح اللؤلؤ المكنون ) للدكتور حافظ أبو محمد الحكمي.
يقول: ما أفضل شروح ألفية العراقي؟ وأيهما أفضل: ألفية العراقي أم ألفية السيوطي؟
أولا: ألفية العراقي بعد مقارنات طويلة أفضل بلا شك من ألفية السيوطي، بلا شك أنها أفضل، هناك زوائد توجد في ألفية السيوطي يمكن أن تنقل منها، ولو لم يكن من ذلك إلا إمامة الحافظ العراقي، وهذا العلم دين، فانظر عمن تأخذ دينك، والسيوطي عنده مخالفات كبيرة، عنده تخريف في كثير من المسائل، فهذا العلم دين، فانظر عمن تأخذ دينك، نعم هو جمع كتب ونفعت، لكن يبقى أنه إذا وجد مفاضلة بينه وبين غيره لا سيما من أمثال الحافظ العراقي لا مناسبة بينهما، لا نسبة بينهما.
يقول: ما أفضل شروح ألفية العراقي؟
أفضلها وأوسعها شرح السخاوي ( فتح المغيث )، ثم شرح المؤلف مع شرح زكريا الأنصاري متكاملان؛ العراقي يشرح شرحا إجماليا -نعم زكريا الأنصاري ( فتح الباقي )- زكريا الأنصاري يحلل تحليلا لفظيا بشكل مختصر.. الأخير يستدرك على الأول، وكل واحد يقول: فائقة ألفية فلان، والسيوطي يقول:(1/309)
فائقة ألفية العراقي
في الجمع والإيجاز واتساق
نقول فيها أنواع زائدة تؤخذ منها، ويبقى أن الأصل ألفية العراقي، ولذا تجدون في تراجم أهل العلم من تأليف هذه الألفية في كتب التراجم إلى يومنا وكل منهم يقول: حفظ ألفية العراقي، كما يقال: حفظ العمدة وحفظ ألفية ابن مالك، فهي من المتون المتينة التي ينبغي أن يعنى بها طالب العلم.
يقول: بعد الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد، ما الذي بعدهما من جهة الأهمية على حسب الاستطاعة؟
بعد الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد عندكم الصحاح الثلاثة: صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم، وكل الصيد في جوف الفرا "سنن البيهقي" هذا يكاد أن يكون محيطا بالسنة، فعلى طالب العلم أن يعنى به بعد أن ينتهي من الكتب الستة والموطأ والمسند وغيرهما. السنن الكبرى كتاب عظيم لا يستغني عنه.
الدارمي لا شك أنه متين، ومن الكتب المتقدمة حتى جعله بعضهم سادس الكتب؛ يرى بعضهم أنه سادس الكتب، هذا قول. قبل ابن طاهر الذي جعل ابن ماجه السادس -نعم- وقبل رزين العبدري وابن الأثير الذي جعل السادس الموطأ.
لا، البيهقي الكبير، السنن الكبرى، لكن يقارن بهما ما كتبه البيهقي في المعرفة: ينظر رأيه في هذا الكتاب، ورأيه في هذا الكتاب؛ لأن له تعليقات في هذا على الأحاديث لا توجد في هذا، والعكس.
يقول: ما رأيكم في تصحيح وتضعيف الشيخ الألباني؟ وهل يعتمد قوله ولو خالف في ذلك الأئمة؟
الشيخ الألباني رحمة الله عليه من الأئمة العلماء المجددين، لا سيما لهذا الفن، فهو من حملة العلم وأوعيته، فقوله معتبر، وتصحيحه يعتمد عليه ويوثق به، وهو كغيره ليس بمعصوم، يوجد عنده بعض ما يلاحظ سواء في التصحيح أو في التضعيف، هو كغيره من العلماء، فيستفاد من تصحيحاته وأحكامه؛ لكن ليس بمعصوم.
يقول: ما رأيكم في طريقة حفظ البلوغ، وذلك بتعقيب كل حديث بحكم الألباني حتى يسهل على المبتدئين؟(1/310)
مثل ما ذكرت؛ يعني الألباني لا شك أنه إمام، وأحكامه معتبرة، وهو أمثل بكثير من الشيخ أحمد شاكر رحم الله الجميع، فالإنسان ما يمكن أن يحيط بكل شيء، وإلا المفترض أن كل إنسان يجتهد ويصحح ويضعف بنفسه ويوازن، لكن هل الوقت يسعف لكل هذا؟!
يقول: ما رأيكم بأن يجعل الطالب في أول طلبه خمس سنوات في حفظ القرآن والمتون العلمية: كالبلوغ والزاد والنخبة والألفية وغيرها، ولا يطالع غيرها، وشروحها، حتى يتأصل، ثم يقرأ بعد ذلك كتب شيخ الإسلام وابن القيم وغيرها؟
لكن ينضاف إلى ذلك بقية العلوم؛ إذا حفظ القرآن وحفظ العمدة والبلوغ والزاد والنخبة، يحفظ كتاب التوحيد، يحفظ الكتب التي قبله على جهده، يحفظ الأربعين النووية، يحفظ الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وكتاب التوحيد، والواسطية.
هذا يسأل عن بعض الأشخاص: هل تنصحون بقراءة كتب فلان وفلان؟
ومن ذكرهم هم من أهل العلم لاسيما علم الحديث، فعلى الإنسان أن يستفيد من أهل العلم، ويأخذ ما عندهم من علم، ويقتدي بهم بقدر ما يقتدون بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كان لاحظ شيئا، أو حذر من شيء ووجده واقعا يحذره، وإلا فالأصل أن العلماء الأصل فيهم أنهم على العدالة، هذا الأصل كما قرره ابن عبد البر وغيره، فيؤخذ العلم من أهله، ويستفاد منهم، وإذا كان هناك أمور خارجة عن نطاق العلم فيدعها لأنها مما لا يعنيه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.(1/311)
وينشغل بعيوبه وعيوب نفسه عن غيره، لا يسترسل في الكلام في فلان وعلان، والجرح والتعديل، وما رأيك في فلان، قال فلان، أبدا، العمر ما يستوعب..لو العلوم المتعلقة بالقرآن ما يستوعبها العمر، فكيف بالسنة التي أعجزت وأعيت العلماء عن حفظها والإحاطة بها والاستنباط منها؟! فكيف بالعلوم الأخرى المساعدة لهذين الأصلين المعينة على فهمهما؟! وهل بقي وقت لعلوم في غاية الأهمية تعين على فهم الكتاب والسنة؟ هناك علوم بعض الطلاب لا يحسب لها حسابا وهي تعينه، فيها قصص وأخبار وحكايات وعظية، وفيها عبرة وادكار وأخبار أمم وأحوال عالم، ككتب التواريخ والأدب. طالب العلم لا بد أن يقرأ مثل هذه الأمور، وينصرف عن القيل والقال، وما رأيك في فلان وعلان، اترك هذه الأمور.
وما أشار إليه السائل هما فيما أعلم من أهل العلم فيستفاد منهما، وما عليه من أقوال الناس يحذر من فلان ومن علان، لا من هؤلاء ولا من غيرهم، الإنسان عليه أن يحرص على ما كسبه من حسنات، لا يكن مفلسا في يوم القيامة، يأتي بأعمال ويتعب وينصب في الدنيا، ثم بعد ذلك -نعم- يوزع أعماله على فلان وعلان، ما له داعي يا أخي؛ تدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، فيقول: المفلس من يأتي بأعمال. -وفي رواية: كأمثال الجبال، ذكر من الصلاة والصيام والصدقة والحج وغيرها من الأعمال العظيمة، ثم يأتي قد شتم هذا، قذف هذا، ضرب هذا، أخذ مال هذا ثم بعد ذلك: صفر، وقد لا يسلم، يؤخذ من سيئاتهم وتوضع عليه إذا انتهت حسناته.(1/312)
فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا أتم العناية، وإذا كان هناك خلاف في بعض وجهات النظر التي يحتملها الإسلام، دعنا من البدع والمبتدعة، هذه أمور أخرى.. مسألة أخرى، لكن المسألة أن كلهم في مذهب واحد، لكن اختلفوا في المنهج، وفي كيفية أو في طريقة.. شيء يسير، الخلاف بينهم لا يعدو أن يكون يسيرا جدا، يتفقون في الغايات والمقاصد والأهداف، وعلى عقيدة واحدة، ثم بعد ذلك يمضي الوقت في فلان وعلان.
على طالب العلم أن يحرص أشد الحرص لتثبيت ما كسبه وما أودعه من أرصدة تنفعه يوم يلقى الله جل وعلا.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المعلق
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وخمسة تخرج باتصال
وهي معلق وذو إرسال
ومعضل منقطع مدلس
والمرسل الخفي عُدَّ السادس
فحيث كان السقط من أصل السند
صُنْعَ مصنفٍ فتعليق يُعد
فما يجيء في كتاب يُلتزَم
صحته ثم به الراوي جزم
فاقبله معروفا كنحو أخبرا
ونحو قال وروى وذكرا
وما كقيل وكيُروَى قد ذُكِر
ممرضا ففيه فَتِّشْ واختبر
ومثله ما جا بكُتْبٍ جامعه
لذي قبولٍ ولمردودٍ معه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على وجوه الضعف المتعلقة بتخلف شرط العدالة والضبط، ذكر خمسة تتعلق بانتفاء العدالة، وخمسة تتعلق بانتفاء الضبط، وبقي الاتصال؛ لأنه من شرط القبول أن يكون الخبر متصل السند، من شرط قبول الخبر أن يكون متصل السند، فذكر ما يخرج بالاتصال وهو ما لا يتصل إسناده، ما فيه انقطاع، سواء كان الانقطاع جليا أو خفيا.(1/313)
وهذا الانقطاع على ما قسموه: الجلي: إن كان من مبادئ السند من جهة المصنف بواحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد يسمونه المعلق، وإن كان من أصله في آخره؛ طرفه الذي فيه الصحابي سموه المرسل، وإن كان في أثنائه: فإن كان بواحد فهو المنقطع، وإن كان باثنين على التوالي فهو المعضل، هذا الانقطاع الظاهر على سبيل الإجمال، والانقطاع الخفي يأتي بعده.
يقول: ( وخمسة تخرج باتصال ) خمسة أنواع، هي عند البسط ستة، لأنه يتعلق بالانقطاع الظاهر أربعة: المعلق، والمنقطع، والمعضل والمرسل، ويتعلق بالانقطاع الخفي: المدلس والمرسل الخفي،
وخمسة تخرج باتصال
وهي معلق وذو إرسال
أجملها رحمه الله.
ومعضل منقطع مدلس
والمرسل الخفي عُدَّ السادس
( عُد ) هذه فعل أمر ولَّا ماض؟ نعم؟ هل هو فعل ماض مبني للمجهول؟ أو أنه فعل أمر؟ نعم؟ علشان أيش؟ ( عد السادسُ ) والصيغة صالحة للأمرين، نعم؟ أنا ما أعرف هذا المرجح والصيغة محتملة للأمرين، وصالحة للأمرين، وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ يعني: هذا مبني للمعلوم ولَّا للمجهول؟ عندنا الآن مرجح، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا هل هو مبني للمعوم ولَّا للمجهول؟ هو صالح للأمرين، وهل من مرجح كما عندنا؟ فيه مرجح ولَّا؟ مش في مرجح، لا خلينا في ما عندنا اللي في الآيتين: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا الصيغة صالحة للأمرين، لكن المرجح منهما؟(1/314)
الآن رفع السادس مرجح، لكن في الآيتين؟ يعني إذا فككنا الإدغام في الموضعين قلنا: ولا يضارِرْ كاتب ولا شهيد هذا وجه صحيح، ولو قلنا: لا يضارَرْ كاتب ولا شهيد. صحيح أيضا، ( لا تضارِرْ ولا تضارَرْ ) وكلاهما مطلوب، الضرر منهي عنه من الطرفين، لكن هل يصلح أن يتجه إلى الطرفين بخطاب واحد؟ يتجه الخطاب إلى الطرفين بخطاب واحد؟ يعني استعمال اللفظ فيما يحتمله من معاني يصلح في آن واحد؟ يجوز ولَّا ما يجوز؟ يا إخوان عليكم أن تراجعوا، راجعوا معلوماتكم وأسسوا التأسيس الصحيح، بمعنيين ولكن هل يجوز ولَّا ما يجوز أو خلاف؟ نعم؟ يعني لو اثنين كل واحد منهما اسمه محمد، وأردت واحدا منهما بعينه، فقلت: يا محمد. التفت الثاني، وقلت: فرصة ما دام التفت هذا جزاه الله خيرا أعطني الكتاب وأعطني مصحف، كل منهما محمد يصح نداؤه ولَّا ما يصح؟ نعم ما يختلف، ما فيه أشكال.لا هو نهي لكن اللي أورد الاشتراك، نعم.
سبب الاشتراك الصيغة الإدغام، نعم، الإدغام عبارة، الحرف المدغم عبارة عن حرفين أولهما ساكن -نعم- لكن إذا سلطنا النهي عليها بعد الفك انتهى الإشكال، تقول: من يرتدد ومن يرتد، انتهى الإشكال، ما فيه إشكال، لكن إذا فككنا الإدغام في ( يضار ) قلنا: ( لا يضارِرْ) كاتب: فاعل، ولو قلنا: ( لا يضارَرْ ) كاتب: نائب فاعل، ما تغير الحركة، والضرر منهي عنه في الطرفين، لكن ما الذي يقصد بهذا النهي؟ هل نقول: إن المشترك يتناول الأمرين معا أو جميع ما يحتمله من معاني في آن واحد؟ أو لا يتناول إلا معنى واحدا؟ على كل حال راجعوا المسألة.(1/315)
هو الضرر منهي عنه عن الجميع، لكن هل هو بهذه الآية منهي في الطرفين . بهذه الآية أو بنصوص أخرى؟ المسألة خلافية، راجعوا، حتى لو قلنا باستعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي في آن واحد يجوز ولَّا ما يجوز إذا احتمل اللفظ؟ جمهور أهل العلم لا يجوز عندهم، ثم بعد ذلك الكلام على المرجح، محتاج إلى مرجح، لكن الترجيح صعب في مثل هذا، لأن اللفظ ما يتغير، نحوه هناك قرائن قد يوجد مرجحات، لو راجعتم كتب التفسير وكتب الأصول ما يقولونه في استعمال المشترك تستفيدون إن شاء الله.
ذكر الأنواع الستة -ذكرها على سبيل الإجمال، ثم فصل فيها القول على سبيل اللف والنشر:
فحيث كان السقط من أصل السند
صُنْعَ مصنفٍ فتعليق يُعد
( من أصل السند ) أصل السند أين؟ طرفه المتأخر أو طرفه المتقدم؟ لأن الإسناد له طرفان، طرف متأخر الذي هو شيخ المصنف، وطرف متقدم الذي هو الصحابي، وأصل السند الصحابي ولَّا شيخ المصنف؟ أصله ومداره ومخرجه -على كلامه أنتم تتكلمون على كلامهم لا على إن هذا هو القول الصحيح، كيف؟ لا، مخرج الحديث حديث النبي عليه الصلاة والسلام مخرجه من أصله الذي هو الصحابي، نعم. لكن الذي يحرره أهل العلم قاطبة الصحابي بلا شك، الصحابي هو الأصل:
فحيث كان السقط من أصل السند
صُنْعَ مصنفٍ فتعليق يُعد
إذًا: المعلق ما حُذِف من مبادئ إسناده من جهة المصنف راوٍ أو أكثر، ولو حذف جميع السند واقتصر على القائل لشمله مسمى التعليق،
وإن يكن أول الإسناد حذف
مع صيغة الجزم فتعليقا عرف
ولو إلى آخره يعني حذف السند إلى آخره يسمى معلق.
فما يجيء في كتاب يُلتزَم
صحته ثم به الراوي جزم(1/316)
إذا جاء المُعَّلق -وهو ما حذف من مبادئ إسناده راو أو أكثر- في كتاب التزمت صحته، ووفى المصنف بما التزم؛ لأن من أهل العلم من يلتزم الصحة، فمنهم من يلتزم ويوفي، ومنهم من يلتزم ولا يوفي. فمثل صحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم كلهم التزموا الصحة؛ لكن وجد فيها الصحيح وغير الصحيح، وهي متفاوتة.
فما يجيء في كتاب يُلتزَم
صحته ثم به الراوي جزم
يعني مع صيغة الجزم: قال فلان، روى فلان، ذكر فلان، ( ثم به الراوي جزم فاقبله )؛ يعني يحكم له بالصحة؛ لأن المصنف اشترط الصحة، والتزم وجزم بذلك، "وضمن لك من حذف" من الرواة.
( فاقبله معروفا كنحو أخبرا ) تمثيل لصيغة الجزم؛ أخبر فلان، ونحو: قال، وروى، وذكر، هذه صيغ جزم؛ لكن صيغ التمريض قيل
وما كقيل وكيُروَى قد ذُكِر
ممرضا ففيه فَتِّشْ واختبر
المعلقات في الكتب التي التُزِمت صحتها -البحث فيها بالتفصيل يحتاج إلى وقت، لكن نجمل القول في ذلك:
أولا: ( صحيح مسلم ) فيه أربعة عشر حديثا معلقا، وكلها موصولة في الصحيح نفسه سوى واحد موصول في صحيح البخاري، إذن معلقات مسلم نحتاج إلى بحثها؟ ما نحتاج؛ لأنها كلها موصولة في الصحيح نفسه، وواحد منها وهو الباقي موصول في صحيح البخاري.
معلقات البخاري: ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين، هذه معلقات البخاري يعني كثيرة جدا، كلها موصولة في الصحيح نفسه سوى مائة وستين، أو مائة وتسع وخمسين. نحتاج إلى بحث الألف وثلاثمائة والأربعين أو واحد والأربعين؟ نعم. لا نحتاج إلى ما وُصل في الكتاب نفسه؛ لكن ما لم يوصل في الكتاب هو الذي نحتاج إليه، المائة والستون أو المائة وتسع وخمسون هي التي بحاجة إلى البحث، التي لم توصل في موضع آخر.(1/317)
هذه المائة والستون يقسمها أهل العلم إلى قسمين: منها ما يورده البخاري رحمه الله تعالى بصيغة الجزم: قال فلان، ذكر فلان، روى فلان، ومنها ما يورده بصيغة التمريض، صيغة التمريض يعني: صيغة التضعيف، ببناء الفعل للمجهول: قيل، يُذكر، يُروى، هذه صيغة التمريض، التمريض هو التضعيف.
ما يورده البخاري رحمه الله تعالى بصيغة الجزم وجزم الشيخ بقبوله هنا، والحافظ ابن حجر يقول: إنه صحيح إلى من أبرز؛ إلى من نسب إليه، صحيح إلى من أبرز من الرواة، ثم يبقى النظر فيمن أبرز؛ يعني من حذفهم البخاري ضمنهم لك، لا تبحث، لكن عليك أن تنظر فيمن ذكر، فممن ذكره بصيغة الجزم ممن هو ليس على شرطه، وعلى هذا يكون فيما جزم به البخاري الصحيح والحسن؛ لكن لا يوجد فيه ضعيف؛ ولذا قال الشيخ: ( فاقبله معروفا) وإن ادعى بعضهم أن فيه ضعف يسير بسبب انقطاع، أو بسبب اختلاف في راوٍ ثقة، لكن هذا لا يؤثر، الاختلاف البخاري رحمه الله تعالى أدنى شيء يشكل عليه؛ ففي حديث المعازف لم يقل: حدثنا هشام بن عمار، قال: ( قال: هشام بن عمار ) لماذا؟ لأن الصحابي مشكوك فيه، هل هو أبو عامر أو أبو مالك الأشعري؟ هذا الذي جعل البخاري لا يقول: حدثنا كبقية أحاديثه عن هشام بن عمار.
فاقبله معروفا كنحو أخبرا
ونحو قال وروى وذكرا
هذه صيغة الجزم، ( وما كقيل ) يعني: بصيغة التمريض ( وما كقيل وكيروى قد ذكر ممرضا ) يعني ما ذكره البخاري ممرضا يعني: بصيغة التمريض بصيغة التضعيف ( ففيه فتش واختبر ) هذا يحتاج إلى بحث.(1/318)
قد يقول قائل: لماذا ذكره البخاري بصيغة التمريض؟ إذن ضعيف؛ لأنه بالتمريض صار ضعيف، وقد ضعفه البخاري بالصيغة. نقول: لا يا أخي، مما ذكره بصيغة التمريض ما وصله في صحيحه، ومما ذكره بصيغة التمريض ما خرجه مسلم في صحيحه، فهذا صحيح لا إشكال فيه، ومما ذكره بصيغة التمريض ما هو صحيح على شرط غير الشيخين، ومنه الحسن، وفيه الضعيف، لكن الذي ضَعْفُه بيِّن يبينه الإمام البخاري، ) ويُذكر عن أبي هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه. ولم يصح ( ينبه عليه إذا كان ضعفه ظاهرا).
وعلى كل حال وجود الخبر ولو كان بصيغة التمريض في مثل هذا الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول يشعر بأن له أصلا يؤنس به ويركن إليه، كما قال ابن الصلاح وغيره، لكن ما فيه ضعف يبينه البخاري رحمه الله تعالى.
( ففيه فتش واختبر ) ابحث عن سند لهذا الخبر، وادرس هذا الإسناد، واحكم عليه بما يليق به من صحة أو حسن أو ضعف.
وقد تولى الحافظ ابن حجر وصل جميع معلقات البخاري في ثلاثة كتب: أولا: ( الفتح ) وصل جميع ما مر به من هذه المعلقات، وأيضا كتاب ( تغليق التعليق ) كتاب خاص بالمعلقات، واختصر التغليق بكتاب سماه ( التشويق )، وله أيضا مختصر ثالث.
( فتش واختبر )
ومثله ما جا بكُتْبٍ جامعه
لذي قبولٍ ولمردودٍ معه
يعني: التفتيش والبحث والدراسة كما تكون لمعلقات البخاري بصيغة التمريض تكون أيضا لبقية الكتب التي تجمع بين الصحيح وغيره، نعم، إذا وجدت حديثا في سنن أبي داود مما لم يخرجه البخاري ولا مسلم، فتش في رجاله، وابحث في سنده، واحكم عليه بما يليق به، مستنيرا بأحكام الأئمة.
ومثله ما جا بكُتْبٍ جامعه
لذي قبولٍ ولمردودٍ معه(1/319)
يعني: تجمع بين المقبول والمردود هذه لا بد أن تدرس أسانيدها، يُفتش عن أسانيدها وتُدرس، ويحكم على كل حديث بما يليق به، هذا على القول الصحيح في أن التصحيح والتضعيف لم ينقطع. أما على القول بأن التصحيح والتضعيف انقطع لا يكون هذا للمتأخرين؛ لكنه قول ضعيف. نعم.
المرسل
وما يكون السقط فوق التابعي
مع رفع متنه فمرسل فع
فبعضهم للاحتجاج أطلقا
والبعض للرد وبعض حققا
فقبلوه إن يكن قد أسندا
من جهة أخرى كذا إن عضدا
بمثله أو فعل صحب أو سلف
عليه إفتاء جماهير السلف
وغيره رد بلا ارتياب
ولا يضر مرسل الصحابي
الناظم رحمه الله تعالى ثنى بعد ذكر المعلق بالمرسل، والمرسل يقول رحمه الله تعالى: ( وما يكون السقط فوق التابعي ) فوقه؛ والذي فوق التابعي جنس التابعي، المقصود جنس التابعين، فوق طبقة التابعين الصحابة.
وما يكون السقط فوق التابعي
مع رفع متنه فمرسل فع
فما يرفعه التابعي إلى النبي عليه الصلاة والسلام هو المرسل،
مرفوع تابع على المشهور
هو مرسل أو قيده بالكبير
بعضهم لا يحكم بالإرسال حتى يكون من رفع التابعي الكبير إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الجمهور على أن ما يرفعه التابعي مطلقا هو المرسل، ومنهم من يطلق المرسل بإزاء المنقطع،
مرفوع تابع على المشهور
هو مرسل أو قيده بالكبير
أو سقط راو منه ذو أقوال
والأول الأكثر في استعمال
( وما يكون السقط فوق التابعي مع رفع متنه ) لا بد أن ينص على رفعه: عن الحسن رفعه، عن سعيد رفعه، عن ابن سيرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا رفعه فهذا هو المرسل، فما يرفعه التابعي إلى النبي عليه الصلاة والسلام هو المرسل، ( فعِ ) فعل أمر.
فبعضهم للاحتجاج أطلقا
والبعض للرد وبعض حققا(1/320)
يعني خلاف في قبول المراسيل، الخلاف في قبول المراسيل، الطبري حكى عن التابعين بأسرهم أنهم يقبلون المراسيل، مع أن سعيد ينقل عنه الخلاف؛ مخالفة هذا القول، ولا يستدرك بسعيد على الطبري، لماذا؟ نعم؟ لو قال مثلا أي إمام من أئمة الإسلام؛ نقل الاتفاق ثم وجد من يخالف يستدرك بهذا، وهذا لا يقدح في إمامته، نعم؟
.مراسيل سعيد تبقى مراسيل، المراسيل لا يقبل المراسيل. ما هو مسألة أن نستدرك على الطبري بمراسيل سعيد، لا. نستدرك على الطبري بقول سعيد في رد المراسيل؛ لأن الطبري يحكي اتفاق التابعين على قبول المراسيل، ومعروف عن سعيد أنه لا يقبل المراسيل فيما حكاه ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، فهل يستدرك على الطبري أو لا يستدرك؟ لا يستدرك على الطبري؛ لكن لو قاله غيره استدركنا، لماذا؟ لأن الطبري يرى أن الإجماع هو قول الأكثر، لا يعني الإجماع قول الجميع، فالإجماع عند الطبري قول الأكثر؛ ولذلك في تفسيره تقرءون كثيرا؛ في تفسيره في الخلاف في قراءة آية، يقرأها الأكثر على وجه ويخالفهم، فيذكر قول الأكثر، ويذكر المخالف.
ومثل هذا الخلاف في معنى كلمة من كلام الله جل وعلا يذكر قول الأكثر، ويذكر قول الأقل، ثم يرجح قول الأكثر، ثم يقول: لإجماع القَرَأَة على ذلك. هو ذكر الخلاف نفسه، لكنه يرى قول الأكثر إجماعا، فلا يستدرك على الطبري في نقله أو في حكايته الاتفاق مع أن سعيد من أئمة التابعين، بل هو أفضل التابعين على الإطلاق عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وإن كان الخلاف في أويس معروف.
( فبعضهم للاحتجاج مطلقا ) قالوا: إنه لا يعرف الخلاف في قبول المراسيل إلى رأس المائتين، إلى رأس المائتين لا يعرف الخلاف أحد، حتى جاء الإمام الشافعي فرده إلا بالشروط التي أوجدها، ثم بعد ذلك عرف ممن بعده من الأئمة رد المراسيل.
واحتج مالك كذا النعمان
به وتابعوهما ودانوا
هذا قول منسوب لأبي حنيفة ومالك.
واحتج مالك كذا النعمان
به وتابعوهما ودانوا(1/321)
لكن القول الثاني الذي أورده المؤلف ( والبعض للرد ) والبعض، الحافظ العراقي رحمه الله تعالى يقول:
ورده جماهر النقاد
للجهل بالساقط في الإسناد
وصاحب التمهيد عنهم نقله
ومسلم صدر الكتاب أصله
( وصاحب التمهيد عنهم نقله ) نقله عن الجمهور -الرد- ابن عبد البر، ( ومسلم صدر الكتاب أصله ) يقول مسلم: والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة. فمسلم أصَّل هذا القول في مقدمة صحيحه.
( والبعض للرد وبعض حققا ) يقصد الإمام الشافعي، ( فقبلوه ) بشروط، فقبلوه بشروط أربعة:
فقبلوه إن يكن قد أسندا
من جهة أخرى كذا إن عضدا
بمثله أو فعل صحب أو سلف
عليه إفتاء جماهير السلف
هذه شروط قبول المرسل عند الإمام الشافعي، ( فقبلوه إن يكن قد أسندا ) يعني: جاء من وجه آخر مسندا، جاء مرسلا وجاء مسندا. الآن الشافعي يقول تقبل المرسل؛ لأنه عضد بمسند. لماذا لا نحتج بالمسند؟ والمرسل صح أو لم يصح عندنا ما يغنينا -نعم- لا الشافعي له ملاحظة، ماذا؟ وهو أنه إذا قبل المرسل باعتضاده بالمسند -المسند مفروغ منه- يكون عنده للدلالة على هذه المسألة. نعم؟ عنده نصان.
( فقبلوه إن يكن قد أسندا من جهة أخرى ) يعني: مروي من مسند غير من يروي المرسل، ( كذا إن عضدا بمثله ) بمرسل آخر أيضا رجاله غير رجال المرسل الأول، ( أو فعل صحب ) الشيخ نص على الفعل وأقوى منه القول، نعم، يعني: يدعم بفتاوى الصحابة وبأقوالهم وبأفعالهم؛ يعني إذا وجد في فتاوى الصحابة من أفعالهم أو من أقوالهم يرتقي المرسل إلى حيز القبول.(1/322)
( أو سلف ) أو فعل السلف على ذلك، يعني: قوي المرسل باعتضاده بفعل الصحابة أو بفعل السلف ( أو سلف عليه إفتاء جماهير السلف ) يعني: أفتوا به أو عملوا به، هذا يدل على أنه ثابت، على أنه له أصل، وإن كان مرسلا، ( عليه إفتاء جماهير السلف ) يعني: جماهير السلف تلقوه بالقبول، وتلقي العلماء الخبر بالقبول كحديث: لا وصية لوارث لا شك أنه أقوى من مجرد كثرة الطرق عند أهل العلم، أقوى من مجرد كثرة الطرق عندهم.
( وغيره رد بلا ارتياب ) يعني: مرسل لم يعتضد بما ذكره الإمام الشافعي يرد بلا ارتياب، بلا شك، ( ولا يضر مرسل الصحابي ) مرسل الصحابي مقبول عند جماهير أهل العلم، ونقل عليه الاتفاق، وخالف في ذلك نفر يسير مثل أبي إسحاق الإسفراييني وغيره، لكن بعضهم نقل الاتفاق على قبول مراسيل الصحابة،
أما الذي أرسله الصحابي
فحكمه الوصل على الصواب
فمراسيل الصحابة لا يبحث فيها، إذا رفع الصحابي خبرا، أو ذكر فعلا عن النبي عليه الصلاة والسلام لا يبحث. والصحابي لا سيما صغير السن أو متأخر الإسلام، أو الذي غاب عن حضور قصة أو قضية، ثم ذكرها عن النبي عليه الصلاة والسلام حكمها الرفع؛ لأنه يحتمل أنه سمعها من النبي عليه الصلاة والسلام؛ أعادها له، كما في قصة بدء الوحي، ترويها عائشة، وبدء الوحي كم كان سن عائشة في وقت بدء الوحي؟ كم؟ ما ولدت وقت بدء الوحي، لكن الاحتمال أنها سمعتها من النبي عليه الصلاة والسلام. فيه بعض الألفاظ التي تدل مثل: فغطني هذا من كلامه عليه الصلاة والسلام، ترويه عائشة مسندة القول إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى كل حال سواء روتها عنه مباشرة أو بواسطة صحابي فحكمه الوصل.(1/323)
ومن أقرب صغار الصحابة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ابن عباس، صرح بعضهم بأنه لم يرو مباشرة عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا أربعة أحاديث، الباقي كلها بالواسطة، لكن الذي حققه ابن حجر يقول: إنه وقف على أربعين حديثا صرح فيها ابن عباس بالسماع من النبي عليه الصلاة والسلام أو المشاهدة.
فما يرسله الصحابي إما لغيبته أو صغر سنه أو تأخر إسلامه -حكمه الرفع، ولا التفات لمن يقول: بأن حكمه حكم المراسيل الأخرى.
احتمال أن يكون هذا الصحابي رواه عن تابعي، والتابعي احتمال يكون ضعيف، واحتمال يكون ثقة، هذا نادر جدا أن يروي الصحابي عن تابعي، لاسيما ما يتعلق بأمور الدين، وقد عاصر الصحابة، وهو أولى بالقبول، فيسأل صحابيا ما يسأل تابعيا، هذا بعيد كل البعد.
فالذين ردوا المراسيل قالوا: الساقط مجهول، لماذا لا نقول: ما دام التابعي هو الذي يرفع الحديث؛ الواسطة الصحابي، والصحابي سواء ذُكر أو حُذف ما يشكل، نقول: لا، احتمال أن يكون تابعي ثاني، والتابعي الثاني احتمال يرويه عن تابعي ثالث، والثالث يرويه عن رابع، وهكذا، انحذف عندنا أربعة مثلا ولا يبقى إلا الأخير منهم، لأنه وجد ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، افترض أنه حذف منهم خمسة وبقي الأخير، وها الخمسة فيهم أكثر من ضعيف، هذا الاحتمال ئئوارد، في حديث يتعلق بفضل سورة الإخلاص ستة من التابعين يروونه، وهذا أطول إسناد كما يقول النسائي في الدنيا، طبقة التابعين فيها ستة يروي بعضهم عن بعض، هذه هي العلة في رد المراسيل، نعم، يقول:
فقبلوه إن يكن قد أسندا
من جهة أخرى كذا إن عضدا
( بمثله ) نعم شو هذا الثاني، ( أو فعل صحب ) نعم هذه ثلاثة، ( أو سلف عليه إفتاء جماهير السلف ) يعني: يفتي بمثله عوام أهل العلم كما يقولون، إذا أفتى بمقتضاه عوام أهل العلم كما يقول الشافعي في رسالته -نعم- قُبِل.(1/324)
وأن يكون أيضا -مما لم يذكره الذي هو أصل المسألة- أن يكون المرسل من كبار التابعين، الشافعي لا يقبل مراسيل صغار التابعين، أن يكون المرسل من كبار التابعين، وأن يكون المرسل أيضا إذا سمى لا يسمي مرغوبا عن الرواية عنه، وأن يكون المرسل إذا شرك أحدا من الحفاظ لم يخالفهم، هذا نص في الرسالة. نعم.
المعضل والمنقطع
وَسَاقِطُ اثْنَينِ فصاعِداً وَلاَ
مِنْ وَسَطِ الإسْنَادِ سَمِّ مُعْضَلاَ
وَمِنْهُ حَذْفُ صَاحِبٍ وَالْمُصْطَفَى
وَمتْنُهُ عنْ تَابِعيٍّ وُقِفَا
إِنْ مِنْ طَرِيقِ واقِفٍ قَد أُسْنِدَا
وجازَ غَيْرُ رَفْعِهِ عَنْ أحْمَدَا
لِيُخْرِجَ الْموقُوفَ قَيْدُ الأَوَّلِ
كذاك بالثَّانِي خُرُوجُ الْمُرْسَلِ
وَوَاحِدٌ مِنْ مَوْضِعٍ أَوْ أَكْثَرَا
بِلا وَلا مُنْقَطِعٌ دُونَ مِرا
المعضل اسم مفعول من الإعضال، وهو من قولهم: أمر عضيل؛ أي مستغلق شديد، وسمي هذا النوع؛ لأنه وجد بسقوط اثنين من الرواة يكون المسقط هذا قد أعضل هذا الحديث، أعضل أمر هذا الحديث على من يبحث في إسناده؛ يعني سقط واحد يمكن تستدل به، تستدل بالموجود على المسقط، تنظر في تلاميذ المذكور وفي شيوخ المذكور فتقف على الواسطة، لكن إذا كان الساقط أكثر من واحد لا شك أنه يستغلق عليك الأمر، ويكون الأمر عضيل، والعضيل المستغلق الشديد، والعضل والإعضال كله تشديد، ومنه عضل المرأة والتضييق عليها، والتشديد في أمرها، ومنه مسألة معضلة يعني من المسائل الشديدة القوية التي تحتاج إلى طول بحث، ونفس للوصول إلى حقيقة حكمها، كثيرا ما يقولون: هذه من عُضَل المسائل.(1/325)
فما سقط منه اثنان فصاعدا على التوالي من أثناء سنده لا من أوله -من مبادئ السند-ليخرج المعلق، ولا من آخره ليخرج المرسل، لكن إذا سقط اثنان ما يخرج المرسل باشتراط سقوط اثنين -نعم؟- الشيخ يقول: ( وساقط اثنين فصاعدا ولا ) يعني: على التوالي، ( ولاء ) مقصورة للضرورة، أصلها ولاءً يعني على التوالي، ( من وسط الإسناد ) احترز بقوله: ( اثنين ) سقوط واحد الذي هو المنقطع، و ( على التوالي ) من سقوط أكثر من واحد من أكثر من موضع، و ( من وسط الإسناد ) احترز بذلك عن المعلق.
لكن ما يخرج المرسل بسقوط اثنين؟ نعم؟ يعني: هل المرسل ما سقط منه الصحابي، أو ما رفعه التابعي؟ وهل بين العبارتين فرق؟ طيب إذا سقط اثنين: صحابي وتابعي، وبقي تابعي ثاني أيش يسمى؟ هو لا يريده من باب المعضل؛ مع أنه يأتي بما هو أقرب إلى المرسل من المعضل ويسميه معضلا تبعا للحاكم.
( سم معضلا ومنه حذف صاحب والمصطفى ) أقرب إلى تسميته مرسلا، يحذف الصحابي فقط، التابعي موجود؛ لكن لا يصرح التابعي برفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيقفه على نفسه، ( ومتنه عن تابعي وقفا ) عن ابن سيرين قال، والحديث معروف مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، عن ابن سيرين عن أنس -مثلا- أو عن سعيد عن أبي هريرة، عن سعيد قال، ثم يذكر كلاما معروف رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام من طريق أبي هريرة، فيأتي من طريق آخر عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون في هذه الصورة حذف الصحابي والنبي عليه الصلاة والسلام، وهذا سماه الحاكم معضلا؛ لأن فيه حذف الصحابي والنبي عليه الصلاة والسلام.
وقال ابن الصلاح: إن هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى.
والمعضل الساقط منه اثنان
فصاعدا ومنه قسم ثاني
حذف النبي والصحابي معا
ووقف متنه على من تبعا(1/326)
هذا أدرجه الحاكم في المعضل، وابن الصلاح يقول: هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى؛ لأنه بحذف الصحابي والنبي عليه الصلاة والسلام يكون حذف اثنين، ( إن من طريق واقف قد أسندا ) هذا الذي وقفه على هذا التابعي وُجد عنه من طريق آخر رفعه، ذكر الصحابي والنبي عليه الصلاة والسلام.
( وجاز غير رفعه عن أحمدا ) من أحمد هذا؟ هو النبي عليه الصلاة والسلام، أو ابن حجر، ( وجاز غير رفعه عن أحمدا ) أيش معنى هذا الكلام؟ يعني يجوز أن ينسب مثل هذا الكلام لهذا التابعي الذي وقف عليه، بمعنى أنه يكون للرأي فيه مجال، يجوز غير رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، نعم هذا من كلام ابن حجر.
لأنه إذا كان مما لا مجال للرأي فيه ووقف على التابعي يكون مرفوع ولا ما موقوف؟ مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن رفعه تابعي فيدخل في المرسل، يعني هذا الكلام لا يقوله تابعي من تلقاء نفسه، ما لا يدرك بالرأي فمثل هذا حكمه الرفع، وكونه يسقط الصحابي ويرفعه التابعي إلى النبي عليه الصلاة والسلام يكون حكمه حكم المرسل، حتى التابعي يرفع إذا صرح بذكر النبي عليه الصلاة والسلام رفعه التابعي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولذا المرسل عندهم: مرفوع تابع. وهنا وقف المتن على التابعي؛ لكنه مما لا يدرك بالرأي فله حكم الرفع، فكأن التابعي أضافه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا أضاف التابعي الشيء إلى النبي عليه الصلاة والسلام صار حكمه حكم المرسل.
