شرح متن نخبة الفكر
الحديث المتواتر
قال الإمام الحافظ: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى :
الحمد لله الذي لم يزل عليمًا قديرًا ، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمد الذي أرسله إلى النَّاس كافةً بشيرًا ونذيرًا ، وعلى آل مُحمدٍ وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت ، وبُسطت واختصرت ، فسألني بعضُ الإخوان أن ألخص لهم المهمَّ من ذلك ، فأجبتهُ إلى سؤاله؛ رجاء الاندراج في تلك المسالك فأقول :
الخبرُ إمَّا أن يكون له: طرقٌ بلا عدد معين ، أو مع حصر بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحدٍ.
فالأول: المتواترُ المفيدُ للعلم اليقيني بشروطه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نجد أن كتب الرجال وكتب الحديث ترد فيها هذه القواعد منثورة، إلى أن جاء الإمام مسلم -رحمه الله- فكتب مقدمته الشهيرة مقدمة صحيحه، وهذه تعتبر من أوائل ما كتب في علم مصطلح الحديث، لكنها لم تشمل جميع الجوانب، ولكن شملت جوانب عديدة، وهي بصفة النقل بالسند عن الأئمة في بعض قواعد المصطلح.
مثلا: حينما يورد أن أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني؛ قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن! الحديث الذي جاء "إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك" فقال عبد الله بن المبارك : يا أبا إسحاق عمن هذا؟ فقال له : هذا من حديث شهاب بن خراش. فقال: ثقة. عمن؟ فقال : عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة. عمن؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عبد الله بن المبارك : يا أبا إسحاق! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف.(1/1)
فهو يبين -رحمه الله- في مثل هذا الأثر مسألة ضرورة اتصال السند، فيقول: نعم، هذا فلان ثقة، لكنه لم يتصل سنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مسافة طويلة من الزمن تحتاج إلى أن تملأ برجال، هم الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فما دام أنك لم تذكر الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هذا الحديث لا يصح ولا يثبت، لكن ما ذكر في جزئية من جزئيات هذا الحديث، وهي الصدقة، فليس فيها خلاف، يعني: الصدقة عن الميت.
حينما يورد -أيضا- مسلم -رحمه الله- كلاما في مثل عباد بن كثير، وأنه من الرجال الصالحين، لكنه إذا روى شيئا من الأحاديث أتى بالمناكير، فكان مثل عبد الله بن المبارك يسأل سفيان الثوري وغيره: هل يجوز له أن يتكلم في هذا الرجل، مع العلم أنه رجل صالح؟ فقالوا: نعم، بين حاله.
فكان إذا سئل عنه أثنى عليه في دينه، ثم بين حاله من حيث الثقة في الحديث من عدمها، فهذا يدل -أيضا على المسألة التي ذكرناها ثانيا وهي القدح في الرواة، فدائما الكلام في السند إما من حيث الاتصال، أو من حيث القدح، والكلام في الرواة جرحا وتعديلا.(1/2)
فإذا كلامهم يأتي منثورا، وكما قلت مسلم هو -رحمه الله- أول من كتب في هذا، لكنها كتابة مجتزئة على بعض الأمور، كذلك -أيضا- كلام الترمذي -رحمه الله- سواء في كتاب "العلل"، أو في تعقيباته على بعض الأحاديث، يعتبر من القواعد في الاصطلاح، فحينما -مثلا- هو يصف الحديث الحسن في آخر كتابه "الجامع" هذا يقول: والحسن عندنا هو ما لم يكن شاذا، ويروى من غير وجه، وذكر مسألة ثالثة، وهي تتعلق بالنكارة الظاهرة، أو كذا، فالمهم أنه هو الذي عرف الحديث الحسن لغيره، بتعريفه هذا، وإن كان يحتاج إلى مزيد من البسط والتعريف، لكن نجد مثل هذا الكلام من الترمذي -رحمه الله- يعتبر -فعلا- تعريفا للحديث الحسن لغيره، وهو الذي يشترط فيه شرطان أن يروى من غير وجه، وأن لا يكون ضعفه شديدا، فهذا هو الحديث الحسن لغيره.
إلى أن جاء عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي -رحمه الله تعالى- فهو أول من أفرد علم المصطلح بالتصنيف في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" فهذا الكتاب يعني يعتبر تصنيفا مستقلا في علم المصطلح، وابن خلاد الرامهرمزي هذا متوفى في سنة ثلاث مائة وستين للهجرة، فهذا هو التاريخ الذي يعتبر -يعني- بداية التصنيف المستقل في المصطلح.(1/3)
جاء بعده الحاكم أبو عبد الله صاحب المستدرك، فألف كتابه الشهير "معرفة علوم الحديث" وبسط الأمور أكثر من بسط الرامهرمزي، ثم جاء بعده أبو نعيم الأصفهاني، فعمل مستخرجا على كتاب الحاكم، ثم جاء بعد ذلك الخطيب البغدادي -رحمة الله عليه- وهو الذي خدم علم المصطلح خدمة لا مثيل لها، وقل أن يكون هناك باب من أبواب المصطلح إلا وللخطيب البغدادي فيه تصنيف مستقل، وكتبه أكثر من أن تحصى في هذا الفن، وتجد أنه في كل باب من الأبواب يصنف فيه تصنيفا مستقلا، يعني: لو نظرنا إلى مؤلف من مؤلفات علم المصطلح، نجد -مثلا- يفردون بابا لآداب المحدث وطالب الحديث بابا من أبواب المصطلح، لكن الخطيب البغدادي -رحمه الله- ألفَ كتابا مستقلا في ذلك الكتاب مطبوع وموجود يقع في مجلدين، وهو "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" وغير ذلك من تصانيفه -رحمه الله- ثم ما زال هذا العلم يتطور شيئا فشيئا، وتضبط قواعده إلى أن جاء أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله تعالى- فألف كتابه المشهور بـ"مقدمة ابن الصلاح" وهو الذي أصبح عمدة لمن جاء بعده؛ لأنه جمع أنواع علوم الحديث، وجعلها على أنواع، وتكلم على كل نوع فجاء كل من جاء بعده، فهو إما مختصر، أو ناظم، أو شارح لنظم، أو شارح لاختصار وما إلى ذلك.
فمثلا النووي -رحمه الله- جاء فاختصر مقدمة ابن الصلاح هذه في كتابه "التقريب" ثم جاء بعد ذلك السيوطي، فشرح التقريب في "تدريب الراوي" نجد -مثلا- العراقي -رحمه الله- نظم منظومة في مقدمة ابن الصلاح يعني: جعل الكلام الذي ذكره ابن الصلاح على شكل نظم، وهي الألفية المعروفة بألفية العراقي، ثم شرحها هو في شرحين: "فتح المغيث" "والتبصرة والتذكرة" ثم جاء بعده -أيضا- السخاوي فشرحها في شرح أطول، سماه -أيضا- "فتح المغيث" ونجد -أيضا- العراقي -رحمه الله- له تقييدات على ابن الصلاح، يعني: تعقبات في كتاب سماه "التقييد والإيضاح".(1/4)
جاء بعده الحافظ بن حجر، فوجد أن هناك بعض الاستدراكات على ابن الصلاح وعلى شيخه العراقي، فألف كتابه "النكت" الذي يعتبر من الدسومة بمكان في علم المصطلح، وينبغي لمن أراد أن يتبحر في علم المصطلح أن يركز على هذا الكتاب تركيزا تاما، فهكذا، يعني: مازال علم المصطلح كله يدور تقريبا في الفترة الأخيرة على مقدمة ابن الصلاح من هذه النواحي.
"نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر -رحمه الله- هو -تقريبا- على تبويب ابن الصلاح مع التقديم والتأخير الذي عمله الحافظ ابن حجر اجتهادا منه.
" نخبة الفكر" يشكل عصارة ذهن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في اختياره للراجح من الأقوال في مسائل المصطلح، حتى وإن كان فيها شيء من الخلاف؛ ولذلك تعتبر مضغوطة، وتعتبر متنا، وإن كان صغيرا، لكنه يتسم بالرأي الذي استخلصه ابن حجر -رحمه الله- من جراء خوض طويل في كلام تجده مبسوطا في كتابه "النكت" وغيره من الكتب، مثل مقدمته لصحيح البخاري كهدى الساري، هذه النخبة شرحها الحافظ ابن حجر -رحمه الله- "في نزهة النظر" وهو شرحُ موجز وجيد، وطبعت عدة طبعات، لكن من أفضلها الطبعة التي حققها الأخ علي حسن عبد الحميد وفقه الله، وهي مطبوعة ومتداولة، وتتميز هذه الطبعة بضبطها، فإن الطبعات الأخرى لا تخلو من سقط وتصحيف، وما إلى ذلك، يعرف هذا من قرأ في تلك الطبعات.
كذلك هناك شروح أطول من "نزهة النظر" مثل "اليواقيت والدرر" للمناوي الظاهر وغيرها من الشروح، لكن -يعني- أنا أرى أننا -يعني- سنكتفي بنزهة النظر، وسنحاول أن نحل -إن شاء الله- بعض الإشكالات التي قد ترد في هذا المتن المختصر، وحتى لو في شرحه، وسأبذل -إن شاء الله- جهدي في أن تكونوا انتهيتم من هذا الكتاب بانتهاء هذه الدورة، بحيث يكون الذي حضر يكون تلقى علم الحديث بشكل موجز، وليس بالشكل المبسط، لكن الذي أرجوه أنني سأتكلم حينما أشرح مراعيا الحد الأدنى، وهم المبتدئون في الطلب، في طلب علم الحديث.(1/5)
فقد يكون بعض منا له عناية بهذا الفن، ويريد توسعا التوسع، أنا لي شرح على منظومة السيوطي الألفية، وهو شرح موسع من أراد إن كان في الرياض بإمكانه أن يحضر، وإن لم يكن في الرياض، فبإمكانه أن يأخذ الأشرطة التي سجلت، وفيها -إن شاء الله- بسط، ولا بأس أجيب على ما قد يرد في ذهنه، لكن يكون بعد ما ننتهي من الدرس، فأنا مستعد للجواب على أي سؤال، لكن الذي أرجوه ألا يجعل الإنسان نفسه حكما على غيره، فدائما الضعيف هو أمير الركب، وكما قلت انتقائي لهذا المتن هو مراعاة للمبتدئين في الطلب، حتى يظفروا بعلم الحديث في شكل موجز، ثم بإمكانهم بعد ذلك أن يعمدوا لما هو أطول من هذا مثل: " الباعث الحثيث " لابن كثير، فإذا أخذوه بإمكانهم أن يعمدوا لما هو أطول من هذا مثل: "فتح المغيث" للسخاوي، وبعد ذلك "تدريب الراوي" و"النكت" للحافظ ابن حجر وبعد ذلك توضيح الأفكار الذي يعتبر هو آخر هذه المصنفات، وهو للصنعاني -رحمه الله- : فدائما المتأخر يستفيد من جهد المتقدم، هذا ما لدي من مقدمة يمكن أن أحكيها عن "نخبة الفكر" أحببت أن نستغل وقتكم، حتى لا يضيع في هذه العجالة.
