علوم الحديث
المستوى الأول
التعريف بالحافظ ابن حجر وكتابه
الشيخ/ د. سعد بن عبد الله الحميد
التعريف بالحافظ ابن حجر وكتابه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فنحمد الله جلّ وعلا أن هيأ لنا هذه الفرصة في هذه القناة العلمية التي تتيح لنا التعلم عن بعد، وأصبح العالم كله يستطيع أن يشاهد هذه الدروس، وكأنهم في قاعة واحدةٍ، وهذا من فضل الله ومنته علينا، فعلينا أن نقوم بشكر الله جلّ وعلا على مثل هذه النعم التي أتاح لنا فيها هذه الفرص.
ونخبة الفكر كنت قد شرحتها في دورة سابقة، وعُرضت قبل فترة، ولكن رَغِبَ الأخوة القائمون على قناة المجد في إعادة هذا الشرح، ليتوافق مع برنامج هذه الأكاديمية المباركة إن شاء الله تعالى، فجرى تلبية هذا الطلب، سيعقب ذلك بإذن الله مراحل ومراحل، فنخبة الفكر معروفٌ أنها للمبتدئين، وهي عبارة عن متن مختصر في مصطلح الحديث، يُتلقى أول ما يُتلقى بالنسبة للطالب المبتدئ، ثم بعد ذلك يتلوه المتوسطات، ثم المطولات، إن أمد الله جلّ وعلا في العمر.
مؤلف هذا المتن هو :
الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، هذا النسب ذكره الحافظ نفسه، وذكر أنه إذا عكسته أيضًا فإنه كأنك ابتدأت به من الأول، فعكسه أيضًا أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، بعد ذلك يأتي نسبه الآخر، ابن محمود الكناني المصري العسقلاني الشافعي، ومحمود في نسبه مرات يقدمه الحافظ على أحمد الأخير، ومرات يؤخره، وكأنه متردد في هذه النقطة.
ولادته :
على كل حال، وُلد الحافظ رحمه الله قبل وفاة الحافظ ابن كثير بسنة .
ووفاة الحافظ ابن كثير كانت في سنة سبعمائة وأربعة وسبعين (774) للهجرة، وأما الحافظ فوُلد في سنة سبعمائة وثلاث وسبعين(773) للهجرة.
أبواه ، ويُتْمُه :(1/1)
تُوفي والده وهو صغير وعمره أربع سنوات، ووالدته تُوفيت قبل ذلك، لكن لم يُتعرف على سنه على وجه التحديد حينما تُوفيت والدته، ولكن معنى ذلك أنها تُوفيت وعمره أقل من أربع سنوات، فنشأ رحمه الله يتيمًا، لكن ورث له والده مالا نفعه حينما كبر، وهذا المال أوصى عليه أبوه رحمه الله رجلين يثق بهما، أحدهما الخروبي والآخر ابن القطان، فقاما بالإنفاق على الحافظ ابن حجر.
طفولته ، وطلبه العلم :
ظهرت فيه النجابة منذ الصغر رحمه الله ، لذلك رحل وعمره قرابة أحد عشر عامًا، رحل إلى الحجاز، وكان قد حفظ القرآن وعمره تسع سنوات، وهذا دليلٌ على نجابته رحمه الله منذ الصغر .
حينما رحل إلى الحجاز، أمَّ المصلين في المسجد الحرام وعمره اثنا عشر عامًا، وهذا دليل أيضًا على نبوغه، وعلى أن مشايخه الذين في مكة تفرسوا فيه وعرفوا فيه النجابة، فلذلك قدموه ليصلي بهم.
مما يدل على نجابته رحمه الله أنه بدأ بالتأليف في وقتٍ مبكر، فهذا المتن الذي معنا والذي أُعجب به القاصي والداني ألفه وعمره لم يصل بعد إلى أربعين عامًا، كان تأليفه له في قرابة سنة اثني عشر وثمانمائة.
شيوخه :
حرص الحافظ رحمه الله على التلقي عن الشيوخ فرحل إلى البلدان، رحل إلى الحجاز، رحل إلى اليمن، رحل إلى مناطق كثيرة وتلقى فيها عن الشيوخ، وأخذ عن كبار شيوخ عصره، ومن أبرزهم :
الحافظ العراقي رحمه الله، وكذلك ابنه ولي الدين أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، فهو حافظٌ ابن حافظ، كذلك أيضًا الحافظ ابن الملقن، فهو من أشياخه، كذلك الحافظ سراج الدين البلقيني صاحب محاسن الاصطلاح، ووفرة من المشايخ الذي كان لهم سيط ومعرفة بفنون شتى، وعلى وجه الخصوص في علم الحديث.
تنويعه في طلب العلم :(1/2)
ولم يكن الحافظ رحمه الله مقتصرًا على علم الحديث فقط، بل ضرب في كل فنٍ بعصى، ولذلك كان فقيهًا ومفتيًا، وُلي القضاء رحمه الله، وتولى الفتوى، فمعرفته وإلمامه بعلومٍ شتى مكنه من أن يكون إمامًا بحقٍ رحمه الله.
الحافظ والنخبة :
لما ألف هذه النخبة، شكلت هذه النخبة عصارة فكر الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه، فاطلع على كتب من تقدمه ورأى ترتيبهم لأنواع علوم الحديث، فابتكر هذا الترتيب الرائع الذي يتسلسل بالمطلع عليه من الأعلى إلى الأدنى، كما سنراه إن شاء الله تعالى من خلال مسيرتنا العلمية مع هذه النخبة.
فترتيبه لم يُسبق إليه، وخالف فيه ترتيب الحافظ ابن الصلاح الذي اعتمده كل من جاء بعده، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى في مقدمة الحافظ ابن حجر، لما ألف هذه النخبة أُعجب بها أهل عصره من العلماء وطلبة العلم، ومن شدة إعجابهم بها إنهالت عليها الشروح، فلما رأى اهتمام القاصي والداني بشرح هذه النخبة بادر هو إلى شرحها، كما يقول في مقدمته، لأن صاحب البيت أدرى بما فيه، وكان الشمولي ممن سبقه إلى شرح هذه النخبة، فالحافظ ابتدأ في شرحها في سنة عشر وثمانمائة(810) فكأن الحافظ رحمه الله يشير إلى الشمولي وغيره ممن قام بشرح هذه النخبة، فكأنه يقول "هذه أنا الذي اختصرتها، وأنا الذي أحق أن أشرحها"، ولذلك قام بشرحها رحمه الله في شرحه الشهير المعروف بنزهة النظر.
اهتمام العلماء بالنخبة وشرحهم لها :(1/3)
هذه النخبة وشرحها النزهة استن بها جمٌ غفير من أهل العلم، والذي يدل على اهتمام أهل العلم بها أنهم اختلفوا، ما بين شارح للنخبة، وما بين مختصرٍ للنخبة، وما بين ناظمٍ للنخبة في أبياتٍ شعرية، وما بين شارحٍ للاختصار، وشارحٍ للنظم، وشارحٍ للنخبة نفسها، وما بين معلقٍ على شرح النخبة وهو النزهة، فتعددت الخدمات العلمية التي قام بها أهل العلم على النخبة وما يتعلق بها، حتى بلغت فيما اطلعت عليه أكثر من أربعين مصنفًا كلها تتعلق بالنخبة وما يتعلق بها، وهذا يدل على اهتمام أهل العلم بها، ولذلك ما من عالمٍ من علماء الحديث من جاء بعد الحافظ ابن حجر إلا ونجده مر على النخبة، إما أن يكون درسها أو شرحها أو غير ذلك من أنواع الاهتمامات.
وسنرى إن شاء الله تعالى أن هذه النخبة فعلا اجتهد الحافظ رحمه الله في استخلاصها من مجموع أقوال أهل العلم وأصبحت بهذه الصورة اللامعة التي يطيب لطالب العلم أن يتفيأها وأن ينعم بما أودعه الحافظ ابن حجر فيها رحمه الله تعالى.
مؤلفاته :(1/4)
الحافظ ابن حجر له مشاركاتٌ عدة في أثناء حياته ، ومن أبرزها تآليفه المتعددة، وقد بلغت فيما ذكره الحافظ السخاوي ممن ألف في ترجمة الحافظ ابن حجر قرابة اثنين وثمانين ومائتين (282) مؤلف، وبعض هذه المؤلفات ضخمة الحجم، كفتح الباري وغيره من الكتب التي تتكون من عدة مجلدات، ونجد بعض هذه الكتب يمضي فيه الحافظ قدرًا من الزمن ليس باليسير، ففتح الباري أخذ من الحافظ أكثر من ثلاث وعشرين سنة وهو يصنف فيه ويمليه على تلاميذه، وأصبحت هناك مؤلفات متعلقة بهذا الشرح، كهدي الساري الذي جعله مقدمةً لهذا الشرح، وكتغليق التعليق الذي ساعده في وصل التعاليق التي في صحيح البخاري، وكالنكت الظراف على تحفة الأشراف للمزي، فإنه من خلال عمله في الشرح كان محتاجًا إلى كتاب المزي الذي هو تحفة الأشراف، فنشأ من جراء ذلك هذا الكتاب الرائع الذي هو النكت الظراف التي يتعقب فيها الحافظ المزي فيما وهم فيه أو غير ذلك من أنواع الاستدارك والتعقب على الحافظ المزي رحم الله الجميع.
وفاته :
امتدت حياة الحافظ ابن حجر، وكان بإمكاننا أن نطيل أكثر من هذا، ولكن حتى لا يذهب علينا الوقت كله في ترجمة للحافظ وتعريف للنخبة، امتدت حياة الحافظ ابن حجر رحمه الله، فعاش قرابة تسعةٍ وسبعين عامً(79) وتُوفي في آخر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة (852) للهجرة، في اليوم الثامن والعشرين (28) من ذي الحجة، رحمه الله تعالى وأكرم مثواه .
تلاميذه :
وكان قد تتلمذ عليه أيضًا عددٌ جم، والذين أصبحوا أئمة بعد ذلك، وعلى رأسهم تلميذه ووارث علومه محمد بن عبد الرحمن السخاوي الإمام الشهير المُتوفى في سنة تسعمائة واثنين (902) رحمه الله، بالإضافة إلى أئمة آخرين مثل: ابن فضل بغا ، وابن قاضي شهبة ابن فهد المكي، وأئمة كثير كلهم ممن تتلمذ على الحافظ ابن حجر رحم الله الجميع.(1/5)
ما العلاقة بين لقب الحافظ والإمام؟ وهل من يُطلق عليه حافظ لا يُطلق عليه إمام؟ وهل هناك رتبة أعلى من رتبته؟
الحافظ يتكلم عنه أهل العلم ويعرفونه بتعاريف لم نجد تعريفًا نستطيع أن نقول إنه محدد ولا يستطيع تجاوزه، فهي قضية اجتهادية، إنما يُطلق على من حفظ كمًا من الأحاديث، وجملة مما يتعلق بعلوم الحديث بحيث إذا سئل يجب عن الأعم الأغلب، فهذا هو الذي يُقال عنه الحافظ .
أما وصف الإمام فيُطلق على من برز في فنون شتى بحيث صار له الفتيا ومرجع الناس إليه، وبروزه على أهل عصره، فمثل هذا هو الذي يتبوأ وصف الإمام، مثل الحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهؤلاء الأئمة الأعلام.
بالنسبة لتسمية الحافظ لكتابه بنخبة الفكر، هل لهذه التسمية مغزى عند الحافظ؟
الذي يظهر أن هذه التسمية ليس لها ذاك المغزى الذي يمكن أن نهتم به، إلا كأنه يقول إن هذا المتن مما انتخبه فكر الحافظ ابن حجر، من خلال مطالعته لكتبٍ شتى في أنواع علوم الحديث، سواء منها ما ضم جميع أنواع علوم الحديث أو ما كان مقتصرًا على بعض أنواع علوم الحديث، كما سيتبين معنا إن شاء الله تعالى من خلال الكلام على بعض الأنواع التي سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى، فهي تشكل عصارة فكر الحافظ ابن حجر، أي نخبة فكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
ما مذهب الحافظ ابن حجر الفقهي؟(1/6)
الحافظ ابن حجر رحمه الله شافعي المذهب، ولكن لم يكن تمذهبه بمذهب الإمام الشافعي مانعًا له من ترجيح ما سواه في بعض الأحيان، ولذلك من ينظر في كتابه فتح الباري يجد سعة اطلاع الحافظ ابن حجر وإيراده لأقوال الأئمة على اختلاف مذاهبهم، ثم ترجيحه في بعض الأحيان، حتى إنه في بعض الأحيان يقول: وهذا هو مذهب الشافعي وإن كان المذهب الشافعي بخلافه، ويذكر مقولة الإمام الشافعي "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، فيقول الحديث قد صح بهذا، ولو اطلع عليه الإمام الشافعي لقال به، فهذا يدل على تحرر الحافظ ابن حجر رحمه الله، وأنه ممن لا يتقيد بقيود المذهب، بل كان أفقه واسعًا، وكان ينشد الحق في مظانه.
أيهما آخر في التأليف النخبة أم النكت على مقدمة ابن الصلاح؟
الذي يظهر لي أن كتاب النكت على مقدمة ابن الصلاح من آخر ما صنفه الحافظ ابن حجر في حياته، بدليل أن الكتاب لم يكمله الحافظ، فبقي ناقصًا، وهذا يدل على أن يده كانت تعمل فيه إلى أن اخترمته المنية، هذا فيما يبدو لي.
كذلك أيضًا من ينظر إلى تلك التحقيقات والتنقيحات والجهد الرائع الذي بذله الحافظ في النكت بحيث أننا لا نجد كتابًا من الكتب التي تقدمته استوعب مثل ما استوعبه الحافظ في الأنواع التي طرقها في كتاب النكت، وأصبح من يأتون بعده يأخذون كلام الحافظ النكت ويودعونه في مؤلفاته، كتلميذه السخاوي في كتابه فتح المغيث، أو السيوطي في تدريب الراوي، أو من تأخر بعد ذلك الصنعاني في توضيح الأفكار، فكل هؤلاء استفادوا مما حققه ونقحه الحافظ، والحافظ في هذا الكتاب تعقب شيخه العراقي، وتعقب قبل ذلك الحافظ ابن الصلاح رحم الله الجميع.
ما الخطوات التي يتبعها الحافظ في ترتيبه للنخبة؟ أو الخطوات التي جعلته لم يسبق إليه؟(1/7)
الحافظ رحمه الله أشرنا إلى أنه اجتهد في هذا الترتيب الذي استحدثه بشكل لم يُسبق إليه، أما الأنواع فقد سُبق إليها، لكنه قدم وأخر في هذه الأنواع كما سنرى حينما ابتدأ بالكلام على الخبر، كما سنتكلم إن شاء الله تعالى.
ثم ابتدأ يتسلسل في الخبر من حيث التقسيم، وابتدأ من هذا التقسيم فيما يتسلسل شيئًا فشيئًا إلى أن وصل إلى آخر أنواع علوم الحديث التي أودعها في كتابه.
وهناك ربطٌ جيد اجتهد فيه الحافظ في هذه النخبة سنتعرف عليه إن شاء الله تعالى في مسيرتنا العلمية مع هذا الكتاب.
تعريف علم الحديث ، أو علم مصطلح الحديث :
بدايةً قبل أن نبدأ قراءة كلام الحافظ في النخبة، أحب أن أقدم أيضًا بين يدي هذا الكتب بمقدمة مهمة لابد من معرفتها، هذه المقدمة تتعلق بتعريف علم الحديث، فيُعرف علماء الحديث علم الحديث أو علم مصطلح الحديث بأنه "علم بأصول وقواعد يُدرى بها حال السند والمتن من حيث القبول والرد" .
شرح التعريف :
وفعلا هذا العلم علم بأصول وقواعد .
ونعرف أن الأصل والقاعدة هو ما يُبنى عليه ما سواه، فهو علمٌ بأصول وقواعد، هذه الأصول والقواعد تؤهلنا، يُدرى بها حال السند والمتن من حيث القبول والرد، أو حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد .
فالراوي هو السند، ما يتعلق بالسند يُقال عنه الراوي، والمروي المتن .
فأهل الحديث ينظرون إلى السند والمتن على حدٍ سواءٍ كما هو واضحٌ من تعريفهم لعلم مصطلح الحديث، وليس اهتمامهم منصبًا فقط على السند كما يظنه بعض الشانئين على السنة وأهلها، بل إنهم يُعنون بالسند والمتن على حدٍ سواء، كما سنراه أيضًا من خلال بعض أنواع علوم الحديث التي تتعلق بهذا الجانب، ككلامنا على المُصَّحف والمقلوب والمضطرب والمؤتلف والمختلف، وغير ذلك من الأنواع التي تتعلق بمتن الحديث، وكذلك الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك مما سنتكلم عنه إن شاء الله تعالى.(1/8)
فهذا هو تعريف علم الحديث، علم الحديث كما سيأتي معنا مر بنشأة، تكلم عنها الحافظ ابن حجر، ونترك الكلام عنها إلى حين أن نقرأ كلام الحافظ، لكن نتكلم عن أهمية علم الحديث.
أهمية علم الحديث :
فعلم الحديث مهمٌ جدًا لكل عالم من علماء الشريعة، لا يستغني عنه أحد، فلا يستغني عنه لا المفسر، ولا الفقيه، ولا اللغوي، فضلا عن المحدث، فالمفسر الذي يُفسر كتاب الله جل وعلا لا شك أن أول ما يفسر القرآن به بالقرآن نفسه، لكن الآيات التي تفسر الآيات الأخرى آيات محدودة .
ولذلك لابد من نصوصٍ أخرى يُفسر بها كتاب الله، هذه النصوص أو ما تكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
فأقوال النبي عليه الصلاة والسلام التي يفسر بها كتاب الله إما أن تكون صحيحة أو غير صحيحة، فما الذي يدرينا أنها صحيحة حتى نقول إن تفسير هذه الآية أو الصواب في تفسير هذه الآية هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل قول الله ? الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ? [الأنعام: 82]، شق هذا على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم ( إنه ليس الظلم الذي تعنون، أوما سمعتم قول العبد الصالح ? يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ? [لقمان: 13] )، إذًا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم المذكور في الآية بالشرك، فالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بأي شيء؟ بالشرك، هكذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية.(1/9)
ما يدرينا أن هذا الحديث صحيح أم غير صحيح، لابد من استخدام هذا العلم من علوم الآلة، وهو مصطلح الحديث، فإذًا لا يستطيع من يفسر أن يستغني عن مصطلح الحديث، إذ كيف يستطيع أن يقول إن هذا هو مراد الله جل وعلا في هذه الآية، وهذا ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من خلال مصطلح الحديث.
كذلك الفقيه، الفقيه إن لم يكن مجتهدًا يستطيع أن يوازن بين الأدلة ويعرف أن هذا الحديث سقيم وهذا الحديث صحيح، والحديث السقيم لا يُستدل به، وإنما يُستدل بالحديث الصحيح، ويستطيع أن يُناقش ويرد على المخالفين له، لا يستطيع هذا إلا من جراء علم مصطلح الحديث، وإن لم يكن عارفًا بهذا العلم، فإنه سيكون مقلدًا، والمقلد كما يقول ابن القيم رحمه الله باتفاق أهل العلم ليس بعالمٍ، إنما العالم الذي ملك من علوم الآلة ما يؤهله إلى أن يجتهد فيضرب في فنونها بسهم، ويأخذ من كل فن ما يستطيعه .
كما حصل من الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهم الله تعالى، فنجد أنهم كانوا محدثين وفقهاء في آن واحد، فالواحد منهم يقبل الحديث بأصول، ويرد الحديث بأصول، ويقول هذا القول بالأدلة الشرعية المعينة ، وهكذا، ومن ينظر في كتبهم يجد هذا واضحًا بينًَا.(1/10)
كذلك علماء اللغة لابد لهم أيضًا من هذه المعرفة، وإن كان طلبنا منهم أن يتعرفوا على هذا العلم أقل من سابقه، لكن أيضًا لابد أن تكون عندهم هذه المعرفة، وإلا فإنهم سيكثرون من الاختلاف في قضايا كثيرة، على سبيل المثال اللغة المشهورة التي يقولون عنها لغة "أكلوني البراغيث" التي يتكلم عنها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار )، هذا اللفظ شغل علماء اللغة، وقالوا هذا محمولٌ على لغة "أكلوني البراغيث"، فحينما نرجع إلى طريقة أهل الحديث في تمحيص هذا اللفظ والتثبت منه نجد أن هذا اللفظ هو رواية الإمام مالك فقط، وخالفه باقي الرواة كلهم وانساقوا مع الأصل اللغوي، وهم جمع من الأئمة من الأئمة الثقات الذين رووا هذا الحديث بلفظ ( يتعاقب فيكم ملائكة بالليل والنهار )، أو ( إن ملائكة يتعاقبون يتعاقبون فيكم بالليل والنهار )، وكذلك من الألفاظ التي لا تُحوج لهذا التوجيه اللغوي، وإن كان له أصل في اللغة، لا ننكر هذا، لكن لو أن أهل اللغة محصوا هذا اللفظ وفق أصول أهل الحديث لقالوا هذه رواية الإمام مالك، فلا نشغل أنفسنا بها، لأن لفظ الحديث ثابت من طرقٍ أخرى.
فالمهم أن جميع علماء الشريعة محتاجون إلى علم مصطلح الحديث.
هل توصي بحفظ المتن؟ وهل نحفظ المتن الذي بين أيدينا، أو نحفظ نظم لنخبة الفكر؟ وإن كان نظمًا فأي نظم تنصحون به؟
حقيقةً أنا أنصح بحفظ المتن لأنه صغيرٌ وسهل الحفظ، لكن من كان يستهوي الشعر والنظم، فهناك قصب السكر في نظم نخبة الفكر لمحمد بن الأمير الصنعاني الإمام المشهور صاحب سبل السلام، فإنه نظم النخبة في هذا النظم المُسمى بقصب السكر، نظم سلس وجميل وجيد، فمن أحب النظم فليحفظ ذاك، ومن لم يكن عنده مبالاة بالنظم من غيره فحفظ متن النخبة أنا أرى أنه أولى.
السؤال عن أفضل شروح النخبة؟(1/11)
هناك في الحقيقة عدة شروح، من أجودها فيما أرى "اليواقيت والدرر" شرح لعبد الرؤوف المناوي شرح فيه النخبة، لكن كل من جاء من بعد الحافظ ابن حجر استفاد من شرحه نزهة النظر، ولذلك نقول إن نزهة النظر هي الأصل، لكن بإمكان طالب العلم أن يستفيد من كتاب المناوي "اليواقيت والدرر"، كما يستفيد من غيره مثل كتاب "إمعان النظر" نسيت اسم صاحبه، وشروحٌ كثيرة كلها من هذا الباب.
بالإضافة إلى أن هناك شروحٌ للمختصرات، وشروحٌ للنظم، فهناك شرح للصنعاني رحمه الله على قصب السكر أيضًا، فمن أراد أن يحفظ قصب السكر ويحفظ شرح الصنعاني له فهذا أيضًا متيسر، والكتاب مطبوع وموجود بحمد الله.
متى نشأت الحاجة إلى تدوين علم المصطلح؟
لعلنا نؤجل السؤال حينما نتكلم عن علم المصطلح.
ذكرتم مثالا بالنسبة للغة والفقه، والحاجة بالنسبة للتفسير أحوج، فهلا ذكرتم مثالا في الفقه حتى ترسخ المسألة؟
في الحقيقة أن الأمثلة في الفقه هي الأكثر، ولعل من أهم الأمثلة أننا نجد مثلا حديث تغير الماء بتغير أحد أوصافه الثلاثة، هذا الحديث يكثر ترداده في كتب الفقهاء وهو حديث ضعيف، ولا أتكلم عن أصل الحكم، وطبعًا الحديث معروف، حديث أبي أمامة ( الماء طهورٌ لا ينجسه شيءٌ إلا ما غير من طعمه أو لونه أو ريحه )، الحديث ضعيفٌ ولا يُعول عليه، لكن ممكن أن يُستدل بالإجماع، فالمسألة مسألة إجماع بين أهل العلم، وهذا يكفينا في إثبات الحكم دون التعويل على حديثٍ ضعيفٍ بإجماع أهل علم الحديث.(1/12)
فيه أمثلة كثيرة مما يقع من الخلاف بين الفقهاء، فلو أن الأحاديث الضعيفة جُردت من كتب الفقه وتنازل أصحابها عن الأخذ بهذه الأدلة الضعيفة لرأينا دائرة الخلاف تضيق، ونحن نكره الخلاف، ويجب على كل مسلم أن يكره الخلاف، لأن الخلاف شر كما يقول عبد الله ابن مسعود، بل قول الله جلّ وعلا قبل ذلك ? وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ? [الأنفال: 46]، فلو ضاقت دائرة الخلاف لأمكن أن نلتقي على حدٍ أكثر من الأحكام الفقهية.
وهناك أمثلة كثيرة، وقد يكون هناك مثلا شيء من سوء الفهم لو أوردت بعض الأمثلة، لأنه قد يفهم مثلا ناسًا متمذهبين في مذهبٍ معين أنني أقصد مثلا العيب في مذهبهم أو غير ذلك، فحاشى لله، فكل المسلمين إخوانٌ لنا، ولكن المقصود التأصيل والتقعيد، وهذا يكفينا إن شاء الله تعالى.
قلتم يا شيخنا إن كتاب نخبة الفكر كتابٌ فريدٌ من نوعه في مجال المصطلح، فهل هناك أحدٌ من العلماء في فترات ما بعد الحافظ ابن حجر من أضافوا شيئًا من موضوعات المصطلح لم يتعرض له الحافظ ابن حجر؟ أم أن كتاب نخبة الفكر احتوى جميع موضوعات المصطلح؟
هل امتازت النخبة عن غيرها من المتون في المصطلح بإضاحات أو منهج معين أيضًا؟
كلامٌ جيدٌ، فعلا يعني، لماذا نركز على النخبة؟ ولماذا اكتسبت النخبة هذه المكانة عند أهل العلم؟ لاشك أن النخبة اكتسبت هذه المكانة:(1/13)
أولا: لمكانة صاحبها، فالحافظ ابن حجر شهرته طبقت الآفاق، وعلمه ومعرفته وفقهه وإتقانه لفنون شتى جعله يتبوأ هذه المنزلة بحيث إنه يُطلقه عليه إنه إمامٌ بحق، فهذا المُؤلَف من الحافظ ابن حجر والذي امتدحه وارتضاه وشرحه وأكد ما حواه هذا المتن في هذا الشرح، بالإضافة إلى اهتمامات أهل العلم، كل هذا يدل على إعجابهم بالنخبة، وعلى أن ما أودعه الحافظ ابن حجر فيها هو خلاصة علوم الحديث، ولذلك فهي "نخبة الفكر"، يعني مهما تذهب بفكرك في كتب مصطلح الحديث، فإن الخلاصة والمحصلة النهائية التي تتحصل عليها هي مودعة في كتاب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر.
ولسنا نعني أن هذا الكتاب تكلم عن كل الأنواع بالتفصيل، لا، إنما أخذ نبذة كل نوع من أنواع علوم الحديث، من أراد أن يعرف هذا على وجه التفصيل يرجع لشرح الحافظ ابن حجر أو لغيره من الشروح التي فصلت في هذا الكلام وبينت لماذا اختار الحافظ ابن حجر هذه العبارة، ما اختارها إلا بعد تمحيص، هذا التمحيص هو الذي ستجده في كتب الشروح لهذه النخبة.
لماذا أُطلق على هذا الكتاب اسم نخبة الفكر؟
أجبنا عن السؤال قبل قليل، قلنا إننا لا ينبغي ألا نركز على هذه التسمية، جرت عادة أهل العلم أنهم يحبون السجع في مؤلفاتهم، فاختار هذا العنوان "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر"، فالعنوان مسجوع كما هو واضح، وهو ينم على معنًى معين، يقول إن هذا الكتاب هو خلاصة ما يمكن أن يفكر فيه عالم الحديث، فسيخرج بهذه المحصلة التي سماها الحافظ نخبة، يعني ما يُنتخب، النخبة هي ما يُنتخب، ومعروفٌ أن الانتخاب عند أهل العلم هو الاختصار وأخذ الفوائد التي يعز وجودها.(1/14)
ولذلك تكثر المنتخبات عند العلماء، بل إن العلماء يختارون أئمة لينتخبوا لهم، فمثلا في وقت سفيان الثوري، كان أهل العلم يعرفون لسفيان الثوري رحمه الله مكانته في الانتخاب، فلذلك إذا جاءوا لعالمٍ من العلماء، الوقت عندهم ضيق، قد يكونون في رحلة في طلب الحديث من بلدانهم إلى بلدانٍ أخرى، والذي في الرحلة يضيق عليه الوقت، وتضيق عليه النفقة أيضًا، ويحتاج إلى نفقة من المال؛ ولذلك يحاول أن يختصر في الوقت ليتلاءم مع النفقة التي جاء بها من بلاده، فلم يكونوا أهل أموال، فيختارون مما يحدث المشايخ الشيء الذي ليس عندهم، ولكن هذا الانتخاب والاختيار يحتاج إلى عالمٍ يحسن هذا الانتخاب والاختيار، ولذلك كانوا يقدمون سفيان الثوري بين أيديهم ليختار لهم وينتخب، رحم الله الجميع.
فالانتخاب له أصولٌ وضوابط ويقوم به أئمة عارفين بطريقة الانتخاب، ومن أجود الأئمة الذين يعرفون هذا الحافظ ابن حجر، واختار لنا هذا المتن الرائع.
نعود للشرح:
( بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت وبُسِطَتْ واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله؛ رجاء الاندراج في تلك المسالك، فأقول:
الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أومع حصر بما فوق الاثنين، أوبهما، أوبواحد ).
الافتتاح بالبسملة والحمدلة والصلاة وخطبة الحاجة(1/15)
نفتتح أيضًا بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله كما افتتح الحافظ ابن حجر رحمه الله، جرت عادة أهل العلم افتتاح مصنفاتهم بالبسملة ثم الحمد والصلاة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، يوردون في هذا حديثًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح كلامه دائمًا بخطبة الحاجة، وهي ما ابتدأها بالحمد "إن الحمد لله نحمده ونستعينه...." إلى آخر خطبة الحاجة، فإذا هذا هو الأصل، أن نقيسه على كتاب الله، وأن نأخذ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا، وأما باقي الحديث فنستطيع أن نقول عنه إنه ضعيف.
نشأة علم الحديث
الحافظ رحمه الله في النزهة ذكر مقدمة تتعلق بنشأة علم الحديث كيف نشأ، فنقول إن علم الحديث أول ما نشأ لم تصنف فيه مصنفات مستقلة، وإنما كان أهل العلم يتكلمون عن هذه الأنواع من علوم الحديث بطريقة مبثوثة في كتب شتى.
فأول من عرفناه تكلم في ذلك هو الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الرسالة، فكتاب الرسالة أودعه الإمام الشافعي كثيرًا من مباحث علوم الحديث، والكتاب يُعد من كتب أصول الفقه، لكن هناك قضايا ومباحث مشتركة بين أصول الفقه وأصول الحديث أو علم الحديث أو مصطلح الحديث، وهو الذي أودعه الإمام الشافعي رحمه الله في هذا الكتاب.
كذلك أيضًا من الناس القريبين من عصر الإمام الشافعي علي بن المديني والإمام أحمد ويحيى بن معين رحمهم الله تعالى، فهؤلاء أيضًا من تلاميذ الإمام الشافعي رحمه الله، هؤلاء كلهم تكلموا في أنواعٍ شتى من علوم الحديث، ولكن كلامهم مبثوثٌ في تلك الأسئلة التي كانت توجه لهم، فمن يطالع مثلا فيما وصل إلينا من كتاب العلل لعلي بن المديني، أو ما وُجد في كتب الرجال التي تنقل عن علي بن المديني يجد أقوالاً شتى لعلي بن المديني رحمه الله في هذه الأنواع من أنواع علوم الحديث، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالعلة والأقوال في الرجال.(1/16)
كذلك الإمام أحمد، وما أكثر الأسئلة التي وُجهت للإمام أحمد سواءً أسئلة ابنه عبد الله أو ابن الصالح أو أسئلة الأكرم أو أسئلة أبي داود أو غير هؤلاء من تلاميذ الإمام أحمد، كلهم يوجهون إليه أسئلة ويجيب عنها الإمام أحمد، وهذه الأجوبة التي يجيب عليها الإمام أحمد كلها مما يودع في كتب علوم الحديث، كما نشاهده في المطولات لو قرأنا فيها، يقولون: وهذا قال به الإمام أحمد، أو وقال الإمام أحمد كذا، أو نجد أقوال الإمام أحمد في تلك الأسئلة.
إذًا كتب علوم الحديث المتأخرة جاءت بعد هذه الكتب المتقدمة فاستلت منها هذه الفوائد ورتبتها ترتيبًا على هذه الأنواع التي رتبها عليها ابن الصلاح ومن جاء بعده.
كذلك يحيى بن معين هناك عدة أسئلة وُجهت له، كما نجده في تاريخ عباس الدوري، أو في أسئلة ابن فهمان، أو غير ذلك من أنواع الأسئلة التي وُجهت ليحيى بن معين ويجيب عنها، أيضًا مثله مثل الإمام أحمد وعلي بن المديني رحم الله الجميع.
كذلك أيضًا الإمام البخاري في كتابه التاريخ الكبير والتاريخ الأوسط نجد له كلامًا مبثوثًا في هذا، وإن لم يكن بالكثير، لأن أكثر كلامه في الرجال.
قرينه الإمام مسلم له كلام رائعٌ جدًا في مقدمته الرائعة وهي مقدمة صحيحه، مقدمة صحيح مسلم نستطيع أن نقول إنها مؤلف من المؤلفات التي أُلفت في مصطلح الحديث، لكن ليست على ذات الترتيب الذي سار عليه ابن الصلاح ومن جاء بعده، ولكنها تضمنت أنواعًا شتى من أنواع علوم الحديث، كذلك كتاب التمييز لمسلم بن الحجاج أيضًا هو من هذا القبيل.
يأتي بعد تلميذ البخاري وهو الترمذي، وتلميذ الإمام أحمد وهو أبو داود السجستاني، فأبو داود له رسالة كتبها لأهل مكة في وصف سننه، هذه الرسالة أيضًا تضمنت أنواعًا شتى من أنواع علوم الحديث، وهي مفيدة ورائعة في بابها.(1/17)
كذلك الإمام الترمذي في تعقيباته التي يأتي بها أدبار الأحاديث التي أودعها في جامعه، فيها كلام جيدٌ مما يمكن أن يٌستل في أنواع علوم الحديث.
لكن من أبرع ما هنالك ما يُسمى بكتاب العلل الصغير، الذي جعله خاتمة كتابه الجامع، والذي قام بشرحه الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرح العلل، وهو أروع ما كُتب في هذا الباب ومن أفيده لطلبة العلم، فأنصح بقراءته وأحث على ذلك، فإذًا كتاب العلل الصغير للترمذي يُعد أيضًا من المصنفات في هذا الباب، لكن ليس على ذاك الترتيب.
كتاب العلل يتعلق أيضًا بأشياء صغيرة مثل الرجال وكذا؟؟
نعم، تضمن أنواعًا من أنواع علوم الحديث، وكلامًا في الرجال، وكلامًا في العلل، تضمن كلامًا كثيرًا كله يمكن أن يكون داخلاً في أنواع علوم الحديث التي يتكلم عنها العلماء.
الذي أَلَّف استقلالاً:
أول من عرفناه ألف استقلالا هو أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي القاضي المُتوفي في سنة ثلاثمائة وستين(360) في كتابه الرائع الفذ "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، فالرامهرمزي رحمه الله جعل هذا الكتاب كتابًا مستقلا في علوم الحديث، وفيه فوائد جمة ورائعة جدًا، وأصبح هذا الكتاب عمدة لمن جاء بعده، وبالذات أنه يروي بأسانيده، والرواية بالأسانيد في نقل هذه الأقوال عن الأئمة من أهم المهمات، ومما يحتاجه طالب العلم.
جاء بعد الرامهرمزي أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله صاحب كتاب المستدرك(405)، فألف كتابه الرائع "معرفة علوم الحديث"، وهذا الكتاب يُعد أو من قام بتقسيم علوم الحديث إلى أنواع، ولكن ليس بذات التقسيم الذي عند ابن الصلاح.
جاء بعد ذلك تلميذه أبو نعيم الأصفهاني (430) فألف مستخرجًا على كتاب أبي عبد الله الحاكم، ولكن هذا المستخرج لم يصل إلينا.(1/18)
أبو مسعود الدمشقي الذي هو قرين الحاكم له أجوبة أجاب عما تكلم فيه الحافظ الدرقطني عن أحاديث الصحيحين في كتابه "التتبع"، هذه الأجوية أيضًا تضمنت شيئًا من أنواع علوم الحديث، ولكن لا يُعد هذا الكتاب مؤلفًا مستقلا في علوم الحديث.
وبطبيعة الحال هذا التسلسل تاريخي، فالحاكم مُتوفى في سنة أربعمائة وخمسة، أبو نعيم الأصفهاني مُتوفى في سنة أربعمائة وثلاثين للهجرة، إلى أن جاء الخطيب البغدادي رحمه الله المتوفى في سنة أربعمائة وثلاث وستين للهجرة(463)، فالخطيب البغدادي هو الذي فتق أنواع علوم الحديث، وكل من جاء بعد الخطيب البغدادي فهم عالة عليه في علوم الحديث، فما من نوعٍ من أنواع علوم الحديث وما من فنٍ من فنون علوم الحديث إلا وألف فيه الخطيب البغدادي مؤلفًا مستقلا أو أودعه بعض الكتب، ككتاب "الكفاية في علم الرواية" الذي هو من أروع ما صنفه الخطيب البغدادي، بالإضافة إلى كتبه الأخرى التي تعد كلها تطرقت لشيءٍ من أنواع علوم الحديث، على سبيل المثال "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، سيأتي معنا إن شاء الله تعالى الحديث عن آداب المحدث وطالب الحديث.
آداب المحدث وطالب الحديث التي تكلم عنها الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر وهي عبارة عن ورقة أو صفحة واحدة، نجد أن الخطيب البغدادي ألَّف فيها مؤلفًا طُبع في مجلدين ضخمين، فهذا يدل على أن الحافظ ابن حجر فعلا اختصر ما أودع في هذا الكتاب وجعله في هذه العبارة الموجزة اليسيرة.
من الملاحظ أن الحافظ ما ذكر اسم كتابه النخبة في المتن، وإنما ورد في الشرح، هل للحافظ مقصد في ذلك؟(1/19)
الذي يظهر أن الحافظ رحمه الله اكتفى بالعنوان حينما كتبه، وأصبح هذا العنوان مشهورًا ومعروفًا فلم يحوجه ذلك إلى ذكر اسم المؤلف في داخل هذا المؤلف، بالإضافة إلى أن الحافظ يبدو أنه كان يحسب الحرف وليس الكلمة، فكل ما أمكنه الاختصار فعل، ولذلك نجد أن عباراته في هذه النخبة مضبوطة فعلا، ومنتخبة انتخابًا دقيقًا جدًا.
بالنسبة للمرحلة التي سبقت التدوين لعلم المصطلح وهي البحوث المبثوثة في كتب الأئمة المتقدمين، لماذا لم يذكرها الحافظ في أثناء شرحه للنخبة وبدأ بمرحلة التدوين الذي استقر عليه المصطلح وترك المرحلة الأولى، مع أنها مقدمة لهذه العلوم؟
الحافظ رحمه الله إنما تكلم عن من ألف استقلالا، فقال أول من عرفناه صنف، أي صنف استقلالا، وهذه حقيقة، أول من صنف استقلالا هو الرامهرمزي رحمه الله، وأما هؤلاء الأئمة فلم يصنفوا استقلالا، ولذلك لم يتكلم عنهم الحافظ.
هل إذا بحث طالب العلم في كلام الأئمة المتقدمين عن ألفاظهم في مصطلح الحديث يجد أن ألفاظ الأئمة موافقة لما اصطلح عليها المتأخرون في هذا الفن؟ أم أن المنهج مخالف؛ لأن التعريف تأخر في ذلك؟(1/20)
بالنسبة لكلام الأئمة المتقدمين فكما قلتُ إنه كلامٌ منثور في ثنايا الأسئلة التي وُجهت لهم من تلاميذهم، أو من ثنايا مصنفات لم يقصدوا جعلها مستقلة بمصطلح الحديث مثل ما أشرت إليه في أنواع المصنفات التي تكلمتُ عنها، فالأئمة الذين جاءوا بعد ذلك جاءوا بكلام الأئمة المتقدمين فهذبوه ورتبوه وجعلوه مرتبًا على هذه الأنواع من علوم الحديث، وما من علمٍ من علوم الآلة إلا وتسلسل هذا التسلسل التاريخي المهم، فلو نظرنا على سبيل المثال للغة، نجد أن الجهد الذي قام به أبو الأسود الدؤلي ضئيل لا يكاد يُذكر الآن، تسلسل أئمة اللغة بعد ذلك إلى أن جاء مثلا سيبويه ومن جاء بعده، وألف كتابه المعروف بـ"الكتاب"، وأصبح هذا العلم يتسلسل شيئًا فشيئًا، وكل واحد يزيد ويستدرك ويُهذب في كتاب من سبقه إلى أن استقرت اللغة على ما استقرت عليه، كما نجده في الكتب المتأخرة، كلسان العرب، أو القاموس المحيط، أو تاج العروس، أو غير ذلك من كتب اللغة.
كذلك أيضًا لو نظرنا لأصول الفقه، أصول الفقه التي كتبها الإمام الشافعي في الرسالة ليست هي نفس أصول الفقه التي نجدها مثلا في روضة الناظر أو المحصول أو غيرها من كتب أصول الفقه التي جاءت بعد ذلك، كذلك علوم الحديث، فكل علوم الآلة تأخذ هذا التدرج والتسلسل والترتيب والتهذيب والاستدراك، وهذا أمرٌ طبيعي لا شيء فيه، فأولئك بشر، وهؤلاء بشر، ومن حق كل عالمٍ من العلماء أن يبدي رأيه في أي مسألة من المسائل.
ويستمر الشيخ في الشرح:
بعد هذا التعريف لهذه النشأة لعلم الحديث إلى أن وصلنا للخطيب البغدادي، نرى أن الخطيب البغدادي عاصره الحافظ ابن عبد البر، والحافظ ابن عبد البر أيضًا تكلم في بعض علوم الحديث، إما في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"، أو في المقدمة الرائعة التي أودعها كتابه "التمهيد"، مقدمة كتابه "التمهيد" مقدمة رائعة جدًا في أنواع علوم الحديث.(1/21)
كذلك الحافظ البيهقي في مقدمة معرفة السنن والآثار تكلم أيضًا عن بعض أنواع الحديث، ابن حزم رحمه الله في كتابه "إحكام الأحكام" أيضًا هذا الكتاب تضمن بعض أنواع علوم الحديث، وبالذات كلامه مهم في مبحث المتواتر والآحاد، أنصح بقراءته في كتاب "إحكام الأحكام" لابن حزم.
جاء بعد ذلك أئمة آخرون، لكن من أهمهم الحافظ ابن الصلاح ، فابن الصلاح هو الذي قَعَّدَ هذه المقدمة، فكتابه معروفٌ بأنه "معرفة علوم الحديث"، لكنه اشتهر بكتاب "مقدمة ابن الصلاح" ، رتب علوم الحديث هذا الترتيب الذي تأثر به كل من جاء بعده، فنجد أن المؤلفات بعد ابن الصلاح كلها تدور حول كتابه، فهم ما بين ناظمٍ لكتابه، كما في منظومة الحافظ العراقي المشهورة بالألفية، وما بين مختصر كالإمام النووي في كتابه التقريب، وما بين مستدرك، كما صنع الحافظ العراقي في التقييم والإيضاح والحافظ العراقي في كتاب النكت، وهكذا كل الكتب التي أُلفت بعد كتاب ابن الصلاح كلها تصب في كتاب ابن الصلاح، قد يُستثنى من ذلك كتاب الاقتراح لابن دقيق العيد، لكن أيضًا ليس واضحًا أنه لم يتأثر بكتاب ابن الصلاح، لكن عند ابن دقيق العيد نوع استقلالية نوعًا ما عن كتاب ابن الصلاح، لكن وجه الشبه في بعض الأنواع التي عند الاثنين فواضح جدًا أن هناك بعض التأثر بما كتبه ابن الصلاح.
لاشك أن المؤلفات تسلسلت بعد ذلك، مثل ما ذكرت عن الحافظ العراقي أو ابن الصلاح أو ابن حجر أو السخاوي في كتابه فتح المغيث أو السيوطي في كتابه الراوي وفي الأخير كتاب توضيح الأفكار للصنعاني، هناك أيضًا كتب أخرى كالموقظة للذهبي وغيرها، ولا نطيل بذكرها، ولا نعمد إلى ما ذكره الحافظ ابن حجر من تقسيم الخبر.
الخبر وأقسامه
فالحافظ ابن حجر يقول إن الخبر ينقسم في الجملة إلى قسمين، متواتر وآحاد، سنتكلم إن شاء الله تعالى على هذين القسمين، لكن بعد أن نعرف بالخبر .(1/22)
الخبر والحديث والأثر مصطلحات نجدها في كتب علوم الحديث، فهل هناك علاقة بين هذه التسميات الثلاثة؟
نعم هناك علاقة، فبعض أهل العلم يرى أن الحديث والخبر والأثر بمعنًى واحد، وهناك من يقول لا، الحديث هو كل ما يُضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعلٍ أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة قبل البعثة أو بعدها، فكل ما يُنقل عنه عليه الصلاة والسلام يُسمى حديثًا.
لكن بالنسبة للخبر، بعضهم يقول الخبر ما يُروى عن غير النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر ما يُروى عن غير النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك من يعمم فيقول لا، الخبر يعم جميع ما يٌروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروى عن غيره، فالحديث جزءٌ من الخبر، إذًا كل حديثٍ فهو خبر، وليس كل خبرٍ حديثًا، لأن بعض الأخبار تكون مثلا عن الأمم السالفة، وتكون من أخبار مثلا بني إسرائيل، وهذا لا يُعد حديثًا.
بالنسبة للأثر، بعض العلماء يقول الأثر هو ما يؤثر عن الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى، وهناك من يقول إن الأثر والحديث بمعنًى واحد، وأظن بعضهم أيضًا يسوي بين الأثر والخبر، فهذه المصطلحات الثلاثة إذا عرفناها نستطيع أن نعرف لماذا قال الحافظ ابن حجر الخبر ولم يقل الحديث، كأن الحافظ ابن حجر يرى أن الخبر أعم من الحديث، فلذلك تكلم عن الخبر من حيث وصوله، وإن كان حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو قولا لصحابي أو قولا لتابعي أو لمن دون التابعي أو قولا لأحدٍ من الأمم السالفة أو خبرًا عن أحد من الأمم السالفة، فكل هذا يشمله اسم الخبر الذي اختاره الحافظ ابن حجر، ولذلك لاحظوا دقة عبارته رحمه الله، ما أراد أن يفصل ولا شيء، بل اختار هذه الكلمة، وهذا يدل على أنها نخبة كما وصفها رحمه الله تعالى.
بقي الكلام عن المتواتر والآحاد، وهذا سيأتيننا إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.(1/23)
هل اسم كتاب الرامهرمزي المحدث الفاصل أم المحدث الفاضل كما في بعض الطبعات؟
المحدث الفاضل هذا خطأ، الصواب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، بالصاد وليس بالضاد.
ما رأيك في متن البيقونية؟ وهل توصي بحفظها؟
إذا ما وازنا بين البيقونية ونخبة الفكر فشتان بين السماء والأرض، فنخبة الفكر لا يُعلى عليها، وكلامهما للمبتدئ، لكن بعض الناس يفضل البيقونية لأنها مختصرة جدًا، ولأنها عبارة عن نظم.
البيقونية أربعة وثلاثين بيتًا، وقصب السكر للصنعاني تقريبًا قرابة مائة وعشرين بيتًا، فيفضلون البيقونية لأنها قليلة الأبيات ويسهل حفظها، لكن البيقوني رحمه الله ترك أنوعًا كثيرة من علوم الحديث لم يتكلم عنها كالحديث المعلق وغير ذلك، لا نجد له كلامًا فيها، فاختصارها نعده اختصارًا مخلا.
نعطيها خمسين في المائة يا شيخ؟
نعطيها خمسين في المائة.
ما الفرق بين الخبر والأثر؟
يبدو أنه لم يستمع للكلام، هناك من يقول إن الخبر يعم كل شيء، وأما الأثر ما يُروى عن الصحابة والتابعين.
السؤال عن تعريف علم الحديث؟
تعريف علم الحديث، قلت إنه علم بأصول وقواعد يٌدرى -أي يعرف بها- حال السند والمتن من حيث القبول والرد.
يعني كيف نستطيع أن نعرف أن هذا الحديث مقبول أو مردود إلا بهذه الأصول والقواعد هذا معنى الكلام.
علوم الحديث كثيرة، تسعة وأربعين علمًا أو خمسين، ما أول هذه العلوم بعد مصطلح الحديث على ما تعلم؟
السؤال عن علوم الحديث غير المصطلح، يعني أنه إذا تلقى علم المصطلح ما الذي يأخذه؟
علوم الآلة كثيرة، ونحن نوصي طالب العلم أن ينوع، فعليه أن يأخذ أصول الفقه، ويأخذ اللغة، يتفقه، يدرس العقيدة، التفسير، ولله الحمد مثل هذه الدورة العلمية، أو هذه الأكاديمية التي تقوم بها هذه القناة أثابها الله أتاحت لطلبة العلم أن يتعلموا جميع هذه العلوم، فهناك عدة علوم ستدرس إن شاء الله تعالى في هذه الأكاديمية.
من مؤلف الحديث وعلومه ونزهة النظر؟(1/24)
ما المقصود بالنكت؟
وهناك سؤال سابق، ألا وهو ما هو مذهب الحافظ ابن حجر، وهل له تأثير على أصول الفقه؟
وما أهم المصنفات في مصطلح الحديث؟
علم الحديث علم دراية وعلم رواية، فهل هذا يدخل في المصطلح الذي نشرح الآن في الخبر والأثر والحديث؟
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )؟ فالشكر لله أولا، ثم للقائمين على هذه القناة المباركة الذين نبارك لهم هذه الخطوة الرائدة والغير مسبوقة، قناة متخصصة في العلوم الشرعية، فسدد الله الخطى وبارك الله في الجهود.
يا شيخ سعد، بارك الله فيك، ما رأيك فيما يذهب إليه بعض المحدثين المعاصرين أن أفضل طريقة لدراسة المصطلح هي دراسة الكتب المعاصرة كتيسير مصطلح الحديث وغيره؟ ويعللون ذلك بأن ابن حجر في النخبة مثلا أوجز حتى ألغز؟ يعني قاد الإيجاز إلى الإلغاز، فما رأيكم بارك الله فيكم؟
بالنسبة لنزهة النظر نقول هذا عنوان الشرح الذي قام به الحافظ ابن حجر لكتابه نخبة الفكر، فالنخبة نخبة على اسمها، مختصرة، فشرحها في نزهة النظر، فشرحنا هذا يكون تكرارًا تقريبًا لكلام الحافظ ابن حجر في نزهة النظر، لكن يمكن تغيير العبارة وتنويع الأسلوب وضرب الأمثلة، وهكذا.
أما بالنسبة للنكت ما المراد بها فيقول الشيخ: فالنكت أشبه ما تكون بالتعقيبات والاستدراكات والإضافات على من تقدمه، فكتاب النكت للحافظ ابن حجر يستدرك فيه على ابن الصلاح وعلى العراقي، وليس كله استدراك، وإنما أحيانًا يكون من باب الإضافة، يعني الاستدارك أشبه ما يكون فيه تخطئة أو نحو ذلك، لكن ليس كل ما يقوم به الحافظ في النكت من هذه الحيثية، لا، أحيانًا يكون من باب الإضافة والإيضاح والبيان ونحو ذلك، فهذا هو المقصود بالنكت.(1/25)
وأما عن كتب المصطلح فيقول الشيخ: في الحقيقة الكتب التي أُلفت في المصطلح تختلف، فمنها كتب مختصرة ككتاب النخبة، ومنها متوسطة كنزهة النظر التي هي شرح نخبة الفكر، وكاختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ومنها كتب أفضل منها نوعًا ما كمقدمة ابن الصلاح، ولابد أيضًا من وجود الكتب التي أُلفت في الاستدارك والتهذيب كالتهذيب والإيضاح للحافظ العراقي، والنكت للحافظ ابن حجر، ومنها مطولات، ويعد كتاب النكت للحافظ ابن حجر من المطولات، كذلك فتح المغيث للسخاوي من المطولات، كذلك تدريب الراوي للسيوطي من المطولات، فبإمكان الإنسان أن ينظر للمختصرات وللمتوسطات وللمطولات.
أما عن علم الرواية والدراية وعلاقتهم بالمصطلح فيقول الشيخ: نقول بالنسبة لعلم الحديث عمومًا ينقسم إلى قسمين علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، فهذا الذي نقوم بتدريسه لكم هو علم الحديث دراية، وقد يدخل في الدراية الشرح والفقه والاستنباط، هذا أيضًا من أنواع علوم الحديث الدراية، وليس مقصورًا فقط على مصطلح الحديث، كما ذهب إليه بعض أهل العلم.
أما علم الحديث رواية، فالمقصود به رواية الحديث، يعني ذكر الحديث بسنده ومتنه، كما هو الحال في صحيح البخاري وصحيح مسلم وباقي الكتب الستة، وغير ذلك، هذا يسمونه علم الحديث رواية.
وأما الدعوة الخاصة بالبداية بكتب معاصرة في مصطلح الحديث فيقول الشيخ: كتاب تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان كتاب جيد، ونستطيع أن نقول إنه نخبة الفكر، لكن الدكتور محمود الطحان ذهب وجعل مقسمًا هذا التقسيم ومرتبًا هذا الترتيب وبهذه التعريفات التي أتى بها.
نعم، كتاب تيسير مصطلح الحديث يصلح ككتاب منهجي للطلاب مثلا إما في الجامعات أو في المدارس التي دون الجامعات.(1/26)
أما بالنسبة لاختلاف الاجتهاد في بعض الأمور، فما من أحدٍ إلا وله وعليه، لكن الكتاب في الجملة لا بأس به وجيد، ويصلح ككتابٍ منهجي، ثم ما يمكن أن يقوله بعض المستدركين أن الكتاب فيه أخطاء، لكن من الذي يسلم من الأخطاء.
هل جُمعت إجابات ابن معين أو مسلم حول موضوع المصطلح في كتابٍ محدد؟ كذلك علي ابن المديني؟
هذا السؤال في الحقيقة جاءني في الحقيقة بخاطرة، وهو أنه لو قام بعض طلبة العلم بجمع أقوال الأئمة، علي بن المديني، الإمام أحمد، يحيى بن معين، وقبلهم الشافعي، وبعدهم مسلم، البخاري، أبو حاتم الرازي، أبو زرعة، أبو داود، الترمذي، كل هؤلاء الأئمة، لو جمع ما وجد كلامهم فقط مجرد جمع وترتيب على أنواع علوم الحديث لكان كتابًا رائعًا يستفيد منه طلبة العلم، ويجعل طلبة العلم يعرفون أقوال الأئمة هؤلاء في هذه الأنواع من أنواع علوم الحديث، هذا في الحقيقة مشروع، ولو قام به أحد لكان مشروعًا رائعًا.
أما بالنسبة لكتاب التمييز أو كتاب الترمذي العلل الصغير، فلم يؤلف استقلالا في علوم الحديث، إنما أُلف لقصدٍ معين، فعلى سبيل المثال الإمام مسلم في كتاب التمييز، نستطيع أن نقول إن كتاب التمييز مثل كتاب العلل لابن أبي حاتم، مسلم رحمه الله أراد أن يبين كيف يمكن أن تُكشف علة الحديث، وضرب أمثلة ببعض الأحاديث وما وُجد فيها من علل، كل ذلك ليبين للناس أنه ليس كل حديث يُروى بإسناد ظاهره الصحة يكون صحيحًا، فبعض الأحاديث لها علل، والعلل هذه في الأعم الأغلب تقع أوهامًا من بعض الثقات التي يكشفها مسلم في كتاب التمييز.
كيف يمكن الجمع بين حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم )، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم؟
في الحقيقة مثل هذا الحديث، المفروض أن نؤجله إلى أن نتكلم عن مختلف الحديث، فهو يصلح كمثال، فلعلكم تذكرون معي ونحن نتكلم عن مختلف الحديث وأقول لكم وجه الجمع، إلا إذا كان الوقت يستوعب.(1/27)
هل يجب على من يتعلم كتابًا معينًا على أن يتعرف على حياة مؤلفه؟
لا يجب، لكن هذا فقط من باب الفائدة، والناس تتشوق دائمًا إلى معرفة صاحب هذا الكتاب من هو؟ ونحن عرفنا به من هذا الباب.
هل يوجد اختلاف بين كلام المتقدمين والمتأخرين في الاصطلاحات الحديثية؟
لعل هذا إن شاء الله تعالى يأتي في موضع آخر، لأن هذا يمكن أن يحتاج إلى شيء من الطول في تفصيله.
كتاب تدريب الراوي، هل تغني عنه الخبة؟ أو يغني التدريب عن النخبة؟
لا، هناك فرقٌ بين التدريب والنخبة، النخبة مختصرة جدًا، والتدريب من المطولات، يعني النخبة ما تأتي إلا قطعة من التدريب.
متى يتجه طالب العلم إلى كتب التصحيح والتضعيف؟ إذا عرف الطالب حدًا أو نوعًا من أنواع الحديث، هل يذهب مباشرةً فيتابع في كتب التصحيح والتضعيف حتى تكون عنده فكرة تطبيقية؟
إذا كان من باب القراءة، هذا جيد، يعني كونه يتلقى علم الحديث أو مصطلح الحديث نظريًّا كما في درسنا هذا، ثم يذهب فيطبق فيقرأ في كتب التخاريج، يقرأ مثلا في البدر المنير، في التلخيص الحبير، في تخريجات الشيخ الألباني، وغيرهم رحمهم الله تعالى أجميعين، فهذا بلا شك يفيده، فيجمع بين النظرية والتطبيق.
بعض طلبة العلم يقولون إن حديث ( كل أمر ذو بال..... )، هل هذا يصححه؟
أبدًا، من الذي قال إن الأمة تلقته بالقبول؟! ما أحد قال إن الأمة تلقته بالقبول، هو حديثٌ ضعيفٌ، ولكن بحمد الله في الأصول ما يغني عنه.
بعض الناس يقولون أنتم أهل السنة لماذا تأخذون من المحدثين الأشاعرة أو الذين عندهم تمشعر، هكذا يقولون، فكيف الرد عليهم؟
لعل هذا موضوعٌ مهم جدًا، وأنا كنت راغبًا أن أتحدث عن بعض الجوانب التربوية التي تُستفاد من علم الحديث، فهذا نتركه إن شاء الله تعالى كمقدمة للقاء القادم.
السؤال عن كفارة المجلس، كلمة سبحانك اللهم وبحمدك بعد انتهاء مجلس العلم، هل يصح ما سمعنا من أنه يُختم على هذا المجلس بخاتم إلى يوم القيامة؟(1/28)
هذا ورد في بعض طرق الحديث، ولكن الحديث برمته فيه كلام، ونحن نرجح إن شاء الله تعالى أنه يُعمل به، فإن شاء الله تعالى هو صحيح، لكن هذا الفضل وهو أنه يختم عليه بخاتم لا أعرف أنه صحيح في بعض الطرق.
ولكن نقول الذكر نفسه، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
ونحن جميعًا على إثرك فضيلة الشيخ سعد نقول جميعًا بصوتٍ في قلبنا، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ربنا ونتوب إليك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
عقيدة الإمام
أقول: استمعنا إلى سؤال الأخ الرحماني من فرنسا - وفَّقَهُ الله -، والذي سأل فيه عن عقيدة الحافظ ابن حجر -رحمه الله، وأقول: إن الحافظ ابن حجر بشرٌ كبقية البشر، وكل البشر يخطئون ويصيبون، ولكن من كان من الأئمة خطؤه أكثر من صوابه، فهذا الذي ينبه على أخطائه، لكن من غير أن يطول ذلك شخصه، أو يؤثر على أخذ علمه، ولذلك سأنبه على قضية تربوية نستلُّها من دراستنا لهذا الفن -مصطلح الحديث-، بل هو منهج عند علماء الحديث كما سأنبه عليه -إن شاء الله تعالى، ولكن بعد التذكير بما تضمنه سؤال الأخ الرحماني وفقه الله.
فأقول: إن الحافظ ابن حجر مجتهد، فبعضهم ربما قال: إنه أشعريٌّ في معتقده، ونقول:
إن الحافظ أحيانًا يوافق الأشاعرة في بعض ما ذهبوا إليه: من نفي بعض الصفات، أو بعض المسائل الأخرى التي عُرفت عن الأشاعرة، كقضية التحسيني والتقبيحي، ونحو ذلك، وربما أيضًا في مسائل الإيمان التي شابه فيها الأشاعرة والمرجئة، وعندهم نوعٌ من الإرجاء.(1/29)
لكن هناك قضايا أخرى عند الحافظ ابن حجر نجده فيها يخالف الأشاعرة، ويوافق أهل السنة، فهذا دليلٌ على أنه -رحمه الله- ليس مقلدًا، ولكنه اجتهد، فمن اجتهد فأخطأ، فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ( من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد ) فمثل هؤلاء الأئمة تطوى زلاتهم ولا تروى، ولا ينبغي أن تذكر إلا من متجردٍ للحق راغبًا في التنبيه على الخطأ حتى لا يقع فيه أحدٌ، أما إذا كان يريد أن يُنتَقَصُ ذلك الإمام، أو يقدح في شخصه، فهذا كما قال: الحافظ ابن عساكر -رحمه الله: "إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله -جلّ وعلا- في منتهكهم معلومة"، وله كلامٌ في هذا مسجوع أن من أرادهم بالثلب ابتلاه الله بموت القلب أو نحو ذلك، على كل حال.
القاعدة التي جرى عليها علماء الحديث أن العالم الذي كثر خيره، وكثرت حسناته، وكثرت إصابته؛ يجب أن يقدر، وأن يحترم وأن يعرف له ما أصاب فيه، وأن يدعى له بالمغفرة والرحمة، نعم، ولا يُجارى في خطأه.
وهذا كما قلت منهجٌ تربوي ينبغي أن يتحلى به طالب علم الحديث، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- معنا في قضايا أخرى في مثل آداب المحدث، وطالب الحديث، وغيرها ما يدل على مثل هذه الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب الحديث .(1/30)
وأقول من أهم المهمات في طالب الحديث أن يكون عنده من العدل والإنصاف وتقدير الأمور بقدرها الشيء الذي يكفل له التوازن، وأن لا يكون منهجه منهج الخوارج الذين لا يعرفون إلا نظرة السوداوية، فلا ينظرون للمحاسن، ولا ينظرون إلا إلى المساوئ والمثالب، فهذا المنهج مهما طُبق، سواء طبق على الحكام، أو على عامة الناس، أو على العلماء، أو على طلبة العلم، والدعاة ونحو ذلك، فالمنهج هو المنهج لا يتغير ولا يختلف؛ لأن النظرة السوداوية هذه لا تقبل أن تذكر حسنات الشخص، أو تبرز هفواته وتُتبع وتُستل، وربما أُسيء الظن بكل ما يصدر منه، هذا هو منهج الخوارج شئنا أم أبينا، وسواء تسمى بهذا المنهج أُناس ينتسبون إلى السنة أو إلى غيرها .
فعلى سبيل المثال: نحن إذا أردنا أن نكون متبعين لسلف الأمة الصالحين يجب أن نأخذ منهجهم بكامله، ولا نركز على قضايا في أعصارٍ معينة، وصدرت من أشخاص معينين.
فعلى سبيل المثال: الإمام أحمد -رحمه الله- في عصره حصلت الفتنة المعروفة وهي فتنة خلق القرآن، ووقف الإمام أحمد -رحمه الله- من هذه الفتنة وممن أجاب فيها وإن كان مكرهًا- موقفًا معروفًا، لكن للإمام أحمد عذره، فبعض الناس يأخذ منهج الإمام أحمد ويريد أن يطبقه في كل العصور، وفي كل القضايا، هذا مستحيل؛ لأن الإمام أحمد -رحمه الله- أيضًا له مواقف أخرى، على سبيل المثال الإمام أحمد لا يرد رواية قتادة، بل يعد قتادة من كبار الأئمة، وقتادة ممن عُرف عنه القول بالقدر، الإمام أحمد لا يرد رواية الأعمش، بل يحتج بها ويعد الأعمش من كبار الأئمة، والأعمش فيه نوع تشيع.(1/31)
البخاري -رحمه الله- احتج بعباد بن يعقوب الرواجلي، وعباد لو اطلعنا على كلامه في التشيع لرأينا العجب العجاب؛ ولذلك يقول ابن خزيمة- وهو من هو ابن خزيمة؟! ممن أصل في أصول الاعتقاد، ولا أحد يستطيع أن يتهمه بغير معتقد أهل السنة، ومع ذلك يقول ابن خزيمة: "حدثنا عباد بن يعقوب الثقة في حديثه المتهم في دينه"، يقصد المتهم في دينه؛ لأنه تناول بعض الصحابة -رضي الله عنهم- وقال أقوالا شنيعة، لكن عدل أئمة الحديث وإنصافهم تجلى في مثل هذه الموقف، تجلى في مثل معاملتهم لهذا الرجل، مع أنه موصوف بهذه الصفات التي تُستبشع، إلا أن عدلهم وإنصافهم يأبى عليهم إلا أن يأخذوا منه؛ لأنهم يعرفون أنه ثقة في حديثه، ولا يكذب، وجربوا عليه الصدق، فعليه بدعته ولنا حديثه وصدقه، ولذلك البخاري احتج بعمران بن حطان وهو الذي امتدح عبد الرحمن بن الملجم قاتل علي -رضي الله تعالى عنه، هو الذي قال "يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانًا" ، فيمتدح عبد الرحمن بن الملجم بهذه البدعة، ومع ذلك أخرج له البخاري في صحيحه، لماذا يخرج البخاري لهذا المبتدع؟ إنما أخرج له البخاري؛ لأنه يعرف أن هذا الرجل صادق لا يمكن أن يكذب، فعليه بدعته ولنا صدقه وأحاديثه التي أصاب فيها.
والكلام في هذا -أيها الإخوة- يطول؛ لذلك ينبغي أن نأخذ بمجمل أصول أهل السنة، بجميع معتقدهم، بجميع منهجهم، لا أن نأتي لبعض القضايا كما تفعل الفرق المبتدعة، الخوارج على سبيل المثال، لماذا ذلوا؟ لأنهم أخذوا بأي شيء؟ بأحاديث الوعيد، والمرجئة لماذا ضلوا أيضًا؟ لأنهم أخذوا بأحاديث الوعد، فكل هؤلاء لم يأخذوا بجميع النصوص الشرعية، وإنما اقتصروا على جزء وأخذوا جزءًا يناسب أهواءهم وما هم عليه من المعتقد.(1/32)
وكذلك أيضًا من أخذ ببعض منهج أهل السنة ونبذ الباقي ففيه شبه من هذه الفرق المبتدعة، كما أن أهل السنة ليس هذا منهجهم في كل الأحيان، أحيانًا يكونون محتاجين للعالم، فإذا احتاجوا إليه يأخذون منه ما أصاب فيه، ويتركون ما أخطأ فيه، وينظرون أيضًا لمصلحة الأمة، فكانت هنالك فتنة وقعت في خراسان لأهل السنة لكنهم كانوا قلة في مقابل المبتدعة، ولذلك ما وقفوا ذلك الموقف الذي وقفه الإمام أحمد ومن كان معه في قتنة خلق القرآن في بغداد، ونحوها من البلدان، بل كان موقفهم غير ذلك الموقف تمامًا، موقفهم موقف المراعي للمصالح ودرأ المفاسد وهكذا.
الذي ينظر نظرة جزئية هذا إمام جاهل، وإمام متبع لهواه، فنصوص الشرع ومواقف أهل السنة ومنهج أهل السنة ينبغي أن يؤخذ بإجماله، فالإمام أحمد وغير الإمام أحمد كلهم أحباب إلى قلوبنا، فنأخذ من السلف الصالح كلهم ما أصابوا فيه، ومن اجتهد اجتهادًا فرديًّا هذا لا يُجارى في اجتهاده إلا خالفه أئمة آخرون، ويمكن أن يُحسن الظن في اجتهاده إذا وُجد أنه اجتهادًا معين .
الإمام أحمد هجر بعض أئمة أهل السنة : السبب أنهم أجابوا مكرهين في فتنة خلق القرآن، الله عذرهم في كتابه ? إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ? [النحل: 106]، ألا نعذرهم؟ الإمام أحمد موقفه هذا إنما هو لسبب معين ولمصحلة رآها، اجتهد في هذا، هل يُقال إن هذا منهج للإمام أحمد يجب أن يعامل به الجميع ؟ لا . هذا خطأ وموقفٌ شنيعٌ، فينبغي أن نتنبه لهذه القضايا، ولهذه المسألة كلامٌ كثير، لكن نخشى أن يأتي على درسنا، فلعلنا نبدأ في درس اليوم.
جزاكم الله خيرًا يا شيخ، لعلها قاعدة عزيزة ومنهج منصف، قاله في الواقع مؤمن آل فرعون عن موسى الكليم
هل أثَّر معتقد ابن حجر على مصنفاته ؟(1/33)
ذكرتم -حفظكم الله: أن الحافظ قد يشمل شيئًا من التشيع وشيئًا من الأشعرية، وخالف أهل السنة والجماعة في بعض النقاط، هل أثَّر ذلك في تصنيف الحافظ ومؤلفاته؟
لاشك أن ما من إنسان يعتقد أن هذا الأمر الذي اجتهد فيه حق إلا وسيظهر في مصنفاته، ولذلك نجد لابن حزم كلام في قضية المبتدع، يقول "إن المبتدع لو سكت عن بدعته لقلنا إنه متهم في دينه"، يعني إذا كان يرى أن هذا حق فلابد أن يذكره، فإذا كتم الحق فمعنى ذلك: أنه متهمٌ في دينه، هذا الكلام قد يخالف بعض ما قاله أئمة الحديث من أهل المبتدع -وهذا سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى- من أن المبتدع إذا كان لا يدعو إلى بدعته فهذا يمكن أن تقبل روايتهم بالإضافة إلى الشروط الأخرى، لكن ابن حزم يخالف في هذه القضية، يقول لا، ليس هذا حق؛ لأنه إن كان يعتقد أن هذا حق فيجب عليه أن ينطق به؛ ولذلك لا نعد هذا قادحًا في دينه.
فهذه القضايا اجتهادية بين العلماء كما نرى، فلابد أن يظهر شيءٌ من هذا في مصنفات الحافظ ابن حجر، ولذلك لا يقرأ في مثل هذه المصنفات والمطولات والأشياء التي تحتاج إلى فهم ثاقب إلا طالب علم متمكن يعرف ويدرك، وإذا أشكل شيءٌ على طالب العلم فعليه أن يسأل أهل العلم، ولذلك أحسن بعض الإخوة الأفاضل الذين حققوا فتح الباري للحافظ ابن حجر، وهو الذي يمكن أن يكون أكثر ما عنده موجودٌ في هذا الكتاب، أحسنوا بالتعليق على هذه المسائل التي يخالف فيها الحافظ -رحم الله الجميع.
كنا قد توقفنا يا شيخ عند الخبر والأثر والحديث، وبينتم أن الحافظ ابن حجر اختار لفظة الخبر لتشمل كل المرويات عن النبي -صلى الله عليه وسلم وغيره.
( الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أومع حصر بما فوق الاثنين، أوبهما، أوبواحد.
فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه.
والثاني: المشهور وهو المستفيض على رأي )
الخبر(1/34)
قلنا-في الدرس السابق: إن الحافظ -رحمه الله-اختار لفظ الخبر، ونبه هو في شرحه على أنه قصد هذه اللفظة؛ لأنها أعم فتشمل كل ما يُروى من خبر، سواء كان هذا الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن غيره، وهذا الغير إما أن يكون من الأمم السالفة، أو من الصحابة، أو من التابعين، ومن جاء بعدهم، فهذا منهج ينبغي أن يُسار عليه، وهو الحكم على كل ما يمكن أن يُتلقى .
وهذا المنهج مهمٌ جدًا كما ذكرناه سابقًا لكل عالمٍ، لكل أحد، حتى في القضايا التي ترد فيما بيننا ، وبخاصة في بعض الأحيان التي يحتاج إليها الناس كوجود الفتن، نسأل الله السلامة منها، التي هي مرتعٌ خصب جدًا لوجود الشائعات، فيجب على الحريص على دينه، الذي يريد الحيطة لدينه، والسلامة من الوقوع في أعراض الناس أن يترسم هذا المنهج، وأن يجعله نصب عينيه، فلا يأخذ إلا ما دلت الدلائل على ثبوته عن كل أحد، ثم بعد ذلك يضيف إليه الأمور الباقية: من إحسان الظن، والموازنة بين المصالح والمفاسد، وبين المحاسن والمساوئ، وغير ذلك مما هو مذكورٌ في مظانه، ولعلنا ننبه على شيء منه -إن شاء الله- تعالى- في ثنايا هذا الدرس.
فهذه اللفظة التي اختارها الحافظ ابن حجر لتشمل كل خبر، فيقول: إن الخبر من حيث وروده ينقسم إلى قسمين: متواتر وآحاد، هذا هو الخبر في الجملة، لا يخرج عن أحد هذين القسمين: إما متواتر، وإما آحاد، الآحاد سيأتي الكلام عنه -إن شاء الله -تعالى-
أما بالنسبة للخبر المتواتر فهو الذي سيستوعب علينا درسنا في هذه الليلة؛ لأهميته، ولكثرة الخلافة فيه.
تعريفُ الخَبَرِ المُتَوَاتِر
نقول بالنسبة للخبر المتواتر: أولا من حيث
التعريف اللغوي، يعرفه أهل اللغة: بأن المتواتر هو المتتابع، ولذلك إذا قيل تواتر المطر أو تتابع المطر.(1/35)
أما بالنسبة للتعريف الاصطلاحي عندهم: فسأذكره الآن، ثم بعد ذلك نبدأ في مناقشة هذا وما يتعلق به، فيعرفون الخبر المتواتر بأنه "ما يرويه عددٌ كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، وتكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند، وأحالوه إلى شيءٍ محسوس" .
شروط الخبر المتواتر
فنستطيع من خلال هذا التعريف أن نستل أربعة شروط اشترطوها في تعريف الخبر المتواتر .
أول هذه الشروط: كثرة العدد .
ثاني هذه الشروط: توفر هذه الكثرة في جميع طبقات السند .
ثالث هذه الشروط : أن تحيل العادة تواطؤ هؤلاء الرواة على الكذب .
رابع هذه الشروط : أن يكون مستند هؤلاء الرواة الحس، أي لا الظن ولا النظريات ولا غير ذلك، إنما لابد أن يكون الخبر الذي يرون به ناشئًا عن حس، إما بالسماع أو بالمشاهدة، أو غير ذلك مما يدرك بالحواس.
نشأة التعريف
وسنتكلم -إن شاء الله -تعالى- عن مفردات هذا التعريف بشكلٍ يمكن أن يكون فيه شيءٌ من البسط، لكن بعد أن أقول إن نشأة هذا التعريف أو تقسيم الخبر بالمعنى الأدق إنما نشأت بعد ظهوور تيار المعتزلة، يعني في آخر القرن الثاني، فلو نظرنا في القرن الأول، وبداية القرن الثاني لا نجد لعلماء الحديث وغيرهم أيضًا من العلماء المعتبرين، لا نجد لهم كلامًا في هذا البتة، فلا يعرفون إلا الصحيح والضعيف، هل يثبت أو لا يثبت، أما هذه الشروط التي اشترطت في المتواتر، وهذا التعريف الذي ذُكر في المتواتر فلم يكونوا يعرفوه، من نازع في نازع في هذا الذي أقول، فهذه هي الكتب، موجودة، وهذه هي النقول، موجودة، فليذهب وليفتش، والوسائل المعينة والمساعدة الآن في الوقت الحاضر موجودة بحمد الله، كبرامج الحاسب الآلي، فليستعن بها وليذهب وليفتش وليبحث، فإذا وجد كلامًا يخالف ما ذكرتُ فليأتنا به، أنا ما أقول هذا الكلام إلا بعد سبر وتتبع وبحث طويلٌ في هذه القضية.(1/36)
ما وجدت لأحدٍ من السلف كلامًا في هذا، وإنما وجدناه ظهر بعض ظهور تيار المعتزلة، لما ظهرت المعتزلة ظهر هذا المبحث، وبالذات بعد أن عُرِّبَت كتب اليونان، وتعرف أن كتب اليونان عُربت بعد مجيء الدولة العباسية، وعلى وجه الخصوص لما أنشأ المأمون دواوين لترجمة كتب اليونان إلى اللغة العربية، ففشى شرٌ كثيرٌ في الأمة أدى إلى انقسامها وإلى ظهور تلك الفتن والمحن والقلاقل التي حصلت بسبب الدخول في هذه القضايا الكلامية، ولذلك من ينظر في كتب الملل والنحل -كالفِصَل لابن حزم ونحو ذلك- يجد أن هذا المبحث مبحث من مباحث الأمم السابقة، ليس من مباحث أمة الإسلام في الأصل.
فهذا المبحث كان موجودًا عند اليهود وغيرهم ممن اضطروا إليه؛ لأنهم لم يكونوا ممن خصهم الله بهذه الخصيصة التي شرف الله بها الأمة المحمدية، وهي خصيصة ماذا؟ الإسناد، فالإسناد: من الخصائص التي شرف الله بها الأمة المحمدية، الأمم السابقة لم يكن عندهم الإسناد، لكنهم مضطرون إلى التعامل مع الأخبار تصديقًا وتكذيبًا في حياتهم، فيما يتلقونه من أخبار، أيضًا الأمم السابقة لهم، كيف يصدقون ويكذبون هذه الأخبار؟ لابد أن تكون عندهم موازين، وهذه الموازين لا حرج إذا وضعها الإنسان في حال الاحتياج إليها، لكن أن تكون قاضية على القضايا الشرعية التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، فهذا الذي نرفضه ونأباه.
فنعرف أن المؤرخين وغيرهم من علماء الاجتماع وغير ذلك أحيانًا يحدثون بعض التعريفات وبعض الأشياء التي تخدمهم فيما يتكلمون فيه، فعلى سبيل المثال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، تكلم في قضايا مهمة جدًا اجتهد هو فيها من تلقاء نفسه مع الاستئناس مع ما يجده في واقع الناس، فهذا لا حرج عليه فيه، إذا لم يكن مخالفًا لنصوص الشرع .(1/37)
كذلك الأمم السالفة اضطروا لإحداث مثل هذه التعريفات للتعامل مع الأخبار تصديقًا وتكذيبًا، ولعلي أوضح مرادهم ببعض الأمثلة، فعلى سبيل المثال : لو جاءنا شخصان ، أحدهما : نعرف يقينًا أنه جاء من المنطقة الشرقية، والآخر نعرف أنه جاء من المنطقة الغربية، وهذان نحن متيقنون أن كلا منهما لا يعرف الآخر إطلاقًا، فجاء كل واحد منهما وحدثنا بخبر شاهده، أي خبر من الأخبار؟ نعرف أنهما ما التقيا إطلاقًا، وهذا الخبر ربما انضاف إليه قرائن، كأن يكون خبرًا طويلا وفيه جزئيات وتفاصيل، يستحيل تمامًا أن يتفق هذان على شيء يمكن أن يتصوره أو يختلقه كل واحد منهما، ولذلك لما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية إن المتواتر في مثل هذه الصورة، أي إذا صدق الواحد الآخر وانتشر مثل هذا الخبر، يمكن أن يُقبل حتى من الكافر، يعني لا تُشترط فيه العدالة، هذا شيءٌ الناس يضطرون إلى تصديقه، إنسانٌ جاءك من مكان، وآخر جاءك من مكان، وأنت تعرف تمامًا أن كلا منهما ما لقي الآخر حتى وإن كانا كافرين، أو كانوا أكثر من اثنين كانوا كفارًا، قامت عندك قرائن تدل على صدقهم مع أنهم في الأصل قد يكذبون، لكن الكاذب قد يصدق في بعض الأحيان، كيف نستطيع أن نميز صدقه من كذبه إلا بمثل هذه القرائن.
لذلك حتى أقرب المعنى إلى الأذهان شيئًا فشيئًا، أود أن أطرح عليكم بعض الأسئلة، هل في واقعنا أشياء من هذه الحوادث مما نعيشه نحن؟ دعونا نحرك الأذهان ونعرف حتى نتوصل إلى حقيقة التعريف والمراد منه بكل وضوح وجلاء؛ لأن هذا يحتاج منا فعلا إلى تأمل، حتى لا يكون الواحد منا إمعة مقلد ونأخذ الكلام بإطلاق ولا نتمعن فيه ولا ندقق في محتوياته، لا، ينبغي أن نعمل أذهاننا في نقد التعاريف أو قبولها، فإذا كان بالإمكان أحد الإخوة يعطينا شيئاً من الواقع لمثل هذا.(1/38)
الآن نجد بعض القصص تحدث، فمثلا شخص يبلغ عن أمر حدث في طرق معينة ويخبرك بتفاصيل معينة، لون السيارة مثلا أو شكلها، ويأتي شخصٌ آخر ويخبر عن نفس الخبر، وثالث، ورابع، يعني يختلفون، هذا لا يعرف هذا وهذا يُعرف عنه الكذب، لكنهم تطابقوا في الخبر، ووصلوا إلى استحالة كذبهم فنصدقهم في هذا
كنا نعرف أن هناك بعض المستشرقين والكفار يقدمون بعض الأشياء، ولا تخلو من الحقيقة، مثلا ما نراه في كتب الحديث الذين خدموا المستشرقين في المعجم المفهرس وألفاظ الحديث النبوي، هؤلاء قدموا شيئًا للإسلام، لكن لهم نوايا أخرى من خلال هذا التقديم للأمة المسلمة، لكن نحن -ولله الحمد- استفدنا كثيرًا من هذا المعجم، الأمة -ولله الحمد-أخذوا كثيرًا من هذه الكتب
بطبيعة الحال أنا أتكلم عن شيءٍ معين، لابأس بمثل هذا الإنصاف والعدل فيما قيل، لكن نحن نتكلم عن قضية الأخبار وما يتعلق بها، فدعوني أقرب المعنى للأذهان بشكل أوضح:
الواحد منا ولدته أمه بناءً على ما ذكروه، وفي تعريف المتواتر يمكن أن يشك الواحد في أصله، يشك هل هذه أمه أو لا، لماذا؟ من الذي قال: إنها أمه؟ كم عدد الذين أخبروه؟ أخبرته هي، وأخبره أبوه؟ ألا يُحتمل أن يكونا كاذبين؟ يعني نحن نتكلم الآن عن الشروط الذين وضعوها لقبول الخبر.
إذًا هذه الشروط حقيقةً إذا التُزم بها كما سنرى في نقدها، هي شروط يأباها العقل، يرفضها العقل، يمجها العقل، بالإضافة إلى وجود الأدلة الكثيرة من الشرع ترفضها وتأباها.(1/39)
فعلى سبيل المثال: الرب -جلّ وعلا- تعبدنا بشهادة شاهدين اثنين، هذان الشاهدان لو جاءا يشهدان على أن خالدًا من الناس قتل سعيدًا، فقط شاهدان، هل يمكن أن نقتل خالدًا بشهادة هذين الاثنين؟ نعم، يحكم قاضي بقتل خالد بشهادة هذين الاثنين، الله أكبر، يعني يمكن أن يُقتل رجل بشهادة اثنين لم يصلا إلى حد التواتر؟ لأنه إن لم يصل إلى حد التواتر كما سنرى عندهم فالخبر ظني، يعني ليس يقينيًّا، يعني يقولون إن الخبر اليقيني، أو الذي يفيد اليقين هو المتواتر فقط، فلذلك مثل هذا لا يمكن أن يحصل في شريعة الله، الدماء تراق بهذا .
بل تُستباح النساء، لو أن رجلا في معركة من المعارك فُقد وما عاد مع الجيش، ماذا تتصورون أن يحصل لهذا الرجل في حال فقده في هذه المعركة؟ ما الذي يمكن أن يحصل له؟ قد يكون قتل، أو أُسر، وهناك توقعاتٌ أخرى، ويمكن أن يكون سقط ففقد ذاكرته فتاه، وهذا يحصل لأناس، فكل هذه الاحتمالات موجودة، فلو جاءنا رجلٌ واحدٌ، فقال: أنا رأيته مقتولا وأخبر زوجته وأهله وذويه، هل تعتد زوجته؟ وهل يجوز لها أن تنكح؟ قد يكون فيها خلافٌ إذا كان المخبر واحدًا، لكن دعونا نقول إن المخبر اثنان، والاثنان والواحد عند أصحاب هذا التعريف سيان ، فإذا كان الذي أخبر بهذا الخبر اثنين فهل يمكن لهذه الزوجة أن تعتد وأن تنكح زوجًا غيره؟ نعم، سبحان الله أيحصل هذا بشيءٍ ظني تيقناه، مُحال في شريعة الله -تبارك وتعالى- يحصل هذا، وهلم جره في أخبار شتى.
السبب في نشأة هذا التعريف(1/40)
بل الأدلة الشرعية التي دلت على خلاف هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى- ذكرها بعد أن أقول إننا محتاجون إلى النظر في مفردات هذا التعريف، والسبب في نشأة هذا التعريف، السبب في حقيقة الأمر أن المعتزلة رأوا أهل السنة يحتجون بأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته الكرام -رضي الله تعالى عنهم- تخالف ما هم عليه من المعتقد، فعلى سبيل المثال: من أهم القضايا التي يتكلم فيها المعتزلة قضية الصفات، فهم ينكرون جميع الصفات، فإذا جاءت نصوص شرعية من كتاب الله أولوها، لكن إذا جاءت أحاديث نبوية تفسر القرآن وتوضحه ولا يمكن أن يتأولوها مثل ما تأولوا القرآن، فإنهم يقفون حائرين أمام هذه الأدلة الشرعية، ماذا يصنعون تجاهها؟ فأوجدوا هذا التقسيم، فقالوا: نحن نفرق بين المتواتر والآحاد، فإذا كان الخبر الذي جاء عن -النبي صلى الله عليه وسلم- متواترًا قبلناه، وإذا كان آحادًا وهو ما سوى المتواتر رفضناه في أبواب الاعتقاد، فهم يحكمهم الهوى، فلا يقبلون من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ما لم يتعرض لأصولهم.
والمعتزلة لهم أصولٌ خمسة معروفة وهي:
التوحيد .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الوعد والوعيد .
المنزلة بين منزلتين .
والعدل.
هذه خمسة أصول للمعتزلة، بطبيعة الحال بعض هذه الأصول براقة قد يُغتر بها مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
لكنهم يقصدون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ماذا؟ الخروج على ولاة الجور .
يقصدون بالعدل نفي القدر .
يقصدون بالتوحيد نفي الصفات ... وهكذا .(1/41)
فعلى كل حال أصول المعتزلة هذه وجدوا أن هناك أحاديث تنقضها، فماذا يصنعون مع هذه الأحاديث حتى تبقى لهم أصولهم التي أَصَّلُوها بُناءً على حجج عقلية؟ ذهبوا يُحْدِثُونَ مثل هذا التقسيم؛ ليردوا الأدلة التي لا تتوافق مع معتقداتهم، هذا هو السبب في الأساس، ولذلك قالوا نحن لا نقبل إلا المتواتر؛ لأن المتواتر هو الذي يفيد اليقين، والاعتقاد لا نأخذ فيه إلا بما هو يقيني، ولا نأخذ إلا بما هو ظني، وأخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن.
يمكن على الأقل أن نقول لا بأس، لعله يسلم لنا جملة من الأحاديث مما يمكن أن تكون متواترة، لكن أيضًا ذهبوا يتحكمون في المتواتر، فالمشكلة في المتواتر التعريف، فالمتواتر لم يتفقوا فيه على تعريفٍ معين، وأشهر تعريف هو الذي ذكرته لكم، لكن هناك أقوال كثيرة في تعريف المتواتر، يمكن تصل هذه الأقوال إلى قرابة عشرة أقوال في تعريف المتواتر، لكن أشهر هذه الأقوال هذا التعريف الذي ذكرناه، وهو الذي انتشر واشتهر في كتب أصول الفقه وكتب العقائد.
لكن هذا التعريف الذي نتحدث عنه إذا ابتدأنا في لفظه جزئية جزئية، فإننا يمكن أن نعرف خبايا هذا التعريف وإلى ماذا يريد أن يصل؟
ما حد الكثرة في تعريف المتواتر
فأول شرط من هذه الشروط قلنا فيه: إنه كثرة العدد، ما ضابط هذه الكثرة؟
أو ما حد هذه الكثرة؟
هنا اضطربوا اضطرابًا كثيرًا :
1- وهو الذي جعل كثيرًا من الأئمة يرفض التقيد بعدد، فبعضهم قال: متى ما حصرت بعدد فهذا غير متواتر، يعني لابد أن يكون المتواتر غير محصور بعدد معين، يعني لو قلت مثلا إن الذين نقلوا الخبر مليون فيقول إنه غير متواتر؛ لأنه متى حُصر العدد بحاصر فهذا يعني أنه لم يتواتر، إذًا فلابد أن يكون الخبر نُقل بعدد غير محصور، هذا قول قيل.
2- قولٌ آخر: أنه لابد أن يذكر هذا الخبر كل من بين المشرق والمغرب، وهذا قريبٌ من القول الأول.(1/42)
3- الذين ابتدءوا يحددون بحد قال بعضهم: ثلاثمائة وأربعة عشر، يعني عدة أهل بدر .
4- بعضهم قال: مائة .
5- بعضهم قال: لابد أن يكون العدد سبعين .
6- بعضهم قال: خمسين .
7- بعضهم قال: أربعين .
8- بعضهم قال: عشرين .
9- بعضهم قال: اثني عشر .
10- بعضهم قال: عشرة .
11- وأخذوا يتنزلون إلى أن قال بعضهم: يمكن أن يكون متواترًا باثنين، بعضهم قال: ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، وهكذا.
فهي أقوالٌ مضطربة لا دليل عليها البتة، بعضهم يستدل بأدلة عجيبة:
فبعضهم كما قلت استدل بعدة أهل بدر، ما دخل أهل بدر في المتواتر؟!! ليس هناك دخل.
وبعض الذين قالوا: مثلاً سبعين يستدلون بقول اللهِ جلَّ وعلا ? وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ? [الأعراف: 155].
بعضهم قال: لابد وأن يكون العدد خمسين أخذًا من حديث القسامة، يعني لابد أن يُقسم عدد خمسين .
الذين قالوا أربعين قالوا: لأنه العدد الذي تُقام به صلاة الجمعة، وهكذا في أمثلة كثيرة جدًا.
فالشاهد أن العدد اضطربوا فيه اضطرابًا كثيرًا .
ولذلك يذهب بعض الذين يتكلمون في المتواتر إلى أنه ينبغي ألا يُحد بعدد معين، لكن هؤلاء ينقسمون إلى قسمين:
بعضهم يقول لابد وأن يكونوا كثرة، وهذه الكثرة لابد وأن تفيد العلم وتحيل العادة تواطؤهم على الكذب .(1/43)
وبعضهم يتريث في هذا، فمثلا ابن حزم -رحمه الله- هو أجود من حدد هذا العدد، فابن حزم يرى أنه يمكن أن يكون التواتر باثنين، يقول: لو أنك أتيت برجلين وأدخلت كل واحدٍ منهما في غرفة، وأغلقت على هذا وأغلقت على هذا، وهذا أخبرك بخبر وهذا أخبرك بخبر جديد، لم يتفقا عليه، أنت وضعت هذا في مكان وهذا في مكان، فبلا شك أن هؤلاء يستحيل عادة أن يتواطأ هذان الاثنان على اختلاف هذا الخبر الذي أخبراك به، ولذلك ابن حزم يقول: نحن وجدنا فيما نشاهد من الواقع -على سبيل المثال- الشعراء، يستحيل أن تجد شاعرين أو أكثر يتفقان على أبياتٍ إلا أن يكون لها أصولا، إما أن يكون أحدٌ منهم سمع الآخر، أو يكون كل واحد منهم سرق البيت من شاعر سابق فاتفقوا، أما أن تكون هذه الأبيات مستحدثة جديدة فيستحيل أن تجد شاعرين يختلقان أبياتًا بهذه الصفة.
فالشاهد أن كثرة العدد لا يمكن أن تكون منضبطة في مثل هذا الموضوع، إذًا فما الذي ينضبط؟
نقول: الذي ينضبط هو الضوابط الأخرى، وهي إفادة العلم مع ضوابط الشريعة، كما قلنا: نحن ننظر إلى الأدلة الشرعية، فمثلا :(1/44)
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما جاءه أبو موسى الأشعري يستأذنه وضرب عليه الباب ثلاث مرات، فلم يفتح عمر ، انصرف أبو موسى، ففتح عمر الباب بعد ذلك فاستدعاه وقال له: لماذا انصرفت؟ فقال: لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاث مرات، فإن أُذن له، وإلا فليرجع )، فقال له عمر: إما أن تأتيني ببينة أو لأوجعنك ضربًا، فذهب أبو موسى الأشعري وهو منتقع اللون حتى جاء إلى مجلس من مجالس الأنصار فوجد فيه جمعًا، فوجدوه منتقع اللون فسألوه عن الخبر، فأخبرهم بالخبر الذي جرى له مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، فقال: هل منكم أحدٌ سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا، قالوا: كلنا سمعناه، لكن -والله- لا يذهب معك إلا أصغرنا، وكان أصغرهم أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه، فذهب وشهد معه، فقال له عمر: أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت.
فإذًا عمر -رضي الله عنه- قبل الخبر الآن بشهادة واحد، وما قال: إنك ما قامت بك الحجة، ولا يمكن أن أصدق، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذًا -رضي الله عنه- إلى أهل اليمن، بعثه وهو واحد، وبعثه بأصول الاعتقاد، ( إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله..... ) إلى أخر الحديث، هذه أصول الاعتقاد وأهم المهمات: تعريفهم بدين الإسلام، وهو واحد، وما قال أهل اليمن: إنك واحدٌ، والواحد لا تقوم به حجة، وخبرك خبرٌ ظني لا يمكن أن نتيقنه، ما قالوا هذا لأنهم أناسٌ سليمي الفطرة، ففطرهم سليمة لم تتلوث بهذه الملوثات الكلامية.
الشرط الثاني ، والثالث من شروط المتواتر ونقضه
من المساوئ التي في هذا التعريف -الشرط الثاني: وهو أن تكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند مع التعريف الثالث: وهو أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب .
فنسأل أصحاب هذا التعريف ونقول: هل يمكن أن ينطبق هذا التعريف على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟(1/45)
لا شك أنهم سيقولون: نعم لأنهم لا يقولون عن حديثٍ يرويه صحابي ويرويه عن هذا الصحابي مثلا ألف: إنه حديثٌ متواتر، يقولون: الكثرة لم تتوافر في طبقة الصحابة فلا يسمونه متواترًا، هذا بإجماعهم، لم يقل أحدٌ منهم إن الخبر الذي بهذه الصفة يكون متواترًا.
لماذا لا يكون متواترًا؟ لأنهم لا ينفون عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتواطئوا على الكذب، وهذا في حقيقته من أبشع ما تضمنه هذا التعريف؛ لأنه فيه سوء أدب مع صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يُنقد هذا التعريف من هذه الحيثية مع مجمل أصول اعتقاد أهل السنة، فلا يُسَلَّم بهذا التعريف، وينبغي أن يحرر، من يرتضيه ينبغي أن يحرر هذه النقطة حتى يخلص منها.
القضية بلا شك أنها شائكة، لكن الحافظ ابن حجر نفسه في الشرح أخذ من هذا الموضوع عدة أوراق وهو يتكلم عن هذا الموضوع، فعلى كل حال، هو -إن شاء الله تعالى- معنا في درسنا.
إذًا نقول إن هذا التعريف لابد أن يُنقد من هذه الحيثية، فهي قضية مهمة جدًا، بالإضافة إلى شيء آخر، وهو أننا جربنا على الأخبار أننا قد يأتينا خبر عن طريق اثنين فيكون مفيدًا للعلم اليقيني، وقد يأتينا خبر من قرابة مائة طريق ومع ذلك نقطع أنه كذب، فمثلا :
حديث الطير، هذا الحديث مروي عن أنس بن مالك من قرابة مائة طريق، لكن كل طرقه فيها قدح، ولذلك حكم عليه كثيرٌ من أهل العلم بالوضع، حديث الطير ما تعتبره بتعدد الطرق إلى أنس بن مالك، لأنه ما من طريق إلا وفيها ما يقدح فيها بقادح شديد.
لكن حديث عمر بن الخطاب ( إنما الأعمال بالنيات ) وهو حديث واحد، أخرجوه في الصحاح، وما تردد أحدٌ من القول بأن هذا الحديث صحيح .
فانظروا كيف مائة طريق ما اعتبروا بها، وطريق واحد أخذوه وقالوا إنه صحيح، فهذا يدل على أن هذه المقاييس مقاييس غير صحيحة.(1/46)
إذًا لابد وأن يكون هناك قرائن، كما سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى- حينما نتكلم عن خبر الآحاد، ويذكر الحافظ ابن حجر القرائن التي إذا احتفت بخبر الآحاد، فإنها تجعله يفيد العلم.
الشرط الأخير :
حتى نخلص من هذه القضية قولهم: "وأسندوه إلى شيءٍ محسوس"، أي إلى شيء يُدرك بالحواس، فيخرج من ذلك ما يمكن يدرك بالظنون مثل النظريات التي تُستحدث الآن، مثلا :
نظرية دارون، كانت هذه النظرية شائعة وفشت بشكلٍ كبير، ثم بعد ذلك تهاوت بتهاوي الجهة التي كانت متبنية لها، فمثل هذه النظرية لو قال بها أكثر من واحد فإنها لا تفيد العلم؛ لأن هذه النظرية إنما نشأت من غير حس، وإنما من مجرد ظنون.
بقي أن نقول: هل يمكن أن يكون هناك شيءٌ متواتر؟
نقول نعم، أهل العلم يسمون الأخبار بتسميات، فيقولون: خبر الكافة، هذا نجده عند الإمام الشافعي رحمه الله وعند غيره من أهل العلم .
خبر الكافة ما هو؟
هو الذي يُتناقل من كافة الناس إلى من بعدهم وهكذا، هذا يُشبه ما نسميه بقضية الإجماع وجريان العمل، فإذا كان بهذه الصفة فنعم، فعندنا على سبيل المثال النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة وعددها وعدد ركعاتها والزكاة ونحو ذلك، هذه كيف صدقنا بها كحكم؟ إنما صدقنا بها؛ لأنها جاءت بطريق النقل المتواتر الذي يُسمى خبر الكافة، يعني لا يحتاج هذا إلى إقامة دليل.
فلو ذهبت على سبيل المثال إلى شيءٍ أدق من هذا، مثل وجود عنترة بن شداد الرجل الشجاع في التاريخ، لو تطلبت إسنادًا لتقول أنا أريد إسنادًا صحيحًا يُثبت أن عنترة بن شداد موجود في الوجود بهذه الصفات التي ذُكرت عنه ما تجد إسنادًا، كذلك حاتم الطائي، لكن تجد أن الناس تناقلوا هذا الخبر وسلموا به، فلا أحد يكذب بأن في الوجود رجلا شجاعًا يُقال له عنترة بن شداد، فإذا الخبر تنوقل من كافة الناس إلى كافة الناس ممن جاء بعدهم.(1/47)
لكن بعض الناس يريد أن يستخدم مثل هذا النقل الذي يُسمى بخبر الكافة؛ ليصل إلى شيءٍ آخر رديء، وهو أن بعض الناس يدعون الاكتفاء بالقرآن :
يقول يكفينا القرآن ولسنا بحاجة للسنة، إذًا فكيف نعرف عدد الصلوات في اليوم والليلة والتي هي خمس صلوات، وهذا لم يُذكر في القرآن؟! يقول نكتفي بالإجماع: وهو نقل الكافة عن الكافة إلى أن وصل إلينا، وهكذا كل القضايا الأخرى، فإذًا كم الذي سيبقى من الدين إذا اكتفي بهذا، ثم إنهم قد يُنازَعون أيضًا في هذا، قد يكون الشيء الذي يُدعى أنه خبر كافة في أصله خبر آحاد، فيلزمهم إذًا أن يقولوا برده كما قالوا برد غيره.
على كل حال لعله -إن شاء الله تعالى- من خلال الأسئلة يأتي شيء يتعلق بهذا، أيضًا يمكن أن نفصل فيه؛ لأن الاستطراد في هذا يمكن أن يكون فيه شيءٌ من الملل، وأنا أمامي عدة نقاط في الحقيقة كلها تتعلق بالموضوع، لكن لا أستطيع أن آتي عليها كلها لأجل الوقت.
أليس هناك تعارض بين قول الإمام ابن حزم -رحمه الله- أن التواتر قد يكون باثنين، وبين قولهم إن الاثنين يكون من قبيل المشهور؟
بعض الناس يستدرك على الحافظ ابن حجر في قضية العلم، ويقول: إن حتى الآحاد يفيد العلم، ولكنهم يطالبون ابن حجر بتقييد كلمة العلم، فهل هو يريد العلم الضروري أو اليقيني؟ أو أنه يقول: إفادة درجات حصول العلم؟
بالنسبة للمتواتر الذي عرف به الحافظ ابن حجر، على هذا التعريف لا يكون من مباحث الإسناد، لكن لا شك أن هناك تواتر نحتاج إليه في علم الحديث، فهل التواتر الذي يستعمله أهل الحديث في مصنفاتهم لا يُبحث فيه عن أحوال الرواة؟ وهل لقولهم "أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب" دخل في هذا التعريف عند أهل الحديث؟
معنى قول الحافظ عن المتواتر : "إن هذا ليس من مباحث علم الإسناد":(1/48)
كلام الحافظ -رحمه الله- حينما قال: إن هذا ليس من مباحث علم الإسناد، هذا القول صحيح بالشيء الذي ذكرته أنا، وهو قضية الإجماع، وخبر الكافة كما قلت، وجريان العمل، هذا ليس من مباحث علم الإسناد؛ لأنه ليس عندنا إسنادٌ ننظر فيه، فعلم الحديث كما قلنا علم بأصول وقواعد يُدرى بها ماذا؟ حال السند والمتن من حيث القبول والرد، فإذًا لابد من وجود إسنادٌٍ عندنا، إن لم يكن هناك إسنادٌ فكيف نبحث في صحة هذا الخبر من عدمه، هذه تكون من مباحث مثلا إما علم الكلام أو أصول الفقه، أو كما قلت علم الاجتماع والتاريخ ونحو ذلك، نعم بهذه الصورة ليس من مباحث علم الإسناد.
لكن هناك أحاديثٌ أخرى هي التي رأى بعض أهل العلم أنها متواترة، فهذه لابد أن تكون مباحث علم الإسناد .
أنواع المتواتر من حيث الثبوت
فإذًا المتواتر عندنا نوعان،
النوع الأول: وهو ما يفيد العلم الضروري .
والنوع الثاني: وهو ما يفيد العلم النظري، هذا من حيث الثبوت .
أنواع المتواتر من حيث النوع
أما من حيث النوع أيضًا المتواتر ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: متواتر لفظي .
والنوع الثاني: متواترٌ معنوي، سنأتي -إن شاء الله تعالى- عليها.
ما هو العلم الضروري ؟
نتكلم الآن على قضية العلم الضروري، والعلم النظري .
العلم الضروري ما هو؟
العلم الضروري هو الذي يضطر صاحبه إلى التصديق، لابد أن يصدق .(1/49)
مثلما قلت عن وجود عنترة بن شداد، أو بلد من البلدان، على سبيل المثال: يمكن كثير منا ما رأى استراليا، لكن هل يشك أحدٌ منا أن هناك قارة يُقال لها استراليا، وأن وهناك ناسًا يعيشون وألوانهم بيض ونحو ذلك، ما أحد يشك منا في وجود استراليا مع أننا ما رأيناها، اللهم إن كان عن طريق الصور، دعونا نقول: قبل وجود الصور، كانت هناك أخبار تتناقل عن البلدان، على سبيل المثال: عند أسلافنا الذين كانوا مثلا في القرن الثاني والثالث ونحو ذلك، كانوا يعرفون أن هناك بلدانًا ويصدقون بوجودها مع أنهم ما رأوها، ولا يشكون في وجود هذه البلدان، كيف استطاعوا إذًا التصديق بوجود مثل هذا العلم الذي يضطر صاحبه إلى التصديق به، وهو ما يسمى بالعلم الضروري؟ فليس أمامك أسانيد حتى تبحث بها وتفتش، فذلك يصدق عليه كلام الحافظ ابن حجر أنه ليس من مباحث علم الإسناد.(1/50)
لكن إذا جاءتنا أحاديث كثيرة، مثل ما ضربوا له مثالا بحديث ( من كذب علي متعمدًا )، فإذًا لابد من وجود علم الإسناد حتى نبحث في هذه القضايا، لذلك كيف استطعنا أن نعرف أن حديث الطير...؟ حديث الطير ربما أحدكم يسأل عنه، حديث الطير هو حديث يقولون: إن أنسًا رضي الله عنه يقول: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأُهدي له طيرٌ مشوي، فقال "اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير" قال: فإذا بالباب يُطرق فقلت في نفسي اللهم اجعله امرءًا من الأنصار، فلما فتح الباب فإذا بعلي رضي الله عنه، قال: فقلتُ: النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجة، يعني لا يريد هذه المزية وهذه الفضيلة لعلي -رضي الله عنه، يريدها لرجل من الأنصار؛ لأنه من الأنصار، فانصرف علي -رضي الله عنه، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- مرةً أخرى، وإذا بالباب يُطرق ويكون عليًّا -رضي الله عنه، ويعيد أنس نفس الأمنية أو نفس الدعاء، وهكذا ثلاث مرات، وفي الرابعة دفع عليٌّ -رضي الله عنه- في صدر أنس ودخل بعنف، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما أبطأ بك"، فقال يا رسول الله هذه رابع مرة أطرق فيها، ويقول لي أنس كيت وكيت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:" ما حملك على ما صنعت يا أنس؟" فقال: يا رسول الله رجوت أن يكون امرءًا من الأنصار، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:" إن الرجل قد يحب قومه".
هذا الحديث مفاده أن عليًّا -رضي الله عنه- أحب إلى الله أيضًا حتى من النبي -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يقول: "بأحب خلقك إليك"، فلم يستثن حتى نفسه -صلى الله عليه وسلم، ثم هذا الحديث ينافي ما ثبت من الأحاديث الصحيحة في أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها هو أبو بكرٍ -رضي الله عنه- ثم عمر ثم عثمان أيضًا، وكان عليًّ -رضي الله عنه- يعترف بهذه الفضيلة لهؤلاء الخلفاء -رضي الله عنهم أجمعين، فإذًا هذا الحديث رغم كثرة الطرق إليه إلا أننا نقول: إنه حديثٌ غير صحيح.(1/51)
نعود لما كنا فيه، كيف استطعنا أن نعرف إنه غير صحيح؟ عن طريق الإسناد، فتشنا في الأسانيد فوجدنا أن جميع الأسانيد لا تصح، كلها معلولة، ولذلك نقدها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية نقدًا مبرمًا.
فهذا الذي يقول بعضهم إنه من مباحث علم الإسناد، وبعضهم يقول إنه ليس من مباحث علم الإسناد، فالذي ليس من مباحث علم الإسناد ويفرض علينا تصديق هذا يُسمى العلم الضروري، والذي من مباحث علم الإسناد ويكتشف بعد البحث أن طرقه ثابتة وصحيحة مثل أحاديث الشفاعة، أحاديث الرؤية، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، هذه نقول إنها أحاديث متواترة، كيف استطعنا أن نعرف أنها متواترة؟ من خلال مباحث علم الإسناد.
ما العلم الذي يفيدنا من هذا التواتر ؟
يفيدنا العلم، لكنه العلم النظري، أي الناشئ بعد النظر والتتبع والاستقراء.
إذًا ما التعريف المختار للمتواتر؟
أقول إن التعريف المختار للمتواتر هو كل خبرٍ يفيد العلم، وإفادةُ الخبرِ العلمُ إما أن تكون بقرائن محتفة، أو بما سميناه خبر الكافة عن الكافة ونحو ذلك، فالذي يحتاج إلى نظر في الأسانيد هذا لابد وأن تكون هناك قرائن تحتف بالخبر، هذه القرائن إذا احتفت أفادنا ذلك الخبر العلم، ولعلنا نكمل التعريف وكلام فيه حينما نتكلم عن خبر الآحاد، لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض، فلو دخلت الآن في هذا سأضطر للكلام في خبر الآحاد، إذًا نؤجل ضبط التعريف حتى نتكلم عن الآحاد، بعد ذلك يتضح لنا التعريف للمجمل للآحاد وللمتواتر.
شيخنا الفاضل، ما خصائص كتاب ابن دقيق في كتاب الأحكام؟(1/52)
يبدو أن الأخ يسأل عن كتاب ابن دقيق العيد الذي هو "الإلمام في معرفة أحاديث الأحكام"، كتاب الإمام لابن دقيق العيد رحمه الله أراد في هذا الكتاب أن يجمع جميع أحاديث الأحكام مع التفصيل الدقيق في تخريجها والحكم عليها، وبعد ذلك استل ابن دقيق العيد خلاصة هذا الكتاب وأودعها في كتابه الإلمام، الإلمام يشبه إلى حد كبير مثلا بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، أما كتاب الإمام فإنه أسهب وأطال في التخريج، هذا الكتاب لم يصل إلينا كاملا، وإنما وصل إلينا كتاب الطهارة منه على نقصٍ فيه أيضًا وبعض كتاب الصلاة، والبقية مفقودة.
هل كل من وقع في خطأ يُنسب إليه؟ أم العبرة بالمنهج العام للشخص وما عُرف به؟
نقول: إن الشخص الذي له منهج يُعرف عنه، فالذي يسير على منهج مثلاً المعتزلة أو المدرسة العقلية في العصر الحاضر التي هي استمرار لتيار المعتزلة، نعم هذا الإنسان نعرف هذا المنهج الذي عنده، ونحذر الناس من هذا المنهج حتى لا يغتروا به، لكن إذا كان الرجل منضبطًا بأصول أهل السنة ولو بالجملة ، وقد تبدو منه بعض الهفوات، فما من إمام من الأئمة إلا وقد أخطأ، ولو ذهبنا نتتبع هفوات الأئمة وأخطاءهم لطال بنا الأمر ولما بقي لنا أحدٌ ألبتة.
ما أقل عدد من الرواة في المتواتر؟ وهل يختلف حسب الأحوال؟
ألا يتوقف حصر العدد بالعرف؟
هل يُفهم من كلامكم أن الخلاف بين المتواتر والآحاد خلاف نظري ليس له أثر في الواقع العملي؟
لا، بلى له رصيد في الواقع العملي، وسنبينه -إن شاء الله تعالى، لكن أنا أجد هذه الأسئلة كلها تضطرني للدخول في خبر الواحد، لكن أنا أفضل أن نرجئه حتى نتكلم عن خبر الآحاد، ثم بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- نستكمل البقية.
فأنا بودي أن تكون الأسئلة متعلقة بما سبق أن طُرح بما يتعلق بشروط المتواتر والكلام فيها ونحو هذا، أما القضايا الأخرى فنرجئها إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن خبر الواحد.(1/53)
هل الخبر المتواتر هو الذي يرويه عددٌ كثيرٌ وعدده معروف أم غير معروف؟
نحن قلنا: إن الصواب أنه بغير حصر بعدد معين، ومن اشترط العدد فهذا عنده من التناقض ما ذكرناه، وليس عند من اشترط العدد أي دليل على هذا.
السؤال عن قضية فصل السنة عن القرآن، هل علم الحديث مُسند بآيات من القرآن الكريم لتأكيد صحتها؟ وهل تفسير القرآن الكريم مُسند بعلم الحديث؟
على كل حال السؤال فيما أرى أنه يحتمل معنيين، إما أنه يقصد هذا تفسير القرآن يكون بأحاديث مسندة وبآثار مسندة، فنعم، ويمكن أيضًا أن يكون بغير ذلك كلغة العرب، وكما هو موضح في أصول التفسير، وهذا بلا شك أنه خارج الموضوع.
وهل الأحاديث تُفيد في تفسير الآيات؟
بلا شك أن أول ما يُفسر به القرآن القرآن نفسه، كما صنع الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان، ثم بما صح من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين، ثم بلغة العرب، هذا هي القواعد التي ينبغي أن يتماشى بها لتفسير القرآن.
وبالمناسبة حتى لا يخل الموضع من الفائدة، من أراد من الإخوة أن يقرأ في هذا الموقع -إذا كان يهمه- فأنصحه بالقراءة في بعض الكتب، أولها كتاب إحكام الأحكام لابن حزم، فابن حزم -رحمه- الله ممن أطال النفس في هذا الموضوع في مبحث المتواتر، ونقد هذه التعاريف وبين ما فيها من خلل، الثاني الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، بالذات في المجلد الثامن عشر في صفحة خمسين فما بعد، وربما ابتدأ الكلام عنها قبل صفحة خمسين، فمن يفتح في صفحة خمسين وما قبل وما بعد سيجد كلام شيخ الإسلام في المتواتر ونقده، وفيه التقاء إلى حدٍ كبير مع كلام ابن حزم.
كذلك ابن القيم رحمه الله في الصواعق، لكن المشكلة أن كتاب الصواعق المطبوع الآن ناقص فليس فيه هذا المبحث، لكنه موجودٌ في مختصر الصواعق، وهو مطبوعٌ أيضًا، فمختصر الصواعق موجود فيه كلام ابن القيم رحمه الله في المتواتر والآحاد.(1/54)
ومن أبدع ما هنالك رسالة شيخنا الشيخ عبد الله الجبرين -حفظه الله- في أخبار الآحاد، فإنها رائعة وجيدة فأنصح بالرجوع إليها.
هل اعتمد العلماء الشروط التي ذكرتموها في تحقيق أقوال الصحابة؟ وهل هناك كتب في صحيح أقوال الصحابة وضعيفها؟
أقوال الصحابة إذا كان المقصود هل يجري فيها أيضًا التواتر، فالتواتر يشمل كل خبر، لذلك قلنا إن الحافظ ابن حجر اختار هذه اللفظة قصدًا، وبين أنه قصد هذه اللفظة وهو كلامه عن الخبر، فيقول الخبر سواء عن الصحابة أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن التابعين أو عن الأمم السابقة، أي خبر أنت مضطر للتعامل معه وفق هذه الأمور التي ذكرها.
أما بالنسبة لهل أخذ أقوال الصحابة وربما أيضًا كانت تقصد التابعين ما صح منها مما لم يصح، أقول لا أعرف هناك مصنفًا فرز الصحيح من الضعيف من أقوال الصحابة، ويبدو أن الأخت تقصد هل صنع هذا أحدٌ مثل ما صنع مثلا البخاري ومسلم بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم، أو كما صنع الشيخ الألباني -رحمه الله- حينما صنف صحيح الجامع وضعيف الجامع والسلسلة الصحيحة والسلسلة الضعيفة، أقول لا أعرف أحدًا أفرد أقوال الصحابة صحيحها من ضعيفها.
ما الفرق بين الشهادة والخبر؟
هناك فرقٌ بين الشهادة والخبر، وهذه الفروق تكلم عنها أيضًا ابن حزم، يعني لو أمكن للأخ السائل أن يرجع إليه لكان أفضل، لكن أُجمل الفروق في الآتي :
1- فالشهادة لابد فيها من اثنين، والخبر يُكتفى فيه بواحد .
2- فالشهادة يشترطون فيها شروطًا، مثلا لا تُقبل عندهم شهادة العبد .
3- شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل، أما بالنسبة للخبر فالأمر سيان، فيُقبل خبر الواحد سواءً كان عبدًا أو امرأة أو رجلا أو غير ذلك.
وهناك فروقٌ بين الرواية والشهادة ذكرها الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه الكفاية، يمكن لم أراد التوسع أن يرجع إليه.(1/55)
هل لازال التواتر في السنة والأحاديث موجودٌ إلى يومنا هذا؟ أم انقطع من عصر تابعي التابعين؟
بالنسبة للتواتر الذي سميناه نقل الكافة عن الكافة فهذا موجودٌ إلى عصرنا الحاضر، مثل ما قلتُ عنترة ابن شداد، مازلنا حتى الآن نصدف بعنترة ابن شداد برغم أنه ليس هناك إسنادٌ، ولا أحدٌ ذكره في الكتب التي تروي بالإسناد بإسنادٍ صحيح، مثل هذه الأخبار نعم نحن نصدقها، وإن كان في هذا العصر نحن مضطرون إليه.
أما إذا كان المقصود عن طريق الرواية، يعني هل هناك أسانيد الآن تُروى بها الأحاديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فنقول نعم هناك أسانيد، لكن لو ذهبنا نطبق عليها الشروط التي ذكرها علماء الحديث مما سيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى- فستنتهي هذه الأسانيد، لأن فيها مجاهيل، وفيها أشياء بالإجازة رديئة جدًا، فما المقصود إذًا من وجود هذه الأسانيد؟ قالوا المقصود بقاء شرف الإسناد أو خصيصة الإسناد فقط، هذا الذي يريده من يحتج بالأسانيد في هذا العصر، أما أن تُجرى عليها الإجراءات الموجودة عند علماء الحديث، فلا يمكن إجراؤها عليها؛ لأنها ستذهب برمتها.
ثمة عدد من الأسئلة يسأل عن إيراد بعض الأمثلة على الأحاديث المتواترة
أقول بالنسبة للأحاديث التي قيل عنها إنها متواترة، في الحقيقة أن :
1- هناك من قال إنه ليس هناك حديث متواتر، المتواتر قالوا إنه ليس من مباحث علم الإسناد، وهذا له شأن وعلم الإسناد له شأن آخر، فإذًا جميع الأحاديث يقولون عنها إنها أخبار آحاد، هذا قولٌ قيل.(1/56)
2- وهناك من انتقد هذا التعريف، ولعل كلام الحافظ ابن الصلاح، وهو من أبرع من صنف في علم الحديث يوحي بهذا، لكنه استثنى، قال اللهم إلا أن يُقال في حديث ( من كذب عليّ متعمدًا.... )، يعني ما استثنى إلا حديثًا واحدًا، الله أكبر، يعني جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تذهب بها الظنون، لا، حاشى لله، لكن المشكلة هي أن القضية برمتها تعود لنقد هذه الشروط، وسيتضح -إن شاء الله تعالى- مزيد أشياء حينما نتكلم عن خبر الواحد.
فبعضهم يرى أنه ليس هناك حديثٌ متواترٌ إلا حديث من كذب عليه متعمدًا، لكن هناك من رأى خلاف هذا، فالزركشي له مصنف، وإن لم يصل إلينا، أودع فيه قرابة خمسة وسبعين حديثًا يقول إنها متواترة، وبعضهم أوصلها إلى تسعين، بل السيوطي فيما أذكر أنه أوصلها إلى قرابة مائتي حديث متواتر.
لكن حينما ننظر في هذه الأحاديث نجد أنها باجتهاد هؤلاء الأئمة، فبعضها حقيقة يمكن أن يكون ضعيفًا، بل ضعيفًا جدًا، ربما كان بعضها موضوع، مما قيل عنه إنه متواتر.
ثمة سؤال، هل يكون المتواتر ضعيفًا؟
المتواتر في حقيقته بناءً على التعريف الذي ذُكر، لا، لا يكون ضعيفًا، لكن الخطأ في التطبيق، يعني السيوطي حينما طبق أخطأ في التطبيق، فحكم على أحاديث بأنها متواترة وهي لا تخرج عن كونها ضعيفة.
ويواصل الشيخ ذكر أمثلة على الأحاديث المتواترة:
3- من الأحاديث المتواترة أحاديث الشفاعة كما قلت .
4- وأحاديث الرؤية، لكن الذين ينازعون يقولون لا، هذه ليست متواترة، وهذا يجعلني أحتاط .
وأذكر أن المتواتر ينقسم إلى قسمين:
متواتر لفظي، ومتواتر معنوي، قالوا عن المتواتر اللفظي: هو ما ينقل بلفظه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل حديث ( من كذب عليّ متعمدًا )، والمتواتر المعنوي ما تعددت ألفاظه واختلف وقائعه لكن كلها تدل على معنًى واحد، فمثلا :(1/57)
أحاديث الشفاعة، هي كثيرة ليست حديثًا واحدًا يُنقل بطرقٍ كثيرة، هي أحاديث كثيرة لكنها كلها تدل على معنًى واحد وهو إثبات الشفاعة، كذلك أحاديث الرؤية، وأحاديث كثيرة تدل على معنًى واحد وهو إثبات رؤية الباري جلّ وعلا في الدار الآخرة، كذلك أحاديث رفع اليدين عند الدعاء، هي أحاديث كثيرة كلها في مجملها تدل على مشروعية رفع اليدين عند الدعاء، لكنها ليست ذات لفظ واحد يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
هل ألف أحد علماء الإسلام من السابقين أو من المعاصرين في جمع الأحاديث المتواترة لفظًا أو معنى؟ أنتم ذكرتم عددًا من السابقين. وما الرد على من لا يحتج بأحاديث الآحاد في العقيدة؟
أما بالنسبة للمؤلفات في المتواتر، فهناك بعض المؤلفات ولكن عليها ما عليها، مثل ما قلت عن كتاب السيوطي "الأزهار المتناثرة في الأحاديث الأخبار المتواترة" عليه ملاحظات في أن بعض الأحاديث التي ذكرها ووصفها بالتواتر بعضها لا يصح، وبعضها لا يُسلم بتواتره على هذه الشروط التي اشترطوها، فالكتب التي أُلفت في هذا حقيقةً لا أقول إنها كتب ناضجة، حتى في العصر الحديث، ليس هناك مؤلف أرى أنه مؤلف سالم من الاعتراضات.
بم أن المتواتر لم يتفقوا فيه على تعريف واحد، فالسؤال لماذا ظهرت هذه التعاريف؟ ولماذا أُحدث؟
هذا السؤال أجبتُ عليه في ثنايا كلامي، قلت إن هذه التعريفات إنما حدثت لقصد تضييق دائرة الاحتجاج بالأحاديث النبوية بسبب تلك المخلفات العقدية التي ورثها المعتزلة عن الأمم السابقة بعد أن تُرجمت كتب اليونان، فأصلوا من جرائها أصولهم الخمسة التي أشرنا إليها.
ذكر الحافظ في شرحه على النخبة أن الشروط الأربعة إذا توفرت أفاد الخبر العلم، ثم ذكر أنه قد يتخلف العلم لمانع، فهل إفادة العلم يدخل في شروط التواتر؟ أم أنه خارج الشروط؟ وما معنى أنه تخلف لمانع؟(1/58)
الحافظ -رحمه الله- لما ذكر أن العلم قد يتخلف لمانع ما أوضح ما هو المانع الذي يمنع من وجود العلم، فكأنه جعل العلم شرطًا أو نتيجة لهذه الشروط الثلاثة، يعني كأنها شروطٌ ثلاثة لكنها تؤدي إلى إفادة العلم، وهو كثرة العدد، ووجود هذه الكثرة في كل طبقة من طبقات السند، وإسناد هذا إلى شيء محسوس، بعد ذلك هذا الخبر إذا أفاد العلم يصبح متواترًا، فكأن العلم نتيجة لهذه الشروط لهذه الشروط الثلاثة، ثم قال: قد يتخلف هذا لمانع، ما المانع؟ يمكن مثلا أن يكون العدد متوفرًا لكن لا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، كيف يمكن؟ نقول مثلا على فرض أنهم كانوا مجتمعين في مكانٍ ما، واتفقوا على اختلاق هذا الخبر، هذا مانع من الموانع التي تمنع جعل هذا الخبر متواترًا، ولعله يمكن أن يصدق على هذا ما قلناه عن حديث الطير، حديث الطير واضح فيه الصنعة، وأنه مختلق برغم كثرة الطرق إلى أنس ابن مالك رضي الله -تعالى عنه، فهنا شيءٌ يمنع من جعل هذه الكثرة تفيد العلم، السبب أن هناك ما يدل على أنهم اختلقوا هذا الخبر.
علماء الحديث يفرقون في الغريب، فيقولون مثلا إسناده ضعيف، وأحاينًا يقولون المعنى ضعيف لكن الإسناد صحيح؟ فهل يجتمع في حديث أنس أن سندها ضعيف وأيضًا متنها غريب؟ لأنكم يا شيخنا ذكرتم أن متنها يعارض حقيقة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب الناس إلى الله ثم أبو بكر، فهل يجتمع فيه الأمرين؟ قضية أن يكون الحديث مرويًّا بسند صحيح والمتن غير صحيح ونحو ذلك، هذه يأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالى- عما قريب حينما نتكلم عن الحديث الصحيح وشروط الحديث الصحيح، وذكروا من شروطه انتفاء العلة، سوف نتكلم عنها -إن شاء الله تعالى.(1/59)
إذا كان هذا التعريف الموجود في كتب أهل الحديث من مدخلات المعتزلة، فكل ورد إلينا؟ وما معنى المنزلة بين منزلتين عند المعتزلة؟ لعلي أبدأ بالمنزلة بين منزلتين لأن الجواب عنها مختصر، نقول إن المعتزلة يتشددون في قضية المعاصي، وعلى وجه الخصوص الكبيرة، فمن ارتكتب كبيرة من المسلمين يرون أنه خرج عن دائرة الإسلام، ولكنه لم يدخل في دائرة الكفر، فهو في منزلة بين الكفر والإيمان، يسمون هذه المنزلة منزلة الفسق، لكن ليس الفسق الذي يعنيه أهل السنة وهو أن مرتكب الكبيرة فاسق بعصيانه مؤمن بإيمانه، لا، هم لا يقولون إنه مؤمن، يقولون إنه خرج من دائرة الإيمان حتمًا لكن لم يدخل في دائرة الكفر، هذا المقصود بالمنزلة بين منزلتين عند المعتزلة.
أما بالنسبة للسؤال لماذا دخل هذا التعريف في كتب مصطلح الحديث؟
ففي الحقيقة السؤال مهم وجيد، ولذلك أرعوني سمعكم، فأقول إن كتب الحديث في الأصل لم يدخل فيها هذا التعريف .
لو نظرنا للسرد التاريخي الذي ذكرناه في الدرس الماضي ، فعلى سبيل المثال :
مقدمة صحيح مسلم ليس فيها كلام عن المتواتر والآحاد .
العلل الصغير للترمذي ليس فيه هذا الكلام .
الحدث الفاصل للرامهرمزي ليس فيه هذا الكلام .
معرفة علوم الحديث للحاكم ليس فيه هذا الكلام، وهكذا.
هذا الكلام دخل تقريبًا من عصر الخطيب البغدادي، لكن ليس بالصفة التي وُجدت بعد ابن الصلاح، في عصر الخطيب البغدادي بدأ هذا المصطلح يدخل، ما السبب؟(1/60)
لأن علم أصول الفقه علم دخل فيه علم الكلام، وعلم الكلام هو الذي جاء فيه هذا التعريف أو هذا التفريق بين المتواتر والآحاد، فنجد أن أصول الفقه في الأعم الأغلب لا أحد يستطيع أن يأخذها حتى يدرس المنطق، فإذا درس المنطق استطاع أن يتلقى أصول الفقه، والمنطق كما نعرف أنه لم يكن في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لم يكن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عند صحابته، ولا عند التابعين لهم بإحسان، وإنما وُجد بعد دخول كتب اليونان عند المسلمين وبعد أن عُربت فدخل عليهم علم المنطق الذي هو من علوم اليونان، فصيغة كتب أصول الفقه بصياغات منطقية واستخدمت فيها عبارات منطقية، هذه العبارات جعلت هناك كلامًا في الأخبار والأحاديث بسبب وجود بعض القضايا المشتركة بين أصول الفقه ومصطلح الحديث، فلو رأينا مثلا كتاب الرسالة للإمام الشافعي، وهو كتاب من كتب أصول الفقه، وتضمن بعض مباحث علم الحديث كما أشرنا له في الدرس السابق، نجد أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى تكلم في قضايا مهمة جدًا في علم الحديث، مثل التدليس والاختلاق والحديث المرسل وغير هذه الأمور من القضايا الحديثية تكلم عنها الإمام الشافعي، فمن جملة ما تكلم فيه أخبار الآحاد، فرد على المعتزلة الذين لا يحتجون بخبر الواحد، وكتابه هذا يعد من أبرز ما صُنف في الرد على المعتزلة الذين لا يحتجون بخبر الواحد، والسبب أنه في عصر الشافعي ظهر هذا التفريق بين المتواتر والآحاد فاضطر الشافعي رحمه الله للرد عليهم. بعد هذا جاء بعض أهل العلم الذين درسوا أصول الفقه ودرسوا مصطلح الحديث، فحصل عندهم تداخل بين هذه المباحث المشتركة، بين أصول الفقه وبين مصطلح الحديث، فأدخلوا هذه القضايا التي كانت في كتب أصول الفقه، أدخلوها في مصطلح الحديث، من أول من صنع ذلك الخطيب البغدادي رحمه الله وإن لم يكن بالشكل الذي جاء بعد ذلك، جاء بعد هذا ابن الصلاح فأدخل أشياء أكثر من هذا، جاء بعده(1/61)
النووي فهو أكثر من أوغل في هذا، رحم الله الجميع. فالنووي هو من أكثر من أدخل هذه المذاهب في مصطلح الحديث، وتأسى بالنووي من جاء بعده بعد ذلك مثل الحافظ العراقي ابن حجر والسخاوي وغيرهم رحمهم الله. وصلى اللهم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
كنا انتهينا في الحلقة الماضية إلى الكلام عن الخبر المتواتر، وذلك أننا ابتدأنا مع الحافظ ابن حجر رحمه الله حينما قسم الخبر إلى قسمين: متواترٌ، وآحاد، ثم تكلم الحافظ عن الخبر المتواتر، وسنتكلم بإذن الله عن أخبار الآحاد في هذا اليوم، لكن بعد أن نذكر بما كنا خلصنا إليه في الدرس الماضي من تعريف الخبر المتواتر في الكتب التي تناولت هذا الكلام وهذا التعريف، وقلنا إنهم عرفوا المتواتر بأنه ما يرويه عددٌ كثيرٌ في كل طبقةٍ من طبقات السند بحيث تحيل العادة تواطئهم على الكذب وأسندوه إلى شيءٍ محسوس، وهناك من يضيف شرطًا خامسًا وهو أن يفيد العلم.
وقلنا إن الشروط الأربعة هي الأساسية، والحافظ ابن حجر جعلها ثلاثة، فجعل الشرط الأول: وهو أن يرويه عددٌ كثيرٌ تحيل العادة تواطئهم على الكذب، فدمج هذين الشرطين مع بعض، والمسألة يسيرة وسهلة في هذه الحال، فالمقصود بما ذكره الحافظ من هذه الشروط، وكونه دمج شرطين مع بعض هذا لا يؤثر على أصل التعريف.
أما إفادة الخبر العلم فهذا إما أن يكون ثمرة كما أشار إليه الحافظ ابن حجر، وكأنه نحاه عن شروط التعريف، أو عن حيثيات التعريف، فالأمر هين، ففعلا لابد أن يفيد الخبر المتواتر العلم، وإلا فإنه لا يكون متواترًا حين ذاك.
ذكرنا ما على هذا التعريف من مؤاخذات، وقلنا إن هذا التعريف في أصله يمكن يتناول صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا أنه تعريفٌ جاءنا من قبل أهل الكلام، إلى غير ذلك مما كنا قد ذكرناه في الدرس السابق.(1/62)
سنتناول في هذا اليوم أخبار الآحاد، حتى نخلص إلى التعريف الذي نراه مختارًا للخبر المتواتر ما هو؟ بعد أن أذكر بما كنا ذكرناه من تعريف المتواتر في اللغة، وقلت إن التواتر هو التتابع، ومادام أن التواتر في اللغة هو التتابع، فالتتابع كما هو معلومٌ لنا يبدأ من اثنين، إذا تابع الراوي الآخر فمن هنا يكون ابتدأ التواتر، وسنأكد على هذا إن شاء الله تعالى في ثنايا هذا الدرس.
فإذًا مادام الحافظ قسم الخبر من حيث الأصل إلى متواتر وآحاد، وعلمنا المتواتر وفصلنا فيه في الدرس الماضي، فإذًا نتناول في هذا اليوم خبر الآحاد، ما خبر الآحاد؟ يعرّفون خبر الآحاد: بأنه ما يرويه اثنان فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر، بل حتى رواية الواحد يقال لها خبر آحاد، ولكنهم جعلوا بهذا تسمية مستقلة وهي الفرد والغريب، كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى.
إذًا أخبار الآحاد هي كل ما لم يصل لدرجة التواتر فهو خبر آحاد عندهم، لكن نحن بإذن الله سنجلي هذا ونبينه بإذنه تعالى، بعد أن نقول إن أخبار الآحاد تنقسم من حيث القبول والرد إلى قسمين: مقبول، ومردود، وأما من حيث الطرق فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: المشهور: وهو ما رواه ثلاثة فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر، والعزيز: وهو ما رواه اثنان ولو في طبقة من طبقات السند، والغريب والفرد: وهو ما يرويه واحدٌ ولو في طبقة من طبقات السند، فهذه ثلاثة أقسام لأخبار الآحاد من حيث الطرق، وأما من حيث القبول والرد فقلنا إنه ينقسم إلى قسمين: مقبول، ومردود، وهذا سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.(1/63)
أول هذه الأقسام من أقسام أخبار الآحاد المشهور، والمشهور: ذكرنا أنه ما يرويه ثلاثة فأكثر ولم يبلغ حد التواتر، في هذه الحال على ما كنا ذكرناه في الكلام عن المتواتر ليست الرؤية واضحة فيما بين المشهور والمتواتر، اللهم إلا بناءً على الرجوع للتعريف الذي ذكروه وهو قضية إفادة العلم واستحالة تواطؤ الرواة على الكذب، وهذه مسألة اعتبارية، هذه تذكرنا بما ذكره بعض أهل العلم الذين نقدوا تعريف المتواتر الكلامي الذي كنا ذكرناه وخلصوا إلى الرأي الصحيح في تعريف المتواتر ما هو، فالمتواتر كما أيضًا مثلنا إذًا في السابق أنه قد يكون هناك خبرٌ جاء من طريقين يفيدان من العلم أكثر مما يفيد خبر جاء من مائة طريق، ومثلنا لهذا بأي شيء؟ بحديث الطير، وقلنا إنه روي من قرابة مائة طريق، ولكن هذه الطرق كلها لا تفيد العلم، بينما يأتيني حديث ربما من طريق واحد، مثل ما قلنا في حديث ( إنما الأعمال بالنيات )، أو من طريقين فيفيدني من العلم أكثر من إفادة تلك المائة طريق التي جاء منها حديث الطير عن أنس رضي الله تعالى عنه.(1/64)
إذًا نرجع إلى قضية مهمة في هذه المسألة، وهي أن أهل الاختصاص وأهل الفن نفسه هم الذين يعول عليهم ويرجع إليهم في التعريف تأكيده أو نقده، فأهل الحديث هم الذين يقررون هل هذا الخبر متواتر أو غير متواتر؟ ولذلك رب حديث يكون متواترًا عند أهل الحديث ولا يكون متواترًا مثلا عند أهل الأصول، والسبب أن عند أهل الحديث من القدرة على النقد ومعرفة الطرق وسبر هذه الطرق ومعرفة ما يمكن أن يتطرق إليه الإعلال من عدمه ما ليس عند غيرهم من غير أهل الاختصاص ذاته، فإذًا التواتر أحيانًا يكون تواترًا نسبيًّا ليس عند الجميع، والتواتر النسبي هذا هو الذي يمكن أن يبرز ذاك الخلاف الذي وُجد عند بعض أهل العلم في بعض القضايا، فمثلا ذكرنا أحاديث الشفاعة، وقلنا إن أحاديث الشفاعة متواترة، لكن بعض من لم تعجبه هذه الأحاديث كالمعتزلة وغيرهم من المخالفين للسنة لا يرون أن أحاديث الشفاعة تصل إلى حد التواتر.
فالمُعَوَّل عليه إذًا هم أهل الاختصاص أهل الحديث ومن كان في حكمهم ممن سار على طريقتهم، مثل ما نقول إذًا عن الأطباء في هذا العصر، ما يمكن أن أقبل كلام إنسان تخصصه مثلا في الهندسة المدنية ويبدأ ينقض كلام الأطباء، أو يريد أن يأتي بقضايا في الطب ويتكلم عنها، بطبيعة الحال الكل لا يسلم له بالتدخل في هذا الاختصاص؛ لأنه خارجٌ عن اختصاصه، كذلك أيضًا نقول في مثل هذه القضايا إن المعول عليه في هذا هم أهل الحديث، وهذا هو الذي يؤكد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مثل هذه القضية.(1/65)
إذًا إذا جاءنا حديث من ثلاثة طرق وهو الذي يسمونه المشهور، وكانت هذه الطرق صحيحة لا مطعن فيها ولا علة من العلل الخفية التي سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى، فالحديث سالم، كل طريق من هذه الطريق سالمة من أي علة من العلل، لاشك أن هذا يفيد من العلم اليقيني الذي يجعل الإنسان يوقن بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الحديث بما لا يدع مجالا للشك في النفس ولا ارتياب، إذ يشهد عندي ثلاثة شهود من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وينقل هذه الشهادة عنهم التابعون، وربما كان الناقل عن كل واحد منهم عدد أيضًا من التابعين، وهكذا يتسلسل هذا العدد حتى يصل إلى منتهاه، وهم أصحاب الكتب، ولاشك أن هذا يعطيني علمًا يقينيًّا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله وإن خالف في ذلك من خالف؛ لأن الفطر تأبى أن تقبل مثل هذه المخالفات وهذه الشبهات التي يوردها أعداء السنن، هذا لا يمكن أن يعرج عليه بحالٍ من الأحوال.
فنمشي مع هذا التقسيم الذي ذكره أهل العلم لا بأس، ولكن كل تقسم من هذه التقسيمات أو كل تعريف من هذه التعريفات لا نسلم له بالقبول إلا إذا اتفق مع المسيرة العلمية الصحيحة التي سار عليها أهل العلم بالحديث، أما من أخطأ في تعريف من التعاريف فخطأه غير ملزم لنا، وبالذات إذا كان هذا الخطأ مربوط بقضايا كلامية كما أشرنا سابقًا.
فنعرف إذًا أن الحديث المشهور: هو ما يرويه ثلاثة فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر، هذا بالنسبة لمن؟ بالنسبة للذين قسموا هذه القسمة، لكن نحن لا نسلم بهذا، نقول ربما كان الحديث مرويًّا من ثلاثة طرق ويكون متواترًا إذا صحت الأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن فيها علة من العلل تمنع من إفادة هذا الخبر للعلم اليقيني.(1/66)
المشهور عندهم ينقسم إلى قسمين: المشهور الذي عرفناه، وبعضهم يسميه المشهور الاصطلاحي: وهو ما اصطلحوا عليه بالنسبة لقضية الطرق، ومشهور لا علاقة له بالطرق، وهو المشهور على ألسنة الناس أيان كان هؤلاء الناس، المشهور الاصطلاحي الذي تقدم الكلام عنه يعبر عنه عند بعض أهل العلم بالمستفيض كما أشار إليه الحافظ ابن حجر، فالمستفيض والمشهور عند بعضهم هذان لفظان مترادفان، وبعضهم يقول لا، المستفيض أخص من المشهور، فالمستفيض يُشترط فيه أن يستوي الطرفان، يعني يرويه مثلا ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة، أو أربعة عن أربعة عن أربعة، وهكذا، فلابد أن يستوي العدد في طرفي الإسناد، أي من الأعلى إلى الأسفل أو العكس، وأما المشهور فقد يكون مستويًّا فيه العدد وقد لا يستوي فيه العدد، فإذًا كل مستفيض فهو مشهور ولا عكس، نستطيع أن نقول عن المستفيض إنه مشهور ولكن لا نقول إن كل مستفيض مشهور بناءً على هذا القيد.
وهناك من ذكر أن المستفيض هو ما اشتهر أن تواتر عن الصحابي، وأشار الحافظ ابن حجر إلى أنه في مثل هذه الحال هذا ليس من مباحث علم الإسناد، هذا محله كتب أصول الفقه، وللحنفية في هذا كلام في تعريف المستفيض، فعلا ليس من مباحث علم الإسناد، ولذلك لا نعرج عليه، وإنما يهمنا قول من شرط فيه أن يستوي طرفاه، فبينا هذا، وعلى كل حال فاستخدام المستفيض قليل في كتب أهل الحديث، ربما كان مستخدمًا في كتب أصول الفقه، لكن في كتب أهل الحديث يقل استخدام لفظة مستفيض في الحديث المشهور.
عرفنا ما هو المشهور الاصطلاحي إذًا، قلت حديث يأتينا من ثلاثة طرق فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر، انتهينا منه.(1/67)
يأتي الكلام على المشهور غير الاصطلاحي، وهو المشهور على الألسنة، المقصود بالحديث الذي يشتهر على الألسنة هو ما يتردد على ألسنة الناس دومًا، أياً كان هؤلاء الناس، وهذا شيءٌ مشاهد عند العامة، فأنت حينما مثلا تمازح إنسانًا أو تؤذي إنسانًا يقول لك يا أخي ( السلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، الكل عرف هذا الحديث، نعم هو حديث صحيح بلا شك، لكن اشتهر هذا الحديث على ألسنة الناس، لكن لو سألت الواحد منهم: مَن الذي روى هذا الحديث؟ وهل هو صحيح أم غير صحيح؟ يمكن ما يستطيع أن يقول لك أي شيء، بل لا يؤكد لك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله: وإنما يقول والله هكذا سمعنا، فهذا هو المقصود بالمشهور على ألسنة الناس.
وجد أهل العلم أن الناس الذين تشتهر عندهم بعض الأحاديث يختلفون باختلاف اهتماماتهم وتخصصاتهم، فهناك المحدثون على سبيل المثال تشتهر عندهم بعض الأحايث لكنها لا تكون مشهورة لا عند عامة الناس ولا عند أصحاب التخصصات الأخرى، يمثلون على هذا بمثل حديث أنس الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا كاملا يدعو على بعض قبائل العرب، يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله؛ لأن هذه القبائل غدرت بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوهم، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام يدعو عليهم شهرًا كاملا، هذا الحديث مشهور عند أهل الحديث، يمثلون به في أمثلة متعددة، فيقال إن هذا مشهور عند أهل الحديث.
هناك بعض الأحاديث التي تشتهر عند الفقهاء، مثل حديث أبغض الحلال إلى الله الطلاق، نجد هذا الحديث مشهورًا عند الفقهاء، فلا يلزم من شهرة هذا الحديث أن يكون مشهورًا اصطلاحيًّا كما سنبينه إن شاء الله تعالى، أهل الأصول اشتهر عندهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه )، لأن هذا فيه قواعد أصولية يهتمون بها في فنهم وتخصصهم.(1/68)
أهل اللغة اشتهرت عندهم بعض الأحاديث، مثل الحديث الذي مثلنا به سابقًا ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار )، وقلنا إن هذا الحديث صحيح، ومخرج في صحيح البخاري، وذكرنا رواية الإمام مالك له، والأهمية التي ذكرناها فيما يتعلق بالجانب اللغوي، وضروروة معرفة أئمة اللغة بالحديث، لكن من الأحاديث التي اشتهرت أيضًا عن أهل اللغة ويمثلون لها بما اشتهر على ألسنة اللغويين "نعم العبد سهيل، لو لم يخف الله لم يعصه".
هناك أحاديث تشتهر على ألسنة الوعاظ وألسنة العامة، من الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة العامة الحديث الذي مثلت به قبل قليل، ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، فهذا الحديث مشهور على ألسنة العامة، بل على ألسنة الجميع بما فيهم من محدثين وأصوليين وفقهاء ولغويين وهكذا، وهناك أحاديث تشتهر على ألسنة الجميع، لكن بالنسة للعامة على وجه الخصوص نجد حديث ( العجلة من الشيطان )، هذا يورده العامة دومًا في أي موضوع يجدون شخصًا ما تعجل في قضية من القضايا، فإذًا هذا هو المقصود بالأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس على اختلاف تخصصاتهم.(1/69)
هذه الأحاديث التي تشتهر على ألسنة الناس لا يلزم منها أن تكون لا صحيحة ولا ضعيفة، فمنها ما هو متواتر، ومنها ما هو صحيح ومخرج في الصحيحين، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما لا أصل له، يعني مثل حديث "نعم العبد سهيل، لو لم يخف الله لم يعصه"، لا نجد له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، يبدو أنه روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، لكن بعضهم قال: لا أصل لهذا الحديث، يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذًا لا يلزم من الأحاديث المشتهرة على الألسنة الصحة من عدمها، إنما هذه قضية لأجل أهميتها تناولها بعض أهل العلم بالمصنفات، وجدوا أن هناك أحاديث تشتهر على ألسنة الناس فلابد من بيان الأحكام فيها حتى لا يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، فممن ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ثنايا سؤال سئل إياه، وأخذ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الدكتور محمد لطفي الصباغ وفقه الله لكل خير وأفرده في مصنف بعنوان "أحاديث القصاص"، والكتاب مطبوع، فهو جواب من شيخ الإسلام على سؤال وجه إليه فتكلم عن بعض هذه الأحاديث.(1/70)
جاء بعد ذلك الزركشي فألف كتابه في الأحاديث المشتهرة واستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الأحاديث التي تكلم عنها، جاء بعد ذلك السخاوي، وكتابه يعد من أجود الكتب التي أُلفت في هذا، وهو كتاب "المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الحديث على الألسنة"، أسهب السخاوي في تخريج طرق هذه الأحاديث، لكن كتابه جاء له بعد ذلك إسماعيل العجلوني فوجد أن هناك أحاديث فات السخاوي ذكرها، فزادها على كتاب السخاوي في كتابه "كشف الخفا ومزيل الإلباس في ما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس"، تضمن هذا الكتاب أكثر من ثلاثة آلاف حديث، قرابة ثلاثة آلاف ومائتي حديث، بينما كتاب السخاوي على النصف من هذا تقريبًا، هذا يدلنا على مبلغ الزيادة التي زادها العجلوني رحمه الله، لكن فرق بين التخريجين، فتخريج السخاوي تخريج مسهب ورائع وجيد، وتخريج العجلوني فيه اختصار، حتى حين نتناول الأحاديث التي خرجها السخاوي اختصرها العجلوني بنوعٍ من الاختصار، هذا بالنسبة لأهم المصنفات في قضية الأحاديث المشتهرة على الألسنة.
هل يعتبر كل حديث متواتر مشهور؟(1/71)
بالنسبة لتقسيم الحافظ ابن حجر للمتواتر إلى متواتر لفظي ومعنوي، جاء في الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي كلامٌ يخالف ما ذكره الحافظ، فمؤدى كلامه أن المتواتر اللفظي جعله من قبيل المتواتر المعنوي، ومثل لذلك بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وإقامة مسجده في المدينة ودفنه فيها وعداوته لأبي جهل، يقول هذا من قبيل المتواتر اللفظي، وأما المتواتر المعنوي فعرفه الخطيب بأن تأتي روايات تشتمل على أحكام مختلفة ولكن لا تتضمن معنًى واحدًا، ومثل على ذلك بالأحاديث الواردة في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية كتسبيح الحصى ونبع الماء من بين أصابعه، وذكر أيضًا الأحاديث الواردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قبولهم خبر الواحد، يقول: فهذه الأحاديث بمجموعها أفادت أن المتواتر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبول خبر الواحد، فكيف نوفق بين هذا التعريف للخطيب البغدادي وبين تعريف الحافظ ابن حجر؟
هل يمكن أن نقول عن المتواتر إنه مشهور ولا عكس؟ نقول بناءً على التعريف الذي ذكره نعم، فكل متواتر مشهور ولا عكس، يعني ليس كل مشهور متواتر.
بالنسبة للسؤال الذي ذكره الأخ إمام، فنحن ذكرنا في الدرس الماضي أن المتواتر ينقسم إلى قسمين: متواتر لفظي، ومتواتر معنوي، ومثلنا للمتواتر اللفظي بحديث من ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار )، ومثلنا للمتواتر المعنوي بأحاديث رفع اليدين عند الدعاء، قلنا رفع اليدين عند الدعاء ورد في أحداث مختلفة في مجملها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في حال الدعاء، وليست هذه الطرق الكثيرة لحديث واحد بعينه.(1/72)
الخطيب البغدادي يفهم من كلامه العكس، أي أنه جعل المتواتر اللفظي هو المتواتر المعنوي، وجعل للمتواتر المعنوي مثالا آخر غير ما مثلنا له، نقول هذا الكلام الذي ذُكر عن الخطيب البغدادي قد يكون كما نقل الأخ إمام، فإن كان كذلك ففي الحقيقة واقع الحال لا يسعف التسليم بهذا التقسيم، لأننا إذا قلنا إنه متواتر لفظي معنى ذلك أن اللفظ الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تواتر عين هذا اللفظ، مثل ما قلنا عن ( من كذب عليًّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار )، هذا اللفظ تواتر أي كثرت طرقه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدد الكثير الجم بالشروط التي ذكرناها في التعريف السابق، أما بالنسبة للمتواتر المعنوي فواضح من هذه اللفظة -متواتر معنوي- أنه يتواتر معنًى معينًا تدل عليه عدة أحاديث وإن لم يكن لفظًا واحدًا، فعلى كل حال إن كان هذا قاله الخطيب البغدادي فلا يسلم له بهذا التعريف، لأن واقع الحال كما قلت لا يسعف في التسليم بهذا التعريف.
قال الحافظ ابن الصلاح إن المتواتر لم يذكره علماء الحديث وإنما ذكره علماء الأصول، وقد نقله إليهم الخطيب البغدادي، فماذا يعني هذا؟(1/73)
هذا يؤكد ما كنت ذكرته في الدرس الماضي من أن سلف الأمة لم يكونوا يعرفون هذا التقسيم متواتر وآحاد، وإنما يعرفون ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون به، ربما شك الواحد منهم في خبر الواحد مثل ما قلنا عن حادثة من؟ تذكرون هذا؟ مثل حادثة أبي موسى الأشعري مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قد يقول قائل لماذا وقف عمر رضي الله تعالى عنه مع أبي موسى هذا الموقف العنيف؟ نقول السبب هو ما يلي: أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه ما قدم إلى المدينة إلا في السنة السابعة من الهجرة، وكان ممن هاجر إلى الحبشة، فما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة السابعة من الهجرة، عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة ما فارقه، يلازمه ملازمة الظل لصاحبه، كذلك أيضًا عمر بن الخطاب زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته حفصة رضي الله تعالى عنها، ويأتي لبيت النبي صلى الله عليه وسلم دومًا، بيت ابنته، ويحتاج إلى الاستئذان، والحديث في الاستئذان، ( إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاثًا، فإن أُذن له وإلا فليرجع )، كذلك عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما كانا أشد الصحابة ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم، جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فعمر استغرب من أبي موسى أن يحفظ هذه السنة العملية التي تتكرر في اليوم عدة مرات على باب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحفظها هو، وأبو موسى ما جاء إلا متأخرًا، وعمر ملازم للنبي صلى الله عليه وسلم من قديم، فاستغرب فأراد كما قال في نهاية الحديث "أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت"، هذا هو الذي جعل عمر رضي الله تعالى عنه يقف مثل هذا الموقف.(1/74)
فنقول إذًا إذا كان هناك ما يستدعي التثبت مما يُشك فيه، فللإنسان الحق إذا كان خبر واحد، يعني خبر ما جاء به إلا راوٍ واحد، فإن ضاف إليه آخر فهنا لا يعذر أحد، عمر رضي الله تعالى عنه لما شهد أبو سعيد الخدري انتهى الإشكال، وهكذا في قضايا متعددة لو ذهبنا لنسردها سيطول بنا المقام ونحن في مقام اختصار في هذه القضية.
بارك الله فيكم يا شيخنا، لم أفهم الفرق بين المشهور والمستفيض.
سائلة سألت سؤالا خطأً: المشهور قد يُطلق على ما اشتهر على الألسنة، وهو المشهور الاصطلاحي ولا يُشترط له طريق معين، فماذا يعني ذلك؟
الأخت التي تسأل عن الفرق بين المشهور والمستفيض، لعله يتضح الفرق بالمثال الذي أمثله، إذا جاءنا حديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة، ابن عرم وأبو سعيد وأبو هريرة، رواه عن كل واحد من هؤلاء الصحابة اثنان من التابعين، فرواه عن ابن عمر مثلا نافع وابنه سالم، ورواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ورواه عن أبي سعيد الخدري أبو صالح ذكوان السمان وسليمان بن يزيد، أصبح الآن العدد ستة في طبقة التابعين رووه عن ثلاثة من الصحابة، كل واحد من هؤلاء التابعين يرويه عنه مثلا اثنان أو ثلاثة من أتباع التابعين، هل استوى العدد الآن؟ لا، نقول الصحابة ثلاثة والتابعون ستة، وأتباع التابعين سيكونون اثني عشر أو أكثر من اثني عشر، وهكذا، فإذا ما استوى الطرفان، العدد ما توافر في كل طبقة.(1/75)
لكن لو كان العدد الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة وعن كل من هؤلاء الثلاثة رواه واحد من التابعين، فأصبح الآن العدة في طبقة التابعين كم؟ ثلاثة، وعن كل واحد من التابعين رواه واحدٌ من أتباع التابعين، فأصبح ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة، وهكذا، فبهذه الصورة الثانية هذا الذي يقولون عنه المستفيض في إحدى صوره، يعني استوى الطرفان، ثلاثة ثلاثة ثلاثة، أم الأول فقالوا لا، ذاك يُسمى مشهور ولا يُسمى مستفيضًا، والذي ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة ألا يُسمى مشهورًا؟ قالوا بلا، يُسمى مشهورًا ويُمسى مستفيضًا، فإذًا كل مستفيض فهو مشهور ولا عكس.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني فنقول، قلنا إن المشهور ينقسم إلى قسمين، المشهور الاصطلاحي وهو بناء على الطرق وهو ما رواه ثلاثة فأكثر، هذا بالالتفات إلى الطرق، ولا يلزم من المشهور الاصطلاحي أن يشتهر على ألسنة الناس، بل يمكن يكون مشهورًا عند أهل الحديث فقط، لكن لا يلزم أن يكون مشهورًا عند عامة الناس، لا فقهاء ولا أصوليين ولا فضلا عن عامة الناس الآخرين.
أما بالنسبة للمشهور غير الاصطلاحي وهو ما يُشتهر على ألسنة الناس، غير الاصطلاحي، فالمقصود ما يشتهر على ألسنة الناس، قد يكون صحيحًا وقد يكون غير صحيحًا، ولا يُشترط له طريق معين، هذا لا التفات فيه إلى الطرق ألبتة، وإنما ضابطه كثرة تناقل الناس لهذا الحديث فقط.
هل المشهور هو ما وصل إلينا من ثلاثة أم رواه ثلاثة رواة، ولماذا سموه مشهورًا؟ وما ضابط المشهور على ألسنة الناس؟
سواء قلنا ثلاثة طرق أو ثلاثة رواة، فالرواة هم طرق، والطرق رواة.
وسمي مشهورًا لأجل شهرة الحديث حينما خرج عن كون خبر واحد، أو عن كونه انضاف إليه آخر، فلما وصل العدد للثلاثة فأكثر من ثلاثة اشتهر وأعلن وأصبح معروفًا عن فئة معينة أو عند الناس كلهم.(1/76)
وأما عن ضابط المشهور على ألسنة الناس، فقط مجرد تناقل الناس لهذا الحديث، لا ضابط، فإذا وُجد عند طائفة من الناس وأصبحوا يكررونه ويعيدونه دومًا ويستشهدون به ويذكرونه في كلامهم، هذا هو المقصود بالمشهور على ألسنة الناس.
الأخت أنوار تعيدنا إلى تعريف المتواتر، وتطلب التعريف المختار.
لعلي أأجل التعريف المختار الآن بعد الكلام على العزيز.
المتن
( الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أومع حصر بما فوق الاثنين، أوبهما، أوبواحد.
فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه.
والثاني: المشهور وهو المستفيض على رأي.
والثالث: العزيز وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه.
والرابع: الغريب.
وكلها- سوى الأول-آحاد. وفيها المقبول المردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول.
وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار.)
هذا الكلام الذي ذُكر تضمن ما كنا شرحناه في الدرس الماضي وما كنا ذكرناه في بداية هذا الدرس، لكن نبدأ الآن في الكلام على العزيز، مادمنا عرفنا بناءً على هذا التقسيم أن المشهور ما يرويه ثلاثة فأكثر، فإذًا عندنا ما يرويه اثنان وعندنا ما يرويه واحد، فهذه هي الأقسام، فإذا رواية الواحد، ما يأتينا الحديث إلا من طريق واحد، أو رواية اثنين، ما يأتينا إلا من طريقين فقط، ثلاثة وأكثر، لكن ما وصل لدرجة التواتر بناءً على الشروط التي ذكرناها، أصبحت الأقسام عندنا إذًا أربعة، الغريب وهو رواية الواحد، والعزيز وهو رواية اثنين، المشهور ثلاثة إلى أن يصل إلى التواتر، ثم المتواتر وهو القسم الرابع، وهو أعلاها وأصحها.(1/77)
مادمنا أخذنا المشهور نبدأ الآن في الكلام على العزيز، العزيز سمي عزيزًا لأحد سببين، إما لندرته وقلته، وهذا صحيح، فهو قليل الوجود إذا ما قورن بالمشهور، فالأحاديث أكثرها من قبيل المشهور، فالعزيز إذًا سُمي عزيزًا لقلته، إذا عز الشيء أي قل وندر وجوده، وسبب آخر يمكن أن يكون من أسباب تسميته بالعزيز وهو التأييد والنصرة والتقوية، فإذا جاءنا الحديث من طريق واحد ثم وجدنا له طريقًا آخر، فمعنى ذلك أننا عززناه وقويناه، أو ذاك الراوي عزز هذا الراوي وقواه وأيده، هل تعرفون لهذا شاهدًا من كتاب الله جلّ وعلا؟ قول الله جلّ وعلا ? فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ? [يس: 14]، أي نصر ذاك النبي والذي معه برجلٍ آخر ثالث كما قال الله جلّ وعلا، إذًا من ذاك، هذا معناه لماذا سمي عزيزًا بسبب النصرة والتأييد والتقوية.
إذًا نفهم من خلال هذا أن العزيز ما يرويه اثنان أو لا يقل عدد رواته عن اثنين في أي طبقة من طبقات السند، يعني يمكن أن يزيد العدد عن اثنين، كأن يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابيان، وعن هذين الصحابيين يرويه أربعة من التابعين، وعن الأربعة من التابعين يرويه ثمانية من أتباع التابعين، هذا يُسمى عزيزًا، لماذا؟ لأن العزة جاءت في طبقة الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
لو كان الحديث جاء عن أربعة من الحصابة، ولكن رواه عن هؤلاء الأربعة اثنان من التابعين انفردا بها عن هؤلاء الأربعة من الصحابة ثم عن هذين من التابعين رواه ثمانية من أتباع التابعين فهذا أيضًا نسميه عزيزًا.(1/78)
الحديث العزيز للعلماء فيه كلام بسبب بعض القضايا الكلامية أيضًا التي سبقت الإشاة إليها، فالحافظ ابن حجر رحمه الله أشار إلى أنه ليس شرطًا للصحيح خلافًا لمن زعمه، إذًا هناك من زعم أن الحديث لا يكون صحيحًا إلا إذا كان عزيزًا على الأقل، يعني لابد أن يأتي من طريقين فأكثر، بمعنى أنه يُرد خبر الواحد، هذا معنى الكلام، فقال ( وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه )، من الذي زعم أن الحديث لا يكون صحيحًا إلا إذا جاء من طريقين فأكثر؟ بين الحافظ أن الذي زعم هذا هو أبو علي الجبائي من المعتزلة.
ليس هو أبو علي الجبائي فقط، أبو علي الجبّائي يمكن يكون تنزل معنا، بينما قال إن الحديث إذا كان عزيزًا فيكون صحيحًا، نقول: يشكر له أنه قبل الحديث العزيز؛ لأن المعتزلة في موقفهم من السنة لهم موقفٌ شائن جدًا، وسبق أن أشرت إليه، وهم الذين أحدثوا هذا التعريف وهو تعريف المتواتر ليضربوا به السنن، ولذلك هم اختلفوا في موقفهم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتعريفها والحديث الصحيح وخبر الآحاد، انقسموا فيه إلى فرق متعددة، منهم من يرى وجوب التعبد بخبر الواحد عقلا مثل أبي حسين البصري صاحب كتاب المعتمد في أصول الفقه، ومنهم من يرى أنه لا يجوز التعبد بخبر الواحد، تناقض، ولذلك البغدادي، وهو ليس الخطيب البغدادي، وإنما هو البغدادي صاحب كتاب الفرق بين الفرق يقول إنهم انقسموا إلى اثنتين وعشرين فرقة كل فرقة تكفر الأخرى، وهذا بسبب إتاحة الفرصة للعقول لتشطح كيفما شاءت وتتحكم في نصوص الشرع تقبل ما شاءت وترفض ما شاءت.(1/79)
نعود لما كنا فيه وهو أن أبي علي الجبّائي لا يقبل خبر الواحد، ولا يقبل الخبر إلا إذا جاء من طريقين فأكثر، لكن ما موقفه فيما لو كان هذا الخبر الذي جاء من طريقين أو أكثر يعارض أصلا من أصول المعتزلة الخمسة التي أشرنا إليها سابقًا؟ نقول هو يقول إنه خبر آحاد، وخبر الآحاد عندهم لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به في القطعيات، ما القطعيات عندهم؟ هي العقائد، العقائد لا يؤخذ فيها إلا بقطعي، فإذا يمكن يقبل الخبر الذي جاء من طريقين فأكثر ما لم يصل إلى حد التواتر، يقبله فيما لا يرفضه عقله، يقبله مثلا ربما في باب الأحكام، لأنهم لا يهتمون بالأحكام كثيرًا، هم أناسٌ أهل كلام، ملئوا الدنيا بالضجيج، وأحدثوا من الفتن ما أحدثوا في عصر المأمون والمعتصم والواثق كما هو معروف تاريخيًّا، واضطهدوا أئمة أهل السنة كما حصل للإمام أحمد وغيره، رحم الله الجميع.
هذا بالنسبة لأبي علي الجبّائي، لكن المشكلة يا إخواننا أن هناك بعض الكلام الذي أُثر عن بعض أهل الحديث في هذا، أما أبو علي الجبّائي فليس من أهل الحديث ولا يعول على كلامه وإن نقل أو أشير إليه في هذا، إنما القضية فيمن قال هذا من أهل الحديث، الحافظ ابن حجر بين في بعض كتبه أن هذا الكلام أيضًا أُثر عن أبي عبد الله الحاكم، لكن المشكلة أن كلام الحاكم ما حرر تحريرًا جيدًا لا من قبله ولا من قبل من نقله عنه، لذلك له كلام نقله عنه الحازمي في كتاب "شروط الأئمة الخمسة"، وهذا الكلام الذي نقله الحازمي عن أبي عبد الله الحاكم مُشكل مع ما وجد في معرفة علوم الحديث وإن لم أيضًا يحرر هذا الكلام على كلا الناحيتين.(1/80)
فأستطيع أن أصور لكم كلام أبي عبد الله الحاكم، لأنه في موضع قد يُفهم من كلامه أن يتكلم عن الصحيحين على وجه الخصوص لا عن الحديث الصحيح أصلا وإنما يتكلم عن الصحيحين، وهذا الكلام عن الصحيحين إما أن يكون منصرفًا لأحاديث الصحيحين فيقول ليس في الصحيحين حديث جاء من أقل من طريقين، إذًَا يشترط للحديث الصحيح الذي أُخرج في الصحيحين أن يكون مرويًّا من طريقين فأكثر، فهذا يُستغرب أن يصدر من أبي عبد الله الحاكم وهو العارف بالصحيحين، وهو يعرف أن أول حديث في الصحيحين هو حديث ( إنما الأعمال بالنيات )، ولم يأت إلا من طريق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وحده، وآخر حديث في البخاري هو حديث أبي هريرة ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان... ) إلى آخره، فهذا الحديث لم يأت إلا عن طريق أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فماذا يصنع الحاكم أبو عبد الله بهذين الحديثنين وأمثالهما كثير في الصحيحين مما لم يأت إلا من طريق راوٍ واحد، فلا يمكن أن يكون أبو عبد الله الحاكم قصد هذا المعنى ولكن كلامه يبدو أنه ما حرر جيدًا.(1/81)
هناك من فهم كلام أبي عبد الله الحاكم على أنه ينصرف للصحابي نفسه، يقول لابد أن يكون الحديث رواه صحابيًّا زال عنه وصف الجهالة، بأي شيء زال يا أبا عبد الله؟ زال برواية اثنين، يعني لابد وأن يكون الصحابي رواه عنه اثنان من التابعين حتى نتيقن من وجوده، يعني لو جاءنا صحابي ما روى عنه إلا واحد، ليس فقط ذاك الحديث وإنما في الأصل، يعني لا يُعرف لهذا الصحابي إلا ذاك الراوي الواحد، يقول إن هذا الصحابي الذي بهذه الصفة لا نقول إن حديثه صحيح؛ لأنه لم يزل عنه وصف الجهالة برواية اثنين فأكثر، فهذا أيضًا يُستغرب من أبي عبد الله الحاكم، لأن كم في الصحيحين من صحابة لم يرو عنهم إلا راوٍ واحد، مثل المسيب بن حزم رضي الله تعالى عنه، فلم يرو عنه إلا ابنه سعيد بن المسيب، لم يرو عنه راوٍ آخر، وهكذا صحابة آخرون، كلهم لم يرو عنهم إلا راوٍ واحد، وهؤلاء أحاديثهم مخرّجة في الصحيحين.
إذًا كلام أبي عبد الله الحاكم في هذه القضية غير محرر، وإنما قصدنا الإشارة إليه والتنبيه حتى لا يُغتر مغترٌ بما قد يُقال عنه، فلا نستطيع أن نقول إن أبا عبد الله الحاكم يقصد حرفية هذا الكلام، لأن تطبيقاته للتصحيح في كتابه المستدرك تدل على نقيض هذا الكلام، فهو يروي أحاديث لم يروها إلا راوٍ واحد، فلا يمكن أن يكون أبو عبد الله الحاكم قصد هذا الكلام، فكلامه إذًا غير محرر.(1/82)
في قضية المتواتر، فقط أشير إلى مسألة مهمة أشرنا إليها سابقًا ونؤكد عليها، وهي كلام ابن الصلاح حينما ذكرنا أنه ليس هناك حديث متواتر اللهم أن يُدعى في حديث ( من كذب علي متعمدًا )، فيه كلام أيضًا لابن أبي الدم وهو ممن ألف في مصطلح الحديث ولكن كتابه لا يزال مخطوطًا لم يطبع بعد، وهو موجود ولكن نسخته يبدو أنها نسخة رديئة غير واضحة، ولذلك ما خرج هذا الكتاب، ابن أبي الدم قال ليس هناك حديثًا من الأحاديث يمكن أن تنطبق عليه شروط التواتر التي ذكرها أصحاب التعريف السابق، وهذه فائدة نستفيدها مما يؤكد على المعنى الذي ذكرته وهو أن هذا الكلام كله كلام أهل كلام فلا يفيدنا في مصطلح الحديث، ولا ينبغي أن يعرج عليه حتى في أصول الفقه.(1/83)
هذا بالنسبة للحديث العزيز، مادام أن العزيز هو رواية اثنين فأكثر لكن بشرط أن يوجد عدد الاثنين في طبقة من الطبقات، نعود لما كنا ذكرناه عن الخبر المتواتر، فما التعريف الذي يمكن أن نختاره للمتواتر؟ نقول: مهما صغنا من تعريف فإننا نستطيع أن نقوله لكن بشرط وهو أن نخرجه من أن يكون خبر آحاد فنقول: ما رواه اثنان فأكثر وأفاد العلم، إذا ضبطنا التعريف بهذا الضابط فنستطيع أن نقول إنه جامع مانع، فنحن حينما نقول ما رواه اثنان أخرجنا خبر الواحد، لأن الآن المتواتر يقابله خبر الواحد، فالقضية متواتر وآحاد، ونستطيع أن نفهم خبر الآحاد أنه ما رواه الواحد، ونستطيع أن ننقض هذا التعريف في جعل العزيز والمشهور كلها من أخبار الآحاد، نقول هذا ليس بصحيح، هذه ليست أخبار آحاد، خبر الآحاد هو ما يرويه الواحد، هذا هو خبر الواحد، أما تلك الأحاديث فتتابعت طرقها، فإذًا نستفيد من المعنى اللغوي وهو التتابع، فحينما يروي شخصٌ آخر الحديث فهنا ابتدأ التواتر وهو التتابع، فهذا الثاني تابع الأول، مثل ما قلنا ? فَعَزَّزْنَا ?، التعزيز والتأييد والنصرة والمتابعة كلها بمعنى واحد، فالتواتر يمكن أن يبدأ من اثنين، لكن بشرط أن يفيد العلم، لماذا هنا شرط إفادة العلم؟ حتى لا يكون كل طريق من هذين الطريقين متكلم فيه، ففي هذه الحال قد يفيد الظن، يعني يمكن مثلا أن نقول إن الحديث أصبح بهذين الطريقين حسنًا لغيره، لكن مادام كل طريق من هذين الطريقين فيه ضعف، فهذا فعلا لا أستطيع أن أتيقن أن هذا الحديث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يغلب على ظني أن متابعة هذا الضعيف للضعيف الأول تفيده قوة نوعًا ما، لكن لا يحصل لي من العلم اليقيني الذي يجعلني أجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الحديث.(1/84)
لكن لو أتاني حديث من طريق راويين أعرف صدقها، وأعرف أن الطرق إليهما صحيحة لا مطعن في ذلك، فهذا يجعلني أتيقن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله كما مثلنا إليه في السابق بمثل لو أغلقن باب الغرفة على راوٍ وباب الغرفة على راوٍ آخر، وحدثك هذا بحديث حدثك به الآخر من غير أن يلتقيا ومن غير أن تتهما بأنهما اختلقا هذا الكلام، نعم هذا يصدق عليه أنه أفاد العلم وأفاد اليقين في مثل هذه الحال.
فهذا هو التعريف الذي أراه مختارًا للمتواتر، فنستطيع أن نقول إن التواتر يبدأ من اثنين فأكثر، بهذا تنضبط هذه القاعدة، ولا ندخل في تلك المهاترات الكلامية التي أشرنا إليها سابقًا وذاك التناقض العددي الذي ذكرنا بعضه فيما سبق، وأيضًا هذا تؤيده النصوص الشرعية، مثل ما قلنا عن الشهادة التي تُقطع بها أعناق الرجال وبها تُستباح الأموال والفروج وغير ذلك، محال أن تأتي الشريعة بمثل هذه الأمور في قضايا ظنية، هذا لا يكون إلا في أمر قطعي، الأدلة الشرعية تدل على هذا، مثل ما قلنا عن حادثة عمر بن الخطاب وغيرها من الحوادث التي تؤيد هذا، عمر رضي الله تعالى عنه مجرد ما جاءه شاهد يشهد مع أبي موسى اكتفى بهذا، وما قال إنكما لا تزالان في عداد خبر الواحد، ما قال هذا ولا يعرف هذه القضايا الجدلية.
الغريب: تدخلون في بحث الغريب يا شيخ؟(1/85)
الحديث الغريب الكلام فيه يسيرًا، لأنه سيأتي الكلام على قسمته إلى قسمين، وهكذا، فنستطيع أن نقول إن الغريب هو خبر الواحد، فيُسمى خبر واحد، ويسمى غريبًا، ويسمى فردًا، وهو الحديث الذي يأتينا من طريق راوٍ واحد ولو تحقق هذا العدد في طبقة من طبقات السند، كأن يكون رواه واحدٌ من الصحابة، ثم عن هذا الواحد رواه مثلا ثلاثة من التابعين، وعن الثلاثة من التابعين رواه ستة من أتباع التابعين، فهذا نستطيع أن نقول عنه إنه خبر غريب أو فرد أو خبر واحد، وقد تتسلسل هذه الوحدة في كثيرٍ من طبقات السند مثل حديث ( إنما الأعمال بالنيات )، لأنه لا يرويه إلا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ولا يرويه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولا يرويه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا يرويه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري اشتهر، حتى قيل إنه رواه عنه أكثر من ستمائة نفس، لكن الشاهد أن الوحدة تكررت في هذه الطبقات الأربعة، عمر ثم علقمة ثم التيمي ثم يحيى بن سعيد الأنصاري رحمهم الله تعالى أجمعين.
فهذا هو الحديث الغريب، وهو الحديث الفرد، إذا قيل هذا حديث فرد أو غريب فهما بمعنًى واحد، وإن كان بعض أهل العلم يحاول أن يجعل لهذا صفة ولهذا صفة، لكن الصحيح أن الحديث الغريب هو الحديث الفرد، وهو الذي نستطيع أن نقول عنه إنه خبر الواحد الذي يناقشه أهل العلم مثل كلام الإمام الشافعي رحمه الله، ومثل تبويب البخاري رحمه الله في الصحيح، ولعلنا نتكلم عن هذا إن شاء الله تعالى بكليمة يسيرة.(1/86)
فأقول إن خبر الواحد أيضًا قد يفيد العلم اليقيني إذا احتفت به قرائن، وهذه القرائن أشار إليها الحافظ ابن حجر في النخبة أخذًا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، هذه القرائن حصروها في ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يُخرج الحديث في الصحيحين، الأمر الثاني: أن تتعدد طرقه فيكون مشهورًا من ثلاثة طرق وأكثر، الأمر الثالث: أن يتسلسل بالأئمة، إذا حصل واحد من هذه الأمور فإنه قد يفيد العلم، كأن يكون الحديث مرويًّا في الصحيحين فقط ولكنه حديث ما جاء إلا من طريق واحد، نعم يفيد العلم، بناءً على تقسيمهم، وأن المشهور يكون من أخبار الآحاد، يقول الحافظ ابن حجر: إنه إذا رُوي من ثلاثة طرق فأكثر وإن لم يصل إلى حد التواتر فإنه قد يفيد العلم في هذه الحال أيضًا، كذلك إذا كان متسلسلا بالأئمة.
بعض الأحاديث نجد أن الصفات المجتمعة في الرواة في هذا الحديث تعطيك طمئنينة نفس، فالحديث الذي مثلا الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر، هذه السلسلة تسمى السلسلة الذهبية عند أهل العلم كما قال البخاري، لماذا؟ لأن كل واحد من هؤلاء الرواة إمام، الإمام مالك جبل الحفظ والإتقان، نافع كذلك مولى ابن عمر هو ممن أُجمع في الأمة على ثقته وعلى عدالته وعلى أنه حفظ عن ابن عمر تلك الأحاديث التي ما أُخذ عليه شيءٌ منها، كذلك أيضًا ابن عمر هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر الذي عُرف بزهده وورعه واعتزاله الفتن من شدة ورعه، رضي الله تعالى عنه، فابن عمر مكانته معروفة، فهذه السلسلة تسمى السلسلة الذهبية، فإذا وُجد الحديث بهذه الصورة، يقولون: نعم هذا انضافت صفات لهذا الحديث وإن كان خبرًا واحدًا، لكن هذا يعطينا طمئنينة ويفيدني أيضًا العلم.(1/87)
قد تجتمع هذه الأمور الثلاثة في حديث واحد، ربما كانت بعض الطرق المتسلسلة بالأئمة، وجاء من ثلاثة طرق فأكثر وإن لم يبلغ حد التواتر، وتكون بعض هذه الطرق مخرجة في الصحيحين، فهنا لا يبعد أن يفيد العلم، هذا بناءً على كلام من؟ بناءً على كلام الحافظ ابن حجر.