لِيُخْرِجَ الْموقُوفَ قَيْدُ الأَوَّلِ
كذاك بالثَّانِي خُرُوجُ الْمُرْسَلِ(1/327)
نعم؟ التابعي والصحابي هذا معضل، لكن أنت ما يدريك أنه سقط منه اثنان ما دام رفعه التابعي إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ أنت ما تدري، إلا إذا وقفت على طريق فيه التنصيص على أنه سقط أكثر من واحد فتحكم بالإعضال، هذا معضل؛ لأنه حذف الصحابي وحذف النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل إذا كان مما لا يدرك بالرأي، لأنه ولو حذف النبي عليه الصلاة والسلام فهو حكم الموجود، لماذا قلنا إنه معضل؟ لأن الذي رواه حذف الصحابي وحذف النبي عليه الصلاة والسلام.
في الكلام الذي لا مجال فيه للرأي النبي عليه الصلاة والسلام موجود ولو حذف، هو معروف أنه مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، نعم، لكن إذا كان مما لا مجال فيه للرأي، لو قال الصحابي قولا لا مجال فيه للرأي أيش تسوي؟ نعم؟ مرفوع، متصل ولا منقطع؟ متصل، لكن لو قال التابعي كلاما لا مجال للرأي فيه فهو مرسل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وإن حذف في الصورة إلا أنه موجود في الواقع، ما يمكن أن يقول التابعي هذا الكلام.
لِيُخْرِجَ الْموقُوفَ قَيْدُ الأَوَّلِ
كذاك بالثَّانِي خُرُوجُ الْمُرْسَلِ
أيش معنى هذا الكلام؟ كيف؟ نعم بالقيد الأول، أين القيد الأول؟ نعم؟ الآن الوقف وصف للسند أو للمتن -نعم؟- وصف للمتن، المتن الذي يوقف ويرفع، فإذا قلنا: ( اثنين ) الآن هذا وصف للمتن ولا وصف للسند؟ للسند، إذن معنى الكلام القيد الأول أين هو؟ ( ومنه حذف صاحب والمصطفى ) هذا القيد الأول نعم، وهو الذي أخرج الموقوف، يعني الموقوف خرج بقوله: ( ومنه حذف صاحب والمصطفى )؟ يخرج الموقوف بهذا؟ نعم حذف الصحابي يخرج الموقوف.(1/328)
يخرج الموقوف حذف الصاحب، لأن الموقوف قول الصاحب، فإذا حذف الصاحب -نعم- وأبقي التابعي ما صار موقوفا صار مقطوعا، نعم، على ما سيأتي في بيان أنواع الأخبار باعتبار الإضافة، لأنه إن أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام سمي مرفوعا، وإن أضيف إلى الصحابي سمي موقوفا، وإن أضيف إلى التابعي فمن دونه سمي مقطوعا، فإذا حذفنا الصاحب -نعم- فيه احتمال أن يسمى موقوف؟ لا، لأنا أضفناه إلى تابعي، فيخرج بذلك الموقوف، بالقيد الأول.
( كذاك بالثَّانِي خُرُوجُ الْمُرْسَلِ ) من وسط الإسناد؛ لأن الإرسال الحذف فيه في أصل الإسناد، طرفه الذي فيه الصحابي، على كل حال حتى الثاني يدل عليه، حتى الأول. الأول واضح في المراد.
( إِنْ مِنْ طَرِيقِ واقِفٍ قَد أُسْنِدَا ) يعني: أسنده من طريق آخر، أسنده إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيخرج بذلك الموقوف، وكونه يجوز غير رفعه؛ أن يكون غير مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام -نعم- يخرج بذلك المرسل، لكن البيت الذي قبله أوضح.
( وَوَاحِدٌ مِنْ مَوْضِعٍ أَوْ أَكْثَرَا ) إذا سقط من أثناء الإسناد راو واحد، لا من مبادئه في صورة التعليق، ولا من نهايته في أصله في صورة الإرسال، من أثنائه سقط راو واحد، أو أكثر من راو واحد لا على التوالي، يعني: من أكثر من موضع.
( بِلا وَلا مُنْقَطِعٌ دُونَ مِرا) دون شك يسمونه منقطع. طيب المرسل منقطع، والمنقطع؟! كل الأنواع منقطعة، المرسل ما سقط إلا واحد، المعلق ما سق إلا واحد، . الموضوع الكبير الذي نبحثه الآن ما يخرج بقيد الاتصال، صح ولا لا؟ ما يخرج بقيد الاتصال ستة أنواع، طيب ما الذي يقابل الاتصال؟ الانقطاع، إذن المرسل منقطع، المعلق منقطع، المعضل منقطع، ليس معنى الاتصال أن يكون كل راو من رواته قد رواه ممن فوقه بطريق معتبر من طرق الرواية. إذا انقطع من أوله من أثنائه من آخره باثنين ثلاثة؛ كل هذا منقطع.(1/329)
.كيف؟ انتظر خليهم يفهموا ما أريد تقريره. الآن أولا: عندنا البحث الكلي في الاتصال، يقابله الانقطاع، إذن كل الأنواع الستة منقطعة، نتفق على هذا كلها منقطعة؛ لأنها أيش؟ غير متصلة، والذي يقابل الاتصال الانقطاع؛ إذن هي منقطعة، لكن في الاستعمال خصصوا كل نوع من أنواع الانقطاع باسم يخصه، وإلا أحيانا تجدون تداخلا، أرسله فلان وإن كان السقط في أثنائه، من أهل العلم من يطلق على المرسل منقطع، وعلى المنقطع مرسل، فهم خصوا كل نوع من أنواع الانقطاع باسم يخصه تسهيلا على الطلاب، وإلا لو طبقنا استعمال أهل العلم للمنقطع والمرسل ما وجدنا فيه كبير فرق.
وَوَاحِدٌ مِنْ مَوْضِعٍ أَوْ أَكْثَرَا
بِلا وَلا مُنْقَطِعٌ دُونَ مِرا
فهم بهذا يخصصون كل نوع باسم يخصه تسهيلا على الباحث، تسهيلا على الطالب، فإن كان السقط من مبادئه سموه المعلق، وإن كان من أصله الصحابي فقط سموه مرسلا، وإن كان من أثنائه فلا يخلو إما أن يكون بواحد، أو بأكثر من واحد لا على التوالي يسمونه منقطع، وإلا فالمعضل.
التدليس
وحَذْفُهُ واسِطَةً عَمَّنْ لَقِي
بِصِيغَةِ ذَاتِ احْتِمَالٍ اللُّقِي
كَعَنْ وَأَنَّ مُوهِماً وَقَال
تَدْلِيسُ إِسْنَادٍ يُرِي اتِّصَالاَ
وَمِنْهُ أن يَقْطَعَ صِيغَةَ الأدا
بِالسَّكْتِ عَنْ محدِّثٍ ثم ابِتدا
وَمِنْهُ أَنْ يَعْطِفَ شيخاً ما سَمِعْ
مِنْهُ عَلَى الشَّيْخِ الذِي مِنْهُ سَمِعْ
وَحَذْفُه الضَّعِيفَ بَيْنَ الثِّقَتَينِ
وَسَمِّهِ تَسْوِيةً بِدُونِ مَيْنِ
والثاني تدليس الشُّيوخ إن ذَكَرْ
شيخاً له باسم سوى الذي اشْتَهَرْ
وكُلُّه غش شديدٌ وغَرَرْ
وضِدُّ نُصْحٍ عند نقادِ الأَثَرْ
وحَيثُ كَانَ ثقة منْ فَعَلَهْ
فَحُكْمُه رَدُّ الذِي قَدْ نَقَلَهْ
مَا لَمْ يَقُلْ سمعتُ أو حدَّثنا
أو جاءَ باسمِ شَيخِهِ مبيّنا
ويُعْرَفُ التَّدْلِيسُ بالإِقْرَارِ
أو جَزْمِ أهْلِ العِلْمِ بالآثَارِ(1/330)
لما انتهى المؤلف رحمه الله تعالى من أنواع السقط الظاهر الذي يعرف بعدم المعاصرة، وهو سقط ظاهر يدركه آحاد الطلاب، فيعرف بالتواريخ؛ إذ لا معاصرة ولا لقي ولا سماع، هذا الظاهر الذي يظهر ويتضح لجميع الباحثين، لكن هناك سقط خفي لا يدركه إلا البارع من الطلاب، سقط خفي لا يظهر للجميع؛ لأن للراوي مع من يروي عنه أحوال: إن لم يعاصره؛ إن لم توجد المعاصرة بينهما هذا سقط أيش؟ ظاهر. إن لم يعاصره فسقط ظاهر، وشذ من أطلق عليه التدليس إذا كانت الصيغة موهمة.
يعني: روى شخص عن آخر، زيد عن عمرو.. بحثت في كتب الرجال وجدت زيدا موجودا سنة مائة وعشرة، وعمرو قد مات سنة مائة.. فقال: زيد عن عمرو، الصيغة موهمة، لكن هل هناك إشكال؟ هل هناك احتمال أن يكون قد سمعه منه؟ نعم ما في احتمال، ولذا وصف القول بأن هذا نوع من التدليس بالشذوذ.. قول شاذ.. هذا يقضي، قول يقضي على جميع الأنواع السابقة.. إذا لم يُصَرَّحْ بلفظ التحديث أو السماع، ولن يصرح إلا كذاب في هذه الصورة.
انتهينا من عدم المعاصرة، إن روى عمن عاصره ممن لم يثبت له لقاؤه.. مجرد معاصرة دون لقاء، هذا يسمونه أيش؟ بصيغة موهمة.. نعم؟ هذا المرسل الخفي، هذا هو المرسل الخفي.
الصورة الرابعة: إذا رَوَى عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة، كـ: عن، وأن، وقال فلان.. هذا تدليس.. إذا روى عمن سمع منه أحاديث ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة، فذا تدليس بالباطل.
فعندنا التدليس يختص بصورتين: في حال اللقاء بين مَنْ روى ، ومن رَوَى عنه. وحال السماع: بين مَنْ روى، ومن روى عنه، فإذا روى عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو روى عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة هذا يسمى تدليسا. أما في حال المعاصرة فهو المرسل الخفي.
وحَذْفُهُ واسِطَةً عَمَّنْ لَقِي
بِصِيغَةِ ذَاتِ احْتِمَالٍ اللُّقِي(1/331)
وحذف واسطة عمن لقي: زيد لقي عمرًا وسمعه... احتمال يكون سمع منه لكن هو لقيه.. ثبت أنهما اجتمعا، فروى عنه بصيغة موهمة للسماع وعدمه، كـ: عن، وأن، وقال، روى عنه ما لم يسمعه منه، ثبت عندنا أنه لم يسمع منه هذا الخبر، بل سمعه منه بواسطة، وأسقط الواسطة، وهذا تدليس.
وكذا لو روى عمن سمع منه أحاديث ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة هذا أيضا تدليس، إذا حذف الواسطة بينهما.
وحَذْفُهُ واسِطَةً عَمَّنْ لَقِي
بِصِيغَةِ ذَاتِ احْتِمَالٍ اللُّقِي
كـ: عن وأن.. لأن السند الْمُعَنْعن عند أهل العلم حكمه الاتصال، حكمه الاتصال على خلاف اشتراط اللقي، أو الاكتفاء بالمعاصرة، على ألا يكون الراوي موصوفا بالتدليس. وأن حكمها حكم عن.. أن فلان كذا، حكمها حكم عن.. وإن زعم ابن الصلاح أن أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة يفرقون بين "أن" و"عن"، وحكم أن حكم عن فالْجُلُّ سووا.. لا فرق بينهما.
ولا شك.. المثال الذي اعتمد عليه ابن الصلاح في نسبة القول إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة وهو القول بالتفريق بينهما لا يصلح أن يكون مستندًا، ولا معتمدًا؛ لأن ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- لم يُدْرِك السر في التفريق بينهما، ولذا قال الحافظ العراقي:
..................................
كذا له ولم يُصَوِّبْ صَوْبَه(1/332)
لأن الحديث عن محمد ابن الْحَنَفِيَّة عن عمار أنه مَرَّ بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.. قال الإمام أحمد: متصل، ومثله يعقوب بن شيبة.. رواية أخرى عن محمد ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. قال أحمد: منقطع. هل هو رأى أن السبب في هذا اختلاف الصيغة؟ نعم؟ أو السبب في ذلك أن محمد ابن الحنفية يحكي قصة عن صاحبها التي وقعت له، عن عمار. في الرواية الثانية، في الطريق الثانية: محمد ابن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها، ولم يسندها إلى صاحبها.. عن محمد ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.. فهذا هو السبب في كونه اختلف حكمه على الرواية الثانية عن حكمه على الرواية الأولى.
" كـ: عن، وأن موهما": هذه صيغة موهمة، تحتمل الاتصال وعدمه..
كَعَنْ وَأَنَّ مُوهِماً وَقَال
تَدْلِيسُ إِسْنَادٍ يُرِي اتِّصَالاَ
أهل العلم يقسمون التدليس إلى قسمين: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ. والشيوخ من الإسناد.. الشيوخ ..أليسوا من الإسناد؟ نعم؟ طبقة الشيوخ. سلسة أو حلقة من حلقات الإسناد، إذًا كيف يكون تدليس إسناد وتدليس شيوخ؟ كله تدليس إسناد.. نعم؟ لكن يفرقون ويقسمون من أجل أن تكون الصورة واضحة في الأذهان، وإلا فالكل تدليس إسناد.
"تَدْلِيسُ إِسْنَادٍ يُرِي اتِّصَالاَ"
كَعَنْ وَأَنَّ مُوهِماً وَقَال
تَدْلِيسُ إِسْنَادٍ يُرِي اتِّصَالاَ
يعني: يُوهِمُ الاتصال، يوهم السامع والواقف بالاتصال لأن هذا عاصر هذا، بل لقيه.. هذا لقي هذا، إذًا.. والمسألة مفترضة فيه راوي ثقة.. ما دام لقيه، وروى عنه بصيغة عن.. الاحتمال أنه سمعه منه، لأن "عن" محتملة للسماع وعدمه، وكذلك قال.
وَمِنْهُ أن يَقْطَعَ صِيغَةَ الأدا
بِالسَّكْتِ عَنْ محدِّثٍ ثم ابِتدا(1/333)
يقول: حدثنا..ثم يسكت.. حدثنا.. ثم يسكت.. ثم بعد ذلك يقول: فلان عن فلان عن فلان، السامع يأتي لمسألة اللصق.. السامع قد يدرك شيئا.. نعم؟ من خلال النطق، لكن إذا كتب مثل هذا.. كيف القارئ.. كيف يشعر القارئ؟ إذا قال: حدثنا.. ثم سكت؟! السامع يحتمل أنه سكت لتراجع النفس، يحتمل أنه سكت لأي ظرف طارئ، أو يتذكر الشيخ: حدثنا، ثم بعد ذلك.. بعد قليل: فلان ابن فلان، عن فلان، عن فلان، هو لا يريد هذا. هو يريد أن يضمر من حدثه، ولا يسلط الصيغة هذه على مذكور.. لئلا يعود كذابا.. لو هو قال: حدثنا فلان.. صار كذابا.. هو ما حدثه.. فإذا قطع.. نعم يوهم أنه سكت ليرد إليه النَّفَس، ثم بعد ذلك يأتي براوٍ لم يُحَدِّثْه، بل بينه وبينه واسطة. وهذا الراوي الذي ذكر بعد الصيغة والانقطاع قد لقيه مَنْ حدث بالخبر.. لكن لم يسمع منه هذا الخبر.. إذًا هذا تدليس.
وَمِنْهُ أن يَقْطَعَ صِيغَةَ الأدا
بِالسَّكْتِ عَنْ محدِّثٍ ثم ابِتدا
ثم يبتدئ بذكر بقية الإسناد.
وَمِنْهُ أَنْ يَعْطِفَ شيخاً ما سَمِعْ
مِنْهُ عَلَى الشَّيْخِ الذِي مِنْهُ سَمِعْ
يقول: حدثني فلان وفلان، حدثنا فلان، عن فلان، عن فلان إلى آخره.. حدثني فلان وفلان.. الأول حدثه صحيح.. الثاني المعطوف عليه . ، وفلان لم يحدثني، أو فلان غير مسموع عندي.. هذا تدليس العطف، الأول تدليس القطع وهذا تدليس يسمى تدليس العطف.
وَمِنْهُ أَنْ يَعْطِفَ شيخاً ما سَمِعْ
مِنْهُ عَلَى الشَّيْخِ الذِي مِنْهُ سَمِعْ
تدليس عطف، وتدليس قطع، وأسوأ منهما تدليس التسوية: حذف الضعيف بين الثقتين.. يروي الحديث من طريق ضعيف، يرويه عن شيخ ثقة، والشيخ يرويه عن ضعيف، والضعيف يرويه عن ثقة، فيكون عندنا ضعيف بين ثقتين، يسقط هذا الضعيف.. هذا يسمونه تدليس التسوية.. تدليس التسوية، ويسميه العلماء المتقدمين: تدليس التجويد، يعني: جود فلان، يعني ذكر الأجواد، وحذف . .(1/334)
هذا -تدليس التسوية- شر أنواع التدليس، لأن المسألة وعرة جدا على الباحث.. عندك سند نظيف كله ثقات، وكلهم قد لقي بعضهم بعضا، فإذا بحثت ... وقد تصرف هذا المدلس تدليس التسوية بإسقاط ضعيف بين ثقتين، وحذف الضعيف بين الثقتين نسميه؟ ما اسمه؟ ... المقصود أنه يسمى بتدليس التسوية. (وسَمِّهِ تسوية بدون مَيْنٍ ) طيب.. يسمى تدليس التسوية، معروف عند أهل العلم، ويفعله بعض أهل الوعظ، ويفعلون جميع الأنواع.
وقد يتعجب يقول: تدليس.. أيش معنى تدليس؟ التدليس غش..هل يجوز أن يفعله المحدث ويبقى ثقة مع ذلك؟ نعم؟ على كل حال يقوله من الكبار.. نعم؟ هو ليس بكاذب، هو ليس بكاذب لأنه لم يصرح بتحديث. كونه أسقط، يعني لم يقبل المراسيل التي السقط فيها واضح.. يقبل مثل هذا.. نعم. وجار على قول من يقبل المراسيل.. لكن تدليس التسوية تدليس شنيع.. لأنه يسقط الضعيف.
وأما أنواع التدليس الأخرى فتحتمل أن يكون المسقط ضعيفا، ويحتمل أن يكون صغيرا يأنف من الرواية عنه، ويحتمل أن يكون المسقط أكثر من ذكره، في كل درس يقول: حدثنا فلان.. فيتفنن وينوع العبارة، وعلى كل حال التدليس عيب.. يقدح به الراوي إذا كثر لا سيما إذا كان يدلس عن الضعفاء. وهذا التدليس المتضمن للإسقاط.. بإسقاط راوٍ، ذَمَّهُ شُعْبَةُ وغيره، وقال فيه كلاما شديدا: لأن يزني أحب إلي من أن يُدَلِّسَ، ولأن يَخِرَّ من السماء خَيْرٌ له من أن يُدَلِّسَ.. وهكذا.
النوع الثاني من التدليس: تدليس الشيوخ..
والثاني تدليس الشُّيوخ إن ذَكَرْ
شيخاً له باسم سوى الذي اشْتَهَرْ(1/335)
سواء كان باسم.. ذكره باسم لم يشتهر به، ذكره بكنية لم يشتهر بها.. ذكره بلقب لم يشتهر به.. ذكره بنسبة لم يشتهر بها.. هذا تدليس الشيوخ يسمونه.. ولا شك أن فيه توعيرا على الوصول إلى حقيقة الراوي. والخطيب البغدادي يكثر من هذا النوع، يُكْثِرُ من هذا النوع ليتفنن في العبارة، فيأتي بالشيخ الواحد على أكثر من وجه، على خمسة وجوه أحيانا.
وكُلُّه غش شديدٌ وغَرَرْ
وضِدُّ نُصْحٍ عند نقادِ الأَثَرْ
يعني أن الواجب على المسلم أن ينصح إخوانه المسلمين، فـ الدين النصيحة هذا ليس فيه نصيحة.. الغش ليس فيه نصيحة:
وكُلُّه غش شديدٌ وغَرَرْ
وضِدُّ نُصْحٍ عند نقادِ الأَثَرْ
وحَيثُ كَانَ ثقة منْ فَعَلَهْ
فَحُكْمُه رَدُّ الذِي قَدْ نَقَلَهْ
يعني: هذا الحديث يُرَدُّ ..إذًا: ما حكم رواية المدلس؟ رواية المدلس.. لا بد أن نعرف طبقات المدلسين قبل حكم رواية المدلس.
قسموا المدلسين إلى خمس طبقات:
منهم من لا يُدَلِّسُ إلا نادرا.. هذا اغتفر الأئمة تدليسه، فَيُقْبَلُ خبره مُطْلَقًا.
ومنهم من اغْتُفِرَ تدليسه لإمامته ونُدْرَةِ ما دَلَّسَهُ في جانب مروياته، هذا أيضا اغتفر الأئمة تدليسه.
منهم مَنْ أكثر من التدليس.. من أكثر من التدليس مع كونه ثقة، هذا لا يقبله أهل العلم -على القول الراجح- إلا إذا صرح بالتحديث. لا يقبل إذا جاء بصيغة موهمة.. منهم مَنْ -يعني- أكثر من التدليس مع كونه ثقة، هذا لا يُقْبَلُ إلا إذا صرح.
منهم من ضُعِّفَ بأمر آخر سوى التدليس.. منهم مَنْ ضُعِّفَ بأمر آخر سوى التدليس -أو قبله-: منهم من لا يدلس إلا عن الضعفاء، هذا مع كونه ثقة، هذا لا يُقْبَل.. نعم؟ لا يقبل.
ومنهم من ضُعِّفَ بأمر آخر سوى التدليس، هذا لا يُقْبَلُ مطلقا، سواء صَرَّح أو لم يُصَرِّحْ لأنه مجروح بغير التدليس..
وحَيثُ كَانَ ثقة منْ فَعَلَهْ
فَحُكْمُه رَدُّ الذِي قَدْ نَقَلَهْ(1/336)
هذا الحديث الذي دلس فيه يُرَدُّ، أما غيره من الأحاديث التي صرح فيها بالتحديث فإنه يُقْبَلُ.
فالثالث من أنواع المدلسين من طبقات المدلسين هذا يُرَدُّ مطلقا:
مَا لَمْ يَقُلْ سمعتُ أو حدَّثنا
أو جاءَ باسمِ شَيخِهِ مبيّنا
يعنى ما لم يُصَرِّحْ بسماع الخبر، أو بتحديث من نسب إليه:
مَا لَمْ يَقُلْ سمعتُ أو حدَّثنا
أو جاءَ باسمِ شَيخِهِ مبيّنا
حدثني أبو صالح المروزي.. شو أبو صالح المروزي هذا؟ ما يقبل هذا الخبر حتى يأتي باسم الشيخ المبين، هذا تدليس الشيوخ. ويقابل.. أو يقارب تدليس الشيوخ: تدليس البلدان.. لكن لا أثر له بالنسبة للرواة، إلا أنه يُشْعِر بالتكثر والتزيد، والتشبع بما لم يُعْطَ.. أن تقول: حدثني فلان بقرطبة.. نعم؟ السامع اللي ما يدري فيه حي في الرياض أسمه قرطبة..معناه: أنك رحلت ..تجشمت آلاف الأميال لتروي حديثا عن هذا الشخص في الأندلس.. نعم؟ أو تقول: حدثني فلان.. وين؟ بالحمراء.. ما وراء النهر.. لكنه أي نهر؟! حدثنا من وراء النهر.. نهر النيل مثلا.. يوهم بذلك أنه ما وراء النهر يعني دجلة.. المقصود أن هذا كثير .. كثير.. في الأحياء يُوهِمُ أنها بلدان بعيدة.. هذا تدليس بلدان.
مَا لَمْ يَقُلْ سمعتُ أو حدَّثنا
أو جاءَ باسمِ شَيخِهِ مبيّنا
ويُعْرَفُ التَّدْلِيسُ بالإِقْرَارِ
أو جَزْمِ أهْلِ العِلْمِ بالآثَارِ
يعني: بإقرار المدلس.. بإقرار المدلس.. إذا نسب الحديث إلى شخص ثبت لقاؤه له، ثم قيل له: هل حدثك فلان؟ قال: لا ما سمعت من فلان، كما يُذْكَرُ عن هُشَيْم، يقول: ما سمعت منه، ولا ممن سمعه منه!! يعني حذف اثنين.. هذا يُعْرَفُ بالتدليس. وعلى كل حال في رواة الصحيح من هو مدلس، والعنعنات الموجودة في الصحيحين كلها محمولة على الاتصال؛ لأنها فُتِّشَتْ فوُجِدَتْ مُصَرَّحًا فيها بالتحديث، منهم من يقول: إحسان للظن بالشيخين وإمامتهما وتحريهما في النقد تجعل النفس ليست بحاجة إلى أن تبحث في معنعناتهم.(1/337)
وفي الصحيح عدة كالأعمش
وكل شيء بعده وَفَتِّشِ
موجود في رواة الصحيحين من هو مدلس.
ويُعْرَفُ التَّدْلِيسُ بالإِقْرَارِ
أو جَزْمِ أهْلِ العِلْمِ بالآثَارِ
الذين يدركون مثل هذه الأمور الدقيقة الخفية، إذا صرحوا بذلك ليس لك إلا أن تُسَلِّمَ.
لا.. تدليس الشيوخ لا بد أن يصرح باسم الشيخ..
في تدليس الشيوخ ما في إسقاط.. نعم، لكن فيه توهيم للسامع.. نعم؟ أقول: في تدليس الشيوخ ما في إسقاط.. إنما يكني شيخه، أو يسميه، أو يصفه، أو يلقبه، أو ينسبه بوصف لا يُعْرَفُ به.. نعم؟ هذا ما فيه إسقاط. لكن لا بد أن يُصَرِّحَ باسم الشيخ بحيث يعرف، إذا قال أبو صالح المروزي.. من أبو صالح المروزي؟ فمثل هذا موهم، لكن لا بد أن يصرح لو فيه إسقاط.. نعم؟ نعم؟ الحديث المدلس ضعيف.. نعم؟ الحديث المدلس من القسم الضعيف، لأن فيه سقطا.. نعم.
المرسل الخفي
والنقل عن معاصر لم يعرف
لقاؤه إياه مرسل خَفِي
كالرفع من مخضرم قد عاصرا
نبينا دون لقاء أُثِرَا
وقد أتى أوهى الأسانيد كما
أصحها فيما مضى تقدما
وبالضعيف لا بتركٍ وصفا
ولا لمدلول الصحيح قد نفى
يؤخذ في فضائل الأعمالِ
لا الفرضِ والحرام والحلال
عرفنا في التقسيم السابق أن رواية الراوي عمن عاصره ممن لم يثبت لقاؤه له، أنه يسمى "مرسلا خفيا"، وبهذا يفرق بين المرسل الخفي، والمدلس:
والنقل عن معاصر لم يعرف
لقاؤه إياه مرسل خَفِي(1/338)
وكثير ممن ألف في علوم الحديث يخلط بينهما، من ذلك ابن الصلاح.. أدخل هذه الصورة في التدليس.. لكن إذا أُدْخِلَتْ هذه الصورة ما يبقى . هناك فرق.. قد يقول قائل: كلامه فيه إيهام، لماذا لا يسمى تدليسا؟ نقول: العلماء ذموا التدليس، ولم يذموا الإرسال الخفي.. رواية المخضرمين الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام-.. نعم؟ ممن لم يتيسر لهم لقاؤه -عليه الصلاة والسلام- هذه من قبيل الإرسال، لا من قبيل التدليس، ولا نعده من التدليس، ولو أدخلنا هذه الصورة في التدليس ما سَلِمَ من التدليس أحد..
كالرفع من مخضرم قد عاصرا
نبينا دون لقاء أُثِرَا
يعني: عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يلقوه،
كالرفع من مخضرم قد عاصرا
نبينا دون لقاء أُثِرَا
هذا يسمى إرسالا، ولا يسمى تدليسا.. والصور التي ذكرناها في بداية الحديث عن التدليس توضح لنا الفرق الدقيق بين المرسل الخفي، والمدلس.
وقد أتى أوهى الأسانيد كما
أصحها فيما مضى تقدما
سبق ذكر أصح الأسانيد، وأن العلماء تكلموا فيها، وإن كان الْأَوْلَى أن لا يُطْلَقَ على سند بأنه أصح، والمعتمد:
إمساكنا عن حكمنا على سند
بأنه أصح مطلقا وقَدْ
خاض به قوم فقيل مالك
عن نافع بما رواه الناسك
مولاه، يعني: ابن عمر.. وبعد ذلك:
وجزم ابن حنبل بالزهري
عن سالم أي عن أبيه البري
المقصود أن المسألة بُحِثَتْ في أصح الأسانيد، وتقدمت.. مثل هذا قالوا في أوهى الأسانيد، أضعف الأسانيد، عن أبي بكر، أوهى الأسانيد عن أبي هريرة، أوهى أسانيد المكيين، أوهى أسانيد البصريين، وهكذا..
وقد أتى أوهى الأسانيد كما
أصحها فيما مضى تقدما
هذا كلام جاء الحاكم ذكر أوهى الأسانيد، كما ذكر أصح الأسانيد،
وقد أتى أوهى الأسانيد كما
أصحها فيما مضى تقدما(1/339)
تقدم ذكر الكلام في أصح الأسانيد. وعلى كل حال الحكم على إسناد بأنه أصح مطلقا، أو أضعف مطلقا لا يسوغ، وقد بينا سبب ذلك فيما تقدم. إذا نظرنا إلى رأي البخاري، لا مانع أن نذكر به.. إذا نظرنا إلى رأي البخاري: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر... مالك: هل يُحْكَمُ على كل حديث رواه أنه ضَبَطَهُ وأتقنه أكثر من ضَبْطِ غيره لجميع الأحاديث مطلقا؟ نعم مالك نجم السنن، نعم، ولا يحتاج إلى أن يبحث بعدالته، ولا أحد يشكك في عدالة الإمام مالك.
لكن إذا جئنا مثلا: مالك، عن نافع، هل نافع أَجَلُّ أو سالم؟ إذا سلمنا لمالك بأنه أجل أهل طبقته، لماذا لا نقول: مالك عن سالم؟ لأن الأكثر على أن سالم أَجَلُّ من نافع.. إذا أتينا إلى الصحابي ابن عمر، لماذا لا نقول: أبو هريرة لأنه حافظ الإسلام؟ ما يثبت لنا قول بأنه أصح مطلقا من غيره.. نعم قد يحتف. قرائن بهذا الإسناد في حديث بعينه أنه أصح مطلقا.. أصح من الأحاديث كلها، لكن يبقى أنها بهذه القرائن.. أما الإطلاق.. بوصف الإطلاق لا يصح.. ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
..................................
....................... والمعتمد
إِمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا على سَنَدْ
بأنه أصح مطلقا وقدْ
أيضا الكلام يَسْرِي على ما قيل فيه: إنه أوهى الأسانيد، وأضعف الأسانيد، تجد بين الأربعة أو الخمسة الذين حُكِمَ عليهم بأنهم أوهى الأسانيد من في طبقة واحد منهم من هو أضعف منه.. نعم؟ فلا يسوغ الحكم بالإطلاق.
وبالضعيف لا بتركٍ وصفا
ولا لمدلول الصحيح قد نفى
يعني: لم تتوفر فيه شروط القبول، شروط الصحيح غير موجودة، شروط الحسن غير موجودة، إذا يكون أيش؟ نعم: ضعيف..
أما الضعيف ما لم يبلغِ
مرتبة الحسن ...........
ما بلغ مرتبة الحسن، إذًا ضعيف..
حكم العمل بالحديث الضعيف(1/340)
هذا الضعيف الذي لا يقبله أهل العلم يسمونه المردود على ما تقدم.. إذا ما لم يكن متروكا.. يعني المتروك شر أنواع الضعيف بعد الموضوع.
"لا بتركٍ وصفا" يعني من باب أولى الموضوع.. نعم.. يحتاج أن ننبه على الموضوع؟ إذا نبهنا بالمتروك فمن باب أولى: الموضوع.. هذا على القول بأن الموضوع يُطْلَقُ عليه حديث.. على القول بأن الموضوع يطلق عليه حديث، وقد أطلقه بعضهم كالخطابي وغيره. فإذا قلنا إن المتروك لا يقبل مطلقا، ووجوده كعدمه، إذا الموضوع من باب أولى..
وبالضعيف لا بتركٍ وصفا
ولا لمدلول الصحيح قد نفى
الشرط الأول: أن يكون ضعفه غير شديد.. يعني لا يصل إلى حَدِّ التَّرْكِ، أن يكون ضعفه غير شديد.
وبالضعيف لا بتركٍ وصفا
ولا لمدلول الصحيح قد نفى
يعني: معارض بما هو أقوى منه.. إذا عُورِضَ بما هو أقوى منه فلا عبرة به..
يؤخذ في فضائل الأعمال
لا الفرضِ والحرام والحلال
يعني: يُقْبَلُ في فضائل الأعمال:
يؤخذ في فضائل الأعمالِ
لا الفرض والحرام والحلال
الحديث الضعيف ما لم تتوافر فيه صفات القبول لا يجوز الاحتجاج به في العقائد اتفاقا، ولا الحلال، والحرام، وإن وجد في كلام الفقهاء، لكنهم يقررون أنه لا يجوز الاحتجاج به، ولا بناء الأحكام عليه.. إذًا في فضائل الأعمال، في المغازي، في السير، في التفسير، يتسامحون في هذه الأبواب، فيقبلون الضعيف، الضعيف الذي ضعفه مُنْجَبِرٌ.. غير شديد الضعف، يشترطون أن يكون الضعف غير شديد.(1/341)
يشترطون أيضا أن يندرج تحت أصل عام.. لا يؤسس حكما جديدا.. يشترطون أيضا أن لا يُعْتَقَدُ عند العمل به ثبوته، وإنما يعتقد الاحتياط.. هذا الضعيف نقل النووي والملا علي القاري نقلا الاتفاق على جواز العمل به في فضائل الأعمال إذا توافرت الشروط. لكن الخلاف موجود.. ابن العربي يقول: لا يُحْتَجُّ به مطلقا.. ابن حزم لا يرى الاحتجاج به مطلقا.. الشوكاني لا يرى الاحتجاج به مطلقا، وجمع من أهل العلم لا يرون الاحتجاج بالضعيف مطلقا.
شيخ الإسلام ابن تيمية لا يرى الاحتجاج بالضعيف.. ابن القيم يظهر في كلامه أنه يؤمن بأنه لا يحتج بالضعيف، وغيرهم جمع غفير من أهل العلم. لكن الجمهور على قبوله في فضائل الأعمال، وقد اشترطوا لذلك شروطا أوصلها ابن حجر إلى العشرة.. يعني بمجموعها تصل إلى العشرة..السخاوي له زيادات..ابن الحجر له زيادات في هذه الشروط، وكل يزيد إلى أن وصلت إلى ما يقرب من عشرة شروط. وهذا قول الجمهور، والقول الثاني أنه لا يحتج به مطلقا؛ لأن العمل على غلبة الظن، والضعيف الذي يغلب على الظن عدم ثبوته إذًا لا يجوز العمل به.. لا يجوز العمل به.
وأيضا العمل بالضعيف جعل كثيرا من الناس يغفل عن التحري، والتثبت، ولذا وقع كثير من المسلمين في البدع بناء على العمل بالضعيف.. فمن الآثار التي ترتبت على قبول الأحاديث الضعيفة، الغفلة عن البحث عن الصحيح والحسن، وجعلهم يتشبثون بأحاديث ضعيفة، يستغرقون في العمل بها، والعمر لا يستوعب كل ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فضلا عن أن نلجأ إلى الضعيف..
منهم مَنْ... شَيْخُ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: إن المراد بالضعيف.. يريد أن يقرر أن الضعيف لا يُعْمَلُ به مطلقا.. إذًا ماذا تقول في مثل كلام أحمد -رحمه الله-: إن الضعيف يُقْبَلُ في فضائل الأعمال، ويتساهل في أحاديث فضائل الأعمال.(1/342)
ماذا يقول شيخ الإسلام عن قول الإمام أحمد؟ يقول: إن المراد بالضعيف في كلام الإمام أحمد وكلام معاصريه من الأئمة الكبار الذين يتساهلون في قبول الضعيف في الفضائل، يقول: إن المراد بالضعيف في اصطلاحهم وعرفهم هو الذي يسمى عند المتأخرين الحسن، لا أنه الضعيف الذي لم يصل إلى درجة القبول.. يُنْتَبَهُ إلى هذا، وأنه لم يُعْرَفْ تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف إلا عند الترمذي.. لكن هذا الكلام لا يستقيم: أولا: التعبير بالحسن وُجِدَ في طبقة شيوخ الترمذي، ووجد عند من قبله، حكموا على أحاديث بأنها حسنة.. نعم قد يختلف حكمهم عن الاصطلاح أحيانا، لكن لفظ الحسن موجود.
الأمر الثاني: أنه ترتب على كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن الإمام أحمد وكل من نص على أنه يتساهل بالضعيف في الفضائل، ولا يتساهل به في الأحكام، أنه يترتب عليه أن الإمام أحمد لا يعمل بالحسن في الأحكام.. صح ولَّا لا ؟ يعني لو قلنا: إن الضعيف يساوي الحسن، وهذا الضعيف الذي يساوي الحسن لا يعتد به هؤلاء الأئمة في الأحكام.. إذًا هؤلاء لا يحتجون بالحسن في الأحكام.. وهذا خلاف المعروف من أهل العلم..
فكلام شيخ الإسلام لا يستقيم.. يريد أن يوجه كلام الأئمة، ولا يصادم كلام الأئمة.. الأئمة على العين والرأس.. ما أحد يصادمهم، هم أهل الشأن، وهم أهل العلم والعمل، ومَنْ جاء بعدهم عالة عليهم.. نعم قد يفتح الله -جل وعلا- على بعض الناس، فيفهم مسألة تخفى على المتقدم، لكن يبقى أنهم الأصل.. نعم.. رُبَّ مبلغ أوعى من سامع لكن هذا خلاف... (رُبَّ) للتقليل.. يبقى أن الأئمة الكبار هم الأصل، وعليهم الْمُعَوَّلُ، لكن ليسوا بالمعصومين، والاحتياط في السنة مطلوب، لكن أيضا تضييع بعض الأحكام بسبب تفكير بعض الناس أيضا..الاحتياط في مثل هذا صعب.(1/343)
أما قولهم: إنه يعتقد الاحتياط. يعتقد الاحتياط. أولا: مسألة فضائل الأعمال.. فضائل الأعمال التي يتساهلون فيها، إن رُتِّبَ عليها ثواب كما يقولون، ولم يرتب عليها عقاب، ما الفرق بينها وبين السنن.. يصير فيه فرق؟ ما في فرق. إذًا فضائل الأعمال سُنَنٌ، والسُّنَنُ حُكْمٌ من الأحكام.. إذًا هم يستدلون بهذا الضعيف في الأحكام، وليس هذا هو المعروف عنهم! فالمسألة بحثها يطول جدا، لو أخذنا نذكر جميع الشروط، وما يُلَاحَظُ عليها، طال بنا الوقت..ويكفي من هذا أن نعرف أن جماهير أهل العلم يعملون بالضعيف في الفضائل دون الأحكام والعقائد. وجمع من أهل التحقيق يرون أن الضعيف لا يُعْمَلُ به مطلقا، وفيما صَحَّ وحسن ودخل في حَيِّزِ ودائرة القبول غنية..
ننبه على مسألة، وهي: أن بعض المعاصرين قال -يعني ضيق الدائرة جدا- فقال: يُكْتَفَى بالقرآن مع الصحيحين!! يكتفى بالقرآن مع الصحيحين!! وأَلَّفَ كتابا أسماه: "تيسير الْوَحْيَيْنِ بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين" يكفي.. يقول: ليش نشتت أنفسنا في سنن أبي داود، وفي مسند الطيالسي؟!! يكفي... .. يعتني بالقرآن مع الصحيحين.. لكن ما رأيك فيما صح في سنن أبي داود؟ .في مسند أحمد حديث كثير صحيح.. في صحاح: ابن خزيمة، وابن حبان، وغيره وغيره..يصفو حديث كثير من الصحيح.. تُهْدَرُ هذه الأحاديث؟ أضعاف أضعاف ما في الصحيحين من الأحاديث الصحيحة.. لا شك أن هذه الدعوى باطلة.. ولذا البخاري ومسلم لم يَعُمَّا الصحيح..