س: يقول: الرجاء ترتيب كتب مصطلح الحديث للمبتدئ ؟(1/6)
ج: أقول: يعني كتب مصطلح الحديث -دائما- يجعلون المنظومة البيقونية بداية، لكن -والله - أنا وجدت أن المنظومة البيقونية أخلت بكثير من الأشياء ليس من المعقول أن يجمع علم الحديث كله في سبعة وثلاثين بيتا من الشعر، فالمنظومة البيقونية مختصرة اختصارا -في نظري- مخلا ومن ارتضاها لا نحجر عليه، لكن هذا رأيي فيها؛ ولذلك أنا أرى أن أفضل المختصرات التي يمكن أن يبتدأ بها طالب العلم "نخبة الفكر" بعض الناس يقول: إن نخبة الفكر دسمة أقول: نعم دسمة، لكنها مختصرة بإمكان الإنسان أن يأخذ علم المصطلح بشكل موجز، ثم بعد ذلك يلجأ لما هو أطول منها، وفي نظري أن الدرجة الثانية التي تأتي بعدها كتاب "الباعث الحثيث" لابن كثير، وهو كتاب عبارته ميسرة وسهلة، وبإمكان أي واحد أن يقرأ، ويفهم فيه، وبخاصة بمصاحبة تعليقات الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- على هذا الكتاب.
س: يقول أحد الأخوة: أن عنده اقتراح، يقول: لو يقوم كل شيخ بعمل ملخص لدرسه، يتناول عناصر الدرس وشرحا موجزا مع ذكر المراجع الموثوقة للاستزادة، ثم توضع هذه الملخصات في إحدى المكتبات؛ حتى يتيسر للشباب الحصول عليها دون إحراج للجميع.
ج: نقول: له نقترح عليهم كل واحد في نهاية درسه، يصنع هذا الصنيع هذا -إن شاء الله-.
س: أحد الأخوة يرغب أني لا أستعجل في التعريفات،
ج: فأقول: مشكلة العجلة في الكلام هذه من طبعي ، حاولت مرارا أن أتأنى، لكن أتأنى قليلا، ثم ما ألبث أن أسرع، فعلى كل حال - إن شاء الله- إذا كان هناك تعريف، فسأتأنى، وليس هناك من حرج، إذا كان الواحد يحب أن يقيد، فيمكن أن يقول لي: أعد، وأعيد ، تعرفون أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كان الواحد منهم يوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، ويسأله، وهكذا ما في حرج إطلاقا.
س: يقول: ما رأيك بكتاب سنن ومبتدعات ؟(1/7)
ج: أو أنك تقصد كتاب الخضري "السنن والمبتدعات" يعني: إن كان يقصد هذا الكتاب، ففيه كثير من الصواب، وفيه أشياء عليه فيها ملاحظات.
س: يقول: إذا كان هناك حديث حسن، ويوافقه ظاهر آية من كتاب الله - عز وجل - هل يرقى إلى درجة الصحيح لغيره،
ج: نقول: لا ، الحكم على الحديث نفسه بأنه يصبح صحيحا لغيره لا، لكن يمكن أن يتقوى المعنى الذي ورد في ذلك الحديث بظاهر الآية، أو الحديث الصحيح الآخر، لكن لا نقول: إن هذا الحديث يصبح صحيحا لغيره من الناحية الاصطلاحية.
س: يقول: ما رأيك في "منظومات النخبة" وهل تنصح بدراستها، أو الاكتفاء بها عن النخبة، مثل نظم الصنعاني.
ج: أقول: ميزة النظم -دائما- أنه يسهل حفظه، فهم ينظمون النظم لأجل الحفظ، فمن أراد أن يحفظ لا بأس، والنظم قد يكون يكون مستوعبا للمتن الذي نظم به، ونظم الصنعاني -في ظني- أنه الذي اسمه "قصب السكر في نظم نخبة الفكر" : عهدي به قديم جدا، وأنا كنت حفظت بعضه على الشيخ عبد الوهاب جبرين، وكان يشرح لي هذا يمكن قبل عشرين سنة، كان نظما جيدا، وفعلا مستوعب لنخبة الفكر فيما أذكر؛ لأنني لا أذكر آخره، لكنني يمكن مشيت فيه إلى المنتصف تقريبا، أو إلى هذا الحد، فالمهم : الخلاصة أن النظم ميزته الحفظ، والذي لا يريد أن يحفظ، فليس هناك ما يلجئه للنظم، فبإمكانه أن يعمد للأصل، وهو المتن المنظوم.
س: يقول: ما صحة نسبة الكتب للإمام أحمد كالزهد والتفسير وغيرها، ولماذا كان ينهى الإمام عن كتابة العلوم غير الحديث، مع أنه كان يمدحها ؟(1/8)
ج: أقول: الإمام أحمد -رحمه الله- كتبه المشهورة: "المسند" و"الزهد" وكلاهما من رواية القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه الإمام: أحمد، أما التفسير، ففي صحته وصحة نسبته للإمام أحمد كلام، أذكر الذهبي -رحمه الله- له كلام في هذا في التفسير -إن لم تخطئني الذاكرة- والذي يظهر أنه لا تصح نسبته للإمام أحمد -رحمه الله- أما لماذا كان ينهى الإمام عن كتابة العلوم غير الحديث، فالكراهية للرأي، فهو يجد أن الرأي هو الذي أصابهم بالبلاء في ذلك الزمان، فكل الفرق المبتدعة التي خرجت في ذلك الوقت والفتنة الطامة، فتنة خلق القرآن كلها كانت نتيجة الرأي.
وينبغي لكم أن تعلموا أن الذين تولوا كبر مسألة فتنة خلق القرآن هم من الحنفية، مثل ابن أبي دؤاد وغيره، والحنفية هم الذين برزوا في الرأي؛ فلذلك الإمام أحمد -رحمه الله- من كراهيته للرأي وصل إلى درجة أنه يقدم الحديث الضعيف على الرأي، فيقول: إنني لو وضعت نسبة خطأ، فنسبة الخطأ في(1/9)
الرأي أكثر من نسبتها في الحديث الضعيف؛ لأن الحديث الضعيف إذا كان الضعف ناشئا من ضعف حفظ الراوي، فالراوي الذي حفظه ضعيف، نعم هو قد يخطئ، ونحن إذا ما حكمنا على الحديث بالضعف حيطةً لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن هناك احتمال أن يكون هذا الراوي قد حفظ، فلا نستطيع أن نحكم على كل ما يذكره الراوي الضعيف بأنه خطأ مائة بالمائة، بل لا بد أن يكون هناك نسبة من الصواب، وهذه النسبة من الصواب لن تتميز عندنا، فحيطة لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمنا على الحديث بالضعف، لكن هناك احتمال أن يكون الحديث صحيحا، فهذه النسبة من الاحتمال عند الإمام أحمد تربو على نسبة الإصابة في الرأي؛ ولذلك كان يقدم الحديث الضعيف على الرأي، ومن كراهيته للرأي أن يكتب رأيه، أو رأي غيره؛ ولذلك كان يكره أن يكتب الفقه، وإنما يحث الناس على الحديث بحكم أنه هو الأصل للاستنباط، هذا هو -يعني- السبب الذي جعل الإمام أحمد -رحمه الله- ينهى عن ذلك.
س: يقول: ما رأيك في أن نجلب معنا كتاب علي حسن "النكت" هل هو جيد يقصد نزهة النظر والنكت، أي التعليقات التي أضافها علي حسن عبد الحميد على الكتاب.
ج: نقول: نعم هو جيد -إن شاء الله- وأنا عندي أن جودته تبرز أكثر شيء في ضبط الكتاب، يعني: ضبط النخبة وشرحها النزهة.
س: يقول: هل كان كل أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم - يستوقفون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، ويسألونه أم أن هذا كان في الأعراب فقط، وذلك لجهلهم؟
ج: أقول: يعني، أنا لا يحضرني الآن أن هذا مقصور على الأعراب، نعم معروف أن الأعراب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسمح معهم، ما لا يتسمح مع باقي الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فيتيح لهم السؤال، لكن -يعني- الغالب على ظني أن هناك من الصحابة المقيمين في المدينة من كان يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثناء الخطبة، ولا أقول هذا جزما.(1/10)
س: يقول ما رأيك في كتاب مصطلح الحديث للطحان؟
ج: أقول: "تيسير مصطلح الحديث" للطحان أنا أرى أنه جيد من ناحية المنهجية، يعني: هو ييسر لطالب العلم دراسة المصطلح بطريقة شيقة؛ لأنه مبوب ومعنون، وهذه الأشياء تساعد في فهم المادة العلمية التي تضمنها ذلك الكتاب، لكن هناك بعض الملاحظات عليه، يعني: الملاحظات العلمية، هو ليس هناك أحد يخلو من الملاحظة، لكنها أخطاء واضحة؛ فلذلك إذا تنبه الإنسان لها لا بأس، الكتاب جيد في الحديث.
س: يقول: هل أحاديث مقدمة صحيح مسلم لها شروط الصحة كالصحيح أم لا؟
ج: أقول: لا. ليس لها شروط الصحة، وهذا -يعني- يتضح جليا في -أولا- الحديث الذي أورده مسلم -رحمه الله- معلقا، وهو حديث: " أنزلوا الناس منازلهم " فهو حديث ضعيف كذلك بعض الأحاديث التي -يعني- تروى بأسانيد فيها كلام، وإن لم تكن كثيرة -يعني- في المقدمة، لكن الآثار التي -يعني- فيها بعض الرواة مضعفين كثيرة -يعني- في المقدمة، فعلى كل حال، فليس لها حكم الصحة. والعلماء كانوا يميزون ما جاء في المقدمة عما كان في صلب الصحيح، بل حتى الرواة الذين يروي لهم مسلم في المقدمة يميزونهم عن الرواة الذين يروي لهم مسلم في نفس الصحيح.
س: يقول: جاء عن بعض السلف: الفرقة الناجية المنصورة، أنها أهل الحديث، وجاء عن بعضهم قولهم: لو لم يكونوا -يعني- يقصد إن لم يكونوا أهل الحديث، فلا أدري من هم.