أما نحن فنقول بيقين أنه يفيدنا العلم، من غير تردد ولا شك ولا ارتياب، بل يفيدنا العلم ما هو أقل من هذا، مثل حديث ( إنما الأعمال بالنيات )، هذا تلقته الأمة كلها بالقبول، وما أحد تردد في قبول هذا الحديث، فهو أفادنا العلم بالرغم من أنه ما جاء إلا من طريق واحد.
من فضلك ياشيخ عرف لنا المتواتر والفرق بينه وبين الآحاد؟
نستطيع أن نقول في تعريف المتواتر: إنه ما يرويه عددٌ كثيرٌ في كل طبقة من طبقات السند بحيث تحيل العادة تواطئهم على الكذب وأسندوه إلى شيءٍ محسوس وأفاد العلم، هذا هو الذي ذكره الحافظ ابن حجر نقلا عن كتب أصول الفقه بهذه الشروط الخمسة أو الأربعة أو الثلاثة على ما ذكر الحافظ ابن حجر حينما يدمج تعريف لآخر أو يقال إن هذا ثمرة لهذه الشروط.
والمتواتر عكس الآحاد، فبناءً على هذا التقسيم الذي ذكره الحافظ ابن حجر في النخبة، فكل ما لم يصل لدرجة التواتر فهو آحاد، والآحاد هو ما أفاد العلم بهذه الشروط التي ذكرناها في التعريف، فإما أن يصل للمتواتر، فما لم يصل للمتواتر فهو آحاد، وهذه الآحاد قد تكون رواية واحد أو رواية اثنين أو ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، إلى أن يصل لدرجة التواتر، هذا بالنسبة لتعريف الآحاد، لكنه يقول في التعريف المختار إن خبر الآحاد هو ما يرويه الواحد فقط، أما رواية الاثنين فأكثر فخرجت عن كونها خبر آحاد، وإن كان في هذه التعاريف يقولون هذا، لكن نحن نقول إن هذا هو الأولى بالقبول وهو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية.
وما تعريف العزيز؟(1/88)
نقول بالنسبة لتعريف العزيز نستطيع أن نقول في تعريفه إنه الحديث الذي لا يقل عدد رواته عن اثنين في أي طبقة من طبقات السند، يعني ممكن يزيد عن اثنين في بعض الطبقات، لكن لا يقل عن اثنين، يعني يُقل إلى واحد، فهذا لا يسمى عزيزًا وإنما يسمى غريبًا أو فردًا أو خبر آحاد.
يقولون إن المشهور بمعنى الشهرة، هل هذا صحيح؟
وأما عن سؤال الشهرة والمشهور فيقول الشيخ: نعم الحديث المشهور هو الذي اكتسب الشهرة بسبب كثرة الطرق.
هل تعريف الحديث العزيز بأنه الحديث الذي عز من المجيء في طريق آخر صحيح أم لا؟
كلامها يبدو أنه يعود لما كنت ذكرته، فعز أي قل وجوده، هذا الذي يفيده كلام الأخت، فنعم هذا أحد التعريفات التي قيلت في العزيز بأنه سمي عزيزًا؛ لأنه يعز وجوده أو يقل وجوده ويندر وجوده، ولذلك هذا يذكرني بكلام للحافظ ابن حبان البستي رحمه الله تعالى حينما قال عن الحديث العزيز إنه لا يوجد أو قال إن رواية الاثنين عن اثنين لا توجد، فالحافظ ابن حجر تعقبه بأنه إن كان يقصد رواية اثنين من الصحابة وعنهما اثنان من التابعين، وعن الاثنين من التابعين اثنان من أتباع التابعين وهكذا كما قلنا في المستفيض، فهذا يمكن أن يسلم له لأننا لا نتذكر حديثًا بهذه الصفة، وأما لو كان قصده أنه لا يوجد حديث عزيز أي مروي من طريق اثنين من الصحابة فهذا ليس بصحيح، بل الأحاديث التي بهذه الصفة كثيرة ويمكن أن يكون عن الصحابي الواحد رواه اثنان، وعن كل واحد من هذين الاثنين رواه اثنان، وهلم جرا، فالحافظ ابن حجر تعقب الحافظ ابن حبان بالنسبة لوجود العزيز أنه موجود، لكن بالنسبة لاستواء الطرفين اثنين عن اثنين عن اثنين وهكذا هذا قد يكون غير موجود.
مقولة يخلق من الشبه أربعين، فهل هو حديث مشهور غير اصطلاحي؟(1/89)
بالنسبة للسؤال عن يُخلق من الشبه أربعون، هذا الكلام ليس حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كلام للناس، ربما ظن بعضهم أن هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في ظني أن كتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة لن تترك هذا، ستذكره وسيبينون أنه غير مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيمكن للأخت أن تراجع مثلا كتاب "كشف الخفا ومزيل الإلباس" لعلي العجروني يكون قد ذكر هذا الحديث.
بالنسبة للحديث المشهور على الألسنة والمشهور عند العامة، هل يطلق على مشهور عن العامة حديث، وقد يكون حديث موضوع مثلا، وقد يفهم بعض الناس أن هذا حديث فيعمل به، فما حكم أن نعمل بالأحاديث المشهورة عند العامة؟
كل مشهور على الألسنة يمكن أن يقال عنه إنه حديث إذا زعم أنه حديث، ولذلك هذا سيأتينا إن شاء الله الكلام عنه حينما نتكلم عن الحديث الموضوع، كيف سمي الحديث الموضوع موضوعًا بالرغم من أنه مكذوب ومختلق ومنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كيف صاغ لنا أن نقول إنه حديث، قالوا في ذلك عدة توجيهات من أهمها أنه سمي حديثًا باعتبار المعنى اللغوي، كما قال الله جلّ وعلا ? فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ? [الأعراف: 185، المرسلات: 50]، وقيل إنه باعتبار زعم واضعه، فالذي وضعه يزعم أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نعامله بناءً على هذا الاعتبار، كذلك العامة إذا قالوا إنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نسميه حديثًا بناءً على هذا الاعتبار، ثم بعد ذلك نبين وننقض ونكشف حقيقة الأمر للعامة وبأن هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
المذيع: لعلكم هنا تشرحون تتمة المتن في قول الإمام ابن حجر عن أخبار الآحاد ( وفيها المقبول المردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول )، ثمة سؤال يُطرح وهو موجود أمامي هل الآحاد يفيد العلم اليقيني أم النظري؟(1/90)
هذا جميل والكلام عنه مهم، فلذلك نخشى أن الوقت لا يسعفنا لأني تركته للدرس القادم، فلعل الأخ السائل يتابعنا في الدرس القادم فنبين هذا إن شاء الله.
شيخنا الفاضل، ذكرتم يا شيخ أن مسألة تقسيم الحديث إلى مشهور وعزيز وغريب أنها في الغالب غير صحيحة، وأنها وضعها المعتزلة أو أصحاب الكلام ليضعفوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل ذكر كل المصطلحات أو كل التقاسيم، هل الغالب أو كلها من هذا، أنه وضع من أجل إضعاف الحديث؟ فمثلا الخبر الغريب يندرج تحته أحاديث كثيرة وبعضها صحيح ويعتبر من الأحاديث الصحيحة جدًا مثل حديث إنما الأعمال بالنيات، فما قولكم يا شيخ في مسألة التقسيم هذه؟
المذيع: هنا يا شيخ أيضًا سؤال مرتبط بهذا السؤال، هل نفهم من ذلك أنه ليس على طالب العلم التركيز على هذه التعريفات والتقاسيم السابقة؟(1/91)
أنا فقط أريد أن أوضح حتى لا يلتبس الأمر على الناس أننا ننقض كل ما ذكرناه، غريب عزيز مشهور وهكذا، لا، نحن لا ننقض هذه التقسيمات، وإنما ننقض أصل التقسيم وهو متواتر وآحاد وجعل المشهور أو رواية الاثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة وهكذا أنه لا يزال أخبار آحاد وخبر الآحاد عندهم لا يفيد إلا الظن كما سنبين إن شاء الله تعالى في مسألة العمل بأخبار الآحاد، هذا هو الذي ننقضه وهذا الذي نقول إنه تقسيم كلامي، أما كون رواية الواحد يسمى غريبًا أو فردًا أو خبر واحد، هذا لا بأس في ذلك، الواقع يصدق هذا، كذلك في رواية الاثنين نسميه عزيزًا الواقع يصدق هذا، لأن الثاني عزز الأول، أو لكونه قليل موجود، فسميناه عزيزًا لأجل ندرته وقلته، ثلاثة فأكثر مشهورًا لأنه اكتسب الشهرة بسبب كثرة طرقه، هذا أيضًا جيد، ولذلك يذكرني هذا بعبارة للإمام البخاري رحمه الله في كتابه (كلمة غير مفهومة) مجيز القراءة خلف الإمام حينما ذكر حديثًا ليس متواترًا، ولكنه قال "وقد تواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، يقصد الحافظ البخاري أي وقد اشتهر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا كذا كحديث ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) أو نحوه، هذا الحديث الذي ذكره الحافظ البخاري، وهذا الحديث ليس -حتى- مشهورًا على ما أذكر، يعني ليس له طرق كثيرة، ربما كان له طريقان أو نحو ذلك، فالمهم أنه لم تتوفر فيه شروط التواتر التي ذكرها في هذا، ومع ذلك يقول البخاري "وقد تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم"، إذًَا مقصود البخاري ماذا؟ التواتر اللغوي وهو التتابع والشهرة واستفاضة هذا الخبر.
بالنسبة لحديث ( ووضع كفيه على فخذيه ) في شرح الأربعين النووية، والسؤال أنهم يقولون: إن المقصود على فخذيه يعني على فخذي جبريل نفسه، لكن جاء في رواية النسائي ( فوضع يده على ركتبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ).(1/92)
هل يمكن أن يقول بعض الحفاظ إسناده حسن ويعني به الغرابة و النكارة؟ لأن أنا بين يدي كتاب الآن محققه يقول "رواه الدارقطني من حديث ابن عمر، وقال إسناده حسن، ثم قال المحشي قلت، وينبغي أن يحمل قول الدارقطني هذا أنه أراد به الغرابة والنكارة"، إلى آخر الكلام.
من حيث الرواية يا أخي، رواية النسائي ينبغي أن يراجع الراوي الذي جاء بهذه الزيادة، وهي زيادة فعلا مستغربة، وفي الأعم الأغلب أن مثل هذه الزيادة يكون فيها شذوذ أو نكارة؛ لأنها لم تخرج في الصحيح، ودومًا الأشياء التي ينفرد بها بعض الرواية ولا تكون في طرق الأحاديث التي اشتهرت يقف منها الأئمة النقاد والحفاظ موقفًا مناقدًا، فأنا في ظني أن هذه الزيادة لا تصح فينبغي أن تراجع.
أما من حيث الفهم الصحيح لوضع كفيه على فخذيه، فالذي يظهر أن جبريل وضع كفيه على فخذي نفسه، لأن هذه هي الصفة التي تليق بالسائل الذي يأتي لمثل النبي صلى الله عليه وسلم ويجلس بين يديه جلسة المتأدب المراعي لحقوقه صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى أن وضع الرجل كفيه على فخذي رجل آخر والصحابة لا يعرفون من هذا الرجل، هذا أيضًا أمر مستبشغ، فالفخذ من العورة ولا يليق أن يضع الرجل كفيه على فخذي رجل آخر، وإن كان هذا جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ينبغي مراعاة حال الصحابة الجالسين الذين لا يعرفون حقيقة الأمر، فالشاهد أن هذه القرائن تفيد أن جبريل وضع كفيه على فخذي نفسه، وأما رواية النسائي فالذي يغلب على ظني أنها لا تثبت.
وهل يراد بكلمة إسناد حسن النكارة؟(1/93)
في الحقيقة هذه القضية قضية مهمة جدًا، وإن شاء الله تعالى سنضيف لها شيء من الكلام حينما نتكلم عن الحديث المنكر على ما سيأتي إن شاء الله تعالى عند الحافظ ابن حجر، لكن نقول أنت أيها الأخ ذكرت أن هذا الكلام وهو التحسين جاء في سنن الدارقطني، فهل الدارقطني هو الذي أطلق هذه العبارة أو لا؟ هذه المسألة تحتاج إلى تثبت، لأن اختلاف روايات سنن الدارقطني يحصل بينها مثل هذا الفوت، وبعض الطلاب كانوا فعلا يسألون عما قريب عن هذه القضية بالذات، وكنت أقول لهم إن هناك اختلافًا بين نسخ الدارقطني رحمه الله، فبعض النسخ لا نجد فيها مثل هذه التصحيحات والتحسينات التي تؤخذ على الدارقطني، فينبغي أولا التثبت من الروايات، هل فعلا هذا اللفظ هو الذي أطلقه الدارقطني أو بعض النساخ الذين نسخوا سنن الدراقطني وزادوا مثل هذه الأحكام الموجودة؟ هذه النقطة مهمة جدًا.
النقطة الثانية: قضية الحديث الحسن وربطه بالنكارة، هذه ربما نجدها في كلام بعض الأئمة، يعني نجد إمامًا قال: عن حديث من الأحاديث إنه حديث حسن، وقال إمام آخر عن هذا الحديث نفسه إنه منكر، الرابط بين هذا كله قضية التفرد، والتفرد عند أهل العلم من القضايا التي يختلفون فيها اختلافًا جذريًّا، ولعلي أقول لك أيها الأخ السائل بشكل يوضح المسألة بشكل أوضح إن هناك أحاديث يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما، ومع ذلك يقول أبو حاتم الرازي و البرديجي عن الحديث إنه منكر، سبحان الله يتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيحين مصححين له، ويقول أبو حاتم والبرديجي إنه منكر، فما بالك أن تصدر هذه العبارة في حديث حسن ليس صحيحًا.(1/94)
فالحديث الحسن يا إخواننا كما سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عنه أعجز العلماء ضبطه، وليس هناك اختلاف بينهم في نوع من أنواع علوم الحديث أشد من اختلافهم في الحديث الحسن، إلى درجة أن أحد إخواننا رسالة الدكتوراة بأكملها عن الحديث الحسن، ومع ذلك ما خرج فيها بنتيجة مقنعة، يعني ما يزال في القضية ما فيها من اللبس، ولذلك الحافظ الذهبي يقول "لا تطمع أن تجد للحديث الحسن ضابطًا، فإني على إياس من ذلك".
فهذا الأخ الذي ذكرت أنه قال عن هذا التحسين إنه يعني النكارة فيؤخذ عليه جعل هذا فهم الدارقطني، يعني أن الدارقطني يقصد بالحسن النكارة، هذا هو الذي يؤخذ عليه فيما لو ثبتت هذه العبارة عن الدارقطني، أما أن يكون مثلا هذا الحديث الذي وصفه الدارقطني أنه حسن قد يكون منكرًا عند قوم، هذا لا حرج فيه، هذا يمكن أن يحصل من الخلاف ما أشرت إليه بين أهل العلم في مثل هذه القضايا، ولعله إذا جاء إن شاء الله تعالى الكلام على الحديث الحسن والحديث المنكر يتضح لك الأمر بشكل أوضح مما ذكرت الآن.
المذيع: هنا أسئلة عن الحديث الغريب حتى نوافق نفس هذه الحلقة.
ما سر تسمية حديث الفرد حديث غريب، وقد سمعت بأن الحديث الغريب هو الحديث الذي لم يعرف الصحابة سره كحديث الذبابة التي في جناحها داء والآخر دواء، فهل هذا التعريف صحيح؟(1/95)
لا، هذا التعريف ليس صحيحًا، يعني تعريف الغريب بأنه الغريب في لفظه، يعني لا يعرف الصحابة أو العلماء لفظ هذا الحديث، هذا ليس بصحيح، لكن لعله أشكل على الأخت كتب غريب الحديث، كتب غريب الحديث نعم، هناك تسمية لنوع من أنواع علوم الحديث، وهذا سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في آخر نخبة الفكر، لذلك نحن الآن المشكلة أننا نستبق الأحداث في بعض القضايا، فعلى كل حال، المقصود بالغريب أي اللفظة الغريبة التي تحتاج إلى من يبين معناها، هذا باختصار، ونترك الكلام والتفصيل في هذا في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى حينما نتحدث عن كتب غريب الحديث.
لكن حينما نتكلم الآن عن طريق الحديث، يعني لماذا سمي الحديث الفرد غريبًا؟ تمامًا مثل الإنسان الذي بلد غير بلده، ألا يسمى غريبًا لأنه وحيد في هذه البلد، فسمي غريبًا إذًا لانفراده، لأنه واحد ما جاء إلا من هذا الطريق.
كيف يمكن أن تتعدد الطرق للحديث الغريب؟
لا يمكن أن تتعد الطرق للحديث الغريب إلا إذا كانت بعد الصحابي، يعني يمكن أن يكون الحديث يرويه صحابي واحد ولذلك سمي غريبًا، ثم بعد الصحابي تتعدد الطرق، هذا لا شيء فيه، ولذلك نحن نقول بشرط أن يتوفر العدد في طبقة من الطبقات، يعني سواءً بالنسبة للحديث الفرد أو الغريب أو بالنسبة للحديث العزيز، إذا توفرت القلة هذه بالنسبة للحديث الفرد واحد، و الحديث العزيز اثنين، إذا توفر هذا العدد في طبقة من الطبقات فلا إشكال.
هل هناك شروح بالنسبة لنخبة الفكر تكون مناسبة للمبتدئين؟
نقول بالنسبة لنخبة الفكر طبعت عدة طبعات كثيرة جدًا، بعضها مفردة، ولعل من أراد أن يأخذ متنًا مضبوطًا مشكولا يأخذ النخبة التي ضبطها أخونا الشيخ الدكتور عبد الله الحكمي حفظه الله، صغيرة الحجم وضبطها واعتني بها جزاه الله خيرًا، هناك طبعات مع الشروح، فبعض الشروح شرح الحافظ ابن حجر، وهو أفضل من شرح النخبة في كتابه نزهة النظر، وهذا سبق أن تكلمنا عنه.(1/96)
النزهة طبعت عدة طبعات كثيرة جدًا، طبعت بتحقيق الأخ علي الحلبي وبتحقيق عمرو عبد المنعم وغير هؤلاء الذين حققوا نزهة النظر شرح نخبة الفكر، يمكن لأي إنسان أن يأخذ هذه الطبعات ما شاء، لكن طبعة الأخ علي الحلبي تمتاز بأنه أضاف إليها تعليقات تفيد في توضيح بعض العبارات وبعض التعليقات من كلام الشيخ الألباني رحمة الله عليه، وفيها أيضًا جودة رائعة، فيمكن يكون لهذه الطبعة ميزة على الطبعات الأخرى، والعلم عند الله.
هل تنصحنا بكتاب النكت؟
نعم، أنصح بكتاب النكت؛ لأن فيه الفائدة التي ذكرتها، والنكت هو النكت على نسخة النظر، والذي هو بتحقيق الأخ علي الحلبي.
البعض يثير شبهة حول الحافظ ابن حجر في طرقه لبحث المتواتر والآحاد في كتابه النخبة، فيقولون إن الحافظ ابن حجر لما أدخل هذا البحث في كتب المصطلح وهو كما يقول إنه بحث غريب على كتب الأئمة، يقولون هذا طرق أهل البدع من المعتزلة ومن شايعهم من المعتزلة وغيرهم، فصرنا نسمع من كثيرين لما يذكر لهم حديث في العقيدة من يقولون هذا حديث آحاد وليس متواتر، فكأنهم يقولون لو أن الحافظ ابن حجر طوى الكلام في هذا المبحث لكان أولى وأنفع ويكون سد باب لأهل البدع، فما ملحظ الحافظ ابن حجر في إيراد هذا المبحث؟ وهل هذه تعتبر مؤاخذة على الحافظ رحمه الله تعالى؟
وسؤال آخر في هذا الموضوع: إذا كان تعريف المتواتر في نخبة الفكر غير مقبول أو لا نسلم به، فلماذا أُثبت في كتب علوم الحديث؟(1/97)
نقول جوابًا على هذا السؤال، كان بودنا أن لا يذكر هذا التفريق بين المتواتر والآحاد من الأصل من البداية، ولكن المشكلة أننا لابد أن نتعامل مع ما هو مطروح، ولا نكون مثل النعامة التي تضع رأسها في الرمال وتظن أنها اختفت من الصياد، هذا ليس بصحيح، وإن لم نتكلم عنه فسيتكلم عنه غيرنا، وإن لم يتكلم الحافظ ابن حجر أو غير الحافظ ابن حجر فسيتكلم عنه غيره، وقد تكلموا، فقبل أن يظهر تيار المعتزلة ما كان الأئمة يتكلموا عن هذا، لكن لما ظهر تيار المعتزلة اضطر الأئمة للرد عليهم، رد عليهم الإمام الشافعي، رد عليهم البخاري وغير هؤلاء ممن رد على هذه الشبه التي جاء بها المعتزلة، فإذا أصبحنا نتعامل مع واقع نحن مضطرون للتعامل معه، أما الحافظ ابن حجر فليس هو الذي جاء بهذا المبحث من كتب علوم الحديث، كل كتب علوم الحديث تطرقت إليه، فالحافظ ابن حجر سار على منوال الأئمة الذين ساروا قبله، ولا يمكن أن يغفل هذا الكلام ويتركه بحجة أن يطرق لأهل البدع، بل كلام الحافظ ابن حجر جيد في الجملة، يعني هو اقترب من الكلام الصحيح، لأنه أيد أن يكون حديث الآحاد يفيد العلم، وذكر هذه الأمور التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني ما سار على طريقة أهل البدع الذين لو وقفتم على كلامهم لرأيتم شيئًا مستبشعًا، يعني كلام المعتزلة بعضهم يقول لا يمكن أن نقبله إلا إذا رواه عشرون، أربعة منهم من أهل الجنة، وبشرط أن يكون مقطوع لهؤلاء الأربعة من أهل الجنة، لأنهم لا يمكن أن يصدقوا كل أحد.
حديث من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وعشرين وثلاثين.
هذا الحديث هو حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، والحديث ضعيف لأن فيه بعض العلل ومن أهمها الانقطاع بين التابعي الراوي عن فضالة، وفيه أيضًا جهالة وهكذا، فالحديث ضعيف.
ويأتي بعض العلماء حسنوا هذا الحديث بمجيء بعض الطرق، لكني لا أراه يصل لهذا.(1/98)
حب الوطن من الإيمان، الجنة تحت أقدام الأمهات، هل هذه أحاديث؟
هذه أيضًا من الأحاديث التي ذكرها الأئمة في كتب الأحاديث المشتهرة، حب الوطن من الإيمان ذكر في كتب الأحاديث المشتهرة، الجنة تحت أقدام الأمهات ذكر في كتب الأحاديث المشتهرة، وحديث الجنة تحت أقدام الأمهات له أصل في الأحاديث الصحيحة، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( الزم قدميها )، لما جاء الرجل ليجاهد في سبيل الله قال ( ألك أم؟ )، قال: نعم، قال ( الزم قدميها فإن الجنة تحتها ) والحديث صحيح.
وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
المذيع: كنا قد توقفنا يا فضيلة الشيخ عند موضوع الخلاف في خبر الآحاد والمتواتر وإفادتهما العلم اليقيني والنظري.
المتن:
( وكلها- سوى الأول-آحاد. وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول.
وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار.
ثم الغرابة إما ان تكون في أصل السند أو لا.
فالأول: الفرد المطلق.
والثاني: الفرد النسبي ويقل إطلاق الفرد عليه.
وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ: هو الصحيح لذاته.)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.(1/99)
نعم في الدرس الماضي تكلمنا عن أخبار الآحاد وعن المتواتر، وعرفنا أصل هذه القسمة، وبينا ما عليها من محاذير، وذكرنا تعريف المتواتر وشروط ذلك التعريف، وبينّا أيضًا ما على هذه الشروط وهذا التعريف من محاذير، وكنا وعدنا بأن نتكلم زيادة على ما تقدم في موضوع خبر الآحاد، وينبغي أن نعلم أن خبر الواحد في اللغة في الأصل المقصود به ما ينفرد به راوٍ واحد، هذا في اللغة، وهو الذي كان ينبغي اعتماده، لكن بناءً على التعريف الذي وُجد في كتب المصطلح وكذلك في كتب الأصول وهو مرتبط بما كنت أشرت إليه في السابق من أن أصل هذه القسمة والكلام فيها جاء من علم الكلام ومن المتكلمين، فلا بأس أن نذكر ما قالوا، ثم نبين أيضًا ما لنا عليه من ملاحظات.
فيعروفون خبر الآحاد بأنه ما لم يجمع شروط المتواتر، هذا خبر الآحاد عندهم، فربما كان عدد الطرق أكثر من ثلاثة ومع ذلك يبقى آحادًا، فالعزيز آحاد والمشهور آحاد ما لم يصل إلى درجة التواتر، بينا ما على هذا من محاذير حينما قلنا إنه من حيث الواقع فالواقع لا يسعف في هذا، فخبر الواحد هو ما ينفرد به راوٍ واحد، هذا بناءً على أصل اللغة، وبناءً على ما يتبارد إلى الأذهان، وبناءً على واقع الحال، فإذا انضاف إليه آخر تعزز وتقوى وتوبع ذلك الراوي، والتتابع في هذه الحال يُسمى تواترًا في اللغة، ومن هنا يبدأ التواتر.
لكن لا نقول إن رواية الاثنين على كل حال تسمى متواترًا، اللهم إلا إذا أخذنا بالجانب اللغوي فقط بناءً على أصل المتابعة، لكن إذا أردنا أن نربط التعريف اصطلاحيًّا فلابد أن نضيف إليه تعريفًا ذكروه في شروط المتواتر وهو الذي أهمهم أمره وهو قضية إفادة العلم، فإذا أفاد الخبر -الذي رُوي من طريقين فأكثر- العلم فمعنى ذلك أنه أصبح متواترًا، هذا إذا أردنا أن نقر أصل هذه القسمة، وإلا فسلف الأمة ما كانوا يعرفون هذه القسمة بين الآحاد والمتواتر على هذه الطريقة التي أشرنا إليها.(1/100)
إذًا نحن تنزلنا تنزلا حينما قلنا إننا إذا أردنا أن نقر بهذا التقسيم فلابد أن نوجهه وجهة سليمة تتفق مع الأدلة الشرعية ومع المسيرة العلمية الصحيحة التي كان عليها أسلافنا رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
فيه عندنا قضية مهمة وهي التي سنتكلم عليها هنا وهي قضية إفادة العلم والاحتجاج بخبر الواحد، لأن الاحتجاج بخبر مربوط بقضية إفادة العلم، فالذي اشتهر في كتب الأصول وفي كتب المصطلح وعند طائفة كبيرة من أهل العلم أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، لكن هذه الكلمة أو هذا التعريف أو هذا الإطلاق جاء فيه شيء من العموم وعدم الدقة، فلو سألت الذي يطلق هذه العبارة ماذا تقصد بخبر الواحد في هذه الحالة، أتقصد الحديث الغريب الذي لم يرد إلا من طريق واحد؟ هذه مسألة والأمر فيها أهون، وإن كنا قد نخالف أيضًا كما سنبينه، وإن كنت تقصد ما سوى ذلك مما يمكن أن يكثر فيه العدد، فما هو الضابط عندك في وصول هذا العدد إلى درجة التواتر؟ ليس عندك ضابطًا كما كنا قد بيناه سابقًا، ليس عند كل من حد المتواتر بعدد أدنى دليل، ويدل على هذا كثرة الأقوال التي قيلت إلى حد أنها أفضت إلى التناقض.
فإذًا من يطلق هذه العبارة يبدو أنه يطلقها إما لمعنًى في نفسه كأن يقصد إفادة العلم، أو أنه أطلقها من غير تحرير، فإن كان يقصد إفادة العلم فنرجع إلى تأكيد أن خبر الاثنين يفيد العلم ولابد، ولعلي أضرب على ذلك ببعض الأمثلة حتى أصل إلى بغيتي التي أريد أن أصل إليها والقضية التي أريد أن أوضحها لعموم السامعين، فأقول إن خبر الاثنين فأكثر يفيد العلم، والدليل على هذا ما سأضربه من أمثلة.(1/101)
الحافظ ابن حجر ضرب مثالا على العزيز يمكن أن نستخدمه هنا، ضرب هذا المثال في شرحه، فمثَّل بحديث ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، وقال إن هذا الحديث روي من طريقين، من طريق أبي هريرة ومن طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، وهما مخرجان في الصحيح، فكلا الطريقين صحيح، يعني السند لأبي هريرة صحيح، والسند إلى أنس بن مالك صحيح، بل روي عن أنس بن مالك من طريقين كما بيَّن ذلك الحافظ رحمه الله، وهما طريقا ثابت البناني وعبد العزيز بن سهيل، وروي عن عزيز بن سهيل من طريقين وعن ثابت من طريقين وهكذا.
فالشاهد هنا أن أبا هريرة وأنس بن مالك كل منهما تابع الآخر وشهد للآخر في هذا الحديث، هل يمكنني في الحالة أن أشك في خبر يشهد عليه هذان الصحابيان، وأقول لا يزال الشك يسواروني، أقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا؟ إذا كنا نقول إن الواحد مظنة الوقوع في الخطأ والوهم، واغتفرنا مثل هذا الاحتمال لمن أبداه، فكيف نغتفره إذا انضم إليه راوٍ آخر وشهد معه صحابيٌّ آخر، وهم العدلان، أنس وأبو هريرة، أبو هريرة الذي لازم النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطنه، ويخر صريعًا من الجوع، لا يذهب ليطلب الدنيا كما يطلبها الناس، وأنس بن مالك الذي أهدته أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وترجو النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقبل منها هذه الهدية؛ ليخدم النبي عليه الصلاة والسلام، وقام على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذان الصحابيان اللذان بهذه المثابة يشهدان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه المقالة ومع ذلك يساورني الشك، يا إخواننا هذا ينافي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وعلم الكلام هو الذي أساء للفطر وحرفها، مثل الشياطين التي اجتالت الناس وحرفتهم عن دين الله جلّ وعلا.(1/102)
خبر الواحد قد يفيد العلم، ولذلك لو نظرنا في الرسالة للإمام الشافعي أو في صحيح البخاري نجد العديد من الاستدلالات التي أوردها هؤلاء الأئمة وغيرهم على أن خبر الواحد يفيد العلم، فمن جملة الأدلة التي استدلوا بها حديث معاذ الذي أشرت إليه في درس سابق، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى اليمن؛ ليعلم الناس أصول الاعتقاد، ( ليكن أول ما تدعوهم إليه لا إله إلا الله )، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إن الاعتقاد لا يؤخذ فيه إلا بالقطع فلابد أن أرسل عددًا تقوم بهم الحجة ويحصل بهم التواتر، ما أرسل إلا معاذًا رضي الله تعالى عنه، فهل بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتطبيقه من قولٍ لأحد، حاشى لله، كذلك كل الرسل الذين كانوا يرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآفاق، وهذا ما استدل به البخاري.
استدل البخاري بكتاب الله، فاستدل بقول الله جلّ وعلا ? وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ? [التوبة: 122]، وبين البخاري أن الطائفة في هذه الحال قد يراد بها الرجل الواحد.
من الأدلة التي استدلوا بها تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته، فحينما حرمت الخمر كان أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يسقي عمه أبا طلحة زوج أمه وأناسًا من الأنصار يسقيهم الخمر، فصاح الصائح، رجل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في الشوارع يتجول ويقول ألا إن الخمر قد حُرِّمت، فلا والله ما رفعها واحدٌ منهم إلى فيه وقد كانت الكؤوس في أيديهم أوشكوا أن يشربوها، لأن فطرهم كانت سليمة، ما قال أحدٌ منهم هذا واحدٌ ولا تقوم به الحجة ونشرب الآن حتى نتبين الأمر، ما قالوا هذا.(1/103)
بل في صلاتهم حينما كانوا يصلون إلى بيت المقدس، جاءهم الرجل الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن القبلة قد حُولت إلى الكعبة، فاستداروا وهم في صلاتهم، ما قالوا نكمل هذه الصلاة ثم نتثبت ونرى هذا الخبر صحيح أم غير صحيح، أبدًا ما قالوا هذا، بل النبي صلى الله عليه وسلم في ركن من أركان الإسلام هو الصيام جعل رجلا أعمى، ( إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت )، ما المقصود بهذا؟ المقصود أيها الناس كلوا ولا عليكم، الصيام أحد أركان الإسلام، فكلوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، رجل واحد، فإذا أذن قامت الحجة على الناس، ووجب عليهم أن يتوقفوا، ومن أكل بعد هذا فعليه القضاء، وهو واحد، فهل النبي صلى الله عليه وسلم يقر مثل هذا الأمر لو كانت ما قوم بهم حجة؟! كان يجعل مؤذنين تقوم بهم الحجة على حسب أقوال الذين أحدثوا مثل هذا التقسيم ومثل هذه التعريفات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ومن أراد إطالة الاستدلال فلينظر في كتاب خبر الواحد في صحيح البخاري، فإنه أطال فيه جدًا، وأورد العديد من الأدلة التي تدل على إقامة الحجة بخبر الواحد.(1/104)
لكن قد يقول قائل: خبر الواحد قد ينتابه الظن، هل نقول إن الواحد لا يقبل، فنقول نعم إن الواحد قد يخطيء، لكن إذا كان الخطأ هناك ما يومئ إليه ويشير إليه أو على الأقل ما يبعث في نفسلك الريبة وتحتاج إلى مزيد طمئنينة حتى تطمئن من صدق هذا المخبر من عدمه فلا بأس، مثل ما قلنا عن حادثة من؟ أبي موسى مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أو مثل سهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الصلوات الرباعية سلم من ركعتين، فقال له ذو اليدين، هاب الصحابة أن يكلموه فقال له ذو اليدين "يا رسول الله أنسيت أم قُصرت الصلاة"، قال ( لم أنس ولم تقصر )، قال " بلى، قد نسيت يا رسول الله"، فقال صلى الله عليه وسلم ( أحقًا ما يقولوه ذو اليدين؟ )، قالوا "نعم يا رسول الله"، هل النبي صلى الله عليه وسلم ما يكن يصدق ذي اليدين؟ بلى كان يصدقه، ولكن ما الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الصحابة؟ السبب هو أنه تعارض علم ذي اليدين مع علم النبي صلى الله عليه وسلم، في الحالة نعم، إذا تعارض علمك مع علم الآخر تحتاج إلى مزيد طمئنينة أو مرجح، فالنبي عليه الصلاة والسلام يرى من نفسه أن صلاته تامة ولم تُنقص، وذو اليدين يقول قُصرت الصلاة، إذًا أصبح هناك قولا متعارضان، فالمسألة تحتاج إلى مزيد تثبت، فما كان منه عليه الصلاة والسلام أنه سألهم ( أحقًا ما يقولوه ذو اليدين؟ )، نعم، حُسم الأمر وانتهى، ما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنتم عددٌ لا تقوم بكم الحجة أو نحو ذلك.(1/105)
الشاهد من هذا أنه إذا كان هناك ما يستدعي مزيد التثبت فلا بأس، إن لم يكن هناك ما يحتاج إلى مثل هذا التثبت فلا، لأننا رجعنا إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فوجدنا تطبيقاته الأخرى لا يسأل مثل هذا السؤال ولا يعنف على الذي أخبره بهذا الخبر، ففي حادثة الطاعون لما توجه عمر بن الخطاب بالجيش إلى الشام وكان الطاعون قد وقع، فاحتار عمر رضي الله تعالى عنه، أيقدم بهذا الجيش الذي فيه فضلاء الصحابة على هذه البلاد الموبوءة التي وقع فيها الطاعون، فقد يُجتث هؤلاء الصحابة، أو يرجع؟ خشي إن رجع أن يكون هذا منافيًا للتوكل، وإن قدم قدم على أمرٍ عظيم، فاحتار ماذا يصنع، فاستشار من معه من الصحابة من المهاجرين والأنصار فاختلفوا، ما اتفقوا على قول، فقال قوموا، وإذ بعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه يأتي فقال أنا معي علم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا وقع الطاعون في أرضٍ وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارًا منه، وإذا وقع الطاعون بأرضٍ وأنتم لستم فيها فلا تقدموا عليه )، ما قال له عمر لتأتيني بمن يشهد معك أو لأوجعنك ضربًا، ما قال هذا الكلام، لأنه ليس هناك ما يستدعي إلى الشك في ثبوت خبر عبد الرحمن بن عوف، بل صدق به ورجع به، وأخذ خبره بمأخذ القبول.(1/106)
فإذًا بناءً على هذا التفصيل نستطيع أن نقول إن القضية في مجملها إلى ما يُسمى بالعلم، وهذا هو موطن الإشكال عند أولئك الذين يثيرون مثل هذه الدعاوى، هؤلاء ينظرون إلى العلم أنه كتلة واحدة لا تتجزأ ولا يزيد ولا ينقص، فيبدو أن سريان تيار المرجئة نفذ أيضًا إلى هذه القضية، فالمرجئة يرون أن الإيمان هو التصديق، فلا يزيد ولا ينقص، نقصانه يعني ذهابه في الجملة، هكذا يرى المرجئة، وهذا بلا شك أنه خلاف الأدلة من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ? فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ? [التوبة: 124]، فالإيمان يزيد وينقص، وحديث الإيمان بضع وسبعون شعبة يدل على تبعض الإيمان وتجزُّئه، كذلك العلم أيضًا يزيد وينقص، فعلم الواحد أو العلم الذي أفادنيه خبر الواحد لا يمكن أن يكون كالعلم الذي يفيدنه خبر اثنين، فخبر الاثنين أقوى عندي، مع أن خبر الواحد يفيدني العلم أيضًا، وهكذا كل ما ازداد العدد الذي يخبرني بذلك الخبر ازدادت عندي نسبة العلم.(1/107)
وقد يمثلون لهذا بمثال إن صح ولم يكن عليه شيء من المحاذير، لأني أخشى شيئًا من المحاذير التي تترتب عليه، أخذوه من قول الله جلّ وعلا ? عِلْمَ الْيَقِينِ ? [التكاثر: 5]، ? حَقُّ الْيَقِينِ ? [الواقعة: 95، المعارج: 51]، ? عَيْنَ الْيَقِينِ ? [التكاثر: 7]، فعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، هذه يقولون إنها ثلاث مراتب من مراتب العلم متفاوتة، ويضربون على ذلك بمثال، يقولون لو أخبرك مخبر بأن وراء هذا الجبل عين ماء عذبة، وهذا المخبر صادق لا تشك في خبره، فإن خبره يفيدك العلم، وتوقن بأن وراء هذا الجبل عين ماء عذبة وإن لم ترها، فأفادك علمًا، لكن إذا خطوت خطوات وصعدت فوق هذا الجبل ورأيت هذه العين بعينك فإن هذا يعني علمًا زائدًا على ما أفادكه خبر ذلك الراوي، هذا الرجل خبره علم اليقين، ورؤيتك عين اليقين، فإذا انحدرت من الجبل حتى تصل إلى هذه العين وغرفت منها غرفة وتذوقتها حصل لك علم أشد مما حصل لك في السابق، وهذا يسمى حق اليقين وهو أعلى درجات العلم، وبين هذه المراتب مراتب أخرى متفاوتة زيادةً ونقصانًا.
فإذًا القضية تعود لقضية العلم وزيادته، هؤلاء الذين يقسمون المسألة إلى هذه القسمة ويتكلمون فيها من هذا المنحى، لا نجد أنهم يتكلمون عن زيادة العلم، ينظرون إلى العلم على أنه جزئية واحدة لا تتجزأ، ولذلك أومأ إلى هذا المعنى الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، وليته فصل، لكن يبدو أن المقام كان مقام اختصار حينما علق على اختصار علوم الحديث لابن كثير، فقال عبارة معناها "دعك من تكلفات المتكلمين، فإنما يريدون معنًى غير ما نريده"، حينما تكلم عن قضية العلم، يريدون شيئًا آخر غير ما نريده نحن، فأعرض عن هذا، فهو يومئ إلى هذا المعنى الذي فصلته لكم وبينته بكلامي هذا.(1/108)
بقي أن نبين عذرًا لمن قد يقول كلامًا آخر، قال بعضهم وهل نقول عن كل الأخبار تفيد العلم؟ لا نقول عن كل الأخبار إنها تفيد العلم، إذا كان هناك مثل ما أشرت إليه سابقًا فنعم فبإمكان الإنسان أن يتثبت، إذا لم يكن هناك مجال للتثبت فأنت تتعامل الآن مع خبر مروي، قد يكون هذا الخبر من الأخبار التي تختلف فيها وجهات نظر أهل العلم، مثل ما قلت سابقًا إن هناك بعض الأحاديث التي خرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما يقول عنها أبو حاتم الرازي مثلا هذا خبرٌ منكر، فإذا اختلفت أقاويل أهل العلم في الحكم على حديثٍ من الأحاديث فقد يفيدني علمًا ولكن هذا العلم قد يكون قاصرًا بحيث يسميه بعضهم علم ظني، يعني لا أستطيع القطع، أو لا يفيدني العلم اليقيني أو العلم الجازم وإن كان أفادني علمًا ما.
بل حتى خبر الاثنين وأكثر، قد يحتف به من قصور طرق ذلك الحديث عن أن تصل إلى الحد الذي يفيدني العلم اليقيني، فيفيدني علمًا ظنيًّا أو علمًا غالبًا أو ظنًا غالبًا كيفما سميناه، ولعلي أضرب على ذلك بمثال، حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين في بيعة، لو نظرنا إلى إجمالي طرق هذا الحديث، نجد أنه حديثٌ رُوي من طريق أبي هريرة ومن طريق عبد الله بن مسعود ومن طريق عبد الله بن عمر ومن طريق عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله تعالى عنهم أجمعين، لكن ما من طريق من طرق هذا الحديث سالمًا من العلة، وبعضها ضعيف، وبعضها قابل، وبعضها يترجح بتحسينه، حديث أبي هريرة هو من رواية محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو متكلم في حفظه، لكن الراجح إن شاء الله تعالى أنه حسن الحديث، ويرويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، فلأجل قصور حفظ محمد بن عمرو بن علقمة عن درجة أهل الحفظ والإتقان قلنا عن حديثه إنه حديث حسن، ولعل هذا إن شاء الله يمكن أن ينفعنا في التمثيل حينما نتكلم عن الحديث الحسن.(1/109)
في هذه الحال نستطيع أن نقول عن حديث أبي هريرة على الانفراد إنه حديث حسن، ننظر في باقي الطرق، باقي الطرق كلها لا تسلم من العلة، فحديث عبد الله بن مسعود يرويه ابنه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، واختلف على الراوي وهو سماك بن حرب الراوي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، هل هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم موقوف من قول عبد الله بن مسعود؟ وترجح برواية الثقات أنه موقوف، يعني من قول عبد الله بن مسعود وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح الحديث الآن له حكم آخر، نظرنا في حديث عبد الله بن عمر وإذ بالحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعًا بين الراوي عن نافع وهو يونس بن عبيد ونافع، فأصبح الحديث ضعيفًا بسبب هذا الانقطاع، نظرنا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وإذ به من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواية عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده متكلم فيها عند كثير من أهل العلم، ولهم فيها تفصيل في قبولها، وإن كان بعض أهل العلم بالذات من تأخر منهم يرى أنها حسنة لذاتها، لكن لا يُسلم بهذا عند قطاعٍ كبير من أهل العلم.
فالشاهد أن طرق هذا الحديث نجد أن فيها شيئًا من الإشكال، ليس هناك طريق واحدة بذاتها سالمة من العلة، فنعم مثل هذا الحديث بمجموع طرقه نقول إنها تتقوى، كل طريق يقوي الأخرى ويفيدنا علمًا، لكن هذا العلم ليس كالعلم الذي يفيدنيه حديث صحيح مروي من هذه الأربع أو الثلاث أو طريقين أو حتى طريق واحد سالم من العلة بحيث نستطيع أن نقول إنه صحيح لذاته، حتى لا أسهب في السرد سأتيح الفرصة لبعض الأسئلة ونكمل إن شاء الله تعالى بعد ذلك.
تحدثتم في الدروس السابقة واليوم أن الحديث قد يفيد العلم النظري أو اليقيني أو الظني، يقول ما معنى العلم النظري أو اليقيني أو الظني مع بعض الأمثلة؟(1/110)
حقيقة السؤال أن يقال ما الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري، هذه حقيقة السؤال ينبغي أن تكون هكذا، ما الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري؟ أو العلم اليقيني و العلم الظني؟ فنقول إن الفرق بين العلم الضروي والعلم النظري ما كنا ذكرناه سابقًا أن العلم الضروري الذي يضطر صاحبه للتصديق حتى لو لم توجد طرق، وقد مثلنا بحاتم الطائي وعنترة بن شداد وبعض البلدان التي لم ترها أعيننا، كل هذا لا نحتاج فيه إلى طرق ولا نذهب نتتبع نقول هل الإسناد صحيح أم غير صحيح، لأن الضرورة تفرض علي تصديق هذا الخبر، فهذا يُسمى علمًا ضروريًّا، وهذا الذي يقول عنه الحافظ ابن حجر إنه ليس من مباحث علم الإسناد.
أما العلم النظري فهو من مباحث علم الإسناد، يحصل لنا علم لكن بعد ماذا؟ بعد النظر، ما المقصود بالنظر؟ التفتيش في الأسانيد، ننظر هل هذا الإسناد صحيح، طيب ما شاء الله هذا إسناد صحيح أمسكنا به، الإسناد الآخر صحيح، تكررت هذه الأسانيد أفادنا العلم لكن العلم بعد النظر، فهذا العلم لم يأتني ضرورة ويفرض علي تصديقه، لا، ما تحصل لي إلا بعد النظر والبحث والتفتيش في الطرق والرجال والأسانيد، وهكذا، هذا الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري.
أما الفرق بين العلم اليقيني والعلم الظني فهو بحسب الأمثلة مثلت بها، فالعلم اليقيني هو العلم الجازم الذي تتيقنه النفس، التصديق الجازم الذي لا يقبل الشك، مثل ما مثلت مثلا برواية أبي هريرة وأنس بن مالك لحديث لا يؤمن أحدكم أو بحديث ضمام بن ثعلبة وغير ذلك، شهد عندي هذان الصحابيان بهذه الشبه التي لا أتردد بعدها، فكيف لو انضاف إلى ذلك طرق أخرى حتى وإن لم تصل للتواتر عند المتكلمين، لا شك أن هذا يفيدني علمًا جازمًا وعلمًا يقينيًّا، لا أتردد في تصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك، أو أن هذه الحادثة قد وقعت للنبي عليه الصلاة والسلام.(1/111)
أما العلم الظني فهو الذي يكون في حديث لا أجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله بسبب وجود بعض العلل مثل ما مثلت بحديث النهي عن البيعتين في بيعة، أو بعض الأحاديث التي يعلها بعض أهل العلم، وإن ترجح لنا أنها غير معلولة، لكن هذا الإعلال يحدث في النفس شيئًا من الضعف الذي لا يجعلني أتيقن من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله، ولكني بنيت على غلبة الظن، فهذا الفرق بين العلم اليقيني والعلم الظني.
ذكرتم يا شيخنا أن بعض الأحاديث قد تكون غلبة الظن، والحديث الذي يتقوى بمجموع الطرق ويصل إلى درجة الصحة أو الحسن، من يرى أن هذا يفيد غلبة الظن. السؤال الآن ما هي الثمرة التي ستترتب على القول بغلبة الظن وبإفادته العلم؟
ما موقف أهل العلم الذين يقول بأن خبر الواحد يفيد العلم ممن يقول بأنه يفيد غلبة الظن؟
أقول مستعينًا بالله إن الفرق بين العلم اليقيني والعلم الظني من حيث وجوب العمل هذا يعود إلى ذات العلم، فالعلم اليقيني لابد فيه من العمل في العقائد والأحكام على حدٍ سواءٍ، ولا يجوز لإنسان كائنًا من كان أن يتخلف عن العمل بالحديث الذي أفاد العلم اليقيني.(1/112)
أما بالنسبة للحديث الذي أفاد العلم الظني فهذا يرجع إلى نفس صاحبه، فإن كان ترجح لديه أن هذا الحديث يفيد العلم وإن كان علمًا ظنيًّا فيجب عليه العمل بهذا العلم، ومن ترجح لديه خلاف ذلك فيُعذر بناءً على خلافه، ولذلك يعذر أهل العلم بعضهم بعضًا في مثل هذه القضايا، إذا اختلفوا في صحة حديثٍ من عدمه فالمخالف يُعذر لأنه بنى خلافه على أصل علمي، ولذلك من ينظر في رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" يجد هناك أعذارًا ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية سببت ذلك الخلاف بين أهل العلم، ومن هذه الأعذار اختلافهم في صحة الحديث، وإذا اختلفوا في صحة الحديث فمن رأى الصحة يقول بالقول ومن اقتنع بقوله يأخذ بقوله، ومن رأى غير ذلك فله في ذلك مندوحة ولا يثرب عليه ولا يُعنف، فهذا بالنسبة لذات الشخص، فالمسألة التي تفيد العلم الظني ترجع لذات الشخص.(1/113)
لكن إذا رجعنا لأصل الخلاف وهو بين المتواتر والآحاد وقوله إن الآحاد لا تفيد إلا الظن وكلام المعتزلة وهو الذي أشار إليه بعض الإخوة في أسئلتهم وموقفهم من أحاديث الأحكام وما إلى ذلك، أقول إن المعتزلة حينما أحدثوا مثل هذا التقسيم كان قصدهم بالدرجة الأساس العقائد، ولذلك لو نظرنا في الأصول الخمسة التي ذكرناها سابقًا نجد أنها تتعلق بالعقيدة، والأحكام هل يأخذون فيها بأحاديث الآحاد؟ أقول في الأعم الأغلب أنهم يأخذون بها، لكن المشكلة ما هي؟ المعتزلة أناس لم يكن فيهم فقيه ولا عالم ولا يهتمون بمسائل الأحكام، بل المعروف عنهم خفة الدين والطيش والسفه، حتى رافع بن أشرف لما رأى الناس يسرعون إلى المسجد يوم الجمعة قال كلمة نسأل الله السلامة، كلمة فظيعة، قال "ماذا فعل ذاك العربي بالناس؟"، من يقصد؟ يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، عليه من الله ما يستحق، ولذلك بعضهم لما حُدث بحديث يرويه الأعمش عن أبي طلحة عن جابر أو عن أبي صالح عن أبي هريرة، بدأ يشكك ويقول لو حدثني بهذا الأعمش لكذبته، حتى قال ولو حدثني به النبي صلى الله عليه وسلم لما صدقته، ولو حدثنيه الرب لقلت ما على هذا أخذت ميثاقنا، معروفٌ عنهم –نسأل الله السلامة- خفة الدين وإعجابهم بعقولهم ومعارضتهم الأحاديث بهذه العقول التي شطحت عن الجادة وابتعدت عن الطريق السليم.
فليس فيهم علماء ولا يهتمون بأحاديث الأحكام وليس لهم فيها إلا مجرد التشكيك، من ينظر في كتاب ابن قتيبة "تأويل مختلف الحديث" يجد أن المعتزلة يأتون ببعض أحاديث الأحكام ويحاولون أن يثيروا الشكوك من خلالها، يقولون رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول كذا ورويتم عنه أنه قال كذا فأحاديثكم متعارضة، فيبدأ ابن قتيبة في الرد عليهم وبيان أن هذه الأحاديث ليست متعارضة.(1/114)
الفروق العملية، نقول إن الحديث الذي يأتينا من طريقٍ صحيح سالم من العلة، سواء كان طريقًا واحدًا أو ازداد العلم برواية راوٍ ثان أو ازداد العلم أكثر برواية راوٍ ثالث يجب علينا قبوله، ولا تجوز لنا بحالٍ من الأحوال أن نشك فيه ولا أن نمتري ولا أن نتردد عن التطبيق، يجب قبوله، ولا نفرد بين عقائد ولا أحكام، يؤخذ به في باب العقائد وفي باب الأحكام، ومن أمثلة ذلك حديث الجارية الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية ( أين الله؟ ) قالت: في السماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم يسأل هذه الجارية هذا السؤال, ولولا أن هذا من أصول الاعتقاد لما سألها النبي صلى الله عليه وسلم، والطريق صحيح لا مطعن فيه، فيجب التسليم به والقبول.
وأما ما يمكن أن يصرف به ظاهر هذا النص من تأويلات بعض المتكلمين، فكلها تكلف كما حصل من بعض شراح مسلم ممن لم يسيروا على معتقد أهل السنة، فهؤلاء ينبغي الحذر من كلامهم في ثنايا هذه الشروح لأن هذا الحديث يقظ مضاجع نفاة العلو، لأن حديث الجارية هذا من الأدلة القوية على إثبات علو الرب جلّ وعلا وأنه في السماء كما أخبر هو عن نفسه، ? أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ....... ? [الملك: 16]، فمثل هذا الحديث يجب قبوله وإن كان حديثًا واحدًا، ما جاء من طريق معاوية إلا من هذا الطريق، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الطريق، فيجب قبوله والتصديق به ولا نشك ولا نمتري لأنه ليس عندنا من حجة في رد هذا الحديث أو الطعن فيه.
السعدية أم عبد الرحمن تسأل وتقول أرجو رفع الغموض عن العبارين الآيتين، قولهم إن خبر الآحاد يفيد الظن بذاته بينما القرائن التي تحف به هي التي تفيد العلم.(1/115)
هذا بناءً على كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله، وأخذه هو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فشيخ الإسلام يقول إن الخبر إذا احتفت به قرائن فإنه يفيد العلم، الحافظ ابن حجر يقول "وقد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن"، يعني هو قريب من قول شيخ الإسلام ابن تيمية وإن كانت عبارته أضعف، هذه القرائن هي القرائن التي ذكرناها سابقًا وهي أن يكون الحديث مخرجًا في الصحيحين أو في أحدهما، ما السبب الذي جعل هذا الخبر يفيدنا العلم؟ قالوا لمكانة هذين الإمامين وهما البخاري ومسلم، مكانتهما في العلم، ولتلقي الأمة بقبول هذين الكتاببين بالتسليم، الأمة تلقت هذين الكتابين بالتسليم، فنحن أيضًا مع الأمة والتسليم لعلماء الأمة الذين تلقوا هذين الكتابين، ولا يُستثنى من ذلك إلا بعض الأحاديث التي انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني على الصحيحين، أما ماعدا ذلك من الأحاديث التي لم تُنتقد فيجب التسليم بها ونقول إنها تفيد العلم، ولو لم يكن في الحديث من قرينة إلا هذه القرينة فإنها تفيدنا العلم.
ولو لم يكن الحديث مخرجًا في الصحيحين، ألا يفيدنا العلم؟ نقول بلى، كيف؟ إذا كان الحديث مشهورًا، يعني روي من ثلاثة طرق، وإن لم يصل إلى حد التواتر بناءً على هذا التعريف الذي ذكره المتكلمون، فإنه يفيد العلم، هذا لو كان في خارج الصحيحين وجاء من ثلاثة طرق معنى ذلك أنه يفيد العلم أيضًا ويجب العمل به في العقائد والأحكام.(1/116)
أمر آخر؟ نعم، إذا كان الحديث من طريق أئمة جهابذة نقاد، معنى ذلك أنه لو كان طريق واحد وهو الذي نقول عنه إنه هو الحديث الصحيح لذاته السالم من العلة، فإنه لو لم يأت إلا من هذا الطريق فإنه يفيد العلم أيضًا كما قلت سابقًا عن ما يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر وهي السلسلة الذهبية، وسيأتي الكلام معنا إن شاء الله تعالى عن أصح الأسانيد لأن هذا الإسناد أحد الأسانيد التي قيل عنها إنها أصح الأسانيد، فنذكر بعض الأسانيد الأخرى، وهي كثيرة التي قيل عنها إنها أصح الأسانيد، وكلها تدخل في هذا الباب، يعني من رواية أئمة بعضهم عن بعض، فإذًا عندنا جملة ومقدار كبير من الأحاديث الكثيرة التي هي أحاديث آحاد، وكلها تفيد العلم بناءً على هذه القرائن التي ذكرها هؤلاء الأئمة.
المذيع: شيخنا تكونوا بذلك أجبتم عن سؤال الأخت السعدية، أبرز القرائن التي تجعل الخبر ينتقل من إفادة الظن إلى إفادة اليقين؟
نعم.
المذيع: هل هناك قرائن أخرى؟
هذه هي أهم القرائن.
هل يُقال إن هناك خلافًا بين الإفادة والدلالة؟ بمعنى هل دلالة خبر الآحاد ظنية أم قطعية؟
فيه فرق بين الإفادة والدلالة، فالإفادة أنا أتعامل مع ثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو من انتهى إليه الخبر حتى لو كان صحابيًّا، هذا من حيث الإفادة، فأنا أتكلم الآن عن الثبوت، أما الدلالة فتختلف، فيفرقون إذًا بين ما هو قطعي الدلالة وما هو قطعي الثبوت، وظني الدلالة وظني الثبوت، فالدلالة مثل الحديث الذي تختلف الأفهام في دلالته، وليس الحديث فقط، بل حتى الآيات القرآنية، ? وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ? [البقرة: 228]، القرء ما هو؟ الطهر أم الحيض؟ الآية ليس قطعية الدلالة، بل ظنية الدلالة، لأن من العلماء من قال القرء هو الطهر ومنهم من قال القرء هو الحيض، فالدلالة غير الإفادة.(1/117)
فيه من القرائن التي يمكن أن نشير إليها إذا كان الحديث صححه أئمة جهابذة نقاد ممن لم يعرف بالتساهل، فإن هذا الحديث أيضًا بناءً على هذا التصحيح يفيد العلم، فإذا وجدنا حديثًا يقبله الأئمة كعلي بن المديني ويحيى بن المعين والإمام أحمد وأبي حاتم الرازي وأبي زرعة وأمثال هؤلاء حتى ولو لم يكن الحديث مخرجًا في الصحيحين ولم يقدح واحدٌ منهم في ذلك الحديث، فإنه أيضًا يفيد العلم بتصحيح هؤلاء الأئمة الذين مكانتهم أعلى، أو مكانة بعضهم أعلى من مكانة صاحبي الصحيح.
درست في صحيح البخاري أن كل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثقات، ومن خلال شرحكم يا شيخ وتوسعكم أشعر أن هناك عدم فهم لأخبار الواحد وأقسامه، يعني تريد إعادة تلخيص لقضية أخبار الواحد وأقسامها، وما يفيد منها الظن أو اليقين؟
أقول بالنسبة لخلاصة ما تقدم، خلاصة ما تقدم أن الحديث أو الخبر كما قال الحافظ ابن حجر ينقسم إلى قسمين: متواتر وآحاد، المتواتر ينقسم إلى قسمين متواتر بنقل الكافة عن الكافة بلا أسانيد، وهذا أي خبر من الأخبار في الدنيا يفرض علينا تصديقه نسميه متواترًا، مثل ما قلنا عنتر بن شداد، حاتم الطائي، البلدان التي في العالم، كل خبر من هذه الأخبار يفرض علينا تصديقه لا نشك في ذلك، هذا قسم من أقسام المتواتر، وهذا ليس من مباحث علم الإسناد، هذا يضطر إليه الناس في معاملتهم العادية وأصحاب التواريخ والأمم الأخرى، كل أحد ينضطر لهذا.
المتواتر بالقسم الثاني وهو الذي يتعلق بالأسانيد، فهذا يحصل التواتر برواية اثنين فصاعدًا إذا أفاد العلم، يعني إذا لم يكن في كل طريقٍ من الطرق أي مطعن فإنه يفيدني التواتر، يبتدئ التواتر من اثنين فصاعدًا، وكلما ازدادت الطرق أفادنا علمًا أكثر من ذي قبل.(1/118)
ومن حيث التقسيم الذي أجراه أهل العلم، نحن تكلمنا عن المتواتر، خبر الآحاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام، الغريب وهو ما يرويه راوٍ واحد، والعزيز وهو ما يرويه راويان، والمشهور وهو ما يرويه ثلاثة فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر بناءً على هذا التقسيم.
ما الحكمة من تقسيم الحديث إلى مشهور وعزيز وهذا لا يفيدنا في معرفة الصحيح من الضعيف؟
بلى، يفيد، بناءً على تقوية الطرق، الحديث الذي يأتينا من طريق ليس كالحديث الذي يأتينا من طريقين، الحديث الذي يأتينا من طريقين أقوى من الحديث الذي يأتينا من طريق إذا تساوت الطرق كلها في القوة، الحديث الذي يأتينا من ثلاثة طرق يفيدنا قوةً أكثر من ذي قبل، كيف؟ إنه لو تعارض عندنا، يعني هذا من حيث التصور الذهني، لو تعارض عندنا حديثان أحدهما مرويٌّ من طريق راوٍ واحد والآخر مروي من طريقين أو ثلاثة، وما يمكننا الجمع بين هذين الحديثين، فإن تعارضا من كل الوجوه فإننا نقدم في هذه الحالة الحديث الذي رُوي من طريقين أو ثلاثة على الحديث الذي رُوي من طريقٍ واحد، وهذا أحد قرائن الترجيح عند بعض أهل العلم، فيمكن أن يُرجح الحديث الذي رُوي من عدة طرق على الحديث الذي رُوي من طرق أقل فيفيدنا في هذه الحالة.
بالإضافة إلى أننا مضطرون إلى التعامل مع كلام أهل العلم في الكتب التي ندرسها حتى نفهم هذا الكلام، فهذا التقسيم جاء في كتب المصطلح، وإذا أردنا أن نصل لهذا العلم لابد أن نعرف هذه الأقسام ونعرف ما عليها من محاذير ونتجنبها، ونعرف الأشياء الإيجابية التي تنبني على هذا التقسيم فنأخذ بها مثل ما قلنا في حال التعارض والترجيح.(1/119)
ذكر الحافظ ابن حجر أنه يُستثنى من أحاديث الصحيحين كما ذكرتم ما أعله بعض الأئمة كالدارقطني، وذكر عبارة أخرى قال "أو يقع التجاذب بين مدلوليه"، فما المراد بهذه العبارة؟ وعبارة الحافظ ابن حجر هي "ثم إن هذا مختصٌ بما لم ينقضه أحدٌ من الحفاظ مما في الكتابين، وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما يقع في الكتابين، حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيحٍ لأحدهما على الآخر" .
نقول بالنسبة لعبارة الحافظ ابن حجر واضح الآن مراده منها، فهو يتكلم عن أحاديث الصحيحين وإفادتهما العلم، ويستثني من ذلك ما انتقده بعض الحفاظ عليها كالحافظ الدارقطني في كتابه التتبع، أو حتى غير الحافظ الدارقطني من الذين مكانتهم كمكانة صاحبي الصحيح أو تقرب منها، فهذه مستثناه من هذا الكلام الذي قلناه وهو إفادة هذه الأحاديث العلم، قال "أو ما يقع تجاذب بين مدلوليه"، أنا في ظني أنه يقصد ما تضمنه الحديث من معنى، يعني إذا كان الحديث ظاهر سنده الصحة ولكن في متنه علة تمنع من قبوله، وهذه العلة بسبب وجود أحاديث معارضة لهذا الحديث، ولعل بالمثال يتضح المقال.(1/120)
ففي صحيح مسلم على سبيل المثال حديث أبي سفيان أنه لما أسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم تؤمرني على الجيش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم )، وقال وابنتي أم حبيبة أزوجك إياها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم )، هذا الحديث أحدث إشكالا، أم حبيبة هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد تزوجها قبل إسلام أبيها أبي سفيان حينما ارتد زوجها عبيد الله بن جحش في الحبشة ومات هناك، وزوجها النجاشي على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في أرض الحبشة ثم قدمت مهاجرة رضي الله تعالى عنها وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، هذا معروف، فكيف يقول أبو سفيان ابنتي أم حبيبة أزوجك إياها، هذا الحديث قال أهل العلم هو غلط، لكن بدأ بعضهم يحاول يوجه هذا الحديث وجهة صحيحة سليمة لا أريد أن أدخل فيها لأنه قد يطول علينا الأمر ويذهب علينا وقت الدرس، لكن المهم أن مدلول الحديث الآن تجاذبه مدلول حديث آخر، ويمنع من قبول هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك، فإذًا هذه العبارة خطأ، ما الصواب فيها، هذا له مبحثٌ آخر، هذا الذي يبدو من عبارة الحافظ ابن حجر.
خبر الواحد إذا عمل الراوي وأفتى بخلافه هل نأخذ بظاهر الحديث؟(1/121)
وأما عن سؤال أخينا هل يؤخذ بخبر الواحد ولو عمل الراوي بخلاف روايته، هذا مبحث أصولي، وفيه خلاف عند بعض الأصوليين وبالذات الحنفية يؤكدون على هذا المعنى، وربما كان هناك شيء من التوسع في رد الأحايث بسبب مخالفة الراوي لما رواه، إما من حيث الفتوى أو من حيث العمل، فيقولون إن عمل الراوي بخلاف روايته هذا يدل على ضعف هذه الرواية، أو فتوى الراوي بخلاف روايته هذا يدل على ضعف هذه الرواية، والصواب أن هذا ليس في كل الأحيان، لأن هناك قرائن تؤكد فعلا أن الراوي لو كان عنده هذا الحديث لما قال ما قال، ولكن من حيث الأصل فالعبرة بما روى الراوي لا بما رأى، فقد يروي الراوي حديثًا ولكنه يرى أن هذا الحديث هناك ما يصرفه، فيفتي بخلافه أو يعمل بخلافه، أو هناك ما يخفف عمومه أو يقيد إطلاقه، فيفتي أو يعمل بخلاف ظاهر ذلك الحديث فيحدث عندنا مثل هذا الشك.
فالقاعدة يا أخ سعد أن الحديث هو حجة بنفسه ولا علاقة بعمل الراوي به، هذا من حيث العموم، أما ما يُستثنى من ذلك مما قد يوجد في كتب العلل فهذه لها شأن آخر، أما بالنسبة لما وُجد في كتب الأصول أو في بعض كتب الأصول من التوسع في هذه المسألة فلا يُقر من ذهب إلى رد الأحاديث بمجرد عمل الراوي بخلاف روايته أو فتوى الراوي بخلاف روايته.
لدي اقتراح مهم في فهم المادة، وهو أنه لابد من تفصيل المادة بالرسم، إما أن تكون على لوح، أو ترسم التفاصيل مسبقة نكتبها في الخلفية، لأنه تحصل لنا لغبطة وما نقدر نفصل المادة، مثلا المتواتر ماذا يأتي تحته، لأنه فعلا صعب علينا، وأنا مبتدأة.(1/122)
أنا بودي أن نفهم أن البداية فقط هي التي فيها هذا الإشكال، وإذا تناسيناها لا علاقة لها بالمادة، يعني يمكن أن نفهم المادة بغض النظر عن هذا الكلام الذي ذكرناه كله، فمادة المصطلح مادة سلسلة ولذيذة وجيدة كما سنرى إن شاء الله تعالى، هذه التقسيمات وهذا الكلام الخلاف نحن اضطررننا إلى الكلام عليه بسبب أولئك العلماء سامحهم الله وغفر لهم الذي أقحموا هذه الأمور في هذه المادة العلمية اللصيقة بقول النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة لتقسيم هذه المادة، فأنا سبحان الله يعني اقتراح الأخت كنت سأتحدث قبل قليل مع بعض الإخوة القائمين على هذه القناة بأنني أفضل أن نعرض عن طريق الشاشة بعض الرسومات والأشياء التي تعين في تصور الأسانيد وبعض أنواع علوم الأحاديث التي سيأتي الكلام عنها، سواء من حيث الحديث الصحيح وشروطه وكيف يمكن أن نتصور الحديث الصحيح، وما يخالف الحديث الصحيح من حوادث انقطاع أو طعن في الراوي أو نحو ذلك، سنحاول إن شاء الله تعالى عرض هذا بواسطة بعض الرسومات التي نسأل الله الإعانة على جعلها وتصميمها.
هل يؤخذ بالآحاد في الحدود؟
سبحان الله، كل كلامي يرتكز على هذه النقطة، ينبغي أن نجفوا هذا التقسيم، آحاد يؤخذ به، ما يؤخذ به، يفيد الظن، ما يفيد الظن، ينبغي أن نفهم فهم السف، فلا نأتي بهذا التقسيم، فإذا صح الحديث أخذنا به، بدل ما نقول حديث الآحاد، لأن حديث الآحاد يمكن أن يكون صحيحًا ويمكن أن يكون غير صحيح، فالمعول عليه صحة الحديث، إذا صح الحديث أخذنا به، كما قال الأئمة، يقول الشافعي رحمه الله "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، بلا إشكال ولا ريب، ولم يقل متواترًا ولا غير ذلك، مجرد صحة الحديث، فينبغي أن نكون هكذا أيضًا، إذا صح الحديث فهو مذهبنا، ونأخذ به في العقائد والأحكام والمواريث والحدود وغير ذلك.(1/123)
المذيع: لعلكم يا شيخ بذلك أجبتم على سؤال أبي المنذر من المغرب يسأل توضيحًا كيف أرد على ما يروج له البعض من أن خبر الآحاد لا يعتمد عليه في مسائل العقائد.
الكلام الذي سبق إن شاء الله فيه الكفاية.
ما المقصود بالمستخرجات وما الفائدة منها؟
وأما المقصود بالمستخرجات، المستخرجات لعلنا لا نتفق -مع العلم أن الحافظ ابن حجر ما تكلم عن المستخرجات في النكت- ولكن موضوع الكلام عليها حينما نتكلم عن الصحيحين عما قريب إن شاء الله تعالى، سنتكلم عن الحديث الصحيح والكلام عن الصحيحين، ونتكلم عن المستخرجات، ولو نسيت فذكروني، لأن الحافظ ما تكلم عنها فقد أنسى، الكلام عن المستخرجات في الكتب المتوسطة والمطولة التي ستأتي إن شاء الله تعالى في المرحلة القادمة.
المذيع: هل ممكن أن تكون المستخرجات أحد القرائن التي تحف بخبر الآحاد؟
المستخرجات لا علاقة لها بهذا، يعني يمكن أن تكون من زاوية أخرى، كأن تفيدنا بعض الطرق، نعم يمكن، ولذلك أفضل ترك هذه النقطة حتى لا يذهب علينا الوقت، أفضل أن ننهي مادتنا.
المذيع: المادة تبقى فيها أقسام الحديث الغريب، وهو الغريب الفرد المطلق والغريب الفرد النسبي.
الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قسم الحديث الغريب إلى قسمين: وهو غريب مطلق وغريب نسبي، أو فرد مطلق وفرد نسبي، فيه بعض أهل العلم الذين يحاولوا أن يفرقوا بين الغريب والفرد، وأنا أؤكد على أنه لا فرق بين الغريب والفرد، وأكثر ما يستعمله أهل العلم لفظ الفردية، فيقولون تفرد به فلان، وهذا حديثٌ فرد، أما الغرابة فقد يستخدمونها في بعض الأحيان في وصف الحديث، فيقولون هذا حديثٌ غريب مثلا، لكن لا يقولون مثلا أغرب به فلان إلا أندر من النادر، فنجد أنهم إذا تكلموا عن الراوي قالوا تفرد، وإذا تكلموا عن الغريب قالوا غريب، والمعنيان واحد، التفرد والغرابة هما بمعنًى واحد.(1/124)
لكن من حيث التقسيم، الغريب أو الفرد ينقسم إلى قسمين: غريب مطلق، وغريب نسبي، أو فرد مطلق، وفرد نسبي، الفرد المطلق: الذي لا يأتينا إلا من طريق واحد، يعني من طريق صحابي واحد فقط، لا يرويه أكثر من صحابي، وأما الغريب النسبي فقد يأتينا من طريق صحابي واحد وقد يأتينا من طريق أكثر من صحابي، بمعنى أن كل غريب مطلق يمكن أن يكون غريبًا نسبيًّا ولا عكس، وليس كل غريب نسبي غريب مطلق.
فحديث إنما الأعمال بالنيات، هذا حديث يسمى غريب غرابة مطلقة أو فردًا مطلقًا، لماذا؟ لأنه لم يروه إلا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، والمقصود لم يروه أي لم يروه حقيقةً، أما أن يوجد في بعض الكتب طريق لهذا الحديث فنعم، وُجد من طريق أبي سعيد الخدري ولكنها طريق معلولة، والصواب أنها هي طريق عمر بن الخطاب، فالحديث كما ذكرته سابقًا يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب، هذا إسناده، فهو حديث غريب ليس له إلا هذا الإسناد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري رواه عدد هائل من أهل العلم، قلت سابقًا إنهم وصلوا عند بعض أهل العلم إلى قرابة ستمائة شخص، كما قاله بعض أهل العلم.(1/125)
من جملة الذين رووه عن يحيى بن سعيد الأنصاري الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى صاحب الموطأ، رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، لكن أحد تلاميذ الإمام مالك وهو عبد المجيد بن أبي رواث رواه عن الإمام مالك فأخطأ فيه، فقال عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، فجعل الحديث عن أبي سعيد الخدري، فهذا وهم وخطأ من هذا الراوي لأنه متكلم في حفظه، هو ضعيف من قبل حفظه، فأخطأ في هذا الحديث، جمع الرواة الذين رووه عن الإمام مالك يقولون مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد ابن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فإذًا هذا لا يسمى طريقًا آخر، ولكن يقال هو غلط من هذا الراوي، إذًا ليس للحديث إلا هذا الطريق، ولذلك يصح هذا الحديث أن يكون مثالا للغريب غرابة مطلقة.
أما بالنسبة للغريب غرابة نسبية فلا يلزم أن يكون غريبًا مطلقًا، قد يكون الحديث مرويًّا من ثلاثة طرق أو أقل أو أكثر، ولكن يستغرب أهل العلم أحد طرق هذا الحديث، فعلى سبيل المثال إذا نظرنا مثلا لحديث ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، قلنا إنه رواه أبو هريرة وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، وعن أنس رواه راويان هما مثلا عبد العزيز بن صهيب وعن عبد العزيز بن صهيب رواه إسماعيل بن علية وعبد الوارث بن سعيد، وعن إسماعيل بن علية ما رواه إلا راوٍ واحد فقط، وإسماعيل بن علية تلاميذه كثر، فإذا كان هذا الراوي الذي رواه عن ابن علية مثلا أبا بكر بن أبي شيبة، فيقولون تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل، والحديث معروف ومروي من طرق أخرى، مروي من طريق أبي هريرة، ومري عن أنس من طريقين، ومروي عن عبد العزيز بن صهيب من طريقين، وهكذا، لكن فقط هم نظروا لطريق إسماعيل بن علية فوجدا أنه لا يرويه عن إسماعيل إلا أبو بكر بن أبي شيبة فيقولون تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل ابن علية.(1/126)
ما الذي يجعلهم يقولون تفرد به؟ ماذا؟ ما السبب؟ قالوا إن إسماعيل بن علية له تلاميذ كثر، فيُستغرب عن أبي بكر بن أبي شيبة أن يروي عن إسماعيل هذا الحديث الذي لا يرويه باقي التلاميذ، أين كانوا عن هذا الحديث، فقط من هذه الحيثية، فهذا يُسمى فردًا نسبيًّا، يعني بالنسبة لإسماعيل بن علية.
قد يكون الفرد النسبي بالنسبة إلى جهة معينة، كأن يكون الحديث الغريب مثلا غرابة مطلقة، أو غرابة غير مطلقة يرويه أهل جهة معينة، فإذا قلنا مثلا إن يحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم التيمي وعلقمة بن وقاص الليثي وعمر بن الخطاب والراوي عن يحيى بن سعيد الأنصاري الإمام مالك كلهم من المدينة، نقول إن الحديث تفرد به مثلا أهل المدينة، هذا حديث مدني ما يرويه إلا أهل المدينة، فلا يُقصد به الغرابة المطلقة، قد يكون مرويًّا من طرق أخرى، ولكن هذه الطرق كلها تعود على أهل المدينة، فيُقال هذا حديث تفرد به أهل المدينة، يعني لا يرويه غيرهم، أو تفرد به أهل الشام أو نحو ذلك، فإذًا لا يلزم من الغريب النسبي أن يكون غريبًا مطلقًا، قد يكون متواترًا، قد يكون مشهورًا، قد يكون عزيزًا، قد يكون غريبًا غرابة مطلقة، كل هذا محتمل، يعني لا علاقة للغريب النسبي بالغرابة المطلقة، فهمنا الآن الفرق بين هذين القسمين.
المذيع: هل بهذا الإيراد انتهينا من الكلام عن المقبول والمردود؟
لا، كل الكلام السابق عن القسمة العددية، يعني بالنسبة لطرق الحديث، أما بالنسبة لتقسيم الحديث إلى مقبول ومردود فهذا يأتينا إن شاء الله تعالى.
المذيع: أنا أقصد الإشارة إلى قول الحافظ ابن حجر يا شيخ ( وكلها سوى الأول آحاد، وفيها المقبول والمردود ).(1/127)
هذا من حيث الإشارة العامة، أحاديث الآحاد لا يلزم أن تكون مردودة ولا يلزم أن تكون مقبولة، فيها المقبول وفيها المردود، إذا صح السند فهو مقبول، وإن لم يصح السند فهو مردود، كيف يمكن أن يصح السند؟ هذا سيأتينا في تعريف الحديث الصحيح، كيف يمكن أن يكون مردودًا؟ بأحد أسباب الرد الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى في بعض الأنواع الآتية.
فيما يتعلق بالخبر يا شيخ وما يتعلق بالغريب والفرد، هل هناك فرق بين قولنا خبر الآحاد وخبر الواحد؟
خبر الواحد وخبر الآحاد في الأصل بناءً على الكلام الذي ذكرت بمعنًى واحد، لكن بناءً على الكلام الذي ورد في كتب المصطلح وكتب الأصول قد يطلقون خبر الواحد على الحديث الغريب والحديث الفرد ما يرويه إلا راوٍ واحد، وخبر الآحاد يطلقونه على ما لم يصل إلى حد التواتر، فكل ما لم يصل إلى حد التواتر عندهم فهو خبر آحاد، وقد يطلقون على الآحاد الواحد، فيقولون خبر الآحاد أو خبر الواحد، ويقصدون بخبر الواحد في هذه الحال ما لم يصل إلى درجة التواتر أيضًا، قد يطلقون هذا.
لقد علمنا العلم الضروري والعلم النظري، لكن هل حصول العلم الضروري والعلم النظري يقتصر على الأحاديث المتواترة أو أحاديث الآحاد أو كليهما؟
بالنسبة لسؤال الأخ حبيب الرحمن يسأل ويقول هل أحاديث الآحاد يجري فيها أيضًا هذا التقسيم للعلم إلى نظري وضروري، نقول بالنسبة للعلم الضروري لا، بناءً على هذا الكلام الذي ذكرناه لا تفيد أحاديث الآحاد العلم الضروري، لأن العلم الضروري كما قلنا لا يحتاج إلى سند وأحاديث الآحاد يُنظر فيها إلى الإسناد يصح أو لا يصح، فإذا نظرنا في الإسناد معنى ذلك أننا انتقلنا إلى النظر، فأصبح علمًا نظريًّا وليس علمًا ضروريًّا، فنعم أحاديث الآحاد قد تفيدنا العلم النظري.
ما الفرق بين المتواتر اللفظي والمتواتر المعنوي؟(1/128)
فيه فرق بين المتواتر اللفظي والمتواتر المعنوي، وبيناه سابقًا، المتواتر اللفظي ما يرد بلفظ واحد، والمتواتر المعنوي هو الذي يرد ليقرر معنًى واحد من خلال أحاديث متعددة، مثل ما ضربنا مثالا على ذلك برفع اليدين عند الدعاء، تأنينا عدة أحاديث كلها تدل على رفع اليدين في الدعاء، مثلا حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في الرجل الذي جاء والنبي عليه الصلاة والسلام على المنبر فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه واستسقى، حديث آخر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أخذ يدعو يرفع يديه حتى سقط الرداء من على كتفه، وهكذا، فيه أمثلة عديدة، كل هذه الأحاديث تدل على معنًى واحد وهو رفع اليدين عند الدعاء، لكن حادثة بدر غير حادثة النبي عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر، فهذه حادثة وهذه حادثة، وهكذا يضم الناس إليها حوادث أخرى كلها متفرقة ولكنها تدل على معنًى واحد.
ذكرتم يا شيخنا أن الغريب المطلق يشمل الغريب النسبي، أما الغريب النسبي فلا يشمل الغريب المطلق، الغريب النسبي هل يدخل ضمنه الغرابة في اللفظ، أم فقط يكون في السند يعني ما ينتقل للمتن؟ يعني هل الغرابة النسبية تضم الغرابة في المتن وفي السند؟
إن كلامنا يإخواننا كله على الأسانيد، يعني ما متون الحديث ما تطرقنا لها حتى الآن، متون الأحاديث هذه لها أنواع أخرى كالمضطرب والمصحف وغير ذلك، سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى، كلامنا كله منصب على الأسانيد، تعدد الأسانيد، إسناد واحد، اسنادين، ثلاثة أسانيد، وهكذا، ماذا يُسمى؟ وماذا يسمى هذا؟ وهذا هو المجال.
فضيلة الشيخ، فهمت من كلامكم اليوم أن خبر الآحاد إذا أفاد العلم سواء كان ظني الثبوت أو قطعي فإنه يعمل به في العقائد والأحكام على حد سواء، هل فهمي هذا صحيح؟
نعم، فهمك صحيح، حديث الآحاد إذا صح سنده أو حسن سنده وأفاد العلم فيعمل به العقائد والأحكام على حد سواء.(1/129)
ما معنى الفرد النسبي؟
مثل ما قلنا بالنسبة إلى جهة معينة، يعني إذا قلت مثلا هذا الحديث تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية، إذًَا أنا نظرت نظرة قاصرة فقط بالنسبة لإسماعيل بن علية، ما نظرت في الحديث جملة في كل الحديث، لا، نظرت إلى سند معين من أسانيد هذا الحديث، إذًا قلت بالنسبة إلى جهة معينة، ما هذه الجهة؟ إسماعيل بن علية، لهذا أطلقوا عليه فردًا نسبيًّا.
هل يعتبر كل ما يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة دليلا شرعيًّا أو لم يعتد به؟
بالنسبة لأهل الحديث يختلفون تعريف السنة عن أهل الأصول، فتعريف السنة عند أهل الحديث يعرفونها بالآتي، يقولون في تعريف السنة: هي كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية –يعني في خلقه صلى الله عليه وسلم- أو خُلقية –في خلقه- أو سيرة قبل البعثة أو بعدها، فإذًا كل ما يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمى سنة عند أهل الحديث.
أما أهل الأصول فيقصرون السنة على ما يتعلق بالأحكام، فيقولون في تعريف السنة ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، ويقتصرون على هذا، إذًا هذه هي التي تدل على الأحكام، الأقوال والأفعال والتقريرات من النبي صلى الله عليه وسلم، أما السيرة وبالذات ما كان قبل البعثة فلا يتعلق به أحكام عند أهل الأصول، وهذا هو الصيحيح.
لكن إن أردنا أن نعرف كل ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم في صفاته وفي خلقته وفي خلقه صلى الله عليه وسلم وفي أحواله قبل البعثة، كل هذا ينقل إلينا ويسمى سنة، لا يمنع من تسميته سنة، لكن لو فعل النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فعلا فلا يُقال عن هذا الفعل إنه فعل يصدر منه حكم إلا إذا أيده النبي صلى الله عليه وسلم وأقره بعد البعثة.
ما معنى اشتراط أن يكون خبر الآحاد مقبول لدى السلف؟(1/130)
قد يكون الأخ فهم من كلامي أني قلت إن السلف ما كانوا يفرقون بين المتواتر والآحاد ولكنهم ينظرون إلى الصحة من عدمها، فإذا صح الحديث قبلوه وأخذوا به، ولا يقولون هل هو متواتر أو آحاد، فهذا هو الذي كنت قلته.
ما المراجع التي تحيلنا إليها يا فضيلة الشيخ في مبحث المتواتر والآحاد؟
في مبحث المتواتر والآحاد أعيد ما كنت ذكرته سابقًا، أنا أحث على قراءة الرسالة للإمام الشافعي، على قراءة خبر الواحد في صحيح البخاري، على قراءة مبحث في كتاب أحكام الأحكام لابن حزم، على قراءة المبحث في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثامن عشر صفحة 50 وما حواليها، في كتاب الصواعق المرسلة لابن القيم وليس موجودًا في الكتاب المطبوع الآن لأنه ناقص، وإنما هو موجود في مختصر الصواعق، مختصر الصواعق موجود فيه هذا المبحث، وهو مبحث أفاض فيه ابن القيم وأجاد وأفاد، كذلك رسالة شيخنا الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله في حجية خبر الواحد هي من أروع ما كتب، فأحث على قراءتها.
وصلى اللهم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
المذيع: كنا قد توقفنا يا فضيلة الشيخ في الحلقة الماضية عن نهاية الحديث عن موضوع الآحاد والمتواتر، ونحتاج منكم إلى كلمة في النقلة بين هذا الموضوع وبين موضوع الصحيح، لكن دعونا نقرأ متن ابن حجر
المتن:
بسم الله الرحمان الرحيم، ( وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ: هو الصحيح لذاته. وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف. ومن ثم قدم صحيح البخاري، ثم مسلم، ثم شرطهما ).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آهله وصبحه أجمعين.(1/131)
كنا فرغنا من الكلام على تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد في ذات الكلام الذي كان فيه شيءٌ من الصعوبة، وكما أشرت إليه في الحلقة السابقة أنه ينبغي أن لا يصرفنا عن هذا العلم؛ لأن ذاك المبحث ما هو إلا مقدمة بين يدي هذا العلم، فنستطيع أن نقول: إننا من بداية هذه الحلقة بدأنا نلج في علم المصطلح في هذه التقاسيم التي تفيدنا الكلام على الحديث صحةً وضعفًا، وهو ثمرة علم المصطلح، كما سبق أن بيناه في تعريف هذا الفن، وقلنا إنه علمٌ بأصول وقواعد يُدرى بها حال السند والمتن من حيث القبول والرد، إذًا هذه هي الثمرة، كيف نعرف أن هذا الحديث صحيح أم غير صحيح هو بهذه القواعد والأصول التي سنتعلمها -إن شاء الله تعالى-.
وثمرات علم الحديث وفوائده سبق أن تكلمنا عن شيءٍ منها، ولعله -إن شاء الله تعالى-يأتي معنا أشياء حينما نتكلم عن آداب المحدث وطالب الحديث بإذن الله تعالى.
ابتدأ الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الكلام على الحديث الصحيح بقوله: "إن خبر الآحاد بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة هو الصحيح لذاته"، فهو إذًا يتكلم الآن عن جنس خبر الآحاد، والجنس ما يشمل أفرادًا عدة، وهذه الأفراد سبق أن أشرنا إليها سابقًا، الحديث الغريب والعزيز والمشهور ونحو ذلك، كل هذه من أفراد خبر الآحاد، وخبر الآحاد بما تضمنه من هذه الأفراد إذا توفرت فيه هذه الشروط التي ذكرها: بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة هو الصحيح لذاته، إذًا نستطيع أن نقول: إن خبر الآحاد هو الصحيح لذاته، لكن بهذا الفاصل الذي فصل الحافظ ابن حجر وهو هذه الشروط الخمسة التي ذكرها والتي سنتكلم عنها -إن شاء الله تعالى-.(1/132)
هذه الشروط التي تكلم عنها الحافظ أولها قضية اتصال السند، والمقصود باتصال السند: أن يكون كل راوٍ من الرواة أخذ هذا الحديث مباشرة عن شيخه من غير واسطة، فهذا هو المقصود باتصال السند، ولابد في هذه الحال من الإشارة إلى تعريف السند والإسناد؛ لأنه يرد معنا دومًا، والمتبادر للذهن أن السامعين --إن شاء الله تعالى-- يعرفون هذا، لكن من لم يكن عارفًا بذلك نذكِّره به أو نخبره به، فالسند والإسناد في كثيرٍ من الأحيان يُطلقان على معنًى واحد، وهو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن، والمقصود بسلسلة الرجال: أولئك الرجال الذين يُروى الحديث من طريقهم من لدن مصنف الكتاب الذي أورد هذا الحديث إلى منتهاه، وفي الأعم الأغلب أن منتهاه يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابي.
وأضرب على ذلك بمثال، فإذا قال البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( إنما الأعمال بالنيات..... )، هذا المثال نستطيع أن نوضح ما نقصده من السند والإسناد، فقول البخاري حدثنا الحميدي ثم شيخ الحميدي سفيان بن عيينة، يقول الحميدي: حدثنا سفيان بن عيينة، سفيان بن عيينة يقول: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، وهكذا إلى آخره، هذا يُسمى سندًا، وهو سلسلة الرجال، نلاحظ أنهم كلهم رجال يصلون إلى المتن، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( إنما الأعمال بالنيات..... ).
فإذا الحديث ينقسم إلى قسمين: سند، ومتن، السند: هوسلسلة الرجال التي توصل إلى المتن، والمتن: هو ما ينتهي إليه السند من الكلام، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو فعله، أو تقريره، أو قول الصحابي، أو فعله، أو تقريره كذلك.(1/133)
الإسناد في كثيرٍ من الأحيان يُطلق على السند، سواء قلنا الإسناد أو النسد فهما بمعنًى واحد، إلا أن الإسناد في بعض الأحيان يطلقونه على عزو الحديث إلى قائله مسندًا، فالكيفية التي روى بها البخاري هذا الحديث، يقال إن البخاري أسنده، يعني حينما يذكر البخاري الحديث بسنده يُقال: إنه أسنده، يعني رواه بالإسناد المتصل، ولم يلغِ الإسناد، يعني لو قال البخاري: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنما الأعمال بالنيات.... ) لا نستطيع في هذه الحال أن نقول إن البخاري أسند الحديث، لماذا؟ لأنه ما ذكر الإسناد، فالمعنى متقارب في هذه الحال، وعرفنا ما هو الإسناد.
نستطيع أن نتمثل الإسناد بشكل أوضح ببعض الأشياء التي نشاهدها في عالمنا، فأنا دومًا أمثل الإسناد بالسلسلة، سلسلة الحديد المترابطة الحلقات، نعرف أن السلسلة حلقة تتصل بحلقة أخرى، وتلك الحلقة متصلة بحلقة أخرى وهكذا، إلى الآخر، هذه السلسلة نستطيع أن نستخدمها في الشد أو في ربط الأشياء، فلو ربطنا كبشًا مثلا بهذه السلسلة فسيكون طرف السلسلة مربوطًا إما بخشبة أو بغير ذلك، والطرف الآخر في الكبش، فهناك إذًا صلة بين الكبش وبين الخشبة التي رُبط فيها، هذه الصلة تتمثل في هذه السلسلة، لو انخرمت هذه السلسلة مثلا من الوسط فقدت حقلة سينفلت الكبش ويذهب، والسبب ما هو؟ أن السلسلة فقدت قيمتها؛ لذلك الانقطاع الذي حصل في الثنايا -وهذا -إن شاء الله تعالى-سيأتي الكلام عنه أكثر فيما بعد حينما نتكلم عن أنواع الانقطاع في الإسناد، وإن يسر الله عرض ذلك أيضًا عبر جهاز الحاسب الآلى حتى يكون هناك شيء من الوسيلة التعليمة؛ لتوصيل هذه المعلومات إلى الأذهان بإذن الله-.(1/134)
إذًا ما دمنا تخيلنا الآن ما هو السند، فهذا الذي يعبر عنه الحافظ ابن حجر في بداية هذا التعريف فيقول: "هو ما اتصل سنده"، بهذا الشكل، يعني لابد أن يكون السند متصلا، أي كل راوي من الرواة أخذ هذا الحديث عن شيخه، فالبخاري أخذ هذا الحديث عن مَن؟ عن شيخه الحميدي، الحميدي أخذ هذا الحديث عن شيخه سفيان بن عيينة، سفيان بن عيينة أخذ هذا الحديث عن شيخه يحيى بن سعيد الأنصاري، يحيى بن سعيد الأنصاري أخذ هذا الحديث مباشرة عن شيخه محمد بن إبراهيم التيمي، محمد بن إبراهيم التيمي أخذ هذا الحديث عن شيخه علقمة بن وقاص الليثي، وعلقمة أخذ هذا الحديث عن عمر بن الخطاب، وعمر ابن الخطاب أخذ هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فنلاحظ أن هناك اتصال، كل واحد أخذ هذا الحديث عمَّن فوقه، لكن لو ذهبنا وأسقطنا من الإسناد واحدًا، على سبيل المثال: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأصبح سفيان بن عيينة يروي هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي، فإنه مثل السلسلة التي قطعناها فانفلت الكبش وهرب منا، فذلك أيضًا مثل هذا، لا يُنتفع بهذا الإسناد؛ لأنه أصبح منقطعًا من الوسط فلا يؤدي الغرض، هذا بالنسبة للإسناد، عرفنا ما هو الاتصال، إذًا هذا الاتصال هو أول شروط الحديث الصحيح، لابد من وجود الاتصال.
الشرط الثاني: هو ما يعبر عنه الحافظ ابن حجر بقوله: ( بنقل العدل ) و ( تام الضبط ) هذا الشرط الثالث.
فدعونا نأخذ الآن الكلام عن العدالة، العدالة ما هي؟ هي ملكة تحمل الإنسان على ملازمة التقوى، والبعد عن خوارم المروءة، والتقوى: هي ما يحمل الإنسان على البعد عن الكفر والمعاصي، وكل ما من شأنه أن يخدش دين الإنسان: كالبدعة، ونحوها، فكل هذه من المعاصي، إذًا العدالة: صفة أو ملكة تحمل الإنسان على ملازمة التقوى.(1/135)
قولهم: البعد عن خوارم المروءة، هذا شرطٌ زائد، فوجوده حرفيًّا في الحديث الصحيح لا يكاد يوجد بالصفة التي تستدعي ذكره كشرط أو من الشروط –شروط العدالة-، إنما هو شرط إضافي، المروءة ما هي؟ أن يكون الإنسان مراعيًا كل ما يمكن أن يتعارف عليه، فلا يخالف شيئًا تعارف عليه الناس؛ لأنه إذا خالف الشيء الذي تعارف عليه الناس فإنه يكون غير مباليًا بأخلاق الناس وعاداتهم التي ليس في ديننا ما يمقتها أو يقدح فيها، لكن لو كانت مخالفته لأعراف الناس بسبب تمسكه بسنة أو بعده عن بدعة فهذه مخالفة محمودة، لكن المقصود الكلام على أخلاق الناس التي لا تتعارض مع شرعنا، فإذا كان الإنسان غير مباليًا بأعراف الناس يقولون هذا مخروم المروءة، ويمكن أن نمثل له في واقعنا مثلا لو وجدنا إنسانًا ليس سروالا وفانلة، والسروال غطى العورة إلى الركبة، ثم جلس على الرصيف وأخذ يأكل بنهم أمام الناس وبمرأى من الناس، بلا شك أن مثل هذا المنظر الناس يستغربونه، ولايتناسب مع أخلاقهم ولا عاداتهم، لكن هل هو محرم شرعًا؟ هو ما ارتكب شيئًا محرمًا شرعًا، العورة وسترها، والأكل أباحه الله -عز وجل- له، كونه يأكل على الرصيف ليس هناك ما يدل على الأكل في الطرقات، فإذًا بهذه الصفة هو ما ارتكتب شيئًا محرمًا شرعًا، ولكنه خالف أعراف الناس، ارتكب شيئًا يخل بما تعارف عليه الناس وما اعتاده الناس، وهذا هو المقصود بخوارم المروءة.(1/136)
لكن هل نستطيع أن نجد راويًا قُدح فيه بسبب أنه ارتكب خارمًا من خوارم المروءة، هذه مسألة دعونا نفهمها الآن في هذا الإطار يعني بهذا الاختصار، وأما التفصيل فيها فهذا -إن شاء الله تعالى-إن أمد الله في العمر سنأخذه في المطولات، يعني حينما نتكلم عن اختصار علوم الحديث لابن كثير أو عن ألفية العراقي؛ لأن الإسهاب فيه يأخذه علينا الوقت وفيه كلام طويل لا أستطيع أن أذكره في هذه العجالة، ولكن نفهم على الأقل المراد بخوارم المروءة، ويكفينا هذا في الحلقة أو في هذا الدرس، والتفصيل فيه -إن شاء الله-في موضعٍ آخر.
الشخص العدل، يقولون: هو المسلم البالغ العاقل السالم من عوامل الفسق وخوارم المروءة، خوارم المروءة: هي التي قلنا عنها: إنها هي العدالة، هي ملكة تحمل الإنسان على ملازمة التقوى والبعد عن خوارم المروءة، لكن هذه الشروط الخمسة اشترطوها في الشخص ليكون عدلا، إذًا هناك إضافات، وهي إضافة الإسلام والبلوغ والعقل، إذًا لا يمكن أن يُقبل خبر الكافر، ما دمنا اشترطنا في العدل أن يكون مسلمًا، فالكافر لا يُقبل خبره، اشترطنا فيه أيضًا أن يكون بالغًا، الصغير لا يُقبل خبره، اشترطنا فيه أن يكون عاقلا، إذًا المجنون المعتوه لا يُقبل خبره، فهذه صفات تتنافى مع العدالة، فيها تفصيل لعله -إن شاء الله-يأتينا في الكلام على من تُقبل روايته ومن تُرد، لأن الكافر والصغير لا يُقبل خبره في حال الأداء إذا كان كافرًا وصغيرًا، أما لو تلقى في حال كفره وصغر سنه، ثم أدى بعد إسلامه وبلوغه فهذا يُقبل خبره، هذا باختصار ولعله يأتينا -إن شاء الله تعالى-مزيد تفصيل له بعد ذلك.(1/137)
عرفنا الآن ما هي العدالة، إذا انخرمت عدالة الإنسان يكون الحديث خرج كعن كونه صحيحًا، فالمحدثون يشترطون اتصال السند وأن يكون الراوي عدلا، يعني متصفًا بهذه الصفات، حذرًا من ماذا؟ حذرًا من أن يأتي إنسانٌ كاذب غير معروف العدالة فيروي حديثًا، هذا لا نقبل خبره، ما نقبل إلا خبر الشخص الذي تأكدنا تمامًا أنه عدل، هل يكفي هذا؟ قالوا: لا، لابد أن يكون ضابطًا أيضًا، وهذا هو الشرط الثاني، ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط، قولهم التام الضبط هذا يدل على أن هناك ضبط غير تام، وهذا نعم يمكن أن يُقبل خبره لكن بتفصيل سنذكره حينما نتكلم عن الحديث الحسن، فنحن الآن نتكلم عن الحديث الصحيح فقط، وهو الصحيح لذاته.
فإذًا بنقل العدل التام الضبط، هاتان الصفات العدالة وتمام الضبط كان بالإمكان اختصارها في هذا التعريف، بأن يقُال هو ما اتصل سنده بنقل ثقة، فلو قال: ما اتصل سنده بنقل ثقة، ثم بعد ذلك يفصل في الثقة، من الثقة؟ هو الذي يتصل بالعدالة والضبط، لكان هذا أولى، لكن لعلهم ذكروا هذا لأجل توضيح من هو الثقة، فلابد من وجود العدالة وتمام الضبط، فالأمر سيان، لكن على قاعدتهم في كون التعاريف ينبغي أن تكون مختصرة جامعة مانعة إلى غير ذلك، فكان الأولى أن يُؤتى بكلمة ثقى بدلا من كلمة عدل تام الضبط، والخطب يسير والأمر هين، وليس هناك مشاحة في مثل هذه المصطلحات.
الضبط ما هو؟ الضبط عندهم ينقسم إلى قسمين: ضبط صدر، وصبط كتاب، فضبط الصدر يعرفونه بأنه استحضار الراوي لما سمعه الحديث في حال احتياجه إليه، يعني إذا احتاج إلى الحديث وأمكنه استحضاره من غير إخلال به فهذا هو الذي يُقال عنه إنه ضابط ضبط صدر، يعني في حافظته وفي ذاكرته، الضبط الثاني: ضبط كتاب، قالوا في تعريفه هو أن يصون كتابه من أن سمع إلى أن يؤدي منه، يصونه عن أيدي العابثين حتى لا يعبث به إنسان.(1/138)
إذًا هناك اختلاف بين ضبط الصدر وضبط الكتاب، فالناس يختلفون بحسب قدراتهم ومواهبهم التي أعطاهم الله جلّ وعلا إياها، فمن الناس من يمنحه الله جودة قريحة وقوة حافظة، متى أُلقي إليه شيء حفظه، بعض الناس يحفظ من أول وهلة، بعض الناس يفهم من مرتين، بعضهم ثلاث مرات، وهكذا، فيختلفون الناس في الضبط والحفظ والإتقان، فإذا كان الراوي إذا سمع الشيء استطاع أن يؤديه كما سمعه ويستحضره متى احتاج إليه، قالوا: هذا ضابط ضبط صدر، في الكلام على ضبط الصدر طول ليس هذا أيضًا موضعه، ولكن يكفينا في هذه العجالة هذه الإلماحة التي وضح بها المقصود من ضبط الصدر.
ضبط الكتاب إذا كان الإنسان غير قادر على حفظ المرويات في صدره، ما منحه الله قوة حافظة، أو يخاف من وقوع الوهم في مروياته فبإمكانه أن يستعيض عن ذلك بالكتاب، فيأتي عند الشيوخ وأي شيء يسمعه من الشيخ يسجله في كتابه، لكن يشترطون في هذا الكتاب أن يبقى حافظًا له، لا يفرط فيه، ما هو كل من جاء يستعيره منه أعطاه إياه ما يدري هل هو إنسان ثقة، ويحافظ على الكتاب، أو يمكن يلحق فيه أشياء فيدخل في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ليس منه، في هذا أيضًا تفصيل سيأتينا -إن شاء الله تعالى-في المطولات، لكن المقصود أن نعرف: ما ضبط الكتاب؟ ضبط الكتاب: يكون يصون كتابه، كتبت في هذا الكتاب احفظ كتابك، اعتبره أغلى من الذهب والفضة، كما تحافظ على مالك وأشياءك الثمينة فحافظ على هذا الكتاب أشد من محافظتك على تلك الأشياء الثمينة؛ لأنه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.(1/139)
المحدثون عندهم قدرة على اكتشاف الأوهام والأخطاء، سوءً في حفظ الصدر أو في حفظ الكتاب، وفي هذا كلام طويل -إن شاء الله-لعله يأتينا أمثلة له في مناسبات أخرى، يستطيعون اكتشاف الخلل في الكتاب، هذا الكتاب أدخل فيه أحد شيئًا، هل تساهل هذا الراوي فأعار كتابه للناس، متى ما حصل شيءٌ من هذا الخلل تكلم فيه المحدثون، لا يتكلمون بهوى، أو باستعجال، أو لغرض دنيوي، أو لغير ذلك، لا، هدفهم صيانة حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن يدخل فيه شيء، ولذلك نجد المحدثين ربما كان فيهم شدة في مثل هذه القضايا، نعم، هذه الشدة؛ لأنها هي التي يمكن المحافظة بها على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن يدخل فيه شيءٌ من الكذب أو من الأحاديث التي لم يستثبت منها أصحابها، وهكذا، ولذلك قاموا بحفظ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- خير قيام، رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
عرفنا إذًا الآن الثلاثة شروط، اتصال السند، العدالة، وتمام الضبط، هذه هي الشروط الثلاثة، وهي أهم شروط الحديث الصحيح، بقي عندنا شرطان ليس من الأهمية بمثل أهمية هذه الشرروط الثلاثة: وهما انتفاء الشذوذ، وانتفاء العلة، نحن سنتعامل الآن مع هذا التعريف بناءً على أن الحافظ ابن حجر ذكره.(1/140)
ما المقصود بانتفاء الشذوذ؟ يعرفون الشذوذ بتعريفين سيأتي الكلام عليهما -إن شاء الله تعالى-حينما نتكلم عن الحديث الشاذ، لأن الكلام هاهنا مختصر، فيه تفصيلات ستأتي بإذن الله، فالحديث الشاذ هذا نوع من أنواع علوم الحديث التي أُفردت بالكلام استقلالا، سيأتي الكلام عنه -إن شاء الله تعالى-، لكن نحن سنذكر خلاصة ما هنالك في هذا الموضوع، فالشاذ على أحد التعريفات: هو ما ينفرد به الثقة، مجرد التفرد، يعني إذا تفرد بحديث لم يتابع عليه، يعني ما يرويه إلا واحد، يعني على سبيل المثال حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري وتفرد به محمد بن إبراهيم التيمي، وهكذا، فعلى هذا القول يمكن أن يكون هذا الحديث شاذًا، ولذلك يقولون: إن في الحديث الصحيح ما هو شاذ، يعني يمكن أن يكون صحيحًا وشاذًا في آنٍ واحد، فإذًا الشاذ بناءً على هذا التعريف ليس مردودًا، وإنما هو صفة مثل ما قلنا عن الحديث إنه غريب، أو عزيز، أو ما إلى ذلك، فهو صفة للحديث أو لنوع من أنواع الحديث الصحيح، قد تكون هذه الصفة مرادفة للحديث الغريب، أو للحديث الفرد الذي كنا تكلمنا عنه سابقًا، لكن بشرط أن يكون فردًا مطلقًا وليس فردًا نسبيًّا.
لكن التعريف الذي اختاروه، اختاره ابن الصلاح ومن جاء بعده، التعريف الثاني: وهو الذي قرره الإمام الشافعي رحمه الله حينما قال ليس "الشاذ أن يروي الثقة ما لم يروه غيره، ولكن الشاذ ما يوريه الثقة مخالفًا من هو أوثق منه"، فإذًا لابد من قيد المخالفة، فكون الثقة مثلا ينفرد بحديث لا يتابعه غيره يقول: هذا ليس شاذًا، متى يكون شاذًا يا أيها الإمام؟ يقول: إذا خالف، كيف يمكن أن تكون هذه المخالفة؟ هذا أتركه للكلام على العلة، سيتبين لنا -إن شاء الله تعالى-كيف يكون الشذوذ، عرفنا إذًا من حيث التنظير أن الشاذ ما يرويه الثقة مخالفًا من هو أوثق منه.(1/141)
نبدأ الكلام على الحديث المعلول، فقال "ولا يكون شاذًا ولا معللا"، ما الحديث المعلل؟ قالوا في الحديث المعلل: هو الذي فيه علة قادحة، فنحتاج إذًا إلى تعريف العلة ما هي؟ الحديث المعلل، والعلة سيأتي الكلام عنها أيضًا مثلما قلنا عن الحديث الشاذ فيها تفصيل، سيأتي -إن شاء الله تعالى-الكلام عليه وإن لم يكن بالتفصيل المراد؛ لأن هذا في كتب المطولات، لكن سيأتي -إن شاء الله تعالى-فيه نوع من التفصيل عندما نتكلم عن الحديث المعلل.
لكن هنا نستطيع أن نبينه فنقول: إن العلة عند أهل الحديث هي سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث، فلابد عندهم من توفر هذين الشرطين، الغموض والخفاء، والقدح في صحة الحديث، بطبيعة الحال هناك من يخالف في بعض مفردات هذا التعريف، لكن نحن الآن ليس مقامنا مقام تطويل وإسهاب حتى نستطيع أن نناقش مفردات هذا التعريف حتى حينما نتكلم عن العلة؛ لأن هذا في كتب المطولات، وإلا فلا يُسلم بجميع ما يتضمنه هذا التعريف، لكن دعونا الآن ننتقل شيئًا فشيئًا لتلقي هذا العلم، وليس هنا ما يُخاف منه مثلا، نحن نقدنا تعريف المتواتر؛ لأننا لا يمكن أن نسلم بذاك، خاصة من الناس من قد لا يستمع المطولات في ما بعد، أو ربما توفاه الله أو غير ذلك من الأسباب، فهنا موضع لا يحتمل التأخير حينما تكلمنا عن المتواتر، أما هنا فليس الأمر كذلك، القضية قضية فاضل ومفضول، أو راجح ومرجوح وهلم جرة، فالخطب هين ويسير فنستطيع أن نؤجل الكلام بإسهاب وبتطويل لموضعه في كتب المطولات.
فإذًا نعرف فقط العلة أنها سبب غامضٌ خفيٌّ يقدح في صحة الحديث، وأن الحديث المعلول هو الحديث التي اطلع فيه بعد التفتيش على علة قادحة، هذا هو الحديث المعلول.(1/142)
نحتاج إلى التمثيل حتى يتضح المراد، ونحتاج أيضًا الربط بين الشذوذ والعلة، فهل يُسلم الآن بهذا التعريف؟ نقول: لا، كان الأولى بالذي ذكر هذا التعريف أن يقتصر على العلة فقط، فتكون الشروط أربعة، ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط من غير علة، أو بشرط أن لا يكون معللا، أو نحو ذلك، لأن الشذوذ من العلة، فكوننا نذكر الشذوذ والعلة هذا فيه تطويل لا داعي له، فالحديث المعلول هو الحديث الذي اطلع فيه على علة، ومن العلل الشذوذ، ولعلي بهذا المثال الذي أورده أستطيع أن أوضح المقصود بالعلة وبالشذوذ على حدٍ سواء، والأمثلة كثيرة، كتب العلل مليئة بالأمثلة، كتاب العلل للدارقطني الآن طبع منه أحد عشر مجلدًا، ولا يزال فيه بقية ما طبع، وكلها أحاديث معلولة، كتاب العلل لابن أبي حاتم تضمن ألفين وثماني مائة وأربعين مسألة من الأحاديث المعلولة، وكلها أمثلة على هذه الأنواع وغيرها.
فالشذوذ من العلة، يمكن أن نمثل على هذا على أساس نعرف كيف نعرف أن تكون العلة غامضة وخفية، وهكذا، فالعلة الاصطلاحية عندهم لابد أن تكون غامضة وخفية، أما العلة الظاهرة فهذه يكفي فيها ما سبق أن تكلمنا عنه، فمثل العلل الظاهرة مثلا الانقطاع في السند، فإذا كانت العلة ظاهرة وبينة فهذا يتنافى مع الشرط الأول وهو ضرورة وجود السند المتصل، من العلل الظاهرة أن يكون في الإسناد راوٍ إما كذاب أو مخروم العدالة ونحو ذلك، فهذا إذًا يتنافى مع العدالة، ففقدنا إذًا شرطًا من شروط الصحة، من العلل الظاهرة أيضًا أن يكون في الإسناد راوٍ ضعيف من قبل حفظه، فهذه علة ظاهرة يدركها كل أحد، كل من وقف على الإسناد يستطيع أن يرى هذه العلة ويكشفها.(1/143)
لكن المقصود بالعلة الاصطلاحية عندهم العلة الخفية التي لا يكتشفها إلا الجهابذة والنقاد بقرائن وجهود متضافرة، وربما كانت هذه الجهود في كثيرٍ من الأحيان تحتاج إلى من يفسرها، ولذلك كان بعضهم يعد هذا ضربًا من الكهانة أو من السحر؛ لأنه لا يعرف كيف استنبط هذا الإمام هذه العلة مع أن الظاهر صحة السند، فهم حينما اشترطوا انتفاء العلة في صحة الإسناد؛ لأجل أن لا يغتر الواقف على الإسناد بظاهره، يعني بعض الأسانيد تبدو لنا من أول وهلة أنها صحيحة، ولكن بعد التفتيش يتبين لنا علة خفية ما عُرفت إلا بعد التفتيش تقدح في صحة الإسناد.
فعلى سبيل المثال: هناك حديث يرويه حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( من باع نخلا قبل أن تؤبر فثمرتها لبائعها إلا أن يشترطها المبتاع )، الحديث تقريبًا هذا متنه، أو حاتم الرازي لما وقف على هذا الحديث يقول كنت أستحسن هذا الحديث، معنى كلامه أنه حديث فائدة استفادها، لم يكن عنده من قبل، فاستحسنه واستجاده؛ لأن إسناده لم يكن عنده من قبل، ففائدة استفادها، حماد بن سلمة عن عكرمة عن ابن عمر، لكن بعد ذلك تكشفت له علته، قال: فوجدت الحديث رواه غير حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر، فانكشفت لي علته، كيف؟ قال: لأن الحديث أصلا معروف أنه من رواية الزهري عن سالم بن عبد الله عمر عن عبد الله ابن عمر، والحديث أظنه بهذا السياق في صحيح مسلم، لكن فيه إشكال في متنه أن بعضًا من لفظ ابن عمر وبعضه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، هذه قضية أخرى.(1/144)
لكن المهم أن الحديث كما يقول أبو حاتم رجع إلى الأصل، فلم يعد فائدة ولم يستحسن هذا الحديث، انكشفت له علته، فرجع الحديث إلى الحديث الأصلي وهو رواية الزهري عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فأصبح هو الحديث الأصلي ولم يعد طريقًا آخر؛ لأنه كان يستحسنه؛ لأنه أصبح طريقًا آخر لحديث ابن عمر، الحديث في الأصل من رواية من؟ من رواية سالم عن ابن عمر، كونه يُتابع سالم من راوٍ آخر وهو عكرمة بن خالد هذه فائدة استفادها أبو حاتم، لكن لما رجع الحديث من رواية عكرمة بن خالد عن الزهري عرف أن هناك وهمًا ما وقع إما من عكرمة بن خالد أو ممن دونه حينما وهم فجعل هذا الحديث من رواية الزهري عن ابن عمر، والصواب أنه من رواية الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر.
كيف اكتشف أبو حاتم هذه العلة؟ ما اكتشفها إلا بالتعب، بجمع طرق الحديث، هذه الطرق ما جاءت إلا من جراء الرحلة وسنوات طويلة أمضاها، ونفقات أنفقها، وغربة عن الأهل والأوطان جمع فيها حديث الشيوخ من بلدان شتى، فهذه الأحاديث باجتماعها ضم بعضها على بعض حتى وجد أن هذا الحديث يرويه غير حماد بن سلمة فتكشفت له علته، وإلا لو بنى على ظاهر الإسناد حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر يكون ظاهر الإسناد الصحة، ويكون طريقًا آخر لحديث ابن عمر المعروف وهو حديث سالم عن ابن عمر، فيصبح للحديث في هذه الحال طريقان، والحقيقة أنه ما هو إلا طريق واحد، ولكن العلة التي اكتشفها أبو حاتم هي التي كشفت هذا العيب في هذه الرواية.
تُعتبر يا شيخ الرواية المعلة مردودة؟(1/145)
نعم، تعد رواية حماد بن سلمة أولا شاذة، ومادامت شاذة فهي معلولة، فلذلك نقول: إن الشذوذ من العلة، فينبغي أن يُدخل الشذوذ في العلة، ما نستطيع أن نفصل الشذوذ عن العلة، الشذوذ من أنواع العلة، وليس هو العلة فقط، بل العلة تحتوي أنواعًا شتى، بل هو أحد أنواعها الشذوذ، هناك النكارة أيضًا، وهكذا.
والنكارة بالمناسبة كان الحافظ ابن حجر يعرف أنه ربما أورد عليه في هذا المقام؛ لماذا لا ننفي أيضًا النكارة، لماذا نقول: ولا يكون شاذًا ولا منكرًا ولا معللا، فقال: نحن عبرنا بالأعلى عن الأدنى، فمادمنا نفينا الشذوذ والشذوذ أخف من النكارة، فمن باب أولى أن ننفي النكارة، مثلما دمنا قبلنا الحديث الحسن وهو من خف ضبط راويه كما سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-، فمن باب أولى أن نقبل الحديث الصحيح وهو من كان راويه تام الضبط، فكذلك من باب أولى أن نرد المنكر مادمنا رددنا الحديث الشاذ.
لكن المنكر والشاذ كله يدخل في العلة، ونستطيع أن نكتفي بشرط العلة وتصبح الشروط أربعة شروط، وإذا قلنا إننا نستطيع أن نختصر أيضًا العدالة والضبط في شرطٍ واحد وهو ما يرويه الثقة نستطيع أن نقول: إن الشروط ثلاثة: اتصال السند، رواية الثقة، انتفاء العلة، هذا يكفينا في الحديث الصحيح.(1/146)
الحديث الصحيح: هو نوعٌ من أنواع الحديث المقبول، لذلك نحن قلنا في أخبار الآحاد إنها تنقسم إلى قسمين: مقبول، ومردود، المردود له أنواع سيأتي الكلام عنها -إن شاء الله تعالى-، لكن بالنسبة للمقبول يندرج تحته أنواعٌ أربعة: أحدها: الصحيح لذاته وهو الذي عرفناه، هذا التعريف هو تعريف الحديث الصحيح لذاته، الثاني: الحديث الصحيح لغيره وهو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، وهذا سيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى-حينما نتكلم عن الحسن لذاته، الثالث: الحسن لذاته، وهذا بناءً على الترتيب من الأعلى إلى الأدنى، والرابع: الحسن لغيره، فهذه الأنواع الأربع هي أنواع الحديث المقبول، كلها يُقال له حديث مقبول، فالحديث المقبول يندرج تحت هذه الأنواع الأربعة والأقسام الأربعة: الصحيح لذاته، الصحيح لغيره، الحسن لذاته، الحسن لغيره.
هذا بالنسبة لتعريف الحديث الصحيح بهذا الإيجاز، وإن كان تحته حقيقة شيءٌ من الكلام، لكن لا نستطيع أن نسهب فيه، اللهم إلا أن يكون هناك إشكالا ظهر من خلال هذا التعريف الذي ذكرته أو هذا التفصيل فيمكن للإخوة الذين يستمعون هذا عبر القناة أو عبر موقع الإنترنت أو الإخوة الحضور أن يسألوا إن كان لديهم سؤال قبل أن ننتقل للجزئية الأخرى من الكلام.
هل تعريف الحديث الصحيح متفق عليه أم يوجد تعاريف أخرى؟(1/147)
نقول بالنسبة لتعريف الحديث الصحيح، نعم، مجمع عليه، على أن هذه الشروط إذا توفرت فالحديث صحيح، لكن هناك من نازع في اشتراط الشذوذ، وابن دقيق العيد -رحمه الله- في كتابه الاقتراح ناقض ابن الصلاح حينما ذكر هذا التعريف للحديث الصحيح، وقال: إن اشترط الشذوذ قد لا يوافق عليه الفقهاء والأصوليون؛ لأن الشاذ منه ما هو صحيح عندهم، وفيه كلام طويل في هذا خلاصته أنه انتفى الشذوذ من الحديث فالحديث يوفقون على أن الحديث صحيح، لكن إن وُجد الشذوذ فالشذوذ في هذه الحال مُختلف فيه، منه ما هو شذوذ متفق عليه حتى بين الفقهاء والأصوليين، ومنه ما هو شذوذ عند أهل الحديث ولا يوافق عليه الفقهاء والأصوليين، فهذا نعم يمكن أن هناك خلاف في هذه الجزئية بين المحدثين وبين الفقهاء والأصوليين، والعبرة دومًا بأهل الاختصاص كما قلنا سابقًا: أن أهل اللغة هم الذين يُعتمد قولهم في اللغة، أهل التفسير هم الذين يُعتمد قولهم في التفسير، وأهل الحديث هم الذين يُعتمد قولهم في الحديث، بالإضافة إلى أننا لو ناقشنا مثل هذا الاعتراض يتبين لنا ويتكشف أنه اعتراض ليس له محل من الإعراب في حقيقة الأمر، فهو اعتراض في غير محله، ولكن لا أستطيع أن أُسهب؛ لأن هذا محله -إن شاء الله تعالى-في المطولات.
هل هذه الشروط التي ذكرتموها في تعريف الحديث الصحيح، بعض المغرضين يثير شبهة ويقول: من أين أتى العلماء بهذه الشروط وما أصل هذه الشروط حتى يُقيد بها الحديث الصحيح.(1/148)
هذه الشروط ما أغفل أهل الحديث أصولها وبيان لماذا اشترطوها، بل أصلوها من الكتاب ومن سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا إن الرب جلّ وعلا يقول ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ? [الحجرات: 6]، وقال جلّ وعلا ? وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ? [الطلاق: 2]، فلا تُقبل رواية ولا شاهدة إلا العدل، فقول الله جلّ وعلا ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ? النبأ هو الخبر، والحديث من الخبر، فلابد من التبين.
بإضافة إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالرسول عليه الصلاة والسلام جرح وعدل، فلما قرع عليه الباب رجل وعرف صوته قال ( بئس أخو العشيرة )، فجرحه، فدل هذا على مشروعية الجرح في حال الاحتياج إليه، امرأة أبي سفيان لما جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تشتكي، قالت يا رسول الله إن أبي سفيان رجلٌ شحيح وتستفتي هل يجوز لها أن تأخذ من ماله أم لا، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- ( خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )، فصل أهل العلم في مثل هذه القضية قالوا هذا لا يُعد من الغيبة، هذه الأمور يجوز فيها أن يُجرح وأن يُعدل وأن تُذكر معائب الشخص في حال الاحتياج إليها، مثل القاضي إذا جاء إليه أحدٌ ليشتكي، فلا يُعد هذا من الغيبة، هذا جرحٌ يوصل إلى مصلحة، إنسانٌ يتظلم، امرأة تستفتي وفتواها تقتضي أن تذكر بعض معايب زوجها حتى تتضح الصورة للمفتي ويُفتيها بما سألت عنه، هذا لا يعد من الغيبة، الذب عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، نحن محتاجون إليه، السنة هي المبينة للقرآن، ومادامت السنة مبينة للقرآن فكيف نستطيع أن نعرف أن هذه السنة صحيحة أم غير صحيحة إلا بهذه الوسيلة.(1/149)
كذلك تطبيقات الصحابة رضي الله تعالى عنهم، في هذا الحقيقة كلام طويل لو ذهبنا نفصل فيه يمكن يطول بنا الأمر، لكن أنصح بالقراءة في مقدمة صحيح مسلم؛ لأن مسلم بن الحجاج رحمه الله تولى إيراد الأدلة على مشروعية الجرح وعلى أصول هذه الشروط التي ذكرها.
إذا كان الراوي أخذ هذا الحديث عن شيخه بواسطة ولم يذكر الواسطة، وقال حدثني فلان الذي هو شيخه وهو في الحقيقة لم يسمعه من شيخه، فإنه في هذه الحال يكون كاذبًا، وهذا يجرح هذا الشخص، وإذا تبين أنه تعمد هذا فإن هذا يُسقط عدالته ويجعله متهمًا عند أهل الحديث فيهدرون روايته.
أعراف الناس تختلف من جيل إلى جيل، فهل تتغير خوارم المروءة بالتالي؟
نعم، تتغير خوارم المروءة من بلد لآخر ومن وقت لآخر، لكن بهذا الضابط الذي كنا ذكرناه، بشرط أن يكون هذا العرف مناقض بعض الأحكام الشرعية سواء فعلا أو تركًا، فإذا كان العرف تعارف على بدعة من البدع وتركها إنسان فإنه يُثاب على تركه هذه البدعة، ولا يُعد ارتكب خارمًا من خوارم المروءة، أو العرف تعارف على ترك سنة من السنن أراد أن يفعلها الإنسان، على سبيل المثال تعارف الناس مثلا على إسبال الثياب إلى ما دون الكعبين، وجاء إنسان ورفع ثوبه إلى فوق الكعبين، هل يُقال مثلا إنه انخرمت مروءته؛ لأنه خالف عرف الناس؟ نقول لا، هو في هذه الحالة أصاب السنة والناس هم المخطئون، فلابد أن يكون العرف لا يتنافى مع شرع الله.
ما الفرق بين مصطلح السند والإسناد؟
لا فرق في حقيقة الأمر بين السند والإسناد إلا في جزئية سهلة ومؤداها العودة إلى ما ذكرناه، وهي فقط طريقة رواية الحديث، إذا روى الحديث بالسند فيُقال أسنده، وإذا لم يرويه بالسند فيقال إنه لم يسنده، فقط هذه الجزئية، وهي داخلة في الصفة الأولى، فنستطيع أن نقول: السند والإسناد بمعنًى واحد.(1/150)
قضية إفادة العلم تكلم العلماء عنها في مبحث الآحاد وفيه الصحيح والضعيف، أليس الأولى أن نقول: إن كل حديث صحيح يفيد العلم، وكل حديث اختلف في قبوله ورده يفيد العلم الظني، وكل حديث ضعيف أو موضوع لا يفيد العلم ألبتة؟
هذا الكلام جيد، وهو الذي كنا ذكرناه سابقًا، كلام جيد، عرفت فالزم، جزاك الله خيرًا.
قلتم في شرط العدالة أن يكون مسلمًا بالغًا، وفي الدرس الأول ذكرتم عن ابن تيمية قوله في الشرح تواطؤهم على الكذب وكذا وقوعه منهم اتفاقًا من غير قصد ولو كانوا كافرين، فكيف نجمع بين هذا وهذا؟
فيه فرق بين العلم النظري الذي يتعلق بالإسناد، هو هذا الذي نتكلم عنه، فالشيء الذي يتعلق بالإسناد لابد من وجود العدالة، أما العلم الضروري الذي لا يحتاج إلى إسناد وهو الذي يقول عنه الحافظ ابن حجر: إنه ليس من مباحث علم الإسناد، ذاك هو الذي يشمله هذا الكلام وهو أنه لا يُشترط فيه الإسلام. فعلى سبيل المثال عنترة بن شداد، كيف وصل خبره إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى نقلوه إلينا؟ عن طريق الكفار، يعني هل كان فيه إسلام بين عنترة وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ما فيه إسلام، وهو من أخبار الجاهلية، وهكذا من قبله أيضًا، أبو حاتم الطائي وغيرهم، كل هؤلاء الذين لم يدركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أدركهم الصحابة وصلت إليهم الأخبار عن طريق الكفار، لكنه خبر كافة، يعني انتشر واشتهر بحيث لا مجال إطلاقًا للشك فيه.
هل ممكن تعيد لنا التعريف المختار للحديث الصحيح؟
إن كنا نريد التعريف الذي ذكره الحافظ ابن حجر فهو يمشي، لكن نقول فيه ما هو أولى من هذا، يعني حينما قلنا أولى أن لا يذكر الشاذ بل الشاذ يدخل في العلة، هذا من باب أولى، لكن لو ذكرناه ما يضر، يعني لا يترتب على ذكره شيء، ولكن فقط من باب الأولى، كذلك حينما قلنا الأولى أن تُدمج العدالة في الضبط بتعريف واحد هو الثقة، لكن لو فُصل لا يترتب على ذلك أدنى شيء.(1/151)
فإذا أخذنا تعريف الحافظ ابن حجر فهو واضح أمامنا، هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط من غير شذوذٍ ولا علة، خمسة شروط: اتصال السند، عدالة الرواة، ضبط الرواة، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة.
إذا أردنا أن نختصر نستطيع بالدرجة الأولى أن نستبعد الشذوذ، ونقول: الشذوذ داخل في العلة، فإذا ذكرنا العلة، فالعلة يدخل فيها الشذوذ، فنستطيع أن نقول الشروط أربعة: اتصال السند، عدالة الرواة، ضبط الرواة، انتفاء العلة.
إذا أردنا أن نختصر الشرط الثاني والثالث، فنستطيع أن نقول ما اتصل سنده بنقل الثقة من غير علة.
ما الفرق بين الضابط والحافظ؟
الفرق بين الضابط والحافظ، نقول مسألة الضبط والحفظ مسألة اعتبارية، فالضبط على درجات، فهناك من هو ضابط متقن جبل في الحفظ والإتقان لا يُجارى، وهناك من هو ضابط متقن أيضًا ولكنه دون الأول، بحيث إذا وازنا بين الاثنين فإننا سنفضل أحدهما على الآخر، على سبيل المثال الثوري وشعبة هما جبلا الحفظ والإتقان، ولكن علماء الحديث إذا تعارضت رواية الثوري وشعبة قدموا رواية الثوري، قالوا الثوري أحفظ من شعبة، مع كونهما حافظين متقنين جبلين، فالضبط والحفظ هما بمعنًى واحد، ولكنها مسألة اعتبار باختلاف الأشخاص، لعل -إن شاء الله-هذا يكفي.
إذا أطلق الحديث الصحيح هل يُراد به الحديث الصحيح لذاته؟
إذا أُطلق وصف الصحة على حديث من الأحاديث ففي الأعم الأغلب أنه ينصرف إلى الصحيح لذاته، لكن ربما كانت هناك كلمة احتفت بالكلام تدل على أنه قصد صحة المخرج وليس صحة طريقٍ من الطرق؛ لأن الحديث قد يكون له طرق متعددة ومخرجه واحد، والمخرج: هو الراوي الذي تدور عليه الأسانيد تمامًا مثل الشعاب الصغيرة التي تصب في وادٍ واحد، فملتقى الشعاب مع الوادي هذا يُسمى مخرج الوادي؛ لأنها تتحد فتصب في وادٍ واحد، كذلك أيضًا الأسانيد تتشعب ثم تلتقي في رجلٍ واحد ثم يتحد الإسناد بعد ذلك.(1/152)
هذا الرجل الذي التقت فيه هذه الأسانيد هو مخرج الحديث، فإذا كان من هذا الراوي إلى آخر السند كلهم ثقات ولكن الضعف والكلام فيمن دون هذا المخرج فإن هذا لا ينفي عند علماء الحديث أن يكون الحديث صحيحًا، يطلقون عليه وصف الصحفة بحكم صحة مخرج الحديث.
ذكرتم سابقًا في الحلقة السابقة أن رواية النسائي في حديث جبريل أنه وضع يده على ركبتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقلت بأن هذه الرواية قد تكون شاذة، ولكن من خلال بحثي وجدت كلام للحافظ في الفتح رحمه الله يقول: بأن هذه الراوية صحيحة وأن وضع يده على ركبتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، الضمير هنا يفسر لنا الرواية الأولى وهي قوله "ووضع يده على فخذيه"، وهذه الرواية كذلك صححها الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح النسائي وكذلك في الصحيحة، فلذلك أريد توضيح أكثر لهذه الجزئية، وبارك الله فيكم.
وأما السؤال عن حديث جبريل الذي كنا قد أشرنا إليه في المحاضرة السابقة وكان هذا من مهام الشيخ فالح حفظه الله، لكن لا بأس من التعقيب على السؤال، فأقول يا أخي الكريم أنت ذكرت أنك نظرت في سند الحديث ووجدت أن رجاله ثقات، وأن الحافظ ابن حجر استدل به في الفتح وأظنك قلت صححه وما إلى ذلك، القضية تعود لما كنت ذكرته من الأدلة، ذكرنا حديث حماد بن سلمة وروايته عن عكرمة وأنه خولف وهكذا، فدعنا نعود إلى هذا الحديث إذا أردنا التفصيل مع أن هذا موضع التفصيل.(1/153)
فالحديث حقيقة في أصله في صحيح مسلم حديث أبي هريرة؛ لأن هذا ليس حديث عبد الله ابن عمر أو حديث عمر بن الخطاب، لأن الحديث عمر وعبد الله بن عمر ومروي من حديث أبي هريرة، فالكلام كله هذا جاء في حديث أبي هريرة، حديث أبي هريرة أخرجه مسلم في صحيحه ومداره على أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة، ومسلم بن الحجاج رواه من طريق جرير بن عبد الحميد، وأيضًا هناك من تابع جريرًا على هذا الحديث عن أبي زرعة بن عمرو، فالرواية التي عند مسلم لم تُذكر فيها هذه اللفظة، وفيما أعرف أنه لم يُتابع الذي انفرد بهذه اللفظة وأظنه أبو فروة الهمداني هو الذي انفرد بهذه الرواية عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير، فروايته شاذة من هذ الباب؛ لأن جميع الرواة الذين رووا الحديث لم يذكروا هذه اللفظة، وهذا في الأعم الأغلب يأتي بسبب الرواية بالمعنى، وهذه تقع من أوهام الرواة، ومن العلل التي يكشفها علماء الحديث رواية الراوي بالمعنى، يعبر الراوي بما فهمه من معنى الحديث، فلعل هذا الراوي وهو أبو فروة الهمداني فهم أن جبريل وضع يديه على ركبتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فعبر بهذا التعبير اجتهادًا منه، وهذا يقع حتى أحيانًا من بعض الحفاظ بسبب وهمهم في فهم معنى الحديث؛ ولذلك لابد -على الأصل- أن يؤدى الحديث بلفظه إذا أمكن، أما الرواية بالمعنى فسيأتي الكلام عنها -إن شاء الله تعالى-، أن العلماء جوزوها بشروط سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-.(1/154)
فلعل في هذا جواب ما يوضح لك المقصود، أما تصحيح الحافظ ابن حجر له فيبدو أنه إن كان صححه وكذلك شيخنا الشيخ الألباني رحمه الله، فهذا جارٍ على طريقة الفقهاء والأصوليين الذي لا يلتفتون لعلل الأحاديث، وهو الشيء الذي أشرت إليه قبل قليل، وقلت إن الكلام فيه يحتاج إلى طول، وموضعه في كتب المطولات، فعلماء الحديث ينظرون إلى تفرد الراوي ومخالفته للرواة الآخرين أو زيادته لفظة لم يأتِ بها الرواة الآخرون، وأبو فروة الهمداني هو الذي شذ بهذه اللفظة.
هل قولنا على إنسانٍ ما بأنه كذاب في كلامه عمومًا دون رواية حديث، هل يعتبر هذا من الغيبة أم لا؟ خصوصًا وأننا علمنا أن من الأمور التي لا تعتبر غيبة ذكر الإنسان إذا كان كذابًا وتحذير الناس من روايته، هل هذه الرواية خاصة برواية الأحاديث أم في كلام الناس عمومًا؟
نقول: إن الجرح بالكذب أو حتى بغير الكذب مزلة قدم، فأعراض المسلمين من الخطورة بمكان، فيجب على الإنسان أن يكون ورعًا يخاف من أن تحبط حسناته، والشريعة جاءت بحفظ عدة أشياء ومن جملتها العرض، والعرض يشمل العرض فيما يتعلق بأمور النساء وما إلى ذلك، ويتعلق أيضًا بعرض الشخص ذاته، أن يُتكلم فيه بجارح، فكون الإنسان يكون الناس خصمائه، ربما هو يجتهد ويفعل حسن، من الناس من يكون صاحب قيام ليل، صاحب صيام، صاحب قراءة قرآن، مجتهد في الحسنات ولكن بليته في هذا اللسان الذي قال عنه معاذ رضي الله تعالى عنه يا رسول الله وإنا مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ( ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟! )، والرجل يؤتى به يوم القيامة ومعه حسنات أمثال الجبال، لكن يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أُخذ من سيئاتهم فطُرحت عليه ثم طرح في النار.(1/155)
فمن الناس من يكون ورعًا في أشياء، ولكنه –نسأل الله السلامة- جريئًا في أشياء تذهب عليه تلك الحسنات التي تعب في تحصيلها، فيجب علينا أن نكون حذرين جدًا من انتهاك أعراض الناس، والمحدثون حينما استباحوا الكلام في أعراض الرواة ما جاء هذا إلا بعد جهد جهيد، على سبيل المثال ذاك الرجل الورع الزاهد الإمام الجهبذ الناقد عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى وجد عباد بن كثير رجلا من الصالحين لكنه يحدث ببلايا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حدث جاء بالطوام، فاحتار فيه عبد الله بن المبارك، هل يجرحه لأنه يأتي بهذه الطوام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي أحاديث لا تصح؟ فإذا جرحه تكلم في إنسانٍ عابد زاهد يعرفه، فذهب يسأل شيخين سفيان الثوري والإمام مالكًا رحمهما الله تعالى أجمعين، فقال إن عباد بن كثير من تعرفون حاله، وإذا حدث حدث بأمر عظيم، أترون أن أبين أمره للناس، قالوا: بلى بين أمره للناس، فكان عبد الله بن المبارك بعد ذلك إذا ذكر عباد بن كثير أثنى عليه في دينه وبين أنه لا يؤخذ منه أحاديث، عدلٌ وإنصافٌ، يبين ما له وما عليه.
فنقول يا أخي: إن كان هذا الذي تراه كذابًا يحتاج إلى من يبين أمره للناس لكون كذبه هذا تتعدى مفسدته للآخرين، يضر بالآخرين، ربما كان ضرره هذا يصل إلى الأعراض -نسأل الله السلامة- أو إلى أكل الأموال أو إلى غير ذلك، فنعم من النصح للناس أن تحذرهم منه، أما إذا كان بدرت منه بعض الهفوات ولكنه خطؤه على نفسه، فليس هناك من داعٍ أن تتكلم فيه أو تجرحه، والناس ربما يزل الواحد منهم وتبدر منه الهفوة، فمثل هذه لا تؤثر، ما في أحد يسلم من مثل هذه الزلات، والله المستعان، لكن إذا كان كذابًا بالمعنى المتبادر للأذهان وهو من يكثر منه الكذب، وربما تعدى هذا الكذب للإضرار بالآخرين، فهذا الذي يحتاج إلى أن يبين أمره للناس.
من الذي يحكم على الراوي أو المحدث بالعدل أو ليس بعدل؟(1/156)
في الحقيقة فيه بعض الأسئلة تتعلق ببعض الأنواع الآتية الذكر، مثل هذا السؤال، من الذي يحكم؟ هذا سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-في معرفة والضبط، بم تعرف العدالة؟ بم يعرف الضبط؟ من يُقبل قوله في الجرح والتعديل؟ هذا سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-.
كذلك لعلنا نرجئ هذا السؤال أيضًا لوقتٍ آخر لمناسبته -إن شاء الله تعالى-.
سنتكلم الآن عن باقي الكلام الذي ذكره الحافظ ابن حجر وهو ما يتعلق بالصحيحين، نقول: إن الحديث بهذه الصفة التي ذكرناها يكاد يكون صاحبا الصحيح شملاها، وجمعا العديد من الأحاديث التي توفرت فيها هذه الشروط التي ذكرناها، الكلام عن الصحيحين قد يحتاج إلى شيءٍ من الطول، ولكن لا نخلي الكلام على الأقل من الكلام فيما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله بالنسبة لدراجات الحديث الصحيح وعلاقاته بالصحيحين.
فنقول إن الحديث الصحيح بناءً على هذه الشروط التي ذكرناها أيضًا ينقسم إلى مراتب، وهذا يتعلق بسؤال الأخ الذي من المغرب حينما تكلم عن الضبط والحفظ ونحو ذلك.
وأيضًا سؤال يسأل ما معنى تفاوت ربته، يعني الصحيح؟
المقصود بتفاوت الرتب هو ما أشرنا إليه قبل قليل من تفاوت حفظ أهل الحفظ والإتقان، فمنهم أُناس من أعلى درجات الحفظ والإتقان، ومنهم أناس دونهم، وهكذا، ولذلك هناك ما يُسمى عند الأئمة بأصح الأسانيد، تكلموا عن جملة من الأسانيد اختلفت وجهات نظرهم فيها، فمنهم من يقول أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، ومنهم من يقول أصح الأسانيد الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر، منهم من يقول أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي رضي الله تعالى عنه، منهم من يقول: أصح الأسانيد ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود، وهكذا جملة كبيرة من الأسانيد التي قيل عنها إنها أصح الأسانيد.(1/157)
الكلام في أصح الأسانيد خلاصته أنه لا ينبغي إطلاقًا لفظ هذا الإسناد أصح الأسانيد مطلقًا، ولكن يمكن أن يُقال من أصح الأسانيد، هذه هي الخلاصة، فيه تفصيل طويل لعله يأتي معنا في المطولات -إن شاء الله تعالى-، لكن ينبغي أن يُقال هذا الإسناد من أصح الأسانيد، لأن وجهات نظر العلماء اختلفت، فمنهم من يرى أن هذا الإسناد أصح الأسانيد، ومنهم من يرى أن هذا الإسناد أصح الأسانيد، وهكذا فيه جملة ومتعددة، ومنهم أئمة أقوالهم معتبرة عندنا، لكن نستطيع أن نقول: إن هذه الأسانيد التي قالوا عنها إنها أصح الأسانيد في مجملها تدلنا على أن هذه الأسانيد أعلى درجات الصحة، ولذلك هذه أعلى رتب الحديث الصحيح، يعني ما يُروى بإسناد قيل عنه: إنه من أصح الأسانيد، سواء كان بناءً على قول فلان أو علان من العلماء.
الرتبة الثانية: دون هؤلاء الذين هم ثقات ضابطين جبال في الحفظ والإتقان، دونهم أُناس ثقاتٌ أيضًا لكنهم ليسوا في درجة أولئك من الحفظ والإتقان، مثل رواية بريد بن أبي بردة عن أبيه عن جده، وبريد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، جده هو أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، فرواية بريد عن أبيه عن جده، هذه رواية صحيحة، لكنها دون الأسانيد التي قيل عنها إنها أصح الأسانيد، مثلها أيضًا رواية حمّاد بن سلمة عن ثابت عن ابن عمر، هي رواية صحيحة لكنها تقصر عن الدرجة الأولى، لذلك رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس احتج بها مسلم ولم يحتج بها البخاري، إذًا هذا يدلنا على أنها تقصر عن درجة أصحاب الرتبة الأولى.(1/158)
دون هؤلاء طبقة أخرى أيضًا، مثل رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، أو رواية العلاء بن أبي عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، فهذه أيضًا درجة أخرى، دون هؤلاء أيضًا من قيل عنه إن إسناده حسن لذاته، مثل رواية محمد بن إسحاق بن يسار عن عاصم بن عمر بن قتادة بأسانيده المتعددة، فمحمد بن إسحاق بن يسار صدوق حسن الحديث، وفيه خلاف بين أهل العلم في ذلك، لكن لعل الراجح أنه حسن الحديث إلا فيما استُنكر عليه، فمثل هؤلاء الذين أحاديثهم حسنة لذاتها هم دون –أيضًا- هذه الدرجة.
فإذًا مراتب الحديث الصحيح تتفاوت بتفاوت أوصاف هؤلاء الرواة الذين نقلوا هذا الحديث أو على الأقل بعض هؤلاء الرواة، لا يُشترط أن تكون الأوصاف متدنية فيهم كلهم، لو وُجد هذا التدني في راوٍ واحد فإنه ينزل بالحديث عن الرتبة التي قبله إلى الرتبة التي تليه.
كذلك أيضًا هناك مراتب تتعلق بأوصاف غير أوصاف الرواة، عندنا مثلا ما يرويه البخاري ومسلم وما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم، هذا أعلى درجة، ثم يليه ما انفرد به البخاري، ثم يليه ما انفرد به مسلم، هذه ثلاث درجات، ثم ما لا أُخرج في غير الصحيحين، لكنه على شرط البخاري ومسلم، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم الرتبة السابعة وهي الأخيرة ما كان صحيحًا لكنه على شرط لا البخاري ولا مسلم، بطبيعة الحال الرتب الأربع هذه كلها في غير الصحيحين.(1/159)
هذه كلها رتب للحديث الصحيح، لكن هذه الرتب بهذا الإجمال بناءً على الأصل والأساس والأعم والأغلب، وإلا فقد يكون في المرجوح في أحاديث أفضل من الراجح، فمثلا إذا قدمنا البخاري على مسلم، فقد يكون في صحيح مسلم بعض الأحاديث التي تفوق في صحتها بعض الأحاديث في صحيح البخاري، ولذلك يقولون قد يعرض للمفوق ما يكون فائقًا، يعني مثلا مسلم دون البخاري يعني البخاري يفوق مثلا، لكن يعرض لمسلم في بعض الأحاديث ما يجعله فائقًا على البخاري، وهكذا، إذًا الحكم أغلبي في هذه الحال بالنسبة لأغلبية أحاديث البخاري نعم، يُقدم صحيح البخاري على صحيح مسلم، بالنسبة لأغلبية الصحيحين وغيرهما نعم يُقدمان، لكن قد يوجد حديث في سنن أبي داود مثلا أو سنن النسائي وهو أصح من بعض الأحاديث في الصحيحين، قد يوجد هذا.(1/160)
تكلموا أيضًا عن المفاضلة بين الصحيحين، أيهما أصح البخاري أو مسلم؟ نقول إن الصواب والذي عليه جماهير أهل العلم أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، وصحيح البخاري يُقدم على صحيح مسلم لاعتبارات عديدة، أولها مكانة البخاري، فالبخاري أمتن في علم الحديث من مسلم، بل البخاري هو شيخ مسلم، بل كما قال الدارقطني "لولا البخاري ما راح مسلمٌ ولا جاء"، ولذلك هناك بعض أهل العلم يرون أن صحيح مسلم ما هو إلا مستخرج على صحيح البخاري، وهذه العبارة فيها تجوز، فالكتاب ليس مستخرجًا، نعم قد يتفق مع البخاري في إخراج بعض الأحاديث، لكن هناك أحاديث ينفرد بها مسلم لم يخرجها البخاري، فالصواب أنه ليس مستخرجًا على صحيح البخاري، لكن هذا يدلنا على ماذا؟ على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم، كذلك الأحاديث التي انتقدت على البخاري من قبل بعض الأئمة الحفاظ كالدارقطني أقل من الأحاديث التي انتقدت على مسلم، الرجال الذين تُكلم فيهم في صحيح البخاري أقل من الرجال الذين تُكلم فيهم في صحيح مسلم، فهذا يدل إذًا على أن البخاري انتقى هذه الأحاديث وانتقى هؤلاء الرجال الذين يُخرج لهم في صحيحه، قالوا أيضًا بالنسبة للشرط، شرط البخاري في الاتصال أقوى من شرط مسلم، فمسلم يكتفي بالمعاصرة، أما البخاري فيشترط اللقاء بين الراويين، وهذا بلا شك أنه أمتن من حيث الاتصال وأقوى.(1/161)
بهذه الأمور مجتمعة نستطيع أن نقول إن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، هذا من حيث الأصحية، لكن إذا التفتنا إلى اعتبارات أخرى كبعض الفوائد الحديثية، فبعض أهل العلم يقدمون صحيح مسلم على صحيح البخاري من وجهة نظر حديثية، يقولون إن مسلمًا يجمع طرق الحديث في موضعٍ واحد، وأما البخاري فيفرق هذه الطرق، وأما البخاري فيفرق هذه الطرق، طبعًا البخاري يفرق هذه الطرق؛ لأن الحاجة ألجأته لذلك، فالبخاري بالإضافة للأصحية ولكونه أخرج هذه الأحاديث الصحيحة إلا أن كتابه أيضًا يُعد من كتب الفقه، وفقه البخاري موجود في تبويباته، وهذه الأبواب التي يُترجم بها تُعد فقهًا للبخاري رحمه الله، فهذا الفقه يضطر البخاري إلى أن يورد الحديث في عدة مواضع بسبب الاستنباطات الفقهية التي يستخرجها من هذا الحديث، بينما مسلم يورد الحديث بجميع طرقه في موضع واحد ولا يصنع كصنيع البخاري في هذا التدقيق الفقهي، فالبخاري إذًا له عذر في عدم جمع طرق الحديث في موضعٍ واحد، لكن بعض أهل العلم يرون أن هذه ميزة لصحيح مسلم من هذه الحيثية.
بعضهم أيضًا التفت إلى ناحية أخرى، قال صحيح البخاري فيه المعلقات، والمعلقات ليست متصلة الإسناد، بينما صحيح مسلم خالي من هذه المعلقات فليس في صحيح مسلم بعد المقدمة إلا السرد، فلا فيه تراجم ولا فيه معلقات ولا شيء من هذا، ففضلوا صحيح مسلم من هذه الحيثية، إذًا تفضيل مسلم على صحيح البخاري عند بعض أهل العلم ليس من حيث الأصحية، ونحن نتكلم الآن عن الأصحية، أيهما أصح، سواء البخاري أو مسلم، فنستطيع أن نقول بلا شك ولا ريب إن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم.(1/162)
إذًا ما يأتينا من عبارات لبعض أهل العلم لا يمكن أن يُسلم بها من حيث الأصحية، كعبارة أبي علي النيسابوري حينما قال: "ما تحت أديم السماء أصح من صحيح مسلم"، نقول إن هذه العبارة التي أطلقها أبو علي النيسابوري ليست دقيقة، وإن كان بعض أهل العلم حاول أن يحملها على محمل حسن، فقال إنه لم ينف المساواة وإنما نفى أن يكون هناك أصح، قد يكون يقصد أن صحيح البخاري وصحيح مسلم في مرتبة واحدة ولا يفوق صحيح البخاري صحيح مسلم، لكن هذا التوجيه أيضًا عليه مؤاخذة، نقول لا، لا يسلم بهذا، فصحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، فعبارة أبي علي النيسابوري عبارة في غير محلها.
بقي نقطة واحدة، كلام لابن حزم حينما فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري بأنه ليس فيه بعد المقدمة إلا الحديث السرد، هذا بينته وقلت إن مقصودهم النواحي الحديثية الأخرى وليس من حيث الأصحية.
فإذًا نستطيع أن نجزم ونقطع بأن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، ثم يرتبط هذا بالمراتب التي ذكرناها، وإلى هنا نكون انتهينا من الكلام على الحديث الصحيح بهذا الاختصار.
في أحد البرامج في قناة المجد ذكر الضيف اسم حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبنا من الصباح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، وذكر الضيف أن الحديث صحيح سندًا، ولكن يقول: هذا لا يُعقل، فهل بهذه الطريقة يُصحح الحديث ويُضعف؟ يعني مسألة تضعيف المتن وتصحيحه من غير الشذوذ والعلة، هل هناك شيءٌ آخر من مضعفات المتن؟ المسألة العقلية مثلا، هل يُصحح حديث ويُضعف بالعقل؟(1/163)
في الحقيقة إن سؤال الأخ سؤال عميق وينكأ جرحًا بسبب ما يدور في الساحة ممن أشرت إليه من أفراخ المعتزلة وذيول المعتزلة وتيار المعتزلة المستمر والذي برز في هذا العصر بالذات بسبب اتساع دائرة الشهوات، والهزيمة النفسية التي مُني بها من مُني بسبب قوة الغرب الكافر ونحو ذلك، فاضطر بعض من يدعون إلى الإسلام –على حد زعمهم- إلى تقديم بعض التنازلات، وهذه التنازلات ألجأتهم إلى أن يقربوا شرع الله إلى الغرب الكافر، وهذ بلية البلايا، فعلى كل حال هناك من يتكلم في الأحاديث من منطلقٍ عقلي، أصولهم وجذورهم عند المعتزلة الذين أشرنا إليهم سابقًا، ولكن هناك استمرار لهذا التيار موجود في هذا العصر الحاضر.
فنقد الحديث من منطلقٍ عقلي هذا نسأل الله السلامة من التقديم بين يدي الله ورسوله، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال، لكن لا يعني هذا أن المحدثين أغفلوا الحجج العقلية المعتبرة شرعًا لنقد بعض الأحاديث، نعم المحدثون يستعملونها، لكن ليس كاستعمال المعتزلة، المعتزلة يتجرءون حتى على الأحاديث الصحيحة، أحدهم لما ذكرتُ له حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ( عجبتُ لأُناسٍ يدخلون الجنة في الصلاة ) قال ضعيف، قلتُ في البخاري يا أخي!!!، قال وإن رواه البخاري، ولذلك الآن أصبحوا يتطاولون على صحيحي البخاري ومسلم بهذه الحجج العقلية، والواحد منهم يرى نفسه ابن تيمية في زمانه، بل لا يقلد ابن تيمية، يرى نفسه علامة زمانه وباستطاعته أن يسفه وأن يجرح وأن يعدل بحسب ما يقتضيه هواه وشهوته وإعجابه بالغرب الكافر وانبهاره بثقافتهم وما عندهم، فنذر من هذا التيار.(1/164)
أما نقد الحديث من منطلق عقلي شرعي فهذا صنعه المحدثون، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-معنا حينما نتكلم عن الحديث الموضوع بعض الكلام في هذا وإن كنا لا نستطيع أيضًا الإطالة في الحديث الموضوع بسبب أن الكتاب كتاب مختصر، ولكن سنتكلم عن شاء الله تعالى هناك عن القرائن التي يُعرف بها أن الحديث موضوع، وسيتبين لنا -إن شاء الله تعالى-من هناك شيء من هذا بإذن الله.
وحديث الخطبة يا شيخ؟
حديث الخطبة حديث صحيح، وأظنه في صحيح مسلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم من الأيام تصدى للصحابة، فصلى الفجر ثم أخذ يخطب في الصحابة إلى صلاة الظهر، ثم من الظهر إلى العصر، ثم من العصر إلى المغرب، الحديث صحيح، لكن بهذه الصفة قد يقول قائل ألم يذهب للوضوء؟ ألم يطعم؟ ألم يأكل؟ ألم يشرب؟، وهكذا، نقول الكلام هنا أغلبي، قد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- استراح لأجل الأكل في عاود الخطبة، وقد يكون الطعام أُحضر لهم في المسجد، وهكذا، يمكن أيضًا أن يكون ذهب للوضوء ونحو ذلك، فالكلام أغلبي، والمقصود أنه -صلى الله عليه وسلم- خطبهم في معظم ذلك اليوم، وما ترك من شيء يقربهم من الجنة ويباعدهم من النار إلا وأخبر به في ذلك اليوم، ولا شيء من الفتن وأشراط الساعة إلا وأخبر به عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم.
فيقول حذيفة بن اليمان رحمه الله وهو راوي الحديث "أحفظنا أذكرنا"، يعني من حفظ في ذلك اليوم هو الذي حفظ، بعض الصحابة يكون نسي الحديث بعد ذلك، ولكن إذا وقعت الواقعة تذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتذكره الواقعة إذا وقعت فيما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالحديث صحيح لا مرية فيه، وليس فيه مطعن عقلي، يعني ما الذي يجفوه العقل من هذا المتن، كونه عليه الصلاة والسلام استمر في الخطبة يومًا كاملا قد تتخلله فترات انقطاع، ما الذي في هذا؟! ليس في هذا إطلاقًا أدنى شبهة.
إذا كان الراوي عدل خف ضبطه، هذا يُسمى ثقة؟(1/165)
نقول من خف ضبطه فربما سُمي ثقة، وربما سُمي صدوقًا أو لا بأس به، أو مأومون أو خيار، كما سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-حينما نتكلم عن مراتب الجرح والتعديل، فهي عبارة عن أوصاف ومصطلحات، لكن لا يمنع أن يكون ثقة، لكنه يُقال ثقة حسن الحديث، إذا انخفض إلى درجة من تلحقه بأن حديثه حديثُ حسن.
حديثٌ صحيح، وحديث صحيح الإسناد، هل هناك فرقٌ بين العبارتين؟ فمثلا الأولى تدل على الشروط الخمس، والثانية على توفر العدالة والاتصال؟
نعم فيه فرق بين العبارتين، إذا قلنا صحيح الإسناد فنعني هذا الإسناد الذي أمامنا، وإذا قلنا إنه حديث صحيح فيحتمل أحد أمرين، الأمر الأول وهو التكفل بخلو هذا الحديث من العلة القادحة، لأن صحيح الإسناد لا تعني خلو الحديث من العلة القادحة، قد يكون مثلا يعني الإسناد الذي أمامه فقط، يقول هذا الإسناد صحيح، لكن هل الحديث صحيح؟ يقول والله أنا ما بحثت، قد يكون في الحديث علة خفية تتضح بعد جمع طرق الحديث أنا ما جمعت طرق الحديث لكن أنا أتكلم عن الإسناد الذي أمامي، فكلمة هذا إسنادٌ صحيح فيها شيءٌ من الحذر، أما إذا قال حديثٌ صحيح فالمفروض أن يكون بحث وجمع طرق الحديث وتأكد من خلو الحديث من العلة وحكم بصحة الحديث، يعني بصحة نقل الحديث، هذا أمر.
الأمر الآخر: قد يكون يقصد أن هذا حديثٌ صحيح بمجموع الطرق، ربما كان في بعض الطرق شيء من الكلام كما سيتبين معنا -إن شاء الله تعالى-في الكلام على الحديث الصحيح لغيره، فيكون قصد أن هذا الحديث صحيح بمجموع طرقه.
قد أفدتم وأجدتم في مسألة تبيين مراتب الصحيح وذكرتم أن من مراتب الصحيح أو تفاوت مسألة أن يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما، نرجو تبيين شرط الصحيحين.(1/166)
في الحقيقة قضية شرط الصحيحين مسألة أيضًا دقيقة إلى حدٍ كبير، المقصود ظاهرًا أن يكون رجال الإسناد ممن أخرج لهم البخاري ومسلم، هذا إذا قلنا هذا الحديث على شرط الشيخين، أن يكون جميع رجال الإسناد قد أخرج لهم البخاري ومسلم، لكن نضيف شرطين، الأول لابد أن يكون أخرج لهم البخاري ومسلم احتجاجًا، أما إذا كان أخرج لهم البخاري ومسلم في المتابعات والشواهد فلا نستطيع أن نقول إنه على شرط البخاري ومسلم، هذا شرطٌ هامٌ جدًا، الشرط الثاني: وجود صورة الإسناد، فربما كان الرجال من رجال البخاري ومسلم واحتج بهم على الانفراد لكن لم يحتج بهم على صفة الاجتماع، كيف؟ يعني على سبيل المثال عندنا هشيم بن بشير ثقة مُحتج به في الصحيحين، وعندنا الزهري ثقة محتج به في الصحيحين، لكن رواية هشام بن بشير عن الزهري ما نجدها في الصحيحين؛ لأنها رواية متكلم فيها، فإذًا لابد إذا جاءنا حديث أن ننظر في صورة الإسناد هل كل رجل روى عن شيخه في الصحيحين، فإذا توفر الرجال والاحتجاج بهم وكل راوٍ روى عمن فوقه في الصحيحين كما هنا فنعم، هذا نستطيع أن نقول عنه إنه على شرط الشيخين إذا انتفت العلة، أما مع اختلال أحد هذه الأمور فلا.
بالنسبة لزيادة الثقة هل تُقبل على أنه معه زيادة علم أو أن شيخه خصه بذلك؟(1/167)
موضوع زيادة الثقة سيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى-، لكن لعل السؤال مرتبط بالكلام على الشذوذ الذي كنا ذكرناه قبل قليل، وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه والمخالفة قد تقع بالزيادة، ولعل مما أثار السؤال حديث جبريل وزيادة وضع يديه على ركبتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنقول إن الشيخ –نعم- قد يخص الراوي بزيادة لم ترد عند الرواية الآخرين، لكن الأصل عن أهل الحديث اتحاد المجلس، مثل الآن كلامي في هذا المجلس المتحد، فإذا كان الراوي أخذ عن هذا الشيخ على الانفراد دون أولئك الذين شاركوه في الرواية فينبغي أن يبين بقرينة ما سيتضح أن هذا الراوي أخذ هذا الحديث عن الشيخ على الانفراد، لكن الأصل اتحاد المجلس.
فإن كانت هناك قرينة تدل على أن هذا الشيخ خص هذا الراوي أو حدثه بهذا الحديث في مجلس غير هذا المجلس نعم يمكن أن تقبل الزيادة إن لم يكن فيها منافاة من وجوه أخرى.
وصلى اللهم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
أقول بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما ابتدأنا بالكلام عن الحديث الصحيح لذاته، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عن الصحيح لغيره ثم الحسن وهكذا، بودي أن يكون هناك شيءٌ من المتابعة من قبل الإخوة والأخوات الذين يشاهدون ويسمعون الآن، فأطرح بعض الأسئلة ويكون هناك إبداء الأجوبة سواء عن طريق الإنترنت أو عن طريق الهاتف بعد هذا إن شاء الله تعالى، فأقول:
السؤال الأول: عرفنا الحديث الصحيح لذاته وذكرنا له خمسة شروط، ثم أبدينا بعض التحفظات على بعض هذه الشروط، فما الشرط الذي تحفظنا عليه من هذه الشروط الخمسة؟ ولماذ؟ تحفظنا على شرط، وشرط حددنا أنه يُدمج شرطان في شرطٍ واحد، فما هذان الشرطان؟ وما الشرط الذي يدمج فيه هذان الشرطان ويُكتفى به عما سواه؟(1/168)
السؤال الثاني: كذلك أيضًا تحدثنا عن العدالة وعرفناها بتعريف، وذكرنا أيضًا لها بعض الشروط، فما تعريف العدالة؟ وما شروط هذه العدالة؟
المتن: قال الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ( فإن خف الضبط: فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح. فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فاعتبار إسنادين ).
هذا الكلام الذي قُرئ علينا يعرف فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى الحديث الحسن لذاته، ذكرنا في الحلقة الماضية أن الحديث المقبول يندرج تحته أربعة أقسام: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره، وقلنا إن الكلام عن الصحيح لغيره سيأتينا مع الكلام على الحسن لذاته، فالحافظ هنا عرف الحديث الحسن لذاته، وذكر شرطًا واحد حصل فيه الاختلاف عن شروط الحديث الصحيح والبقية كما هي، معنى ذلك أن تعريف الحديث الحسن هو نفس تعريف الحديث الصحيح لذاته، ولا يختلف إلا في شرطٍ واحد وهو خفة الضبط، هناك قلنا ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذٍ ولا علة، وهذا التعريف هو نفس تعريف الحسن لذاته، لكن بدلا من أن نقول تام الضبط نقول خفيف الضبط، هذا الذي أشار إليه الحافظ حينما قال ( فإن خف الضبط: فالحسن لذاته ).(1/169)
فباقي الشروط تكلمنا عنها، لكن بالنسبة لخفة الضبط، ما المقصود بخفة الضبط في هذه الحال، المقصود الخفة التي لا تلحق ذلك الراوي بمن يُعد تفرده تفردًا منكرًا، بمعنى أنه تُحتمل منه خفة الضبط هذه، وهذا يتضح لنا بالتفصيل الذي سأذكره، فنحن نعرف من خلال ما ذكرناه سابقًا أن الرواة يختلفون، والناس كلهم يختلفون في الضبط والإتقان والحفظ، فمنهم أُناسٌ يحفظون لأول وهلة، من أول ما يسمعون الكلام يحفظونه، وهناك من يحفظه من ثاني مرة، وهناك من يحفظ من ثلاث مرات وهكذا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فالذي يتميز بالحفظ والإتقان بحيث تقل عنده الأوهام هذا هو الثقة، يعني لا أحد يسلم من الوهم، ولا نشترط أن لا أحد يهم، هذا أمر ليس في مقدور الناس، لكن إذا كانت تلك الأوهام قليلة في جنب ما روى فإنها تُحتمل في هذه الحال، لكن هناك من الرواة من تكثر منه هذه الأوهام.
وكيف يُعرف أنه وهم؟
يعرفون ذلك بمقارنة أو موازنة رواياته بمرويات الثقات الضابطين الذين شاركوه في تلك الرواية، فإذا كان هناك خمسة رواة يروون عن شيخٍ واحد حديثًا من الأحاديث، واحد من هؤلاء الرواة نحن نريد أن نختبر حفظه وإتقانه، فنقول: هل هو حافظ متقن أو لا؟ حتى الآن ما حكمنا عليه هل هو ثقة أو غير ثقة، فنحن نجمع جميع الأحاديث التي يرويها هذا الرجل، ثم ننظر من الذي روى هذه الأحاديث غيره، نظرنا وإذا به يشاركه في رواية هذه الأحاديث رواة ثقات ضابطون، عملنا موازنة بين رواياته ورواياتهم، فإذا كانت روايته تتفق مع هؤلاء الثقات الضابطين فهذا عند أهل الحديث ميزان يزنون به الرجال، فيقولون نعرف من خلال هذا أن هذا حافظ متقن مثله مثل هؤلاء الثقات الذين شاركوه في هذه الرواية.(1/170)
إن ضُبطت عليه مخالفات نظروا أيضًا بعين العدل والإنصاف في هذه المخالفات، هل هي كثيرة في نسبة ما روى أو قليلة؟ فإذا كانت رواياته كثيرة فالراوي المخبر لا يُستغبر عليه أن يقع منه الوهم في بعض الأحيان، ولذلك إذا كان هناك راوٍ يروي ألف حديث ثم أخطأ في عشرة أحاديث ليس كراوٍ يروي مائة حديث وأخطأ في عشرة أحاديث، هناك النسبة عشرة في الألف، يعني واحد في المائة، لكن النسبة في الثاني عشرة في المائة، فالفرق واضحٌ وبين في هذه الحال.
فالرواي الذي خطأه واحد في المائة هذا يغتفر له ولا يعد هذا الخطأ شيئًا، نعم ينبه عليه علماء الحديث، يقولون إنه أخطأ في الرواية الفلانية فلا يُغتر بروايته تلك، لكن باقي روايته يعدونها صحيحة، لكن الراوي الذي أخطأ في عشرة في المائة، لا، هذا يعدون حافظته فيها قصور، فهو الذي يمكن أن يكون بهذه الصورة التي نتكلم عنها، يُقال عنه حفيف الضبط، يعني عنده أخطاء ارتفعت نسبتها، فالنسبة في هذه الحال غير محددة بضابط عند علماء الحديث، ولكنها تختلف باختلاف كثرة حديثه وعدد الأحاديث التي وهم فيها، ثم نوعية ذلك الوهم، فإذا كانت الأوهام التي وقع فيها هذا الراوي أحاديث موضوعة تتدخل في مروياته هذه تؤثر عليه، ويتكلم فيه علماء الحديث بناءً على هذه الرويات التي وقعت له.
لكن إذا كانت الأوهام أوهام محتملة كأن يصله حديثًا أرسله الرواة الآخرون، أو يرفع حديثًا وقفه الرواة الآخرون ونحو ذلك من الأوهام التي لا ينفك منها إنسان، فهذه ممكن تُحتمل، ففرقٌ أيضًا بين وهم ووهم، ولذلك ليس هناك قاعدة منضبطة مائة في المائة بحيث نجريها على كل راوٍ، ولكن كل راوٍ يعد قضية عين تُعامل بحسب قرائن ومعطيات توفرت يُحكم على ذلك الراوي من خلالها، إذًا هذا هو الراوي الذي يمكن أن نقول عنه إنه خفيف الضبط وحديثه يُعد حسنًا لذاته.(1/171)
كما أن هؤلاء الرواة الذين بهذه الصفة قد تختلف فيهم وجهات النظر بين الأئمة، فربما كان هناك راوٍ يرى إمامٌ أنه حسن الحديث، وإمام آخر يرى أنه ضعيف الحديث، وإمامٌ آخر يرى أنه صحيح الحديث، والسبب أن الحديث الحسن لذاته مرتبة جاءت بين مرتبتين، بين الصحيح والضعيف، فهو يخضع لاعتبارات معنية، خلاصة هذه الاعتبارات أنه يخضع لتفاوت تصورات الأئمة الذين يحكمون على ذلك الرجل، نحن نعرف أن من طباع البشر أن أصابع اليد الواحدة ليست سواء، فيها القصير وفيها الطويل وهكذا، كذلك الناس يختلفون، منهم سريع الغضب، منهم الشخص البارد الذي لا يفور إلا بعد جهد جهيد، ومنهم الوسط، وبين كل نوع من هؤلاء أنواع.
كذلك أيضًا بالنسبة للتشدد والتساهل، من الأئمة من نجده متشددًا يجرح بأدنى جارحة، ولا يرضيه الندر من الناس، كأبي الحاتم الرازي، لا يكاد يوثق الشخص إلا بعد جهد جهيد، فمن وثقه أبو حاتم الرازي هذا يعد جاوز القنطرة، لكن قد يجرح أبو حاتم الرازي بأشياء يحتملها الأئمة الآخرون، في المقابل نجد شخصًا متساهلا في التوثيق، مثل ابن حبان، وابن حبان إن كان فيه إسراف الجرح من جهة أخرى، لكن بالنسبة للتوثيق يُعد من المتساهلين في التوثيق، كذلك العجلي يعد من المتساهلين في التوثيق، فهؤلاء طرف أبو حاتم الرازي ومن سار على طريقته أو شابهه طرفٌ آخر.(1/172)
هناك أئمة يتصفون بالاعتدال، كالإمام أحمد وعلي بن المديني وأمثالهم، فهؤلاء معروفون بالاعتدال في الجرح والتعديل، نجد أن هناك أناسًا يأتون بين المتشدد والمعتدل، وبين المعتدل والمتساهل، فبسبب هذا التفاوت بين هؤلاء الأئمة يحصل هذا التفاوت في عد هذا الإنسان صحيح الحديث أو حسن الحديث أو ضعيف الحديث، فلو نظرنا على سبيل المثال في حديث محمد بن إسحاق بن يسار نجد أن من الأئمة من يضعف حديثه، ومن الأئمة من يصحح حديثه ويخرجه في الصحيح، ومن الأئمة من يفصل حاله، فربما قبل وربما رد، ومن الأئمة من يحسن حديثه ويجري هذا على كل حديثه، وهكذا، فهناك تفاوت في الأحكام على هؤلاء الرواة.
ولذلك أكثر ما يقع الاختلاف في أصحاب هذه المرتبة في الحسن لذاته، والرواة الذين يعد حديثهم حسنًا لذاته هم أكثر من يقع فيهم الاختلاف بالنسبة لأحكام الأئمة، وأنا حينما أتكلم الآن عن الحسن لذاته أو الصحيح لغيره كما سيأتي أو الحسن لغيره وبعض الأنواع التي سيأتي الكلام عنها، ينبغي أن نعرف هذا الكلام كله متجه بناءً على هذا التقعيد الموجود في نخبة الفكر، أما الكلام عن الحسن من حيث هو، ولماذا سمي حسنًا، والتفصيل في هذا، وذكر اختلاف أهل العلم في تعريف الحديث الحسن وفي حده وضابطه، فهذا لن يكون في هذه العجالة، لكن يكون في هذا المختصر الذي هو نخبة الفكر، هذا يمكن يأتينا بعضه في المتوسطات حينما نتكلم إن شاء الله تعالى أو نشرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، وأكثر منه في المطولات حينما نشرح إن أحيانا الله في ألفية العراقي، موضعه في تلك الأماكن، لذلك نحن الآن سنتعامل مع هذا المختصر كمختصر، ولن نخوض في ذلك الخلاف.(1/173)
وعن سؤال عن تعريفات الحسن قال الشيخ: هناك تعريف للترمذي، هناك تعريف للخطابي، هناك تعريف لابن الجوزي، ومناقشة هذه التعاريف مع التعريف الذي اختاره ابن الصلاح ثم ارتضاه الحافظ ابن حجر، وهذه الإضافات، كل هذا لن نتكلم عنه، لأن الوقت لا يستوعب لمثل هذا التطويل، فلو دخلنا في هذا المجال يمكن أن يأخذ منا عدة حلقات، لأن الحديث الحسن من الأمور الشائكة، ويكفينا في هذا عبارة للحافظ الذهبي أنه حينما تكلم عن الحديث الحسن وفصل فيه ذكر كلامًا معناه "لا تطمع أن تجد للحديث الحسن ضابطًا، فإني إياسٍ من ذلك"، إذًَا هذه العبارة من الحافظ الذهبي أو هذا المعنى من عبارة الحافظ الذهبي يدل على مغزًى قصده الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى وهو أن الحديث الحسن أمره شائك، فلا تقل أنني أريد أن أخلص بنتيجة هي التعريف الذي سار عليه الأئمة كلهم، هذا لن تستطيعه أبدًا، ولعله إن شاء الله تعالى نستطيع أن نفصل في هذا ونبين لماذا قال الحافظ الذهبي هذا الكلام حينما نتكلم فيما هو أطول من هذا المختصر الذي نتكلم عنه.
فيكفينا إذًا أن نعرف ما الحديث الحسن لذاته بناءً على التعريف الذي ارتضاه الحافظ ابن حجر، والنقلة التي بعد هذا لها شأنٌ آخر.(1/174)
هذا التعريف الذي ذكره الحافظ ابن حجر يندرج تحته عدة أحاديث وعدة أوصاف للرواة، فمن الأسانيد التي يُحكم دومًا عليها بأنها حسنة لذاتها روايات مثلا محمد بن عمرو عن علقمة بن وقاص الليثي، طبعًا في خارج الصحيح، فمحمد بن عمرو مما روى له مسلم في الصحيح، فالرواية التي في مسلم لا نتكلم عنها ولكن خارج صحيح مسلم، من ذلك أيضًا رواية محمد بن إسحاق بن يسار إذا صرح بالتحديث بينه وبين شيخه وصار باقي الإسناد ثقات أو في مثل مرتبته، كذلك رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أمثال هذه الأسانيد هي الأسانيد التي يرى الأئمة أنها أسانيد حسنة لذاتها، ولست أقول كل الأئمة ولكن بناءً على هذا التعريف الذي ذكرته، لا داعي لتكرار هذا الكلام حتى لا يعترض معترض ويقول المسألة فيها خلاف وفلان تكلم في فلان وهلم جرة، نقول نحن الآن في فترة اختصار، وينبغي أن نتقبل مثل هذا الأمر بهذه السهولة، ثم مناقشة التعريفات والأقاويل هذه لها شأنٌ آخر.
كذلك أيضًا بالنسبة للألفاظ التي تُطلق على أصحاب هذا الحديث، هم من سيأتي الكلام عنهم إن شاء الله تعالى حينما نتكلم مراتب الجرح والتعديل، هم يكونون في المرتبة الرابعة تقريبًا عند الحافظ ابن حجر والسخاوي، فهم من قيل فيه صدوق أو لا بأس به، ونحو هذه العبارات، بمعنى أن الثقة هذا هو الذي حديثه حديثٌ صحيح، ويلي الثقة الصدوق الذي لا بأس به وهكذا، هذا هو الذي يكون حديثه حسنًا لذاته.(1/175)
قلتُ إنه ليس كل راوٍ من هؤلاء الرواة الذين يخف ضبطهم يكون حديثهم حسنًا لذاته، لكن الراوي الذي لا يعد تفرده تفردًا منكرًا، بمعنى أن هناك بعض الرواة الذين يخف عندهم الضبط ولكن يعد الأئمة ما يتفرد به هؤلاء الرواة تفردًا منكرًا، وهذا قد يكون في أحيانٍ دون أحيان، وقد يكون في كل الأحيان، فعلى سبيل المثال، أنا سأذكر مثالا رواه محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ( إذا رأيتِ الدم الأسود فأمسكي عن الصلاة، وإذا الأحمر فتوضئي )، قال أبو حاتم عن هذا الحديث لم يُتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية وهو منكر، محمد بن عمرو قلت قبل قليل إن حديثه حسنٌ لذاته، وهو ممن روى له مسلم في الصحيح، فكيف تكون روايته الآن منكرة؟ وباقي الإسناد كله ثقات كالزهري إمام، وعروة بن الزبير إمامٌ كذلك، وفاطمة صحابية، ومحمد بن عمرو حديثه حديثٌ حسن، فكيف يكون هذا الحديث بهذه الصورة حديثًا منكرًا؟ السبب أن هذا التفرد من محمد بن عمرو بهذه الرواية لم يتقبله أهل العلم لأنه تفردٌ منكر.
ما الذي جعله تفردًا منكرًا؟ لأن الزهري إمام تلاميذه كثر، بل هناك عددٌ من تلاميذه لازموه ملازمة طويلة وغرفوا علمه، فكون التلاميذ الكبار أصحاب الزهري وكبار تلاميذه لا يروون هذا الحديث وإنما يتفرد به محمد بن عمرو هذا الذي في حفظه كلام، ثم ليت هو من الملازمين للزهري كملازمة أولئك الأئمة، يأتي وينفرد عن الزهري بهذه الرواية!!، ما تقبل الأئمة منه هذا التفرد، إذًا هناك قرينة، ما هذه القرينة؟ أن هذا الفرد جاء عن إمامٍ مشهور، كثير التلاميذ كثير الحديث، يحرص الأئمة على تدوين حديثه وضبطه، فهذه القرينة عند أهل الحديث تنقل هذا التفرد من كونه تفردًا يمكن أن يحكم عليه بأنه حسن لذاته إلى كونه تفردًا منكرًا.(1/176)
لكن على طريقة الفقهاء والأوصوليين لا يعاملون مثل هذا التفرد هذه المعاملة التي يراها أهل الحديث، يجرون الإسناد على ظاهره مثل العملية الرياضية واحد زائد واحد يساوي اثنين، فلا ينظرون نظرة أهل الحديث، وقلت دومًا إن أهل الاختصاص هم الذين يُسار إليهم في اختصاصهم، ولا ينبغي أن يتطفل أهل علم آخر على العلم الذي ليس من فنهم وليس من اختصاصهم، فمثل هذه الرواية يحكم فيها أهل الحديث، أما نأتي ونقول محمد بن عمرو صدوقٌ حسن الحديث، الزهري ثقة، عروة بن الزبير ثقة تابعي جليل، فاطمة بنت حبيش صحابية، إذًا الإسناد يساوي حسنًا لذاته، فليست هذه طريقة أهل الحديث، عندهم نظرات أخرى.