ولم يَعُمَّاه ولكن قل ما
عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
وَرُدَّ .. حتى كلام ابن الأخرم..!
ورُدَّ لكن قال يحيى الْبَرُّ
لم يَفُتِ الخمسة إلا النَّذْرُ
يعني: ما في الخمسة -دواوين الإسلام- يبقى الصحيح أقل، ومع ذلكم.. ليس بالصحيح..
وفيه ما فيه .............
...............................
كناية عن ضعفه..
وفيه ما فيه لقول الجعفي
أَحْفظ منه -يعني من الصحيح- عُشْرَ ألف ألف(1/344)
يعني: كم؟ مائة ألف.. يحفظ من الأحاديث الصحيحة مائة ألف، ولو اقتصرنا على الكتب الخمسة ما صار لنا منها ولا عشرة آلاف بالْمُكَرَّر.. فلا شك أن كل حديث يُنْظَرُ في إسناده، سواء في الصحيحين..لا الصحيحين أهل العلم والنظر تلقوهما بالقبول.. عدا ما ذكرنا من المعلقات.. أو في السنن، أو في المسانيد، أو في الجوامع، أو في غيرها.. ينظر فيه ويُحْكَمُ على كل حديث، . فإذا صَحَّ أو صار حسنا أُلْحِقَ بقافلة المقبول، وإلا فهو مردود. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أقسام الخبر باعتبار قائله
المرفوع
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أَمَّا بعد، قال الْمُؤلِّف -رحمه الله تعالى-:
ثم انتهى الإسناد إن كان إلى
نبينا فذاك مرفوع علا
من قولٍ أو فعلٍ ومن تقريرِ
تصريحا أو حُكْمًا بلا نكير
نحو سمعته يقول أو فعل
أو فعل شخص من حضوره حصل
وألحقن يَنْمِيهِ أو يَبْلُغ بِهْ
كذا من السنة أطلقوا انْتَبِه
كذا أُمِرْنَا أو نُهِينَا إنْ صَدَرْ
من الصحابِيِّ كذا كنا نُقَر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا تقسيم للخبر من حيثية أخرى، وهي حسب مَنْ يضاف إليه:
فإن أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو تقرير أو فعل.. من قول أو فعل وتقرير أو وصف: صفة خَلقية أو خُلُقِيَّة... فهو المرفوع.
وإن أضيف إلى الصحابة فهو الموقوف.
وإن أضيف للتابعين فمن دونهم فهو المقطوع. هذه الخلاصة.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ثم انتهى الإسناد إن كان إلى
نبينا فذاك مرفوع علا(1/345)
يعني إذا انتهى الإسناد، وأضيف المتن إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو المرفوع.
................................
....... فذاك مرفوع علا
وهو أعلى أنواع الإضافة بالنسبة، لأنه حجة.. قَوْلُ مَنْ لا ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى أقول: هو قول من لا ينطق عن الهوى، فالسنة وَحْيٌ من عند الله -جل وعلا-، على أنه -عليه الصلاة والسلام- له أن يجتهد في قول، لكنه لا يُقَرُّ إذا لم يفعل الْأَوْلَى.. نعم له أن يجتهد، كما حصل في فداء الأسرى، فاجتهد واختار خلاف الْأَوْلَى، فعوتب على ذلك، وما لم يُعَاتَبْ عليه فهو وحي.. فالسنة وحي، ولذا يقول:
................................
.............. مرفوع علا
علا على غيره من الأقوال، لأنه سنة، وهو مصدر من مصادر التشريع المجمع عليها عند كل من يعتد بقوله ممن ينتسب لهذا الدين.
من قولٍ أو فعلٍ ومن تقريرِ
.................................
من قول: من قوله -عليه الصلاة والسلام-، كقوله: إنما الأعمال بالنيات مَنْ أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدٌّ من عَمِلَ عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام-. أو من فعله: حيث بين ما جاء مجملا في الكتاب بفعله -عليه الصلاة والسلام-، فصلى، وحج، مبينا ما أُجمل في القرآن، وقال -عليه الصلاة والسلام-: خذوا عني مناسككم وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي ومن تقرير: السنة التقريرية، حيث أُكِلَ الضب على مائدته -عليه الصلاة والسلام- ولم يُنْكِرْ.. هذا تقرير..
تصريحا وحكما: يعني سواء كانت الإضافة صريحة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بأن يقول الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أُكِلَ بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(1/346)
تصريحا وحكما: بألا يذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، مما له حكم الرفع، بلا نكير.. بلا إنكار ممن يعتد بقوله من أهل العلم. نحو: سمعته يقول أو فعل -عليه الصلاة والسلام-، صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أو فعل..
....................................
أو فعل شخص من حضوره حصل
فعل شخص: خالد بن الوليد أكل الضب، ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يَلْحَقُ بالصريح: قول التابعي بعد ذكر الصحابي، قوله: ينميه أو يبلغ به، عن سعيد عن أبي هريرة ينميه، يعني ينمي الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يرفعه، أو يبلغ به النبي -عليه الصلاة والسلام-، كل هذا مرفوع.
....................................
كذا من السنة أطلقوا انْتَبِه
إذا قال الصحابي: من السنة، فهو لا يريد إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يريد بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في قصة الْحَجَّاج مع ابن عمر في الصحيح: يقول ابن عمر للحجَّاج: إن كنت تريد السنة فعجل بالصلاة، قال سالم: ولا يريدون بذلك إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
....................................
كذا من السنة أطلقوا انْتَبِه
كذا أُمِرْنَا أو نُهِينَا إنْ صَدَرْ
من الصحابِيِّ كذا كنا نُقَر
قول الصحابي: أُمِرْنَا- مع بِنَاء الفعل للمجهول- أو نُهِينا، إن صدر من صحابي فهو مرفوع، وإن صدر من تابعي فَمَنْ دونه فالاحتمال قوي أن يكون الآمِرُ والناهي غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا صدر من صحابي فلا ينصرف إلا إلى مَنْ له الأمر والنهي، وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-. هذا إذا لم يُذْكَرِ الفاعل الآمِرُ.. أما إذا صرح الصحابي بالآمر: أَمَرَنَا رسول -صلى الله عليه وسلم-، فهو مرفوع قطعا.(1/347)
وإذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: أُمِرْتُ أن أسجد على سبعة أعظم فالآمر له -عليه الصلاة والسلام- هو الله جل وعلا.. "أُمِرْتُ" فالآمر هو الله جل وعلا.. إذا قال الصحابي: أُمِرْنَا أو نهينا هذا مرفوع عند جماهير أهل العلم.
وفريق من أهل العلم: أبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسن الكرخي، من أهل العلم يقولون: إنه ليس له حكم الرفع حتى يصرح الصحابي بالآمر والناهي. لكن جماهير أهل العلم على أنه مرفوع.
قول الصحابي: من السنة أو
نحو أمرنا أو نهينا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بِأَعْصُرِ
على الصحيح وهو قول الأكثر
إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرفوع قطعا، ودلالته كدلالة قوله -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا. يعني: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما لو قال: افعلوا.
يعني: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.. جاء في الرواية الأخرى: أنزلوا الناس منازلهم فالحكم واحد.
يُنْسَبُ لداود الظاهري وبعض المتكلمين أنهم يقولون: ليس له حكم الأمر ولا النهي. ليس له حكم الأمر والنهي حتى ينقل الصحابي الصيغة النبوية، اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع كلاما يظنه أمرا، أو نهيا، وفي الحقيقة ليس بأمر ولا نهي. لكن هذا القول ضعيف، لا يُلْتَفَتُ إليه؛ لأن الصحابة إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية مَنْ يعرفها بعدهم؟ لا أحد يعرف إذا لم يعرف الصحابة أبدا.
كذا أُمِرْنَا أو نُهِينَا إنْ صَدَرْ
من الصحابي.....................
أُمِرْنَا أو نهينا إذا قاله الصحابي في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- فمرفوع بلا شك، وإذا قاله بعد عصره -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع عند الجماهير ..عند الأكثر.. ولو بعد النبي قاله بأعصر.
....................................
........................ كذا كنا نُقَر(1/348)
كذا كنا نُقَر .. كنا نفعل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، كنا نقول.. ذبحنا فرسا على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كنا نعزل والقرآن ينزل كنا نقول في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-: أبو بكر أفضل هذه الأمة، ثم عمر، ثم عثمان حديث التفضيل معروف.. كل هذا مرفوع بلا شك؛ لأنه لو كان مما يُنْكَرُ لأنكره النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الزمن زمنُ وحي وتنزيل. نعم.
الموقوف
وحيث يَنْتَهِي إلى الصحابي
فذاك موقوف بلا ارتيابِ
وهو الذي لقي النبي مؤمنا
به ومات مسلما تَيَقّنَا
أو انتهى للتابعي وهو الذي
لقي الصحابي فمقطوع خُذِ
وما الصحابي باتصال السند
يرفعه فسمه بالمسند
انتهى الكلام عن المرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.. أردف ذلك بالموقوف، فقال:
وحيث يَنْتَهِي إلى الصحابي
فذاك موقوف بلا ارتيابِ
يعني: إذا كانت إضافة الكلام إلى الصحابي من قوله، أو من فعله، هذا يسمونه الموقوف، يقابل المرفوع: موقوف.. ولا يطلق الوقف والموقوف إلا على ما يضاف إلى الصحابي، وإذا أُطْلِقَ على من دون الصحابي فلا بد من القيد، لا يقال: موقوف بإطلاق.. إنما يقال: موقوف على فلان، على سعيد، على الحسن، على ابن سيرين، ولا يقال: موقوف بإطلاق.
وهو الذي لقي النبي مؤمنا
....................................
أراد أن يعرِّف الصحابي: من الصحابي؟ الصحابي هو الذي لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنا به. التعريف المشهور عند أهل العلم: من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنا به، ومات على ذلك.
رآه.. لكن( لقي) يشمل: الرؤية، وغير الرؤية، فينطبق على العميان.. نعم، ومَنْ أطلق الرؤية: أراد الرؤية الحقيقية والحكمية.
وهو الذي لقي النبي مؤمنا
....................................
أي حال كونه مؤمنا به.
....................................
ومات مسلما تَيَقّنَا
يعني نجزم بأنه مات على الإسلام، فهو المؤمن، فهو الصحابي.(1/349)
هل هناك فائدة من قوله -رحمه الله-: لقي النبي مؤمنا، ومات مسلما؟
نعم.. قد يكون مؤمنا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يرتد بعد ذلك، ويعود إلى الدين، ويكون مؤمنا أيضا .. نعم، ويموت على الإيمان.
إذا نحن نقول: اختلاف اللفظين، لقي النبي مؤمنا، ومات مسلما، هل لاختلاف اللفظين فائدة؟ أو هو ممن يرى أن الإيمان والإسلام بمعنى واحد، كالبخاري مثلا، أو أنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- تكون حاله أكمل من حاله بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بمعنى: أنه قد يتغير بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في دائرة الإسلام، لكن هذا ما يمكن أن يقال في حق الصحابة -رضوان الله عليهم-. نعم.
- حال كفره.. حال كفره.. ولو أسلم بعد ذلك.. طيب.. قال مسلم، ما قال مؤمن.. هذا مجتمعين.. مجتمعين.. ها؟
يعني: هذا الشيخ ممن يرى أن الإيمان والإسلام بمعنى واحد، يعني كقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، ومحمد بن نصر المروزي، وجمع من أهل العلم، يرى أن الإسلام والإيمان بمعنى واحد، لكن الأكثر على أن الإيمان له حقيقة، والإسلام له حقيقة.
طيب.. لكن نقول: ما الفائدة في تعبيره في اللقي حال الإيمان، والوفاة على الإسلام؟ يعني مثلما قال: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا هنا لا أدرك فائدة؛ لأنه الأصل: أن يكون مات على ذلك كقوله، لكن النظم قد يضطره إلى ما لا يريد.. قد يضطره إلى ما يذكر شيئا هو إلى التصريح بما هو مجرد توضيح.. وإلا فلا يُحْتَاج إليها.. من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به ومات ذلك، ولا يتخلله ردة كما يقول أهل العلم.
....................................
ومات مسلما تَيَقّنَا
يعني مجزوم بأنه مات على الإسلام، بخلاف من ارتد ولا يدرى ما خبره؟ ما يُدْرَى عنه هل رجع أم لم يرجع..(1/350)
وقوله: لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنا يُخْرِجُ من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يسلم، ثم يسلم بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، كرسول هرقل: لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو كافر، وسمعه يحدث، ونقل عنه بعد إسلامه، هل يكون صحابيا ولّا لا؟ ليس بالصحابي، لكن حديثه أيش يصير؟ مرسل، ولا متصل؟ متصل ولا منقطع؟
لكن هل يمكن أن يقال: مرفوع تابعي؟ ما هو صحابي.. نعم.. المقصود بالمخضرمين: المخضرمين من التابعين.. نعم؟ مرفوع تابعي متصل؟ أجب. نعم.. كيف؟ مرفوع وتابعي وهو متصل.. نعم؟ صحيح... وهذه المسألة . بها، ولا نظير لها حديث واحد.. في المسند.. نعم، من رواية رسول هرقل.. لقي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمعه حال كفره، ثم أسلم بعد ذلك، فهو تابعي من هذه الحيثية، وخبره متصل.
المقطوع
أو انتهى للتابعي وهو الذي
لقي الصحابي فمقطوع خُذِ
يعنى: المقطوع ما يُضَاف إلى التابعي فمن دونه، يُقَال له المقطوع.. وفرق بين المقطوع والمنقطع، الذي ذكرناه في درس مضى.. فرق بين المقطوع والمنقطع؛ لأن المنقطع: يوجد سقط في السند..لم يتصل.. والمقطوع يتعلق بالمتن من حيث الإضافة إلى التابعي فمن دونه.. مقطوع..(1/351)
إذا أضيف قول إلى التابعي فمن دونه يسمونه مقطوعا.. لكن إذا كان السند متصلا من المؤلف إلى التابعي.. نسميه متصلا.. مقطوعا.. ولا ما نسميه؟ نعم.. كيف؟ هو أثر ما فيه شك.. نعم؟ كلام .ظاهر أنه كلام تابعي.. يروي -مثلا-البخاري خبرا عن الحسن، وابن سيرين، وسعيد، أو غيرهم من التابعين.. بسند متصل، مقطوع.. لكن يوصف بالمتصل، ولا بالمنقطع.. أيش نسميه؟ أنتم أدركتم المقطوع ولا ما أدركتموه؟ كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه، بطريق معتبر.. يخرجه البخاري من قول سعيد، أو الحسن، أو ابن سيرين، أو غيرهم..لكنه بسند ليس فيه انقطاع. هو من حيث الإضافة مقطوع، ومن حيث السند متصل، يعني: هل يسوغ أن نقول: متصل مقطوع؟ يسوغ ولّا ما يسوغ.. لماذا؟ أيش؟ لانفكاك الجهة..لانفكاك الجهة.. لكن أهل المصطلح يَنُصُّون على أن المقطوع لا يدخل في المتصل.
ولم يروا أن يُدْخَلَ المقطوع، لماذا؟ للتنافر اللفظي.. فيه تنافر لفظي بين الوصل والانقطاع.. إذا قلنا: مُتَّصِلٌ مقطوع.. فيه تنافر لفظي.. يَنُصُّون على هذا التنافر اللفظي.. لكن مع انفكاك الجهة .. يعني التنافر لو كانت الجهة واحدة.... نعم.. لا لو اتحد اللفظان اتجها إلى شيء واحد، من جهة واحدة، من حيثية واحدة.
مثال: لو قلت: جاء زيد الطويلُ القصيرُ.. تجيء ولّا ما تجيء.. ما تجيء مع اتحاد الجهة، لكن مع انفكاك الجهة: طويل في العمر.. عمره مائة سنة.. وقصير في القامة.. انفكت الجهة.
فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ تجيء ولا ما تجيء؟ كلام الرب جل وعلا.. وذلك لانفكاك الجهة تجيء.. لكن هم رأوا أن التنافر اللفظي في مثل هذا بشع.. لا يمكن أن يجمع بين كلمتين متناقضتين.. لكن ما في ما يمنع إطلاقا مع انفكاك الجهة..لزم. التنافر لو اتجها إلى جهة واحدة..صار يكون تناقضا... ما هو تنافر.(1/352)
انتهينا من المرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمتصل، والموصول، انتهت من تعريف الصحيح: سند متصل، بحيث يكون كل راو من رواته قد تحمل الخبر بطريق معتبر ممن فوقه. أو متصل، ويقال له: موصول، ويقول الشافعي: مؤتصل.. بالفك والهمز -مؤتصل- وهذه لغته -رحمه الله- كما نَصَّ ابن الحاجب في شافيته، قال: مؤتعد ومؤتزر لغة الإمام الشافعي.
المسند
هنا شيء يقال له: المسند:
وما الصحابي باتصال السند
يرفعه فسمه بالمسند
المسند: يُطْلَقُ ويُرَادُ به الكتاب الذي ترتيب أحاديثه على الرواة من الصحابة، كمسند الإمام أحمد،
كمسند الطيالسي وأحمدا
وعَدُّهُ لِلدَّارِمِيِّ انْتُقِدَا
هذه المسانيد، والواحد منها مسند. هو مصطلح معروف عند أهل العلم.. والمسانيد من أوائل المصنفات. لكن الذي معنا: مسند.. يريد بذلك ما يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شريطة أن يكون بسند متصل.. هذا اختيار المؤلف.. المسند عنده: المرفوع، المتصل الإسناد.. المرفوع المتصل الإسناد.. ولذا يقول:
وما الصحابي باتصال السند
يرفعه فسمه بالمسند
وهذا قولٌ لبعض أهل العلم: إنه المرفوع المتصل.. يُسَمَّى مُسْنَدا.. ومنهم من يقول: المرفوع: المسند المرفوع.. المسند المرفوع.. يعني: ولو مع انقطاع في سنده.. لو قيل مثلا: أسنده فلان.. ووقفه فلان.. فمرادهم بذلك: رَفَعَهُ.
المسند المرفوع، أو ما قد وصل..يعني: الْمُسْنَدُ يُطْلَقُ ويُرَادُ به المرفوع مع اتصال السند- كما اختار المؤلف- ويُطْلَقُ ويراد به: المرفوع، ولو مع الانقطاع، ويطلق ويراد به متصل الإسناد.. متصل الإسناد ولو مع الوقف.
فالحاكم يرى ما يراه المؤلف، إنه لا يقال للخبر مسندا إلا إذا كان مرفوعا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل.(1/353)
ابن عبد البر يرى أن المسند هو المرفوع، ولو انقطع سنده.. ومنهم مَنْ يرى: أن المسند متصل السند، ولو كان موقوفا، أو مقطوعا.. ولذا يقولون: أسنده فلان، ووقفه فلان، وقد يقولون: أرسله فلان، وأسنده فلان.. فإذا قابلوا به الموقوف عرفنا أن مرادهم المرفوع، وإذا قابلوا به المنقطع عرفنا أنهم يريدون المتصل.. والحاكم يجمع بينهما، وما وجد في استعمالهم أنه يراد به المرفوع، ووجد في استعمالهم أنه يُرَادُ به المتصل.. والحاكم جمع بينهما، وهو اختيار المؤلف -رحمه الله تعالى-.. نعم.
الإسناد العالي وأقسامه والإسناد النازل
وَمَا يَقِلُّ عَدَدُ الرِّجَالِ
فِيهِ أَوِ الْمُدَّةُ فَهْوَ الْعَالِي
فَمُطْلَقٌ إِنْ كَانَ لِلنَّبيّ
وَغَيرُهُ سَمَّوه بِالنّسبيّ
وَفِي الأَخِيرِ تُوْجَدُ الْمُوَافَقَهْ
وبَدَلٌ كذا التساوي لاحقهْ
تصافحٌ وسابقٌ ولاحقٌ
فالأوَّلُ الراوي به يوافقُ
مَصَنِّفاً فِي شَيخِهِ أَيْ مِنْ سِوَى
طَريقِهِ أَوْ عَنْ سِوَاهُ قَدْ رَوَى
أَوْ شَيخِ شَيخِهِ فَصَاعِداً بَدَلْ
ثم التساوي إن إلى متنٍ وصل
بِسَنَدٍ كَسَندِ المصنفِ
أَوْ مَنْ رَوَى عَنْهُ تَصَافُحٌ يَفِي
واثنان حيث اشتركا في الأخذ عن
شيخ وبين أخذ ذا وذا زمن
وأول بالموت منهما سبق
فسابق ولاحق قد اتسق
وَمَا بِضِدِّ ذَاكَ فَهو النَّازِلُ
وَهْوَ لأَقْسَامِ الْعُلُوْ مُقَابِلُ
من أنواع علوم الحديث ما يسمي بالعالي والنازل.
والعلو مرغوب عند أهل العلم حتى قال بعضهم في مرض موته لما قيل له: ما تشتهي؟ قال: سندٌ عالٍ، وبيتٌ خالٍ.. هذه الأمنية سند عال وبيت خال نعم؟ بيت خال ما فيه أحد.. يتعبد: يقرأ، ويكتب، ويُحَرِّرُ، ويبحث، نعم.. وهذا هو الذي لا يُطَاقُ في هذه الأزمنة.. لا يطيق الإنسان أن يجلس بمفرده ولو زمنا يسيرا.. فالعلو مرغوب عند علماء أهل هذا الشأن، والنزول مرغوب عنه.(1/354)
والْعُلُوُّ في الجملة: قِلَّةُ الوسائط بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنزول: كثرة الوسائط.
لماذا صار العلو مطلوبا، والنزول مرغوبا عنه؟ لأن الإسناد الذين هم الوسائط بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- ما مِنْ واحد منهم إلا ويَحْتَمِلُ تَطَرُّق الخلل إلى الخبر منه.. نعم... أن تروي الخبر من طريق خمسة أشخاص.. كل واحد من هؤلاء الخمسة يُحْتَمَل أنه أخطأ.. نسي.. ضبط.. ما ضبط.. لكن لو ترويه من طريق عشرة: فلان، عن فلان، عن فلان، عن فلان، صار تطرق الخلل إليه أقوى.. يعني لو سلم من هذا، ما سلم من هذا. ولذلك رغبوا في العلو دون النزول هذا قول أهل هذا الشأن.
واختار بعض المتكلمين، وما أدري كيف يتدخل في هذا الباب؟!! اختار بعض المتكلمين أن النزول أفضل من العلو! لماذا يختار النزول؟ نعم.. منهم من يقول: الأجر على قدر النصب.. قدر التعب.. يقول: عندك حديث ثلاثي، كل واحد من الرواة يحتاج إلى ربع ساعة في البحث..أصبح ساعة إلا ربع وتنتهي من الحديث.. لكن لو كان عندك عشاري؟ تحتاج ثلاثة أضعاف الوقت، والأجر على قدر النصب..! نقول كما قال عمر..ماذا قال؟ أخطأتْ .. لا.. لا.. أخطأتْ.. كل من تدخل في شيء من غير فنه يأتى بالعجائب!!
أقول: هل المشقة لذاتها هدف شرعي؟ نعم...؟ ليست بهدف شرعي.. ولا يرتب عليها ثواب إلا إذا اقتضتها العبادة.. ولذلك: لو كان بيت بجوار المسجد مائة متر.. تقول أدور. في الحارة عشان أسير ألفين متر؟! أو تجي تحج من هذا البلد، تقول: أروح على الشمال الأقصى، على الساحل وأجيء مكة من هناك، خمسة آلاف كيلو بدلا من ثمانمائة كيلو؟ تؤجر على هذا؟! ما تؤجر على هذا.. لأن المشقة ليست مقصدا شرعيا لذاتها، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني.(1/355)
العلو: قلة الوسائط، والنزول كثرة الوسائط.. وأعلى ما في الكتب الستة: الثلاثيات.. الثلاثيات: البخاري فيه منها اثنان وعشرون حديثا ثلاثية.. وغالبها.. الثلاثيات غالبها كيف؟ ثلاثيات البخاري جلها من طريق.. المكي بن إبراهيم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع.. هذا أعلى ما في البخاري الثلاثيات.. مسلم ما فيه ثلاثيات أصلا.. أعلى ما عنده الرباعيات.
وقد روى مسلم أربعة أحاديث رباعية عوالي عنده، ونزل فيها البخاري.. رواها الأربعة خماسية.. مسلم ما فيه ثلاثية.. ابن ماجه فيه شيء يسير.. الترمذي فيه شيء يسير.. أبو داود ما فيه إلا حديثٌ واحدٌ مختلف فيه.. حديث أبي برزة في الحوض.. مع أنه المرفوع منه ليس بثلاثي، إنما فيه راوٍ مُبْهَمٌ.. النسائي متأخر ما يُتَصَوَّرُ أن يرد فيه ثلاثي.. متأخر.
المسند- مسند الإمام أحمد- فيه أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي، لتقدم الإمام، من طبقة شيوخهم. ومالك فيه ثنائيات... .على طول: مالك عن نافع عن ابن عمر.. الموطأ فيه ثنائيات. ولذا كتب المتقدمين ينبغي أن يحرص عليها طالب العلم، ويَعَضَّ عليها بالنواجذ؛ لأن الوسائط قليلة.
طيب.. إذا كان أعلى ما في البخاري الثلاثيات، فما أنزل حديث في البخاري؟ في أيش؟ ... تعرف الحديث؟ ويل للعرب من شر قد اقترب هذا أنزل حديث في البخاري. وأطول إسناد -كما قرر النسائي- حديث فضل سورة الإخلاص، لأن فيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض.
لو تصورنا معنى العالي والنازل، والعالي أفضل، والنازل مفضول عند أهل العلم، لكن يبقى أنه إذا كان العالي رجاله أقل من رجال النازل في الثقة، والضبط، والإتقان، قُدِّمَ الإسناد في النازل؛ لكونه أنظف. نظافة الأسانيد مطلوبة.. ما الذي يفيدنا علو الإسناد وفيه شخص متكلم فيه؟! ما نستفيد؛ لأن هذه الأمور أمور تكميلية.. ما هي بالضرورية، ليست بالضروري.. كمالي.. فيهتم بالضروري قبل الكمالي.
وَمَا يَقِلُّ عَدَدُ الرِّجَالِ(1/356)
فِيهِ أَوِ الْمُدَّةُ فَهْوَ الْعَالِي
أو المدة.. كيف تقل المدة؟ إذا عُمِّرَ الراوي، فالذي يروي عنه في أول عمره أعلى ممن يروي عنه في آخر عمره؛ لأن مدة من روى في أول العمر قلت المدة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فَمُطْلَقٌ إِنْ كَانَ لِلنَّبيّ
....................................
علو مطلق، وهناك علو نسبي.. القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- علو مطلق، والقرب إلى إمام من أئمة الحديث، أو إلى كتاب من الكتب المشهورة علو، لكنه نسبي، يعني علو بالنسبة إلى هذا الإمام، وعلو بالنسبة إلى هذا الكتاب، لأنك قد تصل إلى صحيح البخاري بسند أقل ما يمكن، لكن البخاري .. بينما ينزل صاحبك عنك.. لأن المسألة نسبية، فصاحبك الذي نزل عنك بدرجتين، أو ثلاث، إذا كنت لا تروي من صحيح البخاري إلا هذا .. لو نزل عنك بثلاث درجات صار أعلى منك فيما يرويه من ثلاثيات.. فهذه المسألة نسبية، هذا عُلُوٌّ نسبي.
فَمُطْلَقٌ إِنْ كَانَ لِلنَّبيّ
وغيره ..........................
يعني: كإمام من أئمة الحديث، أو كتاب من الكتب المشهورة.
....................................
............. سَمَّوه بِالنّسبيّ
الآن عندنا من الآن إلى البخاري نحتاج إلى عشرين راوٍ.. إلى عشرين راوٍ حتى نصل إلى البخاري، لكن قد يوجد أسانيد عالية، يعني: تصل إلى خمسة عشر راويا، وقد يوجد أنزل من ذلك إلى أن تزيد عن العشرين .. هذه المسألة نسبية؛ لأن العلو وإن قرب من صاحب الكتاب، أو من هذا الإمام؛ إلا أنه يبقى نزولا بالنسبة لأحاديث الكتاب النازلة، وعلوا بالنسبة للأحاديث العالية.
"وَفِي الأَخِيرِ" -يعني في النسبي-
وَفِي الأَخِيرِ تُوْجَدُ الْمُوَافَقَهْ
وبَدَلٌ كذا التساوي لاحقهْ
تصافحٌ وسابقٌ ولاحقٌ
فالأوَّلُ الراوي به يوافقُ(1/357)
في الأخير- في النسبي- توجد الموافقة، فالأول الراوي به موافق.. الأول الذي هو الموافق.. يعني: لو تصورنا أن الحافظ العراقي -وقد توفي سنة ثمانمائة وستة- عنده تساعيات.. عنده حديث تساعيات.. تُوُفِّيَ في أول القرن التاسع، والإمام البخاري عنده تساعيات.. هذه موافقة.. هذه موافقة.. بون شاسع كم قرن؟ خمسة قرون ونصف.. نعم؟ بون شاسع، وهذا يوجد عنده تساعيات وهذا عنده تساعيات.. إذن هذه أيش؟ موافقة.
..................................
فالأوَّلُ الراوي به يوافقُ
مَصَنِّفاً فِي شَيخِهِ أَيْ مِنْ سِوَى
طَريقِهِ ...........................
يعني: إذا وافق المصنف بعدد الرجال في شيخه، كأنه وافق هذا الشيخ.
..................................
طَريقِهِ أَوْ عَنْ سِوَاهُ قَدْ رَوَى
أَوْ شَيخِ شَيخِهِ فَصَاعِداً بَدَلْ
..................................
يعني: استطاع راوٍ متأخر مثلا عن البخاري أن يروي حديثا من أحاديث البخاري، لا من طريق البخاري.. نعم؟ وإنما من طريق شيخه، بعدد السند.. يقول: وافقه.. لكن إذا كان عن طريق شيخ شيخه، بحيث يوافق شيخ الشيخ بالعدد.. نفترض مثلا: النسائي وهو متأخر عن البخاري، روى حديث: ويل للعرب من شر قد اقترب البخاري رواه من طريق شيخ شيخه بالنزول، النسائي اختصر، رواه عاليا عن شيخه، عن شيخ شيخ البخاري.. هذا ..
..................................
ثم التساوي إن إلى متنٍ وصل
بسند كسند المصنف التساوي الذي هو . ما حصل من الحافظ العراقي مع البخاري..
....................................
ثم التساوي إن إلى متنٍ وصل
بِسَنَدٍ كَسَندِ المصنفِ
أَوْ مَنْ رَوَى عَنْهُ تَصَافُحٌ يَفِي(1/358)
يعني: لو قُدِّرَ مثلا أن .. -دعونا من الحافظ العراقي-.. الحافظ ابن حجر.. عنده عشاريات، يعني إذا روى التساعيات عن الحافظ العراقي، صارت بالنسبة له... تساعيات رواها عن الحافظ العراقي، صارت بالنسبة لابن حجر عشاريات.. إذا كان الحافظ العراقي وافق الإمام البخاري، فالحافظ ابن حجر صار كأنه من تلاميذ البخاري. يعني ساوى الآخذين عن البخاري، فكأنه صافح الإمام البخاري، وأخذ عنه.
واثنان حيث اشتركا في الأخذ عن
شيخ وبين أخذ ذا وذا زمن
وأول بالموت منهما سبق
فسابق ولاحق قد اتسق
مسألة مفترضة في شيخ معمر.. عُمِّرَ طويلا.. عاش مائة سنة.. وقد جلس للتحديث وعمره عشرون سنة.. جاء طالب من أوائل الطلبة فروى عنه.. يعني هذا الشيخ مولود سنة مائة.. شيخ، وجلس للتحديث سنة مائة وعشرين، وتوفي سنة مائتين.
جاء شخص، فروى عنه سنة عشرين ثم مات في هذه السنة، وجاء شخص آخر فأخذ عنه سنة مائة وتسعة وتسعين، وعُمِّرَ سبعين سنة بعده، أو ثمانين سنة.. ما يُتَصَوَّرُ أن يعمر الإنسان ثمانين سنة بعد شيخه..يعني يأخذ عنه في عشر سنين مثلا..يعيش تسعين.. كم بين الطالب الأول والثاني في الوفاة؟ سبعين، هذا مات سنة مائة وعشرين قبل الشيخ بثمانين.. أي نعم.. قالوا: أكثر ما يتصور في الواقع: مائة وخمسين، مائة وخمسين سنة.. زميلين.. زميلين بينهما مائة وخمسين سنة..(1/359)
يعني: خَلِّنَا نَضْرِبْ أمثلة واقعية: الشيخ -مثلا- ابن باز جلس للتدريس سنة سبع وخمسين.. ألف وثلاثمائة وسبع وخمسين، ... قاضي ومدرس سنة سبع وخمسين.. طلبوا عليه العلم.. توفي شخص في تلك السنة من الذين طلبوا العلم، أو سنة ستة.. الشيخ عُمِّرَ لسنة عشرين.. حضر عنده بسنة ألف وأربعمائة وعشرين شاب فوق عشر سنين، وسمع من الشيخ، وجلس من عشرين إلى ألف وخمسمائة.. كم يصير بين الاثنين؟ فيما يقرب من قرن ونصف... هذه مسألة متصورة، لكن لو تقول: زميلين بين وفاتيهما مائة وخمسين سنة!! ما تدخل في ذلك.. يمكن مثلا . .. هذا مكسب.. هذا من الخمسين كله زائد عن العمر.. ما هو صحيح.
تصوير المسألة هكذا: يُعَمَّرُ الشيخ طويلا.. يجلس للتحديث في أول عمره، فيحضر عنده الناس، ويأخذون عنه، فيموت بعضهم في السنة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة، يعني في أوائل عمرهم.. نعم.. ثم يستمر في التدريس عقودا.. سبعين.. ثمانين سنة، ثم في آخر العمر يتلقى عنه شاب صغير العلم، ثم يعمر هذا الشاب، فإذا نظرت فإذا مدة طويلة جدا.
إذا كان الطالب الأول مات قبل الشيخ بثمانين سنة، ثم عُمِّرَ الثاني بعد الشيخ ثمانين سنة.. هذه ستين سنة.. لكن من حيث الوجود قالوا: ما بين أربع وخمسين، وثلاث وخمسين.. يعني من حيث الواقع.. في الأمثلة.
هذا يسمونه أيش؟ السابق واللاحق، الخطيب البغدادي له مؤلف مطبوع، باسم السابق واللاحق. نعم..
- إنما يشتركان بكونهما رويا عن شيخ واحد.
وأول بالموت منهما سبق
فسابق ولاحق قد اتسق
وَمَا بِضِدِّ ذَاكَ فَهو النَّازِلُ
...................................
لأنه قال في تعريف العالي:
وَمَا يَقِلُّ عَدَدُ الرِّجَالِ
فِيهِ أَوِ الْمُدَّةُ فَهْوَ الْعَالِي(1/360)
فإذا كثر عدد الرواة- عدد الرجال- هذا يُسَمَّى نازلا، أو تأخرت مدة التحمل عن هذا الشيخ، بحيث بعدت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمى نازلا أيضا من حيث المدة؛ لأنه قال: "أو المدة".. فالسابق واللاحق. السابق عال، نعم؟ والمتأخر الذي هو اللاحق نازل، وإن اتحد العدد، كلهم يروي عن شيخ واحد.. لأن هناك علوا بتقدم السماع، ونزولا بتأخر السماع.
وَمَا بِضِدِّ ذَاكَ فَهو النَّازِلُ
وَهْوَ لأَقْسَامِ الْعُلُوْ مُقَابِلُ
لأنه يأتي لأقسام العلو مقابل. كيف يكون لأقسام العلو مقابل ؟ يعني محتاج أن يكون فيه .، وفيه مصافحة، وفيه موافقة، نعم.. فيه مساواة.. يمكن مع النزول.. وهو لأقسام العلو مقابل.
اللهم إلا إذا كان التقسيم الكلي: المطلق والنسبي فقط.. لكن هل يمكن أن يكون في النزول مصافحة؟ نعم؟ هل يمكن أن يكون في النزول موافقة؟ يمكن ولَّا ما يمكن؟ . ما تسميه نزول... لأن إن قلت: نزول نسبي مثلا.. نعم؟ فإن كان -مثلا- النسائي يروي هذا الحديث بسند أعلى، فرواه بنزول، والبخاري أيضا قد رواه بنزول.. نعم؟ يعني لو افترضنا أن الحديث الذي رواه البخاري تساعي، وُجِدَ عند النسائي تساعي.. هل نقول: هذا نزول، ولا علو؟ بالنسبة للبخاري نزول؟ لكن بالنسبة للنسائي؟ إذا نظرت إليه بالنسبة للبخاري فهو عُلُوٌّ، وإن نظرت إليه بالنسبة لمرويات النسائي الأخرى فهو نزول.. بإمكان النسائي أن يصل به خمسة.. نعم.. فهو نزول.
على كل حال المسألة كلها نسبية؛ لأن العلو بالنسبة للقرن الثاني، غير العلو بالنسبة للقرن الثالث، غير العلو بالنسبة للقرن السابع، والثامن، والرابع عشر، والخامس عشر. فالمسألة كلها نسبية. هات لطائف الإسناد.
رواية الأكابر عن الأصاغر ورواية الأبناء عن الأباء
وَهَاكَ أَنْوَاعُ لَطَائِفِ السَّنَد
وَهْوَ جَلِيلٌ عِلْمُهُ فَلْيُسْتَفَدْ
مِنْهَا عَنِ الأَصْغَرِ يَرْوِي الأَكْبَرُ
كَالأَبِ عَنْ ابنٍ لَهُ قَدْ يُخْبِرُ(1/361)
وَالشَّيْخِ عَنْ تِلْمِيِذِهِ وَالصَّحْبِ عنْ
تَابعِهِم وَعَكْسُ ذَا الأَكْثَرُ عَن
وَمَنْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ
فَصَاعِداً أَرْبَعَة عَشر يَنْتَهِي
وَامْرَأَةٌ عَنْ أُمًّهَا عَنْ جَدّةِ
لَهَا وَذَا النَّوعِ قَلِيلِ الجدة
هذه أنواع من لطائف الإسناد ولطائف الأسانيد ينبغي لطالب العلم أن يلم بها، وأن يعرفها.. لأنها تمر كثيرا في الشروح "من لطائف الإسناد كذا"، فلطائف الإسناد كثيرة، منها: رواية الأكابر عن الأصاغر:
وَهَاكَ أَنْوَاعُ لَطَائِفِ السَّنَد
وَهْوَ جَلِيلٌ عِلْمُهُ فَلْيُسْتَفَدْ
ولكل لطيفة من لطائف الإسناد فائدة، كل لطيفة من لطائف الإسناد فيها فائدة.
مِنْهَا عَنِ الأَصْغَرِ يَرْوِي الأَكْبَرُ
كَالأَبِ عَنْ ابنٍ لَهُ قَدْ يُخْبِرُ
يعني: صالح بن كيسان لما يروي عن الزهري.. صالح بن كيسان أكبر من الزهري في السن، لكنه تأخر في أخذه للعلم، فاحتاج أن يروي عمن هو أصغر منه.. وهكذا ينبغي لطالب العلم أن لا يأنف من الرواية عمن هو أصغر.. ولا ينبل الرجل ولا يكمل حتى يأخذ العلم عمن هو فوقه ومثله ودونه، لا يحمله الكبر والأنفة أن يقول: هذا أصغر مني وصرح بعضهم بكلمات ليست بطيبة في جانبه.. "بعض من زاد علمه وَصُغر سنه".. هذه لا شك أنها تدل على أن في النفس شيئا..