فالسؤال: هل المقصود بأهل الحديث السنة، أو المقصود من تعلم علم الحديث دراية ورواية؟(1/11)
ج: أقول: الواضح -تماما- أنهم لم يكونوا يقصدون بأهل الحديث من طلب علم الحديث فقط، بل أهل الحديث تشمل أهل السنة الذين ينقادون للحديث، والذين آراؤهم وأعمالهم كلها متفقة مع النصوص الشرعية من كتاب الله -جل وعلا- ومن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوصفوا بأهل الحديث؛ لشدة اتباعهم للحديث، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا قد طلبوا علم الحديث، كما أنه في المقابل لا يلزم أن يكون من طلب علم الحديث، هو من أهل الحديث فعلا، إذا كان مخالفا لأهل السنة في أصول الاعتقاد.
فبعض الناس يكون بارعا في الحديث كالكوثري، ولكنه على خلاف ما عليه أهل السنة في أصول الاعتقاد؛ فلذلك لا يعتبر من أهل الحديث: فوضح تماما أن مقصودهم بأهل الحديث من كان متبعا للحديث، منقادا له في جميع شئون حياته في أصول الاعتقاد وغيرها.
س: يقول أحد الإخوة: ما الفرق بين اللفظين "نخبة الفِكْر" "ونخبة الْفِكَرْ"، وهل هناك خلاف بين اللفظين أم لا ؟
ج: أقول: أما بالنسبة للضبط ضبط العنوان، فالذي أحفظ فيه " نخبة الْفِكَرْ" بفتح الكاف، أما الخلاف بين اللفظين، فالذي يظهر لي أن هناك خلافا، والخلاف في بادئ. لأني في الحقيقية أول مرة أفكر هذا التفكير، ما كنت يعني أركز عليها، لكن الذي يظهر لي الآن أن الْفِكَرْ جمع. جمع فِكْرَةْ بخلاف الفِكْر، فهو وصف لِفِكْر الإنسان، فهذا هو الخلاف الذي يظهر لي.(1/12)
وهذه الأوقات -أيها الأخوة- إذا لم يعمرها الإنسان بطاعة الله -جل وعلا- فقد يخشى عليه أن تحرى بالباطل، واقتناء فرص العمر من عادة الناس الذين يوصفون بالحزم، ولكم في سلفكم الصالح قدوة أيها الإخوة، فإنهم -رضي الله عنهم ورحمهم- ضربوا أروع الأمثلة في اغتنام الفرص واستغلال ساعات العمر، في كل ما من شأنه الفائدة، وتكثير الأعمال الصالحة. الحسن البصري -رحمه الله تعالى- يقول: "يا ابن آدم إنما أنت أيام مجتمعة فكلما انقضى يوم انقضى بعضك" ولعلكم تذكرون أن بعض العلماء المشهورين كثر تصنيفهم، بحيث أصبح مضرب المثل، مثل ابن جرير الطبري وابن الجوزي وابن عقيل وغيرهم، ولم يتحصل لهم ذلك إلا بسبب حرصهم على شغل الأوقات بطلب العلم وتعليمه وبذله في الناس، ولست بحاجة إلى تذكيركم ببعض القصص في هذا، فالذي يظهر لي أنها تتكرر على مسامعكم مرارا وتكرارا كقصة ابن جرير الطبري مع طلابه، حينما ألف تفسير القرآن، وحينما ألف تاريخ الأمم والملوك.
وهذان الكتابان اختصرهما ابن جرير الطبري إلى مقدار الثلث، أو ما هو أكثر وكذلك ابن الجوزي -يعني- كثرت مصنفاته بسبب حرصه على شغل الأوقات، وهو الذي يقول، يعني من قصصه في شغل أوقاته بأمور نافعة أنه أحيانا يبتلى ببعض الناس الذين لا بد من معاشرتهم، فبعضهم إما قريبه، أو جاره، أو ما إلى ذلك، فلا يستطيع ابن الجوزي التخلي عن معاشرة هؤلاء الناس، ولكنه كان يدافعهم بقدر المستطاع.(1/13)
فإذا جاءه الواحد منهم يريد الزيارة، قال: أنا مشغول أنا كذا أنا كذا، المهم حتى يجد أنه لا بد من تلك الزيارة، فيعد العدة لتلك الجلسة -أيضا- لا يجعلها تفوت عليه، فيجد أنه في حال تأليفه لا بد له من أوراق تطبع، فعندهم ليست المسألة كما هو الحال عندنا الآن، الدفاتر والأوراق جاهزة ومقطعة والقلم، يفتح الغطاء، ويكتب على طول، لا، الواحد منهم كان هو الذي يجهز حبره لنفسه، وهو الذي يبري أقلامه، وهو الذي يصنعها، وهو الذي يقطع الدفاتر، وهو الذي يجلدها، يحزمها، وكل هذا يحتاج إلى وقت، لكنه لا يحتاج إلى إعمال ذهن وفكر، هذه لا تحتاج إلى فكر.
فكان ابن الجوزي -رحمه الله- يجعل هذه الأشياء تستغل في تلك الأوقات، التي لا تحتاج إلى إعمال فكر، فتجده أمام الجالس، أهلا حياك الله، كيف حالك؟ وهكذا، وهو يشتغل، يده تشتغل، وهو يخاطب جليسه.
فإذا هو ما فوت شيئا من ساعات عمره، وتجده يعجب من بعض الناس الذين أنعم الله -جل وعلا- عليهم بنعمة المال، ودائما الذي ينعم عليه بنعمة المال، ويرزقه الله -جل وعلا- استغلال الوقت هو الذي يظفر بالكثير من الأوقات أكثر من غيره، فيجد أن بعض الناس أنعم الله عليه بنعمة المال، فهو ليس في حاجة إلى التكسب، وإلى تضييع الأوقات بالبحث عن المال الذي يقيم أوده، لكن هؤلاء ما بصرهم الله -جل وعلا- بشرف العمر، فيتعجب منهم، والواحد منهم يجلس في الأسواق يتتبع أسعار الغلاء وأخبار الملوك والسلاطين.(1/14)
فيقول: علمت أن الله -جل وعلا- لم يطلع شرف العمر، أو لم يبصر بشرف العمر إلا من وصفه الله -جل وعلا-: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) } (1) فعلى كل حال، من أراد -يعني- أخبارا في هذا، فليراجع كتابه صيد الخاطر؛ فإن له فيه لفتات جيدة ، أقول هذا؛ لأنكم الآن -والحمد لله- يعني.. في سعة من الوقت في هذه العطلة، ويمكن الغالب والكثير منكم عنده هذه الإجازة، فما دمتم استغللتموها لطلب العلم، فهذه -والله- مفخرة، وأي مفخرة! وشرف، أي شرف! وبخاصة من كان قدم من خارج هذا البلد، فهذا يذكرنا حقيقة -وأحيانا الذكرى مسلية- يذكرنا بأخبار العلماء الأوائل الذين كان الواحد منهم يضرب أكباد الإبل إلى بلدان شتى، كل ذلك في طلب حديث من الأحاديث، أو فائدة من الفوائد، أو لقي شيخ من الأشياخ: الرحلة في طلب العلم.
فهذا -بلا شك- أيضا -يعني- الحقيقة يجعلنا نستأنس أكثر وأكثر، ونأمل -إن شاء الله- أن تكون هذه الصحوة المباركة، يعني: تخطت العراقيل التي يمكن أن تكون طبيعة في وجودها، وأدركت أن فلاحها وصلاحها واستقامتها مربوطة بهذا العلم، فالإنسان الذي يريد أن ينضم إلى صف الدعوة إلى الله -جل وعلا- والدعاة إلى الله، وإلى صف هذه الصحبة المباركة -لا شك- أنه يعتبر نفسه من الدعاة، كل بحسب استطاعته، لكن الإنسان إلى أي شيء يدعو؟ إذا لم يكن متزودا بزاد العلم فلربما دعا غيره إلى ضلال -والعياذ بالله- ولربما ألقي إليه سؤال محرج، فأفتى بغير علم، لربما دعا غيره، واستحسن أشياء تدخل في عداد البدعة، فالداعية إلى الله لا بد أن يكون على نور من ربه -جل وعلا- { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } (2) فلا بد أن يكون الإنسان على بصيرة بالأمر الذي يدعو إليه، أما أن يكون الإنسان مجرد عاطفة تشتعل، هذا لا يكفي.
__________
(1) - سورة فصلت آية : 35.
(2) - سورة يوسف آية : 108.(1/15)
العاطفة، نعم الإنسان بحاجة إليها، لكنها لا تكفي وحدها إذا لم يكن منضما إليها العلم الشرعي، الذي يجعل الإنسان كالذي يسير في ظلماء، ومعه مصباح في يده يبصر به طريقه، ولا شك أن الداعية في خضم هذه الموجات الجاهلية في هذا العصر الحديث من جميع أصنافها، هو يسير في وسط ظلمة، لكن هذه الظلمة تحتاج إلى مصباح يضيء له الطريق، وهذا المصباح هو العلم الشرعي، فالله الله أيها الأخوة.
يعني: أحث نفسي وأحثكم على ملازمة هذه الدروس، وعلى قصر هذه الأنفس، فإن الأنفس دائما تميل إلى البطالة، تميل إلى الدعة والراحة، ولو أن الواحد منا أطاع نفسه لما رفع رأسه من على الوسادة، أو لما ترك المجلس الفلاني الذي فيه القيل والقال، أو الدعابة الفلانية وما إلى ذلك، أو النزهة الفلانية واللعب الفلاني.
لو الواحد منا أطاع نفسه لما ترك هذه الأشياء، لكن هذه الأنفس ضلعة تحتاج إلى من يقصرها على طاعة الله -جل وعلا- وعلى تعلم العلم الشرعي الذي هو من أفضل العبادات.
لكن درس "نخبة الفكر" يحتاج إلى مقدمة خفيفة، نستغل هذا الوقت في ذكر هذه المقدمة، وفي وقت الدرس -إن شاء الله- نبدأ بداية فعلية في شرح النخبة.
هذه المقدمة -أيها الأخوة- تتمثل.. أولا:(1/16)
لماذا علم الحديث؟ لماذا نطلب علم الحديث؟ نطلبه -أولا- لأنه من أشرف العلوم؛ ولأن أهله هم الذين أصبحوا مصابيح الدجى، فلو نظرنا في الأئمة الأربعة: ثلاثة منهم ممن اشتهروا بالحديث، وإن كان الرابع، وهو أبو حنيفة -رحمه الله- لم يخلو من علم الحديث، لكنه لم يشتهر كشهرة الباقين، فالإمام مالك -رحمه الله- لو فتحتم كتابه الموطأ، وإذا به مليء بالأحاديث، وآراء الإمام مالك محصورة معدودة لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من تلك الأحاديث والآثار التي ساقها بسنده، إما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإما إلى تابعيه، ولو نظرنا إلى الشافعي -رحمه الله- وإذا به -أيضا- قمة في هذا الأمر، فكتابه الأم مليء بالأحاديث التي يسوقها بسنده.