كذلك أيضًا لو جاء راوٍ هو خفيف الضبط ولكنه تفرد بحديثٍ لم يُتابع عليه، والأئمة لا حتجون بهذا الراوي مطلقًا وإن كان ضعفه جاء من قبل حفظه لكن لم يصل عندهم إلى درجة أن يُحتج به مثل ابن لهيعة، هو عدل في نفسه ولكنه متكلمٌ في حفظه، فمثل هذا لا يُحسن حديثه.
هذا الذي يجعلني أقول إنه من لا يعد تفرده تفردًا منكرًا.
شيخنا، ذكرتم شرطًا مهمًا أو قيدًا بمعنى أصح في تحسين حديث الراوي الصدوق وما لا بأس به وهو أنه لا يأتي بالمنكر عليه، نلاحظ أن الحافظ ابن حجر ما تعرض لهذا القيد مع أنه مهم، فما السبب في هذا؟ هل لكونه كتاب للمبتدئين أو شيء من هذا؟
هذا الكلام صحيح؛ لأن الحافظ ابن حجر لم يتكلم عن هذه النقطة في هذا الموضوع، لكنه تحدث عنها في الحديث المنكر كما سيأتي معنا بعد قليل إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن الحديث المنكر يشمله هذا الكلام أو يشمل هذا الكلام الذي ذكرناه، وسيأتي إن شاء الله تعالى له مزيد تفصيل، لكن في مناقشة الحديث الحسن في كتب المطولات سواء في كتابه النكت أو عند تلميذه السخاوي في فتح المغيث أو عند السيوطي في تدريب الراوي تكلموا عن هذا القيد الذي ذكرته، وقالوا بشرط أن لا يعد ما يتفرد به الراوي تفردًا منكرًا.(1/177)
في قول المؤلف ( وبكثرة طرقه يصحح )، هل يُشترط في تلك الطرق كل طريق منها يُحكم عليه بأنه حسن لذاته؟
المتن: ( فإن خف الضبط: فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح. فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فاعتبار إسنادين. )
هذا الكلام الذي ذكره الحافظ يتعلق بالصحيح لغيره، فالحسن لذاته بهذه الصفة التي تكلمنا عنها إما أن لا يكون ذلك الحديث مرويًّا إلا بهذا الإسناد على الانفراد فهو الحسن لذاته، أو يكون رُوي بأسانيد أخرى، وتلك الأسانيد ترفع من درجته فيكون صحيحًا لغيره، لكن ما هذه الأسانيد التي ترفع من درجة الحديث الحسن لذاته ليلتحق بالصحيح لغيره؟ من أهم الأسانيد التي ترفع من درجته أن يرد من طريقٍ آخر صحيح، فيرتقي هذا الإسناد الذي قلنا عنه إنه حسنٌ لذاته فيكون صحيحًا لغيره بسبب جبران ذلك الطريق له وتقويته له، فيكون صحيحًا لغيره.
فإذًا الحديث الذي يكون فيه شيءٌ من الضعف المحتمل وهو الذي يمكن أن نحكم عليه بأنه حسن لذاته أو حتى لو حكمنا عليه بأنه ضعيف ضعفًا يسيرًا ثم وجدنا له طريقًا آخر صحيحًا لذاته فإن هذا الحديث وإن كان ضعيفًا يكون صحيحًا لكن لا لذاته ولكن لغيره، لأنه انجبر ضعفه بهذا الطريق الصحيح.
لكن إن كان الجابر، يعني الطريق العاضد لهذا الحسن لذاته في درجته، يعني حسن لذاته وحسن لذاته آخر فهذا يجبره ويكون صحيحًا لغيره، فإن كان أحد الإسنادين ضعيفًا فإنه يكون حسنًا –هذا الإسناد- لكن لا لذاته وإنما لغيره بسبب وجود الحسن لذاته الجابر له والرافع من درجته، يعني ضعيف زائد حسن لذاته يساوي ماذا؟ حسن لغيره، حسن لذاته زائد صحيح لذاته يساوي صحيحًا لغيره، حسن لذاته زائد حسن لذاته يساوي صحيحًا لغيره، يعني بهذه الصفة.
المذيع: لو حسن لذاته مع صحيح لذاته، ماذا يسمى؟(1/178)
يسمى صحيحًا لغيره، حسن لذاته مع صحيح لذاته أو صحيح لغيره يكون صحيحًا لغيره، يعني العبرة دومًا بالأعلى، العبرة بالأقل إن لم نجد ما يجبره، لكن إذا كان هناك حديث وصل إلى الدرجة الدنيا مما نتحدث عنه، إذا كنا نتحدث عن المقبول، فالدرجة الدنيا منه الحسن لذاته أو لغيره، نرقي هذا الحديث من الدرجة الدنيا إلى الدرجة العليا إذا وجدنا الحديث مرويًّا من طريقٍ بالدرجة العليا، فإذا كان الحديث مرويًّا بإسنادٍ صحيح فإن هذا يرتقي لدرجة الصحيح، حتى لو كان الحديث ضعيفًا وجاء من طريق آخر صحيح فإنه يرتقي لدرجة الصحيح؛ لأنه يرتقي لدرجة الصحيح لأن العبرة بالأعلى، هو الذي له الحكم العام للحديث، فنحن نحكم على متن الحديث هل هو صحيح أو غير صحيح؟ فنقول: متن الحديث صحيح، ما تكلمنا عن الإسناد على انفراده، لو حكمنا على الإسناد على انفراده، نعم ينبغي أن نحكم عليه بما يناسبه، إن كان حسنًا لذاته نقول حسنًا لذاته، وإن كان ضعيفًا نقول هو ضعيف، ولكن نذكر الحكم العام بناءً على ما يجبره ويعضده.
المذيع: إذا كانت الرواية صحيحة لذاتها ياشيخ، ما تجعلنا نقول المتن في ذاته صحيح؟(1/179)
نحن نقول المتن في ذاته صحيح، ولذلك يمكن الذي يشوش على الذهن لماذا نذهب للأقل وما نذهب للأعلى، صحيح، لكن أنا حينما أحقق مثلا أحاديث كتاب معين، جزء حديثي على سبيل المثال، وجاءني الحديث بإسنادٍ فيه راوٍ متكلم فيه، الحكم على هذا الراوي أنه حسن الحديث، كمحمد بن عمرو مثلا، أنا لا أحكم الآن على الحديث حكمًا إجماليًّا وأقول إنه حسن لذاته بسبب محمد بن عمرو، لأن الحديث مرويٌّ من طريق صحيح، لكن ليس عند صاحب الجزء الحديثي، وإنما في خارج هذا الجزء، كأن يكون الحديث مثلا مخرجًا في الصحيحين أو في أحدهما أو حتى في بعض الكتب الأخرى لكن بإسنادٍ صحيح، فأنا الآن أحكم على هذا الإسناد الذي أمامي بهذا الحكم الأعلى، فأحكم على إسناد المؤلف بحكم وأحكم على الحديث إجمالا بحكم عام، وهي المحصلة النهائية التي حكمت على الحديث بها.(1/180)
تكلم الحافظ مسألة مهمة وهي إطلاق الترمذي رحمه الله تعالى لفظ الحسن مع الصحة على جملة كبيرة من الأحاديث في جامعه، حينما يقول "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح" أو "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ"، فإذا اجتمع هذان الوصفان الحسن والصحة في كلام أحدٍ من الأئمة كالترمذي على وجه الخصوص، يعني المناقشة الآن لكلام الترمذي، ماذا يعني الترمذي بهذا الكلام، الحافظ ابن حجر هنا اختار توفيقين بين هذين الوصفين، لأن وصف الحسن يطارد وصف الصحة، الصحة حدٌ أعلى والحسن حدٌ أدنى، فكيف يقول الترمذي عن حديثٍ من الأحاديث هذا حديثٌ حسن صحيح؟ ما مراده بهذه العبارة؟ فالحافظ ابن حجر اختار قولين مما قاله بعض أهل العلم في عبارة الترمذي هذه، وهي عبارة مشكلة اختلفت فيها أقاويل أهل العلم إلى أكثر من عشرة أقوال، كلهم يحاول أن يوجه كلام الترمذي المشكل هذا، وما قول الأقوال قيل إلا وعليه اعتراضات، مهما جئنا بقول لتوجيه كلام الترمذي فسنجد عليه من الاعتراضات ما نجد، ولكن الحافظ في هذا المختصر اختار أحسن ما رآه من هذه الأقوال التي فُسر بها كلام الترمذي، فما هما هذان القولان الذي اختارهما الحافظ ابن حجر؟(1/181)
يقول: إما أن يكون الحديث مرويًّا بإسنادٍ واحد أو بأكثر من إسناد، فإن كان الحديث مرويًّا بإسنادٍ واحد، فالترمذي يعني أنه حسنٌ عند قوم صحيحٌ عند قومٍ آخرين، ما معنى هذا الكلام؟ يقول: إن هذا الحديث بهذا الإسناد لم يرتق للدرجة المتفق عليها بين الأئمة في الحكم على الحديث بالصحة، ولكن فيه مجال لاختلاف وجهات النظر، ولم يلتحق أيضًا بالضعيف عند الأئمة حتى يُحكم عليه بأنه ضعيف، ولكنه جاء في مرتبة بين الصحيح والضعيف، هذه المرتبة من أهل العلم من يقول عن هذا الإسناد إنه صحيح، ومنهم من يقول عن هذا الإسناد إنه حسن، فإذًا الترمذي يقول هو حسنٌ عند قوم صحيحٌ عند آخرين، هذا إذا كان الإسناد الذي تكلم عنه الترمذي إسنادًا فردًا، يعني ما جاء إلا من ذلك الطريق.
لكن إن كان هذا الحديث مرويًّا بأكثر من إسناد، فيقول الحافظ: إنه الترمذي، يعني أنه حسنٌ بإسنادٍ صحيح بإسنادٍ آخر، يعني بعض أسانيده حسنه، وبعض أسانيده صحيحه؛ فجمع بين الوصفين، حسنٌ صحيح، فأما الترمذي يقول عن الإسناد الفرد: حسنٌ أو صحيح، يعني على اختلاف وجهات النظر، هو حسن أو صحيح، يعني النظر يتردد بين هذين الوصفين، بين الحسن والصحة، أما إذا كان له أكثر من إسناد فكأنه يقول: حسنٌ وصحيح، ليس بأو ولكن بالواو، يعني هو حسنٌ بإسناد وصحيح بإسنادٍ آخر، أو حسن ببعض الأسانيد، وصحيح ببعض الأسانيد الأخرى.(1/182)
لاشك أن هذا الكلام الذي ذكره الحافظ يكاد يكون مقبولا، لكن يرد عليه اعتراضات، من هذه الاعتراضات أننا نجد الترمذي يُطلق هذه العبارة على أسانيد من أعلى درجات الصحة، على سبيل المثال حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) ، حديثٌ لم يرد إلا بهذا الإسناد فقط، إسنادٌ فرد، وهو من أعلى درجات الصحيح، يعني ما تتجاذبه أنظار الأئمة، يعني لم يختلف الأئمة فيقول بعضهم: هذا حسنٌ، ويقول بعضهم: هذا صحيح، لا، لأنه صحيحٌ عندهم كلهم، فكيف يقول الترمذي عن هذا الحديث؟ ، وكل قول في محاولة توجيه كلام الترمذي عليه اعتراضات.
قد يقول قائل: إذًا ما المخرج؟ نقول: مادام الأئمة السابقون ما وجدوا مخرجًا وكل قول اعترض عليه فمن باب أولى أن نصل نحن إلى مخرج، وأنا أذكر أن أهمية هذه المسألة بلغت إلى أن الرسائل العلمية في الجامعات أخذت هذا الموضوع بذاته لمناقشته، وذلك عن طريق جمع أقاويل الترمذي في هذه الأحاديث وتخريجها ومحاولة الوصول إلى حكم صحيح، وهذا أيضًا يحتاج إلى جمع نسخ الترمذي، فنسخ الترمذي الاختلاف بينها في بعض الأحيان يكاد يكون كثيرًا، وبالذات في إطلاق هذه العبارات، لأننا نجد في بعض النسخ يأتي حسن صحيح، وبعضها يأتي حسن، وبعضها يأتي صحيح، وهكذا، فلابد من اختيار النسخ الموثقة والتي تتوافر أكثر النسخ على عبارة معينة، فتحتاج هذه إلى جهبذ عارف بالنسخ ويدرس أسانيدها ويعرف النسخ الأصلية ورواياتها وهلم جرة، حتى يختار لنا النص الأكمل الصحيح الذي يقرب من مراد الترمذي، ثم بعد ذلك على ضوء تلك النسخ الموثقة نناقش هذه الأقوال التي جاءت من الترمذي، فإذًا هناك خطوات ينبغي أن تسبق النتيجة التي نريد أن نتوصل إليها.(1/183)
لكن في نفسي أشياء يمكن أن أقولها لكن ليس هذا موضعها؛ لأن الأمر سيطول وسيكون فيه مناقشات من قبلكم ومن قبل الإخوة السامعين، وقد يكون فيه شيء من الوعورة أيضًا على المبتدئين، فليس هذا مكانه المناسب، أترك هذا إن شاء الله تعالى لموضعه في التطويل، فنحن الآن فقط نريد أن نقعد قاعدة ننطلق من خلالها إن شاء الله تعالى لما هو أكثر من هذا بإذن الله.
أجوبة أسئلة الحلقة
السؤال الأول: ما الشرطان اللذان يمكن دمجهما؟وبم يدمجا؟
الشرطان هما: العدل والضابط، ويمكن دمجهما بقول الثقة.
السؤال الثاني: ما معنى العدالة؟
العدالة: ملكة تحمل الإنسان على التقوى والبعد عن خوارم المروءة، والفسق والمعاصي، والبدعة. ومن شروطها: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والسلامة من خوارم المروءة.
السؤال عن مظان الحديث الصحيح لذاته؟ ثم بعد ذلك إذا هناك من التزم الصحة في بعض كتبه من الأئمة فهل إذا خرج إنسانٌ هذا الحديث من ذلك الكتاب أن يحكم ويقول وصححه فلان سواء سمّى كتابه الصحيح أو التزم فيه الصحة؟
في بالنسبة لصنيع الأئمة أصحاب المصنفات كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان، هل لما وصفوا كتبهم بالصحة، هل أدرجوا فيها الحسن عند أصحاب كتب المصطلح؟ أم أنهم يدخلون الحسن في الصحيح ويجعلونه بمعنًى واحد في قسم المقبول؟(1/184)
نأخذ السؤال وهو الكلام عن الكتب التي تعد مظان الحديث الصحيح، وهل هذه الكتب كلها على درجة واحدة، ويمكن أن يندرج في هذا السؤال السؤال الثاني أيضًا الحسن عند أصحاب الصحيح الذين ألفوا في الصحيح المجرد كالبخاري ومسلم وابن حزيمة وابن حبان، وهكذا، الموضوع كله نجمل الجواب عنه في الآتي، فنقول إن هناك كتبًا أُلفت في الصحيح المجرد، والمقصود بالمجرد أي الذي لا يخالطه غيره، هناك أئمة التزموا بالصحة في كتبهم، أشهر هذه الكتب التي التزمت الصحة صحيح البخاري في الدرجة الأولى ثم صحيح مسلم بالدرجة الثانية، ثم ابن حزيمة بالدرجة الثالثة، ثم ابن حبان بالدرجة الرابعة، ثم بعد ذلك تأتي المفاضلة بين مستدرك الحاكم والمختارة للضياء المقدسي، شيخ الإسلام ابن تيمية يفضل المختارة للضياء المقدسي على مستدرك الحاكم، وكلاهما عليه انتقادات، لكن الانتقادات على مستدرك الحاكم أكثر من الانتقادات على المختارة للضياء المقدسي، هناك صحيح ابن السكن، لكن صحيح ابن السكن لم يصل إليها، فيبدوأنه فُقد من القديم.(1/185)
هذه الكتب التي أُلفت في الصحيح المجرد لو أتينا لأسانيدها وأردنا أن نخضعها لهذه الأوصاف التي ذكرناها عن الحديث الحسن يمكن أن نحكم على طائفة من هذه الأحاديث بأنها حسنة لذاتها، والسبب أن هؤلاء الأئمة كانوا لا يفرقون بين الصحيح والحسن، فالعلماء المتقدمون الحديث ينقسم عندهم إلى قسمين: إما صحيح أو ضعيف، ليست عندهم هذه المرتبة، أو هذا معظم الأئمة المتقدمين، كيف يكون هذا ووصف الحسن موجودٌ في كلامهم، موجود من عصر التابعين، موجود في كلام عروة بن الزبير، موجود في كلام إبراهيم النخعي، موجود بعد ذلك في كلام شعبة بن الحجاج، موجود في كلام الإمام الشافعي، موجود في كلام الإمام أحمد وعلي بن المديني، في كلام البخاري، في كلام أبي حاتم، في كلام أبي زرعة، يطلقون وصف الحسن على أحاديث، فالبعض يطلق أيضًا حسن صحيح غير الترمذي، هذا وُجد في بعض كلام الإمام أحمد، وُجد في كلام البخاري، وُجد في كلام أبي حاتم، وهكذا وإن كان قليلا ليس كالترمذي، الترمذي هو الذي أكثر من هذا جدًا.
فنقول إن الإشكال هنا في تعريف أو ضابط الحديث الحسن، ولذلك لا نريد أن نقحم أنفسنا فيه نحن، ينبغي أن نتلقى هذه الصورة السهلة، ثم بعد ذلك إن شاء الله تعالى نأتي للمطولات، لكن من الشيء المقطوع به أن البخاري ومسلم وابن حزيمة وابن حبان على وجه الخصوص، وهذه أحسن الكتب التي أُلفت في الصحيح المجرد على هذا التجرد، نقول: إنهم لا يفرقون بين الصحيح والحسن، ولذلك لا يجوز لإنسان أن يأتي للصحيحين على وجه الخصوص ثم يبدأ يحكم على أحاديثها بهذه الأحكام التي تلقاها بناءً على دراسته لعلم المصطلح، هذا من الخطأ الذي ينبغي لطالب العلم أن يبرأ بنفسه عنه، فالصحيحان جاوزا القنطرة، وأحاديثهما تلقتها الأئمة بالقبول، ولا يُستثنى من ذلك إلا أحاديث قليلة خالفهم فيها بعض الحفاظ الذين في درجتهم كالإمام الدارقطني ونحوه، هذه مستثناه.(1/186)
لكن على الجملة، أحاديث الصحيحين متلقاه بالقبول، ولا ينبغي أن يتطرق إليها الكلام، ولا ينبغي أن يأتي طلاب علم ويناقش في مثل هذه العلل الظاهرة التي لا تخفى على هؤلاء الأئمة، لأنها في حقيقة الأمر ليست عللا، يعرفون أن هذه العلل ليست عللا لهذه الأحاديث، على سبيل المثال لو جاء حديث فيه عنعنة مدلس في الصحيحين، ما نأتي ونقول هذا الراوي مدلس وقد عنعن فالإسناد مثلا ضعيف، أو انجبر ضعف هذه الرواية بإخراج الإمام أحمد لهذا الحديث من طريقٍ آخر فيكون حسنًا لغيره أو نحو ذلك، لا لا، لا يصلح مثل هذا التصرف، مجرد ما يأتينا الحديث في الصحيحين نكف عن تناوله بالتحسين أو التصحيح أو غير ذلك من الأحكام، لكن غير الصحيحين نعم، الأئمة تعرضوا لها لأن مكانتها ليست كمكانة الصحيحين، ولم تتفق الأمة على تلقي أحاديثها بالقبول كما اتفقت على تلقي أحاديث الصحيحين.
إذًا بهذه الخلاصة لعل الأمر يتضح إن شاء الله تعالى في الجواب على هذين السؤالين.
ذكرتم يا شيخنا قول الترمذي حسنٌ صحيحٌ أن هناك تعاريف كثيرة وردت في هذه المسألة وأنها كلها رُد عليها باعتراضات، لكن يا شيخنا يتبادر إلى الذهن سؤال، هل إذا قلنا حديث حسن صحيح هل يمكن أن يراد الحسن للمتن والصحة للإسناد؟
هل يمكن أن يُقال إن الحسن يتجه للمتن والصحة تتجه للإسناد؟ أنا قلت إن هناك أكثر من عشرة أقاويل لأهل العلم في محاولة توجيه كلام الترمذي، وما من قول من هذه الأقوال إلا وعليه اعتراضات، ولذلك لن نسهب في الكلام عنها، سنسهب في الكلام عنها إن شاء الله تعالى حينما نأتي للمطولات، لكن لا نستطيع في هذا المختصر أن نتناول كل قضية من هذه القضايا، وقد يشوش كما قلت على المبتدئين، فيظن بعضهم أن الدخول في هذا العلم والولوج فيه فيه صعوبة فينحصر من البداية، ونحن ينبغي أن نسهل هذه العلوم –علوم الآلة- لطلبة العلم الذين يريدون أن ينتفعوا.(1/187)
فعلى سبيل المثال مثل هذا القول الذي قيل، نعم، هناك من قال من الأئمة إن الحسن حسن لغوي وهو يتجه للمتن، وأما الحكم بالصحة فهو على الإسناد، فالترمذي يقصد أن متنه حسن وسنده صحيح، هذا قوله قيل، لكن اعترض على هذا بأنه ما ضابط الحسن اللغوي، إن كان المقصود حسن المتن فيما تضمنه من معاني يستحسنها الإنسان كالمرغبات ونحو ذلك فهناك أحاديث ليست بهذه المثابة كالأحاديث التي فيها تهديد بالنار –نسأل الله السلامة-، أو فيها لعن، أو أحاديث القصاص والحدود ونحو ذلك، فهل توصف هذه النصوص بأنها حسنة؟، هذا اعتراض على هذا القول.
فعلى كل حال دعونا من مناقشة باقي الأقوال لحينها إن شاء الله تعالى، وسنجتهد بإذن الله في محاولة تقريب كلام الترمذي لأذهاننا إن شاء الله.
كيف صنف الإمام الألباني كتبه الصحيح والضعيف، هل مثلا جعل الحسن من قبيل الصحيح؟
لا، شيخنا الشيخ الألباني رحمة الله عليه يفرق بين الصحيح والحسن، وكذلك لو نظرنا في تخريجاته نجد أنه أحيانًا يحكم بالحسن وأحيانًا يحكم بالصحة، فهو ممن يفرق بين الحسن والصحيح، وليس كالأئمة الذين ذكرتهم.
المذيع: لكن يورد كل هذين الحكمين في كتبه الصحيح؟
نعم نعم.
هل الإمام الألباني ضعف شيئًا أو تحدث على شيءٍ من أحاديث البخاري ومسلم؟(1/188)
الشيخ ناصر رحمه الله مجتهد كبقية المجتهدين، وينبغي لنا أن نعرف قدر أولئك الأئمة واجتهاداتهم حتى نستطيع أن نعرف أعذارهم فيما ذهبوا إليه، فالبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى حينما ألفا هذين الكتابين هناك من اعترض عليهما من بعض أئمة عصرهم، فهذه الاعتراضات بعضهم أجاب عنها، فمثلا أبو زرعة اعترض على مسلم في تأليفه للصحيح، غير أبي زرعة منهم ابن وارة قال: إن هذا يطرق لأهل البدع علينا، يعني إن أهل البدع يقولون: إن الأحاديث الصحيحة فقط هي ما وُجد في هذا الكتاب وماعدا ذلك فليست بصحيحة، مع أن هناك أحاديث صحيحة غير ما هو موجود في هذا الكتاب ويُحتج بها في أصول الاعتقاد فهذا يفتح بابًا علينا لأهل البدع، اجتهادات لبعض أهل العلم في ذلك العصر، هذه الأمور رد عليها مسلم بن الحجاج رحمه الله، من أراد أن ينظر أو يناقش مثل هذه الأمور أو يستفيد فلينظر في ترجمة مسلم بن الحجاج في سير أعلام النبلاء، فسيجد الكلام عن هذه القضايا.
بعد ذلك جاء ابن عمّار الشهيد رحمه الله، فانتقد بعض الأحاديث في صحيح مسلم في كتابٍ طُبع بعنوان "علل الأحاديث في صحيح مسلم"، جاء بعده الدارقطني فألف كتاب التتبع، تتبع فيه أحاديث الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم وانتقد عليهما بعض الأحاديث، وللدارقطني أيضًا جزء مفرد على حده تضمن قرابة اثنين وعشرين حديثًا من أحاديث البخاري فقط، يعني بيان علل أحاديث في صحيح البخاري، هذا الجزء حققتُه إن شاء الله تعالى، وسيخرج عمّا قريب بإذن الله.
فمثل هذه الاجتهادات من بعض أهل العلم تنبئ عن أنه لم يوافق البخاري ومسلم من قبل بعض أهل العلم على بعض الأحاديث، بل خالفوهما في بعض هذه الأحاديث، وهذا الذي يشير إليه ابن الصلاح حينما قال "إن الأمة تلقت الكتابين بالقبول والتسليم إلا أحرفًا يسيرة خالفهم فيها بعض النقاد" أو نحو هذا الكلام.(1/189)
وليس الأمر مقصورًا فقط على هؤلاء الأئمة، بل هناك من جاء بعد أيضًا هؤلاء الأئمة بعد الدارقطني، ومن جملتهم مثلا ابن حزم، ابن حزم حكم على بعض الأحاديث في الصحيحين بالوضع كما هو معروفٌ، حكم على حديث الملاهي في البخاري بأنه موضوع، وحكم على الحديث الذي أشرتُ إليه في الحلقة السابقة وهو حديث أبي سفيان لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم أو طب منه ثلاثة أمور أحد هذه الأمور قال "ابنتي أم حبيبة أزوجك إياها" فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم )، فابن حزم قال هذا حديث موضوع، أم حبيبة كانت قد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وهي بالحبشة زوجه إياها النجاشي.
فهذا اجتهاد من ابن حزم، وهو مخطئ بالحكم على هذه الأحاديث بالوضع كما بُين في موضعه، لكن لا ينفي هذا أن يكون ابن حزم إمامًا، ولا ينفي هذا أيضًا أن يكون البخاري ومسلم إمامين، وأن يكون الدارقطني وابن عمّار الشهيد إمامين أيضًا وغيرهم من الأئمة الذين خالفوا صاحبي الصحيح، بمعنى أن هذه الأحاديث التي نوقشت من قبل هؤلاء الأئمة سواءً صاحبي الصحيح أو من خالفهما نجد الصواب أحيانًا في جنب البخاري ومسلم وأحيانًا في جنب الذي خالف، يعني ليست القضية مفصولا فيها مثلا بأن الصواب مع الدارقطني على سبيل المثال دومًا، لا، أحيانًا يكون الدارقطني مخطئًا فيما تكلم فيه والصواب مع البخاري ومسلم.
فإذًا إذا جئنا مثلا للشيخ الألباني رحمه الله، هو اجتهد في أحاديث لكنها قليلة جدًا، الشيخ الألباني ما تطرق لكل أحاديث الصحيحين ولا سلك هذه المسالك التي أشرتُ إليها، كأن يعل بهذه العلل الظاهرة ونحو ذلك، إنما تكلم عن أشياءٍ يسيرة جدًا، وليته ما فعل، لكن نعذره لاجتهاده رحمه الله تعالى.
أريد إعادة تعريف الحديث الحسن لذاته
المذيع: أنصح الإخوة الذين يسألون عن إعادات أن يعودوا إلى النسخة المكتوبة وكذلك النسخة المحفوظة كصوت في موقع الأكاديمية للاستماع إليها بالتفصيل.(1/190)
إذا كان الإسناد فردًا عند بعض الأئمة حسن وبعضهم صحيح، وإذا كان الإسناد مرويًّا من أكثر من طريق حسن أو صحيح أو حسن وصحيح، نرجو توضيح حسن أو صحيح أو حسن وصحيح
الأخ أبو وليد من الكويت يقول إنني ذكرت الإسناد الفرد والإسناد الذي ورد من أكثر من طريق وقلت حسن أو صحيح وحسن وصحيح، فأقول بأو التخيير هذه منصرفة للإسناد الفرد فقط، بمعنى أن الإسناد الذي لم يأت إلا من طريقٍ واحد فقط ويقول عنه الترمذي حسنٌ صحيح يقول الحافظ إنه يعني حسن أو صحيح، يعني حسن عند قوم وصحيح عند آخرين، فالحكم عليه يتردد بين الحسن والصحة، فهو إما حسن أو صحيح، هذا معنى كلام الحافظ ابن حجر، وهذا ينصرف فقط للإسناد الفرد ولا يتجه للإسناد الذي رُوي من أكثر من طريق.
الإسناد الذي رُوي من أكثر من طريق يكون بواو العطف، يعني هو حسن وصحيح، يعني حسن ببعض الأسانيد أو ببعض الطرق وصحيح ببعض الطرق الأخرى، هذا معنى كلام الحافظ ابن حجر.
كتاب نخبة الفكر الذي تشرحه، هل نتابعك في النسخة المطبوعة؟
المذيع: ربما يكون النص الذي معنا الذي قرأناه في بداية الحلقة مختلف عن بعض النصوص الموجودة، فأنا أرى أن النص موجودٌ في موقع الأكاديمية على الشبكة، يمكن يُرجع إليه، وهو نفسه متوافقٌ معنا.(1/191)
سأل الأخ أيضًا عن شرح النخبة المطبوع، هذا الشرح أقول للأخ وكل من يسمع، هو عبارة عن شرح إلقائي، كنت شرحتُ النخبة في إحدى الدورات العلمية قبل قرابة يمكن اثنا عشر سنة أو نحو ذلك، وبعض الإخوة أخذ هذا الشرح فنسخه من الأشرطة واستأذني في طبعاته فأذنتُ له على أن يجتهد في تصحيحه ومحاولة تعديل العبارات، لأن الذي يُنطق ليس كالذي يُكتب، العبارة قد يُستحسن سماعها نطقًا ولكن لا تُستحسن كتابتها، اجتهد الأخ جزاه الله خيرًأ وطبع الكتاب، ولكن هناك بعض الأغلاط بسبب النسخ والنقل، فمنها أغلاط عبارة عن تصحيف وتحريف لبعض الكلام، يمكن ما سُمع الكلام جيدًا أو تُعجل في النسخ من الشريط، وهناك أسقاط كثيرة صحفت المعاني، فلذلك أوقفت أنا مثل هذا الكتاب ومنعت من إعادة طبعه مرة أخرى، وهناك بعض الإخوة الذين يقومون على تصحيحه لعله يخرج في طبعة أحسن من الطبعة السابقة، أما الطبعة السابقة ففيها تصحيفات كثيرة، وأنا لا أنصح بالأخذ منها حتى تُصحح.
أنا مبتدئة، ما الكتاب الذي تنصحوني بشرائه، لأن أنا اشتريت كتاب من متون مصطلح الحديث للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فأريد أن آخذ فكرة أكثر لأنني ما فهمته جيدًا
في الحقيقة أم شروق نحن ننصحها بالإكثار من سماع الشروح، فممكن تأخذ مثلا الأشرطة وهي موجودة في التسجيلات، أشرطة لشرح النخبة في بعض المرات السابقة أو لبعض المشايخ الآخرين، هناك بعض المشايخ الآخرين الذين شرحوا النخبة يمكن يُستفاد من شرحهم، كذلك أنصحها بقراءة بعض الشروح التي انفردت للنخبة، ومن أهمها شرح الحافظ ابن حجر، وقد طُبع طبعات عديدة جدًا، من جملتها الطبعة التي أشرنا إليها في مرة سابقة بتحقيق الأخ علي الحلبي أو الطبعة التي بتحقيق الدكتور عبد الله الرحيلي أو التي بتحقيق الدكتور نور الدين العتر، هناك طبعات عدة لهذا الشرح يمكن أخذ أي طبعة شاء ت من هذه الطبعات، والاستفادة من القراءة فيها.(1/192)
هل يمكن أن نقول إن تعريف الحديث الحسن هو ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خف ضبطه ولم يكن شاذًا ولا معللا؟
تمام، نعم، هذا التعريف هو التعريف، نستطيع أن نقول عن تعريف الحديث الحسن لذاته بأنه ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خف ضبطه من غير علة –كما قلنا سابقًا-، أو من غير شذوذٍ ولا علة –عند الحافظ ابن حجر-.
السؤال عن خفة الضبط هل يُعتبر علة أو شذوذ؟
خفة الضبط هذه مسألة اعتبارية، فنحن الآن نأخذ المسألة من باب التنظير، أما إذا جاء التطبيق العملي بتطبيق هذه الشروط على أحاديث فلابد من مراعاة أمور كثيرة، من هذه الأمور الالتفات إلى أحكام الأئمة، فقد يكون الإسناد الذي أمامنا فيما نرى أنه حسنٌ لذاته ولكن نرى إمامًا من الأئمة قال عنه إنه منكر، مثل ما ذكرناه قبل قليل عن الحديث الذي رواه محمد ابن عمرو بن علقمة عن الزهري عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش، وهذا الإسناد فيما يبدو للرائي أنه حسنٌ لذاته، ولكن أبو حاتم الرازي قال عنه إنه حديثٌ منكر لم يُتابع عليه محمد بن عمرو وبينتُ السبب.
يكون بعض الاختلافات الفقهية منشأها من الاختلاف في تحسين الحديث وتضعيفه، في بعض الأحيان تحضر عند شيخ يشرح مثلا حديث ويرجح قول، وشرح متن عند شيخ آخر يرجح قول آخر، فيظل الطالب في حرج لا يدري أي قول راجح أو قول مرجوح.
سؤال الأخ ماجد حقيقة من الأسئلة المهمة جدًا، ونعم، هذه الأحكام على الأحاديث من أهم مسببات الخلاف بين الأئمة، ولذلك أعود لأذكر برسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، شيخ الإسلام أصاب في هذه النقطة وأنصح الأخ السائل بقراءة الكتاب حتى يجد الجواب الشافي أكثر مما سأذكره.(1/193)
فأقول نعم الأئمة يختلفون أحيانًا في تصحيح حديثٍ وتضعيفه، على سبيل المثال الإمام أحمد يرى أن أكل لحم الجذور ينقض الوضوء، الأئمة الثلاثة لا يرون أنه ينقض الوضوء، سبب الخلاف ما هو؟ حديث جابر بن سمرة الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه، والحديث مداره على جعفر بن أبي ثور يرويه عن جابر بن سمرة، فمن الأئمة من يرى أن جعفر بن أبي ثور هذا ثقة والحديث صحيح، فبناءً على تصحيحهم للحديث قالوا بأن لحم الجذور ينقض الوضوء، ممن ذهب إلى تصحيح الحديث الإمام أحمد، إسحاق بن راهوية، مسلم ابن الحجاج، وغيرهم أئمة آخرون ذهبوا إلى تصحيحه، هناك أئمة يرون أن الحديث غير صحيح، فعلي بن المديني مثلا يقول عن جعفر بن أبي هذا إنه مجهول، فمن يرى أن الحديث ضعيف فإنه لا يأخذ بما تضمنه هذا الحديث.
ولذلك نحن إذا عرفنا المسببات التي أحدثت هذا الخلاف بين الأئمة نعرف أنهم ما اختلفوا عن هوًى، بل كلهم معظم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم أئمتنا رحمهم الله تعالى، لكن هذه أمور لا ينفك منها بشر، من الناس من يرى هذا الرأي ومن الناس من يرى هذا الرأي، ولذلك هذا الخلاف مقبول، ولا يُعنف على مُختلف بناءً على هذه الرُأى، فهذا لا نستطيع أن نقضي على هذا الخلاف.(1/194)
لكن هذا الخلاف لو أنه بقي عند هذا الحد لضاقت دائرة الخلاف، المشكلة أن دائرة الخلاف اتسعت بسبب البعد عن بعض الأمور التي تُضيق دائرة الخلاف، وبالإمكان تضييق دائرة الخلاف، فعلى سبيل المثال ابن حزم مثلا حينما قال عن أحاديث الغنى إنها موضوعة، المعروف إنه أخطأ، لكن المشكلة أنه لا يزال بعض الناس يتشبسون بكلام ابن حزم حتى هذه الساعة، فعجيبٌ أمر هؤلاء، يعني ابن حزم حينما يقول عن الحديث الذي في صحيح البخاري ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف ) يقول عنه إنه موضوع ويأتي إنسان ويقول هذا الحديث قال عنه ابن حزم إنه موضوع، طيب يا أخى أنت ذهبت وقرأت كلام الأئمة؟ قرأت تخريج الحافظ ابن حجر حينما قال إن هناك تسعة رواة كلهم رووه عن هشام بن عمّار الذي علق البخاري الحديث عنه؟ اطلعت على الذين خرجوا هذا الحديث سواء المتقدمين أو من المتأخرين من المعاصرين الآن أو من الأئمة السابقين؟ من الذي رد على ابن حزم؟
لكن مثل هذا نعده خلافًا ناتجًا إما من جهل أو من هوى، فبالإمكان القضاء على الخلاف في هذه القضية، لكن تلك القضية لا نستطيع القضاء عليها، يعني من يقتنع بأن جعفر بن أبي ثور مجهول وأن الحديث غير صحيح لا نستطيع أن نقول له: اقبل بأن الحديث صحيح وهكذا، فالكلام هذا نعم صحيح، ولذلك أنصح بقراءة رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حتى نستوعب مثل هذه القضية بشكلٍ أكثر مما ذكرتُ.
الحكم على الحديث كما ذكرتم يتوقف على نظرة المحدث للراوي ومعرفته بأحوال الرواة، وليست هي مسألة رياضية، والسؤال هل تخريج المحققين المتأخرين بم أنهم لم يعاصروا من يحكمون عليهم، بل قلدوا الأئمة السابقين في الجرح والتعديل، هل يدخل هذا التحقيق؟ خاصة أن كثيرًا من المحققين المعاصرين يصحح أحاديث ضعفها بعض العلماء والعكس؟ أرجو التوضيح.(1/195)
الأخت أم عبد الله سألت على وجه الخصوص عن تحقيقات المعاصرين وأحكامهم وهلم جرة، نقول إن المعاصرين منهم أُناسٌ نعم عندهم الملكة التي يستطيعون من خلالها تتبع الطرق ومعالجتها وفق وجهة نظر حديثية سليمة، ويبقى أيضًا للخلاف مجال، يعني لا نستطيع أن نقول: إن هذه التخريجات التي يقوم بها بعض طلبة العلم في هذا العصر إنها محكمة ومتقنة وسالمة من الاعتراضات، يبقى هناك بعض الأحاديث التي تتجاذبها وجهات النظر، وهذه الكلام فيها كالكلام الذي ذكرته قبل قليل عن الخلاف في مثل لحم الجذور ونحو ذلك.
لكن هناك بعض الذين يذهبون ليحكموا على بعض الأحاديث قد يتجرءون على بعض الأحاديث التي تكلم فيها علماءٌ سابقين، وهذا هو الذي ننبه عليه ونحذر من خطورته، فنقول ما حكم الأئمة عليه بالصحة كالبخاري ومسلم ونحو ذلك مما ينبغي أن نأتي ونتطرق لهذه الأحاديث بالتضعيف ما لم يخالفهم أئمة مثلهم، هذا ينبغي أخذه بعين الاعتبار، العكس كذلك، لا ينبغي أن نأتي لأحاديث في بعض الأجزاء الحديثية أو بعض الكتب الحديثية الأخرى التي لم تؤلف في الصحيح المجرد ونقول عن تلك الأحاديث إنها صحيحة مع أن هناك أئمة قالوا عن هذه الأحاديث إنها منكرة، لا، أولئك الأئمة ما حكموا بهذه الأحكام إلا بدراية ومعرفة، وهم جهابذة نقاد عارفون بعلل الأحاديث، فلا ينبغي في هذه الحال أن نهدر أقوالهم وأحكامهم على هذه الأحاديث، بل يجب أن نجعلها نصب أعيننا.(1/196)
لكن إن وجدنا الأئمة اختلفوا في حكمٍ على حديثٍ واحد، على سبيل المثال حديث يخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ويخالفهم مثلا أبو حاتم الرازي كما ذكرتُ سابقًَا والبرديجي، فيقول عن هذا الحديث: إنه منكر، في هذه الحال يسعنا ما وسعهم من الاختلاف، إن رأينا وجهة نظر البخاري ومسلم هي الأصوب لا حرج أن نأخذ بهذا، وإن رأينا وجهة النظر الأخرى هي الأصوب فلا حرج أن نأخذ بهذا، وسعة الأفق هذه ورحابة الصدر ومعرفة آداب الخلاف هي التي تجعل المسلمين يعيشون في وئام ووحدة وبعد عن الخلاف.
لكن المشكلة أن هناك الآن تعميق لدائرة الخلاف في بعض القضايا التي لا تستحق مثل هذه الإجهارات، فنحن ننصح بمراعاة أدب الخلاف التي كانت عند سلفنا الصالح، ما وجدنا والله الإمام أحمد راح يشنع مثلا على الشافعي وقال أنت ترد سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل يبجله ويعظمه ويعده شيخه، وهذا الأدب ينبغي أن نتحلى به أيضًا نحن في معاملتنا بعضنا مع بعض.
ذكرتم أن الدارقطني وابن الشهيد تتبعا أحاديث عن البخاري ومسلم، هل هناك من الأئمة من تتبع كلام الدارقطني هذا وأجاب عليه؟ أم سلم الكل لكلام الدارقطني على البخاري ومسلم؟
السؤال الذي ورد من أحد الإخوة، هل هناك من أجاب عن هذه الأحاديث التي انتقدها الدارقطني أو غيره على الصحيحين؟ فأقول إن أشهر من تكلم عن أحاديث الصحيحين هو الداقطني رحمه الله وعلى وجه الخصوص في كتابه التتبع، وهو مطبوع كما هو معلوم، نعم هناك من أجاب عن أحاديث الصحيحين، فالبنسبة للبخاري أو ما اتفقه البخاري ومسلم عليه ممن انتقده الدارقطني نجد الجواب عليه عند الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري المسمى هدي الساري"، وقد بذل الحافظ ابن حجر وسعه في محاولة الرد على هذه الانتقادات التي وُجهت لهذه الأحاديث، وهو مجتهد والبخاري مجتهد والدارقطني مجتهد، فرحم الله الجميع.(1/197)
قد يكون الحق فعلا في صف البخاري ويوضح ذلك الحافظ ابن حجر ويجليه، وقد يكون الحق في صف الدارقطني، وقد يعترف له الحافظ ابن حجر أحيانًا ويسلم له بذلك الانتقاد، وقد يكون الحافظ ابن حجر اجتهد ولا نوافقهه على اجتهاده ونرى وجهة نظر الدارقطني هي الصائبة، كل هذا محتمل، فكلهم أئمة رحمهم الله تعالى.
فيه أيضًا أجوبة أبي مسعود الدمشقي عما تكلم فيه الحافظ الدارقطني من أحاديث الصحيحين، لكن الكتاب ما تضمن إلا أحاديث يسيرة، لكن يمكن أن يُستفاد منه أيضًا.
بالنسبة لأحاديث مسلم لم ينهض أحد من الأئمة السابقين للجواب عنها، ولكن قام بذلك الشيخ ربيع وفقه الله، فرسالته أظنها للدكتوراه بعنوان "بين الإمامين مسلم والدارقطني" تكلم عن هذه الأحاديث التي أعلها الدارقطني عند مسلم على الطريقة التي سلكها الحافظ ابن حجر في هدي الساري، والكتاب نافع وجيد، وأنصح بالاستفادة منه.
كما أن هناك بعض الأحاديث التي انتقدت على مسلم من زاوية أخرى على وجه الخصوص فيما يتعلق بالانقطاع، وهذا قد أجاب عنه الحافظ رشيد الدين العطار في كتابه "غرر الفوائد المجموعة فيما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة"، وهو كتاب من أروع ما كُتب في هذا الفن، فأنصح كذلك بقراءته والاستفادة منه.
فيه كتاب شرح نخبة الفكر مطول أو مختصر ينصح به الشيخ؟(1/198)
أحد الإخوة سأل عن شرح للنخبة، وهذا تكلمنا عنه، يعني ذكرنا الشروح، قلنا فيه بتحقيق الأخ علي الحلبي، فيه بتحقيق الدكتور عبد الله الرحيلي، فيه بتحقيق الدكتور ناصر الدين العتر، فيه بتحقيق عمرو عبد المنعم، يعني عدة تحقيقات موجودة في الساحة، قد يكون بين هذه الطبعات شيء من الاختلاف لا أستطيع أن أقول إن هذه الطبعة أفضل من تلك، لكن قلت سابقًا إن الطبعة التي بتحقيق الأخ علي الحلبي فيها تعليقات للشيخ الألباني رحمه الله، كذلك تعليقات للأخ علي، يعني يمكن أن يستفيد منها طالب العلم، ولا يعني هذا التفضيل من جميع الوجوه على الطبعات الأخرى، لأني ما قارنت وما وازنت بين هذه الطبعات على أساس أن أقول إن هذه أصح من تلك أو الأخرى.
السؤال عن كتاب يتحدث عن أسماء الرجال والحكم عليهم.
الأخ أيضًا سأل عن كتاب في الحكم على الرجال، فيه كتاب تقريب التهذيب يمكن أن تستفيد منه أيها الأخ السائل، لأن الحافظ ابن حجر يذكر كل رجل بالحكم الحازم عليه، يقول هذا ثقة، هذا ضعيف، هذا متروك، وهكذا.
ما نصيحة شيخنا لطالب العلم بصفة عامة وطالب علم الحديث على وجه الخصوص؟
أما النصيحة التي أوجهها لطلبة العلم عمومًا ولطلبة علم الحديث على وجه الخصوص، فأولها ضرورة التجرد وإخلاص العمل لله، هذه أهم نصيحة ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم في جميع شئونه، بل والمسلم عمومًا، فإخلاص العمل لله هذا ينبغي أن نضعه نصب أعيننا، وهذا هو قاصمة الظهر، وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن آداب المحدث وطالب الحديث أن أول أدب اشترك فيه الشيخ والطالب هو هذا الأدب، وهو ضرورة إخلاص العمل لله جلّ وعلا، يركز على هذا المحدثون ويهتمون به اهتمامًا بالغًا.(1/199)
ويوردون كلامًا لبعض الأئمة مثل عبارة سفيان الثوري "طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله"، فعلا من طلب هذا العلم حتى وإن طلبه لغير الله فإن هذا العلم يدل الإنسان على الإخلاص، لأنه إذا ما نظر في نصوص الشريعة التي وردت من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفيها التنفير من الشرك الخفي، من الرياء، من العجب بالعمل من مقارعة الأقران، من إرادة الإنسان بعمله الدنيا، نصوص كثيرة مخوفة، وآيات وأحاديث كثيرة تحث على إخلاص العمل لله جلّ وعلا.
ثم القراءة في سير الصالحين، أحث على الإكثار منها، لأن مطالعة سير الصالحين تجعلنا نأتسي بما كانوا عليه من أخلاق وآداب وسيرة عطرة جدًا، فيها من مظاهر الإخلاص الشيء الذي يجعل الإنسان يسبح في خيال.
كذلك أيضًا مصاحبة الصالحين في هذا الزمن من مشايخ ومن طلبة علم، فإن الإنسان إذا اتخذ الصحبة الخيرة التي تتصف بالإخلاص ويظهر عليها جانب الصلاح فإن الإنسان يتأثر بمن يصاحبه ويخالطه.
كذلك نحث على النفرة من الناس الذين طابعهم الرياء والعجب بالعمل، فالإنسان يتأثر ولابد بمن يخالطه.
كذلك أيضًا من النصيحة التي أوجهها العمل بالعلم، وهذا من داوعي الإخلاص، فالإنسان يجب عليه أن يكون حريصًا على العمل بما علم، والسلف الصالح كانوا يحثون على العمل بما علمه الإنسان ولو مرة واحدة، يعدونه من زكاة العلم، بل يقولون إن العمل بما علمه الإنسان مدعاة لحفظ هذا العلم، فأنت إذا سمعت حديث ( كلمتان حفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) وذهبت تطبق هذا الذي سمعته أنت حفظت الحديث تلقائيًّا.
في الحقيقة الكلام على النصيحة كثير، والوقت فيما أظن أنه انتهى، ولعلي إن شاء الله تعالى يكون في الكلام الآتي بإذن الله شيء من النصح الآخر، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى اللهم على نبينا محمد.
المتن:(1/200)
بسم الله الرحمان الرحيم، قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله ( وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق. فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ، ومع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر. والفرد النسبي: إن وافقه غيره فهو المتابع. وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد. وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار ).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قبل أن أبدأ في شرح هذه العبارات التي قُرئت سأطرح بعض الأسئلة فيما تقدم على الإخوة الذين يستمعون ويجيبون إن شاء الله تعالى كما صنعنا في الحلقة الماضية.
السؤال الأول: ذكرنا في الحلقة الماضية تعريف الحديث الحسن لذاته، فما التعريف الذي يمكن أن نستله ونخلص به للحسن لذاته من خلال الطرح الذي قدمناه؟
السؤال الثاني: ذكرنا بالنسبة لقول الترمذي عن الحديث حسنٌ صحيح أن الحافظ ابن حجر اختار توجيهين لهذا الكلام، فما هذان التوجيهان اللذان ذكرهما الحافظ ابن حجر؟
ونبدأ في درس هذا اليوم، يقول الحافظ عن زيادة راوي الحديث الحسن والحديث الصحيح ( وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية )، ويمكن أن يُعبر عن هذا بأن الشاذ مخالفة المقبول لمن هو أولى منه فيما يتعلق بضد الزيادة المقبولة، يعني عندنا الآن زيادة ثقة ويقابلها الشاذ، يعني إن لم تكن زيادة ثقة فإنها ستكون شاذة، وهذا كله سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.(1/201)
بالنسبة لزيادة الثقة المقصود بها ما يقع في الأسانيد والمتون من زيادات من بعض الثقات على ثقاتٍ آخرين، فيكون هناك اختلافٌ بين الثقات في سياق بعض الأحاديث، إما في الأسانيد أو في المتون، وهذه المخالفة التي تقع بين هؤلاء الثقات إما أن تكون مخالفة من واحد لجماعة، أو تكون مخالفة من واحدٍ لواحدٍ مثله، فإذا كانت المخالفة بين واحدٍ وجماعة، على سبيل المثال الحديث يرويه ستة نفر عن شيخٍ واحد كأبي إسحاق التبيعي على سبيل المثال، خمسة من هؤلاء الرواة رووا الحديث عن أبي إسحاق فذكروه موصولا، واحد من هؤلاء الذين رووه عن أبي إسحاق رواه مرسلا، يعني لم يذكر فيه الصحابي، فمن الذي نقدم روايته في هذه الحال؟ أو كيف نوفق بين هذا الاختلاف؟ الحافظ ذكر قيدًا قال: ( ما لم تقع منافية )، فإذًا الزيادة التي يزيدها راوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن بناءً على الكلام الذي مر معنا الأصل أنها مقبولة، سواءً من الثقة أو من الصدوق وهو الثقة الذي خف ضبطه، كما قلنا عن راوي الحديث الحسن.(1/202)
فإذا روى هذان الراويان حديثًا فيه زيادة، لاشك أنه حينما نقول فيه زيادة يدل هذا الكلام على مشاركة غيره له في الرواية، لو لم هناك مشاركة في الرواية ما الذي أدرانا أنها زيادة، يزيد على من؟! لابد أن يكون هناك مشارك له في الرواية، هذه المشاركة كما قلتُ إما أن تكون من قبل واحد مثله أو من قبل عدد، فالحافظ يقول: ( ما لم تقع منافية )، هذا يدل على أن الزيادة التي تأتي إما أن تكون زيادة فيها منافاة أو ليس فيها منافاة، هذا بناءً على هذا العرض الذي ذكره لنا الحافظ ابن حجر رحمه الله، وإلا ففي بعض كتب المصطلح يذكرون قسمًا ثالثُا وهي الزيادة التي فيها نوع منافاة، لكن هذه نتركها إن شاء الله تعالى لكتب المطولات حتى لا تأخذ علينا وقتنا؛ لأنا بحاجة إلى الوقت، وليس هذا موضع التطويل فيه، لكن المقصود الإشارة فقط إلى أنه ليس الكلام الذي كان يذكره هنا هو الكلام الذي يُسلم به على الإطلاق، فدعونا الآن فيما ذكره الحافظ ابن حجر، الزيادة إما أن تكون منافية أو غير منافية، نكتفي بهذا.
ما الزيادة المنافية وما الزيادة غير المنافية؟ هنا موطن الإشكال، فيحدد بعضهم الزيادة المنافية بأنها التي لا يمكن الجمع بينها وبين غيرها بحالٍ من الأحول، بمعنى أن تكون منافية من نفس الوجوه، كأن تنفي ما أثبتته الرواية السابقة أو العكس، ويمثلون على هذا بمثال ليس من الضروري أن يكون المثال صحيح، ولكن من أجل تقريب المعنى للأذهان، حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُروى عنه أنه قال ( ليس في المال حقٌ سوى الزكاة )، وفي حديثٍ آخر ( في المال حقٌ سوى الزكاة )، فعندنا الآن هذان الحديثان متعارضان، أحدهما يثبت أن في المال حقًا سوى الزكاة، الآخر ينفي أن يكون في المال حق سوى الزكاة، فيكون هنا منافة بين المتنين، لا يمكن إطلاقًا التوفيق بينهما، أحدهما يثبت والآخر ينفي، هذه هي الزيادة التي تكون منافية.(1/203)
قد يقول قائل أين الزيادة هاهنا؟ نقول ليس من الضروري أن تكون زيادة، ولكن المقصود بيان ما هي المنافاة التي يتكلمون عنها، الزيادة التي ليس فيها منافاة ما هي؟ قالوا مثل زيادة الإمام مالك في حديث زكاة الفطر، ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير من المسلمين )، غير الإمام مالك روى هذا الحديث فلم يذكر لفظة ( من المسلمين )، قالوا هذه اللفظة لا تنافي، لأنها مجرد زيادة فقط.
فهذا هو مفهوم المنافة، يعني إما أن تكون معارضة من كل وجه فلا يمكن التوفيق بينها وبين الرواية الأخرى، أو تكون يمكن قبولها مع قبول الرواية الأخرى، فإذًا المنافاة عندهم لابد أن تكون منافاة من كل وجه بحيث لا يمكن التوفيق بينها.
لكن هل هذه المنافاة بهذه الصورة هي التي يُسلم بها، الحافظ في شرحه ناقش هذه القضية وناقش كلام بعض العلماء وعلى وجه الخصوص الشافعية منهم، وعجب من صنيعهم كيف أنهم قالوا هذا الكلام وسلموا به بالرغم من أن كلام الإمام الشافعي في الرسالة يدل على خلاف هذا؟ وذلك أن الزيادة التي يتكلم عنها أهل الحديث غير الزيادة التي يتكلم عنها أهل الفقه والأصول، أهل الفقه والأصول ينظرون إلى حديثٍ من الأحاديث اختلف فيه الرواة، منهم من يصله، ومنهم من يرسله فيقولون: الذي وصل الحديث زائد، وزيادة الثقة مقبولة مادام أنها غير منافية، يقولون: ما المنافاة التي وقعت هاهنا بين من أرسل وبين من وصل؟ فالذي وصل لا تنافي روايته رواية من أرسل إنما زاد عليه زيادة، ما الزيادة؟ قالوا: ذكر الصحابي، أو الذي وقف الحديث والذي رفع الحديث، قالوا: الذي رفع الحديث زاد، ما الذي زاده؟ نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بينما الذي وقف الحديث جعل الحديث من قول الصحابي، فقالوا: هذا زائدٌ ولا تنافي بين الروايتين، هذا كلام من؟ كلام أهل الفقه والأصول.(1/204)
لكن أهل الحديث يقولون: لا، نحن ننظر نظرة أخرى، ولذلك نقول: إن أهل الاختصاص دومًا هم الذين يُسار إليهم في اختصاصهم، ما الذي نظر إليه أهل الحديث؟ مثل مجلسنا هذا الذي نحن فيه، سواء من قبلكم أيها الحضور هاهنا أو من قبل الذين يسمعون أيضًا عبر هذه الوسائل التي أتاحها الله جلّ وعلا لنا، فإذا تكلمتُ أنا في هذا المجلس بكلام، والغالبية العظمى نقلوا هذا الكلام على وجه، مثلا هذا التفصيل الذي ذكرته في قضية زيادة الثقة، لكن جاء واحد ونقل لفظًا لم ينقله البقية، أهل الحديث يقولون: مادام المجلس واحد وهؤلاء عددٌ من الراوية نحن لا نتصور أن يحفظ واحد وينسى جمع، هذا محال، فيقولون في هذه الحال: إن هذه الزيادة فيها منافاة، ما المنافاة؟ قالوا: لأنه يلزم من قبولها تخطئة الجمع والعدد الأكثر الذين رووا الحديث بدون هذه الزيادة، فمثل هذا لا يذهب إليه أهل الأصول والفقه.
فإذا كان هناك خلافٌ بين الرواة على راوٍ معين كأبي إسحاق التبيعي، بعضهم يرويه عنه متصلا، وبعضهم يرويه عنه مرسلا، والأكثر هم الذين رووه عنه متصلا والأقل هم الذين رووه عنه مرسلا، ففي هذه الحال لا نتصور أن يحفظ الأقل وينسى الأكثر، أما بالنسبة لأهل الفقه والأصول فينظرون لرواية الزائد، يعني الرواية المتصلة أو رواية الرافع، ينظرون إليها على أنها طريق مستقل تمامًا، فيقولون هذا فيه زيادة وهذا مثل الحديث المتصل الذي لا علاقة له بحديثٍ آخر.
بناءً على هذا نأتي لما قلنا: إن فيه منافاة سواءً على طريقة أهل الفقه والأصول أو على طريقة المحدثين، إذا قلنا إن الزيادة من الثقة مقبولة على فرض أن هذه الزيادة مقبولة عند أهل الفقه، وعند الأصوليين وعند المحدثين على حدٍ سواء، فمعنى ذلك أن هذا الحديث مقبول والزيادة هذه صحيحة لا إشكال فيها، لكن إن كان العكس كأن هذه الزيادة فيها منافاة لا يمكن قبولها، فالرواية هذه التي فيها الزيادة هي التي قال إنها تسمى الشاذة.(1/205)
فإذًا الحديث الشاذ بناءً على هذا، نعود إلى ما كنا ذكرناه حينما أشرنا إليه في تعريف الحديث الصحيح، ما يرويه الثقة مخالفًا من هو أوثق منه، هذا كلام الإمام الشافعي رحمه الله، لكن الحافظ ابن حجر أراد أن يجمع الكلام فيما يتعلق براوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن، لأننا لو قلنا في تعريف الحديث الشاذ ما يرويه الثقة مخالفًا لما هو أوثق منه معنى ذلك أننا تكلمنا عن ماذا؟ عن راوي الحديث الصحيح فقط، ولم نتكلم عن راوي الحديث الحسن، لكن الحافظ ابن حجر يقول: ينبغي للتعريف أن يشمل الاثنين كليهما راوي الحديث الحسن، وراوي الحديث الصحيح، فعبر بالتعبير الذي ذكرته قبل قليل وهو في تعريفه للحديث الشاذ، قال: ما يرويه المقبول مخالفًا من هو أولى منه، فالمقبول يشمل الثقة والصدوق، يعني راوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن، كلهم يشملهم وصف القبول، "مخالفًا من هو أولى منه" بدلا من قولنا "مخالفًا من هو أوثق منه"، لماذا؟ حتى يدخل فيه الصدوق، فالصدوق يمكن يخالف من هو أولى منه، يعني صدوقًا مثله ولكنه أولى منه بالقبول.
فلا نقيد هذا بالثقة، ولا نقول مخالفًا من هو أوثق منه؛ لأننا كأننا صرفنا الكلام إلى الثقة فقط ولم نتكلم عن الصدوق: وهو راوي الحديث الحسن.
فعرفنا الآن الفرق بين زيادة الثقة والشاذ إنه إن لم تكن زيادة ثقة فالحديث شاذُ، فإذا كان هذا الحديث الشاذ بهذه الثقة –يعني بقيد المخالفة-، هل لهم تعريفٌ آخر في الحديث الشاذ؟ قلنا نعم، إن هناك من يعرف الحديث الشاذ بأنه ما ينفرد به الثقة، فإذًا هناك تعريفان للحديث الشاذ: أحد التعريفين ما يذهب إليه بعض أهل العلم: بأنه ما ينفرد به الثقة، وهذا ذهب إليه مثل أبي عبد الله الحاكم، والخليلي صاحب الإرشاد.(1/206)
لكن الإمام الشافعي رحمه الله استدرك على هذا فقال: "ليس الشاذ ما ينفرد به الثقة، ولكن الشاذ ما يرويه الثقة مخالفًا لمن هو أوثق منه"، وكلام الإمام الشافعي ينبغي أن يكون أولى بالقبول؛ لأن لو قلنا إن الشاذ ما ينفرد به الثقة للزم على ذلك أن نرد جميع أحاديث الأفراد، أي الحديث الذي لم يرد إلا من طريقٍ واحد وهو الذي سميناه في السابق الغريب والفرد، فيلزم عليه أن نرد هذا، إلا إذا قلنا إنهم لا يعنون بالشذوذ الرد وإنما هو مجرد وصف للحديث، يعني حديث يرد من طريق واحد يكون هذا شاذًا مثلما لو نقول غريب أو فرد، إذا كان بهذا الشيء فلا مشاحة في الاصطلاح، لكن ينبغي أن يُقصر هذا الاصطلاح على صاحبه، فنقول هذا اصطلاح من؟ هذا اصطلاح الخليلي والحاكم، لكن لا يلزم منه أن يكون هو الشاذ المعتبر عند أهل العلم وهو الذي يلزم منه رد هذه الرواية.
جديرٌ بالذكر أن استعمال أهل العلم في القرون الثالثة الأولى على وجه الخصوص للفظة الشاذ نادرة الوجود، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بهذا التعريف الذي ذكرناه من حيث المخالفة، لكنهم يطلقون لفظ الشذوذ أحيانًا، يعني هو موجود في إطلاقاتهم ولكنه قليل، يطلقونه على الشيء المخالف عمومًا، يعني لا يلزم منه مخالفة ثقة من هو أوثق منه، لا، وإنما لو روى راوٍ حديثًا من الأحاديث مخالفًا لقواعد الإسلام العظام، يقولون: هذا حديثٌ شاذٌ، يعني لا يُلتفت إليه، بغض النظر عن كم الذي رووه، أو من الذي رواه هل هو ثقة أو غير ثقة، بل هل لهذا الحديث إسناد أو ليس له إسناد، لأنا وجدناهم يطلقون هذا الكلام أيضًا على أحاديث ليس لها أسانيد، فإذًا هم يتكلمون عن المتن من حيث هو، يعني يقولون: هذا المتن مخالف لقواعد الإسلام العظام فهذا شاذٌّ، يُترك، يُرمى، لا يُلتفت إليه، فهم لا يتكلمون عن الشاذ من الناحية الاصطلاحية التي نتكلم عنها، هذا موجودٌ في كلام بعض الأئمة.(1/207)
إذًا ما الذي يتكلمون عنه في هذه الحال، كانوا يستخدمون لفظة منكر، يطلقون وصف النكارة على الحديث الذي بهذه الصفة الذي فيه مخالفة أو الذي فيه تفرد لا يمكن قبوله، ذكرنا في الدرس السابق حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص في روايته عن الزهري عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ( إذا رأيت الدم الأسود فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الأحمر فتوضئي )، وقلنا إن أبا حاتم الرازي قال عن هذا الحديث لم يُتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية وهو منكر، فإذًا وصف رواية محمد بن عمرو بالنكارة.
وقد يصفون رواية الثقة أيضًا بالنكارة، مثل ماذا؟ مثل حديث رواه يحيى بن محمد النيسابوري وهو إمامٌ، رواه عنه مُسدد عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكرٍ في ثوبٍ واحد، هذا الحديث حدث به يحيى بن محمد النيسابوري وأبو زرعة كان جالسًا، فقال له أبو زرعة: الرازي هذا خطأ، ليس هذا هكذا، حدثنا مسدد، يعني أن أبا زرعة روى الحديث عن شيخ يحيى بن محمد النيسابوري، فقال حدثنا مسدد عن معتمر عن حميد عن أنس، يعني في رواية يحيى النيسابوري معتمر يرويه عن أبيه سليمان التيمي عن أنس، وأبو زرعة يقول: لا، ليس الحديث من رواية سليمان التيمي، وإنما من رواية معتمر عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه سليمان التيمي، فقال يحيى: اضروا عليه، يعني سلم لأبي زرعة؛ لأن أبا زرعة إمامٌ حافظ، يعني إذا نزل في الميدان فليس هناك مصارع.(1/208)
أبو حاتم الرازي أيضًا لما ذُكر له هذا الحديث قال: حدثنا ابن أبي شيبة وغيره عن معتمر، يعني هذه رواية غير رواية مسدد، يعني هذه متابعة لرواية مسدد من طريق أبي زرعة، فقال حدثنا ابن أبي شيبة وغيره عن معتمر عن حميد عن أنس، يعني كما قال أبو زرعة رحمه الله، لكن الشاهد يقول: ولو كان عن التيمي لكان منكرًا، لو كان الحديث عن سليمان التيمي لكان منكرًا، كيف يكون منكرًا والإسناد كله ثقات؟ قال: لأن هذه الرواية غريبة، فالحديث معروف أنه من رواية معتمر بن سليمان عن حميد، لكن إذا كان معتمر عن أبيه عن أنس فهذه رواية منكرة ليست هي الرواية المعروفة، يعني شذت عن الرواية المعروفة.
فإذًا هذا يدلنا على ماذا؟ على أنهم يطلقون لفظ النكارة على ما هو أعم، ما هو أعم من ماذا؟ أعم من القيد الذي ذكره الحافظ حينما حد الحديث المنكر: بأنه مخالفة الضعيف لمن هو أولى منه، فيقول: إذا كانت المخالفة من مقبول وهو الراوي الثقة أو الصدوق وهو راوي الصحيح أو الحسن، إذا كانت المخالفة من هذه صفته هذا نقول الشاذ، إذا كانت المخالفة مخالفة من راوٍ ضعيف أو صدوق لكن في حفظه ضعف أو من مستور يعني لم يُوثق من إمام معتبر، فالمخالفة في هذه الحال نقول عنها: منكرة، فيقول: إن هناك اشتراكًا بين الشاذ والمنكر في قيد المخالفة، يعني الشاذ مخالفة المقبول لمن هو أولى منه، والمنكر مخالفة الضعيف لمن هو أولى منه، لكن يفترقان في ماذا؟ في أن الشاذ مخالفة المقبول، وأما المنكر فهي مخالفة الذي لا يمكن قبول خبره على الانفراد وهو الضعيف أو المستور ونحوهما.(1/209)
فبهذا المثال الذي ذكرته يتضح أن الكلام عند العلماء السابقين أعم بالنسبة للمنكر، قد يطلقون المنكر على مخالفة الضعيف، على مخالفة المستور، على مخالفة الثقة، على مخالفة الصدوق، يتضح هذا من أمثلة عديدة عندهم، لكن بعد أن استقر الاصطلاح وإذا أردنا أن نفهم الآن في هذه المرحلة الابتدائية لنا المصطلح ينبغي أن نفهمه كما قال هؤلاء الأئمة بغض النظر عن هذا الخلاف، فنقول الشاذ مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو مخالفة المقبول لمن هو أولى منه، ونفهم هذا ونمشي، المنكر مخالفة الضعيف أو المستور لمن هو أولى منه، ونعرف الآن الفرق بين الشاذ والمنكر بهذه الصفة، يعني الشاذ له وصف والمنكر له وصف.
يُقابل الشاذ المحفوظ، يعني إذا قلنا إن الرواية التي زادها راوٍ أصبحت مقبولة عندنا ونسميها زيادة ثقة، يسمون هذه الزيادة أو ذلك الحديث المحفوظ، يعني ما يُقابل الشاذ هو المحفوظ.
ما يُقابل المنكر هو المعروف، فهذا شيءٌ معروفٌ شرعًا، المعروف والمنكر متقابلان، كذلك الشاذ والمحفوظ متقابلان، فالرواية التي يُحكم عليها بالشذوذ الراوية التي نافتها وأصبحت هي المقبولة هي التي نسميها المحفوظة، والراوية غير المقبولة هي التي نسميها الشاذة.
أظن بهذا الصفة أصبح عندنا وضوح إن شاء الله تعالى في المسألة، هل في شيء قبل الاعتبار والمتابع والشاهد؟
( ومع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر )
إذًا هذا مع الضعف، هو الذي تكلمنا عنه، وهو الحديث المنكر، لكن بناءً على هذا الكلام أيضًا الذي ذكره الحافظ هم يفصلون ويقولون أيضًا كما أننا قلنا في الشاذ إن له تعريفين: وهو أن بعض أهل العلم يقول عنه: إنه ما ينفرد به الثقة، كذلك أيضًا بعض أهل العلم قالوا عن المنكر إنه ما ينفرد به غير المقبول، يعني كالضعيف والستور ونحو ذلك، وأنا أقول إن أكثر إطلاقات أهل العلم وصف النكارة على الأحاديث بهذه الصفة، على سبيل المثال، ....(1/210)
المذيع: الاصطلاحية يا شيخ؟ الصفة الاصطلاحية؟ )
الصفة الاصطلاحية، يعني المنكر يُطلق على ما يتفرد به الضعيف والمستور، ويُطلق على ما يُخالف فيه الضعيف والمستور من هو أولى منه، يُطلق على الاثنين كليهما، لكن في استعمالات الأئمة سنجد الأول وهو التفرد ما يتفرد به الضعيف والمستور أكثر من وجود المخالفة.
وأمثل بمثال يذكرونه في كتب الصطلح وهو مثال جيد، فهناك راوٍ يُقال له أبو ذكير، هذه كنيته واسمه يحيى بن محمد بن قيس، روى عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان إذا أكله ابن آدم قال يا ويله عاش ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد )، هذا الحديث تفرد به ذكير هذا يحيى بن محمد بن قيس، هو عدلٌ في نفسه هذا الراوي، لكن مشكلته أن حافظته ضعيفه، ومسلم أخرج له في المتابعات والشواهد في صحيحه، هذا دليلٌ من مسلم على أن الأصل في هذا الراوي أنه عدل، لكن إخراجه له في المتابعات والشواهد يدل على أنه ما اعتمد عليه فيما يُحتج به، ولكن أخرج له فيما يتأكد لديه أنه أصاب فيه.
أبو ذكير تفرد بهذا الحديث عن هشام بن عروة، لم يروه عنه أحد غيره؛ ولذلك أطلق كثيرٌ من أهل العلم على هذا الحديث وصف النكارة، ومن جملتهم النسائي على سبيل المثال، فقال عن هذا الحديث: إنه منكر، كذلك غير النسائي.
فهذا إذًا مثال على ما يتفرد به من لا يُقبل تفرده مثل يحيى بن محمد بن قيس أبي ذكير هذا، تفرد عن هشام بن عروة بهذا الحديث، وتفرده عنه غير مقبول في هذه الحال، فحديثه هذا يُسمى حديثًا منكرًا.
بالنسبة لمسألة الشاذ، هل يُقال إن للشاذ ثلاثة تعاريف الأول: ما ينفرد به الثقة، والثاني: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو يُقال أيضًا هناك عموم بين التعريف الثاني والثالث وهو مخالفة المقبول؟ )
لكن ما الثالث؟(1/211)
المقبول عمومًا يشمل الثقة وغيره، والثاني خاص بالثقة، والثالث التفرد )
أقول إن الشاذ ليس له إلا تعريفان فقط، سواء قلنا: إنه مختص بالثقة أو بالمقبول، فليس هناك تنافي، إذا قلنا المقبول فيدخل فيه الثقة، فالثقة مقبول، فالحافظ ابن حجر حينما استخدم هذا اللفظ إنما استخدمه ليشمل راوي الصحيح وراوي الحسن على حدٍ سواء، لكن لماذا لم نجد مثل هذا القيد الذي ذكره الحافظ ابن حجر أو هذا التحفظ موجودًا عند العلماء السابقين، السبب ما كنت ذكرته في مرة ماضية: وهو أن العلماء السابقين ما كانوا يفرقون بين الصحيح والحسن، فالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان قد يخرجون أحاديث يمكن يحكم عليها بعض الناس بأنها حسنة، لكنهم لا يفرقون بين الصحيح والحسن، فلا يقولون: هذا صحيح وهذا حسنٌ، فبناءً عليه كل راوي حديث مقبولا عندهم يُقال له ثقة، لكن كلامنا كله بعد استقراء ابن الصلاح، يعني بعد مجيء ابن الصلاح ومن جاء بعده حينما حدوا هذه الأنواع بحدود وعرفوها بتعريفات، فنحن نمشي على هذا، ومن أراد بعد ذلك أن يدخل في مسائل الخلاف، هذا في كتب المطولات لا نتكلم عنه الآن، نحن الآن نريد أن نقرب هذه المادة لأصحاب المراحل الأولية.
ذكرتم يا شيخنا أن ربما يروي الراوي حديثًا فينفرد به، وغالبية طلاب الشيخ لا يرونه، ما يكون الشيخ في بعض الأحيان-وقد ذكرها علماء الحديث- أن الشيخ ربما يميز أحد الطلاب لذكائه أو حرصه فيعطيه حديثًا معينًا يرويه له في جلسة خاصة مثلا، أو يقولون: إن أحد الطلاب لم يحضر مثلا ذلك المجلس كان عند شيخٍ آخر أو كانوا خروجوا في وقت المجلس. )
كلامنا كله في حال اتحاد المجلس، ولذلك وصفت لكم في حال اتحاد المجلس، أما إذا اختلف المجلس كأن يخص الشيخ التلميذ برواية أخرى أو بمزيد علم ونحو ذلك هذا لا كلام لنا فيه الآن، هذا الكلام يأتي فيه في مواطن أخرى، لكن نحن الآن نتكلم عن الشاذ ما هو في مثل هذه الصفة التي تكلمنا عنها.(1/212)
نعم، إذا اختلف المجلس فهذه قرينة تدل على أن الراوي الذي جاء بالزيادة يمكن أن تُقبل روايته، لكن في بعض الأحيان قد ترد إذا كانت منافية منافاة تامة، لكن إذا كانت فقط مجرد زيادة من الزيادات التي يختلفون فيها كزيادة مثلا الرفع أو زيادة الوصل ونحو ذلك، فإنها تكون مقبولة إذا اختلف المجلس.
بالنسبة لتعريف الخليلي والحاكم، ذكرتم أحد توجيهين، إما أن يعود إلى وصف، أو يقصدون به رد الحديث، فهل وُجد في تطبيقات الخليلي أو الحاكم ما يعين المراد من أحد المعنين؟ هل يريدون فقط الوصف أو رد الحديث؟ )
إن كلام الخليلي يختلف عن كلام الحاكم في مثل هذه القضية، كلام الخليلي أشد وعورة من كلام الحاكم، فالخليلي يفصل بين ثقة وثقة، فيقسم الثقات إلى قسمين: ثقات جبال في الحفظ والإتقان مثل الإمام مالك، سفيان الثوري، شعبة بن الحجاج وأمثال هؤلاء، فهؤلاء يعد ما ينفردون به ليس شاذًا وإنما مقبولا، وثقات دون هؤلاء في الحفظ والإتقان وإن كان يشملهم وصف الثقة، فهؤلاء يحكم الخليلي على رواياتهم بالشذوذ، يظهر من وصفه رواياتهم بالشذوذ أنه يعني الرد، لكننا لا نجزم بهذ
؛ لأن الخليلي ليس ممن له كلام كثير في أحكامه على الأحاديث حتى نستقري أحكامه على الأحاديث ونقول: لا، إنه يقصد بالشذوذ مجرد الوصف كما قلنا في وصف الحديث الغريب أو الفرد، ليس هناك تطبيقات فيما أذكر تفيدنا في هذا.
لقد عرفتم الحديث الصحيح لذاته وكذلك الحديث الحسن لذاته، لكن الحديث الصحيح لغيره تطرقتم إليه من خلال الحسن لذاته، فلو أردنا أن نعرف الصحيح لغيره بشيءٍ من الدقة حتى نعرف الفرق بينه وبين الحسن لذاته، لأنه في مرتبة بين الصحيح لذاته والحسن لذاته. )(1/213)
أقول بالنسبة للحديث الصحيح لغيره: هم يعرفونه: بأنه الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، هذا تعريف العلماء، ولكن أنا أضيف عليه إضافة أخرى، وأقول: إنه كل حديث قصر عن رتبة الصحيح لذاته، ووُجد له جابر يجبره صحيح لذاته، يعني يشمل هذا الكلام حتى الضعيف، إذا جاءنا حديث من طريق ضعيف ومن طريق صحيح، فإن هذا الحديث الذي جاء من طريقٍ ضعيف أقول عنه إنه صحيح لغيره، يعني اكتسب الصحة لا بذاته ولكن بغيره، يعني تقوى بذلك الطريق الصحيح لذاته، فنستطيع أن نوسع دائرة الصحيح لذاته.
نبدأ في الموضوع الآخر وهو المتابع والشاهد والاعتبار، أولا ليس هناك في هذا المبحث إلا تصنفان، وهما المتابع والشاهد، الاعتبار ليس قسمًا ثالثًا، ولذلك يقول أهل العلم: الاعتبار ليس قسيمًا للمتابع والشاهد، يعني ليس قسمًا ثالثًا، ولكنه الهيئة التي يُتوصل بها لمعرفة المتابع والشاهد، ما المقصود بهذا الكلام؟ يقولون: إذا جاءنا حديثٌ فرد -فيما نرى-، يعني أمامنا حديث ما له إلا طريقٌ واحد أمامنا، فنحن نبدأ بالبحث والتخريج والتفتيش في كتب الحديث حتى نعرف هل هذا الحديث ورد من طريق أو ليس له إلا هذا الطريق؟ فهذه الطريقة أو الهيئة التي قمت بها، يعني عملية التفتيش والبحث أسميها الاعتبار، يعني قمت بالتفتيش والبحث وأسمي هذا اعتبارًا، فإذًا هو الهيئة التي يُتوصل بها لمعرفة الحديث الفرد هل له متابع أو شاهد أو لا، هذا بالنسبة للاعتبار.(1/214)
إذًا ليس أمامنا إلا قسمان: وهما المتابع، والشاهد، فما المتابع وما الشاهد؟ المتابع: هو الحديث الذي يُتابع فيه راوٍ تفرد بحديثٍ آخر، مثل ما قلناه حينما تكلمنا عن الحديث الغريب والفرد والحديث العزيز، إذا لم يكن للحديث إلا طريق واحد نقول عن ذاك الحديث: إنه فرد أو غريب، إذا جاء له طريق آخر عن صحابي آخر قلنا: إنه أصبح عزيزًا، لأنه أصبح مرويًّا من طريقين، كذلك أيضًا هنا، إذا وجدنا للحديث طريقًا آخر شاهدًا عن صحابي آخر سميناه عزيزًا أو سميناه متابعًا أو شاهدًا على ما سنبينه إن شاء الله تعالى، لكن عندهم تفريق بين المتابع والشاهد يتضح بالآتي، هناك من ينظر إلى الإسناد، وهناك من ينظر إلى المتن في التفريق بين المتابع والشاهد، الغالبية العظمى من أهل العلم ينظرون للإسناد وهو الأولى، لأن الآن القضية قضية تقوية للحديث، يعني نحن حينما نبحث هذا المبحث أو نتكلم في هذا المبحث نحن نريد أن نعرف كيف يمكن أن يتقوى الحديث الفرد الذي لم يرد إلا من طريقٍ واحد، لا يُتقوى إلا بالطرق، وأما المتون فهذه لها شأن آخر كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
فنحن إذًا نأتي للراوي الذي ظُن أنه تفرد بحديثٍ من الأحاديث ونبدأ نفتش ونجد له متابعًا، هذا المتابع يكون روى هذا الحديث عن شيخ ذلك الراوي نفسه، أو عن شيخ شيخه، أو الشيخ الذي فوقه، لكن أهم شيء أن يشترك معه في الصحابي نفسه، سأبين هذا إن شاء الله تعالى بالمثال، فإذا اشترك معه في الصحابي نفسه كأن يكون راوي الحديث الأول هو أبا هريرة، ويكون راوي الحديث الثاني عبد الله بن عمر، فإذًا نستطيع أن نقول: إن هذا يختلف عن هذا، لكن إذا وجدنا الحديث عن أبي هريرة نفسه، ولكن الراوي له عن أبي هريرة هو سعيد ابن المسيب هذا في الطريق الأول، وفي الطريق الثاني: هو سليمان بن يسار، نستطيع أن نقول: إن هذا متابع وليس شاهدًا.(1/215)
فعندهم المتابع إذا كان صحابي الحديث واحدًا، والشاهد إذا اختلف الصحابي يسمونه شاهدًا، فإذا كان الحديث مرويًّا عن أبي هريرة وابن عمر نستطيع أن نقول إن حديث ابن عمر شاهد لحديث أبي هريرة، والعكس كذلك، إذا كان الحديث كله عن أبي هريرة، ولكن يرويه عن أبي هريرة اثنان: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، نستطيع أن نقول: إن سليمان ابن يسار تابع سعيد بن المسيب.
عرفنا الآن الفرق بين المتابع والشاهد بناءً على هذا، وهناك من ينظر إلى المتن، يقول: نحن ننظر هل المتن واحد أو مختلف، فإذا كان متن الحديث واحدًا، على سبيل المثال ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار )، جاءنا من حديث أبي هريرة، وجاءنا من حديث الزبير بن العوام مثلا، نستطيع أن نقول: بناءً على هذا الكلام وهو من يلتفت إلى متن الحديث، نستطيع أن نقول: إن حديث الزبير بن العوام متابع لحديث أبي هريرة، ما السبب؟ قالوا: لأن اللفظ واحد، كله لفظهم ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ).
لكن حديث أبي هريرة أنا وجدت راويًا آخر يرويه عن أبي هريرة، يعني على سبيل المثال ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، لكن وجدتُ سليمان بن يسار روى هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ ( من تقول علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار )، المعنى واحد، لكن اللفظ اختلف، بدل ( من كذب علي متعمدًا ) ( من تقول علي ما لم أقله )، والتقول والكذب بمعنًى واحد، لكن اختلاف لفظي فقط لا غير، فيقولون: لا، مادام اللفظ قد اختلف هذا نسميه شاهدًا ولا نسميه متابعًا.
إذًا هذا كلام من، كلام الذين ينظرون إلى المتن فقط، أما كلام الذين ينظرون للإسناد وهو الأقوى والأصح فإنهم ينظرون إلى الإسناد، هل الصحابي واحد أو مختلف، فإذا كان الصحابي واحدًا فهذا يُسمى متابعًا، وإذا كان الصحابي مختلفًا فهذا يُسمى شاهدًا.(1/216)
لكن المتابع أيضًا ينقسم إلى قسمين: فالمتابعة هناك متابعة تامة، وهناك متابعة قاصرة، المتابعة التامة: إذا كانت في نفس الشيخ، والمتابعة القاصرة: إذا كانت في شيخٍ أعلى، وبالمثال يتضح المقال إن شاء الله تعالى، مثل الحافظ ابن حجر لهذا بمثالٍ جيد فيما نحن بصدده، فقال: روى الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما حديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا )، بهذا التصريح ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا )، قال معظم الرواة الذين رووا هذا الحديث عن الإمام مالك رووه بلفظ ( فإن غُم عليكم فاقدروا له )، لم يقولوا ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا ).
فظن بعض الناس أن الإمام الشافعي انفرد بهذا اللفظ، فذهبنا نبحث نعتبر، بناءً على ما قلت لكم: إن الاعتبار هو الهيئة التي يتوصل بها لمعرفة، هل لهذا الراوي من مشارك في هذه الراوية أو لا، فذهبنا نعتبر فوجدنا للإمام الشافعي متابعًا متابعة تامة، يعني يتابعه في شيخه وهو الإمام مالك، فوجدنا البخاري قد أخرج هذا الحديث من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن الإمام مالك بنحو هذا اللفظ ( فاقدروا له ثلاثين ) أو بنحو هذا اللفظ، المهم أن المؤدى واحد، وهو أنه تُكمل العدة ثلاثين يومًا، فارتفع بذلك ما نخشاه من تفرد الإمام الشافعي؛ لأنه قد يأتي متوهم فيقول جميع الرواة يروونه عن الإمام مالك بلفظ ( فاقدروا له )، والإمام الشافعي برغم جلالته انفرد بهذا، ألا نسميه شاذًّا؟ فنحن قبل أن نحكم بالشذوذ ينبغي أن ننظر فنعتبر الطرق، نفتش في كتب الحديث، لما فتشنا وجدنا هناك من تابع الإمام الشافعي متابعة تامة، يعني رواه القعنبي عن الإمام مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، فارتفع بذلك ما نخشاه من تفرد الشافعي.(1/217)
لما بحثنا أيضًا وجدنا متابعة قاصرة، المتابعة القاصرة: ليست في شيخ الشافعي وهو الإمام مالك ولكن فيمن فوقه، ما هذه المتابعة القاصرة؟ قالوا: وجدنا عبيد الله بن عمر روى هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر، وهذه الرواية عند مسلم بن الحجاج في صحيحه، عبيد الله ابن دينار روى هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك اللفظ الأول، فالمتابعة الآن جاءت في الصحابي، لم تأت لا في الإمام مالك ولا في شيخه عبد الله بن دينار، وإنما جاءت في الصحابي وهو عبد الله بن عمر، فهذه نسميها متابعة ولكنها متابعة قاصرة، يعني ما جاءت إلا من فوق، من أعلى.
والمتابعة التامة عند أهل الحديث أقوى من المتابعة القاصرة؛ لأنها تكون مشاركة من البداية، فهذا يدل على مزيد حفظ من الراوي الذي من البداية، ومع ذلك أيضًا وجدنا متابعة ثالثة وهي أن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر روى هذا الحديث عن أبيه محمد بن زيد عن أبيه عبد الله بن عمر أو عن جده عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذه المتابعة عند ابن خزيمة في صحيحه، فأصبح هذا الحديث فيه متابعة تامة وفيه متابعتان قاصرتان كما رأينا.
وجدنا هذا الحديث أيضًا له شواهد، بهذا اللفظ ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا ) أو ( فاقدروا له ثلاثين يومًا )، يعني بتحديد الثلاثين يومًا، وهذه الشواهد يصح أن نجعلها فيما يتعلق بالمتن وما يتعلق بالإسناد على كلا الصفتين اللتين ذكرتهما قبل قليل، فوجدنا هذا الحديث يرويه محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس، والرواية عند النسائي، ولفظه مثل اللفظ الذي رواه الإمام الشافعي تمامًا ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا )، فبناءً على الالتفات إلى الإسناد نسمي هذا ماذا؟ شاهدًا لأنه من رواية ابن عباس، نسميه شاهدًا، لكن بناءً على طريقة من ينظر إلى المتن نسميه متابعًا، لأن المتن هو المتن نفسه.(1/218)
وجدنا أيضًا هذا الحديث رواه محمد زياد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية أبي هريرة في صحيح البخاري، فأصبح الحديث الآن له شاهدان، من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عباس، فبهذا المثال يتضح لنا هذه الصورة بأكملها، سواء من حيث المتابع والشاهد على قول من يلتفت إلى الإسناد أو يلتفت للمتن، وبناءً أيضًا على التفريق المتابعة التامة والمتابعة القاصرة، وبهذه الصورة نكون قد انتهينا من هذا الدرس، نتيح الفرصة الآن للأسئلة.
السؤال عن الفرق بين المحفوظ والمعروف؟ )
كيف نعرف المتابع والشاهد في الصحيحين؟ )
هل هناك مخالفة بغير زيادة؟ )
المخالفات التي ترد حقيقة كثيرة، لكن نحن تكلمنا عن المخالفة التي تتعلق بالزيادة فقط، لكن هناك مخالفات بغير الزيادة، كأن تكون المخالفة الوادرة من بعض الرواة في مثل ما قلنا تغيير المتن بالمرة، أو تغيير الصحابي، فإذا كان مثلا عندنا الحديث يرويه بعض الرواة على أنه عن أبي هريرة، وبعضهم يرويه على أنه عن أبي سعيد، الآن ليس فيه زيادة، القضية قضية إبدال صحابي بآخر، فهذه من أنواع المخالفات ولا علاقة لها بالزيادة، هذه الكلام فيها حينما نتكلم عن الحديث المعلول لكن بتوسع، يعني لا نستطيع أيضًا أن نتكلم عن الحديث المعلول في مثل هذه العجالة، لكن هذه من أنواع العلة التي يعالجها أهل الحديث، إذا جاء حديث مرويًّا إن صحابي وهناك من رواه عن صحابي آخر، والشيخ واحد الذي حصل عليه الاختلاط واحد، فإنهم يوازنون بين الرواة بحسب إما الكثرة والقلة أو بحسب الأحفظ من غير الأحفظ، لعله يأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث المعلول مزيد تعريف بهذا.(1/219)
الفرق بين المحفوظ والمعروف بناءً على الكلام الذي ذكرناه: أن المحفوظ هو الحديث المقابل للشاذ، يعني لماذا حكمنا على هذا الحديث بأنه شاذ؟ لأنه خالفه حديثٌ آخر، فالحديث الذي حكمنا عليه بالشذوذ مردود، والحديث الآخر الذي لأجله حكمنا على هذا الحديث الآخر بالشذوذ ذاك نسميه المحفوظ، وهو المقبول الذي سنعمل به.
أما بالنسبة للمعروف فهو في مقابل المنكر، نحن فرقنا بين الشاذ والمنكر بأن الشاذ رواية المقبول والمنكر رواية غير المقبول، رواية غير المقبول كالضعيف والمستور، فالحديث المنكر بقيد المخالفة إذا قلنا ما يرويه الضعيف، والمستور مخالفًا من هو أولى منه أي مع قيد المخالفة، وذاك الحديث الذي حصلت له المخالفة وقدمناه على هذا الحديث الذي وصفناه بالنكارة، ذاك الحديث نسميه المعروف، يعني على سبيل المثال لو أن الراوي الضعيف خالف ثقةً، فرواية الثقة نسميها هي المعروفة، ورواية الضعيف نسميها منكرة.
هل تطلق النكارة على الراوي نفسه فيُقال منكر الحديث؟ )
هل من الممكن توضيح أكثر للزيادة متى تُقبل ومتى ترد؟ )
كيف أعرف الفرق بين السنة التقريرية وحادثة العين؟ كيف أفرق إذا قيل إن هذه واقعة عين وهذه سنة تقريرية؟ )
زيادة للذكر بعض الأذان، زيادة ( إنك لا تخلف الميعاد )، هل هي فعلا شاذة يا شيخ؟ وإذا كانت شاذة هل تكون صحيحة وتورد أم لا؟ وإذا كانت شاذة لم زادها البخاري في صحيحه؟ )(1/220)
الأخ علي سأل على المتابع والشاهد في الصحيحين، كيف نستطيع أن نعرف هذا، نقول: معرفة المتابع والشاهد في الصحيحين سهل، فإما أن يكون البخاري رحمه الله أورد الطرق في الموضع الواحد مثلا، يعني وأنت في الباب نفسه تجد البخاري أورد الحديث مثلا عن أبي هريرة وعن ابن عمر وعن عائشة وهلمة جرة، ولكنها في حديث واحد، وقد تجد البخاري جعل بعض هذه الأحاديث أو بعض هذه الطرق في مواضع أخرى، هذه المواضع الأخرى كيف تتوصل لها؟ أمامك بعض الطرق، فأنت لو نظرت مثلا في ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، أو بعض الطبعات الموجودة الآن في العصر الحاضر مثل طبعة بيت الأفكار الدولية، الواقعة في مجلد، صحيح البخاري في مجلد واحد، تجد أن الحديث توضع أرقام طرقه في كل مكان، فيقول لك: انظر رقم كذا وكذا وكذا، فتتابع هذه الأرقام من خلال هذه الطبعة التي سهلت وذللت لطلبة العلم الوصول إلى طرق هذا الحديث في جميع صحيح البخاري، وهذه طبعة بيت الأفكار الدولية، جيدة من هذه الحيثية.
فيه أيضًا كتاب تحفة الأشراف للمزي، يمكن أن تقف على الحديث في موطنٍ واحد في صحيح البخاري، تنظر للصحابي والتابعي والراوي عنه وهكذا، ثم تفتح تحفة الأشراف؛ لأنها مرتبة على الأسانيد، يعني الصحابي والراوي عنه والراوي عن الراوي عنه وهكذا، فإذا وجدت الحديث في تحفة الأشراف، فالمزي يبين لك، يقول: هذا الحديث رواه البخاري في الموطن الفلاني من طريق فلان، وفي الموطن الفلاني من طريق فلان، ويربط جميع طرق هذا الحديث في صحيح البخاري في مكانٍ واحد أمامك تستطيع أن تقف على الطرق كلها مجتمعة في مكانٍ واحد.(1/221)
وعلى كل حال، أنت إذا واصلت إن شاء الله تعالى المسيرة العلمية ستجد أن وصولك للمتابع والشاهد سواء في البخاري أو غيره سيكون سهلا وميسورًا إن شاء الله تعالى، وأنصحك في هذا بإما القراءة أو المتابعة في الأشرطة في بعض الدروس التي أُلقيت في تخريج الحديث، على سبيل المثال أنا فيما أذكر فيما يتعلق بأنا في دروة علمية في عام 1426هـ كانت في جدة، وألقيت دروسًا عن تخريج الحديث، نُسخت هذ الدروس وطُبعت في كتاب بعنوان طرق تخريج الحديث، الدروس هذه موجودة في أشرطة عند التسجيلات وموجدة أيضًا في مواقع الإنترنت، باستطاعتك أن تفتح الموضع مجانًا وتأخذ المادة العلمية على طول مباشرة، في كثير من المواقع موجودة هذه المادة الصوتية.
أي كتاب أستطيع من خلاله أن أتابع معكم، يعني أفضل كتاب يناسبنا نحن عامة الناس؟ )
هو كتاب نخبة الفكر للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، وموجود نسخة منه في الموقع حتى لا نقع في قضية الخلاف في النسخ، ثم شرح الشيخ معه.
المذيع: نعود يا شيخنا لاسم الموقع الذي يحتوي على دروسك. )
فيما أعلم أن هناك كثيرٌ من المواقع، من جملتها موقع نور الإسلام، ففيه المادة الصوتية، وأظن طريق الإسلام.
هل تطلق النكارة على الراوي نفسه فيقال منكر الحديث؟ )
نعم، النكارة تطلق على الراوي، فيُقال على الراوي: إنه منكر الحديث، هذا الراوي الذي يصفونه بهذا الوصف معنى هذا أنه شديد الضعف في كثيرٍ من الأحيان، وقد تكون هذه العبارة أُطلقت فيما يُراد به الضعيف، على كل حال هذا له تفصيل آخر، لكن الراوي الذي تكثر المناكير في رواياته، يعني يتفرد بأحاديث يحكم عليها أهل العلم بالنكارة أو يخالف الثقات، يقولون عنه: إنه منكر الحديث.
السؤال الثاني: الزيادة متى نعرف أنها مقبولة ومتى نعرف أنها غير مقبولة؟)(1/222)
إن الزيادة التي تُقبل هي الزيادة التي ليس فيها منافاة، والزيادة التي ترد هي الزيادة التي فيها منافاة، لكن المنافاة مفهومها يختلف بين أهل الفقه والأصول وبين المحدثين، فالمحدثون لا يخالفون أهل الفقه والأصول فيما قالوه في المنافاة، ولكنهم يزيدون عليها، فيقولون: نعم، المنافاة التي تكون من كل جهة نقول عنها إنها منافاة، صحيح، لكن نقول أيضًا عن الحديث الذي تقولون عنه: إنه ليس فيه منافاة، إنه قد يكون فيه منافاة أحيانًا إذا كان الراوي يروي رواية شاركه فيها أُناسٌ آخرون في مجلسٍ واحد، ولكنه زاد شيئًا لم يذكره هم، فنحن لا نتصور أن يحفظ واحد ويهم جمع.
في الحقيقة السؤال عن السنة التقريرية وواقعة العين أنا لا أجد فيه ملاقات حتى نقول إنه إشكال أو يحتاج إلى تفريق، هذا كلامٌ وهذا كلامٌ آخر، وأوضح هذا بالمثال، فالسنة التقريرية نضرب بها مثالا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أُكل بحضرته الضب فلم ينكر عليه، ولكن ما أكله هو عليه الصلاة والسلام، قال ( أجدُ نفسي تعافه )، لأنه لا يوجد بأرض قومه عليه الصلاة والسلام، لكن خالد بن الوليد أكل الضب في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وما قال له النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يجوز، فدل هذا على ماذا؟ على إباحة أكل لحم الضب، هذا حكم استفاده أهل العلم.(1/223)
لكن حادثة العين أو واقعة العين هذه يتكلمون عنها في حال مخالفة الحديث لأحاديث أخرى مثلا، أو كون الحديث يحتاج إلى من يوجه متنه فيُقال هذه حادثة عين، على سبيل المثال إذا جاءنا مثلا في الحج واقعة معينة، مثل حديث الخثعمية، يقولون: هذه واقعة عين لا تعم ما سواها، فلا نستفيد من حديث الخثعمية عند من يقول: إنها كانت كاشفة عن وجهها أو يستفيد هذا الكلام من كونها مثلا وُصفت بأنها حسناء، يقول: يلزم من كونه حسناء أن تكون كاشفة عن وجهها، ويلزم من هذا أنه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها في كل الأحيان، نقول لا، هذه واقعة عين، واقعة في الحج، والحج له أحكامه المختصة به، فلا تعمم هذه الحادثة على ما سواها، فلا يُستفاد منها الحكم المطلق بأنه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها في كل الأحيان، هذا لو سُلم بأنها كانت كاشفة لوجهها.
فواقعة العين حادثة معينة يخصها أهل العلم بخصوصية معينة فلا تعمم على ما سواها.
فإذًا ليس هناك رابط بين السنة التقريرية وواقعة العين، واقعة العين قد تكون في سنة تقريرية، وقد تكون في سنة قولية، وقد تكون في سنة فعلية، كل هذا ممكن.
ما الضابط للراوي الذي يخف ضبطه، هل يكون تفرده تفردًا منكرًا أم غير منكرًا؟ يعني كيف نفرق بينه وبين الحسن؟ ذكر الشيخ أمثلة لرجالٍ خف ضبطهم فيكون تفردهم تفردًا منكرًا، فكيف نفرق بين هذا وبين أحيان يكون حديثه حديث حسن لذاته؟ )
السؤال عن صعوبة مادة مصطلح الحديث؟ )
على كل حال أقول مستعينًا بالله، بالنسبة لصعوبة المادة إن شاء الله تعالى إنها لن تكون صعبة، وأنا وعدت بإذن الله أننا سنعرض بالحاسب الآلي إن شاء الله تعالى بعض ما يعين على تصور هذا الكلام الذي نذكره، وسيكون فيه تعليق إن شاء الله تعالى على هذه الأشياء التي تُعرض في حينها بما يشبه التلخيص لما كنا أخذناه بإذن الله تعالى، فأسعى إن شاء الله جاهدًا في محاولة تذليل هذه المادة بقدر المستطاع.(1/224)
والوحد منكم أيضًا أيها الإخوة ينبغي أن يكون صاحب عزيمة، فليس هناك أفضل من العزيمة الجادة، الذي يجد الشيء صعبًا أمامه ليس هناك أفضل من الاقتحام، كم من الناس الذين كانوا في أثناء الدراسة يستصعبون بعض المواد، فيبذل جهده حتى تكون هذه المادة أسهل المواد كلها.
هذا شيء يمكن أن يكون مجربًا، أنا كنت أستصعب بعض المواد، فلما اهتممت بها صرت أحبها وأحب النقاش فيها، وهي غريبة عن تخصصي أيضًا.
البخاري لم يروها، لا أدري لم قال الأخ حفظه إن البخاري أوردها؟ فأقول هذه الزيادة ليست في البخاري، وهي زيادة منكرة في الحقيقة، زيادة ( إنك لا تخلف الميعاد هذه لا تصح ولا تثبت )، فقط لأجل تصحيح المعلومة إنها ليست في البخاري.
وكونها أخرجها غير البخاري هذه مخرجة بلا شك، لكن المقصود يمكن يشكل على بعض الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية فيما أذكر أوردها في كتابه الكلم الطيب، إيراده لها لا يلزم منه التصحيح.
هل المخالفة تكون في المتن أم في السند أم فيهما معًا؟ )
أما المخالفة فقلتُ إنها تقع في الإسناد والمتن على حدٍ سواء، قد يُخالف في الإسناد وقد يخالف في المتن، المخالفة في الإسناد مثل أن يروي الإسناد الذي أُرسل فيرويه متصلا، أو يأتي لمتنٍ من المتون فيزيد فيه زيادة لم يذكرها الرواة الآخرون.
ما حكم العمل بالحديث الشاذ؟ )
أما العمل بالحديث الشاذ فلا يُعمل به، إلا إذا كان الذي يعمل به من أهل الاجتهاد وقال: إن هذا الحديث ليس شاذًا وإنما هو مقبولٌ عندي، فالمجتهد له شأنٌ آخر، أما إذا قضينا على الحديث أنه شاذ وحكمنا عليه بهذا الحكم فلا يُعمل به؛ لأنه من أنواع الحديث الضعيف.
مخالفة الراوي لقرينه، هل يدخل هذا في الحديث الشاذ؟ )(1/225)
مخالفة الراوي لقرينة قد تكون من باب الشذوذ وقد تكون من باب زيادة الثقة، فإذا كانا متساويين وكلاهما ثقة، وأمكن حمل الرواية الأخرى على أنها زيادة لا تنافي الزيادة الأخرى، فنقول: إن هذه الرواية مقبولة وهذه الرواية مقبولة، وكلا الروايتين صحيحة.
لكن إن كانت متضادة من كل وجه كأن ينفي الآخر ما أثبته الآخر، فلابد من ترجيح إحدى الروايتين، ففي هذه الحال يُرجح الأحفظ، يعني يُنظر أيهما أحفظ وأمتن في العلم فروايته هي التي تكون محفوظة ورواية الآخر هي التي تكون شاذة.
ما الضابط للراوي الذي يخف ضبطه، هل يكون تفرده تفردًا منكرًا أم غير منكرًا؟ يعني كيف نفرق بينه وبين الحسن؟ ذكر الشيخ أمثلة لرجالٍ خف ضبطهم فيكون تفردهم تفردًا منكرًا، فكيف نفرق بين هذا وبين أحيان يكون حديثه حديث حسن لذاته؟ )
في الحقيقة أقول للأخ السائل، واضح أنه طالب علم إن شاء الله، لأن سؤاله دقيق، الضابط في التفريق بين من يعد تفرده تفردًا منكرًا ومن يكون تفرده حسنًا لذاته، كيف نستطيع أن نفرق بين هذا وذاك، أقول يا أخي هذه المسألة من عويصات المسائل، ولا تطمع أن تجد ضابطًا منضبطًا، هذا هو الذي أشرنا إليه في مرة سابقة أن الذهبي قال: لا تطمع أن تجد للحسن ضابطًا، هو له دخل في سؤالك الذي سألت عنه.
على سبيل المثال، عندنا محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة، معظم كلام أهل العلم يقولون: إن حديثه حديثٌ حسن، لكن في بعض الأحيان نجد الإمام أحمد رحمه الله يعد ما يتفرد به محمد بن إسحاق تفردًا مقبولا فيقبل الحديث أحيانًا، كتفرده بحديث سهل بن حنيف في رش الثوب من المذي إذا أصابه، الإمام أحمد له في هذا الحديث عدة روايات، مرة قبله وقال به وافتى بموجبه، ومرة رده وعده منكرًا فلم يقبله من محمد بن إسحاق، ومرة تردد فيه فقال: إن ثبت قلتُ به، فهذا يدل على أن هذه المسألة فيها شيء من الحساسية.(1/226)
لكن في بعض الأحيان لا نتردد أن نقطع على هذا الحديث بأنه منكر، إما مع وجود مخالفة أو لكون الذي تفرد لا يُقبل تفرده في هذه الحال، مثل تمثيلنا بتفرد محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري، محمد بن عمرو لو تفرد بحديثٍ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن على سبيل المثال ما استنكرنا عليه هذا، لماذا؟ لأنه هو راوي أبي سلمة بن عبد الرحمن، لكن لما تفرد عن الزهري قلنا عن تفرده في هذه الحال إنه منكر، لماذا؟ لأن الزهري له كبار تلاميذ، الإمام مالك، سفيان بن عيينة، معمر بن راشد، ومسلم بن يزيد الأيلي، عقيل بن خالد، الأوزاعي، الليث بن سعد، أئمة كثر، كلهم من كبار تلاميذ الإمام مالك، هؤلاء لا يروون هذا الحديث ولا يرويه إلا محمد بن عمرو بن علقمة الذي ليس من الملازمين للزهري، ولا من الذين غرفوا علمه كهؤلاء الأئمة؛ فيستنكر الأئمة تفرد محمد بن عمرو عن الزهري بهذا الحديث، فيقولون: هذا الحديث منكر كما رأينا من كلام أبي حاتم الرازي.
في الحقيقة الكلام في هذا طويل، وأنا أنصحك يا أخي بالقراءة في كتاب النكت للحافظ ابن حجر في هذا المبحث بالذات، في مبحث الحديث المنكر، لعلك تجد ما يشفيك إن شاء الله تعالى.
السؤال حول العمل بالحديث الشاذ، هل هو من الأحاديث الضعيفة على كل حال؟ )
نحن نتكلم الآن على هذا التقليد الاصطلاحي الذي تكلمنا عنه، فبناءً على كلامنا، فنعم، يكون الحديث الشاذ مردودًا على كل حال، أما لو جئنا مثلا لكلام الخليلي أو الحاكم، فالكلام هناك له منحًى آخر، وأنا لا أفضل أن نخوض في هذه المعمعة الآن، لا بأس إن شاء الله تعالى لما نشرح ألفية العراقي ونخوض في ذلك العلم الجم، إن شاء الله تعالى لا مانع أن نوسع الصدور لمناقشة هذه القضية، لكن في هذه العجالة لا نستطيع.
هل يمكن تعريف المتابعة التامة بأنها مشاركة الراوي من أول الإسناد، والمتابعة القاصرة هي مشاركة الراوي أثناء الإسناد؟ )
مضبوط، هذا جيد.(1/227)
هل الحديث الحسن لغيره هو الحديث الضعيف الذي تتعد طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي أو كذبه؟ )
نعم، هذا سيأتي، الحديث الحسن لغيره، الحافظ ابن حجر أجل الكلام عنه فيما بعد، ولكن ما ذكرته يا أخي، نعم، صحيح، الحسن لغيره هو الضعيف إذا تعددت طرقه لكن بشرط أن لا يكون ضعفه شديدًا.
الحديث الشاذ، هل هو ما رواه الثقة مخالفًا لمن هو أوثق منه بكمال العدالة أو تمام الضبط، أو كثرة العدد، أو ملازمة المروي عنه؟ )
هذا فيه تفصيل دقيق بناءً على هذه الأوصاف التي ذكرها الأخ، فنحن نقول عن الثقة والثقة الآخر إنما اشتركا في العدالة والضبط، لكن أحدهما أضبط من الآخر من حيث الحفظ، الآن رجحنا بالحفظ، فالعدالة لا تؤثر في هذه الحال، الذي يؤثر هو الضبط.
لكن الأخ أشار إلى قضية مهمة وهي ملازمة الراوي للشيخ ونحو ذلك، نعم، هذه أوصاف زائدة، وهذه من مباحث علم العلل لها شأن آخر، يعني لا نريد أن ندخل فيها، يعني هناك قرائن لترجيح الروايات المختلفة، من هذه القرائن أن يكون الراوي ملازمًا للشيخ أكثر من الراوي الآخر، ففي الحال نعم، تُقدم رواية الملازم على رواية الأقل ملازمة.
يقول الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله في شرح النخبة أنه لا فرق بين كلمة "صحيح حسن" و"حسن صحيح"، هل نفهم من ذلك أن ذلك من باب التنويع، أم إن هناك شيء يشير إليه الشيخ محمد؟ )
على كل حال، قولهم صحيح حسن هذا لا يكاد يوجد، لا أنفي وجوده مطلقًا، لكني أقول إنه إن وُجد فهو نادر جدًا، ولذلك مناقشة النوادر لا تفيدنا كثيرًا، وإنما الذي وُجد وبخاصة في إطلاقات الترمذي "حسنٌ صحيحٌ"، فـ "حسنٌ صحيحٌ" بناءً على التوفيق الذي كنا ذكرناه أو ذكرنا خلاصته، ولعلنا إن شاء الله تعالى في المطولات تأتينا مزيد تفصيل.
هل حديث العبد يفيد العلم أم لا يُقبل؟ )(1/228)
في مجال الرواية عند أهل الحديث لا يُفرقون بين حر وعبد وذكر وأنثى وغني وفقير ورئيس ومرؤوس، الجميع عندهم سواسية كأسنان المشط، المهم العدالة والضبط، سواء كانت العدالة والضبط في حرٍ أو عبد.
ما صحة حديث "من أراد الفقر الدائم فليغني والأذان يؤذن، ومن أراد الفقر فليغني بين الأذان والإقامة"؟ )
لا أعرف هذا الحديث، ولا أدري هل هو حديثٌ مرويٌّ أم لا.
لماذا اعتبر الإمام أحمد حديث ( إنما الأعمال بالنيات منكرًا )؟ هل الحكم هذا لكونه عرف المنكر بأنه ما تفرد به الراوي مطلقًا سواءً كان ضعيفًا أو ثقة؟ )
في الحقيقة هناك بعض الأحاديث التي قد نجدها في الصحيحين، وأنا أشرت في مرة سابقة إلى هذا، يطلق عليها بعض الأئمة الآخرين وصف النكارة، ويقصدون بذلك التفرد، تفرد راوٍ من الرواة بذلك الحديث، مثل حديث ( من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب )، تفرد به خالد ابن مخلد القطواني، فهذا الحديث بعضهم عده منكرًا، مع أن البخاري أخرجه في صحيحه، فهذا لا يؤثر علينا؛ لأن المسألة مسألة اختلاف أقوال أئمة، إن كان الذي تعرض لهذا الاختلاف من طلبة العلم الأقوياء المتمكنين فرجح مثلا قول الإمام الذي قال عنه إنه منكر ورد الحديث هذا يعذر، وإن كان ترجح له الرأي الآخر أيضًا هو معذورٌ في هذا، وإن كان ليس من أهل الاجتهاد فنقول له ابق على الأصول، الصحيحان لا تتعرض لهما ولا تطرق إليهما طريقًا أبدًا.
وصلى اللهم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قبل أن أبدأ في درس هذا اليوم نطرح كالعادة بعض الأسئلة التي فيها مراجعة لما كنا أخذناه في الدرس الماضي.(1/229)
السؤال الأول: كان الكلام في الدرس الماضي عن الزيادة على ما يقع من رواية راوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن، وفصلنا في هذه الزيادة، فما حكم الزيادة على راوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن؟ ذكرنا أنها تنقسم إلى قسمين، فالزيادة التي يُحكم عليها بالشذوذ والزيادة التي يُحكم عليها بالنكارة، فنريد تعريفًا للشاذ ونريد تعريفًا للمنكر.
السؤال الثاني: كذلك أيضًا تكلمنا عن الحديث الفرد إذا أردنا أن نتتبع طرقه، ونرى هل لراوي ذلك الحديث الفرد من متابعٍ أو لا، فنريد أيضًا تعريف الاعتبار والمتابع والشاهد على ما كنا فصلناه في الدرس الماضي.
لعلنا نبدأ بقراءة موضوع درس اليوم.
بسم الله الرحمان الرحيم، يقول المؤلف ابن حجر رحمه الله تعالى ثم المقبول: إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عورض بمثله فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث. أو لا وثبت المتأخر فهو الناسخ، والآخر المنسوخ، وإلا فالترجيح، ثم التوقف ).
نقول: بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، في موضوع درسنا لهذا اليوم ذكر الحافظ رحمه الله أن الحديث المقبول قد يُعارض وقد لا يُعارض، فالحديث المقبول الذي ليس له معارض هذا هو الأصل، وغالبية الأحاديث التي تُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها معارض، أو الأحاديث التي تُروى في بطون كتب السنة ليس لها معارض، هذه هي الغالبية العظمى وهي الأصل، ولذلك لا يُستحسن أن نمثل في هذه الحال بحديثٍ ليس له معارض، لأن كل الأحاديث التي تُروى الأصل فيها عدم المعارضة.(1/230)
لكن بما أن هناك بعض الأحاديث التي يبدوا أن بينها شيئًا من التعارض، فهذه الأحاديث اهتم علماء الحديث بوضع قواعد للتعامل معها، هذه القواعد هي التي نتكلم عنها في درسنا هذا اليوم، فنقول: إن الحديث الذي يُعارَض إما أن يُعارَض بحديثٍ مثله في القوة أو بحديثٍ أقل منه في القوة، وهذه المعارضة إما أن يمكن التوفيق والجمع بين هذين الحديثين المتعارضين، أو لا يمكن؛ لذلك سنأخذها على التسلسل الذي ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله.
فنقول: إن أي حديثين أو أكثر من حديثين، ربما كانت الأحاديث المتعارضة كثيرة، ربما ورد بعض الأحاديث التي تدل على معنًى وأحاديث أخرى يبدو من ظاهرها أنها تدل على معنًى معارض لذلك المعنى، فكيف نتعامل مع هذه الأحاديث، فنقول إن علماء الإسلام رحمهم الله تعالى من أهل الفقه والأصول وعلماء الحديث اهتموا بهذا الجانب اهتمامًا بالغًا جدًا، فقالوا نسلك مسلكين، المسلك الأول مسلك التوفيق والجمع بين هذه الأحاديث ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فإن تعذر الجمع والتوفيق بين هذه الأحاديث فليس أمامنا إلا الترجيح، هناك من يجعل -مثل الحافظ ابن حجر- بينهما مسلكًا أنا أرى أنه من مسالك الترجيح، وهو مسلك النسخ، فالنسخ من مسالك الترجيح أيضًا، لأننا إذا أخذنا بحديثٍ نعده ناسخًا وتركنا حديثًا آخر الذي نرى أنه منسوخ معنى ذلك أننا رجحنا هذا الحديث الناسخ على الحديث المنسوخ من حيث العمل، ليس الترجيح فقط من حيث التضعيف والتصحيح وغير ذلك، لا، بل حتى من حيث العمل.(1/231)
فلذلك نقول: أول المراتب، أو أول المسالك التي ينبغي أن نسلكها مسلك التوفيق والجمع بين الأحاديث، وهذا المسلك مهمٌ جدًا للغاية، وقد اعتنى به العلماء عناية فائقة لأنا بهذا المسلك يمكن أن نجعل جميع الأحاديث الوردة معمولٌ بها، فلا نترك شيئًا من النصوص الشرعية، وفي هذا المسلك تعظيم لنصوص الشرع وأدلته، وعلى وجه الخصوص لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد يشك أن القرآن مُعظمٌ عند الجميع، ولكن بسبب وجود بعض الفرق التي لها موقف من سنة النبي صلى الله عليه وسلم حصل التأكيد من أهل العلم على هذا الجانب حتى تكون هيبة هذه الأدلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم مشابهة أيضًا لهيبة الأدلة القرانية.
ومسلك التوفيق هذا قد يختلف بين عالمٍ وآخر، وهذا فهم وفقه يؤتيه الله جلّ وعلا يؤتيه الله من يشاء من عباده، ولذلك برع وبرز في هذا الفن أئمة جهابذة نقاد، حتى قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى "ليس هناك حديثان من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم متعارضين، ومن كان عنده شيءٌ من ذلك فليأتني به حتى أوفق له وأجمع بينهما"، ولذلك برز وبرع رحمه الله تعالى في هذا الجانب.
ولأهمية هذا الجانب أُلفت مؤلفات، إما بقصد رفع الإشكال عن عامة المسلمين، أو بقصد الرد على أولئك الطاعنين في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فأول من علمناه ألف في هذا الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه مختلف الحديث، هذا الكتاب أول ما طبع طبع مع الأم، وهذه الطبعة مشهورة ومعروفة وجيدة، هي أحسن من الطبعة التي طُبعت مفردة، لأن هناك من تكلم في هذه الطبعة، يبدو أن فيها شيئًا من التصحيفات والسقط ونحو ذلك، فكتاب الإمام الشافعي هذا أثنى عليه أهل العلم؛ لأن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ممن جمع بين الفقه والحديث، وهذه من أعلى المراتب.(1/232)
جاء بعد الإمام الشافعي ابن قتيبة عبد الله بن مسلم رحمه الله، فوجد المعتزلة بدءوا يشنعون على أهل الحديث ويستخدمون طريقة الإسقاط وضرب النصوص بعضها مع بعض دون روية ودون تمحيصٍ ودون تحقيق، فيقولون: إنكم يا أهل الحديث رويتم الحديث الفلاني، ورويتم الحديث الفلاني، وهذان الحديثان متناقضان، فيحاولون التشنيع بهذه الصفة التي وقف لها ابن قتيبة رحمه الله تعالى وقفة دعته إلى تأليف كتابه الرائع "تأويل مختلف الحديث"، وهو مجتهد رحمه الله تعالى، قد لا يوافق أحيانًا في بعض اجتهاداته في كلامه في هذه الأحاديث؛ لأنه في بعض الأحيان لا يهتم بصحة الحديث من ضعفه، وإلا لو رد عليهم وقال: إن هذا الحديث الذي زعمتم أنه مناقض للحديث الآخر هو حديثٌ ضعيف لأراح واستراح، ولكنه يحاول التأليف بين الأحاديث حتى وإن كان في بعضها شيءٌ من الضعف.
تلاه أيضًا أبو جعفر الطحاوي، والطحاوي رحمه الله كتب كتابًا كبير الحجم في هذا، فهو أفضل الكتب التي أُلفت في هذا الباب وهو "مشكل الآثار"، والكتاب مطبوع ومتداول وفيه علمٌ جم، وقد لا يوافق أيضًا الطحاوي رحمه الله على بعض اجتهاداته، وكما قلت: المسألة تعود للفهم والفقه، لكن العبرة بكثرة الصواب، فمثل هذه الكتب الصواب فيها كثير، والخير فيها كثير، ولله الحمد، وما يكون فيه من اجتهادٍ قد يُخالف فيه الإمام فهذا شيءٌ لا يعروا منه بشر.
هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض ويقف منها العلماء هذا الموقف لها أمثلة متعددة، ومن نظر في كتاب مشكل الآثار للطحاوي يجد الكم الهائل من الأحاديث التي قد يفهم منها بعض الناس شيئًا من التعارض، وإن كانت لا تعارض بينها في بعض الأحيان، ولكن الطحاوي رحمه الله يحاول أن يسوف ما يمكن أن يُتوقع أنه معارضة وإن لم يكن فيه تلك المعارضة الظاهرة.(1/233)
ولعلي أضرب على هذا مثالا على أساس نفهم كيف يعالج الطحاوي رحمه الله مثل هذه الآثار؟ أورد في كتابه مشكل الآثار حديث سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن للقبر لضمة -أو لضغطة- لو نجا أحدٌ منها لنجى سعد بن معاذ )، لقد ضُم ضمة ثم فُرج عنه، يقول الطحاوي رحمه الله إن هذا الحديث مُعارض بحديثٍ آخر، وهو الحديث الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( من مات يوم الجمعة وُقي الفتان )، والفتان الذي في القبر، فيمكن نحن لو نظرنا في الحديثين ما يبدو لنا شيء من التعارض في هذا، لكن الطحاوي أبدى شيئًا من المعارضة بين هذين الحديثين، فهل بإمكان أحدكم أن يستظهر ما وجه المعارضة بين الحديثين.
باعتبار أنه ضغطة القبر تعتبر فتنة، أو شيء قريب للعذاب لكن لا يصل للعذاب، وفي الحديث دلالة على الوقاية التامة في هذا اليوم بعد صلاة الجمعة.
هذا صحيح، يعني يقول: إنما جاء في الحديث أنه وُقي الفتان، الفتان يمكن أن يكون شاملا لمنكر ونكير، وهما الملكان، ويكون شاملا لسؤالهما للميت الذي يوضع في قبره، ويمكن يكون أعم من ذلك، مثل هذه الضغطة الذي يضغطها الميت في قبره، فمن مات يوم الجمعة الحديث ينص على أنه يوقى من هذا، بينما سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( لو كان أحدٌ ناجيًا منها لنجى سعد بن معاذ )، إذًا لا أحد ينجو حتى من مات يوم الجمعة، هكذا فهم الطحاوي رحمه الله التعارض بين الحديثنين.(1/234)
فكيف عالج الطحاوي مثل هذا التعارض بين الحديثين؟ ذهب يضعف حديث عبد الله ابن عمرو ( من مات يوم الجمعة..... )، وهو مصيب في تضعيفه له، الحديث ضعيف، فهذا أحد مسالك الترجيح وليس التوفيق والتأليف بين الحديثين؛ ولذلك فكل مثل هذه الكتب -تأويل مختلف الحديث- شاملها أيضًا حتى للترجيح وليس للتوفيق فقط، إذا أمكنهم التوفيق فذاك، وإن لم يمكن فإنهم يذهبون إلى الترجيح، فهذا مثال من الأمثلة التي سلكها الطحاوي رحمه الله في كتابه هذا، وبإمكان الناظر أن يرجع كلامه ففيه كلام أطول من هذا، ولكن هذه محصلته وخلاصة ذلك المبحث.
بطبيعة الحال نحن حينما قلنا: حديث عبد الله بن عمرو في فضل الموت يوم الجمعة ضعيف، هناك من قد يخالف ويقول: إن الحديث بمجموع طرقه يكون صحيحًا، ونحن نرى أنه غير صحيح، وبالذات أن البخاري رحمه الله بوب في كتابه الصحيح بباب "الموت يوم الاثنين" أو باب "من مات يوم الاثنين" وأورد فيه حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما حضرته الوفاة سأل ابنته عائشة قال: في أي يوم تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين، قال أي يوم هذا؟ قالت الاثنين، قال أرجو فيما بيني وبين الليل، فتُوفي رضي الله تعالى عنه في ذلك اليوم، فأبو بكر لو كان يعرف أن للجمعة فضل لما قال ما قال، لكنه أراد أن تكون وفاته موافقة لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والبخاري حينما بوب بهذا الباب كأنه يشير إلى أن للموت يوم الاثنين فضلا، بطبيعة الحال هذا ليس للإنسان فيه اختيار، لا يملك أن يموت يوم الاثنين، ولكن يقول أهل العلم أن الإنسان إذا دعا ربه وتمنى أن يموت في هذا اليوم فإنه قد يحصل له على الأقل ما يكافئ نيته من الحسنات، ويعدون هذا من التبرك من الموت يوم الاثنين موافقة للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.(1/235)
نرجع لموضوعنا، إذًا أول المسالك هو مسلك التوفيق، وحاول أهل العلم بالحديث أن يوردوا مثالا شائكًا في هذا، هو الذي يكثر ترداده في كتب مصطلح الحديث، وهي الأحاديث الواردة في العدوى والأحاديث النافية للعدوى، ورد عن عدة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر )، فقد نفى عليه الصلاة والسلام العدوى، والعدوى الآن أصبحت معروفة بين الأطباء، ولذلك حاول بعض الأطباء الذين فيهم خير جزاهم الله خيرًا التأليف في هذا الموضوع ليوفق بين وجهة النظر الطبية والشرعية، فألف الدكتور محمد علي البار كتابًا جيدًا "العدوى بين الطب وحديث النبي صلى الله عليه وسلم".
وردت أحاديث أخرى مفادها وقوع العدوى، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( فر من المجذوم فرارك من الأسد )، ومثل حديثه صلى الله عليه وسلم لما جاء مجذوم ليبايعه فقال ( ارجع فقد بايعناك )، ومثل حديثه صلى الله عليه وسلم ( لا يورد ممرض على مصح )، أي الرجل الذي له إبل مثلا أو أي نوع من أنواع الماشية فيها مرض ينبغي ألا يوردها على ماشية إنسانٍ آخر صحيحة حتى لا تعديها، كذلك أيضًا تعرفون حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون، ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم لستم فيها فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارًا منه )، قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن الخروج من هذه الأرض حتى لا ينتشر هذا الوباء.(1/236)
فهذه النصوص مفادها ماذا؟ مفادها إثبات العدوى، والحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا عدوى ) مفاده نفي العدوى، في هذا كلامٌ كثير في أهل العلم، ومن أبرع من تكلم في ذلك أيضًا ابن خزيمة رحمه الله، فقد نقل الحافظ ابن حجر كلام ابن حزيمة عن هذا الحديث، فابن حزيمة حينما تكلم عن هذا الحديث في كتابٍ له اسمه "كتاب التوكل"، وكتاب التوكل هذا لا يصل إلينا حتى هذه الساعة، وقد يكون موجودًا والعلم عند الله، المهم أنه ليس مطبوعًا ولا أعرف أنه من الكتب التي وُجدت مخطوطة.
كذلك أيضًا غير ابن خزيمة تكلموا عن هذا، وممن تكلم عن هذا وأطال ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل، وغيره من الأئمة، كثر أولئك الذين تكلموا عن التوفيق بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض في هذا الباب، لكن يمكن أن نلخص الجواب الذي أراه من وجهة نظري هو الأحسن وهو الأولى، فأقول إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال ( لا عدوى ) أراد أن ينفي ما كانت تعتقده العرب في جاهليتها حينما يرون أن العدوى هي الفاعلة بنفسها وهي التي تأتي بالمرض، فهذا نعم، يناقض أصول الاعتقاد، فلا يجوز اعتقاد مثل هذا، أما إذا كانت العدوى سببًا، فالفاعل هو الله جلّ وعلا، وهو الذي سبب هذا المرض أصلا، ولكن جعل العدوى سببًا للانتقال، وقد لا تؤذي، قد لا ينتقل المرض بسبب العدوى، يدل على هذا المعنى الذي اخترناه قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال هذا حديث ( لا عدوى ) قال له رجل: إن الإبل يكون فيها البعير الأجرب فيعديها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أعدى الأول )، فأراد أن ينفي هذا الاعتقاد، إذا كنت تعتقد أن الإبل أعداها ذلك البعير الأجرب فمن الذي أعدى البعير الأول؟ إذا كان الوباء وقع في البعير الأول من الله جلّ وعلا، إذًا فالله جلّ وعلا هو الذي ساق العدوى لهذه الإبل الأخرى.(1/237)
فمثل هذا هو الذي يتضح به المقصود، فنقول نعم، إن العدوى تقع، لكن لا يجوز اعتقاد أنها هي الفاعلة بنفسها، وإنما بتسبيب الله جلّ وعلا لها في ذلك، يدل على هذا أنها فعلا أحيانًا قد لا تقع، ونحن نجد أن بعض البيوت يكون في أحد أفرادها مرضٌ من الأمراض، كالأطفال مثلا وما يصيبهم ما يسمى بالعنقز، الحبوب والبثور التي تخرج على شكل قرح في الجلد، مثل هذه البيوت يكون الإخوان لهذا الطفل الذي أُصيب أصحاء سالمين لم يطلهم شيءٌ من هذا المرض، وهم يخالطونه ويلامسونه ويأكلون معه ويشربون، وهكذا، ثم تقدم عليهم أسرة زائرة من أقاربهم أو معارفهم، فبمجرد زيارة واحدة ينتقل الوباء لذلك البيت، فلماذا لم ينتقل الوباء لأفراد الأسرة الذين يخالطهم ذلك الطفل أربعٍ وعشرين ساعة، السبب أن الله جلّ وعلا ما قدر أن يُعدى هؤلاء وقدر أن يُعدى أولئك.
إذًا العدوى ليست هي الفاعلة بنفسها، وإنما بتسبيب الله جلّ وعلا لها، وبهذا تأتلف هذه الأحاديث ولا إشكال بينها بحمد الله.
إذًا هذا من مسالك التوفيق والجمع بين الأحاديث، وكما قلت إن هذا بابٌ واسعٌ ولجه أهل العلم والفقه والفهم، ومن نظر في الأحاديث التي قد يبدو بينها شيءٌ من التعارض يجد براعة علمائنا رحمهم الله تعالى في التوفيق بين نصوص الشرع ونفي التعارض عنها.
إن عجزنا عن التوفيق بين الأحاديث، وجدنا حديثين متعارضين من كل وجه، فإنه لابد من الترجيح، لابد من ترجيح أحد الحديثين على الآخر، أو بعض النصوص على النصوص الأخرى، لكن الترجيح له مسالك عند أهل العلم كثيرة.
فمن مسالك الترجيح النسخ، وهو الذي -كما قلت- الحافظ مسلكًا بين التوفيق والترجيح، وهذا مجرد تقسيم فني لا علاقة له لا بمؤاخذة ولا استدراك، يمكن أن نقول: إنه مسلك بين التوفيق والترجيح، ويمكن أن نقول: إنه من مسالك الترجيح، لا حرج في ذلك إطلاقًا.(1/238)
فالنسخ علينا أن نعرفه أولا، فنقول في تعريف النسخ بأنه رفع حكم متقدم بحكم متأخر، هذا هو النسخ، والنسخ في نصوص الشرع قد يرد أحيانًا في الدليل نفسه، وهذا أقوى الأدلة على وقوع النسخ، مثل حديث بريدة رضي الله تعالى عنها الذي في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم ( كنت نهيتكم على زيادة القبور فزوروها )، إذًا النبي صلى الله عليه وسلم نسخ الحكم المتقدم بهذا الحكم المتأخر، والأحاديث التي يرد فيها النسخ فيها جلة واضحة وبينة عند أهل العلم، ولكن نحن فقط نريد ما يفيدنا في موضع الشاهد دون استطراد وإطالة في هذا.
من أيضًا الأدلةعلى وقوع النسخ إخبار الصحابي رضي الله تعالى عنه، وقد أورد الحافظ ابن حجر في شرحه للنخبة مثالا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه "كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار"، فجابر يخبر بأن هناك أمرين: الأمر الأول: الوضوء مما مست النار، والأمر الثاني: ترك الوضوء مما مست النار، فيقول: إن آخر ما وقع منه عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار، إذًا في الأول كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثهم على الوضوء من اللحوم التي تُطبخ، ومن غير اللحوم كالأكل وكالسكر الذي يُطبخ عندهم ونحو ذلك، ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهذا في الصحيحين، حديث أنه أقراصًا من الأقط فتوضأ، فهذا الحكم كان يعمل به أبو هريرة، كانت أيضًا عائشة ترى الوضوء مما مست النار، وبعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الأخريات وأظنها أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهكذا، وجملة من صحابة آخرين كزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يرون الوضوء مما مست النار.(1/239)
ولكن هناك أيضًا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دلت على ترك الوضوء مما مست النار، مثل ماذا؟ مثل أكله صلى الله عليه وسلم من كتف شاة ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ، والحديث أيضًا مخرج في الصحيحين عن عدد من الصحابة، من جملتهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وورد في أحاديث أخرى التعميم "أكل لحمًا" وغير ذلك.
فالمهم أن هذا الحكم من الواضح أنه منسوخ، ولذلك مما يمكن أن يفيدنا في الكلام على الإجماع هذا الحديث لعلنا نتطرق إليه إن شاء الله تعالى، هذا الحديث حديث جابر الذي أورده الحافظ ابن حجر "كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" هو حديث ضعيف، وتكلم فيه فطاحلة أهل العلم، لأن هناك من رد الأحاديث الصحيحة الواردة في إيجاب الوضوء من لحوم الإبل بهذا الحديث، كحديث جابر بن سمرة وحديث البراء بن عازب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ( بلا )، أنتوضأ من لحوم الإبل قال: ( نعم )، قالوا جابر يقول "كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" وهذا يشمل حتى لحوم الإبل، نقول إن هذا الحديث ضعيف؛ لأنهم قالوا: إن الراوي له وهو شعيب بن أبي حمزة وهو يرويه عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قالوا: إن شعيب بن حمزة أخطأ في هذا الحديث فعبر بالمعنى، وإلا فأصل هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أكل لحمًا فلم يتوضأ، ففهم شعيب بن أبي حمزة من ذلك نسخ ذلك الحكم الأول: وهو قول صلى الله عليه وسلم ( توضئوا مما مست النار )، ثم عبر بهذا التعبير، بمعنى أنه اختصر الحديث وعبر المعنى فأخطأ في فهمه رحمه الله تعالى، وإلا فالرواة الذي رووا هذا الحديث عن محمد بن المنكدر وهم عدد جم من الثقات الأثبات، رووا هذا الحديث عن محمد بن المنكدر وليس فيه "كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم".(1/240)
لكن لا يعني هذا عدم وجود المثال، يعني حينما نقول إن المثال الذي مثل به الحافظ ابن حجر ضعيف، لا يعني هذا عدم وجود المثال، نستطيع أن نمثل بأمثلة أخرى، مثل حديث أبي ابن كعب رضي الله تعالى عنه أن الماء من الماء كان رخصة في أول الإسلام ثم نُسخ، يعني هناك أحاديث فيها شيء من التعارض ظاهرًا، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل )، هذه مسألة يرد السؤال عنها كثيرًا، الرجل إذا جامع أهله ولم ينزل هل يجب عليه الغسل أو لا يجب عليه الغسل؟ قالوا: نعم يجب عليه الغسل إذا أولج، إذا جاوز الختان الختان، بمجرد أن يجاوز الختان الختان يجب الغسل.
هناك حديثٌ آخر وفتوى أفتى بها جمع من الصحابة كعثمان بن عفان وغيره، أوردوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الماء من الماء )، يعني لا يجب الغسل إلا إذا كان هناك إنزال، هذا هو المقصود بـ ( إنما الماء من الماء )، فكيف إذًا نوفق بين الحديثين، يعني من أولج ولم ينزل أيجب عليه الغسل أم لا؟ قالوا إن حديث ( الماء من الماء ) قالوا في أول الإسلام، كانت رخصة كما قال أبي بن كعب: "كانت رخصة في أول الإسلام ثم نُسخ ذلك الحكم"، إذًا في قول أبي بن كعب وهو حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ عنه، في قول أُبي بن كعب هذا دلالة واضحة وبينة على أن هذا الحكم منسوخ بهذا الحكم المتأخر.(1/241)
فمما يقع به النسخ في بعض الأحيان مسألة مهمة جدًا وهو تأخر إسلام الصحابي، إذا كان عندنا صحابيان، أحدهما تأخر إسلامه وروى حديثًا، وآخر متقدم الإسلام وروى حديثًا يدل على أنه أخذ هذا الحديث قبل إسلام ذلك الصحابي الذي تأخر إسلامه، وبالمثال يتضح المقال، حديث طلق بن علي رضي الله تعالى عنه حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة هل عليه وضوء؟ قال: ( لا، إنما هو بضعة منك )، إذًا هذا الحديث يقول: إن مس الذكر لا يوجب الوضوء، جاءنا حديث بسرة وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ ).
فهذان الحديثان ظاهرهما التعارض، كيف نوفق بين الحديثين؟ لأهل العلم كلامٌ في هذا، منهم من ضعف حديث طلق بن علي، ومنهم من قال: يمكن التوفيق بينهما بأن نقول: إن كلا الحديثين صحيح، ومما ذهب هذا المذهب ابن حبان رحمه الله في كتابه الصحيح، قال: حديث طلق بن علي كان من أول هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان عليه الصلاة والسلام يبني مسجد المدينة أول ما قدم إلى المدينة، ثم بعد ذلك ذهب إلى اليمامة، أبو هريرة أسلم في السنة السابعة من الهجرة في غزوة خيبر أو في وقعة خيبر، فهذا دليلٌ على أن حديث أبي هريرة متأخر عن حديث طلق بن علي، بهذا استدل ابن حبان.(1/242)
لكن اعترض بعض أهل العلم على هذا المسلك بقولهم قد يكون هذا الصحابي الذي تأخر إسلامه أخذ هذا الحديث عن صحابي آخر، فكيف نخرج من هذا الإشكال؟ قالوا: لابد أن يرد التصريح منه بأنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم حتى ينتفي عندنا أن يكون هناك واسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الواسطة قد تكون واسطة متقدمة الإسلام، فلو ضربنا على ذلك مثالا في هذا، لو كان أبو هريرة أخذ هذا الحديث على سبيل المثال عن عمر بن الخطاب، وعمر متقدم الإسلام، فلا نستطيع أن نقول: إن هذا الحديث ينسخ حديث طلق بن علي، يعني قد يكون أخذه عمر رضي الله تعالى عنه قبل أن يأتي طلق ابن علي، فبهذا الإيراد الذي أوردوه نعم، قد يرد شيء من الحساسية في هذا الموضوع، فنقول نعم، لا يُسلم بأن الصحابي الذي تأخر إسلامه يكون حديثه ناسخًا للصحابي الذي تقدم إسلامه، إذا كان في إسلامه قرينة تدل على أن ذلك الحديث وقع قبل إسلام ذلك الصحابي، لكن يمكن أن نقيد ذلك بأن يرد التصريح من الصحابي الذي تأخر إسلامه بأنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم لا يكون ذلك الحديث الذي قلنا إنه منسوخ، لا يكون عندنا أدنى شك في أنه قد يرد بعد إسلام ذلك الصحابي، فعلى سبيل المثال: لو كان هذا الصحابي أسلم مثلا في السنة السابعة من الهجرة، يمكن يكون طلق بن علي قدم قدمة أخرى على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من الهجرة، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الحكم فأجابه، فيمكن الخروج من هذا الإشكال أيضًا بأن يقال: لابد أن يكون في الحديث الذي قلنا إنه منسوخ ما يدل على وقوعه قبل إسلام الصحابي المتأخر، فإذا كان وقع قبل إسلام الصحابي المتأخر وصرح الصحابي بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أعني الصحابي المتأخر، فنعم يمكن أن يُستدل بهذا على أن هذا الحديث ناسخ لذلك الحديث، وهذه من الأدلة التي يُستدل بها.(1/243)
قالوا أيضًا: من الأدلة التي يُستدل بها على وقوع النسخ الإجماع، فالإجماع ليس ناسخًا بنفسه، ولكنه دليلٌ على وقوع النسخ، مثل ماذا؟ مثل ما قلت عن حديث ( إنما الماء من الماء ) وعن حديث ( إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل )، فبعض أهل العلم ادعى الإجماع على أن هذا الحكم وهو ( إنما الماء من الماء ) منسوخ بحديث ( إذا جاوز الختان الختان.... )، فإذا صح هذا الإجماع فنعم، الإجماع يكون دليلا على وقوع النسخ وإن لم نعرف المتقدم من المتأخر، يعني على سبيل المثال: لو لم يأتنا حديث أُبي بن كعب وحصل إجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن هذا الحديث منسوخ وهو ( إنما الماء من الماء ) فنعم، الإجماع يدل على النسخ.
فهذا بالنسبة للمسلك الذي قلنا إنه يمكن أن يكون وسطًا بين التوفيق والترجيح، أو هو أحد مسالك الترجيح وهو النسخ.
إن لم يكن هاهنا شيءٌ من ذلك، وهذا يتضح بالكلام على حديث طلق بن علي وحديث بسرة، فنقول: إن معرفة التاريخ يفيدنا في معرفة المتقدم من المتأخر، وهذه أحد الأدلة التي يُستدل بها على وقوع النسخ.(1/244)
إن لم نعرف التاريخ، سوءً بتصريح النبي صلى الله عليه وسلم كـ ( كنتُ نهيتكم عن زيادة القبور فزوروها )، دل هذا على أنه متأخر، أو لم يُسعفنا قول الصحابي، أو لم يسعفنا التاريخ الزمني، أو الإجماع أو نحو ذلك، فماذا نصع؟ قالوا: إذًا لا نقول بالنسخ في هذه الحال، لكن بعض أهل العلم كابن حزم الظاهري، وهي من القواعد الأصولية عند علماء الأصول، لكن ابن حزم بالغ في تطبيقها، ابن حزم يُرجع كل شيء إلى أصله، فيقول: نحن ننظر في الأصل في هذه المسألة مثل حديث طلق بن علي وحديث بسرة، فيقول: الأصل عدم النسخ، فحديث طلق بن علي موافق للأصل، وحديث بسرة ناقل عن الأصل، يعني هذا الحديث لابد أن يكون متأخرًا عن الحكم الأصلي، وإذا أردنا أن نقدم حديث طلق بن علي لابد أن يكون عندنا دليلٌ على تأخره عن حديث بسرة؛ حتى نقول: إن الناسخ عاد منسوخًا مرةً أخرى، فإن لم نجد فالحكم الناقل عن الأصل هو المقدم، والحكم الناقل عن الأصل وهو الذي جاء في حديث بسرة على سبيل المثال، وإلا فالأمثلة كثيرة، فهذا من المسالك التي يسلكها بعض أهل العلم، ولكنه مسلك في شيء من التفصيل وفيه شيءٌ من الوعورة، فالمقصود الإشارة إليه، وأما التفصيل فلعله يأتي إن شاء الله تعالى حينما نتكلم بإسهابٍ وطول في هذه المسألة في المطولات إن شاء الله تعالى.
إذا كنا توقفنا عن معرفة ما يدل على النسخ مطلقًا، فنحن ننتقل إلى أمر آخر من أمور الترجيح، ما هو؟ عند علماء الإسلام قرائن كثيرة للترجيح، بعضهم أوصلها للعشرات، بل بعضهم ممكن جاوز بها المائة، ولكن يمكن يكون في بعضها شيء من عدم التسليم لهم بذلك، لكن من أبرز وجوه الترجيح التضعيف، تضعيف أحد النصين، كما قلنا عن مسلك بعض أهل العلم حينما ضعف حديث طلق بن علي، خلاص، حينما ضعفوا حديث طلق بن علي انتهى الإشكال، أصبح حديث بسرة هو الحديث المحكم الذي تجب الصيرورة إليه، فهذا أحد قرائن الترجيح.(1/245)
من قرائن الترجيح أيضًا التخصيص، تخصيص العام، فنحن في هذه الحال نكون أعملنا كلا النصين في حقيقة الأمر، وإن كنا قدمنا أحدهما، لكن قدمناه بتخصيص وليس بردٍ مطلق، فتخصيص العام هو من قرائن الترجيح عندهم.
كذلك أيضًا تقييد المطلق، هو شبيه بتخصيص العام، فإذا قيدنا فنحن نكون قد رجحنا أحد النصين على الآخر، وهكذا في قرائن متعددة.
هناك فرضية، وهي حقيقة لا وجود لها، وهذه الفرضية ذكرها الحافظ ابن حجر، إن لم يمكن فالتوقف، قال: وهو أولى من التعبير بالتساقط، يعني هناك بعض من يقول: يتساقط الحديثان، إذا تعارضا ولم يمكن التوفيق ولم يمكن الترجيح، وقد استوت في القوة فإننا في هذه الحال نقول: إنهما قد تساقطا، يعني لا نعمل لا بهذا ولا بذاك، فالحافظ يؤدب أو يرشد إلى أدب في هذا الباب، يقول: التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، التعبير بالتساقط قد يكون فيه سوء أدب مع نصوص الشرع، لكن نقول: نتوقف لأنه ما تبين لنا أي النصين نقدم هذا أم ذاك.(1/246)
لكن هذا من حيث الافتراض العقلي، يمكن أن يفترض إنسان هذا، لكن من حيث الوجود لا وجود له، وذكرتُ لكم عبارة ابن حزيمة رحمه الله تعالى؛ لأن من الأشياء التي يمكن استحسانها في هذا قرينة من القرائن أخرتها لهذا السبب وهي أننا يصعب أن نجد حديثين متساويين تمامًا في القوة وإن كانا صحيحين، لابد أن يكون أحدهما أقوى من الآخر في الصحة، ففي هذه الحال يُقدم الأقوى على ما هو خلاف ذلك، ويمكن أن أمثل على هذا بمثال، عندنا حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه، سواء رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو رواه عن أخته الصماء، أو عن أبيه أو عن أمه على الاختلاف الذي ورده عنه، يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه )، هذا الحديث مفاده أنه لا يُصام يوم السبت إطلاقًا في النفل، سواء كان الإنسان يصوم يومًا ويفطر يومًا كصيام داود، أو مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ما جويرية حينما دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة، قال ( صمت أمس؟ ) قالت لا، قال ( تصومين غدًا؟ ) قالت لا، قال فأفطري، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( تصومين غدًا؟ ) وغدًا يوم السبت، حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصام يوم الجمعة إلا أن يُصام يوم قبله أو يومًا بعده، واليوم الذي بعده هو يوم السبت، أحاديث كثيرة جدًا جاءت في جواز الصيام السبت.(1/247)
فهذان الحديثان أو هذا الحديث، حديث عذرة بن بسر مع الأحاديث الأخرى الكثيرة فيه تعارض واضح وبين، يمكن أن أذهب أنا إلى تضعيف حديث عبد الله بن بسر، أنا أذهب إلى هذا وأقول حديث عبد الله بن بسر حديث مضطرب ليس بصحيح، وذهب إلى هذا عددٌ من أهل العلم منهم يحيى القطان والإمام أحمد وشيخ الإسلام بن تيمية وقبله أبو جعفر الطحاوي، وقبل ذلك الزهري والأوزاعي والإمام مالك، الإمام مالك قال: هذا حديثٌ كذبٌ، وهكذا، فالمهم أن هناك طائفة من أهل العلم ردوا حديث عبد الله بن بسر.
لكن هناك طائفة من أهل العلم صححوا حديث عبد الله بسر، فالترمذي حكم عليه بأنه حسن، صححه ابن حزيمة وابن حبان وعدد من أهل العلم، لكن وفقوا بين الحديث بنوع من التوفيق.
لكن إن لم يقتنع الإنسان بهذا التوفيق، ولم يقتنع بالقول بتضعيف حديث عبد الله بن بسر واقتتنع بصحة الحديث، نقول له يا أخي هناك فرقٌ واضح وبين بين الأحاديث التي وردت في تجويز صيام يوم السبت في النفل وهي أقوى؛ لأن كثيرًا منها مخرجٌ في الصحيحين وأكثر، وحديث عبد الله بن بسر من أقل الأحاديث صحة إن سلمنا لك بصحته، فهنا يكون هناك تفاوت في الأصحية بين حديث عبد الله بن بسر وبين الأحاديث الأخرى، فيمكن أن تقدم الأحاديث الأقوى والأصح في مثل هذه الحال، ونعد هذا من المسالك التي ينتفي معها أن نقول: تتوقف أو تتساقط الأحاديث.
هذه الأحاديث التي ترد عندنا بشيءٍ من التعارض في هذه الحال نستطيع أن نقول: إن الذي نقول عنه إنه ناسخ أو مُخَصِّص أو مُقَيِّد إنه محكم، والحديث المحكم المعارض له الذي لم يعمل به إنه غير محكم.(1/248)
بينا أن الذين سلكوا مسلك التوفيق هذا العلم يُسمى علم مختلف الحديث، وهوعلمٌ قائمٌ بذاته، الناسخ والمنسوخ أيضًاعلمٌ قائمٌ بذاته وفيه مصنفات أيضًا لكثيرٍ من أهل العلم، سواءٌ فيما يتعلق بالقرآن أو بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمما يتعلق بسنة النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر ما في ذلك كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي، كذلك كتاب الناسخ والمنسوخ لابن شاهين، وهكذا.
من الكتب التي أُلفت في نواسخ القرآن مثل كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم ابن سلام، هذا فيما يتعلق بنواسخ القرآن، وكذلك كتاب نواسخ القرآن لابن الجوزي، وعدد جم من الأئمة صنفوا في هذا.
وتعليقًا على أجابات الطلبة على سؤال الشاهد يقول الشيخ: يبدو أن فيه شيء يحتاج إلى توضيح في موضوع المتابع والشاهد، نحن قلنا سابقًا إن المتابع هو ما يتابع به الراوي راوي الحديث الفرد في الصحابي نفسه، بشرط أن يكون في الصحابي، والشاهد ما يُتابَع به راوي الحديث الفرد من قبل راوٍ آخر، لكن مع الاختلاف في الصحابي، فالشاهد فيه اختلاف الصحابي، والمتابع فيه اتحاد في الصحابي.
أثبتم وقوع النسخ في الأحاديث مشيًا على قول المؤلف، لكن هل يثبت أن القياس ينسخ الأحاديث أو القرآن ينسخ بعض الأحاديث أو العكس؟
بالنسبة للقياس عبارة عن رأي، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم بأن القياس ينسخ الحديث، فالرأي لا ينسخ الحديث إطلاقًا ولا ينبغي أن يورد هذا السؤال مطلقًا.
أما بالنسبة لوقوع النسخ بين السنة والقرآن، فليس هناك آية قرآنية تنسخ حديثًا من الأحاديث، هذا لا يوجد، لكن العكس حصل وفيه خلافٌ قويٌّ بين أهل العلم، وهو هل تنسخ السنة القرآن أو لا؟ في هذا كلامٌ طويلٌ لو دخلنا فيه ما خرجنا، فأرجو ألا ندخل في هذا لأن الوقت لا يستوعبه.(1/249)
بالنسبة لمسألة المحفوظ، يذكره العلماء مقابل الشاذ، يقول: إن الشاذ هو من قسم المردود، فهل المحفوظ يُفهم منه الصحة والقبول سواءً كان في الإسناد أو المتن؟
السؤال هذا وجيه، نحن قلنا حينما تكلمنا عن الشاذ، والمنكر إنه يقابل الشاذ المحفوظ ويقابل المنكر المعروف، فهل إذا قلنا إنه يقابل الشاذ المحفوظ يلزم من هذا المحفوظ أن يكون صحيحًا؟ نقول لا، لا يلزم أن يكون صحيحًا، إنما نقول: إنه هو الوجه الراجح، فعلى سبيل المثال إذا اختلف الراوة في حديثٍ من الأحاديث، بعضهم يرويه مرسلا، يعني يسقط من الصحابي، فلا يكون الإسناد متصلا فلا تتوفر فيه جميع شروط الصحة التي ذكرناها في تعريف الحديث الصحيح، وبعض الرواة يرويه متصلا بذكر الصحابي، لكن رجحنا الرواية المرسلة؛ لأن الرواة الذين رووها على هذا الوجه هم الأكثر عددًا، وقلنا إن الذي روى الحديث موصولا راوٍ واحد فقط وحكمنا على روايته بالشذوذ، فنقول: إن المحفوظ الرواية المرسلة، المرسل من أنواع الحديث الضعيف كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى، فلا نقول: إن المحفوظ في هذه الحال يلزم منه أن يكون صحيحًا، لا، قد يكون صحيحًا وقد يكون غير صحيح، هذا سؤالٌ جيد.
كذلك، ما قلنا في الحديث المحفوظ نقوله في المعروف، لا يلزم أن يكون المعروف أيضًا صحيحًا، لأنه قد يكون صحيحًا وقد يطرأ عليه ما طرأ على قضية المحفوظ من الكلام.
إذا طلب منا مساعدة المجزوم، ما العمل؟ هل نساعده أم نفر منه؟ خاصة وأنا أعمل بالمستشفى ويوجد حالات مماثلة بالعدوى.(1/250)
في الحقيقة الكلام هذا يمكن يحتاج إلى رأي الأطباء أيضًا معنا، فالذي يظهر أن المجزوم قد يصل إلى حالة لا يكون فيها عدوى عند الأطباء، هذا فيما وصلني من خبر، يعني في بداية الجزام، نعم، يكون معديًا، حتى يصل الجزام إلى حد ينتهي إليه في جسد الإنسان ففي هذه الحال يتوقف انتشار العدوى، فإن كان في الحالة الأولى وكان عندك من قوة اليقين والتوكل ما تدفع به ما يُتخوف من وقوع العدوى فجزاك الله خيرًا، هذا من قوة اليقين والتوكل.
وإن تركت ملامسة هذا الأجزم مقاربته ومخالطته فهذا لا بأس به، لكن عليك أن تستشعر ما كنا أشرنا إليه في كلامنا، يعني لا تعتقد أن العدوى هي الفاعلة والمسببة، قد تقع وقد لا تقع، فالله جلّ وعلا إن أراد أن تقع وقعت سواء لامست المريض أو لم تلامسه، وإن لم يشأ ذلك لم تقع، والله المستعان.
هل حديث لولا أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، هل هو متعارض مع الأمر بالصلاة في وقتها؟
هذا مثالٌ جيد، يعني ممكن أن نأتي به في مسألة الخاص والعام أو المطلق والمقيد، وهكذا، فنقول إن أحاديث الحث على أداء الصلاة في وقتها أحاديث عامة، وبالذات الأحاديث التي يمكن يُفهم منها الحث على أداء الصلاة في أول وقتها، فيها شيء من العموم، وهذا الحديث الذي فيه جواز تأخير العشاء فيه استثناء لوقت العشاء، فالعشاء كلما أخرت كان هذا أفضل، إلا أن يشق هذا على الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي منعه عليه الصلاة والسلام من أداء العشاء في الوقت المتأخر مع أنه الأفضل خوف وقوع المشقة على الناس، فهذا دليلٌ على أن آخر وقت العشاء أفضل من أول وقتها، هذا يُفهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا.
لكن الأحاديث الأخرى هي التي تشمل باقي الأوقات، فنستطيع أن نقول: إن الأوقات كلها الصلاة في أول الوقت أفضل إلا العشاء فإنها مستثناة من هذا العموم.
ما الحكمة من وقوع النسخ؟(1/251)
وبالنسبة للحكمة من وقوع النسخ، فهناك حكم قد تبدو لنا، وهناك حكم قد تخفوا علينا، كما قال الله جلّ وعلا ? مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ? [البقرة: 106]، هذا شيءٌ فُعل من الله جلّ وعلا، والنسخ وقع في القرآن والرب جلّ وعلا نص عليه، فكما أنه وقع في القرآن وقع في السنة كذلك، ويقع بين القرآن والسنة كما أشرنا إليه.
لكن من الحكم أنه قد يكون هناك حاجة في ذلك العصر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأمرٍ من الأمور يوسع على الناس فيه مؤقتًا، ثم يُنسخ ذلك الحكم لحكمة من حكم التشريع، على سبيل المثال في بعض السنوات كان أكل الحُمر الأهلية مباحا، ثم نُسخ هذا الحكم في وقعة خيبر قرابة السنة السابعة من الهجرة، يعني السنوات التي قبل هذا كان أكل لحوم الحمر الأهلية مباحًا، كانوا يأكلونها، ثم بعد ذلك حُرم أكل لحوم الحمر الأهلية.
لماذا حُرمت؟ تكلم أهل العلم كلامًا طويلا في هذا، من جملة ما قيل إن أكل لحوم الحمر يعني فناء حمولة الناس، يعني التي تحملهم، فلو سُمح بأكل لحوم الحمر ما كان هناك ما يحمل الناس ويحمل متاعهم ونحو ذلك، هذا من الحكم التي قيلت.
كذلك أيضًا ما قيل عن هذا يُقال عن المتعة التي أُبحيت في صدر الإسلام ثم حُرمت بعد ذلك، أُبحيت لفترة معينة من الفترات أرادها الله جلّ وعلا لحكمة يراها، ثم بعد ذلك حُرمت، ففي تلك الإباحة توسعة على الناس في مثل هذا الحكم الشرعي الذي نُسخ بعد ذلك.
فهذا من حكم التشريع، وهناك حكمٌ أخرى الله أعلم بها.
الموت يوم الاثنين أفضل؛ لأن أعمال المؤمن تعرض يوم الاثنين، فهل هذا سببٌ كافٍ في فضله؟ ويوم الخميس هل له فضل بما أنه أيضًا تُعرض أعمال المؤمن في هذا اليوم؟(1/252)
إن بالنسبة لموت الاثنين لم يرد فيه شيء من الأدلة ما يدل على أن له علاقة بكون الأعمال تُرفع يوم الاثنين، ولكن الذي ورد في الحديث الذي ذكرته لكم -حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه- أنه أحب أن توافق وفاته اليوم الذي تُوفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا غير، وليس له علاقة برفع الأعمال، ولذلك لا يرد عليه موت يوم الخميس، لأن هذا لا دليل عليه، فنكتفي بهذا، ونقف عند ما وقفت عنده نصوص الشرع.
هل أمثلة التوفيق بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض ما يُذكر في تعارض أحاديث النهي عن الشرب قائمًا ووقوعه من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ووقوع من بعض الصحابة كابن عمر؟ وأحاديث النهي عن التبول قائمًا؟ ونهيه كذلك صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد صلاة العصر وإيقاعه لها؟ وأليس يا شيخنا الدعوة بالنسخ صعبة المنال إن لم بالتصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من الصحابي؟ وهل تشبه دعوى الإجماع ومسلك التصحيح عند الاختلاف لمن عارض، كيف التوفيق بينه وبين قول الإمام أحمد: الحديث الضعيف أولى لنا من الرأي؟
أقول بالنسبة للأمثلة في موضع النسخ كثيرة جدًا، فلو ذهبنا نتتبعها قد يطول بنا الأمر، ولذلك من ينظر مثلا في مؤلف ابن شاهين كتابٌ بأكمله عن الأحكام التي فيها نسخ، كذلك كتاب الحازمي، وهكذا، من الأحكام التي قيل فيها النسخ ما أشرتَ إليه في قضية الشرب قائمًا، فيه حديث أني وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة في تحريم الشرب قائمًا أو في النهي بمعنًى أصح، في النهي عن الشرب قائمًا، حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل وهو قائمٌ، قال قتادة قلنا لأنس والأكل، قال: ذاك أشر أو أخبث، ورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وكلا الحديثين في صحيح مسلم، وفي حديث أبي هريرة زيادة ( ومن نسي فليستقيء )، يعني من نسي فشرب وهو قائمٌ فليتقيأ ذاك الذي شربه.(1/253)
هناك من أهل العلم من قال إن هذه الأحاديث منسوخة، أحاديث النهي عن الشرب قائمًا، وهناك من قال إن الأحاديث المخالفة لها منسوخة، مثل حديث شربه صلى الله عليه وسلم من ماء زمزم وهو قائمٌ، ومثل حديث علي رضي الله تعالى عنه حينما سمع بأن هناك من يحدث بأحاديث النهي عن الشرب قائمًا فدعا بإناءٍ فيه ماء فتوضأ وهو جالس وفضل من الماء فضلة، يعني بقي منه بقية فقام وشرب وهو قائمٌ ثم قال: إن أُناسًا يكرهون ما صنعتُ، وإني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعتُ، هذا الحديث أيضًا قالوا إنه منسوخ، قالوا النبي صلى الله عليه وسلم نعم شرب فضل وضوئه وهو قائم، ولكن الأحاديث التي وردت في النهي متأخرة ناقلة عن الأصل، فهي ناسخة لذاك الحكم، هذه دعوى ابن حزم ومن نحى نحوه.
هناك أئمة آخرون قالوا: لا، العكس كذلك، إن أحاديث الإباحة ناسخة لأحاديث النهي، بأي دليل؟ قالوا: بدليل عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بل قيل إنه عمل الخلفاء الراشدين الأربعة وعددٌ جمٌّ من الصحابة، ومن جملتهم أعرف الصحابة بالناسخ والمنسوخ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد أنكر على أبي هريرة تحديثه بهذا الحديث، وطبق ذلك فعلا وقال: هكذا صنع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلي رضي الله تعالى عنه يعرف الناسخ من المنسوخ، وكان ينكر على أبي هريرة، يعني بلغه النهي، قال: إن أُناسًا يكرهون ما صنعتُ، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعتُ.(1/254)
لكن بعض أهل العلم لجئوا إلى التوفيق، وقالوا: التوفيق بين الأحاديث، وهذا من الأمثلة التي يمكن أن تورد فيما كنا ذكرناه، من المسالك الجيدة في هذا أن نوفق بين هذه الأحاديث، كيف نوفق؟ قالوا: النهي يُحمل على كراهة التنزيه، والفعل لبيان الجواز، فيجوز للإنسان أن يشرب وهو قائمٌ، لكن فعله هذا مكروه كراهة تنزيه، فالأولى أن يشرب وهو قائمٌ، لأن هذا لحكمة النهي، قد يكون فيها مصلحة لبدن ابن آدم، كون الماء ينحدر سريعًا إلى جوف ابن آدم وهذا قد يضر به، إلى آخر ما قيل من ذلك طبيًّا كما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، من شاء فليراجعه.
بالنسبة لأكل لحم البقر، هل صحيح أن لحمها داء وحليبها شفاء؟
لحم البقر ورد فيه حديث، أظنه حديث ابن مسعود ( عليكم بألبان البقر وسمنانها، فإنها شفاء، وإياكم ولحومها فإنها داء )، لكن الحديث ضعيف لا يصح، وإن كان صححه بعض أهل العلم، لكن أرى أنه ضعيف لا يصح، فيه علة خفيت على من صححه.
بالنسبة للحية، هل ما يؤخذ منها أي شيء؟
الأخذ من اللحية هذه المسألة طال الجدل فيها وكثر الكلام فيها، فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حديث ابن عمر حديث أبي هريرة وغيرهما في أمره عليه الصلاة والسلام بإعفاء اللحية وإرجائها وإرخائها، يعني ترك الأخذ منها بالكلية، كما يقول النووي خمسة ألفاظ ( أرخوا اللحى ) ( أوفوا اللحى ) ( وفروا اللحى ) ( أعفوا اللحى ) ( أرجئوا اللحى )، خمسة ألفاظ يقول النووي كلها تدل على وجوب الترك بالكلية، يعني لا يتعرض لها.(1/255)
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما تأول في الحج، فتأول قول الله جلّ وعلا ? مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ? [الفتح: 27] فحلق رأسه، وبم أنه لا يمكنه أن يحلق اللحية وهو يرى أن اللحية داخلة في الرأس، فالرأس كل ما فوق الرقبة، فأخذ ما زاد عن القبضة، قبض على لحيته ثم أخذ ما زاد عن القبضة في الحج فقط، لم يرد عنه ولا عن صحابي آخر فيما أعلم أنه أخذ ما زاد عن القبضة في غير الحج.
ولذلك بوب بعض أهل العلم هذا في الحج فقط، أما من عمم هذا....، وهذا يذكرنا بالسؤال الذي ورد في الدرس الماضي عن قضية العين، هذا من قضايا الأعيان، يعني هذه حادثة عين، يعني فعلها بعض الصحابة اجتهادًا منهم في فهم الله جلّ وعلا ? مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ? [الفتح: 27] فأخذ ما زاد عن الحج في القبضة فقط.
لاشك أن الخلاف في المسألة قوي، ولذلك نحن نحث الناس دومًا على الفعل بالأخذ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ترك المشتبهات، ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه لعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه،..... )، أنا أحث إخواني الذين يسمعون هذا الكلام ومن يمكن أن يبلغ الآخرين ممن يسمع هذا الكلام على الاعتبار بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا، لم ينطق صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي عن الهوى، ما قال هذا الكلام إلا لشيءٍ يريده عليه الصلاة والسلام، لكن مشكلتنا في هذا العصر أننا نريد أن نهدر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكم من أُناسٍ تضيق صدورهم -نسأل الله السلامة- بمثل هذا الحديث، وإذا حثثت الواحد منهم على الورع واجتناب الشبهات قال ياأخي الورع اتركه لك أنت إنسان وقدك الورع، إلى غير ذلك من العبارات التي لا يستفاد منها ورع ذلك القائل، نسأل الله السلامة.(1/256)
حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا واضح وبين، يحث الناس على الورع، ويضرب لذلك الأمثال، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، فيا أخي لماذا نحن نأخذ باجتهادات الصحابة ونترك حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أرخو) ( أوفو) ( وفرو) ( أعفئو) ( أرجئوا ) وهكذا.
قال بعض أهل العلم الذين ردوا على أفعال الصحابة، قالوا العبرة بما روى الصحابي لا بما رأى، فعبد الله بن عمر نعم روى حديث وجوب إعفاء اللحية، فقالوا العبرة بروايته، وأما رأيه فله اجتهاده رضي الله تعالى عنه، ونسأل الله جلّ وعلا أن يعفو عنا وعنه، لكن لا نجاريه في هذا، فهذا الذي أراه، والمُوَفَّق من وفقه الله.
كيف يكون الإجماع أحد الأدلة على وقوع النسخ مع أن الوحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟
لا نقول إن الإجماع دليلٌ على النسخ، يعني الإجماع ينسخ بنفسه، لا، وإنما الإجماع دليلٌ على أن الحديث هذا ناسخٌ للحديث الآخر، فهو يدل على وقوع النسخ وليس ناسخًا بنفسه، يعني على سبيل المثال لا يمكن أن آتي لحكم محكم، أي حكم من الأحكام كمثلا النهي عن الوقوع مثلا في فاحشة، عن النظر إلى الأجنبيات ونحو ذلك، ونقول: إن الإجماع دل على نسخ هذا الحكم، ينسخ بأي شيء؟ ما هو الدليل الذي نسخه؟، فرقٌ بين هذا وفرقٌ بين أن أقول إن الإجماع انعقد على أن حديث ( إذا جاوز الختان الختان.... ) ينسخ حديث ( إنما الماء من الماء )، فالإجماع دل على أن هذا الحديث الآخر، ولم ينسخ الإجماع بنفسه حديث ( إنما الماء من الماء )، وإنما قال: إن هذا الحديث ناسخٌ لهذا الحديث، ففرقٌ بين الفهمين، وأظن هذا واضحًا إن شاء الله تعالى.
هل يكون الجمع أولى من الترجيح؟ أم ذلك يتوقف على الحديثين؟
نعم، الجمع أولى من الترجيح، يعني لا نذهب إلى الترجيح إلا إذا عجزنا عن الجمع والتوفيق بين الأحاديث.
لو تشرح المحكم يا شيخ؟(1/257)
هو في الحقيقة ما يحتاج إلى شرح، لأننا إذا قلنا إن هناك حديثين، أحدهما عرفنا ناسخ والآخر منسوخ، فالمنسوخ معروفٌ حكمه، هذا منسوخ، والناسخ هو المحكم، يعني كما قلنا في المحفوظ الشاذ، كذلك نقول أيضًا هنا المحكم والمنسوخ، فالمحكم يقابل المنسوخ.
هل هناك منظومة في مصطلح الحديث يمكن حفظه?
كيف نحفظ نخبة الفكر بالطريقة الصحيحة لحفظها؟
أما السؤال عن منظومة في الحفظ، فمادمنا نأخذ نخبة الفكر، إذا كان يستطيع أن يحفظ النثر فالأولى أن يحفظ النخبة كما هي، هي مختصرة وصغيرة، وإن كان يفضل النظم فقد نظمها محمد بن أمير الصنعاني أحمد علماء اليمن رحمه الله المتوفى قبل قرابة مائتي سنة في نظمٍ سماه قصب السكر في نظم نخبة الفكر، فهذا النظم جيد، وشمل جميع مباحث نخبة الفكر، فبإمكانك أن تحفظه.
ما معنى قولك الحديث ضعيف؟ كيف الحديث ضعيف؟
الحديث الضعيف عرفناه من خلال كلامنا عن الحديث الصحيح والحسن، فهذه الشروط التي ذكرناه في الحديث الصحيح والحديث الحسن في التعريف السابق، إذا اختل شرطٌ منها فهذا يعني أن الحديث ضعيف، قلنا في الحديث الصحيح: إنه ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط من غير شذوذ ولا علة أو من غير علة، فإذا كان السند غير متصل فالحديث ضعيف، وإذا كان أحد الرواة غير عدل فالحديث ضعيف، إذا كان أحد الرواة غير ضابط فالحديث ضعيف، إذا كانت في الحديث علة فالحديث ضعيف، يعني إذا اختل شرطٌ أو أكثر من هذه الشروط فيعني أن الحديث ضعيف.
وسيأتي وكان بودي أن يكون داخلا في درسنا اليوم ولكن الوقت انتهى، سنبدأ إن شاء الله تعالى في الكلام على تقسيم الخبر إلى قسمين: مقبول ومردود، والمردود ينقسم إلى قسمين: إما بسبب سقط في الإسناد أو بسبب طعنٍ في الراوي، وسنبدأ في أسباب الضعف التي وقعت بسبب السقط في الإسناد إن شاء الله تعالى من الدرس القادم إن أحيانا الله.(1/258)
حديث ( عفى الله عن أمتي ما حدثت به أنفسها )، والآية تقول ? وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ? [البقرة: 284]
قول الله جلّ وعلا ? وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ? [البقرة: 284]، دل الحديث الذي ورد في كون الصحابة رضي الله تعالى عنهم تخوفوا من هذا على أن هذا الحكم قد نُسخ، وذلك في قول الله جلّ وعلا فيما بعد ذلك في آخر الآيات ? رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ? [البقرة: 286] قال الرب جلّ وعلا ( نعم ) إلى آخر الآيات، فليس هناك تعارض بين هذا الحديث وبين الأول لأن الحكم قد نُسخ.
هل يُعد مفرد الصدوق منكرًا؟
هذا تكلمنا عنه في الكلام عن المنكر، وقلنا إن الصدوق ربما كان حسن الحديث، وربما استنكر بعض الأئمة حديثه، وربما كان له تفصيل في بعض رواياته، وربما قبلوا، وردوا في بعض الأحيان، وضربتُ مثالا على هذا بمحمد بن إسحاق وبصنيع الإمام أحمد رحمه الله معه، بل بتردد الإمام أحمد في حديثه أحيانًا، وضربت على ذلك بمثال روايته لحديث سهل ابن حنيف في طهارة الثوب من المذي هل يكفي النضح أو لا، فالإمام أحمد مرة قبل هذا الحديث وأفتى به، ومرة ضعفه، ومرةً تردد فيه فقال إن صح، وهكذا، فهذا يدل على أن الأمر شائك، وينبغي أن يُنظر في كل حديثٍ من الأحاديث يرد، ويُنظر في كلام أهل العلم عن ذلك الحديث بقبوله أو رده، ويمكن للإنسان أن يرجح ما رجحه بعض أهل العلم أو يأخذ بالرأي المخالف؛ لأن هذه من المسائل التي يكثر فيها الاختلاف.
فهمت من البعض أن حديث ( لا عدوى... ) و ( فر من المجزوم... ) أنه خاصٌّ بضعيف الإيمان حتى لا يقع في الإثم، هل كلامهم صحيح؟(1/259)
الأقوال التي قيلت في التوفيق بين هذه الأحاديث كثيرة جدًا، يعني بإمكان إذا كنت تريد أن تقف عليها أن تنظر لذكر الحافظ ابن حجر لها في فتح الباري، فقد أورد الكثير جدًا من هذه الأقوال، حتى إن هناك من قال بالنسخ، هناك من قال بنسخ حديث ( لا عدوى ولا طيرة )، وهناك من قال بنسخ الأحاديث الأخرى، فدعوى النسخ كما قلنا لا يُسار إليها إلا إذا عُرف التاريخ، ولم يُعرف التاريخ في الأحاديث، ولذلك الجمع والتوفيق بينها هو الأولى.
هل الحديث الواحد يمكن أن يجمع عدة أوصاف كأن نقول مثلا هذا حديث غريب ومشهور وصحيح؟
أما بعض هذه الأوصاف فيمكن أن تجتمع، وأما بعضها فلا يمكن، فلا يمكن أن يجتمع غريب ومشهور، إلا إذا قصدنا بالغرابة الغرابة النسبية التي سبق أن فصلنا فيها، أما الغريب المطلق مع المشهور فهذا لا يمكن، لأن الغريب قلنا إنه ما يرويه الواحد، والمشهور ما يرويه ثلاثة فأكثر، فلا يتفق هذا، لكن ممكن بناءً على الغريب النسبي نقول الغريب النسبي الغرابة جاءت بالنسبة لسند معين فقط، وإلا فالحديث مشهور، وربما كان متواترًا، ولكن نستغرب طريقًا من طرق هذا الحديث المشهور أو الحديث المتواتر، أما الصحة فقد يكون الحديث غريبًا وهو صحيح وقد يكون مشهورًا وهو صحيح، وقد يكون خلاف ذلك.
لقد عرفنا الحديث الشاذ والمنكر، والسؤال هو هل صحيح البخاري وصحيح مسلم يحتويان على بعض الأحاديث الشاذة والمنكرة؟(1/260)
أما عند البخاري ومسلم فليس في الصحيحين حديثٌ شاذ ولا منكر، هذا عند هذين الإمامين وعند من وافقهما، أما عند بعض الأئمة الذين انتقدوا بعض الأحاديث فنعم، بعضهم يرى أن في الصحيحين بعض الأحاديث الشاذة والمنكرة، كالدارقطني أو غير الدارقطني، فالأحاديث التي خالف فيها الدارقطني هذين الإمامين وأودعها في كتابه التتبع كثيرٌ منها يرى الدارقطني أنها شاذة بناءً على ترجيحه لبعض الطرق التي رجحها، ويُستفاد منه الحكم بأن الطريق التي في الصحيحين شاذة وإن لم يصرح الدارقطني بالشذوذ، لأن كما قلت سابقًا إن إطلاق هذه اللفظة -الشذوذ- قليل عند أهل العلم، ما جاء إلا في الآثار المتأخرة، ما استفاض واشتهر إلا في الأعصار المتأخرة.
بالنسبة لحديث ( كُنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها )، هل دل على نسخ تحريم زيارة القبور للنساء أم هو حديث عام؟
في الحقيقة الحديث عام في حكمه للرجال والنساء، فلا يُستفاد من الحديث تحريم زيادة النساء للقبور، وإنما يُستفاد من أحاديث أخرى مثل حديث ( لعن الله زوارات القبور )، وذاك الحديث هو الذي يُستفاد منه نهي النساء عن زيارة القبور.
(إنما الماء من ماء) وحديث يتعارض مع عدم إيجاب الفعل بالولوج والتقاء الحشفة بالحشفة كيف يكون عليه الإجماع مع اختلاف العلماء في معناه
في معنى حديث (إنما الماء من الماء)؟ ما أظن أن أهل العلم اختلفوا في معنى (إنما الماء من الماء) هم فهموا من هذا الحديث أن الغسل لا يجب إلا إذا بصق الإنسان يعني إذا أنزل، فهذا معنى إنما الماء من الماء، فهل هذا الذي قصدته؟
إذا حصل للأنسان مني ورأى ذلك في الاحتلام فهل هذا يوجب الغسل؟(1/261)
كون أهل العلم بعضهم يقول عن حديث (إنما الماء من الماء) إن مفهومه أن الغسل لا يجب إلا إذا أنزل، وبعضهم يقول: لا يجب الغسل بمجاوبة الختان الختان لا يعني قول هؤلاء الذين قالوا إن الغسل يجب بمجاوبة الختان الختان، أنهم لا يرون أن الغسل يقع من الإنزال لا هم يقولون: هذا من باب أولى يعني مسألة الإنزال مفروغ منها لو أنزل سواء بجماع أو باحتلام هذا لا خلاف فيه لكن هل الغسل لا يجب إلا إذا وقع الإنزال أم يقع بما دون ذلك، نعم يجب بما هو دون ذلك في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا جاوب الختان الختان).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فكنا تكلمنا في الحلقة الماضية عن بعض أنواع علوم الحديث المتعلقة بالخبر المقبول، وقلنا: أن الخبر المقبول: منه ما هو معمول به وهذا هو الأصل، ومنه ما هو غير معمول به، وفصلنا في الذي لا يعمل به تفصيلات ذكرنا تحته بعض الأنواع، فهل يمكن للأخوة الحضور أن يذكروا بعض الأنواع التي كنا ذكرناها عن الخبر المقبول، لكن غير المعمول به؟ فمنه المنسوخ ، والمختلف .
قلنا: المنسوخ وكذلك المختلف
تكلمنا عن مختلف الحديث وضربنا له مثالاً فما المثال الذي ضربناه حينما تكلمنا عن مختلف الحديث؟
حديث ( لا عدوى ولا طيرة )
نعم، مثل حديث (لا عدوى، ولا طيرة ) وذكرنا كلام أهل العلم في التوفيق بين هذه الأحاديث.