الإمام مالك جلس للناس قبل العشرين.. والكبار موجودون.. وجلسوا عنده.. وغيره وغيره على مر التاريخ.. يجلس الكبار عند الصغار، ولا يأنفون.. أما كون الشخص إذا كان صغيرا يُنْبَذُ لصغر سنه، هذا لا شك أنه ينبئ على أن في القلب شيء.. لأنه لو تصدر الصغير قبل الأهلية، لا شك أنه ينبغي أن يمنع.. قبل أن يتأهل. لكن إذا تأهل، وأدرك من العلم ما لم يدركه الكبار، شو المانع أن يحرص عليه، ويوصى به، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؟! فلا يأنف الإنسان أن يأخذ عمن هو دونه.(1/362)
في السن، وقد يحتاج إلى أن يأخذ عمن هو دونه في العلم، يكون هذا حصل العلم في باب من أبواب الدين أو في فن من فنون العلم، لا بد شو المانع؟ وإن كنت تعد في الجملة -يعني- أعلم منه بشيء.
كلما تواضع طالب العلم رفعه الله -جل وعلا-، التواضع على كل حال هو رفعة في الدنيا والآخرة.
مِنْهَا عَنِ الأَصْغَرِ يَرْوِي الأَكْبَرُ
كَالأَبِ عَنْ ابنٍ لَهُ قَدْ يُخْبِرُ
عن وائل بن حجر عن ابنه عبد الجبار بن وائل، ومن أعظم ما يمثل به في هذا الباب.. رواية النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث الجساسة عن تميم، هذا أعظم مثال في الباب؛ باب رواية الأكابر عن الأصاغر؛ هذا من أعظم ما يمثل به.
وهذه تربية ورد عملي على من يأنف الأخذ عمن هو دونه في السن، نعم. مجالس الأكابر ينبغي أن يحرص عليها، فإذا وجد في البلد عالم كبير وأقل منه، يحرص على الكبير أكثر؛ لكن ليس الدافع على ذلك الأنفة أو الغيرة. لا.
مِنْهَا عَنِ الأَصْغَرِ يَرْوِي الأَكْبَرُ
كَالأَبِ عَنْ ابنٍ لَهُ قَدْ يُخْبِرُ
أبو بكر روى عن عائشة، عمر روى عن ابنه عبد الله.
والشيخ عن تلميذه يروي الشيخ عن تلميذه؟! هل يتصور أن الشيخ أحاط بكل علم؟! يعنى: ما استفاد من هذا التلميذ أي فائدة؟! قد يكون لدى التلميذ في بعض القضايا وفي بعض المسائل من أدلتها ما ليس عند شيخه.
وَالشَّيْخِ عَنْ تِلْمِيِذِهِ وَالصَّحْبِ عنْ
تابعهم ........................
الصحابي يروي عن تابعي. الجادة أن التابعي يروي عن الصحابي، والصغير عن الكبير، والتلميذ عن الشيخ، هذه هي الجادة؛ ولكن قد يروي الشيخ عن تلميذه، والصحابي عن التابعي.
وعكس ما ذكر هو الأكثر ؛ لأنه هو الجادة.
....................................
.......... وَعَكْسُ ذَا الأَكْثَرُ عَن
نعم. هذا هو الأكثر.
وَمَنْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ
..................................
رواية الابن عن أبيه عن جده.
....................................(1/363)
فَصَاعِداً أَرْبَعَة عَشر يَنْتَهِي
يعنى: أكثر ما وجد من رواية الأبناء عن الآباء أربعة عشر، على أن ما وجد بهذا الإسناد موصوف بالنكارة، وعيب .؛ لكن هم يحرصون على أن يوجد أمثلة، فإذا أرادوا العمل بهذا الخبر بحثوا عن الأسانيد الصحيحة؛ يعني: هي مجرد تمثيل؛ لكن أكثر ما يدور في رواية الأبناء عن الآباء.. حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، هذه السلاسل مشهورة.
أما السند الذي فيه أربعة عشر يصل إلى علي بن أبي طالب هذا ضعيف؛ وإن مثلوا به؛ لكنه منكر، الأسانيد التي تروى بهذا الإسناد منكرة.
وَمَنْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ
فَصَاعِداً أَرْبَعَة عَشر يَنْتَهِي
أعلى ما وجد، أكثر ما وجد: أربعة عشر. والتيميون، التماميون من الحنابلة يروي بعضهم عن بعض؛ أبناء عن آباء إلى أن يصل إلى الطبقة الثالثة، لا يتسلسل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن فيهم هلكى من حيث الرواية؛ بل فيهم من وصف بالوضع، فهذا من باب التمثيل يذكر، فإنه العمل على الصحة. رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، تعرفون أنها سلسلة اختلفوا فيها بين أهل العلم، وسبب الاختلاف.. الخلاف في مرجع الضمير في "جده"، فإن قلنا: يعود على ما عاد عليه في قوله: "عن أبيه"، فالضمير في "أبيه" يعود إلى عمرو وأبوه شعيب، وجده قلنا: يعود إلى عمرو، ثم جده محمد، ومحمد تابعي، فيكون الخبر مرسلا، وإذا قلنا: الضمير يعود على الأقرب، يعود إلى الأب، فجد الأب عبد الله بن عمرو، فيكون الخبر متصلا، إنما يقال: في أن شعيبا لم يلقَ، ولم يسمع من جده عبد الله بن عمرو، كما قاله بعضهم؛ لكن المرجح أن الضمير يعود على شعيب، والجد عبد الله بن عمرو، وقد جاء التصريح به، جاء التصريح به في أكثر من حديث؛ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو.(1/364)
ورجح جمع من أهل العلم سماع شعيب عن جده عبد الله بن عمرو، وحكموا بصحة هذه السلسلة بعض العلماء، وردها آخرون، وقالوا: هي منقطعة. والتوسط في الأمر.. اختاره جمع أو فريق ثالث، وقالوا: هي مقبولة، وليست من أهل الصحيح؛ وإنما يحكم عليها بالحسن إذا صح السند إلى عمرو.
حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، الخلاف الوارد في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا يرد هنا؛ لأن السلسلة أربعة في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله؛ لكن بهز بن حكيم بن معاوية، حكيم هذا ليس بصحابي، فالضمير من الاختلاف في كونه يعود إلى الجد الأقرب. وقد يقف كل واحد ويأخذ عن الآخر.
في مسألة الانقطاع .؛ أن يبقى مسألة الكلام في بهز، فيه كلام لأهل العلم في ذاته، وكما قيل في الأولى يقال هنا، الخلاف موجود، والاختيار -أيضا- أن تكون من قبيل الحسن؛ لوجود الخلاف من غير مرجح.
إذا قلنا: إن هذه حسنة؛ ما يروى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسن، وما يروى من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده حسن، فأيهما أرجح؟ منهم من رجح رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن البخاري صحح حديث مروي بهذه السلسلة فيما نقله الترمذي في علله الكبير، قال: سألت محمد بن إسماعيل عن حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، فقال: هو حديث صحيح؛ وهو حديث التكبير في صلاة العيد، قال: هو هذا صحيح، فصححوا المروي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وعلق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؛ فمنهم من يقول: العبرة بالكتاب، ما خرج بالكتاب، ورجح بهز، وإن كان معلقا، ومن يقول: العبرة بالتصحيح والتعليق دون التصعيد، يرجح عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وَامْرَأَةٌ عَنْ أُمًّهَا عَنْ جَدّةِ
لَهَا .............................
امرأة عن أمها؛ امرأة تروي عن أمها عن جدتها، من هذا النوع، يعني: كما يروي الرجل عن أبيه عن جده تروي المرأة عن أمها عن جدتها.(1/365)
....................................
........... وَذَا النَّوعِ قَلِيلِ الجدة
يعني: وجوده قليل نادر؛ لأن أوله الطلب، والعلم في النساء قليل، أقل بكثير من وجود العلم في الرجال، نعم. قليل بالنسبة لوجوده في الرجال؛ مع أن رواية الابن عن أبيه عن جده قليلة بالنسبة لرواية غيره، يعني: كم رووا من حديث بفلان عن أبيه عن جده، قليلة بالنسبة لرواية فلان الأجنبي، البعيد عن هذا الراوي، أو راوٍ بعيد آخر. وهذه حكمة إلهية، أن أزهد الناس بالعالم.. أهله وجيرانه، تجد أقرب الناس إلى المسجد، نعم. تجد أقرب الناس إلى المسجد اللي فيه شيخ يدرس من نفس الحي، يمكن يكون من أجل المشائخ، أولاد الجيران إن كان فيهم أحد يروح ويجي .، وولد الشيخ ما يبغي، هذا معروف، معروف هذه سنة إلهية، لماذا؟ لئلا يقول الشيخ: أنا الذي أربيت الابن، الله وحده .، الله المستعان.
نعم. أقول: هذه حكمة إلهية.. كون الإنسان يزهد فيه أقرب الناس إليه، وأيضا التبين معه له دور؛ يعني: أنت هل يستوي في نفسك وعندك قيمة شخص تراه على كل وضع قائم جالس نائم، في ثياب بدون ثياب، أحيانا يصير على أوضاع مهينة؛ لكنه بين أولاده، لا شك أن هيبته أقل، وشخص لا يراه إلا على أكمل حال، فتجد تنزل قيمته. نعم؛ فلهذا.. أولا: لئلا يظن أنه هو الذي علم ولده، لا لا الأنبياء ما استطاعوا أن يهدوا أولادهم. نعم، أيضا كونه يرى أباه أو قريبه أو جاره على أوضاع مختلفة تحط من هيبته، بخلاف البعيد، هذه -أيضا- لها دور.
فرواية الابن عن أبيه عن جده بالنسبة لعموم الروايات قليل، ورواية البنت عن أمها عن جدتها أقل؛ لأن العلم في النساء أقل، وإذا وجد في الأسرة امرأة واحدة في الأسرة بكاملها، قد لا تجد ثاني فضلا عن كونها بنت هذه المرأة، ثم البنت تروي عنها بنتها، وهكذا؛ ولذا قال:
....................................
........... وَذَا النَّوعِ قَلِيلِ الجدة
يعني: الوجود. نعم.(1/366)
رواية الأقران والمدبج
وما روى القرين عن قرينه
شريكه في شيخه وسنه
مثل الصحابي عن صحابي نما
كذاك من بعد فأقران سما
فإن روى عنه وذا عنه روى
فذا مدبج وأقران حوى
وإخوة والأخوات فليعد
لا سيما عند اجتماع في سند
نعم. عندنا رواية الأقران، والمراد بالأقران: الرواة المتشابهون في السن والأخذ، بمعنى: أنهم يكونون من طبقة واحدة، فهؤلاء هم الأقران. وقد يكون قرينا له في السن دون الأخذ، وقد يكون قرينا له في الأخذ دون السن؛ لكن إذا اجتمع السن والأخذ أولى ما يقال في تعريف القرين.
فإذا روى أحدهما عن الآخر فهي رواية الأقران، ثم إن روى الثاني عن الأول؛ روى القرين؛ زيد وعمرو قرينان، إن روى زيد عن عمرو فقط رواية أقران، إن روى عمرو عن زيد فقط هما رواية أقران؛ لكن إذا روى زيد عن عمرو وعمرو عن زيد فهذا المدبج، هذا يسمونه أيش؟ المدبج، من دباجتي الوجه. نعم. من دباجتي الوجه؛ لأن جهة اليمنى نظير جهة الوسطى.
وما روى القرين عن قرينه
شريكه في شيخه وسنه
يعني: في الأخذ والسن.
مثل الصحابي عن صحابي نما
....................................
يعني: أبو هريرة يروي عن عائشة، وعائشة تروي عن أبي هريرة، ابن عمر يروي عن جابر، وجابر يروي عن ابن عمر.
مثل الصحابي عن صحابي نما
كذاك من بعد فأقران سما
يعني: إذا روى أحدهما عن الآخر من غير عكس هذه رواية الأقران.
فإن روى عنه وذا عنه روى
....................................
- يعني: كل واحد روى عن الثاني-
....................................
فذا مدبج وأقران حوى
المدبج يحوي رواية الأقران، التدبيج رواية أقران؛ لكن لا يمكن لراوية الأقران من غير أن يروي الثاني عن الأول مدبج. نعم.(1/367)
رواية الإخوة والأخوات، وفيه كتاب مصنف لأبي داود وغيره، كتب، كل هذه الأنوار وهذه اللطائف فيها كتب لأهل الحديث، يؤلفون في كل باب من أبواب علوم الحديث، وما من باب من أبواب علوم الحديث إلا وقد ألف فيه الخطيب البغدادي كتابا؛ حتى قال أبو بكر بن نقطة: كل من جاء بعد الخطيب. نعم، كل من أنصف. نعم، كل من أنصف علم أن من جاء بعد الخطيب من المحدثين عيال عليه. بلا شك عالة على الخطيب؛ ومع ذلك نجد من يقع فيه، وأنه أساء إلى علم الحديث، أدخل خلط بين علوم الحديث وأصول الفقه، هذه إساءة، طالب العلم بحاجة إلى العلمين معا. نعم. أصول الفقه دخله شيء من قواعد علم الكلام؛ لكنه ما ضر، لا شك أن علم الكلام مذموم؛ لكن وجبت ونفعت وفيها علم الكلام، فنأخذ منها ما نحتاجه، وما لا نحتاجه إن كان فيه مخالفة لما تقرر بيننا في الدين نعلق عليه، يقال: هذه مخالفة.
ثم الكلام والدعاوى التي تردد بنبذ كتب أصول الفقه؛ لأن فيها علم الكلام، من أين تتعلم يا أخي؟! وتبعا لذلك نادى بنبذ كتب المصطلح؛ لأنها تأثرت بالأصول. طيب المرحلة الثالثة أيش يصير؟! أيش يتوقع المرحة الثالثة؟! يخشى أن المسألة تتسلسل؛ لكن يستفاد من كتب الأصول على ما فيها، يستفاد من شروح الحديث على ما فيه، يستفاد من تفاسير القرآن على ما فيه؛ لكن ينبغي لأهل الحق أن يبينوا، يقال: أن هذه المسألة مخالفة. ويعلق على الكتب، ويستفاد منها على ما فيها.
وأخشى أن الدعوى التي تدعو إلى تنقية هذه الكتب من هذه العلوم الثقيلة، أن تفقد حلقة من حلقات التسلسل، إذا جردنا كتب الأصول -مثلا- من بعض المسائل الكلامية التي يستفاد منها الربط بين هذه المسألة والأخرى.
أحيانا كتب شيخ الإسلام أحيانا لا نستطيع أن نفهم كثيرا من كلامه؛ إلا إذا قرأنا في علم الكلام؛ ولذلك الموفق ابن قدامة أدخل مقدمة منطقية جعلها مدرج إلى علم الأصول ومدخل إليه؛ لأن كثيرا من القضايا الأصولية تحتاج إلى علم الكلام.(1/368)
وعلى كل حال.. علم الكلام مذموم، وهو مطية كثير من المبتدعة؛ لكن يبقى من معالم الأصول، طالب العلم أن يكون نبيها مميزا، وعلى العلماء أن يبينوا وينشروا هذه الكتب، ويعلقوا على ما فيها من مخالفات؛ لأن إذا جردنا علم الأصول من المسائل الكلامية والمنطقية قد نحتاج قد يعسر علينا فهم بعض القضايا، إذا كانت الدعوى التي تقول: تجرد كتب السيرة من الأخبار الضعيفة. طيب أنت تقرأ في بعض هذه الكتب التي بالفعل جردت، واقتصر على الصحيح، صحيح السيرة النبوية -مثلا-، يعني: أنت أحيانا تنتقل نقلة غريبة في الخبر؛ لأن هناك حلقة مفقودة لا يمكن أن يكون التسلسل الزمني إلا بها؛ ومع ذلك لا يعلق عليها، ولا يترتب عليها حكم، ولا شيء؛ إنما لتسلسل الأفكار . الدلالة.
رِوَايَةُ الْإِخْوَةِ عَنْ بَعْضِهِم
وإخوة والأخوات فليعد
....................................
إخوة وأخوات، فلانة عن أختها، أسماء عن عائشة، نعم. عائشة عن أسماء إخوة، يوجد في الصحابة من الإخوة، يوجد فيهم الاثنان، ويوجد الثلاثة من الإخوة كلهم لهم رواية، ويوجد الأربعة من الإخوة، يوجد الخمسة من الإخوة وكلهم لهم رواية، ويوجد ستة من الإخوة في التابعين، ويوجد سبعة، النعمان بن مقرن وإخوته سبعة كلهم إخوة.
فطالب العلم إذا عرف هذه الأمور لا يختلط عليه الأمر. نعم؛ لئلا يظن الأخ ليس بأخ، وغير الأخ يظنه أخا، قد يكون من كتب الرجال تكشف؛ لكن إن اتحد الاسم، فيه المتفق والمفترق -مثلا-، إنك تعرف إن فلان يروي عن أخيه زال الإشكال عنك.
وإخوة والأخوات فليعد
لا سيما عند اجتماع في سند
إذا اجتمعوا.. كل أخ يروي عن أخيه، والأخت تروي عن أختها، فلا يحتاج إليه. نعم.
المسلسل
هَذَا وَمن أَلْطَفهَا المُسَلْسَلُ
وَهْوَ الَّذِي بِصِفَةٍ يَتَّصِلُ
نَحْوُ اتَّفَاقِ الاسْمِ فِي الرُّوَاةِ
أَوْ فِي انْتِسَابِهِمْ أَوِ الصَّفَاتِ
أَوْ باتَّفَاقِ صِيغَةِ التَّحمُّلِ(1/369)
أّوْ زَمَنٍ أَوْ بِمَكَانٍ فَاعْقِلِ
أَوْ صِفَةٍ قَارَنَتِ الأَدَا مَعَا
مِنْ قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ كَذَا إِنْ جُمِعَا
وَأَفْضَلُ المُسَلْسَلاَتِ مَا أَتى
بِصِيغَةٍ تَحْوِي اتَّصاَلاً ثَبَتَا
وَقَدْ يَعُمُّ السَّنَدَ التَّسَلْسُلُ
وَتَارَةً أَثْنَاؤُهُ قَدْ يَحْصُلُ
طيب، هذا المسلسل نوع من أنواع علوم الحديث، نوع طريف، وألف في الأحاديث المسلسلة مؤلفات، والذي يغلب عليها الضعف؛ لأنهم يحرصون على ما يستمر فيه التسلسل.
والتسلسل: الاتفاق بين الرواة في صفة قولية أو فعلية؛ كأن يتسلسل السند من محمدين -مثلا-، كل الرواة محمد عن محمد عن محمد بن فلان، أو بالشاميين -مثلا-، أو بالمصريين، أو تتسلسل صيغة الأداء.. حدثنا فلان، قال حدثنا فلان، قال حدثنا فلان، إلى آخره، أو أخبرنا فلان، إلى آخره، أو بالعنعنة في التسلسل.
المقصود.. أنهم يتفقون على وصف قولي أو فعلي، قد يتسلسل بفعل.. حدثني فلان فتبسم، قال حدثني فلان فتبسم، قال حدثني فلان فتبسم، أو قال حدثني فلان ثم قبض لحيته، قال: حدثني فلان ثم قبض لحيته، وهكذا. أو يتفقون على قول: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال حدثني فلان، والحديث مسلسل بالأولية، وما زال يتسلسل بالأولية إلى يومنا هذا؛ لكنه ينقطع عند سفيان، انقطع عند سفيان بن عيينة، لا يتسلسل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يتسلسل حديث : لا يجد أحدكم حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر فيقول: آمنت بالقدر. حتى يؤمن بالقدر فيقول كل راوي من الرواة بدءًا من النبي -عليه الصلاة والسلام-: آمنت بالقدر، خيره وشره، حلوه ومره هذا مسلسل.
هَذَا وَمن أَلْطَفهَا المُسَلْسَلُ
وَهْوَ الَّذِي بِصِفَةٍ يَتَّصِلُ
"بصفة" وصف يجتمع عليه جميع الرواة؛ وصف قولي أو فعلي.
نَحْوُ اتَّفَاقِ الاسْمِ فِي الرُّوَاةِ
....................................(1/370)
حدثني محمد بن فلان قال حدثني محمد بن فلان. يتفقون في الاسم كلهم.
"أو في انتسابهم" فلان الشامي قال حدثني فلان الشامي قال حدثني فلان. وتجدون في الشروح من لطائف الإسناد.. أن الرواة كلهم مدنيون. نعم، الرواة كلهم شاميون، الرواة كلهم مصريون، وهكذا.
" أو في انتسابهم أو في الصفات" في صفاتهم، فلان الطويل قال حدثني فلان الطويل قال حدثني فلان إلى آخره.
" أو باتفاق صيغة التحمل" حدثنا قال حدثنا قال حدثنا إلى آخره، صيغة الأداء بأن تكون طريقة التحمل السماع؛ كل واحد سمعه ممن فوقه، وأدى بلفظ التحديث أو السماع، قال سمعت قال سمعت.
"أو باتفاق صيغة التحمل أو زمنه" يشتركون في الزمن، يعني: تكون الرواية في زمن واحد، اشمعنا زمن واحد؟ يشترك فيه الجميع، مثلا حديث في الزمن -مثلا- ما يذكر بهذا الحديث؛ فمثلا قد يغفل الإنسان عن رواية حديث: إذا اشتد الحر فأبردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم متى يتذكر هذا الحديث؟ في الصيف، فأنت رويته عن شيخك في الصيف؛ لأنه ذكره لك في الصيف، شيخه رواه لتلميذه في الصيف؛ لأن الاتفاق في الزمن.
"أو زمن أو بمكان فاعقل" بمكان، فالمناسبات التي تذكر بالخبر؛ سواء كانت زمنية أو مكانية، فمثلا إذا رأيت الحجر الأسود تذكرت الحجر الأسود ليش؟ من . رآه شيخه قبله مع شيخه فحدثه به، وهكذا، فالأزمنة والأمكنة لها أثر في التحديث.
"أو زمن أو بمكان فاعقل" مثل استجابة الدعاء بالملتزم، "أو مكان فاعقل".
أَوْ صِفَةٍ قَارَنَتِ الأَدَا مَعَا
مِنْ قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ كَذَا إِنْ جُمِعَا
"من قول" مثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: إني أحبك، فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة... إلى آخر الحديث، ثم معاذ قاله لمن روى عنه، ثم التابعي قاله من بعده إلى يومنا هذا، وهو يروى بهذه الصيغة.
"من قول أو فعل" كقبض اللحية -مثلا- أو "جمعا "، قبض اللحية مع قوله: آمنت بالقدر نعم.(1/371)
" وَأَفْضَلُ المُسَلْسَلاَتِ مَا أَتى" نعرف أن الحرص على التسلسل قد يضطر الراوي أن يطلبه عن غير ثقة، قد لا يجد -مثلا- المسلسل من طريق ثقة، وأنت تضطر أن تثبت التسلسل تبحث عن التسلسل بأي وسيلة؛ ولو كان بغير ثقة؛ لذا الغالب على المسلسلات.. إما أن ينقطع التسلسل، أو يستمر بضعفه.
وَأَفْضَلُ المُسَلْسَلاَتِ مَا أَتى
بِصِيغَةٍ تَحْوِي اتَّصاَلاً ثَبَتَا
ما جعل اتصال في التحديث، التحديث أو السماع، أو ما يدل على أن الحديث ضبط، ما يدل يكون هناك قرينة من خلال الإسناد قولية أو فعلية تدل على أنهم ضبطوا، هؤلاء الرواة ضبطوا الحديث.
وَأَفْضَلُ المُسَلْسَلاَتِ مَا أَتى
بِصِيغَةٍ تَحْوِي اتَّصاَلاً ثَبَتَا
وَقَدْ يَعُمُّ السَّنَدَ التَّسَلْسُلُ
....................................
يعني: من أوله من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا.
....................................
وَتَارَةً أَثْنَاؤُهُ قَدْ يَحْصُلُ
مثل: حديث المسلسل بالأولين: الراحمون يرحمهم الرحمن يعنى: من سفيان إلى يومنا مسلسل؛ لكن قبل ذلك لم يحصل تسلسله، نعم. يروى بطرق غير ثابتة بتسلسل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. نعم؛ لكنه، لا يثبت؛ بل ينقطع التسلسل عند سفيان. والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طرق التحمل وصيغ الأدا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وَصِيَغُ الأَدَا ثَمَانٌ فَاعْتَنِ
سَمِعْتُهُ حَدَّثَنِي أَخْبَرَنِي
قَرَأْتُهُ قُرِيْ عَلَيْهِ وَأَنَا
أَسْمَعُ ثَمْ أَنْبَأنِي وَالْجَمْعُ نَا
وَرِمَِزُوا (ثنا) إِلَى حَدَّثَنَا
وَ(نَا) وَبِالَهمْزِ إِلَى أَخْبَرَنَا(1/372)
وَعَنْ عَلى السَّمَاعِ مِمَّنْ عَاصَرا
مِنْ مُدَلِّسٍ فَلَنْ تُعْتَبَرا
وَاشْتَرَط الْجُعْفِي لُقِيّاً يُعْلَمُ
وَشَيخُهُ وَرَدَّ ذَاكَ مُسْلِمُ
ثُمَّ إِجَازَةٌ مَعَ الْمُنَاولَهْ
أَوْ دُونَهَا كِتَابَةٌ أَوْ قَاوَلَهْ
وَإِنَّمَا تَعْتَبَرُ الإِجَازَهْ
إِنْ عَيَّنَ الشَّخْصَ الَّذِي أَجَازَهْ
أَمَّا عُمُوماً أَوْ لِمَنْ لَمْ يُوجَدِ
تَوَسُّعاً فَلَيْسَ بِالْمُعْتَمَدِ
وَالْخُلْفُ فِي مُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَهْ
كَذَاكَ فِي الإِعْلامِ والإِيْصَاءِ لَهْ
كذا وجادة ومنعها أصح
إلا إذا الإذن بأن يرويه صح
وَحَذَفُوا قَالَ بِصِيغَةِ الأَدَا
كِتَابَةً وَلْيَتْلُها مَنْ سَرَدَا
وَكَتَبُوا الْحَاء لِتَحْوِيلِ السَّنَدْ
ولْفُظْ بِهَا إِذَا قَرَأْتَ دُونَ مَدْ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الرواية لها طرفان. رواية الأخبار لها طرفان، هما: التحمل، والأداء.
فالتحمل: حفظ الأحاديث عن الشيوخ.
والأداء: رواية الأحاديث للتلاميذ.
فالشخص يتصف بالوصفين، يتحمل عن شيوخه، ويؤدي إلى تلاميذه. يتحمل الحديث عن شيوخه، ويؤديه إلى من يأخذ عنه.(1/373)
والشيخ -رحمه الله تعالى- قال: "صيغ الأداء ثمان"، والمراد بذلك: التحمل، لا الأداء. يعني: طرق التحمل ثمان، أما صيغ الأداء لا تقتصر على ثمان، ولو جمعنا صيغ الأداء: " سمعت، وحدثني، أخبرني، أنبأنا، عن فلان، قال فلان، أن فلانا قال"، صيغ كثيرة لا تعد؛ بالإفراد بالجمع، فيه صيغ نادرة جدا للأداء، وقد يؤدي الراوي بدون صيغة؛ فلان ابن فلان، بس، كما يقول النسائي: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع. قرئ فلان، أجازنا فلان، ناولني فلان، كتب إلي فلان، إذن.. صيغ الأداء لا تحد، كثيرة جدا. هناك صيغة للأداء موجودة في صحيح مسلم قد لا يعرفها كثير من طلاب العلم، في حديث الفتن، : العبادة في الهرج كهجرة إلي حدثنا فلان، رده إلى فلان، عن فلان، رده إلى فلان؛ أيش "رده إلى فلان"؟ يعني: هل المقصود حصر الصيغ -صيغ الأداء- في هذا الباب؟ ليس المقصود هذا، والعلماء لا يبحثون في هذا؛ إنما يبحثون طرق التحمل، وما يناسب كل طريقة من صيغ الأداء. صحيح طرق التحمل ثمان؛ لكن الشيخ جاء بصيغ، صيغ للأداء، يقول:
وَصِيَغُ الأَدَا ثَمَانٌ فَاعْتَنِ
سَمِعْتُهُ حَدَّثَنِي أَخْبَرَنِي
قَرَأْتُهُ قُرِيْ عَلَيْهِ وَأَنَا
أَسْمَعُ ثَمْ أَنْبَأنِي وَالْجَمْعُ نَا
إنما يبحث طرق التحمل، وهي السماع، السماع من لفظ الشيخ، وهذا هو الأصل في الرواية، والرواية به جائزة بالإجماع، وهي أقوى من غيرها اتفاقا.
الثاني: القراءة على الشيخ؛ التي يسمونها: العرض. نقل الاتفاق على صحة الرواية بها، وشذ من تشدد من أهل العراق، وقال: لا تقبل الرواية بالعرض؛ لأن الأصل السماع من لفظ الشيخ. وحديث ضمام بن ثعلبة صريح في الرواية بالعرض، والإمام مالك لا يمكن أن يقرأ على أحد أو يسمع أحدا؛ إنما يقرأ عليه. ثم الإجازة، ثم المناولة، ثم المكاتبة، ثم الإعلام، والوصية، والوجادة. ثمان.(1/374)
هذه طرق التحمل، ثم لكل طريقة من هذه الطرق صيغ من صيغ الأداء، فالبحث في كيفية التحمل، ثم الأداء الصيغ ثم ..
الطريق الأول من طرق التحمل: السماع من لفظ الشيخ، يعني: الشيخ يحدث والطلاب يستمعون، هذا هو الأصل في الرواية أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتكلم والصحابة يعيون ما يقول، فيحفظونه، فعمدتهم في ذلك.. السماع منه -عليه الصلاة والسلام-، والرواية من طريق السماع جائزة بالإجماع، لم يخالف فيها أحد، فهي الأصل في الرواية.
من تحمل بطريق السماع له أن يقول: سمعت من فلان. وله أن يقول: حدثني فلان. وله أن يقول: أخبرني فلان. وله أن يقول: عن فلان. وله أن يقول: قال فلان. هو مخير؛ لكن أقوى هذه الصيغ في الدلالة على المطلوب: سمعت فلانا، وحدثنا. ثم يليها: أخبرني. وهذا عند من لا يفرق بين التحديث والإخبار؛ كالبخاري -مثلا- لا فرق عنده بين أن يقول: حدثني أو أخبرني؛ لأنه من حيث المعنى الأصل لا فرق بينهما يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا إذن.. لا فرق بين التحديث والإخبار.
الطريق الثاني من طرق التحمل: القراءة على الشيخ؛ وهو العرض. ولم يخالف في الرواية بالعرض إلا نفر يسير؛ حتى نقل الاتفاق على جواز الرواية بالعرض، ومن أقوى الأدلة: حديث ضمام بن ثعلبة، المخرج في الصحيح؛ حيث عرض على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سمعه من رسوله، فعرض، فروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة بطريق العرض.
والرواية بالقراءة على الشيخ أو العرض اتفق العلماء على صحتها، وهي دون السماع من لفظ الشيخ عند الأكثر، ويرى بعضهم أنه لا فرق بينهما، لا فرق بينهما.(1/375)
ومنهم من يفضل العرض على السماع من لفظ الشيخ، لماذا؟ لأنه، نعم. إذا أخطأ الشيخ، الطالب لم يجرؤ، وقد لا يعرف كيف يرد عليه؛ لكن إذا أخطأ الطالب في القراءة لم يتردد الشيخ في الرد عليه، منهم مالك -رحمه الله- يشتد نكيره على من لا يقتنع بالعرض، ويطلب منه أن يحدثه، فيقول: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث، والقرآن أعظم. تلقي القرآن بالعرض. نعم، والسنة كذلك.
من روى بطريق العرض، إذا قال: قرأت على فلان، أو قرئ عليه وأنا أسمع، هذا هو المطابق للواقع؛ لكن أجاز أهل العلم أن يقول من روى بطريق العرض: حدثني وأخبرني. جازوا له لذلك؛ لكن أهل الاصطلاح الذي استقر عليه الأمر.. أن حدثني خاصة بمن سمع من لفظ الشيخ، وأخبرني بما روي بطريق العرض.(1/376)
لماذا فرقوا بين حدثني وأخبرني؛ والتحديث بمعنى الإخبار؟ يقول: هذا مجرد اصطلاح. ومن أهل العلم من لا يرى فرقا كالبخاري، ومن الكبار من لا يروي إلا بالإخبار؛ سواء سمع أو قرأ؛ كإسحاق بن راهويه؛ حتى قالوا: إن أول من أوجد التفريق بين الصيغتين.. ابن وهب؛ هو أول من أوجد التفريق بين صيغة: حدثنا، وأخبرنا. الذين فرقوا قالوا: إن الإخبار يتوسع فيه أكثر من التحديث، فإذا قرأت على الشيخ وسكت مقرا قراءتك كأنه أخبرك، ودائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، نحن قلنا: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا وإذا قال لك شخص: إن زيدا قد قدم. هل تقول: أخبرني فلان بأن زيدا قد قدم؟ نعم، تقول. هل تقول: حدثني فلان بأن زيدا قد قدم؟ نعم؛ لكن دائرة الإخبار لا شك أنها أوسع من التحديث؛ لأن التحديث يختص بالمشافهة، إذا سمعت مني مباشرة مشافهة. أما الإخبار فيحصل بالمشافهة، ويحصل بالكتابة، ويحصل بالإشارة المفهمة، ويحصل بنصب العلامة، فإذا قال لعبيده: من حدثني بكذا فهو حر. لا يعتق إلا من شافهه بذلك؛ لكن لو قال: من أخبرني بكذا فهو حر. يعتق من شافهه، ومن كتب له، من أشار إليه إشارة مفهمة، إلى آخر ذلك. فدائرة الإخبار أوسع؛ ولذا قالوا: تصلح للعرض.
يقول:
وَصِيَغُ الأَدَا ثَمَانٌ فَاعْتَنِ
سَمِعْتُهُ حَدَّثَنِي أَخْبَرَنِي
قَرَأْتُهُ قُرِيْ عَلَيْهِ وَأَنَا
أَسْمَعُ ثَمْ أَنْبَأنِي وَالْجَمْعُ نَا
منهم من يرى تخصيص الإنباء وهو في الأصل بمعنى: الإخبار عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ . من أيش؟ النَّبَإِ الْعَظِيمِ يعني: الخبر العظيم؛ فالنبأ هو الخبر، فالإنباء هو الإخبار، وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فهما من حيث الأصل متقاربان؛ لكن منهم من خص الإنباء بالإجازة، والإخبار -على هذا المصطلح السابق- بالقراءة على الشيخ التي يرعاه.(1/377)
" ثم أنبأني والجمع نا" أنبأنا، أخبرنا، حدثنا، أيهما أقوى.. أن يقول: حدثنا أو حدثني؟ أولا من يقول: حدثنا. إذا كان الشيخ يلقي وتسمع أنت ومعك غيرك، تقول: حدثنا، وإذا كنت بمفردك قلت: حدثني. نعم، تقول: حدثني. طيب، بعد عشرين، ثلاثين سنة تريد أن تروي عن الشيخ، ولا تدري هل حضر معك أحد أو لم يحضر، ما . نسيت، ماذا تقول؟ تقول: حدثنا أو حدثني؟ حدثني؛ لأنك كنت متأكد من وجودك، شاك في وجود غيرك، نعم، فتفرد. منهم من يقول: لا، تقول: حدثنا، لماذا؟ ما يلزم له؛ لأن .. منهم من يقول: حدثنا، هم يقولون: إن "حدثني" يعني: إن الطالب مقصود بالتحديث، مقصود بالتحديث من قبل الشيخ، فهي أقوى من "حدثنا"، فإذا شككت تأتي بالأقوى أو بالأضعف؟ الأضعف المؤكد، نعم. والأقوى مشكوك فيه، هل هو الحاصل أو لا؟ فتأتي بالأضعف، فتأتي بالجمع. لما تقول -مثلا-، تروي عن شيخ كبير جدا -مثلا- تقول: حدثني. أيش تعني بهذا؟ تعني: أنه خصك بهذا التحديث؛ لكن ما يمنع أنه في يوم كنت مع غيرك من بعض الكبار -مثلا- يحدثهم الشيخ، تقول: حدثنا. يعني: كونه يخصك بالحديث هذا فيه نوع تزكية لك، على حسب قدر المحدث هذا، نعم. فأنت لا تأتي بهذا إذا شككت؛ بل تأتي بالأضعف.
وعلى كل حال.. سواء أفرد أو جمعت، الصيغة صريحة في أنك سمعت من لفظ الشيخ.
" وَرِمَِزُوا (ثنا) إِلَى حَدَّثَنَا" . يختصرون الصيغ؛ صيغ الأداء تختصر، فحدثنا يختصرونها بـ" ثنا"، وقد يقتصرون على النون مع الألف "نا" وجد؛ لكنه نادر "دثنا" أيش حذف؟ حذف الحاء، نعم. " دثنا"؛ لكن " ثنا" هذه كثير، و "نا " أيضا كثيرة. ويختصرون أخبرنا بـ "أنا" الهمزة مع "نا" الأخيرة.
"وبالهمز إلى أخبرنا". "وَ (نَا) وَبِالَهمْزِ إِلَى أَخْبَرَنَا"
السند المعنعن حكمه:
وَعَنْ عَلى السَّمَاعِ مِمَّنْ عَاصَرا
.........................................
"وعن" محمول على السماع.
...................... مِمَّنْ عَاصَرا(1/378)
مِنْ مُدَلِّسٍ فَلَنْ تُعْتَبَرا
يشترط أهل العلم لحمل "عن" على السماع والاتصال، يشترطون شرطين:
الأول: المعاصرة على رأي الإمام مسلم، أو اللقاء عند البخاري -كما يذكر الشيخ-.
الأمر الثاني: الأمن من التدليس؛ ألا يكون المعنعن معروف بالتدليس، فإذا توافر الشرطان حملت على الاتصال.
وصححوا وصلا معنعن سلم
من جلسة راويه واللقا علم
...................... مِمَّنْ عَاصَرا
مِنْ مُدَلِّسٍ فَلَنْ تُعْتَبَرا
المدلس لا بد أن يصرح بالتحديث أو بالسماع -كما سبق-.
"واشترط الجعفي" الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
اشترط لُقْيَا حلوقيا يُعلم اشترط اللقاء، وشيخه علي بن المديني.
"وَرَدَّ ذَاكَ مُسْلِمُ"
هذه المسالة -مسألة اشترط اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة- الذي كثر فيه الكلام جدا بين المتقدمين والمتأخرين.
الإمام البخاري لم يصرح بأنه اشترط هذا الشرط، ولا علي بن المديني؛ لكن استفاض النقل عند أهل العلم عنهما بذلك، ومسلم رد هذا القول، ونسبه إلى مبتدع يريد رد السنة، وشدد وشنع على من يقول به؛ حتى قال بعضهم: من أجل الدفاع عن البخاري وعلي بن المديني أن لا يوصفا بهذه الأوصاف التي ذكرها مسلم، نفى أن يكون البخاري يقول بشتراط اللقاء، ونفى أن يقول علي بن المديني يقول بالاشترط؛ لأنه يستحيل أن يكون مسلم لا يعرف أن هذا شرط البخاري، أو هذا شرط علي بن المديني، ويستحيل -أيضا- أن يصف البخاري أو علي بن المديني بهذه الأوصاف الشنيعة، ألفاظ لا يقولها شخص في أدنى متعلم فضلا عن أئمة هذا الشأن. هذا الذي جعل بعض الناس يستروح ويميل إلى أن البخاري لا يقول بشتراط اللقاء؛ لأنه لا يقول بما خفي على تلميذه وخريجه مسلم، وإذا علم مسلم فلن يرميه بهذه الألفاظ.(1/379)
نقول: اشتراط اللقاء الذي استفاض نقله عن البخاري هو اللائق بتحريه وتثبته واحتياطه، هو اللائق به، ونقله أهل العلم، وتناقلوه من غير نكير. وأُلف في المسألة كتب؛ أبو الرشيد وهو أفضل من كتب في الباب، له مصنف كبير في "السند الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن"، يعني: البخاري ومسلم، كلهم نقلوا عن البخاري هذا القول، ثم يأتي من يأتي في العصور المتأخرة من ينفي أن يكون هذا اشتراط البخاري، يعني: من قرأ كلام الإمام مسلم قد يستروح إلى هذا القول ويميل إليه؛ لأنه يستحيل أن يخفى قول البخاري على مسلم، ويستحيل أنه إذا ثبت أن هذا قوله أن يقول مثل هذا الكلام، حجة قوية، نعم.