كتابه الرسالة مليء بالأحاديث التي يسوقها بسنده، حتى إن بعض تلاميذه ذهب فألف مسندا للشافعي استخلصه من الأحاديث التي يرويها في كتبه، وأصبح الكتاب مشهورا بمسند الشافعي، وكذلك -أيضا- كتاب السنن له -رحمه الله تعالى- وأما الإمام أحمد، فهو قمة أهل الحديث لا يعرف أن الإمام أحمد -رحمه الله- كتب حرفا واحدا في الفقه، مع العلم أنه محسوب -أيضا- في عداد الفقهاء، لكنه كان ينهى تلاميذه عن كتابة الرأي، ويحثهم على كتابة الحديث. وفضل أهل الحديث لا ينكر، فهم الذين جهزوا الجهاز وأعدوا العدة لكل من أراد أن يخدم علوم الإسلام على شتى صنوفها.
فالمفسر لا يستغني عن الحديث، والفقيه لا يستغني عن الحديث، والأصولي لا يستغني عن الحديث، والمؤرخ لا يستغني عن الحديث، بل لا يستغنون عن مصطلح الحديث.
فإذا نظرت إلى المفسر بأي شيء سيفسر كتاب الله جل وعلا؟(1/17)
إما أن يفسره بعلم، أو يفسره بجهل، إذا كان يفسره بعلم، فمعروف بأنهم كانوا أول ما يفسرون كتاب الله -جل وعلا- بكتاب الله نفسه، فلربما كانت آية فيها إجمال ورد مفصلا في آية أخرى، فخير ما يفسر به كتاب الله في كتاب الله، ثم الدرجة الثانية في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم الدرجة الثالثة بما ورد عن الصحابة، ثم بعدهم التابعين. لكن لو نظرنا لهذه الأمور لثلاثة: ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء عن الصحابة والتابعين، وإذا به لا بد أن يكون مرويا بالسند، وهذا السند إما أن يصح، أو لا يصح، فإن صح السند، فلا يمكن الحكم على الحديث، أو الأثر بالصحة إلا من جراء علم الحديث، مصطلح الحديث. وإن لم يكن الإنسان مؤهلا لانتقاء الصحيح من السقيم واختياره والتفسير به، فإنه -بلا شك- سينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، وسينسب إلى الصحابي ما لم يقله، وسينسب إلى التابعي ما لم يقله، ومن هنا يقع الإشكال، فلو أن يعني الأحاديث والآثار ميز صحيحها من سقيمها لتقلصت دائرة الخلاف إلى حدٍ كبير جدا؛ لأن ما لا يصح نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى صحابي، أو تابعي هو الذي يشكل كثيرا من الخلاف دائما.
فإذا نسب قول إلى الصحابي، فإنه يشكل رأيا من الآراء، لكن لو أن هذا القول، أو هذا الرأي عرف أنه غير صحيح، لأبعد من الساحة، ولما أصبح هناك توسيع لدائرة الخلاف، فعلى كل حال المفسر لا يستغني عن علم الحديث.(1/18)
الفقيه لا يستغني عن علم الحديث، الفقيه هو الذي يقول للناس : هذا حلال، وهذا حرام، وافعلوا كذا، ولا تفعلوا كذا، والحكم في المسألة الفلانية كذا، والحكم في المسألة الفلانية كذا، فإذا كان هذا الفقيه حاطب ليل: لا يعرف صحيح الأخبار من سقيمها، فإنه -بلا شك- يحلل ما حرم الله، وسيحرم ما أحل الله، إذا لم يكن متبصرا بهذا الأمر، ومن هنا يقع الإشكال لكثير من مقلدة المذاهب، الذين الواحد منهم تجده يستدل بالحديث الضعيف، ويبني عليه أحكاما، ويبني على تلك الأحكام المستنبطة أقيسة يقيس عليها، وهكذا تجد أن ما بني على الباطل، فهو باطل، سلسلة متواصلة الحلقات. لكن لو أجهز على المسألة من الأصل، بحيث صح الأثر من حديث، أو غيره، فهو الذي عليه العمدة، لم يصح يستبعد، وترجع المسألة إما إلى أصلها، أو إلى حديث، أو أثر آخر. كذلك -أيضا- الأصولي يقعد قواعد أصولية، وهذه القواعد مستمدة من نصوص شرعية عدة، لكن هذه النصوص الشرعية، إما أن تكون من كتاب الله -جل وعلا- وهذا لا مجال للكلام فيه، وإما أن تكون من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أثر عن صحابي، فبالتالي لا بد من النظر -أيضا- في صحة ذلك من عدمها. المؤرخ إذا لم يكن عارفا بطريقة تمييز الأخبار، فإنه -بلا شك- سينسب بعض الحوادث إلى أناس معينين، ولأضرب لكم مثالا على ذلك:
القصة التي تروى في تحكيم الحكمين: أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- تعرفون أن هذه القصة اشتهرت، وانتشرت عند الناس، وفيها نسبة الخديعة والمكر لصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحاشاهم من ذلك، حينما يقولون: إن عمرو بن العاص خدع أبا موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنهما- حينما خلع الخاتم، وقال أبو موسى: أنا أخلع صاحبي، كما أخلع هذا الخاتم، وقال عمرو بن العاص: وأنا أثبت صاحبي كما أثبت هذا الختم، فكانت خديعة من عمرو بن العاص.(1/19)
هذه القصة لا تصح، ولا تثبت، لكن انطلت على من؟ انطلت على الذين لا يميزون، لكن الصحيح هو ما رواه حصين ابن المنذر -رحمه الله تعالى- وهو أن الحكمين كليهما، اتفقا على خلع علي ومعاوية؛ لحقن دماء المسلمين؛ ولذلك يعني: من شواهد هذه القصة أن ما أحد لا معاوية ولا علي طالب بتحكيم ما اصطلح عليه الحكمان، كل منهما بقى في مكانه ورضي بما وقع تحت يده من الممالك.
وهذا هو أقوى شأنًا، وإلا لو كان -فعلا- الأمر كما صُوِّر من خلع أبي موسى لعلي، وإثبات عمر لمعاوية، لأصبح معاوية يطالب بنتيجة الصلح الذي اتفقا عليه، لكن لم يحصل شيء من المطالبة إطلاقا، وهذا دليل على صدق ما حكاه حبيب بن منذر.
وهذه الحكاية -كما يقول القرطبي -رحمه الله- في "العواصم"-: إنه رواها الدارقطني بسند صحيح.
فالمعوّل عليه في الأخبار حتى هو صحة الأسانيد من عدمها؛ ولذلك -أيها الإخوة- لا تعجبوا أن تجدوا في كتب التواريخ العجب العُجاب، والدواهي كثيرة، مثل قصة استباحة المدينة، فهي بهذه الصورة لا تثبت، ونعوذ بالله أن تثبت بهذه الصورة، يعني: ما بين وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين هذه الحادثة قيل: أقل من ستين سنة، وأصبح المسلمون يصلون إلى هذه الدناءة؟! هذا أمر بعيد.
تعرفون معنى الاستباحة؟ يعني: أصبحت المدينة مباحة، بحيث الرجل يمسك أي امرأة ويزني بها، يمسك أي مال ويأخذه، وأصبح الناس قد -يعني- اختلطت أنسابهم، وحصل -يعني- من حالة مثل ما يشبه الآن حالة استباحة الصرب للبوسنة.
نسأل الله السلامة من هذا، أن يقع من الناس في مثل ذلك الوقت، حتى وإن كان هناك من التنازع على الملك والحكم ما حصل، لكنه لا يصل -والعياذ بالله- إلى هذه الدرجة .(1/20)
كذلك -أيضا- حادثة إحراق الكعبة، يعني: كأنها متعمدة من الحجاج بن يوسف في مقاتلته لعبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما-، وأن الكعبة قد أُحرقت عن تعمد من قوات الحجاج بن يوسف، وهذا -يعني- لم يحصل بهذه الصورة التي تصورها كتب التواريخ.
والسبب أن هذه القصص والحكايات التي في تاريخ الأمة الإسلامية أكثر من افتعلها هم الروافض، وقصدهم من ذلك تشويه الدولة الأموية؛ لأن الدولة الأموية على ما فيها -يعني- من القصور، لكنها هي الدولة التي حققت الفتوحات الإسلامية العريضة في وقت مبكر من تاريخ الأمة الإسلامية.
ولابن كثير -رحمه الله- تعالى كلام جيد في "البداية والنهاية"، وهو يذكر مآثر هذه الدولة، فيذكر أن القائد الفلاني في السند يفتح البلدان والأقاليم، والقائد الفلاني في بلاد الترك، والقائد الفلاني في بلاد الأندلس، والقائد الفلاني في كذا، والقائد الفلاني في كذا ؛ فيذكر من نشرهم لدين الله -جل وعلا- ما يجعل فعلا الأعداء يأكل الغيظ قلوبهم، ويجعلهم يصوبون سهامهم نحو هذه الدولة؛ لتشويه سمعتها وإسقاطها.
ومعروف بأن العداء بين الدولة الأموية والروافض قائم على أشده.
فمن الروافض أبو مخنف، وهو راوية من رواة التواريخ، وعنده من القصص والحكايات الشيء الكثير.
ومن الروافض -أيضا- هشام بن السائب الكلبي، وهو من الروافض أيضا والأخباريين.
ومنهم رجل يقال له: عوانة، وغيرهم كثير، وكذلك -أيضا- الواقدي صاحب "المغازي"، وهم كثرة، كلهم روافض وممن يضعون الأخبار.
فلو أن هذه الأخبار خضعت لمقياس النقد الذي عند أهل الحديث لذهب منها جملة، ولبقي لنا ما صح من تاريخ الأمة الإسلامية ناصعًا أبيضَ نقيًا.
ولذلك نقول: حتى المؤرخ لا يستغني عن علم الحديث، لا يستغني عن الإسناد، وكل ما لم يُرْوَ بالسند فهو مما ينبغي أن يُبْعَد.
وينبغي أن نعلم أن الإسناد من خصائص الأمة المحمدية التي فضلها الله -جل وعلا- على سائر الأمم.(1/21)
ومن أوجه هذا التشريف والتكريم لهذه الأمة وجوب الإسناد الذي لم يوجد عند أمة من الأمم .
كذلك أيضا -أيها الإخوة- لو نظرنا للدعاة والمصلحين في تاريخ الأمة الإسلامية، نجد الغالب جدا منهم ممن برزوا في علم الحديث:
أولهم الإمام أحمد -رحمه الله- الذي وقف في وجه الفتنة المعروفة، ثم مَن تتلمذ عليه، ومن كان في عصره، أئمة، ومن كان قبل ذلك.