سأطرح سؤالاً مهمًا في هذا، هل يمكن أن نقول في هذه الحال: إن مختلف الحديث يدخل فيما لا يعمل به، أو هو معمول به ؟
يعمل به بقيد
ما القيد ؟
القيد في حالة مخصوصة، أو الأصح يقال: في مختلف الحديث يكون أحد الحديثين غير معمول به، فيكون في مختلف الحديث أحد الحديثين غير معمول به .
إذاً دعونا نجعل هذا سؤالاً من الأسئلة التي نطلب من الأخوة الذين يستمعون أن يجيبوا عليه.
هل يدخل مختلف الحديث في الخبر غير المعمول به ؟(1/262)
نود أن يكون هناك جواب على هذا السؤال، ولكن لعل الجواب يكون في نهاية الحلقة، أو في بداية الحلقة القادمة؛ لأن بعض الأخوة الذين يستمعون ذكروا أنهم منشغلون بالإجابة، أو بالإعداد على هذه الأسئلة عن استماع الدرس، فمراعاة لهذا الأمر نقول: إن الإجابة عن الأسئلة يمكن أن تؤجل في أول الدرس القادم -إن شاء الله تعالى- . وسأطرح أسئلة درس هذا اليوم بإذن الله في نهاية هذه الحلقة، حتى يكون الإعداد لها فيما بننا وبين الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فنستطيع أن نجمع بين الحسنيين: نراجع المادة التي أخذناها، ونستمع للدرس ولا يفوت شيء من ذلك -إن شاء الله تعالى -.
فسؤال اليوم نحن قلنا: أن الخبر المقبول ينقسم إلى قسمين: منه ما هو معمول به، ومنه ما هو غير معمول به، ما الذي يدخل تحت الخبر المقبول غير المعمول به؟ وهل مختلف الحديث داخل في الخبر غير المعمول به؟ هذا الذي نريد الجواب عنه .
السؤال الثاني: نريد تعريفاً للناسخ والمنسوخ .
والسؤال الثالث : نريد ذكر المراحل التي نسلكها في حال وجود حديثين ظاهرهما التعارض. ما المراحل التي ينبغي أن نمر بها في حال وجود حديثين متعارضين؟
ذكرنا هذه المراحل، هذه الأسئلة نرجو الإجابة -إن شاء الله تعالى -في أول الحلقة القادمة إن أحيانا الله تعالى .
نبتدأ في هذا اليوم بموضوع جديد: وهو تقسيم الخبر إلى مقبول ومردود.
تكلمنا عن الخبر المقبول سابقا،ً وقلنا: أنه يندرج تحت الخبر المقبول: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره، وأشرنا للحسن لغيره، وستأتي الإشارة له -إن شاء الله تعالى -بعد هذا .
نأتي في هذا اليوم للكلام عن الخبر المردود، فنقول: إن الخبر المردود يكون مردوداً بسبب بعض الأمور التي سنأخذها في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى -بعد أن نقرأ ما يتعلق بدرسنا اليوم ثم نبدأ في شرحه -إن شاء الله تعالى -.(1/263)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عبده الذي اصطفى، قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( ثم المردود: إما أن يكون لسقط أو طعن.
فالسقط: إما أن يكون من مبادئ السند من مصنف، أومن آخره بعد التابعي، أوغير ذلك.
فالأول: المعلق. والثاني: المرسل ).
)
)
بدأ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تقسيم الخبر المردود إلى قسمين، فقال: إن الخبر المردود يرد لأحد سببين :
إما بسبب سقط في الإسناد.
وإما بسبب طعن في الراوي .
والمردود بسبب سقط في الإسناد يندرج تحته أنواع، والمردود بسبب طعن في الراوي يندرج تحته أنواع أيضاً سيأتي الكلام عنها -إن شاء الله تعالى -.
قدم الحافظ ابن حجر الأنواع الداخلة في المردود بسبب سقط في الإسناد، وهذه الأنواع التي تدخل في السبب الأول وهو السقط في الإسناد نجد أنها تنقسم إلى قسمين : فمنها ما هو داخل في السقك الجلي الواضح البين الذي يدركه كل أحد ، ومنها ما يندرج تحت السقط الخفي الذي لا يدرك إلا بالتفتيش، وربما بجهود الأئمة الجهابذة النقاد الذين نحتاج إلى عباراتهم وأحكامهم على هذه الأحاديث؛ ليكشفوا لنا علة هذه الأحاديث.
على وجه الإجمال نستطيع أن نقول: إن الأنواع التي تندرج تحت السقط في الإسناد ستة :
أربعة منها تابعة للسقط الجلي، واثنان تتبع للسقط الخفي .
أما الأربعة التي تتبع السقط الجلي :
فأولها: المعلق، ثم المرسل، ثم المعضل، ثم المنقطع.
هذه أربعة أنواع السقط فيها يكون جلياً واضحاً بيناً .
عندنا نوعان تحت السقط الخفي وهما : المدلس، والمرسل إرسالاً خفيا .
فأصبحت الأنواع الآن ستة التي سنتكلم عنها -إن شاء الله تعالى -مبتدئين بالقسم الأول من هذه الأقسام وهو المعلق .
فنقول: إن الحافظ ابن حجر أوضح أن السقط في هذه الحال من حيث موضعه، إما أن يكون أول السند، وإما أن يكون من آخر السند، يعني: أول السند من جهة مصنف الكتاب كالبخاري مثلاً .(1/264)
أو من آخر السند يعني: من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم – أو من ثنايا السند لا هو من الأول ولا هو من الآخر، وإنما من وسط السند أو من ثنايا السند . فالسقط الذي يكون من أول الإسناد هو المعلق .
فنستطيع إذاً أن نعرف الحديث المعلق فنقول : هو ما سقط من أول إسناده راوٍِ فأكثر، ولو حذف جميع الإسناد، وسمي معلقاً؛ لأن الكلام يناط يعني: يعلق بمن نسب إليه .
يتضح هذا بالمثال الذي سنذكر من خلاله صور الحديث المعلق، فنقول: إن للحديث المعلق عدة صور : فربما حذف شيخ المؤلف، وربما حذف الشيخ وشيخه، وأكثر حتى ربما وصل الحد إلى الصحابي، فعلق الحديث بالصحابي، بل ربما حذف الصحابي، وعلق الحديث بالنبي - صلى الله عليه وسلم – .
ودعونا نأخذ ذلك في الحديث الذي نكرره دائماً فنجعله هو محور أمثلتنا وهو من باب ضرب المثال ولو لم يكن واقعاً في الكتب وهو حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) حتى نحفظ إسناده، ونستطيع أن نجري عليه التعديلات التي توضح لنا أنواع السقط التي سنتكلم عنها -إن شاء الله تعالى -.
فحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) يرويه البخاري عن شيخه الحميدي: وهو عبد الله ابن الزبير الحميدي . فإذا قال البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) إلى آخر الحديث .
الحديث بهذه الصورة مكتمل متصل السند، لا خلل فيه فإذا أردنا أن نأخذ الصورة الأولى من صور التعليق: وهي أن نحذف شيخ المصنف، المصنف هو البخاري كما عرفنا، فمن شيخه في هذه الحال ؟ هو الحميدي .(1/265)
فلنحذف الحميدي من الإسناد، فإذا أسقطنا الحميدي من الإسناد، وقال البخاري في هذا الحديث: قال سفيان بن عيينة، أنبه في هذا الحال أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يقال حدثنا سفيان بن عيينة، يعني لا نكن ظاهريين نحذف حدثنا الحميدي، ثم نبقي حدثنا سفيان بن عيينة، في هذه الحال يكون من باب الكذب؛ لأن البخاري لم يدرك سفيان بن عيينة، فلو قلنا: قال البخاري: حدثنا سفيان بن عيينة، نكون قد افتأتنا على البخاري، ولكن إذا أردنا أن نعلق الحديث عن سفيان بن عيينة، فنقول: قال البخاري: قال سفيان بن عيينة . فيكون البخاري قد أناط الحديث الآن لسفيان بن عيينة، علق الحديث بسفيان بن عيينة.
سقط الآن من الإسناد شيخ المصنف فقط، هذه إحدى صور الحديث المعلق، يمكن أن نسقط شيخ المصنف وشيخه أيضاً، فنسقط سفيان بن عيينة، فنقول قال البخاري: قال يحيى بن سعيد الأنصاري . كذلك أيضاً لا يجوز أن نقول حدثنا سفيان بن سعيد الأنصاري من باب أولى .
فإذا قال البخاري: قال يحيى بن سعيد الأنصاري، حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إنما الأعمال بالنيات ) يكون البخاري قد علق الحديث بيحيى بن سعيد الأنصاري .
من صوره أيضاً أن يسقط الراوي الثالث، فنسقط يحيى بن سعيد الأنصاري ويعلق الحديث بمحمد بن إبراهيم التيمي. فنقول: قال البخاري: قال محمد بن إبراهيم التيمي .
من صوره أيضاً أن نسقط محمد بن إبراهيم التيمي، ونعلق الحديث بعلقمة بن وقاص الليثي، فنقول: قال البخاري: قال علقمة بن وقاص الليثي قال عمر بن الخطاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( إنما الأعما بالنيات ) .
من صوره أيضاً أن نعلق الحديث بالصحابي: وهو عمر بن خطاب . فنقول: قال البخاري قال عمر بن الخطاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( إنما الأعمال بالنيات ) .(1/266)
ومن صوره أيضاً حذف جميع الإسناد حتى بما فيه الصحابي، فنقول قال البخاري: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( إنما الأعمال بالنيات ) .
وهذا نجد أننا نستخدمه في هذا العصر، فإذا استدللنا أو استشهدنا بالحديث قلنا لقوله - صلى الله عليه وسلم – ( إنما الأعمال بالنيات ) فنحن إذاً علقنا الحديث بالنبي - صلى الله عليه وسلم – فصنيعنا من المعلقات .
نجد أن هذه الصور التي حكيناها من صور الحديث المعلق إسقاط شيخ المصنف أو شيخه أو شيخه أيضاً وهكذا، كلها يمكن أن تجري، ويقال عن الحديث الذي بهذه الصورة: إنه حديث معلق.
التفسير في الناحية اللغوية كون الحديث المعلق سمي معلقاً؛ لأجل مثلاً تعليق الجدار يعني: ردع ونحو ذلك، لا يهمنا التفصيل اللغوي في ذلك، ولكن نحن نريد المعنى اللغوي القريب من المعني الاصطلاحي . فأنا الذي أرجحه في هذا أن التعليق في اللغة أو في الاصطلاح مأخوذ من التعليق في اللغة بهذه الصفة، مثلما نقول مثلاً إننا علقنا القربة بالسقف، أو أي شيء نعلقه بشيء آخر معني ذلك أننا أرطأنا به، وجعلناه مرتبطاً به، فنجد أن القربة حينما نعلقه بالسقف نعلقها بخيط أو بسلسلة، فمن القربة فما بعد هذا متصل؛ لأنه لو كان فيه انقطاع ستسقط القربة، لكن ما بين القربة والأرض هواء .
فهذا أيضاً شبيه بالإسناد، فما بين الرجل الذي علق به الحديث، والمصنف هواء انقطاع، لكن من الرجل الذي علق به الحديث: كيحيى بن سعيد الأنصاري مثلاً إلى الآخر، نستطيع أن نشبهه بالسلسلة أو بالحبل الذي يمسك بالقربة ويربطها بالسقف أو يعقلها بالسقف .
كذلك أيضاً سلسلة الرجال بهذه الصورة تتصل بالمتن: وهو قول النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذا الشكل، لو حصل انقطاع فبلا شك أن هذا الانقطاع يؤثر زيادة على الانقطاع الأول .(1/267)
قالوا: إن الحديث المعلق بهذه الصفة من أنواع الحديث المردود؛ والسبب الجهل بحال الساقط، بمعنى أننا لا نفترض هذا المثال الذي ذكرناه وهو حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) هذا فقط أنا ضربته لكم من باب تقريب الصورة للأذهان، لكن حينما يناقش أهل العلم الحديث المعلق يناقشونه على أساس أنهم جهلوا المحذوف من الإسناد. من شيخ البخاري الذي علق الحديث عن شيخه أو من فوقه وهكذا ؟ مجهول؛ فقالوا: من الجهل بحال المحذوف ما دام أنه جهل المحذوف فهذا المجهول، يحتمل أن يكون ثقة ومحتمل أن يكون غير ثقة، وإذا كان ثقة فيحتمل أن يكون أخذه عن ثقة، ويحتمل أن يكون أخذه أيضاً عن غير ثقة وهلم جرا، يمكن أن يتسلسل هذا الافتراض .
فبما أنه فيه احتمال أن لا يكون في الإسناد أو أن يكون في الإسناد رجل غير ثقة، ويصبح الحديث ضعيفاً بهذه الصورة؛ قالوا: إن الحديث المعلق من أنواع الحديث المردود أي الحديث الضعيف، والسبب هو السقط في الإسناد . ونحن عرفنا أن من شروط الحديث الصحيح اتصال السند، فإذا الحديث المعلق فقد شرطاً من شروط الصحة وهو اتصال السند؛ فلذلك قلنا عنه أنه من أنواع الحديث المردود أو من أنواع الحديث الضعيف .
أين نجد الحديث المعلق ؟
الأحاديث المعلقة يمكن أن توجد في جميع كتب الحديث، ولكن السبب الذي جعل أهل العلم يعنون بمناقشة الحديث المعلق والتفصيل فيه؛ وجود هذه الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري بكثرة كاثرة . وهذه الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري إذا أردنا أن ندخل فيها الآثار عن الصحابة والتابعين، وغيرهم فإنها تربو على الألف أكثر من ألف ما بين حديث وأثر معلقة.
أما إذا أردنا أن نقتصر على الأحاديث المرفوعة فهي قرابة مائة وتسعة وخمسين حديثا معلقة، هذه الأحاديث المائة والتسعة والخمسين المعلقة نجد أن الحافظ ابن حجر رحمه الله اعتنى بها عناية فائقة، فصنف مصنفاً مستقل في وصل هذه الأحاديث التي علقها البخاري.(1/268)
والمصنف مطبوع بعنوان تغليق التعليق، يعني: أغلق هذا الانقطاع، يعني: سد الفراغ الذي وجد عند البخاري، فوصل هذه الأحاديث، يأتي للحديث الذي يعلقه البخاري براوي من الرواة، فيقول: هذا الحديث وصله فلان بن فلان أحد المصنفين الآخرين، ثم ربما أورد الحافظ ابن حجر الحديث بسنده هو وسنده طويل فيورده بسنده، إما عن ذلك المصنف أو عن غيره من المصنفين الآخرين، فالحافظ ابن حجر بهذه الصورة يكون قد سد هذه الثغرة التي في صحيح البخاري، بطبيعة الحال البخاري كان قاصداً لهذا الصنيع وهو التعليق، يعني لم يكن هذا من البخاري من باب الخطأ، لا، البخاري قصد هذا الصنيع قصد أن يعلق هذه الأحاديث، ولذلك أنا أتوقع أن يرد سؤال من الذين يستمعون عن السبب الذي جعل البخاري مثلاً يعلق أو حتى غير البخاري فهناك أسباب تدفع .
على سبيل المثال البخاري ربما علق الحديث؛ لأنه ليس على شرطه فكأنه يقول: انتبه يا طالب العلم فهذا الكتاب منه أحاديث متصلة بإسنادي هذه هي التي على شرطي، وهي التي يمكن أن تناقشني فيها، وتوهمني بما أردت .
ومنه أحاديث أنا فصلتها عن الأحاديث التي على شرطي فجعلتها مميزة عنها، بأي شيء يا بخاري ؟ قال: بالتعليق أعلقها لا أريدها بالإسناد المتصل ،ولا أورد بالإسناد المتصل إلا الأحاديث التي على شرطي . لماذا لا تكون هذه الأحاديث على شرط البخاري؟ لأنها تفتقد بعض الشروط التي اشترطها في الحديث الصحيح، إما بسبب أن بعض الرواة يرى البخاري أنهم لم يبلغوا الدرجة التي يريدها في صحيحه، أو لأن الإسناد ليس على شرطه من حيث الاتصال . ونحن عرفنا أن البخاري يشترط اللقاء بين الرواي وشخه ولو مرة كما كنا ذكرناه في التفاضل بين صحيحي البخاري ومسلم .
فإذا هناك شروط البخاري في صحيحه، إذا كانت هذه الشروط لم تتوفر في حديث من الأحاديث فإن البخاري قد يورد هذا الحديث في صحيحه، لكن بصفة التعليق حتى يخرجه عن شرطه.(1/269)
لماذا يورد البخاري أصلاً هذا الحديث ؟
نقول: إن البخاري يحتاج لهذه الأحاديث في فقه الحديث، والاستشهاد بها في المناسبات وفى الأبواب .
فالبخاري يحاول جاهداً أن يجعل الترجمة، والترجمة هي العناوين التي يجعلها للأبواب يحاول أن يجعل هذه الترجمة في كثير من الأحيان حديثاً من الأحاديث .
على سبيل المثال في كتاب الصيام: قال باب من أفطر يوماً من رمضان لم يقضه صيام الدهر وإن صامه، وهذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه، ولكن ليس على شرط البخاري؛ فلذلك البخاري أخذ متن هذا الحديث وبوب به، ولم يورده بإسناد؛ لأنه ليس على شرطه، فهذا هو السبب الذي يجعل البخاري يأتي بهذه الأحاديث ويعقلها، يريد أن يستفيد مما فيها من المعاني مع الابتعاد عن تحمل تبعة تصحيح هذا الحديث، هذا السبب الذي يجعل البخاري يورد هذه الأحاديث بهذه الصفة . منها مقاصد أخرى من أراد أن يعرفها فلينظر في مقدمة الحافظ ابن حجر الذي هو هدي الساري لشرح صحيح البخاري، لكن هذه من أهم الأسباب التي تدفع البخاري ليجيب هذه الأحاديث المعلقة في صحيحه .
إذاً مادام هناك أحاديث معلقة في الصحيحين، فكيف نتعامل مع هذه الأحاديث المعلقة؟
هل نستطيع أن نقول: إن كل المعلقات التي في صحيح البخاري ضعيفة بسبب هذا التقعيد الذي ذكرناه، وقلنا: إن الحديث المعلق من أنواع الحديث المردود ؟ بسبب وجود السقط في الإسناد ؟ نقول لا هذا كلام ليس على إطلاقه. سبر أهل العلم الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري، ووجدوا أن للبخاري رحمه الله طريقة في هذه الأحاديث، هذه الطريقة تتلخص في أنه ربما علق الحديث بصفة الجزم، وربما علقه بصفة التمريض، أو بصيغة التمريض .(1/270)
صيغة الجزم: كأن يجزم بالحديث عمن علقه عنه، فيقول: مثلاً قال هشام بن عمار، أو قال طاووس . فإذا قال هذه الصيغة ونطق بهذه الصيغة قال، فهذه تمسى صيغة الجزم، يعني أنه جزم بتعليق هذا الحديث عن هذا الشيخ الذي سماه، ففي هذه الحال يكون البخاري قد تكفل لك بالإسناد من عنده إلى هذا الراوي، يقول الإسناد إلى من علقت الحديث عنه صحيح لا إشكال فيه، فإذا قال قال طاووس قال معاذ لأهل اليمن ائتوني بزكاة أموالكم إلى آخر الحديث فنستطيع أن نقول: إن الحديث من عند البخاري إلى طاووس صحيح الإسناد إلى طاووس فقط، لكن من بعد طاووس يعني من كشفهم البخاري هؤلاء هم الذين يحتاجون الحديث إلى النظر فيه .
فما دام طاووس قال: قال معاذ لأهل اليمن سننظر إذاً هل سمع طاووس من معاذ أو لا، فنجد أن الإشكال ها هنا، وهذا الذي جعل هذا الحديث ليس على شرط البخاري، لأن طاووساً لم يسمع من معاذ . ففي الإسناد انقطاع ولذلك كشفه البخاري قال: انتبه أنا لهذا السبب ما أوردت الحديث في صحيحي بسبب الانقطاع بين طاووس ومعاذ، لكن أنا متكفل لك بأن الإسناد عن طاووس صحيح لا إشكال فيه . فإذا جاء البخاري بصيغة الجزم نقول: هذه المقولة أما إذا جاء بصيغة التمريض كأن يقول: يذكر عن طاووس مثلا . فإذا قال: يذكر أو يروى أو نحو هذه العبارات التي تأتي بصيغة المبني للمجهول، فالأمر يختلف، يقول: صيغة التمريض هذه لا تفيد الصحة، إذا كانت لا تفيد الصحة، هل تفيد عكس الصحة وهو الضعف ؟ يقول: لا .
نُظِرَ في هذه الأحاديث التي يوردها البخاري بصيغة التمريض، فوجد أن منها ما هو ضعيف، ووجد أن منها ما هو صحيح، بل مخرج في صحيحه، ومنها ما هو صحيح وعلى شرطه، وإن لم يكون في صحيحه، وهكذا في تقسيمات لا داعي للتفصيل فيها، لكن نحن نأخذ خلاصة الأمر .
كيف يمكن أن يورد البخاري الحديث بصيغة التمريض، وقد أخرجه في صحيحه ؟(1/271)
نُظر في الأسباب التي جعلت البخاري يورد الحديث بصيغة التمريض مع كونه أخرجه في صحيحه، فوجد أنه ربما أورد الحديث مختصراً، تصرف في متنه فكأنه يقول: انتبه أو يشعرك بأنه ليس هذا لفظ الحديث بتمامه، ولكنه احتاج لفقه الحديث فاستخدمه في موطن من المواطن كقوله مثلا يذكر عن ابن عباس في رقية اللديغ .
إذا ما جئنا لحديث ابن عباس أخرجه البخاري في صحيحه، ولكنه استخدم هذه اللفظة في موطن آخر من أجل الاستشهاد بها، ولم يخرج الحديث في هذا الموضع لماذا ؟
لأننا لو جئنا للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس، نجد أنه الحديث المشهور: وهو حديث أبي سعيد الخدري مع الصحابة الذين ذهبوا، واستضافوا قوماً فلم يضيفوهم فلدغ سيد أولئك القوم لدغته أفعى، فجاء هؤلاء القوم هؤلاء الصحابة، وقالوا: هل فيكم من راق ؟ قالوا: نعم .
فذهب أحدهم ورقى ذلك سيد الحي بفاتحة الكتاب، فكأنما نشط من عقال، يعني قام سليماً.
فشارطوهم على قطيع من الغنم، أخذ هؤلاء الصحابة هذا القطيع من الغنم، وجاءوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهم متوقفون، يقولون: لا نقتسم هذه الماشية، حتى نسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن فعلنا أجائز هو أم لا ؟
فسألوا النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ( وما يدريكم أنها رقية ؟ إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله خذوا، واضربوا لي معكم بسهم ) .
فأقرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بل ساهمهم في تلك الغنيمة .
هذا الحديث بطوله لم يورده البخاري، وإنما أورد خلاصته يذكر عن ابن عباس في رقية اللديغ . فإذا هو حينما علقه بصيغة التمريض كأنه يريد أن يشعرك بأن الحديث ليس هذا لفظه، وإنما تصرف في اللفظ .
في هذه القضية تطويل لا أستطيع أن آتي عليه في هذا المختصر، لعلنا -إن شاء الله تعالى -نفصل فيه أكثر وأكثر حينما نتكلم في المطولات بإذن الله تعالى، لكن هذه هي الخلاصة .(1/272)
يوجد في صحيح البخاري أحاديث معلقة، منها ما هو مجزوم به، ومنها ما أريد بصيغة التمريض المجزوم به، لا نستطيع أن نقول: إنه صحيح، ولكن نقول: إنه صحيح إلى من علق عنه. الذي أورد بصيغة التمريض لا نستطيع أن نقول: إنه ضعيف بل فيه تفصيل منه ما هو ضعيف، ومنه ما هو صحيح وهلم جرا. هذا بالنسبة للمعلقات في صحيح البخاري .
يرد هنا سؤال، هل في صحيح مسلم معلقات ؟ نقول: إن مسلم بن الحجاج -رحمه الله- أقل من المعلقات جداً، بل بعد السبر والتدقيق في صحيح مسلم ما وجد على وجه الحقيقة فيه من المعلقات إلا حديث واحد: وهو حديث ابن الجهين بن الحارث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أقبل من نحو بئر جمل ذكر أبو الجهين: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذهب؛ ليقضي حاجته، ثم جاء سلم عليه أبو الجهين فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – السلام حتى جاء إلى حائط فضرب بيديه على الحائط، ثم تيمم ثم رد على أبي جهين السلام، وهذا سبق أن ذكرناه في الدرس الماضي فيما يظهر . هذا الحديث علقه مسلم عن الليث ابن سعد، ومسلم، ما يدرك الليث بن سعد لكن في كثير من الأحيان يروي عن محمد بن الرمح عن الليث بن سعد، أو ربما عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد وهكذا .
فالخلاصة أنه ليس في صحيح مسلم من الأحاديث المعلقة إلا هذا الحديث الواحد، وهو حديث صحيح مخرج في صحيح البخاري، وموجود بأسانيد متصلة في خارج صحيح مسلم.
أما الكتب الأخرى فقد يوجد فيها المعلق، ولكن أكثر من أكثر من المعلقات هو البخاري رحمه الله في صحيحه؛ ولذلك قورنا لمناقشة هذه المعلقات التي في صحيح البخاري.
نقوم الآن بهذه العجالة وهذه الخلاصة، قد انتهينا من الكلام عن الحديث المعلق، إن كان لكم أدنى سؤال في هذه الجزئية التي تكلمنا عنها، وأرجو أن تكون الأسئلة دائرة فيما تكلمنا عنه فقط دون التوسع حتى لا يذهب عنا الوقت قبل أن ننتقل للكلام عن الحديث المرسل .(1/273)
إذا كان يا شيخ الراوي يروي عن شيخه وأسقط شيخه وروى عن شيخ شيخه وشيخ شيخه شيخ للراوي هل يعتبر هذا معلق ؟ إذا أسقط شيخه وشيخ شيخه شيخ للراوي ؟
السؤال الحقيقة وجيه وأذكرني بجزئية كان المفروض أتكلم عنها إذا كان الراوي أو صاحب الكتاب أسقط راوياً، وعلق الحديث عن شيخه: عن شيخ ذلك الراوي ولكن شيخ ذلك الراوي شيخ لصاحب الكتاب، فهل يقال في هذه الحالة إن الحديث معلق، أو في المسألة تفصيل ؟
نقول: إن تيقنا بأن صاحب الكتاب أسقط واسطة فيما بينه وبين الشيخ الذي علق به الحديث فنعم يكون معلقاً . ولكن في هذه المسألة، أو في هذه الصورة قد يدخل هذا الصنيع في التدليس إلا إذا ميز، وأوضح وأسقط الواسطة بينه وبين شيخه .
فعلى سبيل المثال: البخاري روى حديث المعازف: وهو قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف ) هذا الحديث علقه البخاري بهشام بن عمار، فقال: قال هشام بن عمار، وهشام بن عمار شيخ للبخاري .
لكن ليس عندنا دليل يدل على أن البخاري أسقط واسطة بينه وبين هشام بن عمار، لو كان عندنا دليل لقلنا أن البخاري مدلس إلا إذا أوضح وبين، لكن ما عندنا دليل على أن البخاري أسقط واسطة بينه وبين شيخه، لكن بقيت هذه المسألة محل تساؤل.
إذا علق الراوي أو صاحب الكتاب الحديث بشيخه ولم يصرح بالسماع منه مثلما قال البخاري هنا: قال هشام بن عمار، فهل يسمى هذا معلقاً أو لا ؟
قالوا: ينظر إن كان الراوي معروفاً بالتدليس أو صاحب الكتاب معروفا بالتدليس فهذا يدخل في المدلس، والمدلس سنتكلم عنه -إن شاء الله تعالى -.
إذا كان صاحب الكتاب ليس معروفاً بالتدليس؛ فالحديث له حكم الاتصال مثله مثل قبول العنعنة في الإسناد ونحوها، فنحن نقبلها من غير المدلس على التفصيل الذي سنذكره إن شاء الله تعالى. فهذه هي إجابة هذا السؤال، وجزاك الله خيراً على إذكاري إياه .(1/274)
المعلقات التي علقها البخاري بصيغة الجزم، هل بعد التتبع تبين أن كل الصحيح عند غير البخاري جزءاً في صحيحه ؟
يقول: هل يؤثر تعليق البخاري لبعض الحديث على صحة الحديث، ويقول: إذا صحح بعض العلماء الحديث، ثم تبين بعد ذلك أن الحديث ليس صحيحاً، فمثل ذلك المستدرك للحاكم ؟
إن الحديث الذي يعلقه البخاري في صحيحه، ويكون موجوداً في خارج الصحيح، فهل هو صحيح أو لا ؟
نقول: على التفصيل الذي كنت ذكرته، نقول: منه ما هو صحيح، ومنه ما هو غير صحيح، يعني: ما دمنا قلنا: هذا فيما هو بصيغة التمريض، فمن باب أولى أن يكون فيما أرود بصيغة الجزم يعني: الأحاديث التي يوردها البخاري معلقة، ولم يخرجها في صحيحة هذه إما أن تكون صحيحة في خارج الصحيح، مثل الحديث الذي علقه البخاري ( أمر بلال أن يشفع الآذان، ويوتر الإقامة ) هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، ولم يخرجه البخاري موصولاً وإنما علقه.
فإذًا هو صحيح؛ لإخراج مسلم له في الصحيح، ولكن يبدو أنه ليس على شرط البخاري؛ فلذلك علقه البخاري تعليقاً .
قد يكون صحيحاً وليس في صحيح مسلم، ممكن أن يوجد في سنن أبي داود، في جامع الترمذي، في غير ذلك من الكتب ويكون صحيحاً، وقد يكون حسنا لذاته، وقد يكون حسنا لغيره، ينجبر ضعفه بمجموع الطرق، وقد يكون ضعيفاً، ولكن ضعفه يسير، وقد يكون ضعيفاً جداً، وهذا أحياناً يشير إليه البخاري حينما يورد بعض الأحاديث، ويقول عنها: فيه نظر أو نحو هذه العبارات التي نظر إليها العلماء على أنها تدل على شدة الضعف، مثل الحديث الذي علقه البخاري في تنفل المصلي في موضعه الذي صلى فيه .
فذكر ما يذكر عن أبي هريرة ( لا يتنفل المتنفل في موضعه الذي صلى فيه الفريضة ) بعضهم قال: فيه نظر أو نحو هذه العبارة، المهم أنه ضعف هذا الحديث، والحديث أخرجه أبو داود في سننه .
فكل هذا يوجد في المعلقات التي عند البخاري يعني: الصحيح والحسن والضعيف وغير ذلك.(1/275)
ذكرتم أن البخاري ربما يذكر الحديث، يعلق الحديث بصيغة جزم أو صيغة التمريض، لكن ذكرتم يا شيخ أنه في بعض الأحيان يعلق ويضيف إضافة فيها نظر وهكذا، هل ورد أن البخاري علق حديثاً وأضاف فيه تعليقاً لأنه ليس على شرطه في أمر معين، هل ذكر سبب التعليق، أم أنه علقه بصيغة الجزم وترك التعليق ؟
البخاري ليس له كلام لا في شرطه في الصحيح، ولا في الأسباب التي دفعته للمعلقات ولا شيء من هذا، لكنه يصنف هذا الصحيح من أهل العلم، وأهل العلم يعرفون قصد البخاري من هذا التصرف، في تعليق هذه الأحاديث إما بصيغة الجزم، أو بصيغة التمريض، وخدم هذا الأمر عند البخاري الحافظ ابن حجر خير خدمة، فبين مراد البخاري من هذا سواء كانت الدارسة التي قدمها بين يدي الكتاب، وهي هذه السارية المقدمة أو حتى في ثنايا شرحه لهذه الأحاديث، فإن ابن جحر رحمه الله يبين الأسباب التي دفعت البخاري لمثل هذا في بعض الأحيان، ولكن أكثر ما قعد ونص على هذا في المقدمة التي قدمها بين يدي الكتاب .
دعونا نستمر الآن في النوع الثاني من أنواع المردود بسبب سقط في الإسناد وهو الحديث المرسل .
الحديث المرسل بعكس الحديث المعلق من حيث موضع السقط، فعرفنا أن الحديث المعلق ما يكون فيه سقط من بداية الإسناد يعني من جهة مصنف الكتاب. أما الحديث المرسل فعكسه يكون السقط من آخر الإسناد؛ ولذلك فالحديث المرسل يحتاج إلى أن نعرفه، ثم بعد ذلك نتكلم عن حكمه، ونذكر بعض أمثلته، ونناقش بعض الأشياء الواردة في هذا الموضوع .
فيعرف أهل الحديث الحديث المرسل بعدة تعريفات بحسب وجهة نظر كل واحد منهم. فالحافظ ابن جحر يقول عن الحديث المرسل في شرحه لنخبة الفكر، أو يعرف الحديث المرسل في شرحه: بأنه ما سقط منه من بعد التابعي، لكن إذا أردنا تعريفاً يمكن يكون ألطف من هذا نوعاً ما فيما أرى، فنستطيع أن نقول عن تعريف الحديث المرسل: إنه ما يضيفه التابعي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – .(1/276)
حينما نقول: ما يضيفه التابعي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – نحن حاولنا أن نجتنب التعريف الذي ذكره البيقوني في منظومته لأن البيقوني قال : ومرسل منه الصاحبي سقط .
عرف المرسل: بأنه ما سقط منه الصحابي، هذا التعريف خطأه أهل العلم، وقالوا: لو تيقنا أن الساقط من الإسناد صاحبي لما كان الحديث عندنا ضعيفاً؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولكن سيتبين لنا الآن لماذا حكمنا على المرسل بأنه من أنواع الحديث الضعيف.
بعض أهل العلم يشترط في التابعي أن يكون تابعياً كبيرا، فيقول: هو ما يضيفه التابعي الكبير إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فإذا هم يخرجون التابعي الصغير عن هذا التعريف، والسبب أنهم يجدوا أن كثيراً من الأحاديث التي يرسلها التابعون الصغار تكون معضلة، يعني يكون الساقط في كثير من الأحيان صحابياً وتابعياً آخر وربما أكثر من تابعي .
الفرق بين التابعي الكبير، والتابعي الصغير يتضح بالتفصيل الذي سأذكره .
فنحن نعرف أن التابعي هو الذي لقي الصحابي، فكل من لقي صاحبياً يعد من التابعين، بل بعض أهل العلم أدخلوا في التابعين من عاصر الصحابة وإن لم يراهم، ولكن هذا فيه توسع، لكن المسلَّم به أن كل من لقي صاحبياً فإنه يقال له تابعي .
لكن هؤلاء التابعون يختلفون فمنهم أناس وجدوا في عصر النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكن لم يكتب لهم لقاء النبي – صلى الله عليه وسلم – بعضهم هاجر من بلده من اليمن وجاء إلى المدينة فلما وصل المدينة وجد النبي – صلى الله عليه وسلم – تُوفي، مثل عبيده السلماني رحمه الله تعالى كاد أن يكون صحابياً .(1/277)
هؤلاء يقال لهم: المخضرمون وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، يعني عاشوا في الجاهلية وعاشوا في الإسلام، هؤلاء بلا شك أنهم تابعون كبار، بمعنى أن هؤلاء يكونون قد لقوا كبار الصحابة، فالصحابة - رضي الله عنهم – توفوا في وقت مبكر مثل أبي بكر - رضي الله عنه – ليس بين وفاته وبين وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا قرابة السنتين، معاذ بن جبل - رضي الله عنه – بين وفاته ووفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – قرابة ثمان سنوات؛ لأنه توفي سنة ثمان عشرة للهجرة ، كذلك عمر بن الخطاب تُوفي أيضاً مبكراً وهكذا نجد أنه كلما تأخر وفاة الصحابي، كلما أمكن أن يدركه عدد أكبر من التابعين؛ لذلك نجد كثيراً من أحاديث أبي بكر الصديق يقوم الإشكال فيها في الانقطاع بين التابعي والصحابي، فتصبح أحاديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه – قليلة بسبب أنه تُوفي في وقت مبكر، فما تمكن من نشر العلم الذي أخذه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – لكن نجد أن الصحابة الذي تأخرت وفاتهم مثل: أنس بن مالك أحاديثه كثيرة أعطاه الله - عزّ وجلّ – مهلة زمنية استطاع معها أن ينشر هذا العلم . كذلك أبو هريرة - رضي الله عنه – وهلم جرا .
فالتابعون نستطيع أن نحكم على الواحد منهم بأنه تابعي كبير، أو تابعي وسط، أو تابعي صغير، بحكم لقائه للصحابة، منهم الصحابة الذين لقيهم كم عددهم ؟ وهكذا .
فالتابعون الكبار: هم الذين لقوا كبار الصحابة، والذين توُفوا في صدر الإسلام، مثل أبي بكر معاذ، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، عبد الله بن مسعود، أبي ذر، أبي الدرداء، أُبَي ابن كعب، هؤلاء توفوا في عصر مبكر، فالتابعون الذين لقوا هؤلاء الصحابة هم التابعون الكبار، هناك أواسط التابعين، هؤلاء التابعون الكبار مثلما قلت عبيدة السلماني، أو مثل أبي عثمان النهدي، مثل سعيد بن المسيب، كثر هؤلاء التابعون الكبار .(1/278)
هناك تابعون وسط، هؤلاء الذين هم أواسط التابعون مثل: الحسن البصري، ومحمد ابن سيرين رحمهم الله تعالى، هؤلاء لقوا عدداً من الصحابة، ولكن ليسوا كالتابعين الكبار، بمعنى أن هناك كثيراً من أحاديثهم تكون مرسلة بسبب أنهم ما لقوا بعض الصحابة .
فعلى سبيل المثال: نجد أن الحسن البصري نوزع في روايته عن أبي هريرة، هل لقي أبا هريرة أو لا ؟ مع أنه أدرك عصر أبي هريرة، لكن المشكلة في البلدان يكون هذا في بلد، وهذا في بلد، فقد لا يكتب لهم اللقاء .
فبسبب أن الحسن البصري، ومحمد بن سيرين هناك عدد من الصحابة روايتهم عنهم منقطعة يسمونها مرسلة، يعني: لم يلقوا هؤلاء الصحابة، ولقوا أيضاً صحابة كثر، فأصبح هؤلاء يقال لهم أواسط التابعين .
صغار التابعين الذين لم يلق الواحد منهم إلا الصحابي الواحد أو الاثنين ونحوهم، يعني عدد قليل من الصحابة، وعلى وجه الخصوص الصحابة الذين تأخرت وفاتهم، مثل قتادة، الشيء المسلم به أنه لقي أنس بن مالك، غير أنس بن مالك فيه خلاف، يعني كأن قتادة ما لقي على وجه الاتفاق إلا أنس بن مالك - رضي الله عنه - .
كذلك الزهري ومجاهد ونحو هؤلاء، هؤلاء مراسيلهم تعد ضعيفة ومتكلم فيها، وبعضهم يقول إنها شبه الريح بسبب أنهم ما لقوا إلا العدد القليل من الصحابة - رضي الله عنهم – فهؤلاء هم صغار التابعين .
فبعض أهل العلم يقيد المرسل بأنه مرسل كبار التابعين، وأما مرسل صغار التابعين، يقول: هؤلاء أحاديثهم معضلة، والمعضل: سنأتي -إن شاء الله تعالى -في الكلام عليه قريباًَ؛ لأنه ما كان السقط فيه بأكثر من واحد باثنين أو بأكثر على التوالى، كما سنبينه -إن شاء الله تعالى -.
الحديث المرسل له صور، صوره تعود لهذا التفصيل الذي كنت ذكرته، فمنه مرسل كبار التابعين، ومنه مرسل أواسط التابعين، ومنه مرسل صغار التابعين .(1/279)
لكن إذا جاءنا الحديث عن تابعي التابعين، يقول فيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فنحن في هذا الحال لا نسميه مرسلاً، وإنما يكون معضلاً كما سنبينه -إن شاء الله تعالى -.
إذا المرسل هو ما يضيفه التابعي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم –، ولم نسلم بالتعريف الذي ذكره بعض أهل العلم: وهو تخصيص المرسل بكبار التابعين؛ لأننا ننقاش المرسل من حيثه يعني رواية التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم – والتفصيل فيها .
أما مراسيل كبار التابعين وخلاف أهل العلم في قبولها من عدمها هذه لها حكم آخر سنتكلم عنه -إن شاء الله تعالى -.
أمثلة الحديث المرسل كثيرة في كتب الحديث، حينما نجد سعيد بن المسيب على سبيل المثال يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في ابن أخ أم سلمة بعد أن سموه الوليد ( تسمونه بأسماء فراعنتكم ) فهذا نقول عنه: إنه مرسل، والمرسل من أنواع الحديث الضعيف؛ لأنه سقط من سنده من بعد التابعي، فسعيد بن المسيب أضاف هذا الحديث للنبي - صلى الله عليه وسلم – ولم يذكر الواسطة بينه وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – .
ما حكم الحديث المرسل ؟
قلنا: إنه من أنواع الحديث المردود، ونحن الآن نتكلم عنه على أنه من أنواع الحديث المردود، يعني: الحديث الضعيف .
لماذا يكون من أنواع الحديث الضعيف ؟ مع أن احتمال أن يكون الساقط صحابياً- وارد.
أن يكون السبب ما بينه أهل العلم وأختم بهذا، حينما قالوا: إننا نفترض أن يكون التابعي أخذ هذا الحديث عن صحابي، ونفترض أن يكون قد أخذه عن تابعي عن صحابي.
فلو تيقنا أنه أخذه عن صحابي فلا إشكال، لكن بما أن الاحتمال وارد أن يكون أخذه عن تابعي آخر، فهذا التابعي قد يكون ثقة، وقد يكون غير ثقة، فإن كان غير ثقة، فهو مردود، وإن كان ثقة عاد الاحتمال مرة أخرى.(1/280)
هل هذا التابعي الآخر أخذه عن هذا الصحابي، أو أخذه عن تابعي آخر ؟ فإذا كان أخذه عن تابعي آخر، فربما كان ذلك التابعي ثقة، وربما كان غير ثقة، فإن كان غير ثقة فالحديث ضعيف، وإن كان ثقة عاد الاحتمال مرة أخرى .
قالوا: فمن حيث التصور فإلى مالا نهاية، لك أن تتصور إلى ما لا نهاية: أن يكون تابعي يروي عن تابعي عن تابعي وهكذا، لكن من حيث الوجود أكثر ما وجد ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهو حديث أبي أيوب المعروف المشهور في فضل قراءة قل هو الله أحد وأنها تعدل ثلث القرآن .
هذا الحديث يرويه منصور بن المعتمر وهو تابعي، عن هلال بن إساف وهو تابعي، عن الربيع بن خُثَيم وهو تابعي، والربيع يرويه عن عمرو بن ميمون وهو تابعي، عمرو بن ميمون يرويه عن امرأة من الأنصار، قيل إنها زوجة أبي أيوب الأنصاري، وهي السادسة، وهي تروي عن أبي أيوب الأنصاري على الاختلاف الوارد في الحديث، هل هذه المرأة هي زوجة أبي أيوب أو لا ؟
فإن كانت زوجة أبي أيوب وهي صحابية؛ فيكون عدد التابعين في هذا الحديث خمسة، وإن كانت تابعية فيكون عدد التابعين في هذا الحديث ستة، فهذا أكثر ما وجد، وقيل إن هذا هو أطول إسناد في مسند الإمام أحمد؛ لأن هذا الإسناد بين الإمام أحمد وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه تسعة رواة؛ لأن الإمام أحمد رواه عن شيخه عبد الرحمن ابن مهدي، وعبد الرحمن بن مهدي رواه عن زائدة، وزائدة رواه عن منصور بن المعتمر، هكذا وربما كان فيه زيادة راوٍ، فالمهم أن هذا الإسناد هو أطول إسناد وجد من الأحاديث وعلى وجه الخصوص في مسند الإمام أحمد .
هذا من حيث التصور الذهني، ولعلنا نقف عند هذا؛ لأن الوقت قد انتهى، ونواصل -إن شاء الله تعالى -لأننا ما استكملنا عن الأحاديث المرسلة وعن حكمها سنكمله -إن شاء الله تعالى -في الدرس القادم .
سؤال عن مختلف الحديث، ما الذي يعمل به، وما الذي لا يعمل به ؟(1/281)
نحن قلنا: الحديث المقبول، قلنا: إن منه ما هو معمول به، ومنه ما هو غير معمول به، فما هو المعمول به؟ وما هو غير المعمول به؟ وهل يدخل في المعمول به مختلف الحديث أو لا يدخل؟
سؤال آخر عن الناسخ والمنسوخ
نحن عرَّفنا ناسخ الحديث ومنسوخه، فما هو هذا التعريف الذي كنا ذكرناه .
مراحل العمل عند تعارض النصوص
إذا وجدنا حديثين أو أكثر متعارضة فما العمل في هذه الحال؟ نحن ذكرنا خطوات نتبعها، ما هذه الخطوات ؟
تقول هل لكم شرح لمتن النخبة موجود؟
النخبة فى بداية هذه الدروس أذكر أنني قلت أنني شرحتها كثيراً، ولا أريد أن أقول أني مللت من شرحها، فشرحتها عدة مرات، على كل حال الشرح موجود على أشرطة مسجلة، وقد فرغ في كتاب، لكن ذكرت أن فيه أسقاطا؛ً فلذلك لا أنصح بالقراءة منه؛ لأن هذه الأسقاط قد تغير المعنى في بعض الأحيان، فهو موجود على أشرطة تباع في التسجيلات، وموجودة أيضاً في مواقع إسلامية .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي هل الحديث المرسل مردود على الإطلاق ؟
سؤاله جيد ونقدر له اهتمامه بهذا الدرس، ولكن بودي أن أؤجل الإجابة عن السؤال للدرس القادم، لأنى لم أغفل في الحقيقة في الإجابة عن هذا السؤال، ولكن انتهى الوقت وما استطعنا أن نستكمل بقية مفردات الحديث المرسل، ومن جملتها هذا السؤال الذي سأله الأخ أثابه الله .
تقول كيف نجمع بين حديثين صحيحين ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – احتجم وهو صائم ؟
نفس الكلام الذي كنا ذكرناه في مختلف الحديث نذكره أيضاً عن حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) واحتجم النبي - صلى الله عليه وسلم – وهو صائم .
هناك من أهل العلم من ضعف حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وهذا قلبي يميل إلى التضعيف، فإذا كان الحديث ضعيفاً فكون النبي – صلى الله عليه وسلم – احتجم وهو صائم فهذا يدل على الإباحة المطلقة .(1/282)
يؤيد هذا الحديث الذي في صحيح البخاري حينما سئل أنس بن مالك - رضي الله عنه – قيل له أكنتم تكرهون الجحامة على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ؟
قال : لا، إلا من أجل الضعف .
فإذا كانت الحجامة ستفضي إلى الضعف، وهذا الضعف يفضي بالإنسان إلى ارتكاب المحذور وهو الفطر، فمعنى ذلك أنها تحرم لهذا السبب، يعني ليست محرمة لذاتها، ولكن لما
تفضي إليه من الوقوع في المحذور وانتهاك حرمة رمضان فيجب على الإنسان في هذه الحالة إذا كان يخاف أن يفضي به هذا الأمر إلى الإفطار أن يؤجل هذا إلى الليل أو إلى ما بعد رمضان، فهذا هو السبب الذي يمكن أن تحرم من أجله الحجامة، ثم اعتماداً على حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فالحديث هكذا تعار على أنه ضعيف، وهناك من صححه من أهل العلم، وحاول أن يجمع بين هذه الأحاديث، يعني الجمع بينها يمكن أن يأخذ منا شيئا من الوقت، أخشى أن يستولي على هذا، لكن أنصح الأخت السائلة أن تقرأ صحيح ابن خزيمة، فابن خزيمة -رحمه الله- اجتهد في الجمع بين هذه الأحاديث، وهو ممن يصحح كل الأحاديث في هذا، واجتهد في الجمع والتأليف بينها فلتراجعه إن شاءت.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ما هو موقف الإنسان المسلم من الحديث الضعيف؟
يقول ما هو حكم الاستدلال بالحديث المعلق في الوعظ والإرشاد؟
أما الموقف من الحديث الضعيف فالمفروض أن نأخذ هذا الكلام في النخبة، لكن النخبة الحقيقة مختصرة، ولا أذكر أن الحافظ فصل في الموقف من الحديث الضعيف، وإنما هذا يأتينا -إن شاء الله تعالى -حينما نتكلم عن اختصار علوم الحديث لابن كثير الحافظ ابن كثير تكلم عن هذا يمكن أن نتكلم عنه -إن شاء الله تعالى -.(1/283)
لكن أنا أجمل الإجابة الآن على وجه السرعة، فأقول: الحديث الضعيف هو ضعيف على كل الأحوال، لكن أهل العلم اختلف موقفهم من العمل بالحديث الضعيف، فبعضهم تساهل في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، لكن إذا كان الحديث الضعيف في الأحكام والعقائد شددوا، لا يتساهلون فيه إلا إذا كان في فضائل الأعمال، لكن لهم شروط في هذا، فيشترطون ألا يكون ضعفه شديداً، يعني إذا كان فيه متهم بالكذب ونحو ذلك هذا لا يبالون به، ولا يعملون به، ولا يحدثون به، حتى في فضائل الأعمال.
بشرط آخر وهو ألا يقرر أصلاً جديداً، يعني لا يأتي بحكم جديد، ولكن يدخل تحت حكم سابق مثل لو وجدنا حديثاً يحث مثلا على صلاة الجماعة، صلاة الجماعة فيها أحاديث صحيحة موجودة، فهذا لا يقرر حكماً جديداً، وإنما هو يدعم الحكم السابق فقط لا غير، فيه تفصيل -إن شاء الله تعالى -لعلنا نأتي عليه -بإذن الله تعالى- حتى لا يذهب علينا الوقت .
كذلك الاستدلال بالمعلقات في الوعظ والإرشاد، إذا كانت هذه المعلقات صحيحة فلا بأس، وإذا كانت ضعيفة فلا ينبغي الاستدلال بها؛ لأن الحديث المعلق من أنواع الحديث الضعيف، وربما كان ضعفه شديداً، إذا كان الحديث معلقاً في خارج الصحيحين فإنه يمكن أن يكون سقط من إسناده مثلا متهم بالكذب ونحو ذلك، فيكون ضعفه شديداً .
فلا يجوز للمرء المسلم أن يعظ ويرشد إلا أن يستدل بالأحاديث الصحيحة، أو إذا تسمحنا له وسرنا في سلك أهل العلم الذين يتساهلون بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال بالشروط التي ذكرها أهل العلم في هذا وهي أربعة شروط ذكرت أهمها وهي :
ألا يكون ضعف الحديث شديداً .
وألا يقرر أصلاً جديداً .
يضيفون شرطاً آخر: وهو أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، هذا يعني يمكن أن يكون شرطاً إضافياًَ، يعني ليس شرطاً قلبياً، يعني هذا أمر ما أحد يطلع عليه، وقد يقول القائل: أنا لم أعتقد ثبوته، ولكن أعتقد الاحتياط، نقول هذا شأنك.(1/284)
لكن أهم الشروط الحقيقة هذان الشرطان: ألا يكون الضعف شديداً، وألا يقرر أصلاً جديداً، حتى لا يدخلنا في باب الابتداع، وإذا ابتعد الإنسان عن الحديث الموضوع جملة وتفصيلاً فهذا أولى وأحسن، وهذا مذهب طائفة كبيرة من أهل العلم، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وأكد عليه رحمه الله تعالى .
يقول هل معلقات البخاري التي حكم عليها بالصحة تكون صحيحة لذاتها أما لغيرها ؟
على التفصيل الذي كنا ذكرناه، قلنا: أن المعلقات عند البخاري منها ما هو صحيح، ومنها ما هو غير صحيح، فالصحيح إما أن يكون موجوداً عند البخاري في الصحيح، وإما أن يكون موجوداً عند مسلم، وإما أن يكون صحيحاً في خارج الصحيحين، والضعيف على اختلاف أنواعه، منه ما هو ضعيف منجبر، ومنه ما هو ضعيف غير منجبر، فكل هذا موجود يعني في المعلقات التي في الصحيحين .
تقول هل نعتبر أن المعلق عكس المرسل ؟
المعلق عكس المرسل من حيث موضع السقط فقط، لكن أما بالنسبة للحكم عليه ونحو ذلك فلا.
سؤال يقول: هل يمكن أن يكون الحديث مرسل ومعلق في نفس الوقت؟
نقول نعم يمكن أن يعلق الحديث المرسل، فعلى سبيل المثال: لو قال البخاري: مثلاً قال يحيى بن سعيد الأنصاري، حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ( إنما الأعمال بالنيات ) هذا أصبح مرسل ومعلق في آن واحد ما يمنع.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أن الشوافع يصححون الحديث المرسل من طريق سعيد بن المسيب، هل هناك سبب معين لذلك ؟
الجواب عن سؤالك أخي الكريم لم أتمكن منه في هذه الحلقة، فأقول إن التفصيل في حكم الحديث المرسل سيكون في الحلقة القادمة -بإذن الله تعالى- سنتكلم عن موقف الإمام الشافعي، ونفصل فيه بإذن الله، نفصل فيه أيضاً بإذن الله باختصار؛ لأن التفسير فيه يطول بهذين الموضعين في الكتب المطولات.
تقول: هل يجوز الاحتجاج بالمرسل ؟(1/285)
هذا أيضاً هو نفس الموضع الذي أجلناه، وفى الحقيقة يبدو أنه أهم، أو خلاصة في مبحث الحديث المرسل، الكلام في هذه الجزئية، فكل ما يتعلق بحكم الحديث المرسل، والعمل به نؤجله إن شاء الله للدرس القادم .
تقول: هل يؤخذ بالأحاديث المردودة ؟
لا، لا يؤخذ بالأحاديث المردودة، الأحاديث المردودة ضعيفة، والضعيف لا يؤخذ به .
يقول: ما معني الحديث الصحيح على شرط البخاري ومسلم، أو ما معنى الحديث الذي يقال عنه: رجاله رجال الصحيح ؟
هذا سبق أن تكلمنا عنه فيبدو أن الأخ ما استمع الحلقة.
على كل حال بالنسبة لشرط الشيخين، ورجال الشيخين هذه المسألة سبق أن فصلنا فيها، لكن أعيد الكلام باختصار، فأقول: إن البخاري ومسلم الميزة التي تميز بها كتابهما كونهما انتقيا هذه الأحاديث الصحيحة بهذه الصفة التي أخرجاه بها، لكن شرط البخاري أقوى من شرط مسلم في انتقاء الرجال وفى اتصال السند، ولكن مع ذلك كتاب مسلم أيضاً له ميزة من حيث انتقاء الرجال واتصال الأسانيد، فكل منهما له شرط، لكن مسلم لا يخالف شرط البخاري، يعني الأحاديث التي يخرجها البخاري في صحيحه، مسلم يسلم بصحتها لا يخالف في هذا في الأعم الأغلب، اللهم إلا في بعض الرجال الذين لمسلم موقف منهم، مثل عكرمة مولى ابن عباس، البخاري يرى الاحتجاج به، مسلم يرى عدم الاحتجاج، العكس كذلك، مسلم يرى الاحتجاج بحماد بن سلمة عن ثابت، البخاري لم يحتج بحماد بن سلمة عن ثابت وهكذا .
فمن حيث التطبيق قد يختلفون في بعض الجزئيات، لكن من حيث التأصيل مسلم لا يختلف مع البخاري في هذه الشروط: في شروطه في انتقاء الرجال، وفى اتصال السند، يعني الحديث الذي يكون الرجل لقي من فوقه، لا يقول مسلم: إن هذا الحديث غير صحيح، وإنما أصح الصحيح، لكن هو يريد أن يخفف الشرط نوعاً ما.(1/286)
فإذا وجدنا حديثاً ليس في الصحيحين على سبيل المثال في سنن أبي داود، والرجال الذين رووا هذا الحديث عند أبي داود أخرج لهم البخاري ومسلم، كلهم فهل نستطيع أن نقول عن هذا الحديث: أن سنده صحيح على شرط البخاري ومسلم؛ لأن الرجال هم عين الرجال ؟
نحن نقول: لابد من قيد آخر: وهو أن يكون كل رجل من هؤلاء الرجال رووا عمن فوقهم عند البخاري ومسلم، ولا يكفي أعوان الرجال، والسبب كما كنا ذكرناه، ومثلنا له أن بعض الرجال قد يكون أخرج لهم البخاري ومسلم، ولكن ما أخرجوا لهذا الراوي عن هذا الشيخ، ومثلنا بهشام بن بشير في روايته عن الزهري، فهشام بن بشير روى له البخاري ومسلم والزهري روى له البخاري ومسلم.
لكن لم يروِ البخاري ومسلم من رواية هشيم عن الزهري، فلو وجدنا هشيماً يروي عن الزهري في سنن أبي داود، مثلاً: لا نستطيع أن نقول: إن هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم، لماذا ؟
لأن الصورة لم تكتمل، نعم، الرجال أخرج لهم البخاري ومسلم، لكن ما أخذوا لهم بهذا الاتصال، يعني هشيم عن الزهري، فإذا وجدنا الراوي يروي عن الشيخ في الصحيحين وخارج الصحيحين، والرجال كلهم من رجال الشيخين: من رجال البخاري ومسلم، نستطيع أن نقول عن هذا الحديث: أن سنده صحيح على شرط الشيخين .
تقول وقع إشكال في الفهم، هل تقولون ما ذكره الإمام البخاري بصيغة التمرير أو التمريض في المعلقات ؟
نقول للأخت: العبارة التي ذكرتها بصيغة التمريض بالضاد أخت الصاد، يعني من المرض هذه يسمونها صيغة التمريض، يعني كأنها تدل على الضعف عند أهل العلم أدب في هذا، إذا روى الإنسان حديثاً يرى أنه ضعيف، فلا يجوز له أن يرويه إلا بأحد شرطين :
إما أن يبين أنه ضعيف صراحة، فيقول للناس: هذا الحديث ضعيف.(1/287)
أو على الأقل يورده بصيغة التمريض، وهي التي جاءت بصيغة المبني للمجهول، كأن يقول: يروى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يذكر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كذا، هذه هي الصيغة سميت بصيغة التمريض؛ لأنها تدل على الضعف، يعني كأنك تقول لهم انتبهوا فهذا الحديث ضعيف، فأنت بدلاً من أن تصرح بتضعيف الحديث أومأت إلى ضعفه إيماءً .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هناك عبارة عند ابن حجر عندما يحكم مثلاً على رجال الإمام الترمذي يقول: حافظ ضعيف، السؤال أنه لا شك أن أصح كتاب بعد كتاب الله كتاب الإمام البخاري، ولكن الآن من قال: أن معلقات الإمام البخاري ضعيفة، فيكف نحكم الآن على أن صحيح البخاري صحيح ؟
الأخ يقول: إنه يوجد في بعض الأحيان أن الحافظ ابن حجر يقول في حكمه على بعض الرجال: إنه حافظ ضعيف، فكيف يمكن أن نوفق بين العبارتين، حافظ وضعيف ؟
فالتوفيق بينهما سهل، لكن بودي أن يأتي بمثال على أساس أنظر في الرجل الذي قال فيه الحافظ ابن حجر هذه العبارة، لكن أنا أذكر له ما يكن أن أتوقعه في مثل هذا الحال .
فأقول إن الراوي كما سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى -لا بد أن يتوفر فيه أمران: العدالة، والضبط، ولا يعني توفر إحدى هاتين الصفتين توفر الأخرى، فقد يكون الراوي عدلاً ولكنه غير حافظ ، وقد يكون حافظاً، ولكنه غير عدل .
فإذا كان حافظاً، ولكنه غير عدل فإذا كان حافظاً ولكنه غير عدل، يقال عنه: حافظ ضعيف، وعلى هذا أمثلة يعني: لو ضربنا مثلاً في ترجمة سليمان بن داود الشاذكوني، هذا بهر الدنيا بحفظه، ولكنه ضعيف، ضعيف من قبل عدالته يعني عدالته مطعون فيها؛ لأنه جرب عليه الكذب، فلذلك ضعف لهذا السبب مع كونه ضعيفاًَ .(1/288)
كذلك أيضاً محمد بن حميد الرازي، مثل سليمان بن داود الشاذكوني، محمد بن حميد الرازي أيضاً تكلم بعض أهل العلم فيه من حيث عدالته، وقالوا: إنه جرب عليه الكذب تكلم فيه أبو حاتم الرازي، وممن تكلم فيه وأوضح ذلك ابن خزيمة رحمه الله تعالى.
سؤاله الآخر: كيف نقول عن صحيح البخاري: إنه صحيح بالرغم من هذه المعلقات فيه؟ فلعله استمع إلى الكلام الذي ذكرته في بداية الكلام عن المعلق، وحينما تكلمت عن صحيح البخاري، ولماذا يورد البخاري هذه الأحاديث المعلقة ؟
قلنا إن البخاري يورد هذه المعلقات لسبب من الأسباب، يريد أن يستفيد من فقهها، من معانيها، ربما أيضاً يستفاد منها في ناحية أخرى، كأن يبين ضعفها على سبيل المثال وهكذا.
لكن البخاري حينما علقها أراد أن يميزها عن صحيحه، فهو يقول الصحيح عندي ما رويته بالإسناد المتصل، وما لم أروه بالإسناد المتصل كالمعقل ونحوه، فهذا خارج عن الصحيح هذا هو السبب .
الأخوة الذين يستمعون، وكذلك الأخوة الحضور يمكن أن يكتبوا الأسئلة التي سأذكرها، عرفنا الحديث المعلق، فنريد تعريف الحديث المعلق ؟
كذلك نريد تعريف الحديث المرسل ؟
السؤال الثالث: هل يمكن أن يجتمع المعلق والمرسل في صورة واحدة ؟
السؤال الرابع أيضاً : ما حكم المعلقات في الصحيحين ؟
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(1/289)
كنا توقفنا في الحلقة الماضية في ثنايا الكلام على الحديث المرسل الذي كنا عرفناه بأنه ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا أن السبب في كونه مردودا لكونه سقط من إسناده من فوق التابعي يعني من بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون صحابيا ويحتمل أن يكون صحابيا وتابعيا أو أكثر من تابعي وذكرنا أن هناك بعض الأحاديث التي وجد فيها أن ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهؤلاء التابعون قد يكون الذي سقط منهم متكلما فيه بل ربما كان مجروحا جرحا شديدا كالتهمة في الكذب ونحوه فلذلك قالوا إن السبب في كون الحديث المرسل من أنواع الحديث المردود للجهل بحال الراوي الساقط. طلبنا من الاخوة المشاهدين الإجابة عليها فما أدري إن كان هناك إجابات جاءت عن هذه الأسئلة نذكرها أو نشرع في درسنا لهذا اليوم
ما زال ننتظر إجابات الاخوة يا شيخ
طيب ننتظر الإجابات لعله إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن بعض الأنواع ونتوقف في ثنايا الشرح ممكن أن نأخذ بعض هذه الأجوبة إذا جاءت
تحبون يا شيخ نبكر بأسئلة الحلقة الماضية
طيب نعم حوالي كانت ثلاثة أسئلة في الأول ألقيت ثم أربعة أسئلة في آخر الحلقة
السؤال الأول كان يتحدث عن مختلف الحديث هل يعمل به أو ما هو الذي يعمل به من مختلف الحديث وما هو الذي لا يعمل به؟
السؤال الثاني عن تعريف الناسخ والمنسوخ؟
السؤال الثالث عن العمل عند تعارض النصوص ما هي مراحل وخطوات العمل؟
السؤال الرابع ما هو تعريف الحديث المعلق؟
والسؤال الخامس ما هو تعريف الحديث المرسل؟
والسؤال السادس ما حكم المعلقات الواردة في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم؟
والسؤال السابع هل يمكن أن تجتمع في سند واحد إرسال وتعليق يعني هل يمكن أن يجمع المرسل والمعلق في حديث واحد؟(1/290)
هكذا هي أسئلة الحلقة الماضية ونحن في انتظار الإجابة عليها راجين ألا تشغل الاخوة هذه الإجابة يعني أكثر من متابعتهم لهذه الحلقة على بركة الله
نذكر إخواننا بأن متابعة الدرس أولى من الحرص على الإجابة لأن الاستفادة من الدرس أفضل والإجابة ممكن أن يراجعها المستمع بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
لم نكمل بعد الكلام عن الحديث المرسل فنشرع في هذا اليوم في الكلام عن حكم الحديث المرسل قلنا إن الحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف لكن هل هذا الحكم متفق عليه بين أهل العلم أو في ذلك تفصيل؟
نقول في ذلك تفصيل نبينه كالأتي:
التفصيل يتلخص في كون التابعي يعرف بأنه لا يروي إلا عن ثقة فإذا كان التابعي معروفا بأنه لا يروي إلا عن ثقة فهل مراسيله مردودة أو ما الحكم في ذلك؟
نقول إن أهل العلم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاثة مذاهب:
فجمهور المحدثين قالوا سواء إن كان يروي عن ثقة أو غير ثقة فالحديث المرسل بجميع صوره ضعيف مردود غير مقبول السبب ما كنا ذكرناه سابقا الجهل بحال الراوي المحذوف وسنعرج على شيء آخر في كلامنا عن بعض الأقوال من وجهة نظر المحدثين.(1/291)
القول الثاني: وهو قول جمهور الفقهاء والأصوليين وعلى رأسهم الحنفية والمالكية وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو القول بقبول مرسل التابعي الذي لا يروي إلا عن ثقة ولكن الذي يظهر أن قول الإمام أحمد في هذا إذا كان الباب ليس فيه شيء من النصوص الصحيحة الأخرى ويبدوا أيضا أن هذا هو مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين يعني حيث يخلوا الباب من حديث صحيح يصار إليه فيحتاجون إلى الأخذ بهذا الحديث المرسل فيحتجون به في ذلك تفصيل في كتب مصطلح الحديث وفي كتب الأصول لعلنا نأتي عليه إن شاء الله تعالى حين نتكلم عن المطولات وأن الإسهاب في هذا قد يكون على حساب الدروس الأخرى التي طال بنا الوقت فيها ولكن يكفينا أن نعرف أن هناك من قبل الحديث المرسل ولهم في ذلك تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في المطولات.
القول الثالث: قبول المرسل بشروط وهذا هو مذهب الإمام الشافعي وهو رواية عن الإمام أحمد رحمهم الله تعالى أجمعين.(1/292)
" الإمام الشافعي قال أنه يمكن أن يقبل الحديث المرسل بشروط لابد من توفرها في المرسل أي التابعي الذي أرسل الحديث وفي الحديث المرسل نفسه أيضا " وفي هذه الشروط أيضا تفصيل لعلي لا آتي عليه في هذا المختصر نتركه إن شاء الله تعالى لكتب المطولات فيكفينا أن نعرف أن الشافعي رحمه الله اشترط شروطا في الراوي المرسل وفي الحديث المرسل ليتقوى ذلك الحديث ويصبح مقبولا يمكن الاستناد عليه في إصدار حكم من الأحكام لكن لو وجد معارض له صحيح فإن الشافعي رحمه الله يقدم ذلك المعارض الصحيح على الحديث المرسل لأن قبوله له إنما هو من باب الحاجة, الحاجة هي التي ألجأته إلى قبوله لكونه لا يوجد في الباب إلا ذلك الحديث فلو وجد نص آخر فإنه يعد هو الأصل ولا يأخذ الشافعي بالحديث المرسل إلا إذا كان مؤيدا لذلك الحديث عما لو كان معارضا فإنه يقدم الحديث الصحيح على الحديث المرسل وإن اعتبر بمجيئه من طرق أخرى ونستطيع أن نعطي خلاصة عن شروط أو مجمل الشروط التي اشترطها الشافعي بأنها يمكن أن تساوي عند علماء الحديث الذين دونوا في المصطلح يمكن أن تساوي ما نسميه بالحسن لغيره وهو الضعيف إذا تعددت طرقه وانجبر ضعفه فكذلك أيضا هذه الشروط التي وضعها الإمام الشافعي رحمه الله تقوي الحديث المرسل فيكون كالحسن لغيره والمقصود أن يدخل في دائرة القبول دائرة القبول التي يمكن أن نقول إننا نستطيع أن نحتج بهذا الحديث فيما نحن بصدده في إصدار حكم من الأحكام أو نحو ذلك هذا مجمل ما يمكن أن نقوله عن رواية الراوي الثقة إذا أرسل أو رواية التابعي الثقة الذي لا يروي إلا عن ثقة مثله إذا أرسل حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.(1/293)
قد يقول قائل لماذا يرد المحدثون رواية هذا الثقة إذا كان لا يروي إلا عن ثقة ما دام أن شيخه ثقة وعرف أو تأكدنا من أنه ثقة فالمحدثون لا يصيرون لهذا لسببين السبب الأول يقولون قد شيخ هذا التابعي الثقة أخذ عن تابعي آخر هو الثقة فلو تأكدنا من أن شيخه الثقة روى عن صحابي لهان الأمر لكن أما ونحن لا ندري عن من روى فهنا مكمن الإشكال فقد يكون أخذ عن تابعي آخر مجروح.
السبب الثاني: أن شيخه الثقة إن سمي فلا بأس لكن إذا كان لم يسمى فهنا تأتي مسألة التعديل على الإبهام يعني كونه يقول شيوخي كلهم الذين أخذت عنهم ثقات ما يكفي هذا لأنه قد يكون من شيوخه من هو مجروح ونحن لا ندري فالتعديل عند المحدثين على الإبهام على الراجح أنه غير مقبول يعني لو قال المحدث حدثنا الثقة ولم يسم من هو هذا الثقة لا نعتمد على قوله لأنه قد يكون ثقة عنده لكنه غير ثقة عند غيره فلهذين السببين لم يقبل المحدثون الحديث المرسل على طريقة الفقهاء الأصوليين قالوا للجهل بحال الراوي المحذوف على كل الأحوال وأما كون هناك إحسان ظن بذلك الراوي التابعي الذي أرسل أو بشيخه فغير متأكد هنا لهذين السببين الذين ذكرتهما.(1/294)
الحديث المرسل يوجد في بعض الكتب التي نستطيع أن نسميها مظان الحديث المرسل فأبو داود السجستاني رحمه الله ألف كتاب المراسيل وهي الأحاديث التي يضيفها التابعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم والكتاب مطبوع ومتداول بأيدي الناس ومعروف فالأحاديث التي فيه هي من أمثلة الحديث المرسل هناك كتب أخرى مظنة وجود المرسل تدخل فيها المراسيل مثل كتب الآثار موطأ الإمام مالك مصنف عبد الرزاق سنن سعيد بن منصور مصنف ابن أبي شيبة ونحو هذه الكتب فإنها من كتب الآثار التي تكثر فيها المراسيل فهذه الكتب هي مظنة وجود الأحاديث المراسيل نكون بهذا قد انتهينا من الكلام على الحديث المرسل وأترك فرصة قليلة لاستماع إن كان هناك أجوبة جاءت وكذلك الاستماع منكم إن كان عندكم أي سؤال يتعلق بالحديث المرسل وأرجو الاختصار حنى نأخذ القسم الذي بعده أو النوع الذي بعده.
ممكن الأخ محمد يتفضل
السؤال فضيلة الشيخ: (كلام غير مفهوم) الحديث المرسل إذا كانت هناك طرق (كلام غير مفهوم) ويكون حجة نأخذ به يكون له طرق يعني من (كلمة غير مفهومة) صحيحة ؟
السؤال جواب عن ذكرته في ثنايا كلامي عن شروط الإمام الشافعي وشروط الإمام الشافعي التي اشترطها هو لتقوية الحديث المرسل والرقي به من كونه ضعيفا إلى كونه مقبولا سواء سميناه حسنا لغيره أو غير ذلك من التسميات المهم أنه يكون مقبولا ويمكن الاحتجاج به في حال الاحتياج إليه.
الأخ هنا يتفضل
أكرمك الله بعض الفقهاء يذكرون أن كان العمل في أول الأمر على المرسل وأن قول البعض بقبول المرسل لم يحدث إلا بعد المائتين فهل هذا الكلام صحيح؟(1/295)
هذا الكلام غير صحيح كون الحديث المرسل ما جاء رده إلا بعد مجيء الإمام الشافعي هذا الكلام غير صحيح فأول من رد الحديث المرسل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما في مقدمة صحيح مسلم حينما كان بشير بن كعب العدوي يحدث بأحاديث في مجلس ابن عباس بشير بن كعب تابعي من التابعين فكان في مجلس فيه عبد الله بن عباس وكان يقول أي بشير بن كعب العدوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فأخذ ابن عباس لا يلتفت لحديثه وفي بعض الروايات أنه قال له عد لحديث كذا عد لحديث كذا فقال بشير بن كعب لابن عباس ما لي لا أراك تنصت لحديثي فقال له رضي الله تعالى عنه إنا كنا إذا قال الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا يعني نظرت إليه واشرأبت إليه أعناقنا يعني تطلعنا لحديثه وتشوقا لحديث أما وقد ركب الناس السعب والزلول يعني أخذوا يجمعون بين الصحيح والسقيم وأخذوا يسلكون المسالك التي لا تدل على انتقاء أما وقد ركب الناس السعب والزلول فلم نأخذ من الحديث إلا ما نعرف.
كذلك الزهري كان ينكر على أهل الشام يقول: يا أهل الشام مالي أراكم تأتينا منكم أحاديث ليس لها عرى ولا أزمة كان ينكر على ابن أبي فروة قاتلك الله يا ابن أبي فروة ألا تسند حديثك.
فابن سيرين رحمه الله لم يكن يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم.
المهم أن هناك وقائع كثيرة كلها تدل على أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا يردون الحديث المرسل ولا يقبلونه فليس صحيحا ما يقال من هذه الدعوة من أن الشافعي هو أول من رد الحديث المرسل.
كيف يا شيخ نرد قول محدث إذا قال لنا أخبرنا من نثق به فكيف تسمي (كلمة غير مفهومة) هذا الحديث بالكلية فقد يكون الشيخ هذا المحدث لا يروي إلا عن ثقة يعني ثقة عنه كيف نرد حديثه بالكلية (كلام غير مفهوم)(1/296)
سيأتينا إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن مراتب الجرح والتعديل ومن يقبل قوله في الجرح والتعديل ومن يقبل التعديل على الإبهام لكن لا بأس أن نشير له هاهنا بعض المحدثين يمكن تصدر منهم مثل هذه العبارة حدثني من أثق به أو من لا أتهم أو حدثني الثقة أو نحو هذه العبارات فقالوا لا يقبل منه هذا حتى يسمي من ذلك الذي حدثه لماذا قالوا؟ لاحتمال أن يكون ثقة عنده لا يعرفه هو وهو مجروح عند الآخرين فلابد من تسميته وجربوا في ذلك على الإمام الشافعي بالرغم من أنه هو الإمام بلا منازع لكنه كان يقول: حدثني الثقة حدثني من لا أتهم فيجدوا في باب الأحاديث التي يقول فيها هذا أن هذا الذي يقول عنه الشافعي إنه ثقة هو محمد بن أبي يحي الأسلمي وهو متروك ومتهم بعدة اتهمات حتى اتهم بالكذب فنقول ما دام هذا صدر من الإمام الشافعي وهو الإمام فغيره من باب أولى فلذلك لابد من تسمية ذلك الرجل الذي أبهم.
طيب نقرأ يا شيخ المتن إن حبيت هذا
تفضل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين وبعد قال الناظم رحمه الله تعالى:
ثم المردود: إما أن يكون لسقط أو طعن.
فالسقط: إما أن يكون من مبادئ السند من مصنف، أومن آخره بعد التابعي، أوغير ذلك.
فالأول: المعلق.
والثاني هو المرسل.
والثالث إن كان باثنين فصاعدا مع التوالي، فهو المعضل، وإلا فالمنقطع، ثم قد يكون واضحا أو خفيا.
فالأول: يدرك بعدم التلاقي، ومن ثم احتيج إلى التأريخ.
والثاني: المدلس ويرد بصيغة تحتمل وقوع اللقىَّ: كعن، وقال، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق من حدث عنه.
إلى هنا طيب انتهينا الآن من الكلام على الحديث المرسل ونبدأ بالنوع الثالث من الأنواع التي أبضعت فيها بسبب السقط الجلي وهو المعضل.(1/297)
الحديث المعضل أشار الحافظ بن حجر إلى تعريفه ونستطيع أن نعرفه بتعريف يكاد يكون منضبطا فنقول إنه ما سقط من وسط إسناده راويان فأكثر على التوالي ما سقط من وسط إسناده راويان أو أكثر على التوالي على التوالي أي بعضهم بجانب بعض غير متفرقين المعضل والمنقطع السقط يكون من ثنايا السند والمعلق من أول السند والمرسل من آخر السند هذا ما أشرنا إليه في حلقة ماضية لكن هناك من لا يشترط في المعضل أن يكون السقط من وسط السند بل ربما كان السقط من أول السند وربما كان من آخره ولذلك قد يجتمع المعضل مع المعلق ومع المرسل وقد يشتبه بالمرسل ولا يجتمع معه كيف يمكن أن يكون هذا نقول إذا كان الساقط من أول الإسناد راويان فأكثر فإنه يكون معلقا ومعضلا في آن واحد ولذلك " يقول الحافظ بن حجر في شرحه: إن بينهما يعني بينهما يعني بين المعضل والمعلق عموم وخصوص " ما معنى قوله عموما وخصوصا يعني أنه في بعض صوره يعم المعضل والمعلق في آن واحد فإذا كان الساقط من أول الإسناد راويين أو ثلاثة فإنه يكون معلقا ومعضلا في آن واحد فيعم كلا النوعين على سبيل المثال لو رجعنا للمثال الذي مثلنا به وهو حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) ثم إن البخاري يرويه من طريق الحميدي والحميدي يرويه عن شيخه سفيان بن عيينة سفيان بن عيينة يرويه عن يحيى بن سعيد الأنصاري يحيى بن سعيد يرويه عن شيخه محمد بن إبراهيم التيمي محمد بن إبراهيم التيمي يرويه عن شيخه علقمة بن وقاف الليثي علقمة بن وقاف يرويه عن عمر بن الخطاب وعمر رضي الله عنه يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حذفنا من أول الإسناد شيخ البخاري وهو الحميدي وشيخ الحميدي هو سفيان بن عيينة وشيخ سفيان بن عيينة وهو يحيى بن سعيد الأنصاري ثلاثة رواه وراء بعض متوالون وجعلنا الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي قال البخاري قال محمد بن إبراهيم التيمي قالوا في هذه الحال الحديث يكون معلقا ومعضلا في آن واحد لكن من(1/298)
يفرق بين المعضل والمعلق يقول لا بهذه الصورة يكون معلقا وأما المعضل فيكون من ثنايا السبب حتى يفرق بينه وبين المعلق والمسألة الخطب فيها يسير سواء سميناه هكذا أو هكذا فهذا كله تقسيم كما يقال فني لا أثر له على الواقع لأنه مردود على أي الأحوال هكذا أو هكذا إلا على التفصيل الذي كنا ذكرناه فيما يتعلق بالمعلقات في صحيح البخاري المعلقات المجزوم بها فهذه مستثناة أما حكم المعلق على الإدراك فهو مردود للجهل بحال المحذوف كذلك المعضل مردود للجهل بحال المحذوف وعلى وجه الخصوص إذا كان الراوي المحذوف بهذه الصفة فإن الضعف يكون شديدا لأنه يحتمل أن يكون الراوي إما كذابا أو متهما فنحن لا ندري من الذي أسقط من الإسناد فيكون الضعف شديدا في هذه الحال فهذا معنى قول الحافظ بن حجر إن بينهما عموم وخصوصا يعني أن هناك بعض الصور التي تعم المعلق والمعضل مثل هذه الصورة التي مثلنا بها كيف يمكن أن يكون خصوصا إذا هناك بعض الصور تختص بالمعلق ولا تشمل المعضل مثل ما لو سقط من مبدأ الإسناد راو واحد كالحميدي شيخ البخاري إذا قال البخاري قال سفيان بن عيينة فالساقط هنا واحد فقط فهذا لا يكون إلا معلقا فكيف يكون مخصوصا بالمعضل بصورة لا تتعلق بالمعلق إذا كان السقط من وسط الإسناد فعلى سبيل الإسناد إذا جئنا بالحديث الذي معنا حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) وقلنا قال البخاري حدثنا الحميدي عن علقمة بن وقاف الليثي أسقطنا من الإسناد من؟ سفيان بن عيينة وأسقطنا يحيى بن سعيد الأنصاري وأسقطنا محمد بن إبراهيم التيمي فهؤلاء ثلاثة رواه على التوالي ففي هذه الحال يكون معضلا ولكن لا يكون معلقا لأن أول الإسناد موجود وهو شيخ البخاري فهذا معنى قول الحافظ بن حجر بينهما عموم وخصوص يعني بعض الصور تعم الاثنين المعلق والمعضل وبعض الصور تختص بالمعلق وبعض الصور تختص بالمعضل فهذا معنى كلامه إذا فهمنا أن المعضل لابد أن يسقط من الإسناد على الأقل اثنان(1/299)
أو أكثر قد يكون أيضا متصلا بالأول يعم المرسل وقد يشبه المرسل نقول نعم لو كان التابعي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هذا التابعي اكتشفنا أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم غير الصحابي ثلاثة من التابعين وهذا جائز عقلا بل جائز وجوده مثلنا بحديث أبي أيوب في صدر قراءة ? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ? [الإخلاص: 1] وقلنا إن ذاك حديث فيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض أو على الأقل خمسة على أضعف الأقوال إذا عددنا امرأة أبي أيوب صحابية فيكون هناك ستة يروي بعضهم عن بعض ففي هذه الحال ليس بمستغرب أن يسقط من الإسناد ثلاثة من التابعين فإذا سقط من الإسناد مثلا ثلاثة من التابعين فإن هذا يكون مرسلا ومعضلا في آن واحد فإذا قد يلتحق المعضل بالمرسل قلت أيضا إنه قد يشتبه بالمرسل ولكنه ليس بمرسل مثل ماذا مثل لو أن تابعي التابعي أضاف الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم فالسقط هنا جاء من آخر الإسناد ولكن الذي أضاف الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو التابعي ولكن تابعي التابعي ولكن اشترطنا في الحديث المرسل أن يكون الذي أضاف الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم تابعيا أما إذا كان تابع تابعي فالحديث بلا شك يكون معضلا في هذه الحال ويمكن أن يقال إن آخر الإسناد هو النبي صلى الله عليه وسلم فنعد هذا السقط من وسط الإسناد أيضا وليس من طرف الإسناد وإن كنا قلناه في الحديث المرسل هذا بالنسبة للحديث المعضل وأرجو أن يكون إن شاء الله تعالى هذا التفصيل فيه واضحا وإن كان هناك شيء فيمكن أن يكون مع الأسئلة بعد أن نفرغ إن شاء الله تعالى من الكلام على بعض الأنواع الآتية.(1/300)
نأخذ الآن الحديث المنقطع عرفنا أن الحديث المعضل هو ما سقط من وسط إسناده راويان فأكثر على التوالي المنقطع شبيه به ولكن يفترق عنه في بعض الأشياء فنستطيع أن نعرف الحديث المنقطع بقولنا هو ما سقط من وسط إسناده راو فأكثر لا على التوالي ما سقط من وسط إسناده راو فأكثر لا على التوالي فهذا هو الحديث المنقطع حينما قلنا راو فقط لأننا نريد أن نخرج المعضل وحينما اشترطنا أن يكون في وسط الإسناد نريد أن نخرج المعلق والمرسل وحينما قلنا على التوالي لا على التوالي نريد أن نخرج المعضل لأنه لو كان الساقط أكثر من واحد وعلى التوالي سيكون معضلا وليس منقطعا إذا يمكن أن يكون الحديث المنقطع قد سقط من إسناده راويان أو أكثر من راويان ويسمى منقطعا ولا يسمى معضلا ولعلي أرجع بالمثال الذي نكرره دوما وهو حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) فإذا قال البخاري حدثنا الحميدي عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما الأعمال بالنيات ) فمن الذي إذا قال البخاري حدثنا الحميدي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن علقمة بن وقاف الليثي أعيد حدثنا الحميدي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن علقمة بن وقاف الليثي عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما الأعمال بالنيات ) فيكون الذي سقط من الإسناد هو سفيان بن عيينة بين الحميدي وبين يحيى بن سعيد الأنصاري وسقط محمد بن إبراهيم التيمي بين يحيى بن سعيد الأنصاري وبين علقمة بن وقاف الليثي فيكون فيه انقطاع براويين ولكن فصل بينهما يحيى بن سعيد الأنصاري فأصبحا غير متواليين يفصل بينهما يحيى بن سعيد الأنصاري فهذا يكون منقطعا ولا يكون معضلا كما ننبه دوما عليه بأن هذا العلم علم الآلة هو علم اجتهادي من أهل الحديث وهذا العلم يطرأ عليه الإضافة والتعديل والاستدراك في عصور متتالية فربما لم نجد لعلماء الحديث المتقدمين تفصيلا في هذه المسائل بهذا(1/301)
الشكل الذي ذكرناه لكن التفصيل جاء عند ابن الصلاح ومن جاء بعده عندما قعدوا علوم الحديث هذا التقعيد الذي أصبحنا محتاجين إليه لنتعلم علم الحديث وفق أنواع وأقسام مرتبة ترتيبا منهجيا نستطيع أن نفهم من خلاله مادة مصطلح الحديث أو علوم الحديث بشكل أكثر سلاسة وأكثر سهولة مما لو ذهبنا نبحث في كتب العلماء الأوائل ونتلمس مثل هذه القواعد الضابطة لهذا الفن فلا نجدها إلا مبثوثة تحتاج منا جهدا جهيدا وربما أفضى ذلك إلى شيء من الفوضى العلمية التي لا تنضبط فعلى سبيل المثال لو ذهبنا لمقدمة صحيح مسلم لا نجد مسلم بن حجاج رحمه الله تعالى رتب علوم الحديث على هذه الأنواع التي ذكرها ابن الصلاح لكنها مبثوثة عنده أخذت واستلت من كتابه ثم رتبت وجعلت بهذه الصفة التي في كتاب مصطلح (كلمة غير مفهومة) لها كلام غير ما ذكره مسلم واستدراكات من أهل العلم طلبة العلم في حاجة إليها وكلهم بشر يخطئون ويصيبون والحق ضالة كل (كلمة غير مفهومة) نعم هم علماؤنا نحترمهم ونقدرهم وندعو لهم بالمغفرة والرحمة ولكن لا يمنع من أن نرجح قول إمام على قول إمام آخر والخطب سهل ويسير في هذه الحال فإذا نرجع إلى ما كنا فيه بالنسبة إلى الحديث المنقطع لأن هناك من يسمي المنقطع مرسلا وبعض الناس قد يشوش في هذه القضية ويقول نسميه بتسمية العلماء القدامى فنقول إنه مرسل وحتى العلماء القدامى كانوا يطلقون عليه أيضا المنقطع لكن ربما عبروا عن الانقطاع أحيانا بالإغفال وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالانقطاع بين التابعي والصحابي فنجد أنهم يتساءلون مثلا هل سمع الشعبي من علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أو لم يسمع هل سمع الحسن البصري من عمران بن حصين أو لم يسمع نجد أنهم قالوا إن الشعبي لم يسمع من علي رضي الله تعالى عنه إلا حديث واحد وهو حديث رجم الزاني الحسن البصري لم يسمع من عمران بن حصين وما جاء من أحاديث فيها يقول الحسن البصري إنه سمع من عمران بن حصين(1/302)
فكلها ضعيفة فيقولون: الحسن عن عمران نفسه مرسل أو منقطع هو في الحقيقة منقطع لكن هم يعبرون عن هذا الانقطاع الذي في هذا الموطن بالإرسال وليس الإرسال الاصطلاحي ولكنه الذي يمكن أن نقول عنه إنه المرسل الخفي وسيأتي معنا الحديث عنه إن شاء الله تعالى فالمسألة سهلة يعني سواء سميناه منقطعا أو سميناه مرسلا ولكنه يفترق عن المرسل الاصطلاحي المرسل الاصطلاحي أعني به المرسل الذي فصلنا فيه وهو ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالمقصود يا إخواننا وكل من يستمع هذا الكلام أن الأولى أن نأخذ علم الحديث بناءا على هذا الترتيب الجيد وهذا التقسيم الذي ذكره علماء الحديث ورتبوه ونحن نعرف أن علوم الآلة كلها علوم اجتهادية والعلم يبدأ أول ما يبدأ بذرة صغيرة ثم تسقى وتتعاهد بالسقي وبإبعاد ما يؤذي وما إلى ذلك إلى أن تكتمل فتصبح شجرة ينتفع منها الناس واللغة العربية أول من ابتدأها أبو الأسود الدؤلي فأبو الأسود ما كتب اللغة العربية كما كنتبها سيبوه على سبيل المثال أو غيره من علماء اللغة لا كانت في البداية عبارة عن نتف كذلك أصول الفقه الرسالة للإمام الشافعي مما كتب في أصول الفقه لكن نجد أن كتب أصول الفقه المتأخرة كالمحصول أو غيره ليست ككتاب الرسالة للشافعي فيها إضافات وأشياء كثيرة لا توجد في كتاب الرسالة للشافعي فهل نقول لا كتب أصول الفقه هذه نبعدها ونرميها هذا ليس بصحيح أو نقول إنهم افتأتوا على الإمام الشافعي أو ما إلى ذلك لا كلهم بشر وكلهم علماء خدموا هذه العلوم وخدموا علوم الإسلام فرحمهم الله تعالى أجمعين.(1/303)
هذه الأقسام الأربعة التي أخذناها المعلق والمرسل والمعضل والمنقطع هي أنواع السقط الجلي الظاهر البين وهناك نوعان أشرنا إليهما في الدرس الماضي من أنواع السقط الخفي وهما المدلس والمرسل الخفي سنأتي عليهما إن شاء الله تعالى لكن كيف يمكن أن نعرف السقط الجلي ما دمنا قلنا أنه ظاهر وبين كيف يمكن أن يكون ظاهرا وبينا قالوا إن السقط الجلي يدرك بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه ومن ثم احتيج إلى التاريخ يعني احتاج أهل الحديث لمعرفة التاريخ ليس المقصود التاريخ هو معرفة أحوال الأمم السابقة ونحو ذلك التاريخ المعهود لا المقصود تواريخ ولادة الرواة ووفياتهم لأن تواريخ ولادة الرواة ووفياتهم أعانت المحدثين جدا على ضبط علم الحديث وعلى اكتشاف الكذابين الذين يدعي بعضهم السماع فإذا ما حوقط ودقق معه وفتش في روايته تبين أنه كذاب على سبيل المثال ذلك الراوي الذي جاء لإسماعيل بن عياش أو ذكر لإسماعيل بن عياش أنه يروي عن خالد بن معدان قال سلوه سمع منه في سنة كم قال سمع منه في سنة ثلاث عشرة ومائة فقال هذا يزعم أنه سمع من خالد بن معدان بعدما توفي بسبع سنين لأن خالد بن معدان توفي سنة ست ومائة فكشف كذبه في هذه الحال من خلال ماذا؟ من خلال التاريخ.(1/304)
كذلك سفيان بن عيينة رحمه الله جاءه أناس وقالوا إن هاهنا رجلا خرسانيا يزعم أنه سمع من عبد الله بن طاوس قال سلوه في سنة كم سمع منه فذكر أنه سمع منه في سنة ست وعشرين ومائة إن لم تخذلني الذاكرة فقال هذا يزعم أن سمع من عبد الله بن طاوس بعدما توفي بسنتين هذا الراوي الخراساني هو إسحاق بن بشر الخراساني راو معروف بالكذب فكيف عرفوا كذبه بادعائه السماع ممن توفي قبل بعد توفي أو نحو ذلك فإذا كان عبد الله بن طاوس توفي سنة أربع وعشرين ومائة وهذا يقول إنه سمع منه في سنة ست وعشرين ومائة فهذا دليل على كذبه عليه من الله ما يستحق فالشاهد أن التاريخ عند المحدثين من الأهمية بمكان يكتشفون من خلاله اتصال السند من انقطاعه بل يكتشفون الرواة الكذابين من غير الكذابين فإذا يدرك الانقطاع الظاهر الجلي الواضح من خلال معرفة الراوي هل لقي شيخه أو لا فالتاريخ قد يكشف لكن ربما كان بينهما شيء من التعاصر يعني قد يكون هذا الراوي روى عن شيخ الشيخ توفي وعمر هذا الراوي ثلاثون سنة على سبيل المثال ومع ذلك يكون الإسناد منقطعا في هذه الحال هذا يمكن أن يدخل معنا في الكلام على المرسل الخفي لأن هذا يكون فيه نوع خفاء أما إذا كان ظاهرا واضحا بينا لا يمكن معه وجود لبس فنعم على سبيل المثال لو أن البخاري مثلا أو إنسان ثبتت عليه رواية البخاري عن سفيان بن عيينة طيب البخاري ولد في سنة كم؟
أحدكم يعرف؟ ما تعرفون ولد البخاري؟ البخاري رحمه الله ولد سنة أربع وتسعين ومائة وسفيان بن عيينة توفي سنة ثمان وتسعين ومائة فكم كان عمر البخاري لما توفي سفيان بن عيينة؟ أربع سنوات فلا يمكن للبخاري أن يسمع من سفيان بن عيينة في هذه الحالة فهذا انقطاع واضح وجلي وبين لكل أحد لكن لو كان عمر البخاري ثلاثين سنة لا شك أن هناك شيئا من اللبس هذا يتضح معنا إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن المرسل الخفي.(1/305)
فإذا عرفنا بم يدرك الانقطاع الجلي والسقط الجلي يدرك بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه وقد يستخدم في ذلك التاريخ.
بالنسبة يا شيخ سلمك الله الأنواع المذكورة (كلمة غير مفهومة) الأربع أنواع فهي تعرف للتمييز بين الأنواع هذه ولكن يجمعها (كلمة غير مفهومة) حال المحذوف لكن هل العلماء في التطبيق العملي يعاملون المعضل كالمنقطع كالمرسل كالمعلق
هذا سؤال جيد يعني خلاصة السؤال هل الحكم على الانقطاع في هذه الأنواع حكم واحد نستطيع أن نقول إنه ضعيف ممكن أن ينجبر لو جاءت طرق أخرى للحديث أو فيه تفصيل؟(1/306)
نقول لا هناك فرق فالمعضل أشدها ضعفا كذلك إذا كان المعلق سقط منه أكثر من واحد فإنه كما قلنا قد يكون معضلا عند بعض أهل العلم فيكون أيضا شديد الضعف كذلك لو كان الإعضال شديد المرسل مثل ما قلنا رواية تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو معضل في هذه الحال كل هذه الحال كل هذه أنواع شديدة الضعف كذلك لو كان الساقط من وسط الإسناد اثنين أو أكثر لا على التوالي وهو الذي قلنا عنه إنه منقطع ولكن السقط فيه أكثر من واحد فهو أيضا مثل المعضل شديد الضعف إذا لماذا نستثني ويمكن يكون أخف المعلق إذا سقط من أول الإسناد واحدا والمرسل وعلى وجه الخصوص إذا كان المرسل من كبار التابعين ولكن المرسل أخف ضعفا من المعلق من أول الإسناد اللهم إلا إذا قلنا عن التعليق في هذه الحالة إنه التعليق الذي في صحيح البخاري التعليق الذي في صحيح البخاري الأمر فيه مستثنى من التعليق الذي في غيره لكن لو وجدنا على سبيل المثال الحديث عند مثلا ابن جرير الطبري أو نحوه فيقول حدثت مثلا عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي مثلا نجد أنه يروي يعقوب بن إبراهيم الدورقي بواسطة راو واحد في الأعم الأغلب فهنا في هذه الحال يكون الساقط بين الطبري وبين يعقوب بن إبراهيم في معظم الأحيان راو واحد ففي هذه الأثناء يمكن أن يعني يتسمح فيه مع العلم أنه لو رده راد وقال أبدا أنا هذا عندي أيضا شديد الضعف لاحتمال أن يكون هذا الراوي متهما بكذب ونحو ذلك وابن جرير الطبري ليس ممن قيل عنه إنه لا يروي إلا عن ثقة ففي هذه الحال أيضا يمكن أن يكون هذا معلوم إذا رد الحديث بهذه الصفة.
أما بالنسبة للمرسل إذا كان المرسل من كبار التابعين فلا وعفوه يسير ولذلك ينجبر بناء على شروط الشافعي لكن إذا كان من صغار التابعين حتى عند الشافعي لا ينجبر ولا تنطبق عليه شروط الشافعي فلا شك أن هناك تفاضل بين هذه الأنواع.(1/307)
ذكرتم أن المعضل هو ما السقط فيه من وسط الإسناد فلو كان السقط يعين لو كان شيخ البخاري ليس هو الساقط وإنما الذي بعده يعني الثاني يعتبر من عند البخاري الثاني والثالث والرابع فهل هذا يعتبر معضلا أم يجب أن يكون المعضل في وسط الإسناد يعني بعد ثلاث رواة أو أربعة لا يكون قريب من السند وهل الشيخ المعلق هو سقوط الشخص الأول فقط أم لو سقط الشخص الثاني يعتبر معلق أم يدخل تحت المعضل يعني هل يشترط في المعلق سقوط الشخص الأول بعد الرابع
بالنسبة للمقصود بوسط الإسناد ليس الوسطية الحرفية يعني نأخذ مسطرة ونقيس كم هنا نقصان وكم هنا نقصان فليس هذا هو المقصود, المقصود بوسط الإسناد أي لا يكون الأول ولا يكون الآخر فكل ما بين الراوي الأول والراوي الآخر يعني ما بين الشيخ شيخ المصنف وما بين الصحابي كلهم يسمون وسط إسناد هذا هو المقصود بوسط الإسناد أما إذا كان الساقط من فوق شيخ المصنف فهذا إن كان واحدا فيسمى منقطعا ولا يكون معلقا في هذه الحال ما دام شيخ المصنف موجودا انتهى فلا يسمى هذا معلقا بحال من الأحوال.
بعض الكتب التي يعني جمعت المرسل (كلام غير مفهوم)
لعله ما سمع الكلام نعم من الكتب التي جمعت الأحاديث المرسلة أي التي يضيفها التابعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب المراسيل لأبي داود وهو مطبوع وموجود من مظنة وجود المرسل ولكنها لم تختص بالمرسل وإنما فيها المتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها المرسل وهو كثير وفيها الآثار عن الصحابة وعن التابعين يعين أقوال وأفعال الصحابة وأقوال وأفعال التابعين ما نسميه بكتب الآثار مثل موطأ الإمام مالك ومصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف سعيد بن منصور الأوسط لابن المنذر فهذه الكتب تعنى بالآثار والآثار هذه تجمع الأحاديث المرسلة والموقوف على الصحابة والمقطوع على التابعين.(1/308)
طيب سؤال الأخ ندا من مصر يقول: ما معنى المرسل الصحيح هل يختلف المعنى أيضا إذا كانت العبارة صحيح مرسلة؟
كلام جيد يعني نجد في بعض كتب أهل العلم يقول بعضهم هذا مرسل صحيح مقصودهم أنه صحيح إلى من أرسله يعني إذا كان مثلا الحسن البصري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون إن السند من عند مؤلف الكتاب إلى الحسن البصري صحيح لكن ما يساوي هذا أن حديثه صحيح إذا قال مرسل صحيح لا يعني أن الحديث صحيح وإنما يقول صحيح إلى الراوي الذي أرسله وهو التابعي الذي أرسل الحديث لكن تبقى كلمة مرسل تدل على أنه ضعيف إذا قال مرسل فتدل على أنه ضعيف.(1/309)
لعلنا نتكلم على الحديث المدلس الحافظ بن حجر ذكر أن من أنواع السقط الخفي المدلس والمرسل الخفي فالسقط الخفي الذي لا يدرك إلا بجهد وعلى وجه الخصوص بتنصيص من بعض الأمة الذين كشفوا مثل هذه العلل الخفية لكن العلة التي فيه والانقطاع الذي فيه ليس واضحا بينا كالسابق فلذلك اضطر أهل العلم لكشف هذا اللبس عن طريق تحديد هذه الأنواع ونوع هذا السقط الذي يمكن أن يحدث في الإسناد فسموا بعض أنواعه المدلس والمدلس أخذوه من الدلس وهو اختلاط النور بالظلام ونعرف أن اختلاط النور بالظلام يعني ماذا يعني انعدام الرؤيا التي يتعذر المرور مثلا من السير فيها أو من أخذ أهبة الاستعداد والحذر فيها ففي الصباح الباكر وعند غروب الشمس نجد أن اختلاط النور بالظلام قد تصعب معه الرؤيا وبالذات عند بعض الناس الذين في نظرهم ضعف وهو الذي تشير إليه عائشة رضي الله تعالى عنها وتسميه الغلس في حديثها الذي في الصحيح أنها قالت وصفت النساء اللاتي يشهدن الصلاة صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت ينصرفن لا يعرفن من الغلس في حال اختلاط النور بالظلام تستطيع المرأة أن تمشي ولا يراها الرجال في هذه الحال شبهوا المدلس الحديث المدلس بالدلس وهو اختلاط النور بالظلام لأن في الحديث المدلس أيضا نوع خفاء أي أن الراوي الذي دلس الحديث أخفى العيب مثل البائع الذي يخفي العيب في السلعة بعض الناس مثلا إذا باع شاة أخفى عيبها مثلا الشاة قليلة الحليب يصبروها مثلا ثلاثة أيام لا يحلبها حتى يكون (كلمة غير مفهومة) كبيرا ويظن الظان أنها شاة حلوب فهذا من الغش التجاري وهو من الدلس وهو إخفاء العيب الذي في هذه الشاة كذلك أيضا إخفاء العيب في أي سلعة من السلع كالسيارة ونحوها فكل هذا من التدليس ومن الدلس وهو إخفاء العيب في السلعة كذلك أيضا الحديث يمكن أن يخفى فيه عيب من قبل بعض الرواة في يذهب فيسقط راويا من الإسناد فيظن الظان أن الحديث متصل وهو في الحقيقة(1/310)
منقطع لكن ليس بذات الظهور والوضوح الذي نبهنا عليه لا بل هناك أشياء توهم الناظر أن الحديث متصل مثل ماذا مثل أن يسقط الراوي بينه وبين شيخه هو راويا على كل المثال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله سمعنا منه لكن لو حدثني شخص آخر عن الشيخ لقلت قال الشيخ عبد العزيز بن باز هل كلمة قال التي عبرت بها تدل على أنني سمعت هذا الكلام من الشيخ؟
لا تدل على أنني سمعت محتملة أنني سمعت ومحتملة أيضا أنني لم أسمع فهذه العبارة يستخدمها المدلسون لإيهام السماع لخداع الناظر في هذا الإسناد وإظهار السند أمامي أنه متصل وهو في الحقيقة غير متصل وبذلك نستطيع أن نعرف الحديث المدلس بقولنا إن رواية الراوي عن شيخه حديثا لم يسمعه منه رواية الراوي عن شيخه حديثا لم يسمعه منه بصيغة تحتمل السماع وعدم السماع مثل عن وقال ونحوه علماء الحديث رحمهم الله خدموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما تركوا فيها شاردة ولا واردة إلا وبينوها ومن ذلك أنهم أصبحوا يتتبعون الرواة فإذا وجدوا راويا يقول قال فلان قالوا له هل أنت سمعته من فلان؟ فإذا قال نعم سمعته وعرفوا من قرائن حاله أنه لا يسقط أحدا بينه وبين من روى عنه فإنه في هذه الحال يكون ممن انتفت عنه وصمة التزوير أو تهمة التزوير لكن إذا كان الراوي إذا قيل له أنت سمعته من فلان؟ قال لا سمعته من فلان عن فلان مثل ما قال سفيان بن عيينة رحمه الله قال الزهري أوهم الناس أن هذا حديث الزهري وهو من تلاميذ الزهري بل من كبار تلاميذ الزهري بل بعضهم عده أكبر تلاميذ الزهري فقالوا له سمعته من الزهري فأعاد مرة أخرى قال الزهري قالوا أنت سمعته من الزهري فأعاد مرة ثالثة فلما أعادوا عليه قال لا ولا ممن سمعه من الزهري أيضا حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فعبد الرزاق تلميذه ومعمر قرينه زميله في الرواية عن الزهري فإذا هو أخذ هذا الحديث عن تلميذه عن قرينه عن شيخه الزهري فلماذا أسقط سفيان هذين(1/311)
الراويين قالوا لأنه يعرف أنهما ثقتان فجرب هذا على سفيان بن عيينة فوجد أنه لا يسقط إلا ثقة فاستثنوه ممن عرف بالتدليس قالوا إلا سفيان بن عيينة لا يسقط إلا راو ثقة لكن إذا عرف الراوي أنه يسقط الضعفاء فإنه في هذه الحال يمكن أن يكون حديثه إذا جاء ولم يصرح به في السماع من شيخه يمكن أن يكون حديثه مردودا مثل رواته كلهم مثل محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة فهذا تدليسه شديد كذلك ابن جريج تدليسه شديد مثل هؤلاء لم يصرحوا عن شيوخهم في السماع فأهل الحديث يردون روايتهم هذا بالنسبة للحديث المدلس شبيه به المرسل الخفي ولكنه يختلف عنه في جزئية يسيرة وهي أن المدلس لابد أن يكون الراوي سمع من شيخه أحاديث أخرى أو على الأقل لقي شيخه يمكن أن تكون العبارة أدق إذا قلنا لقي شيخه لكن بالنسبة للمرسل الخفي لا توجد المعاصرة يعني عاش في عصره وليس هناك ما يدل على أنهما التقيا هذا هو الفارق البسيط بين المدلس والمرسل الخفي يعني المدلس يشترط فيه أن يكون لقي شيخه والمرسل الخفي يشترط فيه أن لا يثبت اللقى بينه وبين شيخه ولذلك نستطيع أن نعرف الحديث المرسل الخفي فنقول إنه رواية الراوي رواية الراوي حديثا عن شيخ عاصره ولم يسمع منه رواية الراوي رواية الراوي حديثا عن شيخ عاصره ولم يسمع منه إذا الفارق بينه وبين المدلس أن المدلس يروي عن شيخه الذي سمع منه أو لقيه على الأقل والمرسل الخفي يروي عن شيخ عاصره ولم يسمع منه.
لعلي أختم بهذا ويمكن إن شاء الله تعالى أن يكون هناك بعض الإضافات على هذين النوعين في الدرس القادم بإذن الله تعالى نتيح الفرصة للأسئلة للاخوة والأخوات الذين يسمعونا ليجيبوا عنها إن شاء الله تعالى في مطلع الدرس القادم بإذن الله تعالى
موجودة يا شيخ أجوبة كثيرة جدا
طيب نتركها بعد أن نأخذ الأسئلة لا بأس
نأخذ سؤال الأخ عمر(1/312)
أحسن الله إليك يا شيخ هناك سؤال يا شيخ ما هي شروط (كلام غير مفهوم) رواية الراوي عن شيخ حديث لم يسمعه منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه مثل عن وقد (كلام غير مفهوم) فالسؤال ما هي شروط العنعنة؟
ما هي يعني شروط العنعنة ما هي العنعنة يمكن أن نسأل ما هي العنعنة؟ أو ما المقصود بالعنعنة؟
العنعنة المقصود بها استخدام كلمة عن بين الراوي وبين شيخه على سبيل المثال حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) إلى قلنا قال البخاري حدثنا الحميدي عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري هذا يختلف عما لو قلنا قال البخاري حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قوله حدثنا هذا يعني التلقي المباشر بلا شك ولا ريب من شيخه لكن إذا قال عن هنا يمكن أن يترق الشك عن هذه لا تدل على أنه أخذه عن شيخه مباشرة هناك احتمال أن يكون بينه وبين شيخه راو آخر أسقطه فهذا الراوي الذي يسقط هذا الذي نسميه التدليس يعني أسقط راويا بين راويين فهذا يسمى تدليسا يمكن إن شاء الله تعالى نذكر يعني بعض الأسباب الحاملة على التدليس في الدرس القادم إن شاء الله تعالى والإشارة إلى بعض أنواع الحديث المدلس مثل تدليس التسوية وتدليس الشيوخ وهكذا لأن ما ذكرت هنا لكن لا بأس من التنبيه عليها على وجه الاختصار أيضا لا نستطيع أن نطيل فيها تفضل.(1/313)
يقول هذا الذي عرفناه وهو إسقاط الراوي راويا بينه وبين شيخه هو التدليس المشهور والمعتبر عند أهل العلم ويسمى تدليس الإسناد فهو أعم وأشهر أنواع التدليس لكن هناك صورة من صور تدليس الإسناد لا يسقط الراوي فيها أحدا بينه وبين شيخه ولكن يسقط واسطة بين شيخه وشيخ شيخه أو من فوقه على سبيل المثال إذا جئنا إلى حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) وعددنا على سبيل المثال سفيان بن عيينة مدلسا فجئنا لهذا الحديث وإذا بنية يكون هكذا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن علقمة بن وقاف الليثي يعني سفيان بن عيينة إذا قلنا بأنه مدلس ونحن نحتار في روايته هل صرح بالتحديث عن شيخه أم لم يصرح جئنا وإذا به صرح بالتحديث عن شيخه قلنا إذا لا إشكال في هذه الحال لكن إذا عرف الراوي بأنه يدلس نوعا آخر من أنواع التدليس وهو الذي يسمونه تدليس التسوية وهو إسقاط راو بين شيخه أو شيخ شيخه أو من فوقه فيسوي الإسناد كلهم ثقات وربما كانوا غير ثقات أو ربما كان فيهم غير ثقات فلو نظرنا في هذا الإسناد يكون سفيان بن عيينة أسقط محمد بن إبراهيم التيمي بين يحيى بن سعيد الأنصاري وبين علقمة ما الإشكال في هذا قالوا الإشكال أنه قد يكون شيخه وهو يحيى بن سعيد الأنصاري ممن عرف أنه لا يدلس (كلمة غير مفهومة) الإسناد فيطمئن يقول العنعنة هنا جاءت من غير مدلس فأنا لست في حاجة إلى التشديد في هذا الموطن فيكون البلاء ليس من الشيخ وإنما من تلميذه التلميذ هو الذي أسقط الواسطة بين شيخه ومن فوقه فلذلك تدليس التسوية عندهم أشد من تدليس الإسناد المعروف الذي عرفناه قبل قليل فهذا بالنسبة لتدليس التسوية هناك شيء يسمى تدليس الشيوخ ليس فيه إسقاط في الإسناد ولكن فيه توعير الطريق على الذي يريد أن يفتش في الحديث بأن يسمى الراوي أو يكنى أو ينسب بغير ما يعرف به حتى لا يعرف وعلى سبيل المثال عطية بن سعد العوفي يروي عن أبي سعيد(1/314)
الخدري وأبو سعيد الخدري صحابي من خيرة الصحابة ويروي عن محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب تابعي ولكنه كذاب فمحمد بن السائب الكلبي كنيته المشهور بها أبو هشام ولكن له ابن صغير اسمه سعيد فعطية بن سعد العوفي هذا أحيانا يقول حدثنا أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا فيأتي الجاهل فيظن أن أبا سعيد هذا هو أبو سعيد الخدري لأنه هو لم يقل الخدري ولكن قال حدثنا أبو سعيد فالذي لا يعرف يظن أنه أبو سعيد الخدري وهو محمد بن سعد الكلبي فكناه بما لا يعرف به حتى لا يعرف فأصبح هذا قادحا في عطية بن سعد العوفي فهذا يسمونه تدليس الشيوخ هو ما أسقط من الإسناد أحدا ولكنه وعر الطريق نسب راويا أو كناه أو سماه بما لا يعرف به حتى لا يعرف في هذا أيضا تفصيل نريد أن لا نطيل به.
الأخ فرج: يا شيخ بالنسبة لأهل العلم قد علموا أمر التدليس وتكلموا فيه حتى قال بعضهم يا إخوان لأن أزني أحب إلي من أدلس فكيف نفرق هذا الأمر على من كان من أهل الثقات كسفيان بن عيينة وغيرهم يعني من الثقات فالإنسان قد يحصل عنده خلط بين هذا وذاك؟(1/315)
سؤال جيد الأخ قال في سؤاله إن هناك من أهل العلم من قال لأن أزني أحب إلي من أدلس نعم هذا شعبة بن الحجاج رحمه الله كان شديدا على الرواة وعلى وجه الخصوص المدلسين وله في ذلك حكايات في الحقيقة لا نذكرها فيها شيء من الطرافة في بعض الأحيان فالمهم أنه يقول: " التدليس أخو الكذب يقول لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أدلس لأن أزني أحب إلي من أدلس " نعم هو رحمه الله ما أطلق هذه العبارة إلا وهو يقصد معناها لأن الذي يزني ضرره على نفسه فقط زنا وارتكب كبيرة من كبائر الذنوب هو تحت المشيئة إن شاء الله عاقبه وعقوبة الزنا معروفة في نار جهنم أعاذنا الله منها وإن شاء عفا الله عنه بحسنات ماحية أو بتوبة أو غير ذلك لكن بالنسبة للكذب في الحديث أو التدليس في الحديث يعني جعل هذا الحديث الضعيف صحيحا عند بعض الناس الذين لا يعرفون هذا فيترتب عليه أن يقال في دين الله ما ليس منه أو يدخل في دين الله ما ليس منه يكون الحلال حراما والعكس كذلك تدخل البدع في دين الله جل وعلا فلذلك عظم شعبة هذا الأمر وقال الزنا أخف من التدليس الأخ يعني سأل سؤالا جيدا فإذا كان التدليس بهذه الصورة التي أشار إليها شعبة فكيف استساغ بعض أهل العلم ربما كسفيان بن عيينة وغيره أن يدلسوا؟
نقول هذا يعود إلى الأهداف الحاملة على التدليس أو الأسباب الحاملة على (كلمة غير مفهومة) ما هي الأسباب والأغراض الحاملة على التدليس؟(1/316)
في الحقيقة نحن بحاجة إلى تبيين هذه الأسباب حتى نعرف هؤلاء العلماء يعذرون أو لا يعذرون فنقول إن هناك بعض الأسباب التي دعت بعض هؤلاء العلماء للتدليس أول هذه الأسباب أن يكون روى الحديث لا على سبيل الرواية ولكن على سبيل المذاكرة أو الفتيا أو الوعظ أو الاستشهاد في مسألة علمية أو نحو ذلك وأهل العلم يفرقون بين مجالس التحديث وغير مجالس التحديث كالمذاكرة مذاكرة العلم فلذلك يحذرون من أخذ الحديث في حال المذاكرة إلا إذا أعلم الشيخ إذا أعلم التلميذ شيخه بأنه سيكتب الحديث أو سيحفظ عنه في نفس المذاكرة فلا بأس لأن كثيرا من أهل العلم كانوا لا يجوزون لتلاميذهم أن يأخذوا عنهم شيئا في حال المذاكرة كعبد الله بن مهدي وأبي زرعة الرازي رواة كثر لا يجوزون لتلاميذهم أن يأخذوا عنهم شيئا في حال المذاكرة لأنهم يتخففون في الرواية فلا يأتي بالحديث على وجهه التام هذا أحد الأسباب.
من الأسباب الحاملة على التدليس أيضا كون الراوي الذي دلس عرف أن هذا الحديث صحيح عن شيخه وثابت ولكنه أراد علو الإسناد أو أراد إيهام علو الإسناد فهذا مع كونه مذموما لكنه لا يؤدي إلى ترك رواية الراوي أو لا يؤدي إلى تضعيف الراوي الذي صنع هذا الصنيع نعم ارتكب أمرا يذم به.
من الأسباب أن يكون شيخ الراوي الذي أسقطه ضعيفا لكنه يراه ثقة ويرى أن الذين ضعفوه ظلموه فيسقطه حتى لا يرد حديثه فهو متأول في هذه الحال من تأويل الموانع إصدار الحكم سواء عن الراوي أو في أي مسألة علمية المتأول له حكم آخر.(1/317)
كذلك من الأسباب أسباب يدان بها الإنسان ويعاب بها ولكنها لا تؤدي إلى سقوط رواياته أن يستنكف عن الرواية عمن هو دونه فإذا قلنا مثلا إن السبب الذي حمل سفيان بن عيينة على إسقاط عبد الرزاق ومعمر أن عبد الرزاق تلميذه ومعمر قرينه هذا أمر قلبي بين سفيان بن عيينة وبين ربه جل وعلا قد يكون الحامل له المذاكرة الاستشهاد قد يكون لكونه يرى أن هنا ثقتان قد يكون أنه استنكر هذه الأمور قلبية في علم الله مع كون سفيان بن عيينة معروف ثقة وجودة في الحفظ والإتقان ولا ندعي الكمال للبشر ولا ندعي العصمة لبشر الكل يخطئ ويصيب ولكن هناك من خطأه يزيد في بحار حسناته مثل هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى فهذه بعض الأسباب وربما كان هناك أسباب أخرى إذا فتش وجدت.
السؤال هنا كثر عليه السؤال ما هي طرق معرفة التدليس وما هي أشهر المؤلفات حول موضوع التدليس؟
كلام جيد أما بالنسبة لمعرفة التدليس فالعلماء يقفون من الرواة الذين عرف عنهم التدليس موقفا محددا فيقسمونهم إلى أقسام ولذلك أنصح في هذه الحال بقراءة كتاب طبقات المدلسين للحافظ بن حجر رحمه الله تعالى يعني هو مشهور بطبقات المدلسين تعريف أهل التدليس ومراتب الموصوفين بالتدليس فهذا العنوان لكن اشتهر بطبقات المدلسين فالحافظ هنا قسم الرواة إلى خمسة أقسام القسم الأول هم الذين ذكر عنهم أنهم دلسوا ولكن بعد التحقق لم يثبت عنهم التدليس وممن ذكر في هذه الطبقة " شعبة بن الحجاج الذي يقول لأن أدلس لأن أزني أحب إلي من أدلس " هناك من وصفه بالتدليس ولكن بعد التحقق تبين أنه أن هذه التهمة غير صحيحة فالحافظ يذكر في هذه الطبقة كل من يمكن أن يكون وصف ولكن ممن انتفت عنه هذه الشبهة فذكر في هذه الطبقة شعبة بن الحجاج وذكر الإمام مالك رحمهما الله تعالى أجمعين.(1/318)
الطبقة الثانية هم من عرف عنهم التدليس ولكنهم أحد صنفين إما أنهم لا يلتمسون إلا عن ثقة أو لكون تدليسهم قليل جدا في جنب ما رووه فهؤلاء احتمل الأئمة عنعنتهم ولكن الأحاديث التي قيل أنهم دلسوا فيها عرفت وضبطت وميزت فهذه (كلام غير مفهوم) وميزها أهل الحديث ما تركوها وأما الباقي فحكمه أنه صحيح هؤلاء هم أصحاب الطبقة الثانية الطبقة الثالثة هم من اختلف الأئمة فيهم بسبب كثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل ولكن هؤلاء مكثرون من الرواية كالأعمش وقتادة وأبي إسحاق السبيعي وأمثال هؤلاء فبعض الأئمة ردوا عنعنتهم وبعضهم قبل عنعنتهم والصواب في هذا التفصيل ولكن التفصيل قد يطول بنا في مثل هذه الحال فلعله لا يكفي أسئلة إن شاء الله تعالى لاحقة حتى لا يضيق علينا الوقت يعني التفصيل بالنسبة لشيوخهم والرواة عنهم وأحاديثهم التي في الصحيحين فالأحاديث التي في الصحيحين لا نتكلم فيها سواء بالعنعنة أو بغير العنعنة.
الطبقة الرابعة هم الذين اتفق الأئمة على أنه لا يقبل من حديثهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع كمحمد بن إسحاق وابن جريج وأمثال هؤلاء.(1/319)
الطبقة الخامسة وهي الأخيرة ممن انضاف إلى تدليسهم أنهم (كلمة غير مفهومة) كابن بديع ونحوه فهذا رواية مردودة أصلا كما يقال حلقة فكيف إذا انضاف له التدليس فهذه هي المراتب التي قسم ابن حجر الرواة بناء عليها طرق معرفة التدليس الشيخ باختصار طرق معرفة التدليس النظر في هذا الراوي إما أن يكون وصف بالتدليس أو لم يوصف بالتدليس فإن كان لم يوصف بالتدليس ما ذكر في طبقات المدلسين للحافظ بن حجر فلا إشكال سواء قال حدثنا أو قال عن أو قال قال فرواية مقبولة بشرط أن يكون من فوقه شيخ له أما إذا وصف راو بالتدليس عرف أن مدلس فنأخذ هذا الراوي وننظر في هذه الطبقات التي ذكرها الحافظ بن حجر فإن كان من الطبقة الأولى والثانية احتملنا هذه الطبقة, إن كان من الطبقة الخامسة أو الرابعة رددنا حديثه إن كان من الطبقة الثالثة فالمسألة محل اجتهاد ولذلك يخطئ كثير من الناس حينما يأتي للطبقة الثالثة وينظر إلى الأئمة الذين قبلوا حديث هؤلاء فيذهب ويترك القول لأن أهل الحديث أو علماء الحديث المتقدمين لا يردون بالتدليس هذا غير صحيح العلماء ردوا رواية عنعنة ابن إسحاق وابن جريج وهشام بن بشير (كلمة غير مفهومة) من الذين وصفوا بالتدليس وأودعوا في الطبقة الرابعة هذا افتئات على علماء الحديث أن الطبقة الثالثة محل اجتهاد أنت إذا قلت يا أخي ترى أن تلتحق بأولئك الذين قبلوا رواياتهم فأنت حر في هذا لا نعنف عليك ولا نستغرب عليك ولكن أيضا لا تستغرب على الآخرين ولا تدعي هذه الدعوى العريضة فإذا ينزل الراوي بهذه المنزلة ينظر في هذه الطبقات في أيها يوضع فإن كان ممن ترد عنعنته فيقال عنه إنه مدلس وهذا عنعنته فنرجو له.(1/320)
بارك الله فيكم يا شيخ لعلنا نأتي على إجابة الأسئلة المتعلقة بحلقتين السابقتين في الواقع في أجوبة كثيرة فيه من فرنسا فيه من المغرب فيه من اليمن من السعودية من مصر من الكويت من الإمارات من سوريا فلعلك تختار من دولتين أو ثلاث دول إن حبيت فماذا تحتار؟
والله كم دولة؟
يعني حوالي ثمان بلد يا شيخ لكن في كل دولة فيه عدد
أترك لك حرية الاختيار
إذا لعل أمامي مباشرة يا شيخ إجابة الأخ مراد من المغرب وهو في الواقع كثير التواصل معنا ويبدو ما شاء الله من إجابته يعني تميز الانتباه يقول:
بسم الله الرحمن الرحمن جزاك الله خيرا شيخنا على هذا البسط للمادة وجعله في ميزان حسناتك الأجوبة الذي يدخل في الخبر المقبول الغير المعمول به المنسوخ والمجروح أما مختلف الحديث فهو من الأخبار المقبولة المعمول بها لأن حقيقتها هو جمع بين الأدلة لأحد وجوه الجمع فيكون الإعمال للدليلين وهذا هو الأصل أن أدلة الشرع يجب العمل بها كلها إلا إن تعذر ذلك إجابة السؤال الأول إجابة السؤال الثاني الناسخ هو كل ما ثبت به رفع حكم دليل شرعي أو لفظه أما المنسوخ فهو كل ما ثبت فيه ارتفاع حكمه أو لفظه .
يعني كما عرفنا نسخ الحديث ومنسوخه أو عرفنا النسخ في اللغة بأنه رفع حكم متقدم بحكم متأخر عنه
والعمل على التعارض يكون أول ما يصار إليه هو الجمع بينهما فإن تعذر الجمع ننظر هل هناك دليل نحكم به بالنسخ فإن لم يوجد دليل فنرجح بين الأدلة بأحد وجوه الترجيح وإن لم يمكن الترجيح فنتوقف والتوقف أمر نسبي من شخص لآخر وإلا فحقيقته في الشرع غير موجودة .
كلام جيد أحسن الله إليكم.
لعل ننتقل إلى اليمن لنكمل إجابة بقية الأسئلة الأخ كامل من اليمن يعرف الحديث المعلق وبدأ في أجوبة الأسئلة المتعلقة بالحلقة التاسعة يقول:
تعريف المعلق هو ما سقط من أول إسناده راو أو أكثر ولو حذف جميع السند .
كلام جميل.(1/321)
السؤال الخامس يقول: تعريف المرسل هو ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ننتقل إلى الأخت علياء من الإمارات في إجابتها على بعض الأسئلة لكنها أجابت على أسئلة سبق الإجابة عليها أيضا.
ابن الإسلام من الكويت يتحدث عن ثلاثة أجوبة أيضا تحدثنا عنها نعم وصل إلى حكم المعلقات في الصحيحين يقول:
أ- ما ورد بصيغة الجزم فهو محكوم بصحة إسناده إلى الراوي الذي علق عليه الإمام البخاري وما بعد ذلك من الرواة ينظر في حالهم .
كلام جيد
النوع الثاني ما ذكر بصيغة التمريض بالضاد لا يجزم بصحته أو ضعفه إلا بالنظر في حال السند بأكمله وهذا عند البخاري لأن مسلم لم يعلق إلا حديثا واحدا أورده البخاري في صحيحه ابن الإسلام من الكويت.
لعل نأخذ يا شيخ السعدية أم عبد الرحمن يعني وزعت الأجوبة على عدد من الفقرات من المغرب تقول:
في الواقع (كلام غير مفهوم) أسألكم عنها بسم الله الرحمن الرحيم عدم الاستهانة بقدر السنة ليل الحديث غير معمول به ثم بدأت تشرع في إجابة التعارض وهو مثل ما سبق.
هل (كلام غير مفهوم)
هو في الحقيقة هذا محل الخلاف لكن أنا أؤيد هذا الكلام أنه لا يوجد هناك حديث صحيح غير معمول به هناك بعض الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه لعلل الترمذي وقال إنها يعني ما عمل بها بعض أهل العلم لكن بعد التفتيش وجد أن بعض أهل العلم عملوا بها أيضا فلا يوجد في الحقيقة حديث صحيح متفق على صحته يعني ليس فيه علة تمنع من قبوله ويقال إنه مما ترك العمل به إلا إذا كان داخلا في التفسير الذي كنا ذكرناه كالناسخ أو كأن يكون الحديث منسوخا نعم المنسوخ من الأحاديث التي ترك العمل به
طيب لعل نختم يا شيخ بإجابة الأخت أسماء وهي من المغرب في السؤال المتعلق هل يوجد صورة يجتمع فيها الإرسال والتعليق تقول لا يمكن الجمع بينهما لأن المرسل عكس المعلق(1/322)
أنتم ذكرتم شخص في الحلقة الماضية أنه يمكن ذلك لأنه يكون هناك سقط في مبدأ الإسناد وفي نهاية الإسناد ويكون على هذا ما يقع الإخلال في إسناد
أحسنت وبارك الله فيك نعم إذا قد يجتمع الإرسال والتعليق في إسناد واحد هذا من حيث الافتراض إذا افترضنا أما من حيث وجود المثال فربما لو طلب مثال في بعض كتب الحديث يمكن أن يوجد يعني لا يستبعد وجوده.
يا شيخ عليكم تطرحون الأسئلة المتعلقة بهذه الحلقة لأن الإخوان (كلمة غير مفهومة) أيضا على الشاشة
طيب نذكر الأسئلة التي تكون الإجابة عنها في الحلقة القادمة وهي أسئلة هذا الدرس
السؤال الأول: عرف الحديث المعضل والمنقطع؟
السؤال الثاني: ما الفرق بين المعضل والمعلق؟
السؤال الثالث: عرف الحديث المدلس والمرسل الخفي واذكر الفرق بينهما؟
السؤال الرابع: كم أقسام التدليس التي ذكرناها؟
إذن أربعة أسئلة ونعود الآن إلى طرح أسئلة مشتركين في الموقع أميرة أم مهدي من المغرب تتساءل السلام عليكم شيخنا أكرمك الله هل تدليس الأسماء يؤدي إلى جهالة الراوي الثقة؟(1/323)
الحقيقة أن تدليس الشيوخ الذي كنا ذكرناه ولعله هو الذي تقصده الأخت بتدليس الأسماء نعم قد يؤدي إلى الجهالة إذا نسب الراوي نسبة لا يعرف بها قد يؤدي إلى الجهالة بينما هو معروف وعلى سبيل المثال البخاري رحمه الله تعالى روى عن أحد العلماء الأفاضل وهو محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله وتلقى عنه العلم ولكن محمد بن يحيى الذهلي تكلم بعد ذلك في البخاري بسبب فتنة حصلت في ذلك الوقت وهي فتنة خلق القرآن فنقل له كلام غير صحيح عن البخاري فتكلم فيه فهذا أوغر صدر البخاري لأنه سبب له فتنة يعني طرد رحمه الله وأوذي وحورب فهذه الأذية كلها بسبب كلام محمد بن يحيى الذهلي لكن عدل البخاري وإنصافه ونحن في الحقيقة نحتاج إلى مثل هذه المواقف التربوية من سيرة علماءنا الأفذاذ هؤلاء كما يقول عدل البخاري وإنصافه لم يمنعه من الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي بالرغم من أنه تكلم فيه فأخرج له في الصحيح لكن نجد أن تعبيرات البخاري في تسمية هذا الشيخ تدل على وجود وحشة بينهما فيقول في بعض الأحيان حدثنا الذهلي أحيانا يقول حدثنا محمد بن خالد أحيانا يقول حدثنا محمد بن عبد الله أحيانا يقول حدثنا محمد بن يحيى أحيانا يقول حدثنا محمد ويسكت فينوع اسمه وينسبه أحيانا إلى جده وأحيانا إلى جده الأعلى وأحيانا إلى أبيه وهكذا فكل هذه الأشياء تدل على واحد وليس رواة متعددين كما قد يظن فهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي لكن البخاري ينسبه وينوع اسمه أحيانا.(1/324)
طيب يا شيخ لعلنا بهذا الإيراد نصل إلى خاتمة هذه الحلقة التي نشكر في خاتمتها الله عز وجل ثم نشكركم يا فضيلة الشيخ على ما تفضلتم به من هذا الشرح والإيراد وألفت جميع الاخوة الراغبين في الاشتراك في موقع الأكاديمية إلى أن آخر موعد لقبول طلبات الاشتراك هو يوم الاثنين القادم القريب التاسع من شهر ربيع الأول والإخوان في إدارة الأكاديمية يؤكدون على أنهم يعني غير مؤاخذون بعد ذلك إن لم يتسنى لأحد أن يشترك بعد هذا التاريخ
الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كنا عرفنا أن أسباب الطعن في الحديث ينقسم إلي سببين :
فمنها أسباب متعلقة بالسقط في الإسناد .
ومنها أساب متعلقة بالطعن في الراوي .
وفي الدروس الماضية أخذنا الطعن في الحديث بسبب سقط في الإسناد ، وذكرنا عدة أنواع من أنواع السقط في الإسناد فكم عدد هذه الأنواع التي ذكرناها ، وما هي ؟
نعم فمن أنواع السقط في الإسناد : ستة أنواع وتنقسم إلي قسمين قسم جلي وقسم خفي ، أربعة أنواع متعلقة بالسقط الجلي ، ونوعان متعلقة بالسقط الخفي.
ذكرنا أيضا من أنواع السقط الجلي المعلق ، وقلنا إن المعلق أكثر الكلام الذي حصل فيه بسبب المعلقات التي في الصحيحين ما ذكرناه عن المعلقات التي في الصحيحين بالنسبة للبخاري وبالنسبة لمسلم .(1/325)
هذا إذن خلاصة ما كنا ذكرناه إنها الأحاديث التي في البخاري الأحاديث المعلقة في البخاري منها ما يعلقها البخاري بصيغة الجزم ، وهذا نستفيد منه صحة ذلك الحديث إلي من جزم عنه البخاري بذلك التعليق ولا نستفيد منها الصحة المطلقة لا نقول إنها صحيحة مطلقا بل منه ما هو صحيح في صحيح البخاري ومنه ما هو صحيح في خارج صحيح البخاري ومنه ما هو ضعيف وهكذا بالنسبة لما وهي على صيغة المبني للمجهول ينكر يروى ونحو ذلك هذه لا نستفيد منها صحة ذلك إلي من علقه البخاري عنه ، فهذا هو الفرق بين صيغة الجزم وصيغة التمرين أن صيغة الجزم نستفيد صحة ذلك إلي من علقه البخاري عنه وهذه لا نستفيد صحة ذلك إلي من علقه البخاري عنه ، لكن لا يلزم منه أن يكون ضعيفا لأن بعضه صحيح مخرج في صحيح البخاري وبعضه صحيح ومخرج في خارج صحيح البخاري ، وبعضه ضعيف على ما كنا ذكرناه سابقا .
نبتدأ في درسنا لهذا اليوم فنقول بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله إننا سنبتدأ في الكلام على أسباب الطعن في الحديث المتعلقة بطعن في الراوي ، نحن انتهينا من السقط في الإسناد وسنبتدأ في الطعن في الراوي .(1/326)
قلنا نبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله إننا سنبتدأ في الكلام على الحديث : بسبب طعن في الراوي ، والمقصود بالطعن في الراوي أي جرح الراوي ، إن كنا نذكر حينما تكلمنا على الحديث الصحيح وذكرنا شروط الحديث الصحيح ، ذكرنا أنه ما اتصل سنده بنقل العدل أو عن نقله وإن كان بغير شهود ولا علة ، ما اتصل سنده يخالف اتصال السند السقط في الإسناد وهي الأنواع الستة التي تكلمنا عنها وفرغنا منها ، نبتدأ الآن بالثاني أو ما يخالف الثاني ما دمنا قلنا في نقل العدل التام والضبط ، إذن ما الذي ينافي العدالة وتمام الضبط الطعن في الراوي أي جرح الراوي بما يخالف العدالة وتمام الضبط ووجد أن الطعن ينحصر في هذه الأمور العشرة التي ذكرها الحافظ بن حجر رحمه الله تعالي ، وهي التي سنبتدأ في الكلام عليها واحدا تلوا الأخر وحكم رواية كل راوي طعن بواحد من هذه الطعون سنتكلم عليه إن شاء الله تعالي .
ذكر الحافظ أول هذه الطعون وذكره لهذا النوع الأول يدل على أنه ابتدأ من الأشد فهو ضعفا ، وابتدأ يتدرج إلي أن وصل إلي الأخف وهو الذي يعبر عنه الحافظ بن حجر عن طريق التدني يعني التنزل من أعلى إلي أدني وهكذا فأشد هذه الطعون هو الروي بالكذب يعني أن يوصف الراوي بأنه كذاب ، فإذا طعن في الراوي بالكذب في الحديث النبوي فهذه أشد أنواع الطعون ، وهذا الراوي الذي يوصف بأنه كذاب حديث هو الذي يقال عنه إنه الحديث الموضوع ، وإذا أردنا أن نعرف الحديث الموضوع بتعريف سهل ميسر مختصر فإننا نستطيع أن نقول إن الحديث الموضوع هو الحديث المختلق المصنوع المكذوب المنسوب إلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فكل حديث مكذوب مختلق ينسب إلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو الحديث الموضوع الذي نتكلم عنه .(1/327)
ما دمنا وصفنا الراوي بالكذب وقلنا إن حديث هذا الراوي هو الذي يسمى الموضوع فإنه قد يشتبه في بعض الأحيان مع الحديث المنكر وبخاصة حين ما نجد في إطلاقات الأئمة قوله عن حديث من الأحاديث إنه حديث منكر ، فهل يساوي الحديث المنكر والحديث الموضوع أو هناك فرق بينهما ؟ نقول إن الموضوع يختلف عن المنكر يختلف عن المتروك وكل نوع من هذه الأنواع له صفة تحدده سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالي ، فأول هذه الأنواع وأشدها هو الحديث الموضوع وصاحبه هو الراوي الذي يوصف بأنه الكذاب أو وضاء في الحديث ، أما بالنسبة للمنكر فسيأتي معنا أنه الراوي الذي فحش غلطه أو ظهر فسقه أو غفلته هذا سيأتي معنا إن شاء الله تعالي .(1/328)
فهناك فرق بين المنكر وبين الحديث الموضوع ما زلنا في الحديث الموضوع وقلنا إنه المكذوب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمثلة الحديث الموضوع كثيرة جدا نجدها في كتب الموضوعات ، هناك بعض الكتب التي ألفت وأفردت لحصر الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه اهتم بها أهل العلم اهتماما بالغا ، من أشد من اهتم بهذا بن الجوزي رحمه الله ألف كتاب الموضوعات وهو كتاب مطبوع ومشهور عند أهل العلم وأصبح عمدة لمن جاء بعده فكل الكتب التي جاءت بعده أصبحت تحور في فلك هذه الأحاديث التي ذكرها بن الجوزي رحمه الله في كتابه هذا ، فجاء بعد بن الجوزي بن عراق فألف كتاب تنزيل الشريعة المرفوعة ، السيوطي ألف كتابه اللاألأ الموسوعة في معرفة الأحاديث الموضوعة ، الشوكاني ألف كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة وغير هؤلاء عدد جم من أهل العلم ، لكن لا يعني هذا انحصار الأحاديث الموضوعة في الكتب التي تحمل في عناوينها لفظة الموضوع أو الموضوعة أو نحو ذلك ، بل باب الأحاديث الموضوعة باب واسع لأن العلماء كانوا يطلقون الضعف على الحديث ليشمل جميع أنواع الحديث المردود ، والحديث المردود سواء كان بسبب صحة الإسناد أو بسبب طعن في الراوي سواء كان الطعن في الراوي بالروي بالكذب أو بالتهمة بالكذب أو بالرمي بالغفلة وكثرة الوهم وفش الغلط أو ظهور فسق أو نحو ذلك فكله عند أهل العلم قد يعممونه بلفظ ضعيف ، فربما وجدنا في بعض كتب أهل العلم قولهم عن حديث الموضوع إنه حديث ضعيف ، وهذا لا يعني حرفية هذه اللفظة لا يستفاد منها أنه ضعيف فقط بمعني أنه ضعفه إلي ما جاءت طرق أخرى ويتقوى بها ، لا لابد من معرفة سبب الطعن على وجه التحديد ، فإذا كان الطعن بسبب أن أحد الرواة وصف بالكذب فهذا حديث موضوع حتى وإن قال عن بعض أهل العلم إنه حديث ضعيف ، أضرب على ذلك مثالا بحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو حديث ( نوم الصائم(1/329)
عبادة وصمته تسبيح إلي أخر الحديث ) هذا الحديث قال عنه البيهقي إنه حديث ضعيف وحقيقة هو موضوع لأن الواضع له هو أحد رواته وهو أبو داوود سليمان بن عمرو النفعي وهذا كما يقول الحافظ بن حجر في لسان الميزان وما هو بالكذب ووضع الحديث أكثر من ثلاثين نفسا من أهل العلم فهو حديث موضوع بلا شك ولا ريب ، قول البيهقي عنه إنه ضعيف لا يعني أنه ضعيف ضعفا يمكن أن ينجبر لا ولكن يعني أنه حديث مردود أما سبب الرد فالأن هذا الراوي الذي في سنده رمي بالكذب وهو أبو داود الأعمى النخعي الكوفي هذا الذي ذكرناه .
إذن يمكن من مطالعة كتب الموضوعات أن نجد أحاديث الموضوعة كثيرة ، يمكننا أيضا بمطالعة كتب الرواة الضعفاء أن نجد أحاديث موضوعة كثيرة على وجه الخصوص في تراجم أولئك الرواة الذين وصف الواحد منهم بأنه وضاع أو يكذب ونحو هذه العبارات ، على سبيل المثال لو نظرنا في كتاب الضعفاء للعقيلي أو كتاب المجروحين لابن حبان أو كتاب الكامل لابن عدي أو نحو هذه الكتب التي افردت في الضعفاء نجد أنهم يذكرون في ترجمة الراوي الأحاديث التي انتقدت عليه وهذه الأحاديث تتراوح ما بين حديث ضعيف ضعفا يسيرا وبين حديث ضعفه شديد وما بين حديث (كلمة غير مفهومة) وهذه الكتب فيها العجب الجم من الأحاديث الموضوعة وعليها اعتمد بن الجوزي رحمه الله في كتابه الموضوعات بأنه ينقل على وجه الخصوص عن هؤلاء الأئمة الثلاثة ، عن العقيلي ، وعن بن حبان ، وعن بن عدي يروي من طريقهم وينقل كلامهم على الأحاديث .
عندنا أيضا من الأمور التي نحب أن نتكلم عنها في ما يتعلق بالحديث الموضوع أسباب الوضع .(1/330)
إذا عرفنا أن الراوي الذي وصف بالكذب يقال لحديثه إنه حديث موضوع فما هي الأسباب التي تحمل هذا الراوي على الوضع في الحديث ؟ وهذه الأسباب يمكن أن تكون أيضا من جهة أخرى تتعلق بأصناف الوضاعين يعني السبب نستخلص منه صنف من أصناف الوضاعين ، بعد الصبر والنظر في الأحاديث التي وضعت وكذبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكشف الأئمة لأنها أحاديث مكذوبة وموضوعة وجد أن هناك عدة أسباب ، أهم هذه الأسباب وأولها :
الزندقة والطعن في الإسلام (كلمة غير مفهومة) وعيبه ، والصنف الذي يضع بهذه الصفة يقال لهم الزنادقة ، هؤلاء الزنادقة هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ، هؤلاء نشطوا في فترة من الفترات بعد ظهور الدولة الإسلامية وقوتها فوجدوا أن السبيل للطعن في الإسلام ومحاربة الإسلام (كلمة غير مفهومة) في الصفوف ، وانبثاتهم في صفوف المسلمين اتخذ ألوانا شتى إما عن طريق (كلمة غير مفهومة) إثارة الحروب والفتن والقلاقل بين المسلمين كما هو معروف تاريخيا ، أو عن طريق الكذب ووضع الحديث لأسباب عدة مثلا لإظهار الإسلام بأنه دين متناقد يقول ما لا يعقل أو لتحريم الحلال والعكس تحليل الحرام أو الطعن في حملة العلم الشرعي من صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا شوهت سمعة الصحابة رضي الله تعالي عنهم فهذا يعني طعن السنة من أساسها فمعني ذلك أننا لا نثق بالسنة بسبب عدم وثوقنا لحملة هذه السنة إلينا ، وبالتالي يصفوا لهم الجو من جزء كبير من الإسلام فإذا (كلمة غير مفهومة) السنة ذهب جزء كبير من الإسلام لأن السنة هي التي تضمنت البيان والتفصيل لما اجمل في كتاب الله جل وعلا .(1/331)
هناك على سبيل المثال حديث يرونه ولولا الرغبة في البيان وضرب المثال لما جاز للسان أن يتفوه بهذا الحديث لكن على أساس نعرف خبث هؤلاء الزنادقة ورغبتهم في شين الإسلام وعيبه وإظهاره بمظهر الدين المتناقد وضعوا حديثا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سئل مما ربنا يعني من أي شيء ربنا فقال من ماء مروء أو نحو ذلك إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت فخلق نسفه من عرقها ، قلة التناقد التي ليس بعدها تناقد وقلة السخر الذي ليس بعده سخر ، إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت فخلق نفسه من عرقها يعني خلق الفرس قبل أن يكون الرب جل وعلا موجودا والرب جل وعلا ليس له بداية فهذا الحديث فيه هذا التناقض الواضح فمثل هذا بلا شك أنه يظهر الإسلام في عقيدته وأساسه بهذه الصورة المتهافتة التي (كلمة غير مفهومة) الله من وضع هذا الحديث ليظهر الإسلام بها ، فهؤلاء الزنادقة ظهروا كما قلت في وقت قوة الدولة الإسلامية وعلى وجه الخصوص لما انتهت الدولة الأموية وجاءت الدولة العباسية وكانت الدولة العباسية خافت أن تعتمد على العنصر العربي لأن العنصر العربي موالي للدولة الأموية فهي الدولة التي استقر حكمها أكثر من ثمانين عاما وهذه الفترة كافية لأن تجعل الناس (كلمة غير مفهومة) لولاة الأمر من الدولة الأموية بالسمع والطاعة وعدم الخروج عليهم وبالتالي من أراد أن يخرج على هذه الدولة فإنه لن يلقي قبولا في أوساط المجتمع الإسلامي والعربي منها على وجه الخصوص ، فحاولت إذن الدولة العباسية أن تعتمد على العنصر العجمي فبثت دعاتها في بلاد العجم وكانوا إن ذاك حديثي عهد بالإسلام وعمد قائدهم أبو مسلم الخرساني بجمع أغمار الناس ودخل في هؤلاء الأغمار هؤلاء الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام فاستغلوا هذه الفرصة (كلمة غير مفهومة) الدولة العباسية بأشد الحاجة إليهم ، الدولة العباسية اعتمدت على العنصر العجمي والعنصر العجمي اندس في (كلمة غير مفهومة) هؤلاء(1/332)
الزنادقة فنشروا هذه الأحاديث المكذوبة والموضوعة ولكن تصدى لهم أئمة الإسلام رحمهم الله تعالي ورضي عنهم لذلك لما جيئ لهارون الرشيد بزنديق وأراد أن يقتله قال أين أنت من أربعة آلاف حديث وضعتها أحلل فيها الحرام واحرم فيها الحلال فقال هارون الرشيد بمنطق الوالي الواثق بعلماء الإسلام قال وأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها لك نخلا ، يعني لن تصنع شيئا (كلمة غير مفهومة) بالله نجد أن هذه الأحاديث الموضوعة كشفت وبينت وكشف أصحابها أيضا ولم تؤثر بحمد الله جل وعلا لكن لا يعني كلامي عن الدولة العباسية أن ولاة الدولة العباسية كانوا راضين بهذا الفعل لا بل إنهم اشتد حمقهم على هؤلاء الزنادقة ومن أبرز من اشتد حمقه عليهم الخليفة المهدي العباسي ومحمد بن أبي جعفر المنصور وهو والد هارون الرشيد ، المهدي رحمه الله أن أسس ديوانا كما يقال الآن في هذا العصر وزارة من الوزارات لتتبع الزنادقة فبث جنوده لتتبعهم والإمساك بهم وكان إذا أمسك بزنديق لا يرحمه مهما بلغ من الاسترحام حتى يقتله ففتك بهم رحمه الله فتكا زريعا وتبعه على ذلك أيضا ابنه هارون الرشيد رحمهم الله تعالي وكانوا من صلحاء الخلفاء العباسيين .
إذن هذا بالنسبة للزنادقة الذين وضعوا لشين الإسلام .(1/333)
من أسباب الوضع أيضا : العصبية القبلية ، والعصبية المذهبية ، والعصبية الإعتقادية كلها تدخل تحت دائرة العصبية ، نجد صنفا من الوضاعين الواحد منهم يتعصب إما لإمامه أو لمعتقده أو لقبيلته على حساب الجهات الأخرى وهذا يصنعه الجهلة وإلا فأئمة المذاهب المتبوعة بريئون من هذا الصنيع براءة الذئب من دم يوسف ولكن هؤلاء الجهلة كل يضع من جهته والجهل يصنع الأعاجيب فوجد أن بعض المتعصبة من الحنفية ذهبوا يضعون أحاديث في فضل أبي حنيفة وفي ذم الشافعي رحمهم الله تعالي أجمعين فوضعوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث أنه قال يكون في آخر أمتي رجل يقال له أبو حنيفة النعمان هو سراج أمتي هو سراج أمتي ويكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس الذي هو الإمام الشافعي رحمه الله هو أضر على أمتي من إبليس ، فحاشا هؤلاء الأئمة أن يكون بينهم مثل هذا التنازع ولكن الجهل يصنع في الأمة الأعاجيب ، فهذه من الأسباب التي دعت هؤلاء الذين خف دينهم نسأل الله السلامة للكذب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذه الأغراض الدنيوية كذلك أيضا بعض الذين عندهم اعتقادات يريدون أن ينصروها إما المرجئة أو غيرهم من الطاعنين في صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نجد أن هناك طائفة نالت من صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذهبوا يكذبون على النبي عليه الصلاة والسلام في وضع أحاديث تسيء إلي هؤلاء الصحابة أو يضعون أحاديث ترفع من صحابة آخرين لهم فضل ولهم قدم في الإسلام ولا ينكر فضلهم ولكن هذه الأحاديث التي وضعت عليهم أحاديث لم يكن (كلمة غير مفهومة) النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحاشى أولئك الصحابة أن يرضوها ، فوضعوا أحاديث في مسالب أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالي عنهم وعن سائر أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجمعين ويوضع أحاديث في فضل على وأهل بيته رضي الله تعالي عنهم وهم في غنية عن هذه الأحاديث المكذوبة ففضلهم ثابت في كتاب الله وسنة(1/334)
رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والباطل مردود على كائنا من كان ولا يعني رد الباطل النقيد وهو أن نقول إنهم لم يثبت لهم فضل بل فضلهم ثابت ولكن ليس بهذه الأشياء المكذوبة رضي الله تعالي عنهم .
من أسباب الوضع أيضا : الوضع لأغراض دنيوية والأغراض الدنيوية بابها واسع ذكروا من الأغراض الدنيوية التي حملت بعض الوضاعين على الوضع التقرب والتذلف إلي الحكام وهذا السبب وإن كان ممكنا عقلا لكن من حيث الموجود لم يجد قصة صحيحة أو حادثة صحيحة تدل على وقوع الوضع على هذه الصفة ، وما يذكر في كتب الوضع في الحديث أو في كتب المصطلح لم يتثبت فيها من القصص التي حكيت في هذا ، على سبيل المثال القصة التي حكيت عن غياثة إبراهيم النخعي يقولون إنه دخل على الخليفة العباسي المهدي وكان المهدي يحب الحمام فقيل لغياث بن إبراهيم لو حدثت أمير المؤمنين بحديث في الحمام فإنه يحب الحمام قال نعم قال حدثني فلان حدثني فلان (كلمة غير مفهومة) إسنادا إلي أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لا سبق إلا في (كلمة غير مفهومة) أو خف أو حافر هذا الحديث مروى عن أبي هريرة لكن زاد فيه أو جناح فلفظة أو جناح يعني الذي هو الطائر الحمام تشمل الحمام وتشمل غيره هذا لم يرد في هذا الحديث وإنما وضع في هذه المناسبة هذا على حد الرواية ، قالوا كافئه الخليفة العباسي المهدي بمائة دينار وأمر بذبح هذا الحمام وقال أنا الذي استجلبت ذلك يعني أنا الذي حملته على الوضع بحبي للحمام فأمر بالحمام فذبح وهذا أعطي مائة دينار وخرج .(1/335)
هذه القصة الحقيقة (كلمة غير مفهومة) أهل النظر أولا الخليفة العباسي المهدي كما قلنا إنه أشد الخلفاء حنقا على الوضاعين ، وكان لا يرحمهم أبدا حتى سمى قصاد الزنادقة فكون هذه القصة تلفق على هذا الخليفة الذي بهذه الصفة هذه غير معقولة أبدا كذلك لا يمكن لخليفة بهذه المثابة أن يرضى بالكذب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـفضلا عن أن يعطي هذا الكذاب مائة دينار مكافئة له على كذبه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلا من معاقبته ، ثم يذهب ليذبح الحمام ما ذنب الحمام كان الأولى أن يذبح هذا الكذاب إن كان ذلك حقيقة واقعا ولكن بعد التأمل والصبر في سند هذه القصة لم نجد لها سندا صحيحا والذي يدل على هذا أن غياث بن إبراهيم النخعي هذا ذكر في كتب الضعفاء كالضعفاء للعقيلي والكامل لابن عدي ولكن لم يذكروا في جرحه أنه كذب وإنما ذكروا أنه ضعيف منكر الحديث إلي غير ذلك تكلم فيه بعض الأئمة (كلمة غير مفهومة) الذين تكلموا في كالإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهم لم يذكر أحد منهم أنه كذاب أو يستدلوا بهذه القصة مع أنها أوضح من الشمس في ربيعة النهار يعني لو كانت مروية عنه حقيقة وثابتة عنه لذكروها واستدلوا بها على أنه كذاب يضع الحديث ، هذا من أهل الحيثية ، أما بالنسبة للسند ليس هناك سند صحيح لهذه القصة يثبتها وبالتالي لا نستطيع أن نقول إن الوضع في الحديث بقصد التقرب إلي الحكام كان موجودا حقيقة لأننا نفتقر إلي وجود المثال فمن أراد أن يثبت هذا فنقول له أثبت لنا حادثة وقعت ثم بعد ذلك نبني عليها ، لكن من حيث التصور يمكن يقع هذا لا ننكر لكن لم يجد مثالا على هذا .(1/336)
أيضا من الأسباب الدنيوية وكما قلت هي متعددة إما الوضع لأجل الثناء على حرفة معينة كالخياطة أو لأجل استجلاب نفع معين كأن يضع أعمى حديثا في فضل قيادة الأعمى ( من قاد أعمى أربعين خطوة كان له كذا وكذا من الثواب العظيم ) يريد ما يفلت يد واحد إلا وتمسك اليد الأخرى ويخدمها الناس ، أو من وضع في فضل في بعض الفواكه أو الخضروات كفضل الباذنجان أو نحو ذلك أو غير ما يمكن من المأكولات الهريسة أن لها أن جبريل أوصى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة أسرى به أن يأكل من الهريسة فإنها تشد الظهر لقيام الليل أو غير ذلك من الأمور ، أو يضع في مسالب أناس لغرض دنيوي مثل ما ذكر عن سعد بن طريف الاسكات أنه جاءه ابنه يبكي فقال ما بالك قال ضربني المعلم قال والله لأخزينهم اليوم معلم صبيانكم شراركم ، حديث فيه تهديد ووعيد نسأل الله السلامة ما تردد في وضع هذا الحديث .
المهم إن الأغراض الدنيوية التي قد تحمل على وضع أحاديث كثيرة وهذا منشأه خفة الدين بالإضافة للجهل نسأل الله السلامة كما سيتبين معنا من الحكم على الوضاع .(1/337)
من الأسباب أسباب الوضع في الحديث الوضع من غير قصد يعني يكون نتيجة الخطأ ويمثلون لهذا بقصة ثابت بن موسى الزاهد هذه سبق أن أشرت إليها سابقا ونعيدها يمكن تأتي معنا أيضا في بعض أنواع علوم الحديث ، قصة ثابت بن موسى الزاهد هذه أنه دخل على شريك بن عبد الله النخعي المسجد وكان شريك بن عبد الله النفعي جالسا بين تلاميذه مثل هذه الجلسة يحدثهم ببعض الأحاديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان من عادة أهل العلم في ذلك العصر أنه إذا اتسعت الحلقة وكثر الطلاب بحيث يصعب سماع صوت الشيخ من قبل الطلاب الذين ابتعدوا عنه فإن الشيخ يقوم بوضع ما يسمي بالمستملي والمستملي سيأتي معنا أيضا حين نتكلم عن آداب المحدث وطالب الحديث لكن بعبارة مختصرة تستطيع أن نعرف المستملي بأنه المبلغ صوت الشيخ يعني مثلا مثل ما نجده من المبلغ الآن في الحرمين الذي يبلغ بعد الإمام هذا أصله قبل مجيء مكبرات الصوت كان المصلون يكثرون في المسجد فيكون الذين لا يسمعون صوت الإمام بحاجة إلي من يبلغهم صوت الإمام فوجد هذا المبلغ ، كذلك المستملي أيضا يوجد في الحلقات ليبلغ صوت الشيخ وكان هناك ترتيب معين بين الشيخ والمستملي بأن يملي الشيخ سند الحديث ثم يتوقف حتى يملي المستملي سند الحديث هذا لمن بعد ذلك والطلاب يكتبون ثم بعد ذلك يأتي دور ذكر متن الحديث ، فلما أملى شريك بن عبد الله النخعي سند حديث من الأحاديث في أثناء إملائه لهذا السند كان ثبت بن موسى الزاهد داخلا من على باب المسجد ويسمع الإسناد وهو يذكر فشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم توقف حتى يملي المستملي في هذه الأثناء التفت شريك وإذا بثابت بن موسى الزاهد مقبلا عليه وكان ثابت هذا رجل صاحب قيام ليل وصاحب العبادة ووجهه فيه نضارة فأخذ شريك يداعبه فتبسم في وجهه وقال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ، يبدوا أن(1/338)
ثابت بن موسى كان يريد حاجة من شريك قضى الحاجة ثم انصرف ، ظن ثابت بن موسى أن هذا الكلام الذي ذكره شريك هو متن الحديث الذي أملى سنده كان هو حافظ السند وحفظ هذا الكلام الذي قاله شريك فذهب يحدث فيقول حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ، والحقيقة أن متن هذا الحديث هو قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد إلي آخر الحديث ، هذا هو متن الحديث لكن لو صبر ثابت بن موسى حتى يسمع متن الحديث ولكنه انصرف بعد مداعبة شريك بن عبد الله له ، فهذا الوضع لم يكن عن عند من ثابت بن موسى الزاهد وإنما كان نتيجة الخطأ ، والحديث يحكم عليه بأنه موضوع والوضع هنا من غير قصد .(1/339)
من أسباب الوضع في الحديث الحقيقة هي أسباب كثيرة لا أستطيع أن أسردها لكن أختم بهذا السبب : الوضع بقصد الامتحان وهذا يصنعه بعض المحدثين لامتحان الراوي الذي لا يعرفون عدالته ، أو يعرفون عدالته ولكنهم يريدون أن يمتحنوا حفظه بعد أن كبر سنه ، وهذا له أمثلة عديدة أخشى يذهب علينا الوقت في ذكرها لكن لعلي أذكر حادثة واحدة وتكفينا إن شاء الله تعالي ، وذلك أن الإمام أحمد ويحيى بن معين وأحمد بن منصور الرمادي أو إبراهيم بن (كلمة غير مفهومة)الرمادي لا أدري أيهم المهم أنه الرمادي كانوا جاءو من اليمن في رحلة ذهبوا فيها لي عبد الرزاق بن همام الصنعاني وفي الطريق قال يحيى بن معين للإمام أحمد مر بنا على أبي نعيم الفضل (كلمة غير مفهومة) حتى نمتحنه هو شيخ من شيوخهم ولكن لما كبر سنه أراد يحيى بن معين أن ينظر هل هذا الرجل تغير بعد ما كبر سنه أو لا يزال متماسكا حافظا متقنا فنهاه الإمام أحمد وقال له لا تفعل قال لابد فمروا على أبي نعيم جلسوا عنده كان يحيى بن معين أعد ثلاثين حديثا لاختبار أبي نعيم سبعة وعشرون حديث من هذه الثلاثين على الصواب ما غير فيها شيئا غير ثلاثة أحاديث فقط وهي رقم عشرة ورقم عشرين ورقم ثلاثين فجعل سند رقم عشرة على متن الحديث رقم عشرين وجعل سند الحديث رقم عشرين على متن الحديث رقم ثلاثين وجعل سند الحديث رقم ثلاثين على متن الحديث رقم عشرة بهذه الصفة ابتدأ يذكر حدثنا رحمك الله عن فلان بكذا وكذا فذكر تسعة أحاديث وأبو نعيم ساكت نعم هي أحاديثه التي حدث بها الحديث العاشر قال أبو نعيم لا أعرفه فمضي يحيى بن معين بسرعة حتى لا يتنبه أبو نعيم في الحديث الحادي عشر ثم الثاني عشر وهكذا حتى وصل إلي الحديث العشرين قال لا أعرفه فمضى بسرعة من الواحد والعشرين حتى بلغ الثلاثين ففطن أبو نعيم قال لا أعرفه ثم نظر إلي الإمام أحمد فقال أما هذا فأورع من أن يصنع هذا الصنيع والتفت إلي الرمادي وقال أما هذا(1/340)
فأحقر من أن يصنع هذا الصنيع ولا أظن هذا إلا منك يا فاعل وسبه ورفثه برجله ، رفث يحيى بن معين برجله فقاموا (كلمة غير مفهومة) يحيى بن معين قد كنت نهيتك قال والله لرفثته هذه أحب من رحلتي يعني إلي اليمن لأنه اثتثبت من أن أبا نعيم لا يزال ثقة بحمد الله حتى وإن تحمل ما تحمل وهؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالي يصنعون هذا الصنيع لخدمة سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فمثل هذا الامتحان يقع لكن يشترط أهل الحديث فيه أن يبين الوضع في الحال حتى لا يغتر أحد يعني لو كان في ذلك المجلس أحد يجب على يحيى بن معين أن يبين أن هذه الأحاديث موضوعة لكن ما داموا هم الثلاثة وكل منهم يعرف أن يحيى بن معين هو الذي ركب هذه الأحاديث فليس هناك مجال للبس ، لكن لو كان هناك أحد موجود فلابد يجب وجوبا أن يبين حتى لا يغتر الناس بهذه الأحاديث التي وضعت بقصد الامتحان .
أما بالنسبة لقصة أهل (كلمة غير مفهومة) مع البخاري التي سئل عنها أخونا الشيخ محمد فهذه القصة حكيت ولكنها ليست صحيحة لأن الحافظ بن العدي يرويها عن أشياخ مجهولين (كلمة غير مفهومة) منهم وأعقبكم هؤلاء الأشياخ أيضا أخذوها عن أشياخ آخرين وهلم جرة ، فالقصة من حيث الثبوت سندها لا يثبت ومن قال إن الأشياخ متعددين لأن لفظة أشياخ تشير إلي عدد وبعضهم يقوي بعضا نقول هذا لا يلزم منه قد يجتمع عدد كلهم يكذبون وهذا حاصل وموجود في الأحاديث الموضوعة والمكذوبة أحيانا يكون لها طرق كثيرة مثل ما ذكرته سابقا حينما تكلمنا على الحديث المتواتر في حديث (كلمة غير مفهومة) وقلت له أكثر من تسعين طريقا ومع ذلك لم يثبته أهل العلم فلا يلزم من الكثرة أن يكون المتن المروي صحيحا لاحتمال أن يكون هؤلاء الكثرة إما كذابين أو نحو ذلك .(1/341)
القصة خلاصتها أن البخاري شاع أنه سيقدم إلي بغداد وكانت شهرته قد (كلمة غير مفهومة) بقوة حافظته رحمه الله فأراد أهل بغداد أن يستقبلوه استقبال أهل العلم لأهل العلم واستقبالهم ليس بالولائم والحفلات والزغاريد ونحو ذلك ولكن بأدب أهل العلم وسمتهم ، فأرادوا أن يستفيدوا منه ويختبروا حافظة البخاري هل ما يقال عنه إنه صحيح بهذه الصورة فقالوا إنهم أعدوا له مائة حديث ووزعوا هذا المائة حديث بين عشرة رواة ، وأعطوا كل واحد عشرة أحاديث ، لكن هذه العشرة أحاديث أسانيدها على متون الأحاديث التي عند الراوي (كلمة غير مفهومة) من الناس وأسانيد هذه الأحاديث اللي عند هذا الراوي (كلمة غير مفهومة) على متون أحاديث عند الراوي (كلمة غير مفهومة) طاء من الناس وهكذا إلي آخر العشرة رواة مكذوبة يعني أسانيد الأحاديث موضوعة على متون أحاديث أخري وهكذا كل المائة حديث ، فلما جلس البخاري بدأو يسألونه ، تقد الراوي الأول وألقي عليه العشرة أحاديث الأولي وكل واحد من هذه الأحاديث يقول فيه البخاري لا أعرفه فأخذ بعض الناس الذين لا يعرفون حقيقة الأمر يتسألون ويقولون هذا بخاريهم الذي يذكرونه ما عرف ولا حديثا واحدا من هذه المائة ، والذين اختلقوا هذه القصة أو رسموا هذه القصة أخذ بعضهم ينظر إلي البعض ويقولون فطن الرجل لنا فلما فرغ الأخير قال أشار إلي الأول قال أما حديثك الأول الذي قلت فيه كذا وكذا وكذا وذكر الحديث نصا فهو سند الحديث الذي عند فلا الذي قال فيه كذا وكذا وكذا فأخذ يذكر الخطأ ويرد الخطأ إلي الصواب فأخذ الناس يعجبون من قوة حافظته كيف حفظ الخطأ لأول وهلة وكيف استطاع أن يرد الخطأ إلي الصواب مع كثرة هذه الأحاديث ، هذه القصة (كلمة غير مفهومة) البخاري حافظة البخاري بلا شك أنها مضرب المثل لكن بهذه الصورة لم تثبت هذه القصة وإن كانت ذكرت في أبواب امتحان الرواة والوضع بقصد الامتحان لكنها قصة غير صحيحة .(1/342)
أما قصة يحيى بن معين فهي قصة صحيحة .
الحقيقة يعني أمامنا بعض الأمور التي تتعلق بالوضع في الحديث من جملتها ، ما حكم من يضع الحديث ؟ أقول إن الوضع في الحديث حرام بإجماع أهل العلم بل كبيرة من كبائر الذنوب ، لم يختلف في ذلك لكن حصل الاختلاف بينهم في الحكم على من كذب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمدا ، أما الذي يكذب عن غير عمد مثل ثابت بن موسى الزاهد فهذا معفو عنه ، لكن من كذب عن عمد فاختلف أهل العلم ، (كلمة غير مفهومة) بن محمد الجويني الإمام رحمه الله يرى أنه يكفر بكذبه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذهبي يميل إلي هذا الرأي لكن يبدوا أن عنده تفسير في موضع آخر سأذكره وذلك لأن الوضع في الحديث إن كان نتيجة تأول مثل ما يحصل من بعض القصاص والجهال و(كلمة غير مفهومة) وهم أحد أصناف الوضاعين وهذا أحد أسباب الوضع في الحديث أيضا وهو الوضع بقصد التقرب إلي الله جل وعلا بذلك الحديث فبعض جهلة العباد والجهال والوعاظ يرون من الغيرة على دين الله أن يكذبوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليحثوا الناس على بعض أنواع الطاعة أو يحذروهم من بعض المعاصي ، من جملة ذلك (كلمة غير مفهومة) نوح بن أبي مريم يقول إنه رأى الناس انشغلوا بفقه أبي حنيفة وبن الغازي بن إسحاق وتركوا القرآن فوضع حديثا في فضائل القرآن سورة سورة يروي هذا الحديث عن عكرمة عن بن عباس في فضل سورة الفاتحة والبقرة كل سورة من السور وضع لها فضلا عظيما فسئل قيل له هذا الحديث الذي ترويه عن عكرمة عن بن عباس من أين لك هو ؟ قال إني وجدت الناس انشغلوا بفقه أبي حنيفة و(كلمة غير مفهومة) بن إسحاق فوضعته حسبة وقربة إلي الله جل وعلا فمثل هذا الوضع جاء نتيجة تأول ، فمثل هذا يصعب علينا أن نقول إنه يكفر بهذا الصنيع ولكنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب نعم ، وعلى هذا المذهب لم يسمون الكرامية أتباع محمد الكرام هؤلاء يرون جواز الكذب على النبي ـ صلى الله(1/343)
عليه وسلم ـ لمصلحة شرعية ويقولون نحن نكذب له لا عليه ، وهذا من الجهل بلا شك ، لكن إن كان الوضع في الحديث يستشف منه سوء معتقد مثل من يضع ما يحل الحرام أو يحرم الحلال أو يشين الإسلام فهذا لا شك في كفره أما إن كان الذي يضع متأولا لهذه الصفة كمن يضع لقصد حث الناس على الخير فهذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ولا نقول إنه يكفر بصنيعه ذلك ، هذه خلاصة الحكم على الراوي الذي به هذه الصفة .
كيف نستطيع أن نعرف أن الحديث موضوع أو أن الراوي كذاب ؟
هذه نقطة مهمة قالوا نعرف ذلك إما بالدرجة الأولي بإقرار الراوي على نفسه بالوضع والكذب في الحديث مثل ما حصل أبي عصمة نوح بن أبي مريم الذي ذكرناه هذا فهذا أول الدرجات ، أول ما يمكن أن يستدل به على الكذب في الحديث وعلى أن الراوي كذاب إقرار الراوي على نفسه بالكذب ز
بعض أهل العلم كابن دقيق العيد قال ما دام هذا الراوي كذاب فلا نستطيع أن نقول إن الحديث الذي رواه حديث مكذوب لاحتمال أن يكون كذب في دعواه أيضا إنه وضع هذا الحديث فمثل هذا الكلام من بن بقيق العيد رحمه الله يقصد به أن الراوي الكذاب قد يصدق ، يعمي ما نقول إن جميع ما يرويه مائة بالمائة كله قد وضعه حتما وكذب به على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا قد يكون عنده جملة مما كذب (كلمة غير مفهومة) النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكنه قد يروي أحاديث قد رواها بالفعل هذا هو المراد ، ليس المراد أننا لا نحكم على الحديث الذي يرويه هذا الراوي بأنه موضوع لا كل الأحاديث التي يرويها الراوي الذي اقر على نفسه بالوضع بالحديث كلها نحكم عليها أنها موضوعة سواء كان وضعها حقيقة أو لم يضعه حقيقة لأننا لا نملك طريقة للتمييز بين هذه الأحاديث فالأصل أن جميع حديث مكذوب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .(1/344)
هناك قرائن أيضا ذكروها مما يستدل بها على كذب الراوي وعلى الوضع في الحديث ، هذه القرائن بعضها يتعلق بالراوي وبعضها يتعلق بالمتن المروي فالقرائن التي تتعلق براوي الحديث من جملتها مخالفة هذا الراوي لمقتضى العقل مثل ما ذكر عن أحمد بن طاهر بن حرملة أنه ذكر عن نفسه أنه رأى في السوق قردا يسوغ الذهب وإذا أراد لأن ينفخ على الكير أشار إلي الرجل فنفخ على الكير حتى يسوغ الذهب ، هذا يحدث بما لا يعقل ولذلك رماه أهل العلم بالكذب بسبب هذه الأحبار التي يحدث بها بما لا يعقل ، كذلك ذكر عن نفسه مرة أنه كان يسير وهو ظمآن فوجد برادة يعني الجرة التي فيها الماء (كلمة غير مفهومة) في دار عارية فأخذ بندقة من الأرض فقذفها على تلك الجرة فثقبها ثقبا انهدر منه الماء فوضع فمه تحت هذه الجرة حتى شرب ثم أخذ بندقة أخرى فرماها على تلك الجرة فسدت ذلك الثقب ، فمثل هذا لا يعقل ، فإذا حدث بما لا يعقل فإنه يستدل به على أنه كذاب وإلم يقر على نفسه بالوضع فهذا يتنزل منزلة الإقرار بالوضع .(1/345)
كذلك مخالفة الراوي للحقائق التاريخية مثل ما ذكر عن سهيل بن ذكوان أنه كان يحدث عن عائشة رضي الله تعالي عنها فقيل له صفها لنا فقال كانت أدماء قيل له وأين لقيتها قال لقيتها (كلمة غير مفهومة) ، فهذا يحدث بشيء يدل على كذبه لأن عائشة رضي الله عنها توفيت في سنة وثمانية وخمسين من الهجرة وفي ذلك الوقت لم تبني مدينة واصف لأن مدينة واصف بناها الحجاج بعد ذلك لقرابة عشرين سنة ، هذا دليل على أنه كذب في هذا ، كذلك أيضا عائشة لا يمكن أن يراها الرجال الأجانب كما هو واضح من عدة أحاديث فهي مأمورة رضي الله عنها بالحجاب فكيف يعرف أنها كانت أدماء رضي الله تعالي عنها ، فهناك عدة قرائن يعني لا أستطيع أن أطيل بها لانتهاء الوقت لكن من طلبها لعله يجدها في كتب المنوعات وكتب التي تتحدث عن (كلمة غير مفهومة) الموضوعة ولعله يأتي لها تفصيل إن شاء الله تعالي في كتب المطولات .
المؤلفات ذكرنا إن المؤلفات التي ألفت في الحديث الموضوع هذه ذكرناها ، ليس هناك تعقيب إلا إذا أردنا أن نقول إن بن الجوزى رحمه الله لا يسلم له في كل ما حكم عليه بالوضع أنه موضوع لأنه ذكر بعض الأحاديث التي في الصحيحين فذكر في معرفة (كلمة غير مفهومة) في صحيح مسلم فلا يسلم له بما حكم عليه بالوضع في كل الحيان لكن الغالب عن الأحاديث التي ذكرها أنها موضوعة هذا صحيح ونعم .
كما قلنا سابقا أن الحديث الموضوع هو أعلي درجات الحديث المردود يعني من حيث الرد ويعني هو أشد الأحاديث المردودة فينبغي أن يهجر ويترك ولا نجوز روايته بحال من الأحوال إلا بقصد بيان أنه حديث موضوع ، أما من يتسمح في روايته فهؤلاء الذين تسمحوا في روايته يمكن أن يلتمس لهم العذر مثل بعض أئمة التفسير أو بعض الأئمة الذين ألفوا الوعظ والرقائق والجهد ونحو ذلك يقولون أنهم يرون الحديث بسنده ومن اسند فقد أحالك يعني قد أحالك على الإسناد يقول فتش على الإسناد واكتشف هل الحديث موضوع أو لا .(1/346)
نسأل الله جل وعلا أن يعفوا عنهم لكن كان الأولى أن يبينوا أن هذا الحديث موضوع ولا يكتفون بذكر الإسناد لأن الإسناد ليس كل أحد يستطيع أن يعرف أن فيه فلان وهو كذاب ونحو ذلك .
سؤال :
هنالك من يضع الحديث في الترهيب من النار أو الترغيب في الجنة وهو حرام لكن هل جزائه كجزاء من يضعه للأسباب الدنيوية ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
لا بلا شك يعني الذي يضع لغرض من الأغراض الدنيوية هذا حقيقة لا يبعد أن يكون كافرا بوضعه ، لكن من تأول مثل من ذكرنا من الزهاد والوعاظ ونحو ذلك هؤلاء وقعوا في كبيرة من كبائر الذنوب والأمر في حقهم شديد بلا شك ولكن في حق أولئك الذين يضعون بقصد من الأغراض الدنيوية الأمر أشد لا يبعد أن يكونوا كفار بالذات إذا دل ذلك على سوء معتقد كما ذكرت .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فكنا قد تكلمنا في الدرس الماضي عن السبب الثاني من أسباب الرد وهو الرد سبب طعن في الراوي .
وذكرنا أن الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى ذكر عشرة طعون مما يطعن فيه في الراوي وذكرها على سبيل التنزل من الأشد فالأقل منه شدة وهكذا.
فأشدها هو الحديث الموضوع، وصاحبه هو الذي يرمى بالكذب فإذا رمي الراوي بالكذب فحديثه هو الموضوع وتكلمنا عن الحديث الموضوع في الحلقة الماضية وأخذ منا وقت الحلقة كله .
كان الأولى أن نطرح الأسئلة وتخرج على الشاشة لكن حسب ما وصلني من الأمر أن الأسئلة ما خرجت على الشاشة، ولا بأس بأن نذكرها في هذا اليوم لتكون الإجابة عنها وعن أسئلة الدرس في هذا اليوم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
السؤال الأول : الذي نوجهه للأخوة جميعاً، عرفنا الحديث الموضوع بتعريف فما تعريف الحديث الموضوع ؟
السؤال الثاني : ذكرنا أسباباً لوقوع الوضع في الحديث فنريد ثلاثة أسباب من أهم هذه الأسباب التي ذكرناها للوضع في الحديث ؟(1/347)
السؤال الثالث : ذكرنا أيضاً حكم الذي يضع في الحديث، فما حكم الوضع في الحديث وما الحكم على الذي يضع الحديث ؟
السؤال الرابع : نريد ذكر طريقين من الطرق التي بها نعرف وقوع الوضع في الحديث ؟
في الحلقة الماضية أيضاً كانت هناك بعض الأسئلة ومن جملتها سؤال وجه عن حديث فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ورضى الله عنها أيضاً وكان الأخ السائل ذكر أنه وجد حديثاً فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ماتت فاطمة بنت أسد ألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها فسأل عن صحة هذا الحديث ووعدته بأن آتيه بالجواب في الحلقة القادمة، فأقول بعد مطالعتي للحديث الحديث ضعيف ولا يصح .
نبدأ في درس هذا اليوم بعد القراءة .
قال المؤلف رحمه الله ( ثم الطعن إما أن يكون من كذب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو غفلته أو فسقه أو وهمه أو مخالفته أو جهالته أو بدعته أو سوء حفظه فالأول موضوع والثاني المتروك والثالث المنكر على رأي وكذا الرابع والخامس .ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل ثم، المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب )
نقول بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول عرفنا إذا أن أقوى أسباب الطعن، هي الرمي بالكذب، وحديث من هذه صفته من الرواة يسمى الموضوع وهو أشد أنواع الحديث المردود .