مسلم -رحمه الله تعالى- قد يوجد أحاديث لا تروى إلا معنعنة، واتفق على صحتها، وذكر ثلاثة أمثلة، لا تروى إلا منعنة هذه الأحاديث، ذكر منها أمثلة ثلاثة، والغريب أنها مروية في صحيحه بصيغة التحديث، "صحيح مسلم".
إذاً.. كيف نستسيغ أن يرد الإمام مسلم على البخاري بهذه القوة؟! أو خفي عليه مذهبه؟! هل نقول: خفي عليه مذهبه؟ ما خفي عليه. يرد عليه بهذه القوة؟!
نقول: لا يا أخي.. الإمام مسلم يرد على المبتدع، ما يرد على البخاري. كيف يرد على المبتدع، والبخاري إمام الصنعة، وقد قال به؟! نقول: نعم، يرد على المبتدع، كيف؟! هذا المبتدع يريد أن يوظف كلام البخاري لنصر بدعته ورد السنة. الإمام البخاري محتاط، متحري، هذا المبتدع الذي يريد أن يوظف احتياط البخاري لرد السنة؛ بحيث لو ألقي عليه أي حديث، قال: لا، ما ثبت اللقاء. يرد عليه.(1/380)
المعتزلة الذين قالوا: إنه لا يقبل خبر الواحد، لا بد أن يكون الخبر عن طريق اثنين؛ يحتجون بأي شيء؟ عندهم أدلة ولّا ما عندهم؟ عندهم؛ فعل عمر -رضي الله عنه- لما رد خبر أبي موسى في الاستئذان، قال: لا بد أن يشهد معك واحد. هذا دليل للمعتزلة؛ فيوظفون مثل هذا التحري والاحتياط في نصر بدعهم، فإذا رددنا على الجبائي -مثلا-، أو على أبي الحسين البصري في ردهم خبر الواحد؛ حتى يشهد معه غيره، هل نحن نرد على عمر بن الخطاب ولا نرد على المعتزلة؟! نرد على المعتزلة، ما نرد على أصحاب التحري والتثبت. لا يا أخي! لا بد أن ننتبه لهذا، لا بد أن ننتبه لهذا.
فاشترط اللقاء هو اللائق بتحري البخاري وتثبته، نعم. صحح أحاديث خارج الصحيح.
أجاز يجيز إجازة وأصلها إجوازة، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فهو إجْوازة؛ حتى قالوا: تحركت الواو وتوهم انفتاح ما قبلها، فقلبت ألفا، ثم اجتمع عندنا مثلان ساكنان فحذفت إحداهما إما الأصلية على قول، أو المنقلبة على قول؛ فصارت إجازة.(1/381)
الإجازة: هي الإذن بالرواية. وهي أمر حادث، لا يعرف عند الصحابة والتابعين؛ إنما احتيج إليها لما كثر الطلاب، وكثرة المصنفات، وتفرقوا. يعني: كيف تصور رواية الكتب مع منع الإجازة الآن؟ إذا قلنا: ما فيه إلا قراءة ولا عرض، كيف تتصور رواية الكتب الآن؟ وقبل ذلك لما دونت الأحاديث؛ يعني: أنت بتجلس، صاحب الرواية هذه يجلس فإذا جاءه طالب قال: أنا أريد أن أروي عنك البخاري، قال: اسمعه مني، أو اقرأه علي. ثم لما قرأ منه مجلدا جاء ثانيا طيب أروي عنك البخاري، ثم ترجع من أول، ولّا تكمل هذا وتكمله فيما بعد؟ ثم يجي ثالثا بمجلد، ثم يجي رابعا، وهكذا، فضلا عن مئات وألوف؛ إنما أجيزت للحاجة، والضرورة الداعية إلى ذلك؛ وإلا فالأصل.. أنها ليست لا بسماع ولا عرض؛ كيف تأذن لشخص يروي عنك ما سمع منك ولا قرأت عليه؟! نعم؛ ولذا.. منع بعضهم الرواية بالإجازة، وقال: إن من قال لغيره: أذنت لك أن تروي عني ما لم تسمعه مني كأنه قال: أذنت لك أن تكذب علي. واضح ولّا ما واضح؟ نعم، يعني: لو تقوله توكلك واحد تقول أي شيء تشوفه؛ عقود تبرم، نعم. تراك المكان يشهد عليك، أنت ثقة، إن شاء الله أنت ثقة، يسوغ هذا ولّا ما يسوغ؟ إذن.. أي حديث تريد روايته من هذا الكتاب أرويه عني، أذنت لك أن تروي عني، قلت: ما سمعته من لفظي ولا قرأته علي.
لا شك أن هذا خلاف الأصل؛ لكن الضرورة أوجدت مثل هذا التجويز منه، ومنهم من يقول: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة. ما يحتاج لا تروح يمين ولا يسار، المسألة بس أذنت لك أن تروي عني أن يكتب كله وخلاص ينتهي الإشكال. ما تحتاج ترحل ولا تروح؛ لكن الضرورة الملحة لبقاء خصيصة هذه الأمة؛ يعني: الرواية بالأسانيد المتصلة من خصائص هذه الأمة، لا توجد في غيرها، فلو لم تبح الإجازة كيف تصحح الرواية؟! . القطع، لانقطعت الرواية، تنقطع الرواية، وهذه من خصائص هذه الأمة؛ فأجازوا الإجازة لهذا السبب.
ثُمَّ إِجَازَةٌ مَعَ الْمُنَاولَهْ(1/382)
أَوْ دُونَهَا كِتَابَةٌ أَوْ قَاوَلَهْ
المناولة: أن تناول الطالب الكتاب؛ الشيخ يناول الطالب الكتاب، ويقول: هذا من مروياتي. هذه مناولة، فإن قال: فاروها عني. صارت مناولة مقرونة بالإجازة، وهي أقوى من الإجازة المجردة؛ لكن إن خلت عن الإجازة: هذا الكتاب من مروياتي. تغير. إن خلت عن الإذن بالرواية -يعني- أعطاه إياه ففيها خلاف؛ ولذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وَالْخُلْفُ فِي مُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَهْ" يعني: المناولة المجردة عن الإجازة فيها خلاف.
والحافظ العراقي يقول - رحمه الله تعالى-:
وإن خلت عن إذن المناولة
قيل تصح والأصح باطلة
الأصل.. التساهل بالرواية إلى هذا الحد ضعيف، ثم يزداد ضعفا بهذا التساهل.
"أَوْ دُونَهَا كِتَابَةٌ" يعني: يكتب له بالأذن، أو يقول له مقاولة كذا يقول: فاروِ عني.
وَإِنَّمَا تَعْتَبَرُ الإِجَازَهْ
إِنْ عَيَّنَ الشَّخْصَ الَّذِي أَجَازَهْ
"عين الشخص الذي أجازه" طيب، بأن يقول: أذنت لفلان بن فلان الفلاني أن يروي عني كتاب كذا؛ صحيح البخاري -مثلا-، هذا تعيين للمجاز والمجاز به.
الجمهور الذين أجازوا الإجازة لا يختلفون في هذا النوع؛ لكن إن عمم إما عموما؛ بأن أجاز لجميع المسلمين، أو أجاز لمن قال: لا إله إلا الله، أو لأهل الإقليم الفلاني، لا شك أن في أصلها ضعف، وتزداد ضعفا بمثل هذا التوسع، وإن أجاز بعض الكبار بهذا الأسلوب، هذا بالنسبة للعموم.
الإبهام يبطل الإجازة، لو قال: أجزت بعض الناس، أو قال: أجزت فلان بن فلان الفلاني بعض مسموعاتي، أو بعض مروياتي، هذا يبطل الإجازة. أو قال: أجزت لفلان بن فلان كتاب السنن، أن يروي عني كتاب السنن؛ سنن أيش؟ هو يروي سنن أبي داود، وسنن الترمذي، سنن ابن ماجه، سنن الدارقطني، سنن النسائي، سنن البيهقي؛ أي سنن، فتبطل بمثل هذا الإبهام.
............. أَوْ لِمَنْ لَمْ يُوجَدِ
تَوَسُّعاً فَلَيْسَ بِالْمُعْتَمَدِ(1/383)
أجزت لمن يولد لفلان. لا شك أن هذا توسع غير مرضي، ولا يصح؛ لأنه معدوم. منهم من يتسامح في المعدوم إذا عطف على موجود، إذا قال: أجزت لفلان ولمن يولد لفلان، ولمن يولد له. أجاز بعض العلماء؛ لكن نستصحب أن الإجازة في أصلها ضعف، أصل تجويز الإجازة فيه ضعف، وأجيز لحاجة ماسة والضرورة، والتوسع بها إلى هذا الحد يزيدها ضعفا؛ ولذا.. يختار ابن عبد البر أن الإجازة لا تجوز إلا لماهر بالصناعة. يعني: أن تطلع إلى أن هذا بالفعل طالب علم يستحق الإجازة؛ متميز عن غيره، وأنت على ثقة منه، ومن علمه بهذه الكتب التي تجيز روايتها له، أنه كأنه قرأها .؛ لكن تجيز شخص لاحتمال لو قرأ عليك حديث واحد ما استقام ولا كلمة منه تجيزه؛ فضلا عن كونك تجيز جميع الناس، ولمن قال: لا إله إلا الله، أو لمن سيولد لفلان، فكله توسع غير مرضي، مثل ما ذكرنا هي ضعيفة وتزداد ضعفا بمثل هذا التوسع، ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- شرطه قوي فيها، وإذا أجيزت الإجازة فينبغي أن تكون لمن هذا وصفه، لماهر بالسماع.
توسع المحدثين في إجازاتهم؛ بحيث يجيز العموم، ويعنف المجاز به، يعني: ما أرويه وما سأرويه فهو مجاز بهذا، ما يرويه الآن وما سيرويه، يعنى: فيما يدخل في مروياتي بعد. كأن الدين إذا لم يحصل بهذه الإجازة لضيع، لا يا أخي، شوف أهل القرآن ما تسامحوا، يجيزون؛ لكن ما تسامحوا إلى هذا الحد، لماذا؟ نعم، لا بد من العرض، يعني: عندهم الإجازات مبنية على العرض، ما يكفي أن يقول: أجزت؛ ولو وثق منه، وهكذا ينبغي أن يحتاط للدين؛ لأنه وجد من عنده شيء من هذه الإجازات ممن احتيج إليه فيما بعد، هو ليس بمرضي أصلا، يعني: سلوكه ما هو مرضي، فاحتاج الأخيار إلى ما عنده من الإجازة، كل سبب هذا التوسع في مثل هذا، فعلى الإنسان أن يحتاط، فإذا حصل على شيء من الإجازات فلا يجيز إلا لمن يثق بعلمه؛ لأنه ينتسب إليك.(1/384)
"وَالْخُلْفُ فِي مُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَهْ " يعنى: المناولة المجردة عن الإجازة، يأخذ الكتاب من مروي، يقول: خذ يا فلان، يناوله الكتاب.
والمناولة -أيضا- أنواع: منها ما يكون بالتمليك: خذه لك، ومنها ما يكون بالإعارة: خذ هذا الكتاب لمدة شهر، ومنها ما يكون بالإجارة: خذ هذا الكتاب كل يوم بدرهم، ومنها ما يكون بالمناولة؛ مع عدم التمكين من النسخة، هذا النوع يذكرونه، يقول: خذ هذا الكتاب من مروياتي إذا استقر به أخذه منه، هذا إن كان مقرونا بإذن الإجازة فالمعول على الإجازة لا على المناولة، وإن كانت مناولة بهذه الطريقة بدون إجازة فلا شك في بطلانها؛ لكن ما الفرق بين أن يقول: اروِ عني صحيح البخاري، أو يقول: خذ يا أخي هذا صحيح البخاري فروه عني ثم يأخذ من النسخة؟ أيش فرق بينها وبينا الإجازة المجردة بدون مناولة؟ يقول: لا شك أن لها مزية هذه، أقل الأحوال أن تطلع على الكتاب، اطلع ولو إجماليا، هو في يدك تنظر فيه أسهل من كونه في الهواء، وعلى كل حال.. مثل ما ذكرنا كل هذا توسع.
وَالْخُلْفُ فِي مُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَهْ
كَذَاكَ فِي الإِعْلامِ والإِيْصَاءِ لَهْ
"في الإعلام" يعني: عندنا السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ، الإجازة، المناولة. عندنا الإعلام والوصية.
الإعلام: تأتي إلى الطالب أو يأتي إليك وتخبره مجرد إخبار أنك تروي صحيح البخاري بالإسناد المتصل. هل يجوز لهذا الطالب أن يروي عنك صحيح البخاري بمجرد هذا الإعلام؟ قال بعضهم: أيش فائدة الخبر؟ بل حتى الرواية أصلها مجرد إخبار، يعني: بدلا من أن يخبره بكل حديث، حديث أخبره إخبارا إجماليا، فيروي عنه رواية إجمالية مثل الإجازة.
وقال بعضهم: لا، كونك تسمع منه، أو يسمع منك بالقراءة حديثا حديثا، يسوغ لك أن تروي عنه؛ لكن إذا قال: إني أروي صحيح البخاري، ولا أذن لك بالرواية عنه. هذا لا يكفي؛ ولذا.. مجرد الإعلام طريق ضعيف لا يعتبر ولا يعتد به عند الجمهور.(1/385)
"والإيصاء له" الإيصاء له: يعني: المحدث عند موته يوصي بكتبه إلى فلان، فإذا مات يستلمها فلان من الورثة، يحدث بها عن الشيخ، كلما يحدث بمجرد الوصية، نعم، ما في علم، قال: كتبي هذه إذا مت من هنا، بدون إذن، يعني: شو الفرق بين هذا وبين أن يشتريها لو قصاده؟ يحرج عليها، كم نقول، كم نقول، رسيت على فلان اشترى، يجوز له أن يروي ولّا ما يجوز؟ لا يجوز له أن يروي؛ إلا بإذن؛ ولذا.. الرواية بالوصية ضعيفة، وإن روى بها بعضهم؛ لكنها ضعيفة عند جماهير أهل العلم. "كذاك بالإعلام والإيصاء له".
كذا وجادة ومنعها أصح
إلا إذا الإذن بأن يرويه صح
إذاً.. عندنا انتهينا من كم من طرق التحمل؟ ستة: السماع، والعرض، والإجازة، والمناولة، والإعلام، والوصية. والسابع: الوجادة. والثامن: المكاتبة.
الوجادة: أن تجد، أو يجد طالب بخط شيخه الذي لا يشك فيه، لا يساوره فيه أدني شك أن هذا خطه، هل يجوز له أن يروي عنه بهذا، يجوز له أن يروي بمجرد أن وجده بخطه؟ نعم، أهل العلم يقررون أنها منقطعة، كما أنهم -أيضا- يقولون: فيها شوب اتصال، يعني: إذا كانت بين تلميذ وشيخه، يقول: فيها شوب اتصال؛ شوب اتصال؛ لأنه يروي عنه، وهذا خطه الذي لا يشك فيه؛ لكنه لا بد أن يبين، فيقول: وجدت بخط فلان. في المسند أحاديث كثيرة، يقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط ؛ ولو صحت الراوية بمجرد الوجادة لساغ لنا أن نروي عن المتقدمين. إحنا الآن لا نشك في أن هذا خط شيخ الإسلام؛ يعني: من خلال الخبرة، أو خط ابن حجر، أو خط ابن القيم، أو خط فلان وفلان، هل مجرد الوجادة يجعله، يسوغ لنا الرواية؟ نعم، إذا قلت: وجدت بخط فلان، نعم. لك ذلك، تحكي الواقع، فإن كان من شيوخك فهناك شوب اتصال لما بينك وبينه من لقاء ورواية.(1/386)
أما إذا كان من المتقدمين فلا وجه للاتصال، والرواية بالوجادة إذا كانت بلفظ: وجدت؛ شريطة أن لا تشك بأن هذا خطه، تقول: وجدته صحيح. طيب، أنت إذا قلت: وجدت بخط فلان وأنت ثقة، ثم جاء من يدرس الإسناد بعدك، أيش بيحكم على الخبر؟ لأن كل ما يحذر في هذا الباب.. التقليد، تقليد الخطوط، نعم. لأن هناك من يزور الخطوط، يوجد الآن من يكتب مخطوطات، ويكتب عليها تواريخ قديمة؛ بحيث تخفى على أهل الخبرة، التزوير موجود؛ بحيث يبحث عن الورق العتيق، ويكتب بطريقة أو بطريقة الكتابة الموجودة قبل خمسة قرون، يصير خبير بالخطوط، ويبيع بأغلى الأثمان، لا شك أن هذا غش وتزوير، وهذا الذي يخشى منه كما يخشى من تقليد الأصوات.(1/387)
يعني: الناس الآن يعتمدون على الأشرطة، نعم. يعتمدون على الأشرطة، وينقلون عن الشيوخ من خلال سماع الأشرطة؛ لكن شريطة أن لا يساوره أدنى شك من الصوت، فالسماع من الأشرطة وإن كان من لفظ الشيخ إلا أنه حكمه حكم الوجادة، الخلل الذي يتطرق إلى الوجادة ويتطرق إلى الأشرطة؛ فالراوي عن شيخ ما لا بد أن يقول: سمعت من الشريط الفلاني في شرح فلان لكتاب كذا؛ لأنه إذا وجد ما يضاده ويخالفه مما عرف من أقوال الشيخ وفتاويه وأحكامه، نعم. إذا وجد، يتأكد من الشريط، كما أنه يتأكد من الخط. هذه الوجادة: يجد الطالب بخط شيخه الذي لا يشك فيه أحاديث، حديث أو أحاديث أو كتاب كامل، وقل مثل هذا في الحواشي والتعليقات التي تكتب على الكتب؛ يعني: الكتب الخطية يوجد على كثير منها حواشي، ما من عالم ولا طالب علم يقرأ كتاب إلا ويعلق عليه، هذا التعليق ينسب لمن؟ إذا عرف الخط؛ بحيث لا يساور أدنى شك انسب إلى فلان، قل وجدت بخطه الذي لا أشك فيه. وهذا أمر ينبغي التنبه له، يحتاج إلى خبراء في نسبة الكلام والأقوال إلى أصحابها، نحتاج إلى خبير عنده خبرة ومعرفة، وكم من قول نسب إلى غير قائل؛ بناء على ظن ظان أو وهم واهم، فالاهتمام بهذا، والعناية به مهمة. يقول:
كذا وجادة ومنعها أصح
إلا إذا الإذن بأن يرويه صح
يقول: ما وجدته بخطي، أو أي حديث تجده بخطي أو كتاب فروه عني، نعم. هنا -أيضا- المكاتبة، يعني: من طرق التحمل المكاتبة، كأن الشيخ يريد أن يشير إلى كتابة أو قاولة؛ مع أنها ملحقة بالمناولة، هذه تلك ملحقة بالمناولة.(1/388)
المكاتبة: أن يكتب؛ يعني: إذا قلنا: مكاتبة؛ مفاعلة بين الطرفين، يكتب التلميذ لشيخه، أو القرين لقرينه: أن اكتب لي حديث كذا، أو ما تعرفه في مسألة كذا، أو ما ترويه في باب كذا، ثم يروي، يكتب إليه الشيخ، وهذا موجود بين الصحابة؛ في الصحيحين وغيرهما من مكاترات الصحابة موجود، وموجود من الصحابة إلى التابعين والعكس، وبين التابعين إلى شيوخ الأئمة؛ فالبخاري يقول: كتب إلي محمد بن بشار. وهي طريقة . من طرق الرواية، فإذا كتب عليه غير كتب له بشيء يرويه عنه؛ لأنه قصده بهذا المكتوب.
وَحَذَفُوا قَالَ بِصِيغَةِ الأَدَا
كِتَابَةً وَلْيَتْلُها مَنْ سَرَدَا
"وَحَذَفُوا قَالَ بِصِيغَةِ الأَدَا " تجدون في الكتب.. حدثنا فلان، حدثنا فلان، حدثنا فلان، حدثنا فلان. والأصل أن نقول: حدثنا فلان، قال حدثنا فلان، قال حدثنا فلان، إلى آخره، هم يحذفون قال.
" كِتَابَةً وَلْيَتْلُها مَنْ سَرَدَا" يعنى: من قرأ الكتب، يقرؤها؛ لأنه وإن حذفت خطا؛ إلا أنها معتبرة ذكرا، لا بد من ذكرها، قال: سمعت فلانا يقول حدثنا فلان قال حدثنا فلان. لا بد من ذكرها، وبعضهم يقول: الأمر في هذا على السعة، ما دام القصد معروف؛ لأن القصد معروف، وحذف القول كثير؛ حتى في القرآن، ولا يلزم ذكره، يعني: حذف القول موجود في القرآن، ودلالة السياق عليه ظاهرة، وهنا قال في الأسانيد: دلالة السياق عليها ظاهرة، يعني: اللي يشدد في ذكر قال -مثلا-، يعني: ألم تحذف قال في القرآن؟ نعم. فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ يقال لهم: أكفرتم. حذف القول كثير، ومطرد في لغة العرب وفي النصوص، فمثل هذه يتسامح فيه، وبعض أهل العلم يشدد يقول: لا بد أن تذكر؛ ولذا.. يقول الشيخ: "وَلْيَتْلُها مَنْ سَرَدَا "؛ لكن لا شك أنها ما دام أهل العلم قصدوها، وإن حذفت خطا فالأولى أن تقرأ.
وَكَتَبُوا الْحَاء لِتَحْوِيلِ السَّنَدْ
ولْفُظْ بِهَا إِذَا قَرَأْتَ دُونَ مَدْ(1/389)
هذه الحاء التي توجد عند مسلم كثيرة جدا، في بعض الأسانيد يذكر الحاء أربع خمس مرات، حدثنا فلان عن فلان، قال أخبرنا فلان، حاء وحدثنا فلان. قد يحول خمس مرات في الإسناد الواحد، فهي موجودة في صحيح مسلم بكثرة، وهي قلية في صحيح البخاري، توجد في سنن أبي داود، توجد في المسند، توجد في كتب السنة كلها؛ لكن منهم المقل ومنهم المكثر.
وهذه يختلفون في المراد بها، منهم من يقول: هي حاء التحويل. هذا كان قول الأكثر، من إسناد إلى آخر، ويستفاد منها: الاختصار في الأسانيد، الاختصار من أسماء الرواة، طيب. البخاري -رحمه الله تعالى- قد يذكر السند كاملا إلى أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "حاء"، ثم يأتي بالسند الثاني من شيخه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه شو استفدنا منها؟ تفيد اختصار مثل هذه؟ هذه لا تفيد اختصار.
المغاربة لهم رأي في الحاء، وهي أنها: اختصار لكلمة الحديث. وعلى كلامهم يتنزل صنيع البخاري، ومنهم من يقول: هذه الحاء التي في صحيح البخاري أصلها خاء وليست حاء، كيف؟ يقول: الخاء هذه رمز البخاري، يعني: أن السند رجع إلى البخاري، فحدث عن شيخه مرة ثانية.
على كل حال.. "الحاء" المقصودة التي توجد في أثناء الأسانيد، يتحول بها من إسناد إلى آخر. والقصد منها: اختصار هذه الأسانيد.
"وَكَتَبُوا الْحَاء لِتَحْوِيلِ السَّنَدْ"
ها، نادر نادر جدا، كثير ما يقول: حاء؛ إنما يذكر: قال -صلى الله عليه وسلم-، ثم يرجع إلى شيخه. . موجود، نادر نادر بقول لك، هي موجودة؛ لأنها يستدل بها على أنها اختصار لكلمة حديث، هذا كلام المغاربة.
وَكَتَبُوا الْحَاء لِتَحْوِيلِ السَّنَدْ
ولْفُظْ بِهَا إِذَا قَرَأْتَ دُونَ مَدْ(1/390)
تقول: حدثنا فلان، قال حدثنا فلان، ح وحدثنا، ح وحدثنا. من غير مد، لا تقل حآءٌ. وحدثنا. لا. من دون مد؛ ولذا.. يقولون في كتب المصطلح، يقول: "ح ويمر"؛ ها "ح ويمر" ؛ يعني: بسرعة يمر على بقية الأسانيد؛ لكن اللي بيقرؤها هكذا في صورتها، نعم. في كتب المصطلح يقول: "ح ويمر"؛ كأنها لفظة أعجمية، هي جمعت . ها. نعم.
أسماء الرواة وأنسابهم وكناهم وألقابهم ومواليدهم ووفياتهم وطبقاتهم
ثُمَّ بَأَسْمَاءِ الرُّوَاةِ والْكُنَى
أَلْقَابِهِمْ أَنْسَابِهِمْ فَلْيُعْتنى
وَالْوَفَيَاتِ وَالْمَوَالَيدِ لَهُمْ
وطَبَقَاتِهِمْ كذا أحوالهم
وَكُلُّ هَذِي مَحْضُ نَقْلٍ فَاعْرِفِ
فَرَاجِعِ الْكُتُبَ الَّتِي بِهَا تَفِي
كَطَبَقَاتِهِمْ وكَالتَّذْهِيْبِ
وَمَا حَوَى التَّهْذِيبُ مَعْ تَقْرِيبِ
وَمَا بِلَفْظٍ أَوْ بِرَسْمٍ يَتَّفِقْ
واخْتَلَفَ الأَشْخَاصُ فَهْوَ الْمُتَّفِقْ
نَحْوُ ابْنِ زَيْدٍ فِي الصحابِ اثْنَانِ
رَاوِيْ الْوُضُوْ وَصَاحِبُ الأَذَانِ
هذه المباحث التي ذكرها الناظم -رحمه الله تعالى-، وذكرها غيره ممن كتب في علوم الحديث، في غاية الأهمية؛ للتَّمييز بين الرواة، فطالب العلم عليه أن يعتني برواة الأحاديث؛ لأن مدار التصحيح والتضعيف عليهم.(1/391)
ويحصل الخلط والاشتباه في كثير من الأحوال؛ فالعناية بالأسماء -بأسماء الرواة- أمر لا بد منه؛ لأنها لا تدرك بمجرد النظر، ولا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها؛ يعني: الكلام يستدل عليه بما قبله وما بعده؛ إذا سبك الكلام وعرف السياق قد تستقيم الكلمة مشتبهة عندك، وأحيانا تكون بعض الألفاظ في أثناء كلام مطموسة، أو أكلتها الأرضة أو سوسة وما أشبه ذلك، أو أثر رطوبة؛ لكن يستدل عليها وأنت تقرأ السياق تستظهر أن هذه اللفظة كذا؛ لكن اسم راوي، اسم رجل أيش يطلع؟ نعم. غير ممكن أن يطلع أبدا، إذا أشكل عليك يبقى الإشكال إلى أن تراجع؛ إلا إذا كانت لديك أهلية، وعندك ملكة من كثرة التعامل مع كتب الرجال، فأنت ترتاح.
ويفيد في هذا الباب كثيرا كتب الشروح؛ لا سيما التي تعتني بالضبط، ولا تمل من كثرة التكرار، فمثلا: إرشاد الساري، يعني: ما تنتهي من هذا الكتاب إلا ورجال البخاري مثل مثل إخوانك وجيرانك؛ لأنه يضبط كل كلمة؛ ولو تكررت مائة مرة. صحيح الإنسان قد يمل أحيانا من كثرة التكرار؛ لكن هذا التكرار يرسخ العلم.
أيضا في الكتب التي تعتني بالطرائف -طرائف الرواة- تجعل اسم هذا الراوي يعلق بالذهن؛ لأنه مر ذكره مع ذكر ما يجعله محفوظا محفورا، مثل: شرح الكرماني على البخاري؛ يعتني بطرائف الرواة، النووي على مسلم -أيضا- يعتني بطرائف الرواة. فأنت تعرف أن هذا الراوي حصل له موقف، يعنى: ما هو مر فلان بن فلان صحابي شهير ينتهي هذا خلاص؛ الذي حافظته ضعيفة هذا قد لا يدرك شيء؛ لكن إذا مر الاسم معه طريفا معه قصة، ضبط مرة مرتين عشرة لا بد تفهم، لا بد تحفظ. فنهتم بالشروح، ونجعلها -أيضا- ديدن لمثل هذه الأمور، نراجع كل راوي يشكل علينا.(1/392)
وهناك كثير من الرواة حقيقة الخطأ فيها غير مقبول إطلاقا، يعني: تصوروا شخصا يشار له بالبنان من الكبار يعني؛ يقرأ سلمة ابن كهبل، يمكن هذا يمشي؟ سلمة بن كهبل؟ "ابن كُهيل" معروف، يقول: ابن كهبل؟! متى تعلم هذا؟! عنده خمس وسبعين من الكبار. فطالب العلم عليه أن يعنى بهذا الباب من أول الأمر، فالشروح لا شك أنها تفيد فائدة كبيرة في هذا الباب، ومما يفيد في هذا الباب يفيد طالب العلم أن يجعل له وقت ولو ساعة في اليوم ينظر في كتب الرجال، ويقارن بعضها في بعض؛ يعني: يمسك التقريب -شرحناه مرارا- يمسك التقريب يراجع الترجمة، الترجمة سطر واحد، ثم ينظر في التهذيب فيه ضبط فيه زيادات كذا فيه اختلاف، ينظر في الخلاصة، ينظر في الكاشف، يعني: يراجع بعض الكتب، ينظر في كتب المشتبه، نعم. ينظر في الكتب الأخرى في الأنواع التي تأتي، فإذا أتقن شيئا فليودعه سويداء قلبه. يعني: الجهل -الجهل بالرواة- يشكل؛ لأن الإنسان يقع في أمور مضحكة، "واثلة بن الأسقع" هل تتصورون طالب باحث وضعه في أسماء النساء؟! يضع واثلة بن الأسقع في النساء؟! ماذا سيصنع في جويرية بن أسماء؟ أيش يسوي هذا؟ أيش بيسوي هذا؟ وين بيحطه؟ نعم، جويرية بن أسماء رجل ابن رجل، فأقول: الجهل في هذا الباب لا يليق بطالب العلم أبدا، ولا يسعه جهل مثل هذه الأمور.
ثُمَّ بَأَسْمَاءِ الرُّوَاةِ والْكُنَى
أَلْقَابِهِمْ أَنْسَابِهِمْ فَلْيُعْتنى
تعتني بأسماء الرواة لا سيما من اشتهر بالكنية؛ لأن الكنية تضيع الاسم والكنى لا سيما ممن اشتهر بالاسم أو باللقب لأنه تضيع كنيته. والألقاب أيضا لا بد من العناية بها والأنساب لا بد أن تعتني بكلها لماذا؟ لأن من عرف بالكنية لو جاء حديث وذكر باسمه وأنت ما تدري أيش اسمه تعده واحد ولا . لو قال لك: حدثنا أبو الخطاب السدوسي تعرفه ولا ما تعرف؟ نعم؟ قتادة بن دعامة السدوسي. قد تعرف الاسم لكن ما تعرف الكنية نعم.(1/393)
فلذلك لا بد من معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب. هذه الأمور لا بد منها، وألفت فيها مؤلفات.. ألفت فيها مؤلفات، فعلى الطالب أن يعنى بتمييز هذه الأنواع. والوفيات والمواليد لهم، كذلك تعرف المواليد والوفيات والمواليد لكي تعرف الاتصال والانقطاع والمعاصرة ما تعرف إلا بالمواليد والوفيات، وألفت فيها أيضا الكتب والطبقات.. طبقات الرواة لا بد من معرفتها وألف فيها الكتب : طبقات ابن سعد، طبقات خليفة السير على الطبقات، تذكرة الحفاظ على الطبقات. التقريب مصنف على الطبقات حينما يقال لك هذا مثلا من السادسة وتبحث في ترجمة راوي تجده من السادسة، أو من العاشرة يروي عمن قيل في السادسة.
ابن حجر ما وقف على سنة الوفاة لكن حدد تحديد تقريبي من خلال الزملاء والأقران والشيوخ والتلاميذ فقال: هذا من العاشرة وهذا من السادسة. تعرف أن السند متصل ولا منقطع؟ هذا البعد -أربع طبقات- والطبقة تقارب عشرين سنة هذا لابد يحدث عندك وقفة -يعني- يعني:إن كان الشيخ أو كان الطالب معمر..متأخر يمكن، وإلا فلا.. ثمانين سنة الفرق بينهما؛ لذا معرفة الطبقات مؤشر لمعرفة الاتصال والانقطاع، فلا بد منها.
كذا أحوالهم: أحوالهم من حيث القوة والضعف، من حيث الرحلة وغيرها. أخبارهم أيضا: تحريهم تثبتهم -يعني- أحوال أهل العلم عموما مهمة جدا لطالب العلم، وأخبارهم وطرائفهم، والإكثار من التحدث بأخبارهم أمر لا بد منه لطالب العلم.(1/394)
ولذا سُطِّر من أخبارهم وأحوالهم وعجائبهم وصبرهم الشديد على تحمل الشدائد في سبيل العلم، كل هذا يحفز همة طالب العلم. صبرهم على العمل والعبادة، ضربهم أروع الأمثلة في النفع المتعدي واللازم؛ كل هذا يجعل طالب العلم ينشط، بينما إذا غفل عن هذه الأمور ما الذي يحركه؟ النصوص لا بأس هي الأصل وهي الحكم لكن هناك أمور قد لا تتخيلها -يعني- من خلال ما تعيشه أنت و سبرت أحوال من حولك لولا أن السلف تواطئوا على هذا الفعل، تقول: ليس بمقدور أصلا -يعني- لو قال لك مثلا أن فلان له ثلاثمائة ركعة في اليوم من الماعصرين تقول: مستحيل هذا! لكن إذا عرفت أنه موجود في السلف ما يستحيل هذا أبدا.
لو ذكر لك إن فلان من الناس يختم كل يوم ما الغريب؟ لأن هذا موجود في السلف فما تعرف عن هذه الأمور إلا إذا قرأت، . إلى وقت قريب كان الناس يظنون أن الحفظ مستحيل خلاص.. وين الحفاظ ماتوا الحفاظ لأنه انقطع الحفظ عقود بل إن شئت فقل :قرون. نعم فأيس الناس من الحفظ، لكن الآن -ولله الحمد- لما بعثت هذه السنة صار من أيسر الأمور فلان يشتغل بزوائد البيهقي، وفلان يحفظ زوائد المستدرك -يعني- تنبعث الهمم بمثل هذه الأخبار. أقول: الهمم تنبعث من مثل هذه الأخبار، فأحوال أهل العلم مهمة جدا؛ فلنقرأ في سيرهم وأخبارهم.
وهي أيضا إضافة إلى كونها نافعة ماتعة أيضا فيها استجمام وفيها راحة وفيها.. فيها ما يحدو إلى العمل.
وَكُلُّ هَذِي مَحْضُ نَقْلٍ فَاعْرِفِ
........................................
، هذه ما تخضع للاجتهاد أبدا ما تتوقع أن فلانا ولد في السنة كذا، أو مات في السنة هذا ما يمكن، أو أنه من الطبقة الفلانية، أو يحتمل أنه روى عن فلان لا هذه لا بد أن يوجد فيها النقل المحض
....................................
فَرَاجِعِ الْكُتُبَ الَّتِي بِهَا تَفِي(1/395)
راجع كتب الرجال يعني هناك كتب فيها تراجم لأهل العلم، وذكر أخبارهم التي يطرب لها الإنسان مثل: حلية الأولياء وفيها ما فيها مما قد لا يقبلها العقل، أو فيها أخبار ضعيفة أو واهية لكن يبقى إنه فيها نفع كبير.
لأنه إذا انقطع الخلف عن السلف نعم إذا انقطعت هذه السلسلة ولم تعرف الوصلة والواسطة قد لا تتصور الشيء على حقيقته، وقد تتصوره فتعجز عن تطبيقه كطبقاتهم كتب الطبقات مثل طبقات ابن سعد طبقات خليفة وغيرهما وكالتذهيب: تذهيب تهذيب الكمال للذهبي. وما حوى التهذيب: تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر مع تقريب، مع تقريب التهذيب مختصر التهذيب ،مختصره لابن حجر أيضا. والأصل في رجال الكتب الستة: كتاب للحافظ عبد الغني المقدسي اسمه "الكمال في أسماء الرجال" جمع أصل رجال الكتب الستة.
ثم جاء بعده الحافظ المزي فهذبه وزاد عليه في كتاب أسماه تهذيب الكمال والإشكال أن بعض الفروع يلغي الأصل تماما، يمسحه مسحا! يعني بعض مختصرات ابن حجر ألغت كتب المتقدمين، ومثل التهذيب للمزي ألغى الكمال؛ ولذلك ما تصدى له من ينشره، مع أني سمعت أن هناك من يشتغل عليه.. يعني من الوفاء أن يخرج هذا الكتاب. ملايين الكتب..أيضا كتاب: الحافظ عبدالغني بن عبد الواحد المقدسي، صاحب العمدة موجود..موجود مخطوط نعم.
هذا الأصل ثم جاء الحافظ المزي فهذبه بتهذيب الكمال.. نعم؟ ما أعرف أنه طبع، لكن أنا أعرف إنه فيه أعمال عليه. تهذيب الكمال للحافظ المزي ألغى الأصل، ولا شك أن فيه زوائد وفوائد لا يستغني عنها أحد.
ثم جاء الحافظ الذهبي -رحمة الله عليه- مؤرخ الإسلام، فألف تذهيب التهذيب اختصر تهذيب المزي بكتاب أسماه تذهيب التهذيب وهذا كالأصل ما كتب له النشر. واختصره الذهبي في كتاب أسماه الكاشف، والكاشف مطبوع في ثلاث مجلدات، وجاء الخزرجي اختصر التذهيب بكتاب أسماه خلاصة تذهيب تهذيب الكمال وهذا من أوائل الكتب في النشر -يعني- منشور من أكثر من مائة وعشرين سنة.(1/396)
ابن حجر رحمه الله تعالى اختصر تهذيب الكمال في كتاب سماه تهذيب التهذيب وزاد عليه فوائد تتعلق بالرواة جرحا وتعديلا بيانا للسماع والانقطاع.. زيادة في التلاميذ والشيوخ. المقصود أنه فيه زوائد تقارب ثلث الكتاب.
فلا يستغني عنه طالب علم. "مع تقريب": هذا التقريب الذي أصبح نبراس بيدي كل طالب علم في مجلد واحد يترجم للراوي بسطر واحد لا يستغني عنه طالب علم؛ بل لو حفظه طالب العلم ما كان كثير هذا على هذا الفن. ويبقى أن أحكام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أغلبية يعني ماهو معصوم من الخطأ.
هناك أحكام على الرواة مال إلى حكم لهذا الراوي استنبطه من أقوال الأئمة، وهذا اجتهاده .ولا يعني أنه مصيب في كل ما قال، يكفيه أنه اجتهد؛ ولذا عليه بعض الملاحظات.
وهناك أحكام اختلف فيها قول ابن حجر في التقريب مع أقواله في كتبه الأخرى: في فتح الباري، في التلخيص، في غيرها من كتبه، يختلف قوله عن حكمه في التقريب. مثلا على سبيل المثال: عبيد الله بن الأخنس قال في فتح الباري: وثقه الأئمة، وثقه، وهو من رواة البخاري، وثقه الأئمة وشذ ابن حبان فقال: يخطئ. وقال في التقريب: عبيد الله بن الأخنس صدوق يخطئ؛ اعتمد قول ابن حبان، وقد وصفه في فتح الباري بالشذوذ، ليبين أن طالب العلم عليه أن يعتني، ولا يقبل القضايا مسلمة، عليه أن ينظر إذا تأهل للنظر.
أماإذا لم يتأهل للنظر فلا شك أنه يفسد أكثر مما يصلح إذا اجتهد.