شعبة مَن هو؟ محدث، سفيان الثوري مَن هو؟ محدث، عبد الرحمن بن مهدي مَن هو؟ محدث، الإمام مالك مَن هو؟ محدث، عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد مَن هو؟ محدث، الشافعي -رحمه الله- مَن هو؟ محدث، إسحاق بن راهويه محدث، أبو بكر بن أبي شيبة محدث، البخاري محدث، مسلم محدث، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، ابن خزيمة، ابن حبان، الحاكم.
كل هؤلاء الأفذاذ، وغيرهم وغيرهم كثير كلهم محدثون، وهم ممن نشروا العلم في صفوف الناس، وهم ممن من وقفوا أيضا في وجه أي مبتدع وضالٍ منحرف عن الطريق السوي.
فتجد الواحد منهم -مع بروزه في علم الحديث- إلا أنه له المشاركة في فنون أخرى؛ فالبخاري -رحمه الله- هو الذي ألف "خلق أفعال العباد" في بيان وجه الحق في مسألة اللفظ، وهل أفعال العباد مخلوقة أو غير مخلوقة؟.
الإمام أحمد -رحمه الله- هو الذي -يعني- نقل عن ابن عبد الله كتاب السنة الذي يعتبر أصلا من الأصول.
ابن أبي عاصم من قمة المحدثين، وهو صاحب كتاب "السنة".
ابن خزيمة -رحمه الله- هو صاحب كتاب "التوحيد".
ابن منده -رحمه الله- هو صاحب كتاب "الإيمان".
وغيرهم كثير، كلهم ممن ألف في هذا العلم وفي علوم أخرى.
أيضا لو نظرنا للواحد منهم، فنجده لم يقصر نفسه على علم الحديث مجردا، هكذا مجرد نقل للأحاديث؛ بل تجد الواحد منهم يُعْنَى بالناحية الفقهية، ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يجمع بين الحديث والفقه، ومتى ما جمع الإنسان بين الحديث والفقه فإنه يصبح -يعني- آية من الآيات في العلم، وفي قوة الحجة.(1/22)
فبلا شك أن من طلب علم الحديث -كما يقول الشافعي -رحمه الله-: "قويت حجته"، وأي حجة أقوى من أن تُذكر مسألة من المسائل للإنسان فيقول فيها بآية أو حديث؟ بخلاف إنسان يُعمل رأيه، والرأي قد يصيب وقد يخطئ، لكن الذي معه أثارة من العلم فبلا شك أن حجته أقوى من حجة غيره.
لو نظرنا -مثلا- للبخاري -رحمه الله- فهو من قمم المحدثين، لكن مع ذلك كتابه حافل باستنباطات فقهية دقيقة شكلت مذهبا مستقلا للبخاري، بحيث إذا ذُكرت مسألة من المسائل قيل: وقول البخاري فيها كذا وكذا، وتجد قول البخاري مستندا إلى حديث أو أثر. يظهر هذا واضحا من تبويباته الفقهية الموجودة في كتابه "الصحيح".
وغير البخاري كثير من الأئمة الذين برزوا في هذا الجانب؛ لكن ذكرت البخاري لأن كتابه متداول في أيدي الناس، وهذه الخصلة واضحة في كتابه جدا.
بقي أن أشير إلى أن هناك من يحتقر المحدثين، والسبب الصراع الدائم أحيانا بين الفقهاء وبين المحدثين، وأقصد بالفقهاء: الذين يطلبون الفقه للفقه مجردا عن الدليل، وهو الفقه المذهبي، فمثل هؤلاء تجدهم أحيانا يصتنعون بعض الحكايات والأخبار التي فيها ازدراء للمحدثين؛ بحجة أن المحدث إنما هو كالصيدلي الذي يُحضّر الدواء، لكن الفقيه هو الفقيه الذي كذا وكذا و كذا، ويبدءون يذكرون من مآثر الفقهاء.
والحقيقة أن إحداث مثل هذا الصراع بين المحدث والفقيه هو خاضع لشيء من الهوى، وإلا الإنسان المنصف يعرف أنه لا غنى للفقيه عن الحديث، ولا غنى -أيضا- للمحدث عن الفقه.
فما هي الثمرة من رواية الأخبار؟ هل هي مجرد -مثلا- حفظ أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط؟ لا، لا بد له من ثمرة، والثمرة تتمثل في العمل الذي ينبني على هذه الأحاديث والآثار المروية.(1/23)
العمل مسألة تستنبط، حكم فقهي يذكر، مسألة ترد يحتاج الأمر فيها إلى أن يعرف الحكم فيها: هل هو حلال أو حرام؟ وهل يفعل الإنسان كذا أو يفعل كذا؟ كل هذا مربوط بهذا المتن المروي بذلك الإسناد.
فينبغي لنا أن ندع جانبا كل هذه الترهات التي تذكر في النزاع بين الفقهاء والمحدثين، ونعرف أنه لا بد لنا أن نربط الفقه بالحديث، ففقيه يتنحى عن الحديث نقول له: أنت على جانب من الخطأ، ومحدث يتنحى عن الفقه نقول أيضا: أنت على جانب من الخطأ، لكن خطأه ليس كخطأ الآخر، لماذا؟ لأن الآخر يتكلم في مسائل بحلال أو حرام، والكلام في أمور الشرع بحلال أو حرام هو من التقول على الله -جل وعلا-.
فإما أن يكون الإنسان مستندا على أثر صحيح، فبالتالي يكون قوله هذا له من الوجاهة ما له، وإما أن يكون غير مستند على شيء، فهذا يُخْشَى عليه أن يكون داخلا في قول الله -جل وعلا-: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) } (1)
والذي يريد أن يقول على الله بعلم لا بد أن يكون هذا العلم مستندا إلى كتاب الله -جل وعلا-، أو ما صح من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
يحكون فيما يحكون، يعني مثلا: أن بعض المحدثين جاءته امرأة تسأل عن بئر وقعت فيها دجاجة، فهل ماء تلك البئر طاهر أم نجس؟ فحاد المحدث عن الجواب بقوله: ويلكِ، كيف سقطت الدجاجة في هذه البئر؟ ألا غطيتيها!
وكان هناك أحد الذين برزوا في الفقه حاضرا، قال: فعلمت أنها حيدة، فأخذت المرأة، وقلت لها: الحكم فيها كذا وكذا.
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 33.(1/24)
فيقولون: هذا دليل على أن المحدثين لا يعرفون فقط سوى الرواية، ولا يعرفون الفقه، يصنعون مثل هذه الحكايات للتشنيع على أهل الحديث، وكما قلت لكم: العاقل ينبغي أن يربأ بنفسه عن مثل هذه الأمور.
وهذه الحكاية لا تصح؛ لأنها حُكِيَت عن إمام من الأئمة له كتاب في الفقه، وهو يحيى بن محمد بن صاعد -رحمه الله تعالى-، فهو فقيه.
لكن الخطيب البغدادي -رحمه الله- حينما ذكرها دافع عن يحيى بن صاعد، قاخلافية، فلم يُرِد أن يتكلم فيها، وهو لم يترجح له أمر من الأمور في هذه المسألة، مع العلم أنها من حيث السند لا تصح ولا تثبت.
نقوم بمراجعة سريعة لما أخذناه بالأمس، مع استدراك ما يحتاج إلى استدراك.
فمَن من الإخوة يذكر تعريف الخبر؟
طيب، هذا تعريف -يعني- هو المختار، وليس هناك تعريف آخر ؟
أي نعم، إذن نقول -بادئ ذي بدء-: اختُلِفَ في تعريف الخبر، فقيل: هو مرادف لأي شيء؟ للحديث، وهذا يضطرنا إلى أي شيء؟ إلى تعريف الحديث، فما هو تعريف الحديث حتى نعرف تعريف الخبر؟
تفضل..
نعم، هو ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خِلْقية أو خُلُقية، أو سيرة، أو كما -يعني- أضاف أحد الإخوة بالأمس ما كان من هم.
المهم، كل ما يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله.
ما دمنا عرَّفنا الحديث، إذن نستطيع من جراء ذلك أن نُعرِّف الخبر.
فعلى القول الأول -كما ذكر الأخ-: الخبر مرادف لتعريف الحديث، بمعنى: أن الخبر والحديث بمعنى واحد، فهل هناك من تعريف آخر؟
تفضل..
بمعنى؟ يعني أيهما أعم: الحديث أو الخبر؟ الخبر أعم من الحديث، فمعنى ذلك أن كل حديث خبر، ولا عكس؛ فالخبر قد يكون حديثا، وقد يكون قولا لأي إنسان كائنا من كان.
طيب، هل هناك قول آخر ؟(1/25)
كل خبر حديث؟ لا، هذا القول ما قيل، لكن قيل القول، وهو الذي -يعني- أردت أن استدركه، وهو أن الخبر بعكس الحديث؛ فالحديث ما يُرْوَى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخبر ما يروى عن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه ثلاثة تعاريف:
التعريف الأول: هما بمعنى واحد.
والتعريف الثاني: أن الخبر أعم من الحديث؛ فكل حديث خبر، وليس كل خبر حديثا.
والمعنى الثالث: عكس الحديث، فالحديث ما يُرْوَى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخبر ما يُرْوَى عن غير النبي صلى الله عليه وسلم.
تطرقنا كذلك إلى تعريف أي شيء؟ الأثر، فمَن من الإخوة يعرف الأثر؟
نعم.. له تعريفان .. أي نعم، أحسنت، بارك الله فيك.
فالأثر له تعريفان:
التعريف الأول: قيل: هو مرادف للحديث، فيمكن أن نقول للأثر: حديثا، ويمكن أن نقول للحديث: أثرا .
والقول الثاني: إنه مغاير للحديث، فالحديث ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأثر ما يُرْوَى عن من؟ عن الصحابة والتابعين.
و .. نعم ..
نعم، عند المحدثين، عند جمهور المحدثين الأثر بمعنى الحديث، فيمكن أن تقول للحديث: أثرا، ويمكن أن تقول للأثر: حديثا.
لكن عند الخراسانيين هم الذين قيدوا الأثر بما يروى عن الصحابة والتابعين.
بعد ذلك ذكرنا أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قسم الخبر إلى قسمين: فما كان له طرق محصورة وما ليس له طرق محصورة، وهذا يستدعينا إلى تعريف الطرق، فما هي الطرق؟
الطرق: الأسانيد، وبالتبع أيضا سنضطر إلى تعريف الإسناد، وهذا ما تطرقنا له بالأمس، ونستدركه في هذا اليوم إن شاء الله.
فالإسناد ذكروا له تعريفين:
التعريف الأول: هو ما ذكره الحافظ في شرح النخبة، وهو حكاية طريق المتن، قال: "الإسناد: هو حكاية طريق المتن"، بمعنى: أنه عزو الحديث إلى قائله مسندا، فإذا كان قائل الحديث هو النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي أو التابعي.(1/26)
فإذا ذكرنا ذلك القول بالإسناد، كأن يقول البخاري -مثلا-: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما الأعمال بالنيات .. " إلى آخر الحديث.