يليه الحديث الذي يتهم صاحبه بالكذب فهو قريب من القسم الأول ولكن القسم الأول أشد ضعفاً من هذا القسم وإن كانا جميعاً مردودين وضعفهما ضعف شديد، لكن الأول يوصف بأنه موضوع وهذا يوصف إما بأنه ضعيف جداً أو بأنه متروك فالحافظ بن حجر إذاً بدأ بالأشد ثم الأثل منه شدة، الراوي الذي يتعهم بالكذب بمعنى أنه لا يجزم بأنه كذاب وإنما يتهم مجرد تهمة.(1/348)
الأول تحققنا من أنه كذاب حتماً بلا شك ولا ريب لكن بالنسبة للثاني متهم مجرد تهمة فهو أخف من الأول نوعاً ما والتهمة بالكذب تكون بأحد أمرين :
الأمر الأول : أن يتفرد الراوي بحديث يخالف فيه قاعدة معلومة من قواعد الدين، فإذا تفرد الراوي بحديث بهذه الصفة استدل بتفرده بهذا الحديث على أنه مطعون فيه، يعني كأنه جلب البلاء على نفسه .
لا شك أن في هذا تفصيلاً عند العلماء فالراوي الذي يوصف بهذا الوصف بشرط أن لا يكون موثقاً من الأئمة أما لو كان موثقاً من الأئمة فإنهم يبحثون عن سبب آخر من الأسباب التي جعلت مثل هذا الحديث يدخل في حديث هذا الشيخ .
وفى هذا تفصيل طويل لا أطيل فيه في هذا المختصر ولكن أريد أن أحصر الكلام في نقطة معينة، وهي أن الراوي الذي يرمى بالتهمة بالكذب هو الراوي الخالي من التوثيق .
فإذا وجدنا راوياً يمكن أن نقول عنه إنه مجهول أو مجهول الحال أو نحو ذلك، وتفرد بمتن بهذه الصفة يخالف فيه قاعدة معلومة من قواعد الدين فإنه يستدل على روايته بهذا الحديث على أنه مطعون فيه، متهم بالكذب هذا إذا لم يكن هناك في الإسناد أحد غيره يتحمل تبعة هذا الحديث .
أما لو اتجه الظن إلى شخص آخر فإننا لا نستطيع أن نجزم لكن نقول إن الظن يحوم حول فلان وفلان إن كانا اسمين من تحوم حولهما شبهة أو تهمة التفرد بهذا الحديث أو اختلاط هذا الحديث .
يمكن أن أمثل بمثال على هذا بعد قليل إن شاء الله تعالى .
أما السبب الثاني الذي من أجله يوصف الراوي بأنه متهم بالكذب، فهو أن يكون كذاباً في كلامه مع الناس، لكن لم يضبط عليه الكذب في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان معروفاً بالكذب في حديثه مع الناس، فنعرف أن الكذب في هذه الحال معصية، وهذا يوجب فسقه، والفسق باب واسع.
ونحن رأينا من خلال القراءة أن الحافظ بن حجر جعل حديث مرمي بالفسق من المنكر يعني هو أقل من المتروك.(1/349)
فالأشد هو الموضوع ثم المتروك ثم المنكر، لكن نعرف أن الكذاب في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون فاسقاً، وقد يكون كافراً على ما كنا فصلناه في الدرس الماضي.
كذلك أيضاً الذي يتهم بالكذب بسبب كذبه في حديث الناس على سبيل المثال فإنه بهذه الصفة يكون قد دخل في الفسق أيضاً .
لكن سيتبين لنا إن شاء الله تعالى ما مراد الحافظ بن حجر بالفاسق الذي حديثه منكر فالفسق كما قلنا دائرة واسعة يدخل فيها الكذب والتهمة بالكذب، ويدخل فيها ما سوى ذلك مما يعد حديث صاحبه حديثاً منكراً .
فإذا هذا هو الحديث الذي يسمى متروكاً عند الحافظ بن حجر أو نستطيع أن نسميه ضعيفاً جداً أو أي عبارة تؤدي إلى هذا كباقي أو نحو ذلك، كلها يمكن أن تدخل في هذا .
فالحديث الشديد الضعف الذي لا ينجبر ضعفه بتعدد الطرق عند المحدثين قد يطلق بعدة إطلاقات لكن الحافظ بن حجر هاهنا وسم الحديث الذي بهذه الصفة بأنه متروك، يعني جعل المتروك صفة للحديث وهذا الوصف لم أجده عند غير الحافظ بن حجر ممن تقدم فهذا اجتهاد من الحافظ بن حجر وقد يكون الحافظ وقف عليه في ( كلمة غير مفهومة ) من كلام أهل العلم لم نقف عليها أو لم نستحضر ذلك لكنه إن وجد فهو قليل الاستعمال .(1/350)
ما الذي يعبر عنه أهل العلم إذاً في وصف هذا الحديث، يمكن في بعض الأحيان أن يصفوا هذا الحديث بأنه موضوع تجاوزاً منهم لأن تحديد هذه الأوصاف بالضبط بشكل لا يتداخل مع الآخر هذا لا يوجد في كلام أهل الحديث بل فيه شيء من التسمح، قد يصفون حديث هذا الراوي بأنه موضوع وقد يصفونه بأنه ضعيف على ما كنت فصلته في الحلقة الماضية حينما قلت إن الحديث الموضوع أحياناً يكون يقولون عنه إنه ضعيف بناء على أنه دخل في باب الرد وليس مقصوده أنه ضعيف ضعفاً يسيراً يمكن أن ينجبر بتعدد الطرق فنجعل هذه المسألة منا نصب أعيننا حتى لا تخلتط المسميات أو حتى لا يكون هناك شيء من التشويش علينا فالألفاظ هذه فيها سعة عند علماء الحديث .
وضح لنا إذا الفرق بين الموضوع وبين المتروك بناء على كلام الحافظ بن حجر كذلك سيتضح لنا بعد قليل حينما نتكلم عن المنكر إن شاء الله تعالى أن هناك فرقاً بين المتروك وبين المنكر لأن المنكر أقل ضعفاًَ من المتروك وإن كان أيضاً ضعفه شديداً .
أما بالنسبة للمثال الذي يمكن أن نمثل به على المتروك أو الضعيف جداً، فالأمثلة كثيرة من نظر في كتاب الكامل لابن عدي، أو الضعفاء للعقيلي أو المجروحين لابن حبان أو غيرها من الكتب فيجد أمثلة عديدة على هذا النوع الذي نتكلم عنه أضرب على ذلك مثالاً :
هناك راوي اسمه إسحاق بن إدريس الإسواري روى عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير، عن أخيه عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام - رضي الله عنهم أجمعين - أنه قال ( بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة في ليلة باردة فجئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه بعض نسائه في لحاف ) يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - مضطجع ومتلحف هو وزوجته بهذا اللحاف قال ( فأدخلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لحافه ) .(1/351)
الزبير بن العوام غريب على بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فمثل هذا اللفظ تستنكره القلوب، كيف يقبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل رجلاً غريباً معه هو وزوجته في لحاف واحد، هذا تنفر منه الطباع حتى الكفرة لا يقبلون هذا فضلاً أن يكون رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فمثل هذا ينافي قاعدة من قواعد الإسلام العظام وهي غيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الله - جلّ جلاله - نافياً عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - إقرار الخبث في أهله ? الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ?[النور:26].
فعائشة - رضي الله عنها - لم يقع منها فاحشة كما اتهمها به المنافقون في ذلك العصر ولو وقعت منها الفاحشة لما قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها ذلك .
فكونه - صلى الله عليه وسلم - يقبل بها زوجته من يتهمها بعد ذلك فهو يتهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه أقر الخبث في أهله ونسأل الله السلامة، وهذا يخرج من ملة الإسلام .
فهذا المثال يمكن أن يعطينا دلالة على دقة علماء الحديث في نقد المتون .
إسحاق بن إدريس الإسواري هذا ما وثق من إمام معتبر فلما روى مثل هذا الحديث وأحاديث أخرى منكرة حكم عليه أهل العلم بأنه متروك الحديث مجافى الحديث ما يلتفت لحديثه فهذا يمكن أن يصدق أو يكون مثالاً على ما نحن بصدده .
أما مظان وجود الحديث المنكر فنبهت على أن مظان وجوده كتب الضعبيفاء مثل ما قلت الكامل لابن عدي أو الضعفاء للعقيلي أو المجروحين لابن حبان أو غيرها من الكتب التي تجمع روايات الضعفاء وتنبه على ضعف هذه الروايات .(1/352)
الحديث المتروك أو الراوي المتروك حديثه نسميه ضعيفاً جداً أو يمكن نسميه متروكاً بناء على كلام الحافظ بن حجر، فهو شديد الضعف لا يمكن أن ينجبر ضعفه ولو جاء من ألف طريق، ما دامت الطرق مثله في الضعف أو أردأ منه فلا ينجبر ضعفه بهذه الطرق ولذلك ما قد يوجد من اجتهاد لبعض أهل العلم رحمهم الله تعالى فهو اجتهاد في محله لأن السيوطي رحمه الله انفرد دون سائر الأئمة بالقول بأن الحديث الضعيف جداً إذا كثرت طرقة كاثرة جداً يمكن أن يرتفع من كونه متروكاً أو ضعيفاً جداً إلى أن يصل إلى الضعيف، لكن هذا القول لم يتابع عليه السيوطي فهو اجتهاد منه في غير محله بل العكس هو الذي يقوله أهل العلم .
يقولون أن الحديث الذي لا يرويه إلا الضعفاء الشديدو الضعف والمتهمين بالكذب والوضاعون ولا يرد هذا الحديث من طريق أناس ثقات أو على الأقل أناس يمكن أن تمشى رواياتهم كمن ضعفه يسير فهذا الحديث كثرة طرقة لا تزيده إلا وهما يعني ضعفاً لماذا؟
قالوا لأن هذا يدل على أن هؤلاء الضعفاء قد اجتمعوا واتفقوا على اختلاق هذا الحديث وهذا يدل على أن هناك أمراًً ما قد حدث لتمرير هذا الحديث على الأمة الإسلامية.
فهم يستدلون بكثرة الطرق على زيادة ضعف الحديث وليس على الرقي به إلى أن يصل إلى الحديث الذي ضعفه ضعف يسير .
هذا بالنسبة لهذا الحديث المتروك ونتكلم عن الحديث المنكر ونتيح لكم الفرصة إن كان لكم أي سؤال على هذا، لأن الكلام عن الحديث المنكر تقدم معنا فنحن فقط مجرد تأكيد وتمشياً مع كلام الحافظ بن حجر حينما أورد الحديث المنكر في هذا الموطن مع أنه سبق الكلام عليه كما تقدم معنا سابقاً .
عرفنا من خلال ما سبق أن الحديث المنكر له تعريفان :
التعريف الأول : من يتفرد به من لا يحتمل تفرده، نحن أطلقنا هذه العبارة فيما سبق ولم نفصل من هو الراوي الذي لا يحتمل تفرده، لكن هنا فصل الحافظ بن حجر من الراوي الذي لا يحتمل تفرده ؟(1/353)
فقال هو من فحش غلطه، أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه .
هؤلاء الرواة الثلاثة الذين يوصفون بهذا الوصف يقال لحديث الواحد منهم إنه حديث منكر.
من فحش غلطه وكثرت غفلته وظهر فسقه .
فحش غلطه يعني كثر غلطه، ما الضابط في هذا قالوا أن يكون غلطه أكثر من إصابته، يعني إذا كان يروي على سبيل المثال مائة حديث وجدناه أخطأ في سبعين حديثاً فهذا هو الراوي الذي قال عن روايته إنها رواية منكرة، لأن جانب الخطأ عنده أكثر من جانب الإصابة .
ومن ظهرت غفلته قالوا هو الراوي الخالي عن الإتقان ونحن عرفنا حين نتكلم عن العدالة أن العدالة يشترط فيها شروط :
أن يكون الراوي مسلماً بالغاً عاقلاً، فالعاقل هذا شرط من شروط العدالة عند أهل الحديث العقل ينافي الجنون هذا بالدرجة الأولى بلا شك لكن أيضاً مما ينافي العقل أن يكون هناك غفلة في الراوي، والراوي المغفل قد لا يكون ملتحقاً بالمجانين ولكن فيه كما يقال سلامة صدر تجعل بعض الكذابين أو بعض المجروحين أو بعض الزنادقة يمكن أن يمرر أحاديث عن طريق هذا الراوي لأنه لو رواه هو ذلك المجروح لانكشف أمره، فيأتي لبعض هؤلاء وعلى وجه الخصوص من يمكن أن يتسموا بالعبادة والصلاح.
ولذلك أكثر ما يقع من الوهم في رواية أولئك الذين يتسمون بالزهد والصلاح مع عدم وجود الإتقان والحفظ فهؤلاء تمرر أحاديث منكرة باطلة أحياناً تقدح في الإسلام عن طريقهم وهم لا يشعرون، بسبب هذه الغفلة التي نتحدث عنها .
فإذا المغفل عند أهل الحديث حديثه، يعد حديثاً منكراً غير مقبول، والغفلة من أنواع الجرح في العدالة وربما كانت ملتحقة بالضبط في بعض الأحيان لكن إذا ربطناها بقضية العقل فإنها تعد منافية لأنه يشترط في العدل أن يكون عاقلاً بما تحمله هذه الكلمة من معنى.(1/354)
النوع الثاني أو التعريف الثاني للحديث المنكر : قيدناه بالمخالفة، فهو رواية الضعيف مخالفاً من هو أولى منه، ممكن أن يكون فيه ضعف يسير ولكنه أحسن منه حالاً وقد يكون رواياً حسن الحديث وقد يكون ثقة من الثقات فإذا خالف الضعيف من هو أولى منه فحديثه بقيد المخالفة يقال له أيضاً المنكر، وعرفنا سابقاًً أن علماء الحديث كابن الصلاح فمن جاء بعده يختارون هذا التعريف وهو بقيد المخالفة، ولكنهم ذكروا التعريف الأول .
وقالوا إن علماء الحديث يطلقون المنكر على ما يتفرد به من لا يحتمل تفرده من هو الراوي الذي قلنا عنه أنه فحش غلطه أو ظهرت غفلته أو كثر فسقه، هذا الراوي هو الذي لا يحتمل تفرده في الحديث.
فنحن نقول إنه على النوعين كلاهما أو على التعريفين كليهما فالحديث الذي بهذه الصفة يقال له حديثاً منكر، يعني سواء تفرد به من لا يحتمل تفرده، أو مع وجود المخالفة من قبل هذا الذي لا يحتمل تفرده أو من في حكمه من الراوة كالضعيف ونحو ذلك فكل هؤلاء يقال لحديثهم المنكر سواء خالف أو لم يخالف، يعني إن تفرد بلا مخالفة أو خالف فكل حديثه يقال له المنكر .
المنكر من أنواع الحديث الضعيف جداً، بمعنى أنه لا ينجبر ضعفه بتعدد الطرق لكن في بعض الأحيان قد تطلق هذه العبارة لفظة منكر من قبل بعض الأئمة على أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيحين، والسبب أن ذلك الإمام اجتهد فرأى أن هذا الراوي تفرد بهذا الحديث وأنه لا يحتمل تفرده بهذا الحديث فأطلق علي الحديث وصف النكارة، وخالفه أئمة آخرون كصاحبي الصحيح، فهذا الاختلاف الجاري بين الأئمة لا نجعله مؤثراً على هذا التقعيد الذي نذكره .
نحن الآن في مرحلة تقعيد أما التطبيق والخلاف ومناقشة هذه القضايا بتوسع، فهذه موضعها في كتب المطولات أو في حال تخريج الحديث ومناقشة أحكام الأئمة .(1/355)
فنحن الآن في مرحلة البداية، نحتاج فقط للتقعيد الذي يصلب به عودنا ونقوى بإذن الله بعد ذلك على تحمل المعلومات الإضافية على هذا الموسعة فنكتفي فقط بهذا التقعيد وندع التفصيل والخلاف لموضعه فيما بعد إن شاء الله تعالى .
عرفنا أيضا فيما سبق أن مقابل المنكر هو المعروف وهذا لفظ معروف جداً ? يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ? والذي يقابل المنكر هو المعروف فالحديث الذي حكمنا عليه بأنه منكر بسبب مخالفة الراوي لمن هو أولى منه .
إذاً هناك حديث مقابل له، فالحديث الذي يرويه هذا الضعيف نقول عنه إنه منكر والحديث الذي أرجح منه وأولى منه نقول عنه إنه معروف وهو مقابل لهذا الحديث .
نكون بهذا قد انتهينا من الكلام عن الحديث المنكر والسبب أني ما توسعت فيه أننا سبق أن تكلمنا عنه سابقاً مع العلم أن هذا أيضاً يعد إعادة لما كنا أخذناه سابقاً وأترك الفرصة الآن لبعض الأسئلة لنواصل بعد ذلك في بعض أنواع علوم الحديث الأخرى .
إذا كان الحديث ضعيف ( كلام غير مفهوم ) ؟
السؤال هذا جيد يعني ما دام أن هذه الأحاديث لا يستفاد منها في تقوية الحديث فلماذا قسمناها هذه القسمة؟ ولماذا تدرجنا بها هذا التدرج ؟
فقلنا أن الموضوع هو أشدها ثم الضعيف جداً يليه ثم المنكر هو دون ذلك وهو من الضعيف جداً، أقول هذا التدرج، الذي بهذه الصفة نستفيد منه في حال إعذار الأئمة الذين يرون الحديث الضعيف، أو يعملون بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال كما كنا أشرنا إليه في مرة ماضية .
فهناك سؤال طرح عن العامل بالحديث في فضائل الأعمال هل يمكن وهل له شروط وذكرت أن له شروطاً :
أول شروط هذا الحديث الضعيف أن لا يكون ضعفه شديداً وأن يكون في فضائل الأعمال وأن يندرج تحت أصل معمول به وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته.(1/356)
فاشترطوا له هذه الشروط الأربعة لكن من أهمها أن لا يكون ضعف الحديث شديداً، لكن شدة الضعف أحياناً تختلف فيها وجهات نظر أهل العلم .
أما بالنسبة للحديث الموضوع فهذا لا يختلفون فيه على أنه لا تجوز روايته بحال.
أما بالنسبة لما دونه مثل المتروك أو الضعيف جداً أو المنكر فقد تختلف فيه وجهات نظر أهل العلم ولذلك مسند الإمام أحمد على سبيل ما تكلم العلماء عن وجود الحديث الضعيف جداً فيه، لماذا يورد الإمام أحمد الضعيف جداً في المسند؟
قالوا لأن الإمام أحمد ما اشترط الصحة في كتابه لكن ناقشوا قضية وجود الموضوع في المسند، لماذا يخرج الإمام أحمد الأحاديث الموضوعة في المسند ؟
هذه هي التي أزعجت أهل العلم، وبدأوا يتكلمون عن هذه القضية وتصدى الحافظ بن حجر لهذه التهمة فألف كتابه القول المسدد في ذب عن مسند الإمام أحمد .
فنفى أن يكون في المسند حديثاً موضوعاً، فهذا السبب الذي من أجله تكون هذه القسمة .
ذكرت شيخنا أن بعض العلماء قد يطلق على الحديث أنه منكر مع أنه موجود في الصحيحين وذكرتم بأن هذا الراوي يرى أنها منكر كالإمام البخاري ومسلم أصحاب الصحيح ( كلمة غير مفهومة ) صحته لكن يا شيخ ما تكون فيه أسباب أخرى لإطلاق العلماء على الحديث أنه منكر غير هذا الشيء، يعني أنه منكر في لفظه أو منكر في أمر آخر، يعني هل فقط إذا تعارض الحديث أنه هنا منكر وهنا صحيح لأنه أحد أنكره ولأن أصحاب الصحيح صححوه أم أن هناك أسباب أخرى ؟
حينما قلنا أن هناك بعض الأحاديث التي في الصحيحين قد يسمها بعض أهل العلم بالمنكر السبب أن هناك توسعاً عند بعض أهل العلم في قضية التفرد، وهذه سبق أن أشرت إليها وقلت أن أبا حاتم الرازي والبرديهي يتوسعون في قضية التفرد فربما وصفوا الأحاديث الصحيحة بأنها منكرة بسبب تفرد بعض الراوة بها.(1/357)
والراوي الذي يتفرد يكون ثقة فلا نفهم من لفظة المنكر عند أبي حاتم وعند البرديهي وأمثالهم من أهل العلم ما نفهمه من هذا التقعيد الذي ذكرناه، يعني هم لا يطلقون وصف النكارة فقط على الراوي الذي فحش غلطه وكثرة غفلته وظهر فسقه، لا، يطلقون أحياناً على الراوي الذي وثق أيضاً إذا تفرد بحديث يرون أن تفرده في هذه الحال غير مقبول ويسمون حديثه بهذا الوسم، أو يصفونه بهذا الوصف، فيقولون عنه أنه منكر .
فهذا اصطلاح خاص بهؤلاء العلماء يخالفهم الأئمة الآخرون فيه ويقولون هذا حديث صحيح توفرت فيه شروط الصحة ( كلمة غير مفهومة ) هؤلاء الأئمة ويخرجونه في الصحيح فالسبب الذي من أجله نبهت على هذا حتى لا يشوش هذا علينا يعني يمكن أن يأتينا آت أو يسألنا سائل، أو ربما إنسان مغرض، فيقول : كيف تقولون عن الحديث المنكر أنه ضعيف جداً وهو بهذه الصفة وهناك أحاديث في الصحيحين يعني حكم عليها بأنها منكرة وأنتم تقولون إن الصحيحين قد جاوزت القنطرة وأن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول إلى غير ما هنالك؟
ففصلنا في هذا وقلنا إن أحاديث كثيرة خالفهم فيها بعض الأئمة الحفاظ وهذه الأحاديث قد يكون الحق في جانب صاحبي الصحيح وقد يكون في جانب الإمام الآخر كهذه الأحاديث التى خولفوا فيها مستثناه من هذا الإطلاق الذي نذكره .
لكن الأحاديث التي لم يعلها الأئمة هي التى نقول إن الأمة تلقتها بالقبول .
يا شيخ هناك عبارة للإمام الذهبي يقول تفرد ( كلمة غير مفهومة ) يعد منكراً، فنجد بعض الأخوة المحققين في هذا العصر دائما يتكئون على هذه العبارة فكلما أتوا إلى حديث الصدوق يقولوا هذا تفرد وهذا منكر ويردون الحديث، فما هو الضابط في فهم هذه العبارة ؟
الضابط في فهم هذه العبارة أن الصدوق بحسب اصطلاح من أطلق هذا الوصف عليه فإذا كان أطلق هذا الوصف عليه إمام من الأئمة يصطلح في نفسه على أن الصدوق مقبول الحديث فهذا لا يصف حديثه بأنه منكر .(1/358)
هذا الإمام يخالفه إمام آخر يرى أن هذا الراوي ليس بهذه المرتبة يراه فحش غلطه مثلاً أو ظهرت غفلته، أو سيء الحفظ أو نحو ذلك، فوصف حديثه بأنه منكر فهذا بسبب اختلاف الأئمة في الحكم على الراوي.
أما أن يكونوا يحكمون على رجل بأنه صدوق ويقولون إن حديث الصدوق مقبول ثم يختلفون في هذه الصفة فلا فالحافظ الذهب رحمه الله جاء بعد أن استقرت أقوال أئمة الجرح والتعديل فهو يأتي لأقوالهم ويأخذ خلاصتها ( كلمة غير مفهومة ) هذه الأقوال فيعبر بهذا التعبير يقول عن هذا الراوي إنه صدوق لكن ربما وجد كلام بعض الأئمة يقولون عن هذا الراوي الصدوق إنه منكر الحديث.
كمحمد بن إسحاق على سبيل المثال الحافظ الذهبي قال في ميزان الاعتدال أنه ما يتفرد به إسحاق يعده الأئمة منكراً، ليس كل الأئمة يعدونه منكراً، يعده مثل الإمام أحمد ومثل ذلك والإمام أحمد أحياناً يفصل، وذكرت لكم سابقاً حديث طاهرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نضح الثوب من المذي إذا أصابه وأن الإمام أحمد تردد في رواية ابن إسحاق في هذه الحال فمرة قبلها ومرة ردها ومرة توقف، وهذا يدل على حساسية مثل هذا الموضوع .
على كل حال أنا لا أريد مثل هذه الأمور أن تكون عائقاً في طريقنا في التلقي من البداية كما قلت مثل هذه المناقشات يعني لو ذهبت للتفصيل فيها يزداد التشويش على الناس المبتدئين الذين لا يستطيعون تلقي هذا العلم جملة، فلابد من التدرج شيئاً فشيئاً فنأخذ هذه القواعد المبسطة وبعد ذلك إن شاء الله تأتي المرحلة الأوسع منها بإذن الله .
ذكرتم أن مقابل المنكر المعروف فهل يفهم من هذا أن المنكر شيء ضعف أنه يقابل المعروف ( كلام غير مفهوم ) ؟
سؤال جيد، يعني هل يلزم من وصف الحديث المقابل للمنكر بأنه معروف أن يكون صحيحاً ؟(1/359)
لا ، لا يلزم أن يكون صحيحاً لأنه في بعض الأحيان على سبيل المثال يكون هناك اختلاف بين الرواة، فالضعيف يروي الحديث موصولاً، يعني يكون الإسناد متصلاً، بينما الثقات يروونه مرسلا، والمرسل عرفنا أنه من أنواع الحديث الضعيف بسبب انقطاع في الإسناد.
فيقول الأئمة على الحديث المرسل أنه المعروف، قصدهم أن الراوي الذي وصل أخطأ، والمعروف أي والصواب أن هذا الحديث مرسل هذا مقصودهم، فإذاً لا يلزم من وصفهم الحديث بأنه معروف أن يكون صحيحاً هذه نقطة مهمة يجب التنبه لها .
بالنسبة لتعريف الحديث المتروك هل يمكن أن نقول هو الحديث المختلط المسموع المكذوب المنسوب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن الضعف فيه أقل من الحديث الموضوع أو للحديث المتروك تعريف آخر ؟
يعني إذا قلنا إن الحديث المتروك هو رواية الراوي أو تفرد الراوي المتهم بالكذب بحديث من الأحاديث يطلق على حديثه بأنه متروك هذا يكفينا في التعريف، وكما قلت لكم يعني وصف المتروك ما كان عند الحافظ بن حجر فيما اطلعت عليه فالمهم أن المتروك بهذه الصفة قريب من الموضوع ولكنه أقل منه نوعاً ما، يعني التهمة بالكذب والرمي بالكذب قريب بعضها من بعض .
ننتقل الآن إلى النوع الثالث من الأنواع التى تكلم عنها الحافظ بن حجر فيما يتعلق بوهم الراوين فالراوي الذي يهم حديثه يقال له المعلول أو المعل .
هذا الحديث الذي بهذه الصفة أشرنا حينما تكلمنا عن شروط الحديث الصحيح إليه وقلنا إنه سيأتي معنا إن شاء الله تعالى، فهذا موطن التفصيل فيه والتفصيل فيه أيضاً لو أردنا أن نسرد فيه يأخذ منا قدراً أكبر مما أخذ مما أخذ الحديث الموضوع .(1/360)
وبالمناسبة في الحديث الموضوع أنا اختصرت الكلام فيه اختصاراً أيضاً وإلا يكفينا في معرفة أن الحديث الموضوع يحتاج إلى طول أنه هناك رسالة علمية وأظنها رسالة دكتوراه في الحديث الموضوع فقط وتقع في ثلاثة مجلدات للدكتور عمر فلاته وأنصح بقراءة هذه الرسالة لمن أراد أن يتوسع في معرفة الحديث الموضوع والكلام فيه بإسهاب .
فنحن نختصر الكلام اختصاراً كذلك أيضاً الحديث المعلول أو المعل، الكلام فيه يحتاج إلى طول ولا نستطيع أن نأتي عليه في هذا الاختصار ولذلك سنجمع القول فيه ونضغطه ضغطاً إن شاء الله تعالى ، يفي بالغرض .
فنقول أولاً في تعريف الحديث المعلول: إنه الحديث الذي اطلع فيه بعد التفتيش على علة قادحة تمنع من قبوله، مع أن ظاهره السلامة من هذه العلة .
هذا التعريف نستطع أن نستخلص منه تعريف العلة أيضاًَ، فما هي العلة ؟
قالوا العلة سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث، فإذا لابد لها عند العلماء من شرطين الشرط الأول الغموض والخفاء .
والشرط الثاني : أن تقدح في صحة الحديث .
نجد أن هذا الكلام يحتاج إلى بعض التنبيهات التي أوجزها أيضاً .
فحينما قلت الحديث المعلول أخشى أن يأتي معترض ويقول إن الأئمة وهنوا هذا الإطلاق من حيث اللغة فبعضهم يقول إنه لا يجوز أن يقال عن الحديث الذي بهذه الصفة معلول بل معل، وبعضهم يقول معللاً .
والخلاصة أنه يجوز أن يقال عن الحديث الذي بهذه الصفة إنه معلول، لكن تفصيل هذا أوجزه بالآتي :
فهم يرون أن أصل هذه اللفظة معلة، وهذا رباعي، يقولون والرباعي لا يأتي على هذا الوزن فلا يقال له معلول، هذا خطأ في اللغة ولذلك عده الحريري خطأً وابن سيده يعني توقف فيه أو مال إلى تخطئته لكن لم يجزم بذلك فقال إنه ليس منه على تلج يعني ما يطمئن إليه قلبه.(1/361)
ابن الصلاح قال إنه مرذول عند أهل العربية يعني إطلاق معلول على الحديث الذي بهذه الصفة ولذلك اختار معلل النووي رحمه الله جزم بتخطئته لكن جاء بعض أهل العلم الذين نبهوا على هذا مثل الزركشي رحمه الله في نكته وبين أن هذا اللفظ صحيح ولكنه قليل الاستعمال.
لكن عند أهل العروض في أبواب الزحفات الأوزان العروضية يحكمون على البيت الذي فيه شيء من الخطأ يقولون عنه إنه معلول .
الأصوليون يقلون عن العلة التي في الأصول يقولون عن حكم ما إنه حكم معلول ونحو ذلك فاستخدام هذه اللفظة موجود عند العلماء بل الإمام الشافعي من الأئمة الذين يحتج بهم في اللغة وقد وردت عنه هذه اللفظة .
فنقول إن استخدام المحدثين لها استخدام صحيح وإن كان قليلاً في اللغة واستخدامهم له من الفعل الثلاثة عل وليس من الرباعي أعل .
وعلّ مثل جنّ فجن نقول عنه مجنون كذلك علّ نقول عنه معلول وهكذا .
فهو سائر في اللغة إن شاء الله تعالى ولا حرج في ذلك وقد استخدمه بعض أهل اللغة كابن هشام وغيره والاستخدامات موجودة من طلبها في كتب اللغة فإنه سيجدها .
التنبيه الثاني حينما قال الأئمة عن العلة إنها سبب غامض خفي .
هم يقسمون العلة إلى قسمين :
فعلة ظاهرة وعلة خفية .
فالعلة الظاهرة مثل ما قلنا على سبيل المثال في أقسام الأربعة من أقسام السقط في الإسناد إنها ظاهرة جلية يدركها كل أحد، فالمعلق والمرسل والمنقطع والمعضل، السقط جلي ظاهر يدركه كل أحد لكن بالنسبة للمدلس والمرسل الخفي هذا لا هذا من أنواع السقط الخفي الذي قد لا يدركه إلا الأئمة الجهابذة النقاد.
فإذاً هو يدخل في العلة وكلما اشتد خفاؤه دخل في موضوع العلة في الحديث .
فإذا ما يمكن أن يعل به الإسناد ظاهراً قد يطلق عليه أئمة الحديث أنه حديث معلول ولكن لا يقصدون العلة الاصطلاحية التي نتكلم عنها.(1/362)
فإذا هذا الإطلاق فيه سعة أيضاً ولكن إذا أطلق من قبل أهل الحديث ففي الغالب أنهم يقصدون العلة الخفية التى لا تدرك إلا من خلال كلام الأئمة الجهابذة النقاد الذين يكشفون هذه العلة ويبينونها للناس وإلا فإنه ليس بمقدر كل أحد أن يكتشف تلك العلة القاطعة في الإسناد.
كذلك حينما اشترطوا أن تقدح في صحة الحديث هذا الكلام فيه تفصيل بودي أن أتركه للمطولات لكن مع التنبيه أن قضية القدح في صحة الحديث ينبغي أن نأخذها بهذه الصفة ولا نخوض في تأويلها ذلك الخوض الذي يدفعنا إلى تناولها بما هو موجود في كتب المطولات، فدعونا نمشى معها وإلا عليها تحقق، يعني إن كتب الله - جلّ جلاله - أن تستمرون في سماع الشرح المطول ستجدون فيه تفصيلاً يبين ما المقصود بالقدح في صحة الحديث .
فنحن الآن في مرحلة البداية فدعونا نسلم بهذا الكلام ولا نخوض فيه الخوض الذي يدفعنا للدخول في المطولات، لأني لو دخلت فيه يمكن أن يأخذ مني وقتاً طويلاً على حساب هذه المادة والوقت داهمنا ونخشى من التطويل .
ونحن كما قلت في مرحلة البداية لا حرج أن نأخذ هذه العبارات ونعرف أن هذه النقطة فيها تفصيل وهذا يكفينا فقط .
العلة في الحديث ربما وقت في الإسناد وربما وقعت في المتن فلذلك نستطيع أن نقسم العلة إلى قسمين :
فنقول علة في الإسناد وعلة في المتن، أكثر ما تقع العلة تقع في الإسناد، لأنها هي الأكثر والأشهر في كتب الحديث، لكن ليس معنى هذا أنها تقع في المتن، تقع في المتن وما سيأتي معنا بل بعض ما تقدم كله من أنواع العلل المتنية، فحينما تكلمنا في السابق على الحديث الشاذ قلنا أن الشذوذ يقع في المتن أيضاًَ بلفظة يشير بها أحد الرواة هذا من أنواع العلة في الحديث وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى الكلام عن المدرج والمقلوب والمصحف ونحو ذلك كل هذا من أنواع العلل المتنية .
كذلك المضطرب وغير ذلك .(1/363)
النسخ، سماه الترمذي علة على ما كنا فصلنا في السابق في موضوع النسخ الترمذي سماه علة أيضاً فكأنما هم يتوسعون في مفهوم العلة بأنه كل ما يراد به الحديث وإن كانت قد
تحصر في العلة الاصطلاحية التي قد تتسم بالغموض والخفاء كما قلت .
العلة هناك صعوبة في إدراكها فلا يدركها كل أحد، أكثر من يدرك العلة هم الجهابذة النقاد الذين طالت أعمارهم في معاناة الأسانيد وفى التفتيش في أحوال الرواة وأعطاهم الله - جلّ جلاله - أيضاً فهما ثاقباً، واستنارت عقولهم بنور الله فبصرهم الله - جلّ جلاله - بهذه العلل ولذلك نجد بعض الأحاديث تشكل علتها على بعض الأئمة وهم جهابذة نقاد، ويلهم الله - جلّ جلاله - هذه العلة لأئمة آخرين، فيكتشفونها فموضوع العلة في الحديث موضوع شائك جداً بل هو أصعب أنواع علوم الحديث .
ولذلك يظن بعضهم أنه قد يكون من قبيل السحر والكهانة، لأن بعض الأئمة إذا ما أوردت عليه الحديث قال لك هذا حديث باطل، أو هذا حديث منكر، أو نحو ذلك، لكن لم يبين .
وأضرب على هذا مثالاً لأبي حاتم الرازي رحمه الله جاءه رجل وأطلع عليه بعض الأحاديث، فأخذ يقول هذا باطل هذا منكر هذا مكذوب وهكذا .
فقال له الرجل من أين علمت أن هذا باطل وهذا منكر ؟ هل اطلعت على كتابي ؟ قال لا غير أني هكذا أقول .
قال كيف عرفت ؟ ترمي بالغيب، قال ليس هذا رجماً بالغيب .
قال إذا كيف عرفت ؟ قال حتى تعرف كيف عرفت اذهب إلى أبي زرعة أو ابن وارة وألقي عليه هذه الأحاديث التي ألقيتها عليّ .
فذهب إلى أبي زرعة فألقى عليه هذه الأحاديث فما قال عنه أبو حاتم منكر قال عنه أبو زرعة باطل ونحو ذلك .
فجاءه الرجل قال أشهد بالله أن هذا إلهام .
لكن هو قال عن هذا الحديث الذي قلت عنه إنه منكر قال باطل، قال المنكر والباطل بمعنى واحد، وساوى أبو حاتم بينهما .
فالرجل بعد أن سمع من هذا وسمع من هذا ووجد أحكامهم شبه متفقه قال أشهد بالله أن هذا إلهام .(1/364)
وفعلاً هو إلهام لكنه مبني على أسس، لا نقول إنه مثل السحر والكهانة فقط هؤلاء يعني مثل الوحي ينقدح في أذهانهم، نعم تنقضي العلة في أذهانهم لكنها مبنية على أسس وليست من هذه الدرب الذي قد يفهمه بعض الناس بأنه شبيه بالسحر والكهانة .
ما هي هذه الأسس؟ أن كل راوي من الراوة عندهم له أو عندهم عنه معلومات جمة يعرفون أسماءه، ونسبته كاملة إلى آخر نسب يعرفون أولاده، يعرفون أوطانه التي تنقل فيها يعرفون رحلاته يعرفون شيوخه، يعرفون تلاميذه، يعرفون أشياء كثيرة عن حياته هذه الأشياء متضافرة هي جزء واحد فقط من أجزاء معرفة العلة، يعرفون الأحاديث يعني تجد الواحد منهم يحفظ الأحاديث الموضوعة والباطلة وقد تستغرب وتقول لماذا يحفظ الأحايدث الموضوعة ؟ مثل ما رأى الإمام أحمد يحي بن معين وهما في اليمن يحتفظ صحيفة أبان بن أبي عياش عن أنس .
قال الإمام أحمد ما تصنع بصحيفة أبان بن أبي عياش قال حتى لا يأتي أحد ويقول معمر عن ثابت عن أنس، يعني يركب لها إسناداًَ آخر، لو ركب لها إسناداً آخر وأنا أعرف هذا الحديث، أرجع هذا الحديث لأصله وأكتشف علته وفعلاً كان من أقوى المعين لهم على اكتشاف العلل في الأحاديث أن يكونوا يحفظون الأحاديث الموضوعة والباطلة والمنكرة بل إضافة لحفظهم للصحيح .
فالشاهد أن حياتهم مليئة بالعجائب، من نظر فيها وأدمن النظر عرف أن هؤلاء الأئمة لم يحكموا بهذه الأحكام جزافاً وليس من قبيل السحر ولا الكهانة، ولكنه علم آتاهم الله - جلّ جلاله - إياه بأسباب بذلوها رحمة الله تعالى عليهم .
ما الطرق والوسائل التي ندرك بها العلة، هناك بعض الوسائل التي تدرك بها العلة من جملة ذلك تفرد الراوي، فتفرد الراوي بحديث وهو راوٍ لا يحتمل تفرده هذا تدرك به العلة .
من جملة ذلك أيضاً المخالفة مخالفة الراوي للرواة الثقاة فهذا أيضاً يعين .(1/365)
من الأشياء التي نستطيع من خلالها أن نعرف العلة جميع الطرق، فإذا أردت أن تعرف علة حديث ما فاجمع طرقه واجتهد في تخريجه تخريجاً موسعاً فإذا اجتمعت عندك طرق الحديث إما أن تكون هذه الطرق ملتئمة ليس، فهذا دليل على أن هذا الحديث على هذا الوجه الذي خرجته منه .
وإن وجدت هذه الطرق تختلف بعضها يروى مرسلاً وبعضها يروى موصولاً، وبعضها يروى موقوفاً وبعضها يروى مرفوعاً وهكذا، تعرف أن هذا الحديث له علة فحاول أن تجري على طريقة أهل الحديث في الموازنة بين هذه الطرق واختيار الطريق الصحيحة هذا له طرق وأساليب، إن شاء الله تعالى من تمرس في هذا العلم وتابع سواء معنا أو بعد ذلك من خلال قراءته من خلال مطالعته من خلال حفظه سيتضح له بإذن الله تعالى بعد ذلك أن هناك أبواب واسعة لهذا العلم يستطيع أن يلج منها في معرفة الطرق الصحيحة والراجحة وترك الطرق المعلولة.
على كل حال هذه فقط مجرد إشارات تضيء لنا فيما بعد الطريق.
أما الأمثلة للأحاديث المعلولة فالأمثلة كثيرة كتب العلل مليئة بها من نظر في كتب العلل سيجد أمثلة كثيرة لها وسبق أن أوردنا بعض الأمثلة في مرات سابقة، فلو أردنا أن نأتي بمثال واحد على الأقل، مثال أنا يعجبني وأكرره دوما وهو حديث رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن بقية بن الوليد، عن أبي وهب الأسدي، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقبة رأيه ) .
هذا الحديث سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم أباه عنه فقال هذا الحديث له علة، ما هي هذه العلة ؟
قال هذا حديث إسحاق بن أبي فروة، أين إسحاق ؟ ليس في الإسناد، إسحاق بن أبي فروة متروك يعني حديثه ضعيف جداً هالك، لكن إسحاق بن أبي فروة ليس له وجود في الإسناد، قال إن بقية بن الوليد هذا تصرف التصرف الآتي :
ما هو ؟ قال بقية يروي الحديث عن عبيد الله بن عمر الرقي عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر .(1/366)
فذهب وأسقط هذا الراوي المتروك من الإسناد فدلس كما كنا أخذنا في موضوع الحديث المدلس، أسقط راوياً بين راويين ثقتان، لكن هذا يسمى تدليس ماذا ؟ تدليس التسوية، لأنه صرح هو بالتحديث عن شيخه، فقال حدثنا أبو وهب الأسدي فإذا لم يسقط راوياً بينه وبين شيخه لكن أسقط رواياً بينه وبين شيخ شيخه وهو إسحاق بن فروة هذا المتروك .
لكن الناظر في هذا الإسناد ستنكشف له علته نحن قلنا إن السقط في الإسناد ينقسم إلى قسمين، سقط جلي وسقط خفي، فهذا سيكون سقطاً جلياً يدركه كل أحد لأن عبيد الله بن عمر الرقي ما أدرك نافع فهناك انقطاع بينهما سيدركه كل أحد فحتى يعمّي بقية بن نافع هذه العلة ذهب إلى عبيد الله بن عمر الرقي وكناه ونسبه بما لا يعرف به فدخل في أي شيء ؟ ظ
في تدليس الشيوخ، فجمع إذاً بين تدليس التسوية وبين تدليس الشيوخ، فقال حدثنا أبو وهب الأسدي .
إذاً يمكن لكل أحد أن يعرف أن أبا وهب الأسدي هذا هو عبيد الله بن عمر الرقي، ما يعرفون كنيته ما يعرفون نسبته، قالوا لا، الرجل مشهور بعبيد الله بن عمر الرقي لم يشتهر بهذه الكنيه، يمكن تكون كنيته التي اشتهر بها غير هذه الكنيه، ولم يشتهر بهذه النسبه، هو مشهور بالنسبة إلى الرقة بلدته، فاشتهر بهذه النسبة الرقي .
فهو ذهب ينسبه لقبيلته التي لم يشتهر بها وذهب يكنيه بأحد أولاده الصغار الذين لم يعرفوا بهم تسووا هذا الإسناد، يعني جعل هذا الإسناد يمكن أن ينطلي على الناظر فيه الذي لا يعرف علته .
لكن هذا الإمام أبو حاتم الرازي، كيف عرف هذه العلة بهذه المعلومات التي أشرت لكم إلى بعضها، فهو يعرف عبيد الله بن عمر الرقي هذا، أنه من شيوخ بقية، هذا شيء وأنه ينتسب إلى بني أسد وأن أحد أبناءه يقال له وهب، الملف عنده جاهز يعني، يستخرج المعلومات منه مباشرة في هذه الذاكرة التي منحه الله - جلّ جلاله - إياها .(1/367)
يحفظ أيضاً كذلك هذا الحديث الباطل، هو يحفظ في الأصل ويعرف أنه مما تفرد به إسحاق بن أبي فروة فلما ألقى هذا السؤال عليه ابنه، أين إسحاق بن أبي فروة ؟ فاتضحت له علة هذا الحديث، فعرف أيضاً إن إسحاق بن أبي فروة من شيوخ عبيد الله بن عمر الرقي، ومن الراوة عن نافع، فالمعلومات هذه متضافرة جعلت هذه العلة ما تنطلقي على أبي حاتم الرازي، لكن لو جاء أحد آخر، ما يكتشف هذه العلة، وهو ليست عنده هذه الآلية التي عند أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى .
العلة في الحديث صنف فيها أئمة كثر بسبب أهمية هذا الموضوع، من أشهر من صنف الإمام علي بن المديني رحمه الله، له فيه مصنفات لكن للأسف فقدت هذه المصنفات ولم يصلنا إلا قطعة يسيرة من بعض مصنفاته، مطبوعة باسم علل الحديث .
من أجود هذه المصنفات التي وصلت إلينا علل الحديث لعبد الرحمن بن أبي حاتم يسأل في هذا الكتاب بالدرجة الأولى أباه، أبا حاتم الرازي ويسأل أبا زرعة وهذه أسئلة كثيرة، ويسأل بعض الأئمة الآخرين مثل شيخه على بن الحسين بن الجنيد ومحمد بن عوف الطائي وأمثالهم، لكنها قليلة في خضم هذا العدد الهائل الذي يسأل أباه وأبا زرعة.
من الكتب الجيدة والرائعة التي وصلت إلينا كتاب العلل للدراقطني لكن لم تكتمل طباعته بعد، فكتاب العلل للدارقطني من أبرع هذه المصنفات التي وصلت إلينا وامتدحه أئمة كثر والدراقطني يطيل ويصهب في ذكر العلة في الحديث .
هناك كتب أخرى لا أطيل بذكرها نكتفي بهذا القدر ونفسح المجال للأسئلة .
يقول بالنسبة للمبتدئين في دراسة علوم الحديث، هل تنصحنا بحفظ جميع الأمثلة التى تطرحها من أحاديث بأسانيدها أم نركز بفهم القواعد الأساسية ونجعل الحفظ فيما بعد بعدما يقوى فهمنا ؟(1/368)
الحقيقة أن الذي يستطيع أن يفهم التقعيد ويحفظ الأمثلة هذا أحسن من الذي يحفظ التقعيد ولا يحفظ الأمثلة، لكن ليس معنى هذا أن الذي يحفظ التقعيد يعني لا يستطيع أن يمشي معنا، والتقعيد هو الأصل وهو المهم والأمثلة سواء حفظ هذا المثال أو أمثلة أخرى أو باستطاعته فيما بعد إن شاء الله تعالى حينما يمضى في هذا الطريق أن ينظر في أمثلة أخرى، هذا بمقدورة وباستطاعته إن شاء الله تعالى .
تقول هل يمكن إطلاق المتروك على الحديث وعلى الراوي أم لا ؟
بناء على كلام الحافظ بن حجر نعم، يطلق المتروك على الحديث وعلى الراوي، هذا بناء على كلام الحافظ بن حجر، لكن قلت لكم إن إطلاق حاله على الحديث هذا يعز وجوده خاصة قبل الحافظ بن حجر .
يقول هل يمكن استخدام الحديث المنكر في الاعتبار والشواهد ؟
هذا السؤال الحقيقة مهم، والأخ السائل يبدو أنه إن شاء الله تعالى من طلبة العلم الذين يعانون يمكن من هذا الحكم، فأقول إن لفظة منكر إذا أطلقت على الراوي قيل عنه إنه منكر الحديث أو أطلقت على حديث من الأحاديث أنه حديث منكر، فبحسب إطلاق الإمام، وبحسب الناظر أيضاً في هذا الحديث، فإن كان هذا التفرد من قبل راوٍِ لا يمكن أن يحتمل تفرده، كراوٍ ضعيف، سيء الحفظ فحشي غلطه، ظهر فسقه، غفلته وهكذا، وتفرد عن إمام مشهور كالزهري مثلاً فإن هذا لا يمكن أن نقبل تفرده ويعد ضعيفاً جداً ولا يتقوى بالشواهد والمتابعات.
إن كان هذا التفرد من هذا الراوي الذي أطلق عليه إمام من الأئمة إنه منكر وجدناه من راوٍ يمكن أن يحتمل، كمن يطلق على حديث محمد بن إسحاق إنه منكر ووجدنا له متابعاً أيضاً، فبلا شك أن هذا المتابع يرفع من درجة هذا الحديث، وعند بعض الأئمة أنه حتى وإن قال إمام عن حديث محمد بن إسحاق أنه منكر يكون حسناً عند إمام آخر، فهذا محل اجتهاد ولا يكون الحديث الذي بهذه الصفة شديد الضعف .(1/369)
فإذاً نعرف أن المنكر يختلف بحسب إطلاق الإمام ويختلف بحسب من هو علة هذا الحديث، فربما كان راوياً نعم، يعد حديثه ضعيفاً، جداً، وربما كان راوياً يمكن أن يصل حديثه على انفراده لدرجة المقبول أو على الأقل بضميمة حديث آخر .
يقول هل الصدوق صاحب البدعة يأخذ بحديثه؟
البدعة والكلام فيها سيأتي إن شاء الله تعالى معنا يعني عن قريب نحن نتكلم عن أوصاف هؤلاء الراوة العشرة، ومن جملتهم من رمى ببدعة وسنتكلم عنه إن شاء الله تعالى وفيه تفصيل، لا أستطيع أن آتي عليه الآن .
يقول ما حكم الأحاديث التي يطلق على راويها مستور الحال وهل الراوي المجروح ترد روايته حتى لو تاب ؟
الشق الأول من السؤال وهو ما حكم الأحاديث التي يكون راويها يقال عنه إنه مستور الحال، هذا يدخل في باب الجهالة وهذا سيأتي الكلام التفصيل فيها إن شاء الله تعالى عن قريب، لأننا الآن ننتدرج في هذه الأحكام التي ذكرها الحافظ بن حجر، ومن جملتها الجهالة وسنأتي للكلام عنها إن شاء الله تعالى ؟
أما بالنسبة للراوي المجروح فيختلف جرحه إذا كان مجروحاً بسبب الكذب يعني ضبط عليه الكذب ثم تاب فيقال توبته فيما بينه وبين ربه، لكن في الحديث لا تقبل توبته عند أهل العلم، لكن من حيث المثال، لا يوجد مثال واقعي لراوٍ تاب، وصدق في توبته .
يعني بعضهم قيل عنه إنه تاب لكن وجد أنه كذب بعد ذلك فارتفعت توبته بهذه الصفة وللأسف، لكن بالنسبة للمجروح بأمر آخر كالفسق ونحوه، نعم يمكن أن تقبل توبته إذا تاب مما هو متلبس به .
شيخ، رردت في سؤال الأخ على حديث المنكر متى يتقوى ومتى لا يتقوى لكن هناك عبارة تردد دائماً وهي قول الإمام أحمد المنكر أبد المنكر، فما ضابط هذه العبارة مع قولكم أنه يمكن أن يتقوى في بعض الحالات ؟
قول الإمام أحمد إن المنكر هو المنكر دوما هذا بحسب إطلاقه هو، فهو يطلق هذا الوصف على أحاديث يرى أنها منكرة لا يمكن أن تقبل بحال من الأحوال.(1/370)
لكن إذا خولف من إمام آخر في ذات الحديث في الحديث نفسهن فهذا بلا شك أن المسألة تحتاج إلى من يوازن بين قول الإمام أحمد وبين قول الإمام الذي خالفه، والحق حقاً يتبع .
أيضاً ليس إطلاق الإمام الآخر للمنكر كإطلاق الإمام أحمد، الإمام أحمد يمكن أن ينظر إلى بعض الرواة أن أحاديثهم منكرة، ويرى أئمة آخرون أن هؤلاء الرواة ليست أحاديثهم منكرة ويرى الأئمة الآخرون أن أحاديث بعض الراوة منكرة وتكون مقبولة عند الإمام أحمد .
فالمسائل المختلف فيها هذه لا شأن لنا بها الآن، نحن الآن فقط كما قلت لكم نقعد تقعيداً وأما التفصيل والإسهاب فهذا موضعه إن شاء الله تعالى في موضع آخر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا كان الراوي كذب مرة أو اتهم بالكذب فهل يرد حديثه دائماً فأخشى أن يكون شيئاً من السنة ضاع ولم يعتبر بالأحاديث ؟
جواب السؤال الذي طرحه أخونا نقول فيه إن السنة بحمد لله محفوظة بحفظ الله - جلّ جلاله - لها فالرب - جلّ جلاله - يقول ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ?[الحجر:9] والذكر هنا يشمل الكتاب والسنة على حد سواء لقول الله - جلّ جلاله - في آية أخرى ? وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ?[النحل:44].
فالذكر هي السنة هنا ما الذي نزل على الناس ؟ هو القرآن فالسنة هي المبينة للقرآن وسميت السنة ذكراً فالسنة محفوظة بحفظ الله - جلّ جلاله - لها لكن حفظ السنة ليس كحفظ القرآن القرآن تكفل الله - جلّ جلاله - بحفظه مباشرة، السنة تكفل الله - جلّ جلاله - بحفظها عن طريق هؤلاء الراوة الذي سخرهم الرب - جلّ جلاله - لحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهذا شبيه بامتحان آدم وذريته بإنزالهم إلى الأرض وابتلاءهم بهذه الشهوات ليعلم الرب - جلّ جلاله - من يطيعه ممن يعصيه .(1/371)
كذلك أيضاً ابتليت الأمة المحمدية بحفظ السنة، هناك من يقوم بحفظها ورعايتها وهؤلاء صنف من الناس وهناك من يقوم وللأسف بهدم السنة إما عن طريق الأحاديث الموضوعة التي يكذبونها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن طريق رد للسنة والطعن فيها وهلم جرا كما كنا أشرنا إليه في مرات سابقة فعلى كل حال هذا ابتلاء وامتحان من الله - جلّ جلاله - للأمة ليعلم من يطيعه ويتبعه نهج نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونهج صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم ومن يتنكب عن هذا الصراط ويتبع بنيات الطريق والله المستعان.
تكلمتم ثم ( كلام غير مفهوم ) وإدراك العلة فهل هذه الطرق خاصة في العلة في السند أم أنها تشتمل على علة السند والمتن، وإن كانت خاصة في السند فما هو الضابط لمعرفة علة المتن ؟
نحن ما فصلنا في العلة في المتن وأظن أننا سبق أن أشرنا لهذه العلة في مرات سابقة وقلت إن العلة تنقسم إلى قسمين على في الإسناد وعلة في المتن، وأحياناً سبب العلة في المتن يلتمس الأئمة العلة في الإسناد.
فهذا الحديث الذي ذكرته قبل قليل ( لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقبة رأيه ) هذا الحديث استنكر الأئمة أولاً متنه، فقضية العقل يعني هو الضابط في معرفة إسلام الإنسان من عدمه هذا ليس بصحيح، لأنه قد يكون صاحب عقل ولكنه إما فاسق، ربما يخرج أيضاً من دائرة الإسلام بارتكابه أمراً مكفراً .
وقد يكون هناك إنسان أقل منه عقل ولكنه منضبط بضوابط الشرع، فليس العقل هو الضابط في هذا .
الأئمة استنكروا المتن ثم بعد ذلك تلمسوا العلة فوجدوا العلة في الإسناد، لكن في بعض الأحيان تكون هناك علل في متون الأحاديث لا يمكن قبولها بحال من الأحوال حتى وإن كان ظاهر الإسناد الصحة، فالأئمة يحكمون على هذا الحديث بأنه الحديث غلط حتى وإن كان ظاهر السند الصحة .(1/372)
على سبيل المثال هناك حديث أخرجه عبد الرازق في مصنفه والحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس، في صفة زواج فاطمة من علي - رضي الله عنهما - ابن عباس يرويه عن أسماء بنت عميس تقول أنها حضرت في زواج فاطمة فرآها النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني يبدوا أنها كانت متحجبة ما عرفها قال ( من هذه ؟ قالت أسماء بنت عميس، قال جئت في زواج ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكرمة لرسول الله ؟ قالت قلت نعم، قالت فدعا لي ) .
هذا الحديث لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون صحيحاً والسبب أن زواج فاطمة - رضي الله عنها - من علي - رضي الله عنه - كان في السنة الثانية من الهجرة في أول ما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا التاريخ كانت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة، ما قدموا إلا في السنة السابعة من الهجرة .
فالتاريخ يحكم على هذا الحديث بأنه خطأ، لكن ما سبب وقوع الخطأ لأبد أن يكون وهما وقع من أحد الرواة .
فأحد الرواة وهم وهذه مهمة علماء الحديث وهم الذين الذين أقصدهم بقولي الجهابذة النقاد، أكثر ما تكون الأوهام أو العلة في الحديث بسبب أوهام الثقات .
يعني الضعفاء علل أحاديثهم مكشوفة وواضحة وظاهرة وبينة، لكن مبنى علل الحديث بالدرجة الأولى على أوهام الثقات لا نقول إنه يدخل فيه أحاديث غير الثقات، لا، تدخل فيه، لكن بالدرجة الأولى على أوهام الثقات لماذا ؟
لأن ظاهر سند الذي يرويه الثقة أنه صحيح فيكتشف الأئمة أن الثقة قد وهم، ولذلك هذا يرد على دعوى من يدعي من الناس أن علماء الحديث يقبلون رواية الراوي وهو بشر يخطئ ويصيب، فقد يكون أخطأ في هذه الراوية نقول نعم هم كما أنهم يحكمون على رواية الضعيف بأنها مردودة فإنهم يحكمون أيضاً أحياناً على رواية الثقة بأنها مردودة إذا جاءت عندهم قرائن حكموا من خلالها على أن الثقة قد وهم في ذلك .(1/373)
نضيف أسئلة الدرس لهذا اليوم فنقول عرف الحديث المتروك؟ وما أسباب اتهام الراوي بالكذب ؟
وعرف الحديث المنكر، واذكر الفرق بينه وبين الشاذ .
السؤال الذي يتعلق بموضوع العلة، عرف الحديث المعلول ؟
السؤال الآخر عرف العلة ؟ بما تدرك العلة ؟ أو ما هي وسائل إدراك العلة ؟ واذكر مصنفين من أشهر مصنفات في العلل ؟
تقول أكثر ما تكون العلل في الإسناد فهل ممكن أن تقدح العلة في الإسناد، والمتن معاً إذا ظهر منها ضعف في الحديث ؟
أقول أن العلة قد تكون في الإسناد وفى المتن معاًَ وقد تكون في الإسناد وتقدح فيه وفي المتن وقد تكون في الإسناد وتقدح في الإسناد فقط ولا تقدح في المتن، وقد تكون العلة في المتن، وتقدج في الإسناد، فكل هذه الأنواع موجودة لكن التفصيل فيها إن شاء الله تعالى نتركه للمطولات .
تقول أنا أعتمد في دراستي على شرحكم المطبوع الذي اعتنى به أبو عبيدة وأضيف بعض التعليقات من الشرح فهل أستمر على هذا أم أعتمد على الشرح المطروح بالأكاديمية فقط؟
هذا الحقيقة شئ مهم لأني سبق أن ذكرت في مرات ماضية أن الشرح المطبوع فيه أسقاط وأوهام وحذرت من الاعتماد عليه، لكن من كان بين يديه ذلك الشرح ويتابع معنا في هذا الشرح ويستدرك هذه الأوهام وهذه الأسقاط من هذا الشرح فهذا طيب إن شاء الله تعالى لعله يفي بالغرض .
هل كل ( كلمة غير مفهومة ) يقدح في الحديث ؟ ( كلام غير مفهوم )
قلنا إن العلة سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث فلابد من أن تقدح في صحة الحديث، لكن يعني بعض أهل العلم قالوا إن هناك من العلل ما لا يقدح في صحة الحديث وهذه المسألة الالتفات فيها إلى ما كنت أشرت إليه قبل قليل حينما قلت إن من العلل ما يقدح في الإسناد دون المتن، فالعلة حقيقة لابد أن تكون قادحة، هذا شيء مسلم به، العلة لابد أن تكون قادحة، وما يوجد في بطون بعض الكتب وعلوم الحديث من كون العلة قد لا تكون قادحة لأنهم يلتفون للمتن .(1/374)
فينظرون على سبيل المثال لحديث يرويه مثلاً الإمام مالك رحمه الله عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد ( لا يتوارث أهل ملتين ) أو ( لا يرث الكافر المسلم ) فالإمام مالك أخطأ في ذكر هذا الرواي عمرو بن عثمان قال عمر بن عثمان روى الحديث عن الزهري فقال عمر بدل عمرو، والرواة الآخرون الذين رووه عن الزهري يقولون عمر بن عثمان.
فكان الأئمة بعضهم يراجع الإمام مالك ويقول إن غيرك يقول عمرو بن عثمان، فيقول هذه دار عمر وهذه دار عمرو، فيقول أن أعرف عمرو من عمر، لكن مع ذلك ما عذر الأئمة الإمام مالك بالرغم من أنه إمام وجبل في الحفظ والإتقان بلا منازع .
لكن ما من أحد إلا وله بعض الأوهام ولذلك الحافظ بن عبد البر حافظ المغرب رحمه الله من إنصافه وعدله قال لكل جواد كبوه، الإمام مالك رحمه الله وهم في هذا الحديث .
لكن الوهم ما هو إبدال راوي براوي، وهما أخوان عمر وعمرو، فجعل هذا مكان هذا الحديث مخرج في الصحيحين لا إشكال فيه فمتن الحديث صحيح، لكن سند هذا الحديث من جهة الإمام مالك معلولة، ما يقبل فيقال إن هذا الحديث يرويه أيضاً عمر بن عثمان لأن هذه الراوية خطأ.
فمن هنا نشأ اللبس في هذه العبارة حينما قالوا إن من العلة ما لا يقدح في صحة الحديث، لا يقدح في المتن، نعم لأن المتن مروي من جهة أخرى صحيحة لكن يقدح في هذا الإسناد، نعم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كنا فرغنا في الدرس السابق من الكلام على بعض أنواع الحديث، تكلمنا عن الحديث الموضوع وعن الحديث المتروك وعن الحديث المعلل، وسنبدأ إن شاء الله تعالى في درسنا هذ اليوم في بالحديث المدرج بعد القراءة إن شاء الله تعالى.(1/375)
نستعين بالله في قراءة نخبة الفكر، قال المؤلف - رحمه الله تعالى -(ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب أو بزيادة راو فالزيادة في متصل الاسانيد أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب وقد يقع الابدال عمدا امتحانا أو بتغيير مع بقاء السيقا فالمصحف والمحرف )
ابتدأ ابن حجر - رحمه الله تعالى -
هذ الكلام الذي سمعناه عن الكلام المدرج، والإدراج كما هو معروف لنا في لغة العرب الإدخال إذا أدرج الميت في كفنه أي إذا أدخل في كفنه، لكن بالنسبة لاستخدام هذا اللفظ في مصطلح الحديث: يقصد به الحديث الذي غير سيقاق إسناده أو إدخل في إسناده ما ليس منه، من خلال هذا التقسيم أو من خلال هذا التعريف نستطيع أن نعرف أن المدرج ينقسم إلى قسمين مدرج الإسناد ومدرج المتن، المدرج إذا قلنا أنه الإدخال في الحديث فمعنى ذلك أنه تغيير يطرأ في الحديث وهذا التغيير لا شك أنه خارج عن رواية الحديث أصلا والحديث لابد أن يتلقى ويبث كما تلقي من غير تغيير فيه بزيادة أو نقص، ولذا فالإدراج في الأصل حرام لا يجوز والحديث الذي فيه إدراج حكم ذلك الإدراج أنه مردود وضعيف جدا وإذا كان عن عمد فإنه يعد من الموضوع سواء اختلق الراوي حديثا في الأساس أو أدخل في الحديث ما ليس منه، مثل المثال الذي ذكر وقلنا أنه غير صحيح لكن من حيث التصور يمكن أن يقع، في قصة غياث بن إبراهيم النخعي حينما روى حديث (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) وزاد فيه أو جناح فهذه الزيادة إدخال إدراج في هذا الحديث فمثل هذا لا يجوز بحال من الأحوال وهو من أنواع الوضع في الحديث لكن أهل العلم حينما تكلموا عن المدرج على حدة وفصلوه وبينوا أحكامه لأن هذا الإدراج لا يكون في الغالب ناشئا عن قصد ولكن ينشأ لأسباب أخرى فمن هذه الأسباب التي يقع بها الإدراج بيان حكم شرعي، نستطيع أن نقول أسباب الإدراج أو دواعي الإدراج أولا:(1/376)
بيان حكم شرعي ثانيا استنباط حكم شرعي ثالثا: شرح لفظ غريب.
ويتضح هذا لنا بالتفصيل الآتي نقول إن الإدراج له صور فمن صوره أن يقع الإدراج في أول المتن ومن صوره أن يقع في وسط المتن ومن صوره أن يقع في آخر المتن وهذا بالنسبة لمدرج المتن، أما بالنسبة لمدرج الإسناد: فإن الإدراج في الإسناد أن يكون بتغيير سياق الإسناد عن طريق تركيب إسناد على متن مستقل أو دمج متنين وسياقهما بإسناد واحد أو زيادة لفظة تأتي في حديث آخر تأخذ وتلحق بمتن مشابه وتساق معه بنفس الإسناد.
كل هذه الصور وما ينشأ من أشباهها من صور نستطيع أن نقول عنها إنهاإلحاق إدخال في الأحاديث ما ليس منها، وبالتالي من خلال الأمثلة يتبين لنا هذا المراد.(1/377)
فأولا بالنسبة لمدرج الإسناد من أشهر صوره أن يأتي راو من الرواة إلى إسناد معروف فيركبه على متن لا يتبع ذلك الإسناد ومن أشهر الأمثلة التي يمكن أن يمثل بها في هذا مثال حديث ثابت بن موسى الزاهد الذي كنا ذكرناه في حلقة ماضية حين تكلما عن الوضع في الحديث من غير قصد، وقصة ثابت بن موسى نذكر بها مجرد تذكير وأما تفسيرها فسبق أن ذكرناه وهذا الرجل الذي دخل على شريك بن عبد الله النخعي وهو يملي حديثا على تلاميذه يروي هذا الحديث عن الأعمش عن أبي سفيان عن طلحة عن جابر والحديث هو (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ) لكن شريك بن عبد الله لما أملى الإسناد وتوقف ليملي المستملي على من بعده دخل ثابت بن موسى الزاهد المسجد وشريك يملي الإسناد فحفظ الإسناد، فلما توقف شريك لإملاء المتن بعد ذلك التفت وإذا بثابت بن موسى الزاهد مقبل عليه فأخذ يداعبه وقال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فانصر ثابت بن موسى الزاهد وهو يظن أن هذا متن ذلك الحديث الذي أملى إسناده باديء ذي بدء، فأخذ يحدث فيقول: حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.(1/378)
فالإسناد هذا هو متن لحديث آخر ولكن أدرج في هذا الإسناد متن ليس منه هذه من صور مدرج الإسناد وهذه ذكرها أهل العلم وإن كان باديء ذي بدء وقد يتبادر إلى الأذهان بأن الأولى أن يكون الإدراج في السند لا غير يعني أدخل في سند الحديث ما ليس منه وأما المتن لم يتعرض له هذا هو الأساس لكن يبدوا أن أهل العلم الذين تكلموا نظروا إلى تركيب الحديث مجملا أنه يتألف من سند ومتن فأخذوا هذا بمجمله بهذه الصورة التي تلكموا عنها والذي أراه أن أولى ما يمكن أن يمثل به في هذه الحال أن يدرج في سند الحديث في سند الحديث نفسه بغض النظر عن متنه مثل ما لو جاءنا حديث يقول فيه الراوي حدثنا سفيان ولا يبين من سفيان هذا، فيأتي الراوي عنه أو الراوي عن الراوي عنه أو أحد الرواة ممن تحته فيريد أن يبين من سفيان هذا فيقول وهو الثوري فكلمة وهو الثوري فكلمة وهو الثوري لم تكن في أصل الرواية التي تلقاها ذلك التلميذ الذي تلقاها هذا التلميذ الذي زاد هذه اللفظة.(1/379)
فإذن هو أدرج أدخل في سند الحديث ما ليس منه هذه اللفظة وهو الثوري، هذا الإدراج قد يكون في محله وهو الصواب ويدرك هذا عند علماء الحديث بقرائن بالشيوخ والتلاميذ ونحو ذلك والطبقة وهكذا لكن في بعض الأحيان قد يلتبس الأمر من هذا الراوي سفيان هل هو الثوري أو بن عيينة فإذا كان الشيخ مشتركا بينهما والتلميذ أيضا مشتركا بينهما إلا عند المتخصصين من العلماء أو كون هذا الحديث ورد من طرق أخرى تبين من سفيان هذا لكن إذا كان مما لا شك فيه أنه هو الثوري على سبيل المثال فيمكن أن يكون الأمر هينا وقد يتسامح أهل الحديث في هذا، لكن يقع الإشكال حينما يكون هذا التصرف خطأ فيكون سفيان هذا ليس هو الثوري وإنما هو سفيان بن عيينة فهنا يقع الإشكال والإشكال يكثر ويتأكد لو كان هذا بين راويين أحدهما ضعيف والآخر ثقة أو بين راويين ينبني على تحديد إحدهم أن يكون الحديث منقطعا وهو في الحقيقة متصل كأن يكون هذا الشيخ لم يسمع منه ذلك التلميذ الذي قيل إنه هو أو العكس يكون الحديث في الأصل منقطعا بسبب أن ذلك التلميذ ما أدرك ذلك الشيخ، فيأتي الذي أدرج وأدخل في هذا الإسناد ما ليس منه فيقول إن هذا الراوي هو فلان، ففلان سمع فيكون الحديث متصل وهو في الحقيقة غير متصل.(1/380)
فهذا لم يتكلم عنه الحافظ بن حجر ومن وقفت عليه وقد يكون بسبب عدم استيفاء المطالعة، ولكن هو أمر بين وواضح لا ينكره أحد من أهل الحديث، إلا إنهم كما قلت جعلوا صور المدرج هذه الصور التي أشرت إليها أن يكون الإسناد متركب على متن إما متن بكامله أو بعض متن أو خلط متن بمتن آخر ونحو ذلك فهذه الصور التي ذكروها قالوا إنها من إدراج الإسناد وأصبح أمره بينا إن شاء الله تعالى بهذا التمثيل، لكن بالنسبة لمدرج المتن هو الذي يقع أكثر من مدرج الإسناد، مدرج المتن له ثلاث صور كما قلنا أن يقع الإدراج في الأول أن يقع الإدراج في الوسط أن يقع الإدراج في الآخر، أكثر ما يقع الإدراج في الآخر ثم يليه الإدراج الذي يقع في الأول وأقله ما يقع في الوسط نمثل لكل صورة من الصور بمثال، أما بالنسبة لوقوع الإدراج في أول متن الحديث فمثلوا له بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (أسبغو الوضوء ويل للأعقاب من النار) قالوا هذا الحديث رواه أبو قطن وشبابة عن شعبة بن الحجاج عن محمد بن زياد الطحان عن أبي هريرة - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم – هكذا وباقي الرواة الذين روو هذا الحديث عن شعبة وهن ثقات أصحاب شعبة رووه مفصولا هكذا عن أبي هريرة - رضي الله عنه – أنه قال: أسبغو الوضوء فإني سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -
يقول (ويل للأعقاب من النار) فأصبح قوله أسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة وليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(1/381)
فالراويين الاولان أبو قطن وشبابة أخطئا فجعلا قوله أسبغو الوضوء داخلا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو في الحقيقة من قول أبي هريرة - رضي الله عنه -، لكن ما الذي أوقع هذين الراويين في هذا الوهم وكيف يمكن أن يتفقا على هذا الوهم؟ هل يمكن هذا؟ نقول نعم فالأوهام دائما يكون لها أساس وذلك أن هذا الحديث روي من غير طريق أبي هريرة من حديث عائشة وعبد الله بن عمرو وهكذا.
فهم ذكروا في أحاديثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال (أسبغو الوضوء ويل للأعقاب من النار ) فظن هذان الراويان أن حديث أبي هريرة مثل حديث الصحابة الآخرين الذين رووه فجعلوا هذا اللفظ داخلا في لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما في حديث أبي هريرة هذا اللفظ مفصول عن لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - .
إذن وإن نرى أن هذا الإدراج وقع في أول الحديث أول لفظة من ألفاظ الحديث جاءت مدرجة أما بالنسبة للإدراج الذي يقع في وسط الحديث فمثلوا له بحديث الزهري الذي يرويه عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- والحديث مشهور في قصة بدء الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأنه عليه السلام كان يتعبد في حراء الليالي ذوات العدد وهكذا، فرواية الزهري جاءت اللفظة فيها هكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
يتحنث وهو التعبد الليالي ذوات العدد في غار حراء.
إذن اللفظة هكذا من عائشة يتحنث في غار حراء، الزهري أراد أن يبين هذه اللفظة ما معنى التحنث؟ قال هو التعبد إذن هنا إدراج إدخال من الزهري لهذه اللفظة لفظة وهو التعبد في وسط متن الحديث، فهذا مثال لوقوع الإدراج في الوسط.
وقوع الإدراج في آخر الحديث مثلوا له بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال (للعبد المملوك أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا عبد مملوك) قالوا: هذا اللفظ حصل فيه إدراج،ه فلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -(1/382)
هو للعبد المملوك أجران فقط، وما بعد ذلك فهو من لفظ أبي هريرة فالإدراج هنا جاء في آخر الحديث وأما أول الحديث فسالم من الإدراج.
هذه الأمثلة الثلاثة وضحت لنا وقوع الإدراج في الأول وفي الوسط وفي الآخر، فنأتي بعد ذلك لمعرفة كيف ندرك الإدراج بم يدرك الإدراج أو بم يعرف الإدراج في الحديث؟
فنقول إن الإدراج في الحديث يدرك في عدة أمور:
الأمر الأول: أن يرد هذا الإدراج منفصلا في رواية أخرى مثل ما قلنا عن رواية أسبغوا الوضوء فالروايات أوضحت أن لفظة أسبغو الوضوء من قول أبي هريرة وليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أن يرد هذا اللفظ الذي أدرج منفصلا في رواية أخرى توضح المراد، أو أن ينص إمام من أئمة الحديث الجهابذة النقاد على أن هذا اللفظ مدرج، وهذا يدخل في علل الأحاديث وبالذات العلل الخفية التي تكلمنا عنها سابقا في مبحث العلة والحديث أو يبين الراوي الذي أدرج أنه هو الذي أدرج هذه اللفظة، فإذا قال الزهري قلت: والتحنث هو التعبد فهنا يكون قد بين أن هذا اللفظ المدرج منه فأقر هو على أنه هو أدرجه.
الأمر الآخر الذي يدرك به الإدراج: استحالة أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم – قال هذا اللفظة وهذا أخذوه من المثال الأخير في حديث أبي هريرة وذلك أنه يستحيل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم -
يتمنى أن يكون عبدا مملوكا لأن هذا يتناقض مع أصول الرسالة، وهناك لفظة تدل على أن هذا أمر مستحيل،أنه ذكر البر ووالدته توفت، من الأشياء التي تدل على استحالة أن يكون هذا من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله - صلى الله عليه وسلم - : وبر أمي وقد كانت أمه توفيت وهو صغير فأمه ليست حية حتى يبر بها فيستحيل أن يكون هذا من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -.(1/383)
فإذن هذه الأمور هي التي ندرك بها الإدراج في المتن لأهمية هذا الموضوع صنف فيه بعض أهل العلم مصنفات أشهرها وأحسنها كتاب الخطيب البغدادي "الفصل للوصل المدرج في النقل" وقد اختصره وهذبه الحافظ بن حجر في كتابه تقريب المنهج بترتيب المدرج ولكن كتاب بن حجر حتى الآن لا نعرف عنه شيئا وأما كتاب الخطيب البغدادي الذي هو الأصل الفصل للوصل فقد طبع عدة طبعات وهو كتاب رائع وجيد الجدير بالذكر أن هذا المبحث مبحث المدرج هو من مباحث العلة التي سبق تكلمنا عنها فكثيرا ما يبين علماء الحديث علة الحديث الناتجة من جراء الإدراج ومعظم هذه الأنواع التي نتكلم عنها كلها تدخل في مبحث العلة لكن مبحث العلة نحن تكلمنا عنه من حيث التقعيد وأما (((قطع)) فيدخل في العلة فمن صورها الإدراج والقلب الذي سيأتي وغير ذلك من الأنواع التي نتكلم عنها إن شاء الله تعالى.
نتلقى بعض الأسئلة على وجه السرعة من قبلكم حول المدرج إن كان هناك أي سؤال قبل أن ننتقل لحديث المقلوب.
بالنسبة للحافظ بن حجر هنا لما فصل المدرج عن المقلوب عن المصحف عن المضطرب قرأت لبعض طلبة العلم قال: هذا مما يعاب على الحافظ لأن الأئمة المتقدمين كانوا يجمعون كل هذه الأنواع على المعلل كأنه يعيب على الحافظ بن حجر أن يفصل بينها وهي تؤدي إلى أمر واحد، فهل هذا الاعتراض له جواب؟
الجواب عن هذا أنه ليس الذي فصل هذا هو الحافظ بن حجر بل علماء الحديث فصلوا هذه الأنواع حينما نجد أن الخطيب البغدادي ألف في المدرج كتاب مستقلا هذا فصل، غير الأنواع الأخرى بن الصلاح جعله نوع من أنواع علوم الحديث، وكل من جاء بعد بن الصلاح والحافظ واحد منهم كلهم تكلموا على أن الإدراج نوع من أنواع الحديث، ومعظم أنواع الحديث المردود تدخل في مبحث العلة نستطيع أن نقول إن مبحث العلة هو القاعدة والأساس وتتفرع منه هذه الأنواع الأخرى ومن جملتها المدرج والمقلوب ونحو ذلك.(1/384)
ذكرتم إن الحديث المدرج مردود الرد هل يكون للحديث أم لما زاد عليه ؟
الرد للحديث المدرج إنما هو لللفظ الذي أدرج وقد ينبني عليه أن تكون تلك الرواية ضعيفة بسبب وقوع الوهم فيها من باب الرواة، فيتكلم في هذه الرواية على حدة ويستغنى بالروايات الصحيحة التي أوضحت ذلك عن هذه الرواية التي حصل فيها هذا الإدراج، لكن لو فصلنا على سبيل المثال أسبغو الوضوء وتبين لنا أن لفظة أسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة يبقى القول الآخر متفقا مع رواية الرواة الثقات الذين روو الحديث عن شعبة.
هل يكون المدرج فقط من الصحابة؟
الإدراج ليس من الصحابي نفسه في الأعم الأغلب أنه يقع ممن بعد الصحابي إما من التابعي أو تابعي التابعي أو من بعده وهكذا لكن ما دواعي الإدراج؟ يعني ما الأسباب التي توقع في الإدراج؟
هذه تستنبط من بعض الكلام الذي تقدم معنا فدواعي الإدراج كما اتضح معنا من خلال السياق أنه إما لبيان لفظة غريبة كما حصل من الزهري وإما لأجل بيان استنباط حكم شرعي مثل ما حصل من أبي هريرة - رضي الله عنه – أسبغو الوضوء كأنه استنبط حكما شرعيا أو أراد أن يبين حكما شرعيا كذلك في لفظة حديث أبي هريرة الآخر (للعبد المملوك أجران) ما جاء بعد ذلك من إدراج والذي نفسي بيده قالوا هذا من لفظ أبي هريرة وليس من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -
وقصد أبي هريرة - رضي الله عنه – الحث على هذه الفضيلة فهذا من باب الاستنباط أو بيان الحكم الشرعي، ننتقل الآن للحديث المقلوب.
القلب في لغة العرب معروف أنه جعل أسفل الشيء أعلاه وهكذا وبطن الشيء ظاهر له والعكس وهكذا كذلك أيضا في الحديث نستطيع أن نقول في تعريف الحديث المقلوب أنه إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه بتقديم أو تأخير، ما حكم القب؟(1/385)
نعرف أن الحديث يمكن أن يقلب فما حكم القلب؟ نقول إن كان القلب في الحديث بقصد الإغراب كما سيتبين لنا إن شاء الله تعالى فهذا حرام لا يجوز بل هو من أنواع الوضع في الحديث والكذب فيه، وإن كان الوضع في الحديث بقصد الامتحان كما سيتبين معنا أيضا فهذا لا بأس به بشرط أن يبين ذلك قبل مفارقة المجلس على ما كنا تكلمنا عنه في الحديث الموضوع، وإن كان القلب في الحديث وقع نتيجة الخطأ والسهو والغفلة فهذا يغتفر لصاحبة إلا إذا كثر منه فإذا كثر من الراوي دل هذا على أنه غير ضابط وأماعدالته فقد يكون الراوي عدلا أما الحديث المقلوب نفسه فهو من أنواع الحديث المردود ويستغنى بالرواية التي جاءت غير مقلوبة عن الرواية التي جاءت مقلوبة فالرواية المقلوبة تعد رواية رواية خطأ ووهم فلا يعتمد عليها البتة.
المقلوب ينقسم إلى قسمين بعد الصبر والتتبع وجد أن القلب في الحديث أحيانا يكون في السيد وِأحيانا يكون في المتن، فمقلوب السند ومقلوب المتن.
فمقلوب السند له صورتان:
الصورة الأولى جعل اسم الراوي اسما لأبيه واسم الراوي اسما للراوي بسبب وجود بعض الرواة هكذا فنتيجة الوهم ينقلب اسم الراوي على أحد رواة الحديث مثل راويين أحدهما يقال له كعب بن مرة والآخر يقال له مرة بن كعب فإذا كان الذي في الإسناد هو كعب بن مرة ربما وهم الراوي عن الراوي عنه أو من تحته فيقول عن مرة بن كعب فينقلب عليه بسبب أن هذا راو وهذا راو ولكن ما ضبط أيهما المراد فهذا أحد صورتي مقلوب الإسناد.(1/386)
أما الصورة الأخرى فهي إبدال راو بالمرة براو آخر لقصد الإغراب ومثلوا لهذا بحديث رواه حماد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تبدؤو اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم فاضطروهم إلى أضيقه ) قالوا هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح عن أبي هريرة بهذا المتن، ولأجل أن هذا الحديث لايعرف إلا من رواية سهيل بن أبي صالح جاء هذا الوضاع الكذاب وهو حماد بن عمرو النصيبي فأراد أن يلفت أنظار الناس إليه ويستجلب الناس إليه فجعل للحديث راويا آخر وهو الأعمش والسبب أنه ما دام سيهل بن أبي صالح تفرد بهذا الحديث لا يروى الحديث إلا من طريقة وهو متكم في حفظه نوعا ما أراد أن يجعل الحديث عن راو آخر يحرص الناس على روايته وهو إمام حافظ متقن وهو الأعمش فقال حدثني الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، فالحديث صحيح فهو لم يضع حديثا في الأساس الحديث مروي وفي صحيح مسلم كما ذكرنا، لكن أراد أن يأتي بإسناد آخر أقوى من الإسناد الأول في راو فقط فجعل بدل سهيل بن أبي صالح الأعمش فقط هذا الذي غيره، فإذن هو قلب سهيل بن صالح وجعله الأعمش فهذا القلب جاء نتيجة العمد لقصد الإغراب ولفت أنظار الناس إليه فقالوا هذا من أنواع الوضع في الحديث والكذب في الحديث.
فإذن لا يلزم أن يكون الحديث الموضوع مكذوبا كله سندا ومتنا لا قد يكون الحديث الموضوع حديثا صحيحا ولكن ركب له إسناد أو ولو غير في الحديث راو واحد فيعد هذا من أنواع الوضع في الحديث وهذا دليل على دقة المحدثين رحمة الله عليهم وفطنتهم وأنهم صانوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيه شيء من غيره إطلاقا لا قليلا ولا كثيرا.(1/387)
هذا بالنسبة لمقلوب السند أما مقلوب المتن فله صورتان أيضا الصورة الأولى وهي الأشهر والأكثر أن ينقلب متن الحديث أو بعضه على بعض الرواة فيجعل لفظة مكان لفظة أخرى، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: (رجلا أنفق نفقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، انقلبت هذه اللفظة فقط وإلا باقي السبعة الذين يظلهم الله في ظله جاءوا كماجاء في الأثر من غير اختلاف، لكن هذه اللفظة فقط انقلبت على أحد الرواة فقال: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) فصارت النفقة بالشمال في هذه الحال والأصل أنها باليمين كما في الحديث الذي في الصحيحين وهذه اللفظة جاءت في صحيح مسلم فانقلبت على أحد الرواة والصواب أنه (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، فهذا مقلوب المتن أو هذه الصورة الأولى من صور مقلوب المتن.(1/388)
الصورة الثانية أن يقلب سند الحديث على بعض الرواة بقصد الامتحان مثل ما سبق أن ذكرناه عن قصة يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين ولعلكم تذكرون أن قلنا أن أبي نعيم رفس يحيى بن معين تلك الرفسة حينما قلب عليه ثلاثة أحاديث من ثلاثين حديثا جعل سند حديث على متن حديث آخر وسند ذلك الحديث على متن الحديث الثاني وسند الحديث هذا على متن الحديث الثالث وهكذا، هذا قالوا من أنواع مقلوب المتن، والحقيقة أنه تركيب لسند على متن، لكن المهم أن أهل العلم ذكروا أن هذا من أنواع مقلوب المتن لكن الصورة الأولى التي ذكرتها لكم هي الأشهر والأوضح والأبين في هذا، القلب الذي بهذه الصورة بقصد الامتحان ذكرنا سابقا قصة وقعت للبخاري مع أهل بغداد وقلنا أن هذه القصة غير صحيحة بسبب جهالة الرواة لهذه القصة الذين روى عنهم الحافظ بن عدي هذه القصة ولفظهم فيه ما فيه من الغرابة والدهشة لكن من حيث تقريب المعلومة للأذهان نعم يمكن أن تقرب المعلومة للأذهان، لكن إذا أوردنا قصة صحيحة مثل قصة يحيى بن معين مع أبي نعيم كلام((غير مفهوم...36:44)) فهذه أولى أن يستشهد بها من قصة البخاري رحمه الله بقصد الامتحان لكن بشرط أن يبين ذلك في المجلس إلا إذا كان ذلك واضحا بينا مثل ما جاء في قصة يحيى بن معين مع أبي نعيم فالذين حضروا وهم الإمام أحمد والرمادي يعرفون أن يحيى بن معين قلب هذه الأحاديث الثلاثة فليس هناك لبس يمكن أن يحصل على أحد في المجلس أما إذا كان في المجلس أحد غيرهم فلا بد من بيان ذلك كما حصل من بعض الأئمة الذين يمتحنون الشيوخ ويقلبون عليهم الأحاديث وإذا وجدوا إنسانا يكتب في المجلس ذهبوا ومسحوا ذلك الذي يكتبه هذا الإنسان وبينوا لهم أنهم إنما صنعوا ذلك لاختبار ذلك الشيخ هل هو ثقة أو غير ثقة.(1/389)
ما هي دواعي القلب؟ من خلال هذا العرض نستطيع أن نستل الدواعي التي تدفع بعض الرواة إلى قلب الحديث سندا أو متنا، لا شك من خلال قصة حماد بن عمروا الحميدي الإغراب هذا واضح وبين، من خلال قصة يحيى بن معين نعرف أن من دواعي القلب الامتحان، لكن قد يقع القلب نتيجة الخطأ والسهو وهذا يغتفر لمن وقع منه إلا إذا كثر فإنه يقدح في ضبط هذا الراوي كما بيناه قبل قليل في الحديث المدرج، وهذا يمكن أن يمثل له بحديث فأنفق حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، هذا وقع نتيجة الخطأ والغفلة ولم يكن ذلك عن قصد أبدا هذا الموضوع لأهميته وجد أن أهل العلم عنوا به عناية فائقة فألفوا فيه بعض المصنفات، ومن أشهر هذه المصنفات مصنف للخطيب البغدادي وليته وصل إلينا فنحن لا نعرف أن الكتاب موجود الآن فهو "رافع الارتياب في المقلوب من المتن والإسناد" أو في الأنساب أو نحو ذلك، المهم أن عنوان الكتاب رافع الارتياب للخطيب البغدادي في الحديث المقلوب ثم قلت الكتاب لم يصل إلينا حتى نعرف عنه أو نعرف طبيعة هذا الكتاب.
وأما الطرق التي يعرف بها الحديث المقلوب فشبيهة بالطرق التي ذكرناها في الحديث المدرج، فيمكن أن يعرف هذا بجمع طرق الحديث وبجمع طرق الحديث وبجمع طرق الحديث نستطيع أن نقول إن الروايات الأخرى جاءت مفصلة ومبينة لوقوع هذا القلب في الحديث مثل ما قلنا عن حديث حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله فإن الروايات الأخرى أن الصواب (حتى لا تعرف شماله ما تنفق يمينه )يمكن أن يدرك ذلك بالتنصيص من بعض الأئمة، إذا نص أحد الأئمة المعتبرين الجهابزة النقاد على أن هذا اللفظ مقلوب فإنه يعتمد على كلامه مثل ما يعتمد على كلامه في إعلال الأحاديث وكشف عللها.
هذا هو أيضا الكلام عن الحديث المقلوب وإن كان لكم أي سؤال فتفضلوا به قبل أن ننتقل لمبحث المزيد في متصل الأسانيد.
القلب والإدراج هل انتهى في تدوين الحديث ؟(1/390)
هذا سؤال جيد هل لا يزال القلب والإدراج موجودا حتى الساعة أم انتهى بانتهاء عصر الرواية؟ بالنسبة لكتب الحديث نعم نقول إن القلب والإدراج انتهى بانتهاء عصور الرواية، وأصبحت ولله الحمد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مدونة ومحفوظة وهكذا،
وأما لماذا ندرس هذا ما دام أنه انتهى فندرس هذا لأننا قد نقف على القلب والإدراج في حديث من الأحاديث فنحن بحاجة إلى هذه القواعد الضابطة التي تكشف لنا أن هذا اللفظ مدرج وأن هذه اللفظة مقلوب ونعرف أن الأحاديث ليست كلها قد حكم عليها فما يزال الحكم على الحديث متدرجا حتى هذه الساعة، أما كونه قد يقع القلب والإدراج في هذا العصر فقد يقع من إنسان يستشهد بالحديث أو يستدل به أو يذكره لأي سبب من الأسباب فربما انقلب عليه حديث أو ربما أيضا أدرج في الحديث ما ليس منه خاصة إذا روى الحديث بالمعنى وهكذا.
لعلنا نأخذ مبحث المزيد في متصل الأسانيد وهو قصير يعني ليس طويلا هذا نوع من أنواع علوم الحديث أيضا التي تكلم عنها الحافظ في ما قرأناه عنه.
المزيد في متصل الأسانيد هذه اللفظة توحي لنا بالمراد، يعني زيادة في إسناد المتصل.
إذن نستطيع أن نعرف المزيد في متصل الأسانيد بالتعريف الآتي فنقول: هو زيادة راو في إسناد حديث ظاهره الاتصال، ما مثاله؟ المثال الآتي:(1/391)
عبد الله بن المبارك روى عن شيخه عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي حديثا عن بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرفد الغنوى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجلسوا عل القبور ولا تجلسوا عليه) الحديث في صحيح مسلم، قالوا: إن عبد الله بن المبارك رغم أنه إمام جبل في الحفظ والإتقان فقد وهم في هذا الحديث، والوهم يسير فزاد في الإسناد أبا إدريس الخولاني، فالآن عبد الله بن المبارك يرويه عن شيخه عبد الرحمن بن يزيد عبد الرحمن بن يزيد يرويه عن شيخه أبي إدريس الخولاني، أبو إدريس يرويه عن واثلة بن الأسقع واثلة يرويه عن أبي مرفد الغنوي عن النبي صلى الله عليه و سلم.
فذكر أبي إدريس بين بشر بن عبيد الله وبين واثلة قالوا هذه الزيادة لا معنى لها، لماذا قالوا لأن الحديث يرويه بشر عن واثلة مباشرة بلا واسطة أبي إدريس الخولاني، والواسطة جاءت على سبيل الوهم من عبد الله بن المبارك، ما الذي أدرانا؟ وكيف نوهم هؤلاء الأئمة؟ قالوا دل على وقوع الوهم الروايات الأخرى المفصلة، فإن هذا الحديث راويه شامي عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وعبد الله بن المبارك مروجي من أهل خراسان يعني ليس شاميا وجدنا أهل الشام يروون هذا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فلا يذكرون فيه أبا إدريس الخولاني، من من أهل الشام؟ قالوا الوليد بن مسلم وعيسى بن يونس وغيرهما كلهم روو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فلم يذكروا في سنده أبي إدريس الخولاني، ماداموا ما ذكروا في سنده قد يكون أحد الرواة إما عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أو غيره أسقط هذا الراوي من الإسناد كما بيناه في مبحث المدلس أو المرسل الخفي، قالوا لا لأن بشر بن عبيد الله صرح بالتحديث من واثلة قال: سمعت واثلة بن أسقع يقول، مادام قال: سمعت واثلة معنى ذلك أنه أخذه عنه مباشرة، لا يمكن أن يطرأ على الأذهان أن بينهما واسطة.(1/392)
ومن هنا نقاض أهل العلم هذه القضية قالوا: إذا ورد عندنا إسنادان أحدهما فيه زيادة راو والآخر فيه نقص ذلك الراوي فأي الإسنادين نقبل وأي الإسنادين نعل؟ قالوا: نحن نقبل في الأصل الإسناد الزائد الذي فيه زيادة الراو هذا هو الأصل، يعني الأصل قبول الزيادة في الإسناد بهذه الصفة ولا نقبل الإسناد الناقص إلا بشرطين إذا توفرا قبلنا الإسناد الناقص وإلا فالأصل قبول الإسناد الزائد.
ما هذان الشرطان؟ قالوا الشرط الأول أن يكون من لم يزد أوثق أو أكثر عددا ممن زاد، والشرط الثاني أن يقع التصريح بالسماع في موطن الزيادة فلو أن هذا الإسناد قال فيه بشر بن عبيد الله عن واثلة بن أسقع لما حكم أهل العلم على رواية عبد الله بن المبارك بالوهم، لماذا؟
لاحتمال أن يكون عبد الرحمن بن يزيد كان مرة يذكر هذه الواسطة ومرة لا يذكرها لكن لما جاء التصريح بالسماع في موطن الزيادة وهي قول بشر سمعت واثلة، انتفى الإشكال وحكمنا على رواية عبد الله بن المبارك بالوهم وعلى رواية الآخرين بأنها هي الرواية الصحيحة.
هذا النوع من أنواع رواية الحديث لأهميته أيضا ألف فيه أهل العلم بع المؤلفات ومن أجوده مؤلف للخطيب البغدادي: "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وهذا الكتاب لم يصل إلينا وليته يصل فإنه ظاهر من عنوانه أنه كتاب رائع وجيد.
بهذا نكون انتهينا أيضا من مبحث المزيد ومتصل الأسانيد وأمامنا نوع آخر مهم جدا وهو الحديث المضطرب نؤجله للحلقة القادمة.
لماذا جعلوا المزيد في متصل الأسانيد لماذا جعلوا الأصل قبول الزيادة؟ولماذا لم يجعلوا الناقص هو الأصل؟(1/393)
هذا كلام جيد السبب أن أهل العلم جعلوا الإسناد الزائد هو الأصل خشية من وقوع التدليس، فكيف نكتشف التدليس في الحديث؟ نكتشف التدليس في الحديث بورود ذلك الحديث من طريق آخر فيه زيادة راو بين راويين سمع أحدهما الآخر، فلولم نقضى بقبول الزيادة فإنه يمكن أن يقول قائل وقبلنا الإسناد المعنعن بصيغة عن يعني ليس فيه التصريح بالسماع لأمكن أن يقول قائل ما الذي يدينه؟ قد يكون هذا الراوي يدلس وليس هو فقط قد يكون الذي دونه كالذي ضربنا له الأمثلة في مبحث المدلس في الحديث، مثل إسقاط بقية بن الوليد لإسحاق بن أبي فروة من ذلك الإسناد ونحو ذلك، فقد يكون تصرفا من الراوي نفسه وهو هنا بشر بن عبيد الله فقد يكون هو الذي أسقط شيخه أبي إدريس الخولاني ورى الحديث عن واثلة برواية أخرى، وقد يكون من الراوي عنه وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فيكون أسقط واسطة بين بشر وبين واثلة وهو أبي إدريس الخولاني فجعل الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل، فلخوف التدليس شرطوا هذا الشرط.
سؤال: ما معنى الحديث المسروق؟ هل هو المقلوب؟
هذا سؤال جيد وكان أولى أن يورد في مبحث الوضع في الحديث فا لحديث المسروق يناسب ذكر المثال الذي مثلنا به اليوم للحديث المسروق وهو رواية حماد بن عمرو النصيبي، يعني إذا كان هذا الحديث الذي رواه حماد بن عمرو فعلا يروى عن الأعمش لكن حماد بن عمرو نفسه لم يرو هذا الحديث عن الأعمش، فيكون قد سرق هذا الحديث ونسبه لنفسه وهو في الحقيقة لم يروه.
فسرقة الحديث من الوضع في الحديث ، لكن ليس شرطا أن يكون الراوي اختلق إسنادا ومتنا من جديد فيضع حديثا لا وإنما عمد إلى حديث غيره فسرقه ونسبه إلى نفسه وهو في الحقيقة لا يرويه.
هنا سؤال يعيدنا إلى الوراء قليلا ولعلكم أجبتم عنه: هل يقبل حديث الواضع إذا تاب إلى الله ؟ يخبروني بأن لدينا من الوقت ما نكمل به الحديث المضطرب(1/394)
نجيب على السؤال: إن الواضع إذا تاب إلى الله جل وعلا فتوبته فيما بينه وبين ربه أما قبول حديقه فلا يقبل حديثه بعد توبته لماذا؟
لاحتمال أن يكون كاذبا في توبته أيضا، قد يقول قائل هذا شدة من أهل الحديث في الحكم، فنقول: نعم لأنهم يشددون لأن الحيطة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، قد يقول قائل: انتم قبلتم توبة الراو الفلاني وهو لم يتب حقيقة فوضع عليكم أحاديث، فهم إغلاقا لباب الفتنة سدوا هذا الباب، ثم إنه من حيث الوقوع ما وجدنا راويا تاب توبة نصوحا ورد حديثه ما وجد هذا في التاريخ ولكنه مجرد تصور فقط.
إذن نتكلم عن الحديث المضطرب ما دام في الوقت فسحة.
أمامنا نوع من أنواع الحديث وهو الحديث المضطرب، والاضطراب نعرف أنه اختلال النظام فالأرض إذا اضطربت يوم القيامة اختل نظامها وهكذا، كذلك الزلزال يعد من اختلال نظام الأرض ولذلك بسبب اضطراب الأرض يحدث ما يحديث من هذه النكبات التي نراها ونسمع عنها.
إذن نعرف الحديث المضطرب بأ،ه الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية في القوة لا يمكن الجمع بينها أو الترجيع.
عندنا إذن الآن أمور مهمة أولها: الاختلاف والتساوي في القوة بين هذه الأوجه المختلفة ولا يمكننا الجمع ولا يمكننا الترجيح، هذه شروط لا بد من تحققها حتى نقضى على الحديث بأنه حديث مضطرب، فنستطيع أن نقول إذن عن شروط تحقق الاضطراب، وجود الاختلاف تساوي الأوجه في القوة لا يمكن الجمع لا يمكن الترجيح.
الاضطراب في الحديث يقع في السند والمتن على حد سواء ونحن نجد أن هذه الأنواع التي أخذناها المدرج والمقلوب والمضطرب هنا يشترك فيها السند والمتن وهذا فيه رد على من يزعم أن علوم الحديث لا تعتني إلا بالإسناد فقط فإنها تعتني بالإسناد والمتن على حد سواء لكن إذا كان هناك داعي للكلام في المتن كما في الحديث المضطرب، فإذن الاضطراب يقع في الإسناد والمتن على حد سواء.(1/395)
نستطيع أن نمثل لمضطرب السند بمثال مشهور عند أهل العلم بالحديث يوردونه في كتب علوم الحديث بسبب كثرة الاختلاف فيه وهو حديث في الأصل يرويه أبي إسحاق السبيعي عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شيبتني هود وأخواته) هذا الحديث رواه بعض الرواة عن أبي إسحاق السبيعي هكذا أبو إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر هناك من رواه عن أبي إسحاق فأسقط من الإسناد ابن عباس وجعله عن أبي إسحاق عن عكرمة عن أبي بكر، هناك من رواه عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن أبي بكر هناك من جعله عن عائشة عن أبي بكر هناك من جعله عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود، المهم أنه اضطراب واختلاف كثير جدا وبإذن الله سأعرض مثل هذا وبعض الأنواع التي سبقت معنا بالجهاز إن شاء الله تعالى وسأسوق لكم الأسانيد المختلفة في الحديث المضطرب بصورها كما هو واقع في الاختلاف في هذا الحديث، ولا أستطيع أن آتي عليها كلها لكثرة اختلافها لكن مجرد الأمثلة التي سأوردها هي كافية في تصور كثرة الاضطراب في هذا الحديث على أبي إسحاق فالمهم أن مدار الحديث على أبي إسحاق السبيعي هذا واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني فبعض الرواة يروونه على وجه وبعض الرواة يروونها على وجه آخر وهكذا الدار قطني رحمه الله تطرق لهذا الاختلاف على أبي إسحاق في كتاب العلل وأورد كثيرا من هذه الأوجه وقضى بالاضطراب في هذا الحديث، لكن أهل العلم يجتهدون فيرجحون بعض بعض الأجه فإن كان هناك مجال للترجيح فهنا يخرج الحديث عن حيز الاضطراب بلا شك،لكن إذا لم يمكن الجمع تساوت هذه الأوجه في القوة، كيف تتساوى في القوة وجدنا أن الرواة عن أبي إسحاق السبيعي كثيرا منهم ثقات وهم مختلفون فيما بينهم، فلا نستطيع أن نقول إن رواية فلان تقدم على رواية الآخرين لأن هذا فيه إزراء على الرواة الآخرين الذين رووا الحديث على أوجه أخرى، فكيف أستطيع أن أرجح رواية(1/396)
راو وأهمل رواية الرواة الآخرين؟ ممن وقع هذا الاضطراب من أبي إسحاق أم من الرواة عنه؟ نقول: إنه في الأصل أن الاضطراب قد يقع من الراوي نفسه وقد يقع من الرواة عنه، لكن مثل هذا الاضطراب واضح أنه من أبي إسحاق السبيعي وكان قد حصل له اضطراب في كسبه في آخر عمره فلعل هذا بسبب هذا التغير الذي طرأ على أبي إسحاق السبيعي رحمه الله تعالى.
فإذن هذا مثال لمضطرب السند وإن شاء الله تعالى كما سنرده سيتبين لنا بإذن الله فيما بعد.(1/397)
أما بالنسبة لمضطرب المتن فمثلوا له بحديث يرويه شريك بن عبد الله النخعي عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن في المال لحقا سوى الزكاة) هذا الحديث رواه التزمذي بهذه الصفة، رواه بن ماجة بنفس هذا ليس في المال حق سوى الزكاة) والحديث هو الحديث فلا ندري ما الآن ما الصواب رواية الترمذي أو رواية بن ماجدة لتساويهما في القوة فالحافظ العراقي يقول لا يمكن الجمع بينهما أبدا هذا يثبت أن في المال حق سوى الزكاة وهذا ينفي أن يكون في المال حق سوى الزكاة، فأصبح الحديث الآن مضطربا يعني اختل نظامة هذا ينفي وهذا يثبت ولا نستطيع أن نوفق بين الحديثين، المقصود بالجمع والترجيح على سبيل المثال إذا جئنا إلى رواية أبي إسحاق السبيعي التي تكلمنا عنها قبل قليل، إذا والله وجدنا جميع الرواة الذين روو عن أبي إسحاق روو عنه في الأخير يعني بعد أن حصل له نوع تغير، فنقول هؤلاء الرواة أخذوا عنه بعد أن حصل له التغير، فلعل هذا منشأ الاختلاف، لكن لو وجدنا سفيان الثوري شعبة بن الحجاج يروون هذا الحديث عن أبي إسحاق على وجه من الوجوه نستطيع أن نقول إن رواية مثلا الثورى عن أبي إسحاق هي الراجحة لأن الثوري روى عن أبي إسحاق قبل أن يحصل له التغير، فنرجح تلك الرواية فإذا أمكننا هذا الصنيع الترجيح هنا لا نحكم على الحديث بالاضطراب ولذلك نحن اشترطنا أنه لا يمكن الترجيح بين الروايات أما بهذا الشكل إذا رجحنا انتهى الإشكال، كذلك لا يمكن الجمع، أنا أسئلكم كيف هل من أحد يعرف كيف يمكن الجمع على سبيل المثال بين هذه الرويات هل يمكن الجمع بين هذه الروايات التي عن أبي إسحاق ما يمكن نتصور جمعا تقصد بين الرواة بين هذه الطرق المختلفة هل يمكن أن نتصور جمعا نجمع به بين هذه الطرق المختلفة على أبي إسحاق السبيعي؟ صعب الترجيح الجمع ما يمكن ما يمكن ألا يمكن أن تتصور شيئا ولو كان صعبا؟ لو(1/398)
كان كل الرواة ثقات عن أبي إسحاق وحملوا عنه قبل التغير والاختلاط يمكن أن نقول إن أبا إسحاق له فيه عدة أسانيدبارك الله فيك هذا الذي نريد، نريد من مثل هذا يعني يمكن أن نقول إن أبا إسحاق يروي الحديث عن عكرمة عن بن عباس عن أبي بكر، ويروي الحديث عن علقمة عن بن مسعود وهذا ليس اضطرابا ولا اختلافا ولكن له في الحديث عدة أسانيد، إذا أمكننا أن نجمع بهذا الجمع فهذا جيد، لكن قالوا في هذا الحديث لا يمكن الجمع لعدة قرائن من جملتها مثلا روايته عن عكرمة عن أبي بكر ابن عباس أين هو، يعني لو كان الحديث موجودا عند عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر لماذا يذهب عكرمة فيرويه عن أبي بكر وعكرمة لم يلق أبا بكر يعني لم يدركه فالإسناد ينقطع حتما فهناك قرائن احتفت بهذه الرواية عند علماء الحديث قالوا لا يمكن الجمع بين هذه الأوجه المختلفة المضطربة بحال من الأحوال فلذلك قالوا هذا الحديث مضطرب وتركوا هذا الرواية، أما كون الحديث روي عن أنس بن مالك أو صحابة آخرين هذا أمر أخر أنا لا أتكلم الآن عن أصل الحديث، قد يقول قائل يعني أنت تضعف حديث (شيبتني هود وأخواتها ) فأقول هذه مسألة أخرى يعني كون هذه اللفظة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق أخرى لا أتكلم عنها مع أ، العلم أن ثبوتها ليس ثبوتا قطعيا يعني يمكن أن تجمع الطرق ويقال إن الحديث حسن لغيره بمجموع الطرق أما كونه صحيحا لذاته فلا، الحديث ليس له إسناد صحيح مستقل.
أشهر المصنفات في موضوع الحديث المضطرب ألف فيه الحافظ بن حجر كتابا اسمه المغترب في بيان المضطرب" الكتاب هذا أيضا لم يصل إلينا حتى الآن ولكن لعله يوجد إن شاء الله تعالى.(1/399)
ما حكم الحديث المضطرب؟ نقول إن الحديث المضطرب من أنواع الحديث المردود، وسبب الرد أنه يشعر بعدم ضبط الراوي أو الرواة لهذا الحديث فهذا الاضطراب والاختلاف دليل على أنهم لم يضبطوا هذا الحديث وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مبناها على الحيطة فلا يمكننا أن نثبت حديثا يحلل ويحرم وتراق به الدماء وتستباح به الأموا والأعراض وغير ذلك بمجرد ظنون.
فما دام فيه هذا الاختلاف والاضطراب نحن نقول لا أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم – لا نأخذ فيها إلا ما كان إسنادا يشد به اليد إسنادا صحيحا ثابتا فهذا هو سبب الرد هو أنه يشعر بعدم ضبط الراوي كأبي إسحاق السبيعى أو الرواة الذين اختلفوا من حديث فلذلك رددناه وبذلك نكون قد انتهينا من الكلام عن الحديث المضطرب واستوعبنا من كثيرا من وقت الحلقة.
إذا وردت لفظة مقلوبة في حديث صحيح أو في الصحيحين نقول إن كل الحديث مقلوب وبالتالي ضعيف أم هذه اللفظة فقط ضعيفة ؟
هذا السؤال أجبنا عليه يعني هل يحكم على الحديث المقلوب كله أنه ضعيف أو على اللفظة التي فيه الأصل أن نحكم على اللفظة، لكن مادام أن القلب انكشف لنا بطرق أخرى فلا داعي لإيراد هذا السؤال لأن الحديث صحيح من طرق أخرى.
ماذا يصنع طالب العلم حين لما نجد أن عالما من العلماء المتقدمين كالدار قطني ومن قبله وحكم على حديث ما بالاضطراب فجاء بعض المعاصرين فنفى الاضطراب وحاول أن يجمع بعض الطرق ويدفع عنه الاضطراب هل في هذه الحالة نسلم للمعاصر أما ماذا نصنع؟.(1/400)
المسألة من وجهة نظري أنها واضحة وبينة، فإذا كان الدار قطني وهو الإمام الجهبز الناقد الذي اعترفت الدنيا كلها له بالحفظ والإمامة بحفظ الحديث، يأتي إنسان صغير لو قلت له إسرد لي مائة حديث حفظا ما استطاع أن يسرد بينما الدار قطني يسرد هذا الاختلاف الذي لا يستطيعه إلا الندر من الناس يسرده من حفظه، يعني كتاب العلل أملاه الدار قطني من حفظه - رحمه الله تعالى – فمن يكون هذا عند الدار قطني في إمامته إفرض أنك أمام جبلين، فالدار قطني هو الدار قطني وهذا الإنسان لو كان عالما بالحديث من سيكون أمام الدار قطني فكيف إذا كان من أهل العصر الحاضر الذين ضعفت عندهم الملكة العلمية، لا شك أنني أفضل حكم الدار قطني على حكم هذا الإنسان المعاصر.
هل هذه الأحاديث يؤخذ بها في فضائل الأعمال
سبق أن تكلمنا عن الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الأعمال وبينا الشروط فيما يغني عن الإعادة هنا لعل تراجع الحلقة التي تكلمنا فيها حتى لا يذهب علينا الوقت وبالنسبة للحديث المضطرب والحديث المدرج والحديث المقلوب لا يؤخذ بها في فضائل الأعمال، لا يؤخذ بالألفاظ أو بهذه المتون التي انتقضت أما الأشياء الصحيحة كمثلا الحديث المقلوب نأخذ بالحديث الأصل الذي لم ينقلب نعم هذا نأخذ به، لكن اللفظ الذي انقلب لا نأخذ به، الحديث المدرج لا نأخذ به ونقول في فضائل الأعمال لا نأخذ بالإدراج لأن الإدراج ليس من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - المضطرب لا نأخذ به في فضائل الأعمال لأن ضعفه شديد.
إذا كان المعاصر متخصص بهذا الحديث بعينه وجه جهوده كله للدراسة ألا يكون هذا سبب لقبول حكمه في الحديث؟(1/401)
إذا كان المعاصر استطاع أن يجمع طرق الحديث ويأتي بشيء لم يذكره الإمام المتقدم بما يدل على أن الإمام المتقدم خفيت عليه بعض الأمور فهذه الأمور مستثناة لكن هل لها أمثلة هذا هو السؤال، وفي الغالب أنه لو كان هناك شيء من هذا القبيل فإن الإمام المتقدم يكون قد خولف من إمام مثله ونحن كلامنا في عدم المخالفة أما لو اختلف الأئمة الجهابزة النقاد الذين يصار إلى أقوالهم لو اختلفوا فيما بينهم لا الحال يختلف فكلهم أئمة عندنا ونحن نرجح بين أقوالهم بالمرجحات التي ندين لله جل وعلا بها، أما إذا لم يردنا إلا كلام هذا الإمام الجهبز الناقد الذي توسع في إيجاد طرق الحديث وهذا المتأخر جاءنا وجاء بنفس الطرق التي جاءنا بها الإمام المتقدم لم يأتنا بشيء جديد ومع ذلك يعطينا رأي مخالف لهذا الإمام فنحن مع رأي هذا الإمام.
هناك إجابات كثيرة: تقول إجابة السؤال الأول: تعريف الحديث الموضوع وهو الطعن بكذب الراوي في الحديث وهو يختص بفقد العدالة وهو أسوأ أنواع الحديث
يعني قلنا في تعريف الحديث الموضوع هو المختلق المكذوب المنسوب للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
تقول إجابة السؤال الثاني: أسباب الوضع: عدم الدين، ثانيا: غلبة الجهل فرط العصبية
نحن قلنا الزندقة والعداء للإسلام يمكن هي تعبر عنه بعدم الدين للأمانه هي ذكرت الزندقة.
تقول: الحديث الموضوع هو الحديث المختلق المصنوع وهو الحديث المكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم – وقد يقع على سبيل الوهم ولكن الأعم الأغلب أنه من قبيل العمد
السؤال الثاني: الأسباب أولا: الصراع السياسي والعقدي الذي وجد في صدر الإسلام ثانيا الزندقة والبغض للإسلام
الرابع: أن يكون من غير قصد على سبيل الخطأ لأغراض دنيوية
نشكر لهؤلاء الذين يتابعون لهم حرصهم ونسأل الله جل وعلا لنا ولهم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا حجة علينا.(1/402)
يسأل عن خريطة صفة الرواة هل هي كذب الرواة الموضوع تهمته بالكذب المتروك فحش غلطه يعني يسأل يقول صححوني هل هذه الخريطة صحيحة أم لا فما هي الخريطة الصحيحة؟
أنا إن شاء الله تعالى أخشى في البداية أن أعرض فيكون على حساب الوقت، لكن أرجو أن يكون عندنا وقت إن شاء الله تعالى في آخر الحلقات وأعرض بإذن الله تعالى بالجهاز يعني أشياء توضح ما ذكرناه وستكون إن شاء الله من باب المراجعة والمسح الشامل لما تعلمناه إن شاء الله تعالى ويمكن لهم أن يسجلواهذا الذي سأعرض طريق الحاسب الآلي يسجلوا عندهم.
يسأل عن حديث (إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه)
نقول بالنسبة لهذا الحديث حديث أبي هريرة (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبيته أو يضع ركبتيه قبل يديه) على اختلاف الروايات، نقول: خلاصة هذا الحديث أنه كله برمته غير صحيح وبالتالي نشأ خلاف على الساحة الإسلامية بسبب هذا الحديث وكون بعض ألفاظه يقال فيها (وليضع يديه قبل ركبتيه) وبعضها وليضع ركبيه قبل يديه، وابن القيم - رحمه الله تعالى – قال: هذا الحديث من المقلوبوالصواب أنه (وليضع ركبتيه قبل يديه) وانقلب على أحد الرواة وهكذا وأنا أقول الحديث برمته ضعيف ونستريح من هذا الخلاف.(1/403)
قد يقول قائل ماذا نصنع أنضع أيدينا قبل ركبنا أو العكس؟ أقول أننا إذا تلمسنا الأحاديث المرفوعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا نجد شيئا في هذا فالحمد لله يكون في الأمر سعة يضع الإنسان يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام بن تيمية هون من المسألة وقال الأمر هين فبإمكان المصلى أن يضع هذه قبل هذه أو العكس، لكن فيه شيء يمكن أن يستأنس به مجرد استئناس وهو أنه ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه يبرك كما يبرك البعير، قد يقول قائل كيف يبرك كما يبرك عن البعير والنبي - صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن بروك كبروك البعير؟ نقول نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - غير صحيح يعني لم ينه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بروك كبروك البعير، الحديث غير صحيح، فبالتالي إذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – وضع ركبتيه قبل يديه وقال الراوي يبرك كما يبرك البعير فالأمر هين فهذا من فعل عمر بن الخطاب وهو ثابت عنه وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه –نعرف أنه من أكبر الصحابة عند النبي - صلى الله عليه وسلم -
لا يتقدمه إلا أبي بكر فهو إذا لصيق بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
يراه ويعرف صفة صلاته عليه الصلاة والسلام هذا همنا أن عمر بن الخطاب سيكون فعله أقرب إلى النبي هدي - صلى الله عليه وسلم -
وسمته، فالذي يريد أن يأخذ بهذا الذي ثبت عن عمر فله ذلك والذي يريد أن يجتهد فله أن يجتهد ولا ينكر أحد على أحد فهذه المسألة من المسائل التي يثار خلاف على الساحة كله بسبب هذا الحديث الضعيف.
تسأل عن قلب الحديث من غير قصد
تكلمناعن هذا قلنا إن الحديث الذي انقلب على الراوي من غير قصد فخطأه مغفور له لأنه لم يتمعد هذا، لكن قلنا إذا كثر من هذا الراوي فهاذ يدل على عدم ضبطه فيقبقح في ضبطه يعني يقال غير ضابط، أما عدالته فقد يكون الراوي عدلا.
هل رواية الحديث بالمعني تعد قلبا؟(1/404)
الرواية بالمعنى لا سيأتي الكلام معنا إن شاء الله في الحلقة القادمة سنتكلم عن الرواية بالمعنى فيها تفصيل.
تقول: هل حديث النهي عن الهي كهي البعير يعد مقلوبا؟
نفس الكلام الذي ذكرته جواب على هذا السؤال نقول: ابن القيم قال إنيه مقلوب، وقلت إن الحديث برمته من أصله غير صحيح يعني لم يثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
يقول: إننا نسمع لفضيلة الشيخ كثيرا من الأحاديث وتبين لنا من دروسكم أننا كنا نروي أحاديثا غير صحيحة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهل نحن آثمون؟
نسأل الله أن يغفرلنا جميعا إنما العلم بالتعلم، فنحن بحمد الله في مثل هذه المجالس الطيبة التي نتذاكر فيها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – ونتعلمها نتعلم أيضا هذه الآداب التي ينبغي أن تحتك بنا في التعامل مع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – فلا نذكر من الأحاديث إلا ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا نذكر للناس إلا ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - لأن الأمر يا إخواني خطير جد خطير لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) بعض الروايات (يرى أنه كذب فإنه أحد الكاذبين) (ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) فلذلك يشدد أهل العلم في رواية الأحاديث، ينبغي ألا يذكر الإنسان الحديث إلا وهو متثبت من صحتة حتى لا يقع في هذا الوعيد الشديد نسأل الله السلامة.
يسأل: هل حصل اتفاق بين أئمة الحديث على اضطراب بعض الأحاديث؟
نعم هناك بعض الأحاديث التي يحكمون عليها بالاضطراب مثل هذه الحديث الذي ذكرناه عن أبي إسحاق السبيعي يكاد يكون كلامهم متفقا وقد يكون فيه شيء من الاختلاف من بعض الأئمة لكنه اختلاف لا أرى أنه يؤثر فيكاد يكون كلام أهل العلم متفقا على أن هذا الحديث حديث مضطرب.(1/405)
تسأل عن أحد الأحاديث وتقول منذ مدة وأنا أبحث عن إجابة –لعلها تجدها عندكم-من الذي كان يؤذن بليل بلال أم ابن أم مكتوم؟ هل هذا ضروري أن نعرف هذا؟
هي قاصدة لأن هذ الحديث مما قيل أنه انقلب فيقال: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) قالوا هذا الحديث منقلب والصواب أن ابن أم مكتوم كان يؤذن بليل لأنه رجل أعمى فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال لأن بلال هو الذي يرى الصبح بعضهم قال إنه مقلوب يعني هذا هو الصواب، لكن أنا أرى أن هذا القول غير صحيح تدرون ما السبب هل أحد يعرف السبب؟
لأن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يخبر الناس
أحسنت لأن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت كما جاء في الحديث، فهذا دليل على أن الحديث لم ينقلب وأن هذه الرواية هي الصحيحة.
يقول: ما هو حكمكم على المدرج إذا كان عمدا وإذا كان غير عمد؟
إذا كان الذي أدرج أدرج لفظا يستشف منه زيادة في الحكم في الحديث عن قصد خاصة مثل ما قلنا عن الإدراج الذي من نوع الوضع في الحديث فهذا نسأل الله السلامة داخلا في الوعيد الشديد لكن معظم الإدراج الذي وجدناه ليس من هذا القبيل وإنما هو جاء لأجل إستنباط حكم شرعي أو بيان حكم شرعي أو بيان لفظة غريبة، بعض أهل العلم يتسنح في بيان اللفظة الغريبة قال: إذا كا الإدراج لبيان لفظة غريبة لا بأس به، نقول لا بأس به إذا كان هذا واضحا بينا أما إذا كانت هذه اللفظة الغريبة ينبني عليها حكم آخر فالأمر يختلف، فيمكن أن يصدر من مجتهد لكن لا يقبل ذلك منه.
لكن حينما تسنحوا وقالوا: يمكن أن يقبل هذا إذا كان لأجل لفظة غريبة لأنهم في الأصل أجازو الرواية بالمعنى كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.(1/406)
فهذا الكلام له التصاق بالكلام الذي يأتي معنا في الرواية بالمعنى فما دام أنه يمكن أن يرد بالمعنى فبدلا من التحنث يقول يتعبد قالوا ما دام هذا جائز فلماذا نمنع من بيان اللفظة الغريبة هذا صحيح من هذه الجهة.
حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قاء فتوضأ هل هو صحيح الحديث وإذا صح هل هو للاستحباب هل ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أذن مرة واحدة في حياته هل أذن؟
هناك كثير من الخطباء يستدل بحديث موضوع أو ضعيف والعامة لا يعلمون ضعيف أو موضوع نريد أن نشرح لهم؟ كذلك الحديث الذي ذكرته عن القبور هل هناك حديث صحيح آخر؟
يسأل عن حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوض) نقول الحديث هو صحيح في أصله لكن حصل الاختلاف في لفظة فتوضأ، في بعض الفاظه قاء فأفطر وبعضها قاء فتوضأ، هذا الحديث هو حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أو عن أبي ذر ابنه عن أبي الدرداء ولما ذكر معدان هذا الحديث لثوبان - رضي الله عنه - قال: صدق أنا صببت له - صلى الله عليه وسلم - وضوءه حتى على الرواية الأخرى التي قال بعضهم إنها هي الصواب بعضهم قال إن الصواب أنه قاء فافطر وليس فيه فتوضأ وهذ الخلاف يرد في هل القيء ينقض الوضوء أو لا قالوا: الصواب في الرواية أنه قاء فأفطر لكن حتى لو قلنا إن هذه الرواية هي الصواب فزيادة ثوبان - رضي الله عنه – توحي بصحة هذه اللفظة وهي قوله: صدق أنا صببت له - صلى الله عليه وسلم – وضوءه، يبقى الخلاف بعد ذلك هل الوضوء هنا هو الوضوء الشرعي أو الوضوء اللغوي، يعني هو غسل القيء وآثاره ونحو ذلك وليس هو الوضوء الذي هو الاستعداد إلى الصلاة بمعنى أنه لا يكون دليلا على انتقاض الطهارة هذه مسألة فقهية تناقش في موضعها لكن المقصود الآن نتكلم عن صحة الحديث، فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى.(1/407)
أما أذان النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنا لا أذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه أذن ولو مرة واحدة أنا لا أذكر في هذا شيئا.
نصيحة للخطباء: لعل إن شاء الله تعالى في الكلام الذي ذكرته قبل قليل إلى التنفير من رواية الأحاديث التي لا يتثبت الإنسان من صحتها حتى لا يدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم – (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) لعل مثل هذه الأحاديث تردع هؤلاء الإخوة الذين يتصدرون للخطابة أو للوعظ أو للإرشاد أو نحو ذلك، فنقول لهم تثبتوا وفقكم الله وارشدو المسلمين وجزاكم الله خيرا ولكن احرصوا ألا تأخذوا من الأحاديث الا ما صح وتتثبتون منه.
وبهذه المناسبة فإن علم الحديث الذي نتعلمه نحن الآن يجب أن نستخدمه في هذا العصر الحاضر الذي تبث فيه كثير من القنوات كثير من الشبه فيما يتعلق بأمور العقيدة وأمور العبادات وبعض الذين يفتئتون وينسبون ليس المقصود فقط التثبت في أحاديث النبوى - صلى الله عليه وسلم -
بل علم الحديث علم تربوى ينبغي أن يصطبغ سلوكنا به في جميع حياتنا في نقل بعضنا عن بعض فيما إذا لو جاءني إنسان ينقل لي كلاما في إنسان آخر ونحو ذلك أو إنسان ينقل كلاما عن عالم آخر لا أسلم له بالقبول، إذا قال هذا والله أجازه العالم الفلاني يجب أن أتثبت، والتثبت عن طريق معرفة من الذي روى هذا ومن الذي روا هذا وأين رواه وهكذا لأن هناك الآن أناس حسب ما نسمع يوردون بعض الشبهات ويذكرون بعض البدع و يريدون أن يضفو الشرعية على هذه البدع بطريق نسبة هذه البدع لبعض الأئمة،فنقول احذروا من هؤلاء ما ذكر لكم عن هؤلاء الأئمة فتثبتوا منه هل يثبت عنهم أم لا وهذا عن طريق علم الحديث واصطباغ سلوكنا به.(1/408)
أما حديث القبور قلنا إنه في صحيح مسلم يعني لا إشكال (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليه) فالحديث في صحيح مسلم لكن نحن نناقش فقط الزيادة في الإسناد وهي غير مؤثرة بحمد الله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فكنا تكلمنا بالأمس عن بعض أنواع علوم الحديث التي نستكمل بقيتها في هذا اليوم، كنا تكلمنا عن المدرج، والمقلوب ، والمضطرب، وزيادة الثقة، وفي هذا اليوم سنتكلم عن بعض الأنواع الأخرى، أيضا هذه الأنواع التي سنتكلم عنها ( الحديث المصحف )
التصحيف في اللغة: هو التغيير.
أما تعريفه في مصطلح الحديث، فنستطيع أن نقول : أنه تغيير كلمة في الحديث، على غير ما رواها الثقات إما لفظاً أو معنى .
وهذا النوع من أنواع علوم الحديث اعتنى به علماء الحديث لأهميته البالغة ؛ والسبب : أن هناك بعض التصحيفات التي وقعت من بعض علماء الحديث الكبار الجهابذة النقاد ، فضلاً عن بقية الرواة، فما دام هذا التصحيف قد وقع من الكبار كما سنمثل له إن شاء الله تعالى ، فإنه بحاجة إذاً إلى من يضبطه ويعتني به وهو داخل أيضاً في علم علل الحديث، يعني هو من صور العلة،ومن أسباب وقوع العلة في الحديث؛ التصحيف .
الحديث المصحف نستطيع أن نتكلم عنه من حيث القسمة، ومن حيث الأسباب وبعض الحيثيات الأخرى فنقول:
إنه من حيث القسمة ينقسم إلى قسمين: مصحف الإسناد، ومصحف المتن
بمعنى أن التصحيف قد يقع في الإسناد و قد يقع في المتن على حد سواء.(1/409)
أما بالنسبة للتصحيف الذي يقع في الإسناد : فهناك من يرى أنه أقل من وقوع التصحيف في المتن، لكن في الحقيقة أن النظر إلى كثرة التصحيفات الواقعة في الإسناد نستطيع أن نقول أن أكثر التصحيف يقع في الإسناد، لكن أكثر ما يقع في أسماء الرواة، و السبب أن هناك بعض الرواة الذين يعتمد في ضبط أسمائهم على الصحف ، على الكتب وتكون أسمائهم غريبة كما سنمثل له إن شاء الله تعالى وكان من عادة العلماء السابقين أنهم لا ينقطون الكتب، فيمكن أن يرسموا ، يكتبوا "بشار" بدون نقط، فيقرأ : "بشار" و"يسار" وهكذا ، ويمكن أن يكتبوا الكلمة أيضا من غير شكل كبَشِير وبُشَير، الفارق بينهما ضم الباء وفتحها، فإذا لم تشكل فإنه قد يقع التصحيف والتحريف في مثل هذه الكلمات .
ولذلك الذي أراه، أن التصحيف في الإسناد هو الأكثر، أكثر من وقوعه في المتن، مع وجود التصحيف في المتون لكن وقوعه في الإسناد أكثر.
الأسباب التي توقع في التصحيف :
هناك سبب يتعلق بذات الراوي نفسه ، وهذا السبب هو اعتماد الراوي على الصحف، ولذلك سُمي تصحيفاً لأنه يعتمد على الصحف يعني على الكتب، فلا يأخذ عن المشايخ، أما الذين يأخذون عن المشايخ فإنهم أقل غلطاً من غيرهم، والتصحيف عندهم أقل من وجوده عند غيرهم، لكن ليس معنى هذا أنهم لا يقع منهم التصحيف، بل يقع للأسباب التي أذكرها، وسيتضح هذا من خلال الأمثلة التي سنبينها إن شاء الله تعالى.
فهذا السبب يعود إلى أصل طريقة الطالب والتلميذ والراوي في الطلب، إذا كان يعتمد على الصحف وعلى الكتب فإنه يقع منه هذا التصحيف، لكن الأسباب المتعلقة بوجود التصحيف عند الجميع نجد أن هذه الأسباب تعود إلى سببين:
بعضها يتعلق بالسمع وبعضها يتعلق بالبصر، ولذلك بعضهم يقول أننا نسمي هذا أقسام التصحيف من حيث المنشأ، يعنى ما منشأ التصحيف بعضه ينشأ بسبب البصر وبعضه ينشأ بسبب السمع .(1/410)
أما بالنسبة لمنشأ التصحيف بسبب البصر، فهو ما ذكرته لكم من الاعتماد على الكتب التي لم تضبط، يعنى لم تُنقط ولم تُشكل بالضبط ، فيعتمد الراوي على هذا الكتاب وإن كان قد تلقى عن الأشياخ في السابق، لكن لما كتب كان يعتمد على حافظته في ذلك الوقت ويظن أنه هو لن يقع منه التصحيف، ومع مرور الزمن لما احتاج إلى الرواية من هذا الكتاب كان قد نسي ضبط ذلك الراوي فوقع في التصحيف، بسبب وجود الرسم مشابهاً لرسم كلمة أخرى، ولعله من خلال المثال يتضح المقال إن شاء الله تعالى.
فمن كبار الأئمة عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى، إمام ناقد جهبذ هو يتكلم في الرواة، وهو يصوب ويُخَطِّيء وهكذا، فعبد الرحمن بن مهدي روى حديثاً من طريق راوي يقال له شهاب بن شرنفة ولفظة شرنفة هذه غامضة وقليلة الاستعمال، فإذا كان كتب كتابه دون أن يضع النقط على هذه الكلمة فإنها فيما بعد ستقرأ على الرسم المشهور عند الناس، فهو حينما رجع لكتابه أصبح يقرأ هذا الاسم شهاب بن شريفة، ونحن نعرف أن رسم شرنفة ولفظ شريفة واحد إذا لم تُنقط الكلمة، فلذلك تصحف هذا الاسم على عبد الرحمن بن مهدي بسبب طول العهد، ما ضبط كتابه ونقطه حينما سمع من الشيخ ، اعتمد على حافظته فنسي ضبط هذا الاسم بعدما تقدمت به السن.
كذلك أيضا من التصحيفات التي وجدت عند عبد الرحمن بن مهدي راوي اسمه قيس بن حبتر ، ونعرف أن لفظة حبتر غريبة وتحتاج إلى من يضبطها، فعبد الرحمن بن مهدي أيضاً ما ضبط هذه الكلمة، فلما احتاج إلى روايتها أصبح ينطق هذا الاسم هكذا قيس بن جبير، ونحن نعرف أن رسم جبير ورسم حبتر واحد إذا لم يكن هناك نقط إلى هذه الكلمة .(1/411)
كذلك عبد الله بن المبارك ، من التصحيفات التي وقعت له، وقع له بعض التصحيفات في المتون، ومن ذلك أنه روى حديث القلتين (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوب به من السباع) ولم يشكل عبد الله بن المبارك ولم هذه الكلمة، فأصبح يرويها هكذا، (سئل عن الماء وما يثوبه من السباع، ينوبه أصبح ينطقها يثوبه، بسبب غرابة كلمة ينوبه .
يحيى بن معين -رحمه الله - بالرغم من أنه جهبذ ناقد ويتكلم في الرواة جرحاً وتعديلاً ؛ حصلت له قصة مع الإمام أحمد وأبي قطن الذي ذكرناه بالأمس - إن كنا نتذكر - حينما تكلمنا عن الحديث المدرج، وقلنا إن أبا قطن واسمه عمرو بن الهيثم وشبابة بن ثوار رويا الحديث عن شعبة عن محمد بن زياد الطحان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أسبغوا الوضوء) فأبو قطن معروف بالرواية عن شعبة، هو من تلاميذ شعبة، كان أبو قطن ويحي بن معين والإمام أحمد جالسين في مجلس ، فروى أبو قطن حديثا عن شعبة عن العوام بن مراجم، فخطأه يحيى بن معين وقال العوام بن مزاحم، فخاف أبو قطن من كلام يحيى بن معين وخشي أن يضبط عليه هذا الوهم، المحدثون عندهم حساسية في قضية الأوهام فانفعل بسرعة وقال: فعلى الله بي ما فعل إن لم يكن العوام بن مراجم، فقال يحيى بن معين قد حدثنا به وكيع عن شعبة فقال العوام بن مزاحم، فتدخل الإمام أحمد فقال: حدثنا به وكيع عن شعبة فقال العوام بن مراجم، يعني أنك وهمت يا يحي بن معين، فسكت يحيى لما تدخل الإمام أحمد في هذه الحالة، فقالوا أن يحيى بن معين صحف عليه اسم هذا الراوي بسبب الرسم لأن رسم مزاحم ومراجم واحد، لذلك مع طول العهد لم ينقط يحيى بن معين كتابه فوقع فى الوهم بهذه الصفة .(1/412)
قلنا أن القسم الأول وهو تصحيف الأسناد، قد يقع التصحيف في أسماء الرواة، وهذه من أمثلة التصحيف في أسماء الرواة وهذا كثير جداً في كتب الحديث وسنبين إن شاء الله تعالى حينما نتكلم عن المؤلفات أهمية هذه المسألة.
قلنا : من حيث المنشأ إذاً أن أكثر ما يقع التصحيف بسبب الاعتماد على الكتاب .
لكن أحياناً يقع التصحيف بسبب السمع، قلنا المنشأ هناك البصر وأحياناً يكون المنشأ السمع، وهذا يقع على وجه الخصوص حينما يكون هناك ألفاظ جاءت على وزن صرفي معين، يكون الطالب سمع الشيخ وهو ينطق باسم راوي من الرواة وربما كان ذكر كامل الإسناد فيعتمد على حافظته بما سمع من الشيخ ويبدأ يبين لكن يقع في الوهم حينما يكون متذكراً لاسم راوي يتفق مع هذا الراوي الذي ذكره الشيخ في وزنه الصرفي مثل : واصل الأحدب وعاصم الأحول، نجد أن هذين الاسمين برغم افتراقهما إلا انهما على وزن صرفي واحد ، فإذا كان الشيخ ذكر الإسناد كأن يقول: حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا ؛ ربما جاء الراوي يكتب: حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا واصل الأحدب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، والسبب عاصم الأحول، واصل الأحدب، نجد وزنها الصرفي واحد، فإذاً هذا التصحيف منشأه السمع، يعني أخطأ في السمع كما أن الخطأ يكون بالبصر، لكن الخطأ في السمع أقل بكثير من الخطأ عن طريق البصر .
كذلك أحيانا يقع التصحيف في اللفظ وفي المعنى، وأكثر ما يقع التصحيف في اللفظ، كما هو واضح من الأمثلة التي معنا .
أما بالنسبة للتصحيف في المعنى يكون لفظ الحديث هو هو ما تغير ولكن يفهمه الراوي فهما غير ما يفهمه الرواة الآخرون .(1/413)
والتصحيف في المعنى هذا ، أصبح في بعض كتب التصحيف وما إلى ذلك فيه شيء من الدعابة والترفه، بحيث أن هناك تكثر في ذكر بعض الأمثلة التي معظمها لا يثبت عن الرواة، ولذلك أنا أحذر من التنكيت في مثل هذه المسائل التي قد تمس أعراض رواة ، وأحيانا أئمة ولا يتقبل أن يتكلم في الأئمة بسبب حكايات تحكى عنهم ولا تثبت، لكن الأشياء الثابتة نعم، لا بأس من ذكرها، من باب التنبيه والتعليم وهكذا.
فمن أجود الأمثلة التي ذكرت في هذا وهو ثابت عن من صحفه مثال وقع لأبي موسى محمد بن المثنى العنزي المعروف بـ الزمن ، محمد بن المثنى هذا من شيوخ أصحاب الكتب الستة تقريباً راوي مشهور من تلاميذ يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وهكذا، محمد بن المثنى روى حديثا عن النبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة فأصبح يقول : نحن قوم –يقصد قبيلته قبيلة عنزة- لنا شرف، صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ظناً منه أن العنزة التي ذكرت في الحديث هي القبيلة، بينما العنزة التي ذكرت في الحديث هي الحربة، التي توضع بين النبي صلى الله عليه وسلم ليتخذها سترة حتى لا تقطع عليه الصلاة، فهذا الراوي ضبط لفظ الحديث لكنه أخطأ في فهم معناه، فهذا يقولون تصحيف معنى حينما صحف معنى هذا الحديث وفهمه على غير الفهم الصحيح .
أما بالنسبة للتصحيف الذي يقع في متون الأحاديث فهي كثيرة أيضاً، ولكن كما قلت فيما أرى أن التصحيف أسماء الرجال أكثر منه.
من أمثلة التصحيف الذي يقع في متون الأحاديث المثال الذي ذكرته عن عبد الله بن المبارك حينما صحف ينوبه إلى يثوبه، كذلك ما وقع لأبي بكر الصوري حينما روى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، حينما لا تنقط هذه الكلمة (ستاً من شوال) نطقها أبو بكر الصوري "شيئاً من شوال" من صام رمضان وأتبعه شيئاً من شوال، فهذا تصحيف بسبب البصر أيضا حينما قرأ من كتابه.(1/414)
قالوا أيضاً من أمثلته ما وقع لابن لهيعة حينما تصحف عليه حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد أي اتخذ حجرة، فصحفه وقال : احتجم في المسجد بلفظ الحجامة، والمساجد تصان عن الحجامة لأنها قد تلوث المسجد، لأن الحجامة يخرج منها الدم.
إذاً هذه تقسيمات التصحيف، وعرفنا منشأ التصحيف ما هو وكيف وقع، وأنه يقع باللفظ ويقع بالمعنى وهلم جر.
نختم الكلام عن هذا بذكر أشهر المصنفات التي صنفت في التصحيف :
فأقول هناك مصنفات أفردت للتصحيف الذي نتلكم عنه وعناوينها تحمل هذه اللفظة، لفظة التصحيف فمن أشهر هذه الكتب التي ألفت في هذا :
كتاب ( تصحيفات المحدثين ) لأبي أحمد العسكري، وهو كتاب مطبوع في ثلاث مجلدات، وهو من أجود الكتب التي صنفت في هذا.
كذلك هناك بعض الكتب التي ألفت في هذا، من جملتها كتاب للدارقطني رحمه الله كتاب ( التصحيف ) لكن هذا الكتاب لا نعرف عنه شيئاً ولم يصل إلينا بعد.
فيه كتب كثيرة ألفت في التصحيف من آخرها كتاب ( التطريف في التصحيف للسيوطي) وهو أيضا مطبوع.
لكن التصحيف لا يقف فقط عند هذه العناوين، فهناك كتب كثيرة ألفت في هذه المواضيع بعضها ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى وهي تتعلق بضبط الأسماء، ومن جملتها كتب المؤتلف والمختلف، كتب مشتبه النسبة، وهي كثيرة، وهذه سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى في مواضيع أخرى، لكن الذي دعا أهل العلم إلى التصنيف في هذا الفن كثرة وقوع التصحيف في الأسماء ؛ فاحتاجوا إذا أن يضبطوا هذه الأسماء التي تأتلف وتختلف، يعني تأتلف في شكلها وتختلف في نطقها أو في حقيقتها، وكتب مشتبه النسبة التي يقع فيها الاشتباه في النسبة أو حتى في أسماء الرواة، هذه سيأتي الكلام عنها لاحقا إن شاء الله ونكون بهذا قد انتهينا عنا لكلام عن الحديث المصحف، وننتقل إلى مبحث آخر، ونتوقف بعده إن شاء الله تعالى، وهو مبحث ( الرواية بالمعنى )(1/415)
(وقد يقع الإبدال عمدا امتحانا- أو بتغيير مع بقاء السياق: فالمصحّف والمحرّف. ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني. فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل. )
أبين نقطة ذكرها الحافظ ابن حجر ولم أجد من ذكرها قبله وهو التفريق بين المصحف والمحرف، والتفريق هذا تفريق فنس لا حرج فيه لأن الحافظ ابن حجر إمام من الأئمة يجتهد كما يجتهد باقي الأئمة، فالحافظ بن حجر رأى اجتهاداً منه التفريق بين المصحف والمحرف ، فقال: إن كان التصحيف والتغيير الذي وقع في الكلمة بسبب النقل – مثل كما قلنا ستا ، شيئا ، كما أبو بكر وهكذا- أو حبتر تصحفت إلى جبير وهذا نسميه تصحيفا ولا نسميه تحريفا.
وإن كان التغيير الذي وقع في ضبط الكلمة مثل ( بَشير) و (بُشير)، (بريد) و (يزيد) ونحو ذلك ولكن بَشير و بُشير فهذا نسميه تحريفا ولا نسميه تصحيفا ، هذا مراد الحافظ ابن حجر في التفريق بين هذين النوعين، فهذا أمر هين إن شاء الله تعالى .
بالنسبة للرواية بالمعنى، عرف من واقع الروايات التي وصلت إلينا أنه يصعب جداً على المحدث الذي يعتمد على حافظته أن يؤدي الحديث بألفاظه تماماً، وإن كان بعض أهل العلم يدققون في هذا كما حصل من الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حينما روى حديث بني الإسلام على خمس فقدم الصيام على الحج، فقال أحد الحاضرين : الحج وصيام رمضان، قال : لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله r، فما تغير شيء في الحديث، القضية قضية تقديم الصيام على الحج، أو الحج على الصيام فقط، ومع ذلك دقق عبد الله بن عمر في هذا، ولذلك قالوا إن عبد الله بن عمر ممن لا يرى الرواية بالمعنى، كذلك محمد بن سيرين رحمه الله تعالى، ممن يدقق في هذه القضية .(1/416)
لكن بسبب صعوبة هذا الأمر ولو أنه أُشترط هذا الشرط لما وصل إلينا من الأحاديث إلا العدد القليل لأنه يصعب على الرواة أن يحفظوا الحديث لفظاً ومعنى، سهل في ذلك المحدثون لكن بشروط، قالوا يمكن أن يروى الحديث بالمعنى ونحن نعرف أن لغة العرب واسعة وتأتي فيها ألفاظ مترادفة تدل على نفس المعنى من غير تغيير، فلو قلت لشخص: أقدم يا فلان، وذكر شخص آخر أنني قلت :هلم يا فلان، آخر قال : تعالى يا فلان، فأقبل وهلم وتعالى كلها بمعنى واحد ولا يتغير المعنى، إنما هو تغيير في اللفظ فقط من غير تبدل في المعن،.
لذلك إذا أردنا أن نعرف مبحث الرواية بالمعنى نستطيع أن نقول: هو رواية الحديث مع تغيير ألفاظه بألفاظٍ مرادفة أو بعضها وبقاء معناها.
وهذا التعريف اجتهاداً منى، وإلا فلم أجد أحدا من المحدثين عرفوا هذا فيما وقفت عليه وقد يكون فاتني شيء من هذا، ولكن بما أن كثر من الأخوة يحبون أن يضبطوا علوم الحديث بتعريفات، فأقول أن هذا التعريف إن شاء الله تعالى يصدق على هذا المبحث.
أعيد التعريف : رواية الحديث مع تغيير ألفاظه بألفاظ مرادفة أو بعضها – يعني بعض هذه الألفاظ، فليس شرط أن يغير جميع الألفاظ – مع بقاء المعنى.
ويمكن أن يمثل على هذا بمثال حديث (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) رواه بعض الرواة : من تقول عليّ ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار، المعنى واحد ما تغير، نقول بمعنى كذب، فهنا اللفظ تغير والمعنى واحد، فالمعنى جائز إن شاء الله تعالى .(1/417)
لكن إذا أردنا أن ننظر إلى الخلاف نجد أن أهل الحديث اختلفوا في هذا، فمنهم أناس شددوا ولم يجوزوا الرواية بالمعنى، وهؤلاء قلة، أما الجمهور والأكثر من أهل العلم فإنهم جوزوا رواية الحديث بالمعنى للضرورة، ولذلك بعضهم حينما جوز ؛ جوز هذا بشروط فقال: يجوز لمن يحفظ الحديث فنسي لفظه وبقي معناه متصلا في ذهنه، هذا بلا شك أنه لابد لو كان المعنى غير متصل في ذهن الراوي كيف يستطيع أن يعبر عن هذا الحديث بلفظ مغاير إن لم يكن مستحضرا للمعنى، فهذا الشرط يعد من باب تحصيل الحاصل .
لكن بعضهم اشترط أن يكون هذا في المفردات دون التراكيب، يعني أن يكون المغير جميع متن الحديث –على سبيل المثال- قالوا لا، لكن في المفردات نعم تستطيع أن تغير أقبل بهلم أو نحو ذلك فنعم، أما في التراكيب قلنا بأنه وجد أن كثيرا من التصحيف وقع بسبب رواية الحديث بالمعنى من قِبل بعض الرواة أو اختصاره، وهذا مبحث وثيق بالرواية بالمعنى وهو قضية اختصار الحديث، فأمامنا قضيتان مهمتان :
اختصار الحديث والرواية بالمعنى، بينهما صلة قوية جدا، لأن اختصار الحديث أحيانا يكون من باب الرواية بالمعنى كما سيتضح لنا إن شاء الله تعالى من خلال المثال، لكن تعامل المحدثين مع اختصار لفظ الحديث أخف من تعاملهم مع الرواية بالمعنى، شددوا في الرواية بالمعنى أكثر من تشديدهم في اختصار الحديث .
بالنسبة للرواية بالمعنى اشترطوا لمن يروي بالمعنى شرطاً مهما، بعضهم يجعله شرطين ولكن نستطيع أن نقول أنه شرط واحد، وهو أن يكون الذي يروي الحديث بالمعنى عالما بالألفاظ ومقاصدها من حيث اللغة وما تؤدي إليه خبيرا بما يحيل معاني هذه الألفاظ، أما إذا ما كانت عنده هذه الخبرة فإنه يمكن أن يأتي بألفاظ تؤدي لمعاني زائدة أو معاني ناقصة، كما سيتبين لنا إن شاء اله تعالى من خلال المثال.(1/418)
كذلك أيضاً من الأشياء التي اشترطت في الرواية بالمعنى قالوا: بشرط أن لا يكون هذا في الكتب أيضاً، يعني يأتي واحد ويقول أن صحيح البخاري سأمسكه من ألفه إلى ياءه وأروي أحاديثه بألفاظ غير الألفاظ التي ذكرها البخاري والمعنى واحد، يقال له : لا، هذا ممنوع، إنما جوز المحدثون هذا لأجل الحاجة التي تستدعي أن يُوسع في هذا الأمر وإلا لو ضُيق لما وصلت إلينا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة.
الدليل الذي استدل به من جوز، قالوا: الدليل الترجمة، فبما أنه يمكن أن تترجم الشريعة برمتها إلى الأعاجم الذين يدخلون في الإسلام، فمن باب أولى أن يجوز في اللغة العربية نفسها، نستبدل لفظة بدلا من لفظة أخرى، وهذا الدليل دليل صحيح وقوي ووجيه، بل نحن نعرف أننا في هذا العصر نجد القرآن وهو كلام الله جل وعلا تترجم معانيه، حتى يستطيع الذين يدخلون في الإسلام من غير العرب أن يعرفوا هذه المعاني، أما الألفاظ القرآنية فلا يمكن أن تترجم بحيث أنها تؤدي نفس الدور التي تؤديه اللغة العربية فهذا مستحيل ، لكن أما أن تترجم المعاني فنعم حتى يفهم الأعاجم ما معنى هذا الكلام الذي يقرءونه، فإذا قرأ الآية يقرأ ترجمتها بعد ذلك، فما دام هذا جوز في كتاب الله جل وعلا ، وفي نقل الشريعة لهؤلاء الأعاجم فمن باب أولى أن يجوز في اللغة العربية نفسها، بين لفظ وبين لفظ آخر، وهذا دليل كما قلت لكم وجيه جدا.
أما بالنسبة لاختصار الحديث وهو كما قلت وثيق بالرواية بالمعنى، فأكثر أهل العلم على جوازه لكن أيضاً جوزوه للعالم الذي لا ينقص إلا ما لا تعلق له بباقي الحديث، قالوا : مثل ترك الاستثناء وسنبين إن شاء الله تعالى بالمثال هذه المسألة عند اختصار الحديث والرواية بالمعنى.(1/419)
فأمثل أولاً للرواية بالمعنى وفيها اختصار للحديث أيضاً، هذا وقع من شعبة بن الحجاج وهو إمام من الأئمة بل هو أول من فتش عن الأسانيد بالعراق كما قال أهل الحديث، وشعبة بن الحجاج معترف بإمامته بلا شك ولا ريب، روى شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن والده أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح) هذا الحديث بهذه الصفة، ظاهر سنده الصحة لكن بين علماء الحديث الجهابذة النقاد أن هذا الحديث غلط، وإن كان الراوي له شعبة –وهو شعبة- ولكن هذا الحديث غلط، والحديث أمره مشكل من حيث متنه لأن معنى ذلك أنه لا ينقض الوضوء إلا الصوت أو الريح، يعني الذي يخرج من ابن آدم إما رائحة كريهة أو يسمع صوت الذي يخرج منه، معنى ذلك أن هناك أشياء لا تنقض الوضوء إذا حُصر الناقض فقط في هذين الأمرين، فإذا البول، الاحتلام، حتى المسائل المختلف فيها كخروج الدم ونحو ذلك، كل هذه الأمور معنى ذلك أنها لا تنقض الوضوء، وهذا بلا شك أنه غير مراد من هذا الحديث، لكن منشأ الإشكال رواية شعبة لهذا الحديث بالمعنى.
إذا ما هو الحديث الأصلي الذي استل منه شعبه هذا المعنى فرواه بهذه الصفة؟
قالوا: هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم في صلاته فوجد ريحاً من نفسه فلا يخرجن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ، النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ ما حصر الناقض فقط في الصوت أو الريح ، ولكنه أرشد، لأن الشيطان يأتي لابن آدم فينخس في مقعدته فيخيل إليه أنه خرج منه شيء ولم يخرج منه شيء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا وجد ذلك فلا يخرجن) يعني من الصلاة ولا ينصرف، حتى يسمع صوتا يجد ريحا .(1/420)
إذا ما ثبت باليقين لا يزول إلا بيقين مثله ، فما دام الإنسان متأكدا أنه متوضأ ومتطهر؛ فالشك الطارئ لا يخرج عن الأصل وهو اليقين، فاليقين لا يزول إلا بيقين مثله، ما هو اليقين؟ سماع الصوت أو وجود الرائحة ، فهذا الذي يدفع الإنسان إلى الانصراف من الصلاة، وقطع الصلاة والذهاب ليتوضأ.
إذا هذا الحديث يفيد معنى غير المعنى الذي أفاده لفظ شعبة، الذي أوقع شعبه في هذا المعنى الضيق هو روايته لهذا الحديث بالمعنى ، لكن لم يكثر هذا من شعبة حتى نستطيع أن نقول أن شعبة يهم في الحديث أو تقع منه الأوهام وما إلى ذلك.
مثل هذه الأشياء والتصحيفات التي تقع بسبب الرواية بالمعنى ، أو الأخذ من الصحف من قِبل هؤلاء الأئمة الكبار ، نقول أنه ما دام وقعت منهم وهم كبار فمن باب أولى أن تقع من غيرهم فلذلك عني أهل الحديث بضبط هذه الأمور وجعلها في هذه الأنواع التي نتكلم عنها، لكن مادام أن هذا لم يكثر من شعبة فالماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، فلا يؤثر هذا في شعبة رحمه الله تعالى.(1/421)
أما بالنسبة للمثال الذي يمكن أن يصل به في قضية اختصار الحديث ، قلت إن المحدثين قالوا أو مثلوا على ذلك بترك الاستثناء ،ونمثل بحديث أخرجه البخاري في صحيحه ، وهو حديث عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الذهب بالذهب، ربا إلا هاء وهاء. يعني تقابل ، يعني يدا بيد، فلو جاء راوي وأراد أن يختصر هذا الحديث ، فقال : الذهب بالذهب ربا . وقال ما دام أن اختصار الحديث جائز ساترك باقي الحديث ، فنقول : لا، هذا الاختصار لا يجوز في هذه الحالة، لماذا؟ لأن اللفظ التي ترك له ارتباط باللفظ الأول، واستثناء لا يجوز هكذ إذا ترك أفسد معنى الحديث كله، لكن إن لم يكن لباقي الحديث ارتباط بأوله فتجوز روايته، حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، نعرف أن الحديث طويل، " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" لكن أن إذا اختصرت الحديث ، وقلت: إنما الأعمال بالنيات، فلا يقال إني أسأت بهذا التصرف، لأن هذا المتن لا يؤثر على المتن الباقي، إذا اختصرت الحديث واقتصرت على هذه الجملة؛ تركي لباقي الحديث لا يؤثر على هذا المعنى، المعنى ثابت وصحيح ولا إشكال فيه، فإن هناك فرق الحديث الذي لأوله ارتباط بآخره فهذا لا يجوز اختصاره، أما الحديث الذي لا ارتباط بين أوله وآخره؛ فيجوز فصل هذا اللفظ من ذاك اللفظ، فهذا هو الضابط عند علماء الحديث في قضية الرواية بالمعنى .
* سؤال: هل عني المحدثون رحمهم الله بضبط الراوي الذي عرف عنه الرواية بالمعنى (35.32) يأتي الباحث ويجد طريق هذا الحديث راوي عرف عنه الرواية بالمعنى يعرض عنه إذا كان له طريق آخر عرف عن رواته أنهم يروون بلفظ الحديث(1/422)
* أجاب فضيلة الشيخ: أقول ، إن علماء الحديث بلا شك أنهم (35.55) الرواة وكلامهم في الرواة جرحا وتعديلا يشمل كل هذه الأنواع التي نتكلم عنها ، فالراوي الذي يقع منه أي اضطراب في الحديث أو الزيادة ، المخالفة، الإدراج ، القلب، التصحيف، الرواية بالمعنى بما يغير المعاني، اختصار الحديث بما يغير ، هذا إذا كثر من الراوي قدح فيه، أما إن كان قليلا فإنه لا يؤثر، مثل ما ذكرناه في قضية الإدراج ، في قضية القلب، المصحف ، الرواية بالمعنى، إذا كان نادرا من الراوي فهذا لا يؤثر، لأنه ما من بشر إلا ويخطي، لكن أهل الحديث يعرفون الخطأ في هذه الأحاديث التي وقع فيها الخطأ، وذلك من خلال جمع طرق الحديث فيتبين لهم أن هذا الراوي أخطأ في هذه اللفظة، وأن هذا الراوي روى الحديث بالمعنى، وأن هذا اختصر، وهذا أدرج ، وهذا قلب، وهذا كذا ، وهذا كذا، من خلال معرفتهم بطرق الحديث، وألفاظ الحديث، ولهم في هذا أشياء تشبه السحر والكهانة، يعني من نظر في علل الحديث والكتب التي صنفت في هذا ، وطرائف الأئمة في اكتشاف علل الأحاديث التي يكتشفونها بالمناقيش، فعلا هذا بهر كثيرا من الناس وظنوا أن هذا العلم من باب السحر والكاهنة، وحقيقة كما قلت سابقا ليس بسحر ولا كهانة، ولكنه نور قذفه الله جل وعلا في قلوب هؤلاء العباد، بأسس وأشياء تحصلت لهم ، إضافة إلى ما منحهم الله إياه من الفهم السابق، الذي استطاعوا من خلاله اكتشاف مثل هذه الأمور.
* سؤال: ذكرتم أن من أسباب التصحيف، عدم تنقيط الأحاديث في الصحف والكتب، فهل عدم تنقيط العلماء للأحاديث في الكتب بسبب الاختصار ، والرغبة في الاختصار للإسراع في كتابة الحديث ، أو أن عدم تنقيط الأحاديث كان بسبب (38.20) كما حدث معروف أنه وجد أحد العامة يقرأ القرآن فأخطأ في آية التنقيط، فهل كانت الكتب كلها لم تنقط، أم أن العلماء .(1/423)
* أجاب فضيلة الشيخ: بلا شك أن علماءنا السابقين ، كان الأصل عندهم تجريد الكتاب فلا تكاد تجد الكتاب منقوطا في العصور الأوائل، فلما تطور عندهما لخط نوعا ما واحتاجوا إلى ضبطه بسبب وقوع التصحيف في الأجيال التي جاءت بعد، أصبحوا يضبطون الكلمات المشكلة أما الأصل عندهم عدم النقط، وعدم الضبط بالشكل، لكن إذا كانت هناك كلمات مشكلة نقطوها وشكلوها، فلم(39.16) التصحيف بعد ذلك، وجدوا الحاجة الداعية إلى النقط والضبط في معظم الأحيان، وبالذات الكلمات المشكلة من حيث الضبط، وأما النقط فالغالب أنهم يكونوا يتركوه، ونجد في بعض النسخ الخطية التي توجد الآن في المكتبات أن بعض هذه الكتب لا تُنقط أيضا من قِبل هؤلاء النُساخ، وبالذات النُساخ القدامى، كثير من هذه المخطوطات نجد النقط موجودا فيها ، ففعلا هم لم يكونوا ينقطون في السابق وهذا السبب الذي جعلهم بهذه الصفة.
* سؤال: هل يدخل في باب الرواية بالمعنى ، الأحاديث المتعلقة بالأدعية والأذكار والأحاديث المتعلقة بالأسماء والصفات، هل (40.00) الرواية بالمعنى أم يشدد فيها؟
* أجاب فضيلة الشيخ: سؤال جيد ورائع، فعلا عندنا أذكار جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأدعية جاءت عنه عليه الصلاة والسلام ، فهل مثل هذه الأذكار والأدعية تجوز الرواية فيها بالمعنى؟ أو لا تجوز؟(1/424)
نقول أن الأصل دوما في الحديث، أنه لا تجوز فيه الرواية بالمعنى، إلا للحاجة، إذا كان الراوي يستحضر المعنى ونسي اللفظ، أو شكك في اللفظ، فجوزوه لهذا الغرض فقط، لذلك كتب أحاديث الأدعية والأذكار لا شك أنه يشدد فيها أكثر من التشديد فيما سواها، لكن هذا التشديد ليس كالتشديد في كتاب الله على سبيل المثال، يمكن أن يكون في ذلك سعة ، ولذلك نجد أن بعض الأذكار في بعض كتب الحديث تختلف ألفاظها في بعض الأحيان، وإن كان الأصل التشديد في هذا، مثل: قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء لعلكم تذكرونه " اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك" وفي آخره " آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت" فالصحابي الذي لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء لما أعاده قال، "ورسولك الذي أرسلت" فال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا ، ونبيك الذي أرسلت" يعني التزم باللفظ الذي أمليته عليك، فالأصل في الأذكار أن تؤخذ كما هي، لكن بما انه أيضا يعسر جدا أن ينضبط هذا الأمر ، فإنه في ذلك إلى حد معين، وإلا فالغالب في أحاديث الأذكار والأدعية أنها منضبطة إلى حد كبير ، لكن قد نجد فيها الاختلاف، فإذا وجدا الاختلاف في بعض كتب الحديث فلا نظن أن هذا لضعف الحديث أو ما إلى ذلك ، لأن هناك نوعا من التسامح في هذا.
****
مبحث آخر وهو قول الحافظ: فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل .(1/425)
يعني الآن الكلام الذي مر معنا في الحديث الذي عرف معناه، معناه واضح وظاهر وبين ولكن اللفظ هو الذي خفي، أُشكل على الراوي فجوزوا له أن يأتي بلفظ مرادف ما دام المعنى حاضرا، لكن إذا خفي المعنى، بسبب بعض الألفاظ التي يقل دورانها على الألسنة، ألفاظ غريبة لا ستعملها العرب إلا قليلا، تأتي في الأحاديث النبوية، فهذه الألفاظ تحتاج إلى من يبين معناها لأن بسبب قلة استخدامها، يشكل معناها على الناس وأحيانا لا تكون الألفاظ فقط وإنما معنى الحديث أيضا ، فلذلك احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل، فشرح الغريب يعتني بالألفاظ، وبيان المشكل يعتني بمعنى الحديث كاملا، وبيان المشكل هذا، له ارتباط بما سبق أن قدمناه ثم تكلمنا عنه مختلف الحديث، ذكرنا مختلف الحديث للشافعي ومختلف الحديث لابن قتيبة، وذكرنا أيضا مشكل الآثار للطحاوي رحمه الله تعالى، وقلنا إن هذا الكتاب يتعرض للأحاديث التي يشكل معناها، الإشكال في المعنى مثل الذي نتكلم عنه في مختلف الحديث وحتى لو لم يكن هناك تعارض ظاهر بين الأحاديث فإن الطحاوي (44.16) في كتابه هذا القاعدة التي يتكلم من خلالها، فيجيء بأحاديث أحيانا ليس بينها تعارض، ولكنها تحتاج إلى من يبين معناها، مثل ذكره للحديث الذي ذكرناه بالأمس ، وهو حديث أبي هريرة: "لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه، بين يديه على اختلاف لفظ الحديث، فإن هذا الحديث ليس فيه تعارض عند الطحاوي فيما أورده بينه وبين حديث آخر، ولكنه بين معنى بروك البعير ، قال: كيف يقول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ولا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، ومع ذلك يقول أنه (45.07) يضع ركبتيه قبل يديه أ, يديه قبل ركبتيه على اللفظ الآخر، قال : لأن ركبة البعير في اليدين فلذلك قال ما قال، تعرض لبيان لفظ الحديث فهذا ليس مشكل الحديث ولكنه لبيان مشكل هذا اللفظ .(1/426)
أما كتب غريب الحديث، فهذا عني فيها علماء الحديث عناية فائقة ، لهذه الألفاظ التي تشكل، يعني لا يتضح معناها للناس فأرادوا أن يبينوا هذه المعاني، ويبينوها للناس، فأول من عمد إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلاَّم رحمه الله تعالى، وهو من علماء الحديث الفطاحل، ولكنه ركز على اللغة العربية التي تخدم الحديث النبوي، فجمع بين الحديث وبين اللغة ، فهو أول من عرفناه ألف كتابا في هذا وهو كتاب (غريب الحديث) ، طبع هذا الكتاب عدة طبعات ، أول هذه الطبعات طبعة في الهند في أربع مجلدات، ولكن مشكلة هذا الكتاب الترتيب، يعني ألفاظه غير مرتبه ولذلك يصعب على الباحث أن يهتدي للحديث في هذا الكتاب، لكن جاء بعض الفهارس التي خدمت هذا الكتاب فيما بعد، وهناك من قام بترتيبه مثل ابن قدامه رحمه الله حينما رتب هذا الكتاب ترتيبا بحسب ألفاظه على أوائل هذه الألفاظ، فخدم بلا شك ولكن كتاب ابن قدامه لا أعرف أنه موجود الآن، أما كتاب أبي عبيد فكما قلت طبع عدة طبعات ، كذلك هناك راوي يشتبه معه في الكنية وحتى في النسبة، لأن أبا عبيد هذا هروي ، وهناك أبو عبيد الهروي ألف كتابا في غريب الحديث وغريب القرآن وسماه (كتاب الغريبين) لكن صاحب كتاب الغريبين اسمه احمد بن محمد وهذا اسمه القاسم بن سلاَّم وإن كان كلا منهما أبو عبيد وهو هروي، فكتاب الغريبين هذا في غريب القرآن والحديث وهو أيضا على نفس المنوال يبين الألفاظ التي تحتاج إلى من يبين معناها للناس.(1/427)
هناك أئمة كثر عنوا بالتأليف في هذا ، فإبراهيم الحربي ألف كتاب غريب الحديث، وابن قتيبة (47.38) ألف كتاب غريب الحديث ، الخطابي ألف غريب الحديث ، ابن الجوزي ألف كذلك، لكن هذه الكتب تفتقد للترتيب، إلى أن جاء ابن الأثير رحمه الله فجمع ما في هذه الكتب واستل هذه المعاني ورتبها ترتيبا جيدا على أوائل الكلمات في كتابه المشهور (النهاية في غريب الحديث ) وهو لا يستغني عنه طالب علم يريد أن يتبين معنى هذه الألفاظ التي تذكر.
وقال رحمه الله تعالى: ثم الجهالة سببها أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموضح، وقد يكون مقلا فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه المبهمات ، ولا يقبل منهم ولو أبهم بلفظ على الأصح ، فإن سمي وانفرد واحد عنه ، فمجهول العين، أ, اثنين فصاعدا ولم يوثق فمجهول الحال ، وهو المستور.
هذا مبحث مستقل الآن وهو مبحث الجهالة، وهو من المباحث المهمة جدا في علم الحديث ، والراوي المجهول هو الراوي الذي لا نعرف عنه شيئا لا من حيث العدالة ولا من حيث الضبط، ولكنهم عدوا الجهالة من القدح في عدالة الراوي، وإن كانت في حقيقتها لا تصلح، ولكن بسبب أن الراوي ما عرف أنه عادل ؛ فلذلك جعلوها ملتحقة بنواقض العدالة، على كل حال ؛ الجهالة التي تحصل للرواة كما قال الحافظ ابن حجر نجد أنها بأحد ثلاثة أسباب:
أول هذه الأسباب : كثرة نعوت –يعني صفات- الراوي.
فيذكر في بعض الأحيان بغير ما اشتهر به ، وهذه الكنية أو النسبة أو الاسم الذي نسب لهذا الراوي، قد يجعله مجهولا عند بعض الناس، مع انه في حقيقته معروف، قال: وصنف في ذلك : الموضح، هذا يحتاج إلى بيان، السبب الأول من أسباب الجهالة.(1/428)
هناك بعض الرواة الذين بسبب من الأسباب تكثر أسمائهم وكناهم وأنسابهم ونعوتهم، وأعظم سبب يدفع إلى كثرة أسماء هذا الراوي ونعوته وصفاته، كونه ضعيفا ، أو ما هو أشد من الضعيف ، كذاب أو نحو ذلك، بعض الرواة إما أنه يحسن الظن به أ, لأن ذلك الراوي ليس أهلا أن يؤخذ عنه، قلنا سابقا عن عطية بن سعد حينما كان يكنى محمد بن الساعد الكلبي بأبي سعيد أبو سعيد في مبحث الشيوخ، هذا المذهب عندنا الآن لصيق بذاك نوعا ما ، فإذا عندنا محمد بن الساعد الكلبي، ذكرنا سابقا أنه كذاب، هذا اسمه محمد بن الساعد بن حماد بن بشر الكلبي، كنيته التي اشتهر بها أبو هشام، لأن هشام أكبر أولاده، لكن له أولاد آخرون، فله سعيد وله النضر وهكذا، فأحيانا يأتينا هذا الراوي هكذا، حماد بن الساعد، نحن نعرف أنه محمد بن الساعد، حماد غير محمد، فربما ظن أنه مجهول، وهو في الحقيقة أنه معروف بأنه كذاب، ربما نسب إلى جده، محمد بن الساعد أو محمد بن بشر، وربما كني بغير ما يعرف به، فقيل أبو النضر، أبو سعيد ، وهكذا.
فإذا تعدد أوصاف الراوي ونعوته ونحو ذلك، هي من أهم أسباب الجهالة وصنفوا في ذلك الموضح،الذي صنف في هذا هو الخطيب البغدادي، والذي صنف كتابه (موضح الأوهام الجمع والتفريق ) كتاب مطبوع وهو من أروع ما صُنف ، والخطيب البغدادي رحمه الله يأتي بالراوي، ويذكر أنه ورد في الحديث الفلاني بهذا الاسم، ويقول : هذا الراوي هو فلان، ثم يبدأ يورد الطرق التي ورد فيها هذا الراوي باسمه الحقيقي، فالحافظ الخطيب البغدادي أبدع في هذا وأجاد رحمه الله تعالى.(1/429)
السبب الثاني من أسباب الجهالة :أن يكون الراوي مُقلا ، يعني ليس له من الحديث إلا القليل ربما أحيانا يكون ليس له إلا حديث واحد، كذلك أيضا مُقل من التلاميذ، ليس له إلا تلميذ واحد ، فإذا كان مقلا من التلاميذ ومن الأحاديث فإنه ليس عنده من العلم ما يجعله مشهورا، وهذا أمر معروف في طبيعة البشر إنما يشتهر العالم بكثرة علمه، فهذا ليس له إلا راوي واحد وليس له إلا حديث واحد ، فلذلك يجهله أهل العلم، لا يعرفون عنه شيئا ، لأن أهل العلم ينظرون إلى أحاديث الراوي ويقيسونها على أحاديث الرواة الآخرين، وهذا ليس له من الأحاديث الشيء الكثير حتى نستطيع أن نعرف هل هو ضابط ، أو غير ضابط ، كذلك ليس له رواة كثر حتى يشتهر أمره ويعرف هل هو ثقة أو غير ثقة، فإذا قلة رواية الراوي من أسباب وقوع الجهالة، في بعض الأحيان نجد في بعض الأسانيد أن الراوي لا يسمى ويقول أحد الرواة : حُدثت عن فلان ، أو حدثني شيخ عن فلان، أو حدثني من لا أتهم عن فلان، ونحو ذلك ، فهذا أيضا قد يقع اختصارا ، والحقيقة انه اختصار مخل ولكن يبدوا أن من أسباب وقوع هذا أن لا يكون الراوي مستحضرا ، لاسم ذلك الشيخ ولكنه يعرف أنه ثقة مثلا، أو ربما عرف اسمه في الحال ثم نسيه بعد ذلك ، لكونه ليس لصيقا به، أو ربما تعمد هو أن يخفي اسمه لكونه لو أبداه لربما عُرف أنه راوي مجروح، فكل هذه الأسباب تدفع إلى عدم تسمية ذلك الشيخ، وهذا يسمى المبهم، أي الذي لا يسمى، أما لو سميِّ فإنه لا يكون مبهم في هذه الحالة.
فإذا هذه أسباب ثلاثة تجعل الجهالة تقع أحيانا لبعض الرواة الذين يذكرون.(1/430)
قال: ولا المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح ، وجد هذا من قِبل بعض الأئمة ، بان يقول : حدثني الثقة، من هو هذا الثقة؟ سمه لنا! حتى نعرف أثقة هو أو لا ، لأنه قد يكون ثقة عندك ، ولكنه ليس بثقة في حقيقة الأمر ، فلابد من تسميته ، لا شك أن هناك خلاف في هذا لأن هذا صدر من بعض الأئمة الكبار كالإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، ولا ترضى نفوس كثير من أهل العلم أن يقال أن الإمام الشافعي يوثق من ليس بثقة لكن الحق أحق أن يتبع، فالإمام الشافعي مع كونه حبيبا إلى نفوسنا وعزيزا علينا ، لكن الحق أحب إلينا منه ، وجد أن الإمام الشافعي يقول حدثني من لا أتهم ويقصد إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي –قد يكون التبس عليّ الاسم بسبب العجلة-، على كل حال ، الأسملي معروف ، فالشافعي رحمه الله يقول: حدثني من لا أتهم، وهذا الراوي متهم ، متهم بالكذب ، متهم بالقدر، متهم بالاعتزال، وغير ذلك من الأوصاف البذيئة، فكأن أمره لم يتضح للإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فبما أن هذا يقع للإمام الشافعي وهو الشافعي، إذا فيمكن أن يقع لغيره من باب أولى، لذلك قالوا الراجح أنه لابد أن يسمي شيخه، ولا يُقبل التعديل على الإبهام، لابد من تسمية الشيخ أو لا نقبل هذا التعديل على الإبهام، سواء قال حدثني من لا أتهم أو حدثني الثقة، أو حدثني أو غير ذلك من الأوصاف.
فإن سمي وانفرد واحدا عنه فمجهول العين.
هذه قضية مهمة جدا ، اختلف فيها أهل الحديث وهي : بما تزول جهالة العين؟(1/431)
بعضهم قالوا لابد أن يروي عنه اثنان فصاعدا، فإذا روى عنه اثنان فصاعدا زالت عنه جهالة العين وبقيت أمامنا جهالة الحال، جهالة الحال لا تزول إلا بتوثيق إمام معتبر لهذا الراوي، لكن الآن إذا كان هناك راوي ما روى عنه إلا واحد وهذا الواحد ثقة والإسناد إليه صحيح، فنحن تيقنا إذا من وجود عين هذا الرجل في الوجود، عرفنا انه ولدته أرحام النساء ، وأنه أظلته السماوات ، وافترش الأرض ، فكيف نقول أنه مجهول العين ، مجهول العين هو الذي لا نستطيع أن نتيقن من عينه في الوجود، لكن هناك من أهل الحديث يقول لا ترتفع جهالة العين إلا برواية اثنين فصاعدا ، هذا مذهب لبعض أهل الحديث، بعضهم يقول تزول ولو بواحد بشرط أن يكون السند إليه صحيحا ، فإذا تيقنا من وجود عينه ، فقد زالت جهالة العين وبقيت أمامنا جهالة الحال، وهذا المذهب اصح وأرجح لأن هناك كثيرا من الرواة وبعضهم من رجال الصحيحين لم يروي عنه إلا راوي واحد ، فهل يقال عن هؤلاء أنهم مجهولو العين؟! لا، لا يمكن أن يقال هذا، وعلى كل حال نحن نعرف مذاهب أهل العلم ونختار ما نراه صائبا إن شاء اله تعالى .
إذا عرفنا أن المسالة فيها خلاف في هذه القضية .
قال: فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين ، أو اثنان فصاعدا ولم يوثق فمجهول الحال، فإذا روى عنه اثنان فأكثر ولكن لم يوثق فهذا مجهول الحال، هذا صحيح، إذا كان الراوي لم يوثق من إمام معتبر ، حتى وإن روى عنه عشرة من الرواة، فيبقى مجهول الحال ما دام أنه لم يوثق من إمام معتبر، ولكن عرف بحكم الغالب أن الراوي إذا كان له تلاميذ كثر فإن الأئمة يعرفونه ويتكلمون عنه جرحا وتعديلا، لكن إذا كان الراوي عنه اثنان أ, ثلاثة ونحو ذلك فقد تبقى جهالة الحال، أما لو كثر تلاميذه بحيث يصلوا إلى العشرة، فقل أن تجد من تلاميذه كثر به1ه الصفة ويبقى مجهول الحال، بل لابد أن تعرف حاله.
قال : وهو المستور.(1/432)
إذاً إذا وجدنا في كتب الحديث ، هذا راوي مستور أو مجهول الحال، فهما بمعنى واحد ، فالمجهول الحال هو المستور في حقيقة الأمر، ولا فرق بينهما ، ومن فرق بينهما فإنه يلجأ بلا شك إلى التكلف ليفرق بين هذين الوصفين.
نحن نجد أن هناك الأشياء أن نتكلم عنها، بالنسبة للمجهول، لكن لعل أن من آخر ما نتكلم عنه ؛ المصنفات في هذا، ونقول انه صنفت بعض المصنفات في بعض ذكرنا الموضح ، وهذا بسبب كثرة نعوت الراوي، والوحدان هذا بسبب كون الراوي مقلا من الحديث ومن التلاميذ أيضا ، هناك كتب صنفت في المبهمات، وهذه المسألة مهمة جدا، فقد عني بهذا كثير من الأئمة عبد الغني بن سعيد الأزدي، ألف كتابه ( إيضاح الإشكال) ، كذلك الخطيب البغدادي ألف كتاب (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) ، كذلك بن طاهر المقدسي ألف كتاب ( إيضاح الإشكال).