تعرفون أن التقريب صار له شهرة، وصار له حظوة وعني به أهل العلم، واعتماد المتأخرين عليه. ما يظهر، لأن الفتح أخذ عليه مدة طويلة جدا، مدة طويلة جدا من سنة سبعة عشرة إلى اثنين وخمسين كم؟ خمسة وثلاثين سنة.. خمس وثلاثين سنة في أثنائها ألف التقريب، ومع ذلك هو راض عن الفتح أكثر من التقريب؛ ليبين أن هناك كتب ما هو براض عنها. على كل حال هذا اجتهاده.(1/397)
والاجتهاد آني، قد لو يعيد النظر في الترجمة مرة ثانية، وينظر في جميع الأقوال بلفظ ثاني، أو يقف على رواية لهذا الراوي تدعم كونه َضبط أو لم يضبط، قد يؤثر على حكمه؛ لأن مرويات الراوي لها أثر كبير في الحكم عليه.
المتفق والمفترق
وَمَا بِلَفْظٍ أَوْ بِرَسْمٍ يَتَّفِقْ
واخْتَلَفَ الأَشْخَاصُ فَهْوَ الْمُتَّفِقْ
نَحْوُ ابْنِ زَيْدٍ فِي الصحابِ اثْنَانِ
رَاوِيْ الْوُضُوْ وَصَاحِبُ الأَذَانِ
عبد الله بن زيد بن عاصم هذا راوي الوضوء كلاهما من الأنصار. عبد الله بن زيد بن عاصم هذا راوي الوضوء، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه هذا راوي الأذان.. هذا غير هذا لكن قد يظن بعض العلماء أن هذا الحديث لهذا أو لهذا؛ لعدم التفريق، وقد وهم بعضهم.
حتى سفيان قال: إن هذا عبد الله بن زيد هو راوي حديث الأذان في حديث من الأحاديث. والصواب أنه راوي حديث الوضوء، فإذا كان هذا من سفيان وهو من الحفاظ فكيف بمن -يعني- إذا جاءك عن عبد الله بن زيد كيف تفرق؟ نعم قد تقول الأمر سهل سواء هذا أو هذا الخبر ما هو يختلف، لكن إذا افترضنا هذا في عبد الله بن زيد كيف تتصرف مع غيره فيما بعد من الرواة الذين يحتمل فيهم التوثيق والضعف؟
فهذه الأمور من أهم المهمات بالنسبة لطالب العلم؛ فيديم النظر في الشروح، يديم النظر في كتب الرجال والطبقات، يديم النظر في كتب المشتبه، يديم النظر في كتب المتفق والمفترق و يديم النظر أيضا في كتب المؤتلف والمختلف. هناك كتب كثيرة جدا في هذا الباب تجد بينها فروق يسيرة لكن هذا ثقة وهذا ضعيف نعم.
المهمل
وَإِنْ عَنِ اثْنَيْنِ رَوَى واتَّفَقَا
فِي الاسْمِ واسْمِ الأَبِ ثُمَّ أَطْلَقَا
بِدُونِ تَمْييْزٍ فَمُهْمَلٌ وَلاَ
يَضُرُّ إِنْ كِلاَهُمَا قَدْ عُدِّلاَ
وَفِي الْبُخَارِيْ مِنْهُ جَا كَمْ ترجمه
أَوضَحَهَا الْحَافِظُ فِي المُقَدِّمَهْ
وَيُعْرَفَانِ بِاخْتِصَاصِ النَّاقِلِ
وَحيْثُ لا فَبِالْقَرَائِنِ ابْتَلِيْ(1/398)
ومَا يَكُونُ النُّطْقُ فِيهِ يَخْتَلِفْ
مَعَ اتَّفَاقِ الرسم فَهْوَ الْمُؤْتَلِفْ
نَحْوُ شُعَيْثٍ بِشُعَيبٍ يَشْتَبِهْ
وَكَالنَّشَائِي بِالنَّسَائِي فَانْتَبِهْ
ومَا بَهِ الأَسْمَا والآبَا تَتَّفِقْ
فِي الرَّسْمِ وَالآباءُ فِيهِ تَفْتَرِقْ
فِي النُّطْقِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهْوَ الْمُشْتَبِهْ
وَهْوَ بالاعْتِنَا جَدِيرٌ فَاعْنِ بِهْ
كَابْنِ عَقِيلٍ وَعُقَيلٍ وَجِدَا
كَلاَهُمَا كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدَا
وَمَثَلُ الْعَكْسُ ابْنَي النُّعْمَانِ
سُرَيْجُ فَاعْلَمْ وَشُرَيحُ الْثَّانِيْ
وفِيهِ مَعْ مَا قَبْلَهُ أنْواعُ
فِيهَا افْتِرَاقٌ فَادْرِ وَاجْتِمَاعُ
هذه الأنواع التي ذكرها الناظم -رحمه الله تعالى- وحث على معرفتها بالرجوع إلى المصادر لا بالاجتهاد، هذه يأمن فيها الطالب من التصحيف والتحريف، ويصل إلى حقيقة الأمر ويحقق في الراوي المطلوب ليقع على حقيقته. نعم قد يلتبس بعض الأمور بحيث لا يوصل للحقيقة ويوجد الاختلاف بين أهل العلم في المراد لكن إذا اجتهد الطالب لا شك أنه يحفظ نفسه من الأخطاء الواضحة البينة، يبقى الخطأ الذي يشترك فيه جميع الناس لا يسلم منه أحد، ومنه مثلا
وإنْ عن اثنين رَوى واتَّفَقَا
فِي الاسْمِ واسْمِ الأَبِ ثُمَّ أَطْلَقَا
بِدُونِ تَمْييْزٍ فَمُهْمَلٌ وَلاَ
يَضُرُّ إِنْ كِلاَهُمَا قَدْ عُدِّلاَ
يعني إذا جاء عبد الله بن زيد وعبد الله بن زيد في الاسم واسم الأب هذا لا يضر؛ لأن كلا منهما ثقة إذا لم يرسل.
لكن كيف نصل إلى أن المراد هذا أو هذا؟ هذا يحيى بن سعيد وهذا يحيى سعيد كيف تصل؟ تصل من خلال الكتب التي تعنى بالطلاب والتلاميذ والشيوخ؛ فتنظر في الإسناد، إذا كان الشيخ المذكور في السند عندك يختص به أحدهما فهو المطلوب، إن اشتركا فيه تنظر في التلاميذ، فإن اختص أحدهما بهذا التلميذ فهو المطلوب وإلا بقي الإشكال بقي الإشكال.(1/399)
هناك قواعد وهناك ضوابط ذكرها أهل العلم وصنفوها وقالوا: الغالب أنه إذا روى فلان عن فلان عن فلان تجزم أنه فلان.. إذا كان واسطة بينه وبين صاحب الكتاب واحد فهو فلان، وإن كان اثنان فهو فلان.. يعني هناك قرائن تقريبية ويبقى الإشكال.
نعم ليعظم الأجر وليتميز الجاد من غير الجاد، لأنه لو كانت الأمور سهلة كونه يصل إلى الحقيقة بنفسه دون تعب ولا عناء ما صار للراسخين مزية، ولما تمايز الناس في فهومهم وحفظهم وفي جهدهم وصبرهم، ما يحصل فضل لأحد على أحد.
..............................ولا
يَضُرُّ إِنْ كِلاَهُمَا قَدْ عُدِّلاَ
نعم. إذا لم نستطع أن نعرف حماد هل هو ابن سلمة أو ابن زيد إذا بذلنا الوسع ولم نستطع الحمد لله كلاهما ثقة. نقول مثل هذا في سفيان وسفيان ما يضر لأن كلا منهما ثقة. طيب.. يأتي كثيرا محمد في البخاري حدثنا محمد ثم بعد ذلك تجد ابن حجر قال الكلاباذي كذا قال الجياني كذا قال.. نعم فيختلفون. وعلى كل حال كلهم ثقات.
لكن الوقوف على حقيقة الحال أمر مهم جدا
وَفِي الْبُخَارِيْ مِنْهُ جَا كَمْ ترجمه
....................................
يعني كثيرة يأتي بها مهملة.. هناك "تمييز المهمل" لأبي علي الجياني نعم طبع منه، أظن ما يتعلق بالبخاري مطبوع.
وَفِي الْبُخَارِيْ مِنْهُ جَا كَمْ ترجمه
أَوضَحَهَا الْحَافِظُ فِي المُقَدِّمَهْ
المقدمة مقدمة الفتح التي أسماها هدي الساري وفيها أكثر الإشكالات التي تعترض طالب العلم في البخاري. يعني لو أن إنسانا في أسفاره يستصحب نسخة مثلا من صحيح البخاري ومعه مقدمة الفتح لأن الأحاديث المنتقدة موجودة، الرجال المنتقدين موجودة.. المهملين موجودين.. الألفاظ الغريبة موجودة.. المعلقات موجودة -يعني- فيه علوم.. مناسبات الأبواب موجودة -يعني- هو عبارة عن شرح متكامل ..
فطالب العلم يستصحب معه في أسفاره هدي الساري إذا أراد أن يراجع البخاري
وَيُعْرَفَانِ بِاخْتِصَاصِ النَّاقِلِ(1/400)
....................................
-يعني- اختص هذا الراوي بالرواية عن فلان، وهو موجود فلان في السند، أو اختص بالرواية فلان عنه وهو موجود في السند
....................................
وَحيْثُ لا فَبِالْقَرَائِنِ ابْتَلِيْ
هذا الآن هنا الابتلاء إذا لم تستطع فعليك أن تجمع طرق الحديث نعم وتنظر فيها وبالقرائن تستدل لأن الباب أو الحديث إذا جمعت طرقه تكشفت خباياه.
المؤتلف والمختلف
ومَا يَكُونُ النُّطْقُ فِيهِ يَخْتَلِفْ
مَعَ اتَّفَاقِ الرسم فَهْوَ الْمُؤْتَلِفْ
نَحْوُ شُعَيْثٍ بِشُعَيبٍ يَشْتَبِهْ
.........................................
شعيث شو الفرق بين شعيث وشعيب هذا بالباء وهذا بالثاء وليست عناية الناس بالخط.
في أول الأمر كان الخط في أول الأمر مهملا كله ما فيه إعجام أصلا، والناس يميزون بدون إعجام؛ لكن احتاج الناس إلى الإعجام، فأعجمت الكلمات، ثم لم يكتفوا بهذا حتى ضبطت الكلمات بالحركات وبالحروف وعسى الأمور تمشي. عن شعيث وشعيب. تتصورون الآن من أين يأتي وهم لهم عناية بالنقل والضبط؟ يأتي لأن الكتب لما تكتب -مثلا- وتُتَرَّب.. يُنْسخ الكتاب ويترب، ثم يطبق بعضها على بعض، ثم تجي الرطوبة ولا يجي زيادة حرارة ولا شيء تروح بعض الحروف هنا في الصفحة الثانية.
هذا موجود. فالاهتمام بمثل هذه الأمور.. جائز إنه يحصل سهو من الناسخ أو من الطابع أو.. من يحصل. أو سبق لسان من الراوي فيكتب على ضوء ما سمع.
....................................
وَكَالنَّشَائِي بِالنَّسَائِي فَانْتَبِهْ
النشائي.. نعم؟ النشائي قد يقول النسائي وهو أثرم مثلا فيشتبه بهذا.
فأنت إذا ما حققت وضبطت وأتقنت ورجعت إلى المصادر ثبت عندك كل ما تريد. فعندك النجاري والبخاري هذه صعب التمييز بينها المسألة بس نقطة تتقدم ونقطة تتأخر!
المتشابه
ومَا بَهِ الأَسْمَا والآبَا تَتَّفِقْ
فِي الرَّسْمِ وَالآباءُ فِيهِ تَفْتَرِقْ(1/401)
فِي النُّطْقِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهْوَ الْمُشْتَبِهْ
وَهْوَ بالاعْتِنَا جَدِيرٌ فَاعْنِ بِهْ
المشتبه هذا في غاية الأهمية، وفيه المؤلفات: فيه المشتبه للذهبي، وفيه تبصير المنتبه لابن حجر، يعني من أهم ما أُلِّف في الباب، وهي كتب جوامع.
وما به الأسماء والآبا تتفق في الرسم والآباء تفترق
في النطق، أو بالعكس الأسماء التي تختلف في النطق وتشتبه بالرسم هذا كله يسمونه مشتبه.
.......................................
وَهْوَ بالاعْتِنَا جَدِيرٌ فَاعْنِ بِهْ
كَابْنِ عَقِيلٍ وَعُقَيلٍ وَجِدَا
.......................................
محمد بن عَقيل ومحمد بن عُقيل.. محمد بن عَقيل ومحمد بن عُقيْل! لا بد من أن ترجع إلى المراجع؛ إذا لم يدلك الشارح على أنه هذا كتب التراجم إذا لم تحل لك هذا الإشكال تذهب إلى كتب المشتبه. عكس هذا: ابني النعمان: هناك الاشتباه في الأب عَقيل وعُقيل عكسه الاشتباه في الابن: النعمان الأب ما يختلف في هذا عن هذا، لكن الابن؟ أحدهما سُريج، والثاني شُرَيْح، سُريج وشُريح.
وَمَثَلُ الْعَكْسُ ابْنَي النُّعْمَانِ
سُرَيْجُ فَاعْلَمْ وَشُرَيحُ الْثَّانِيْ
عندكم في كتب العقيدة عندكم أقوال ينقلها بعض الناس على أنها لأبي الحسن الكرخي، وهو الكرجي.. ما مر بكم من الفتاوى..إيه؟ الكَرَجِي كثير من الفتاوى له أقوال تختلف عن أقوال الكرخي.(1/402)
فبعض الناس ينقلها عن هذا وبعضهم . . يعني بعض الناس يأخذ الكلمة على عجل نعم؟ وهذه موجودة والخلاف مؤثر بينهم؛ فقد تنسب أقوال لهذا، وهي لهذا والعكس! فمعرفة سُريج: ابن سُرَيْج مثلا من أئمة الشافعية، كثير منهم يقول: شريح. فالعناية بأسماء الرجال بدقة وضبط وإتقان يخلصك من كثير من الإشكالات. وفيه مع ما قبله أنواع -يعني- يتركب من الأنواع السابقة أنواع، لكن قد لا يكون كل نوع منها له اسم يخصه، لكن المزج والتركيب من النوع الأول مع الثاني والثاني مع الثالث، أو الأول مع الثالث تركب أنواع لا نهاية لها
....................................
فِيهَا افْتِرَاقٌ فَادْرِ وَاجْتِمَاعُ
نقف على الوحدان.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.
الوحدان
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وَلْيعرِف الوُحْدانَ وَهْوَ مَنْ رَوَى
عَنْ وَاحِدٍ أو َعَنْهُ رَاوٍ لا سِوَى
وَمَنْ كِلاَ هَذَينِ فِيهِ وُجِدَا
أَوْ ما رَوَى إلا حَديثا وَاحدا
وَمَنْ لَهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ أَوْ لَقَبُ
أَوْ كُنْيَةٌ مُفْرَدَةٌ أَوْ نَسَبُ
كَسَنْدَرٍ أَوْ كَسَفِينَةِ التَّقِيْ
أَبُو الْعُبَيديْنِ وَنَحو اللبَقِيْ
ولاشْتِرَاكٍ يُطْلِقُونَ الطَّبَقَهْ
فِي السِّنِّ مَعْ لِقَا الشُّّّيُّوخ حَقَّقَهْ
وَاخْتَلَفَ اصْطِلاَحُ مَنْ قَدْ صَنَّفَا
في الطَّبَقَاتِ وَهْوَ عُرْفٌ لاَ خفَا
وَقَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ أَيْضاً عِنْدَهُمْ
مِنْ طَبَقَاتٍ باعْتِبَارَاتٍ لَهُمْ(1/403)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وليعرف الوحدان وليعرف طالب العلم لا سيما من له عناية بهذا الشأن الوحدان من الرواة، ويطلق الوحدان والمنفردات باعتبار أو بإزاء إطلاقات متعددة فمن لم يرو إلا عن شخص واحد يسمى من الوحدان، ومن لم يرو عنه إلا شخص واحد يقال له من الوحدان،
وليعرف الوحدان وهو من روى
عن واحد ........................
-يعني- ما له إلا شيخ واحد أو عنه راوي ليس تلميذ إلا واحد لا سوى هذا من المنفردات والوحدان فقد ألف في ذلك الإمام مسلم بن الحجاج طبع قديما في الهند في جزء صغير ثم أعيد طبعه أخيرا.
وَمَنْ كِلاَ هَذَينِ فِيهِ وُجِدَا
....................................
-يعني- ليس له إلا شيخ واحد وليس له إلا راو واحد هذا باستحقاق الاسم أولى،
.................................
أو ما روى إلا حديثا واحدا
-يعني- تفرد برواية حديث واحد -يعني- ليس له من الحديث إلا واحد يعني مقل مثل آبي اللحم ليس له إلا حديث واحد هذا ليس له إلا حديث واحد،
ومن له اسم مفرد أو لقب
....................................
من له اسم مفرد يعني ما سمي من الرواة بهذا الاسم إلا هو مثل الأجمد ما أنا بأتصور إن شخص بيسمي ولده أجمد يعني أحمد لأبوه أجمد نعم،
ومن له اسم مفرد أو لقب
....................................
لقب مفرد ما يوجد غيره، أو كنية
....................................
أو كنية مفردة أو نسب
كما سيأتي التمثيل في البيت الذي يليه.(1/404)
كسندر سندر ما في إلا واحد هذا صنف وسفينة لقب سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقبوه بسفينة؛ لأنه حمل في بعض الأسفار ما لم تحمله الرواحل، وكسفينة التقي العبد الصالح المعروف الصحابي الجليل أبو العبيدين ما له نظير في الكنى؛ ولذا يقال له من الوحدان نحو اللبقي اللبقي فلا يمكن أن تكون النسبة لشخص واحد يتصور أن تكون النسبة لشخص واحد ما نسب هذه النسبة إلا هذا الشخص نعم جائز؛ ولذا نسب إلى اللبق جمع لكن يمكن أن يتصور في غير النسبة إلى القبائل نعم إذا انتسب للكتاب مثلا مثل كافوجي الكافوجي نسبة إلى كافة ابن الحاجم نعم ينتسب إليها لأن له عناية بها لكن إخوانه ما لهم عناية بها . إذا أعمامه وأخواله ما لهم عناية بها إذا يختص بها هذا متصور، أما نسبة إلى نسب قبيلة ولّا جد ما يمكن.
طبقات الرواة
ولاشتراك يطلقون الطبقة
في السن مع لقا الشيوخ حققه
-يعني- إذا قيل فلان من طبقة فلان، أو إذا أريد تصنيف الرواة إلى طبقات ينظر إلى الاشتراك في السن والشيوخ:
ولاشتراك يطلقون الطبقة
في السن مع لقا الشيوخ حققه
نعم إذا اشترك اثنان في السن تقاربا في السن وتقاربا في الأخذ عن الشيوخ فهما من طبقة واحدة.
واختلف اصطلاح من قد صنفا
في الطبقات وهو عرف لا خفا
عرف إما أن يكون معروف لا خفاء فيه، أو هو اصطلاح لأن الاصطلاح هو العرف الخاص نعم.(1/405)
اختلف اصطلاح من قد صنفا في الطبقات فمثلا منهم من جعل الصحابة كلهم طبقة واحدة، والتابعين طبقة واحدة، وأتباع التابعين طبقة واحدة، ومنهم من جعل الصحابة طبقات إذا قلنا الصحابة طبقة واحدة قلنا أبو بكر وأنس بن مالك من طبقة واحدة، وإذا قلنا طبقات كما فعل ابن سعد في طبقاته؛ ابن حبان جعل الصحابة طبقة واحدة يستوي في ذلك المتقدم والمتأخر الصغير والكبير معا، لكن من صنفهم إلى طبقات حسب السن والأقدمية والسابقة وحضور المشاهد كصنيع ابن سعد في طبقاته فيجعل الصحابة أكثر من طبقة؛ فأنس بن مالك وابن عباس وصغار الصحابة لا يكونوا في طبقة أبو بكر وعمر مثلا وهذا مجرد اصطلاح ولا مشاحة بالاصطلاح.
وقد يكون الشخص أيضا عندهم
من طبقات لاعتبارات لهم
من طبقات لاعتبارات لهم؛ يعني إذا جعل المصنف المهاجرين طبقة والأنصار طبقة نعم البدريون طبقة يجعل هذا من طبقة من أسلم من قبل الفتح مثلا وهو أيضا من المهاجرين من طبقة المهاجرين ومن طبقة من أسلم قبل الفتح نعم، وهذا من الأنصار من طبقة الأنصار وأيضا من طبقة من أسلم قبل الفتح أو بعده، ومن سمى القبلتين طبقة المقصود أنهم يتفاوتون ويختلفون، وهذا مجرد اصطلاح ولا مشاحة فيه نعم.
وبمناسبة ذكر الطبقات الطبقات ألف فيها أهل الحديث كتب ثم طبقات الحفاظ ومن أهمها تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء وطبقات الحفاظ للسيوطي كتب كثيرة وطبقات المحدثين والطبقات هذه تختلف عن الطباق عند أهل الحديث إذا أرادوا كتابة الطباق وهذا في السماع إذا أرادوا أن يكتبوا الطباق الذي هو أسماء الذين رووا عن هذا الشيخ هذا الكتاب فإذا أثبت اسمه بالطبقة فهو من الطباق، وأيضا المفسرون لهم طبقات الفقهاء كل مذهب لهم طبقات طبقات الحنابلة طبقات الشافعية طبقات الحنفية طبقات المالكية المذاهب الأصلية أيضا طبقات اللي هي العلم بالكلام وما يتعلق به.(1/406)
والمخالفين في العقائد طبقات المعتزلة طبقات الصوفية طبقات كذا نعم، فكتب الطبقات ينبغي لطالب العلم أن يهتم بها لا سيما طبقات المحدثين التي يذكر فيها أندر ما يرويه هذا الراوي، وأحيانا أعلى ما يرويه هذا الراوي طبقات الفقهاء يذكرون أغرب المسائل التي تفرد بها هذا الفقيه. كل طائفة يذكرون أشياء أمور لا توجد في الكتب إلا في كتب الطبقات؛ فالعناية بها مهمة، لكن طبقات المعتزلة جعل في الطبقة الأولى أبو بكر وعمر القاضي عبد الجبار جعل في الطبقة الأولى من طبقات المعتزلة أبو بكر وعمر كل يدعي في البخاري ترجم له في طبقات الحنفية مع أنه من أشد الناس عليهم، ترجم له بطبقات المالكية ترجم له بطبقات الحنابلة والشافعية نعم.
كل يفتخر بمثل هذا فالمعتزلة جعلوا أبا بكر وعمر في الطبقة الأولى، لكن لا يستغرب هذا مثل جعلهم في الطبقة الثانية الحسن البصري نعم الحسن البصري اللي هو ويّاهم على النقيض نعم هو السبب في تسمية المعتزلة جعلوه في الطبقة الثانية من طبقات المعتزلة. هذه دعاوى لا تثبت لكن من يريد أن يضيف إلى فئته وجماعته من يشرفه. هذا ما يلام لكن اللوم على من يوافق نعم.
مراتب الجرح والتعديل وألفاظهما
وَالْعِلْمُ بالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْريحِ مِنْ
أَهَمِّهِ فَهْوَ بَتَحْقِيقٍ قَمِنْ
مَرَاتِبُ التَّعْديلِ سَبْعاً رَتَّبِ
أَوَّلُهَا ثُبُوتُ صُحْبَةِ النَّبِيْ
فَأَفْعَلُ التَّفْضِيل أَوْ مَا أَشْبَهَا
كَجَبَلِ الْحِفْظِ إِلَيهِ الْمُنْتَهَى
ثُمَّ مُؤكَّدٌ بِتَكْرَيْرِ الصَّفَهْ
كَثِقَةٍ ثِقَهْ كَذَا مَا رَادَفَهْ
ثُمَّ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ مَا أُكِّداَ
كَحَافِظٍ ثَبْتٍ ثِقَهْ قَدْ فْرِدَا
ثُمَّ صَدُوقٌ أَمِنُوا لا بَأْسَ بِهْ
فَصَالِحُ الْحَدِيثِ مَعْ مُقَارِبهِ
ثُمَّ صُوَيَلِحٌ وَمَا مَاثَلَهَا
مِنَ الصِّفَاتِ قِسْ بِتَرْتِيبٍ لَهَا
وَالْخُلْفُ في التَّعدَيلِ مَعْ إِبْهَامِ
وَالرَّدُّ قَوْلُ أَكْثَرِ الأَعْلامِ(1/407)
كَقَولِهِ أَخْبَرَنِي الْعَدْلُ الثِّقَهْ
مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفاً لَهُ فَحَقِّّّقَهْ
وَالجرْحُ عِنْدَ الدَّاعِ نُصْحٌ فَاعلَمَهْ
صِيَانَةً للشِّّّّّرْعَةِ المُكَرَّمَهْ
وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ عَدْلٍ فَقِيهْ
مُطَّلِعٍ يُقْبَلُ مِنْهُ القَولُ فِيهْ
وَالرَّاجِحُ اشتراطُ أن يُفَسَّرَا
وَكَونُهُ مِنْ وَاحِدٍ مُعْتَبَرَا
ولْيَحْذَرِ العَبْدُ مِنَ التَّساهُلِ
فِيهِ وَمِنْ خَوضٍ بلا تَأَهُّّّّّّّّّّلِ
مَرَاتِبُ التَّجْرِيحِ سَبْعٌ فَاكْتُبِ
كَأكْذَبِ النَّاسِ ورُكْنِ الكَذِبِ
يَلِيهِ كذَّابٌ وَوَضَّاعٌ دَعَوا
وَبَعْدَه يَكْذِبْ كذَاكَ يَضَعُ
رَابِعُهَا مُتَّهمٌ بِالكَذِبِ
وَالوَضْعِ ساقِطْ هالكٌ كَذاهِبِ
ليسَ بِمَأْمُونٍ كَذَا فِيهِ نَظَرْ
مَتْرُوكُ عَنْهُ سَكَتُوا لا يُعْتَبَرْ
يَلِيِهِ مَطْرُوحٌ وَواهٍ أَيُّّّّّّّّّّّّّّ شَيْ
مُمَوَّهٌ ارْمِ بِهِ لَيْسَ بِشَيْ
وَهؤلاءِ عَنْهُمُ لا يُكْتَبُ
مَا قَدْ رَوَوهُ بُلْ عَلَيهِ يُضْرَبُ
ثُمَّ ضعِيفٌّّّّّّّّّّّّّّ مُنْكَرٌ مُضطَربُ
فَفِيه ضَعْفٌ أو مَقَالٌ مُوجِبُ
لَيسَ بِذَاكَ فِيهِ خُلْفٌ طَعَنُوا
فِيهِ كَذَا سَيِّىءُ حِفْظٍ لَيِّنُ
تَعْرِفْ وُتْنكِرْ فِيهِ قَدْ تَكَلَّمُوا
وَكَتُبوا عَنْ هؤلاَءِ مَا نَمُوا
للاعْتِبَارِ دُونَ أَنْ يُحْتَجُّ بِهْ
وَعِلْمُ ذَا النَّوعِ مُهِمُّ فَانْتَبِهْ
وَقَدِّمِ الجَرْحَ عَلَى التَّعْدَيلِ
عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى تَفْصِيلِ(1/408)
هذا المبحث مبحث مراتب الجرح والتعديل وألفاظهما من أهم ما يبحث في هذا الفن، لأنه به يعرف منزلة الراوي والحكم عليه والتعديل وتوثيق الراوي والحكم له لقبول روايته، وألفاظ التعديل كلمات وجمل تبين منزلة الراوي في القبول، ويقابله التجريح الذي هو أيضا ألفاظ وجمل تطلق على راوي بعينه تبين منزلته في الضعف هذه المراتب التي تجمع أكثر من لفظ لكنها متساوية في مرتبة واحدة هذه عند الحكم على الراوي يحتاج إليها وعند التعارض بين مرويات الرواة يحتاج إليها، وعند تصنيف الرواة من حيث القوة والضعف يحتاج إليها.
وهذا الفن في غاية الأهمية وكثير منه واضح الدلالة وفيه أيضا جمل وألفاظ استعملها أهل الحديث غامضة الدلالة على المراد، بل فيها ما يتنازع فيه هل هو جرح أو تعديل، لكن من عرف اصطلاحات القوم وأدام النظر في كلامهم تبين له المراد.
فمثلا لما يقول أبو حاتم مثلا في جبارة بن المغلس بين يدي عدل هل نفهم من هذا أنه تعديل أو تجريح؟ الحافظ العراقي يقول تعديل، وتبعه الحافظ ابن حجر مدة، ثم تبين له أنه من أسوأ ألفاظ التجريح.
بين يدي عدل من أين هل استدل بهذا أو على هذا باللغة مثلا أو نظر في الرجل وفي حال الرجل وما قيل فيه، وهل يستحق التعديل من أبي حاتم، وهل أبو حاتم متساهل بحيث يعد من ضعفوا -يعني- إذا وجدنا الأئمة كلهم مضعفين جبارة بن المغلس ويقول فيه أبو حاتم متشدد في التجريح نعم قوله بين يدي عدل هذا لا شك أنه يوجس، أو يوجب ريبة في الراوي.(1/409)
الحافظ ابن حجر يقول: أنه وقف على قصة في كتاب الأغاني قال إنه طاهر القائد على مأدبة مع أولاد للرشيد فجاء أحدهم فأخذ هندبات ثم قرع . وألا شيء وألا باذنجان أخذ هندبات وضربه مع عينه وهو أعور ضربه في العين السليمة فشكاه إلى أبيه فقال: فلان ضرب العين السليمة والأخرى بين يدي عدل يعني هالكة تالفة ثم استقصى بعد ذلك وجد في أدب الكاتب لابن قتيبة، وهذا يبين لنا أهمية التنوع والتفنن في الطلب أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يكون مقتصرا على فن واحد أو أكثر من فن بحيث لا يوجد فنون أخرى؛ لا لابد أن يكون مطلعا.
فوجد أن العدل شخص اسمه العدل وكان على شرطة تبع الحنجري إذا أراد تبع أن يقتل شخصا قال بين يدي عدل صار هذا الرجل بين يدي عدل بين يدي هذا صاحب الشرطة الذي يقتل فإذا قال بين يدي عدل -يعني- بروحه بيزهق وألا بيقتل إذا بيتلف بيهلك فبين يدي عدل عرف أهل العلم أنها تساوي تالف هالك لا شيء.
أيضا هناك ألفاظ في الجرح والتعديل نادرة استعمالها نادر تقول فلان ليس من جمال المحامل، أو من ذات المحامل كما في بعض الألفاظ ما . ذكرها في عطاف الخالد ألفاظ كثيرة جدا هذه تمنى كثير من أهل العلم أن تستقرأ كتب الجرح والتعديل كتب التواريخ وكتب .. هذه الألفاظ كلها تجمع تجمع كلها ويتكلم عليها في اللغة وفي عرف أهل العلم وتصنف تجعل النظير إلى نظيره والقرين إلى قرينه.
هذه أمنية تمناها الفحول لكنها ليس بالأمر السهل تحتاج إلى خبرة وتحتاج إلى دربة وسعة اطلاع وطول نفس مقارنة بين اصطلاحات أهل العلم وإلا فهي أمنية.(1/410)
المقصود أن هذا النوع لا بد منه لطالب العلم؛ لأنه كيف يحكم على الرجال وهو لا يعرف مراتب الجرح والتعديل، وأول من رتب هذه المراتب ابن أبي حاتم في كتابه العظيم الجرح والتعديل، وجعلها أربع مراتب في التعديل وأربع في التجريح ومثل لكل مرتبة بلفظ واحد نعم ؛ تعرفون أن الأمر أول ما يبدأ يكون قليل ثم بعد ذلك يأتي المتأخر فيزيد نعم فاستمر على هذه المراتب الأربع من جاء بعده حتى ابن الصلاح والنووي كلهم على هذه الأربع المراتب لكنهم زادوا ألفاظ في كل مرتبة جاء الذهبي والعراقي فأضافا مرتبة خامسة في كل من الجرح والتعديل ثم الحافظ ابن حجر أضاف مرتبة فصارت ست في التعديل وست في التجريح وعند السخاوي سبع في التعديل وسبع في التجريح على كل حال هذه أمور اجتهادية حسبما ينقدح في ذهن العالم وهنا أمثلة ترونها كيف رتبت.
فهذا الموضوع في غاية الأهمية -يعني- طالب العلم في أول الأمر يسلك مسلك التقليد ويقلد الأئمة الذين جمعوا وحرروا وضبطوا وأتقنوا لكن إذا تأهل له أن يجتهد ويستدرك ويصحح إذا تأهل لكن عليه أن لا يتعجل قبل التأهل لأن هذا مزلق خطير لأنك إذا عدلت راوي وهو في الحقيقة ليس بعدل غششت الأمة بقبول حديثه والعكس لو ضعفت راوي وهو في الحقيقة ثقة أيضا فوت على الأمة العمل بهذا الحديث ولذا يشترط في الجارح والناقد أن يكون ثقة أمينا عالما بأسباب الجرح والتعديل لا يجوز له بحال أن يتصدى للجرح والتعديل وهو غير عارف بالأسباب وهو ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وَالْعِلْمُ بالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْريحِ مِنْ
أهمه .................................(1/411)
من أهم ما يدرس في علوم الحديث فهو بتحقيق قمن قمن -يعني- حري وجدير وخليق بفتح الميم ولّا بكسرها نعم . وجه واحد ولّا من وجهين من وجهين لكن هنا من قمن يعني الأولى أن تكسر الميم لولا ما في قول الحافظ العراقي أيش . هذا الحديث في سعة . افتح وألا اكسر يعني يوجب الوجهان نعم لا أحيانا . فالآن العلم بالتعديل والتجريح من علمك وقمن لكن في قول الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:
وكثر استعمالهم في ذا الزمن
إجازة له بوصل ما قمن
لأنك تحتاج إلى سبع مراتب.
مراتب التعديل سبع سبع الشيء أول ما يبدأ يبدأ قليل ثم يزاد عليه فبدأت بأربع مراتب ثم خمس ثم ست ثم صارت سبعا رتب
أولها ثبوت صحبة النبي
الصحابة لا شك أنهم في المرتبة الأولى من مراتب التعديل والصحبة هذا الوصف الذي لا يدانيه أبدا أي وصف أعلى وصف لا يداني الصحبة ولذلك جعلهم الحافظ ابن حجر في المرتبة الأولى من مراتب التعديل صحبة النبي وتبعه الإمام .رحمه الله تعالى فأفعل التفضيل يليه أفعل التفضيل أوثق الناس
فأفعل التفضيل أو ما أشبها
.................................
-يعني- ما يوحي بقوة اللفظ
..................................
كجبل الحفظ إليه المنتهى
إذا قيل فلان جبل الحفظ إذا قيل إليه المنتهى في التثبت -يعني- جعله كل من ألف أو جل من ألف في المرتبة الأولى ولم يذكر الصحابي الصحابي ما يحتاج إلى ذكره في المراتب.
لكن الحافظ نص على أن الصحبة ينبغي أن يسمع له وهو أولى من غيره فأفعل التفضيل المرتبة الثانية.
فأفعل التفضيل أو ما أشبها
كجبل الحفظ إليه المنتهى
ثم مؤكد بتكرير الصفة
....................................
المؤكد بالتكرير ثقة ثقة ثقة ثبت
....................................
كثقة ثقة كَذَا مَا رَادَفَهْ(1/412)
-يعني- مرادف ثبت يعادل نعم ثقة -يعني- عدل ضابط ثبت ولا ثبت نعم ثبْت بالسكون والثبت الثبت أيش . الثْبت الثقة الحافظ الضابط في الضبط والثَبت أيش نعم كيف الثبت كيف نعم . معناه كتاب الثَبت الكتاب الذي يثبت فيه العالم أسانيده والأئمة والكتب ذكرها الثبت فلان والثالث
ثم مؤكد بتكرير الصفة
....................................
والرابع
ثم بوصف واحد ما أكدا
....................................
ثقة ثقة طيب إذا كررنا اللفظ وقلنا ثقة ثقة أو أتينا بالمرادف ثقة ثبت إذا كررناها بالإتباع هل الإتباع من قبيل التأكيد نقول حياك الله وبياك -يعني- نكرر التحية ولّا دون هناك نموذج في كتب الإتباع فلان ثقة نقه بالنون وفلان ثقة تقة بالتاء كما يقولون فلان ضعيف نظيف لا شك أنها أقوى من إفراد الكلام لكن هل تأخذ حكم التأكيد أو لا تأخذه القول محل بحث هي أقوى من اللفظ المفرد
ثم بوصف واحد ما أكدا
كحافظ ..........................
حافظ ثبت ثقة -يعني- هل حافظ مثل ثقة نعم ثبت مثل ثقة لكن حافظ يعني يحتاج إلى وصف يفيد العدالة حافظ انتهينا من وصف شرط الحفظ نعم انتهينا منه.
لكن العدالة هل يثبتها كلمة حافظ ما تثبت هنا ما تثبت
....................................
كحافظ ثبت ثقة قد أفردا
-يعني- وهذه المراتب الأربع لا خلاف في قبول من وصف بها لا خلاف في قبول من وصف بالصحبة أو وصف بأفعل التفضيل أو قيل فيه إليه المنتهى أو جبل الحفظ أو كررت فيه الصفة أو أفرد بوصف هذه المراتب الأربع لا خلاف في قبول من وصف بلفظ من ألفاظها المرتبة الخامسة ثم صدوق أمنوا -يعني- مأمون فلان صدوق فلان مأمون لا بأس به هذه مرتبة يليها المرتبة السادسة
فصالح الحديث مع مقاربه
....................................(1/413)
واسمه أيضا مقاربه يقول فلان مقارب الحديث فلان مقارب .. مرتبة واحدة يعني أنه يقارب الناس في حديثه ويقاربونه في أحاديثهم بمعنى أنه لا يتفرد بشيء ينكر عليه.
طيب هذه مرتبة لمرتبة الصدوق مرتبة الصدوق يحتج به أو لا يحتج به يحتج به قولا واحدا ولّا هناك خلاف المراتب الأربع لا خلاف فيها هذه المرتبة محل للخلاف نعم نعم . على قول الاحتجاج به عندنا نحتج به ما في خلاف لأنك إن كانت ثقة ولّا ثبت ما في خلاف كيف . كلمة حافظ يحتاج إلى لو قال كحافظ عدل يعني مع الجميع علشان تساوي حافظ عدل -يعني- ثقة.
لكن هذا مما يستدرك على المؤلف رحمه الله اللهم إلا إذا كان مراده الحافظ يعني معروف من حفاظ الحديث نعم -يعني- ألا يمكن أن يوجد حافظ وليس بعدل . يكون هذا حافظ .من كبار الحفاظ ومع ذلك ليس بعدل لا لا يا أخي المسألة تحتاج إلى محاسبة نعم شوف صدوق أيش اللي بيقولوا عليه صدوق هذا محل اتفاق .. بدءا من ابن أبي حاتم ما يرى الاحتجاج بالصدوق وقبله أبوه وابن الصلاح يقول لا يحتج به السخاوي يقول لا يحتج به لماذا لأن كلمة صدوق وإن أشعرت بالعدالة إلا أنها لا تشعر بشريطة الضبط قد يكون الإنسان صدوق ملازم للصدق.
لكن هل نشعر له ضابط نعم شخص لا يكذب لكن الضبط مشترط هل هذا اللفظ يشعر بشريطة الضبط لا يشعر بشريطة الضبط وقد نص على ذلك العلماء إذا لا يحتج بخبر الصدوق على هذا القول آخرون يرون أنه يحتج بالصدوق وما شهر هذا القول ابن حجر استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين كلهم أنه يحتج به . يحتاج إلى شاهد نعم حديثه ليس من الصحيح ولا ينزل إلى درجة الضعيف يتوسط . الحسن طيب حجة أولئك الذين يقولون لا تشعر بشريطة الضبط ما حجتهم . قد.عليه صدوق طيب صدوق. الضبط هكذا ما يدل عليه اللفظ.(1/414)
أنت لو في يوم عيد وجاء إلى بيتك أكثر من مائة من أجل التهنئة وكل من طرق الباب ادخل يا فلان نعم افتح فتح السالم .. فلان عند الباب بالفعل وجدته صحيح والثاني كذلك والثالث والعاشر والمائة كلهم كلامهم مطابق إذا يستحق الوصف ولّا ما يستحق يستحق الوصف بأنه صدوق لكن لم تسأله عن من جاء الأمس . من جاء الأمس يمكن ما يجاوب -يعني- هل فيه تلازم بين الصدق والحفظ هذه حجة من يقول إن الصدوق قد يكون صدوق ما يكذب نعم ومع ذلك شريطة الضبط لا بد منها عندهم.