فهنا يقال: إن البخاري أي شيء؟ أسند الحديث.
فالإسناد هو عزو الحديث إلى قائله، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندا، يعني: بذكر رجال الإسناد.
فهذا معنى كلام الحافظ -رحمه الله- حينما قال: "حكاية طريق المتن"، أي: عزو الحديث إلى قائله مسندا، هذا هو التعريف الأول.
والتعريف الثاني: يعني هو مشابه لهذا، قالوا: "هو سلسلة رجال الإسناد الموصلة إلى المتن". فسلسلة الرجال هؤلاء يقال لها: الإسناد.
وبهذا التعريف الثاني يكون تعريف الإسناد والسند بمعنى واحد، فالسند: هو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن.
ونحتاج -أيضا- إلى تعريف المتن، يعني حتى يكون الجميع على دراية بهذه المصطلحات، فالمتن ما هو؟ قالوا: "المتن: هو ما ينتهي إليه السند من الكلام".
فالحديث الذي ذكرته قبل قليل: البخاري، عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الآن انتهى السند، انتهى إلى أي شيء؟ إلى كلام، هذا الكلام هو المتن، فالمتن هو ما ينتهي إليه السند من الكلام.
أي نعم، يعني ما دام أن الحديث ذُكِرَ بالإسناد على ما في الإسناد من العلل، سواء كان الإسناد مرسلا، أو معلقا، أو مدلسا، أو مرسلا إرسالا خفيا، أو معضلا، إلى غير ذلك من علل الإسناد التي سيأتي الحديث عنها -إن شاء الله- فيما بعد، هذه لا تقدح في تعريف الإسناد، ولكنها تقدح في صحة الحديث كما سيأتي -إن شاء الله-.(1/27)
بعد ذلك -أيضا- ذكرنا تعريف الخبر الذي ليس لطرقه حصر، وقلنا: إن الذي ليس لطرقه حصر ما هو؟ المتواتر، فما هو تعريف الخبر المتواتر؟
نعم ..
أحسنت، بارك الله فيك، هو ما رواه جمع كثير عن جمعن بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وإسناده إلى شيء محسوس، وأيضا ذكروا أنه يفيد العلم، والعلم على ما سيأتي -إن شاء الله- الكلام فيه، هل هو يفيد العلم الضروري أو يفيد العلم النظري.؟
فمن هذا التعريف نأخذ للمتواتر كم شرط؟ خمسة شروط:
الشرط الأول: الجمع الكثير.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الجمع في كل طبقة من طبقات الإسناد.
الشرط الثالث: أن تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
والشرط الرابع: أن يسوده إلى شيء محسوس.
والشرط الخامس: إفادته للعلم .
وذكرنا بعض هذه الشروط، وبعضها يحتاج إلى استدراك بعض الشيء الذي لم يذكره في الليلة البارحة.
فأول شرط وهو مسألة العدد، ما رواه جمع، هذا الجمع هل له حصر بعدد معين، أو ليس له حصر؟
هذه مسألة -كما أشار إليها الحافظ ابن حجر في شرحه للنخبة- أنهم اختلفوا فيها؛ فمنهم من شرط عدد الأربعة، ومنهم من قال: خمسة، ومنهم من قال: عشرة، ومنهم من قال: اثنا عشر، ومنهم من قال: عشرون، ومنهم من قال: أربعون، ومنهم من قال: سبعون.
وكل منهم يحاول أن يتلمس لنفسه دليلا يستدل به، فمثلا الذين قالوا: العدد اثنا عشر، قالوا: إن الله -جل وعلا- ذكر أن الأسباط الذين اختارهم موسى عددهم اثنا عشر { وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } (1)ل: هو -يعني- لو على فرض أنها صحت، فيعتبر -رحمه الله- تورع في الحكم في هذه المسألةلأنها مسألة ؛
وأما الذين ذكروا عدد الأربعين، فاستدلوا بأن العدد الأربعين هم الذين لا تقوم الجمعة إلا بهم، طبعا على الرأي الذي يرى هذا الرأي.
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 160.(1/28)
الذين قالوا بعدد السبعين ذكروا الآية التي ذكرتها قبل قليل: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } (1)
ومنهم من زاد عن ذلك، وقال: لا بد أن يكون عددهم أكثر من ثلاثمائة رجل، واستدلوا بعدد أهل بدر.
المهم أنه -يعني- من خلال هذه الاستدلالات يظهر لنا ضعف اشتراط العدد، وهناك -يعني- من اختار القول بعشرة كالسيوطي في "تدريب الراوي"، ومنهم من رجح عدم اشتراط العدد كالحافظ ابن حجر هاهنا، وقال: الصواب أنه لا يُشترط عدد معين.
فقد يأتيني حديث يرويه عشرون رجلا، وحديث آخر يرويه خمسة من الرجال، لكن الحديث الذي رواه خمسة يفيدني علما أكثر مما يفيدني الحديث الذي رواه عشرون.
وهذا يختلف باختلاف الأشخاص الناقلين للحديث، فلو أن حديثا جاءني من خمسة طرق، وهذه الطرق كلها من أصح الأسانيد، فبلا شك أنه يفيدني علما أكثر مما لو جاءني حديث آخر من عشرين طريقا كل واحدة من هذه الطرق فيها ضعف، بلا شك أن ذاك يفيدني علما أكثر مما أفادني هذا الذي أكثر عددا، لكنه يختلف من حيث نوعية رجال الإسناد.
فلذلك اشتراط العدد -في الحقيقة يعني- من شرطه فهو غير مصيب في اشتراطه، حتى السيوطي حينما اشترط عدد العشرة هو أخل بهذا الشرط في كتابه "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة"؛ لأنه هو ممن حاول جمع الأحاديث المتواترة، ولكنه أخل بهذا الشرط في كتابه، فجمع بعض الأحاديث التي هي دون العشرة، وادعى فيها التواتر.
فهذا بالنسبة لمفهوم الكثرة .
يأتينا بحث آخر، وهو البحث في رجال الأسانيد للحديث المتواتر، هل يُشترط في الحديث المتواتر أن ننظر في رجال سنده أو لا يشترط؟
الحقيقة -أيها الإخوة- يعني كما أشار الحافظ هاهنا يقول: إن مبحث المتواتر ليس من مباحث علم المصطلح؛ لأنه ليس من مباحث علم الإسناد، فالمكان الأليق به هو كتب الأصول، أصول الفقه، وأما كتب المصطلح فالأليق ألا تبحث الحديث المتواتر.
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 155.(1/29)
هذا رأي الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، والسبب أنهم نظروا، فوجدوا أن المحدثين القدامى لم يتكلموا عن المتواتر إطلاقا، وأول من عُرف أنه تكلم عن الحديث المتواتر من أهل الحديث هو الخطيب البغدادي، والخطيب البغدادي يعتبر متأخرا نوعا ما، فهو متوفى في سنة أربعمائة وثلاث وستين للهجرة.
أما قبل الخطيب البغدادي فلم يتكلم المحدثون عن الحديث المتواتر، ولعل هذا يذكرنا بما قلت لكم ليلة البارحة من أن تقسيم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى متواتر وآحاد، أن هذا أمر حادث بعد ظهور الفرق المبتدعة.
وأما علماء الحديث فلم يكونوا يعرفون هذا التقسيم، وإنما كانوا ينظرون في الإسناد، فمتى ما صح الحديث فيتلقونه بالقبول، ولا يجوز لإنسان -كائنا من كان- أن يتخلف عن العمل بذلك الحديث إلا بحجة بينة، حجة علمية، إما أن يظهر له في هذا الحديث علة قادحة تقدح فيه، حتى وإن كان الحديث صحيحا عند قوم، لكنه هو يرى عدم صحته، أو يرى أن الحديث -مثلا- منسوخ، أو غير ذلك من العلل التي تعتبر حججا علمية في رد ذلك الحديث، أو عدم العمل بذلك الحديث.
أما أن يكون الرد مبنيا على الهوى، وحجج عقلية، فهذا -في الحقيقة- ليس هو المنهج الذي كان عليه أئمة الحديث -رحمة الله عليهم .
نعود الآن إلى الكلام في مبحث الرجال، قالوا: هل يُبحث في رجال الأحاديث المتواترة أو لا يبحث؟
معظم الذين تكلموا في هذه القضية قالوا: لا يبحث في رجال الأسانيد، ولعل مقصدهم لا يبحث في ضبطتهم، وأما عدالتهم فلا بد من البحث فيها، وهذا إنما هو في الكلام على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين.
لكن حينما نجدهم ينصون -وهذا يعني أمر مشهور في كتب الأصول- ينصون على أنه لا يُبحث حتى في العدالة.(1/30)
بل إن ابن قدامة -رحمه الله تعالى- في كتابه "روضة الناظر في أصول الفقه" يعني قال: إنه لا يبحث حتى في إسلامهم، حتى اليهودي، حتى اليهود والنصارى -يعني- يمكن أن يقبل الخبر الذي يذكرونه، لكن بالشرط الذي يدندنون حوله دائما، وهو إحالة العقل أو العادة تواطؤهم على الكذب، ما دام أن العادة أحالت تواطؤهم على الكذب فهذا يكفي عندهم.
فمن هنا -أيها الإخوة- ندرك أنهم حينما يتكلمون مثل علماء الأصول، يتكلمون عن الخبر أي خبر، ولا يتكلمون عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أدخلوا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبع على أنه خبر من جملة الأخبار.
لكن ما دام أنهم تكلموا عن هذه المسألة من هذه الحيثية، بحيث لم يشترطوا حتى الإسلام، فيمكن أن يقبل خبر اليهود والنصارى وما إلى ذلك، فنعرف أنهم تأثروا بالمباحث الكلامية التي وردت في الكتب اليونانية التي عُرِّبت في أول الدولة العباسية في عهد أبي جعفر المنصور، واستفحل أمرها في عهد الخليفة المأمون.
هذه الكتب هي التي أدخلت البلاء على المسلمين، ومن هنا دخل ما يسمى بالتواتر، وإلا ما كانوا يعرفون هذا المبحث؛ بدليل أنهم -يعني- يتكلمون عن أنه لا يشترط في الخبر مسألة الديانة، فيمكن أن يكون يهوديا، يكون نصرانيا، مسلما، بوذيا، أيا كان بهذا الشرط، وهو إحالة العادة تواطؤهم على الكذب.