من آخر ما هنالك أبو زرعة ولي الدين بن الحافظ العراقي، ألف كتابه الرائع المستفاد، (المبهمات في النقل والإسناد) لأننا وجدنا كتاب عبد الغني بن سعيد الأزدي، والخطيب البغدادي، هذه الكتب تتكلم عن مبهم المتن فقط ، ولا تتكلم عن مبهم السند، أما أبو زرعة ولي الدين تكلم عن المبهمات في السند والمتن، على حد سواء.
* سؤال: وما المقصود بذلك؟(1/433)
*فأجاب فضيلة الشيخ: نقول : نعم هذا صحيح، لا تأخذ العلم عن صحفي ولا عن مصحفي، لآن من هذه صفته لا يتلقى عن الشيوخ، مظنة الوقوع في التصحيف والأخطاء اكثر من غيره ، لكن أنا أزيد على هذا أيضا، بأنه مظنة الوقوع في الخلق السيئ والرديء ، لأن التتلمذ على الأشياخ ليس فقط لتلقي العلم، بل للتربي على الأخلاق التي توارثوها جيلا عن جيل ، ولذلك كان بعض أهل العلم أحيانا يستفيد من تتلمذه على بعض الأشياخ فوائد تربوية أكثر من استفادته من العلم، مثل الذي حصل من ابن الجوزي مع شيخه الكرجي يقول : ما استفدت منه كما استفدت من بكاءه، كان سريع الدمعة ، فإذا بكى أثر فيه جلساءه، فابن الجوزي لم يتأثر بعلمه كما تأثر ببكاءه، وهذا أمر معروف، فأشياخنا رحمهم الله تعالى من توفي منهم وحفظ الله من بقي، فعلا تأثرنا بأخلاقهم وهديهم وسمتهم ورأينا أشياء من سلوكن بحكم ما نرى من هديهم وسمتهم والأخلاق الكريمة العالية التي ما تحصلت لهم إلا أيضا من جراء تخلقهم بأخلاق أشياخهم السابقين، فهذه مسائل مهمة لابد من مراعاتها ، ولذلك أنا رأيت من جفاء بعض طلبة العلم و سوء الخلق وسوء التربية بسبب انعزالهم عن الأشياخ، فلنكن حذرين جدا من ترك التتلمذ على المشايخ الثقات.
سؤال: هل كتاب الباعث الحثيث ، هل يساعد على فهم هذه المادة؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
لا شك أن كل كتب المصطلح تساعد في فهم هذه المادة، فالباعث الحثيث وتعليقات الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على اختصار علوم الحديث لابن كثير جيد، وتعليقات الشيخ رحمه الله مهمة، وكلام ابن كثير ايضا مهم، ولعله ان شاء الله تعالى كتاب الدورة القادمة باذن الله تعالى.
* سؤال إذا صحف الراوي في السند نتيجة الوهم كما ذكرته من أن هذا الراوي خف ضبطه ؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
إذا كثر هذا منه، كما نبهنا عليه، فإذا كثر من الراوي دل على خفة ضبطه، أما إذا كان نادرا والراوي يكثر ، فكما قلت مثل هذا يعتبر.(1/434)
* سؤال: كيف نستطيع أن نميز بين المصحف والمحرف .
*فأجاب فضيلة الشيخ:
التصحيف كما قلت، بناءا على كلام الحافظ ابن حجر إن كان التغيير في النقط كما قلنا مثلا: (حبثر ، جبير)، (شرنفة ، شريفة) ، هذا في النقط، هذا يسمى عند الحافظ بن حجر مصحفا ولا يسمى محرفا، أما إذا كان ( بَشر، وبُشير) ونحو هذه الأسماء التي بسبب الضبط فقط، يعني الضمة والفتحة ونحو ذلك، يقول الحافظ بن حجر هذا يسمى محرفا ولا نسميه مصحفا.
*سؤال: بالنسبة لجواز الرواية بالمعنى، في واقعنا الآن ، فالخطباء والمحاضرين يروون الأحاديث ليست كما هي في الكتب، فهل هذا ففما يتسامح فيه؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
الواقع الذي نعيشه الآن، يمكن أن يتسامح في الرواية فيه بالمعنى، إذا كان الذي يذكر الحديث من خطيب أو داعية أو نحو ذلك، يستحضر المعنى ولا يستحضر اللفظ، أو ربما استحضر معظم اللفظ ولكن اختلفت عنده بعض الألفاظ، فلا بأس أن يعبر بالمعنى بشرط أن لا يغير معنى الحديث أما إذا كان ممكن أن يكون يروي الحديث بمعنى يختلف فيؤدي لمعنى زائدا ويقوله للناس ، فنقول : لا ، ما دام غير متأكد من المعنى فلا يجوز له أن يروي هذا الحديث بالمعنى.
كذلك مما ينبه عليه، أنه إذا لم يكن مستحضرا اللفظ، فيستحسن في هذه الحالة أن يقول : أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، أو نحو ذلك ، من باب الحيطة، لأن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يصنعون هذا الصنيع ، خوفا من أن يقعوا في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين، أو من قوله صلى الله عليه وسلم : من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
وإن كان إن شاء الله تعالى ليس من هذا الباب ، ولكن خوفا من الوقوع في هذا الباب جعلهم يقولون : أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، أو نحوا هذا ، وهكذا .
* سؤال: شروط من يجوز له الرواية ، هل نستطع أن نحصر بعض الشروط ؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:(1/435)
نحن قلنا أنها شرطان ، ويمكن أن يصبح شرطا واحدا، أن يكون عالما بألفاظ اللغة العربية ، وبم المعاني، شرطا واحدا عارفا بالألفاظ العربية ، ومقاصدها والشرط الثاني ، أن يكون عارفا بم المعاني من الألفاظ.
* سؤال: أحد العلماء يستشهد بحديث نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، ولكنني لست متأكدة أن هذا الحديث فيه ضعف، فهل بينتم لنا قوته وصحته؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
أنا ما قلت أنه ضعيف، إنه لا أصل له ، يعني من يذكر هذا الحديث نقول له : جزاك الله خيرا دلنا على مرجع من المراجع ذكر هذا الحديث بالسند، فقد تعبنا حتى أعيانا التعب عن البحث عنه، فلم نجده في شيء من الكتب، فدلنا عليه.
*سؤال: هل التصحيف يكون كله غير مقصود؟ أم أنه يكون هناك تصحيفا عمدا؟ وماذا يكون الحكم على هذا الحديث المصحف عمدا ؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
إن كان التصحيف الذي وقع عمدا، له مقصد شرعي كامتحان أو نحو ذلك، فهذا لا بأس به لكن بشرط أن يبين في الحال حتى ل به أحد ، أما إذا كان يصحف عمدا لا لغرض شرعي ، فهذا حرام بالإجماع، بلا شك.
كذلك أيضا، فالأمثلة على وقوع التصحيف كثيرة، شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى كان يخطئ في خالد بن علقم ويقول : مالك بن عرصفة ، وأثر أيضا على أبي عوانة، بن عبد الله ، فأبوا عوانة كان يقول خالد بن علقمة في روايته للحديث فقال له شعبة : لا، هو مالك بن عرصفة، لكن شعبة كان وحافظا ومتقنا ، فخاف أبو عوانة فتابع شعبة، فقال مالك بن عرصفة، فلم الناس، قال: أنا قلت خالد بن علقمة، لكن شعبة هو الذي ، فانتقدوا ابو عوانة على تصرفه هذا.
سؤال: إذا كان الراوي لم يوثق من إمام سبقه ، ولكن جاء في الحدث أو اسناد الحديث وحكم عليه بعض أهل ألعلم أن هذا الحديث صحيح.
*فأجاب فضيلة الشيخ:
هذه المسألة من مهمات المسائل، وهي هل التصحيح فرع عن التوثيق، أو لا؟(1/436)
هي مسألة دقيقة جدا، فنقول: الأصل أن التصحيح فرع عن التوثيق بلا شك، لكن إذا كان التصحيح جاء بناء على معطيات أخرى غير ذلك الإسناد، كمجموع الطرق، فلا إن هذا الراوي ثقة بناءا على تصحيح ذلك الإمام له ، كذلك أيضا ليس كل الأئمة يمكن أن يعد هذا توثيقا معتبرا منهم، وإنما الأئمة المعتبرون أما الذين فيه تساهل، كالحاكم مثلا، إذا صحح حديثا فيه راوي ما وجدنا أحدا وثقه، فلا نقول أن هذا الراوي ثقة بناءا على أن الحاكم أخرج هذا الحديث في المستدرك وصححه، لا، فتصحيح الحاكم منتقد قِبل كثير من الأئمة، ولذلك لا يعتد بتصحيحه لهذا الحديث ، ويكون هذا الراوي ثقة بناءا على تصحيح الحاكم، ولكن مثل الترمذي لو قال على الحديث حسن صحيح، ووجدنا في هذا الإسناد راوي، لم يروي هذا الحديث غيره، أي انفرد هذا الراوي بهذا الحديث، فنستطيع أن نقول إن هذا الحديث صححه الترمذي، وليس للحديث طرق أخرى حتى نقول أن الترمذي صححه بناءا على مجموع الطرق، فنستفيد من صنيع الترمذي توثيقه لهذا الراوي.
* سؤال: هل يرد ما حكم به المعاصرين على الحديث بالصحة أو الضعف وغير ذلك؟ وقد وقع في كثير من الأحاديث كما في كتب الشيوخ أحمد شاكر والأرنائوطي وغيرهم من المعاصرين رحمهم الله تعالى، وحفظ اله من كان على آثارهم.
*فأجاب فضيلة الشيخ:(1/437)
هذا السؤال مبني على الإجابة التي ذكرناها بالأمس، فانا أرجوا أن لا يكون عندنا حساسية في مثل هذه المواضيع ، لأن علماء الإسلام كلهم، نحبهم ونجلهم ونعترف لهم بالفضل، ولكن الاختلاف الوارد بينهم ، نحن الواقع إلى التعامل معهم، فإذا كان هناك حديث حكم عليه –على سبيل المثال- أبو حاتم الراوي بأنه منكر، وجاء على سبيل المثال الشيخ أحمد شاكر بل هو صحيح ، فنحن الآن أمام علماء، لكن أنا كطالب علم مثل النحلة التي كل الشجر فأنتقي واختار، فأقول أن إمامة أبي حاتم الرازي ومعرفته بالحديث عندي أوثق وأقوى، من معرفة الشيخ أحمد شاكر رحم الله الجميع، كلهم حبيبون إلى نفوسنا، ولكن نحن أمام اختلاف واقع لا يمكن إنكاره، ولا مكن أن نكون كالنعامة التي تخبئ رأسها من الصياد وتظن أنها اختفت، إذا لابد أن نتعامل مع الاختلافات بتوازن ، فنعترف لهم بالفضل وندعوا لهم بالمغفرة والرحمة، ونعترف لهم ما قدموا من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين ، لكن لا بأس من الموازنة وانتقاء ما نراه أقرب إلى الحق، فإن لم يكن هناك دليل وجدنا على سبيل المثال الشيخ أحمد شاكر ذكر شيئا ما ذكره أبو حاتم الرازي، كأن يكون أبو حاتم الرازي فاتته بعض الطرق، هو حكم بناء على طرق معينة، وهذا يقع ، وستجدونه إن شاء الله تعالى عما قريب كتاب العلل لأبن أبي حاتم وسيخرج إن شاء اله تعالى بتحقيق أشرفت عليه ، فيه بعض التعقبات على علل أبو حاتم الرازي، لأنه أحيانا يخالف البخاري ومسلم، فيقول عن حديث إنه منكر والبخاري ومسلم يخرجان الحديث في صحيحيهما، فهذا دليل على أن هؤلاء الأئمة يخطئوا ويصيبوا تكون لهم اجتهادات الأئمة الآخرون، تخفى عليهم بعض الطرق، هذا كله وارد فلوا وجدنا عند الشيخ أحمد شاكر مثلا طرق ما ذكرها أبو حاتم، ونقول لا بأس أن نأخذ بهذا، لكن إن كان هي الطريق عينها التي حكم عليها أبو حاتم أنها منكرة ويقول الشيخ أحمد شاكر مثلا إنها صحيحة ، فلا، لأنه ما جائني(1/438)
بشيء جديد، فأنا عندي إمامة أبي حاتم الرازي في الحديث أكبر من إمام الشيخ أحمد شاكر مما عظم قدره وهذا الإمام لا نستطيع أن نتعامل مع هؤلاء الأئمة بهذه الصفة.
سؤال: اللهم إني عبدك ابن عبدك أمتك بنت عبدك، فهل يكون هذا من الرواية بالمعنى؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
نعم، لا بأس أن تقول هذا، والحكم دائما بالنسبة للأحكام الشرعية أغلبية، يعني الكلام للرجال، ولكن الرجال والنساء على حد سواء، فالمرأة تتعامل مع ذلك الحكم بما يناسبها ، وبالنسبة للألفاظ في الأدعية تجعل الضمائر لها كأنثى ولا حرج في ذلك، (....)، بل هي من الرواية بالمتن.
*سؤال: فهذا خاص بالرجال دون النساء ؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
الحقيقة بالنسبة للنساء يقل في صفوفهن وجود المشايخ مثل الرجال، هذا أمر معروف ، ولذلك لو نظرنا في كتب التراجم نجد أن قسم التراجم من النساء، قليل جدا إذا ما قُرن بقسم التراجم من الرجال، وهذا أمر واضح وبين، لكن على سبيل المثال الذي تتلمذ على عائشة رصي الله عنها أو على أم سلمة ، أنعهم وأكرم للذين تتلمذوا على هؤلاء، كذلك ايضا إذا وجد بعض النساء الفاضلات الصالحات القانتات في هذا العصر ويتتلمذ عليها وتأسى بأخلاقها، ويتربى على منهجها، فهذا أيضا منهج طيب.
والأكاديمية تتيح لهم التتلمذ، لكن أنا لا أعده تتلمذ بملازمة الركب، لأنه يرى الشاهد ما لا يرى الغائب، فهذه الحالة قد تحجز بعض الأشياء التي تصدر من بعض الشيوخ ، وبالذات الملازمة الطويلة، ومصاحبة الأشياخ في ذهابهم ومجيئهم وهكذا، فيكون هناك بعض الأخلاق الحميدة التي لا تظهر إلا في حينها، أحيانا الدروس الرسمية بهذا الشكل يكون ما تنبيء عن كل شيء، لكن المصاحبة تنبيء عن أشياء أخرى خفية.(1/439)
*سؤال: ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعرابي: أفلح وأبيه إن صدق فهل هذا الحديث صحيح، وإن كان كذلك فهل هذه الكلمة تصحيف من الراوي؟ أو أنها من الأمور التي تخص النبي صلى الله عليه وسلم ؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:
هذه اللفظة من الألفاظ التي تدخل في مبحث العلة في الحديث والتي سبق أن تكلمنا عنه، وذلك أن ذلك الحديث رواه بعض الرواة مثل أبي سهيل ابن نافع انه شيخ الإمام مالك روى هذا الحديث دون هذه اللفظة، ورواه هكذا: أفلح الرجل إن صدق ، أو دخل الجنة إن صدق، لكن جاء إسماعيل بن جعفر فروى هذا الحديث هكذا بهذه اللفظة : أفلح وأبيه إن صدق ولذلك بعض الأئمة كالبخاري رحمه الله لما أخرج حديث من طريق إسماعيل بن جعفر أعرض عن هذه اللفظة، وتركها ، ومسلم بن الحجاج أخرجها لأن مسلما رحمه الله يخرج أحيانا بعض طرق الحديث التي لا يلزم منه تصحيحه لجميع ألفاظه ولكن يذكرها من باب المتابعات والشواهد وأحيانا ربما أشار إلى علة الحديث إلى علة الحديث يخرجها في الشواهد والمتابعات، ولذلك هو صدر -طلحة بن عبيد الله- الرواية الأصلية التي ليست فيها هذه اللفظة ، ثم بعد ذلك جاء في المتابعات والشواهد بهذه اللفظة، ومسلم رحمه الله له منهج بعض الناس ربما أفرط فيه وربما فرط، مسلم يشير أحيانا إلى علل الحديث إما تصريحا أو تلميحا ولكن ليس هذا دوما، أن نقول أن كتاب مسلم كتاب علل على كل الأحيان.
فعلى كل حال، الشاهد من هذه اللفظة :وأبيه, لفظة شاذة غير صحيحة.
سؤال: بالنسبة لرواية الحديث بالمعنى، فالحديث الذي ذكرته عن الرسول صلى الله عليه وسلم : من كذب عليّ متعمدا وفي قول آخر روي، : من تقول عليّ متعمدا ، فهل يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم في زمن ذكر : من كذب عليّ متعمدا، وفي زمن أو في مكان آخر ذكر من تقول عليّ متعمدا ، أم أن هذا لا يمكن؟
*فأجاب فضيلة الشيخ:(1/440)
فقط من باب تقريب المعنى لكن على وجه الدقة نحن ننظر للصحابي ، هل هذا الصحابي الذي روى هذه اللفظة من تقول عليّ ما لم أقوله ، لم يرد عن من كذب عليّ متعمد .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زلنا في دروس هذا المتن المبارك إن شاء الله تعالى وهو كتاب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى كنا عودناكم على طرح بعض الأسئلة التي تتعلق بدرس اليوم أجاب فضيلة الشيخ وتلقي الإجابات المتعلقة بالدروس السابقة ولكن يبدو أن هناك خللٌ ما حدث في إرسال الأسئلة فنضطر إلى ذكرها ونرجو العفو عما فات عن بعض الأنواع التي لم يحصل عليها اسئلة فلا بأس أن نذكر بعض أسئلة الأخيرة فنقول عرف المصحف واذكر أقسامه.
السؤال الثاني : ما سبب وقوع الراوي في التصحيف
السؤال الثالث: ما دليل من جاوز الرواية بالمعنى ؟
السؤال الرابع : ما سبب جهالة الراوي ؟
ولعل الأجوبة تكون في الدرس القادم إن شاء الله تعالى وسنطرح أسئلة لما سنذكره اليوم إن شاء الله تعالى ف نهاية الدرس .
كنا قرأنا في نهاية الدرس الماضي ما يتعلق ببعض أنواع علوم الحديث ولعلنا في هذا اليوم نبتديء الكلام في الموضوع الجديد وهو ما يتعلق بالبدعة .
بسم الله الرحمن الرحيم يقول الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى:
( ثم البدعة إما بمكفر وإما بمفسق فالأول ما يقبلها صاحبها الجمهور والثاني إلا إن روى ما يقوي بدعته على المختار وبه صرح الجوزاني شيخ النسائي )
هذا الموضوع من المهمات المواضيع التي سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى لأنه موضوع حيوي ومهم لجميع المسلمين عموماً في جميع الأعصار فأول ما نبتديء به في موضوع اليوم تعريف البدعة.
ما هي البدعة؟(1/441)
ففي لغات العرب تطلق البدعة على ما أحدث على غير مثال سابق ومنه قول الله جل وعلا بديع السموات والأرض أي منشئهما ومبتديء خلقهما بحيث لا أحد قبله جل وعلى أما تعريف البدعة في الاصطلاح فهي ما أحدث في دين الله بعد أن اكتمل ومن خلال كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله عرفنا أن البدعة متعلقة بجرح الراوي والسبب أنها مذمومة عند علماء الإسلام كلهم والبدعة خطرها عظيم في دين الله والنبي صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في الصحيحين يقول من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد مردود عليه وكما جاء في خطبته أنه كان يقول وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فالبدع يجب أن يحذر منها المسلمون عموماً والضابط في هذا أن الإنسان إذا عمل بعمل عليه دليل وأثارة من علم من كتاب الله ومن صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفسر ذلك عمل سلف الأمة من الصحابة والتابعين لا يكفي أن يجتهد بفهمه هو لأنه قد يفهم على غير ما فهمه سلف الأمة الذين كانوا أقرب إلى أصل الوحي وأدرى بلغة العرب ومدلولات ألفاظها ثم إن البدعة تختلف فمنها بدعة تتعلق بأصول الاعتقاد ومنها بدع تتعلق بفروع الدين فالبدع التي تتعلق بأصول الإعتقاد هذه أشد أما البدع التي لا تتعلق بأصول الإعتقاد ولكن قد يقع فيها الناس وإن لم يكونوا على أصول بدعية فهذه أمرها أخف مع كون الرابط هو الضابط ينبغي للإنسان .(1/442)
أجاب فضيلة الشيخ، لا يعمل عملاً إلا بالضابط الذي ذكرته وهو أن يكون عنده دليل من كتاب الله أو من صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والبدع التي تتعلق بأصول الاعتقاد وهي الأهم نجد أنها تنقسم إلى قسمين كما نص على ذلك الحافظ بن حجر رحمه الله فمنها بدع مكفرة ومنها بدع غير مكفرة فالبدعة المكفرة نجد أنها تتنافى مع العدالة فنحن حينما تكلمنا عن العدالة في تعريف الحديث الصحيح قلنا إن العدل هو المسلم البالغ العاقل السالم من عوامل الفسق وخوارم المروءة فأول شروط العدالة أن يكون الراوي مسلماً فإذا كانت بدعته مكفرة فمعنى ذلك أنه انتقد أول شرط من شروط العدالة وبالتالي لا يكن هذا الراوي مقبول الرواية مطلق لكن يبقى الإشكال بعد ذلك ما ضابط البدعة المكفرة من غير المكفرة وهذا هو موطن الإشكال فنستطيع أن نقول إن البدعة التي يقال عنها إنها بدعة مكفرة هذه من الخطورة بمكان يعني أنه من الصعوبة أن نحدد أن البدعة الفلانية بدعة مكفرة إلا إذا وجدنا أموراً واضحة بينها أهل العلم أو بدع تتناقض تماما مع أصول الإسلام ولذلك يقولون عن البدعة المكفرة هي ما يخالف قاعدة من قواعد الدين المعلومة إماً فعلاً أو تركاً فعلى سبيل المثال من يرى أن القرآن فيه نقص أو أنه محرف أو يدعي أن الله جل وعلا حل في الكائنات أي اتحد بها أو يبيح الشرك بالله الشرك المخرج من الملة أو ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة مثلاً ونحو هذه القضايا الواضحة فهذا لا يشك في كفره لكن ما دون ذلك ما دون القضايا التي يجمع عليها أهل العلم فإنه كما قال الحافظ ابن حجر وأشار إلى ذلك ما من طائفة إلا وتعمد إلى تكفير مخالفتها وهذا بسبب الجهل والهوى وخفة الدين فالجهل أحياناً يدفع الإنسان إلى أن يطلق وصف الكفر على مخالفه وقد لا يكون كذلك ولذلك خطر التكفير مبدأ التكفير تذل فيه أقدام وأول خلاف حصل في الإسلام هو الخلاف في قضايا الإيمان وهو الذي(1/443)
انصدع به صف المسلمين وانقسموا إلى طوائف أصبحت تتقاتل فيما بينها فكلما كان الإنسان حذراً من التكفير كان أبرأ لذمته ومن تعجل في إطلاق وصف البدعة على إنسان ما بعينه فإن هذا أيضاً يخشى عليه من العجلة في إطلاق التكفير على الآخرين لأن المنشأ واحد فما الذي يفرق بين فلان أن يوصف فلان بأنه مبتدع أو فلان بأنه كافر فيبدأ الجرأة على إطلاق الأحكام على الأشخاص فهذا ينبغي أن يكون كل إنسان حذراً منه ولذلك لو أنيطت هذه المسائل بأهل العلم في كل عصر ومصر على أساس أنهم هم الذين يطلقون هذه الأحكام حتى لا يفسح المجال للمتعجلين والمتسرعين ومن عنده هوى أو عنده محبة إسقاط أشخاص أو عيبهم أو حسدهم على ما نلوه من مكانة إلى غير ذلك من الأسباب فلو أن أهل العلم قاموا بهذا لكان حقيقة ومدعاة إلى تضييق هذه الأوساط على عموم المسلمين ولست أيضاً ممن يدعو إلى ترك مثل هذه الأحكام المطلقة هذه أحكام شرعية لكن أقول الذي يتولى هذه الأحكام الشرعية هم المتأهلون أما أن يفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب هذا يبدع وهذا يفسق وهذا يكفر وهلما جرا فالقضية خطيرة جد خطيرة فأنا لا أريد أن أطيل في هذا وإن كان الحقيقة الكلام في هذا من الأهمية بمكان وأنا قلت مراراً وتكراراً إن علم الحديث علم تربوي لو أن المسلمين عنوا به عنابة فائقة وربوا عليه شبابهم لوجدنا أن تصرفاتهم تنضبط بضوابط الشرع ويكفينا أن ننظر إلى علماء الإسلام الذين كانوا يطلقون هذه الألفاظ الجارحة على الرواة كيف كان وراءهم ونحن بحاجة الحقيقة إلى أن نجعل دروساً تربوية مستلة من علم الحديث ومن ذلك مثل هذا الكلام الذي بالضوابط التي وضعوها في رواية المبتدع لأن الرواة الذين يوصفون بالبدعة نجد أن منهم أئمة وثقات وحفاظ لم يختلف الأئمة في الاحتجاج بهم فعلى سبيل المثال إبن دعامة السادوسي رحمه الله ممن عرف عنه القول بالقدر وتكلم فيه من تكلم لأجل القول بالقدر لكن هل هؤلاء الذين(1/444)
تكلموا أو غيرهم من الأئمة والذين لا يشك في أنهم من أئمة أهل السنة ومن المتبعين للأثر هل أدى بهم إلى القتادة بالقدر إلى أن يتركوا روايته أبداً ليس هناك واحد من علماء الإسلام تخلف عن الاحتجاج بالقتادة كلهم يجمعون على أنه ثقة حافظ صحيح في الحديث والأعمش ممن عرف عنه أيضاً بعض البدع ولكن تلميذه أبو معاوية محمد بن القاسم مما عرف عنه الإرجاء ومع ذلك ما تخلف عنه أحد ما تخلف عن الاحتجاج به أحد .
الشامي كان سفيان الثوري رحمه الله يحذر التلاميذ منه أو من الاعترار ببدعته فيقول لبعضهم احذر لا ينصحك لماذا ؟ لأن عنده بدعتين بدعة الارجاء وبدعة القدر ، فيبدوا أنه كان عنده شيء من الدعوة لهاتين البدعتين فيحذر من يأخذ من الاغترار بهاتين البدعتين .
وأما الاحتجاج به فمجتج به بل إننا لنعجب حينما نرى أن معبد الجهمي وهو أول من قال بالقدر وهو في ترجمته فإذا ببعض العلماء عنه أنه صدوق بالرغم من أن ذمه كان موجودا بسبب احداثه لهذه البدعة ولكن وجدوا أنه أحدثها تدينا فلا يشكون في أنه لم يكذب يريد الله جل وعلا عن وعن الأشياء التي دفعته للقول بهذه البدعة هو متدين بها فروايته لا يرون فيها أي خدش والمسألة قد يكون فيها تصريح حتى لا يشيش هذا على أحد في مثل معبد الجهمي شيء من التفصيل لكن المقصود إشارة إلي أن بعض علماء الحديث قبلوا روايته ما تركوها ولكن كلامهم لأجل إحداث هذه البدعة .(1/445)
فإذن هذا الكلام بمجمله يدلنا على قضية مهمة وهي ضرورة التحرز من إطلاق الأحكام على الناس ، والحذر كل الحذر أن يكون هؤلاء الناس خصمائنا يوم القيامة ، فالإنسان يتعب ويلهث في هذه الحياة ويعمل أعمال الصالحة ، يأتي بحسنات أمثال الجبال لكن يأتي لقد بدع هذا وكفر هذا وفسق هذا واستطال في أعراض الناس نسأل الله السلامة فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم ثم طرح في النار وهو يلبس هذا الكلام كله إما لبيس السنة أو لباس التحمل في الإسلام والدفاع عنه ، لكن دفاع بجهل لابد أن يكون دفاعنا منضبطا بضوابط الشرع أما أن نتيح لأنفسنا الفرصة للنيل من أعراض الناس بلا ضوابط شرعية فهذه مصيبة ينبغي أن نحذر منها .
إذن عندنا أن البدعة بدعتان : بدعة مكفرة وهذه إذا تيقن من كفر صاحبها فإن صاحبها مهدر العدالة ولا تقبل روايته أبدا .
أما البدعة غير المكفرة : فهذه توصف بأنها مفسقة ولكن ليس هذا اللقب على الإطلاق بمعني أنه إذا اتصف بها راوي لا يعني أنه فاسق متروك العدالة لا وإنما نسأل منيطة بقضايا أخري أهمها الصدق مع الضبط فإذا عرف عن الراوي أنه صدوق وضابط حتى وإن كان متلبسا ببدعة فإن هذه البدعة تحتمل منه ولكن وفق أيضا ضوابط معينة هي التي أشار إليها الحافظ رحمه الله نبه عليها .
لكن إن كان هذا الراوي غير صادق وبخاصة إذا كان من طائفة تستبيح مثلا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلنا عن الكرامية سابقا أنهم ممن يرون أن يكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم لا عليه فهؤلاء لا عدالة لهم لأن من استباح الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فيخشى عليه من الكفر وحتى لو لم يقال بتكفيره فروايته ساقطة غير معتبرة عند أهل العلم بغض النظر عن قضية التكفير بمن عدمها .(1/446)
لكن من عرف عنه الصدق ، والحرص على طاعة الله والتنزه عن المعاصي ولكن التبس عليه الأمر واجتهد في قضية من قضايا الاعتقاد فأخطأ فيها فنقول إن هذه القضية التي بيجتهد فيها مثلا هذا الإنسان لا تعني إهدار عدالته لكن بعض أهل العلم ضبطها بضابط وهذا الضابط سنذكره بناء على ما هو موجود لكن أشير إلي أن فيه خلافا أيضا ، هذا الضابط بشرط أن لا يكون داعية إلي بدعته ، والشرط الثاني ألا يروي ما يؤيد بدعته فإذا تحقق فيه هذان الشرطان تقبل روايته إذا كان صدوقا ضابطا ، فنجد من هذه الضوابط يكون صدوقا ضابطا لا يري من يؤيد بدعته ولا يكون داعية إلي بدعته ، لكن أن لا يكون داعية وأن لا يري من يؤيد بدعته فقط أنا أشير إلي أن في هذا خلافا سيأتي إن شاء الله تعالي في كتب المطولات فيسطع في مثل هذه القضية بأن هذا المثل المختصر لا يحتمل التفصيل في هذه القضية لأن فيها شيئا من التوسع .
(ثم سوء الحفظ: إن كان لازما فهو الشاذ على رأى، أوطارئا فالمختلط، ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر، وكذا المستور والمرسل، والمدلس: صار حديثهم حسنا لا لذاته، بل بالمجموع.)
عندنا إذن السيئ الحكم الذي يتكلم عنه الحافظ هنا وجعله أخر الدرجات ، هذا السيئ الحكم إن كان أو بحديثه قد يطلق عليه عند بعض أهل العلم الشاذ وهذا كما قال على () يعني إذا انفرد .
عرفنا أن الشاذ فيه خلاف إما بقيد الانفراد أو بقيد المخالفة ، لكن قلنا أنه سواء بالانفراد أو بالمخالفة رواية الثقة ، لكن هناك من أهل العلم من يجعل وصف الشذوذ عاما للثقة فيه و لمن وصف بأنه عادل في الجملة ولكن في حفظه شيء من الضعف وهو الذي يعبر عنه بسيئ الحفظ ، فمثل هذا الراوي إذا انفرد بحديث بعض أهل العلم يقول عن هذا الحديث الذي ينفرد به الراوي الذي هذه صفته شاذ.(1/447)
على سبيل المثال شريك بن عبد الله () شريك بن عبد الله لا يشك في عدالته وهو قائد المسلمين ومن المتحمسين للسنة ولكن حفظه فيه ضعف يعد () بسيئ الحفظ فيرون أن ما يتفرد به مثل شريك يمكن أن يطلق عليه وصف الشذوذ عند طائفة من أهل العلم وبعضهم قد يطلق عليه وصف النكارة منكر وهكذا وبعضهم قد يقبل بالذات الذين عندهم شيء من التساهل وبعضهم قد يفرق بين حال شريك بن عبد الله قبل تولي القضاء وبعد ما تولي القضاء وهذه مسألة لا نطول فيها الآن ولكن المقصود الإشارة إلي موضوع الشاذ سبق أن تكلمنا عنه وفصلنا فيه ما يغني عن الإعادة ها هنا لكن على القول الآخر أن هذا الذي وصف بأنه سيئ الحفظ يمكن أن يوصف بوصف أخر لكن مع الفارق ما الفارق قالوا : هل سوء الحفظ هذا ملازم لهذا الراوي منذ نشأته أو طارئ عليه فإن كان ملازم له فهذا الذي تكلمنا عنه وقلنا إن حديثه يقال له الشاذ عند بعض أهل العلم ، لكن إن كان طارئ فسوء الحفظ الطارئ هذا يكون بأحد عدة أسباب إما أن يكون بسبب كبر السن وهو الخرف الذي يعتري بعض الناس ، أو يكون بسبب مرض يبرأ مثل ما نعرف الآن في الجلطات التي تنتاب الناس ونحو ذلك ، أحيانا يكون بسبب حادث يقع للإنسان إما سقوط عن الدابة أو نحو ذلك فيؤثر على عقله ، أن يكون بسبب حادث مفجع كاحتراق بيته أو سرقة بيته أو هلاك أهله وهو يرى ونحو هذه الفجائع هذه قد تحصل لبعض الرواة فيحصل بعض الشيء من الاختلال ، أو بسبب فقدانه لكتبه كان يعتمد على الكتب ففقد هذه الكتب وأصبح يحدث من حفظه فاختلط ، أو بسبب عمى عينيه بسبب فجيعته بذلك أو لأنه لما عمى صار يعتمد على حفظه وكان يعتمد في السابق على الكتب فحدث من حفظه فحصل الاختلاط في حديث ، ولذلك نحن نحتاج إلي تعريف الاختلاط ما هو :(1/448)
فالاختلاط يعرفه علماء الإسلام بأنه فساد في العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال ففساد العقل وما يدل على عدم انتظام الأقوال والأفعال هذا يسمى عندهم بالمختلط .
وهناك بعض الناس يخلط بين الاختلاط والتغير وفرق بين الاختلاط والتغير .
الاختلاط كما قلنا فساد في العقل .
أما التغير : فهو نقص في حافظة الإنسان .
وهذا أمر طبيعي يعتري الإنسان بالذات حال كبر سنه ، ففي الشباب يكون الإنسان فيها قوى الحافظة كما هو معروف ، وإذا كبر سنه وكثرت مشاغله وادلهمت عليه الأمور فإنه يطرأ عليه ضعف هذه الحافظة وهذا يسمى تغيرا ، والتغير لا يعني رد رواية الراوي ولكن يمكن أن يتحفظ عليها في بعض الأحيان إذا ما كان هناك شيء من الانتقاد عليها .
هذا المختلط الذي يحصل له هذا الفساد في العقل لأهل العلم فيه تفسير وذلك أنه إن أمكن تمييز رواياته وما حدث به قديما وحديثا فهذا غاية المطلوب ، فينظر من الذي حدث عنه أي أخذ عنه العلم قبل أن يطرأ عليه الاختلاط فهؤلاء يعد حديثهم صحيحا ، وأما الذين أخذوا عنه بعد ما طرأ عليه الاختلاط فيعد حديثهم عنه ضعيفا ولذلك نستطيع أن نقول إن الراوي الذي بهذه الصفة لمجرد اختلاطه نعده قد توفي وانتهى ، فحديثه الذي قبل وفاته هو الذي يكون صحيحا وما بعد ذلك فنتركه .
هناك حالة ثالثة : وهي أن بعض الرواة لا يتميز قديم حديثا الحديث الأخير فهؤلاء يتوقف في حديثهم لا نستطيع أن نقطع بأنه مما حدث به بعد الاختلاط ولكن يتوقف فيه حتى يستبين أمره إما أن يجد رواية أخرى مدعمة له ومقوية فنعم أو يبقي على التوقف ، والتوقف يعني الرد ، إن لم يكن هناك ما يقوي هذه الرواية.
هناك من أهل العلم من ألف في الرواة المختلطين ، ومن أشهر ما هنالك كتاب الاغتباط في معرفة المروى بالاختلاط ابن العجمي ، والفواكد في معرفة من اختلط من الرواة الثقاة لبن الكيال أو نحو هذا الاسم .(1/449)
هذا الراوي الذي وصف بسوء الحفظ ، ومن يمكن أن يكون شبيها به مثل المستور والحديث المرسل والمدلس فكل ضعف يصير مثل هذه الأنواع من الضعف نستطيع أن نقول إنه ينجبر بتعدد الطلب فهذا طبعا مبحث أخر عندنا وهو مبحث الحسن بغيره .
نقول في الحديث الحسن لغيره إن الحافظ بن حجر أخر الكلام عنه إلي هذا الموضع لأن الحافظ رحمه الله كما بينت في بداية هذا الشرح اعتمد ترتيبا غير الترتيب الذي صار عليه بن الصلاح ومن جاء بعده وغيره أيضا فالترتيب الذي صار عليه بن الصلاح ترتيب اجتهد فيه ، وأما الحافظ بن حجر فحاول أن يربط هذه الأنواع بعضها ببعض ويتسلسل بها هذا التسلسل الذي لم يسبق إليه وهذا يدل على جودة طريحة الحافظ بن حجر رحمه الله .
فمن ذلك أنه أخر مبحث الحسن لغيره ها هنا مع العلم أن من الأولى أن يقدم في أنواع الحديث المقبول وسبق أن أشرنا إليه سابقا حينما قلنا عن أنواع الحديث المقبول إنها أربعة أنواع :
الصحيح لذاته ، والصحيح لغيره ، والحسن لذاته ، والحسن لغيره .
ولكن الحسن لغيره أخر الحافظ الكلام عنه ها هنا ونستطيع أن نعرف الحديث الحسن لغيره : بأنه الضعيف إذا تعددت طرقه ما لم يكن ضعفه شديدا ، يعني بهذا الشرط شرط أن لا يكون ضعفه شديدا .
والضعيف الذي بهذه الصفة يمكن أن يقبل حديثه هو الراوي الصدوق الذي وصف بضعف الحافظة لكن ضعف لا يلحقه بمن يعد حديثه حديثا منكرا مثل السيئ الحفظ بمعني أنهم ينظرون إلي الراوي هل أخطائه أكثر من إصابته يعني إذا كان يروي ألف حديث أخطأ في سبعين حديثا هذا هو الذي فحش غلطه كما بيناه سابقا أحيانا تفتدي أحاديثه التي أصاب فيها وأخطأ فيها وهذا محل اجتهاد .(1/450)
في بعض الأحيان يكون جانب الإصابة عنده أكثر من جانب الخطأ وهو الذي عبر عنه بأنه سيئ الحفظ فجانب الإصابة عنده أكثر من جانب الخطأ فهذا هو الذي ينجبر ضعف حديثه ، بالإضافة إلي ما قلنا عن المستور وهو الذي عرفت عينه ولكن ما عرفت حاله ، ما وثق من إمام معتبر هو مجهول الحال الذي ذكرناه سابقا .
كذلك الحديث المرسل لكن أهل العلم يفسرون فيه ويقولون بشرط أن يكون المرسل من كبار التابعين ، بعضهم يقبل أواثق التابعين وأما صغار التابعين فيردون مراسيلهم ويعدونها من أرادء المراسيل ولا تتقوى بمجموعة طرق .
بالنسبة للحديث المدلس : يقصدون به الحديث الذي في إسناده ورأي المدلس مدلس ولم يصرح بالسماع يعني قال في روايته عن ، فهنا ينتابنا الشك هل سمع هذا الحديث من شيخه أو لا ، يرتفع هذا الشك إذا وجدنا رواية أخرى تقوى روايته فينجبر ما تخوفنا منها هنا بالرواية الأخرى فسكون حسن لغيره ، لكن ليس يبقي لنا أن هذا الراوي قد دلس ، كأن يرد في إسناد أخر قوله عن هذا الشيء حدثت عن فلان لما يدل على أنه أخذ هذا الحديث عن شيخه بواسطة لكن هذه الواسطة لم تسمى ، لو سميت هذه الواسطة انتهى الإشكال إما أن تكون واسطة ثقة أو ضعيفا فإن كان ثقة قبلنا تلك الرواية وإن كان ضعيفا رددنا تلك الرواية ، لكن المشكلة في الرواية التي بالعنعنة وما نتبين هل أخذ هذا الحديث عن شيخه أو هناك واسطة بينه وبين شيخه فيرتفع هذا التخوف بالجبار هل هذه الرواية برواية أخرى .(1/451)
هناك في هذه القضية افراط وتفريط ، فبعض الذين يحكمون على الأحاديث هل يتساهلون في تقوية الحديث بمجموعة طرق وبالذات إذا كانت هذه الطرق فيها ضعف هو لا يحكم عليه بأنه ضعف شديد ولكن من ينظر في طريقة أهل العلم يجد أنهم يرون أن هذا الضعف ضعف لا ينجبر كالتفرد الذي يعد تفردا منكرا إذا جاء راوي على سبيل المثال ضعيف متكلم فيه مثل سفيان بن حسن يروى عن إمام مشهور كثير الحديث كالزهري فإنه في هذه الحال إذا لم يروى هذا الحديث عن الزهري وغيره يقولون عن هذا الحديث تفرد به سفيان وهو متكلم في روايته عن الزهري سفيان بن حسين وهو متكلم في روايته عن الزهري وقد تفرد عن هذا الإمام في الحفظ والإتقان فهذا التفرد نحن نستنكره ففي هذا الحال مثل هذا لا ينجبر ضعفه لو وجدنا له طريقا أخرى ليس عليه الزهري ولكن من طريق أخر إما عن الزهري أو عن الصحابي نفسه أو شاهد ونحو ذلك ، وكان ذلك ضعيفا أو ضعفه يشبه هذا في المتفرد به شيء يستدعي التثبت فإن مثل هذا لا ينجبر ضعفه عند أهل العلم ، لكن هناك جاء على أنقاد هذا الاتجاه اتجاه أخر أنكر أن يكون هناك حديثا حسنا لغيره وقال أبدا ما في إلا الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لغيره ، أما الحسن لغيره فيرون أنه ليس هناك شيء أسمه حسن لغيره ، وهذا يخالف طريقة أهل العلم المعروفة وسبق أن قدمنا كلام الترمذي رحمه الله حينما تكلمنا عن الحديث الحسن وقلنا إن الترمذي في أخر كتابه الجامع عرف الحديث الحسن بأنه الحديث الذي لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا ويروى من غير وجه .(1/452)
إذاً الترمذي لا استثني الضعيف لكن قال لا يكون الراوي متهما بالكذب ، ولا يكون شاذا أي فيه مخالفة أو فيه نكارة أو نحو ذلك ، لكن يمكن أن يقول ضعيفا ضعفا يسيرا ويروى من غير وجه وقوله أنه يروى من غير وجه هذا دليل على أنه يريد الضعيف وإلا لو كان يريد المقبول لما اشترط فيه تعدد الرواية لأن هذه المسألة معروفة عندهم أنهم يحتجون بخبر الواحد فكلام الترمذي يدل على أن الحسن لغيره معروف عندهم كذلك ابن الحجاج رحمه الله لما أنكر عليه بعض أهل العلم إخراجه لحديث وعلى بن عيسى المصري وقطن بن نصير وأمثال هؤلاء الضعفاء تعجب مسلم بن حجاج من قول هذا الذي أنكر عليه وقال إن ما قلته صحيحا قلت إن المتن صحيح وبين أنه إنما أخرج رواية هؤلاء الذين تكلم فيهم لأنها تحصلت له بعلو إسناد ولو ذهب فسمى بإسنادا صحيحا إلي ما حصل له إلا بنزول وسيأتي معنا إن شاء الله تعالي الكلام على قضية العلو والنزول عما قريب .
فمسلم بن حجاج حينما يأخذ برواية هؤلاء إذا ما يأخذ بها في الشواهد والمتابعات ومعروفة هذه القضية عند الشيخين عند البخاري ومسلم رحمة الله تعالي عليهما أنهما يخرجان لبعض الرواة في المتابعات من الشواهد ولذلك لا يقال عن هذا الراوي إنه احتج به البخاري أو احتج به مسلم .(1/453)
الرواة الذي نحتج بهم أو احتج بهم رواة معروفون وهناك رواة آخرون أخذوا لهم في الشواهد والمتابعات بمعني أنه لأجل تقوية الحديث بمجموع الطرق فهذه القضية معروفة عند أهل العلم لكن بعض الأخوة يمكن ينظرون لبعض الأحاديث التي لها ترد ولم يقويها أهل العلم مثل حديث ( من غسل ميتا فاليغتسل ومن حمله فاليتوضأ ) له بعض الطرق لكن مع ذلك الإمام أحمد قال لا يصلح في هذا الباب شيء يعني ما اعتبر هذه الطرق وإن كثرت ، حديث التسمية عند هي عن صحابة كثر ولكن مع ذلك يقول الإمام أحمد لا يصلح في هذا الباب شيء وهو للإمام أحمد أيضا لم يروا أن هذا الحديث يرتقي إلي درجة الاحتجاج يرون كادراك الطرق .
إذن عندهم ضوابط من الحديث الذي يتقوى بكثرة الطرق وهذه الضوابط اختصرتها لكم بقول بشرط أن لا يكون ضعفه شديدا ، أما ما الحديث الذي يكون ضعفه شديدا هذا فصلنا في بعضه ويمكن إن شاء الله تعالي في المطولات يحصل مزيد تفصيل لهذا بإذن الله .(1/454)
ما دمنا عرفنا أن هناك هذا الإفراط والتفريط في قضية الحسن لغيره فأحب أن أشير إلي كلام مهم ذكره الحافظ بن حجر في كتاب النكت وإن كان هذا المضمون يأتي في المطولات لكن لأن يأتيه لكونه لا يطول علينا وهو كلام لابن القطان صاحب كتاب الوهم والإيهام ، فإنه يقول عن الحديث الذي يكون ضعيفا ويتقوى بمجموعة طرق يرى أنه لابد أن يتقوى إما بظاهر القرآن أو بأمويات صحيحة أخرى أو تكثر طرقه كثرة ظاهرة توقع في نفس الواقف عليه أن للحديث أصل يعني لا يكفي في ذلك طريق وطريق ضعيف وضعيف لا ، بل لابد أن تكثر الطرق كثرة ظاهرة جدا ومع ذلك يرى أن مثل هذا لا يعمل به إلا في فضائل الأعمال والحافظ بن حجر أيد كلام بن القطان وقال القلب إذا ما قاله بن القطان هذا كلام كله يعطينا شيئا معينا وهو ضرورة الاحتراز من التساهل في تقوية الحديث الضعيف في مجموع الطرق فهذه مسألة يجب أن نحترز منها احترازا شديدا ولا ننفي أن يتقوى لكن أقول إن الذي يمكن أن يبادر بتقويته هو ما يكون بالمتابعة التامة ولذلك قلت لكم سابقا حينما تكلمنا عن الاعتبار ومتابعة وهلم جرة قلت إن المتابعة التامة أقوى عند أهل الحديث فلو وجدنا مثلا حديثا يرويه شريك بن عبد الله النخعي وهو سيئ الحكم وجاء راوى أخر تابعه كالجناح بن المديح والد وكيع بن الجراح كلاهما عن شيخ معين كأبي إسحاق السابعي مثلا في هذه الحال نقول إن قد يرتفع لماذا لأن المتابعة هنا جاءت متابعة تامة ، والمتابعة التامة أقوى عند المحدثين من المتابعة القاصرة لكن كلما كانت المتابعة قاصرة يمكن أن يكون فيها هذا التفرد الذي منه ولكن بهذه الفكرة بالمتابعة التامة ينتفي التفرد ويتابع في هذين الإثنين أو كل منهما للآخر .
لو وجدنا ولو متابعا ثالثا وإن كان متكلم فيه يتقوى الحديث أكثر وأكثر وهلم جرة .
ننتقل الآن في موضوع أخر .(1/455)
(ثم الإسناد: إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحا، أوحكما: من قوله، أوفعله، أو تقريره.
أو إلى الصحابي كذلك: وهو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام: ولو تخللت ردة في الأصح.
أو إلى التابعي: وهو من لقي الصحابي كذلك.
فالأول: المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله. ويقال للأخيرين: الأثر.)
الآن عند هذا الحد نكون قد انتهينا من أهم مباحث علم الحديث أو مصطلح الحديث فالمقدار الذي أخذناه سابقا هذا هو أهم المهمات ما يأتي بعد ذلك كله من فروع علم الحديث المكملة بمعني أن الشيء الذي سبق هو الذي يتعلق بالحكم على المتن من حيث القبول والرد ، أما الأمور الآتية فلا علاقة لها بالحكم على الحديث قبولا وردا ولكنها مكملة وموضحة لما أخذناه سابقا فهذه نقطة يعني نتنبه لها .
الآن ابتدأ الكلام معنا على بعض أوصاف الأحاديث التي تأتينا فوجدنا في كلام الحافظ بن حجر الكلام عن المرفوع ، والموقوف ، والمقطوع ، وهذا الكلام يضطرنا إلي التعريف بالصحابي وبالتابعي كما سيتبين معنا إن شاء الله تعالي .
فأول ذلك المرفوع ، وحينما أبتدأ في الكلام ها هنا ذكر الإسناد ، والإسناد سبق أن تكلمنا عنه وقلنا إنه الطريق الموصلة إلي المتن وهذه المسألة فرغنا منها وانتهينا منها ، لكن نأتي للكلام عن الحديث المرفوع ما هو فنستطيع أن نقول إن الحديث المرفوع: هو الذي كنا ذكرناه سابقا باسم الحديث ، تكلمنا سابقا عن الحديث والخبر والأثر .(1/456)
تعريف الحديث : هو التعريف الذي يمكن أن نستخدمه للمرفوع فنقول في الحديث المرفوع : هو كل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ، وربما أضيف إلي ذلك في الصفة تكون خلقية أو خلقية ويضاف إلي ذلك عند علماء الحديث أو سيرة قبل البعثة أو بعدها لكن ذكرت سابقا أن أهم مهمات هذا التعريف هو الذي ركز عليه أهل الأصول وما يتعلق بالاحتجاج وهو ما أضيف إلي النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير هذه الأوصاف الثلاثة ، وبعضهم يضيف أو علماء الحديث يضيفون الصفة وبعضهم لا يذكر باقي التعريف فهذه مسألة مهمة لكن قلت إن علماء الأصول يهتمون بالأحاديث التي يحتج بها ألا وهي التي ترتكز في هذه النقاط الثلاثة القول والفعل والتقرير ولا بأس أن نتكلم عن موضوع الصفة وبيدوا أننا شبق أن فصلنا في هذا لكن نعيد ذلك على سبيل الاختصار ، ونقول بالنسبة للمرفوع قولا قو مثل قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) إذن هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
المرفوع فعلا : من فعله صلى الله عليه وسلم كحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به ) فهو يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
التقرير : كحديث أكل الضب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر على الصحابة الذين أكلوا الضب مع كونه لم يأكله ، أخذناه .
الصفة : صفات النبي صلى الله عليه وسلم ككونه عليه الصلاة والسلام كان أبيض مشربا بحمرة ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الشائن إلي غير ذلك من الأوصاف التي حكيت عنه ، كذلك أوصافه الخلقية كان خلقه القرآن ، كان إذا صافح الرجل لم يدع يدى الرجل حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده إلي غير ذلك من أخلاقه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي .(1/457)
الحديث المرفوع الذي بهذه الأوصاف نجد أن العلماء اهتموا بأشياء تلتحق به لابد من الكلام عنها لأنه ليس الحديث المرفوع مقصورا فقط على ما يرد فيه التصريح برفعه للنبي صلى الله عليه وسلم بل ألحقوا به أشياء جعلوها تحت عنوان المرفوع حكما .
إذن هناك المرفوع صراحة وهو الذي تكلمنا عنه ، وهناك المرفوع حكما يعني لا يكون فيه صراحة لنسبته إلي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يرى أهل العلم أن له حكم الرفع يعني يمكن أن يحتج به كما يحتج بالحديث الذي فيه تصريح برفعه إلي النبي صلى الله عليه وسلم .
قالوا عن الحديث الذي له حكم الرفع : هو ما يصدر عن الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات مما لا مجال للإجتهاد فيه ، فإذا صدر عن الصحابي قول أو فعل أو تقرير مما لا مجال من الاجتهاد فيه ولم يكن ذلك الصحابي معروفا بالأخذ عن بني إسرائيل يعد أهل العلم هذا مرفوعا إلي النبي صلى الله عليه وسلم .(1/458)
بالنسبة للمرفوع قولا مما له حكم الرفع مما هذه صفته : مثل لو أخبر الصحابي عن بعض أحوال الأمم الماضية فهذا بلا شك أن الصحابي لا يمكن أن يقول هذا من تلقاء نفسه ، هل أطلعه الله على أحوال الأمم الماضية حتى يخبر عنها لا لابد أن يكون أخذه عن غيره لكن هذا الغير إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره فإذا كان هذا الصحابي ممن عرف بأخذه عن بني إسرائيل عن أهل الكتاب فإن هذا الذي حكاه عن الأمم الماضية يحوم حوله الاحتمال أن يكون مما أخذه عن أهل الكتاب مثل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالي عنهما معروف بكثرة أخذه عن أهل الكتاب بل إنه في غزوة في وقعة اليرموك أصاب جاملتين يعني راحلتين مملوئتين وعليهما أحمال من كتب أهل الكتاب فأخذ هذه الكتب وأخذ يقرأ فيها ويحدث منها فعرف عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالي عنهما بأنه يحدث عن أهل الكتاب ، ولذلك يحدثنا في بعض أخباره عن قصة كوكب الزهراء هذه في قصة هاروت وماروت ويقول إن هاروت وماروت كانا ملكين وإنهما رأيا ما يصعد من أعمال بني آدم من الخطايا فمقتوا بني آدم فطلب منهما الرب جل وعلا أن يهبطا إلي الأرض أو أمرهما أن يهبطا إلي الأرض حتى ينظر ما يفعلان وأنه إذا ألقيت عليهما التي ألقيت على بني آدم سيصنعان مثل ما صنع بنوا آدم واستنكروا أن يحصل منهما هذا قصة طويلة تحكي أنهما وقعا على امرأة وشرب من الخمر وقتلا غلام إلي غير ذلك فهذه المرأة التي أوقعتهما في هذا مسخت حتى تحولت إلي كوكب الزهرة الذي يرى في الأفق هذه القصة لا شك أن عدلها عبد الله بن عمرو بن العاص لابد أن يكون أخذها عن بني إسرائيل ولا نقول إنه أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل ولم يصرح لأخذ هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم والقصة تحول حولها يعني كثير من الألفاظ التي تستدعي التوقف فمثل هذا لا يكون له حكم الرفع ، لكن إذا كان الصحابي الذي أخبر عن(1/459)
الأمم الماضية مثل عبد الله بن مسعود على سبيل المثال معروف بشدته على من يأخذ من يأخذ من كتب أهل الكتاب حتى إنه إذا رأي مع أحد شيء من كتب أهل الكتاب أخذه ومحاه فمثل هذا الصحابي لا يمكن أن نقول أنه أخذ عن أهل الكتاب فإذا حدث عن الأمم الماضية فإنه بلا شك سيكون أخذ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إلا أن يكون يعني من تلقائه قد يكون أخذه عن صحابي آخر يأخذ عن أهل الكتاب فنقول إن الصحابي الذي يتورع في الأخذ عن أهل الكتاب مع في ذلك الوقت مثل أهل الكتاب كتاب الأحبار وهب بن المنبه وعبد الله بن سلام رضي الله عنه وغير هؤلاء حينما يتورع مثل هذا الصحابي عن الأخذ عن هؤلاء يدل على أنه لم يأخذ عن صحابي أخر يأخذ عن هؤلاء حتما .
هناك أيضا الإخبار عن الأمور المستقبلة كالفتن واشراط الساعة ، الإخبار عن أحوال الآخرة وما يحصل فيها في الجنة والنار والحشر وغير ذلك كل هذه الأمور ل مجال للرأي فيها ، إذا حدثنا الصحابي بشيء من هذه الأمور فهذا قطعا لابد أن يكون أخذه عن أحد إما أن يكون أخذه عن أهل الكتاب أو عن النبي صلى الله عليه وسلم على التفصيل الذي ذكرناه .
كذلك قالوا من ما له حكم الرفع المرفوع فعلا يعني هذا هذا المرفوع قولا حينما يحدث الصحابي بهذا .(1/460)
أيضا المرفوع فعلا بأن بفعل ذلك الصحابي شيئا لا مجال من الاجتهاد فيه والاجتهاد فيه قد يعني البدعة مثل لذلك الشافعي الإمام الشافعي رحمه الله مثالا بحديث علي رضي الله تعالي عنه في صلاة الكسوف وكونه صلي أكثر من ركعيين في الركعة الواحدة وهذا ولو لم يثبت به حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع لأن هذا لا يمكن أن يصنعه علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه من تلقاء نفسه فلابد أن يكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب ثم هذا لا يمكن أن يكون مما يمكن أن يتكلم فيه أهل الكتاب مثل هذه التشريعات التي في ديننا لا تكون موجودة عند أهل الكتاب.(1/461)
بالنسبة للمرفوع تقريرا : قالوا مثل أن يخبر الصحابي بأنهم كانوا يفعلون كذا وكذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالي عنهما أنه قال كنا نعزل والقرآن ينزل ولو كان في ذلك نهى لنهينا معني ذلك أن جابرا يرى أن هذا الذي كانوا يصنعونه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وأقره وبلا شك أن هذا لا يمكن أن يطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه لأنه مما يحدث بين الرجل وزوجته والمقصود بالعزل يعني أن يجامع الرجل زوجته ويكون القذف في الخارج حتى لا يكون هناك حمل وقد يكون هذا للزوجة أو للجواري ونحو ذلك وكانوا يصنعون هذا مع الجواري حتى لا تحمل الجارية فتصبح أم ولد فتعتق بعد ذلك ، فمثل هذا يخبر هذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله أنهم كانوا يصنعونه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا دليل على جوازه لأنه لو كان محرما لنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بأن الصحابة يصنعون هكذا فينهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إذن هذا أقر أو شيء حدث في عهد الصحابة وأقره النبي صلى الله عليه وسلم والإقرار جاء ضمنيا لكونه عليه الصلاة والسلام لم ينهى عنه ، هذا بالنسبة للمرفوع تقريرا .(1/462)
يلتحق بهذه المسألة أمور أخرى أيضا لابد من التنبيه عليها ، وجود بعض الصور الصريحة في نسبة هذا الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم لكن بطريقة أخرى مقل أن يقول التابعي حدثنا أبو هريرة يرفعه إلي النبي صلى الله عليه وسلم أو ينويه إلي النبيصلى الله عليه وسلم أو يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم المهم لابد أن يصرح فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم فمثل هذا حتما هو مرفوع ولا تؤثر هذه الصيغة وإنما هي من التنويع فقط ، لكن الإشكال يبقي في ما لو لم يرد ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول التابعي حدثنا أبو هريرة يبلغ به قال من فعل كذا فله كذا أو نحو ذلك ، يبلغ به من قالوا المقصود يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يصرح بذلك لكن هذه الصيغة اختلف فيها بين أهل العلم فمنهم من لم يرها مرفوعة لكن الجمهور والقول الصواب أن هذا يعد مما له حكم الرفع إلي النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يصرح به عليه الصلاة والسلام .
هذه الصيغ كثيرة يروي به يبلغ به يرويه إلي غير ذلك من أنواع هذه الصيغ .
قد يقول قائل ماذا سواء في هذه الصيغ أو ما سيأتي إن شاء الله تعالي ، لماذا يستخدم الراوي هذه الصيغة ؟ لماذا لا يصرح برفع هذا إلي النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي يدفعهم إلي هذا ؟
فالجواب عن هذا من عدة وجوه :(1/463)
منهم من قال إما قد يشك في لفظه فيخاف من قوله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فاليتبوء مقعده من النار فيستخدم هذه الصيغة ، لكن هذا يعني جواب أري أن فيه شيء من عدم الوضوح أو عدم الإقناع ، لكن هناك بعض الأجوبة التي أرى أنها مقنعة وهي من الذي قال هذه الصيغة هل هو التابعي ، أو من بعده ، أو أحد الرواة كل هذا محتمل ، فقد يكون أحد الرواة قال هذا على سبيل المذاكرة فالمذاكرة يتخففون فيها يعني لم يقصي بالتحديث ولا حاجة لهذا التحديث أو يكون جاء به في مقام الوعظ أو الفتوى أو الإستشهاد أو جوابا لسؤال فلم يكن هذا في من جاء في مجلس التحديث حتى يأتي باللفظ سندا ومتنا فهذا الجواب أرى أنه أقوى مما قيل إن ذلك جاء من باب الورع .
مما يأتي في هذه الصيغ أيضا قوله من السنة كذا فإذا قال الصحابي من السنة كذا قالوا هذا أيضا يقصد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اللفظ جاءت به بعض الأحاديث مثل حديث أنس بن مالك رضي الله تعالي عنه أنه قال من السمة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا ، مثل أيضا حديث الحديث الذي يرويه الزهري عن سند بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر أنه قال للحجاج بن وسف في يوم عرفة من السنة أن تهجر بالصلاة يعني تبكر في الصلاة يقول الزهري قلت لسالم بن عبد الله هل قصد بذلك رفع الحديث إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سالم وهل يعنون بالسنة إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم فسالم بن عبد الله هذا هو بن الصحابي الجليل يقول أبدا ما كانوا يقصدون بالسنة إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم .(1/464)
كذلك أيضا مما يرد في هذا المقام قولهم أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو كنا نفعل كذا لم يقروا أن يحكم الصحابي على فعل بأنه طاعة أو معصية مثل قول عمار رضي الله تعالي عنه ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ) صلى الله عليه وسلم فهذا ما أورد له النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أفتى أن هذا يعد معصية ويلحق بذلك أيضا ما لو فسر الصحابي تفسيرا له تعلق بسبب النزول مثل قول جابر في الصحيح كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل زوجته من دبرها في قبلها يكون الولد أحول فنزل قول الله جل وعلا ?نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ? [البقرة:223] فقول جابر فنزل قول الله هذا دليل على أنه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فإذن هذا له حكم الرفع وإن لم يصرح باسم النبي صلى الله عليه وسلم ، أما بالنسبة لأمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فمثل الحديث الذي في صحيح مسلم أمر بلال أن يشفع الآذان وأن يوتر الإقامة مثل قول أم عطية رضي الله تعالي عنها نهينا عن اتباع الجنائز ولم يؤذن علنا ، فكل هذه الألفاظ تدل على أن الآمر والناهي هو النبي صلى الله عليه وسلم فكل هذه تلتحق لماذا هو حكم الرفع وأنا أطلت في هذا لأن الحافظ بن حجر رحمه الله أطال فيه وأتوقف الآن لتلقي بعض الأسئلة ونعاود إن شاء الله لعل في الوقت متسع نأخذ بعض الأسئلة كما هناك أيضا عندكم أسئلة ونواصل إن شاء الله تعالي في بعض الأشياء.
سؤال :
ذكرتم أن رواية المختلط والمدلس تتقوى فهل هناك من باب في المختلط الذي يتقوى ، كذلك المدلس يعني مثلا من كان في الطبقة الثالثة ومن بعدها فتقوى حديثه الذي فحش اختلاطه كابن لهيعة هل يتقوى حديثه ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(1/465)
الحقيقة يعني هذا المتن المختصر كما قلت مرارا أننا ينبغي أن نأخذ الحكم من حيثه ، والتفصيل في هذا سيأتي إن شاء الله تعالي في كتب المطولات مثل هذه القضية فيها تفصيل طويل يعني أنا سبق أن ذكرت طبقات المدلسين وأنها قسمها الحافظ بن حجر إلي خمس طبقات وقلت إن الطبقة الثالثة هي التي يكثر الاختلاف فيها بين أهل العلم وقلت أن الطبقة الخامسة هي من وصف بالتدليس والتحق بذلك أيضا الضعف كأبي اللهيعة فمثل هذا لا فيه تفصيل لكن نحن نأخذ الحكم من حيثه أما تطبيقاته وتفصيله هذا إن شاء الله تعالي يأتي معنا ، كذلك أيضا بالنسبة للمرسل يعني أنا أشرت الخلاف لكن في هذا أيضا كلام طويل غير ما ذكرت .
سؤال :
بالنسبة للصحابة الذين عرفوا بالأخذ عن أهل الكتاب هل هم معروفون بمعني أن نقول أن الأصل في الصحابة عدم الأخذ عن أهل الكتاب إلا قلة مثلا ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
هذا بلا شك أن الأصل في الصحابة عدم الأخذ عن أهل الكتاب إلا من تبين أنه أخذ مثل ما قلت عبد الله بن عمرو أو مثل أبي هريرة أو مثل بن عباس ونحوهم هؤلاء عرفوا بالأخذ عن أهل الكتاب ، بعض الصحابة الآخرين كانوا شديدين في الأخذ عن أهل الكتاب والأصل في الصحابي أن لا يأخذ ، يعني إذا وجدنا من نص على أنه أخذ من أهل الكتاب هذا هو الذي نستثنيه وأما الباقون فهم الذين نستطيع أن نقول أنهم لم يثبت عنهم أنهم أخذوا عن أهل الكتاب .
سؤال :
هل يجوز تقسيم البدعة إلي واجب ومستحب ومكروه وجائز كما يفعل بعض الناس اليوم يحتجون بهذا التقسيم لتبرير بعض ما يحدثونه من أمور وهل لهذا التقسيم أصل ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(1/466)
أقول إن هذا التقسيم ذكره بعض أهل العلم مثل العز بن عبد السلام رحمه الله تعالي وهو منشغل في تقسيمه هذا ولكن لا يقر على تقسيمه ، وهو جاء بأمثلة وحاول أن يقعد بهذا التقسيم لكن يستغرب من مثل العز بن عبد السلام رحمه الله أن يقول مثل هذا الكلام الذي لا يلتحق بالبدعة ، فالبدعة المقصود بها ما يحدث في إما الاعتقادات أو في العبادات فذهب هو يستدل رحمه الله على كلامه هذا بأشياء ليست محلا للاستدلال أو ليست أدلة في هذا الموضوع فيستدل مثلا بعلم أصول الفقه أو علم مصطلح الحديث وأنها حادثة فهذا لا علاقة له بما نحن بما يتكلم عنه فلا علاقة له بآداب الاعتقاد ولا علاقة له بأبواب العبادات وإنما هذه تدخل في المصالح المرسلة هذه علوم آله ضابطة لعلوم الشريعة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بمهني أنه لو ترك مثلا علم الحديث كيف يمكن أن يعرف صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم من ضعيفها ثم إن له جذورا وأصولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل في كتاب الله جل وعلا كما ذكرت ذلك سابقا مثل ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُو ? [الحجرات:6 ]
وهلم جرة فالعز بن عبد السلام رحمه الله استدل على كلامه هذا باستدلالات غير صحيحة والأصل في هذا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم قوله مقدم على قول العز بن عبد السلام وحتى لو كان من هو أعلى مقاما من العز بن عبد السلام ولا يعني هذا أننا نقول إن العز بن عبد السلام يعني أخطأ خطأ يعني إهدار شخصيته أو النيل منه أو نحو ذلك فكل بشر يخطئ ويصيب إل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أمر معروف ولا يجوز أن يعظم إنسان ويرفع فوق قدره لأن هذا يعني جعل كلامه ينزل منزلة الوحي وهذا لا يجوز في حال من الأحوال .
سؤال :
إذا روى الحديث راويان غير ثقة وراوي ثقة فهل هو من الحسن أو الشاذ ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(1/467)
إذا كان الحديث مرويا من طرق متعددة بعضها صحيح مثل ما أشارت الأخت راوي ثقة وطريق أخرى ضعيفة فما الحكم على هذا الطرق الضعيفة هل تكون حسنة أو تكون صحيحة نقول تكون صحيحة وهذا سبق أن تكلمت عنه سابقا فالحكم من الأعلى دوما هو الذي يأخذ الحكم فإذا كان الضعيف وافق الثقة أصبح الحديث صحيحا لأن الحديث صحيح في أصله .
المتن
الكلام لا يزال متسلسلا عن هذه الأنواع التي ذكرها الحافظ بن حجر فذكرنا المرفوع وقلنا إنه هو قول ما يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل إلي آخره .
نأتي للموقوف ، والموقوف هو : قول الصحابي أو فعله أو تقريره مثل ما قلنا في الحديث لكن بدلا من النبي صلى الله عليه وسلم نقول الصحابي ، لكن لا يعامل التعريف معاملة تعريف المرفوع أو الحديث مائة بالمائة حيث أننا مثلا نتقن في ذلك سيرته وأخلاقه وهلم جرة ، من كان هذا به عند بعض أهل العلم ، لكن المهم في هذا هو ما يتعلق بالدرجة الأولي بأقوال الصحابة رضي الله تعالي عنهم ثم أفعالهم وتقريراتهم أيضا لأنها هي التي تدور عليها الأحكام .
نحن في هذه الحال بحاجة إلي أن نعرف الصحابي كما عرفه الحافظ بن حجر رحمه الله تعالي .
فنقول عن الصحابي : إنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك .
قال الحافظ ولو تخلل في ذلك ردة على الأصح .
سؤال :
في الحديث المرفوع هو حديث عن الشافعي قوله ( كنا نعد الاجتماع للميت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النياحة ) هل هذا يعتبر في حكم المرفوع ، حديث آخر اللي هو حديث الأسماء الحسنى وهذا في موضوع المدرج الذي روي أبو هريرة رضي الله عنه في قوله ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) فهذا الحديث قيل أن فيه إدراج وهو إدراج الأسماء الحسنى ضمن متن الحديث فهل اتفق أهل العلم على أن هذه الأسماء صحيحة ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
سؤال :(1/468)
بالنسبة للأحاديث التي لمسلم بالشواهد والمتابعات كيف يكون التعامل من يرويها معه ، كيف يميزها لغيرها ؟
مواصلة الدرس :
قلنا عن تاريخ الصحابي إنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ويقول الحافظ أنه اختار هذا التعريف من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل رأى النبي صلى الله عليه وسلم لأن التعبير باللقي أحسن من التعبير بالرؤي والسبب أنه قد يكون الذي عد صحابيا كفيف البصر مثل عبد الله بن أم مكتوم فعبد الله بن أم مكتوم لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لقيه فالتعبير باللقي أدق كما يقول الحافظ رحمه الله وهذا كلام جيد ، من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به قال به حتى لا يظن أن المقصود الإيمان المطلق كإيمان أهل الكتاب ولكن لابد أن يكون مؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك بمهني أنه لو ارتد فإن الشرك محبط للعمل كما هو معروف في قول الله جل وعلا ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ? [الزمر:65]
فإذاً الشرك محبط للعمل والكفر هو قمة الشرك ، فلو ارتد أحد مثل بعض الأعراب الذين ارتدوا بعد ما آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما توفي صلى الله عليه وسلم معروف أنه كانت موجة ردة أماتها أبو بكر رضي الله تعالي عنه وكانت هذه من حسناته فأولئك الذين توفوا في هذه الردة ليسوا صحابة وإن كانوا قد لقوا النبي صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك ولو تخللت ذلك ردة على الأصح لاحظوا كلمة الحافظ حينما قال عن الأصح يعني أن هناك خلافا بين أهل العلم في هذه القضية .(1/469)
مازلنا نقول إن الردة محبطة للعمل فإذا كان هناك أحد ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلي الإسلام فالمسألة هنا ذات شقين ، الشق الأول ما يتعلق بروايته فروايته متصلة إذا عاد للإسلام وكان رجوعه صحيحا وأخبر عن بعض ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فالرواية من حيث الاتصال متصلة ومن حيث القبول مقبولة لأن هذا الراوي عاد للإسلام وأصبح ثقة برجوعه إلي الإسلام وبالذات إذا كان لم يتكلم فيه عند علماء الإسلام ، لكن تبقي قضية شرف الصحبة هل لاتزال أو لا هذا الذي يمكن أن يكون خلاف بعض أهل العلم جاء فيه أما خلاف اتصال السند هذه ليست مشكلة لكن المشكلة في هل بقي له شرف الصحبة أو لا ، فأنا الذي يميل له قلبي أن شرف الصحبة لم يبقي له ، وأنا أخالف في هذا الحافظ بن حجر لأنه يرجح خلاف هذا ويمثل في الأشعث بن القيس يقول إنه ارتد ثم رجع إلي الإسلام ويقال إن أبا بكر رضي الله تعالي عنه زوجه أخته بغض النظر عن ثبوت هذه الرواية من عدمها لأن في تصديقها كلاما لكن القصة أو القضية قضية الأشعث بن القيس حين ارتد فلنا إن الردة محبطة للعمل من فضل الله جل وعلا .
سؤال :
هل تجوز الرواية على الرافضة والشيعة ؟
سؤال :
سمعت أحد الأخوان أن صلاة البر تعدل خمسين صلاة ، وبعض الأخوان يقول الشيخ الألباني صحح الحديث ؟
مواصلة الدرس :
أعود إلي قضية الأشعث بن القيس رحمه الله فأقول أنا أري أن الردة محبطة للعمل لظاهر الآية كما هو واضح وأما اتصال الرواية فالرواية متصلة والأشعث بن القيس هو الذي تسبب في إحباط شرف صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يؤثر على الرواية التي نحن بسبب الكلام عنها فالرواية متصلة كما قلت والقضية متعلقة بشخص الأشعث بن قيس رحمه الله تعالي .(1/470)
لكن نحن في الآن أمام قضية مهمة وهي هؤلاء الصحابة الذين نتكلم عنهم الآن ينبغي أن نعرف أن شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم هذا من أعلى المقامات فأولئك الصحابة الذين بعضهم تحملوا الأذى في مكة يوضع الحجر على صدر أحدهم في شدة رمضاء مكة ويتحملون العذاب الشديد من قبل كفار مكة ماذا يريدون إن لم يكون يريدون وجه الله والدار الآخرة بعض الصحابة الذين قتلوا مثل والد عمار بن ياسر رضي الله عنه وسمية رضي الله تعالي عنها ، كل هؤلاء ماذا يريدون حينما يتحملون كل هذا الأذى عمار بن ياسر وهو يتحمل الأذى مع أبويه غير هؤلاء أولئك الصحابة لقوا من كفار مكة ما لقوا من الأذى يستخفون بإسلامهم في دار الأرقم بن أبي الأرقم أولئك الصحابة الذين الواحد منهم يترك أوطانه كأبي هريرة يترك بلده في جنوب جزيرة العرب ويترك أهله ويأتي إلي النبي صلى الله عليه وسلم ويسكن في المسجد منقطعا عن الدنيا وعن أهلها النبي صلى الله عليه وسلم فقط ليسمع حديثه صلى الله عليه وسلم إلي غير ذلك من الأمور هؤلاء الصحابة رضي الله تعالي عنهم من م أو أساء إليهم أو قدح فيهم فهذا أولا يعني ينبغي أن أن يراجع عقله وينبغي أن يراجع دينه كيف يتيح لنفسه القدح في هؤلاء الصحابة الذين زكاهم الله جل وعلا في آيات عديدة الفتح إلي غير ذلك من الصحابة الذين أثني عليهم الرب جل وعلا في كتابه وأثني عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا بودي أن أتكلم في هذا طويلا لكن الوقت داهمني لكن المقصود الإشارة إلي أن هؤلاء الصحابة لا يجوز لأحد يتناولهم بحال من الأحوال .(1/471)
أما ما وقع من بعضهم من ومن فتن بسبب ما نشب بينهم من اقتتال هؤلاء معتقد أهل السنة فيهم يجب أن نضعه في نصب أعيننا ونقول نكف عن ما شجر بين الصحابة رضي الله تعالي عنهم ولا نتدخل فيه وندعو لهم ونترحم عليهم ونتربي عليهم رضي الله تعالي عنهم أجمعين ولا نقدح في أحد منهم بحال من الأحوال ونقول أن ما فعلوه باجتهاد منهم فالمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه تقتتل فئتان عظيمتان من المسلمين ما قال أحداهما كافرة قال من المسلمين وقال عن الحسن بن علي رضي الله تعالي عنهما إن ابني هذا طيب ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ووقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قي سنة أربعين للهجرة وسمي ذلك العام عام الجماعة حين تنازل هذا الصحابي الجليل الحسن بن علي رضي الله عنه وعن أبيه وعن أمه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالي عنه لأجل درء الفتنة ووحدة الصف وحقن الدماء وهذا الذي حصل بحمد الله وبإجماع أهل ذلك العصر ونحن يجب أن نكف عن ما وقع بينهم وننظر إلي حسناتهم ونعد هؤلاء بشرا يخطئون ويصيبون ولكن جانب إصابتهم هو الجانب الذي ننظر إليه ونعظمه وبالذات مقامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة الإسلام يجب أن نراه وأن ننظر إليه بعين البصر والبصيرة .
سؤال :
حديث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أضحك مصليا فكأنما أبكاني هل هذا الحديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحديث آخر أو مرفوع أو موقوف على علي بن أبي طالب لا صلاة المسجد إلا للمسجد ؟
أولا بالنسبة للجواب على الأسئلة فيه بعض الأخوة سألوا في الحلقة الماضية ووعدتهم أن أجيب في هذا اليوم ، أجيب بسرعة .(1/472)
أحد الاخوة سأل عن حديث ولا راد لما قضيت ، فهذا الحديث هو حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالي عنه أصله في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بثلاث ونهاهم عن ثلاث وفي الحديث اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وردت زيادة لكن ليس في صحيح البخاري وإنما في مصنف ولا راد لما قضيت وهذه الزيادة أعرض البخاري عن إخراجها لأنها تفرد بها معمر بن راشد لكن يشكل على هذا أنني أذكر رواية أخرى أيضا متابعا لمعمر بن راشد يروي هو الحديث عن عبد بن عمير وتابعه أيضا مسعر لكن البداية عند الطبرانى وفي النفس من ثبوتها وإن كان ظاهر الإسناد الصحة لكن على كل حال اعراب البخاري عنها والرواة الكثر الذين روو الحديث عن ولم يذكروا هذه الزيادة هذا يدل على أن فيها شيئا .
- أحد الأخوة قال آذان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الحديث في الترمذي
حقيقة مسكت كتاب الآذان في الترمذي من أوله إلي آخره ما وجدت حديثا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لكن قد يكون أشكل على الأخ بعض الألفاظ في بعض الأحاديث مثل آذان النبي صلى الله عليه وسلم شفعا هذا ليس فيه دلالة على أنه النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أذن وإنما الآذان الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم مثل آذان أبي أو آذن بلال أو آذان بن أم مكتوم وهكذا فإذا كان يقصد إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فعلا فعليه أن يأتينا بالموضع حتى نراه .
الأسئلة التي جاءت أنا بودي أن أقدم الأسئلة التي تتعلق بالدرس والتي تتعلق بالأحاديث إن شاء اله تعالي نجيب عنها في الأسئلة القادمة في الحلقة القادمة إن لم يمكنا الإجابة عنها ها هنا .
أحد الأخوة يسأل عن الشواهد التي في صحيح مسلم كيف نستطيع أن نعرفها ؟(1/473)
قلنا هذه الشواهد نستطيع أن نعرفها بأن ننظر لهذا الحديث إن كان تفرد به راوي من الرواة لم يتابع عليه والأسانيد كلها ترتقي فيه فنستطيع أن نقول هذا الراوي احتج به مسلم ن إذا كان لا يروي الحديث عند مسلم أحد غيره وإن تفرعت عنها الأسانيد ، فهذا الراوي نقول إنه احتج به مسلم هو ومن فوقه ، أما إذا كان الحديث يروى من طريق فلان ومن طريق فلان ومن طريق فلان فكل هذه نقول عنها إنها شواهد ومتابعات بهذه الطريقة نستطيع أن نعرفها .
بعض الأخوة يسأل عن البدع والمبتدعة كيف أو هل نحتج بهم أو ما إلي ذلك ؟
أقول كلامي واضح يا أخي يعني عندنا ضوابط إن كان الإنسان ارتكب أمر مكفرا مجمع عليه فنعم هذه هي البدعة الكفرية التي لا تقبل رواية صاحبها ، وأما البدعة التي دون ذلك فعلى التفصيل إن كنت ذكرته ولعلك تراجع الكلام مرة أخرى .
إن شاء الله تعالي لعلنا نجيب عن باقي أسئلة الأخوة ونستكمل إن شاء الله تعالي الحلقة القادمة ونسأل الله جل وعلا كما قلنا في مرات سابقة أن يجعل ما نتعلم حجة لنا لا حجة علينا وأن يجعلنا من خدام هذا الدين والدعاة إلي سبيل الله وأن يجعلنا من الذين ينشرون هذا العلم في أوساط الناس وأحث أخواني على ضرورة ان يكون الإنسان يحمل هذا العلم ويبلغه لأن هذا زكاة العلم وإذا أراد الإنسان أن ترسخ معلوماته فعليه أن يبذل هذا العلم لأن كل شيء يؤخذ منه ينقص إلا هذا العلم كل ما تأخذ منه فهو يزيد وهذا منة الله وفضله وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا مجحمد وعلى آله وصحبه وسلم(1/474)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، تداركنا وقت الحلقة الماضية وكنا نتكلم عن الصحابي في تعريفه وذلك من ماله حكم الرفع وذكرنا أن الصحابي على تعريف الحافظ بن حجر رحمه الله هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على ذلك يقول الحافظ ولو تخللت ذلك ردة على الأصح وبينا ما في ذلك وفي المسألة تفصيل ليس هذا موضعه الآن لأن موضعه في كتب المطولات أن أمد الله جل وعلا في العمر وألحقنا ذلك .
الصحابي يعرف بأنه صحابي بأمور عدة من هذه الأمور التواتر وعرفنا أن التواتر هو نقل الكافة عن الكافة يعني لا بعض الصحابة ما يحتاج إلي إثبات صحبته عن طريق الإسناد فلا أحد يشك في أن أبا بكر رضي الله تعالي عنه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعمر ، عثمان وعلي وهكذا الصحابة المشهورون رضي الله تعالي عنهم لا أحد يشك في صحبتهم بحكم استدارة الخبر بل تواتره .
كذلك أيضا دون التواتر 0 والشهرة وهي أقل من التواتر ، والتواتر أقوى وإن كان فلديه من بعض فكذلك أيضا بعض الصحابة يشتهر أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فنستطيع أن نقول إن هذا هو الدليل الثاني الذي يستدل به على أن ذلك الصحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فإذن التواتر والاستفاضة والشهرة .(1/475)
الثالث إخبار بعض الصحابة عن ذلك الصحابي فإذا كان هناك بعض الصحابة روا حديثا دخل فيه صحابي أخر جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال كذا أو فعل كذا وهلم جرة فهذا يمكن أن يكون من الأمور التي يستدل بها على صحبة ذلك الصحابي على سبيل المثال ما رواه مسلم في صحيحه من حديث طلحة بن عبيد الله ، طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة قال قدم رجل من أهل مجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما نقول ذكر المحاورة التي جرت بين هذا الرجل وبين النبي صلى الله عليه وسلم واستفدنا من هذه المحاورة أن الرجل أسلم وما دام أنه أسلم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه فاكتسب شرف الصحبة هي هذه الحال ، دلت رواية أنس بن مالك وغيره على أن هذا الصحابي هو بن ثعلبة رضي الله تعالي عنه فاستفدنا إذن من مجمل هذه الرويات إخبارهم بأن بن ثعلبة ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إذن إخبار من صحابي أخر بصحبة هذا الصحابي وهو بن ثعلبة رضي الله تعالي عنه .
كذلك أيضا من الدلائل التي يستدل بها على إثبات صحبة الصحابي إخباره هو عن نفسه لكن بشرط أن تكون دعواه ممكنة وذلك بأن يقول مثلا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا أو جئت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن كذا وأخبرني بكذا أو أي عبارة يستدل بها على أن ذلك الرجل لقي النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد من ذلك صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن عن طريق إخباره هو عن نفسه .(1/476)
لكن حين يشترط أهل العلم شرط أن تكون دعواه ممكنة السبب الذي دفعهم لهذا هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر فيه أنه بعد مائة عام لا يبقي على وجه الأرض ممن هو عليها أحد وهذا حصل فعلا فأخر الصحابة موتا هو أبو عامر رضي الله تعالي عنه قيل إنه توفي سنة مائة للهجرة وقيل أكثر من ذلك لكن خلاف سنة وفاته سنة مائة وعشرة للهجرة فصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يبقي على وجه الأرض ممن هو عليها أحد بعد مائة عام .
لكن أخر الصحابة موتا من الصحابة الذين اشتهروا وعرفوا أنس بن مالك وكانت وفاته رضي الله تعالي عنه في سنة ثلاث وتسعين للهجرة في هذه السنوات أو ي في حدود هذه السنوات الدعوة ممكنة إذا قال رجل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أو لقيته أو نحو ذلك لكن لابد هذه الدعوة بعد سنة مائة وعشرة للهجرة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي مخرج في الصحيحين وهو أنه لا يبقي على وجه الأرض بعد مائة عام من أحد ينفي أن يكون هناك صحابي عاش بعد سنة مائة وعشرة للهجرة هذا نص واضح ودليل واضح وبين .
لماذا اشترط أهل العلم هذا الشرط ؟(1/477)
لأنه وجد في القرن السادس يعني بعد خمس مائة سنة أن رجلا يقال له رتا وهو رجل هندي يزعم أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا الرجل يحمل في محمل لكبر سنة لاشك أنه أتت عليه سنون عديدة لكن لا يمكن أن يكون قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتصور أن أحد يعيش في هذه السنوات ستمائة سنة أو نحو ذلك ، هذا لم يكن إلا للناس القدامى كنوح عليه السلام ومن كان في تلك السنين ، أما في وقت الأمة المحمدية فلن يعرف أن أحدا عاش مثل هذه السنين ، وعلى كل حال حديث النبي عليه الصلاة والسلام هذا يكذب هذه الدعوة ولذلك ألف الحافظ الذهبي رحمه الله مؤلفا بعنوان كسر وتن رتن يعني عد هذه الدعوة شبيهة بالوثن بالصنم فرد عليه في تكذيبه أو في تكذيب دعواه بأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الذي جعل العلماء يشترطون هذا الشرط .
من الدلائل التي يستدل بها على صحبة الصحابي أيضا إخبار التابعي حينما يقول حدثني رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم لكن بشرط أن يكون ذلك تابعي ثقة وهو من أهل المعرفة أيضا فإذا قال التابعي حدثني رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم فهذه من الدلائل التي يستدل بها على أن ذلك الرجل قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم .
عرفنا أن الصحابي إذا قال قولا نسمي قوله هذا الموقوف ، أو فعل فعلا أو أقر أمرا من الأمور حصل بحضرته فكل هذا يسمى موقوفا وهذا أظن أننا سبق أن تكلمنا عنه ، فإذن عندنا المرفوع وهما يضاف إلي النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يضيفه التابعي إلي النبي صلى الله عليه وسلم كما قررناه وعندنا الموقوف وهو ما يكون من قول الصحابي أو فعله أو تقريره .(1/478)
الذي ينهي الصحابي هو التابعي فنعرف التابعي أولا فنقول إن التابعي هو من لقي الصحابي مؤمنا ومات على ذلك هكذا يعني يرى أهل العلم ، لكن لو قيل إنه من لقي الصحابي هذا يكفي إن شاء الله تعالي حتى لا نعامل الصحابي معاملة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكل من لقي الصحابي فإنه يعد تابعيا لكن فيه فرق بين أن يلقاه وهو غير مؤمن ثم يحدث فهنا نعرف أن الحديث لا يقبل منه لأن من شرط الرواية العدالة وأول العدالة لابد فيها من الإسلام فلا تقبل رواية الكافر مطلقا ، لكن إن لقي الصحابي وهو كافر ثم أسلم بعد ذلك فهذا كما كنا ذكرناه سابقا حينما تكلمنا عن شروط الحديث الصحيح إنه ممكن أن يحدث أو يسمع الإنسان في حال صغر سنه أو في حال كفره ثم بعد ذلك يبلغ سن الرشد أو يسلم فيحدث ذلك الحديث فهذا يقبل منه .
فيه طبقة يقولون إنها تكون بين طبقة التابعين والصحابة وممن يسمون المخضرمون
المخضرم : هو الذي عاش في الجاهلية والإسلام أيضا أدرك الجاهلية والإسلام ، هناك بعض التابعين الذين يقال لهم مخضرمون ويجتمعون مع الصحابة بحكم أنهم كلهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الفرق بين الصحابي والمخضرم أن الصحابي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما المخضرم فلم يكتب له شرف لقي النبي صلى الله عليه وسلم لسبب من الأسباب إما لأنه ما أسلم إلا بعد ذلك أو لأنه أسلم وأراد أن يلقي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ما تمكن مثل ما حصل من عبيدة السلماني رحمه الله فإنه لما اسلم وجاء وافدا إلي النبي صلى الله عليه وسلم واقترب من المدينة بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي فكاد أن يكون صحابيا رحمه الله تعالي .(1/479)
هؤلاء المخضرمون نعم يشتبهون مع الصحابة كما قلت بحكم أنهم عاشوا في فترة واحدة وهي الفترة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم أصبحوا من التابعين لأنهم أخذوا عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، لكن هؤلاء يعدون أعلى طبقات التابعين لأنهم كبراء سنهم كبير وأدركوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تقدمت وفاتهم كأبي بكر ومعاذ وعمر بن الخطاب وعثمان بن مسعود ، أبي الدرداء ، أبي ذر ونحو هؤلاء الصحابة الذين توفوا قديما فهؤلاء تكون روايتهم عن الصحابة متصلة في الأعم الأغلب .
يقال إن هناك من أدرجهم في الصحابة كابن عبد البر رحمه الله تعالي 0 بن عبد البر في كتاب في معرفة الأصحاب يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المخضرمين في هذا الكتاب فاشتبه على بعض الناس أن بن عبد البر يعد مخضرم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل ذلك من مقصود الحافظ بن عبد البر رحمه الله تعالي وإنما كان مقصوده أن يستوعب ترجمة أهل ذلك القرن كلهم يعني القرن الأول وما فيهم من صحابة ومن يشتهر في طبقة الصحابة بحكم أنهم عاشروا عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فقد بين هو أن رواية هؤلاء تعد منقطعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو مرسلة لأنهم ما لقوا النبي صلى الله عليه وسلم ففصلهم عن الصحابة من هذه الحيثية .
فيهم من يظن أن بن عبد البر جعل المخضرمين من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، هناك كتب ألفت في معرفة هؤلاء المخضرمين وتميزهم عن المخضرمين الذين لم يدركوا عصر النبي صلى الله عليه وسلم ككتاب بن العجمي وهو برهان الدين الحلبي أجاب أو غيره ،فهناك من اعتني بهؤلاء والعناية بهم مفيدة من ناحية حين تكلمنا عن الحديث المرسل وقلنا إن هناك من فرق بين مراسيل كبار التابعين وأواسط التابعين وصغار التابعين فمراسيل كبار التابعين لاشك أنها أعلى المراسيل وأجود المراسيل .(1/480)
أول من يمكن أن ينصرف إليه هذا التفضيل هم المخضرمون لأنهم كبار فإذا كنا عددنا مراسيل سعيد بن المسيب رحمه الله من أجود المراسيل بحكم التقدم طبقته وعلو سنه فمن باب أولى أن نجعل المخضرمين داخلين في ذلك لأنهم أعلى من سعيد بن المسيب فسعيد بن المسيب ليس مخضرما وإن كان من كبار التابعين رحم الله الجميع .
المتن
نرجع قليلا لاستدراك فقط مسألة فتنا التنبيه عليها وهي الأثر فالموقوف على الصحابي والمقطوع وهو قول التابعي أو فعله ، قلنا إن ما كان من قول الصحابي أو فعله أو تقريره يقال له الموقوف ما كان من قول التابعي أو فعله أو تقريره يقال له المقطوع ، يقال لهذين يعني للموقوف والمقطوع الأثر ، وثبت أن عرفنا في بداية شرح هذه النخبة الحديث والخبر والأثر مما يغني عن إعادته ها هنا لكن لا بأس من الإشارة إليه .
عرفنا بأن الخبر : هو ما يروى عن الصحابة وعن التابعين ، وهذا على مصطلح بعض أهل العلم وإلا بعضهم يجعل الأثر عاما حتى للحديث وللخبر فهناك طباق بين هذه الأوصاف أو هذه التعريفات لكن أكثر ما يستخدم المحدثون إطلاق الأثر على ما يرويه الصحابة ويرويه التابعون أو على قول الصحابي وقول التابعي وهذا هو الأعم والأغلب والأشهر .
لا يزال الكلام متصلا بعضه ببعض فيقول الحافظ إن المسند هو المرفوع لصحابي بسند ظاهره الاتصال إذن عندنا تسمية معينة وهي المسند ،
فما هو المسند : نقول إن المسند عرفه الحافظ بأنه ما يتصل سنده إلي النبي صلى الله عليه وسلم أو كما يقول مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، فالحافظ يشترط شرطين في تسمية الحديث مسندا ،
الشرط الأول : أن يكون مرفوعا من صحابي .
الشرط الثاني : أن يكون السند متصلا .
وهذه المسألة حصل فيها اختلاف بين ثلاثة من الأئمة وهو أبو عبد الله الحاكم ، والحافظ بن عبد البر ، والحافظ الخطيب البغدادي رحم الله الجميع .(1/481)
فأبو عبد الله الحاكم يقول عن الحديث المسند وقبل أن يلقي الكلام عن أبي عبد اله الحاكم عرفنا الإسناد سابقا بأنه سلسة الرجال موصلة إلي المتن فنجد في إطلاقات أهل الحديث أنهم يصفون بعض الروايات بأنها مسندة يقولون هذا مسند فما مقصودهم بالمسند لابد أن نعرف مصطلحات المحدثين حتى نستطيع أن نتعامل معها وإلا تصبح هذه العبارات أمامنا عبارات غير واضحة ، فما مرادهم بالمسند ، قالوا مرادهم بالمسند هذا كلام الحاكم أن يكون السند متصلا وأن يكون الحديث مرفوعا إلي النبي صلى الله عليه وسلم فلابد من هذين الشرطين ، فأبو عبد الله الحاكم يقول على المسند أنه ما اتصل سنده إلي النبي صلى الله عليه وسلم بهذين الشرطين .
الحافظ بن عبد البر يقول عن الحديث المسند : هو كل ما يضيفه التابعي إلي الله صلى الله عليه وسلم .
الخطيب البغدادي يقول : هو كل ما اتصل سنده إلي منتهاه ولم يشترط أن يكون المنتهى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم .
فإذن عندنا هذا الخلاف وهو ذكره بالآتي :
نقول إن تعريف الحاكم يجمع تعريفي بن عبد البر والخطيب البغدادي ، لأن بن عبد البر ركز على قضية واحدة وهي إضافة الحديث إلي النبي صلى الله عليه وسلم بمعني أنه عند بن عبد البر يمكن أن يكون الحديث مرسلا يعني ليس متصلا ولكن يضاف إلي النبي صلى الله عليه وسلم يكفي هذا عند بن عبد البر في تسمية الحديث مسندا ، فإذن بن عبد البر لا يشترط في الحديث المسند أن يكون سنده متصلا فيدخل في المسند المرسل ، فإذن بن عبد البر يساوي بين المرفوع وبين المسند ، وعرفنا سابقا الحديث المرفوع هو كل ما يضاف إلي النبي صلى الله عليه وسلم .(1/482)
أما بالنسبة للخطيب البغدادي فعكس الحافظ بن عبد البر تماما ، الخطيب البغدادي يشترط الاتصال ولا يشترط رفعه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول المسند كل ما اتصل سنده يعني لو اتصل السند إلي الصحابي فقط من قول الصحابي أو فعله يسميه الخطيب البغدادي مسندا ، لو اتصل السند إلي التابعي وهو الذي يسميه المقطوع فيسميه الخطيب البغدادي مسندا .
طيب نحن إذن نستطيع أن نقول إن المسند عند أبي عبد الله الحاكم مسند عبد بن عبد البر والخطيب البغدادي ، لا يختلفان في أن تعريف الحاكم يشمل المسند حقيقة ، لكن كل مسند عند الحافظ بن عبد البر لا يشترط أن يكون مسندا عند الحاكم وعند الخطيب البغدادي بل لابد أن يكون متصلا عندهما ، وكل مسند عند الخطيب البغدادي ل يشترط أن يكون مسند عند الحاكم وعند بن عبد البر فهذا هو الفارق فالخطيب البغدادي يشترط الاتصال ولا يشترط الرفع إلي النبي صلى الله عليه وسلم ، بن عبد البر يشترط الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يشترط الاتصال ، أبو عبد الله الحاكم يجمع بين تعريفي الخطيب البغدادي وبن عبد البر فيقول لابد أن يكون مرفوعا ومتصلا .
هذا هو الحديث المسند وأظن أنه أصبح من الوضوح بما كان .(1/483)
الآن نأتي لمسألة من مسائل الإسناد فقط، لا علاقة لها بالمتن، وذكرنا في الدرس الماضي أن الحافظ ابن حجر قال أنه إلى هنا –يعني إلى الكلام عن الحديث الحسن لغيره- انتهت مباحث علم المتن وما يأتي من المباحث الأخرى في الأعم الأغلب أنها منصرفة للإسناد كما رأينا في كلامنا هذا، المسألة الجديدة هي قضية العلوم، عند المحدثين مسألة مهمة جدا يهتمون بها، وهي طلب علوم الإسناد، بمعنى أنهم يريدون أن يختصروا الإسناد من عندهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنستطيع أن نقول عن الإسناد العالي، الذي يطلبه المحدثون هو الإسناد الذي يقل عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر ، يعني لو جاءنا حديث واحد بإسنادين، وأحد الإسنادين يرويه البخاري وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة رواة والإسناد الآخر يرويه البخاري وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رواة، علي سبيل المثال، إذا كان هناك حديث يرويه البخاري عن شيخه علي بن المديني، وعلى بن المديني يرويه-على سبيل المثال- عن الكعنبي ، والكعنبي عن الإمام مالك، ومالك عن نافع، ونافع يرويه عن ابن عمر ،، فأصبح فيه بين البخاري الآن وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة رواة، إذا جاء البخاري في هذا الحديث بعينه، ورواه عن شيخه قتيبة بن سعيد عن الإمام مالك، عن نافع عن ابن عمر ، فأصبح بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رواة، فنقول عن الإسناد الذي فيه أربعة رواة إنه عالي بالنسبة للإسناد الذي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة رواة ، فإذا العلو يقابل النزول، يعني النزول هو ما يكثر فيه عدد الرجال بالنسبة إلى إسناد آخر،(1/484)
25.05العلو هو مايقل فيه عدد الرجال للحديث نفسه بالنسبة لإسناد أخر كان المحدثون يعنون بقضية العلو عناية شديدة بل يثبتون من لا يرحل في طلب الحديث لطب علو الإسناد ويعدون هذا من ردائة الهمة ، والراوي إذا لم يرحل من بلدان ويشام العلماء ويجالسهم ويأخذ عنهم ويطلب عنهم الإسناد لا يكن هذا من أهل الحديث المعتبرين عندهم بل يعدونه رديئ الهمة .
السبب في أنه يرغبون في الإسناد العالي لكون هذا الإسناد أقرب إلي الصحة وأبعد عن الخطأ لأنه كلما زاد عدد رجال الإسناد كلما زادت مظنة وجود الخطأ في الإسناد لماذا ؟ لأن الراوي لا يستبعد منه وقوع الوهم والخطأ فإذن بهذا السبب يعنون بعلو الإسناد كلما قل عدد الرجال كلما قل احتمال وجود الخطأ في الإسناد ، وكلما ازداد عدد الرجال كانت مظنة وجود الخطأ في الإسناد أكثر من ذي قبل فهذا السبب الذي يجعلهم يطلبون علو الإسناد .
كذلك أيضا الإنسان يحس بانجذابا من نفسه في قرب من النبي صلي الله عليه وسلم فلا شك أن إسنادا يكون بينك وبين النبي صلي الله عليه وسلم به ثلاثة رواة أولي من إسناد يكون فيه بينك وبين النبي صلي الله عليه وسلم خمسة رواة لأنك اقتربت من عصر النبي صلي الله عليه وسلم وهذا شيء لا يملكه الإنسان من نفسه فيجد من نفسه هذا الإنجذاب نحو النبي عليه الصلاة والسلام .
ذكر الحافظ بن حجر رحمه الله أن العلو ينقسم إلي قسمين علو مطلق وعلو نسبي ، هذا الذي نتكلم عنه بهذه الصفة وهو قلة عدد رجال الإسناد من المصنف إلي النبي صلي الله عليه وسلم يسمى علو المطلق يعني هو العلو الذي أول م إليه هذا الكلام ، لكن في بعض الأحيان يكون هناك علو نسبي يعني بالنسبة لإمام معين أو لمصنف معين أو لمصنف معين وهكذا كما سنبينه .
فالعلو النسبي يمكن أن ينتهي إلي إمام من أئمة الحديث المشهورين يقول الحافظ بن حجر كشعبة بن الحجاج مثل بن شعبة أو إلي إمام بصفة عالية كشعبة .(1/485)
في الغالب أن مثل شعبة والأئمة المشهورين هؤلاء يكونون مخارج للأحاديث يعني تدور الأسانيد عليه ، على سبيل المثال إذا جاءنا حديث يرويه شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن علقمة عن بن مسعود نجد الرواة عن شعبة هم الذين يتعددون وكلهم يأخذون عن شعبة فيرويه عن شعبة مثلا تلميذه محمد بن جعفر 0 يرويه يحيى القطاني يرويه عبد الرحمن بن مهدي يرويه عبد الله بن المبارك وهكذا ، فكل هؤلاء يرون عن شعبة ، فتلتقي هذه الأسانيد في شعبة فأصبح شعبة إماما ذا صفة علية كما يقول الحافظ فإذا وجد حديث مثلا عند البخاري يكون فيه بينه وبين شعبة رجلان فقط ، وإسناد عند مسلم وهو قرين البخاري يكون فيه بينه وبين شعبة ثلاثة رجال فلا شك أن الإسناد الذي عند البخاري عالي بالنسبة للإسناد الذي عند مسلم للحديث نفسه ، لكن قالوا لا يلزم من العلو النسبي هذا أن يكون علوا مطلقا لأنه قد يكون ما بعد شعبة يعني قد يكون مثلا بين شعبة وبين النبي صلي الله عليه وسلم أربعة رواة فكم سيكون مثلا بين البخاري وبين النبي صلي الله عليه وسلم ستة رواة أو سبعة ، وعند البخاري أحاديث يكون فيه بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم فقط ثلاثة رواة .(1/486)
فمثل هذا الإسناد الذي يكون فيه بين النبي وبين البخاري وبين النبي صلي الله عليه وسلم ثلاثة رواة يعد عالي بالنسبة لذاك الإسناد الذي يكون فيه بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم ستة أو سبعة رواة وإن كنا نقول إن رواية البخاري عالية بالنسبة لرواية مسلم , إذن الحديث الذي يكتسب صفة العلو نجد أنه يأتي على أنقاض حديث أخر فمثلا يعلوا الإنسان إذا نزل مقابله لتتبعه أهل العلم حينما يفتخر الواحد بإسناد عالي يقول لا تفخر أنت ما علوت ولكن فلان الذي نزل ، يعني أنت علوت بالنسبة لفلان لأنه أصبح إسناده نازلا فأنت علوت بالنسبة له لكن في حقيقة الأمر أنت لن يعلو إسنادك وهكذا ، فالعلو والنزول متقابلان وعرفنا قضية العلو والنزول أنه اختصار عدد الرجال أو زيادة عدد الرجال ، إذا ذاد عدد الرجال قلنا هذا إسناد نازل وإذا قل عدد الرجال قلنا هذا إسناد عالي .
هل يلزم من العلو الصحة ؟ لا لا يلزم من العلو الصحة قد يكو صحيحا وقد يكون غير صحيح قد يكون الإسناد النازل أصح من الإسناد العالي هذا في بعض الأحيان ، لكن الأعم الأغلب أن الإسناد العالي يكون أصح من الإسناد النازل هذا الذي جعل علماء الحديث يتبارون في قضية العلو والتنافس عليها لذلك إذا وجدنا إسنادا نازلا وهو أصح من الإسناد العالي هذا يمكن أن يقدم على الإسناد العالي لأنه اكتسب صفة أخرى تميزه وهي صحة هذا الإسناد .
عندنا من أنواع العلو هذه الإنواع التي(1/487)
العلو قالوا فيه الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة فما معني هذه العبارات نحن لو جئنا نقرأ في بعض كتب العلماء المتأخرين الذين جاءو في القرن الخامس والسادس والسابع والثامن وهلم جرة فنجد هذه العبارات مستخدمة في كتبهم بكثرة وعلى سبيل المثال يمكن لنا أن نفتح في كتاب تهذيب الكمال ونجد هذه العبارات مستخدمة فيه بكثرة ، فيروى الحافظ المزني مثلا حديثا ويكون رواه النسائي فوفقناه فيه بعلو ونحو هذه العبارات ، فما معني هذه العبارات التي نجدها في كتب أهل العلم لابد أن نعرف مصطلحاتهم في هذا ، فيه قال فيه الموافقة وهي الوصول إلي شيخ أحد المصنفين من غير .
طيب نريد أن نعرف معني هذا الكلام :(1/488)
يقول الحافظ إنه إذا كان هناك مصنف من المصنفين وعلى سبيل المثال البخاري يروي حديثا عن الإمام مالك لكن يرويه عن قتيبة عن الإمام مالك وجئت أنا المتأخر ورويت هذا الحديث بإسناد لو رويته بطريق البخاري نفسه لأصبح بيني وبين الإمام مالك مثلا عشرة رواة لكن لو جئت ورويت هذا الحديث عن شيخ البخاري وهو قتيبة ولكن من غير طريق البخاري كطريق أبي العباس السراج وأبو العباس السراج قرين البخاري نوعا ما وإن تأخرت وفاته عن البخاري قليلا لكنه يشترك مع البخاري في كثير من الشيوخ فإن رويته من طريق أبي العباس السراج فسيكون بيني وبين الإمام مالك نسعة رواة فأصبح إسنادي من طريق أبي العباس السراج عاليا بالنسبة لإسنادي من طريق البخاري لكن أنا وافقت البخاري في شيخه يعني جيت وخرجت الحديث عن شيخ البخاري مباشرة ، لو جئت وخرجت هذا الحديث بعينه عن الإمام مالك يعني الأول قتيبة يرويه عن الإمام مالك لو جئت ورويته عن عن الإمام مالك من طريق أبي العباس السراج عن بالعدد نفسه يعني تسعة رواة فإن هذا يكون بدلا يعني بدلا من قتيبة الذي هو شيخ البخاري جئت بالقعندي عبد الله بن مسلمة القعندي كلاهما من تلاميذ الإمام مالك لكن قتيبة أن البخاري روى الحديث عنه عن الإمام مالك أما بالنسبة للحديث الآخر الذي جاء بدلا فجئت بدلا من قتيبة بعبد الله بن مسلمة القعندي فلذلك سميت هذه الرواية بدل فالموافقة تكون في شيخ المصنف والبدل يكون في شيخ ، شيخ المصنف وهو الإمام مالك يعني التقي مع البخاري في الإمام مالك ولم يلتقي معه في شيخه وهو قتيبة بن سعيد ، لعل إن شاء الله تعالي المثال واضحا بهذه الصورة .(1/489)
فعرفنا إذن الموافق هو البدل ، في الأهم الأغلب أنهم يستخدمون الموافقة والبدل في الأسانيد العالية لكن هل يلزم من الموافقة والبدل أن يكون الإسناد عاليا قالوا لا قد يكون مساويا وقد يكون نازلا أيضا ولذلك يمكن أن يخرج حديثا من غير طريق البخاري وتوافق البخاري في شيخه قتيبة بن أبي سعيد وتقول هذا حديث أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد فوافقناه فيه بالنزول ليه بالنزول قال لأني لو رويته من طريق البخاري لأصبح بيني وبين الإمام مالك عشرة رواة لكن حينما رويته من طريق أبي العباس السراجي مثلا أصبح بيني وبين الإمام مالك أحد عشرة راويا فأصبحت نازلا بالنسبة لإسناد البخاري وقد أوافقه في العدد ولا يكون في ذلك علو يكون فيه تساوى في العدد فأرويه بإسناد سواء رويته من طريق البخاري فيصبح بيني وبين مالك عشرة رواة أو رويته من طريق أبي العباس السراج وأصبح بيني وبين مالك عشرة رواة فيمكن أن يكون موافقة عن قتيبة بن سعيد أو بدلا عن القعندي فكل هذه الصور موجودة فيمكن أن تكون الموافقة بعلو ويمكن أن تكون بمساواة في العدد ليس فيها علو ولا نزول ويمكن أن يكون بنزول هذه المسائل كلها موجودة لكن يبقي الراوي حينما يكون ذلك الإسناد عاليا بالنسبة لإسناد الآخر ، هذا بالنسبة للموافقة والبدل وأما بالنسبة للمساواة ، فالمساواة تختلف يعني الآن هذا بالنسبة للعلو النسبي يعني أصبح العلو بالنسبة للإمام مالك ولكن لا يلزم أن يكون هذا الإسناد عاليا قد يكون عاليا وقد يكون نازلا بالنسبة للبخاري أو الحديث نفسه الذي يرويه الإمام مالك ، قد يكون مالك يرويه عن بن عمر فيكون عاليا وقد يكون بين الإمام مالك وبين النبي صلي الله عليه وسلم خمسة رواة فيكون نازل فكلامنا كله على العلو النسبي يعني أصبح الآن الكلام يتعلق بالإمام مالك وهو كشعبة يعني إمام ذو صفة عليا فهذا علو نسبي ، من أنواع العلو النسبي المساواة هذه لها لون آخر وذلك أن يأتي المصنف إلي(1/490)
كتاب من كتب الحديث فيروي إسناد ذلك الكتاب أو حديثا من ذلك الكتاب بإسناد يساوي فيه صاحب الكتاب إلي النبي صلي الله عليه وسلم مع الفارق الزمني على سبيل المثال لو أن هناك حديثا يرويه البخاري عن الإمام أحمد عن عبد الرزاق وعبد الرزاق يرويه عن معمر عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله تعالي عنهم البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين ، يأتي أبو نعيم الأصفهاني المتوفى في سنة أربع مائة وثلاثين للهجرة انظروا كم الفارق الزمني بينهما فيروى هذا الحديث بعينه عن شيخه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق فيصبح أبو نعيم كأنه تلميذ للبخاري يعني إذا كان البخاري روى الحديث عن الإمام أحمد عن عبد الرزاق وأبو نعيم رواه عن شيخه الطبراني عن إسحاق عن عبد الرزاق كم بين تلميذ البخاري على سبيل المثال وبين عبد الرزاق راويان البخاري والإمام أحمد وكم بين أبي نعيم وعبد الرزاق راويان الطبراني و بالرغم من الفارق السن الكبير فيصبح هذا الحديث بالنسبة لأبي نعيم عاليا إذا ما قورن بروايته الأخرى عن البخاري يعني لو ليروي هذا الحديث بعينه عن البخاري يمكن يكون بينه وبين عبد الرزاق أربعة أو خمسة رواة لو أراد(1/491)
د الآن يرويه من طريق البخاري لكن لما رواه من طريق الطبراني أصبح بينه وبين عبد الرزاق راويان فقط فإذا وجد حديث يكون فيه أبو نعيم مساويا على سبيل المثال للنسائي ، النسائي توفي سنة ثلاث مائة وثلاثة للهجرة وأبو نعيم توفي سنة أربع مائة وثلاثين وروى حديثا عن شيخ النسائي وهذا طبعا لا يستحيل لكن لو كان بين النسائي في هذا الحديث وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد عشر راويا فجاء أبو نعيم وروى هذا الحديث بإسناد مستقل أصبح فيه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر راويا كالنسائي فيكون أبو نعيم ساوى النسائي فهذا يقال له المساواة برغم فارق السن بينهما، يعنى استوى عدد رواة هذا الحديث عند أبو نعيم وعند النسائي على حد سواء بالرغم من تأخر سن أبي نعيم عن النسائي بقرابة مائة وسبع وعشرين سنة كما هو واضح، فهذا يسمونه المساواة، يعنى استوى عدد هذا الحديث مع عدد هذا الحديث، قالوا إن المساواة غير موجودة السنين المتأخرة يعني عند الحافظ ابن حجر وتلاميذه وشيوخه ونحو ذلك وهذا قاله أيضا الحافظ العراقي وهو شيخ الحافظ ابن حجر، لكن يمكن أن تكون هذه المساواة ، قالوا أنها لا يمكن أن تكون بالنسبة للكتب الستة لكن يمكن أن تكون من بعض الكتب المتأخرة كسنن البيهقي يعني يمكن للحافظ ابن حجر مثلا أن يجد إسنادا في سنن البيهقي بين البيهقي وبين النبي صلى الله عليه وسلم مثلا إثنى عشر راويا، فيوري الحافظ ابن حجر هذا الحديث بعينه وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إثنى عشر راويا ، والبيهقي متوفى في سنة كم أربعمائة وثمانية وخمسين ، والحافظ ابن حجر متوفى في ثمانمائة واثنان وخمسين، ففارق السن ما منع تساوي الحافظ ابن حجر مع البيهقي، فيكون هذا مساواة.(1/492)
المصافحة ؛ ما هي؟ المصافحة مثل المساواة إلا في شيء واحد وهو أن يكون المساواة ليست بالنسبة للمصنف وهو البيهقي، ولكن بالنسبة إلى تلميذه ، أو ليست بين أبو نعيم –مثلا- والنسائي ، بالنسبة للنسائي ولكن بالنسبة لتلميذه –مثلا- ابن السني ، وهو تلميذ النسائي ، يأتي أبو نعيم ويروي هذا الحديث بعدد وبين بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إثنى عشر راويا، النسائي رواه وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر راويا ، أبو نعيم رواه وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إثنى عشر راويا، فيكون أبو نعيم كأنه صافح النسائي ، يعنى نزل منزلة تلميذ النسائي، فإذا تلميذ النسائي بلا شك أنه سيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إثنى عشر راويا كما هو معروف، لأننا أضفنا النسائي، فأصبح العدد إثنى عشر راويا، فكأن أبو نعيم صافح النسائي بيده، لأن من عادة التلميذ أن يصافح شيخه فيكون كأنني صافحت النسائي، فسمي لهذا السبب مصافحة.
إذا المساواة والمصافحة قريب بعضها من بعض لكن المساواة تكون مع المصنف، والمصافحة تكون مع تلميذ المصنف، ولعل هذا إن شاء الله تعالى فيه وضوح يغنينا عن الإسهاب أكثر حتى ننتقل إلى موضوع آخر.
قال: ويقابل العلو بأقسامه النزول، وهذا أمر واضح يعني النزول ليس بحاجة إلى تعريف ما دمنا عرفنا العلو ، عكس العلو هو النزول، وهو أن يزيد عدد رجال الإسناد في حديث من الأحاديث عن حديث آخر لذلك المتن بنفسه بنفسه.
ننتقل الآن إلى بعض الأنواع التي تهمنا أيضا بأنواع العلو ونحوه.
فإن تشارك الراوي وروى عنه في السن واللقي؛ فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، وإن روى عن من دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة ، ومنه من روى عن أبيه عن جده.(1/493)
نجد أن هذه الأنواع الآتية معنا الكلام فيها سهل وميسور والحمد لله مثل ما قلت سابقا أن الأنواع المهمة في علم الحديث هي التي تقدمت ، والباقي كله سهل وهين إن شاء الله تعالى.
من المعروف أن هناك أناس يكونون متقاربين في السن، وهؤلاء يسمون الأقران وعند علماء الحديث يعرفون الأقران بأنهم الرواة المتقاربون في السن،والمتساوون في الشيوخ والطبقة، فإذا كان هناك –على سبيل المثال- راويان سنهما متقارب، يمكن أن تكون سنهما واحده ، ولدا –مثلا- سنة مائة من الهجرة أو يكون بينهما فارق ضئيل من السن ، يعني يكون أحدهما أكبر من الآخر، سنة، سنتين، ثلاث، أربع، خمس سنوات ، السن المعتبر دوما ويكون لهما شيوخ متحدين في الأعم الأغلب، يكثر أخذهما عن شيوخ معينين، -على سبيل المثل- شعبة والثوري، يقال أنهما أقران ، لأنهما متقاربان في السن ويكثر أخذهما عن شيوخ معينين ، فهما أقران، فهؤلاء الأقران إذا هم المتقاربون في السن والمتساوون في الأخذ عن بعض الشيوخ ، نجد في بعض الروايات أن أحدهما يروي عن الآخر، وهذا قد يوقع اللبث عند بعض من لا يعرف حقيقة الأسانيد، فقد يظن أن في هذا الإسناد خطا ما، والخطأ إما أن يكون بإبدال راوي بآخر، أو بإبدال صيغة (عن) بـ (و) فيمكن أن يكون حقيقة الحديث أن الراوي يقول حدثنا سفيان وشعبة، وتكون الواو هذه في ظنه أو في ظن الذي يقف على هذا الإسناد ويظن أن به خطأ يظن أن (الواو) في الأصل (عن)، أو العكس، فمثل هذا التصحيف الذي يمكن أن يحصل لأجله ميز أهل العلم رواية الأقران يعضهم عن بعض، فإذا كان سفيان مثلا روى حديثا من الأحاديث عن شعبة، وهو قرينه، فحتى لا تظن أن كلمة عن هذه عنها فتقول ربما كان حدثنا سفيان وشعبة عن أبي إسحاق –مثلا-، نقول لك : لا، انتبه، هذا ليس تصحيفا ، إنما هكذا وقعت الرواية، فسفيان في هذا الحديث يروي عن قرينه شعبة ، فعن هذه ليست متصحفة عن الواو، هؤلاء الأقران إنما ميزهم أهل العلم(1/494)
أنه وجد في بعض الأحاديث أن بعض الأقران يروي عن بعض، فاهتموا بهذه المسألة ، فألف فيها بعض أهل العلم ، كأبي الشيخ الأصبهاني ألف كتابا اسمه (الأقران) الكتاب مطبوع وموجود يعنى فيه بهذه الأحاديث التي يروي فيها القرين عن قرينه، فتتميز هذه الأحاديث بعضها عن بعض، وحتى لا يظن وقوع الخطأ في مثل هذه الأحاديث.
المدبج: هو من رواية الأقران، ولكن يقول أهل العلم أن التدبيج في اللغة هو التزيين، م الزينة، يقال: زين كذا أو دبج كذا، أي زينه ، ويقولون إنه مشتق من ديباجة الوجه وهما الخدان، فكأن فيه تساويا ، فالخدان في الأعم الأغلب أنه مستوية، فيكون رواية القرين عن قينه ورواية القرين الآخر عن هذا القرين يكون فيها شيء من التساوي، يعني على سبيل المثال، إذا وجدنا في بعض الأحاديث سفيان يروي عن شعبة، وفي بعض الأحاديث شعبة يروي سفيان ، فهي رواية أقران بلا شك، لكن تسمى مثل هذه الرواية (تدبيج)، ويسمى الحديث مدبجاً، لماذا؟ لأن كل منهما روى عن الآخر، ليس شرطا أن يكون نفس الحديث ، لا، روى بعضهم عن بعض فنسمي هذا مدبجا، إذا نستطيع أن نقول إن المدبج هو رواية الأقران، فكل مدبج رواية أقران، وليس العكس، يعني ليس كل رواية أقران تسمى مدبجا، يعني ربما –مثلا- وجدنا قرين يروي عن ثرين، ولكن ذلك القرين لم يروي عن ذلك القرين شيئا، -على سبيل المثال- إذا وجدنا مثلا حماد بن زيد، يروي عن حماد بن سلمة، ولكن لم نجد حماد بن سلمة يروي عن حماد بن زيد، فهذا نسميه رواية أقران، وجدنا شعبة يروي عن الثوري والثوري يروي عن شعبة ، فنسميه رواية أقران ونسميه مدبجا، لكن ما نسمي رواية حمدا بن زيد عن حماد بن سلمة مدبجا، لأننا ما وجدنا أن حماد بن سلمة يروي عن حماد بن زيد، هذا من باب التمثيل والتقريب إلى الأذهان.(1/495)
لأهمية هذا أيضا ، صنف في هذا الحافظ الدارقطني رحمه الله، كتاب المدبج ، والكتاب لم يصل إلينا للأسف ، وإلا مثل هذا فيه أهمية كبرى، لأنه أيضا فيه إزالة اللبس الذي يمكن أن يتوقع من التصحيف أو نحو ذلك، متصحفة عن الرواة أ, ربما ظن أن في الإسناد خطأ بزيادة راوي من الرواة، وهو في الحقيقة ليست فيه هذه الزيادة.
قال: وإن روى عن من دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء،.
يعني إذا كان الراوي عن من دونه، يعني الشيخ روى عن التلميذ، -على سبيل المثال- الزهري شيخ الأمام مالك، لكن وجد في بعض الأحاديث أن الزهري روى عن الإمام مالك، فأصبح التلميذ شيخا لذلك الشيخ في بعض الأحاديث ، فهذا يسمونه رواية الأكابر عن الأصاغر، فالزهري أكبر من الإمام مالك لكن بما أنه احتاج إلى هذا الحديث ورواه عن تلميذه الإمام مالك، سمي هذا رواية الأكابر عن الأصاغر.
قال: ومنه –أي من رواية الأكابر عن الأصاغر- رواية الآباء عن الأبناء، وجد أن يعص الآباء يروون عن أبنائهم، وهذا قليل ولكن بما أنه وجد فإن أهل العلم بالحديث ميزوا مثل هذه الطرق والفوائد، لأنها فعلا في حد ذاتها تعد من النكات الحديثية ، ولكن أيضا الأهم من هذا كله منع اللبس الذي يمكن أن يظن في هذا الإسناد، حتى لا يقال أن هذا الإسناد منقلب، يعني يكون مالك هو الذي يروي عن الزهري، يقال: لا انتبه ، ليس هذا خطأ، هذا هو واقع هذه الرواية ، كذلك أيضا لو وجد الأب يروي عن الأبن، يقال: انتبه هذا ليس خطأ ، لأنه هكذا جائت الرواية، فلذلك ميزوا .
قال: وفي عكسه كثرة.
العكس لأنه هو الأصل ، يعني الأصل أن التلميذ هو الذي يروي عن الشيخ وأن الابن هو الذي يروي عن الأب ، لذلك قال هو الأكثر وهو الجادة المسلوكة دائما، لكن عكسه هو الذي يحتاج إلى أن يُنص عليه ويُبَين ويُمَيز عن غيره .
قال: ومنه من روى عن أبيه عن جده .(1/496)
رواية من روى عن أبيه عن جده، جاءت على الجادة، وهذه هي التي يقول عنها الحافظ: وفي عكسه كثرة، يعني رواية الابن عن، ورواية الأب عن الجد ونحو ذلك، هذه جاءت على الجادة يعني ليس فيها رواية أكابر عن أصاغر، وإنما رواية الأصاغر عن الأكابر، لكن هذه القضية أيضا عني بها أهل العلم معرفة من روى عن أبيه عن جده، لأن هناك عدة أسانيد وُجدت فيها الراوي يروي عن أبيه عن جده، وهذه الأسانيد في الأعم الأغلب يكون فيها بعض العلل، أو يكون فيها بعض النكات الحديثية التي تحتاج إلى من يبينها، -فعلى سبيل المثال- عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قالوا نحن الآن أمامنا مشكلة ، فعمرو بن شعيب يروي عن أبيه هذا واضح، أبوه هو شعيب، لكن عن جده ، من هو جده؟ هل هو جد شعيب؟ أم جد عمرو؟ كل هذا يمكن أن يكون واردا في هذه المسألة، فهو عمرو بن شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، -رضي الله عنه-، فعمرو بن شعيب إذا قلنا أن الجد عمرو عن أبيه عن جده ، إذا قلنا أنه جد عمرو، فهو محمد ، ومحمد هذا تابعي فإذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيكون الحديث ماذا؟ مرسلا، وإذا قلنا لا هو جد شعيب، فسيكون عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي، فهل لقي شعيب جده عبد الله بن عمرو بن العاص؟ مسألة مختلف قيها، فإذا عني أهل العلم يمثل هذه القضية لأنه يترتب عليها ألقول بصحة الإسناد من عدمه، ولذلك اختلف أهل العلم في إسناد عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، هل هو من قبيل الحسن؟ أم هو من قبيل المردود؟ وفي هذا تفصيل ، لا داعي لذكره في هذه العجالة، لعله يأتين في وقت آخر إن شاء الله تعالى.(1/497)
لأهمية هذا ألف فيه كثير من أهل العلم ، يقول الحافظ ابن حجر أنه جمع فيه صلاح الدين العلائي مجلدا، لخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه تراجم كثيره ، وهذا الكتاب للحافظ العلائي هو فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واختصره الحافظ في كتابه عنوانه ( ) اختصار كتاب المعلم إلى آخره .
على كل حال هذا الكتاب للحافظ العلائي لم يصل إلينا لكن الذي وصل إلينا هو كتاب من روى عن أبيه عن جده ، والكتاب مطبوع منذ سنين عديدة ، فمثل هذا الكتاب جمع هذه الروايات التي يرويها هؤلاء الأبناء عن آباءهم عن أجدادهم، كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أو رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ونحو هذه الروايات.؟
يقول الحافظ أن أكثر ما وُجد من رواية الأبناء عن الآباء وهكذا هذه السلسلة المعروفة، أربعة عشر راويا ، يعني الابن يروي عن أبيه والأب يروي عن أبيه وهكذا ، إلى حد أربعة عشر راويا ،
الأعم الأغلب أن هذه الأسانيد الطويلة التي يتسلسل فيها هؤلاء الرواة، تكون متكلما فيها، يعني قل أن تجد إسنادا سالما من العلة ، بل في الأعم الأغلب يكون فيها كذابون، لذلك فقط ما يرويه الراوي عن أبيه عن جده بهذه الصفة هو الذي يمكن أن يكون مقبولا، أما إذا زاد عدد هؤلاء ففي الأعم الأغلب تكون هذه الأسانيد متكلما فيها.
* سؤال: العلو فيه معرفة الصحة والبعد عن الخطأ ، لكن الخلاف في تعريف ظاهرة الاتصال كذلك أقسام العلو ، الموافقة والمصافحة والمساواة ، هذان النوعان، المسند وأنواع العلو هل يستفاد منها في العلم التطبيقي؟(1/498)
* فأجاب فضيلة الشيخ: في الحقيقة الفائدة فيها ليست كالفائدة في الأنواع التي ذكرناها، كما قلت أن أهم مهمات علم الحديث تقدمت معنا والحمد لله، هذه تعد من فروع علم الحديث ومن مكملاته فقط، يعني لو لم يعرفها الإنسان لا يضره ذلك شيء، أما بالنسبة للحديث المسند فيه نوع من الأهمية، لأن المسند يفيد في معرفة الأحاديث التي أهل العلم بإرادها في الأسانيد -على سبيل المثال- مسند الإمام أحمد ، نجد الإمام أحمد رحمه الله يعنى بالأسانيد التي يمكن أن يصدق عليها إنها مسنده ويتوفر فيها هذان الشرطان، الاتصال والرفع للنبي صلى الله عليه وسلم وهكذا باقي المسانيد، كمسند عبد بن حميد، بن يعلى، ونحو ذلك من المسانيد، بمعنى أنه إذا كان الحديث مرسلا لا تجده في مسند الإمام أحمد ، إذا كان الحديث موقوفا على الصحابي أو مرفوعا عن التابعي ، لا تجده في مسند الإمام أحمد طبعا هذا الأعم الأغلب وقد يكون هناك شواذ، والشاذ لا حكم له، نحن نتكلم الآن عن الأعم الأغلب، لأن الإمام أحمد رتب كتابه على المسانيد على الصحابة، وهؤلاء الصحابة يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا الأصل في مثل كتاب مسند الإمام أحمد، لذلك حينما نقول بسند ظاهر الاتصال، أو حينما قال الحافظ ابن حجر بسند ظاهره الاتصال، هو مرفوع ، صحابي بسند ظاهره الاتصال ، كلمة ظاهرة الاتصال قصدها الحافظ بن حجر، بمعنى انه قد يكون –مثلا- الباطن غير متصل، فقد يكون ذلك الحديث الذي سمي مسندا فيه تدليس أو فيه إرسال خفي، على ما سبق أن عرفناه، هذا لا يمنع من تسمية الحديث مسندا بهذه الصفة، ولكن الذي يمنع من تسميته مسندا، الانقطاع الظاهر، مثل الإرسال الجلي، وهو إضافة التابعي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا لا يوجد في كتب المسانيد، أو الإعضال، ونحو ذلك، هذا لا يوجد في كتب المسانيد، أما العلل الخفية والانقطاع الخفي، وسبق أن فصلنا وقلنا، أن الانقطاع في الإسناد ينقسم إلى قسمين:(1/499)
انقطاع أو سقط جلي، وانقطاع أو سقط خفي, فالسقط الجلي هذا لا يوجد في كتب المسانيد، أما السقط الخفي قد يوجد في كتب المسانيد ، ولا يمنع من تسمية الحديث مسندا، فالعناية بتسمية المسند ومعرفته مهمة جدا لأنها لها صلة باتصال الأسانيد ومعرفة طرائف الأئمة في تأليف المسانيد.
أما بالنسبة للموافقة والبدل والمصافحة و ونحو ذلك فكلها من فروع علم الحديث لو جهلها الإنسان لا يضره إن شاء الله تعالى شيئا، لكن هو بحاجة حينما يقف على كتب أهل العلم على مثل هذه العبارات ، في حاجة إلى أن مدلولها، يعني ماذا يقصد المزي –مثلا- بقوله: فوافقناه في العلو، أو بدلا من فلان، رواه فلان عن فلان فرويناه عن فلان بدلا من فلان، أو تساوينا ، أو كأنني صافحته ، ماذا يقصد بهذه العبارات؟ هذا التفصيل الذي كنا ذكرناه.
* سؤال: بالنسبة لرواية الأكابر عن الأصاغر، هل ورد رواية الصحابي عن التابعي في هذا الباب؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(1/500)
رواية الأكابر عن الأصاغر يدخل فيها كل شيء، قالوا فيه حديث الجساسة، ونحن نعرف حديث الجساسة ما هو، أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بهذا الحديث عن تميم الداري، قال : حدثني تميم الداري وذكر قصة تميم الداري رضي الله تعالى عنه، حينما ذهب إلى جزيرة من جزر البحر، فلقي الدجال والجساسة وتلك الدابة التي على تلك الخلقة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا الحدث سببا في إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، لأن هذه الجساسة والدجال اخبراه أو سألاه عن النبي صلى الله عليه وسلم هل بعث؟ فكان هذا دافعا له في السؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري من رواية الأكابر عن الأصاغر، طيب يروي الصحابة عن التابعين، فمثلا أبو هريرة يروي عن كعب الأحبار، وإن لم يكن حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يروي عنه بعض أخبار بين إسرائيل ، فمثل هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، فيه بعض الأحاديث التي يرويها الصحابة عن تابعين عن صحابة آخرين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه عني بجمعها بعض أهل العلم كالحافظ العراقي في كتابه (التقييد والإيضاح) وأظنه أوصل هذه الأحاديث إلى سبعة عشر حديثا ، قد يكون كثير منها غير صحيح، ولكن المهم أن عناية أهل العلم بهذا تدل على أنهم حريصون كل الحرص على ضبط هذه المسائل التي تخرج عن الجادة المعروفة والمشهورة.
* سؤال: هل من فوائد من علو الإسناد؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
الحقيقة سؤال جيد وأنا كان المفروض أن أنبه على هذا لأن المستخرجات ما تكلم عنها الحافظ ابن حجر رحمه الله لما تكلم عن الحديث الصحيح، وما تكلم عنه ، ودوما علماء الحديث عن المستخرجات في كلامهم عن الحديث الصحيح، يتكلمون عن الكتب التي خرجت على الصحيحين استطرادا من الكلام عن الحديث الصحيح.(2/1)
فنقول إن المستخرجات فكرتها هي فكرة هذه التي تكلمنا عنها، الموافقة والبدل والعلو والمساواة ونحو ذلك، -على سبيل المثال- أبو نعيم الأصبهاني ألف مستخرجا على صحيح البخاري وألف مستخرجا على صحيح مسلم، مستخرجه على صحيح البخاري مفقود حتى الآن ما عثر عليه، لكن مستخرجه على صحيح مسلم وجد قطعة منه وطبع، من ينظر في مستخرج أبو نعيم يجد بعض الأمثلة التي نتكلم عنها هاهنا فربما روى مسلم حديثا عن عبد الرزاق بواسطة يعني –مثلا- بواسطة الإمام أحمد ، فيأتي أبو نعيم فيخرج هذا الحديث الذي رواه مسلم بن الحجاج عن شيخه الطبراني عن إسحاق فيكون كأنه أخذ هذا الحديث عن مسلم بن الحجاج ، فيعرف أهل الحديث المستخرج بالتعريف الآتي، يقولون: (هو أن يعمد مصنف المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من حيث يلتقي مع صاحب الكتاب في الأصل، في شيخه أو شيخ شيخه، أو من فوقه، ولو في الصحابي، بشرط أن لا يعمد إلى شيخ أبعد وهو يجده عن شيخ أقرب إلا لغرض، من علو إسناد أو زيادة مهمة)، هذا التعريف لو طبقناه على المثال الذي ذكرناه، أن يعمد صاحب المستخرج ، من هو؟ (أبو نعيم الأصبهاني)، إلى كتاب من كتب الحديث (صحيح مسلم)، فيخرج أحاديثه ، كل حديث من أحاديث مسلم بأسانيد لنفسه يعني لا يأتي من طريق مسلم بن الحجاج، بحيث يلتقي معه، يعني مع صاحب الكتاب في الأصل، في شيخه فلو أن أبا نعيم أخرج هذا الحديث –مثلا- عن الإمام أحمد يكون التقى مع مسلم بن الحجاج في شيخه، مثلما قلنا في المرة السابقة، لو أن الموافقة حصلت مع البخاري في شيخه ، فهذا يسمى موافقة بحيث يلتقي معه في شيخه أو شيخ شيخه، من شيخ الشيخ؟ يكون عبد الرزاق، فهذا المثال إذا روى أبو نعيم حديثا من طريق الطبراني عن إسحاق عن عبد الرزاق ، يكون التقى مع مسلم بن الحجاج في شيخ شيخه وهو عبد الرزاق.(2/2)
يقول : أو من فوقه، يعني حتى من فوق عبد الرزاق، كمعمر مثلا أو الزهري، ولو في الصحابي، يمكن أن لا يلتقي معه إلا في الصحابي فيكون مثلا الحديث : هنا عند مسلم بن الحجاج مرويا من طريق الزهري عن أنس فيأتي الزهري يرويه من طريق ثابت عن أنس مثلا، فيكون الصحابي ، لكن يقولون الأولى أن لا يعمد إلى شيخ أبعد لا يروح للتابعي وهو يجده عن شيخ أقرب يعني لو كان يستطيع أن يخرج عن شيخ المصنف فهذا أحسن، إن لم يمكنه فعن شيخ شيخ المصنف، يعني كلما التقي مع المصنف في شيخ أقرب يكون هذا أحسن بشرط أن لا يعمد إلى شيخ أبعد وهو يجده عن شيخ أقرب إلا لغرض ، ما الغرض؟ قالوا إن كان هناك علو إسناد فلا بأس، أو زيادة مهمة في المتن يعني فيه الفاظ أخرى لم ترد في الرواية الأصل فلا بأس، أما إن لم يكن هناك أحد هاتين الفائدتين أو نحوهما فينبغي أن يحرص على التخريخ بالأسانيد التي تلتقي في الطبقات الدنيا.
وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت احدهما فهو السابق واللاحق.(2/3)
هذا أيضا من المباحث المهمة في هذه القضية، ربما جاءنا حديث من الأحاديث يروي فيه راوي عن شيخ ويروي هذا الحديث عن هذا الشيخ أيضا راوي آخر، لكن إذا ما قارن أو وازنا بين هذا الراوي والرواي الآخر ، وإذا بالفرق بين وفاتيهما كبير جدا، بحيث يظن الظان أن في هذا الإسناد خطأ -على سبيل المثال- قلنا أن الإمام مالك روى عنه الزهري وهو شيخه بعض الأحاديث، والزهري متوفى في سنة مائة وأربعة وعشرين للهجرة، والإمام مالك وأحد تلاميذه وهو أحد بن إسماعيل السهمي، متوفى في سنه مائتين وتسعة وخمسين للهجرة، فالفرق بين وفاتيهما كم؟ مائة وخمس وثلاثين سنة، يعني الفرق بينهم وفاة الزهري وبين وفاة احمد بن إسماعيل السهمي مائة وخمس وثلاثين سنة، وكلاهما يروي عن الإمام مالك بعض الأحاديث، فالزهري سابق وأحمد بن إسماعيل السهمي لاحق، يعني هذا متقدم وهذا متأخر، فأنت أيها الواقف على هذا الإسناد لا تظن أن في الإسناد خطا، هذا قد يحصل، ولكن لندرته عني به أهل العلم وصنفوا في ذلك المصنفات، أهمها مصنف الخطيب البغدادي، كتاب السابق واللاحق، جمع هذه الأحاديث التي بهذه الصفة حتى لا يظن ظآن أن فيها خطأ ما ، بل هي صحيحة، فهذا هو المقصود بالسابق واللاحق، هو رواية راويين تباعدت وفاتهما عن شيخ واحد، هذا هو المقصود بالسابق واللاحق.
* سؤال: يبدوا أنه يجب معرفة كل الشيوخ والتلاميذ على شكل شجرة حتى نفهم هذه التصنيفات فكيف نتعلم ذلك؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/4)
لا شك أن رسم شجرة الإسناد تعين، لكن هذا في حال التخريج يمكن يحتاجه الإنسان ، أما بالنسبة للتلقي النظري الآن الذي نحن فيه فلا نحتاج لهذا كثيرا مع أني وعدت إن شاء الله تعالى أن نعرض هذه الأمثلة التي تعيننا في فهم هذه الأنواع التي ذكرناها بواسطة إن شاء الله تعالى الحاسب الآلي ، فهناك بعض الأمثلة التي أعددتها سنعرضه إن شاء الله تعالى لكم ، وأرجوا أن يسعفنا الوقت، حتى إن لم يسعفنا فسننزلها في الموقع إن شاء الله تعالى وترونها بإذن الله.
*سؤال: هل يشترط في رواية الراويان أن يكون في حديث واحد ؟ أم أن هذا يروي عن هذا حديثا والآخر يروي عنه حديثا غيره؟ أم أنهما يشتركان في رواية نفس الحديث ؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
نقول أن اشتراكهما في رواية الحديث هذا لا يتصور يعني لا يتصور أن يكون كل واحد منهما روى هذا الحديث عن شيخ إلا إذا كان كل واحد منهم له بهذا الحديث إسناد غير ذلك الإسناد فهذا يمكن لكن على كل حال بالنسبة لعلماء الحديث حينما تكلموا عن 0 لم يشترطوا أن تكون الرواية في ذلك الحديث بعينه سواء اختلف الإسناد أو اتحد وإنما قالوا إذا وجد فلانا روى عن فلان وفلان روى عن فلان عكس ذلك فهذا نسميه مدبجا يعني حتى لو اختلفت الأحاديث .
سؤال :
هل تدل رواية القرين عن قرينها أن الراوي أرفع درجة من قرينه ، ثم يقول هل في رواية الأقران فائدة تربوية تدل على التجرد الذي يخلوا منه الكثير من الأقران اليوم ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/5)
لا رواية القرين عن قرينه لا تدل على أن أحدهما أرفع درجة هذه لا علاقة لها بالموضوع لكن النقطة الأخرى التي أشار إليها الأخ وفقه الله الحقيقة نقطة مهمة جدا وهي هل تدل رواية الأقران على التجرد عند أهل العلم ؟ نقول نعم هذه تدل على تجردهم فكون الواحد يروى عن زميله ويسميه ولا يدلس اسمه هذه تدل على تجردهم رحمهم الله بل رواية الأكابر عن الأصاغر أشد في هذا ، فحينما يروي الشيخ عن تلميذة أو الأب عن ابنه هذه تدل على التجرد أكثر وأكثر ، نعم هو تجرد وتواضع وإنزال الناس منازلهم أيضا وكل هذا يدخل في التخلي عن حدود النفس والبعد عن الرياء وهضم الناس حقوقهم .
سؤال :
ذكرت فضيلة الشيخ أن حديث الجساسة كان سبب إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه والذي أعرفه أن قصة إسلام سلمان لم يذكر فيها هذا فهل معلومتي خطأ أو أنكم تقصدون إسلام تميم الداري ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
هو سبق لسان لاشك أنا أقصد تميم الداري وذكري لسلمان الفارسي رضي الله عنه سبق لسان فقط وأعتذر عن هذا ، الكلام كله عن تميم الداري .
سؤال :
هل المدبج مثل رواية عائشة عن أبي هريرة وأبي هريرة عن عائشة رضي الله عنهما ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
نعم المدبج مثل رواية عائشة عن أبي هريرة والعكس .
سؤال :
هل المدبج هو رواية الأقران عن بعضهم ، ولا يعني ذلك أن تكون كل روايات الأقران عن بعضهم حديثا مدبجا ؟
سؤال :
هل يصحح الحديث الضعيف بشاهد صحيح متضمن المعنى وليس موافقا ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/6)
يعني فيه شيء من الغبش لكن على كل حال بالنسبة للأسئلة الخارجة عن الدرس مادام يعني ابتدأنا بها في الحلقة الماضية جاءتنا بعض الأسئلة أحد الأخوة سئل عن حديث الأسماء الحسنى أصل الحديث كما هو معروف في الصحيحين ( إن لله تسعة وتسعون اسما ) لكن الأخ يسأل عن سرد هذه الأسماء التسعة والتسعين ، ونقول إن هذا الحديث الذي فيه سرد الأسماء غير صحيح وبين أهل العلم أن الصواب أن يعض الرواة أدرجه كل ذلك تشوفا منهم إلي معرفة هذه الأسماء ولذلك يحصل اختلاف في الألفاظ ، يعني بعضهم يذكر بعض الأسماء التي لا يذكرها الراوي الأخر والآخر يذكر أسماء لا يذكرها الراوي الأخر وهكذا ، فالحديث الذي فيه سرد الأسماء ضعيف يعني 0 تقريبا على الوليد بن مسلم وإن جاء من غير طريق فكلها طرق متكلم فيها ، والوليد بن مسلم الصواب في روايته لهذا الحديث أنه أدرج هذه الأسماء عن بعض شيوخه وليست هذه الأسماء من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
أحد الأخوة سأل عن حديث من أضحك مصلي فقد أبكاني ؟
هذا الحديث لم يجد أصلا فما أدري من أين جاء به أخونا وفقه الله وليته يذكر المرجع الذي أخذه منه.
حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ؟
الحديث ضعيف وليس له إسناد صحيح .
أحد الأخوة سئل عن صلاة البر صلاة البر لعلي أجيب عنها إن شاء الله تعالي في الدرس القادم .
الأخ الآن سئل عن سؤال أخر خارج عن الدرس وهو هل يمكن أن يتقوى الحديث الضعيف بمتن صحيح أخر لكن يشهد لمعناه ؟(2/7)
نقول إن كان المتن الصحيح متضمن بمعني الحديث الضعيف جملة يعني ليس في الحديث الضعيف زيادة في معناه فنعم يمكن أن نقول إن أصل الحديث صحيح من طريق فلان أو يشهد له الحديث الصحيح الفلاني ، أما إذا كان في بعض ألفاظه زيادة على ماتضمنه الحديث الصحيح فيمكن أن نقول قوله في الحديث كذا وكذا يشهد له الحديث الصحيح الفلاني ، وأما قوله كذا فهذا لم 0 فلابد من التفصيل حتى لا يغتر مغتر بأن الحديث برمته كله يكون صحيحا .
سؤال :
عبارة وافقه الذهبي ماذا تعني ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/8)
هذه مسألة أخرى غير الموضوع الذي كنا نتكلم عنه يعني هذه لا علاقة لها بالموافقة التي هي من أنواع العلو أو تكلمنا عنها بالنسبة للعلو ، فمثل وافقه الذهبي هذا الحافظ الذهبي جاء لكتاب المستدرك لأبي عبد الله الحاكم ومر على أحاديثه حديثا حديثا فبعض الأحاديث يتعقب الذهبي فيها الحاكم يكون الحاكم يقول هذا حديث صحيح ماعدا شرط الشيخين فيقول الذهبي مثلا لا فيه فلان ولم يخرج له الشيخان مثلا ، أو فيه فلان وهو ضعيف ونحو ذلك فهذا يسمى تعقبا ، بعض الأحاديث يقول الحاكم صحيح مثلا على شرط الشيخين فيختصر الحافظ الذهبي كلام الحاكم فيقول خاء ميم فقالوا إن هذا موافقة من الذهبي للحاكم لأنه لم يتعقبه وإنما أقره ووافقه على هذا الحكم ، هذه المسألة فيها خلاف في السنوات الأخيرة وإلا أنا لا أعرف أن أحدا من العلماء المتقدمين يعني لا أعرف أن هذا الخلاف أثير قبل أكثر من خمس وعشرين سنة ، قبل ذلك العلماء الذين يعنون بنقل كلام الحافظ الذهبي يعدون هذا موافقة وإقرارا ، بعض الباحثين يرون أن هذا لا يلزم الذهبي وهذا لا يعد موافقة وهذا يسمى سكوتا وأنا أقول دوما إن المسألة هينة يسير لأن كلام الذهبي في هذا الكتاب لا ينبغي أن يعتنى بهافهذا الكتاب لا يمثل شخصية الذهبي والذهبي نفسه متراجع عن هذا الكتاب فهو قال في ترجمة أبي عبد الله الحاكم في سير أعلام النبلاء يقول مؤلف وهذا الكتاب يحتاج إلي تحرير فمادام قال يحتاج إلي تحرير معني ذلك أنه غير راض عن كتابة ، فلا نلزمه بهذه الأحكام حتى التعقبات التي يتعقب فيها الذهبي للحاكم هذه التعقبات أيضا تحتاج إلي تحرير لأن في بعض التعقبات مؤاخذ عن الذهبي وليس فقط فيما يسمى موافقة وإقرارا ولذلك ينبغي أن لا يصنف هذا الكتاب من كتب الذهبي وإنما الكتاب له شأن أخر حتى عبر الكتاب التي استخدمها في أبي عبد الله الحاكم عبارات الحقيقة 0 عنها السمع في بعض الأحيان عبارات قاسية ولا تليق من عالم تجاه(2/9)
عالم أخر ولذلك يكون هذا الكتاب لا ينبغي أن يعتني به .
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فكنا انتهينا الحلقة الماضية إلى الكلام عن السابق واللاحق ودرسنا في هذا اليوم سيبتدأ إن شاء الله تعالى في الكلام على الراوي المهمل وأحكام روايته لكن قبل ذلك نحب أن نذكر أنه بإمكاننا أن نذكر إجابات الأخوة عن الأسئلة التي كنا طرحناها في الأسبوع أو في الدرس الماضي، وهذا عبر الشبكة ويمكن أيضاً المشاركة إن شاء الله تعالى إذا أتيحت الفرصة للمكالمات الأولى بإذن الله - جلّ وعلا - .
قبل أن نبدأ كما عودناكم دوماً يكون هناك قراءة للمتن والمقطع الذي سيشرح منه ثم بعد ذلك نواصل الشرح .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين قال الإمام الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في كتاب نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ( وإن روى عن اثنين متفقي ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل.
وإن جحد مرويه جزما: رد، أو احتمالا قبل في الأصح. وفيه: "من حدث ونسي" )
نعود بحمد الله سنقول إن هذا المتن الذي قرأ تضمن نوعين من أنواع علوم الحديث فالأول الكلام عن الراوي المهمل وأحكام روايته والثاني عمن حدث ونسي .
فبالنسبة للراوسي المهمل أصله من حيث اللغة المهمل اسم مفعول من الإهمال وهو الترك وهذا أمر لا يحتاج إلى مزيد بيان .
لكن تعريفه في الاصطلاح نقول هو الراوي الذي تركت نسبته بما يميزه عن غيره أو الراوي الذي من ينسب نسبة تميزه عن غيره .
مثال ذلك لو قال البخاري رحمه الله تعالى حدثنا محمد أو حدثنا أحمد، ولم يبين من محمد هذا أو من أحمد هذا.(2/10)
هذا يسمى مهمل أي لم ينسب أي لم يذكر نسبه لم يذكر اسم والده ولا نسبته إلى جده أو إلى قبيلته أو بلده أو نحو ذلك فمثل هذا الراوي في بعض الأحيان يلتبس مع غيره كثيراً إذا كان لصاحب الكتاب شيوخ كثر كلهم يحملون نفس الاسم أما لو كان هذا الراوي لا يشاركه في هذا الاسم أحد مثل قول البخاري رحمه الله حدثنا عبدان، إذا قال حدثنا عبدان فليس له إلا شيخ واحد يقال له عبدان لكن إذا قال حدثنا محمد فللبخاري رحمه الله شيوخ كثر ممن اسمه محمد فإذا هذا يقال له راوي مهمل يعني أهمل نسبه فلم يذكر حتى يتميز عن غيره فيمكن أن يكون محمد بن سلام يمكن أن يكون محمد بن يحى الذهلي يمكن أن يكون محمد بن بشار يمكن أن يكون محمد بن المثنى إلى غير ذلك من شيوخ البخاري.
يقول الحافظ هاهنا ( وإن روى ) يعني مثل البخاري إن روى الراوي نستطيع أن ننزل الضمير على البخاري مثلاً عن اثنين متفقي الاسم ولم يتفقا كقول البخاري حدثنا محمد وهناك مثلاً محمد بن يحي الذهلي ومحمد بن سلام ( كلمة غير مفهومة ) ولم يتميزا فباختصاصه بأحديثهما يتبين المهمل .
هذه اللفظة هي المهمة جداً في موضوع المهمل هو يقول باختصاص هذا الراوي الذي روى عن هذا الراوي المهمل يتميز أو يتبين المهمل كيف يكون الاختصاص .
المقصود بالاختصاص هو ملازمة الراوي لذلك الشيخ الذي لم أهمل لم ينسب بحيث أنه إذا ذكر هذا الراوي يذكر به ذلك الشيخ على سبيل المثال :
الحميدي حدثنا سفيان عرف أن الحميدي إذا قال حدثنا سفيان أنه سفيان بن عيينه، حتى إن الحميدي أصبح كأنه ابن لسفيان بن عيينه، فاختص الحميدي بسفيان ابن عيينه .
لكن نحن نجد أن هناك بعض الرواة الذين يكونون في طبقة واحدة ويشتركون في بعض الشيوخ ويشتركون أيضاً في بعض التلاميذ .(2/11)
على سبيل المثال حماد بن زيد وحماد بن سلمة يشتركان في بعض الشيوخ على سبيل المثال أيوب كلاهما يروي عن أيوب السختياني فإذا جاءنا في الإسناد حماد ولم يبين من هو هل هو حماد بن سلمة أو حماد بن زيد حماد قال حدثنا أيوب .
أنا أريد أن أعرف من حماد هذا ؟ فلو حماد بن سلمة أو حماد بن زيد أهمل نسبه فلم يبين أذهب للراوي عنه وأنظر من هذا الراوي إن كان من الرواة الذين اختصوا بحماد بن زيد كسليمان بن حرب فأستطيع أن أقول إن حماد هذا هو حماد بن زيد .
مع كون سليمان بن حرب يروي عن الاثنين عن حماد بن زيد وعن حماد بن سلمة، لكن إذا قال سليمان بن حرب حدثنا حماد فإنه يعني حماد بن زيد لأنه مختص به، والعكس كذلك إذا كان عسان قال حدثنا حماد أعرف أن حماد هذا هو حماد بن سلمة، لأن عسان بن مسلم الباهلي مختص بحماد بن سلمة .
فهذا من باب التمثيل سليمان بن حرب مختص بحماد بن زيد عسان بن مسلم مختص بحماد بن سلام مع كونهما يرويان عن هذا وهذا .
وهذا يمكن أن يقال في سفيان إذا جاءنا سفيان عن أبي إسحاق السبيعي سفيان الثوري وسفيان بن عيينه كلاهما يروي عن أبي إسحاق السبيعي .
لكن إذا كان الراوي هو وكيع بن الجراح إذا قال حدثنا سفيان فأعرف أنه يعني سفيان الثوري لأنه مختص به فهو شيخه الذي اختص به .
أما لو أراد وكيع بن الجراح أن يروي عن سفيان بن عيينه وهو قرينة فسيقول حدثنا سفيان بن عيينه هذا مقصود الحافظ بن حجر بقوله فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل يعني باختصاص هذا الراوي بهذا الشيخ يتبين من هو هذا الشيخ الذي أهمل نسبه فأستطيع أن أقول هو سفيان الثوري أو هو حماد بن زيد وهكذا .(2/12)
ما الفائدة التي تنبني على معرفة المهمل؟ لماذا يهتم المحدثون بتمييز المهمل ؟ نعم هناك فائدة كبيرة جداً تمكن هذه الفائدة في أننا نظر لهذا الراوي الذي أهمل نسبه فإذا كان هناك أكثر من شخص يقال له مثلاًُ محمد بعضهم ضعفاء وبعضهم ثقات فإن الشك يحوم في هذه الحال حول الضعفاء فقد أكون أظن أنه الثقة ويكون في حقيقة الأمر الراوي الضعيف فبدلاً من أن يكون الإسناد ضعيفاً جعلته صحيحاً أو العكس كذلك ممكن أذهب إلى الضعيف والإسناد صحيح في حقيقة الأمر فإذا الراوي المهمل إذا اشترك مع رواة آخرين في نفس الاسم فإما أن يكون هذان الراوييات إذا كان مثلاً اثنان إما أن يكونا ثقتين فحتى لو لم نستطع تميز هذا من ذاك فإن الإسناد كيفما دار يكون صحيحاً .
لأنه سواء كان حماد بن زيد أو حماد بن سلمة فكلاهما ثقة فيكون الإسناد صحيحاً أو سفيان الثوري سفيان بن عيينة فالإسناد صحيحاً .
لكن إن كان ضعيفين فلا إشكال أيضاً فالإسناد كيفما دار فهو ضعيف لكن يكون الإشكال حينما يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً فهنا لابد من الحرص التام على تمييز هذا من ذاك حتى نستطيع أن نعرف من هو الثقة ومن هو الضعيف لو لم نستطع فإننا نتوقف في هذا الحال ولا نستطيع أن نقول نحسن الظن أو ما إلى ذلك من العبارات لا، نتوقف من الحكم على هذا الإسناد حتى يتبين من هو هذا الراوي كذلك سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في عكس الراوي المهمل في موضوع مشتبه النسبة أنه من خشية من أنه يضن أن هذا الراوي واحد اثنان .
قد يكون مثلاً راوياً واحداً يقال له محمد مرة يروي عن شيخ ومرة يروي عن شيخ آخر فيذهب ظني إلى أنهما اثنان وهما في الحقيقة واحد فهذا أيضاً من الفوائد التي تنبني على معرفة الراوي المهمل الذي أهمل نسبه فلم يذكر .
بالنسبة للموضوع الثاني هو موضوع من حدث ونسي هذا من مهمات مواضيع علوم الحديث .(2/13)
موضوع النسيان هذا أمر لا يخلو منه بشر بل حتى الأنبياء عليهم السلام تطرق إليهم النسيان ولذلك يقول الحافظ بن عبد البر رحمه الله تعالى حينما تعرض لحديث - النبي صلى الله عليه وسلم - في سهوه في الصلاة والحديث معروف في قصة ذي اليدين حينما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال ( لم أنسى ولم تقصر ) قال بلى يا رسول الله قد نسيت.
يقول الحافظ بن عبد البر إذا كان النسيان تطرق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم من هم فغيرهم من باب أولى.
ولذلك لابد من وجود الوهم عند الأئمة الثقات مهما كانوا ومهما بلغوا من الحفظ والإتقان فلابد أن يوجد عند أحدهم الخطأ لكن خطأهم هذا مغتفر في بحار إصابتهم رحمهم الله تعالى وأشرت على شيء من هذا في موضوع العلل وقلت إن مبنى موضوع علم العلل لكشف أوهام الثقات الذين الأصل قبول رواياتهم .
فإذا جئنا على سبيل المثال لبعض الأمثلة في هذا الموضوع الذي يذكرنا بقضية النسيان قبل أن نفصل فيها نجد أن - النبي صلى الله عليه وسلم - نسي .
كذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما في قصته مع عمار بن ياسر القصة الشهيرة في موضوع التيمم وذلك أن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - كان يحدث أنه كان مع عمر بن الخطاب في سفر فأجنب فلم يجد ماء فأخذ يتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة، فلما وصلوا إلى - النبي صلى الله عليه وسلم - وذكر عمار ذلك له قال له - صلى الله عليه وسلم - ( إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا وضرب بيديه على الأرض ومسح بطن كفه اليسرى أو ظهر كفه اليمنى ببطن كفه اليسرى ثم العكس كذلك ثم مسح وجهه بيديه ) .(2/14)
هكذا وصف له - النبي صلى الله عليه وسلم - التيمم لما ذكر عمار بن ياسر هذا الحديث قال له عمر انظر ما تقول يا عمار يعني لم يتذكر هذه الحادثة بالرغم من أنها حادثة لا تنسى تمرغ كما تتمرغ الدابة حادثة مهمة جداً ومع ذلك نسي عمر - رضي الله عنه - فقال له عمار يا أمير المؤمنين إن شئت لم أحدث بهذا أنت ولي أمر والمفترض علينا طاعتك قال بل نوليك ما توليت .
فسمح له عمر أن يحدث بأنه اتهم نفسه بأنه نسي وعمار قد حفظ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .
إذاً نستطيع أن نقول في تعريف من حدث ونسي هو أن لا يذكر الشيخ روايته التي حدث بها وهذا فيه تفصيل عند علماء الحديث أو عند بعضهم ولكن فيه خلاف أيضاً فمن حيث التقعيد حتى نفهم هذه القضية قالوا إن جحد الراوي الذي نسي مرويه أو روايته جزماً مثل أن يقول كذب علي أو أبداً ما رويت هذا أو نحو هذه العبارات التي يجزم بها قالوا فالحديث يكون مردوداً لكن لا يجزم بتخطئة أحدهما ما دام أن الذي حدث ثقه فلا نقول له فيما إذا كان الذي حدث ثقة أما إذا كان الذي حدث غير ثقة هذا مفروغ منه لكن إذا كان الشيخ والتلميذ كلاهما ثقة فإننا لا نستطيع أن نحكم بالوهم على أحدهما لكن ما دام أن الشيخ جزم بتكذيب هذا وأنه ما روى هذا فإننا نتوقف عن قبول هذه الروايات لكن بعض العلماء قبلها وقال المثبت مقدم على النافي فالراوي يثبت والشيخ نافي فالذي يثبت مقدم على النافي .
لهذا قول له وجاهته لكن نحن نذكر تفصيل أهل العلم في هذا قالوا إن جحدها احتمالاً كأن يقول لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك فهذا أرجح قبول هذه الرواية التي حدث بها ذلك التلميذ عن شيخه وقال الشيخ أنا لا أذكره أو لا أعرفه .
هناك أمثلة نستطيع أن نتبين من خلالها بعض الأحكام التي ذكرها أهل العلم .(2/15)
في بعض الأحيان يكون الراوي يقول كذب علي فلان أو يجزم بتخطئة من حدث عنه بهذه الروايات وهذا مثل ما حصل من أبي بكر بن عياش فإنه روى عن سليمان بن مهران الأعمش عن حصين بن عبد الرحمن السلمي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود أنه قال ( استدانت ميمونة زوج - النبي صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة درهم، قال فنهيتها لأن المبلغ كثير فقالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدان ديناً يريد أداؤه أعانه الله عليه وأنا الآن أخذت هذا المبلغ بنية أداءه وسيعنني الله - جلّ وعلا - عليه )
يقول أبو بكر بن عياش فذهبت إلى حصين بن عبد الرحمن السلمي لأسمع منه هذا الحديث، نحن ذكرنا مسألة العلو في الدرس الماضي فهو أراد أن يطلب العلو ما دام حصين بن عبد الرحمن حياً مضموناً فأرد أن يأخذ هذا الحديث مباشرة عنه دون واسطة شيخه الأعمش .
فلما ذهب إلى حصين قال أبداً ما حدثت بهذا الحديث ونفى هذا نفياً قاطعاً فرجع أبو بكر بن عياش للأعمش وقال أنا ذهبت إلى حصين فقال كذا وكذا، فالأعمش غضب وقال كذب وكذب في عرفهم بمعنى أخطأ ليس التكذيب المعتبر فقال كذب حدثنيه ولكنه نسي .
والصواب مع الأعمش، والأعمش جبل من جبال الحفظ والإتقان وأما حصين بن عبد الرحمن السلمي فإنه حصل له تغير في آخر عمره وهذا موضوع سبق أن تكلمنا عنه حين تكلمنا عن الراوي المختلط وبينا الاختلاط والتغير وحصين بن عبد الرحمن ممن حصل له التغير فمثل هذا يمكن أن يسبق عليه التفصيل الأول لكن من يقبل هذا من أهل العلم فإنه يقول إن الأعمش ثقة حافظ وأنا روايته عندي مقدمة على رواية حصين فهو أوثق من حصين .(2/16)
المثال الثاني فيما إذا جحدها احتمالاً يعني ليس جزماً مثل الحديث الذي رواه مسلم والحديث في الصحيحين لكن بهذا التفصيل رواه مسلم في صحيحه من طريق سفيان بن عيينه عن شيخه عمر بن دينار عن أبي معبد نافذ مولى عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال ( ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير ) .
يقول عمر فذكرت هذا لأبي معبد يعني بعد دهر فقال لا أعرفه، يعني نسي هذا الحديث مع كونه حدث بها عمراً فهذا ما منع مسلماً من إخراجه بل ما منع الشيخين حتى البخاري أخرج هذا الحديث لكن بهذا التفصيل أخرجه مسلم فما منع هذا الشيخان من إخراج هذا الحديث لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ وهو يقول أنا لا أعرفه نسي هذا محتمل وموجود ونحن نعرف أن هذا في واقعنا الذي نعيشه كثير .
فكم من الأحداث التي تجري في الزمن الماضي من سنين طويلة نلتقي مع من جرت معه هذه الأحداث نقول حينما كان كذا حينما كان كذا وهكذا فيقول لا والله لا أذكر .
أنا ليلة البارحة كنت في مجلس يحضره بعض الأخوة لكن في أحداث لها سبع وعشرون عاماً فقلت تذكرون كذا حينما كنا كذا فكلهم ما ذكروا وأنا كأنه عندي بالأمس .
فهذه مسائل تختلف فيها قدرات الناس الذهنية والعقلية لكن لما ذكرتهم ببعض الأشياء قالوا صحيح الكلام الذي تقولة صحيح، لكن الحدث نفسه ما يذكرونه لكن ذكروا بعض الأشياء التي ذكرتهم بها.
فإذا طال العهد بالإنسان ربما ينسى وربما يحفظ أناس آخرون وهذه موهبة يعطيها الله - جلّ وعلا - من يشاء .
فالشاهد أن هذا ما منع الشيخان من إخراج هذا الحديث .(2/17)
مثال ثالث يوضح المقصود أكثر وهو قصة سهيل بن أبي صالح التي أكثر ما يوردها المحدثون أو أكثر ما يورد المحدثون في باب من حدث ونسي هذه القصة، وذلك أن عبد العزيز بن محمد الداراوردي روى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة عن - النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( أن - النبي صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد ) يقول عبد العزيز الداراوردي فليت سهيلاً فقلت إن ربيعة حدثني عنك بكذا يعني عبد العزيز الدراوردي يريد علو الإسناد يقول حدثني يا سهيل بهذا الحديث بدلاً من أن يكون بيني وبينك واسطة وهو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فقال سهيل حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي هريرة عن - النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين مع الشاهد فأصبح سهيل بن أبي صالح يحدث عن تلميذه وتليمذه هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فأصبح التلميذ شيخاً لسهيل بن أبي صالح فسهيل إذا هضم قدر نفسه وقال أنا نسيت فشيخي فيه هو تلميذي في هذا الحديث .
وهذا من النكات الجيدة في علم الحديث الأعجب من هذا أن يعود التلميذ شيخاً مرة أخرى وذلك فيما رواه الدوري في تاريخه عن يحي بن معين يقول حدثنا معتمر بن سليمان قال حدثني منقب قال حدثتني أنت عني عن أيوب عن الحسن البصري أنه قال ويح كلمة رحمة .
فالتلميذ عاد شيخاً ثم عاد تلميذاً مرة أخرى كل ذلك بسبب النسيان فتطرق النسيان للشيخ والتلميذ على حد سواء فدارت الدائرة مرة أخرى فمثل هذا قد يقع كثيراً في مثل بعض الأحاديث ولكن لندرتها ولقلته يعتنى بها المحدثون هذه المسألة المهمة صنف فيها علماء الحديث فصنف فيها الدراقطني رحمه الله كتاب من حدث ونسي .
وكذلك الخطيب البغدادي أخبار من حدث ونسي ولخص ذلك السيوطي رحمه الله في رسالة صغيرة بعنوان تذكرة المأتسي فيمن حدث ونسي .(2/18)
نكون بهذا قد فرغنا من الكلام عن هذين النوعين إن كان لكم أي سؤال على وجه السرعة بدلاً من أن نطيل فتفضلوا بالسؤال قبل أن ننتقل إلى الموضوع الذي يليه .
هل تذكرون أسباب إهمال الرواة لبعض المحدثين يهمل ( كلمة غير مفهومة ) يقول محمد أو حدثني فلان أو حدثني من أثق فيه أو حدثني رجل فما سبب إهمال العلماء أو بعض الرواة لهؤلاء الأشخاص ؟
يا إخوان هناك فرق بين المبهم والمهمل لا نخلط بين المبهم والمهمل، المهمل يسمى مثل محمد سمي ولكن أهمل نسبه .
وأما المبهم فهو الذي لا يسمى كأن يقول حدثت أو حدثني شيخ فلا يسمى الراوي ففرق بين المبهم والمهمل أما السبب الذي يجعل بعض الرواة يهمل نسب شيخه لظنه أنه معروف وقد يكون هذا تصرف من الراوي عنه أو من الراوي عن الراوي عنه وهكذا .
لكن مثلاً البخاري في صحيحه هو الذي أهمل أسماء بعض شيوخه لأنه يرى أنهم معروفون وفى بعض الأحيان يكون لذلك سبب ونكتة خفية يبدو أنني أشرت إليها في حلقة ماضية حينما تكلمنا عن موضوع تدليس الشيوخ، وقلت إن البخاري رحمه الله منعه دينه من أن لا يحدث عن محمد بن يحيى الدهلي، بالرغم من أن محمد بن يحيى الدهلي قدح في البخاري وطعن فيه، لكن دينه يمنعه من أن يترك الرواية عن محمد بن يحيى الدهلي، لكن بقي في نسفه عليه شيء، ففي بعض الأشياء يقول حدثنا محمد، يشعر بعدم رضاه عنه، ولكن لابد من الراوية عنه، فهناك بعض الأسباب التي تدفع لإهمال نسب الراوي.
هل هناك مؤلفات للعلماء السابقين اعتنوا بمسألة تمييز المهمل؟ أم أنها مجرد بحوث علمية في هذا العصر؟(2/19)
جيد، السؤال هذا مهم، هل هناك مؤلفات عنيت بتمييز المهمل، نقول إن من أهم ما هنالك تمييز المهمل في الصحيحين، وبالذات في صحيح البخاري، لأن البخاري رحمه الله يكثر من إهمال الشيوخ، فعني أبو علي الغساني الجياني رحمه الله تعالى في كتابه "تقييد المهمل وتمييز المشكل في الصحيحين"، والكتاب مطبوع ومن أجود الكتب، وأنصح طلبة علم الحديث بالقراءة في هذا الكتاب، لأنه يعطينا ملكة وقدرة على معرفة هؤلاء الرواة المهملون وغيرهم، لأن الكتاب تضمن فوائد حديثية كثيرة جدًا، لكن من أهمها تمييز الرواية الذين أهملوا في الصحيحين.
المتن: (وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل، وصيغ الأداء سمعت وحدثنين، ثم أخبرني وقرأت عليه، ثم قُرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إليّ، ثم عن ونحوها، فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإنباء، والثالث والرابع لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس).
يقول الحافظ رحمه الله في موضوع مستقل، وهو مبحث الحديث المسلسل، يقول ( وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل )، هذه من الطرف الحديثية التي عني بها المحدثون، وجدوا أن تناقل الراوة للحديث عن صفة معينة يكسب هذا الحديث رونقًا ما، ويكون له صفة من الصفات في كثيرٍ من الأحيان تعين هذه الصفة على تذكر الحديث، فهو أدعى لحفظ هذا الحديث، يعني هذه من أهم الفوائد التي تنبني على معرفة الحديث المسلسل، لأنه أدعى لحفظ هذا الحديث وأدعى لضبطه، فنستطيع أن نقول عن الحديث المسلسل إنه تتابع الرواة أو الرواية فيه على صفة أو حالة واحدة.(2/20)
وهذا يجعلنا نتطرق إلى أحوال الرواة والرواية وصفات الرواية وصفات الرواية، فنجد أن المسلسل أحيانًا يكون بأحوال الرواة القولية مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه (يا معاذ إني أحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تكون اللهم أعني ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، معاذ قالها لمن بعده، ومن بعده قالها لم بعده، فأصبح الرواية تناقلون هذا الحديث بهذه الصفة القولية، "يا فلان إني أحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة....."، والرواة الذين بعد معاذ أصبحوا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، لكن بعد أن يذكروا هذه الصفة القولية وهي "يا فلان إني أحبك"، وهذه الصفة هي التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم أولا لمعاذٍ رضي الله عنه.
بالنسبة للحديث المسلسل بأحوال الرواة الفعلية يمثلون له بحديث أصله في صحيح مسلم، وهو حديث التربة المشهور، حديث أبي هريرة الذي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي أو شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فقال (خلق الله التربة يوم السبت....) وأخذ يذكر الحديث المشهور الذي في صحيح مسلم، هذا الحديث جاء في بعض طرقه أن هؤلاء الرواة الذين رووه عن أبي هريرة، فالذي رواه عن أبي هريرة هو عبد الله بن أبي رافع وعنه أيوب بن خالد، وعنه إسماعيل بن أمية، وعن إسماعيل بن أمية رواه ابن جريج وهكذا، قالوا إن هؤلاء الرواة كل واحدٍ منهم يقول أن يشبك يده بيد تلميذه ويقول حديثني فلان وشبك بيدي وهكذا، إلى أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي هريرة رضي الله عنه: شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
فإذًا هذا الحديث مسلسل بماذا؟ مسلسل بفعل وهو تشبيك اليد باليد، وبلا شك أنه حينما تكون في حديث هذه الصفة، صفة التلقي، هذا أدعى للحفظ كما هو واضح وبين.(2/21)
كذلك من الأحاديث ما نجده مسلسل بأحوال الرواة القولية والفعلية على حدٍ سواء، يمثلون على حديث بحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره)، يقول أنس وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على لحيته وقال (آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره)، أنس رضي الله عنه حينما حدث بهذا الحديث لتلميذه صنع نفس الشيء الذي صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض على لحيته وقال هذه المقولة، (آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره)، التلميذ لما بلغ هذا الحديث لتلميذه صنع هذا الصنيع، فأصبح هذا الحديث يُتناقل بصفة قولية وفعلية كما هو واضح وجلي.
هناك أحيانًا صفات تكون في بعض الرواة، مثل أن يأتينا إسناد كل رواته أسماؤهم محمد، كل واحد منهم اسمه محمد، فيُقال هذا حديث مسلسل بالمحمدين، أو يكون هذا الحديث مسلسل بفقهاء، يعني حينما يروي الحديث مثلا الإمام أحمد عن الشافعي عن الإمام مالك وهكذا، يُقال هذا حديث مسلسل بالحفاظ الفقهاء، ففيه صفة تسلسل لكن من نوع معين، أو يكون مسلسلا برواة من بلدٍ معين، كأن يكون جيمع الإسناد رواته من أهل دمشق، فيقال هذا حديث مسلسلسل بالدمشقيين، فإذًا هناك بعض الصفات التي تكون في بعض الرواة.(2/22)
هناك بعض الصفات التي تكون في الرواية، مثل التسلسل بصيغ الأداء، كأن تكون الصيغة التي يستعلمها الصيغة التي يستعملها كل راوٍ عمن فوقه كلها حدثني حدثني، أو سمعت، أو حدثنا، فتصطحب الصيغ، وربما كانت الصيغة مزيج غيره هذه اللفظة فقط "حدثني"، كأن يقول سمعت فلانًا حدثني بكذا، فأي صيغة تصطحب بين جميع الرواة في جميع الطبقات يقال عن هذا الحديث إنه مسلسل بالتحديث، ولاشك أن الحديث الذي يتسلسل بالتحديث يكسب ميزة، وكذا أدعى أن يكون اتصال السند قويًّا، يعني هذا الحديث يكون متصلا بلا شك ولا ريب، يعني لم تستخدم فيه صيغة عن التي تحتمل السماع وعدمه على ما كنا فصلناه في الحديث المدلس.
كذلك أيضًا من صفات الرواية أن يكون الحديث متسلسلا في زمانٍ معين، يعني يُتلقى هذا الحديث في زمن معين، مثل يوم العيد، هناك حديث معروف عند المحدثنين بالحديث المسلسل بالعيدين، وذلك لأن كل راوٍ من الرواة يأخذه عن شيخه يوم العيد في المصلى، فهذا حديث مسلسل بالزمان والمكان، في يوم العيد وفي مصلى العيد، فأصبح الحديث معروفًا بالحديث المسلسل بالعديدين، أو الحديث الملسل بالأولية، بعض التلاميذ يأخذ عن شيخه أو حديث يسمعه من ذلك الشيخ، هذا الحديث المعروف بالحديث المسلسل بالأولية، حديث مشهور عند علماء الحديث، وهو الحديث الذي يرويه سفيان بن عيينه عن عمرو بن دينار عن بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، هذا الحديث من سفيان من عيينة، بن عيينة فما فوق ليس فيه تسلسل بالأولية، ولكن في بعض الروايات التي جاءت عن سفيان بن عيينة كل راوٍِ من الرواة يقول هذا الحديث هو أول ما سمعته من شيخي، فأصبح الحديث معروف بالحديث المسلسل بالأولية.(2/23)
هذا الموضوع أيضًا لأنهم يرون فيه طرافة وفيه بعض الفوائد التي أشرت إليها صُنفت فيه بعض المصنفات من أهمها المسلسلات الكبرى للسيوطي رحمه الله، كذلك "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة" لمحمد بن عبد الباقي الأنصاري الأيوبي.
من التسلسل الذي أشرنا إليه التسلسل في صيغ الأداء، مثل ما قلنا حدثني أو سمعت أو نحو ذلك، وهذه المسألة من مهمات المسائل في علم الحديث، لأنها ينبني عليها قضية اتصال السند من عدمه وطريقة التلقي وهلم جره، فتعرف عند المحدثين بصيغ الأداء، أو صيغ التحمل والأداء، يقول الحافظ ( وصيغ الأداء سمعت وحدثنين....) إلى آخر ما قال.