الذين يقولون إن الصدوق احتجوا به أيش حجتهم يقولون صدوق صيغة مبالغة صيغة مبالغة والذي يقع الخطأ في كلامه. ولا يكون عن طريق القصد -يعني- تسأله من جاء بالأمس يقول لك لا أدري نعم صدوق صيغة مبالغة يعني أنه ملازم للصدق فلا يقع الكذب منه لا عمدا ولا سهوا فالذي تسأله عمن جاء بالأمس يخبرك عن عشرة عشرين ويبقى ثمانين ما يذكرهم هذا ما يستحق الوصف بصيغة المبالغة حتى يضبط تبين وألا ما تبين المسألة دقيقة أيها الإخوان لكن ما تقرءون الكتاب . استحقاق الوصف بصيغة المبالغة له دلالته شو هو الصدق عندهم الصدق عندهم ملازم لمطابقة الواقع بمعنى أنه لا يحصل منه كذب لا عمدا ولا سهوا بمعنى أنه لا يقع منه خطأ.(1/415)
فلا يستحق هذا الوصف بالمبالغة إلا إذا كان متصفا بصفة الضبط ولذلك احتجوا به وقبلوه فإذا سألته من حضر منهم ذكر اللي حضروا. سألته من حضر أمس يعطيك فعدوله من صادق إلى صدوق -يعني- أنه ملازم للصدق في جميع أحواله فلا يقع الكذب لا عمدا ولا سهوا والكذب عند أهل السنة يطلق على الكذب المتعمد وما يقع من خطأ ولا واسطة بين الصدق والكذب عندهم بخلاف المعتزلة يقولون الكلام لا صدق ولا كذب نعم نحن نقول صدق الله وكذب بطن أخيك كذب فلان عادي هذا يقول كذب فلان يعني أخطأ هم عندهم عموما حتى المؤتمن عند أهل السنة أنه لا واسطة لكن يبقى مسألة الإثم الإثم على المتعمد أما من يقع بكلامه خطأ نقول لا إثم.
ثم صدوق أمنوا يعني مأمون لا بأس به وهذه إذا أطلقها ابن معين إذا قال إنه لا بأس به يعني ثقة فعند غيره هو في المرتبة المتوسطة يصنفونه مع صدوق بعدها المرتبة الساسة فصالح الحديث صالح الحديث مع مقاربه والصلاحية أعم من أن تكون للإحتجاج أو الاستشهاد فليست مثل صدوق أقل من صدوق ثم صويلح هذه السابعة صويلح وما ماثلها وأحيانا يقرن بإن شاء الله وأحيانا يقولون في الصدوق له أوهام وهو يخطئ أو صدوق يخطئ فإذا قرن به شيء يضعفه قوي الخلاف في عدم قبوله إلا ..
ثُمَّ صُوَيَلِحٌ وَمَا مَاثَلَهَا
مِنَ الصِّفَاتِ قِسْ بِتَرْتِيبٍ لَهَا
قس -يعني- إذا وجدت لفظا لم ينص عليه فانظر .اللي يقاربه من الألفاظ المنصوص عليها المرتبة.
وَالْخُلْفُ في التَّعدَيلِ مَعْ إِبْهَامِ
وَالرَّدُّ قَوْلُ أَكْثَرِ الأَعْلامِ
الخلف في التعديل مع الإبهام يعني إذا عدل هذا قال حدثني الثقة حدثني الثقة في مثل هذا فيه خلاف يرده أكثر أهل العلم لأنه قد يكون ثقة عنده وغير ثقة عند غيره فلا بد أن يسميه لينظر فيه ينظر في حاله.
ومبهم التعديل ليس يكتفي
مع الخطيب والفقيه الصيرفي(1/416)
على كل حال القول الأكثر أنه لا بد أن يسميه أما أن يكون ثقة عنده وهو عند غيره ليس بثقة يقول يتوسط بعضهم يقول إنه يقبل من الإمام المتبوع في حق أتباعه عليه أن يقبلوا تعديله على الإبهام فإذا قال مالك حدثني الثقة لزم المالكية كلهم أن يوثقوا هذا ويصححوا هذا الخبر ومثله لو قاله الشافعي أو غيره هم يقلدونه في الغاية في الحكم فكيف بوسيلته الذي هو الراوي.
والخلف في التعديل مع إبهام
والرد قول أكثر الأعلام
سواء قال أخبرنا عدل الثقة
كَقَولِهِ أَخْبَرَنِي الْعَدْلُ الثِّقَهْ
مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفاً لَهُ فَحَقِّّّقَهْ
-يعني- ما لم يكن الشخص معروفا ومثله من قال جميع أشياخي ثقات من العلماء من لا يروي إلا عن ثقات من لا يروي إلا عن ثقات هذا يستروح بعض أهل العلم إلى توثيقه ولو على . فحققه
وَالجرْحُ عِنْدَ الدَّاعِ نُصْحٌ فَاعلَمَهْ
....................................
قد يقول قائل إن الله جل وعلا حرم الغيبة والعلماء يقدحون فلان ضعيف فلان متهم فلان كذاب أليست من الغيبة الأصل أن الأعراض مصونة حرام على المسلم أن ينتهك عرض أخيه إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ؛ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا يعني المسألة ليست بالسهلة يقول ابن دقيق العيد: (( أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام)) ومعنى كلام ابن دقيق العيد أن الكلام في أعراض المسلمين في غاية الخطورة حفرة من حفر النار.
لكن وقف على شفيرها العلماء والحكام لأنهم يقعون أو يوقعون غيرهم ممن يتكلموا فيهم باعتبار أنهم متصدرين للناس فهم برزوا للناس وكثر الكلام فيهم فهم على شفير ما يرمون فيه من تكلموا فيهم هذا كلام ابن دقيق العيد هذا معناه أو أنهم بصدد أن يتكلموا في الناس وهم . أذلة قدم أن يتكلموا في الناس بغير حق فيخشى عليهم من الغيبة على كل حال اللفظ محتمل سواء هم يتكلمون أو يتكلم فيهم.(1/417)
وَالجرْحُ عِنْدَ الدَّاعِ نُصْحٌ فَاعلَمَهْ
....................................
والدين النصيحة وكثير من الناس يبدأ الموضوع في كلام في الآخرين قصده محض النصيحة لا شك ما يشك فيه لكن لا يلبث أن تتدخل حظوظ النفس أثناء الكلام فيأثم بها فالذي لا يستطيع أن يضبط نفسه لأن الغيبة أبيحت في مواضع نعم أبيحت في مواضع سواء أهل العلم . . هو واجب أن يتكلم في الرواة لأنه . صيانة للشرعة المكرمة من الضياع التصحيح والتضعيف لا يمكن إلا بها لأنه أورع الناس الأئمة تكلموا في الرواة انتقدهم من انتقدهم من الجهال لكن لا قيمة لانتقادهم لأنه لولا الكلام في الرواة جرحا وتعديلا ما عرفنا الصحيح منه.
لكن على الإنسان أن يهتم بهذا الباب ولا تدخل فيه حظوظ النفس لأنه ينتقل من كونها نصيحة إلى أن تكون غيبة قد تذهب إلى مسئول تحذره فلان أنه يقع في كذا وكذا هذه نصيحة لكن يبدو أنك . نفسك إذا لم يجب عليك أن تقتصر على القدر الواجب اللازم ولا تتعدى ما يتم به هذا الأمر الأمر الثاني أنك تحطاط لنفسك فإذا خشيت أن يدخل في أثناء الكلام شيء من حظك مما يترتب عليه تنقص أخيك هذا قف لأن أهم ما على الإنسان نفسه فليحفظ نفسه والجرح عند الداع نصح يعني عند الداعي إليه إذا دعت إليه الحاجة نصح فاعلمه
.........................................
صِيَانَةً للشِّّّّّرْعَةِ المُكَرَّمَهْ
فاعلمه صيانة للشرعة المكرمة.
وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ عَدْلٍ فَقِيهْ
مطلع ..................................(1/418)
لا بد لأن الناقد المعدل والجارح له شروط عند أهل العلم . كل إنسان يعدل رواة ولذلك أهل العلم في النقاد يتكلمون أهل العلم يتكلمون حتى في النقاد ونصوا على أن أبا الفتح الأزدي وله مؤلف في الجرح والتعديل قالوا وأبوفتح الأزدي غير مرضي في كلامه على الرجال معنى ذلك إنك إذا وقعت في شخص هذا وقع في أشخاص فالتحذير منه أو بيان منزلته لدى أهل العلم أمر لا بد منه مطلع ، لا يتكلم إلا . إلا بشيء .. وتوقعات في الطلب عارف بالسبب الذي من أجله يعدل والسبب الذي من أجله يجرح.
وَالرَّاجِحُ اشتراطُ أن يُفَسَّرَا
وَكَونُهُ مِنْ وَاحِدٍ مُعْتَبَرَا
نعم يرجح أهل العلم تفسير الجرح يشترطون تفسير الجرح .. لكن لا يشترطون التفسير في التعديل يقولون لأن الجرح يحصل بشيء واحد ما يحتاج إلا متعدد ضعيف لأنه فاسق مثلا ضعيف لأنه مبتدع ضعيف لأنه كذا لا يضار لكن إذا قلت عدل نقول له لأيش عدل تعدل لا بد أن تعدد جميع أسباب العدالة فيشترط لتفسير التعديل فيه تذكر كل الواجبات وأنه ما يترك منها شيء ولا بد أن تذكر جميع المحرمات وأنه لم يقارف منها شيء لكن هذا لا يلزم نعم بينما الجرح يحصل بشيء واحد وعلى هذا اشترطوا تفسيره طيب يشكل على هذا شيء وهو أن كتب الرجال ما فيها تفسير الذي يعول عليها أهل العلم ما فيها تفسير.(1/419)
قال أحمد ضعيف قال ابن معين ثقة قال فلان لا بأس به قال ما قال ضعيف لماذا فاشتراط تفسير الجرح وإن كان القول الأكثر يؤدي إلى تعطيل العمل بهذه الكتب ابن الصلاح أورد هذا السؤال وأجاب عنه فقال إن هذا يوجد عندنا ريبة وتوقف في الراوي ولا نجزم بضعفه حتى نقف على السماع هذا كلام ابن الصلاح وتبعه عليه قوم لكن يبقى ما إذا متى نتوقف -يعني- نتوقف بنسبة تسعين بالمائة من الرواة الضعفاء يعني لن نقف خلاص كلهم قالوا ضعيف بدءا من أول كتاب إلى آخر كتاب . المسألة منهم أحمد وابن معين إن هذا ضعيف لماذا وين هذا هذا لا شك أنه يترتب عليه تعطيل الكتب أو التوقف في جل السند.
ولذا يرى جمع من أهل العلم أن هذا التجريح غير المفسر إذا لم يعارض بتصديق نعم أنه يقبل ولو لم يفسر -يعني- المسألة افترضت في راوي ما عدل وجرح فإعمال قول الجارح أولى من إهماله لكن إذا تعارض فيه الجرح والتعديل ولو فسر الجرح الأصل العدالة ومنهم من يرى أن الحكم إذا جرحه أكثر من واحد نعم قوي أنه لم يكون إلا بجارح لأنه قد يخطئ الإنسان في تقديره لكن إذا انضم إليه غيره من أهل العلم غلب على الظن أنه مجروح بحق.
وكونه من واحد معتبرا نعم من أهل العلم من يشترط في تعديل الرواة وتجريحهم التعدد قياسا على تزكية الشهود قياسا على تزكيتهم في الشهود -يعني- لو جاء شاهد . واحد ما يكفي لا بد أن يزكيه اثنان أو يجرحه اثنان لكن الشيخ اختار القول الصحيح في المسألة وكونه من واحد معتبرا هذا هو الراجح لأن من يقبل الخبر بكامله من واحد إذا يقبل القول في راويه من واحد يقول الحافظ العراقي:
وصحح اكتفاؤهم بالواحد
جرحا وتعديلا خلاف الشاهد
الشاهد لا بد من اثنين أما في الجرح والتعديل يكفي واحد.
وليحذر العبد من التساهل فيه التساهل في الجرح.
وليحذر العبد من التساهل
فيه ومن خوض بلا تأهل(1/420)
كمن يخوض في عبد . والراجح عندي وهو ما تأهل لا يعرف القواعد التي يرجح بها التعديل أو التجريح وفي هذا لفتة من الشيخ وقبله أهل العلم ممن كتب في هذا الباب يحذرون المسلمين عموما وعلى وجه الخصوص العلماء وطلاب العلم يحذرونهم من الخوض في هذا الباب أولا الجرح إنما هو نصيحة عند الحاجة فما دعت الحاجة لا يجوز الأصل صيانة عرض المسلمين ومع الأسف الشديد أنه يوجد الآن من يرفع لواء الجرح والتعديل من غير حاجة من غير حاجة إذا وجد مبتدع ويخشى من تعدي بدعته وتعدي ضرره إلى الناس يحذر منه عرف شخص بأنه ينحى منحا يخالف الجادة يبين الخطأ نعم وإذا بين الخطأ من غير تسمية وفهم الناس خلاص يكفي من غير تصريح إذا احتيج إلى التصريح صرح به لكن عموم الناس ...
فعلى الإنسان أن يحفظ يحفظ نفسه أهم ما على الإنسان نفسه ويحفظ عمله ويحفظ رصيده من أن يضيعه لا يكون مفلسا يوم القيامة يأتي بأعمال ويتعب ثم بعد ذلك يوزعها على أبغض الناس إليه كما جاء في حديث المفلس فيحذر طالب العلم عليه أن يحذر ومن اشتغل بهذه الأمور واشتغل بعيوب الناس ونسي عيبه لا شك أنه يحرم بركة العلم والعمل ولا بد من حفظ اللسان وجاءت الوصية بحفظ اللسان في نصوص كثيرة ولما قال معاذ وإنا لمؤاخذون بحصائد ألسنتنا قال نعم ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم فالأمر ليس بالسهل ثم ذكر الناظم رحمه الله تعالى مراتب التجريح وجعلها سبعا كمراتب التعديل.
مراتب التجريح سبع فاكتب
كأكذب الناس وركن الكذب(1/421)
هذا أفعل التفضيل يقابل المرتبة الثانية من مراتب التعديل يعني لو أردنا المقابلة الثانية بين مراتب التعديل ومراتب التجريح إذا كان أفعل التفضيل المرتبة الثانية في التعديل وهي الأولى عند كثير من أهل العلم الذين لا يذكرون الصحابة وأنهم ليسوا بحاجة إلى أن يذكروا في المراتب نأتي بأكذب الناس وركن الكذب مثل ما قالوا إليه المنتهى في التثبت قالوا هذا ركن الكذب ومثله أيضا دجال من الدجاجل نعم يليه كذاب صيغة المبالغة ووضاع ووضاع دعوا يعني وصف بكونه وضاعا أو كذابا وبعده في المرتبة الثالثة يكذب.
ولا شك أن يكذب الإخبار عنه بأنه يكذب أقل من كونه مبالغ في وصفه بأنه كذاب وبعده يكذب كذاك يضع مثله يضع مثل يكذب المقصود يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أما كونه يكذب على الناس هو الرابع متهم بالكذب أما يكذب ويضع هذا على النبي -عليه الصلاة والسلام- يليه رابعها متهم بالكذب وعرفنا متى يتهم الراوي بالكذب أنه إذا اشتهر بكذبه في الكلام العادي في كلامه مع الناس يكذب يكون حينئذ متهم وليس بكذاب ولا يكذب -يعني- على النبي -عليه الصلاة والسلام- وكذلك لو جاء حديث لا يعرف إلا من قبله ويكون مخالفا للقواعد أو ما علم من الدين يكون حينئذ متهم بأنه أخطأ فيه بالكذب والوضع.
متهم بالكذب ومتهم بالوضع ساقط عن درجة الاحتجاج والاعتبار ساقط هالك هالك فلان هالك كذا ذاهب الحديث كلها . متهم بالكذب هالك خلاص كلها هلك هالك -يعني- كل هؤلاء الهالكين (دُوُل) ما هم ثقات نعم أو المسألة اصطلاحية المسألة اصطلاحية والعرف عند أهل العلم لا سيما المتأخرين إذا قيل هلك فلان نعم فلان مرضي ولا غير مرضي العرف عرف عند العلماء المتأخرين نعم غير مرضي بلا شك إذا قالوا هلك فلان أنه غير مرضي لكن معناها من حيث اللغة واستعماله الشرعي بمعنى مات حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ نعم هذا...(1/422)
فمن ناحية الاستعمال اللغوي والشرعي ما فيها إشكال لكن الاستعمال العرفي لا يستعملها أهل العلم إلا في حق من لا يستحق المدح كذلك ذاهب الحديث ليس بمأمون ليس بمأمون يعني على الحديث كذا فيه نظر فيه نظر
....................................
متروك عنه سكتوا لا يعتبر
فيه نظر سكتوا يعني هذه ألفاظ قوية ولا خفيفة كيف خفيفة يعني فيه نظر سكتوا عنه لا شك أنها توحي بأنها -يعني- أمره سهل لكن هل كيف تقدم فيه نظر وسكتوا عن هو واه ارم به ليس بشيء -يعني- سكتوا عنه من ليس بشيء وجعلوها فوق ليس بشيء سكتوا عنه نعم.
وفيه نظر هذا خاص بالبخاري رحمه الله البخاري رحمه الله تعالى إسناده الورع متين وعنده أيضا تحري نعم فلا يطلق اللفظ الشديد ولو كان المجروح جرحه شديدا وإنما يقول فيه نظر سكتوا عنه ويقصد بذلك أنه شديد الضعف مثل هالك ذاهب ولا يعتبر به كلها شديدة لأنها فوق مرتبة مطروح التي تليها المرتبة الخامسة وواه طرف حديث ارم به ليس بشيء ليس بشيء وهؤلاء أصحاب المراتب الخمس
............. عنهم لا يكتب
ما قد رووه بل عليه يضرب
هؤلاء روايتهم وجودها مثل عدمها لماذا لا يكتب حديثهم ولا يعتبر به ولا يصلحون للإستشهاد ولا للمتابعة لأن ضعفهم شديد بمعنى أنه لا ينجبر إذا كان ضعفهم لا ينجبر لماذا نكتب حديثهم الذي يكتب حديثه للإعتبار لينظر.
لكن قد يكتب حديث الوضاع قد يكتب حديث المتروك قد يكتب حديث المتهم ليكون الطالب على علم به كما دونوا الأحاديث الموضوعة يكتبون حديث الوضاعين لكن لا للاعتبار بها وإنما للحذر والتحذير منها فهؤلاء المراتب الخمسة هؤلاء وجود روايتهم مثل عدمها لا يعتد بهم لكن المرتبة السادسة
ثم ضعيف منكر مضطرب
ففيه ضعف ........................
السابعة أو مقال موجب
ليس بذاك فيه خلف ...............
.....................................(1/423)
-يعني- فيه خلاف طعنوا فيه طعنوا فيه كذا سيء الحفظ لين هذه الألفاظ خفيفة ضعيف منكر مضطرب يكتب حديثه وينظر هل وافقه أحد أم لا ففيه ضعف أقل منها أقل ضعف منها فيه ضعف أو مقال فيه مقال أو مقال موجب.
ليس بذاك يعني ليس بذاك القوي أو ليس بذاك الثقة أو ليس بذاك المتين فيه خلف فيه خلاف طعنوا فيه طعنوا فيه الآن أيهما أشد طعنوا فيه أو سكتوا عنه أيهما أشد على حسب ما ذكرنا الآن -يعني- سكتوا عنه عند البخاري أشد من طعنوا فيه عند غيره على حسب الترتيب لأن سكتوا عنه في المرتبة الرابعة وطعنوا فيه في المرتبة الأيش السابعة التي يكتب حديثه للإختبار والإعتبار كذا سيئ حفظ لين سيئ الحفظ لا يقبل حديثه لكن يقبل الانجبار على ما تقدم فيكتب حديثه لين لين يعني فيه ضعف خفيف فيه ضعف خفيف ويكثر الحافظ ابن حجر من هذا الإطلاق ويريد به.
. القاعدة التي قعدها ابن حجر في مقدمة التقريب يقول الخامسة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين ومناقشة هذه القاعدة والتطبيق عليها يحتاج إلى دورة فنشير إليها إشارة خفيفة لين -يعني- أنه لم يتابع في مروياته والكلام في هذه المرتبة عند ابن حجر يطول ولا نريد أن نفتح الملف لأنه لن ينغلق إلا . لضرب الأمثلة تعرف وتنكر -يعني- تعرف بعض حديثه وتنكر بعضه -يعني- يأتي مخلط يأتي بما يعرف ويأتي بما ينكر فيه قد تكلموا فيه قد تتكلمون مثل فيه خلف
....................................
وكتبوا عن هؤلاء ما نموا
-يعني- ما رووه .
عن غيرهم.. كتبوها، والكتابة هنا لأيش؟ للاعتبار والنظر، هل توبعوا أو لم يُتَابَعوا؟ ويُسْتَفَاد من أحاديثهم إذا جاءت من طرق أخرى ترتقي، على ما تقدم.
ما نموا..
للاعتبار دون أن يحتج به
....................................
. يعني: بمفرده، وإنما يُحْتَجُّ به إذا تُوبِعَ.
دون أن يُحْتَجَّ به..(1/424)
....................................
وعلم ذا النوع مُهِمٌّ فانتبه
. في غاية الأهمية. هذا النوع من علم الجرح والتعديل يحتاجه طالب العلم.. هو في أَمَسِّ الحاجة إليه.. أنا أريد طالب علم يُهَيِّئُ نفسه لأن يكون عالما في هذا الشأن.. أما شخص يبغي يقلد.. وإذا سمع: فلان صَحَّحَ الحديث.. يكفي.. فلان ضَعَّفَ يكفي.. هذا مسألة أخرى..
وَقَدِّمِ الجَرْحَ عَلَى التَّعْدَيلِ
عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى تَفْصِيلِ
يقدم.. وين؟ ضعيف مجزوم بضعفه.. لا لا.. السادس والسابع مَعًا يُكْتَبُ للاعتبار... يعني: ضعفه منجبر.. نعم؟ يعني: ضعيف تختلف وفيه ضعف؟ ضعيف مجزوم به.. الوصف ملازم له.. لكن فيه ضعف.. يعني ما تُفَرِّقُ بين: فلان معتزلي وفيه اعتزال؟ نعم.. أيهما أقوى؟ الثاني: أَخَفُّ بلا شك.. فلان منافق.. أو فيه نفاق؟ فلان جاهلي، أو فيه جاهلية .. فرق كبير.. نعم؟ هذا مثله.. واضح؟ طيب.
عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى تَفْصِيلِ
عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى تَفْصِيلِ
نعم.. الْجَرْحُ: إذا اجتمع في الراوي جرح وتعديل، ما الذي نقدم؟ قال: نُقَدِّمُ الجرح.. لماذا؟ لأن مع الجارح زيادة علم خَفِيَتْ على الْمُعَدِّل.. الْمُعَدِّل حكم على الظاهر.. والجارح عنده شيء قادحٌ ما عرفه الْمُعَدِّل.. وإلا لما عَدَّل.. فعلى هذا يقدم الجرح.. وهذه المسألة.. هذا رأي الأكثر.. لكن يبقى أنه إذا جرحه واحد، وعدله عشرة -مثلا- بعضهم يرجح التعديل بالكثرة.. وبعضهم يرجح بالحفظ والضبط والإتقان.. يعني إذا كان المرجح أحفظ وأقوى من الجارح.. يُقَدَّمُ عليه.
وقَدَّمُوا الجرح لكن إن ظهر
مَنْ عَدَّلَ الأكثرَ فهو المعتبر
كلام الحافظ العراقي..إن كان الأكثر معدلين..جرحه واحد.. نبذه واحد..وعَدَّلَهُ جمع من أهل العلم، يُقَدَّمُ التعديل.
وأما تقديم الجرح: فعند التساوي لا بأس.. لأن مع الجارح زيادة علم خفيت على الْمُعَدِّلِ.. نعم .
المبهمات
والمبهمات من أهم الفن(1/425)
في سند وقوعها أو متن
وعلمها يدرى بجمع الطرق
أو أخذها عن عالم محقق
وعلم أسباب الحديث وكذا
تاريخه من المهم فخذا
وليعرف الولا على أقسام
بالعتق والحلف وبالإسلام
وصح معْ تمييزه التحمل
أما الأدا فوقته التأهل
وليعرف الطالب للآداب
ما ينبغي للشيخ والطلاب
والصنع في كتابة الحديث
والعرض والسماع والتحديث
واعتنِ بالضبط وبالتصحيح له
فاكْتُبْهُ واضحا وبين مُشْكِلَه
ورحلة فيه كذا التصنيف له
وما به من التباس شَكَّلَه
واعرض على شيخك أو ثانٍ ثقة
أو فعلى أصل صحيح حققه
وعندما يسمعه لا يشتغلْ
بأي شيء باستماعه يُخِل
والشيخ مِنْ أصل له يؤدي
ولْيَفْصِلِ الحديث دون سَرْدِ
وواجب أداؤه بلفظه
لا غيره إلا لِفَوْتِ حفظه
وبحديث مصره فَلْيَبْتَدِ
ثم حديث غيره من بلد
وكثرة المسموع فيه يعتني
ليس بكثرة الشيوخ فافطنِ
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
والمبهمات من أهم الفن
في سند وقوعها أو متن
فالمبهم في السند تقدم في الكلام على الجهالة تسميته بمجهول الذات، وأنه لا بد من الوقوف على اسمه، وما قيل فيه جرحا وتعديلا؛ ليتم الحكم على الخبر.. على مَرْوِيِّهِ.. وما دام مُبْهَمًا فلن يمكن الحكم عليه البتة.
فالمبهم: أن لا يُسَمَّى الراوي: (عن رجل)- مثلا- اللهم إلا إذا ثبتت صحبته.. فالصحابة لا يحتاجوا إلى تسمية..لأن كلهم عدول.
.................... من أهم الفَنِّ
في سند وقوعها أو متن
إذا وقعت في السند.. هذا أمر لا بد منه، أن يوقف عليه.. وإلا لا...وإن لم يُوقَفْ عليه فهو .. الإمام المطلع الحافظ.. واسع الإطلاع له أن يُضَعِّفَ.. لكن ليس لآحاد الناس أن يُضَعِّفَ بمجرد أنه لم يَطَّلِعْ على تعيين هذا المبهم.. نعم. ليس له ذلك، ولو بحث ما بحث! أمَّا الإمام المطلع من الأئمة الحفاظ الكبار له أن يحكم.. يحكم عليه بالجهالة، ويُضَعِّف الخبر من أجله.
وعرفنا فيما تقدم أن الجهالة.. هل هي جرح، أو عدم علم بحال الراوي؟ هذا تقدم ذكره.(1/426)
هذا في السند، أما في المتن إذا جاء اسم شخص.. رجل سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-.. نعم.. نحرص على تعيينه.. نحرص.. لكن إذا لم نقف عليه.. كثير من الرواة.. كثير ممن يرد ذكره بالإبهام في متون الأحاديث، يقول الشراح: لم نقف على اسمه.. والأمر فيه أَخَفُّ من وروده في السند؛ لأن المقصود يتم بدونه.. نعم تعيينه يُحْتَاج إليه عند التعارض إذا كان هذا السائل مثلا متأخر الإسلام.. أو متقدم الإسلام، وعورض هذا الخبر بما هو بعده، أو قبله، نحتاج لمثل هذا؟ نعم.. قد نحتاج للتعيين إذا كان هذا الشخص متصفا بوصف.. نعم، متصف بوصف يمكن أن يُقَيَّدَ به الخبر.
تعيين المبهم يُحْتَاج إليه... لا يَقُلْ شخص: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم..لأيش نبحث عن الرجل؟ سأل..يهمنا السؤال والجواب.. لا، نقول: هذا مهم، عند أهل العلم، وألفوا فيه المؤلفات.. من أهمها كتاب الخطيب: " الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ، والنووي له كتاب.. وكثير من أهل العلم لهم كتب في هذا الباب.. لكن من أجمعها:" المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" للحافظ أبي زرعة ابن الحافظ العراقي.. هذا من أجمعها، وهو مطبوع.
وعلمها يدرى: كيف ندري؟ الرجل ده خلاص.. ما سُمِّيَ ما سُمِّيَ! كيف ندري؟
نقول: لا.. إذا جمعت طرق الحديث تقف على اسم الرجل إن شاء الله.. فعليك أن تجتهد وتجمع الطرق، إذا ما وقفت عليه الحمد لله.
أحيانا الرواة يقصدون حذف اسم الرجل، ولا يعتنون بالبحث عنه.. لماذا؟ سترا عليه.. نعم، لأنه سأل عن أمر لا ينبغي إشاعته ولا ذكره.. لكن هو يستفتي.. فلا يُذْكَرُ اسمه سترًا عليه.
وعلمها يدرى بجمع الطرق
أو أخذها عن عالم محقق
نعم العلماء الْمُطَّلِعون يدرون.. لا سيما مَنِ اعتنى بذلك، وألَّفَ فيه، وعِلم أسباب الحديث.. أسباب ورود الحديث مُهِمٌّ.(1/427)
قد يقول قائل: يهمنا نحن كلام النبي عليه الصلاة والسلام.. أقول: يعتنى بأسباب ورود الحديث كما يعتنى بأسباب نزول القرآن.. هل له من فائدة؟.. نعم له فوائد ما فائدة..
ذكر السبب تدل على أن الراوي ضبط الخبر إذا أورده بِفَصِّهِ.. بسببه ومُسَبَّبِهِ جزمنا بأن الراوي ضبط. أحيانا السبب - وإن كان المسألة عند أهل العلم كالمتفق عليها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب- لكن أحيانا نحتاج إلى السبب، لنقيد به الإطلاق، أو نخصص به العموم.. نعم.. قد نحتاج إلى هذا. وإن كان الجماهير، بل نُقِلَ الاتفاق على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.. أحيانا نحتاج إلى السبب، فنقيد به ما أطلق في العام، أو نخصص به ما عُمَّ في الحديث.. طيب.
المبهمات.." المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" مطبوع في ثلاث مجلدات ومحقق.. طبع قديما في جزء، ثم أعيد طبعه محققا..
أسباب ورود الحديث وتاريخه
عندنا: صَلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب الآن القيام مع القدرة حكمه؟ ركن.. ومقتضى هذا النص: عمومه يشمل الفريضة والنافلة؛ لأنه: صَلِّ قائما للصلاة. نعم.. تشمل الفريضة والنافلة.. فيجب على مَنْ أراد أن يصلي، ومستطيع للقيام أن يصلي قائما.. سواء كانت فريضة أو نافلة.
طيب: عندنا عموم آخر معارض: صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم حديث صحيح.
أيضا هذا يشمل.. نعم.. الفريضة والنافلة.. كيف نفعل لإزالة مثل هذا التعارض؟ تَعَارض عندنا عُمُومان: عموم الحديث الأول يقتدي عدم التصحيح للصلاة مطلقا من قعود إذا كان مستطيعا للقيام.. سواء كانت فريضة أو نافلة.. نعم.(1/428)
وعموم الثاني يقتضي أن الصلاة صحيحة لكن ليس له من أجر إلا النصف- فريضة كانت أو نافلة- طيب... انتهينا. كيف نجمع؟ هل نحمل الأول على الفريضة، والثاني على النافلة؟ نعم.. علشان أيش؟ ما الدليل على ذلك؟ نحتاج إلى أمر نتمسك به.. سبب ورود الحديث الثاني: النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد، والمدينة مُحِمَّة.. يعني: فيها حُمَّى.. فوجد الناس يصلون من قعود، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم فتجشَّم الناس الصلاة قياما.. قاموا.
أولا: هذه فريضة، ولّا نافلة؟ نافلة.. لأن ما يمكن يصلون قبل ما يجي النبي عليه الصلاة والسلام.. نعم.
أيضا: الحديث محمول على المستطيع؛ لأن غير المستطيع أجره كامل في الفريضة والنفل إذا صلى جالسا.. لكن هذا في النافلة من مستطيع القيام.
وأيش اللي يجعلنا نحمله على هذا؟ إلا سبب الورود، الآن. إلا سبب الورود لنزيل به التعارض.
فمعرفة أسباب ورود الحديث أمر في غاية الأهمية، وأُلِّفَ فيه مؤلفات، كما أُلِّفَ في أسباب النزول.
وعلم أسباب الحديث وكذا
تاريخه من المهم فخذا
تأريخ الحديث نحتاج إليه: معرفة المتقدم من المتأخر.. نحتاج إليه لمعرفة الناسخ والمنسوخ.. نعم.. هذا الحديث قيل في غزوة كذا، والثاني في كذا.. وهذا في مكة.. في المدينة.. في تبوك.. نعرف التواريخ.. نعم.
والتأريخ: مِنْ أَرَّخَ يُؤَرِّخُ تَأْرِيخًا.. تُسَهَّلُ فَيُقَال: تاريخ.. والسبب في التاريخ: كانوا يؤرخون بالوقائع، وهذا شأن الأمم الأمية كلها إلى وقتنا هذا.. نعم.. الأمم الأمية، أما الأمم الكاتبة تؤرخ بالسنين.. الأمم الأمية تؤرخ بالوقائع.(1/429)
لما كانت الأمة أمية لم يكتب لها كتاب يؤرخون: في غزوة بدر، في مكة، في المدينة، في تبوك.. ما يقولون: في السنة الأولى من البعثة.. في السنة الثانية من كذا.. نعم. ما يقولون هذا، لكن في عهد عمر رضي الله عنه احتيج إلى التاريخ.. احتيج إليه؛ لأنه جاء شخص في صَكٍّ.. في دَيْنٍ لفلان على فلان إلى شعبان... ينظر عمر رضي الله عنه: شعبان الماضي، ولّا شعبان القادم؟ ما في سنة.. يحتاج للتاريخ ولا ما يحتاج؟ يحتاج حاجة ضرورية.. فاحتيج إلى التاريخ، فاجتمع الصحابة على أن يكون مبدأ التاريخ من الهجرة، وأن يكون شهر الله المحرم هو أولها.
من ذلك اليوم الناس يؤرخون بالتاريخ الهجري، إلى أن خف وزن الدين، وأهل الدين، وهجرة سيد المرسلين على كثير من المسلمين، فأرخوا بتواريخ غيرهم تقليدا للناس!!
تقليد من جهة، وطمع في حطام الدنيا من جهة ثانية.. كيف طمع من حطام الدنيا؟ نعم.. ليزيد له يوم إذا أرخوا بالتاريخ الميلادي.. بدل ما يحاسبوا الموظف .بعد تسع وعشرين ممكن يزيد له يوم.. ثلاثين أو واحد وثلاثين أحيانا!
فنترك حضارتنا، ونترك ديننا، وما يصلنا به بسبب تواريخ الآخرين؟!! لا شك أن هذا خلل.
معرفة الولاء
وليعرف الولا على أقسام
....................................
الولاء: لقيت فلانا مولاه.. بلال مولى أبي بكر.. صحيح ولّا لا؟
....................................
بالْعِتْقِ والْحِلْفِ.......................
الحلف: يتعاهدون ويتعاقدون.. نعم على كذا.. على التناصر، على الاستعانة على طاعة الله.. يتعاهدون ويتواثقون، لكن لا يتبايعون؛ لأن البيعة خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، لم تحصل مع غيره.
....................................
بالعتق والحلف وبالإسلام(1/430)
الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي مولاهم.. مولاهم كان جده رقيقا ولّا لا؟ لا، ليس برقيق، إنما جده أسلم على يد يمان الجعفي والي بخارى فانتسب إلى جعف.. بأيش؟ بالإسلام.
سن التحمل
وصح معْ تمييزه التحمل
أما الأدا فوقته التأهل
طيب: متى يتحمل الطالب الحديث؟ ومتى يؤدي؟ يعني: متى يتحمل: يحفظ. ومتى يؤدي: يُحَدِّثُ.. ومتى يَكُفُّ عن التحديث؟
يتحمل التحديث إذا مَيَّزَ، والجمهور على أن الخمس السنين أول سن التحمل، وحجتهم حديث محمود بن الربيع حينما عقل الْمَجَّةَ التي مَجَّهَا النبي عليه الصلاة والسلام في وجهه من دلو، وكان ابن خمس سنين.
جاء في بعض الروايات أربع سنين، لكن الذي في الصحيح خمس. فجعلوا الخمس الحد الفاصل، قالوا: عقل محمود المجة.. إذن كل يعقل في الخمس.
لكن الصواب: أنَّ مرد ذلك إلى التمييز، فمتى مَيَّزَ.. فَهِم الخطاب، ورد الجواب، يمكن يحفظ.. شو المانع؟ أن يحفظ الحديث، ويحضر المجالس، ولو كان قبل خمس. وإذا لم يُمَيِّزْ لا يحضر.. نعم.. ولا يحفظ، ولا يُرْهَقُ ويضيق عليه، وهو لم يتأهل لذلك.
فالتمييز يتفاوت: منهم من يميز قبل الخمس، ومنهم من لا يميز إلى العاشرة، ومنهم من لا يميز مطلقا.. قد يستمر..
لكن هذا في الأمور الخاصة التي للإنسان أن يفعل أو لا يفعل.
وليبادر الأب بتعليم ابنه ما أمكن.. إذا تأهل، ولم يشق عليه ذلك، لكن إذا لم يتأهل فلا. الأمور العامة التي تشمل الناس كلهم لا بد من سن محددة في الشرع.. مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر لأن السابعة يندر أن يصلها الطفل وهو ما يميز.. نادر، والنادر ما له حكم.
والشرع حينما يلاحظ عموم الناس.. يعني تصور لو أنه قال: مروهم إذا ميزوا.. مروا أولادكم بالصلاة إذا ميزوا. تجد بعض الناس من الحرص يجيبه يقوم ويعثر سنة ونصف.. سنتين! يضيق على الناس ويؤذيهم.. يقول: مُمَيِّز.. من الحرص.(1/431)
وبعضهم عند باب المسجد يلعبون عياله عشر سنين.. في العاشرة يقول: والله ما ميزوا!! هذا من التشريع العام..ما يُتْرَكُ لاجتهادات الناس.. لكن كونه يطلب العلم أو لا يطلبه عن . خلاص.. إذا آنست منه شيئا وأنت تحرص عليه.. خَلِّهِ يسمع.
هذا هو الفرق.. يعني قد يميز قبل السبع... نعم قد يميز، لكن الشرع يضع سنا يميز فيه الجميع إلا ما ندر.
أيضا وضع التكليف بالخمس عشرة لأنه ما يمكن يصل.. يكون بالخمس عشرة سنة إلا مكلف.. إلا القليل النادر.. وهذا ما له حكم.. فإذا كمل خمس عشرة سنة مُكَلَّف.
وصح معْ تمييزه التحمل
....................................
يعني: إذا مَيَّزَ صح التحمل..فإذا حفظ بعد تمييزه يصح تحمله، ويحضر مجالس الحديث.
وأيضا يَصِحُّ تحمله ولو فَقَد الشروط.. يصَحُّ تَحَمُّل كافر.. يتحمل.. يحفظ حديثا.. يصح تحمل فاسق.. لكن متى نطلب الشروط؟ عند الأداء.. إذا أراد أن يؤدي وهو كافر قلنا قِفْ! خبرك غير مقبول.
لكن إذا قال: حَفِظْتُ وأنا كَافر، والآن هو مسلم؟ نعم.. يُقْبَلُ خبره.. جبير بن مطعم لما جاء في فداء أسرى بدر، حفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأ في صلاة المغرب بسورة الطور.. تَحَمَّلَها حال كفره، لكن قُبِلَتْ منه.. خُرِّجَتْ في الصحيحين وغيرهما؛ لأنه أداها حال إسلامه.
الطفل متى يُقْبَلُ خبره؟ إذا كُلِّفَ؛ لأنه ما يُؤْمَن أن يكذب.. ما هو مكلف.. يمكن يُؤَثَّر عليه؟ .. يمكن.. نعم.. ولذا لا يُقْبَلُ خبره، ولا تقبل شهادته.