ويمثلون على هذا بمثال، فيقولون مثلا: إن صلب عيسى لا يمكن أن يعتبر متواترا، حتى وإن كان الذي يذكره من النصارى عدد غفير جدا يزيد على الملايين، فهذا لا يمكن أن يكون متواترا، لماذا؟
قالوا: لأن العادة لا تحيل تواطؤهم على الكذب، كيف؟
قال: لأن الخبر في أصله يعتبر آحادا، فإذن هذا لا يتحقق فيه شرط التواتر.(1/31)
من هنا -يعني- يمكن أن نأخذ ما يترجح، وهو أنه لا بد من النظر في عدالة رجال الأسانيد التي تروى بها الأحاديث المتواترة، فلربما جاءنا حديث مثلا من مائة طريق، لكن هذا الحديث كل طريق من هذه الطرق نجد فيه راويا كذابا أو متهما بسرقة الحديث.
وأشير هنا إلى مسألة سرقة الحديث، وهي مسألة مهمة، فهناك كثير من الرواة الذين يضعون الحديث نجد في تراجمهم التهمة بسرقة الحديث، فيكون هناك حديث من الأحاديث يرويه راوٍ واحد في الأصل، وهذا الراوي مُضَعَّف.
لكن لأجل أن هذا الحديث يناسب أهواء بعض الفرق المبتدعة -مثلا- كالروافض، فتجد أنهم ينشطون، فيكثر رجالهم الذين يروون هذا الحديث عن شيخ ذلك الراوي الضعيف، فلربما جاءنا مثلا مائة، كلهم يروون هذا الحديث عن شيخ ذلك الراوي الضعيف، لكن لو نظرت في كل واحد من هؤلاء المائة، فإما أن تجده مجهولا لا يُعرف، وإما أن تجد العلماء يتكلموا عن أنه يسرق الحديث.
معنى سرقة الحديث أنه فعلا لم يسمع هذا الحديث من ذلك الشيخ، ولكنه عرف أن ذلك الراوي الضعيف قد حدث بهذا الحديث عن ذلك الشيخ، فنسبه لنفسه، فزعم أنه يرويه -أيضا- عن ذلك الشيخ، بمعنى: أنه تابع ذلك الراوي الضعيف، وبهذه المتابعات يمكن أن يتقوى الحديث.
فعلماء الحديث كانوا حذرين جدا من مثل هذا التصرف، ولعل -يعني- الذي يريد مثالا على هذا يراجع كلام مثل ابن حبان وابن عدي والعقيلي وابن الجوزي على حديث: " أنا مدينة العلم وعلي بابها "
فهذا الحديث مداره على أبي معاوية، وهو محمد بن خازم الضرير، يرويه عن الأعمش، لكن من الذي رواه عن أبي معاوية؟
رواه راوٍ اتهمه بعض العلماء بالكذب ووضع الحديث، ويقال له: أبو الصلت عبد السلام بن صالح، فهذا الراوي هو بلاء هذا الحديث.(1/32)
ثم جاء الروافض، فسرقوا هذا الحديث من أبي الصلت، هذا وكلهم يزعم أنه يروي هذا الحديث عن أبي معاوية محمد بن خازم، واجتمع من هذا العدد كم كثير، حتى إن بعضهم هو شيخ ابن جرير الطبري.
فيذكر ابن جرير الطبري يقول: حدثني فلان عن أبي معاوية، ثم يذكر ابن جرير يقول: فلان هذا لا أعرفه، شيخك يا ابن جرير ولا تعرفه!! كيف تروي عن شيخ لا تعرفه؟!
نقول: نعم؛ ولذلك هذا هو الذي يدعو دائما من يتحفظ في مسألة الجهالة إلى التحفظ هو أن هناك من المجاهيل من قد يسرق الحديث من راوٍ آخر، أو لا تُعرف عدالته، أو حتى ضبطه، فهذا الذي يدعوهم إلى عدم قبول أحاديث المجاهيل.
فإذن، من هنا نستخلص أنه لا بد من معرفة -على الأقل- عدالة الرواة الذين يروون تلك الطرق.
أما الضبط فيمكن أن يُتسامح فيه؛ لأنه إذا جاءنا الحديث من طرق متعددة، فكل واحدة من هذه الطرق تؤيد الأخرى وتعاضدها، فيتقوى الحديث بمجموع هذه الطرق، فإذا كثرت كثرة ظاهرة بلا شك أن الحديث يفيد العلم في هذه الحال.
هناك -أيضا- الشرط الثاني، وهو أن تكون الكثرة في جميع طبقات السند، ذكرنا ما على هذا الشرط من المؤاخذة، وهو أن إحدى طبقات السند هي طبقات الصحابة، والصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يجب ألا يخضعوا لمثل هذه القيود، وبخاصة ما يقال من إحالة العادة تواطؤهم على الكذب؛ لأنه لا يتصور في الصحابة أن يكونوا كغيرهم من رواة أي خبر من الأخبار.
فالصحابة -رضي الله تعالى عنهم- معدلون بتعديل الله -جل وعلا- ونبيه - صلى الله عليه وسلم - لهم، فإذن هم فوق مثل هذا التعريف.
فمن اقتنع بمسألة التواطؤ فينبغي أن يُنَحِّي الصحابة عن هذه اللفظة المستبشعة، وهي أن يقال إن هذه اللفظة أيضا يمكن أن تشمل حتى الصحابة، حتى وإن كان -يعني- بحثهم يشمل حتى صحابة، لكن نحن يجب أن نكون حذرين من الانزلاق في مثل هذه المتاهات.(1/33)
أما الشرط الذي يليه، وهو أن يفيد خبرهم الحس، أو أن يكون مصدر خبرهم الحس، فكما قلنا في الليلة البارحة يقصدون بالحس ما كان مستندا إلى أحد الحواس الخمس: إما السمع، أو البصر، أو الذوق، أو اللمس، أو الشم، أو ما إلى ذلك.
والكلام هنا عن أي خبر يرد، لكن أما الحديث النبوي فإنما يكون ببعض الحواس لا فيها كلها.
وذكرت لكم أنهم يمثلون على هذا بمثل الأمور العقلية، يعني: التي يخرجونها من التواتر، كمثلا أي نظرية يقتنع بها مثلا الفلاسفة، أو مثلا العلماء الغربيين في هذا العصر، فما كان مستندا إلى العقل فهذا يخرجونه تماما من مبحث التواتر، فيقولون: لا بد أن يكون مستند خبرهم الحس.
رأيت بعضهم مَثَّل بمثال لعله يكون مقربا لهذه المسألة، هذا المثال يقول: إن أبا عوانة -وليس هو صاحب المسند، وإنما هو الوَضَّاح بن عبد الله اليشكري، أحد العلماء الثقات المتوفى في حدود سنة ثمانين للهجرة- أبو عوانة هذا كان مملوكا لرجل -إن لم تخطئني الذاكرة فاسمه يزيد بن عطاء-، وكان أبو عوانة معروفا بسعة العلم، وهو من مشاهير المحدثين، وكان محبوبا لدى العامة.
ففي الحج رأى أبو عوانة سائلا يسأل، فلحقه وأعطاه دينارا، فلما أعطاه هذا الدينار -يعني- وقع هذا الدينار من هذا السائل موقعا، ثم قال: والله لأخدمن أبا عوانة اليوم خدمة -يعني كان يقول- لا تضاهيها خدمة، فوقف على طريق الحجاج حينما انصرفوا من عرفة، وكلما مر عليه أناس قال: يا أيها الناس، اشكروا ليزيد بن عطاء صنيعه. قالوا: وما ذاك؟ قال: إنه أعتق أبا عوانة.
فكل من مر عليه قال له هذا القول، فأصبح الناس يأتون إلى يزيد بن عطاء ويشكرونه ويثنون عليه، وهو يقول لهم: أنا لم أعتقه، أنا لم أعتقه، فلما كثر عليه العدد قال: والله لا أخيب أمل هؤلاء الناس. فأعتق أبا عوانة.(1/34)
الذي -يعني- أورد هذا المثال كمثال عن هذه القضية يقول: إن هؤلاء الناس -برغم كثرتهم- لا يعتبر قولهم هذا متواترا في أصله، لماذا؟ قالوا: لأن مستند خبرهم ليس هو الحس، هم لم يقولوا لهذا الرجل: ما الذي أدراك؟ هل سمعت؟ أو حتى هم هل سمعوا يزيد بن عطاء حينما أعتق أبا عوانة؟ لا، لم يكن مستند خبرهم الحس؛ وإنما الخبر في أصله فيه ما فيه مما يقدح في هذا الشرط.
فلعله -إن شاء الله- بهذا المثال يكون قد وضح.
بقي في الكلام على المتواتر أن نتكلم على أقسامه، فهل للمتواتر أقسام؟ ذكروا له أقساما، لكن من أهمها قسمان:
فأول هذين القسمين المتواتر اللفظي، والثاني المتواتر المعنوي.
قالوا في المتواتر اللفظي: "هو ما تواتر لفظه ومعناه". وليس معنى قولهم: "ما تواتر لفظه ومعناه" أن يكون اللفظ منقولا حرفا بحرف كما ينقل إلينا كتاب الله -جل وعلا-، لا؛ وإنما المقصود الإتيان بألفاظ متقاربة تؤدي إلى نفس ذلك المعنى، وتشعر بأن الحديث هو نفس الحديث، حتى وإن كان هناك اختلاف في بعض الألفاظ، ويمثلون لهذا بحديث: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "
فالحديث ورد بهذا اللفظ، وورد بألفاظ متقاربة مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - " من تَقَوَّل علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار "
فالحديث هو الحديث، وإن كان فيه شيء من اختلاف اللفظ، لكن هذا لا يؤثر عندهم، فيقولون: هذا هو المتواتر اللفظي، وهذا هو الأصل، وهو الأقوى.(1/35)
أما النوع الثاني: وهو المتواتر المعنوي، فيمثلون له بأحاديث رفع اليدين في الدعاء، فيقولون: لو نظرنا في كل واحد من هذه الأحاديث لا نجده ينطبق فيه أو تنطبق عليه شروط التواتر، لكن لما جاءنا -مثلا- " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر مثلا رفع يديه إلى السماء يدعو الله -جل وعلا-: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعْبَد بعدها في الأرض أبدا. حتى سقط الرداء من على منكبه، وأبو بكر - رضي الله عنه - يناشده ويقول: يا رسول الله، كفاك مناشدتك ربك .. "
هذا الحديث يفيد أي شيء؟ يفيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه بالدعاء، يرفع يديه حال الدعاء.
طيب .. هذا حديث .
الحديث الآخر مثلا: حينما " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر جاء رجل، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستسقي، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يقول أنس- يديه حتى رُئِي بياض إبطيه، فدعا الله -جل وعلا-: اللهم اسقنا غيثا مغيثا .. " إلى آخر الحديث.
فهنا هذا الحديث يفيدنا أي شيء؟ يفيدنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا رفع يديه حال الدعاء.