"سمعت" هذه لاشك أنها صريحة كل الصراحة في أن الراوي أخذ هذا الحديث عن شيخه مباشرة، لا تحتمل اللبس ولا الغموض، لكن بعدها "حدثني" ثم "أخبرني" و"قرأت عليه" ثم "قرئ عليه وأنا أسمع" إلى أن قال الحافظ بعض ذلك ( فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره )، ما هما الأولان، "سمعت" و"حدثني"، هاتان اللفظتان تدلان على أن هذا الراوي سمع من شيخه وحده، "سمعت فلانًا يقول كذا" أو "حدثني فلان"، لكن إذا قال "سمعنا" أو "حدثنا فلان" فهذا يدل على أن المجلس كان فهي معه غيره، وقد يعبر الراوي بـ"سمعت" و"حدثني" وفي المجلس غيره لأن هناك توسعًا عند المحدثين في هذه اللفظة، لكن الأصل أنها تدل على التلقي بمفرده، لكن من تسمح فهذا عرف أوة اصطلاح جرى لبعض المحدثين بأنهم تسمحوا في مثل هذه الصيغ.
قال ( فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره )، يعني إن قال "سمعنا" أو "حدثنا" فمنى ذلك أنه سمع مع غيره وحدثه ذلك الشيخ ومعه أناثق آخرون، هذا معنى كلام الحافظ رحمه الله.(2/24)
قال ( وأوله) يعني سمعت (أصرحها وأرفعها في الإنباء )، لأنها لا تحتمل إطلاقًا إلا الأخ مشافهة من الشيخ، لكن التي بعدها "حدثني" لاشك أنها أيضًا صريحة في التلقي عن الشيخ مباشرة، لكن بسبب أن بعض المحدثين استخدموها استخدامات غير صحيحة، فبعضهم يدلس فيقول "حدثني" فيما أخذ عن شيخه بالإجازة، لأجل أن هناك من دلس في استخدام هذه اللفظة، فقالوا إذًا هي أقل رتبة من قولهم "سمعت"، والسبب أن سمعت هذه لا تحتمل التدليس، وأما "حدثني" فلأنه استخدمها بعض المحدثنين في التدليس جعلوها دون سمعتُ في الصراحة.
لكن لا يعني هذا أننا حينما نقول إن بعضهم استخدمها تدليسًا أنها ليس لها قيمة، بل لها قيمة معتبرة لأن الذي استخدمها تدليسًا تكلم فيه أهل الحديث وبينوا خطأه في ذلك وميز هذا، قال ( والثالث والرابع لمن قرأ بنفسه )، ما الثالث والرابع؟ قوله "أخبرني" و"قرأت عليه" لمن قرأ بنفسه أي على الشيخ.
هناك عند المحدثين طريقتان للأخذ عن الشيوخ، الطريقة الأولى أن يكون الشيخ إما أن يحفظ حديثه فيبدأ يملي على تلاميذه، "حدثنا فلان قال حدثنا فلان....." من لفظه هو، أو يكون يحفظ حديثه في كتاب، فيضع كتابه بين يديه ويبدأ يقرأ من هذا الكتاب والتلاميذ يكتبون هذه الأحاديث التي يمليها عليهم هذا الشيخ من هذا الكتاب، كلن هو يملي من لفظه، هذا يسمى السماع، بمعنى أن سُمع من لفظ الشيخ، هذا هو أعلى درجات التلقي وأقواها، لأن الشيخ حينما يحدث تلاميذه من لفظه هذا أبعد عن التصحيف والتحريف ووجود الخطأ.(2/25)
يليه ما يسمونه بالعرض، وهو أن يجعل الشيخ أحد تلاميذه يقرأ في كتاب، والشيخ يسمع ويصحح للتلميذ، قالوا العرض دون السماع، هذا عند جمهور المحدثين، لكن بعضهم يسوي بين العرض والسماع، وأشار الحافظ في شرحه أن البخاري ممن يسوي بين العرض والسماع، نعم هناك طائفة من أهل الحديث يقول العرض والسماع واحد، لكن هناك من قال لا، العرض أرفع من السماع، يعني القراءة على الشيخ أعلى من تحديث الشيخ من لفظه، هذا مذهب لبعض أهل العلم، لكن قولهم هذا ليس بصحيح، لأن العرض فيه مظنة وجود الخطأ، كيف؟ يمكن أن يكون التلميذ يقرأ والشيخ سها، والسهو يتطرق من جميع البشر بالشك، فيمكن أن لايكون سمع ذلك الخطأ الذي وقع فيه التلميذ، والخطأ محتمل كما أشرنا إليه في مبحث التصحيف، فبم أنهم في الأعم الأغلب لا ينقطون الكتب فإنه يمكن أن يقرأ التلميذ مثلا "حدثنا العوام بن مزاحم"، والصواب "العوم بن مراجم"، ويكون الشيخ في هذ اللحظة التي قرأ فيها التلميذ هذا الاسم الشيخ ساهي، فوقع التصحيف، لكن لا يُتصور أن يقع مثل هذا من الشيخ إلا إذا كان التصحيف موجود عنده من الأصل، وذلك نقول إن السماع أقوى من العرض، هذا على وجه الاختصار، والمسألة فيها تفصيل أطول من هذا لا أستطيع أن أطيل فيه في هذه العجالة وفي هذا المختصر.(2/26)
قال ( فإن جمع فكالخامس )، يعني إذا جمع في الثالث والرابع قوله "أخبرني" أو "قرأت عليه"، كأن يقول "أخبرنا" أو "قرئ عليه وأنا أسمع"، معنى ذلك أنه كالخامس، أو في "قرأنا عليه" فكالخامس مثل "قرئ عليه وأنا أسمع"، فمعنى ذلك أن المجلس يتضمن أُناسًا عديدين، يعني هناك من شاركه في ذلك المجلس، ليس وحده، لكن قوله "أخبرني" يحتمل أن يكون هو الذي قرأ وحده، "قرأتُ عليه" يحتمل أن يكون قرأ وحده، ويمكن أن يكون في المجلس غيره، لكن اصطلحوا أنها في الأعم الأغلب تعني لمن قرأ على الشيخ وحده، أما إذا قال "قرئ عليه وأنا أسمع" فمعنى أنه في المجلس غيره، كم يكون هذا الغير؟ الله أعلم، قد يكونوا كثيرين وقد يكونوا قلة، كذلك لو قال "قرأنا عليه" هذا يدل على أنه في المجلس غيره.(2/27)
قال (والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كعن)، حينما يقول الحافظ قبل ذلك (ثم أنبأني)، يعني في صيغ الأداء، (ثم أنبأني) يعني بعد قوله "قرئ عليه وأنا أسمع" فتأتي صيغة أنبأني، قالوا هذه الصيغة إما أن تكون عند المتقدمين فهي بمعنى الإخبار، يعني فيما أخذه عن الشيخ عرضًا، يعني فبما قرئ على الشيخ، لكن عند المتأخرين استخدموها في الإجازة، فإذا أخذ عن شيه إجازةً فإنه يستخدم هذه الصيغة، اصطلحوا عليها، كذلك اصطلحوا على صيغة "عن"، إذا قال "عن فلان" فمعنى ذلك أنه أخذ ذلك عن الشيخ إجازةً، ما معنى إجازة؟ لابد أن نبين ما معنى الإجازة حتى لا يكون ذها الكلام كاللغة الأعجمية أمامنا، نقول إن المحدثين لهم في التلقي طريقتان، طريقة التفصيل وهو أن يأخذ المحديث الحديث عن الشيخ مفصلا، كل حديث على حده، يسمه من لظف الشيخ أو يسمعه يُقرأ على الشيخ، أو يأخذ جمله، كيف يأخذ جملة، نقول في الأصل لما كان أهل الحديث يذكرون الحديث من حفظهم ولم يكن هناك مؤلفات فالأصل التلقي مفصلا، أن يأخذ المحث الحديث عن الشيخ مفصلا، يأخذه أو يُقرأ على الشيخ وهكذا، لكن لما أصبحت الأحاديث مدونة بعد أن انتشر التدوين، أصبح كل إمام له كتاب، فالإمام مالك على سبيل المثال له الموطأ، الإمام أحمد له المسند، وهكذا، صحيح البخاري، صحيح مسلم، إلى غيره.(2/28)
جاء بعض التلاميذ من بعض البلدان التي يأتون منها من مسافات شاسعة جدًا فيقول الواحد للشيخ أنا لا أستطيع أن أقوم في البلد عندك إلى أسمع كل الكتاب، أنا تقصر بي النفقة، ما معي من النفقة ما يكفيني للمقام عندك، أو الوقت لا يسمع لي أنا أريد أن أسمع من عددٍ من الشيوخ، فلو أعطيتني هذا الكتاب بدلا من أقرأه عليك حديثًا حديثًا، تعطيني هذا الكتاب جملة وأنا عارف بالأحاديث وأستطيع أن أميز، إلى غيره ذلك كأن يكون طالب علم جيد أو إمامًا من الأئمة، فيعطيه الكتاب جملة، يعني لا يشترط أن يأخذ الأحاديث بالتفصيل عن ذلك الشيخ، فحينما يعطيه الكتاب هذا يسمونه إجازة، يعني أجازة أو أذن له برواية هذا الكتاب عنه.
فهذا هذا تفصيل، إما أن يدفع له الكتاب هدية -هبة-، أو يعطيه إياه بمقابل -بمال-، أو يعطيه إياه لينسخ منه نسخة له، أو يعطيه إياه ليستأجر إناسًا ينسخون له هذا الكتاب، إلى غير ذلك من التفصيل الذي ليس هذا موضعه، هذا موضعه في كتب المطولات، الشاهد من هذا كله أنه أذن لهذا التلميذ أن يأخذ عنه هذه المرويات جملة، دفعة واحدة، يمكن لو أراد أن يسمعها يمكن يأخذ عنده شهرين أو ثلاثة شهور أو غير ذلك، لكن في لحظة واحدة يأخذ هذه المرويات جملة، فهذه يسمونها إجازة، وفيها تفصيل.
فيقول إن المحدثين اصطلحوا على أنه إذا أخذ هذه الأحاديث عن الشيخ إجازة، يعني ما سمعها منه أو سمعها تُقرأ عليه يقول "أنبأني" حتى يفصل بين ما أخذه عن طريق السماع وبين ما أخذه بطريق الإجازة.(2/29)
قال (ثم ناولني)، يعني إذا قال الراوي "ناولني فلان الكتاب"، هذه المناولة إما أن تكون مقترنة بالإجازة، فهذه أعلى أنواع الإجازة، يعني إذا قال "ناولني هذا الكتاب وأذن لي برواية" أو "وأجازني بروايته"، فهذا أعلى أنواع الإجازة، لكن يمكن أن تكون الإجازة بلا مناولة، يعني ما يناوله الكتاب، وإنما يقول له "أجزتك برواية صحيح البخاري عني"، خلاص أنا أروي صحيح البخاري وصحيح البخاري معروف، إذهب فخذ صحيح البخاري واروه عني، هذا من أنواع الإجازة، لكن هذا دون الإجازة المصحوبة بالمناولة.
قد يكون هناك مناولة غير مصحوبة بالإجازة، يعني ما أذن له، ولكن قال "نعم هذا كتابي"، ناوله الكتاب وقال هذا كتابي، لكن ما قال له أذنت لك برواية هذا الكتاب عني، قالوا هذه دون وفيها خلاف هل تعتبر أو لا تعتبر، ولعل الصواب أنها تعتبر إن شاء الله تعالى.
قال (ثم شافهني)، "شافهني" هذه مسألة يحصل فيها تدليس عند بعض المحدثين، فجعلوها دون، كيف؟ يعني بعضهم يقول "شافهني" يعني بالإجازة، يعني حينما يقول "أجزتك برواية هذا الكتاب" قال "أجازني مشافهةً"، فيوهم في قوله "شافهني" يعني أنه حدثني بهذا الحديث مشافهة، يعني على التفصيل، والحقيقة أنه ما أخذه على التفصيل إنما أخذه جملة، ولكن هذه الجملة جاءت مشافهة في قوله "أجزتك"، فيوهم، ويعد هذا من أنواع التدليس.
(ثم كتب إلي)، أيضًا "كتب إلي" دلسوا فيها، يمكن أن يكون كتب إليه بعض الأحاديث وأرسلها إليه، فهذه عدوها من أنواع التلقي المفصل، ليس جملة، لكن حينما يكتب الشيخ للتلميذ يقول "أجزتك برواية صحيح البخاري عني جملة" هكذا، فيقول كتب إلي، هو حقيقة ما كتب إليه بأحاديث مفردة، وإنما كتب إليه بالإجازة -بالرواية بالجملة-، فهذا من أنواع التدليس، حينما يقول "كتب إلي" يعني هو يكتب بالإجازة ويوهم أنه كتب إليه روايات مفصلة.(2/30)
الحافظ ابن حجر يقول أنا ما ظهر لي فرق بين هذين الأمرين، هذه مسألة ليس هذا موضع التفصيل فيها.
قال (ثم عن ونحوه)، يعني عن قلنا إنه تستخدم في الإجازة، لكنها من أردأ الصيغ، يعني هي آخر الصيغ التي....، الضرورة هي التي ألجأت المحدثين لقبولها، وإلا فالأصل أنه ينبغي أن يكون هناك صراحة في كيفية التلقي لهذه الرواية عن ذلك الشيخ.
قال الحافظ رحمه الله بعد هذا (والإنباء بمعنى الإخبار)، يعني حينما يقول "أنبأني" بمعنى الإخبار يعني بمنزلة العرض على الشيخ، (إلا في عرض المتأخرين فهو للإجازة)، بينا هذا، (كعن) يعن مثل صيغة عن أيضًا اصطلحوا على أنها للإجازة.
بعد ذلك ابتدأ يتكلم عن العنعنة والكلام فيها، فنترك فرصة أيضًا للأسئلة.
هل الحديث المسلسل نوع من أنواع الحديث؟ وكم نوع من أنواع الحديث؟
نعم هو نوع من أنواع الرواية، المسلسل نوع من أنواع الرواية، يعني الأحاديث يمكن أن لا تكون مسلسلة، ويمكن أن تكون مسلسلة، لكن فيه نقطة أحب أن أشير إليها، وهي أنه لا يلزم من الحديث المسلسل أن يكون صحيحًا، قد يكون صحيحًا وقد يكون غير صحيح، وفي كثير من الأحيان الأحاديث المسلسلة بالذات بهذه الصفات التي ذكرناها مثل إما بصفة فعلية أو نحو ذلك تكون غير صحيحة، لكن ليس دومًا، إنما نحن ننبه على أنه لا يلزم من وجود السلسلة في الحديث أن يكون الحديث صحيحًا، هذه النقطة نتنبه لها.
الحديث المهمل داخل في ضمن الحديث المدلس؟
هم فرقوا بين سمعت وحدثني، مع أن الظاهر أنه لا فرق بينهما؟ فما الفرق بين هاتين اللفظتين؟
أما بالنسبة للإمال، إهمال الشيخ هل هو من أنواع التدليس؟ أقول قد يدخل في تدليس الشيوخ حينما يهمله ولا يبينه، فكأنه يريد أن يحوم الظن حول عدد من الرواة أو نحو ذلك، قد يدخل في تدليس الشيوخ، ولكن ليس على سبيل الجزم.(2/31)
أما بالنسبة للتفريق بين "سمعت" و"حدثني"، التفريق بينها واضح، لأن "سمعت" هذه لا تحتمل إلا الأخذ من لفظ الشيخ، أما "حدثني" فعند بعض المحدثني الذين يسوون بين العرض والسماع مثل ما قلنا البخاري، وهناك من ألف في ذلك مؤلفًا مثل الطحاوي رحمه الله، له رسالة في التسوية بين "حدثنا" و"أخبرنا"، فلا يرون التفريق والإخبار، يعني بين العرض والسماع، فيمكن أن تستخدم حدثني في ما أخذ بطريق العرض توسعًا منهم في هذا عند من يرى التسوية بينهما، فلذلك ما أُخذ من لفظ الشيخ أقوى، وسمعت تدل دلالة صريحة على أنه من لفظ الشيخ.
بالنسبة للإجازة، في العصورة المتأخرة هناك من لا يراها، ومنهم من يحث عليها ويراها شيئًا كبيرًا حتى إنه يتهم بعض مشايخ أهل السنة ويقول ليس لهم أسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم في هذه المسألة؟
قضية الإجازة حصل فيها خلاف بين العلماء المتقدمين كشعبة مع غيره، فشعبة كان يذك الإجازة ويتهم من يريد الإجازة بأنه متكاسل وصاحب همة رديئة، وأن هؤلاء لا يقوون على تحمل العلم إلى غير ما هنالك، نعم، بلا شك أنه لو لم تكن الإجازة موجودة لكان أحسن، لكن بم أن المصنفات الحديثية أصبحت مدونة ومعروفة فقالوا لاشك أن تلقي الراوي كتابًا بالإجازة خير من تلقيه بالإعضال، يعني مثلا كوني مثلا أرواي الأحاديث وأروي صحيح البخاري وإذا قلت أخرج البخاري في صحيحة فمعنى ذلك أن عندي سند إلى البخاري خير من أقول قال البخاري وفرق زمني بيني وبين البخاري ما يقرب من ألف ومائتي سنة أو ألف ومائة وخمسين سنة، فهذا إعضال واضح، قالوا وجود الإسناد على ما فيه من كونه إجازة خير من هذا الإعضال الطويل.(2/32)
لكن في الحقيقة بالنسبة لهذه الأعصار المتأخرة، يعني فرق بين الإجازة في وقت مثلا الحافظ ابن حجر، الذهبي، المزي، إلى غير ذلك، نعم شيوخهم معروفون وهناك كتب تراجم ترجمت لهم، فرق بين هذا وبين الإجازة في عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه، الآن نعم هناك من يتطلب هذه الأسانيد والروايات وهناك من يعتني بها، أنا أقول إن هذا من (كلمة غير مفهومة) العلم، يعني إن حصلت للإنسان بلا كلفة ولا مشقة فمثل ما نقول على طريقة احمل خشبة، يعني إن نفعتك وإلا ما ضرتك، لكن لا ينبني عليها لا صحة ولا تضعيف، بدليل أنك لا تستطيع أن تجد ترجم لكثيرٍِ جدًا من هؤلاء الشيوخ الذي في هذ الأسانيد، فقلما إسناد تستطيع أن تترجم لجميع رجاله، ومع ذلك فطريقة التلقي هذه طريقة سمجة، يعني حينما يقول الواحد مثلا من هؤلاء المحدثين "أجزت لجميع المسلمين"، إذًا هو من ذلك العصر من سنة ثلاثمائة أو أربعمائة للهجرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل واحد يستطيع أن يقول "حدثني فلان إجازةً" أو "أخبرني فلان" أو "أنبأني فلان إجازةً" برغم الفارق الزمني بينهما.
فلذلك لإجازة أنواع رديئة، وفي الأعم الأغلب أن هذه الإجازات التي توجد يكون فيها بعض هذه الأنواع الرديئة، مثل الإجازة للمعدوم والإجازة العامة ونحو ذلك مما لعله يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في كتب المطولات.
هل يوجد صيغة للإجازة (كلمة غير مفهومة)؟
قلنا "أنبأني"، ويمكن أن يستخدم جميع الصيغ، "حدثني" أو "حدثنا"، "أخبرني" أو "أخبرنا"، لكن بشرط أن تكون مقرونة بالإجازة، كأن يقول أخبرني فلانٌ إجازةً، أو حدثني فلانٌ إجازةً، أو أخبرنا فلان إجازةً أو حدثنا إجازة، أو إذا قال أنبأنا فقد اصطلحوا على أنه ليس شرطًا أن يكون إجازة، فإن قال "أنبأنا إجازة" فلاشك أنها أحسن، ولو لم يقل إجازة فإنهم عرفوا أن أنبأنا تعني الإجازة.(2/33)
(وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلى من المدلس، وقيل يشترط ثبوت لقائها ولو مرة، وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية وهي أرفع أنواع الإجازة.
وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام، وإلا فلا عبرة بذلك، كالإجازة العامة وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك).
الحافظ رحمه الله تطرق إلى مسألة مهمة من مهمات المسائل وهي قضية العنعنة، نجد في كتب الحديث أن بعض الأسانيد تأتي فيها العنعنة، مثل ماذا؟ مثل ما لو قال البخاري "حدثنا علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري"، طريقة التلقي هذه عن عن عن تسمى عنعنه، هذه تختلف عن قوله "حدثنا علي بن المدنين قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري"، صيغة حدثنا تعني التلقي حتمًا عن الشيخ، يعني ليس هناك احتمال وجود واسطة بين الراوي وشيخه، لكن إذا قال عن فقد يتطرق الشك، هل أخذ هذا الحديث عن شيخه مباشرة أو يحتمل أن يكون بينهما واسطة، لأن عن ليست صريحة في التلقي، لكن يقول (وعنعنة المعاصر)، إذًا عندنا قضية مهمة جدًا وهي معرفة المعاصر، المعاصر أي وجود عصر يضم الراوي وشيخه لفترة كافية تؤهله للسماع من ذلك الشيخ، فإذا كان الراوي وُلد على سبيل المثال في سنة مائة للهجرة والهجرة توفي في سنة مائة وثلاثين للهجرة، فكم سيكون سن التلميذ حينما توفي الشيخ؟ سيكون ثلاثين سنة، إذًا ثلاثون سنة كافية في أن يسمع هذا التلميذ من هذا الشيخ، هذا يسمونه معاصرة، يعني عاش معه في عصر واحد يؤهله للسماع، لكن إن كان بينهما معاصرة مدتها خمس سنوات أو أربع سنوات، يعني الراوي وُلد في سنة مائة والشيخ تُوفي في سنة مائة وأربعة للهجرة، هل أربع سنوات كافية للتلقي؟ لا، غير كافية، فهنا فلا معاصرة، وأصرح منها ما لو كان الشيخ تُوفي قبل(2/34)
ولادة التلميذ، يعني يكون الشيخ تُوفي سنة 99 للهجرة، والتلميذ ولد سنة مائة لهجرة فالانقطاع هنا ظاهر، كذلك لو كانت المدة لا تسمع بالسماع كسنة سنتين ثلاث أربع، كل هذه السنوات لا تسمح بالسماع، فإذًا هنا ليس هناك معاصرة.
فيقول (عنعنة المعاصر...) إذًا لو كان هناك معاصرة بين الراوي وشيخه وعبر الراوي فيما تلقاه عن شيخه بعن ولم يصرح بالسماع، هذه يسمونها عنعنة المعاصر، يقول محمولة على السماع، يعني الأصل فيها السماع إلا من المدلس، يعني إن كان هذا التلميذ عرف بأنه مدلس وضبط عليه التدليس ففي هذه الحال المسألة فيها التفصيل الذي كنا ذكرناه في مبحث التدليس، وهو أنه لا تقبل العنعنة من المدلس حتى يصرح بالسماع، وهذا من حيث التقعيد، لا يأتني واحد ما شاء من فطاحل طلبة العلم ويبدأ ينازع في بعض الرواة والأقدمين قالوا كذا وكذا، لا، نحن الآن في مقام مختصر نريد أن نوصله للمبدئين في طلب العلم ونعطيهم التقعيد الذي لابد منه، أما ما بعد ذلك من تفصيل فيأتينا في كتب المطولات، وحينما نأتي عليها فحي على أي سؤال في ذلك.
فأقول عنعنة المعاصر محمولة على المساع إلا من المدلس، فإذا كان الرواي مدلسًا فلا، عنعنته تحمل على الانقطاع، هذا الأصل في مثل هذه القضية.
إذًا فهمنا ما المقصود بالمعاصر وما المقصود بالمدلس.(2/35)
إذًا إذا كان هناك راوٍ عاصر شيخه ولم يقل حدثني وليس بمدلس هذا يعني أن نقبل هذه العنعنة؟ يقول (وقيل يُشترط ثبوت لقائهما ولو مرة، وهو المختار)، إذًا كأن الحافظ يشير إلى وجود خلاف في المسألة، وفعلا عناك خلاف، فمذهب مسلم بن الحجاج رحمه الله ومن وافقه يقول نحن نكتفي بالمعاصرة حتى لو لم يثبت اللقاء بين الراوي وبين شيخه مادام أن المعاصرة موجودة، يعني أن الراوي أدرك من حياة شيخه مثلا عشرين ثلاثين أربعين سنة وقال "عن" وهو ليس مدلسًا فنحن نحمل هذا على السماع، فنقول هذه مثل لو قال حدثنين، هذا مذهب مسلم بن الحجاج، لكن البخاري يقول لا، أنا لا يكفيني هذا، لابد أن يثبت عندي أنه لقيه ولو مرة، إذا ثبت عندي بإسنادٍ من الأسانيد أن هذا الراوي لقي شيخه مرة من المرات فهذا يعني احتمال عنعنته فما حدث عن هذا الشيخ فيما بعد ذلك، وهذا المذهب مذهب البخاري وشيخه علي بن المدني رحمه الله تعالى عليهما.
يقول بعد ذلك ( وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها ) هذه بينتها، (كلمة غير مفهومة) من أنواع التدليس الذي صنعه بعض المحدثين حينما يقول "حدثني فلان فيما شافهني به" أو نحو ذلك ويقصد به الإجازة، هذا من أنواع التدليس، ولابد من بيان ذلك، وعرف أن بعض المحدثين يصنعون هذا.
قال ( والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها )، يعني يصنعون هذا في الإجازة، يقول "يقول كتب إلي فلان"، يقولون هذا في الإجازة، وقلت إن هذا من أنواع التدليس كما فصلته قبل قليل فيما يغني عن الإعادة.
قال ( واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية )، نعم، بينت قبل قليل أيضًا أن الشيخ إذا ناول الكتاب للتلميذ وقال هذا كتابي هذه تسمى مناولة، الأصل أنه لابد أن يأذن له فيقول أجزتك بروايته أو أذنت لك بروايته، لكن لو لم يأذن الشيخ للتلميذ بروايته فيها خلاف، والأصح إن شاء الله تعالى أنها مقبولة.(2/36)
قال (وهي أرفع أنواع الإجازة)، يعني المناولة المقرونة بالإذن بينت قبل قليل أنها أرفع أنواع الإجازة.
( وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب )، الوجادة تصورها هين، هي أن يجد الراوي كتابًا لشيخه يعرف خطه، كأن يكون مثلا أباه أو يكون زميله أو شيخًأ يعرفه أو نحو ذلك، فالمهم أنه يعرف خطه، ويتأكد أن هذا الكتاب هو كتاب ذلك الشيخ، فيقول وجدت في كتاب فلان، مثل ما يصنع عبد الله بن الإمام أحمد فيقول "وجدت في كتاب أبي بخطه"، فهذا يسمى وجادة، عبد الله ما أخذ هذا عن أبيه مباشرة، يعني ما حدثه به أبوه، ولكنه وجده في كتاب أبيه، فيقول بالنسبة للرواية بالوجادة لابد أن يصاحبها إذن، فإذا صاحبها إذن فلا بأس، أما إذا لم يصحبها إذن فلا، لا يعتبرونها كافية في الراوية.
كذلك الوصية بالكتاب، ونحوها فهذه لعلنا نتركها إن شاء الله تعالى للدرس القادم، لأن الوقت انتهى.
وصلى اللهم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، كنا انتهينا في الحلقة الماضية إلى الكلام عن الإجادة والوصية بالكتاب وبقي في ذلك بعض التنبيهات حتى نأخذ مقطعاً جديداً والسبب أن الوقت داهمنا فلم نستطع إكمال ذلك المقطع الذي كنا قرأناه .
قبل أن أبدأ أذكر أنه يمكن أن نتلقي الإجابات عن الأسئلة التي كنا طرحناها في الحلقة الماضية وسنضع إن شاء الله تعالى أسئلة في نهاية هذه الحلقة عن موضوع حلقتنا في هذا اليوم بإذن الله تعالى .
كنا توقفنا في الكلام عن الوجادة وقلنا إن الوجادة هي أن يجد التلميذ كتاباً بخط شيخ يعرفه ويميزه عن غيره ويتثبت منه وفى ذلك نزاع بين أهل الحديث، هل إذا وجد التلميذ بخط من يعرفه يمكن أن يعد ذلك رواية مقبولة إذا ما روى عن ذلك الشيخ ؟ أو يعد ذلك من قبيل المنقطع ؟(2/37)
فإن حصل له إذاً مع الوجادة أذن له الشيخ أجازه فهذا مقبول عند جماهير أهل العلم بالحديث وإن لم يكن له بذلك إذن ولا إجازه فإنه عند كثير منهم يعد من قبيل المنقطع وبعضهم أجازه وضربت مثالاً على ذلك بقول الإمام عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله في كثير من الأحيان وجدت بخط أبي.
كذلك الوصية بالكتابة، ربما إذا حضرت الإنسان الوفاة أوصى بكتابة إما لابنه أو لأخيه أو لأحد تلاميذه أو نحو ذلك، أو إذا سافر وهكذا .
فهل مجرد الوصية بالكتاب تعني جواز الرواية من هذا الكتاب أو لابد مع ذلك من إذن وإجازه ؟
الصواب أنه لابد من إذن وإجازة ولا يكفي مجرد إعلام الشيخ بأن هذا كتابه ويوصي بهذا الكتاب لأحد الأشخاص إما ابن أو أخ أو تلميذ أو نحو ذلك، لأن الوصية بالكتاب كالوصية بالمال، يعني على سبيل المحافظة على هذا الكتاب من أن تطوله أيدي العابثين أو نحو ذلك ولا تعني الوصية الإذن بالرواية من ذلك الكتاب .
لكن هناك من أجاز الرواية ومثل هذه المسائل وهي التي طرحناها كالإجازة والإعلام ونحو ذلك كل هذه الأمور فيها خلاف طويل بين أهل العلم وإنما أذكر أنا على سبيل الاختصار الموجز الذي يتوصل إليه .
وأما في كتب المطولات فنجد خلافاً طويلاً بين أهل العلم في مثل هذه القضايا .
قال ( وفى الإعلام الإعلام أن يعلم الشيخ تلميذه بأن هذا كتابه أو أنه يروي الكتاب الفلاني ) على سبيل المثال إذا قال الشيخ للتلميذ أنا مروياتي صحيح البخاري، هل مجرد الإعلام إعلام الشيخ لهذا التلميذ بأنه يروي صحيح البخاري يجوز لهذا التلميذ أن يقول أجازني فلان أو أخبرني فلان إجازة أو شافهني فلان بكذا وأخبرني بكذا أو لا يجوز ؟(2/38)
قالوا لابد مع الإعلام من إذن وإجازة وإن لم يصاحب ذلك إجازة فإن تلك الرواية تعد من قبيل المنقطع وهناك من تسمح من أهل العلم بالحديث وجوزوا ذلك وقاسوه على طريقة المسائي التي سبق أن أشرت إليها حينما كان يحدث عن شيخه الحارث بن مسكين من وراء جدار قالوا لا يشترط إذن المحدث في الرواية ما دام أنه أعلمه بأنه يروي هذا الكتاب إذاً جاز لهذا التلميذ الأخذ عن الشيخ .
نقول نعم يجوز له الأخذ عنه لو كان ذلك الشيخ حدث بتلك الأحاديث على سبيل التفصيل الذي سبق أن أشرنا إليه، أما الأخذ بالجملة بهذه الصفة فهذا في أصله متنازع فيه مختلف فيه كما أشرنا إليه سابقاً .
فكيف إذاً نصاحب ذلك إذا من قبل الشيخ للتلميذ فإن هذا يعد من قبيل المنقطع .
يقول الحافظ ( وكذا الشرط والإذن في الوجادة، والوصية في الكتاب وفى الإعلام، وإلا فلا عبرة بذلك ).
إذاً الحافظ رجح بأنه إن لم يأذن الشيخ إن لم يجز الشيخ التلميذ بهذه الأنواع الثلاثة فإنه لا يعتبر بتلك الرواية هذا مقصود كلامه .
قال ( كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم ).
إذاً نحتاج إلى أن نبين ما المقصود بالإجازة العامة والإجازة للمجهول والإجازة للمعدوم.
المقصود بالإجازة العامة غير المحددة، غير المخصصة مثل أن يقول المحدث أجزت لجميع المسلمين مروياتي أو أن يروي عني على صحيح البخاري على سبيل المثال سواء حدد الكتاب أو أطلقت جميع المرويات .
فهذه يسمونها إجازة عامة والصواب فيها أنها مردودة هذا عند جماهير أهل العلم من أهل الحديث وهناك من تسمح فيها وجوزها، ولكن الذين جوزوها إنما هم نفر قليل ولا اعتبار باجتهادهم في مثل هذه المسألة أو اجتهادهم في غير محله لأن هذه فيها صفة الانقطاع واضح، كذلك الإجازة للمجهول كيف يمكن أن تكون الإجازة للمجهول حينما لا يحدد الشيخ من أجازه مثل أن يقول أجزت لأناس من المسلمين فمن هؤلاء هم الذين أجازهم ؟(2/39)
هذه الإجازة للمجهول والإجازة بالمجهول أيضاً حينما يقول الشيخ أجزت لجميع المسلمين بعض مروياتي هذه المرويات مجهولة التي أجاز بها الشيخ أما لو قال جميع مروياتي ومروياته معروفة ومحددة فإنها حين ذاك لا تكون مجهولة لكن إذا قال بعض مروياتي ولم يحدد تلك المرويات فإن الشيخ في هذه الحالة يكون أجاز بمجهول والإجازة بمجهول لا تجوز أيضاً، فكيف إذا صاحب الإجازة بمجهول إجازة للمجهول فإن هذا يؤكد أن هذه الإجازة غير صحيحة .
يقولون أيضاً مما يدخل في الإجازة للمجهول، الإجازة للمهمل، مثل ما لو قال أجزت لمحمد بن خالد وهناك عشرات الأشخاص ممن يقال لهم محمد بن خالد فلم يحدد محمد بن خالد هذا .
فإذا هذه إجازة لمهمل يعني لم ينسب نسبة تميزه عن غيره على ما كنا قدمناه سابقاً فمثل هذه الإجازة أيضاً غير معتبرة هي شبيهة بالإجازة للمجهول .
قال ( وللمعدوم ) المعدوم هو الذي لم يوجد بعد، المعدوم على صنفين من الناس إما أن يكون مرتبطاً بمعلوم أو لا، فالمعدوم غير المرتبط بالمعلوم مثل أجزت لمن سيولد من المسلمين، أو لمن سيأتي بعدنا أو نحو ذلك فهذه إجازة لمعدوم أناس ما وجدوا بعد معدومون.(2/40)
قد يرتبط هذا المعدوم بمعلوم مثل ما لو قال أجزت لمن سيولد لمحمد بن يحي على سبيل المثال، فإذا هو معدوم ولكنه مرتبط بمعلوم وهو الأب من سيولد له بعد ذلك قالوا هذه أيضاً لا تصح حتى ولو ارتبطت بمعلوم لكن الخلاف فيها أقل والقطع فيها أقل من القطع في الإجازة لمعدوم غير مرتبط بمعلوم بمعنى أن هناك من خالف في هذه القضية وخلافه قد يكون له نوع اعتبار عند بعض علماء الحديث لكن الخطأ فيه ليس كالخطأ في الإجازة للمعدوم الذي لم يرتبط بمعلوم إطلاقاً ولذلك يقول الحافظ هنا على الأصح في جميع ذلك قوله على الأصح في جميع ذلك يدلنا على أن هناك خلافاً في هذه المسألة وفعلاً هناك خلاف ومن أشهر من خالف في ذلك الخطيب البغدادي وشيخه المحب الطبري وخلق كثير من أهل العلم خالفوا في ذلك بل الخطيب البغدادي له مؤلف في هذا أسهب في ذكر هذه القضايا وقرر فيها مذهب متسامحاً جداً رحمة الله عليه .
فعلى كل حال هي محل اجتهاد بين أهل العلم ولكن الصواب فيها أنها لابد أن تكون واضحة وبينه على قول المتساهل وسبق أن ذكرت أن الأقدمين كانوا يخالفون في هذا ومن أشهر من خالف شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى .
نبدأ الآن في القراءة في درس هذا اليوم .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين قال الإمام الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في كتابه كتاب نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ( ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعدا، واختلفت أشخاصهم: فهو المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطا واختلفت نطقا: فهو المؤتلف و المختلف.
وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء، أو بالعكس فهو المتشابه، وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في الاسم واسم الأب، والاختلاف في النسبة ) .
)
)
)
)
)(2/41)
يقول الحافظ رحمه الله في محاولة إزالة اللبس الذي يحصل في بعض الأسانيد لأن معاناة الأسانيد أيها الأخوة والأخوات من أهم المهمات عند كل علماء الحديث وكم من الأوهام وكم من الأخطاء التي تحصل بسبب الوقوع في الوهم في أسماء الرواة وأسماء آبائهم وأنسابهم ونحو ذلك فربما ظن أن هذا الراوي هو فلان الضعيف وحقيقة أنه ثقة وربما حصل العكس وربما ترتب على ذلك تحديد أن هذا الراوي هو فلان بن فلان وإن كانا ثقتين كليهما لكن يترتب عليه أن يكون الإسناد منقطعاً أو العكس يكون في حقيقة الأمر أن الإسناد منقطع فينبني عليه من جراء الخطأ أن يكون الإسناد متصلاً وهلم جرا .
فإذاً أهل الحديث لما لمسوا أن الحاجة داعية إلى وضع قواعد ضابطة وتدوين مثل هذه المسائل المهمة وتمييز مثل هذه الأوهام أو ما يمكن أن يوقع في الوهم بسبب تشابه الأسماء إما تشابهاً كلياً أو تشابه جزئياً كما سنبينه إن شاء الله تعالى اهتموا بهذه المسألة غاية الاهتمام وألفوا في ذلك عدة مؤلفات كما سيتبين لنا إن شاء الله تعالى .
فمن أول ذلك ما يسمى عندهم بالمتفق والمفترق وواضح من العنوان أنه تتفق أسماء الراوة وأسماء آبائهم ولكن تختلف وتفترق أشخاصهم فإذاً هؤلاء الأشخاص الذين سيحصل اللبس فيما بينهم نحن نحتاج إلى أن نميز كل واحد منهم عن الآخر فهذه مهمة علماء الحديث .
يقول الحافظ ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً أي ربما أيضاً اتفقوا في اسم الجد ربما أيضاً في النسبة وهكذا واختلفت أشخاصهم فهو المتفق والمفترق إذاً حتى لا يظن أن هؤلاء الأشخاص سواء كانوا جماعة أو اثنين أو نحو ذلك حتى لا يظنوا أنهم واحد ميز أهل العلم هذه المسألة بهذه الصفة التي نتحدث عنها.(2/42)
نجد في بعض الأحيان بعض الراوة الذين يكونون في طبقة واحدة يعني سنهم متقارب واشتركوا في الأخذ عن بعض الشيوخ وأخذ عنهم أيضاً بعض التلاميذ ومع ذلك أسماؤهم وأسماء آبائهم واحدة، فربما وقع اللبس فيما بينهم وبالذات إذا انبنى على ذلك عمل مثل ما قلنا يكون بعضهم ضعيفاً وبعضهم ثقة أو يترتب على ذلك أن يكون الإسناد المنقطع متصلاً أو العكس المتصل يكون منقطعاً .
فعلى سبيل المثال نجد في الصحابة من اسمه عبد الله بن زيد ومن أشهر من عرف بذلك عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أُوري الآذان وقصته معروفة وعبد الله بن زيد بن عاصم وكلهما أنصاري، عبد الله بن زيد بن عاصم هو صاحب حديث الوضوء الطويل .
فربما يقول الراوي حدثنا عبد الله بن زيد فإن كان عبد الله بن زيد بن عبد ربه يمكن يكون هذا التابعي إذا جاءت الرواية عنه بطريق العنعنة كأن يقول عن عبد الله بن زيد ربما يكون ما لقي عبد الله بن زيد بن عبد ربه لأن عبد الله بن زيد بن عبد ربه كانت وفاته قديمة وأما عبد الله بن زيد المازني تأخرت وفاته .
فربما يكون سمع من عبد الله بن زيد الذي هو صاحب حديث الوضوء ولم يسمع من عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي هو صاحب حديث الآذان فإذا جاء بصيغة تحتمل السماع وعدم السماع كأن يقول عن عبد الله بن زيد نحن بحاجة ماسة إلى تحديد من عبد الله بن زيد هذا الذي روى عنه هذا التابعي .
لأن هذا ينبني عليه قبول الحديث أو رده بسبب أنه سمع من أحدهما ولم يسمع من الآخر.(2/43)
نجد في الرواة في بعض الأحيان من يقال له عمر بن الخطاب، الآن عبد الله بن زيد كلاهما صحابي في طبقة واحدة، لكن فيه عمر بن الخطاب الصحابي الجليل ثاني الخلفاء الراشدين وفيه آخر يقال له عمر بن الخطاب في طبقة الإمام أحمد أو أقل منه بقليل فالفرق شاسع بين هذا وذاك فحتى لا يظن الواقف على هذا الإسناد أن فيه خطأ ما فيقول أين عمر بن الخطاب هذا الذي يروي مثلاً عن شيخ الإمام أحمد عن سفيان بن عيينه أو نحو ذلك هذا لا يمكن أن يتصور عمر ابن الخطاب متقدم يقال له ليس هو عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين وإنما هذا عمر بن الخطاب رجل آخر .
نجد في هؤلاء الراوة الذين يمكن أن يلتبسوا سليمان بن داود من اسمه سليمان بن داود يعني اسمه واسم أبيه متفق مع عدد أو هناك عدد من الراوة كلهم يتفقون في الاسم واسم الأب كلهم يقال لهم سليمان بن داود لكن ربما كان بعضهم متقدماً وربما كان بعضهم في طبقة متقاربة فممن وجدناه ممن يقال لهم سليمان بن داود وهم في طبقة متقاربة سليمان بن داود الطيالسي صاحب المسند المشهور، هذا توفي في سنة مائتين وأربعة وسليمان بن داود الهاشمي هذا تأخر قليلاً عن سليمان بن داود الطيالسي توفى في سنة مائتين وتسعة عشر وسليمان بن داود الذي هو العتكي أبو الربيع الزهراني هذا تأخر قليلاً إلى سنة مائتين وأربعة وثلاثين للهجرة فهؤلاء تقريباً عاشوا في فترة زمنية متقاربة .
فإذا جاءنا في الإسناد سليمان بن داود فلابد أن نعرف من سليمان بن داود هذا هل هو الطيالسي أو الهاشمي أو العتكي لأنه ربما انبنى على ذلك على وجه الخصوص قبول الحديث أو رده وأما إذا كان كلهم ثقات ولا ينبني على ذلك شيء فالأمر يكون أهون لكن لابد أيضاً من تحديد هذا إن أمكن تحديده .(2/44)
كذلك الآن نحن رأينا الاشتباه في المتفق والمفترق أن يكون الاسم واسم الأب واحدة وربما انضاف إلى ذلك اسم الجد والنسبة وهكذا لكن على الأقل يكون الاسم واسم الأب واحداً وهذا هو الذي يتكرر كثيراً في الأسانيد لكن ربما كان الاشتباه بين الراويين بلون آخر مثل ماذا ؟
مثل أن يكون اسم الراوي مع اسم الراوي الآخر رسمه واحد، يكون رسمه واحداً ولكن يختلف نطقاً وربما اختلفا أيضاً شكلاً هذه المسألة سبق أن تكلمنا عن شبيه بها عن مبحث الحديث المصحف ولا شك أن هناك شيء من التداخل في الأمثلة وأحياناًً في بعض الأنواع فيقول الحافظ إن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف .
إذا هناك تتفق الأسماء اسم الراوي واسم أبيه أما هنا تتفق الأسماء في الخط فقط ولكنها تختلف في النطق واختلافها في النطق إما أن يكون بسبب الشكل وإما أن يكون بسبب الإعجام يعني بسبب النقط.
فعلى سبيل المثال عندنا عبد الله بن سلام أو محمد بن سلام ومحمد بن سلاّم مثلاً، سلام ، وسلاّم نجد أنهما في الرسم واحداً ولا تفترق بسبب الشكل إذا ضبط هذا بالتخفيف وهذا بالتثقيل .
عندنا بشير وبُشير هذان الاسمان يشتبهان كثيراً فلابد من التمييز بينهما بشير بفتح الباء وبشير بضم الباء .
عبيدة وعبيدة أحدهما بفتح العين والآخر بضم العين.(2/45)
فإذا مثل هؤلاء الراوة تتفق أسماؤهم في الخط يعني لا يمكن تمييزهم في الخط بسبب أن الأقدمين ما كانوا ينقطون ولا كانوا يشكلون ولابد من التلقي عن طريق الشيوخ لابد أن يأخذ الراوي من أفواه الشيوخ الذين يضبطون له هذا الاسم فإذا حدث الشيخ أو قال في الإسناد عن عبيدة السلماني عرف بفتح العين إذا قال مثلاً عن عبيدة مثلا بن معتق فإنه في هذه الحال يكون بضم العين فلابد من أخذه مطلقاً، وأما بالنسبة للكتابة فكله يتحد إلا في الكتب التي تعني بالضبط وهذه إنما جاءت تقريباً في الآخير وأما كتب الأقدمين في الأعم الأغلب فإنه لا تضبط، هذا بالنسبة للاتفاق خطاً والاختلاف نطقاً بسبب الضبط والشكل لكن أحياناً يكون الاختلاف نطقاً بسبب الإعجام يعني النقط يعني مثل بريد ويزيد نجد أنها في الكتابة واحدة ولا تختلف إلا إذا نقط الاسم فبريد بالباء الموحدة في الأول ويزيد بالياء المثناة من تحت .
كذلك بشار ويسار نجد أن بشار بالباء والشين المعجمة وأما يسار فهو بالياء المثناة والسين المهملة فمثل هذا لا شك أنه يلتبس إن لم يكن هناك عناية بمثل هذه الأسماء .
يقول الحافظ إن هذه الأسماء التي تتفق خطاً وتختلف نطقاً هذا النوع يسمى المؤتلف والمختلف يعني ائتلفت الأسماء في الشكل ولكنها اختلفت في النطق هذا هو المقصود بهذا.
هذه الأنواع اهتم بها أهل العلم اهتماماً بالغاً فألفوا فيها مؤلفات تعنى بضبطها والتفريق بينها ففي القسم الأول الذي هو المتفق والمفترق من أجود ما ألف كتاب الخطيب البغدادي كذا المتفق والمفترق والكتاب مطبوع والأسماء التي أوردها الخطيب البغدادي وفرق بينها نجد فعلاً أنها أسماء لولا مثل هذه الطريقة التي سلكها الخطيب البغدادي للتبس الأمر بهؤلاء الرواة.(2/46)
مما أحب أن أذكر به أن بعض أصحاب الأهواء يستغلون في بعض الأحيان مثل هذا التشابه في الأسماء حتى يضفوا مثلاً على المجهولين أنهم معروفون أو يموهوا على الناس فيجعلوا الثقة ضعيفة إذا كان الحديث لا يروق لهم ولا يناسب أهواءهم ربما قدحوا في الحديث قالوا فيه فلان وهو مثلاً كذاب ووضاع إلى آخر ذلك والحقيقة أنه ليس هو ذلك الراوي المتهم ولكنه راو ثقة ولكن يستغل بعض أصحاب الأهواء ممن لديهم معرفة بعلم الحديث لكنهم نسأل الله السلامة ما لديهم زكاة يعني عندهم ذكاء وليس عندهم زكاه فيستغلون علم الحديث في أهواءهم وشهواتهم نسأل الله السلامة فيجب على طلبة علم الحديث أن يكونوا متيقظين من أهل الاهواء حتى لا يلبسوا عليهم دينهم وحتى لا يدخلوا عليهم شيئاً من الأحاديث الضعيفة والمنكرة أو العكس حتى لا يردوا الأحاديث الصحيحة وهذا عن طريق معرفة هذا النوع .
مما ألف في المؤتلف والمختلف أو من أجود ما ألف فيه كتاب الدراقطني المؤتلف والمختلف والكتاب مطبوع في خمسة مجلدات وهو كتاب رائع وجيد والدراقطني إمام من الأئمة ما يزال بين هؤلاء الرواة الذين قد يأتلفون في الشكل وكنهم يختلفون في حقيقة الأمر .
ليس الدراقطني وحدة الذي ألف في هذا بل هناك تلميذه عبد الغني بن سعيد الأزدي رحمه الله ألف كتابا في مشتبه الأسماء والصفات في مشتبه النسبة ومن أجود من عني بذلك أبو أحمد العسكري له بعض المصنفات من أجودها تصحيفات المحدثين هذا الكتاب أيضاً مطبوع في ثلاث مجلدات وهو من أروع الكتب التي ألفت في هذا يبين أن التصحيف يقع بسبب التشابه في الأسماء وأسماء الآباء أيضاً وهلم جرا فيبين ذلك بالأمثلة ويشرح ذلك شرحاً مفصلاً.(2/47)
أيضاً له كتاب شرح ما يقع فيه التصحيف وهو كتاب أيضاً جيد في بابه فالمهم أن هناك عدة مؤلفات ألفها علماء الحديث سواء في هذين النوعين أو في أنواع مشابهة لها مما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في موضع المتشابه والذي يقول عنه الحافظ بن حجر رحمه الله وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه .
إذاً يمكن أن نجد الأسماء متفقة ولكن أسماء الآباء مختلفة مع وجود التشابه ليس اختلافاً جانبياً ولكن فيه تشابه وهذا التشابه يحصل إما بسبب الشكل أو بسبب الإعجام يعني بالنقط على ما كنا ذكرناه، وقد يكون العكس يعني تتفق أسماء الآباء وتختلف أسماء الآبناء أيضاً كذلك .
فمما مثلوا به محمد بن عقيل ومحمد بن عُقيل نجد أن اسم الراوي واحد وهو محمد واسم أبيه أيضاً من حيث الرسم واحد وهو ع ق ي ل لكن اختلفا في ماذا اختلفا في الضبط والشكل فأحدهما بضم العين والآخر بفتح العين .
فإن لم يحصل هذا التفريق عن طريق الشكل فإن الوهم قد يقع بسبب هؤلاء الراوة العكس كذلك يعني قد يكون اسم الأب واحداً واسم الابن مختلفاً مع وجود التشابه من أمثلة ذلك شريح بن النعمان وسريج بن النعمان فالأب واحد وهو النعمان والابن مختلف لكن الاختلاف بسبب ماذا بسبب النقط فقط فإذا كان الكتاب لم ينقط فإنه قد يظن أن شريخ بن النعمان هو سريج بن النعمان أو العكس مع العلم أن شريح بن النعمان هذا متقدم الطبقة قالوا إنه يروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – أما سريج بن النعمان فهو من شيوخ البخاري.
هذا الموضوع الذي هو المتشابه بهذه الصفة عني به أيضاً أهل العلم وهو شبيه بالأنواع السابقة ولكن كما نرى أن الاختلاف سهل ويسير بين هذه الأنواع .(2/48)
ألف الخطيب البغدادي رحمه الله في هذا كتاباً رائعاً جداً سماه تلخيص المشابه لما فرغ من هذا الكتاب تبدت له أشياء بعد ذلك فذهب وجعلها في كتاب بين به على هذا الكتاب وسماه تالي تلخيص المتشابه والكتابان مطبوعان بحمد الله - جلّ جلاله – .
يقول الحافظ ( وكذا إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة ) هذا قد يقع في بعض الأحيان مثل ما ذكرنا قبل قليل عن سليمان بن داود يعني وقع التشابه في الاسم واسم الأب ولكن اختلفت النسبة، مثل ما قلنا عن سليمان بن داود، سليمان بن داود الطيالسي، سليمان بن داود الهاشمي، سليمان بن داود العتكي، هؤلاء كلهم يقال لهم سليمان بن داود واختلفوا في النسبة.
فإذا كانت النسبة أحياناً متشابهة مثل الهمداني والهمذاني، الهمداني نسبة إلى قبيلة من القبائل اليمنية، قبيلة همدان، هذه بالدال وبفتح الهاء وإسكان الميم وفتح الدال همدان.
أما الهمذاني فهي بالتحريك، وبالذال بدل الدال، وهذه نسبة إلى همذان وهي بلدة أو مدينة من بلاد نيسابور وفى تلك الجهات.
فالنسبة ها هنا مختلفة عن النسبة ها هنا فإن كان الكتاب لم يضبط بالشكل فإنه قد يظن أن الهمداني هو الهمذاني أو العكس كذلك، فإذا اتفق الاسم واسم الأب واختلفت النسبة مع التشابه فإنه في كثير من الأحيان ما يقع اللبس في مثل هذه الأسماء ولذلك نجد أهل العلم كعبد الغني بن سعيد الأزدي ألف مشتبه النسبة ليفرق بين هذه النسب المختلفة والتي تتفق في الرسم.(2/49)
يقول الحافظ ( ويتركب منه يعني من المتشابه ومما قبله ) يعني من المتفق والمفترق ومن المختلف والمؤتتلف أنواع، يحب أن ينبه الحافظ عليها ما هي هذه الأنواع قال منها أن يحصل الاتفاق والاشتباه إلا في حرف أو حرفين أو بالتقديم والتأخير ونحو ذلك بلا شك أن مثل هذه الأنواع ملتحقة بالأنواع التي سبق الكلام عليها ولكن الحافظ أحب أن يفصل أكثر وإلا فالكلام الذي تقدم معنا يشمل هذه الأنواع التي تكلم عنها الحافظ رحمه الله هاهنا .
فمن الأمثلة التي ضربها الحافظ أو غيرها من الأمثلة يتضح لنا مراد الحافظ فيقول ( يحصل الاتفاق أو الاشتباه ) يعني في الاسم واسم الأب إلا في حرف أو حرفين .(2/50)
فمن أمثلة الاشتباه أو يتفق اسم الابن تماماً ويختلف اسم الأب لكن يشتبه معه في الرسم مثل محمد بن سنان ومحمد سيار، نجد أنه إن لم يضبط هذا الاسم بالشكل فإن النون في محمد سنان قد تشتبه مع الراء في محمد بن سيار، وهذا كثيراً ما يحصل ومن عان المخطوطات وأدمن النظر فيها واشتغل بتحقيق الكتب، فإنه يجد أمثلة هذا كثيرة جداً ولذلك لابد للذي يعني بالتحقيق أن يضع هذه في مخيلته وهي احتمال التصحيف، فإذا مر عليه اسم مثل هذا ينبغي أن يدقق فيه ويفتش في كتب الرجال ويتأكد من أن هذا الاسم مثلاً جاءه محمد بن سنان فليتأكد من أنه محمد بن سنان فعلاً عن طريق الشيوخ والتلاميذ وعن طريق أيضاً تخريج الحديث أيضاًَ إن كان وارداًَ في حديث من الأحاديث يذهب ويخرج الحديث حتى يستثبت هل هو محمد بن سنان فعلاً أو لا لاحتمال أن تكون النون متصحفة عن راء أو العكس فإذا محمد بن سنان ومحمد سيار الاسم واحد واسم الأب مشتبه ولا يختلف إلا في شيء يسير وهو أن الراء يمكن أن تكون متصحفة عن النون أو العكس كذلك محمد بن حنين ومحمد بن جبير نجد حنين وجبير قد تشتبه والنون والراء دوماً تشتبه في كثير من الأحيان هذا بالنسبة لاتفاق اسم الابن واختلاف اسم الأب مع وجود التشابه يمكن أن يحصل العكس اسم الأب متفق واسم الابن مختلف مع التشابه مثل معرف بن واصل ومطرف بن واصل فالأب اسمه واصل والابن معرف ومطرف قد يشتبه في الرسم وبالذات في النسخ الخطية التي ربما كان خط الناسخ فيه شيء من العجلة فيه شيء من التداخل فيه شيء من عدم الاعتناء بالضبط ونحو ذللك فربما اشتبه مطرف بمعرف إذا لم تكن ألف الطاء واضحة أو كتبه معرف وحاول أن يضع شكلاً أو يضبط بالشكل أو نحو ذلك أو ربما من جراء التصوير .(2/51)
في كثير من الأحيان نجد أن النسخ الخطية لو صورت يكون التصوير هذا ناشيء من تصوير آخر وهكذا فيحدث هناك خطوط ونقط وإضافات ليست في الخط الأصلي في حقيقة الأمر وإنما جاءت بسبب التصوير وربما كانت الآلة التي يصور عليها هذا المخطوط على زجاجاتها شيء من الغبش ونحو ذلك فيظهر في تصوير الأوراق التي صورت فيحدث لبساًَ في المخطوط .
وأنا حقيقة سبق أن جربت في هذا أشياء وأشياء لولا ضيق الوقت لضربت لكم أمثلة مما نعانيه من التحقيق والاشتغال بالنسخ الخطية ومعاناتها ولكن المقصود التنبيه على هذا في الجملة ومن طلبه وجده حقيقة .(2/52)
ذكر الحافظ أيضاً من الأمثلة على هذا أنه قد يحصل الاشتباه في الاسم واسم الأب إلا في حرف يعني ربما كانت الحروف واحدة مثل سنان وسيار فالحروف واحدة سنان أربعة حروف سيار أربعة حروف كذلك ولكن الاشتباه بين النون والراء لكن في بعض الأحيان يكون فيه زيادة حرف إلا أنه لا يتضح أحياناً في بعض النسخ الخطية مثل عبد الله بن يزيد وعبد الله بن زيد، فعبد الله بن زيد مثل ما قلنا عبد الله بن زيد بن عبد ربه عبد الله بن زيد بن عاصم وعبد الله بن يزيد الخطمي كلاهما صاحبي أو كلهم صحابه فزيد ويزيد تشتبه في كثير من الأحيان في النسخ الخطية وبخاصة أن بعض النساخ إذا جاء ليرسم الزاي ربما في طريقة نسخه يجعل في بداية الزاي التفني في الخط فربما ظنه الواقف عليه ياء أو نحو ذلك، فيلتبس أحيانا زيد بيزيد فيظن هذا الراوي على غير حقيقته يشتبه مع راوي آخر ربما حصل الاشتباه أحياناً بالقلب يعني الاسمان واحد اسم الأب والابن إلا أنه يحصل تقديم وتأخير مثل الأسود بن يزيد ويزيد ابن الأسود، فهذا يحصل كثيراً وسبق أن تكلمنا في مبحث المصحف أن التصحيف يحصل أحياناً بسبب السمع تصحيف السمع مرة بن كعب وكعب بن مرة سبق أن مثلنا على هذا فالتصحيف نشأ من كون الراوي سمع مرة بن كعب لكن لما وهو يكتب فلما وصل لهذا الراوي ظنه كعب بن مرة التبس عليه أنه يعرف كعب بن مرة فكتبه كعب بن مرة وهو في الحقيقة مرة بن كعب كذلك لما قلنا يزيد بن الأسود والأسود بن يزيد .
أحيانا يكون بهذه الصفة يعني الاسم واحد الأسود ويزيد ولكن فيه تقديم وتأخير وأحياناً يكون الاسم واحد ليس فيه قلب ولكن فيه تقديم وتأخير في الحروف في اسم الأب مثل أيوب بن سيار وأيوب يسار نجد أنها في الرسم تكون واحدة ولكن تختلف في حقيقة الأمر إذا ما نطق الاسم ووضح وبين.(2/53)
هذا بالنسبة للأنواع التي ألحقها الحافظ بن حجر بالمتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف والمتشابه وقلنا في الحقيقة تدخل في المتشابه في الرسم .
ختم الحافظ لهذا بخاتمة .
ثم قال رحمه الله ( ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفاياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالة ) .
ختم الحافظ هنا بخاتمة والحقيقة ما أدري كيف تكون خاتمة لأنها يليها أشياء وأشياء وفيه نوع اتصال بينها على كل حال يقول خاتمة ومن المهم معرفة طبقات الراوة كأنه بهذا يريد أن يختم النخبة عموماً لأن الأنواع الآتية كلها فعلاً خفيفة وسهلة وميسورة فختم بهذه الأنواع سرداً هكذا ولم يفصل فيها كما فصل في السابق .
قال ( ومن المهم ) يعني في أحوال الراوة معرفة هذه الأمور اللاحقة منها طبقات الراوة الطبقة سبق أن أشرنا إليها في مرات سابقة نعيد التأكيد عليها هي اشتراك الراوة في السن والشيوخ وربما أيضاً في التلاميذ فإذا اتفق الراوة في السن أو تقاربوا في السن واتفقوا في الشيوخ أو بعض الشيوخ والتلاميذ، فهذه تسمى طبقة مثل ما ضربنا سابقاً بن سفيان بن عيينه وسفيان الثوري تقريباً هم في طبقة واحدة وإن كان سفيان بن عيينه تأخرت وفاته عن سفيان الثوري بقرابة ستة وثلاثين أو سبعة وثلاثين سنة .
كذلك حماد بن سلمة وحماد بن زيد كلاهما في طبقة واحدة وإن تأخرت وفاة حماد بن زيد نوعاً ما لكن مثل هؤلاء الراوة كلهم في طبقة واحدة لأنهم يشتركون في كثير من الشيوخ وسنهم متقاربة إلى حد كبير.(2/54)
فالمهم في معرفة طبقات الرواة أن هؤلاء الرواة إن لم يميزهم حينما يشتبهون في الطبقة فإننا قد نظن أن الواحدة منهم اثنان أو العكس، نظن الاثنان واحداً وهكذا، وربما التبس أحدهم بالآخر فظننا أن الحديث مدلس أو ظننا أن الحديث متصل، ظننا أن الحديث منقطع وهكذا، فعلى سبيل المثال إذا ظننا أن سفيان الذي جاء في الإسناد هو سفيان بن عيينه والراوية جاءت سفيان عن الزهري وهو في الحقيقة سفيان الثوري .
سفيان الثوري بالرغم من أنه أقدم من سفيان بن عيينه سناً إلا أنه لم يسمع من الزهري فإذا كانت الرواية جاءت عن سفيان الثوري عن الزهري فإنها منقطعة فتكون ضعيفة لكن الذي لا يستطيع أن يميز قد يظن أن سفيان هذا هو سفيان بن عيينه بحكم أن سفيان بن عيينه هو من أكبر تلاميذ الزهري إن لم يكن أكبرهم عند بعض أهل العلم لأن اختلاف بين الإمام أحمد وعلي بن المديني في أيهما يقدم سفيان بن عيينه أو الإمام مالك فإذا هما أجل أصحاب الزهري فيظن معنى ذلك أن سفيان بن عيينه هو ألصق بالزهري وكلما ورد الزهري مع سفيان مع سفيان يعرف أن سفيان هذا هو سفيان بن عيينه في الأعم الأغلب إلا أنه ربما جاء في بعض الأسانيد سفيان الثوري فيكون الإسناد هذا مقدوحاً فيه بسبب الانقطاع بين سفيان الثوري والزهري لكونه لم يسمع منه فيظن أن الإسناد متصل وهو في الحقيقة منقطع .
فإن هذه من فوائد معرفة طبقات الرواة يقول أيضاً من المهم لطالب علم الحديث ( معرفة مواليد الرواة ووفاياتهم وبلدانهم ) .
لماذا يهتم علماء الحديث بمعرفة مواليد الرواة ووفاياتهم وبلدانهم ؟ لأجل أيضاً التمييز بين الرواة الذين قد يشتبهون في الأسماء ويختلفون في حقيقة الأمر .(2/55)
ويبدوا أنني سبق أن ضربت مثالاً على ما يقع فيه الوهم في هذا من أن الذين اشتغلوا في تحقيق بعض الكتب جاء لعبارة لأبي عبد الرحمن السلمي يسأل شيخه الدراقطني عن أوثق الناس في موطأ الإمام مالك من أوثق الناس في الموطأ فأخذ الدراقطني يسرد أوثق الناس في الموطأ يعني الرواة عن الإمام مالك هم كثر يحي الليثي معن وهو ابن عيسى القزاز ويحي بن بكير وعدد من الرواة كلهم يروون عن الإمام مالك فأخذ يذكرهم الدراقطني لكن لما جاء على ذكر معن ما نسبه قال ومعن هكذا .
فهذا المحقق جاء وعلق على معن فقال هو معن بن يزيد صحابي وأبوه صحابي فهذه بلية وإنما أوتي بسبب أنه ذهب وفتح بعض كتب التراجم من اسمه معن فوجد معن بن يزيد الذي ورد في الحديث في قول النبي - صلى الله عليه وسلم – ( لك ما أخذت يا معن لك ما نويت يا يزيد ) لما تصدق يزيد - رضي الله عنه – على فقير في المسجد وجاء به معن وأخذ هذا المال فذهب يزيد ويشتكي ابنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم – ( لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن ) فهنا يأتي هذا المحقق ويقول إن هذا الذي يروي عن الإمام مالك، الإمام مالك متوفي كم سنة مائة وتسعة وسبعين للهجرة يعني سيكون هذا تلميذاً للإمام مالك والصحابة نعرف أنه بعد سنة مائة للهجرة تقريباً لم يعد هناك أحد من الصحابة ويستحيل أن صاحبي يروي عن الإمام مالك الذي هو من طبقة أتباع التابعين، ليس تابعياً فقط بل من طبقة أتباع التابعين فالالتباس هنا جاء بسبب ماذا ؟ بسبب عدم المعرفة بطبقات الرواة فمعرفة طبقات الرواة تفيد جداً في تمييز الرواة الذين قد يشتبهون .
بالنسبة للمواليد معرفة مواليد الرواة يعنى بها أهل الحديث لعدة أمور من جملتها :(2/56)
معرفة اتصال الإسناد من عدمه فإذا عرفنا أن هذا الراوي ولد في سنة مائة للهجرة وأن شيخه توفي في سنة مائة وعشرين للهجرة فإذا سيكون بينهما تعاصر مقداره عشرون سنة فعلى طريقة الإمام مسلم التي سبق أن بيناها في مبحث الحديث المعنعن سيكون الإسناد متصلاً إن لم يكن ذلك الراوي معروفاً بالتدليس وهذا إنما عرف بسبب ماذا ؟ بسبب معرفة المولد والوفاة لذلك يقول من المهم معرفة مواليد ووفايات الرواة .
كذلك أيضاً وبلدانهم لماذا نهتم ببلدان الرواة يقول أيضاً ننظر في هذا الراوي الذي عاصر شيخه عشرين سنة هل كان في بلد واحد كالكوفة مثلاً فإذا كان في بلد واحد وعاصر مدة عشرين سنة فيبعد في هذا الحال أن لا يلتقيان لكن إن كان هذا في مصر وهذا في خرسان، ولا نعرف أن أحدهما رحل إلى الآخر أو أنهما حجا مثلاً في سنة واحدة فإنه يبعد حينذاك أن يكون هذا أخذ عن ذلك بسبب تباعد البلدان ولذلك يعني أهل الحديث بأرشيف كامل لكل راوي.(2/57)
وسبق أن تكلمنا في مبحث الحديث المدلس وضربنا بعض الأمثلة مثل ذاك الحديث دلسه بقيه بن الوليد وكشف علته أبو حاتم الرازي كذلك أيضاً في مبحث العلة في الحديث كيف عرف أبو حاتم الرازي هذه العلة ؟ بسبب هذا الأرشيف الكامل عنده لهؤلاء الرواة يعني في اسم الراوي واسم والده واسم جده وجد جده ونسبته كاملة للبلد للقبيلة أسماء أبناءه كلهم من أشهرهم ؟ ( كلمة غير مفهومة ) بمن ؟ إذا كان له عدة كنى فيعرفون أيضاً هذه الكنى متى ولد متى توفي ؟ أيضاً بلده ما هي هل له أكثر من بلد يكون عاش في هذه البلد فترة ثم انتقل إلى بلد آخر متى انتقل من هذا البلد إلى هذا البلد إذا حصل له تغير في ذاكرته على م كنا بيناه في هذا الحديث أو في مبحث مختلط متى حصل له هذا التغير في سنة ماذا حينما انتقل إلى البلد الفلاني انتقل إلى البلد الفلاني بعدما تغير أو قبل أن يتغير يضبطون هذا بهذا الضابط حتى يعرفون من الذي أخذ عنه قبل التغير أو بعد التغير .
أحوال وأمور كثيرة بحال الراوي يهتم بها علماء الحديث وهذه الأمور تساعدهم في كشف علل الأحاديث ومعرفة الأسانيد هل هي متصلة أو غير متصلة إلى غير ذلك فمثل هذه المعلومات مهمة جداً لطالب علم الحديث لابد أن يعرفها .
وهذا المختصر الذي معنا هو مجرد إشارات وإلا فكل كلام يذكره الحافظ هاهنا يحتاج إلى طول سيأتي إن شاء الله تعالى إن أمد الله في العمر ويسر الأمور والكلام عنه في كتب المطولات بإذن الله تعالى .
إذاً معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفاياتهم وبلدانهم هذه مهمة جداً .
أيضاً من المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً وتجريحاً وجهالة .(2/58)
نسيت أن أنبه على أنه من المهم في معرفة مواليد الرواة ووفاياتهم كشف الكذابين، يعنى أهل الحديث بهذه المسألة لكشف الرواة الذين يكذبون وأظن أنني سبق أن ضربت مثالاً على هذا في مبحث الحديث الموضوع حينما قيل لسفيان بن عيينه إن هاهنا رجلاً خرسانياً وهو أبو حذيفة إسحاق بن بشر الخرساني يزعم أنه سمع من عبد الله بن طاووس فقال سفيان بن عيينه سلوه متى ولد فذكر أنه ولد في سنة ست وعشرين ومائة فقال هذا يزعم أنه سمع من عبد الله بن طاووس بعد أن توفي عبد الله بن طاووس، أو هذا ولد بعد وفاة عبد الله بن طاووس بسنتين .
كيف عرف سفيان بن عيينه ؟ من خلال الوفاة والولادة .
فما الذي حصل اكتشفوا أن أبا حذيفة هذا كذاب من الكذابين ولذلك لما ضبط عليه الكذب أخذوا يتتبعون مروياته فوجدوا عنده من البلاء والطامات ما لا يعلمه إلا الله .
كذلك أيضاً سبق أن ضربنا مثالاً لإسماعيل بن عياش لما قيل له أن هنا رجل يزعم أنه يحدث خالد بن معدان، قالوا سلوه متى سمع من خالد بن معدان فقال سمع منه في سنة ثلاثة عشر ومائة فقال هذا يزعم أنه سمع من خالد بن معدان بعدما توفي خالد بست أو سبع سنوات لأن خالد بن معدان توفي، نعم قرابة ست أو سبع سنوات توفي خالد معدان في سنة ست ومائة أو نحو ذلك .
فعلى كل حال يهتم علماء الحديث لأنه يكشف لهم الكذابين.
من المهم جداً معرفة أحوال الرواة جرحاً وتعديلاً وجهالة فالراوي أيها الأخوة لا يخلو من أحاديث في ثلاثة أمور :
إما أن يكون متفقاً على تعديله .
أو متفقاً على تجريحه .
أو مجهول .
وقد يضاف إلى النوعين السابقين المختلف فيه، يعني جرحاً وتعديلاً سيأتي الكلام عنه لكن المهم أن هناك تعديل وهناك تجريح وهناك جهالة .(2/59)
فالمعدل هو الذي تتوافر عبارات الأئمة على تعديله، والمجروح هو الذي تتوافر عبارات الأئمة على تجريحه والمجهول هو الذي لا نجد فيه كلاماً لأهل الجرح والتعديل وفيه تفصيل سبق أن ذكرناه سابقاً لا داعي لتكراره عرفنا من هو المجهول .
فإذا عندنا هذه الأمور الثلاثة يقول الحافظ لابد من الاهتمام بها ومعرفتها، لا شك أننا سبق أن تكلمنا عن الأسباب والطعن العشرة التي ذكرها الحافظ فيما سبق الكذب أو التهمة بالكذب أو سوء الحفظ أو نحو ذلك مما سبق أن تكلمنا عنه هذه الأمور ملتصقة بهذه المراتب التي سيتكلم عنها الحافظ الآن .
يقول هنا رحمه الله ( ومراتب الجرح وأسوأها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال أو وضاع أو كذاب، وأسهلها لين أو سيء الحفظ أو فيه مقال، ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ ) .
معنا الآن مناطد الجرح والتعديل التي اختصرها الحافظ رحمه الله ولم يسهب فيها هاهنا لأن الموضع موضع اختصار فنقول إن الحافظ لما أشار أنه من المهم جداً معرفة أحوال الرواة تعديلاً وتجريحاً وجهالة بدأ يشير إلى مراتب الجرح والتعديل هذه المراتب عني بها علماء الحديث منذ القدم فأول من عني بها أو بتقسيم عبارات الأئمة على مراتب عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في مقدمة كتابه الجرح والتعديل وهو من أروع الكتب التي ألفت في الجرح والتعديل .
قسم عبد الرحمن بن أبي حاتم مراتب الجرح إلى أربع مراتب ومراتب التعديل إلى أربع مراتب وهو تقسيم اجتهادي وإلا فيمكن أن يختصر إلى أكثر من هذا لكن العلماء الذين جاءوا بعد ما اختصروا بل أضافوا فجاء بعده الذهبي وأقره العراقي فأضاف مرتبة زائدة فأصبحت مراتب التجريح خمس مراتب ومراتب التعديل خمس مراتب .(2/60)
جاء الحافظ بن حجر وتابعه تلميذه السخاوي فأضاف مرتبة ثالثة فأصبحت مراتب الجرح عند الحافظ بن حجر ست مراتب ومراتب التعديل ست مراتب .
الحافظ بن حجر هذه المراتب ذكرها أو قعدها في مقدمة كتابه تقريب التهذيب وذكرها أيضاً في بعض كتبه الأخرى لكن أخذ ذلك عنه الحافظ السخاوي في فتح المغيث وأسهب في هذا وأطال وتكلم بكلام رائع وجيد .
قد يحصل في بعض الأحيان اختلاف الاجتهاد في تنزيل هذا الراوي في مرتبة وهو جاهل عند إمام آخر في مرتبة أخرى وهكذا، ولكن الذي يهم في مراتب التجريح وفى مراتب التعديل الآتي :
فالتجريح إما أن يفيد أن الحديث موضوع، وما في حكم الموضوع من المنكر الشديد النكارة جداً إلى حد أنه تشمأز منه القلوب والأسماع ونحو ذلك فيكون ملتحقاً بالموضوع وإن لم يكن في رواته من قيل عنه إنه كذاب لأن علماء الحديث أحياناً يحكمون على بعض الأحاديث بأنها موضوعة ولو لم يكن في أسانيدها من هو متهم بالكذب بسبب أن الرواية لا تحتمل في هذه الحال .
فعلى كل حال عندنا ما نستفيده من هذه المراتب الأحاديث التي لا يمكن أن تقبل بحال من الأحوال وضدها الأحاديث الضعيفة ضعفاً يسيراً وهي التي يمكن أن تتقوى بمجموع الطرق على ما كنا أشرنا إليه في مبحث الحسن لغيره وهي الأحاديث أيضاً التي يتسمح في روايتها بعض علماء الحديث وهي الأحاديث أيضاً التي يتساهل بها في فضائل الأعمال بعض أهل العلم .
وسبق أن أشرنا لشيء من هذا وقلنا أنه يشترط في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن يكون ضعف الحديث يسيراً هذا من أهم الشروط التي تشترط في الحديث الضعيف.(2/61)
فإذا عندنا الموضوع وما يقاربه والضعيف ضعفاً يسيراً والضعف في الأعم الأغلب أنه ناشئ بسبب سوء حفظ الراوي على ما كنا ذكرناه سابقاً يكون بينهما مرتبة قد تختلف فيها وجهات النظر، فبعض أهل العلم يشدد فيها وربما جعلها تابعة للحديث الموضوع وما في حكمه وهذا الحديث هو الذي يمكن أن نسميه الضعيف جداً وربما لا يحكم بعض أهل العلم عليه بأنه ضعيف جداً فيتسمح فيه فيظن بعض الناس أنه من قبيل الضعيف فقط .
وربما شدد بعض أهل العلم أو بعض طلبة العلم في الحكم عليه وألحقه بالموضوع أو بما هو قريب من الموضوع فالشاهد أن هذه الدرجات الثلاث هي التي تفيدنا فإذا كان ابن أبي حاتم قسم الدرجات إلى أربع فمعنى ذلك أنه حاول أن ينوع في درجات الضعف على ما سيشير إليه الحفاظ بن حجر رحمه الله .
كذلك أيضاً بالنسبة للتصحيح أو القبول عموماً نجد أن الحديث الصحيح هو ما يرويه الثقة ولكن هناك حديث دون ذلك وهو الحديث الحسن، وقد يكون بينهما مراتب ونحن سبق أن أشرنا لمراتب الصحيح قبل ذلك وقلنا إن من الصحيح ما هو أصح الصحيح وسيأتي الأسانيد التي يقولون عنها إنها أصح الأسانيد وقلنا إن بين ذلك مرتبة وهي مثل رواية حماد بن سلمة مثلاً عن ثابت، ونحو ذلك فهذه دون الأولى .
دون ذلك مرتبة أخرى وهي مثل رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه وكل هذا من أنواع الصحيح ولكن الصحيح تتفاوت أيضاً درجاته ورتبة، أيضاًَ هذه المراتب مراتب التعديل تفيدنا أحياناً في ضبط هذه الدرجات أو الأحكام الأحاديث الصحاح وبالذات الحكم على الحديث بأنه حسن أو صحيح هاتان المرتبتان هما أهم المراتب كما سنشير إليه .(2/62)
بعد ذلك يكون داخل في مراتب التعديل، مراتب أخرى لكنها لا تعني قبول الحديث بمفرده بل لا يقبل إلا إذا انضم إليه طرق أخرى فإذا تكون هذه المراتب شبيهه بالمرتبة الدنيا من مراتب الضعف وهو أقلها ضعفاً فيكون هناك تشابه، لكن يحصل التمايز بين هذه المراتب حينما تتعارض هذه الأحاديث أيها نقدم ؟
لا شك أننا نقدم الأخف ضعفاً على ما هو أشد ضعفاً منه وإن كان المجموع يشمله أنه ضعيف ضعفاً يسيراً .
سنرى إن شاء الله تعالى إن جرى بعض الأمثلة وإن كان الحافظ ما أطال فيها .
أسوأ هذه المراتب، مراتب الجرح الوصف بأفعل، يعني إذا قيل عن فلان أكذب الناس، أو إليه المنتهى في الكذب، أو فلان ركن الكذب أو جراب الكذب هذه تحصل في عبارات المحدثين يعني مثل ما قال لما حدث بحديث واستنكره قال أخبروا هذا الراوي الذي كذب وقولوا له حدثنا فلان بحديث كذا، في زاوية الكذب من جراب الكذب أو نحو هذه العبارات، هذا بسبب ( كلمة غير مفهومة ) على هذه الراوية التي استنكرها جداً فعلى كل حال قد يوصف الراوي بأنه جراب الكذب بأنه ركن الكذب ونحو ذلك .
قال ثم يليها يعني أخف منها وإن كانت قريبة منها كلها من الألفاظ المستبشعة يعني كلها تدل على أن حديث هذا الراوي من قبيل الموضوع ثم دجال أو وضاع أو كذاب ، فهي بلا شك أنها قريبة من تلك والحديث كله يقال له موضوع ولكن تلك بولغ في وصف أصحابها بأنهم أكذب الناس أو بنحو هذه العبارات التي ذكرتها وهذه تكون أخف منها نوعاً ما فلان وضاع كذاب دجال ونحو ذلك .
هذه أعلى درجات الجرح، قال ( وأشهرها لين أو سيء الحفظ أو فيه مقال ) هذه أسهل درجات الجرح .
معنى ذلك أن هناك مراتب بين الأسهل وبين الأعلى قلت لكم إن المراتب عند الحافظ بن حجر ست مراتب فالآن هو ذكر ست مراتب فالآن هو ذكر ثلاث مراتب بقي ثلاث مراتب أخرى .(2/63)
الثلاث مراتب الأخرى أحياناً نجد تعبير عن أصحابها بقولهم متروك أو منكر أو منكر الحديث أو ضعيف جداً ربما كان أقل من هذا كقولهم ضعيف واهي أو نحو هذه العبارات ليس بالقوي المهم أنها مراتب تتفاوت بعضها أخف من بعض وبعضها أشد من بعض وهكذا فمجملها عن الحافظ بن حجر ست مراتب .
أما بالنسبة لمراتب التعديل يقول الحافظ ( أرفعها ) يعني أحسن مراتب التعديل ( الوصف بأفعل )مثل ما وصفت أسوأ المراتب بأفعل كذلك أيضاً توصف أعلى مراتب التعديل بأفعل مثل فلان أوثق الناس أو إليه المنتهى في التثبت أو فلان كأنه مصحف، فكل ما دل على المبالغة في الوصف بالتوثيق فهذه أعلى المراتب .
قال ( ثم ما تأكد بصفة أو صفتين ) إذا تأكد بصفة تكرر الصفة فلان ثقة الثقة ونحو ذلك أو بصفتين فلان ثقة ثبت نجد أن هنا صفتان فلان ثقة حافظ أو نحو هذه العبارات التي يستفاد منها أنها تتأكد بالصفتان .
ذكر الحافظ أيضاً هاهنا في أعلى المراتب هاتين المرتبتان لكن في مقدمة التقريب جعل أعلى المراتب مرتبة الصحابة، أعلى المراتب عنده في التقريب مرتبة الصحابة، ثم تليها المرتبة التي ذكرها هاهنا ما بولغ في كأوثق الناس ونحو ذلك ثم ما تأكد بصفة أو صفتين ألحقها بهذه التي هي أرفع المراتب، يعني فلان أوثق الناس فلان إليه المنتهي في التثبت كأنه مصحف ونحو ذلك أو تأكد بصفة أو صفتين ثقة ثبت أو ثقة ثقة ونحو ذلك .
المرتبة الثالثة عنده في التقريب ما أفرد بصفة واحدة فلان ثقة فلان ثبت فلان حافظ ونحو ذلك .
المرتبة الرابعة عنده في التقريب من قيل فيه صدوق ولا بأس به وهم الذين حديثهم حديث حسن إذا المراتب الثلاث عنده حديث صحيح حسن، المراتب عنده حديث صحيح المراتب الأولى .
المرتبة الرابعة حديث حسن .
المرتبة الخامسة والسادسة : حديثهم على الانفراد ضعيف ولكنه ينجبر، هذا عنده في تقريب التهذيب .(2/64)
يقول هنا ( وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ ) يعني هذه أسهل مراتب التعديل .
الحقيقة أن لفظة شيخ لا تفيد لا تجريحاً ولا تعديلاً كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال وأكثر من استعمل هذه العبارة هو أبو حاتم الرازي، وبالذات في نقل ابنه عبد الرحمن عنه في كتاب الجرح والتعديل .
فإنه يستخدم هذه العبارة كثيراً فلان شيخ يعني مثل لو قلنا فلان راوي فلان رجل ونحو ذلك فشيخ هذه لا تدل لا على توثيق ولا على تعديل فصاحبها مجهول الحال وقد يكون مجهول عند بعض أهل العلم بحسب الرواة عنه وبحسب طرائق أهل العلم على ما كنا ذكرناه وفصلنا فيه في مبحث الجهالة، لكن أهل العلم جعلوا هذه المرتبة تابعة لمراتب التعديل لأنهم قالوا إنه لما قال الشيخ ولم يجرحه كأن فيها إشعار بالتعديل في الجملة والحقيقة أنه ليس فيها تعديل ولكن هكذا اصطلحوا وجعلوها تابعة لمراتب التعديل، فهذه أدنى مراتب التعديل وإن لم تكن تعديلاً في حقيقة الأمر .
ابتدأ الحافظ في مبحث مهم جداً نسمعه إن شاء الله تعالى بعد نتلقي أسئلتكم إن كان هناك أسئلة من قبل الأخوة الحضور أو من قبل الأخوة الحضور أو من قبل الأخوة المستمعين سواء عن طريق الشبكة أو عن طريق الاتصالات نتيح الفرصة قبل أن نتكلم عن مبحث من يقبل جرحه في التعديل وهكذا .
بالنسبة للأولاد ذكرتم أن يكون لهم بها إذن، قد ذكروا أن عبد الله بن الإمام أحمد اعتبر العلماء أن الأحاديث الموضوعة في المسند أن الإمام أحمد ضرب عليها فنقلها ابنه فهل معنى ذلك أنه لم يكن له بها إذن ؟(2/65)
هذه الأحاديث التي يرويها عبد الله بن الإمام أحمد عن طريق كتاب أبيه إما أن يقال إن عبد الله بن الإمام أحمد استجاز أباه بها، ولكن أنا لا أعرف أن هناك من قال أن الإمام أحمد أجاز ابنه عبد الله بهذه الأحاديث والذي يغلب على ظني أنها مما وجده عبد الله بخط أبيه دون إذن ودون إجازة وبالتالي فهي تخضع للخلاف في هذه المسألة الذي أشرت إليه .
فعند بعض أهل العلم يقولون هي متصلة وعند بعضهم لا يرون أنها متصلة والحقيقة أنه يمكن أن يفرق في مثل هذا الحال بين من كان ملتصقاً بالشيخ وقد روى عنه أحاديث ويعرف خطه معرفة جيدة وكتلميذه أيضاً يعرف خط شيخه وله عنه رواية بالسماع وهكذا مثل رواية عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه فمثل هؤلاء قد يغتفر في حقهم إذا ما أخذوا بالوجادة ما ل يغتفر في حق غيرهم مثل ما لو جاء إنسان أحياناً ربما متأخر الطبقة يعني وجد كتاباً مثل ما لو وجدنا الآن كتاباً بخط شيخ الإسلام بن تيمية مثلا نعرف خطه خطه متميز أو بخط الحافظ بن حجر خط هذين الإمامين متميز .
فإذا وجدنا كتاباً بخط هذا الإمام هل يصح أن أقول وجدت بخط فلان قال حدثنا فلان وتكون هذه الرواية متصلة، لا في حقيقة الأمر لا تكون متصلة لبعد الزمن وفرق بين هذه الصفة وفرق بين أن يكون هذا من تلميذ أخذ عن هذا الشيخ أحاديث أخرى، ولكن هذه الأحاديث التي وجدناها بخطه لم يأخذها .
أما بالنسبة للكلام في الأحاديث الموضوعة في المسند وأنها مما تسهب أنه مما وجده عبد الله بن الإمام أحمد بخط أبيه وأنه مما ضرب عليه الإمام أحمد فنعم هذا قول ذكر وقول له اعتباره ومناقشة هذه القضية قد تطول دون الدخول في الأحاديث الموضوعة في المسند وهناك أحاديث موضوعة والتفصيل في هذا أرجو أن يكون هذا في وقت ضائع إن كان عندنا مزيد وقت حتى لا يأخذ الوقت الذي نحتاجه الآن .
بالنسبة لرواية التي رواها الألباني هل هو ذكر جميع التصحيحات الضعيفة فيه ؟(2/66)
بالنسبة للأسئلة التي لا تتعلق بالدرس أنا بودي أن نتركها في الآخر من الدرس فنبين إن شاء الله تعالى سؤالك إن كان هناك فرصة في آخر الدرس إن شاء الله تعالى نجيب عنه .
ذكرتم المتفق والمفترق بالنسبة للأسماء ولكن ما يتعلق بالكنى والألقاب هل يلحق بالمتفق والمفترق ولو كان هناك كنية اتفق فيها اثنين هل نبحثها في هذا الموضوع المتفق والمفترق ما يتعلق بالأسماء، أم نبحث في آخر ؟
سؤال جيد، يعني هل يدخل في المتفق والمفترق أو في المؤتلف والمختلف أو في المتشابه التشابه في الكنى، نعم يدخل في هذا التشابه في الكنى فإذا كان هناك راوي جاء في الإسناد هكذا أبو مودود حدثنا أبو مودود نجد أهل العلم عنوا بمثل هذه الكنية، هناك اثنان من قالوا لهم أبو مودود، عبد العزيز بن أبي سليمان وهو ثقة وراوٍ يقال فضة وهو متكلم فيه عند أهل العلم .
وكلاهما في طبقة واحدة ويلتبس أحدهما بالآخر في كثير من الأحيان إلى حد أن الالتباس وقع في أقوال أهل العلم عن هذين أحياناً يكون على واحد ويظنونه عن الآخر وهكذا .
فالالتباس قد يقع حتى في الكنى ولذلك من جملة ما يميزه أهل العلم في المتشابه ونحو ذلك يميزون أيضاً بالكنى وينبهون على ذلك .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بالنسبة لمراتب الجرح والتعديل ابن حجر رحمه الله لم يستوفي المراتب طبعاً مراعاة للاختصار في هذا الكتاب، سؤالي، المراتب الأولى في الضعف يحتج بها على إجماع أهل العلم أما بالنسبة للمراتب الباقية هل يحتج بها أو هل يكتب حديث من يكتبها أو يختبر ؟ وأيضاً مراتب الجرح ؟.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هو الفرق المتشابه بالقلب والتصحيف ؟ .(2/67)
الأخ ذكر أن الحافظ بن حجر ذكر ست مراتب للتعديل وقال إن المراتب الأربع حكمها القبول يعني الثلاثة مراتب الأولى أصل المرتبة الأولى كما قلنا مرتبة الصحابة هذه لا شك فيها الصحابة كلهم عدول بحمد الله، لكنه تلميذه السخاوي عدل في هذه المراتب عند الحافظ بن حجر فجعل الطبقة الأولى بدل الصحابة جعلهم من ذكرهم الحافظ هاهنا من وصف بأفعل كأوثق الناس ونحو ذلك والمرتبة الثانية من تأكد بصفة أو صفتين ونحو ذلك والمرتبة الثالثة من أفردج بصفة واحدة كثقة هذا عند السخاوي وهذا في ظني أنه أجود لا من طبقة الصحابة المفروض أن لا تذكر .
لكن اتفق السخاوي مع الحافظ بن حجر على أن المرتبة الرابعة هي مرتبة من حديثهم حديث حسن وهم الذين يقال عن الواحد منهم صدوق أو لا بأس به أو نحو ذلك من العبارات التي حكم أصحابها حديثهم حديث حسن .
أما بالنسبة للمرتبتين الأخريين عند ابن حدر وعند السخاوي من مراتب التعديل فتدخل فيها العبارات التي مثل صدوق مخطئ صدوق يهم صدوق سيئ الحفظ ونحو هذه العبارات التي تدل على وجود الوهم مع وجود العدالة في الجملة .
هذه الألفاظ وما شابهها من ألفاظ تشعر بالتجريح مع كونها فيها تعديل لابد لأصحابها من متابع، يعني لا يحتج بحديث أصحابها على الانفراد .
كذلك أيضاً تشتبه بها على وجه الخصوص المرتبتان الأوليان من مراتب التجريح يعني تصبح المراتب التي يمكن أن تتقوى أحاديث أصحابها أربع مراتب مرتبتان من مراتب التعديل ومرتبتان من مراتب التجريح فهؤلاء أحاديث أصحابها يكون حسناً لغيره بمجموع الطرق طبعاًُ هذا الكلام في الجملة أما ما هي الطرق التي يصل أو ما العدد الذي تصل إليه هذه الطرق حتى يمكن أن يكون حديث حسناً لغيره سبق أن أشرنا لهذا قبل ذلك والمسألة فيها تفصيل طويل لعله يأتي إن شاء الله تعالى في الكتب المطولات.
لكن تقريباً هذه المراتب الأربع نعم يكون حديث أصحابها حديثاً حسناً لغيره من مجموع الطرق .(2/68)
أما المراتب الباقية من مراتب التجريح فحديث أصحابها مردود ولا يتقوى بعضه أسوأ من بعض على ما أشرنا إليه هاهنا .
الأخ سأل عن المتشابه والتصحيف، نقول إن بينهما عموماً وخصوصاً، فالتصحيف يقع بسبب التشابه، فتشابه الأسماء مثل ما قلنا مرة بن كعب وكعب بن مرة مثلنا به في المتشابه ومثلنا به في التصحيف نوع تكلمنا عنه يقع التصحيف بسبب الأسماء المتشابهه على ما كنا ذكرناه هناك .
يقول أريد رسمة أو خريطة للمصطلحات التي أخذناها في الدروس الماضية ؟
لعلنا إن شاء الله تعالى نأتي بها إليكم .
يقول ما رأيكم فيمن يقول أن شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله متسرع في تضعيف الأحاديث ؟
على كل حال الأئمة كلهم بشر يخطئون ويصيبون وما من إمام إلا وله وعليه سيد الحفاظ في الحديث البخاري رحمه الله كم من الأوهام التي ضبطت عليه حتى ألف بن أبي حاتم كتاب بيان خطأ ما أخطأ فيه محمد بن إسماعيل البخاري والكتاب مطبوع في آخر التاريخ الكبير للبخاري .
ومسلم بن حجاج كم أخطأ وغيره ما من إمام إلا وأخطأ .
لكن مشكلة الناس أنه هناك عدم توازن عندهم فلا ينظرون لثواب الإيمان ولا ينظرون لمكانته ولا ينظرون لجلالة قدره ، ولا ينظرون للخدمات التي قدمها للإسلام والمسلمين ولا يحكمون إلا من جراء الأخطاء ، فهم نسأل الله السلامة كالذباب الذي لا يقع إلا على الأوساخ ، فكل بحسبه نسأل الله السلامة ، فينبغي أن ينظر لمحاسن هؤلاء الأئمة وجانب ما أصابوا فيه ، وما أخطئوا فيه ينبه على الخطا حتى لات يقع فيه أحد ، لكن دون أن يتتطرق للتجريح لهؤلاء الأئمة ، فلهم قدرهم ولهم مكانتهم عند الأمة ، ومن أراد أن يسقطهم ، فسيسقه الله - جلّ جلاله – وعلا ، قال ابن عساكر مقولته المشهورة : أن من تطرق إليهم بالسلب ابتلاهم الله - جلّ جلاله – بموت القلب أو نحو هذه العبارات .(2/69)
فشيخ الإسلام بن تيميه واحد من هؤلاء الأئمة وأنا لا أعرف عنه أنه متسرع في رد الأحاديث أو تضعيفها وإنما هو متثبت وكم من الأحاديث التي كشف عللها والتي بينها على وجه الخصوص العلل التي تحتاج إلى نقض في المتون فكم من الأحاديث التي برع في نقض متونها رحمه الله تعالى وهو بارع في هذا الجانب، فعلى كل حال لا يعرف عنه رحمه الله أنه متسرع ولكن قد يوجد عليه بعض الأخطاء فمثله مثل باقي الأئمة الذين يخطئون ويصيبون.
يقول ما هو الفرق بين المبهم والمهمل في الحكم على الحديث ؟
الفرق بين المبهم والمهمل أن المبهم مجهول العين، يعني لا تعرف عينه، وهذا المجهول العين قد يكون كذاباً، قد يكون ثقة فما دام الظن قد يحوم عليه فنحن لا نستطيع أن نحكم على هذا الحديث بحكم حتى تتبين عين هذا الراوي .
أما بالنسبة للمهمل فهو سمي ولكن لم يتميز عن غيره فإن كانت تسميته لا تفيد كمحمد وهناك مئات بل عشرات المئات من الرواة الذي يقال لهم محمد فنحن في هذا الحال نقول إن هذا الراوي شبيه بالراوي المبهم الذي لم يتميز أو ما عرفت عينه إلا إذا كان هذا المهمل لا يمكن أن يحوم الظن إلا حول مثلاً أربعة أشخاص من شيوخ هذا الراوي كلهم يقال لهم محمد عرفنا أنهم كلهم ثقات فيمكن أن يحسن الظن بمثل هذا الإسناد إلا إذا كان في أحدهم راوٍ ضعيف فإننا نتوقف عن الحكم على ذلك الحديث .
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله، كنا معكم بالأمس وانتيهنا إلى مبحث قبول التزكية مما يكون، وتناولنا بالأمس بعض مراتب الجرح والتعديل وبعض الأمور المهمة قبل ذلك فيما يتعلق بالمتفق والمفتقرق والمؤتلف والمختلف والمتشابه ومعرفة طبقات الرواة وهكذا.
أحب أن أنبه على جزئية يسيرة قبل أن نبدأ بالقراءة في درس هذا اليوم أننا حين تكلمنا عن طبقات الرواة كان من المفترض أن أنبه على بعض المؤلفات في هذا والتفريق بين الطبقة والطبقة عند بعض الأئمة ونسيت ذلك، فأقول:(2/70)
إن علم الطبقات الرجال ومعرفة طبقات الرجال من الأمور المهمة كما أشرنا إليه ليلة البارحة ولذلك ألف عديد من الأئمة كتبا في الرجال ورتبوها على طبقات الرواة من ذلك كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ومن ذلك أيضا أن كتاب البخاري رحم الله التاريخ الأوسط مرتب أيضا على الطبقات، الحافظ الذهبي رحمه الله ألف العديد من كتبه على لطبقات مثل تاريخ الإسلام سير أعلام النبلاء، طبقات الحفاظ وهكذا.
الحافظ ابن حجر أيضا في التقريب على الرغم من أنه رتب الكتاب على أسماء الرواة إلا أنه ينص أيضا على هذه الطبقات، ابن حبان رحمه الله ألف كتاب الثقات ورتبه أيضا على الثقات، ولذلك نجد أن مصطلح الطبقة ليس له ضابط يضبطه بحيث لا يتعداه إمام من الأئمة ممن ألف في هذا الباب لا ولكن كل إمام بحسب اصطلاحه فالبخاري رحمه الله اصطلح في كتابه التاريخ الأوسط على أن الطبقة عشر سنوات فيذكر مثلا من مات بين الخمسين إلى الستين بعد المائة وهكذا.
ابن حبان في كتابه الثقات اصطلح على أن يجعل الطبقة الجيل فجعل الصحابة أو جيل الصحابة طبقة والتابعين جعلهم طبقة أتباع التابعين جعلهم طبقة، تبع الأتباع جعلهم تبعة فإذن هذا مفهوم الطبقة عند ابن حبان.
ابن سعد صاحب الطبقات جعل الصحابة طبقة لكن قسم الصحابة أيضا إلى طبقات فجعل أهل بدر من الصحابة طبقة وأهل أحد طبقة كذلك أيضا اعتنى بالبلدان فجعل الصحابة من المدنيين طبقة وكذلك اعتنى بالأنساب فجعل الأنصار من الصحابة طبقة وهكذا.(2/71)
فإذن ابن سعد رحمه الله في الطبقات الكبرى يرتب بحسب الوقائع والأحداث والأشياء التي يشرف بها الإنسان يرتب بحسب البلدان يرتب بحسب القبائل وهلم جرا، نجد أن الحافظ الذ هبي رحمه الله جعل الطبقة قرابة عشر سنوات في كثير من الأحيان وربما جعلها عشرين سنة وربما كان له تقسيم آخر للطبقة كما في سير أعلام النبلاء، لكن في تاريخ الإسلام تقريبا اصطلح على أن يجعل الطبقة عشر سنوات على وجه التقريب وهو في هذا متابع للبخاري رحمه الله.
الحافظ ابن حجر نجد أنه يجعل الطبقة بتقسيم آخر، فعلى سبيل المثال جعل الصحابة طبقة، أما بالنسبة للتابعين، فحاول الحافظ ابن حجر أن يعنى بتقسيم التابعين إلى طبقات فجعل التابعين قرابة أربع طبقات، فكبار التابعين وأواسط التابعين وصغار التابعين هؤلاء ثلاث طبقات، المهم أنهم الذين وصلوا إلى قرابة سنة مائة للهجرة، هؤلاء التابعون في هذه الطبقات هم الذين اعتنى بهم، من جاء بعد ذلك من التابعين فإنه نظر إلى أمر آخر فالتابعي الذي لقي الصحابي ولم يسمع منه هؤلاء جعلهم طبقة، ثم جعل طبقة أخرى مرادفة لهذه، وألحقها لطبقة التابعين وإن لم يكونوا من التابعين في حقيقة الأمر وهم أؤلئك الذين عاصروا أصحاب الطبقة السابقة يعني عاصروا التابعابن الذين لقوا الصحابة ولم يسمعوا منهم فهم وإياهم في سن واحد لكن الفارق بين الطبقتين أن أولئك عدوا من التابعين بحكم أنهم لقوا بعض الصحابة وهؤلاء افترقوا عنهم بأنهم لم يلقوا أحدا من الصحابة.
وهكذا يتسلسل الحافظ ابن حجر إلى أن قسم الطبقات إلى أن قسم الطبقات إلى اثنتي عشر طبقة في كتابه التقريب.
فإذن نخلص من هذا كله أن كل إمام بحسب مصطلحه في ترتيب الطبقة عنده كما عرفنا.
نبدأ في هذا اليوم متابعة لما أخذناه في ليلة البارحة في مراتب الجرح والتعديل لأننا مازلنا في حيز الجرح والتعديل وألفاظ الجرح وممن يقبل الجرح والتعديل وهكذا فنبدأ بالقراءة من قول الحافظ وتقبل التزكية.(2/72)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- (وتقبل التزكية من عارف بأسبابها ولو من واحد على الأصح والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبينا من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملا على المختار ).
الحافظ هنا تطرق إلى مسألة مهمة وهي أن علماء الحديث ليس من الأمر الهين عندهم أن يقبلوا التزكية أو التجريح من أي إنسان ممن هب ودب لا يقولون لا تقبل التزكية إلا من عارف بأسبابهم، فلا بد أن يكون عارفا بأسباب التزكية وعارفا بأسباب التجريح لأنه قد يزكي ابناء على ظاهر الأمر مثل ما ذكر عن بعضهم أنه لما سئل عن راو من الرواة قال: ألم تر إلى حسن هيئته وطول لحيته، فإذن هذا ليس عارفا بأسباب التزكية لأنه يابنى على الظاهر فما دخل حسن الهيئة وطول اللحية بعدالة الراوي وضبط الراوي المحدثون يعنون بما يخص جانب الرواية هل تقبل رواية هذا الراوي أو لا أما حسن الهيئة وحسن المنظر وطول اللحية أو قصر اللحية أو غير ذلك فهذه أمور ظاهرية لا علاقة لها بقضايا الجرح والتعديل والتزكية ونحوها أبدا.(2/73)
كذلك أيضا وجد بعضهم ربما جرح بما ليس بجارح كما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى، فإذن علماء الحديث يعنون بأن تكون عبارات الجرح والتعديل صادرة من إمام معتبر يعرف كيف يعدل وبم يجرح وهكذا، يستدلون في هذا بالأثر المشهور عن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه – أنه لما جاء شاهد يشهد عنده قال إيت بمن يعرفك، فجاء برجل فقال له هل تزكيه قال: هل عرفته؟ قال: نعم قال: كيف عرفت؟ هل جاورته المجورة التي تعرف بها مدخله ومخرجه قال لا قال: هل عاملته بالدينار والدرهم الذين تعرف بهما أمانة الرجال؟ قال: لا قال: هل سافرت مع السفر الذي يكشف أخلاق الرجال؟ قال: لا قال فلعلك رأيته في المسجد راكعا ساجدا فجئت تزكيه قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اذهب فأنت لا تعرفه.
إذن التزكية لا بد أن تكون من إمام عارف ولذلك يسمى الأئمة من يعتد
بقوله في الجرح والتعديل إلى أقسام فمنهم أناس وإن وثقوا بعض الرواة
فتوثيقهم غير معتد به عند كثير من أهل الحديث مثل توثيق ابن حبان
ونحو توثيق العجلي ويقرب منهما ابن شاهين وهكذا.
فمثل هؤلاء توثيقهم له تفصيل خاص عند علماء الحديث لا نطيل به
اهنا لكن المقصود أن هؤلاء ممن عرفوا بالتساهل في التوثيق على الضد
هناك أئمة عرفوا بالتشدد في التعديل والتشدد في الجرح أيضا كأبي حاتم
الرازي لا يكاد يقول عن أنه ثقة، وإذا قال عن راو ما أنه صدوق فليفرح
بها ذلك الراوي، كذلك نجد أنه متشدد في الجرح فربما جرح بأشياء لا يجرح بها غيره، فعنده شدة في الجرح، هناك أئمة متوسطون مثل الإمام أحمد والبخاري ومسلم وهؤلاء فهؤلاء عرف عنهم التوسط في الجرح والتعديل.(2/74)
فلذلك إذا جرح المتشدد و توسط المتوسط ووثق المتساهل تعرف أن هذا الراوي وسط كما هو قول الذي اعتدل معنى ذلل أن المتشدد ذهب ينظر إلى جانب الجرح أكثر من نظره إلى جانب التعديل بالنسبة للمتساهل ذهب ينظر جانب التعديل أكثر من نظره إلى جانب الجرح مثل ما نقول دوما الخوف والرجاء ونحو ذلك فالخوف والرجاء مثل جناحين للطائر فلا بد من الاتزان بهما فمن غلب الخوف فإنه يمكن أن يأيس الناس ويقنطهم من رحمة الله ومن غلب الرجاء فإنه يمكن أن يوقع الناس في المعاصي اتكالا على عفو الله ومسامحته فكذلك أيضا هؤلاء الأئمة أئمة الجرح والتعديل عرفوا بهذه الصفات، وهي أن منهم المتشدد ومنهم المتساهل ومنهم المتوسط ولذلك هذات يفيد في حال الاختلاف الذي سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
قال الحافظ:قال هذا أي تقبل التزكية ولو من واحد على الأصح فقوله على الأصح دوما يشير إلى أنه يعني به أن هناك خلافا في مثل هذه المسائل الخلاف في ماذا يقع؟ الخلاف في أن هناك من الأئمة من اشترط أن لا تقبل التزكية إلا من اثنين وقاس ذلك على الشهادة وقال التزكية كالشهادة، فما دام أن الشهادة لابد من شاهدين فيها فكذلك التزكية لا بد من تزكية اثنين، وبدأ الأئمة يناقشون الفرق بين التزكية والشهادة وفي هذا كلام كثير، ولكن خلاصة ذلك أنهم قالوا إن من الفروق في مسألتنا هذه التي تهمنا أن التزكية كالحكم وليست كالشهادة يعني الحاكم القاضي لا يقال نحن لا نقبل إلا حكما صادرا من قاضيين لا يقبل الحكم من قاض واحد فالحكم غير الشهادة نعم لو كان المزكي يروي عن شخص آخر يأتي خلا ف آخر في هذه القضية وهي خلاف في مسألة الرواية هذه القضية وهي خلاف في مسألة الرواية، والرواية أيضا فيها خلاف هل تقبل الرواية من الواحد أو لا بد من الرواية من الإثنين وهذا أمر سبق أن نبهنا عليه سابقا وقلنا الصحيح والراجح أن الرواية لا يشترط فيها التعدد فتقبل الرواية ولو من واحد إذا كان ثقة.(2/75)
كذلك أيضا نقول ها هنا إنه إذا كان الذي ذكر التعديل والتزكية عن شخص ما جاء بها بطريق الرواية كأن يكون ابن الجنيد يروي عن يحيى ابن معين، فهذا جاء من باب الرواية فلنزكي إذن هو يحيى ابن معين وليس ابن الجنيد فنقول ابن الجنيد عبارة عن راوي، نعم الرواي كالشاهد ولكن أيضا من الفوارق بين الرواية والشهادة أن الرواية لا يشترط فيها العدد كالشهادة.
فقوله هنا ولو من واحد على الأصح يشير إلى أنه يمكن أن تقبل التزكية من واحد كالحكم، كذلك أيضا لا ندري هل الحافظ ذكر هذا أم لم يذكره على كل حال من الأمور التي تتعلق بهذه القضية أن التزكية ايضا من العبد وحتى من المرأة وليس فقط الكلام على الاثنين لا بل حتى من المرأة وحتى من العبد، لأن هذه المسألة تختلف تماما عن الشهادة فلا تقاس على الشهادة من جميع جوانبها بل هناك فوارق بين الرواية والشهادة وبين التزكية والشهادة من الدلائل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل قول بريرة في عائشة لما حصلت حادثة الإفك جاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأل بريرة عن عائشة ما رأيها فيها؟ فأخبرته رضي الله تعالى عنها بأنها جارية حديثة السن تأتي الداجن فتأكل عجينها، فالنبي صلى الله عليه وسلم إذن ها هنا قبل رواية بريرة وهي أمة مملوكة أو تزكية بريرة وهي أمة مملوكة في عائشة رضي الله تعالى عنها.
بالنسبة للنساء عائشة رضي الله تعالى عنها وغيرها من النساء كن يروين الأخبار ونحو ذلك وتقبل مع ذلك رواية المرأة ولا يقال إن المرأة ابنصف شهادة الرجل ولا بد ها هنا من شاهدين فإذن لا بد من أربعة نسوة يروين الرواية حتى يمكن أن تقبل هذه الرواية، لا كل هذا الكلام غير معتد به عند أهل العلم بالحديث لأجل أن هناك فارق بين والرواية الشهادة كذلك أيضا فيه فارق بين التزكية والشهادة.
يقول الحافظ: (والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبينا عن عارف بأسبابه فإن خلا عن التعديل قبل مجملا على المختار).(2/76)
إذن عندنا الرواة إما أن يكون الراوي مجروحا وليس فيه تعديلا البتة، فهذا الجرح هو الذي يأخذ به في هذه الحالة لأنه إن لم يأخذ الجرح فسيكون الراوي مجهولا فروايته مردودة على أي الحالين، بمعنى أن الجرح حتى لو صدر من رجل غير عارف بأسبابه يمكن أن يقبل في الجملة على المختار، كما يقول الحافظ يقول: (فإن خلا عن التعديل قبل مجملا على المختار) بمعنى على المختار أن هناك خلافا، لكن هذا الخلاف سيؤول بطبيعة الحال إلى الاتفاق لأن الذي خالف يقال له ما البديل عندك؟ ما الخيار الآخر عندك؟ الخيار أنك ستجعل هذا الرجل مجهولا فما دام مجهولا فروايته مردودة بطبيعة الحال، فإذن وصلنا إلى نقطة الاتفاق فنحن نتكلم الآن عن روايته سواء أخذنا بقول هذا الجارح أو لم نأخذ به فروايته مردودة على أي الحالين.
فإذن هناك من الرواة من لا نجد فيه إلا جرحا وهناك من الرواة على الضد من لا نجد فيه إلا تعديلا فهذا هو الثقة الذي يقولون عنه متفق على توثيقه، فهذان تقريبا لا إشكال فيهم، أكثر ما يقع الإشكال في الرواة المختلف فيهم، فعندنا بعض الرواة إذا ما نظرنا في تراجمهم نجد بعض أئمة الجرح والتعديل يوثقونهم وبعضهم يجرحونهم وبعضهم يتوسطون وربما كان الخلاف في مثل هؤلاء الرواة شديدا جدا في بعض الأحيان فنجد أن مثل هذا الخلاف ضبطه أهل الحديث بضابط، لكن هذا الضابط هو من باب التقعيد أما من حيث الأصل وفي الجملة ففي القضية تفصيل يمكن أن يأتي إن شاء الله تعالى في كتب المطولات فالحافظ الآن يضع لنا قاعدة نسير عليها ما دمنا في بداية الطلب ما هي هذه القاعدة؟ يقول: (الجرح مقدم على التعديل).
إذن إذا كان عندنا رجل اختلفت فيه أقوال الأئمة ما بين مجرح ومعدل نقول: نقبل الجرح فالجرح مقدم على التعديل، هل هذا الكلام على إطلاقه؟ قالوا لا ليس على إطلاقه لكن إن صدر هذا الجرح من إمام عارف بأسباب الجرح وبين السبب.(2/77)
فإذن الجرح مقدم على التعديل بشرط أن يكون جرح مفسرا مبين السبب وأن يكون صادرا من إمام عارف بأسباب الجرح، لا بد من هذين القيدين لكن هذين القيدين أيضا ربما يصعب تطبيقهما عند كثير من الناس ولا يستطيع ذلك إلا من عانى الأسانيد وأدمن النظر في كتب الرجال ونظر في الاختلاف وأكثر من التطبيق وطال عمره في هذا السبيل فالأمر ليس بهين، والحكم على الرجال من الخطورة بمكان، لأنك حينما تحكم على رجل كما سيشير إليه الحافظ ابن حجر: إن حكمت على رجل بأنه ثقة وهو ليس ثقة فكأنك أفتيت فقلت: أن الحكم في القضية كذا وكذا وربما كان هذا قولا على الله جل وعلا بغير علم، والعكس كذلك ربما جرحت راو ثقة غلبت جرح راو وهو ثقة فتكون رددت حكما من الأحكام جاءت بها الرواية من قبل هذ الراوي فتكون رددت شيئا من دين الله فالمسألة خطيرة جدا، الأحكام على الرجال ليست بالأمر الهين فالآن نحن في بداية الطلب لا بد أن نأخذ هذا التقعيد بهذه السهولة وبهذا اليسر وأما الخلاف الطويل فيه فلا بد من أن يكون في كتب المطولات.(2/78)
فإذن نقول الجرح مقدم على التعديل بشرط أن يكون الجرح صادرا من إمام عارفا بأسبابه وأن يكون الجرح مبينا ومفصل السبب لأنهم وجدوا أن بعض الأئمة حتى وإن كان من العارفين بأسباب الجرح حينما يذكر السبب يذكر سببا لا يوافقه بقية الأئمة على أنه سبب جارح ويضربون على ذلك بمثال إمام الجرح والتعديل وأول من فتش عن الرجال وهو شعبة ابن الحجاج رحمه الله تعالى إمام جبل كلامه من الرجال كثير والرجال كانوا يهابونه في ذلك الزمان يخافون ويفرقون من شعبة رحمه الله أن يتكلم فيهم فيسقط روايتهم، نظروا مرة من المرات تكلم في راو يقال له المنهال ابن عمرو فحاولوا أن يسألوا شعبة عن السبب الذي جعله يتكلم في هذا الرجل لأنهم وجدوا أن هذا الرجل ثقة فلماذا تتكلم فيه يا شعبة؟ انظروا إلى عدل أهل الحديث وإنصافهم كيف أنهم ما قبلوا هذا من هذا الإمام ورغم أنه هو الذي له الصولة والجولة في ذلك العصر، لكن حاولوا أيضا أن يسألوه عن السبب، فذكر أنه مر من أمام داره فسمع في الدار صوت طنبور يعني صوت آلة غناء، يقول الراوي عن شعبة وهو وهب ابن جرير أحد تلاميذ شعبة قلت له: هل سألته؟ قال: لا قلت هلا سألته لعله لا يعلم، فهذا الراوي ربما كان في بيته سفيه من السفهاء والرجل لا يدري ولا يعرف وهذا أمر معروف في طباع الناس، قالوا أيضا من الأعذار التي اعتذر بها عن هذا أنه يقرأ القرآن قراءة تسمى قراءة الألحان السبعة أو نحو ذلك فلعل شعبة لبس عليه أو شبه عليه فسمع هذه القراءة فظنها صوت طنبور، فكل هذا محتمل، لكن هذا التدقيق في جرح شعبة ما جاء إلا بسبب أن الأئمة وثقوا المنهال ابن عمرو فإذن تعارض عندهم جرح شعبة وتوثيق باقي الأئمة، فأخذوا ينظرون ما السبب الذي جعلك يا شعبة تتكلم في هذا الرجل نظرو وإذا بالسبب غير جارح لا يسلم لشعبة بهذا الجرح برغم أنه أصاب في كثير من الجوانب في جرحه لكن لم يتابعوه في هذه القضية.(2/79)
وجدوا أن بعض الرواة أحيانا يجرح بأسباب ذكروا أنها لا تعد جارحة فبعضهم قالوا له لم جرحت فلانا؟ قال: رأيته يركض على برزونة، البرزون نوع من الدواب يركبه المرفهون وأهل التنعم من أهل الدنيا فكأنه يرى أنه لا يليق بطالب العلم أن يركب بهذا المركب وهذا أمر لا يسلم له به فهل كل من ركب البرزون يعد مجروحا هذا غير صحيح ، فوجدوا أن هذا الجرح غير مستساغ وغير مقبول في بعض الأحيان تكون هناك حكايات تذكر عن بعض الأئمة فإذا ما فتشنا فيها وجدناها لا تثبت، في مثل هذه القضايا التي يقال إنه قال عن فلان وقال عن فلان ثم نجد أنها لا تثبت فلا بد إذن أن ننظر في مثل هذه الحكايات التي قيلت عن أن بعضهم جرح بما ليس بجارح قد تكون الحكاية في أصلها غير ثابتة وغير صحيحة وهذا أيضا العدل والإنصاف يلزمنا به.
العارف إذن بأسباب الجرح قد يطرأ عليه مثل هذا الأمر الذي ذكرناه، قال: (فإن خلا عن التعديل قبل مجملا على المختار) نعم إذا خلا الراوي عن التعديل قبل الجرح مجملا على المختار مثل ما قلنا لأنه إما أن يكون مجهولا أم لا ويضربون على هذا بمثال أبي الفتح الأزدي رحمه الله أبي الفتح الأزدي جرح بعض الرواة الذين لا يسلم له بجرحهم، ويقول بعض الأئمة: ليت الأزدي عرف جرح نفسه أو عرف ضعف نفسه فهو مجروح ومتكلم فيه، لكن مع ذلك نجد أنهم لم يهملوا كلام أبي الفتح الأزدي بل ذكروه في كتاب الرجال، يذكرونه للحاجة لأن كلامه إما أن يتفق مع كلام المجرحين فلا إشكال، وإما أن يعارض كلام المعدلين فهنا يأخذ بكلام المعدلين ولا يعتد بجرح أبي الفتح الأزدي وإما أن تخلو ترجمة الراوي من تعديل من بعض الأئمة فيبقى كلام أبي الفتح الأزدي لأنه إن لم يؤخذ به فسيكون الراوي مجهولا، إذن هذا هو المقصود بمثل هذه القضية، نتوقف قليلا لاستقبال بعض الأسئلة وبعد ذلك إن شاء الله تعالى نواصل في موضوع آخر جديد.
السؤال غير مفهوم..28:33(2/80)
عندنا من الكتب التي صنفت في الثقات كتاب الثقات لابن حبان وثقات العجلي وبعض أهل العلم ينازع في تسمية كتاب العجلي كتاب الثقات لأنه يرى أنه كتاب تاريخ، على كل حال ليس هذا موضع بحثه إنما عرف عن العجلي رحمه الله أنه من المتساهلين في التوثيق لكن توثيقه أفضل من توثيق ابن حبان بل توثيق ابن حبان هناك من ينازع في تسميته توثيقا لأنه يقول إن مجرد ذكر ابن حبان للراوي في كتاب الثقات لا يعني توثيق ابن حبان لذلك الراوي، لأن ابن حبان يمكن أن يكون ذكر هذا الراوي وسكت عنه مجرد سكوت وتسمية الكتاب بالثقات يمكن ابناء على غالب الحال أو ابناء على أن هناك تفصيلا في أحوال هؤلاء الرواة، وهذا التفصيل يذكرون أنه إذا ذكر ابن حبان الراوي في كتابه الثقات وأخرج حديثه في الصحيح فهذا له حال إذا ذكره في الثقات وتكلم عنه بعبارة تدل على معرفته له كقوله مستقيم الحديث ونحو ذلك فهذا له حال آخر، أما من عرف من طريقة ابن حبان أنه ما عرفه كأن يقول عن الرجل لا أعرفه ولا أعرف ابن من هو ونحو ذلك فهذا يدل على أنه ما عرف هذا الراوي، لكن عرف عن ابن حبان رحمه الله أنه مشى على أصل أصله وهو أنه يرى أن الأصل في المسلم العدالة ولا نخرج المسلم من هذا الأصل إلا ببينة، هذا الأصل مشى عليه ابن حبان لكن لم يوافقه أهل العلم عليه قالوا الأصل في المسلم العدالة هذا ابناء على ظاهر الحال لكن إذا جاء ما يحتاج إلى تثبت فلا بد من التثبت فالقاضي لا يقال له إن الأصل في المسلم العدالة ويقبل شهادة الشاهد بل لا بد لذلك الشاهد من تزكية، ولذلك الرب جل وعلا يقول: ? وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ?[البقرة: 282]، فهذان الشاهدان كما فسر هذه الآية بعض أهل العلم قالوا: شاهدي عدل من هؤلاء الرواة وتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله تعالى عنهم في الأحكام ونحو ذلك كل هذا بيدل(2/81)
على أنه لابد من وجود التزكية، فعلى كل حال كتاب ابن حبان من حيث التوثيق فيه الكلام الذي ذكرت ويقرب منه كتاب العجلي، فالعجلي عنده تساهل في التوثيق وربما اعتد به بعض الأئمة ومشو توثيقه لكن بقرائن تنضاف إلى ذلك كأن يكون الراوي مثلا مخرجا له في الصحيح أو خرج له الترمذي فإذا انضاف إلى هذه القرائن رما مشو توثيق العجلي.
بالنسبة للمختلف والمتشابه ما الضابط الذي يفرق بين المؤتلف والمختلف والمتشابه لأن الأسماء المتفقة في كليهما أن في النطق أو الشكل تختلف كأنه نفس الشيء فما المؤتلف والمختلف والمتشابه فما هو الضابط؟
نحن قلنا إن المقصود بالمؤتلف والمختلف والمتشابه أن تأتلف الأسماء شكلا وتختلف نطقا وربطنا هذا بمسألة جدا وهي كتب الأقدمين، قلنا إن هذه الكتب لم تكن تعجم ولم تكن تشكل فربما جئت لعبِيدة وعبَيْدة فنطقت الجميع عُبَيْدة بحكم شهرة هذا الاسم ولا تعرف أن هذا يقال له عَبِيدة وليس عُبَيْدة متى تعرف إذا ضبط بالشكل أو أخذته عن طريق التلقي من أفواه الشيوخ كذلك مثل ما قلنا عن بريد ويزيد لولا النقط لا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك، فهذا يسمونه والمؤتلف والمختلف، يعني كأنه اتفق كتابة ولكن يختلف في النطق فالنطق إما أن يكون عن طريق النطق أو عن طريق الإعجام.(2/82)
أما بالنسبة للمشتبه النسبة فعلى ما كنا بيناه الرواة قد يشتبهون مثلا في أنسابهم وهذا أيضا يقع فيه التصحيف بسبب عدم ضبط الكتب إما بالشكل أو النقط فذكرنا مثالا على ذلك نسبة الهمْداني الهمَداني فهذه لولا الشكل فإنه يمكن أن يلتبس أمرها، قولك أنه يمكن أن يكون هناك تداخل بين المؤتلف والمختلف وبين المتشابه أقول: نعم فيه تداخل بين المؤتلف والمختلف وبين المتشابه ولذلك كل هذه الكتب التي ألفت في هذا يمكن أن نجعل لها عنوان المتشابه، اللهم إلا قضية المتفق والمفترق لا أمرها مختلف لكن المؤتلف والمختلف والمتشابه ونحو ذلك كلها تدخل في باب واحد ألفت فيه الكتب التي ضمت هذا كله مثل كتاب الإكمال لابن ماكولا، لم يجد ابن ماكولا مثلا يفرق بين المؤتلف والمختلف وبين المتشابه جعله كله من المتشابه، فاعتمد على كتب من تقدمه ككتاب الدار قطني وكتاب عبد الغني ابن سعيد الأزدي التي كنا ذكرناها وكتاب الخطيب البغدادي وهكذا، فجمع هذا كله وزاد عليه أيضا وألف كتاب الإكمال الذي أصبح عمدة لمن جاء بعده، ثم أتبع ذلك بكتاب "تهذيب مستمر الأوهام" هذا الكتاب استدرك فيه ما فات الأئمة السابقين من الأسماء والأنساب المشتبهة جاء بعد ابن ماكولا عبد الغني ابن نقطة فاستدرك على ابن ماكولا في كتاب له يسمى الاستدراك لابن نقطة وطبع باسم الاكمال لابن نقطة جاء بعد ابن نقطة أئمة آخرون استدركوا أيضا حتى على ابن نقطة مثل ابن الصابوني.(2/83)
الحافظ الذهبي يحاول أن يجمع هذه النسب المشتبهة فجعلها في كتاب واحد سماه مشتبه النسبة لكن الذهبي ضبط هذه النسب بالشكل ولم يضبطها بالحروف وضبطها بالحروف أولى وأحسن لأن الضبط بالشكل يدخله التصحيف دوما، يعني على سبيل المثال عبيدة وعبيدة نجد الأئمة الذين يضبطون مثل هذه الأشياء يقولون عبيدة بفتح العين المهملة هكذا، ينصون على هذا، أما الذهبي فيجعل فوق عبيدة خطا ويمشى فانتقدوا صنيعه في هذا، جاء بعده الحافظ بن حجر فألف كتاب تفسير المتنبه بتحرير المشتبه" تحرير المشتبه النسبة الذي هو كتاب الذهبي استدرك عليه مثل هذا الضبط الذي وقع فيه التصحيف وأطال الحافظ بن حجر النفس في هذا الكتاب ولذلك جاء كتابه يمكن في قرابة ضعفي كتاب الذهبي لكن الكتاب الذي يعد المرجع لهذا كله كتاب توضيخ المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله وهذا الكتاب يقع في مجلدات عديدة ضمن قرابة خمسة عشر مجلدا ونحو ذلك أطال فيه النفس وأبدع في هذا الكتاب فرحمه الله رحمة واسعة.
ذكرت التزكية والشهادة فيها اختيار لكن هل تقبل التزكية من الولد والزوجة أم تتشابه مع الشهادة في ذلك؟(2/84)
من حيث التقعيد نعم ممكن أن تقب التزكية من الولد ومن الزوجة بالشرط الذي ذكرناه أن يكون عارفا بأسباب التعديل والتزكية وأن يكون عارفا بأسباب الجرح وهكذا، قضية بيان السبب في التزكية يختلف عن بيان السبب في الجرح، في الجرح اتفقت كلمتهم على أنه لا بد من بيان سبب الجرح أما بالنسبة للتزكية فهناك خلاف فبعضهم اشترط أنه لا بد من بيان سبب التزكية، لكن هذا القول ضعيف و الصواب أنه لا يشترط بيان سبب التزكية يصعب حصرها فيصعب أن تقول هذا الرجل يصلى ويزكي و يحج ويصوم ويجتنب المنكرات و يفعل الطاعات ويفعل كيت وكيت إلى آخر ما هنالك، أسباب التزكية متعددة فيصعب معها أن تكون مذكورة مفصلة أما بالنسبة لأسباب الجرح فمحصورة ففي الأعم الأغلب ألا يجرح إلا بجارح واحد وإذا انضاف إليه شيء فيكون محصورا أيضا إما أن يكون الجرح باثنين أو بثلاثة ونحو ذلك فالمهم أنها محصورة ولا يصعب حصرها أبدا فلذلك فرقوا بين الاثنين، لكن من حيث الوجود أنا لا أعرف أن هناك رجلا مثلا وثق أباه أو زوجة وثقت زوجها لكن العكس قد يحصل وهو التجريح وهذا من بدائع الفوائد التي تكون في كتب أهل الحديث فيضربون على ذلك بمثال وكيع بن الجراح أو على بن المديني فوكيع بن الجراح - رحمه الله تعالى – كان في مجلس التحديث واجتمع حوله طلبة الحديث وطلبوا منه أن يبدأ بتحديثهم فأخذا يقول حدثني أبي وسفيان الثوري فقالوا لا نريد أباك حدثنا عن سفيان، أبوه وهو الجراح بن مليح مجروح في حفظه، فأعاد مرة أخرى: حدثنا أبي وسفيان الثوري حدثنا عن سفيان الثوري، أعاد الثالثة فقالوا له مثل ذلك فقال ففي الرابعة قال حدثني سفيان الثوري من ابتلي بكم يا أصحاب الحديث فليصبر، يعني قبل منهم جرحهم لأبيه ولم يغضب ولم تأخذه العزة بالإسم، وهذا من عدله وإنصافه - رحمه الله تعالى -، على بن المديني أشد من هذا كان في مجلس وفيه قتيبة بن سعي فقتيبة بن سعيد كأنه أراد أن يجامل على بن المديني لأن(2/85)
على بن المديني إمام مشهور فقال قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الله بن جعفر عبد الله بن جعفر هو والد على بن المديني هو على بن عبد الله بن جعفر السعدي، فلما قال قتيبة هذا الكلام قال له أهل الحديث الحضور يا أبا رجاء هذه كنية قتيبة بن سعيد يا أبا رجاء ابنه ساخط عليه حتى يرضى عليه ابنه، ساخط عليه بمعنى أنه يضعفه ولذلك لا يعد هذا من باب العقوق وكان على بن المديني يحاول أن يتفادى الكلام عن أبيه فأحرجه أهل الحديث يوما من الأيام، فقالوا: ما رأيك في أبيك فسكت، فأعادوا عليه السؤال فأطرق ثم قال الشيخ ضعيف وهذا من عدله وإنصافه - رحمه الله تعالى –ب.
الأب قد يتكلم في ابنه مثل ما ذكر عن أبي داوود السجستاني تكلم في ابنه عبد الله بكلام لكن هذا قالوا: إن هذا جاء من باب سخط الوالد على ابنه فقط وإلا فالإبن معروف بأنه إمام رحم الله الجميع.
ما الفرق بين الجرح والغيبة والثناء والتعديل؟
هذا السؤال الحقيقة مهم، يعني هؤلاء الأئمة الذين يتكلمون في الرواة يعني يجرحونهم هل يعد هذا من الغيبة وألئك الذين يثنون على الرواة هل يعد هذا من المدح الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -
قال: (احثوا في وجوه المداحين التراب)؟ نقول: إن هذه المسألة كانت قد أزعجت أهل العلم من قديم الزمان ولشدة ورع الأئمة وخوفهم من الله وخوفهم من أعراض الناس، بدأوا يناقشون ههذ القضية ما أهملوها ولا أغفلوها فنجد أن مسلم بن الحجاح في مقدمة صحيحه ذكر أقوالا للأئمة في مثل هذه المسألة مثل تلك المسألة التي وقعت لعبد الله بن المبارك وهو إمام جبل، لكن رأى رجلا يقال له عباد بن كثير وهو من الصالحين من العباد لكنه إذا حدث جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(2/86)
بالمناكير والبلايا والطامات فاحتار عبد الله بن المبارك في أمره ماذا يصنع؟ إن تكلم تكلم في رجل صالح عابد زاهد يخشى من أن يدعو عليه وإن سكت سكت على بلاء عظيم وهو دخول هذه الطامات في حديث النبي- صلى الله عليه وسلم – والغيرة التي لديه تفرض عليه أن يبين، فذهب يسأل مشايخه سأل الإمام مالكا وسفيان الثوري وقال إن عباد بن كثير من ترون حاله أفترون إذا حدث بحديث منكر أن أبين أمره قالوا: بلى، بين أمره فكان عبد الله بن المبارك بعد ذلك - رحمه الله تعالى -
إذا ذكر عبد الله بن كثير في مجلس أثنى عليه في دينه ثم بين أمره في الحديث قال: في الحديث ليس بشيء أما عبادته وزهده وصلاحه فهذا صحيح لكن لا تأخذوا عنه الحديث.
فهكذا حال الأئمة يرون أن الكلام في الرواة جرحا يعدونه الغيبة في ذات الله ووجدوا لهذا أصولا فقول الله جل وعلا ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ?[الحجرات: 6]، إذن يمكن أن يكون الراوي فاسق، كيف نعرف أنه فاسق أو غير فاسق من جراء الجرح والتعديل وجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين طرق عليه الباب رجل قال بئس أخو العشيرة فلما دخل باسطه النبي - صلى الله عليه وسلم – فتعجبت عائشة - رضي الله عنها – فقالت: يا رسول الله طرق الباب فقلت ما قلت ثم رأيتك تباسطه فقال يا عائشة (إن شر الناس عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه) يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -
يرى أن هذا الرجل سليط اللسان فأخذا يهادنه حتى لا يتطاول بلسانه على عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - .(2/87)
وجدوا أن الضرورة تفرض في بعض الأحيان الجرح، فهند امرأة أبي سفيان جاءت تسأل النبي - صلى الله عليه وسلم – وتقول إن أبا سفيان رجل شحيح وتسأل هل يجوز لها أن تأخذ نفقتها ونفقة أولادها فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم – (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) ولم يقل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أنت اغتبت أبا سفيان وهو صحابي، لأن هذا جائز الغيبة تجوز في ستة أحوال كما بين ذلك النووي في رياض الصالحين من جملتها مثلا التظلم عند القاضي الاستشارة التعريف كأن يكون مثلا الراوي لا يعرف إلا بالأعرج لو قلت هذا عبد الرحمن بن هرمز ما عرفوه لكن إذا قلت الأعرج عرفوا أنه هو الذي يروي عن أبي هريرة، العرج هو صفة من الصفات التي قد لا يقبله الإنسان حين يوصف بها، لكن قالوا إن هذا من باب التعريف وليس من باب التعيير ولا يدخل هذا في باب الغيبة.
ذكروا من الاستثناءات أحوال الرواة لأنا لا نستطيع أن نعرف صحيح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من سقيمه والضعيف من الصحيح والموضوع من غير ذلك إلا بطريق جرح الرواة فجعلوا هذا من الضرورات التي تحتمها علينا شريعتنا.
هل الجرح أمر نسبي بحيث الشخص يكون عدلا في باب القراءات ومجروحا في باب التحديث؟
نقول: نعم الجرح نسبي قد يكون الراوي مجروحا في فن ومقبولا في فن آخر فبعض الرواة لا يقبل حديثه لكن إذا جاء في باب الرواية أخذ منه الحديث، وبعضهم ربما كان متكلما في حفظه بعض الأئمة يضعفون حديث وبعض الأئمة يحسنون حديثه لكن في باب القراءات هو حجة مثل عاصم بن أبي النجود - رحمه الله تعالى – فهو حجة في القراءات ولكنه في الحديث متكلم فيه.
فإذن الجرح قد يكون جرحا نسبيا وكذلك أيضا محمد بن أسحاق صاحب السيرة إذا حدث بشيء يتعلق في السيرة فحديثه حجة، لكن بالنسبة للحديث فتكلم فيه بعض أهل العلم وفي تفصيل طويل، وأكثر اهل العلم يتوسطون في حاله ويقولون هو حسن الحديث.(2/88)
فالجرح نعم أمر نسبي قد يطرح الراوي في فن ويقبل في فن آخر.
تقول: المقصود بالعبد كما ذكرتم هو العبد في حال الرق؟
نعم هذه العبارة قد تكون مشوشة ونطمئن إخواننا في سائر أنحاء الأرض إلى أن الإسلام لا يفرق بين ذكر وأنثى بين غني وفقير بين رئيس ومرؤوس فالميزان هو التقوى ولذلك إذا وجد أحد أسود البشرة لا يجوز أن يطلق عليه أنه عبد لأن العبد هو المملوك حتى وإن كان أبيض البشرة فليس الضابط لون البشر حتى لا ينزعج بعض إخواننا حينما يجدون مثل هذا في كتب أهل العلم، لا هذه ألوان الله سبحانه وتعالى يعطيها من يشاء فقد يكون أسود البشرة خير من كثير ممن هو أبيض البشرة وهذا أمر متوقع فالإسلام لا يفضل هذا على ذاك الميزان هو التقوى ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? [الحجرات: 13].
يقول: مرت بنا أنواع كثيرة من أنواع علوم الحديث فهل لهاعدد معين؟
نعم أنواع علوم الحديث اختلفت بين أهل العلم لكن نحنن نسير على طريقة ابن الصلاح - رحمه الله تعالى – فهو أول من رتب هذه الأنواع هذا الترتيب الجيد وأول من خدم علوم الحديث هذه الخدمة، وكلم من جاء بعد ابن الصلاح كلهم يحومون حول كتابه، كما ذكرنا ذلك في مقدمة هذا الشرح ، فابن الصلاح جعل أنواع علوم الحديث جعلها خمسة وستون نوعا، بعض أهل العلم كالسيوطي يقول يمكن أن نوصلها إلى فوق التسعين نوعا والحافظ بن حجر يقول إنها قد تربوا على مائة نوع ولكن فيها تداخل، وفيه تكلف إذا أخذنا نعدد تلك الأنواع فلعل أشهر هذه الأنواع هي هذه الأنواع التي ذكرها ابن الصلاح - رحمه الله تعالى -
وهو خمسة وستون نوعا.
يقول: إذا أمكن أن توضح لنا بخصوص المعلقات الموجودة في صحيح البخاري وهل هي صحيحة أم لا ولماذا أوردها البخاري - رحمه الله تعالى -؟(2/89)
لعله ما حضر الدرس الذي ذكرناه عن المعلق والحقيقة السؤال طويل يحتاج منا إلى درس طويل لكني أحيله على مراجعة الحلقة التي ذكرنا فيها المعلقات أو أشرنا إليها لأننا أيضا لم نفصل ذلك التفصيل الطويل، ولكني أحلت حينما ذكرت الحديث المعلق أحلت على الكتب التي أسهمت في هذا وأطالت ومن أجودها مقدمة الحافظ بن حجر لتغليق التعليق كذلك أيضا كلامه في مقدمة فتح الباري في هدي الساري وكذلك أيضا في النكت على ابن الصلاح فالحافظ بن حجر تكلم في هذه الكتب وأطال النفس وإن شئت أن تراجع فتح المغيث للسخاوي فإنه أيضا أسهب في هذا وأطال وجزاكم الله خيرا، لعلنا الآن نواصل في الموضوع الآتي:
أسأل عن ما يقوله بعض المعاصرين عن أنهم يكادون يتوسعون في باب الجرح وحجتهم أنهم يقولون أن الجرح سواء هو راوي الحديث أو من العلماء المعاصرين أن هذا من باب الجرح والتعديل وهو من باب التشهير أو من باب الطعن في هذا العالم ما رأيك يا شيخ فيمن يتوسع في هذ المجال؟(2/90)
سؤاله مهم على الحقيقة ونحن نجد أن الساحة الإسلامية تغلوا وللأسف وأخشى ما نخشاه أن نكون مطية لأعداء الإسلام ونحن لا نشعر بل وأخشى ما نخشاه أن نلبس هذا الاستغلال لبوس الشر فأنا أذكر إخواني في الله في جميع أنحاء الأرض بضرورة تقوى الله جلا وعلا واستشعار هذا الأمر العظيم المهم جدا فأعراض الناس ليست من السهولة بمكان يأتي الإنسان يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال لكن يأتي وقد شتم هذا وتطاول على عرض هذا وأخذ مال هذا فيعطى من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه وطرح في النار كذلك هذا أيضا هذا الذي يتكلم في أعراض الناس قد يبتليه الله جل وعلا في عرضه فهو يتتبع عثرات الناس وسقطاتهم فيبتليه الله جل وعلا بمن يتتبع عثراته وذلاته وسقطاته ورأي خلق كثير ممن ابتلوا بهذا الداء وقد ابتلاهم الله جل وعلا بالانحراف فانحرفوا عن الجادة كانوا يزعمون نصرة السنة والحماس للسنة لكن أفضى بهم الأمر عن الانحراف عن جادة الاستقامة مطلقا وهذه المسائل ضبطها أهل العلم بضوابط فمن أهما التجرد للحق ألا يكون للإنسان هوى في هذه المسائل، ومن الهوى أن يكون حانقا على هذا الإنسان لغرض دنيوي ولكن يبدأ يستغل بعض الهفوات وما يثارعنه في الساحة للتشفي منه والانتقام، وهذه بلية الله سبحانه وتعالى سيحاسب عليها وربنا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.(2/91)
من الأشياء التي في هذا ما تعج به الساحة من انقسام بين المسلمين وبخاصة المشتغلين بالدعوى فهذا له منهج وهذا له منهج وهذا يبتع جماعة وهذا يبتع جماعة فيبدأ هذا يتطاول على الذي ليس من فئته وإلى الله المشتكى إذا استمر الأمر على هذه الحال فلا أدري متى يلتئم الجرح وما أدري متى يتحد الصف وما أدري متى نبقى يد واحدة على من سوانا ولنا في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة لو نظرنا لحجم الاختلاف الذي وقع بينهم لرأيناه أحيانا يصل إلى حد شديد وقد يوقع العداوة والبغضاء ولكنهم - رضي الله عنه – ضربوا أروع الأمثلة في مثل تفادي هذه الأمور وإن كان وقع بينهم ما وقع لكن ذاك له ظروفه وملابساته وبسبب الأعداء الذين دخلوا في الصف الإسلامي، فهل نريد أن تكون الليلة كالبارحة أنا أرغب بإخواني بعد أن استبان لهم الأمر أن يكونوا مطية لأعداء الإسلم الذين يدخلون في الصف ويبكون الخلاف ويحاولون أن يوقعوا بين المسلمين باستغلال بعض نقاط الخلاف نحن لاندعي أنه ليس هناك خلاف ولكن الخلاف يعالج معالجة شرعية وإذا كان هناك من أخطأ من ذلت به القدم فيجب أن يتولى هذا أهل العلم ما يأتي كل من هب ودب ويسفه حتى أهل العلم الذين لم يتابعوه في طريقته التي انتهجها والله والله أنا رأيت أطفالا صغارا ما بلغو سن الرشد يأتون في بعض أهل العلم بعض المشايخ ويدرسون عليهم ثم وإذا بهذا البلاء الفتاك يجتزبهم من هذه الحلق ويأخذونهم ويلقنونهم مثل هذه الأساليب فلان كذا وفلان كذا ويبدأ وهو طفل صغير إن قلت لكم ما بلغ سن الرشد ويبدأ يتطاول في أعراض أهل العلم بسبب أنه تلقن هذا وهذه المسألة تعود إلى أيضا نواحي تربوية فأحيانا تربية الشخص أو البيئة التي نشأ فيها لها دخل في مثل هذه الأمور، يعني ربما نشأ الإنسان في بيئة طريقتها التطاول في أعراض الناس وقلة الخوف من الله جل وعلا في مثل هذه القضايا فينشأ في هذه البيئة ويتربي في أحضانها فينتقل(2/92)
هذا الداء إلى الدعوة إلى الله والتطاول على أعراض أهل العلم.
أحيانا يكون بعضهم مريضا نفسيا وهذا معروف ورأينا أصنافا من هؤلاء الناس الواحد منهم ربما كان متزينا بزي طلبة العلم ولكنه مريض نفسي ويبدأ يتكلم ويؤثرأيضا في الآخرين ويشوش على الساحة.
فالشاهد أن هذه البلية التي سأل عنها الحقيقة تحتاج إلى طرح أول من يقع أو تقع عليه المسؤولية كبار أهل العلم يجب عليهم أن يخمدوا مثل هذه الفتن فيرسموا للناس منهجا وسطا في هذا ويقنعوا المخطأ فيقولون: أنت مخطيء ولا يجوز لك أن تتطاول على أعراض الدعاة وأعراض طلبة العلم وأعراض العلماء، هذا ليس من شأنك وليس من صفاتك ولست مؤهلاً لهذا دع السفينة لقائدها، الربان هو الذي يسيرها، فنحن نأمل من المشايخ عموماً أن يتدخلوا في مثل هذه القضايا لإخماد هذه الفتن التي استشرت بين أهل العلم وجعلت بعضهم يأكل لحوم بعض وينهش بعضهم بعضاً ونقول استغلها أعداء الإسلام شئنا أم أبينا، والله إن صفنا مدخول من هؤلاء الأعداء ويعرفون عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا فلنتقي الله في أعراض الناس وكل هذه القضايا أنا أقول إنه مفصول فيها شرعاً سواء في مناهج المحدثين وطريقتهم في قبول الجرح والتعديل أو حتى في كتب الآداب التي تطرقت في مثل هذا .
فنحن أحياناً لا نتأدب بآداب الإسلام ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يطلب العلم أن يقرأ ولذلك كتب المصطلح كلها تطرقت لآداب المحدث وطالب الحديث كما سيأتي معنا إن شاء الله عما قريب .
لماذا يذكرون هذه الآداب ؟ لأنه يجب أن يتحلى بها طالب العلم .
بل هناك كتاباً مفردة ألفت في هذا يروج لطالب العلم إذا أراد أن يطلب العلم أن يقرأ هذه الكتب قبل أن يطلب العلم، حتى يتحلى بآداب طلب العلم كتب ألفت في الأدب عموماً، مثل كتاب الأدب المفرد للبخاري رحمه الله وهو من أروع ما كتب .(2/93)
بل الكتب المجملة أفردت عنها كتب عن الآداب وما ينبغي للمسلم مع إخوانه المسلمين ككتاب البر والصلة ونحو ذلك وكتاب الأدب وهكذا ففى صحيح البخاري كتاب الأدب في صحيح مسلم كتاب الأدب والبر والصلة وهكذا .
فجميع كتب السنة تطرقت لمثل هذه القضايا واعذروني إن كنت أطلت لكن ( كلام غير مفهوم ).
وهنا قال الإمام رحمه الله ( فصل ومن المهم معرفة كنى المسمين وأسماء المكنيين ومن اسمه كنيته ومن اختلف في كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه أو إلى أمه أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدا، ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه ) .
يقول الحافظ رحمه الله في هذا التنبيه المهم إنه ينبغي لطالب العلم ما دام الكلام معنا مر في الرجال وأحوالهم ونحو ذلك فيقول أيضاً مما يلتحق بهذا أنه ينبغي لطالب العلم أن يتعرف على أحوال الراوة ومن هذه الأحوال التي ينبغي له أن يتعرف عليها أن يعرف كنى المسمين يعني إذا كان الرجل مشهوراً باسمه وله كنيه ينبغي أن تعرف كنيته والسبب حتى أنه لو وقع عندك في إسناد من الأسانيد تعرف أن هذا هو فلان، يعني إذا كان مثلاً عندنا إسناد جاء هكذا يقول عبد الرزاق، حدثنا أبو عروة قال حدثنا أبو الخطاب قال حدثنا أبو الحجاج عن ابن عباس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال كذا وكذا .(2/94)
أنا واثق أن كثير من طلبة العلم يمكن أن يمر على هذا الإسناد ويقول هذا الإسناد ضعيف لأن في سنده مجاهيل لماذا لأنه لم يعرف كنى المسمين، فشيخ عبد الرزاق أبو عروة هو معمر بن راشد نعم هو مشهور باسمه ولم يشتهر بكنيته فلذلك يهمنا جداً أن نعرف كنيته حتى لو جاءنا مكنيا وإذا بنا نعرف أن هذا هو معمر بن راشد رحمه الله، شيخه قلنا عن أبي الخطاب، أبو الخطاب هو قتادة هو مشهور باسمه، قتادة بن زعامة السدوسي فكنيته أبو الخطاب لكن لم يشتهر بكنيته إنما اشتهر بالاسم، شيخ قتادة أبو الحجاج هو مجاهد بن جابر المكي، فهو مشهور باسمه مجاهد ولم يشتهر بكنيته فإذاً من المهم جداً أن نعرف كنى المسمين.
قال ( والعكس أيضاً وأسماء المكنيين ) فبعض الرواة يكون على العكس من هذا يشتهر بكنيته ولا يشتهر باسمه مثل لو جاءنا إسناد يقول فيه شعبه حدثني عمرو بن عبد الله عن علقمة عن ابن مسعود أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال كذا وكذا .
يمكن يأتي إنسان ويقول شيخ شعبة مجهول هذا ليس مجهول بل هو إمام جبل على رأسه نار، عمرو بن عبد الله هذا هو أبو إسحاق السبيعي مشهور بكنيته وأما اسمه فقل يرد مسمى في كتب الحديث وفى الأسانيد وإنما يقال حدثنا أبو إسحاق السبيعي وهكذا فهو أيضاً مشهور بكنيته ولم يشتهر باسمه فهو على العكس من سابقه .
قال ( ومن اسمه كنيته ) نعم هناك بعض الرواة الذين ليس لهم أسماء وإنما أسماؤهم كناهم مثل أبي سلمة بن عبد الرحمن هو من المشاهير الذين يرون عن أبي هريرة وعن عائشة وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين – أبو سلمة بن عبد الرحمن ليس له اسم اسمه هو كنيته هكذا .(2/95)
قال ( ومن اختلف في كنيته ) الذين اختلف في كنيتهم هؤلاء كثر ولعل من الأمثلة التي مثلنا بها سابقاً في مبحث التدليس ومبحث العلة ذاك الحديث الذي قلنا إن بقية بن الوليد دلسه فقال حدثنا أبو وهب الأسدي وهو عبيد الله بن عمر الرقي، هذا الرجل كناه بقية بن الوليد بهذه الكنية أبو وهب ونسبه هذه النسبة ليدلسه حتى لا يعرفه من يقف عليه والسبب أنه يعرف بكنيه غير هذه الكنية، ولذلك من المهم جداً التعرف على كنى الراوي إذا تعددت كناه، ومما يلحتق بهذا معرفة أبناء الراوي لأنه قد يكنى بابن لم يشتهر بكنيته ولكن إذا تعرفنا على أولاد الراوي فإننا نستيطع أن نتوقع ذلك حينما يأتينا مثل هذا الإسناد بهذه الصفة التي كشفها أبو حاتم الرازي رحمه الله، قال ومن كثرت كناه ونعوته، كذلك أيضاً هو ملتحق لسابقه لأن الراوي قد يختلف في كنيته فيقال هو أبو فلان ويقال أبو فلان يعني إذاً هناك اختلاف في كنيته، لكن في بعض الأحيان يكون للراوي أكثر من كنية يقال له فلان ويقال له فلان .
ضرب الحافظ بن حجر بابن جريج قال له كنية أبو الوليد وأبو خالد، إذاً من المهم أن نعرف كنى ابن جريج حتى لو جاءنا راوي وقال حدثنا أبو الوليد وهو المشتهر بأبي خالد نعرف أنه ابن جريج أو العكس كذلك .
قال ( ومن المهم أيضاً معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس ) لأن هذا مما يحصل فيه الالتباس فضرب الحافظ مثالاً على هذا بأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني، إبراهيم بن إسحاق وكنيته أبو إسحاق فربما جاءنا في إسناد من الأسانيد هكذا، حدثنا أبو إسحاق يكون معروفاً بهذه الكنية لكن إذا جاءنا في إسناد من الأسانيد حدثنا ابن إسحاق ربما يعني لا نعرف أنه هو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني كذلك العكس إذا كان يشتهر بإبراهيم إسحاق ولا نعرف كنيته على وجه الحقيقة فإنه يمكن أن يقال حدثنا أبو إسحاق فنظن أن هذا متصحفاً عن ابن إسحاق أو العكس .(2/96)
فعلى كل حال من وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس هذا مهم جداً من عكسه إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي هذا اسمه وافق كنيه أبيه أما الأول فكنيته وافقت اسم أبيه كل هذا مهم أو تهم معرفته حتى لا يحصل هذا اللبس في الأسانيد فيما لو جاءنا فنظن أن هناك خطأًَ في الإسناد أو نحو ذلك .
قال ( أو كنيته كنية زوجته ) يعني من المهم جداً أن نعرف من توافق كنيته كنية زوجته وهذا موجود مثال ذلك أبو أيوب الأنصار، - رضي الله عنه – زوجته أم أيوب وهي التي روت عنه حديث فضل قراءة قل هو الله أحد الذي سبق أن أشرت إليه مرة ماضية وقلت أنه أطول إسناد وجد في الدنيا لأن هناك ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض فمن جملة ذلك أن أم أيوب هي التي تروي هذا الحديث عن أبي أيوب في أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن .
كذلك أبو الدرداء وأم الدرداء، هذا موجود في الكتب فأم الدرداء هو زوجة أبي الدرداء - رضي الله عنهم أجمعين - .
يقول الحافظ في ذكر الأشياء المهمة أو ما ينبغي لطالب العلم معرفته قال ( ومن نسب إلى غير أبيه أو إلى أمه ) نعم هناك بعض الرواة قد ينسبون إلى غير آبائهم يضربون على ذلك مثالاً بالمقداد بن الأسود قالوا الأسود ليس أباه ولكنه نسب إليه هكذا إما بسبب أنه تبناه أو نحو ذلك ، إذاً ما اسم أبيه؟ قالوا اسم أبيه عمرو فهو الأسود بن عمر وهو اسمه المقداد ، فربما جاءنا في بعض الأسانيد المقداد بن الأسود وربما جاءنا في بعض الأسانيد المقداد بن عمر فربما ظننا أنهما اثنان وأنهما في الحقيقة واحد .
فإذا عرفنا هذا فلا يلتبس علينا مثل هذا الأمر كذلك أيضاًَ من المهم جداًَ معرفة من ينسب إلى أمه هناك بعض الرواة ينسبون إلى أمهاتهم أو إلى جداتهم وهكذا .(2/97)
فعندنا أحد الأئمة المعروفين وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي يعرف بابن علية قالوا علية هي أمه واشتهر بابن علية أكثر ما يقع في الأسانيد حدثنا بن علية قل أن تجد إسناداً يقال فيه حدثتا إسحاق بن إبراهيم يوجد ولكنه قليل إذا ما قورن بنسبته إلى أمه لكن ابن علية ما كان يرضى عن هذا قالوا إنه كان يقول من قال لي ابن علية فقد اغتابني، لكن المشكلة أننا نتعامل مع واضع فالأسانيد هكذا يأتي فيها فإذا لا يكون هذا من باب الغيبة بل هذا مما يغتفر لأنه لابد من التعامل مع هذه الأسانيد بهذه الصفات عاصم بن أبي النجود كثيراً من الأحيان يقال عاصم بن بهدلة قالوا بهدلة هي جدته أو نحو ذلك وإنما نسبته هكذا عاصم بن أبي النجود.
يقول الحافظ من المهم جداً معرفة من يمكن أن ينسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم مثل على ذلك بالحذاء يقول إننا فى بعض الاحيان نجد بعض الرواة الذين ينسبون نسبة ليست حقيقية مثل خالد بن مهران الحذاء، خالد بن مهران الحذاء، ربما لو حاولنا أن نتعرف على سبب هذه النسبة ما سببها نظن أنه حذاء يعني أنه يصنع الأحذية، قالوا لا وإنما كان هو يجلس عند الحذائين فبسبب كثرة جلوسه عندهم نسب إلى الحذاء هذا قول قيل في نسبه خالد بن مهران الحذاء.
هناك من قال لا لم يكن هكذا وإنما كان يقول احذوا كذا احذوا كذا يعني اتبع الطريق الفلاني فبسبب كثرة مقولته قيل له خالد الحذاء لأنه يكثر من قوله احذوا كذا احذوا كذا .
المهم أن الحافظ يقول لابد أن نعرف هذه النسب وهذه الأسماء التي يسبق إلى الفهم غير معناها الحقيقي مثل أننا يسبق إلى أفهامنا أن الحذاء نسبة إلى صنع الأحذية، وهو ليس كذلك .
كذلك من الأشياء المهمة جداً معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده لأنه ربما وقع لنا هذا في بعض الأسانيد فنظن أن في هذا تصحيفاً وهو التكرار نظن أنه كرر اسم هذا الراوي .(2/98)
قالوا ما مثال ذلك الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – فعلى له ابن يقال له الحسن وهذا معروف صحابي جليل الحسن له ابن يقال له الحسن والحسن هذا أيضاً له ابن يقال له الحسن فإذا جاءنا في إسناد الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي لا نظن أن في هذا خطأً ولكن هكذا وقه في هذا الإسناد .
قال ( ومن المهم جداً معرفة من وافق اسمه اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدا وهكذا ) يمثلون على هذا بإسناد وجد فيه حدثنا عمران عن عمران عن عمران فربما يظن بعض الناس أن في هذا تصحيفاً لا هو ليس تصحيف ولكن عمران الأول هو معروف بعمران القصير، أحد الرواة عمران الثاني هو عمران ابن ملحان معروف بكنيته أو مشهور بكنيته وكنيته أبو رجاء العطاردي، فهو عمران بن ملحان .
عمران الثالث هو الصحابي الجليل عمران بن حصين .
فربما وقع في بعض الأسانيد هكذا عمران القصير يروي عن عمران بن ملحان وهو أبو رجاء العطاردي وأبو رجاء يروي عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - .
من أمثلة ذلك أيضاً، سليمان عن سليمان عن سليمان، يقولون سليمان الأول هو سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني صاحب المعجم والإمام المشهور شيخه سليمان هو سليمان بن أحمد الواسطي وشيخ الشيخ سليمان هو سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت شرحبيل .
فهذا الإسناد يقع كثيراً أيضاً من الأشياء المهمة كما يقول الحافظ معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه يكون اسم التلميذ والشيخ سيان يمثلون على هذا بهشام عن يحي عن هشام .(2/99)
هشام الأول هو هشام الدستوائي إمام مشهور معروف شيخه يحي هو يحي بن أبي كثير شيخ يحي هشام هو هشام بن عروة ابن الزبير وهو من الأئمة المعروفين هذا يمكن أن يكون الأمر والخطب فيه سهلاً لكن في بعض الأحيان يكون اللبس أشد مثل ما لو جاءنا في إسناد حدثنا بن أبي ليلى عن الحكم عن ابن أبي ليلى، فربما ظننا أن في هذا خطأً لأن ابن أبي ليلى تكرر فهو ليس خطأً ابن أبى ليلى الأول هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي يروي عن الحكم بن عتيبة والحكم يروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى والد محمد تلميذه فهذا ليس خطأ .
فمن الضروري جداً معرفة الأسماء التي تتفق بهذه الصفة حتى نميز هذا من ذاك .
السؤال الأول ما الفرق بين المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف ؟
السؤال الثاني عرف الطبقة وما فائدة معرفتها ؟
السؤال الثالث كم مراتب الجرح والتعديل ؟
السؤال الرابع من الذي يقبل قوله في الجرح والتعديل ؟
تكفي هذه الأربعة إن شاء الله في هذا .
يسأل يقول نريد أن تبين لنا أسباب اختلاف علماء الحديث في الحكم على بعض الأحاديث من حيث الصحة أو الضعف وما علاقة ذلك ممن يقبل قوله في الحكم على الرواة ؟
الحقيقة أن من أهم ما يوقع الخلاف بين أئمة الحديث في الحكم على الحديث أحكامهم على الرواة فربما رأى الواحد منهم أن هذا الراوي لا يحتج به، فيضعف حديثه والآخر يرى أنه يحتج به فيقبل حديثه هذه أحد الأسباب من الأسباب أن بعضهم يرى أن العلة التي في هذا الحديث علة قادحة وتمنع من قبوله والآخر يرى أنها لا تقدح وهذا يقع حتى بين البخاري ومسلم نفسيهما .
فنجد أحاديث يخرجها البخاري ويعرض عنها مسلم والعكس كذلك أحاديث يخرجها مسلم ويعرض عنها البخاري، والسبب أن البخاري مثلاً يرى هذا الحديث معلول فيترك ذكره .
ومسلم يرى أن ذاك الحديث معلول فيترك ذكره فهذا الاختلاف أن هذه العلة التى في الأحاديث بعضهم يرى أنها تؤثر وبعضهم يرى أنها لا تؤثر .(2/100)
يقول هل التحذير من بعض البدع العقدية التي يقع فيها بعض العلماء يدخل ضمن التعرض لأعراض العلماء ؟
إذا كان هناك عالم، الحقيقة إن المسألة أنا قلت أنها شائكة ولذلك ينبغي أن يتولى هذا أهل العلم لأنهم هم الذين يستطيعون أن يفصلوا في هذه القضايا يعني أهل العلم مثل القضاة لا يمكن أن يأتي إنسان من الشارع ويفصل بين اثنين متخاصمين لأنه يفتقد الأسس التي يبني عليها حكمه فلابد أن يكون مؤهلاً لإصدار الحكم كذلك أيضاً مثل هذه الأمور الشائكة لا يجوز أن يتولاها صغار طلبة العلم والسفهاء، يتولاها أهل العلم فإذا كان هناك إنسان التبس في أمره هل يحكم عليه ببدعة أو لا يحكم عليه ببدعة، هل يقبل قوله أو لا يقبل قوله أو نحو ذلك ينبغي أن يسأل أهل العلم يقال لهم ما رأيكم في فلان نأخذ منه أو لا نأخذ منه هل هو مبتدع أو غير مبتدع فأهل العلم هم الذين يفصلون في هذه القضايا والرجل الذي بهذه المثابة ينظر إليه أهل العلم عدة نظرات من أهم هذه النظرات، هل هو صادق في تدينه أو لا ؟(2/101)
وهذه المسألة سبق أن فصلنا فيها في حكم رواية المبتدع وقلنا المعول عليه الصدق فإذا كان صادقاً وبدعته ناشئة من اجتهاد فإنهم يأخذون عنه العلم ولا يتابعونه في بدعته ويحذرون من تلك البدعة ولكن لا يؤثر هذا في الحكم على الراوي ولا يقال إنه مجروح وتترك روايته، هذا منهج أهل الحديث وضربت على هذا أمثلة وقلت مثل قتادة بن زعامة السدوسي معروف أنه ممن قال بالقدر ومع ذلك ما ترك الأئمة روايته بل متحج به بإجماعهم كلهم وغيره وغيره أمثلة ضربناها في ذلك الباب فينظر لهذا العالم إن كان عالماً معتبراً نفع الله به الأمة وخيره كثير ووقعت منه الهفوة والهفوتان والذلتان ونحو ذلك فمثل هذه الأمور ننبه عليها نعم لا نجامله في دين الله لابد من التنبيه على الأخطاء بإذن الله - جلّ جلاله – يجب أن يصان لا على حساب الناس، فنبين الأخطاء لكن بيان الأخطاء بميزان دقيق يعرفه أهل العلم وذلك نعرف كيف نتعامل مع الشخص الذي صدر منه هذا الخطأ فنقول هذ صدرت منه هذه الذلة ونسأل الله أن يغفر له ذلته ولكن لا يتابع في ذلته، وفى هذا كلام طويل الحقيقة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ، ففي هذه الليلة سيكون بإذن الله تعالي ختام هذا الكتاب المبارك إن شاء الله تعالي وهو نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر للحافظ بن حجر العسقلاني لأننا بإذن الله في هذه الليلة سنأتي إن شاء الله تعالي على بقية الموضوعات التي ذكرها الحافظ وسيكون إن شاء الله الأسبوع القادم مراجعة وذكر بعض الأمثلة التي وعدتكم بها وأرجو أن ييسر الله ذلك .
الحافظ رحمه الله ختم كتابه هذا بهذه الخاتمة التي ذكر فيها هذا السرد لهذه الأنواع الموجودة التي لم يقل فيها ولم يسهل في ذكر أمثلتها كما سيتبين لنا إن شاء الله تعالي من خاتمة هذا الكتاب وكنا وقفنا البارحة على موضوع الأسماء المجردة والمفردة والذي سنبتدأ به بإذن الله تعالي بعد القراءة فليتفضل الأخ بالقراءة.(2/102)
(ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة، والكنى، والألقاب، والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان: بلادا، أو ضياعا، أو سككا، أو مجاورة، وإلى الصنائع والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء وقد تقع ألقابا.
ومعرفة أسباب ذلك ومعرفة الموالى من أعلى إلى أسفل، بالرق، أو بالحلف، ومعرفة الإخوة والأخوات.)
الحافظ بن حجر رحمه الله كان نبه على بعض الأمور التي ينبغي لطالب العلم الحديث معرفتها فذكر قبل ذلك من المهم على طالب علم الحديث معرفة طبقات الرواة وألفاظ الجرح والتعديل إلي آخر ما هنالك حتى قال ومعرفة أيضا من المهم عليه أو مما يهم معرفة الأسماء المجردة والمفردة .
لشك أن هاتين الفظتين المجردة والمفردة تحتاج منا إلي تعريف .
فالمقصود بالأسماء المجردة : أي التي لا يخالطها كنى ولا ألقاب ، هذا هو الاسم المجرد يعني مثل ما لو قلنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ونحو ذلك فلم يكنى ولم يلقب هذا الراوي .
والمقصود بالأسماء المفردة : أي التي لا يشترك مع صاحبها أحد في هذا الاسم .
الأسماء المجردة هي الغالب معظم الرواة جدا كلهم أصحاب أسماء مجردة ، وهؤلاء الرواة بحكم أنهم هم الكثرة فنجد أن المصنفات التي ألفت في الرجال اهتمت بهؤلاء الرواة لكن نصب ترتيب معين ، فهذه المصنفات بعضها يرتب الرواة على حسب الطبقات التي أشرنا إليها الليلة البارحة والتي قبلها ولا تعنى هذه المصنفات برواة معينين وإنما تجمع كل رواة الحديث الذين وردوا في الأسانيد مثل كتاب الطبقات لابن سعد فكتاب الطبقات لابن سعد لم يعنى لا بثقات ولا بضعفاء ولا برجال كتب مخصوصين ولا بشيء من ذلك وإما جمع ما استطاع من الرواة وتكلم عنهم بحسب استطاعته جرحا وتعديلا ورتب هؤلاء الرواة على الطبقات التي سبق أن أشرنا إليها .(2/103)
هناك بعض المصنفين جمعوا هؤلاء الرواة جمعا مشهدا ورتبوهم على الحروف لكن من غير دقة كما صنع الحافظ البخاري رحمه الله في التاريخ الكبير وعبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل فالبخاري رحمه الله جمع جميع الرواة الذين وقعوا له في أسانيد الأحاديث المروية ورتبهم على الحروف لكن اعتنى بالحرف الأول فقط وما بعد الحرف الأول فإنه يراعي فيه الشهرة ويراعي فيه الأفضلية ويراعي فيه أيضا الطبقة ، فعلى سبيل المثال نجد أنه رحمه الله ابتدأ بما اسمه محمد لأن شرف هذا الاسم لشرف نبينا صلى الله عليه وسلم ، ثم بعد ذلك رتبهم على الحروف ، ويعنى بالحرف الأول ففي حرف الألف مثلا يقدم من اسمه أحمد ثم إبراهيم وهكذا ثم نجد بعد ذلك يأتي من اسمه أبي وبحسب الترتيب الأبجدي ينبغي أن يقدم من أسمه أبي على من أسمه أحمد وهكذا لكن راعى الأفضلية .
كذلك في حرف العين على سبيل المثال العين بعدها باء فإنه يقدم من أسمه عبد الله على من أسمه عبد الأعلى وعبد الرحمن وعبد الحميد وهكذا ، والسبب شهرة هذا الاسم وأفضليته أيضا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أحب الأسماء إلي الله عبد الله وعبد الرحمن .
فإذن الحافظ البخاري يرتب بحسب الحرف الأول ولا يراعى ما بعد ذلك فإذا اتحد الاسم كعبد الله مثلا وهناك العشرات من الرواة ممن اسمه عبد الله نجد أنه يرتب هؤلاء بحسب الطبقات فيقدم من اسمه عبد الله من الصحابة ثم من التابعين وهكذا .(2/104)
فريبنه سميعه عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل وفي الكلام على هذين الكتابين عقول لا تستوعبه هذه أو هذا لا يستوعب هذا المختصر ، هناك من المصنفين من أخذ هؤلاء الرواة وقسمهم إلي قسمين مثل ما صنع بن حبان رحمه الله فقسم جعله في كتاب سماهم ثقات ، وأشرنا إلي هذا ليلة البارحة حينما قلنا إن هناك خلافا هل قصد بن حبان من جميع من أوردهم في هذا الكتاب أنهم ثقات محتج بهم أو له في ذلك اصطلاح خاص على ما ذكرناه سابقا .
كذلك أيضا جعل الضعفاء والمجروحين في كتاب سماه المجروحين ، فإذن بن حبان أفرد الثقات عن المجروحين جعل هؤلاء في مصنف وهؤلاء في مصنف أخر .
أشرنا أيضا في ليلة البارحة إلي كتاب الثقات للعجلي وكتاب الثقات لابن شاهين فهذه الكتب حاولت أن تفرد الثقات على حدة ولا تخلطهم بباقي الرواة وعلى وجه الخصوص الرواة المجروحين .
نجد أن بعض الكتب عنيت بجمع الرجال الذين لهم صفة أخرى وهذه الصفة تختص ببعض الكتب فجاء عبد الله بن المقدسي رحمه الله ألف كتاب الكمال في أسماء الرجال ، جعل هذا الكتاب مختصا برجال الكتب الستة أي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن بن ماجة وسنن النسائي هذه هي الكتب الستة ، جمع رجال هذه الكتب الستة في هذا الكتاب وتكلم عنهم جرحا وتعديلا ورتبهم على حروف المعجم .
جاء بعده الحافظ بن مزني فوجد أن كتاب عبد الله بن المقدسي يحتاج إلي تهذيب ، يحتاج إلي اختصار ويحتاج إلي إضافة فألف كتاب تهذيب الكمال وهو من أروع ما صنف في هذا الباب ولا يزال الكتاب يتجدد بين فينة وأخرى .
إذن هذا الكتاب عطف على الكتاب السابق وهو عبد الغني المقدسي ، جاء بعد ذلك الحافظ بن حجر فألف كتابه تهذيب التهذيب واختصر فيه كتاب وأضاف إليه بعض عبارات الجرح والتعديل التي لم يذكره .(2/105)
هناك كتب أخرى كلها ملتحقة بكتاب عبد الغني المقدسي وبكتاب الحافظ المزني ككتاب الإكمال وهو قبل الحافظ بن حجر كذلك كتاب تهذيب الكمال للذهبي رحمه الله ، كذلك كتاب الكاشف للذهبي وهو مختصر لهذه الكتب يحاول أن يحكم على الرواة الأعم الأغلب ، الحافظ بن حجر ألف كتابه تقريب التهذيب الذي اختصر فيه التهذيب ويعنى بالحكم على الراوي وهذه الكتب تحتاج في وصفها إلي طول ل تستوعبه هذا المختصر .
فهذا بالنسبة للكتب التي ألفت كما يقال في الأسماء المجردة ، من ذلك أيضا كتب اختصت بكتب معينة أضيق دائرة من سابقتها مثل كتاب رجال البخاري لكلبابي ورجال مسلم ، الكلبابي أفرد رجال البخاري بالتصنيف وتكلم عنهم وترجم لهم كذلك بن صنع كما صنع الكلبابي بالنسبة لرجال البخاري ، جاء بعد ذلك وجمع بين رجال البخاري ومسلم هذين الذين ألفاهما الكلبابي فسمى كتابه الجمع بين رجال الصحيحين .
هذا بالنسبة لرجال كتب مخصوصة وهناك رجال كتب أخرى لا نطيل بذكرها ، هذا بالنسبة للأسماء المجردة .
أما بالنسبة للأسماء المفردة ، فالمقصود بالأسماء المفردة كما قلت الأسماء التي لا تشترك مع أصحابها أحد غيرهم ، نحن نعرف حديث سهو النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والرجل الذي يقال له ذو اليدين الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلمبالسهو الذي حصل منه في هذه الصلاة ، اعتنى أهل الحديث بمعرفة هذا الرجل ما اسمه ؟ ذو اليدين صفة له لأن في يديه طولا لكن ما اسم هذا الرجل قالوا أسمه الخرباق فالخرباق هذا لم يجد أحدا سمي بالخرباق غير هذا الصحابي الجليل الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بسهوه في الصلاة .
من الأسماء التي تعد مفردة يعني لا يشترك مع أصحابها فيها أحد شكل بن حميد هذا أحد التابعين تقريبا لم يجد أحدا سمي بهذا الاسم غيره قالوا كذلك أيضا مثل سنبر على وزن جعفر هذا الاسم أيضا لم يشترك مع صاحبه غيره .(2/106)
أسماء كثيرة جعلت الحافظ أبا بكر رحمه الله يؤلف كتابا بهذا اسمه كتاب الأسماء المفردة ، في هذا الكتاب الذي صنفه أبو بكر وبذكره لهذه الأسماء هذا جعل العلماء يعنون بهذه الأسماء التي ذكرها أبو بكر هل أصاب أبو بكر بقوله إن هذه الأسماء لا يشترك مع لأصحابها أحد أو ل أبو بكر فوجدوا أن بعض الأسماء فعلا يشترك معهم أناس وفي الأعم أغلب الذي اشترك يكون بواحد أو اثنين ونحو ذلك يعني قلة ، وأبو بكر حين قال إنها مفردة بسبب فعلا أنها قلة ولكن قد يمد عنه بعض الأسماء التي لم يعرفها فتعقبه من تعقبه في هذه الأسماء لمن الأعم الأغلب في هذه الأسماء التي ذكرها أبو بكر في كتابه طبقات الأسماء المفردة نجد أن هذه الأسماء فعلا لا يشترك معهم فيها أحد ومن أمثلة ذلك من ذكرت من هذه الأسماء الثلاثة وغيرها كثير .
في كتاب التاريخ الكبير للبخاري وفي كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم أيضا أبوابا خصصت في هذه الأسماء التي لا يشترك معهم فيها أحد لكن هذه جاءت ضمنا لهذين الكتابين .
يقول الحافظ بعد ذلك ومن المهم لطالب العلم معرفة الكنى والألقاب نجد أن معظم الرواة يعرفون بكناهم بالإضافة للأسماء يعني يكون الراوي معروف باسمه وبكنيته على حد سواء لكن بعض الرواة يشتهر بكنيته دون اسمه وبعضهم يشتهر باسمه ولا تعرف كنيته مع أن له كنية ، فينبغي لطالب علم الحديث أن يعنى بهذا كله حتى لو جاءه هذا الرجل مكنيا وهو مشهورا باسمه يتنبه له أو العكس كذلك لو جاءه مسمى وهو مشهور بكنيته فإنه يعرف أن هذا الرجل هو فلان مثل ما ضربنا مثالا على ذلك بأبي إسحاق السابعي مشهور بهذه الكنية ، لو جاءنا في الإسناد عمرو بن عبد الله فإننا نعرف أنه هو أبو إسحاق السبيعي رحمه الله .(2/107)
هذه القضية عني بها العلماء عناية شديدة جدا فألفوا كتبا في هذا بسبب ما يقع في كثير من الأسانيد من الأوهام والأخفاق بسبب عدم معرفة أصحاب الكنى أو العكس فألف الإمام أحمد رحمه الله كتابا في الكنى ، وألف البخاري كتابا في الكنى طبع مع التاريخ الكبير له ، وألف مسلم بن حجاج كتابا في الكنى وألف كتابا في الكنى كذلك وأبو أحمد الحاكم وبن عبد البر وغيرهم كثير ممن ألف في الكنى ، وحينما يفرد هؤلاء الأئمة الكنى في هذا التصنيف هذا يدل على أهمية هذا الموضوع الذي أشار إليه الحافظ بن حجر بهذه الإشارة العجلى .
هذه الكنى نجد أنها إما كنى مجردة وهي الأعم الأغلب أي التي لا يختلط مع أصحابها فيها أحد وتكون في كثير من الأحيان تذكر في الأسانيد هكذا مجردة بلا اسم وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته في الإسناد لكن في الأعم الأغلب أن الراوي إذا كني في الإسناد فإنه لا يذكر اسمه مع ذلك ، لكن هناك كنى مفردة وهذه الكنى المفردة نجد أنها لا يشترك مع أصحابها أحد كما قلنا في الأسماء المفردة مثل أبي قرصافة هذه الكنية لراوي اسمه أيضا مفرد اسمه جيدرة بن خيشنة وكنيته أبو قرصافة فاسمه واسم أبيه وكنيته كلها من الأسماء المفردة الغريبة التي قل أن يشترك معه فيها أحد أو ربم يوجد معه فيها أحد ، كذلك من الكنى المفردة أبو الجلد وهذه الكنية لراوي أيضا اسمه مفرد وهو جيلان بن فروة ، فمثل هذه الكنى المفردة ينبغي لطالب العلم أن يعنى بها ولا يهملها .(2/108)
من الكنى التي تأتي في هذا كنى يمكن أن تكون تأتي في الأسانيد مختلطة مع كنى أخرى فينبغي لطالب العلم أن يضم مع معرفة الكنى معرفة الطبقات ، فعلى سبيل المثال أبو عبد الرحمن السلمي ربما جاءنا هذا الاسم ، إذا لم يمن يعرف الطبقة ربما جعلنا أبا عبد الرحمن السلمي الذي هو شيخ البيهقي هو أبا عبد الرحمن السلمي التابعي الذي يروي عن بعض الصحابة كعثمان بن عفان وغيره رضي الله تعالي عنهم أجمعين فهناك أبو عبد الرحمن السلمي تابعي وهناك أبو عبد الرحمن السلمي متأخر يعني يمكن وفاته بعد سنة أربع مائة للهجرة ، فهذا الاشتراك في الكنى لابد أن يصاحبه معرفة للطبقات وإلا يمكن أن يحصل اللبس ، ولذلك هذه الأمور التي نبه عليها الحافظ بن حجر كلها ينبغي أن يضم بعضها مع بعض .
أشار الحافظ أيضا إلي أنه من المهم لطالب العلم أن يعرف الألقاب كما أنه ينبغي له أن يعرف الكنى ينبغي له أيضا أن يعرف الألقاب .