فاسق تحمل حال الفسق- نعرف إنه فاسق- لكن إذا أدى وهو مكلف، الحساب هنا وقت الأداء.
.......................................
أما الأدا فوقته التأهل
يعني: جميع الشروط السابقة..
أجمع جمهور أئمة الأثر
والْفِقْهِ في قبول نَاقِلِ الْخَبَرِ
بأن يكون ضابِطًا مُعَدَّلَا
أيْ يَقِظًا ولم يَكُنْ مُغَفَّلَا
حافظًا إنْ حَدَّثَ حِفْظًا يَحْوِي
كتابَهُ إنْ كان مِنْهُ يَرْوِي(1/432)
نعم.. إلى أن قال:وفي العدالة، يقول أيش؟.....بأن يكون عادلا؟ لا بد أن يكون أيش؟ بأن يكون..؟ يقظا ..؟ لا . بأن يكون سليم الفعل من فسق ومن خرم مروءة ومن زكاه عدلان فعدل مؤتمن
الحفظ خَوَّان، ويحتاج إلى مراجعة مستمرة، ولا يطمئن الإنسان إلى حفظه.. الحفظ خَوَّان.. هذه الأبيات كنا نحفظها مثل الفاتحة، لكن... شغلونا عنها!
....................................
أما الأدا فوقته التأهل
آداب الشيخ والطالب
وليعرف الطالب للآداب
ما ينبغي للشيخ والطلاب
آداب الطالب والشيخ.. هذه من أهم ما يُعْنَى بها طالب العلم؛ لأن العلم بلا أدب أولا صاحبه لا يستفيد منه، وغيره لا يستفيد منه أيضا وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ نعم هذا يخاطب به الشخص نفسه، لكن يخاطب غيره أيضا أنه إذا كان عنده علم.. نعم إنه يؤخذ عنه العلم، ولو كان عنده شيء من الجفاء، ولذا يوصون الطالب بأن يصبر على جفا شيخه، ويوصون الشيخ بأن يصبر على الطالب.
يوصون الطالب بأن يكون حسن الخلق؛ ويوصون الشيخ بأن يكون حسن الخلق لأن الكلام موجه إلى فئتين.. طيب ما تيسر شيخ حسن الخلق.. تترك؟ ما تترك.. تأخذ عنه وتصبر على جفاه، فكل له من الخطاب ما يخصه.(1/433)
فأولا: على الجميع أن يصحح النية.. يعني فيما يُذْكَرُ في آداب الطالب، والشيخ المحدث أن يُصَحِّحَا النية، وأن ينويا بذلك وجه الله جل وعلا والدار الآخرة، ولا يُشَرِّكَان في هذه النية؛ لأن المسألة ليست بالسهلة.. العلم من أمور- العلم الشرعي- من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل تَشْرِيكًا... وحديث الثلاثة الذين هم أول من تُسَعَّرُ بهم النار معروف.. منهم من عَلِمَ وعَلَّمَ، فيجيب بأنه تعلم وعلم سنين طويلة.. خمسين.. ستين سنة.. يقول: لا، تَعَلَّمْتَ لِيُقَال عالم.. وعَلَّمْتَ لِيُقَال: مُعَلِّمٌ.. نعم... فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول مَنْ تُسَعَّرُ بهم النار، فليحرص طالب العلم على تصحيح النية.
أيضا يحرص على الآداب الأخرى، ويتجنب الآفات - آفات الحواس، وآفات القلب.
مما ينبغي أن يُهْتَمَّ به التقوى، لأنها خير معين على التحصيل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ يحذر كل الحذر من الكذب وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ والكذب على الله وعلى رسوله من أعظم الأمور من كذب علي متعمدا فَلْيَتَبَوَّءْ مقعده من النار وتقدم الحديث فيه.
الكذب على الله جل وعلا أمر خطير... وتقدمت الإشارة إليه.
أيضا، يحذر من الإعجاب بنفسه؛ لأنه إذا أعجب بنفسه احتقر الآخرين.. بل عليه أن يتواضع، ويعرف قدر نفسه .
والْعُجْبَ فاحذره؛ إن العجب مُجْتَرِفٌ
آمالَ صاحِبِهِ في سَيْلِهِ الْعَرِم
أيضا يحذر الكبر.. الكبر.. لا يتكبر على غيره، يعني أعطاه الله موهبة حفظ، ولّا فهم يتكبر على الناس، ويتغطرس عليهم...! لا.. فالله جل وعلا يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ من؟ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فلينتبه طالب العلم لهذا..(1/434)
والآداب للشيخ والطالب نحيله إليها في كتب علوم الحديث، وأُلِّفَتْ فيها الكتب.. ألف فيها الْكُتُبُ.. نعم.." الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، وفيه أيضا كتاب ابن جماعة. اسمه أيش؟ نعم.." تذكرة السامع والمتكلم والمتعلم"، وفيه أيضا كتب في "جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر.. كتاب عظيم، لا يستغني عنه طالب العلم.. وهذه الكتب ينبغي أن يُعْنَى بها طالب العلم ويديم النظر فيها.
صفة كتابة الحديث وضبطه
والصنع في كتابة الحديث
....................................
يعني: يكتب الحديث.. يكتب.. يحرص على كتابة الحديث؛ لأن الفوائد عموما تحتاج إلى تقييد، وتحتاج إلى كتابة؛ لأن
العلم صَيْدٌ والكتابة قَيْدُهُ
....................................
فالذي لا يكتب يخونه الحفظ أحوج ما يكون إليه، لكن ينبغي ألا يعتمد على الكتابة.. يكتب ثم يحفظ. وبعض المتقدمين يكتب لئلا تفوته الفائدة، ثم بعد ذلك يحفظه، ثم يتلف ما كتب؛ لئلا يعتمد على ما كتب، ثم بعد ذلك ينسى.. إذا خبرنا.. الحديث موجود.. والكتاب..نعم.. سهل.. وأنتم مر عليكم لعهد قريب أرقام التليفونات كلكم تسجلونها.. نعم.. لكن الآن جاء الجوال يخزنه.. رقم أمه ورقم أبيه ما يحفظه... لأنه خلاص اعتمد على هذا.. فالكتابة أمرها مهم جدا، وأهم منها الحفظ.. نعم..
والصنع في كتابة الحديث
والعرض........................
اعرض ما كتبت على الأصل، وقابِلْ وقَارِنْ، واعرض ما كتبت على الشيوخ، لا سيما إذا كان هذا من تأليفك.. دعهم يُسَدِّدُوك.. نعم إذا سددوك وصححوا.. وتمرنت على.. ألف "والعرض والسماع" يعني: اسمع من الشيوخ.
"والتحديث" حَدِّثْ أيضا إذا تأهلت له.(1/435)
"واعتنِ بالضبط" اضبط كتابتك.. جود ما كتبته.. اعتنِ به.. بعض الناس -وهذا يوجد حتى عند المتقدمين- يفرقون بين الكتابة التي لذات الكتابة، وبين خط التعليق. يعني عندهم خطوط.. يعتنون يضبطون الكتاب بخط النسخ الجميل.. نعم، هذا للثابت.. أما خط التعليق والْمَشْق وغيره من الخطوط المستعجلة، يحتاجون إلى هذا إذا كان الوقت لا يُسْعِفُ.
ومِنْ أهل العلم من دَيْدَنُهُ ذلك..ما يرفع القلم؛ لأن وقته- عمره كله- ما يُسْعِفُ، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ما يرفع القلم.. يأتي شخص وهو جالس..: هذه فتوى يا شيخ.. تحرر عليها جوابا.. وهو مُسْتَوْفِزٌ يريدها.. ما جلس على الأرض، يكتب له مائتين وثلاثين صفحة ما يرفع القلم..! "الحموية" وين؟ بين الظهر والعصر! شيء ما يخطر على البال! تدرس "الحموية".. وقتا طويلا.. يعني ما يكفيها الدارسة سنة يعني على وجهها.. كيف؟ "العقل والنقل" .."منهاج السنة" كيف" نقض التأسيس" أعاجيب!! فتوح من الله جل وعلا.
فَعَلَى طالب العلم أن يعتني بكتابته، ويعتني بالضبط أيضا؛ لأنه الآن يكتب وهو مستعجل، إذا راجع يصعب عليه أحيانا..
"وبالتصحيح له" تصحح عند مقابلة المكتوب بأصله، أو على الشيخ.. نعم.. يصحح ما فاته.. يُلْحِق.. يسمونه اللحق.. اللي يسقط من الكلمات، أو من الجمل، وأحيانا يسقط سطر.. يُلْحِقُهُ ..ويقول.. يُخْرِجُ له، يُخَرِّجُ له تخريجا، ثم يضع في المقابلة هذا التخريج، ويكتب عليها (صح).
وهذه الأمور بسطها يحتاج إلى وقت طويل، ويحتاجها كل من يعاني التأليف، أو تحقيق الكتب، ونشر الكتب.
وعلماء الحديث سبقوا غيرهم بقرون في كتابة الحديث، وضبطه، وإتقانه.
"فاكتبه واضحا"
يعني: لا تدقق الحرف، باعتبارك نظرك ستة على ستة! لا بيجيلك وقت قد النظارة ما تسعفك.. أحوج ما تكون إليه.. يعني إذا ضعفت الحافظة واحتجت إليه..احتجت إلى نظارة.. لا..لا.. اكتبه واضحا من أول الأمر..(1/436)
"وبَيِّنْ مُشْكِلَه" مُشكله؛ بَيِّنْ.. وَضِّحْ ما يُشْكِلُ من معانٍ.. عَلِّقْ عليها في وقتها؛ لأن المعنى قد يسعفك الآن، لكن فيما بعد!! تذهب عن المعنى.. يفتح الله عليك بتفسير كلمة أو جملة ثم بعد ذلك تحتاجها ما تجدها!! بَيِّنِ المشكل سواء كان في المعاني، أو في الألفاظ.
لفظ مشكل يلتبس بغيره وضحه.. أشكله.. اضبطه بالشكل.
ومنهم مَنْ يرى أن الشَّكْلَ لجميع الكلام.. يُشْكَلُ كل شيء.. كل حرف... والمحققون يرون أن الذي يُشْكَل الْمُشْكِل.. فقط.
"ورحلة فيه" ارحل.. هذه سنة عند أهل العلم.. رحل موسى عليه السلام إلى الخضر، ورحل علماء هذه الأمة بدءا من الصحابة: رحل جابر إلى عبد الله بن أنيس من أجل حديث شهرا..! وكتاب "الرحلة في طلب الحديث" للخطيب البغدادي فيه نماذج رائعة من هذا النوع.. وما زال الناس يرحلون، لكن نسأل الله جل وعلا أن نُخْلِصَ النيات. يطلبون العلم في البلدان والآفاق.. لكن الإشكال في كون العلم الشرعي يُطْلَبُ في غير بلاد المسلمين.. والرحلة سنة مأثورة عند أهل الحديث، لكن ينبغي أن يُهْتَمَّ لأمر، وهو أنه قد يعترض هذا الراحل من أجل العلم أمور لا يجوز له مشاهدتها.. ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، إذا كان يريد أن يرحل لتحصيل علم، والازدياد من علم، ويقف على محرمات، أو يقع في المحرمات.. هذا ما استفاد!! خسر هذا.. فينتبه لهذا.
ورحلة فيه كذا التصنيف ...........
....................................
فيه، فالعلماء صنفوا، ويأتي أنواع المصنفات: منهم من يصنف على الحروف، منهم مَنْ يُصَنِّفُ على الأبواب.. منهم من يصنف على الرواة.. مصنفات كثيرة.. فهناك الجوامع، والسنن، والمعاجم، والمشيخات، والمسلسلات، والأجزاء، والفوائد.. كتب كثيرة لأهل الحديث.
ورحلة فيه كذا التصنيف له
وما به من التباس شَكَّلَهْ
يشكل ما يلتبس على.. في اللفظ..والأول في المعنى.. يحمل على المعنى، والثاني على اللفظ.(1/437)
واعرض على شيخك أو ثانٍ ثقة
أو فعلى أصل صحيح حققه
إذا وجد الشيخ الذي أملى هذه الأحاديث، ورواك هذه الأحاديث.. إذا عرضته عليه قال: رُوِيَ عني.. خلاص انتهى الإشكال.. يصير مأمونا مضمونا... لكن إذا لم يتيسر لك فاعرضه على أصل صحيح.
ومنهم من يشترط أكثر من أصل.. على أصول.. لكن يكفي أصل إذا كان صحيحا.. بخط عالم.. وهذا الأصل مقابل.. يكفي.. وهذا يحتاجه إلى.. يحتاجه مَنْ يحقق الكتب، فلا بد أن يجمع نسخا.. لا يكفي نسخة واحدة.. لا يكفي نسخة واحدة.. لكن إذا كانت نسخة فريدة ويخشى من ضياع العلم اللى فيها يجتهد في تصحيحها وتصويبها.
وظهر كتب كثيرة من نسخة واحدة، لكن ما يؤمن في هذه الحالة من الخلل.
وعندما يسمعه لا يشتغل
بأي شيء باستماعه يُخِل
يجيء بعض الإخوان .يرتخي وينام!! مثل هذا وجوده مثل عدمه!! هذا لا يكلف نفسه، وهذا بل يضر هذا.. يُجَرِّئُ البقية على النوم..! نعم.. وإذا تثاءب شخص تثاءب معه عشرة!! فمثل هذا عدم حضوره أفضل.
يعني في الدراسة النظامية يوجد بعض الطلاب، يقرأ في كتاب ثاني، أو في جريدة.. أو يتشاغل مع زميله!! لكن هذا لا يوجد في الطلاب الذين جاءوا من أجل العلم في بيوت الله جل وعلا.. هؤلاء لا يرجون شهادات، ولا يرجون شيئا.. نحسبهم كذلك، والله حسيبهم.
.................... لا يشتغل
بأي شيء باستماعه.........
تقدم ذكر قصة الدارقطني رحمه الله تعالى.. الدارقطني ينسخ معه كتاب آخر، ويحفظ والشيخ يملي.. فمثل هذا لا بأس.
صفة أداء الشيخ لحديثه
والشيخ من أصل له يؤدي
....................................
يؤدي من الأصل الذي نسخه عن شيخه، وقابله عليه، أو على أصله، نعم.. لئلا يخونه الحفظ فيقع في الخطأ.. ثم الطالب أيضا يخونه الحفظ، فيقع في الخطأ، فلا بد من الأصول المعارضة الموثقة.
والشيخ من أصل له يؤدي
وليفصل الحديث دون سرد(1/438)
الشيخ وهو يملي لا يسرع، ويهذرم ويأكل بعض الحروف.. لا.. يوضح.. ويفصل، بحيث يحفظ عنه الحديث على وجهه.. نعم.. إذا كانت هذه خلقة ..فإلى الله المشتكى!! بعض الناس خلقة ما يستطيع يفصل.. مثل هذا يؤخذ عنه هذا العلم، ويُسَدَّدُ من غيره، ويتثبت الإخوان بعضهم من بعض، ويقال للشيخ: ما هذا؟ يوقف عند بعض الكلمات التي تفوت. على كل حال مَنْ أمكنه التفصيل يُفَصِّلُ.. دون سرد..
وواجبٌ أداؤه بلفظه
لا غيرِهِ إلا لِفَوْتِ حِفْظِهِ
جاز بمعناه لأهل الفهم
حفظا وتبليغا لهذا الحكم
طيب الأصل أن يُؤَدَّى الحديث كما سُمِعَ نضر الله امرءًا سمع مني حديثا- فأيش؟- فَوَعَاه، ثم أداه كما سمعه هذا الأصل باللفظ.. لكن قد يعوز اللفظ.. يعجز..! يعجز عن استحضار اللفظ.. أجاز العلماء-الجمهور- أجازوا الرواية بالمعنى بشرطها، على أن يكون مَنْ أراد الرواية بالمعنى عارفًا بمدلولات الألفاظ، عالما بما يُحِيل المعاني.. لا بد.. أما شخص جاهل يهجم على السنة، ويؤدي من حفظه.. لا لا. وأسوء منه من يحرف المعاني، كما هو موجود الآن.. يقول : نحن رجال!! والصحابة رجال!! وعلماء الحديث رجال!! كُلٌّ يطالب بفهمه!! ويُحَرِّفُ في النصوص، وفي الشريعة.. نعم!! ويتصرف في شرع الله.. هذا نسأل الله العافية مُعَرَّضٌ للعقوبة العاجلة..
أما مَنْ هدفه حفظ السنة، وتبليغ السنة، وأعجزه اللفظ في ظرف من الظروف، أو وقت، ولم تسعفه الحافظة يجوز له أن يروي بالمعنى عند الجمهور، وإن احتاط فقال ما يدل على أنه روى بالمعنى...فهو أفضل..: أو كما قال... أو بنحوه.. أو بمعناه.. نعم.. لِيُبَيِّنَ للسامع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال هذا اللفظ بدقة.
على كل حال: الرواية بالمعنى عند الجمهور جائزة بشرطها، وأوجب الرواية باللفظ جمعٌ من أهل العلم، منهم: محمد بن سيرين..
جاز بمعناه لأهل الفهم أما شَخْصٌ فَدْمٌ ما يفهم.. هذا لا يجوز له أن يتصرف.. لا يجوز له ذلك..(1/439)
أيضا الكتب.. في الكتب المدونة، لا تجوز روايتها بالمعنى.. لماذا؟ لأنه لا يستحيل أن تروي باللفظ.. والرواية بالمعنى إنما أبيحت للحاجة.
وواجبٌ أداؤه بلفظه
لا غيرِهِ إلا لِفَوْتِ حِفْظِهِ
جاز بمعناه لأهل الفهم
حفظا وتبليغا لهذا الحكم
لئلا تضيع هذه السنة.. يضيع هذا الحكم الذي يستنبط من هذا الحديث..
شو.. سقط بيت.. أيهم؟
جاز بمعناه لأهل الفهم
حفظا وتبليغا لهذا الحكم
جاز بمعناه لأهل الفهم..
وواجبٌ أداؤه بلفظه
لا غيرِهِ إلا لِفَوْتِ حِفْظِهِ
جاز بمعناه لأهل الفهم
حفظا وتبليغا لهذا الحكم
أنتم يا إخوان اللي يريحكم الطباعة والتصوير.. أشكل عليك شيء تُصَوِّرُ.. فاتك الدرس من الإنترنت تسحبه ولّا أيش؟!.. يعني نِعَمٌ لا تُعَدُّ ولا تحصى.. لكن هل يستفاد من هذه النعم كما ينبغي؟ الله المستعان.
الظاهر أن العلم خلاف غيره من الأمور.. كل ما تيسر أمر صعب تحصيله.. خلاص.. في المتين يحتاج إلى معاناة.. نعم.. اقرأ .
صفة التصنيف في الحديث
وواجب أداؤه بلفظه
لا غيره إلا لِفَوْتِ حفظه
جاز بمعناه لأهل الفهم
حفظا وتبليغا لذاك الْحُكْمِ
وبحديث مصره فَلْيَبْتَدِ
ثم حديثِ غيره من بَلَدِ
وكثرة المسموع فيه يَعْتَنِي
ليس بتكثير الشيوخ فافْطَنِ
والجمع للحديث إن شا أسنده
حديث كل صاحب على حده
وإن يشأ على حروف المعجم
أو فعلى الأبواب للفقه افهم
وقصره على الصحيح والحسن
أولى ومع تنبيهه الجمع حسن
وإن يشا رَتَّبَهُ على العلل
مُبَيِّنًا فيه اختلافَ مَنْ نَقَلْ
أو فعلى الأطراف ثم لِيَسُقِ
في كل متن ماله من طرقِ
مستوعبا جميع ما قد وردا
أو بخصوص كتب تَقَيَّدَا
يقول الناظم رحمه الله تعالى:
وبحديث مصره فَلْيَبْتَدِ
....................................(1/440)
لما ذكر الرحلة، وشأن الرحلة عند أهل الحديث، ذكر أن الرحلة ليست مطلوبة لذاتها؛ لأنها زيادة تعب، وعناء ومشقة.. إنما تُطْلَبُ للحاجة، فعلى طالب العلم أن يُعْنَى بحديث مصره.. بلده.. فإذا أتم رواية حديث بلده، وما عند علماء بلده يرحل إذا كان عند غيرهم قدر زائد..
وبحديث مصره فَلْيَبْتَدِ
ثم حديثِ غيره من بَلَدِ
ينتقل إلى البلدان الأخرى ليطلب العلم، وإذا كان البلد ليس فيه عالم يؤخذ عنه العلم ينتقل لأول مرة، لكن إذا كان فيه عالم يمكن أن يستفاد.. يستفيد؛ لأن الرحلة ليست مطلوبة لذاتها.
وكثرة المسموع فيه يَعْتَنِي
ليس بتكثير الشيوخ فافْطَنِ
يعني: الرحلة علشان أيش؟ علشان تقول: رحلت، والتقيت فلانا وفلانا!! وإذا أردت أن تثبت شيوخك يُقَال: فلان له ألف شيخ.. هل هذا المقصد صحيح؟ كم من شخص ما له إلا شيخ واحد أفضل ممن له ألف شيخ ! لأن المقصود: العلم. أما إذا كان الهدف تكثير الشيوخ، ومباهاة الناس.. هذه حقيقة مُرَّةٌ، ونتيجة سيئة، تُنْبِئ عن خبث طوية، وسوء قصد.
لكن على طالب العلم إذا رحل يرحل لفائدة، لا ليقول: والله أنا التقيت بفلان وعلان.. لا..لا. لمجرد كثرة الشيوخ. "والجمع للحديث" التصنيف في الحديث مطلوب مِمَّنْ تأهل له، لكن طالب العلم لا يبادر بالتأليف قبل أن يَتَأَهَّلَ.. نعم.. له أن يضع مشاريع، له أن يكتب في بعض المسائل، له أن يُحَرِّرَ بعض القضايا، له أَنْ يختصر بعض الكتب..وكل هذه روافد للتحصيل، لكن لا على أساس أنه يفيد غيره..ينوي بذلك إفادة نفسه، وتبقى عنده هذه المشاريع، يعيد فيها النظر، إن أعجبته ورأى أنها تستحق النشر فيما بعد-إذا تأهل- له ذلك، وإلا فالأصل أنه لا يُصَنِّفُ حتى يتأهل.
لكن إذا صنف إن شاء صنف على المسانيد فيذكر الأحاديث بأسانيدها مرتبة على حسب رواتها..
..................... إن شا أسنده
حديث كل صاحب على حده
كما فعل الإمام أحمد، والطيالسي، وغيرهما ممن صنف على المسانيد..(1/441)
وإن يشأ على حروف المعجم
....................................
إن شاء على حروف المعجم سواء إن كانت للأحاديث أو للرواة -رواة الأحاديث- على حروف المعجم..
....................................
أو فعلى الأبواب للفقه افهم
يرتب الأحاديث على الأبواب.. يعني كما فعل البخاري ومسلم وقبلهما: الإمام مالك، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ابن ماجه كلها على الأبواب..والترتيب على الأبواب مهم جدا.. نعم.. على المسانيد يفيد في معرفة الطرق، وحفظ سلاسل المكثرين من الرواية، وهذه كتب الأطراف تؤدي الغرض فيها، يعني: من أراد حفظ الأسانيد بحيث إذا حفظ إسنادا واحدا تحته مائة حديث يرتاح، ويستعين على ذلك بتحفة الأشراف مثلا.. نعم.. "تحفة الأشراف"، أو "إتحاف المهرة"، أو" أطراف المسند" أو غيرها.. يستفيد من هذه الكتب فائدة عظيمة.
....................................
أو فعلى الأبواب للفقه افهم
وقصره على الصحيح والحسن
....................................
الذي يحتج به.. يقتصر على الصحيح والحسن، ولا يخلط الضعيف؛ لأنه لا يحتج به.
وقصره على الصحيح والحسن أولى من الخلط بحيث يكون الطالب تائها لا يميز بين المقبول والمردود..
....................................
أولى ومع تنبيهه الجمع حسن
يعني: إذا بَيَّنَ درجات الأحاديث، يجمع.. ما يخاف.. إذا بَيَّنَ قال: هذا صحيح، وهذا ضعيف، هذا حسن، وهذا مقبول، وهذا مردود، لا بأس.. الجمع حسن.. ليطلع الطالب على ما في الباب من أحاديث صحيحة أو غير صحيحة.
وإن يشا رَتَّبَهُ على العلل
مُبَيِّنًا فيه اختلافَ مَنْ نَقَلْ(1/442)
نعم.. الاختلاف على الرواة.. العلل.. وقد أُلِّفَ في ذلك المصنفات العظيمة، ومن أعظمها على ما قرر أهل العلم:" علل الدارقطني" فإذا تأهل.. لا أقول: الطالب.. أقول العالم.. إذا تأهل العالم للتصنيف على العلل، لا شك أن العلل من أدق أنواع هذا العلم وأغمضها، فلا يتأهل له إلا الواحد بالألف..! فكثير من الناس يقال: له عليك بالراحة.. أنت قدراتك لا تؤهلك للنظر في العلل ولا في كتب العلل! أنت انظر في كتب الأحكام، وأحاديث الأحكام..وبركة.. لكن إذا وُجِدَ نابغة. الطالب نابه متميز على غيره، يقال له: انظر وأَدِمِ النظر في كتب العلل، لعلك أن تكون مِمَّنْ يؤلف في هذا الباب.
وتقدم بيان معنى حديث الْمُعَلّ .
وإن يشا رَتَّبَهُ على العلل
مُبَيِّنًا فيه اختلافَ مَنْ نَقَلْ
أو فعلى الأطراف .............
......................................
الأطراف يُقْصَدُ بها: ترتيب الأحاديث بذكر أطرافها تحت أسماء رواتها، مثل "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، " إتحاف المهرة بأطراف المسانيد العشرة"، وغيرها" أطراف المسند" يُقْصَدُ بذلك.. نعم.. ذكر طرف الحديث..ما هو كامل.. طرف الحديث تحت الرواة، يعني: ممن رواه من الصحابة والتابعين.
وقد يُذْكَرُ ..تُكْتَبُ أطراف الأحاديث للتيسيير على الطلاب.. يذكر طرفه من غير نظر إلى صحابي، ويرتب على حروف المعجم.
ففيه تداخل بين هذه الأشياء، فإذا اقتصرت على الأطراف، ورتبت على الحروف، مثل "الجامع الكبير"، و"الجامع الصغير" وغيرها.. هذه كالفهارس، تكون كالفهارس لطلاب العلم.
.................. ثم لِيَسُقِ
في كل مَتْنٍ ما له من طُرُقِ(1/443)
يجمع الطرق لهذا المتن.. يذكر المتن بذكر طرفه، ثم ليسق ما له من طرق.. يعني مثل ما فعل الْمِزِّيُّ وغيره، لكي يعرف الطالب ما يدور، أو ما يصاحب هذا الحديث من خلل، سواء كان في متنه، أو في سنده، و أقول: طالب العلم كما يتربى على كتب الرجال بالطريقة التي شرحناها يتربى على كتب الأطراف بأن ينشرها.. أيش معنى ينشرها؟ الناس يبحثون عن المختصرات ويختصرون كذا..لا أنا أقول العكس.. لو هذا الكتاب المختصر " تحفة الأشراف" كم؟ أربعة عشر مجلدا- مثلا- نعم..أنا أقول : طالب العلم تربى عليه، وأرجع كل لفظ إلى مصدره، ونشره في خمسين مجلدا.. ما هم كثير.. ما ينتهي من هذا الكتاب، وينشره بجميع طرقه وألفاظه إلا تتكون عنده ملكة حديثية.. يمكن يضاهي الكبار.. نعم يحتاج إلى تعب، ويحتاج إلى عكوف، ويحتاج إلى أن لا يخرج الإنسان من بيته إلا إلى الضروريات والواجبات، فيدرك إن شاء الله تعالى.
........................... ثم ليسق
في كل متن ما له من طرق
مُسْتَوْعِبًا جميع ما قد وردا
....................................
مستوعبا جميع ما قد ورد في الجوامع، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، يستوعب كل ما يستطيع الوقوف عليه؛ ليكون إمامًا حافظا مُطَّلِعًا.. وهذا لا سيما إذا كانت الحافظة تُسْعِفُه، وإلا كثرة قراءة الأسانيد، وكثرة قراءة المتون والحافظة لا تُسْعِفُ.. أنا أقول: العناية بالقليل أفضل من الكثير، إذا كانت الحافظة لا تسعف، أما مَنْ تُسْعِفُه الحافظة يعتني بالكثرة.
مستوعبا جميع ما قد وردا
أو بخصوص كتب تقيدا
يعني: اختص بالصحيحين -مثلا-إذا كانت حافظته أقل، يعتني بالصحيحين، يذكر طرقه، يجمع ألفاظه، يعتني بها.
إذا كانت حافظته أوسع يعتني بالكتب الستة، ثم يبدأ يضيف إليها، إلى أن يحيط بأكبر قدر يستطيعه من السنة. كَمِّلْ .
خاتمة
وتم ما أمليت باقتصار
على أصوله مع اختصارِ
إذ كان هذا العلم لا يحيطُ
به مُطَوَّلٌ ولا بَسِيطُ(1/444)
لكن من كان أصولَهُ وَعَى
لم يُعْيِيِه منه الذي تفرعا
وهو فنون كل فن منه قد
أفرد تصنيفا فمن جد وجد
وحين تمت قرة العيون
سميتها باللؤلؤ المكنون
والحمد لله ختاما وابْتِدَا
ثم الصلاة والسلام سَرْمَدَا
على ختام الأنبيا أجمعين
وآله وصحبه والتابعين
والله أرجو رحمةً ومغفرة
لذنبنا وتوبة مكفرة
فهو الرحيم الغافر التوابُ
بيده الخير هو الوهابُ
أبياتها قُلْ قَمَرٌ به اسْتَنِرْ
تاريخا زجاء غيم ينهمر
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في ختام هذه المنظومة الطيبة الجامعة المفيدة النافعة، يقول الناظم رحمه الله تعالى:
وتم ما أمليت باقتصار
....................................
باقتصار واختصار شديد جمع أطراف هذا الفن بهذه الأبيات القليلة نسبيا.
....................................
على أصوله مع اختصارِ
على أصول هذا الفن، أما التفاريع والفوائد والاستطرادات تترك للمطولات.
إذ كان هذا العلم لا يحيطُ
به مُطَوَّلٌ ولا بَسِيطُ
علم الحديث وما يتعلق به بحر محيط، يعني: مَنْ قال إنه أحاط بالسنة يُقَالُ له: ليس بصحيح! لم يُحِطْ بالسنة أَحَدٌ.. يعني: إذا كان القرآن محفوظا بين الدفتين، ويحفظه الكبار والصغار، فالسنة بحر محيط.. لكن الله جل وعلا يعطي فلانا ما لم يُعْطِهِ لغيره. والنبي صلى الله عليه وسلم قسم هذا العلم، فكل منهم أخذ بقدر ما أعطاه الله جل وعلا، وقسم له وأراده.. نعم.
إذ كان هذا العلم لا يحيطُ
به مُطَوَّلٌ ولا بَسِيطُ(1/445)
يعني: لا مختصر، ولا مطول، مع أن كلمة بسيط هنا استعمال دارج يعني في المختصر، مع أن الأصل في البسيط: المبسوط... والشيخ لما قابل به الْمُطَوَّلَ يريد به الْمُخْتَصَر، والأصل أن البسيط يقابل الْوَجِيز. وقد أُلِّفَ كتب في هذا: البسيط، والوسيط، والوجيز، يعني البسيط هو المختصر؟ لا.. الوجيز هو المختصر.. البسيط: المبسوط الطويل، فعيل بمعنى مفعول.. نعم وفي الفقه :وسيط وبسيط ووجيز، وفي التفسير: بسيط، ووسيط، ووجيز، كما هو معروف.
لكن من كان أصولَهُ وَعَى
....................................
من وعى أصول هذا الفن، وأدرك حقيقة ما حوته هذه المنظومة، وفهمها على وجهها.
....................................
لم يُعْيِيِه منه الذي تفرعا
الفروع التي تتفرع على الأصول، والقواعد الكلية يدركها من الكتب الأخرى، وفهمها لا يُعْجِزُهُ إن شاء الله تعالى.
وهو فنون: كل نوع من أنواع علوم الحديث فن مستقل.. وأُلِّفَ في كل فن من الفنون كتاب مستقل.
وهو فنون كل فن منه قد
أفرد تصنيفا فمن جد وجد
نعم: ما فيه علم إلا بجد.. "لا يستطاع العلم براحة الجسم" أبدا.. لا يستطاع العلم بالراحة.. من جَدَّ وجد.. يقولون: ومَنْ زرع حصد.. إنسان يرجو الزرع وما زرع! لا يمكن!! كما أن زيدًا من الناس يريد العلم، ويمني نفسه بالعلم، وهو مرتاح البال! مرتاح الجسم! ما تعب، ولا عانى؟!! ما يمكن أبدا.
يقول:
وحين تمت قرة العيون
....................................
- هذه المنظومة-
....................................
سميتها باللؤلؤ المكنون
وقرة العيون، يقال: قَرَّتِ العين إذا بردت.. نعم، الذي يُفْرِحُ يقال له : قرة عين؛ لأن دمع الفرح بارد، والقر هو البارد.. يقابله: الحر.. والقار: يقابله الحار.. يقولون: من تولى قر .يتولىَّ حر..! نعم.. قرة العيون؛ لأنها أمر مفرح.. دمعها بارد.. نعم.. بخلاف دمع الحزن، فهو حار.
سميتها- هذا اسمها- اللؤلؤ المكنون.(1/446)
والحمد لله: كما بدأ الشيخ رحمة الله عليه بالحمد، ختم أيضا بالحمد. وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين
والحمد لله ختاما وابْتِدَا
ثم الصلاة والسلام سَرْمَدَا
أيضا ختم بذلك.. ثم الصلاة والسلام سرمدا، على ختام الأنبياء.. وختام وخاتم بمعنى واحد.. فهو خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة والتسليم..
خاتم الأنبياء أجمعين، وآله وصحبه.. جمع بين الآل والصحب؛ لأن لكل من الصحب والآل حقا على الأمة.. فالآل وصيته عليه الصلاة والسلام، والصحب حملة دينه، وناشرو ملته، ومُوصِلو الخير إلى الأمة، وهم الواسطة بينه وبين مَنْ جاء بعده.
والتابعين لهم بإحسان؛ لأنهم لهم أيضا حق في تبليغ هذا الدين، وفي اقتفاء أثر النبي عليه الصلاة والسلام بإحسان.
والله أرجو رحمةً ومغفرة
لذنبنا وتوبة مكفرة
نعم.. كل إنسان يرجو الله جل وعلا أن يغفر له، ويرحمه، ويستر عليه في دنياه وأخراه جميع ذنوبه. يسترها ويغطيها، ويمحصها، ويكفرها بالتوبة النصوح المقبولة المستجمعة للشروط.
فهو الرحيم الغافر التواب هذه من الأسماء الحسنى التي معرفتها من أهم المهمات لعموم المسلمين فضلا عن طلاب العلم؛ لأن آثارها تترتب عليها، يعني إذا عرفت أن الله جل وعلا رحيم.. ترجو منه رحمته، وتتعرض لهذه الرحمة.. وإذا عرفت أنه غافر الذنب.. تعرض نفسك لهذه المغفرة.. تواب: ترجو منه التوبة.. بيده الخير: بيده مجامع الخير كلها.. الناس لا يستطيعون أن يقدموا لك أي خير لم يكتبه الله لك.
هو الوهاب: الذي يَهَب، هو الذي يعطي، هو الذي يمنع.
أبياتها قُلْ قَمَرٌ به اسْتَنِرْ
تاريخها زجاء غيم ينهمر
هذا التاريخ والحساب على طريق الْجُمَّل معروف عند أهل العلم.. فَمَنْ يرتب لنا الحروف أبجد؟ ها.. هذه طريقتها تكتب الحروف مفردة ويوضع على كل حرف قيمته من الحساب.(1/447)
فعندنا.. مين يشوف لي بغتة كم توافق؟ بغتة.. تريد تكتبها من جديد..؟ بغتة.. الباء :اثنين، طيب.. والغين وين؟ ألف.. ألف.. الغين ألف.. آخر الحروف.. لا لا ألف.. بغتة.. التاء: دور لنا على التاء.. التاء: أربعمائة.. نعم.. والهاء: خمسة.. مين يجمع؟ ألف وأربعمائة وسبعة.. نعم. ولذلك ادعى بعضهم أن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة.. نعم.. اعمل حساب الْجُمل ألف وأربعمائة وسبعة.. تكررت كلمة "بغتة" نعم؟ في حساب الجمل قال: ألف وأربعمائة وسبعة.
نأتي إلى ما عندنا: أبياتها: قمر.. القاف كم؟ مائة..
والميم: أربعين.
نعم.. والراء: مائتين.
ثلاثمائة وأربعين.. جيد.. ثلاثمائة وأربعين. نشوف عاد:
زجاء غيم ينهمر:
الزاي: سبعة.
والجيم: ثلاثة.
والألِفُ: واحد.
الغين: ألف. نعم..
والياء: عشرة.. نعم.
والميم: أربعين.. طيب..
والياء: عشرة ثانية.
والنون: خمسين.طيب.
والهاء: خمسة.
ما شاء الله.
والميم: أربعين.. طيب.
والراء: مائتين.
اجمع عندك: سبعة وثلاثة وواحد إحدى عشر.
عندك ألف وعشرة، ألف وخمسين، ألف وستين.. ألف مائة وعشرة.. خمسة وأربعين.. مائتين خمسة وأربعين.. ستة.. ستة.. ألف وثلاثمائة وستة وستين.
طلعت مضبوطة ما شاء الله..
كم؟ ثلاثمائة وأربعين.. عندك الراء ألف.. نعم.
والميم أربعمائة نعم..
وين نعم.. عندك أيش؟ القاف: قمر: مائة، القاف: مائة، والأربعين.. هذه الميم قمر.. وعندك المائتين الراء.
ألف وثلاثمائة وأربعين.. اللي ما يستفيد إلا اللي يقطع الحروف هكذا، ويكتب على كل حرف ما يقابله من الأرقام.(1/448)
وبهذا نكون وفينا بما وعدنا به من إنجاز الكتاب.. والحمد لله.. ولا أذكر أني أنجزت كتابا في وقته.. لكنْ الإخوان حريصين على أننا ننتهي.. والمشقة يعني في التردد من شرق الرياض إلى هنا.. تعرفون أن الصلاة عليه خطر..فأسبوعين شاقة جدا.. وبذلك نكون انتهينا. وغدا إن شاء الله ليلة خميس، وبعده ليلة جمعة فسحة إن شاء الله، صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 - سورة الشعراء آية : 224.
2 - سورة الطور آية : 24.
3 - سورة إبراهيم آية : 34.
4 - سورة إبراهيم آية : 34.
5 - سورة البقرة آية : 40.
6 - سورة المائدة آية : 3.
7 - سورة آل عمران آية : 174.
8 - سورة النساء آية : 163.
9 - سورة الأحزاب آية : 56.
10 - سورة الأحزاب آية : 56.
11 - سورة الأحزاب آية : 56.
12 - سورة النحل آية : 44.
13 - سورة النجم آية : 3-4.
14 - سورة الأنعام آية : 38.
15 - سورة النجم آية : 3-4.
16 - سورة النحل آية : 43.
17 - سورة هود آية : 105.
18 - سورة هود آية : 106.
19 - سورة هود آية : 108.
20 - سورة آل عمران آية : 106.
21 - سورة آل عمران آية : 107.
22 - سورة الإخلاص آية : 1.
23 - سورة الناس آية : 1.
24 - سورة المائدة آية : 44.
25 - سورة الحجر آية : 15.
26 - سورة الإسراء آية : 36.
27 - سورة الفيل آية : 1.
28 - سورة الحاقة آية : 20.
29 - سورة الإسراء آية : 36.
30 - سورة البقرة آية : 144.
31 - سورة البقرة آية : 144.
32 - سورة الأنعام آية : 164.
33 - سورة الأحزاب آية : 36.
34 - سورة النساء آية : 3.
??
??
??
??
12
- 12 -(1/449)