واللقب : هو وصف للراوي يكون في بعض الأحيان مشتهرا به وملازما له بحيث أنه لو سوي لم يعرف ذلك الراوي وهذه الألقاب إما أن تأتي بلفظ الاسم إما أن تأتي بلفظ الكنية ، فربما جاءت بلفظ الاسم مثل فهد ، فهد هذا في الأعم الأغلب أنه اسم لكن عندنا راوي يقال له فهد بن عوف فهد ليس اسمه وإنما هو لقب له وإلا فاسمه الحقيقي زيد بن عوف ، كذلك هذا لقب لراوي اسمه عبد الرحمن بن وكنيته أبو نوح ، فربما جاءت الألقاب بلفظ الاسم وربما جاءت بلفظ الكنية مثل أبي تراب أبو تراب هذه الكنية للصحابي الجليل رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه لقبه بها النبي صلى الله عليه وسلم وليست هذه كنية لأن كنية علي بن أبي طالب أبو الحسن كما هو معروف (كلمة غير مفهومة) ولا أبا حسن لها ، علي رضي الله تعالي عنه لم يكن يسوئه هذا اللقب وهو أبو تراب وإنما كان يحبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقبه بهذا .(2/109)
من الألقاب التي جاءت على أنها كنى وهي في حقيقتها ألقاب أبو أبو هذا راوي من الرواة مشهور شيخ للإمام مالك واسمه عبد الله بن زكوان ليست كنيته أبا وإنما كنيته أبو عبد الرحمن يكنى بابنه عبد الرحمن وهو أحد الرواة عنه وأبو هذا لقب له رحمه الله .
هذا الموضوع أيضا من الأهمية بمكان وأهميته وفائدته تكمن في أنه حتى لا يسبق إلي الفهم ظاهر اللفظ لأننا نجد في كثير من الأحيان أن يعض الرواة يلقبون بألقاب ربما ظن الراوي أن هناك صلة بين الراوي وبين ما لقب به ، مثل معاوية بن عبد الكريم الضال هذا ليس ضالا بل هو من الثقات ولكنه لقب بالضال لأنه ضل في طريق مكة يعني تاه فسمي بالضال بهذا السبب لذلك ينبغي أن نعرف أنه لا تلازم بين اللقب وبين حال الراوي لأنه قد يلقب بلقب يستبشع وهو في الحقيقة ثقة ، شبيه به عبد الله بن محمد الضعيف هذا ليس ضعيفا ضعف رواية لا وإنما كان ضعيفا في جسمه وقيل غير ذلك من أسباب تسميته أو تلقيبه بالضعيف ، لكن في الأعم الأغلب أنه سمي بالضعيف لنحافة جسمه وضعف جسمه وإلا فهو ثقة من الثقات رحمها الله .(2/110)
فإذن هذه من فوائد معرفة الألقاب هناك فوائد أيضا تمييز الرواة حتى لا يظن الواحد اسمين وفي هذا تقع أوهام من كبار الأئمة مثل ذلك الوهم الذي وقع لعلي بن مديني الإمام المشهور وغيره أيضا من الأئمة وهموا في اسم عبد الله بن أبي صالح وعباد بن أبي صالح ، أبو صالح زكوان السمان أحد التابعين معروف بروايته عن أبي هريرة وغيره من الصحابة وله سهيلة بن أبي صالح الذي سبق أن ذكرناه في مبحث من حدث ونسي ، أيضا له من الأبناء عبد الله لكن جاء في بعض الأسانيد عباد بن أبي صالح فعلي بن مديني يقول إن أبا صالح له ثلاثة أبناء عبد الله ، وسهيل ، وعباد ، خالفه في ذلك أئمة كثر كالإمام أحمد ويحيى بن معين وأبي حاتم الرازي وقالوا أبدا ليس له إلا سهيل وعبد الله وأما عبدا فهو لقب لعبد الله فاختلط الأمر على هذا الإمام علي بن المجيد فظن صاحب اللقب رجلا أخر فجعل الواحد اثنين فإذن هذه من فوائد ومهمات معرفة الألقاب حتى لا يظن أحد أن الواحد اثنين وهكذا .
نجد أن الألقاب في بعض الأحيان تكون بلفظ الاسم كما قدمنا وتارة بلفظ الكنية كما ذكرنا وأحيانا تكون بالنسبة إلي العاهة كالأعرج أو الأعمش أو الأعمى ونحو ذلك فهذه عاهة في بعض الناس لكن تلزمه فتصبح لقبا عليه حتى تغلب عليه .
فعلى سبيل المثال سليمان بن المهران الأعمش هو مشهور بالأعمش لكنه سمي لكان اسمه غريبا فأصبح هذا اللقب لقب الأعمش له ملازما بحيث اشتهر به فأصبح اسمه غريبا .
كذلك الأعرج وهو عبد الرحمن بن يروي عن أبي هريرة أصبح هذا اللقب ملازما له كان يقول حدثنا عبد الرحمن بن أو ذكرت عبد الرحمن بن لم يعرف فإذا قلت الأعرج عرف أنه هو .(2/111)
أيضا قد يكون هذا اللقب بالنسبة إلي حرفة من الحرف كالبزاز أو نحو ذلك وربما التبس معنا الأنساب التي سيأتي الكلام عليها حينما قال الحافظ والأنساب أي ومن المهم لطالب علم الحديث معرفة الأنساب يقول وتقع إلي القبائل والأوطان بلادا وبياعا أو سككا أو مجاورة وإلي السمائع والحرف ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء وقد تقع ألقابا .
إذن من المهم لطالب علم الحديث معرفة الأنساب ، أنساب الرواة ، ومعرفة الأنساب من أهم مهماتها أو من أهم فوائدها تمييز الرواة الذين ربما اشتركوا في النسبة ، وربما كانت النسبة متشابهة خطا مع افتراقها نطقا كما سبق ذكرناه سابقا في مبحث المشتبه ، فيقول إنها تقع إلي الأوطان وهذا هو الغالب جدا مثل المديني ، المكي ، الشامي ، المصري ، البصري ، البغدادي ونحو ذلك من النسبة إلي الأوطان ، والنسبة إلي الأوطان أيضا ربما تكون دائرتها أضيق كأن يحدد البلد مثل البصري ، يعني البصرة بلد مدينة من مند العراق فحدد بلد ذلك الراوي أو رياعا يمكن أن ينسب إلي ريعة من الرياع على سبيل المثال لو قلنا الروبي نسبة إلي روبة دمشق أو سككا حتى السكك يعني التي هي الطرق الضيقة الصغيرة قد ينسب إليها الراوي مثل ما قيل في نسبة أبي حاتم الراجي الحنظلي اختلفوا في نسبته الحنظلي هل هو نسبة إلي حنظلة وهو بطن من بني تميم أو نسبة إلي سكة من السكك في بلاد الري ، بعضهم غلب هذا الجانب قال إنما نسب إلي درب حنظلة درب سكة من السكك في بلاده الري فنسب إليها أبي حاتم الرازي .
فإذن هناك خلاف في نسبته والمقصود هنا التمثيل وليس تمحيص هل نسبته إلي حنظلة الذي هو من بطن تميم أو إلي هذه السكة أو إلي هذا الدرب .(2/112)
قال أو مجاورة : أحيانا تكون النسبة بحكم المجاورة مثل ما لو قيل فلان المكي هو ليس مكيا في الأصل ولكنه جاور بمكة فنسب إلي مكة بحكم المجاورة مجاورة الحرم يعني سكن في الحرم يريد جوار بيت الله الحرام وإلا فالأصل أنه ليس من هذه البلاد .
قد ينسب الراوي بالنسبة إلي البلد إلي بلدتين يكون في بلدة كما ينتقل إلي بلدة أخرى في هذه الحال أن تذكر البلدة الأولى ثم تعطف نسبته بثم على سبيل المثال البصري ثم الشامي يعني كون يسكن بالبصرة ثم سكن الشام بعد ذلك .
قال وتقع النسبة أيضا إلي الصنائع والحرف نعم تقع النسبة أحيانا إلي ما يتميز به ذلك الراوي من صنعة أو حرفة فالصنائع مثل الخياط إذا كان هذا الراوي معروفا بالخياطة فإنه قد ينسب إلي هذه الصنعة وهي صنعة الخياطة ، لكن إذا عنى طالب علم الحديث بهذه النسبة فإنه يستطيع أن يميزها عن غيرها فالخياط أحيانا تلتبس بنسبتين أخريين مثلها ولذلك يحصل هذا اللبس في كثر من كتب الحديث لأنها كما قلت لم تكن تضبط بالشكل ول في السابق فعندنا نسبة الخياط والحناط والحباط أو الخباط فهذه النسب الثلاث تلتبس إذا لم تنطق حروف هذه الكلمة فالخياط نسبة إلي الخياطة ، الخباط نسبة إلي خبط الشجر يخبطون الشجر حتى يتساقط ورقه ويأخذونه ويعلفونه الدواب ، بعضهم يخبط هذا الشجر ويأكل هذا الورق ويبيعه وهذه هي حرفته ، الحناط بالنسبة إلي من يصنع الحنوط الذي هو للموتى ونحو ذلك فهذه النسب إلي هذه الحرف قد تلتبس في بعض الكتب إن لم تكن مضبوطة بالشكل وبالنطق .(2/113)
كذلك أيضا الحرف نجد أن بعض الناس يحترف حرفة في البيع والشراء ونحو ذلك مثل البزار والبزاز ونحو ذلك وفالبزاز هو الذي يبيع البزر وهو الألبسة ونحو ذلك ، البزار هو الذي يبيع الأشياء التي تسمي في عرفنا الحاضر العطارة هذا يقال له البزار هذه الكلمة أو هاتان النسبتان قد تلتبسان بعضهما مع بعض ، فيمكن أن يلتبس البزار والبزاز وهكذا في الكتب التي لم تضبط ولم تشكل ، ولذلك يقول الحافظ في شرحه لها ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء ، وقد تقع ألقابا نعم هذه الأنساب قد تقع ألقابا هي في الحقيقة ليست نسبة لأن الأعم الأغلب أن هذه النسب إما أن تكون إلي القبائل كما قال الحافظ بادئ ذي بدأ والقبائل هذه أمرها هو الأكثر والأشهر وعلى وجه الخصوص في القديم العرب في السابق كانت تنتسب في الأعم الأغلب إلي قبائلها القرشي ، التميمي وهكذا بالنسبة إلي القبائل ، لكن لما اختلطت الأنساب وتوسعت الفتوحات الإسلامية ودخل كثير من العجم في الإسلام التبست الأمور فأصبحت النسبة بعد ذلك وعلى وجه الخصوص بعد سنة تقريبا مائتين للهجرة وما بعد ذلك وكلما انحدر الزمن كلما كثرت النسبة إلي الأوطان فنجد على سبيل المثال ، المثال الذي مثلت به سابقا الهمداني والهمداني ، الهمداني إذا جاءنا هذا في طبقة التابعين وأتباع التابعين ففي الأعم الأغلب أن النسبة إلي القبيلة ، لو جاءنا في مخطوط من المخطوطات لم يضبط بالشكل وهذا في طبقة التابعين وأسماء التابعين ففي الأعم الأغلب أن النسبة إلي القبيلة وهمدان كما قلت سابقا إنه قبيلة من قبائل اليمن ، وأبو إسحاق السبيعي همداني ينسب إلي همدان .
أما إذا جاءت هذه النسبة في الطبقات المتأخرة كطبقة أبي عبد الله الحاكم والبيهقي ونحو ذلك ففي الأعم الأغلب أنها نسبة إلي البلد بلد همدان من بلاد خرسان .(2/114)
هذه الأنساب إلي القبائل وإلي البلدان في الأعم الأغلب إن هذه الصفة التي ذكرناها لكن في كثير من في بعض الأحيان تقع النسبة لقبا مثل خالد بن مخلد لو جئنا لنعرف هذه النسبة إلي أي شيء إلي قبيلة لا ليست قبيلة أو ليس بلا قبيلة بهذه ولا ينسب أيضا إلي بلد ليس هناك بلد يقال له مثلا حتى ينسب إليها خالد بن مخلد .
يبدوا أنه نسب إلي القطط أو نحو ذلك وإن لم ما وجد من نص على هذا والحافظ أيضا لم ينص على هذا السبب لكن نص على أنه كان يكره هذه النسبة نسبة إلي القطواني فهذا يشعر بأن السبب بالقطط ونحو ذلك والعلم عند الله لا أقول هذا على سبيل الجزم لكن يبدوا أنه من هذا الباب فإذن هذه النسبة هي في حقيقتها لقب لخالد بن مخلد هذا .
يقول الحافظ ومن المهم معرفة أسباب ذلك ، ما السبب الذي جعلهم ينسبون هذا الراوي هذه النسبة ؟
مثل ما ذكرنا سابقا عن خالد خالد بن مهران الحذاء ما السبب الذي جعلوا ينسبونه إلي الحذاء حتى لا يظن أنه نسبة إلي صنع الأحذية قلنا إنه كان يجلس إلي الحذائين كثيرا فنسب هذه النسبة وقيل إنه بسبب أنه كان يقول احذوا كذا احذوا كذا يعني اتبع هذا الطريق وهذا السبيل فنسب هذه النسبة حتى لا يظن أن هذه النسبة نسبة إلي صنعة أو حرفة أو ما إلي ذلك وهي ليست له في حقيقة الأمر .
ومن المهم أيضا معرفة الموالي كل هذا ملتحق بالأنساب ، معرفة الموالي من أعلى ومن أسفل ما معني وبالرق وبالحلف .(2/115)
في كثير من الأحيان نجد في كتب الرجال يقولون فلان بن فلان أو فلان ومولاهم يعني القرشي مثلا مولاهم فهذه نسبة إلي قريش مثلا بحكم الولاء إما أنها بسبب الرق يعني كان عبدا مملوكا لقريش أو لواحد من قريش فأعتقه فأصبح ذلك القرشي مولا له أو يكون بالحلف أحيانا تكون أو يكون المولى بسبب الحلف معروف عند العرب قديما أن القبيلة كانت تحالف قبيلة أخرى قد تكون هذه القبيلة مستضعفة فتضطر إلي أن تحالف قبيلة قوية حتى يعز جانبها وحتى يهابها الأعداء وحتى لا يطمع فيها طامع .
فالحلف كان موجودا عند العرب فابالحلف أحيانا تنتقل القبيلة إلي قبيلة أخرى وهي في الحقيقة ليست من تلك القبيلة وإنما انتسبت لها من جراء الحلف أحيانا يكون بالإسلام ، ربما يسلم الشخص على يدي رجل من قبيلة فينسب إلي هذه القبيلة بسبب أنه أسلم على يدي بعض أفراد هذه القبيلة .
يقول إن الموالي تكون من أعلى ومن أسفل لنعرف ما المقصود بأعلى وأسفل من جراء هذا المثال عندنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالي عنهما له مولا يقال له نافع وهو من أشهر الرواة عنه فعبد الله بن عمر مولا لنافع ونافع مولا لابن عمر فعبد الله بن عمر مولى نافع يعني سيد نافع فهذا هو المقصود بمولى من أعلى ونافع هو مولى لابن عمر يعني خادم لابن عمر كان رقيقا لعبد الله بن عمر فهذا المقصود بالمولى من أسفل هذا مقصود من أعلى ومن أسفل .(2/116)
يقول الحافظ ومن المهم أيضا معرفة الأخوة والأخوات لأننا في بعض الأحيان نجد في بعض الأسانيد ينسب الراوي إلي أخيه أو أخته أو إلي نحو ذلك ولا نعرف اسمه فمن المهم أن يعرف هذا الراوي حينما ينسب لأخيه أو لأخته أو ربما لأبيه أو لعمه أو لجده أو لخاله ونحو ذلك حتى نعرف من هو هذا الراوي ، فإذا نسب مثلا قيل أخو سفيان بن عيينة نعرف أنه مثلا عمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة نسب لأخيه سفيان وهكذا فمن المهم جدا معرفة من ينسب إلي أخيه أو إلي أخته ويلتحق بذلك أيضا كما قلت نسبة إلي عمه وخاله وجده وهكذا فهذه الأنساب وما في معناها كلها من المهم جدا لطالب علم الحديث معرفتها ونبدأ الآن في موضوع جديد لكن أتيح الفرصة إن كان هناك أي سؤال يتعلق بما تقدم وأرجو أن يختصر السؤال على المهم حتى يكون عندنا وقت ننهي إن شاء الله تعالي المنهج في هذه الليلة .
سؤال :
ذكرت يا شيخ أن بعض الرواة وصف بوصف مثل الضال والضعيف ذكرتم علاقة بين الوصف وبين الراوي لكن يا شيخ هل يوجد أشخاص يوصفون بهذا الوصف يعني يوجد بعض العلماء والمشايخ يفرد بعض الرواة بالضعيف حتى يخبر من يقرأ اسمه أنه ضعيف في الرواية وإذا كان هذا موجودا فكيف نفرق بين الضعيف الضعف في الحديث وفي الرواية ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
أنه ليس موجودا يعني بأن أحد الأئمة يخطأ فيصف هذا الراوي بأنه ضعيف ضعف الرواية لكن أهل الحديث ينبهون على هذا يقولون انتبه إذا جاءك هذا في الإسناد فاعرف أن هذا لقب له وليس المقصود أنه ضعيف من قبل الرواية ينبهون من لا يعرف أما هم فكانوا يميزون ويعرفون .
سؤال :
لو ابحثتمونا بالأخوة المشاهدين والمستمعين ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/117)
كل هذه الأمور التي تكلمنا عتها صنفت فيها مصنفات بعضها أشرت إليها مثل ما ألف في الكنى وبعضها نسيت ذلك لكن لا بأس من ذكره والإشارة إليه فعلي سبيل المثال ما يتعلق بالألقاب صنف عدد من الأئمة كتبا في الألقاب مثل الألقاب للشيرازي ومثل كتاب بن الجوزى فتح اللباب أو كشف النقاب عن الأسماء والألقاب في هذا لبن الجوزى رحمه الله جعله مختصا بالأسماء والألقاب والكتاب مطبوع في مجلدين .
الحافظ بن حجر صاحب هذا الكتاب له كتاب في الألقاب سماه نزهة الألباب في الألقاب والكتاب أيضا مطبوع في مجلدين هذا بالنسبة للكتب التي ألفت في الألقاب أما بالنسبة للأنساب فهناك أيضا عدد من الكتب التي ألفت في الأنساب لكن من أجودها وأحسنها كتاب الأنساب للسمعاني ، فالسمعاني برع في هذا الكتاب وأجاد وأفاد رحمه الله تعالي .
بالنسبة لما ألف في الأخوة والأخوات فيه كتاب لأبي داود السيجستاني عن الأخوة والأخوات والكتاب مطبوع ولكنه جزء صغير ولطيف .
أما بالنسبة للموالي فهذه داخلة في الأنساب يعني من نظر في كتاب الأنساب للسمعاني سيجد أنه يتحدث عن قضية يعني على سبيل المثال نافع مثلا مولى العدويين لأن عبد الله بن عمر عدوي فنسبة إلي العدوي يبدأ يفصل من الذي ينتسب هذه النسبة ويذكر الرواة الذين ينتسبون إلي هذه النسبة .
فمعرفة الموالي يدخل في الأنساب في الأعم والأغلب .
سؤال :
هل إذا قلنا الأعمش وما شابهه يدخل في باب الغيبة والنميمة المذمومة ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/118)
صحيح هذا ليلة البارحة جاءنا سؤال عن هذا وقلنا إن مثل هذه الأوصاف التي قد لا يحبها صاحبها كالأعمش والأعمى والأعرج والضعيف والضال ونحو ذلك هذه بحكم أنها اشتهر بها أصحابها وأحيانا تأتينا في الأسانيد ولا نستطيع أن نغير الأسانيد لابد لنا من معرفتين لكن في عصرهم لو أنهم تجنبوا هذا الذي إذا كان الراوي يكرهه لكان أولى أما وقد وجد فنحن سواء التعامل مع واقع لابد منه فلذلك ذكرنا لها لا على سبيل تعيير أصحابها لأننا لا ننتقص الأعمش على سبيل المثال ولكن أصبح هذا وصفا له واسما له يعرف به فهذا تحول من كونه شيء يمكن أن يكرهه الراوي إلي شيئا أصبح وصفا لذلك الراوي مع البعد عن تعييره به .
(ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وصفة كتابة الحديث وعرضه، وسماعه، وإسماعه، والرحلة فيه، وتصنيفه، إما على المسانيد، أو الأبواب، أو العلل، أو الأطراف.)
هذا مبحث مهم وأشرت إليه أيضا ليلة البارحة وقلت أنه سيأتي معنا وذلك أن جميع كتب علوم الحديث عنيت بمعرفة آداب المحدث وطالب الحديث ، يعني الآداب التي ينبغي للشيخ والتلميذ أن يتحليا بها ، هناك أشياء مشتركة بين الشيخ والتلميذ من جملتها ومن أهمها الإخلاص للطرفين كليهما فالإخلاص إخلاص النية لله جل وعلا في طلب العلم وفي تبليغ العلم أيضا هذه من أهم المهمات والإخلاص نعرف أنه أحد شرطي قبول العمل ولا يقبل الله جل وعلا عملا يشرك معه فيه غيره وطلب العلم من أعلى المقامات وكثير من أهل العلم نبهوا على أنه أفضل من الصيام والصلاة النفل المقصود به صيام وصلاة النفل فلو خير الإنسان بين أن يكون يتهجد الليل أو يطلب العلم أيهما أفضل يقولون له طلب العلم أفضل من قيام الليل لأن العلم نفعه متعدي إلي غيره وأما مثل هذه العبادات مع كونها فاضلة ومرغبا فيها إلا أنها نفعها مقتصر ومختص بصاحبها .(2/119)
فإذن من أهم المهمات إخلاص النية وكان ممكن أن نتحدث في هذا طويلا لكن أخشى الوقت يذهب بنا .
قالوا أيضا مما يلتحق بهذا التطهر عن الأغراض الدنيوية : كأخذ الأجرة أو إرادة الإنسان بعمله الدنيا كأن يريد بطلبه للعلم منصبا أو شهرة أو يفتخر على الأقران أو نحو ذلك من الأغراض الدنيئة كل هذا مما يلتحق بالخلل في هذا المقصد الأساس وهو إخلاص النية لله جل وعلا .
أيضا من الأشياء المشتركة بين الشيخ والتلميذ حسن الخلق : ينبغي لطالب علم الحديث أن يكون حسن الأخلاق ، رحب الصدر ، فلق الجبين ، متوددا إلي الناس ، متحببا إليهم ، يتعرف على أحوالهم ، يسعى في نشر العلم في أوساطهم رغبة في الأجر والثواب من قل نفسه ورغبة أيضا في إصلاح الناس ونشر هذا العلم في أوساطهم لأنه من الدعوة إلي الله ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? [فصلت:33](2/120)
لكن هناك بعض الأشياء التي تختص بالشيخ والبعض الأشياء التي تختص بالتلميذ قالوا من الأشياء التي تختص بالشيخ مثلا يبدأ بالتحديث وتبليغ العلم بعضهم اشترط من ذلك سنا معينا وهي اجتهادات صدرت من بعض أهل العلم لكن لا أساس لها ولا دليل لها ، بعضهم قال ينبغي ألا يحدث قبل سن الخمسين وبعضهم قال الأربعين لأنها مبلغ الأشد ?حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ?[الاحقاف: من الآية15] لكن كل هذا لا معول عليه ، وإنما ينبغي أن يكون هذا مضبوطا بأشياء من هذه الأشياء أن يكون متهيأ يعني حصل من العلم ما يمكن معه أن يبلغ هذا العلم ، كذلك أيضا أن يكون محتاجا إليه ، إذا احتيج إلي ما معه من العلم فنعم ، لكن إذا كان هناك من هو أولى منه كأن يكون في بلد فيها بعض كبار أهل العلم شيوخ له فهو مستغنى عن علمه ، إن فنيت هذه الطبقة واحتيج إلي علمه فلا بأس أن يحدث ، لو لم يحتاج إليه إلا بعد أن بلغ سن الخمسين أو نحو ذلك فهو لم يتقيد بالسن التي قالها أو اجتهد فيها بعض أهل العلم ولكن تقيد بأمر آخر وهو أنه لم يحتج إلي علمه وهكذا .
ذكروا بعض الأشياء الزائدة مثل ضرورة أن يكون متطهرا لمجلس العلم هذا أنا لا أجد دليلا على ذلك وإن كان قد يكون هذا مرتبطا ببعض الأمور كأن يكون الغالب في مجالس العلم أن تكون في بيوت الله في المساجد لاشك أنه لا يحصل به أن يأتي إلي المسجد وهو غير متطهر لأن ذلك يعني سيجلس في المسجد دون أن يصلي ركعتي أو تحية المسجد ، فإذن الطهارة تأتي بالتبع يعني القصد أن لا يجلس في المسجد بدون أن يصلي هذه التحية والتحية لابد لها من طهارة .(2/121)
قالوا ينبغي له أيضا أن لا يحدث وهو متعجل أو في الطريق أو نحو ذلك لأن هذه الأمور تدل على عدم الأناة وعلى العجلة ، وينبغي لحامل علم الحديث أن يكون متحليا بمكارم الأخلاق متحليا بالأناة والحكمة موقرا لهذا العلم ما يبذله إلي كل من هب ودب بل ينبغي أن يكون للعلم شيء من الهيبة و عليه صبغة الاحترام والتقدير ، أما أن يكون بهذه الصفة في الشارع في الطرقات متعجلا إلي غير ذلك بهذا العلم قالوا هذه أشياء لا تليق بطالب علم الحديث .
نبهوا على أشياء مثل الإمساك عن التحديث هل ينبغي له إذا وصل إلي سن معين أن يمسك عن التحديث ؟
هذه مسألة مهمة أيضا ، بعضهم قال نعم إذا وصل إلي السبعين ينبغي له أن يمسك لماذا ؟ قالوا لأنه في الأعم الأغلب أن من يصل إلي هذا السن تضعف حافظته فربما حدث بشيء فيه خلط وتختلط عليه الأحاديث وهكذا ، لكن بعض أهل العلم نزل هذا القول وأعرضه وقال أبدا بل كلما تقدمت به السن ربما احتيج إليه أكثر وهذا أمر معروف ن لكن إن كان وجد من نفسه ضعفا في الحافظة وخوفا من اختلاط حديثه فنعم هنا ينبغي له أن يمسك عن التحديث ، أما مادام يرى من نفسه أنه صحيح الذهن جيد الطريحة فهنا لا ينبغي له أن يمسك ، بل إن يعض الأئمة كالإمام مالك لما ذكر له مثل هذا الأمر وأنه يخشى على المحدث من الخرف يعني إذا كبرت سنه قال إنما يخرف الكذابون وهذا اجتهاد من الإمام مالك رحمه الله وإلا فإن الخرف قد يتطرق إلي بعض الناس الثقات ، وسبق أن تكلمنا عن هذا وقلنا أن الاختلاط آفة تحدث في عقل الإنسان وفساد في عقله إما بسبب حادث من الحوادث أو بسبب كبر السن .
بالنسبة للطالب :(2/122)
الحقيقة فيه أشياء كان ينبغي أن نتحدث فيها لكن أخشى أن يداهمنا الوقت ونحن نريد أن ننتهي فابالنسبة للطالب فيه آداب ينبغي أيضا أن نركز عليها من أهمها أن لا يمنعه الحياء والكبر لطلب العلم ولذلك قالوا لا ينال العلم مستحى ولا مستكبر وهذا أثر علقه البخاري رحمه الله في صحيحه عن مجاهد رحمه الله وهو قول يعد من الحكم التي ينبغي أن يعنى بها ففعلا لا ينال العلم مستحى ولا مستكبر .
كذلك أيضا مما ينبغي لطالب علم الحديث أن يتحلى به العمل بما علم لأن هذا مدعاة إلي حفظ ذلك العلم .
أيضا من الأشياء التي جربت أن كثيرا ممن تفقه وأصبح يعول على أقوال في الفقه وأصبحت لهم إمامة ما حصل لهم هذا إلا بسبب حرصهم على العمل فجاء من الفقه تلقائيا ولذلك نجد أن كثيرا من طلبة العلم إذا سألته سؤالا في الأشياء العملية التي تعتري حياة الناس يكون الجواب حاضرا وتكون أدلته حاضرة لكن لو سألته في مسألة لم يجري عليها العمل كما في عصرنا الحاضر عن بعض الأشياء التي تتعلق بالرق مثلا ربما كان قرأها وفقيهها في فترة ما ولكن نسي بعض هذه المباحث بحكم ماذا ؟ بحكم أنها ليست عملية ليست معمولا بها في عصرنا الحاضر إذن العمل بما علمه الإنسان هذا مدعاة لفقهه وانتفاع الناس به فيما بعد ذلك .
ذكروا أشياء زائدة في ما يتعلق بكتابة الحديث وضبطه ونحو هذا فلعله يأتي معنا إن شاء الله تعالي .
قال بعد ذلك مما ينبغي أيضا لطالب العلم معرفته سن التحمل والأداء يعني متي ينبغي للراوي أن يتحمل أو ما السن المعتبرة في التحمل وما السن المعتبر في الأداء هذه المسألة سبق أن أشرنا إليها حين ما تكلمنا عن الحديث الصحيح ولكن لا بأس الإشارة إليها أيضا ها هنا .
هذا الأمر يتطرق للصغير والكافر ونحو ذلك ، فالصغير متي يصح تحمله ؟(2/123)
بعضهم ضبط هذا بضابط وهو سن التمييز متى ما ميز الطفل أو الصغير فإنه يصح تحمله في هذه الحال ، والتمييز عند صغار السن يختلف فبعضهم ربما يكون مميزا وهو بن أربع سنوات ، وبعضهم ربما يكون مميزا وهو بن سبع سنوات ، وبعضهم ربما لا يميز إلا بعد العشر سنوات وهكذا فالضابط في هذا التمييز ، لكن علماء الحديث في عصورنا المتأخرة بعد أن جاءت مسألة الإجازة التي سبق أن أشرنا إليها حاولوا أن يثبتوا هذا بسن معين ، فجعلوا الضابط في هذا سن الخامسة ، إذا تلقي أو حضر الصغير في مجالس التحديث وسنة خمس سنوات فما فوق أجازوا له سماعا إذا كان دون سن الخامسة يكتبون له حضورا يعني هذا يعد له حضور فمعني ذلك إجازة ضعيفة إن كتب الله جل وعلا له أن يدرك ذلك الشيخ بعد أن بلغ سن الخامسة فما فوق فإنه بعد ذلك يمكن أن يجاز بإيجازة معتبرة وإن لم يمكن فإيجازته ستكون ضعيفة في هذه الحال هذا بالنسبة لسن التحمل .
هذا الصغير إذا تحمل وهو صغير السن هل يبلغ وهو في صغر سنه ؟ قالوا لا ، لا يؤخذ منه العلم يعني هذا يعني تكلمنا الآن عن سن التحمل يمكن أن يتحمل صغيرا لكن لا يؤدي وهو صغير ، متي يؤدي ؟ قالوا بعد أن يبلغ سن الرشد وبعد الأئمة قالوا لا ، لا يؤدي إلا بعد أن يبلغ سن العشرين أو الثانية والعشرين ، بعضهم قال إلي سن الثلاثين ، فهذه الاجتهادات من بعض أهل العلم والشيء المؤكد أنه متى ما بلغ سن الرشد وأصبح معروفا بأنه ثقه فإنه هو الذي يصح من الأداء ويقبل تحديثه في هذا الحال ولا بأس أن يؤخذ العلم عنه .
أما إذا كان دون سن الرشد فلا لا يصح أداءه في هذه الحال .
شبيه به الكافر إن تحمل في حال كفره فيصح تحمله لكن لا يؤدي إلا بعد إسلامه من باب أولى أيضا الفاسق يمكن أن يتحمل في حال صدقه لكن لا تقبل روايته إلا إذا تاب وأناب إلي ربه جل وعلا .(2/124)
ذكر الحافظ هنا مبحثا آخر وهو يتعلق بصفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه واسماعه والرحلة فيه ، كتابة الحديث عند أهل الحديث له ضوابط تكلموا عن القلم كيف ينبغي أن يكون ينبغي أن يدرى وينبغي أن يتخذ من أشجار معينة ونحو ذلك .
الأحبار كيف يصنعونها كتبوا في هذا كتابا طويلا ، لو نظرنا في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي رحمه الله نجد أنه استوعب صفحات كثيرة جدا كله في هذا المبحث في مبحث كتابة الحديث لكن الذي يهم في هذا ما يتعلق بالمخطوطات والتعامل معها فنجد أننا محتاجون إلي معرفة مثل هذا المبحث للتعامل مع المخطوطات لمن لأراد أن يحقق هذه المخطوطات الحديثية ، فنجد أنه في اللحق على سبيل المثال إذا جاء وراجع كتابه ووجد أنه سقط منه بعض العبارات يعنون يعني ليست كما نصنعه الآن الواحد يكتب السقط في أي موضع لا يكون فيه ضوابط ، إن كان السقط في الجهة اليمنى من السطر فإنهم يضعون سهما يتجه لجهة اليمين ثم يكتبون اللحق من جهة اليمين وفوق اللحق يكتب صح يعني انتبه هذا اللحق صحيح ، وينبغي أن ننظر هل هذا اللحق بخط الناسخ نفسه أو بخط أخر هذه مسألة مهمة أيضا .
لماذا يجعلون السهم إلي جهة اليمين ؟ خشية من أن نجعله إلي جهة الشمال ثم بعد ذلك يأتينا سقط أخر فنجعل السهم إلي جهة اليمين لأم جهة الشمال لا تستوعب فتختلط الأسهم في هذه الحالة ، فنجعل المتقدم متأخرا والعكس كذلك ، فلذلك قالوا ينبغي أن اللحق الأول إلي جهة اليمين واللحق الثاني إلي جهة الشمال حتى لا يحصل تداخل بين اللحقين .
كذلك أيضا الكتابة والأسطر وتسطير الورق وغير ذلك لهم فيه تفننات وأشياء لذلك الحافظ يشير هنا إشارة مجملة .(2/125)
ينبغي لطالب علم الحديث أن يعرف صفة كتابة الحديث ، أما هذه الصفة على التفصيل في الحقيقة لا أستطيع أن استوعبها في هذا الاختصار ولكن إن شاء الله تعالي شواء من قبلي أو من قبل غيري حينما يكون بعد ذلك دراسة في كتب المطولات إن شاء الله تعالي يأتي تفصيل في هذا .
قال أيضا وعرضه ، يعني عرض الحديث إذا كتب طالب علم الحديث الكتاب ينبغي أن يراجعه فيعرضه إما مع شيخه أو مع زميله مثل ما نسميه بالمقابلة الآن فيصحح كتابه يصحح الأخطاء ، يصحح السقط وهكذا ، فهذا يسمي عرض الكتاب ، كذلك أيضا سماع الكتاب ينبغي أن يكون سماع الكتاب السماع من الشيخ وهو فكتابه لا ينشغل بالكتاب عن سماع الشيخ أو لا ينشغل بالحديث مع جاره عن سماع حديث الشيخ أو لا ينشغل بالنعاس عن سماع حديث الشيخ هذا من الآداب التي ينبغي أن يراعيها طالب علم الحديث وأن يعرفها .
كذلك إسماع الحديث : كيف يمكن أن يسمع الحديث ينبغي للمحدث أن يسمع الحديث وفق صفة معينة كيجلس ويتخذ مستمليا إذا كانت الحلقة متسعة المستملي يبلغ الناس الذين لا يسمعون الصوت وهكذا ، فإسماع الحديث له آداب أيضا عندهم ينبغي لطالب علم الحديث أن يعرف هذه الآداب .
كذلك الرحلة في الحديث كان أهل الحديث يمقتون من لا يرحل في طلب الحديث وإنما يقتصر على شيوخ بلده نعم قالوا ينبغي أن يعنى أول ما يعنى بشيوخ بلده فإذا فرغ من أخذ ما عندهم من العلم ينبغي أن يشام الناس أي يحاكيهم ويلتصق بهم ويرحل إلي الشيوخ لسائر أنحاء العالم الإسلامي حتى يغرف ما عندهم من العلم وأما اختصاره على شيوخ بلده وعلى الإسناد النازل كما سبق أن أشرنا إليه فقالوا هذا يدل على رداءة همة طالب العلم الذي بهذه الصفة .(2/126)
كذلك مما ينبغي لطالب علم الحديث معرفته تصنيف الحديث ، كيف كان أهل العلم يصنفونه نجد أن مصنفات الحديثية لها طابع معين فبعض هذه المصنفات ترتب على المسانيد يعني تجمع أحاديث الصحابي الواحد على حدة فأحاديث أبي بكر تجمع مع بعض ، أحاديث عمر مع بعض ، وأحاديث عثمان مع بعض ، أحاديث علي مع بعض ، وهكذا هذه الأحاديث حينما تجمع بهذه الصفة إذن ليس هناك ترتيب موضوعي بينها ، ليس هناك وحدة موضوعية تربط هذه الأحاديث وإنما تكون في الأعم الأغلب منثورة كما هو واقع كتب المسانيد كما في مسند الإمام أحمد أو مسند عبد بن حميد أو مسند بن داود أو مسند بن يعلى أو غير ذلك من المسانيد نجد أن طابعها هو هذا في الأعم الأغلب أن هذه المسانيد لا ترتب على حروف المعجم وإنما ترتب أولا على العشرة المبشرين بالجنة وربما كان بعد ذلك مراعاة لمسائل معينة فمثل النساء يجعلون النساء في أخر المسانيد ، فالنساء مثلا في المجلد السادس من مسند الإمام أحمد وهو أخر المجلدات وهكذا ، وهكذا بقية المسانيد .
بعد ذلك يراعون أحيانا البلدان ويراعون النسب فالإمام أحمد مثلا هناك عنده مسند الشاميين ، مسند المكيين وهكذا ، مسند الأنصار راعى أيضا القبيلة وهكذا ، لكن هذه المسانيد حقيقة أو هذا الترتيب للمسانيد يصعب معه العصور على الحديث ولذلك عني أهل العلم بمحاولة تقريب مسند الإمام أحمد وغيره من المسانيد إلي متناول أيدي طلبة العلم وليس هذا موضع فيه .
هناك أيضا من المصنفات الحديثية كتب ترتب على الموضوعات الفقهية كما هو الحال في الكتب الستة صحيح البخاري وغيره من الكتب فإننا نجد أن هذه الكتب رتبت على موضوعات فقهية يبدؤون مثلا بكتب العقائد كبدأ الوحي كتاب العلم الإيمان ونحو ذلك ثم بعد ذلك يأتون بالطهارة ، الصلاة ، الزكاة إلي أخر ما هنالك .
فينبغي لطالب العلم أن يتعرف على هذه المصنفات الحديثية وعلى مناهج أئمتها فيها كيف رتبوها حتى يحسن التعامل معها .(2/127)
إذا المسانيد أو الأبواب أو العلل الحقيقة ليس هناك ترتيب يسمى الترتيب على العلل لكن هناك مصنفات في العلل والمصنفات في العلل تختلف من حيث الترتيب فبعض المصنفات في العلل رتبت على الأبواب الفقهية كما هو الحال في علل بن أبي حاتم الرازي هذا مرتب على الأبواب الفقهية لكن بعض المصنفات في العلل رتبت على المسانيد كما في علل الدراقطني رتبها على المسانيد .
فإذن يحتاج طالب العلم معرفة كتب العلل ومناهج أئمتها فيها منهم من يرتب كذا ومنهم من يرتب كذا .
قال أو الأطراف : هناك كتب رتبت على الأطراف والكتب تعرف بكتب الأطراف فالمقصود بالأطراف طرف الحديث الذي يدل على باقيه ، إذن هناك من أهل العلم من يعنى بالأسانيد دون المتون ، يذكرون فقط من المتن ما يدل على أن هذا المتن يختص بهذه الأسانيد المجموعة ، هذا ليس زهدا في متون الأحاديث لكن لأغراض معينة ينبني عليها الحكم على الحديث وكشف علة الحديث .
كتب الأطراف من أهمها من كتاب تحفة الأشراف للحافظ والكتاب الحقيقة يحتاج إلي وصف لا أستطيع أن أستوعبه في هذه العجالة لكن ينبغي لطالب العلم أن يعرف كتب الأطراف هذه حتى يستفيد منها وتدله على تخريج الحديث ويعرف أن الأسانيد مجتمعة في موضع معين ، ربما استفاد من جمع هذه الأسانيد تقوية الحديث لمجموع هذه الطرق ، أو كشف علة حديث قد يظن أنه صحيح وهو في الحقيقة غير صحيح .
(ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنفوا في غالب هذه الأنواع وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها متعسر فلتراجع مبسوطاتها.
والله الموفق والهادي، لا إله إلا هو.)
إلي الختام ذكر الحافظ بن حجر أنه ينبغي لطالب علم الحديث معرفة سبب الحديث ، يعني سبب ورود الحديث ،يقول قد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى أبي الفراء .(2/128)
طيب سبب ورود الحديث : مهم جدا لأن سبب الورود أحيانا يكشف لنا السبب الذي من أجله قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وهذا في كثير من الأحيان يعين على التفقه فيعين مثلا على تخصيص العام أو تقييد المطلق أو تكون هذه الحادثة حادثة عين ونحو ذلك ، فعلى سبيل المثال الصحابي الجليل الذي جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه ذبح أضحيته قبل الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم تجزء عنك ولن تجزء عن أحد بعدك ، إذا عرفنا هذه الحادثة استطعنا أن نعرف أن هذا الصحابي خصص بهذا الحكم ولا يشمل ما سواه أو لا يتعدى إلي غيره .
معرفة سبب ورود الحديث لأهميته عني به كثير من أهل العلم منهم من أشار إلي الحافظ بن حجر وهو بعض شيوخ أبي يعلى الفراء وهو أبو حفص (كلمة غير مفهومة) هذا ممن أو أول من عرف أنه صنف في هذا ، لكن لم يصل إلينا مصنف أبي حفص هذا وإنما الذي وصل إلينا هو كتاب الحسيني وهو أشهر ما وصل إلينا وهو البيان والتعريف في معرفة أسباب ورود الحديث هذا للحسيني ، كذلك للسيوطي رحمه الله كتاب أسباب ورود الحديث وكلا الكتابين مطبوع .(2/129)
يقول الحافظ بعد هذا في خاتمة هذا الكتاب وصنفوا في غالب هذا الأنواع يعني هذه الأنواع التي ذكرها في هذه الخاتمة عرفنا أنه ختم كتابه هذا بخاتمة ابتدأ فيها بذكر طبقات أو ما ينبغي لطالب علم الحديث معرفته طبقات الرواة وكل ما جاء بعد ذلك نجد أن الحافظ بن حجر اختصر الكلام في هذه الأنواع وفي هذه الأمور التي نبه عليها ولذلك يقول هذه الأنواع التي ختمت بها صنفوا في غالبها ولكن هي نقل محض يعني لا تحتاج إلي تعريف وتطويل لأنه مجرد نقل ظاهرة التعريف يعني من خلال معرفتك أو وقوفك على هذا اللفظ تتعرف على هذه المصنفات مثل ما قال عن المسانيد يقول يعني لسنا في حاجة إلي أن نعرف بالمسانيد لأنها معروفة عنده لكن صغار طلبة العلم خاصة في هذه الأعصار يمكن هذه اللفظة لا يعرفون مدلولها أو ما يراد بها فلذلك بيناها بالبيان الذي ذكرناه فيقول ظاهرة التعريف يستغني عن التمثيل ولذلك لم يمثل لكثير منها .
يقول وحصرها متعسر يعني لو أيضا في ذكر هذه المصنفات الحديثية على سبيل المثال يقول حصرها متعسر لأن كل مصنف لصاحبه منهج فيه ويحتاج إلي وصف معين .
قال فالفراد جعلها مبسوطات وهو يعني من أراد البسط وهذا الكتاب كتاب مختصر من أراد البسط فاليراجع الكتب المبسوطة التي شرحت في التعريف بهذه الأنواع التي اختصرها والله الموفق والهادي لا إله إلا هو سبحانه ونسأل الله جل وعل أن يحسن خاتمنا في أمورنا كلها وربما كان هناك شيء من العجلة في شرحي ولكني حرصت على أن نختم في هذه الليلة حتى نستغل إن شاء الله تعالي الأسبوع القادم بإذن الله للإجابة على بعض الأسئلة ونتيح الفرصة برحابة صدر لكل من أراد أن يسأل وسنعرض إن شاء الله تعالي ما وعدنا به إن أحيانا الله ، والله الموفق والهادي إلي سواء السبيل لا إله إلا هو كما قال الحافظ رحمه الله تعالي .
سؤال :(2/130)
ذكرت في الدرس السابق حرمة التطاول على العلماء من غير بينة فإن كان في بعضهم بدعة ظاهرة كمن يقول بجواز التوسل بالأموات علما بأن ذلك القائل من الأئمة المعروفين عندنا وهو مرجعية لكثير من العوام فأرجو إفادتنا في حكم التعامل معه ومع من ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
نقول إن مثل هؤلاء العلماء الذين تصدر منهم بعض هذه الأخطاء ينبغي أن يكون هناك اتزان في التعامل معهم ، فلا نغلق في مدحهم والثناء عليهم بحيث قد يغتر الناس بما عندهم من أخطاء لا نبينها هذا غلط والدين لله لا مجاملة فيه ، وفي المقابل أيضا لا نشطط فلا نرى لهم حسنة مطلقا فننبه على الخطأ نقول هذا العالم يستفاد مما عنده مثلا من علم الحديث من الفقه من من غير ذلك من العلوم التي تحتاجها الأمة ولكن يحذر من كذا وكذا نعم إن وجد عالم ليست عنده هذه الأخطاء وعنده هذا العلم الذي عند هذا الرجل ينصح الناس الناس ينصحونه واستشارونه والمستشار مؤتمن نقول العالم فإنه أدعى بالسلامة من مثل هذه الأمور والمخالفات التي وجدت عند غيره ، لكن في المقابل نحذر من الطيش والسفه وجعل شغلنا الشاغل هو الجرح بحيث يستولي على أوقاتنا وعلى أفكارنا ويثير الفتن والأمور التي تشهدها الساحة الإسلامية الآن هذا الذي نحذر منه يعني يكون النقد في محله مقل الملح في الطعام إذا احتيج إليه .
سؤال :
ما حكم كتام من بلغ منزلة العلم والتحديث ثم فسق بعد أن كتبه ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/131)
إذا كان هناك أحد كان على استقامة وكتب الحديث أو ما إلي ذلك وبعد ذلك تغيرت حاله فإن أهل الحديث يجرحونه بذلك التغير الذي حصل له ، وهناك بعض الرواة الذين أثنى عليهم بعض الأئمة ثم بعد ذلك تكشفت حالهم فهل في أيام الأئمة كانوا على استقامة ثم تغيروا مثل محمد بن حميد الرازي ، محمد بن حميد الرازي بعض الناس اغتر به ولذلك بعضهم يتلطف في تضعيفه فيقول هو ضعيف بينما هو في الحقيقة متهم بالكذب لكن الذين لم يتجرأو على جرحه بسبب أنه وفقه الإمام يحيى بن معين ولذلك بن خزيمة رحمه الله لما قيل له إنه قد وفقه تكلم وجرحه وقيل إنه قد وفقه الإمام يحيى بن معين فقال إن الإمام أحمد لم يعرفه كما عرفناه ، فبعضهم يقول يبدوا أن محمد بن حميد كان على استقامة الحال في أيام الإمام أحمد ثم بعد ذلك تغير وظهر منه الكذب فمثل هذا الجراحون ، وبعضهم يرى أنه كان يتظاهر بالاستقامة أيام الإمام أحمد فلما قبض تجرأ على ما تجرأ عليه فسواء كان هذا أو ذاك فأهل الحديث طريق بالمرصاد .
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنا بحمد الله قد فرغنا من شرح هذا المختصر الجامع المفيد، رحم الله مصنفه، وأجزل له الأجر والمثوبة، ووعدنا أن يكون هذا الأسبوع مراجعة لما كنا أخذناه، واستقبالا للأسئلة التي يمكن أن يكون الأخوة المتابعون يحتاجون إلى الإجابة عليها.
كذلك يمكن أن نجري مسحاً شاملاً عن طريق عرض لبعض الأشياء عن طريق الحاسب الآلي فيما كنا أخذناه، وما يحتاج إلى توضيح، فكل هذا إن شاء الله تعالى سيكون في هذا اليوم، وإن بقي بقية تكون في اليوم الأخير.(2/132)
كذلك أيضا أحب أن أنبه الأخوة إلى أنه هناك بريد إلكتروني لمن أراد أن يستفسر، والإخوة إن شاء الله تعالى سيخرجونه على الشاشة، فمن كان عنده أدنى استفسار عن شيء ما يتعلق بشرحنا، أو لديه أي إشكال فيما يتعلق بالحديث وعلومه، يمكن أن يبعث على هذا البريد، ونسأل الله الإعانة على الجواب، إنه خير معين.
بدايةً، من باب المراجعة، من الأمور المهمة في مصطلح الحديث، أن يكون هناك خيال واسع، لكل طالب علم حديث في تصور كيفية تلقي هذا العلم، أو هذه المرويات، وإذا ما نظرنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام –رضي الله تعالى عنهم- وإذا به كان يجلس صلى الله عليه وسلم مع صحابته، -مثل هذا المجلس- أو من فوق المنبر، ويتحدث صلى الله عليه وسلم مع أولئك الصحابة، فيحدثهم بالحديث، يأخذ هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من شاء الله أن يأخذه من الصحابة، ربما أخذه الواحد فقط، بحسب ما حفظ، أو لكونه هو الذي تلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على انفراد، مثل ما حصل مع أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- حينما أخذ حديث فضل لا إله إلا الله من النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان داخلا في بستان، فليس هناك إلا هو والنبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا.
فقد يتلقى المتلقي منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده، ويحدث بالحديث بحكم أنه هو الذي تلقى ذلك الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وقد يكون التلقي من اثنين، أو مجموعة صغيرة، وقد يكون في جمع كبير وهذا شيء متعارف عليه في أحوال الناس كما لا يخفى علينا،
لذلك إذا ما أردنا أن نُبَسط هذه المسألة عن طريق العرض عبر جهاز الحاسب الآلي، وتصور كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مع صحابته ويتلقى المتلقي منهم الحديث، ويبلغه إلى من بعده، فمن باب الإيضاح فقط لا غير، أرجوا أن يخرج هذا على الشاشة(2/133)
*سؤال: فهمت من شرح فضيلتكم أن الحديث المحكم هو الناسخ والمقيد والمعمول به، وأن غير المحكم هو الحديث الآخر غير المعمول به، فهل فهمي صحيح؟ لأني قرأت أن المحكم هو الذي سلم من معارضة غيره، وفهمت من ذلك أن الناسخ والمنسوخ كلاهما من مختلف الحديث، أرجوا توضيح هذه النقطة.
* فأجاب فضيلة الشيخ:
جزاك الله خيرا يا أخانا، وفهمك بحمد الله صحيح وسليم، ونسأل الله لك الإعانة والتوفيق، نعم؛ الحديث المحكم هو الحديث السالم من المعارضة الذي يمكن العمل به، فإذا لم يكن حديث معارض له وأمكن العمل به، بحيث لا يكون منسوخا؛ فهذا هو الحديث المحكم، وما سواه فهو غير المحكم.
في الأسبوع الماضي، أو في الحلقة الماضية، كنا ذكرنا خالد بن مخلد القطواني وتكلمنا عن نسبته، وقلت إنني لا أعرف أصلا لنسبته، وقد تكون النسبة مستبشعة بحكم أنه كان يكره هذه النسبة -رحمه الله تعالى-، ووردني سؤال أو مداخلة من إحدى الأخوات وأظنها من الكويت –نسأل الله جل وعلا لها التوفيق- ذكرت أنها وقفت، أو يبدوا أنها بحثت في نفس الوقت فوجدت أن هناك من قال أن خالد بن مخلد القطواني منسوب إلى القطا، كأنه كان يتبع القطا أو يصيد القطا –والقطا؛ نوع من أنواع الطيور-.
الحقيقة أنني رجعت إلى كتب الأنساب فوجدت أن خالد بن مخلد القطواني منسوب إلى حلة بالكوفة –يعني حي أو حارة بالكوفة قد نُسب إليها- فهذا هو أصل نسبته -رحمه الله تعالى-.
*سؤال: أرجوا شرح تعريف الخطابي للحديث الحسن، بأنه ما عُرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء.
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/134)
تعريف الخطابي -رحمه الله تعالى- كنا تكلمنا عنه حينما تكلمنا عن الحديث الحسن لذاته، وذكرت أن هناك خلافا طويلا بين أهل العلم في تعريف الحديث الحسن، وكل إمام عرف الحديث الحسن فإننا نجد أن هذا ناشئ من اجتهاده -رحمه الله تعالى-، فالترمذي له تعريف للحديث الحسن، وقلنا أن ذلك التعريف الذي ذكره الترمذي؛ ينصرف إلى الحديث الحسن لغيره، بعد الترمذي جاء الخطابي، فعرف الحديث الحسن بهذا التعريف الذي ذكره الأخ، بعده جاء ابن الجوزي، فعرف الحديث الحسن بأنه ما فيه ضعف قريب محتمل، ثم جاء بعد ذلك ابن الصلاح، فعرف الحديث الحسن بالتعريف الذي جرى عليه الاصطلاح والعمل عند كل من جاء بعد ابن الصلاح، رحم الله الجميع.
أما بالنسبة لتعريف الخطابي، فهناك اعتراضات من كثير من أهل العلم على هذا التعريف الذي ذكره الخطابي، وذلك أنه حينما قال: هو ما عرف مخرجه، قالوا: معرفة المخرج لا تختص فقط بالحديث الحسن؛ بل إنها تشمل الحديث، والحديث الضعيف على حد سواء، فالحديث الصحيح، والحديث الضعيف، والحديث الحسن؛ كلها يمكن أن يعرف مخرجها، فإذا لا فائدة من هذا القيد في تعريف الحديث الحسن.
(ما عرف مخرجه واشتهر رجاله)، أيضا شهرة الرجال لا تعني أن الحديث حسن، فشهرة الرجال يمكن أن تنصرف أيضا على شهرتهم بأنهم ثقات، فحديثهم من قبيل الصحيح، ويمكن أن تنصرف أيضا، إلى أنهم ضعفاء، أو بعضهم ضعفاء فيكون هذا من باب الحديث الضعيف.
ويمكن أن يشتهر الواحد منهم بأنه صدوق حسن الحديث -وهو الذي في مرتبه بين الصحيح والحسن- فكل هذا وارد، فإذا، هذا القيد أيضا لا يختص بالحديث الحسن .
( ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث)(2/135)
عليه مدار أكثر الحديث، يبدوا أنه من باب الترادف مع قوله "ما عرف مخرجه"، فالمخرج هو الذي عليه مدار أكثر الحديث، فإذا قلنا -على سبيل المثال- إن قتادة بن (10.37) هو مخرج حديث أهل البصرة، فإذا عُرف مخرج هذا الحديث، إذا كان مخرجه قتادة (كلمة غير مفهومة)، مدار الحديث يكون على قتادة، فإذا كان الحديث يرويه عن قتادة؛ سعيد بن أبي عروبه، وشعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى، وأمثال هؤلاء من تلاميذ قتادة، فإذا هذا المدار أكثر طرق هذا الحديث، فإذا هذا لا يختص لا بالصحيح ولا بالحسن، ولا بالضعيف، فيمكن أن يكون المخرج، وهو قتادة للحديث الصحيح والحديث الحسن، والحديث الضعيف على حد سواء.
كذلك قوله بعد ذلك: وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء، فقبول أكثر العلماء يمكن أن يكون أيضا للحديث الصحيح، الذي تتجاذبه وجهات نظر بعض أهل العلم، فبعضهم ربما عده من قبيل الحديث الصحيح، وبعضهم ربما ضعفه، فهذا لا يختص أيضا بالحديث الحسن.
والاستعمال، وجدنا الفقهاء يستعملون الحديث الضعيف بالإضافة إلى أنهم يستعملون الصحيح ويستعملون الحسن، فإنهم أيضا يستعملون الحديث الضعيف مثلما عرف عن الإمام أحمد، -رحمه الله تعالى- أنه يأخذ بالحديث الضعيف إذا اضطر إليه، ومثل ما رأينا الإمام مالك، وأبا حنيفة -رحمة الله عليهما- يأخذون بالحديث المرسل وهو من أنواع الحديث الضعيف.
فإذن، هذه الاعتراضات كلها وجهت لتعريف الخطابي، ولذلك قيل: إن هذا التعريف لا يختص بالحديث الحسن.
*سؤال: ذكرتم –حفظكم الله- أنه قد يكون الإسناد النازل أصح من العالي، لكن هل يشترط أن يكون الإسناد العالي صحيحا حتى يعتبر إسنادا عاليا؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/136)
لا يشترط، فقد قلنا سابقا: أن الإسناد العالي لا يشترط فيه أن يكون صحيحا، فقد يكون صحيحا وقد يكون غير صحيح، والإسناد النازل لا يشترط فيه أن يكون ضعيفا، فقد يكون ضعيفا وقد يكون صحيحا، ولذلك إذا وجد عندنا إسنادان، إسناد عالي؛ ولكنه ضعيف، وإسناد نازل؛ ولكنه صحيح، فلا شك أن الأفضلية في هذه الحالة للإسناد النازل؛ لكونه صحيحا، ولكن جرت عادة أهل العلم أنهم يرون أن الإسناد العالي يقرب من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، فلذلك تألفه نفوسهم، كذلك بالنسبة للإسناد العالي؛ هو مظنة أن يكون صحيحا، وهذا شيء مُجرب، ومن (كلمة غير مفهومة) هذه الصنعة وأدمن النظر في كتب؛ يجد فعلا أن الأسانيد العالية هي أكثر الأحاديث صحة، وكلما نزل الإسناد؛ كلما كانت مظنة وجود الضعف فيه أكثر من وجودها في الإسناد العالي.
*سؤال: بالنسبة لتلقي أحاديث الصحيحين بالقبول، فلماذا وقع اتفاق أهل العلم على تلقي الصحيحين بالقبول؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/137)
الصحيحان، البخاري ومسلم، لا شك أنهما اكتسبا مزية منذ أن ألفهما صاحبا الصحيحان؛ وهما البخاري ومسلم، ولذلك كان هذان الكتابان؛ مثار جدل عند أهل العلم في بداية الأمر، حينما لم تظهر حقيقة هذين الكتابين، وأظن أني سابقا أشرت إلى كلام أبي زرعة واعتراضه على مسلم بن الحجاج، وكذلك ابن... لما ذكر له أن هناك من ألف الصحيح المجرد، وذكروا له مسلم بن الحجاج، وانه جمع كذا وكذا من الحديث الصحيح، قال عبارة معناها: فلمن يترك الباقي؟ هذا يفرق المبتدعة علينا، هذه أمور معروفة ومتوقعة أن أي عالم حريص على السنة يخاف على سنة النبي صلى الله عليه وسلم يستوحش قبل أن يعرف حقيقة الأمر ويستوضح جليته، فكان هناك تخوف من قِبلهم من أن يكون كتاب مسلم بن الحجاج يؤدي إلى هذا الذي تخوفوا منه، لكن لما تبينت حقيقة الأمر وإذا بالكتاب على غير ما ظنه بعض هؤلاء العلماء، لذلك تواترت عباراتهم بعد ذلك على الثناء على هذا الكتاب، مثل ثناء أبي حاتم وأبي زرعة على مسلم بن الحجاج، ومعرفة بالحديث، وهلم جر.
جاء بعد ذلك هذا الثناء من قِبلهم –رحمة الله عليهم-.
أما بالنسبة للوقت؛ فأنا لا أعرف وقتا على وجه الدقة إلا بعد أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده -رحمه الله تعالى- حينما ألف في شروط الأئمة الثلاثة، وهم: البخاري ومسلم وأبو داود، وجاء بعده الحازمي و الترمذي، والترمذي، والنسائي، هذا فيما أذكر أن كتاب ابن منده تضمن الكتب الثلاث، وقد يكون تضمن الخمسة وأن لم أذكر.
فأول من اعتنى بالصحيحين وأشهرهما، وأثنى عليهما بهذ وجعل هذين الكتابين بهذه المزية؛ فيما أعلم أنه محمد بن يحيى بن منده -رحمه الله تعالى- في كتابه الذي أشرت إليه.
لكن قبله الدارقطني، صنيع الدارقطني في تعقبه للكتابين يدل على اهتمامه بهذين الكتابين، وأنهما اكتسبا مزية في ذلك الوقت.(2/138)
حرص طلبة العلم (....) والنسفي وغيره هؤلاء الذين عنوا برواية صحيح البخاري عن البخاري؛ يدل أيضا على أن هذا الكتاب اكتسب مزية منذ وقت مبكر.
بعض المستخرجات التي أُلفت في عصر مبكر، من جملتها مثلا: مسند السراج، قيل أنه مستخرج على صحيح مسلم، ونجد أن هذا الكتاب الذي هو مسند السراج، فعلا فيه وجه شبه كبير بينه وبين صحيح مسلم، وأسانيده عاليه، لكن لو لم يكن هذا فهناك المستخرجات المتقدمة مثلا، كمستخرج أبي عوانة ومن في عصره، ومن تأخر بعد ذلك، فوجود هذه المستخرجات على الصحيحين؛ كلها تدل على عناية الأمة منذ وقت مبكر في طبقة تلاميذ صاحبي الصحيحين، كلهم اعتنوا بهذين الكتابين، فيبدوا أن المسألة أخذت هذه الأهمية منذ وقت مبكر، ولكن هذه العبارة التي وردت؛ لا ندري ما تاريخها.
*سؤال: هل يشترط في رواية السابق واللاحق أن يكونا قد رويا نفس الحديث؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
بالنسبة للسابق واللاحق؛ نعم؛ يشترط أن يكونا رويا نفس الحديث، حتى لا يُظن أن أحدهما اخذ عن الآخر، أو هناك خلط في الإسناد، لكن أخشى أن الأخ يقصد رواية المدبج، فعلى كل حال فالسابق واللاحق فنعم، يشترط أن يرويا نفس الحديث .
وبالنسبة للمدبج، فلا يشترط أن يرويا نفس الحديث الذي رواه واحد منهما عن الآخر، بل متى وجدت رواية هذا عن ذاك؛ فهذا يدل على أن هذا من باب التدبيج.
*سؤال: هناك قول بأن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، وآخر يقول أن أصح الأسانيد (كلمة غير مفهومة) محمد بن سيرين، (كلمة غير مفهومة) عن على بن أبي طالب، فكيف نجمع بين هذه الأقوال؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/139)
هذا كلام جيد، فنقول: أن هناك عبارات لبعض الأئمة وردت في أن هذا الإسناد هو أصح الأسانيد، وهناك إمام آخر يرى إسنادا آخر أنه هو أصح الأسانيد، وإمام آخر يرى إسنادا ثالثا، ورابعا، وخامسا، وهكذا، بحيث كثرت الأسانيد التي قيل عنها أنها أصح الأسانيد، والأئمة حاولوا أن يجمعوا بين هذه الأقوال التي صدرت عن بعض الأئمة المعتبرين الذين لا يمكن أن نأخذ قول واحد منهم وترك أقول بقية الأئمة، فحاولوا التأليف والجمع بين هذه الأقوال بالطريقة الآتية:
نظروا أولا للصحابة، ثم للبلدان، ثم للعموم، فقالوا –مثلا- عبارة البخاري -على سبيل المثال- حين قال: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، وقال إن هذه هي السلسلة الذهبية.
عبارة إمام آخر، حينما قال: أصح الأسانيد، إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن أبي بكر.
راوي آخر قال: أصح الأسانيد ما رواه محمد بن سيرين عن (كلمة غير مفهومة) عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهكذا، وقالوا هذا يعني أن أصح الأسانيد إلى الصحابي، فأصح الأسانيد إلى أبي بكر؛ هو ما يرية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر، وأصح الأسانيد عن ابن عمر؛ ما يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر، وأصح الأسانيد عن على بن أبي طالب؛ ما يريه محمد بن سيرين عن عن علي، وهكذا كل صحابي ذلك الإسناد بالصحابي الذي روي عنه .
وردنا إشكال آخر، وهنا أن هناك من قال أصح الأسانيد الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، فكيف نوفق بين هذا القول وبين القول القائل أن الأصح هو مالك عن نافع عن بن عمر، فنقول، أن هذا يكون بتعدد الأسانيد، فيقال: إن أصح الأسانيد عن عبد الله بن عمر، وما يرويه الزهري عن سالم عن ابن عمر، فكل هذا من أصح الأسانيد، وهذا من باب اختلاف التنوع، وليس من باب اختلاف التضاد.(2/140)
كذلك أيضا؛ بعضهم حاول أن يربط هذا بالبلدان، فقال: أصح أسانيد المدنيين مالك عن نافع عن ابن عمر،، وأصح أسانيد المكيين –مثلا- سيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس، وهكذا، فيربطون ذلك بالبلدان فكل هذا وارد، لكن بمجموع هذه الأسانيد التي قيل عنها أنه أصح الأسانيد؛ نستطيع أن نستفيد فائدة معينة؛ وهي أن مجموع هذه الأسانيد يعطينا أن هذه الأسانيد بمجموعها هي الدرجة العليا من الصحيح، ويليها درجات أشرنا إليها، فالدرجة التي تليها مثل ما قلنا عن رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، يليها رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ونحو ذلك.
فإذن، الصحيح عندنا على درجات، وأعلى درجات الصحيح؛ تلك الأسانيد التي قيل عنها إنها أصح الأسانيد .
*سؤال: صعُب عليَّ؛ فهم كيف يكون الشاهد بالسند؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
حينما تكلمنا عن المتابع والشاهد؛ قلنا إن الأصل في المتابع والشاهد؛ الالتفات إلى الإسناد، القول الذي حكاه الحافظ ابن حجر بالنسبة للالتفات إلى المتن؛ فنحن حكيناه بناءا على ما حكاه الحافظ ابن حجر، لكن في حقيقة الأمر ينبغي أن تكون العهدة على الإسناد، وهو الكلام الذي أذكره الآن، أن الالتفات إلى الصحابي، فإن كان الحديث الذي وجدناه متابعا لراوي معين تفرد بالحديث وجدنا له إسنادا آخر، لكن عن الصحابي نفسه؛ فهذا نسميه متابعا، ولا نسميه شاهدا.
إذا اختلف الصحابي فنسميه شاهدا ولا نسميه متابعا، يعني إذا كان الحديث الذي معنا، هو من رواية ابن عمر وجاءنا بإسناد من الأسانيد عن ابن عمر ثم وجدنا له إسنادا آخر عن ابن عمر نفسه؛ فهذا نسميه متابعا ولا نسميه شاهدا.
فإذن الرابط هو الصحابي، إذا ودنا الحديث الذي معنا عن ابن عمر، ووجدنا له طريقا آخر لكن عن أبي هريرة؛ فهذا نسميه شاهدا ولا نسميه متابعا، هذا هو الأعم الأغلب، وهذا هو القول الذي ينبغي أن نعتمده في مثل هذا المختصر.(2/141)
أما حكاية الخلاف ومناقشته؛ فينبغي أن لا تكون في مثل هذا المختصر، ولكن نحن حكيناه بناءا على نقل الحافظ ابن حجر له.
*سؤال:
ربما يكون هذا الحديث مستغرب على طلاب علم الحديث الذين يعرفونه جيدا، لكن بعض الأخوة من المتابعين عبر الشاشات قد لا يعرفون هذا السؤال، والسؤال هو أنه هناك كتب تسمى الصحاح، وكتب تسمى المسانيد، وهناك كتب لها أسماء أخرى، فلو فرقتم بينهما، وذكرتم معاني هذه الكتب؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
هذه الأسماء سبق أن تكلمنا عنها، لكن لعل الأخ عبد العزيز ما كان موجودا حينما شرحنا ذلك، في ختام كتاب النخبة ذكر الحافظ ابن حجر ما ينبغي لطالب علم الحديث أن يهتم به، فمن ذلك معرفة الكتب التي أُلفت على الأبواب، وعلى المسانيد، ونحو ذلك، فهذه ذكرناها على وجه العجالة ولم نذكرها على وجه التفصيل، لأن التفصيل فيها يعني الدخول في مناهج أئمة الحديث الذين ألفوا هذه الكتب، وما هي مناهجهم في تأليف هذه الكتب، وهذا يعني التطويل الذي لا نستطيعه في هذه العجالة.
*سؤال: ما رأيكم فيمن ينسب تصحيح الإمام ابن حبان أو ابن خزيمة للحديث؛ بمجرد إخراجه للحديث في كتابه الصحيح؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/142)
ابن خزيمة أو ابن حبان، إذا أخرج الحديث في كتابه ولم يتكلم عنه بشيء يفيد تضعيفه له؛ فهذا يعني تصحيحه للحديث، وهذا هو الأصل، لأنه ألف كتابه هذا في الصحيح المجرد، ونقصد بالصحيح المجرد أي الذي لا يخالفه الضعيف، لكن عُرف على وجه الخصوص من طريقة ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- أنه له منهج في كتابه هذا، ومنهجه يتمثل في أنه ربما أخرج الحديث على وجه التصحيح له، وهذا هو الأصل في كتابه، وربما أخرج الحديث في كتابه لا على وجه التصحيح ولكن للضدية، أي لكونه يعارض الحديث الصحيح الذي أخرجه، فيريد أن يبين علة ذلك الحديث، وأحيانا ربما تكلم عن الحديث بالتفصيل، فأخذ ينقض ذلك الحديث ويبين أنه حديث غير صحيح، في كثير من الأحيان، وهذه قد تخفى على بعض الناس، وخفيت على بعض الأئمة، نتيجة عدم نظرهم في الباب برمته، ففي بعض الأحيان يخرج ابن خزيمة رحمه الله الحديث مع توقفه عن تصحيحه، فيقول: إن صح الخبر، فإني لا اعرف فلان بعدالة ولا حرج، فإذا هو متوقف عن تصحيح الخبر، لكونه لا يعرف أحد رواته بعدالة ولا جرح، مثل إخراجه لحديث أبي هريرة: "من أفطر يوما من رمضان بغير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه" وبوب لهذا الحديث وقال: إن صح الخبر؛ فإني لا أعرف أب وأباه بعدالة ولا حرج، فهو متوقف عن تصحيح هذا الحديث، والحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- حينما وقف على هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة، ظن أن ابن خزيمة قد صحح هذا الحديث، لأنه ما نظر إلى التبويب، وما نظر إلى الاستدراك الذي استدرك به ابن خزيمة، فنقله عنه في فتح الباري أن ابن خزيمة قد صحح هذا الحديث، والحقيقة أن ابن خزيمة لم يصحح هذا الحديث، فينبغي التنبه لهذه القضية؛ فإنها مهمة.
*سؤال: فيما يخص خبر الواحد، (كلمة غير مفهومة) أنه يفيد الظن، والقرائن التي ترفعه إلى درجة العلم اليقيني، فهل بهذا يمكن القول بأن خبر الواحد يمكن أن يكون متواترا، أم ماذا؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/143)
هذا السؤال ينبغي أن نهتم به، وهو التفريق بين خبر الواحد وبين خبر الآحاد، وربما أُطلق هذا على هذا عند كثير من أهل العلم، ولكن أنا أرى أن ينبغي أن يُخص خبر الواحد بالحديث الذي ليس له إلا طريق واحد، وهو الذي نسميه الغريب أو الفرد، وخبر الآحاد يشمل الحديث الغريب والعزيز والمشهور عند طائفة من أهل العلم ممن تكلم في هذا، وقالوا: خبر الآحاد هو ما لم يبلغ درجة التواتر، فإذن الخبر عندهم ينقسم إلى قسمين: (متواتر) و(آحاد)،وكل ما لم يصل إلى درجة المتواتر فهو عندهم آحاد، -على سبيل المثال- خر يروى من خمسة طرق، عند بعضهم يقال أنه خبر آحاد ولا يسمى متواترا، فهنا ينبغي أن يكون التفريق، فإن كان مقصود الأخت السائلة –وفقها الله- بهذا السؤال خبر الواحد وهو الغريب الفرد؛ فهذا لا يكون متواترا، لأن التواتر هو التتابع، ولكن يمكن أن يفيد العلم، وفيه فرق بين أن يكون الخبر متواترا وبين أن يفيد العلم، يعني يمكن أن لا يكون متواترا وهو يفيد العلم، متى يفيد العلم؟إذا أحتفت به قرائن، القرائن التي ذكرناها سابقا، ومن هذه القرائن:
إخراج صاحبي الصحيح للحديث في صحيحيهما، فهذه قرينة.
ومن القرائن، أن يكون الخبر متسلسلا بالأئمة، كما قلنا، مالك عن نافع عن ابن عمر، هكذا.
ومن القرائن؛ أن يكون الخبر مشهورا، وهذا عند من يفرق بين خبر الواحد وخبر الآحاد، أو يجعلون كل هذا من أخبار الآحاد، والقرائن تشمل أحاديث الآحاد كلها بما فيه المشهور، فالحافظ ابن حجر: من القرائن أن يكون الخبر مشهورا، بعني إذا كان من ثلاثة طرق فأكثر فهذا هو الحديث المشهور، فهذه قرينة تدل على أن الخبر يفيد العلم.
إذن، عندنا القرينتان الأوليان هم اللتان تختصان بالحديث الفرد، بالحديث الغريب، خرجا في الصحيحين، وأن يكون متسلسلا بالأئمة.(2/144)
كلمة متسلسلا بالأئمة يمكن أن نصرف لها ما قيل عنه إنه أصح الأسانيد، يعني الأسانيد التي ذكر الأئمة أنها أصح الأسانيد هذه ارتقت عندهم إلى الدرجة العليا من الصحيح، الذي لا يساور الواحد أدنى شك في صحة ذلك الحديث الذي روي من هذا الطريق.
فإذن نتشبث بأصح الأسانيد ونعدها قرينة يمكن أن هذا الخبر يفيد العلم، وقد يخالف في هذا بعض أهل العلم ويقولون: لا، أنت توسعت في هذه القرينة، والحافظ ابن حجر قصد الأئمة المعتبرين، مثل رواية الإمام أحمد عن الشافعي عن الإمام مالك، نقول: كون هؤلاء الأئمة لهم ميزة في أنهم من الأئمة المتبوعين لا يعني أن سواهم لا يبلغ هذه الدرجة التي بلغوها من الحفظ والإتقان، لأن المعول عليه في صحة الأحاديث؛ عدالة الراوي وحفظه وإتقانه، وما دامت هذه المزية موجودة أيضا في نافع وابن عمر، فما الذي إذا جاءنا إسناد مالك عن نافع عن ابن عمر أن نقول: إن هذا من أصح الأسانيد، وأنه يفيد العلم، ما دمنا أخذنا بجزئية هذا الإسناد وهي رواية الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، ونحن اعتبرنا الآن الإسناد كاملا لأجل هؤلاء الأئمة الثلاثة ونغض الطرف عن الحديث إذا اختزلنا منه -مثلا- من الأئمة، وهما الإمام أحمد والشافعي لكون الأحاديث التي تروى بهذا الإسناد قليلة جدا، بل نادرة، بل بعض أهل العلم يقول: أنا لا أعرف حديثا بهذه الصفة من رواية الإمام أحمد عن الشافعي عن الإمام مالك، وإن كان يوجد على قلة فيه لكن النادر لا حكم له، فنحن إذن نتعامل مع القاعدة العامة والأغلبية، فهي التي يتحدث عنها .(2/145)
بالإضافة إلى أن هناك أئمة فطاحل وجبال في الحفظ والإتقان، كما قلنا عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، محمد بن سيرين عن عن علي بن أبي طالب، فكل هذه من أصح الأسانيد ومن أعلى الأسانيد صحة، فكل هذه ينبغي أن تدخل في هذا الباب، ومن أبى هذا فعليه أن يراجع هذه القضية، وسيجد أن هذا الكلام هو الذي ينبغي أن إليه إن شاء الله تعالى .
*سؤال: في صحيح مسلم أحاديث اكتفى فيها الإمام مسلم بشرط المعاصرة مع عدم اللقاء، فما موقف الإمام البخاري ومن على مذهبه من هذه الأحاديث؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
البخاري -رحمه الله تعالى- اشتهر عنه أنه يشترط اللقاء ولو مرة، ومسلم يكتفي بالمعاصرة، هذه هي القاعدة الأغلبية، لكن هل يرد البخاري تلك الأحاديث التي لم يثبت فيها اللقاء بين الراوي وشيخه؟ الذي يظهر من طريقة البخاري أنه يتوقف عن هذه الأحاديث لأنه يقول: إننا لا نعرف فلانا سمع من فلان، مثل إعلاله -رحمه الله تعالى- لحديث يرويه يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو خالد الداراني، عن قتادة فيقول: لا نعرف لأبي خالد سماعا من قتادة، فالبخاري نقل هذا الحديث الذي هو حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في انتقاض الطهارة، ممن أعل الحديث البخاري، وأعله بأنه لا يعرف لأبي خالد الداراني سماعا من قتادة، فهذا يدل إذا على أن البخاري يجعل هذا قيدا في الحديث الصحيح، وأنه ما لم يتوفر هذا الشرط فإن الحديث يعني أنه غير صحيح عنه -رحمه الله تعالى- .
*سؤال:
ماذا يتوجب علينا حفظه للامتحان، هل نكتفي الشرح وتعريف الأحاديث؟ أم ماذا؟ وجزاكم الله خيرا.
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/146)
بالنسبة للامتحان، هذا يعود للإخوة في القناة وهم القائمون على هذه القناة التي نسأل الله حل وعلا أن يجعلها مباركة، لكن أن أحث طلبة العلم دوما على أن يحفظوا مثل هذه التعريفات التي ذكرناها مع الفهم، يعني ينبغي أن يحفظ التعريف مع فهمه، ولا يكتفي بالحفظ المجرد فقط، وهذا لطلب العلم ولجعل هناك أساسيات لما يتلقونه من العلم، فإن الحفظ لهذه المصطلحات إذا صاحبه فهم فإن هذا بإذن الله يكون ركيزة علمية قوية، ستفضي بإذن الله إلى خير كثير في المستقبل.
بالنسبة للامتحان وما يتعلق به، أنا ما أستطيع أن أجيب عنه لأن هذا يعود للإخوة الذين في القناة.
*سؤال: السند، هل يبدأ من الصحابي أم التابعي؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
السند يبدأ من صاحب الكتاب، الذي روى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كل هذا يقال له إسناد، وسبق أن ذكرنا تعريف الإسناد؛ وقلنا إنه سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن، والحقيقة انه لو بدء في عرض الشرائح يمكن تعيننا هذه الرسومات على تصور هذا على طريقة واضحة وجلية، فلعل إن شاء الله تعالى يتم عرض ذلك بإذن الله .
*سؤال: ما حكم الحديث المرسل؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
قلنا أن الحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف، لأننا قلنا إن الضعيف ينقسم إلى قسمين،
- ضعيف بسبب سقط في،
- بسبب طعن في الراوي،
ومن السقط في الإسناد؛ الحديث المرسل، فالحديث المرسل سقط من سنده الصحابي، وربما أيضا التابعي، وربما أكثر من تابعي، وهكذا.
*سؤال: هناك بعض الأئمة يتشدد في قبول بعض الأحاديث لأسباب معينة، ويتهم هذا في بعض الأحيان بأنه لا علم له بالحديث، ولا اختصاص له، فإذا روى قالوا: إن هذا اختصاصه في الفقه وليس في الحديث، بسبب قلة بضاعته في الحديث، وأنه يتشدد في قبول رواية الحديث.
في نفس الوقت، تشدد قبول بعض العلماء، أو أحد الأئمة الأربعة، في رواية الحديث، هل هذا بسبب كثرة الكذابين –مثلا- في ذلك الوقت، أو لأمور أخرى؟(2/147)
* فأجاب فضيلة الشيخ:
على كل حال فالأئمة يختلفون، منهم المتشدد، ومنهم المتساهل، ومنهم المتوسط، وهذا سبق أن تكلمنا عنه حين تكلمنا عن من قوله في الجرح والتعديل، وفصلنا في هذا بما يغني عن الإعادة، وهذه طباع البشر فكل الناس يختلفون، بل أصابع اليد الواحدة ليست سوية، بل الفرد الواحد نفسه ربما ضعف في يوم من الأيام حديثا صححه في وقت آخر، وهكذا.
وهذا شيء مجرب، فالتشدد والتساهل والتوسط، هذه من الصفات الموجودة عند الأئمة، والكلام في هذا يبدوا أنه سبق بما يغني عن الإعادة.
*سؤال: احتجاج الإمام أحمد بالحديث الضعيف في الأحكام، هل هو الحسن لذلته كما فسر شيخ الإسلام؟ أم أنه الضعيف الذي يتعدد طرقه؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:
احتجاج الإمام أحمد بالحديث الضعيف في بعض الأحيان ربما كان كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- أنه الحديث الحسن، بحكم أن الحديث الحسن ضعيف عند بعض أهل العلم، فربما نظر الواحد منهم إلى هذا الحديث وضعفه، ولكن لا يمنع هذا التضعيف من الاحتجاج به إذا احتاج إليه، إذا لم يكن في الباب سواه كما عُرف من قاعدة الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه يقدم الحديث الضعيف على الرأي والقياس، ويقول إن الحديث الضعيف أحب إليه من الرأي والقياس، لكن هل هذا فقط مختص بما يسمى عند الآخرين بالحديث الحسن؟ أو ربما نزل إلى الحديث الضعيف الذي لا خلاف فيه، نقول ربما نزل إلى الحديث الضعيف الذي لا خلاف فيه، مثل احتجاجه رحمه الله في بعض الأحيان بالحديث المرسل، فهو ممن ذكر عنه أنه يحتج بالحديث المرسل، ولكن احتجاجه -رحمه الله تعالى- بالحديث المرسل في مثل هذه الحالة التي ذكرناها، وهي إن لم يكن في الباب سوى هذا الحديث المرسل أو الرأي والقياس، فإنه يأخذ بالحديث المرسل ويقدمه على الرأي والقياس.(2/148)
فالمسألة نسبية يعني لا نستطيع أن نحدد منهج للإمام أحمد فيما يسمى بالضعيف والحسن، بل الأئمة الذي في ذلك العصر كثر منهم لا يفرق بين الصحيح والحسن، وإن ورد في عباراتهم إطلاق وصف الحسن على بعض الأحاديث، لكن في كثير من الأحيان هذا الوصف يعنون به الحديث الذي تفرد به أحد الرواة تفردا ليس منكرا، ولا يصاحبه علة فيستحسنون ذلك الحديث لكونه ما جاءهم إلا من ذلك الطريق الذي استفادوه فالحديث الذي يستفيدونه ويكون فردا وليس عندهم هذا يستحسنونه، فإذن هذا الإطلاق، ليس إطلاقا اصطلاحيا، ولكنه إطلاق يمكن أن يسمى إطلاقا لغويا عند بعضهم، ويمكن أن يكون إطلاقا يدرس على حدة، يعني لا هو بالإطلاق الاصطلاحي الذي ينصرف إلى الإسناد، ولا هو بالإطلاق اللغوي الذي يمكن أن ينصرف إلى المتن عند بعض الناس، وأنا أعده من الإطلاق اللغوي.
*سؤال: كيف نستطيع أن نفرق بين العنعنة التي هي من كتبة الحديث، كما ذكر ذلك الخطيب في كتابه "الكفاية في أصول الرواية"، حيث قال إنما (كلمة غير مفهومة) كتبة الحديث اختصار العنعنة وذكر ثلاثة أسباب، وهذا يفسر أحاديث جاءت عن قتادة من طريق شعبة بالعنعنة، فكيف نستطيع التفريق بين العنعنتين؟
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/149)
نقول أن التفريق بين العنعنة التي من تصرف الراوي الذي وُصف بالتدليس، وبين تصرف الرواة عنه؛ من الصعوبة بمكان، لا يمكن إلا بقرائن مثل أن يرد هذا الحديث من طرق أخرى مصرح فيه بالتحديث من هذا الراوي الذي وصف بالتدليس، فهذه القرينة تدل على أن هذا الراوي دق سمع هذا الحديث من شيخه، وأن تلك العنعنة التي وردت هي من تصرف بعض الرواة عنه في الأعم الأغلب، من القرائن التي يمكن يستأنف بها؛ إذا وجدت رواية لأحد من لا يأخذ عن المدلس إلا ما صرح فيه بالسماع، مثل ما لو روى شعبة عن المدلس، فإن هذه القرينة تدل على أن ذلك المدلس قد صرح بالسماع، لأن شعبة لا يأخذ عن المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، فإذا وردنا إسناد فيه عنعنة، وإسناد فيه رواية شعبة، سواء فيه التصريح -من ذلك المدلس- بالسماع أو بالعنعنة، فنتثبت ونقول: إن هذا الحديث مما أخذه هذا الراوي عن شيخه مباشرة، لأن شعبة لا يأخذ إلا ما صرح فيه هؤلاء الرواة بالسماع.
أما ما عدا ذلك؛ فإن فيه صعوبة في التطبيق إلا إذا نص إمام من الأئمة، لكون ألئك الأئمة تتوفر عندهم من الطرق ما لم يتوفر عندنا، وقد لا تصل إلينا تلك الطرق التي فيها الدلالة على أن ذلك المدلس قد صرح بالسماع، فنكتفي بتصريح ذلك الإمام إذا صحح ذلك الحديث، وأشار إلى أن هذا الراوي سمعه من ذلك الشيخ.
*سؤال: ذكرتم حفظكم الله مثال للمضطرب في المتن بحديث: "إن في المال لحق سوى الزكاة" والحديث الآخر: "ليس في المال حق سوى الزكاة"، لماذا لا يرجح الثاني لأنه يثبت الزكاة وهي من أركان الإسلام، ويرد الحديث الآخر لأنه ينفي أمرا معلوما من الدين بالضرورة؟ ألا يحتمل أن يكون أحد الرواة وَهِم في الحديث فقلب الحديث؟(2/150)
* فأجاب فضيلة الشيخ: نقول أن الحديث لو تأملتيه أيتها الأخت السائلة، لوجدتي أن الحديث لا يتطرق للزكاة، بل هذا مقدار زائد على الزكاة، فتأملي متن الحديث، فالحديث يقول: "إن في المال حق سوى الزكاة" فالزكاة لا شك فيها، لكن فيه أيضا حق زائد سوى الزكاة، والحديث الآخر يقول: "ليس في المال حق سوى الزكاة" فالزكاة هذه لا شك فيها، فالحديثان نظر إليهما أهل العلم على أن أحدهما مثبت والآخر نافي، ومخرج الحديث واحد فلذلك هذا يعد من باب التعارض م جميع الوجوه، وهذا فقط من باب التمثيل ولا يعني التسليم بصحة التمثيل بهذين الحديثين، لأن المعول عليه الرجوع إلى الأسانيد، ولكن من باب التمثيل وتقريب الصورة للأذهان.
*سؤال: إن طُلب منا تعريف المتواتر، فهل نعرفه بأنه: كل خبر يفيد العلم، أو بأنه ما يرويه العدد الكثير، وتحيل العادة تواطئهم على الكذب ... إلى آخر التعريف.
* فأجاب فضيلة الشيخ: يبدوا أننا سبق أن أشرنا إلى شيء من هذا، وأني حقيقة لم أعتني بضبط تعريف له بقدر عنايتي بالوصف العام الذي نفهمه، لكن ممكن أن نقول : هو الحديث الذي يرويه اثنان فأكثر مع إفادة العلم، فرواية الاثنين تعني أن أحدهما تابع الآخر، والتتابع هو التواتر في لغة العرب, فإذا جاءنا الحديث من طريقين فأكثر، ثم أفادنا العلم؛ فهذا هو الحديث الذي نستطيع أن نقول عنه أنه متواتر، وهذا بناءا على التسليم بهذا المصطلح في، وفيه ما فيه مما قد ناقشناه سابقا.
* سؤال : قوله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ في ليلة ? فمن كان يرجوا لقاء ربه ... ? الآية، كان له نور إلى مكة ". هل في ذلك النور (.....) فإذا قلنا أنه غريب جدا فهل يعني أن يكون ضعيفا؟(2/151)
* فأجاب فضيلة الشيخ : أنا لا أعرف أن هذا الحديث صحيح وفي الأعم الأغلب، في ظني أنه غير صحيح، لأن متنه فيه الغرابة، وعلى كل حال السؤال عن الأحاديث؛ صحة وضعفا، فهذا باب واسع لا نستطيع أن نوفيه حقه، يعني قد يسألوني عن بعض الأحاديث التي لا يحضرني حكم عليها، لأن كتب الأحاديث، وخاصة الكتب التي تعني بالغرائب، كتواريخ البلدان، لو جاء واحد (كلمة غير مفهومة) تاريخ بغداد فيه مئات الأحاديث يسأل عنها حديثا حديثا، فأنا لست البخاري حتى أستطيع أن أقول هذا صحيح وهذا ضعيف، وهلم جر .
لكن ما يحضرني من جواب أقوله، وبالنسبة للأحاديث الصحيحة في الأعم الأغلب هي معروفة بحمد الله، وربما الشيء الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا نستحضر أنها صحيحة، ونحتاج إلى أن نراجعها، ولكن هذا البريد الإلكتروني بإمكانكم أن تراسلوني عليه إذا احتجتم للسؤال عن حديث، وسيرد أليكم الجواب إن شاء الله تعالى.
*سؤال: أذا كان راوي الحديث شيعي أو رافضي، ومعروف عن الشيعة أنهم يسبون الصحابة، فما حكم الرواية عنهم؟
* فأجاب فضيلة الشيخ: بالنسبة لرواية المبتدع، فسبق أن فصلنا فيها بما يغني عن الإعادة، ولعل الأخ يراجع الكلام الذي ذكرناه.
*سؤال: أي هؤلاء أشد تساهلا في التعديل،
ابن حبان أم الحاكم؟
ابن عدي أم الحكام؟
الدارقطني أم ابن حبان؟
* فأجاب فضيلة الشيخ: بالنسبة للحاكم فهو أشدهم تساهلا، وبالنسبة للأعدل قولا، فأنا أرى أن الداقطني وابن عدي فرسا رهان، لكن كلام الدارقطني يمكن يكون أكثر من كلام ابن عدي في الرجال جرحا وتعديلا، بحكم أن للدارقطني عدة مؤلفات، وسؤالات وجهت له من قِبل بعض تلاميذه، كالحاكم والسدي، والسلمي وهكذا.
لكن هما يتميزان بالاعتدال تقريبا مع الميل للتساهل، يعني الدارقطني وابن عدي مصنفان على أنهما من المعتدلين، لكن فيه ميل إلى التساهل، وبخاصة من ابن عدي، ابن عدي فيه ميل إلى التساهل لكن ليس كتساهل ابن حبان والعجلي .(2/152)
بالنسبة لتساهل ابن حبان في الرجال فقد تكلمنا عنه سابقا، لكن كما أنه تساهل في توثيق الرجال؛ فهو في المقابل يتشدد في الجرح، فنجد أنه إذا جرح راوي أسرف في جرحه، وهذا قد يكون فيه شيء من التناقض في الشخصية، لكن في الحقيقة ليس هو بتناقض، لأن ابن حبان رحمه الله له منهج اختصه، فالراوي إذا تبين له فيه جرح؛ فإنه ربما أغلظ عليه العبارة، فإن لم يكن في الراوي جرحا فإنه يحمل المسلم على الأصل، وهو العدالة كما قال -رحمه الله تعالى-.
بالنسبة لتصحيحاته للأحاديث؛ فابن حبان عليه كثير من الاستدراكات، خاصة في الأحاديث المعلولة، فابن حبان لا يسير على طريقة علماء الحديث في علل الأحاديث، بل يسير على طريقة الفقهاء والأصوليين الذين إذا اختُلف في حديث من الأحاديث -على سبيل المثال- فراوي وصل الحديث، وعدة رواة أرسلوا ذلك الحديث، وشيخهم واحد، فنجد أن ابن حبان يأخذ برواية من وصل وإن كان واحدا وخالف الكثرة ولا يعل الحديث بمخالفة تلك الكثرة لهذا الراوي، وهذه طريقة الفقهاء والأصوليين الذين يقولون أن من وصل معه زيادة علم، وهو مثبت، وهو مقدم على النافي، (59.04) أولئك الرواة الين أرسلوا ذلك الحديث، فيتبين من هذا أن ابن حبان عليه مؤاخذات في الأحاديث التي يصححها، ولذلك نسبة الأحاديث المنتقده عليه في هذا الجانب، أكثر من نسبة الأحاديث المنتقدة على ابن خزيمة، فابن خزيمة رحمه الله يراعي علل الأحاديث، لكن مشكلة ابن خزيمة أن كتابه لم يصل إلينا، وإلا لو وصل كتاب ابن خزيمة لأبرز شخصية ابن خزيمة أكثر من هذا البروز الذي فيما مقداره ربع الكتاب، لكن ما وصل إلينا من صحيح ابن خزيمة إلا ما مقداره على وجه التقريب الربع، أما كتاب ابن حبان فوصل إلينا كاملا، وأوضح لنا منهج ابن حبان، بل هو صرح في مقدمة صحيحه بمنهجه هذا وأنه لا يسير على طريقة أهل الحديث علل هذه الأحاديث.(2/153)
الحافظ رحمه الله من هذه الحيثية ومراعاة علل الأحاديث هو أحسن من ابن حبان، يعني الحاكم يراعي علل الأحاديث نوعا ما، وعلى وجه الخصوص في كتابه " معرفة علوم الحديث" شخصيته شخصية العالم الفذ، ولا يستفاد من هذه الكلمة التزكية المطلقة، فهناك بعض الملاحظات عليه، لكن أنا أتكلم عن قضية علل الأحاديث، فالحاكم رحمه الله برز في هذا الجانب في كتابه " معرفة علوم الحديث" وإن كان أخفق فيه نوعا ما في تطبيقاته في المستدرك، لكن من حيث انتقاء الرواة؛ فابن حبان في صحيح أحسن انتقاءا للرواة من الحاكم في كتابه المستدرك.
*سؤال: بالنسبة للحارث بن عبد الله الأعور، من الناس من عدله، فقال الدوري عن ابن معين: الحارث قد سمع من ابن مسعود وليس به بأس.
وقال عثمان الدارني عن ابن معين : ثقة.
قال النسائي في رواية عنه: ليس به بأس.
قال علي بن مجاهد عن أبي ..الكلبي عن الشعبي: شهد عندي ثمانية من التابعين الخبر.
قال ابن أبي داود: كان الحارث .
فما الضابط في تصحيح أو تعديل أو توثيق الحارث بن عبد الله الأعور؟(2/154)
* فأجاب فضيلة الشيخ: أقول: إنك لو نظرت في ترجمة الحارث الأعور وفق التقعيد الذي كنا ذكرناه في حال تعارض أقوال أئمة الجرح والتعديل في الراوي، إذا تعارض الجرح والتعديل فأيهما نقدم؟ قلنا إننا نقدم الجرح إذا كان مفسرا ومبين السبب وصادرا من إمام عارف، فنأخذ هذا الراوي وهو الحارث الأعور كمثال لما كنا أخذناه نظريا، فنقول إن الحارث الأعور لو نظرنا في كتب الجرح والتعديل التي تناولته بالترجمة وفي مقدمة صحيح مسلم جعل مسلم بن الحجاج -رحمه الله تعالى- الحارث الأعور من الأمثلة التي كلم عنها في مقدمة صحيحه، وأورد عن بعض الأئمة تكذيبهم له، كالشعبي -على سبيل المثال- فالشعبي ممن صرح بتكذيب الحارث الأعور وإن قال بعض الأئمة أنه عنى تكذيبه في رأيه، لكن أن أقول إن عبارة الشعبي عبارة مطلقة تفيد التجريح مطلقا بضميمة أقوال الأئمة الآخرين، نجد أن الحارث الأعور فيه من البدع الشيء العظيم جدا، إلى حد انه قد يُشك في إيمانه، لهذه البدع التي قالها، مثل ما جاء في مقدمة صحيح مسلم وأظن الرواية عن علقمة أو أحد تلاميذ عبد الله بن مسعود، قال الحارث الأعور: الشيء الفلاني هين، لكن الوحي أشد، فمعنى ذلك أنه يوحى إليه، يعني هو يقول أنه يوحى إليه، كلمة الوحي أشد يعني أنه يوحى إليه –نسأل الله السلامة- هذا خروج عن الإسلام إذا كان يعتقد أنه يوحى إليه الوحي الذي كان ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا من مدلول هذه العبارة ( الوحي أشد) فهذا يعني خروجه عن الإسلام، وإن كانت هذه العبارة يمكن أن تحمل على أوجه يعتذر بها عن الحارث الأعور، إلا أنها تدل في الجملة على أن هذا الرجل بلاء.(2/155)
ورد تكذيب أئمة كثر للحارث الأعور، وليس فقط الشعبي، وأما الذين ضعفوه مطلقا؛ فهم الغالبية العظمى، وبالتالي فتوثيق ابن معين أنا أرى انه خروج عن أقول أئمة الجرح والتعديل الكثير التي جرحت الحارث الأعور، ويبدوا أن النسائي تسامح وجرى على ما ذهب إليه يحيى بن معين، مع العلم أني لا أذكر أن النسائي ممن وثقه، لكن الذي وثقه يحيى بن معين، ويبدوا أنه ضعفه في بعض الروايات أيضا، لكن يحيى بن معين ممن يكون في مقابل أئمة كثر كلهم جرحوا الحارث الأعور، وجرحهم مفسر كما قلته، فلتراجع لذلك كتب التراجم التي ترجمت للحارث الأعور .
*سؤال: ما حكم من حديث الشفاعة فيقول : لا أوافق عليه حتى يدركه العقل يوافق عليه؟(2/156)
* فأجاب فضيلة الشيخ: وجود تيار المعتزلة الذي لم يقم وزنا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جعل العقل حكما على سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا سبق أن أشرنا إليه في بداية كلامنا، خاصة حين تكلمنا عن المتواتر والآحاد، ولا بأس أن نؤكد على هذا، فنقول : إن أحاديث الشفاعة هل يمكن أن تكون مثالا واحدا من الأمثلة التي تدل على أن مبحث التواتر مبحث ينبغي أن يوقف منه موقف صارم جدا من قِبل علماء الأمة، لأن أحاديث الشفاعة برغم كثرتها إلا أن هناك من يدعي أنها ما زالت أحاديث آحاد، فإذن تعود المسألة للضابط الذي لا يختلف فيه في الخبر المتواتر، الكثرة التي تقنع جميع الأطراف ما هي؟ هذه غير موجودة وسبق أن أشرت إلى خلافهم أن هناك من يقول لابد أن يكون ثلاثمائة وأربع عشر إلى آخر ما هنالك من الأعداد التي قالوها على سبيل الظن والتخمين، فأحاديث الشفاعة أحاديث كثيرة ومن يقول أنها لم تبلغ التواتر؛ فقوله مردود عليه، بل يُخشى على من رد أحاديث الشفاعة من خروجه من دائرة الإسلام –نسأل الله السلامة- لأنه رد سنة صحيحة وردت من طرق متعددة وكثيرة جدا، فأي شيء يريد بعد هذا، وأما ردها بالعقل؛ فهذه هي المصيبة التي وقع فيها المعتزلة ومن حذا حذوهم من المدرسة العقلية التي توجد في هذا العصر، فنسأل الله السلامة.
فالمعول عليه؛ صحة الأسانيد، فإذا صح الإسناد، فعلى الرأس والعين، ومتى جاء الحديث من طريقين لا مطعن فيهما وجب الأخذ به وأفاد العلم ، ولا يجوز بحال من الأحوال أن نتخلف عن ذلك، ومن هنا يبدأ التواتر كما أشرت إليه في مرات عديدة.
*سؤال: بعض العلماء (....) المستدرك للحاكم (....) للشيخ الألباني رحمه الله (....) في صحيح أبي داود وفي ضعيف أبي داود، يعني ما أدري ما الضابط، هل السلسلة الصحيحة والضعيفة للشيخ الألباني ما فيها مناقشة؟ (............)(2/157)
* فأجاب فضيلة الشيخ: الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- واحد من الأئمة الذين ربما اجتهد اجتهاد في هذا اليوم يتراجع عنه في يوم غد، وهذا ليس عنده وحده، بل هناك أئمة كُثر ترد منه بعض هذه التراجعات، وهذا يدل على فضل هذا الإمام الذي يتراجع عن الخطأ إذا استبان له خطأه.,
أما هذه الأحاديث التي سواء يصححه الشيخ ويرجع عنها، أو يخالف فيها غيره فهي موجودة سواء بين الشيخ وبين غيره، أو بين أئمة آخرين وبين غيرهم من الأئمة -على سبيل المثال- هناك أحاديث يخرجها البخاري مصححا لها، ويعترض عليها مسلم ويعلها، والعكس كذلك، هناك أحاديث يصححها مسلم ويعلها البخاري، بالإضافة للأئمة الآخرين وما كتاب الدارقطني "التتبع" عنا ببعيد، فإن الدارقطني ينتقد على الصحيحين أحاديث أخرجها صاحبا الصحيحين، وهذا يعني مخالفته لهما في تصحيح هذه الأحاديث، فهذا الاختلاف وارد، لكن مهمة طالب العلم أنه مثل النحلة، التي جميع الشجر، فيأخذ الحق بدليله، ينظر لكلام هذا الإمام، وإذا اقتنع به فذاك غاية المطلوب، وإن وجد كلام الإمام الآخر هو الأصوب فليأخذ به ولا حرج في ذلك.
لكن بحمد الله مقدار المتفق عليه كثير، وفيه غنية ولله الحمد.
*سؤال: أرجوا منكم أن توضحوا لي، ما الفرق بين الأنواع التالية،
الفرد النسبي والمطلق
المتابع والشاهد، مع ذكر شيء من التعريف، وجزاك الله خيرا.
* فأجاب فضيلة الشيخ:(2/158)
الفرد المطلق يكون في الصحابي، يعني إذا لم يروي ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا صحابي واحد فهذا يعني أنه فرد مطلق، وأما إذا روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من صحابي، فهذا قطعا هو فرد نسبي، فإذا أطلق التفرد على بعض طرق هذا الحديث فهذا تفرد نسبي، لكن هل يكون الفرد المطلق نسبيا؟ نقول: نعم، قد يكون فردا مطلقا ونسبيا في نفس الوقت، مثل ماذا؟ مثل ما لو قلنا عن حديث: "إنما الأعمال بالنيات" نستطيع أن نقول أنه حديث تفرد به أهل المدينة، فعمر رضي الله عنه والراوي عنه علقمة بن كلهم من المدينة، فنقول عن هذا أنه حديث مدني، تفرد به أهل المدينة, فيكون نسبيا من هذه الحيثية، يعني جاءت الغرابة فيه بالنسبة إلى جهة معينة، وهم أهل المدينة، كما أنه فرد مطلق أو غريب مطلق في نفس الوقت لكونه تفرد به عمر بن الخطاب .
*سؤال: ما هو الفرق بين الإدراج في الحديث مثل ما حدث من الزهري في كلمة (كلمة غير مفهومة) وبين زيادة الثقة مثل ما حدث من الشافعي -رحمهم الله تعالى-؟ وجزاكم الله خير
* فأجاب فضيلة الشيخ: الفرق بين الإدراج وزيادة الثقة، أن زيادة الثقة جاءت في متن الحديث يعني ليست من قول الراوي، أما بالنسبة للإدراج، فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الراوي، يعني أن زيادة الثقة ينبني عليها حكم وأن الإدراج فلا ينبني عليه حكم، ولذلك عني العلماء بتمييز المدرج عن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه، فيبنى عليه حكم وهو ليس كذلك .
*سؤال: ما صحة حديث " من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى طلوع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة"(2/159)
* فأجاب فضيلة الشيخ: هذا الحديث ورد من عدة طرق ضعيفة ليست فيها شيء صحيح البته، ولا فيها شيء على انفراده حسن، ولكن بعض أهل العلم يرى أن هذه الطرق بمجموعها يكون الحديث حسنا لغيره بها، وهذا اجتهاد من بعض هؤلاء الأئمة والمشايخ وطلبة العلم الذين حكموا على الحديث بهذا الحكم، وهناك من طلبة العلم الآخرين مَن يعل هذه الطرق، فيرى أنها مفاريد ومناكير ولا يتقوى الحديث بمجموعها، وأنا أذهب هذا المذهب، وأرى أن هذه الطرق لا يتقوى الحديث بمجموعها، لأنه ما من طريق من الطرق إلا وتجد بها من النكارة ما يجعلك تستبعد أن يكون هذا الطريق من الطرق التي يمكن أن يتسامح فيها، وتتقوى بمجموع تلك الطرق الأخرى.
*سؤال: بالنسبة للحكم على الحديث بأنه صحيح أو موضوع، هل هو من باب الظن أو من باب اليقين؟(2/160)
* فأجاب فضيلة الشيخ: تجد هناك عبارة من بعض كلام أهل الحديث حينما يقولون أنه حين توفرت شروط الصحة في إسناد ما من الأسانيد التي أمامك فإن هذا الإسناد تحكم عليه أنت بالحكم ظاهرا فتقول هذا سند صحيح، ولا تقل هذا حديث صحيح، إلا بعد أن تستنفذ الجهد، وتجمع طرق الحديث، وتتأكد من أن هذا الحديث لا علة له، هذا الكلام من حد ذاته صحيح من حيث الجملة، وهو أنه إن لم تسعفك الحال يا طالب علم الحديث في جمع طرق هذا الحديث في تتعجل، لأنك ستحكم من خلال إسناد أمامك، قد يكون هذا الإسناد ظاهره الصحة، ولكن إذا ما جمعت طرق الحديث؛ تبين لك أن بهذا الحديث علة، فقد يكون الحديث الذي أمامك متصلا وهو في الحقيقة مرسل، ولا يتبين لك هذا الإرسال إلا بعد جمع الطرق، والكلام من هذه الحيثية صحيح، لكن إن كان هذا الكلام ينصرف إلى الحكم على الحديث بعد استنفاذ الجهد، وجمع طرق الحديث، ولم يتبين لنا في ذلك الحديث علة، ظاهر الإسناد الصحة فإنه لا يمنع في هذه الحال أن أقول : هذا حديث صحيح، ولا يمنع أن أجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله، لأننا لا نُكلف إلا بما نطيق، مثل ما أن القاضي قد يفتي بقتل إنسان وقد يكون مخطئ، لكن هو استنفذ الجهد الذي أمامه، فالرب جل وعلا لا يؤاخذه بهذا احكم، ما دام أنه اجتهد وحكم ولكنه اخطأ، فالرب جل وعلا لا يؤاخذه بذلك، ونحن أيضا بهذه لو قُدر أننا أخطأنا في الحكم بعد أن استنفذنا الوسائل، ولم نقصر فنحن غير مؤاخذين في هذه الحالة.
لكن متى ما وجدنا طريقا أخرى لذلك الحديث؛ فهنا أصبح الحديث فلا كلام إذا جاءت من طريق أخرى صحيحة فأي شيء يريد بعد هذا، ارتفع مع ذلك الشك وذلك التخوف الذي ينتابنا من الطريق الواحد فهذه مسألة مهمة وهو بخلاف ما يذهب إليه أهل الكلام من رد الأحاديث التي تعددت طرقها بحجة أنها لم تصل إلى درجة التواتر مثل ما مثل له أخونا الذي سأل عن حديث الشفاعة.(2/161)
*سؤال: بالنسبة لتقوية الحديث بمجموع الطرق، ذكرتم في كلام لابن القطان من الحديث " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " وتكلم على طرقه ثم قال: ويشهد له قوله تعالى: ? فإذا قُرء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ?، فما الضابط في التقوية ؟
* فأجاب فضيلة الشيخ: بالنسبة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاءنا حديث عنه عليه الصلاة والسلام يوافقه ظاهر القرآن، ولكن هذا الحديث الذي جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم تتوفر فيه شروط الصحة، وجدنا ضعيفا لسبب واحد أو أكثر من سبب، فهل نحكم على الحديث بالصحة، بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله بموافقته لظاهر القرآن؟ نقول: لا، لا يجوز أن نحكم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك الحديث لاحتمال أن يكون الراوي أخطأ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك الحديث أصلا، ولكن الراوي فهم من ظاهر الآية هذا الفهم، أو التبس عليه الأمر بمقولة لصحابي، أو جريان عمل، أو نحو ذلك، فظن ذلك حديثا، فلا يجوز أن نحكم على الحديث الضعيف بأنه حديث صحيح بناءا على ظاهر القرآن، فظاهر القرآن لا يقوي الحديث الضعيف.
لكن هذا من حيث الإسناد، ومن حيث نسبة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم إسنادا، إما من حيث صحة المعنى؛ فهذه مسألة أخرى يغنينا ظاهر القرآن أصلا عن أن نقول أن معنى هذا الحديث صحيح، فالمعول عليه؛ كتاب الله، وذلك الحديث الذي ضعُف بسبب ضعف أحد رواته، أو بسبب فقده أحد شروط الصحة، فإنه لا يلتفت إليه في مثل هذه الحالة.(2/162)
وكلام ابن القطان يتكلم عن الحديث الذي له طرق كثيرة، فابن القطان يضع له تحفظ على الحسن لغيره فيقول: ليس كل حديث ورد من طرق متعدد يكون حسن لغيره بحيث نحتج به في الأحكام، ويفصل قائلا: هذا الحديث إن وردت له طرق كثيرة جدا توقع في نفس الناظر فيه أن للحديث أصل يأخذ به (كلمة غير مفهومة) في فضائل الأعمال، يعني هو يسرد شروطا دقيقة ، إلا أن يوافقه ظاهر القرآن فهنا نعمل به حتى في الأحكام، فابن القطان عنده شدة أكثر من الكلام الذي تكلمنا فيه، أنا أتكلم عن الحديث الفرد، حديث فرد ضعيف، أو ربما جاء من طرق لكنها طرق متهافته، يعني كلها ضعيفة جدا، فلا أستطيع أن أقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الحديث بناءا على هذه الطرق، التي لا يتقوى الحديث بمجموعها، بناءا على أن هذا الحديث يوافق ظاهر القرآن .
والمسألة ينبغي أن لا نتعاظمها بهذا الشكل، فالأمر أهو من هذا، لأن الذي يهمنا ما هو؟ يهمنا العمل يهمنا لفظ الحديث، فإذا كان متن الحديث موجودا في القرآن؛ فلماذا نشغل أنفسنا بهذا الشغل الشاغل؟ ليس هناك ما يدعونا للقلق، الحمد لله القرآن يتضمن هذا المعنى فلنسترح مما عداه.
*سؤال: هل الحافظ ابن حجر بالشروط التي ذكرها في الشرح(..........)
* فأجاب فضيلة الشيخ: أقول إن الحافظ ابن حجر فيما وقفت عليه يرى أن شرط البخاري أقوى من شرط مسلم، وأنه هو المنهج الصحيح، وبالنسبة لمنهج مسلم فيرى أنه اجتهاد من الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- ولكن اجتهاد البخاري عنده أصوب من اجتهاد مسلم، هذا بالنسبة للحافظ ابن حجر والشيخين.
*سؤال: تسأل عن إمكانية المذاكرة في كتاب "تيسير مصطلح الحديث" للإمام الطحان حفظه الله؟(2/163)
* فأجاب فضيلة الشيخ: كتاب تيسير مصطلح الحديث لا بأس به، للشيخ الدكتور محمود الطحان، كتاب منهجي، وجيد إلى حد كبير، وينبغي أن نضع في عين الاعتبار أن مطلق التزكية لا تعني التزكية المطلقة، يعني لا يعني أنني أقول أن الكتاب من ألفه إلى ياءه صواب، حتى لا يأتي إنسان ويقول مثلا أن فيه العبارة الفلانية وأنا قلت بخلافها، لا؛ ولكن المقصود الجملة، فالكتاب في الجملة سار على طريق الحافظ ابن حجر، هو جاء بكتاب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ورتبه على هذا الترتيب المنهجي الذي يفيد طلبة العلم، فأنا أنصح بالقراءة في هذا الكتاب.
*سؤال: ما الحديث المسروق وما حكمه؟
* فأجاب فضيلة الشيخ: هو حديث موضوع، وصورته أن يأتي أحد الوضاعين إلى حديث عند شخص آخر، ربما كان ذلك الحديث صحيحا، وربما كان غير صحيح، فيسرق ذلك الحديث وينسبه إلى نفسه وهو في الحقيقة لا يرويه، ولعل المثال الذي مثلنا به يمكن أن نعيده هاهنا، فهناك حديث يرويه سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبدأو اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"، هذا الحديث جاء حماد بن عمرو النصيبي، فسرقه من سهيل ابن أبي صالح وركبه على الأعمش، وقال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وذكر الحديث، الحديث صحيح أصلا، وهو عند مسلم، فمتن الحديث لا إشكال فيه، ولكن الإشكال في الطريق ونسبة الرواية إلى نفسه فهو لا يروي الحديث عن الأعمش، والأعمش لا يرويه عن أبي صالح، وليس هذا من حديث الأعمش، فإذا حماد بن عمرو سرق حديث سهيل، وركب له هذا الإسناد، فهو من أنواع الوضع في الحديث .
*سؤال: إذاعرفنا أن بعض الأحاديث لم تصحح إلا في وقت متأخر فهل باب التصحيح والتضعيف ما زال مفتوحا لمن هداه الله إلى ذلك؟(2/164)
* فأجاب فضيلة الشيخ: نعم، الصواب في هذا أن باب التصحيح والتضعيف ما يزال مفتوحا حتى هذه الساعة، وكلام ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- سيأتي إن شاء الله تعالى معنا فيما بعد ذلك إن شاء الله من المراحل المتقدمة، تفصيل لكلام ابن الصلاح ومناقشته، والحافظ ابن حجر ما تعرض له لأن كتابه مختصر، فكلام ابن الصلاح في منع التصحيح في الأعصار المتأخرة؛ هذا كلام انتقده عليه كثير من أهل العلم، ورأوا أنه ما أصاب في كلامه هذا، والصواب أن باب الاجتهاد لا يزال مفتوحا لمن أراد أن يصحح أو يضعف، عدا الصحيحين، فالصحيحان مستثنيان من هذا الكلام الذي نتكلم عنه.
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
هذه هي الحلقة الأخيرة من حلقات شرح هذه النخبة المباركة إن شاء الله تعالي ، ونسأل الله جل وعلا أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
كنا في الحلقة الماضية نرغب في عرض بعض الشرائح التي تعد مراجعة سريعة لبعض مهمات ما أخذناه في هذا الكتاب المبارك ، وكان هناك بعض التعسر الفني في هذه القضية ولعله زال إن شاء الله تعالي في هذا اليوم ، وبعد قليل إن شاء الله تعالي سنبدأ في عرض هذه الشرائح التي تعد مراجعة سريعة لما كنا أخذناه وبخاصة في قضية التمثيل ونحو ذلك نستطيع أن نسميه وسيلة إيضاحية لبعض الأنواع التي أخذناها في هذه المادة .
كنا أيضا ذكرنا بأن هناك بريد اليكتروني للتواصل معنا لمن أراد أن يسأل عن شيء سواء يتعلق بالمادة أو يتعلق بأي استفسار يتعلق بالحديث لكن يبدوا أنه حصل خطأ في إخراج عنوان البريد الإلكتروني لعله يعدل هذا البريد هكذ .(2/165)
كذلك أيضا بالإمكان التواصل عبر البريد الإلكتروني الآن أو عبر المكالمات الهاتفية لمن كان عنده أدنى استفسار ثم يتعلق بالمادة ونحن إن شاء الله تعالي سنبدأ بعرض الشرائح إلا إذا كان هناك أي شيء .
إذن نبدأ إن شاء الله بعرض الشرائح التي نستطيع معها أن نتصور لشرح الحديث ، هذه الشرائح التي نراها إن شاء الله تعالي على الشاشة أولها هذه الشريحة ما أدري كان خرجت.
هذه الشريحة التي ابتدأت تظهر معنا كما نرى فيها يعني مثل ما قلت سابقا إنه من علم الحديث يحتاج إلي خيال نتصور النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم حوله هكذا وهم يتلقون العلم الشرعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم محيطون به عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم ، فيحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي يأخذونه عنه مباشرة مثل هذا الحديث الذي سنأخذه وهو الحديث الصحيح ، سيتضح لنا ذلك النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما من المعروض تعريف الحديث الصحيح : بأنه ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط من غير شذوذ ولا علة .
نأخذ المثال يتكرر معنا في الحديث الصحيح وهو حديث (إنما الأعمال بالنيات ) ونتصور عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد تلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث كما نلاحظ الآن هو عمر بن الخطاب الذي روى هذا الحديث دون سائر الصحابة رضي الله تعالي عنهم .
ثم إن عمر رضي الله عنه كما أنه تلقي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ، فبلغه كذلك أيضا كما تلقاه عنه علقمة بن الليثى كما نشاهد الآن في هذه الشريحة ، فعمر حدث بهذا الحديث على المنبر وكان هناك عدد من الذين يستمعون إلي عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه ، لكن الذي نقل هذا الحديث عنه هو علقمة بن الليثي الذي نشاهده الآن بهذه الصفة .(2/166)
علقمة بن ذهب يحدث بهذا الحديث كما تلقاه عن عمر بن الخطاب ، وكما أن عمر بن الخطاب تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذن يتضح لنا الآن ما نسميه باتصال السند ، كون عمر أخذه مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلقمة كما نرى أخذ عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه ، ثم نرى الآن كيف أن الإسناد اكتمل فهذا علقمة بن أخذ عن عمر ثم جاء محمد بن إبراهيم فأخذ عن علقمة وقاص كما نرى الآن .
جاء بعد محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري فأخذ هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي ، جاء بعد ذلك سفيان بن عيينة وغير سفيان بن عيينة عدد جم أولئك الذين روو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، لكن أحدهم هذا من المعروف أمامنا وهو سفيان بن عينة رحمه الله .
والبخاري أخذ بهذا الحديث في صحيحه عن سفيان بن عيينة من طريق عبد الله بن الزبير الحميدى هذا وأيضا من طريق شيخه علي بن ..كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالي في بعض الشرائح الأخرى .
فإذن هذا الإسناد موجود عند البخاري في صحيحه لهذا الحديث الشريف وهو حديث (إنما الأعمال بالنيات ) والذي جعلناه مثالا للحديث الصحيح .
علينا أن نتخيل كل هذه السلسة المعروضة أمامنا ، وهي التي نسميها سلسلة الإسناد أو رجال الإسناد وهم السلسلة الذين يوصلون ما بين صاحب الكتاب وهو البخاري والنبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .(2/167)
هذه السلسلة لابد أن يكون بينها هذا الترابط الذي نراه ، أي لابد أن يكون كل واحد من هؤلاء الرواة أخذه عن من فوقه كالبخاري أخذه عن الحميدي مباشرة دون واسطة ، والحميدي أخذه عن سفيان بن عيينة مباشرة دون واسطة ، وسفيان أخذه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مباشرة دون واسطة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري أخذه عن محمد بن إبراهيم التيمي مباشرة دون واسطة ، محمد بن إبراهيم التيمي أخذه عن علقمة دون واسطة ، علقمة أخذه عن عمر دون واسطة ، وعمر أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الذي نسميه اتصال الإسناد .
كذلك لو نظرنا في هؤلاء الرواة المعروضين أمامنا علقمة ، ومحمد بن إبراهيم ، يحيى بن سعيد ، وسفيان بن عيينة ، والحميدى كل هؤلاء ثقات ، فمادام أنه اتصل الإسناد برواية هؤلاء الثقات الذين لا ينتابهم شك فالحديث يكون بهذه الصورة صحيحا .
يبقي عندنا قضية انتفاء العلة ، بحثنا ، خرجنا هذا الحديث من جميع كتب الحديث ونظرنا فإذا بالحديث هذا ليس له علة تكشف أنه فيه انقطاع أو فيه ما يمنع من قبوله فحكمنا لذلك على هذا الحديث بالصحة ، ولسنا نحن الذين حكمنا ، بل حكم عليه أئمة الإسلام ، ولم يتردد واحد منهم في قبول هذا الحديث أو الاحتجاج به ، بالرغم من أنه حديث غريب ما روى إلا من طريق عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه .
وأي رواية تأتي من غير عمر بن الخطاب أو عن غير عمر بن الخطاب فكلها روايات معلوله لا يصح منها شيء البتة فلا يصح إلا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه .
عندنا بعد هذا الحديث الحسن وترونه أيضا معروضا أمامكم : أنه ما اتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط من غير شذوذ ولا علة .(2/168)
يمكن أن نمثل بمثال واقعي وهو حديث يرويه الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادى رضي الله تعالي عنه وسنرى سلسلة رجال هذا الإسناد بهذه الصورة ، لكن متن الحديث يقول فيه صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرا إلا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلي أخر الحديث إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم ، يعني يمكن للإنسان الذي لبس الخفين أن يمسح على الخفين إذا كان حدثه بسبب الغائط والبول والنوم ، أما الجنابة فلابد من نزع الخفين لأجل الاغتسال ، سلسلة رجال الإسناد نراها بهذه الصورة هذا صفوان وروى الحديث عنه تلميذه بن حبيش يروي الحديث عن ابن حبيش تلميذه عاصم بن النجود يرويه عن عاصم تلميذه وهو حماد بن زيد ، يرويه عن حماد بن زيد تلميذه أحمد بن ...والحديث بهذا الإسناد أخرجه الترمذي في جمعه كما رواه عدد جم غير الترمذي فعدد أولئك الذين روا الحديث عن عاصم بن أبي النجود بلغ أكثر من أربعين راويا كلهم يرونه عن عاصم بن أبي النجود .
الحديث بهذا الإسناد الذي نراه أمامنا كل رجاله ثقات عدا عاصم بن أبي النجود كما سنرى ، فإذن لاحظوا صفوان من عسال صحابي وابن حبيش أيضا كذلك ثقة ، حماد بن زيد ثقة، الصحابي قلنا عنه ثقة لأن الصحابة كلهم ثقات عدول ، أحمد بن عبده الضبي كذلك ثقة ، الترمذي إمام معروف أيضا بأنه ثقة ما بقي عندنا إلا عاصم بن أبي النجود فهو الذي يقول عنه الأئمة إنه صدوق حسن الحديث ، وهذا بالنسبة للحديث ، لكن بالنسبة للقراءات فعاصم بن أبي النجود حجة في القراءات ، إذن الحديث الصدوق هو الحديث الذي يسمى حسنا كما نلاحظ الآن السهم يشير إلي الحديث الحسن بسبب هذا الراوي الصدوق .(2/169)
يمكن أن نأخذ مثالا أخر أيضا للحديث الحسن وهو حديث من رواية عبد الله بن عباس رضي الله تعالي عنهما في تفسير قول الله جل وعلا ?فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ?[البقرة: من الآية196] فسرها النبي صلى الله عليه وسلم من الأزواج الثمانية المذكورين في سورة الأنعام "ثمانية أزواج " إلي أخر الآية ، هذا الحديث يرويه عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرويه عن عبد الله بن عباس التابعي الجليل مجاهد بن جبر المكي ، ويرويه عن مجاهد يونس بن أبي إسحاق ، ويرويه عن يونس هشيم بن بشير ، ويرويه عن هشيم تلميذه سعيد بن منصور وقد رواه في سننه ن والإسناد المعروض أمامنا كل رجاله ثقات عدى راوي واحد وهو يونس بن أبي إسحاق كما نلاحظ في هذا العرض فيونس هو الصدوق لذلك حكمنا على هذا الحديث بأنه حديث حسن .
إذن من خلال هذا العرض الذي تقدم معنا استطعنا أن نتصور كيف يمكن أن يكون الحديث صحيحا وكيف يمكن أن يكون حسنا .
ذكرنا أن الحديث ينقسم إلي قسمين إما مقبول وإما مردود :
فالمقبول هو : الحديث الصحيح بقسميه الصحيح لذاته والصحيح لغيره ، والحسن بقسميه الحسن لذاته والحسن لغيره .
أما بالنسبة للمردود : فالمردود إما أن يكون بسبب سقط في الإسناد أو بسبب طعن في الراوي ، وذكرنا أن السقط في الإسناد يكون بستة أنواع منها ما هو سقط جلي ظاهر وبين يدركه كل أحد ، ومنها ما هو سقط خفي لا يدركه إلا الأئمة الجهابذة النقاد .
فأول الأنواع التي هي من السقط الجلي الواضح البين أولها الحديث المعلق والذي كنا عرفناه بأنه ما سقط من أول إسناده راوي فأكثر على التولي ولو سقط جميع الإسناد كما سنرى في هذه الصور التي سنعرضها إن شاء الله تعالي .
فنأخذ حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) لأجل تقريب الصورة للأذهان ثم نأخذ بعد ذلك أمثلة حقيقية للحديث المعلق .(2/170)
فهذا حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) الذي حدث به عمر بن الخطاب على المنبر وإسناده معروف معنا كما رأيناه قبل قليل ، لكن الإسناد المكتمل أمامنا بهذه الصورة كما هو معروف لنا إذا أردنا أن نسقط راوي واحدا فقط بين المصنف وهو البخاري وبين شيخه فإننا سنسقط الحميدي فيكون البخاري يقول قال سفيان بن عيينة ، فالبخاري علق الحديث وأناط الحديث بسفيان بن عيينة ، وباقي الإسناد موجود ، فهذا يسمى معلقا ولكن سقط من أول إسناده راوى واحد فقط .
هنا يمكن أن يكون الساقط راويين فالحميدي وشيخه سفيان بن عيينة فيكون البخاري يقول قال يحيى بن سعيد الأنصاري ، فإذن أصبح عندنا الساقط اثنين بهذه الصفة .
يمكن أن يكون ثلاثة كما نرى وينيط البخاري ويعلق الحديث بمحمد بن إبراهيم التيمي ، يمكن أيضا أن نسقط محمد بن إبراهيم التيمي فيعلقها البخاري بعلقمة بن وقاص الليثي .
يمكن أيضا أن نسقط علقمة بن وقاص فيعلق البخاري الحديث في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويمكن أيضا أن نسقط عمر بن الخطاب فيقول البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل هذه صور الحديث المعلق كما نرى .(2/171)
من حيث الواقع عندنا هذا المثال المعروض أمامنا حديث أخرجه البخاري في صحيحه فقال قال محمد حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا يونس عن الزهري قال سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة التي ترمى مسجد منى يرميها بسبع حصيات فالبخاري لم يقل حدثنا محمد ولكن قال وقال محمد ، فهذا المثال يمكن أن يفيدنا في الحديث المعلق ، ويمكن أنم يفيدنا أيضا في موضوع أخذناه سابقا وهو الراوي المهمل فشيخ البخاري هنا مهمل يقول البخاري قال محمد من هو محمد شيخ شيخك هذا أيها البخاري من هو لذلك وجدنا العلماء الذين تكلموا عن هذا الراوي اختلفوا في ما بينهم فبعضهم قال هو محمد بن يحيى الزهري ، بعضهم قال لا هو محمد بن بشار وبعضهم قال لا محمد بن المثنى الزمني .
فاختلفوا أكثر شيء في هؤلاء الثلاثة بل بعضهم زاد على هؤلاء الثلاثة وهذا هو الذي نسميه الراوي المهمل وهو الذي لم ينسب فشيخ البخاري محمد هنا لم ينسبه البخاري ولكن جميع شيوخ البخاري في هذه الطبقة الذين يرون عن عثمان بن عمر كلهم ثقات كان الزهري أو محمد بن بشار أو محمد بن موسى الزمن كل هؤلاء من الثقات بحمد الله ، لكن بعض أهل العلم يمكن أن يتوقف عن قبول هذا الحديث ويكون هذا معلق ولم يصغه البخاري بالطريقة المعروفة عنده .
أن هذا المثال على أساس نرى التعليق في شيخ البخاري ، فمحمد هذا شيخ للبخاري حتما لكن البخاري لم يصرح بالتحديد عنه هنا فهذا أحد الأمثلة التي يكاد يكون الإسناد بها مكتملا إلا أنه ينتاب الشك الواحد هل أخذ هذا البخاري عن شيخه محمد مباشرة أو يمكن أن يكون بينهما واسطة ، كل هذا محتمل على ما كنا فسرناه سابقا .(2/172)
نأخذ الآن مثالا لراوي لم يدركه البخاري وهو إبراهيم بن سعد الزهري ، فإبراهيم بن سعد الزهري هذا في الأعم الأغلب أن البخاري يروي عنه بواسطتين ، يعني سيكون بينه وبين البخاري راويان ، إذن البخاري لم يدرك إبراهيم بن سعد هذا وهذا يتضح لنا من خلال سنة وفاة إبراهيم بن سعد فكما نري على الشاشة أنه توفي في سنة خمس وثمانين ومائة والبخاري ولد بهده بتسع سنوات فبولادة البخاري كانت في سنة أربع وتسعين ومائة فهذا انقطاع ظاهر وبين يدركه كل أحد ، ولا أحد يشك بأن البخاري لا يمكن أن يكون أخذ عن إبراهيم بن سعد فبالتالي هذا الحديث الذي علقه البخاري يفتقر إلي سلسلة الإسناد بين البخاري وبين إبراهيم بن سعد ، لكن يلاحظ في هذا الحديث أن البخاري قال وقال إبراهيم بن سعد إذن جزم البخاري بهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد وهذه هي الصيغ التي نقول عنها إنها صيغ الجزم ، فإذا جزم البخاري عن الشيخ فهذا يعني تكفل البخاري بالإسناد في ما بينه وبين ذلك الشيخ الذي علق الحديث عنه ، فإذن البخاري تكفل لنا بالإسناد في ما بينه وبين إبراهيم بن سعد .
طيب لماذا مادام البخاري تكفل لنا بالإسناد ، لماذا لم يخرج هذا الحديث في صحيحه ؟ الجواب في بن إسحاق الذي نراه على الشاشة أمامنا فالبخاري لم يحتج بمحمد بن إسحاق لأنه ليس على شرطه ، فما جام أنه ليس على شرطه فهو يشير إلي كل ناظر في كتابه يقول له انتبه فهذا الحديث لا يلزمني ، فأنا لم أصحح هذا الحديث ولكن أتيت به في التبويب وفي الفوائد الفقهية التي اوردها ، لكن الحديث ليس على شرطي ، فهذا الحديث الذي يرويه بن إسحاق عن عكرمة بن خالد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالي عنهما أنه سئل عن العمرة قبل الحج فقال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج .
هذا الحديث وإن كان حسنا عند بعض أهل العلم إلا أن البخاري لم يلتزم بصحته أو بحسنه في كتابه وإن كان قد يحسنه في موضع أخر خارج صحيحه .(2/173)
نأخذ مثالا أخر تعليق البخاري الحديث عن التابعي ، فأبو الجبير ها هنا هو محمد بن مسلم المكي ، البخاري علق هذا الحديث عن أبي الزبير جازما به أيضا فهو يقول الإسناد من عندي إلي أبي الزبير صحيح لكن أنا بينت لك ما يمكن أن يكون على لهذا الحديث ، أين تكمن العلة ؟ تكمن في أبي الزبير ، أبي الزبير هذا احتج به مسلم في صحيحه ، أما البخاري فلم يحتج بأبي الزبير لأنه ليس على شرطه فعلق عنه البخاري هذا الحديث ليبين أنه لا يلزمه تصحيح هذا الحديث وإن كان قال في صحيحه أئمة آخرون ، فهذا الأثر المعروض أمامنا وهو عن عائشة وبن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الزيارة يعني طواف الإفاضة إلي الليل يعني يوم العيد فطاف صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم في الليل هذا بناء على هذه الرواية ، لكن الحديث الصحيح جابر يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بعد أن رمى جمرة العقبة كما هو معروف في صحيح الأحاديث .
إذن يمكن أن يكون هذا الحديث معلولا بهذه الصفة وقد تكمن علته في أبي الزبير المكي هذا ولا داعي للتفصيل فيه هل هو مدلس أو غير مدلس هذه مسألة أخرى ليس هذا موضعها .
يمكن أن يعلق البخاري الحديث عن التابعي بصيغة التمريض كما نراه هنا فهذا الأثر الذي أمامنا والحديث يقول فيه البخاري وينكر عن أبي حسان وهو الأعرج عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى فإذن البخاري علق هذا الحديث عن أبي حسان بصيغة التمريض وقلنا أن صيغة التمريض هذه لم يتكفل فيها البخاري بالإسناد في ما بينه وبين أبي حسان ، فقد يكون صحيحا وقد يكون غير صحيح .
فهذه من صور المعلق عند البخاري .(2/174)
إذن كما رأينا أنه قد يعلقه عن شيخه وقد يعلقه عن شيخ مواسط الإسناد مثل إبراهيم بن سعد شيخ لم يدركه ، وقد يعلقه عن التابعي وقد يعلقه عن الصحابي كما نرى في هذا المثال الذي أمامنا ، فالبخاري علق هذا عن عائشة رضي الله تعالي عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الجيش الذين يغزون الكعبة يبعثون على نياتهم ، فعلق البخاري هذا الحديث عن عائشة مجزوما به ، طيب مادام علق الحديث عن عائشة رضي الله عنها مجزوما به فلماذا لم يصححه ، أفي عائشة شك ، أيمكن أن يكون الحديث منقطعا ؟ نقول لا لأن البخاري قد أخرج هذا الحديث في صحيحه لكن في موضع أخر ، أما هذا الموضع فإنه علق هذا الحديث فيه بهذه الصفة .
لكن ما السبب الذي يجعل البخاري يعلق الحديث في هذا الموضع ، ولا يريده تاما لأنه اختصر الحديث كما نرى ، فالحديث طويل لكنه حينما اختصره بهذه الصفة المعروضة أمامنا علقه تعليقا رحمه الله .
كذلك أيضا قد يعلق الحديث البخاري عن الصحابي بصيغة التمريض مثل هذا الحديث المعروض أمامنا قول البخاري فيه وينكر عن أبي هريرة رفعه يعني رفعه إلي النبي صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه .
إذن البخاري في هذا الحديث لم يتكفل بالإسناد في ما بينه وبين أبي هريرة ، لأن في الإسناد مقالا سبق أن أشرنا إليه في الحلقة الماضية وقلت أن هذا الحديث أخرجه بن خزيمة في صحيحه متوقفا عن صحته حين قال إنه لا يعرف بن ..ولا أباه عدالة ولا جرح ، فهذا هو الحديث الذي أخرجه بن خزيمة متوقفا فيه ، البخاري كذلك علقه بصيغة التمريض لأنه لم يتكفل بالإسناد في ما بينه وبين أبي هريرة .(2/175)
قد يعلق البخاري الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا المثال المعروض أمامنا حينما قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقدموا رمضان الحديث صحيح لكن البخاري علقه لأن اختصره والحديث معروف لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم فليصم ذلك اليوم أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
فالحديث تاما هو صحيح والظاهر أنه مخرج عند البخاري في صحيحه ولست متأكدا من هذا لكن المهم أن البخاري في هذا الموضع اختصر الحديث فتبين لنا أن البخاري قد يعلق الحديث أيضا حتى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحذف كامل الإسناد .
لكن في المثال الماضي علقه بصيغة الجزم يعني أنه تكفل بصحة الحديث في ما بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لكن في هذا المثال المعروض أمامنا الجديد الآن علقه بصيغة التمريض فقال وينكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استاك وهو صائم ، حينما قال وينكر وجاء بالحديث بصيغة التمريض في هذه الصفة كأنه يومئ إلي أن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك فالحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لعلنا نتوقف في هذا إذا كان هناك بعض الأسئلة من قبل الأخوة الحضور ثم نعاود إن شاء الله تعالي عرض الشرائح حتى لا يكون الموضوع مسهبا ومملا بهذه الصورة فننوع نراوح بين هذا وذاك .
سؤال :
لو تفضلتم تبين لنا ما الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
الحديث القدسي : هو الحديث الذي يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلي ربه جل وعلا وهو الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب فهذا يسمى حديثا قدسيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسبه للرب جل وعلا ولم يحدث به من تلقاء نفسه .(2/176)
الحديث النبوي : هو الذي لا يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلي الرب جل وعلا ولكن يحدث به من تلقاء نفسه مثل الحديث الذي مر معنا حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) .
أما الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي : فهناك عدة فروق بعضها ظاهر وبين فالحديث القدسي يضاف إلي الرب جل وعلا ، والحديث النبوي من قول النبي عليه الصلاة والسلام .
الحديث القدسي مادام أنه من قول الرب جل وعلا هل يجوز فيه أن يروى بالمعنى أو لا ؟
نقول نعم إنه يجوز فيه وفي الحديث النبوي أن يرويا بالمعنى ، ولكن في الحديث القدسي يحتاط الرواة كثيرا إلا أنه لما تعذر الإتيان بالحديث باللفظ نفسه في جميع الطبقات وجدنا ذلك الاختلاف بين الرواة في نقل الحديث القدسي ، فقد تختلف بعض ألفاظه في بعض كتب الحديث كما هو واضح وبين لمن طالع كتب الحديث .
فهذا أهم الفروق وهو أن الحديث القدسي مضاف إلي الرب جل وعلا والحديث النبوي من قول النبي صلى الله عليه وسلم لكن أكثر فيه بين الحديث القدسي وبين القرآن .
ما الفرق بين الحديث القدسي وبين القرآن ؟
هذا السؤال يعنى به كثير ممن قد يتخوف من قضية خلق القرآن أو القول بأن القرآن ليس من كلام الله ، أو أن الرب جل وعلا لم يتكلم بمثل الحديث القدسي فيخشون من نفي صفة الكلام عن الرب جل وعلا ، فنقول لا تخوف لأن بعض العلماء حينما فرقوا بين القرآن والحديث القدسي قالوا القرآن لفظه ومعناه من الرب جل وعلا أما الحديث القدسي فالمعنى من الله واللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم أو من جبريل كما قالوا .(2/177)
فبعض الناس يمكن يتخوف من مثل هذه العبارة ويقول قد يكون في هذا نفي صفة الكلام عن الرب جل وعلا فنقول هذا لو كان قيل ذلك أيضا في القرآن لكن لما قلنا إن اللفظ في القرآن إن اللفظ والمعنى من الله ، وأما في الحديث القدسي فالمعنى من الله واللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم زال عنا الإشكال إلا أننا لا نستطيع أيضا أن نجزم بأن اللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد يكون بلغه لجبريل بهذا اللفظ من الرب جل وعلا والنبي صلى الله عليه وسلم تلفظ بهذا اللفظ كما تلقاه عن جبريل ، ولكن حصل الاختلاف من الرواة بعد ذلك فإذن هذا ممكن ويمكن أن الأول لكننا لا نمتلك الدليل ولذلك الذي يجزم بأن الحديث القدسي لفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الرب جل وعلا يطالب بالدليل فيقال له أين الدليل الذي يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تلفظ هذا من نفسه ولكن أوحي إليه المعنى فقط .
ليس هناك فيما أعلم دليل يدل على هذا ، لكن نستطيع أن نقول إن الحديث القدسي حصل فيه التسامح فجوز فيه الرواية بالمعني كما جوز في الحديث النبوي وإن كان الأولى أن يؤتى بالحديث بلفظه ومعناه تاما لكن لصعوبة ذلك تسامح أهل الحديث فيه مثل ما تسامحوا في الحديث النبوي .
أما القرآن فلم يتسامح في حرف منه البتة ، فإذن هذا من أهم الفروق بين الحديث القدسي والقرآن وإنما أحببت الإشارة إلي هذا لأن هناك من يتحسس من هذه اللفظة ويتخوف أن يكون هذا جاء من بعض الذين ينفون صفة الكلام عن الرب جل وعلا وأقول لو كان القرآن (نسي) أن لفظه من الله يعني يمكن أن يرد هذا التخوف لكن مادام أن الكلام الذي أوتي به فيه أن اللفظ لفظ القرآن ومعناه من الرب جل وعلا فلا يرد هذا التخوف إلا أننا نحتاط فيه ونقول هذا يحتاج إلي من يقيم الدليل عليه ولعل في الموضوع طول أكثر من هذا .
سؤال :(2/178)
كيف نفرق بين من وافقت كنيته اسم أبيه وبالعكس بن أبي إسحاق ، بن أبي إسحاق ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
كل هذا وارد نفرق عن طريق الصورة صورة الاسم حينما تأتينا في إسناد من الأسانيد ، فإن كان الراوي كنية فقيل حدثنا أبو إسحاق بن أبي إسحاق مثلا فنعرف أن هذا الراوي وافقت كنيته أو حدثنا إسحاق أبو إسحاق محمد بن إسحاق مثلا ، نعرف أن هذا الراوي وافقت كنيته اسم أبيه ، وهذا واضح بين من خلال اسم الرجل الذي يأتينا ونسبته .
العكس كذلك إذا قيل حدثنا إسحاق بن أبي إسحاق فإننا نعرف أن هذا الراوي وافق اسمه كنية أبيه وهذا أمر واضح وبين لا يحتاج إلي من يقيم الدليل عليه .
سؤال:
بالنسبة التمريض هل مرتبة واحدة أم بعضها يختلف عن بعضها في القوة والضعف ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
جميع صور التمريض على درجة واحدة يذكر ، يقال ، كل صيغ التمريض تأتي يعني بدلالة واحدة فهي تدل على عدم ثبوت ذلك اللقاء أو بالمعنى الأصح لا نستفيد منها ثبوت ذلك القول عن من نسب إليه ، قد يكون ثابتا وقد يكون غير ثابتا .
سؤال :
عدد الأحاديث التي وردت معلقة في البخاري هي كثيرة أم ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
الحقيقة أن عدد الأحاديث التي احتاج الحافظ بن حجر إلي أن هي مائة وتسعة وخمسين حديثا ، هذه الأحاديث التي عني الحافظ بن حجر بوصلها في كتابه تغليق التعليق وكذلك أيضا نبه على وصلها في شرحه لصحيح البخاري .
أما عدد الأحاديث المعلقة في الصحيح في صحيح البخاري فعددها أظنه يقرب من ألف وخمسمائة حديث وأثر وقد يزيد على هذا فهي كثيرة جدا لكن بعضها آثار عن الصحابة والآثار لا تعامل معاملة الأحاديث المرفوعة وبعضها معلقة ولكن وصلها البخاري في موضع أخر من صحيحه .
لكن التي احتاج الحافظ بن حجر إلي أن يقوم بوصلها عددها مائة وتسعة وخمسين
حديثا .
سؤال :
الحديث المرسل هل هو الحديث المرفوع الصحابي بسند متصل هل إن الاتصال ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/179)
الحديث المسند على ما كنا ذكرناه فيه ثلاثة أقوال قال أبي عبد الله الحاكم وقول الخطيب البغدادي وقول الحافظ بن عبد البر رحم الله الجميع ، وقلنا أن التعريف المختار هو تعريف أبي عبد الله الحاكم والذي يجمع بين الاثنين فهو إضافة الحديث إلي النبي صلى الله عليه وسلم بسند متصل ، لكن الأخ يشير إلي نقطة مهمة وهي هل يلزم من تعريف أبي عبد الله الحاكم وجود الاتصال الحقيقي بمعني لابد أن نستثبت من أن كل راوي سمع هذا الحديث من فوقه أو يكتفي بالاتصال ظاهرا .
وأما الانقطاع الذي نبهنا عليه بأنه من أنواع الانقطاع الخفي كالتبليغ والإرسال الخفي يمكن أن يكون موجودا ، كذلك العلة حينما يكون من حديث موصولا من وجه ويكون في حقيقته مرسلا أو معضلا أو نحو ذلك نقول نعم يكتفي بظاهر الاتصال وليس بحقيقة الاتصال بمعنى أنهم يخرجون في المسانيد الحديث الذي فيه تدليس ، والحديث الذي فيه انقطاع لكنه انقطاع غير ظاهر وإنما انقطاع خفي وهو الذي يسمى المرسل الخفي ، ويخرجون الأحاديث التي فيها اختلاف والصواب فيها الإرسال أو غير ذلك ولكن ظاهر الإسناد ها هنا الاتصال ، فإذن يكتفي بظاهر الإسناد فقط .
سؤال :
هل نحصل صاحب الفضيلة على هذه الشجرة الموجودة على الموقع هل بالإمكان ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
إن شاء الله تعالي ستنزل على الموقع وبالإمكان تنسخونها مجرد نسخ وتأخذونها عندكم إن شاء الله تعالي .
سؤال :
ما قولك في من يقول عن الإمام الحسن البصري رحمه الله أنه مدلس مع جلالة قدره ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/180)
التدليس يا أخوان لا ينفي جلالة القدر ، التدليس صدر من أئمة كبار فضلاء لا يشك أحد في عدالتهم وحفظهم وإتقانهم ومكانتهم العلمية فلا تلازم التدليس جرحا بهذه الصفة لأن هؤلاء تأولوا ، فالحسن البصري نعم عرف عنه التدليس أنه يقول مثلا حدثنا أبو هريرة وهو لم يسمع من أبي هريرة كما سنعرض إن شاء الله تعالي ونبينه الحسن البصري لم يسمع لأبي هريرة ، لكن يقصد أن أبا هريرة حدث أهل البصرة فيقول حدثنا يا أهل البصرة أبو هريرة وإلا فإنه لم يسمع من أبي هريرة فهذا من أنواع التدليس .
فهذا لا في جلالة قدر الحسن البصري رحمه الله .
سؤال :
كيف يكون الحديث صحيح وشاذ في نفس الوقت مثل حديث (إنما الأعمال بالنيات ) مع أن من شروط الصحيح انتفاء الشذوذ ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
الجمع بين وصف الصحة والشذوذ أنا لا أراه لكن نحن نتعامل مع واقع وجد عند بعض أهل الحديث ، أظن أننا أشرنا إلي قول الخليلي وكذلك أبي عبد الله الحاكم أنهم جعلوا من الصحيح ما هو شاذا ، فهؤلاء إما أن يكون الواحد منهم يريد أن الإسناد الذي الصحة منه ما يقبل وهو أن يكون الحديث مروي بإسناد رجاله ثقات جبال في الحفظ والإتقان فكأنه يقسم الثقات إلى قسمين :
ثقات يمكن أن يحتمل تفردهم بالروايات ، وثقات لا يحتمل تفردهم ولكن لابد من وجود المتابع لهم ، هذا احتمال ، فبناءً على هذا يكون وصف الحديث بالشذوذ يعني الرد ، يعني عدم القبول ، أو يكون يردي بأن الحديث الذي يروى بإسناد واحد كما أننا نسميه غريباً ، ونسميه فرداً ، ونسميه خبر واحد ، فهو يسميه أيضاً شاذاً .(2/181)
فبناءً على هذا لا يلزم من وصف الحديث بالشذوذ الرد لذلك الحديث ، عند ذلك الإمام ، ولكن المشكلة : أنَّ هؤلاء الأئمة لم يبنوا مرادهم ، لكن من خلال تطبيقات أبي عبد الله الحاكم في المستدرك وفي غيره أيضاً ، من ينظر في كلامه في معرفة علوم الحديث يجد أن أبا عبد الله الحاكم لا يرى رد خبر الواحد ؛ لأنه يحتج بأحاديث في المستدرك انتقدت عليه ، يعني أحياناً يحتج بأحاديث في رواة منهم متهم بالكذب ، وفيهم ضعفاء ، ولذلك كثر الانتقاد عليه ، لكن دعونا في الأحاديث التي يصححها ، وقد يسلم له بتصحيح تلك الأحاديث ، أو توصف بأنها حسنة ، وهي أحاديث مفاريد ، لم تروى إلا من طريق ذلك الصحابي الواحد فقط .
إذا لا أرى أن أبا عبد الحاكم يرى أن وصف الشذوذ يعني رد الحديث ، ولكن يبدو أنه وصف للحديث الذي يروى من هذا الطريق ، مثل ما نقول عنه إنه حديث غريب ، حديث فرد ، وهكذا .
سؤال : في الحديث الحسن الذي ذكرتك هل يشترط خفة الضبط في جميع الرواة ، أم يكفي راوي واحد ، كعاصم ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
من خلال المثالين اللذين عرضتهما نعرف أنه يمكن أن يكتفى بواحد حتى يكون الحديث حسناً لذاته ، فلو لم يكن هناك إلا راوي واحد وهو راوي خف ضبطه فيكفي في الحكم على ذلك الحديث بأنه حديث حسن لذاته لكن لو وجد في جميع طبقات الإسناد رواتها كلها ممن خف ضبطهم فالحديث أيضاً يقال له حسن لذاته سواء هكذا ، أو هكذا .
سؤال : عرفتم الحديث الصحيح ، كونه متصل السند بنقل لعدل التام الضابط بغير شذوذً ولا علة ، أليس شرطاً أن يكون النقل عن مثله من أول السند إلى منتهاه ؟ أم أن العدل الضابط تفيد رجال السند ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/182)
يمكن العبارة تحتاج إلى من يوضحها ، يعني عبارة تعليل الحديث الصحيح ، فحينما نقول هو ما تصل سنده بنقل العدل ، التام الضبط ، إذا قلنا عن مثله إلى منتهاه ، فهذه تعني : اتصال السند ولا حاجة لها ، ما دمنا قلنا : هو ما اتصل سنده ، إن قلناها فهي وصف زائد ، فيمكن أن نقول : هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ، فهذا وصف زائد ، يعني لابد من وجود الاتصال ولابد أن يكون كل راوي من الرواة بهذه الصفة ، يعني لا نقبل أن يخف الضبط ويأتي درجة واحدة غلا في الحديث الحسن ، أما الحديث الصحيح فلا .
فلابد من توفر العدالة والضبط واتصال السند في جميع طبقات السند .
سؤال : من خلال جولتنا في دروس نخبة الفكر ، وقفنا على منهج عظيم من مناهج المحدثين ، فلماذا لا تستخدم النظريات التربوية الإسلامية الحديثة منهج المحدثين كمنهج تستفيد منه في تقييم كثير من طرق التدليس ، سواء كان في الكليات أو الجامعات والمدارس والمعاهد أو غير ذلك ، فإن النظرية التربوية الإسلامية الحديثة مفتقرة إلى كثير من المنهج الإسلامي الذي ينبغي أن تطبقه في واقع المنهج ، وأنا أرى والله أعلم يا شيخ أن منهج المحدثين من خلال ما سمعنا منكم منهج عظيم فقط هناك قصور في التطبيق ، فالمسلمون الآن ليس بينهم وبين هذا المنهج نوع من الفاصل إلا اللهم طلبة العلم أو الذين يتدارسون هذا العلم ، أما عموم الناس ، ابتعدوا عن هذا المنهج ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/183)
تكلمنا عن منهج المحدثين التربوي وحاجة الأمة إليه ، وهذا أمر أشرت غليه في بداية شرح هذه النخبة ، وأشرت إليه أيضاً في ثنايا الشرح وأؤكد الحقيقة عليه ، وما حاول أن يبرزه أخونا هو حقيقة الذي نؤكد عليه ، الأمة مقصرة تقصيراً تاماً ف كثيرة ، وليس فقط فيما يتعلق بالحديث وعلومه ، لكن هذه أحد الجوانب التي قصرت فيها وينبغي للذين يعون بدراسة العلوم التربوية في كليات التربية في جميع أنحاء العالم الإسلامي لأن يبرزوا هذا المهج التربوي عند المحدثين سواء فيما يتعلق بقضايا الجرح والتعديل ، أو في آداب المحدث وطالب الحديث ، أو غير ذلك مما أخذناه ، فحبذا لو تؤخذ بعض الرسائل العلمية التي تبرز هذه الجوانب التربوية عند المحدثين فهي بحق بحاجة لمن ..وبالذات في هذا الزمن الذي أصبح المسلمون يتهارشون فيه ويأكل بعضهم لحوم بعض فإلى الله المشتكى .
سؤال : ذكرتم يا شيخ أن هناك فرق بين الكذب الذي يوجب الفسق ، وهناك فسق آخر ، يعني يا شيخ ذكرتم أن الكذب معصية ولا توجب الفسق ، فما هو الفرق يا شيخ ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/184)
إن الكذب من الفسق لكن لا يلزم من كل فاسق أن يكون كذاباً ، كن حقيقة المؤدى واحد إلا في الوصف فقط ، فحديث الكذاب يسميه موضوعاً ، وحديث الفاسق يسميه متروكاً ، أو ضعيفاً جداً المؤدى واحد ، هذا الحديث لو روي من مليون طريق حديث الكذاب أو حديث الفاسق فإنه يبقى حديثاً مردوداً على أي الأحيان ، لكن هذا سميناه موضوعاً وهذا سميناه متروكاً ، أو ضعيفاً جداً ، الفارق في التسمية فقط ، وأما حقيقة الحال فهي واحدة ، فهو مردود على كل الأحيان ولا ينجبر بتعدد طرقه مهما كثرت تلك الطرق ، فهذا الأمر قد وضح ، ولكنهم فرقوا لأنه لا يلزم من كل فاسق أن يكون كاذباً ، ولا يلزم حينما يكون كاذباً أن يكون يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر مشهور ومعروف ، لأن بعض الذين يتصفون بصفات أهل الفسق ، يمكن إذا جاءت الأمور التي تتطلب غيره ، ونحو ذلك ينتفض ولا يقبل أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ممكن أن يكذب هو في حديثه مع الناس ، ممكن أن يفسق بأي أنواع الفسق من زناً وشرب خمر ، إلى غير ذلك ، لو جاء الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم تجده لا يقبل هذا ، وهذا شيء مشاهد ومعروف .
إذا لا يلزم من كونه فاسقاً أن يستجيز الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
سؤال : الفرق بين الموافقة والمستخرجات ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
إن الموافقات تكون داخلة في المستخرجات ، وصاحب المستخرج قد يوافق مصنف الكتاب فيكون في حديثه هذا موافقة وقد يكون بدلاً ، وهكذا .
لكن ما الفائدة من الموافقة ونحو ذلك ، هذه أشرنا إليها ، قلنا الفائدة علو الإسناد ، والمحدثون دوماً يفرحون عندما تعلوا أسانيدهم لأنهم يقتربون إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأسانيد ، لكن قلنا : لا يلزم من علو الإسناد الصحة .
سؤال : بعض الخطباء يستدلون بالأحاديث الموضوعة دون ذكر أنها موضوعة ؟فهل يجوز ذكر الموضوع على الناس ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/185)
هذا ما يجوز البتة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) فهذا فيه تهديد ووعيد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وقد يدخل في التعمد التهاون ، فالإنسان إذا كان لا يتحرى وإنما عنده تساهل فهذا يكون داخلاً في التعمد أو فيه شبه من التعمد لأن الواجب على الإنسان أن يتحرى ، لكن من الذي يكون خارجاً عن هذا ، من تحرى ولكن وقع من غير قصد ، فهذا نسأل الله – جل وعلا- أن يغفر له ذلك .
الحديث المرسل هو النوع الثاني من أنواع الحديث المردود بسبب سقط في الإسناد ، وهو من السقط الجلي الواضح البين ، عرفنا الحديث المرسل أنه ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونأخذ مثالاً على ذلك ، لو جئنا بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) ، وتصرفنا فيه حتى نرى كيف يكون الإرسال ثم بعد ذلك نأخذ حديثاً حقيقياً مرسلاً ، أو اكثر من حديث .
الإسناد معنا بهذه الصورة مكتملاً ، نجد أن هؤلاء الرواة الثلاثة وهو :
علقمة ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، ويحي بن سعيد الأنصاري ، كلهم من التابعين ، فأي واحد منهم يضيف الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم فالحديث يكون مرسلاً ، فنأخذ ألواناً من هذا ، فالآن أسقطنا عمر بن الخطاب ، وأصبح علقمة هو الذي يضيف الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الحديث بهذه الصورة مرسلاً ، لأن علقمة ليس بصحابي ، وإنما هو تابعي .(2/186)
كذلك أيضاً ، إذا أسقطنا علقمة ، وأصبح الحديث محمد بن إبراهيم التيمي هو الذي يقول فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك أيضاً يكون حديثاً مرسلاً ، وأصبح الحديث الآن سقط منه عمر بن الخطاب ، وعلقمة بن وقاص الليثي ، يمكن أيضاً أن يسقط محمد بن إبراهيم ويبقى الحديث من رواية يحي بن سعيد الأنصاري وهو تابعي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأصبح عندنا الآن الساقط من الإسناد عمر وعلقمة ومحمد بن إبراهيم التيمي هؤلاء الثلاثة كلهم سقطوا من الإسناد ، ولعل هذا يبرر وجه نظر المحدثين حينما قالوا إننا لو تيقنا أن الساقط صحابي لما كان الحديث ضعيفاً عندنا ، لكن لأنه يحتمل أن يكون الساقط صحابي أو تابعي ، ويمكن أن يكون صحابي وتابعيان ، ويمكن أن يكون أكثر من ذلك على ما كنا ذكرناه سابقاً حينما وجدنا أن هناك حديثاً يرويه ستة من التابعين بعضهم عن بعض فهذا يمكن أن يكون مثالاً نظرياً لكن من حيث الوجود فعندنا بعض الأحاديث المرسلة مثل هذا الحديث الذي يرويه عامر بن شراحيل الشعبي فيقول : لما عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الملاعنة على أهل نجران قبل ذلك منه السيد و.. وهذان هما من قادة أهل نجران في ذلك الوقت ، وهذا هو المذكور في قوله تعالى ]فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[[آل عمران: من الآية61] ، هذا المقصود بالملاعنة في هذا الحديث .
الشاهد : أن عامر الشعبي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم هو تابعي ، ويقول (عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الملاعنة على أهل نجران ، أو لما عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الملاعنة على أهل نجران فعامر لم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث بهذه الصفة مرسل وليس متصلاً .(2/187)
عندنا حديث مرسل آخر وهو هذا الحديث الذي يرويه عمرو بن دينار فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) هذا الحديث سنده ورجاله ثقات سعيد بن منصور يرويه عن شيخه سفيان بن عيينة ، وسفيان بن عيينة عن شيخه عمرو بن دينار لكن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث بهذه الصورة من أمثلة الحديث المرسل .
النوع الثالث هو الحديث المعضل وهو الذي عرفناه بأنه ما سقط من وسط إسناده راويان فأكثر على التوالي ، يعيد التصرف في حديث ( إنما الأعمال في النيات ) ليتضح لنا المراد ثم ننتقل للمثال الحقيقي بعد ذلك فنعيد حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) معنا بهذه الصفة وتلاحظون أن في الإسناد يحيى بن سعيد الأنصاري وسفيان بن عيينة فإذا حذفناهما من الإسناد يصبح الحميدي يروي الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي فأصبح الساقط من الإسناد بهذه الصفة راويين وهما سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري .
يمكن أن يكون ساقط أكثر من هذا أيضا وهو أيضا محمد بن إبراهيم التيمي مع يحيى ومع سفيان فيكون الحميدي يرويه عن علقمة بن وقاص فيقول عن علقمة بن وقاص .(2/188)
يمكن أيضا أن نسقط علقمة فيكون الساقط أربعة رواة والحميدي يرويه عن عمر بن الخطاب فكل هذا من أنواع المعضل النظرية التي يمكن أن تحدث ، لكن من حيث الوجود ننظر إلي هذا الحديث الذي يرويه عبد العزيز بن عبيد الله وهذا من الرواة الشامين ويروي عنه إسماعيل بن عياش وعن إسماعيل يرويه سعيد بن منصور وهو حديث ( إن الله عز وجل أنزل هذا القرآن آمرا وذاكرا وسنة ) فعبد العزيز بن عبيد الله هذا ليس بصحابي ولا هو تابعي أيضا وإنما هو من أتباع التابعين فهو يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقطعا سيكون ساقط اقل شيء بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم راوين هذا أقل ما يمكن أن يكون وقد يكون الساقط أكثر أيضا من اثنين وهذا أمر محتمل لكن ليس عندنا دليل يدل على هذا لكن الشيء المتيقن منه أن هناك اسمين سقطا من هذا الإسناد .
النوع الرابع : هو المنقطع وهو من أنواع السقط الجلي أيضا عرفناه بأنه ما سقط من وسط إسناده راوي فأكثر لا على التوالي .
نأخذ مثالا أيضا بطريق التصرف من قبلنا عن طريق استخدام التاريخ الذي يكشف لنا كيف يمكن أن يكون الانقطاع ، فمن المعلوم أن البخاري رحمه الله روى هذا الحديث عن الحميدي وعن علي بن المديني كلاهما يرويانه عن سفيان بن عيينة لكن إذا تأملنا وإذا بيحيى بن سعيد الأنصاري كانت وفاته في سنة مائة وأربعة وأربعين للهجرة ، وعلي بن المديني كانت ولادته في سنة مائة وواحد وستين للهجرة فلو أسقطنا من الإسناد سفيان بن عيينة فمن المتيقن منه أن علي بن المديني لم يلقي يحيى بن سعيد الأنصاري بسبب المسافة الزمنية كما هو واضح أمامنا الآن من خلال وفاة يحيى بن سعيد الأنصاري وولادة علي بن المديني رحم الله الجميع .
فإذن هذا انقطاع ظاهر وجلي يظهر لكل أحد ليس خفيا بإمكان أي ناظر في هذا الإسناد أن يدرك أن هذا الإسناد منقطع .(2/189)
من حيث الوجود نستطيع أن نأتي بهذه الحديث الذي بهذه الصفة يرويه سعيد بن منصور عن شيخه سفيان بن عيينة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول عن أتي عبد الله بن مسعود رجلا فقال أوصني فقال إذا سمعت الله عز وجل يقول في كتابه " يا أيها الذين آمنوا " فأصغ لها سمعك فإنه خير تأمر به أو شر تنهى عنه هذا هو تمام الحديث ، يرويه عن عبد الله بن مسعود ليس تابعيا وإنما هو من أتباع التابعين فالإسناد منقطع حتما في ما بين وبين عبد الله بن مسعود والانقطاع ظاهر لأن بن قدام لم يلقي أحدا من الصحابة .
إذن هذا مثال حقيقي من سنن سعيد بن منصور للحديث المنقطع .
فيه مثال أخر أيضا يعني لا يهمنا كثيرا هو أيضا من رواية أبي السفر سعيد بن يحمد الهمداني يرويه عن حذيفة بن اليمان وأبو السفر هذا أيضا من أتباع التابعين لم يلقي أحدا من الصحابة رضي الله تعالي عنهم أجمعين .
هذه هي الأنواع الأربعة من أنواع الانقطاع الجلي ، بقي معنا الانقطاع الخفي وهو في الحديث المدلس وفي الحديث المرسل الخفي .
الحديث المدلس عرفناه بأنه رواية الراوي عن من سمع منهما لم يسمع منه ، يعني يروي عن شيخ سمع منه لكن ما الذي يرويه عن هذا الشيخ يروي عنه حديثا لم يسمعه منه ويستخدم صيغه تحتمل السماع وعدمه مثل قال أو عن هذه هي الصيغة التي تستخدم في التدليس عند المدلسين .
ها هنا حديث يرويه بن خزيمة في صحيحه بهذا الإسناد المعروض أمامنا يرويه عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا نتوضأ من موطأ ، يعني إذا وطئو على نجاسة هذا هو المقصود .(2/190)
سليمان بن مهران الأعمش من الرواة الذين عرف عنهم التدليس وهو هنا يروي عن واحد من كبار شيوخه وهو وائل شقيق بن سلمة ، لما أخرج بن خزيمة هذا الحديث بهذه الصفة بادئ ذي بدء ظنه حديثا صحيحا قم بعد ذلك انكشفت له علته فقال لهذا الحديث علة لم أكن تنبهت لها في الوقت يعني في الوقت الذي كتبت فيه هذا الحديث ما هي هذه العلة أخرج بعد ذلك بن خزيمة الحديث من طريق أخر عن سفيان بن عيينة ، لعله يأتي معنا في الشريحة التي بعد هذا المهم أن سليمان بن مهران الأعمش قال حدثت عن أبي وائل شقيق بن سلمة ولم يصرح بسماعه لهذا الحديث من أبي وائل وإنما قال حدثت عن أبي وائل حدثت تدل على أن بينه وبين شيخه راوي مبهم من هو هذا الراوي لم يبين من هو الأعمش ، لكن من الذي كشف لنا هذا الإسناد كشفه طريق أخرى لكن أنا نسيته سبحان الله كان الإسناد من هو الذي روى هذا عن الأعمش بهذه الصفة لكن المهم أن هذا الحديث من وقف عليه في صحيح بن خزيمة فسيزيد كلام بن خزيمة رحمه الله في هذا.
هذا مثال أخر واقعي أيضا من الأمثلة التي قيل أن الأعمش لم يسمعه من إبراهيم التيمي وهو حديث من بني لله مسجدا ولو بنى الله له بيتا في الجنة الحديث يرويه أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرويه عن أبي ذر يزيد التيمي والد إبراهيم التيمي ويرويه عن يزيد ابنه إبراهيم التيمي وسليمان الأعمش يرويه عن إبراهيم التيمي لكن بين الثوري وهو الراوي لهذا الحديث عن سليمان الأعمش وكذلك شعبة قال لم يسمع الأعمش هذا الحديث من إبراهيم التيمي فنبه على هذه العلة وهما من تلاميذ الأعمش وشعبة بن الحجاج من أكثر الرواة تفتيشا عن قضية اتصال الأسانيد .
فهذا مثال أخر يمكن لمن راجعه أن يرى هذا المثال على وجه الحقيقة .
النوع الأخير من أنواع السقط في الإسناد وهو الثاني من أنواع السقط الخفي هو الحديث المرسل الخفي عرفناه بأنه رواية الراوي عن من عاصره ولم يسمع منه .(2/191)
نأخذ مثالا على هذا فيه حديث رواه الحسن البصري عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث معروفة ثلاثة أن أوتر قبل أن أنام وبركعتي الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، الحديث بهذه الصفة يرويه عن الحسن ربيعه بن كلثوم ويرويه عن ربيعه مسلم بن إبراهيم ، هذا الحديث ذكره بن أبي حاتم في كتاب المراسيل وذكر أن أباه أخبر أن مسلم بن إبراهيم حدث بهذا الحديث بهذه الصفة التي ترونها ، لكن الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة ، هذا علامة الاستفهام الموجودة أمامكم ليست موجودة في الإسناد في الحقيقة إنما الموجود في الإسناد أن الحسن البصري يقول قال أبو هريرة أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أو نحو هذه العبارة .
أبو زرعة الرازي يقول لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره يعني لم يره بعينه فهذا يؤكد هذا الانقطاع بين الحسن البصري وأبي هريرة ، لكن المعاصرة موجودة الحسن البصري سمع من أناس أقدم وفاة من أبي هريرة ثم أنه لم يكتب له لقاء أبي هريرة لأنه في الوقت الذي كان الحسن في المدينة لم يكن أبو هريرة في المدينة ، ولكن كان في البصرة ، ولما ذهب الحسن البصري إلي البصرة كان أبو هريرة قد رجع إلي المدينة رضي الله تعالي عنه وأرضاه .
فهذا مثال للمرسل الخفي الذي على التعريف الذي أخذناه .
نعرف إذن أن المدلس والمرسل الخفي لا يتبين بشكل ظاهر وواضح وبين إلا من خلال نص الأئمة على ذلك كما نرى هنا أن أبا زرعة قال لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره ، إذن هو الذي كشف لنا هذه العلة وإلا يمكن أن نغتر بظاهر الإسناد فالحسن عاصر أبا هريرة كذلك أيضا في الأمثلة السابقة في مثال رواية الأعمش عن إبراهيم التيمي لولا أن سفيان الثوري وشعبة بين بأن الأعمش لم يسمع هذا الحديث من إبراهيم التيمي يمكن يغتر بعض طلبة العلم بهذا الإسناد ويقول الأعمش احتمل صاحب الصحيح عن عنته ولو رددنا حديثه لرددنا جملة كبيرة من السنة إلي غير ذلك .(2/192)
كذلك المثال الذي قبله الأعمش يروي عن واحد من كبار شيوخه الذين نحتمل عنعنته عنهم لكن تبين بإسناد أخر أن الأعمش لم يسمع ذلك الحديث من شيخه أبي وائل شقيق بن سلمة وهذا إن ما يكشفه من يكشفه الأئمة والتفتيش في جمع الحديث فبذلك نسميه انقطاعا خفيا لأنه لا يتضح لأي إنسان ينظر في هذا الإسناد بادئ ذي بدء وأن ما يتضح إلا من خلال التفتيش أو من قبل بعض الأئمة على ذلك .
سؤال :
يقال أن الإمام مالك رحمه الله لم يصح عنه إلا ثلاث مائة حديث فهل هذا يعني أن هذا المذهب المالكي ناقص ؟ ومثل ما ذكرت لك في الصيف الماضي في فرنسا وجدنا بعض الأخوة من يدعوا إلي المذاهب فالمالكي يدعوا إلي المالكية والحنفي يدعو إلي الحنفية وهكذا فأصبح الانشقاق والصراع بين الأخوة حول هذه المذاهب فأخذ كل منهم يجرح ويقدح في ذاك المذهب بل بعضهم من يدلس ويختلق كذبا ؟
أجاب فضيلة الشيخ :(2/193)
على كل حال الآفات في الأمة كثيرة ونحن نسعى في العلاج وما هذه الدورة العلمية المباركة إن شاء الله تعالي إلا واحدة من العلاجات التي اقدم إن شاء الله تعالي لطلبة العلم ونحثهم على ضرورة طلب العلم وعلى أيضا صفاء القلوب وصلاح النية والتجرد للحق أينما كان ل يمنع الإنسان يقبل الحق كائنا من كان ونحن ضربنا مثالا لهذا بالبخاري رحمه الله كيف أن هذا الإمام محمد بن يحيى الزهري رحمه الله قدح في البخاري وقدح في معتقده يعني بماذا رماه رماه بأنه يقول القرآن مخلوق بشيء قال عن دار الأئمة من قال القرآن مخلوق فقد كفر فحكم علي من قال هذه المقولة بأنه كافر ، فالقضية ليست بالأمر الهين ومع ذلك لم يمنع البخاري دينه لم يمنعه دينه من أن يروي عن محمد بن يحيى الزهري لأنه يرى بأنه ثقة وأن هذا الذي دفعه لهذا إنما هو حماسه للسنة ووردت على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت النفوس فيها ما فيها ويعذر بمثل هذا التعذير الذي إذا رأيناه حدثنا محمد أو حدثنا الزهري أو ينسبه إلي جده الأعلى أو نحو ذلك فهذه من الدروس التربوية التي نستفيدها من هذا فيا أخواننا وفقكم الله آفة العلم عدم العمل به فاحرصوا على العمل بالعلم لا ينفع العلم إلا من يحسن العمل مما لا يعني كذلك الحقيقة لعلي إن شاء الله تعالي في مثل هذه القناة المباركة يكون إن شاء الله تعالي بعض الحلقات التي تتعلق للعض الجوانب التربوية والوعظية التي تعالج إن شاء الله تعالي مثل هذه المشاكل والأخوة القائمون على القناة إن شاء الله حريصون كل الحرص على معالجة مثل هذه الأخطاء ونحن إن شاء الله تعالي في بداية طريق التصحيح وإن شاء الله تعالي نرى آثار هذا التصحيح .
سؤال :
هل المرسل من أقسام الضعيف أم لا ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
نعم قلنا إن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف أي نعم .
سؤال :(2/194)
يبدوا يا شيخ أن المادة بحر لا ساحل له وهذا صحيح فما رأي فضيلتكم وبما تنصحون بعد الانتهاء من هذا المنهج نقصد في دخول الاختبار فيه المذاكرة ونحو هذا ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
أما بالنسبة لكونها بحرا لا ساحل له فكل علوم الشريعة بحر لا ساحل له ولكن عني علماء الإسلام بتبسيط هذه العلوم وتقريبها لطلبة العلم عن طريق جعلها على مراحل فهذه هي المرحلة الأولى التي نحن فيها ، ولذلك هذا الكتاب يعد من المختصرات فنأخذ هذا العلم بهذا الاختصار ثم بعد ذلك إن شاء الله تعالي سنجد أننا حينما نخطو خطوة الأخرى إلي الأمام نكون بنينا على هذه المعارف التي أخذناها في هذا المختصر فيسهل علينا بعد ذلك إن شاء الله تعالي أخذ ما بعده .
سؤال :
هل هذه العبارة صحيحة أم لا ( كل ما انفرد به بن ماجة يكون ضعيفا ) ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
من خلال الواقع نعم ما انفرد به ين ماجة عن أصحاب الكتب الستة في الأعم الأغلب في ما وجدناه أنه ضعيف حتى وإن كان قد يحسنه بعض أهل العلم لكن التحسين قد لا يسلم له .
سؤال :
ما حكم رواية المختلط ؟
أجاب فضيلة الشيخ ؟
رواية المختلط إن لم تتميز يعني إن لم نتأكد من أنها مما حدث به قبل اختلاطه فهي ضعيفة على ما كنا فصلناه .(2/195)
بحمد الله تعالي بعد أن أخذنا ما أخذنا من هذه المادة نسأل الله جل وعلا أن يجعل ما أخذناه حجة لنا لا حجة علينا وأن ينفعنا بما سمعنا وأحث أخواني على إخلاص النية لله جل وعلا في مثل هذا العلم وبالذات عن طريق الامتحان فإن الامتحان سيكون مبنيا على الثقة بالأخوة الذين يجيبون على الأسئلة نعم الأخوة القائمون على هذه البرامج النافعة حرصوا كل الحرص تضييق دائرة الغش ونحو ذلك لكن من المستحيل أن يلغوا كل هذا إنما الخطوة تتلوها خطوة في محاولة تضييق دائرة الغش في هذ ، لكن نحن بإذن الله نرضى من يستمع لمثل هذا الفوائد وهذا العلم الشرعي أن يكون هدفه دنيا أو غير ذلك فالذي يجيب عن الأسئلة ينبغي أن يجيب بما حفظ وبما راجع من هذه المادة ول نفسه الأمارة بالسوء إلي أن يأخذ وينقل من الكتب في نفس الوقت أو يأتي بإنسان آخر وقد يلهمه أو يلقنه بعض مثل هذه المعارف .
أيضا مرارا وتكرارا أنا نبهت على أمور مهمة جدا تتعلق بطلبة العلم سواء فيما يختص بالواحد في خاصة نفسه من الحرص على تزكية النفس و على الحق والتخلق بالأخلاق الفاضلة والتحلي والتزي بزي أهل العلم في الخلق والتعامل والعمل بما علمنا في خاصة أنفسنا ، في بيننا وبين الله جل وعلا ، الحرص على العبادات بجميع أنواعها خاصة ، وكذلك أيضا نأخذ نصيبنا من السنن والنوافل فإنها مثل الحلية للفتاة .
كذلك أيضا في ما يتعلق بعلاقاتنا مع أقاربن صلة الرحم ، بر الوالدين إلي غير ذلك الإحسان إلي الجيران كذلك في ما يتعلق علاقاتنا مع إخواننا المسلمين عموما ، محبة ما نحبه لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وهذا هو مقتضى الإيمان .(2/196)
نبعد عن أنفسنا الآثرة ومحبة الذات وهذا من أهم أسباب التنازع الذي تعيشه الساحة الإسلامية وللأسف في هذه الأزمان بمعني أننا بحاجة إلي مراجعة سيرة الصحابة رضي الله تعالي عنهم وصالحي الأمة الذين قال الله تعالي عنهم ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ?[الحشر: من الآية9] هكذا كان سلفنا رضي الله تعالي عنهم ورحمهم ، فنحث إخواننا على ضرورة التحلي بهذه الخلاق الفاضلة وهذا يجمعه جامع واحد وهو العمل بالعلم ، فمن لم يعمل بعلمه فإن فيه صفة نسأل الله السلامة من اليهود الذين قال الله جل وعل عنهم ?صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ( وهم اليهود الذين علموا ولكن لم يعملوا بعلمهم ? [الفاتحة:7]
كما أن الصفة الأخرى صفة النصارى وهي أنهم عملوا لكن بلا علم وأما أهل الإسلام فيجمعون بين العلم والعمل ولذلك يقول بعض سلف الأمة من ظل من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى .
أسأل الله بمنه وبكرمه في ختام هذه المادة أن يجعل ما يمعنا حجة لنا لا حجة علينا وأن ينفع بنا الإسلام والمسلمين أينما كنا وأن يجعلنا من الدعاة إلي سبيله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين لولا أن الله سبحانه وتعالي امتن علينا بهم لما وصل إلينا هذا الخير صافيا نقيا نستضيء به فنحرص أيضا على تبليغ هذا الخير للأجيال التي بعدنا كما تلقيناه صافيا نقيا أيضا أن نبلغهم إياه كذلك إنه خير مسؤول وإنه ولي ذلك والقادر عليه وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك وصلي الله وسلم على نبينا محمد .(2/197)