وهكذا لو جمعنا الأحاديث المتعددة التي كل واحد منها يفيدنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في حال الدعاء، هذه الأحاديث في مجموعها تؤدي إلى ما يسمى بالتواتر المعنوي.
ففرق بين التواتر المعنوي، وفرق بين التواتر اللفظي، التواتر اللفظي الحديث هو الحديث نفسه، لكن المتواتر المعنوي لا، كل واحد من هذه الأحاديث مستقل عن الحديث الآخر، لكن بمجموعها وبضميمتها بعضها مع بعض تؤدي إلى هذا التواتر الذي أشرنا إليه.(1/36)
بقي أن أشير إلى مسألة -يعني- من المسائل التي ذكروها، وأُنَبِّه عليها، وهي أن بعضهم اشترط أن يكون كل واحد، أن يكون الخبر ليس فقط متواترا في أصله، ثم نَتَسَمَّح في باقي طبقات السند، بل قالوا: لا بد أن يكون متواترا عن كل راوٍ من الرواة، كيف؟
قال: إذا كان -مثلا- الحديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة من الصحابة، فلا بد أن يكون كل واحد من الصحابة -أيضا- الحديث متواترا عنه.
فإذا كان -مثلا- الحديث مرويا عن أنس وأبي هريرة وابن عمر، إلى غير ذلك، فنأتي -مثلا- لأنس، لا بد -على الأقل- أن يكون رواه عن أنس عشرة فأكثر..
بقي أن أشير إلى مسألة يعني من المسائل التي ذكروها وأنبه عليها وهي أن بعضهم اشترط أن يكون كل واحد، أن يكون الخبر ليس فقط متواترًا في أصله، ثم نتسمح في باقي طبقات السند بل قالوا : لا بد أن يكون متواترا عن كل راوٍ من الرواة كيف؟ قال : إذا كان مثلًا الحديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة من الصحابة فلا بد أن يكون كل واحد من الصحابة أيضًا الحديث متواترًا عنه .
فإذا كان مثلًا حديث مرويًا عن أنس وأبي هريرة وابن عمر إلى غير ذلك فنأتي مثلًا لأنس لا بد على الأقل أن يكون رواه عن أنس عشرة فأكثر ، ثم هل يكفي هذا ؟ قال: لا. كل واحد من هؤلاء العشرة أيضًا لا بد أن يكون رواه عنه عشرة، وهكذا.
فهذا القول قد قيل لكنه قول يعني مردود حتى وإن كان قال به بعضهم ؛ لأن -أيها الإخوة- لو نظرت إلى كلامهم وبخاصة أهل الأصول في مبحث المتواتر ترون العجب العجاب يعني من الاختلاف والاضطراب في هذا.
فمثل هذا القول يعني يرد على صاحبه، ويبقى الأصل أن الالتفات إلى كل طريق من هذه الطرق فما دام أن الحديث ورد بطريق ، ثم طريق أخرى ، ثم طرق أخرى وهكذا بمجموعها تؤدي إلى ما أشرنا إليه من إحالة العادة تواطؤهم على الكذب وتفيد العلم إلى غير ذلك من الشروط فكفى هذا في إثبات التواتر.(1/37)
ننتقل بعد هذا إلى القسم الثاني. أو الإشارة إلى رد الحافظ ابن حجر على من ادعى إحالة وجود الحديث المتواتر، فهناك من نظر في الشروط التي اشترطوها في الحديث المتواتر وقال: إنه بهذه الشروط لا يوجد حديث متواتر إطلاقًا فيعني رد من رد ومن جملتهم الحافظ ابن حجر بأن وجود الحديث المتواتر كثير ، ومن أمثلة ذلك حديث: " من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار "
فهذا الحديث روي عن عدد كثير من الصحابة من جملتهم العشرة المبشرين بالجنة، وأوصلها بعضهم كابن الجوزي في مقدمة كتابه "الموضوعات" إلى حوالي ثمان وتسعين طريقة، وبعضهم زادها حتى أوصلها إلى قريب يمكن المائتين؛ لكن ليس كل طريق من هذه الطرق تعتبر صحيحة بل الذي صح ، أو جاء في عداد المقبول من الصحيح والحسن حوالي ثلاثة وثلاثين طريقة، والبقية فيها أحاديث ضعيفة، وفيها أحاديث ساقطة وهالكة.
فالمهم أن هذا الحديث يعني تنطبق عليه شروط التواتر التي ذكروها، هل هذا الحديث فقط؟ لا. بل هناك عدة أحاديث أيضًا تؤدي ، أو يمكن أن يطلق عليها وصف التواتر مثل أحاديث الحوض، ومثل أحاديث الشفاعة، ومثل أحاديث رفع اليدين في الصلاة وإلى غير ذلك من الأحاديث التي بعضهم أوصلها إلى مائة طريق، مائة حديث بل بعضهم زادها إلى حوالي ثلاثمائة، لكن قد ينازع في هذه الأحاديث على كثرتها يعني بعضهم قد لا يرى أن هذه الأحاديث تصل إلى درجة التواتر.
الحديث المشهور
والثاني المشهور ، وهو المستفيض على رأي.
المبحث الثاني الذي بعد هذا ما كانت طرقه محصورة، لكن حصرها بما فوق الاثنين يعني من ثلاثة فأكثر فهذا يسمونه المشهور كما عندكم في الكتاب في صفحة اثنين وستين قال:
فلو أردنا أن نأخذ تعريف الحديث المشهور يعني تعريفًا موجزًا يمكن أن نقول في تعريف الحديث المشهور: هو ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يصل إلى حد التواتر ، ما رواه ثلاثة فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر، فهذا هو الحديث المشهور عندهم.(1/38)
ويقصد به المشهور الاصطلاحي، وهو الذي يعبر عنه أحيانًا بالمستفيض وإن كان هناك يعني بعض الاختلاف ، أو يعني بعض الآراء في إطلاق المستفيض على المشهور بهذا التعريف فمنهم من قال: المشهور هو المستفيض فهما بمعنى واحد ومنهم من قال: لا ، بل المستفيض ما استوى طرفاه يعني مثلًا يرويه ثلاثة من الصحابة، ويرويه عن هؤلاء الثلاثة ثلاثة من التابعين ، وعن الثلاثة ثلاثة من أتباع التابعين... إلى آخره. فهذا هو المستفيض.
والمشهور يمكن أن يكون مثلًا رواه ثلاثة من الصحابة، وعنهم رواه ستة من التابعين وعنهم رواه اثني عشر من أتباع التابعين، فهذا يقال له: مشهور؛ لأنه في الأصل رواه ثلاثة، وإن كان بقية طبقات السند زادت عن ذلك العدد فالاعتبار بالعدد الأقل دائمًا، هذا الحديث المشهور بهذه الصفة، وبهذا التعريف يسمونه المشهور الاصطلاحي بمعنى أن هناك حديث مشهور غير اصطلاحي فما هو الحديث المشهور غير الاصطلاحي؟
قالوا: الحديث المشهور غير الاصطلاحي يقصد به ما اشتهر على الألسنة ما اشتهر على ألسنة الناس لكن هؤلاء الناس على اختلافهم فمنهم العامة ومنهم المحدثون ومنهم الفقهاء ومنهم الأصوليون ومنهم اللغويون على اختلاف أنواعهم فمثلًا هناك بعض الأحاديث المشتهرة عند العامة مثل حديث: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " تجد يعني أي عامي مثلًا تؤذيه ولا شيء، يقول لك : يا أخي: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "
هناك أحاديث مشهورة عند المحدثين مثل حديث " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله " وهناك أحاديث مشهورة عند الفقهاء مثل حديث : " أبغض الحلال إلى الله ، أو عند الله الطلاق "
وهناك أحاديث مشهورة عند الأصوليين مثل حديث " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وهناك أحاديث مشورة عند اللغويين مثل حديث "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" .(1/39)
بقي أن نشير إلى أن هذه الأحاديث سواء المشهور الاصطلاحي ، أو المشهور غير الاصطلاحي لا يلزم منها الصحة فقد يكون صحيحًا، وقد يكون حسنا، وقد يكون ضعيفا، وقد يكون ضعيفا جدا، وقد يكون موضوعا، وقد يكون بنسبة المشهور غير الاصطلاحي لا أصل له.
ومن أمثلة ذلك المشهور عند اللغويين الحديث الذي أشرت إليه قبل قليل "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" هذا الحديث لا أصل له، بمعنى ليس له إسناد ، ليس مرويًا في الكتب التي تروي الأحاديث بالأسانيد، وكذلك أيضًا مثل حديث " حب الوطن من الإيمان" هو مشهور عند العامة لكنه حديث لا أصل له هناك من أَلَّفَ في الأحاديث المشهورة، لكن في الأحاديث المشهورة على الألسنة.
وهناك من أشار إليها ضمنًا فابن قتيبة الدينوري -رحمه الله- في كتابه "تأويل مختلف الحديث" أشار في هذا الكتاب إلى هذه الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس ، وذكر طرفًا منها فيعتبر هو أول من أشار إلى هذه الأحاديث المشتهرة.
لكن أول من علمناه صنَّف فيها تصنيفًا مستقلًا هو شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه الذي حققه الشيخ محمد لطفي الصباغ وهو مطبوع بعنوان: أحاديث يرويها القُصَّاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضها عن الله - عز وجل - فهذه الأحاديث مشهورة عند طائفة من الناس، وهي وهم القصاص الذين يعظون الناس ويذكرونهم وهذه الأحاديث التي تكون عند القُصَّاص في كثير من الأحيان تكون لا أصل لها.
ثم بعد ذلك جاء الزركشي بدر الدين الزركشي وألف كتابًا في الأحاديث المشتهرة لكن أجود كتاب علمناه وصل إلينا هو كتاب "المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الأحاديث على الألسنة" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي تلميذ الحافظ ابن حجر فهذا الكتاب يعتبر من أجود الكتب لكنه ضم عددًا ليس بالكثير إذا ما قورن بغيره.(1/40)
فعدد أحاديثه بلغت ألفا وثلاثمائة وستا وخمسين حديثًا ، رتبها على حروف المعجم، يعني الأحاديث التي تبتدئ بالألف وضعها في حرف الألف، والتي تبتدئ بالألف واحد وثمانون حديثًا رتبها يعني أيضًا على حروف المعجم ؛ لأنه حاول أن يختصر كتاب السخاوي وزاد عليه بعض الأحاديث لكن ترتيب السخاوي أدق من ترتيبه، فهذا بالنسبة للأحاديث المشتهرة على الألسنة والتي هي نوع من الأحاديث المشهورة لكن دائمًا الحديث المشهور إذا أطلق فيراد به الحديث المشهور الاصطلاحي.
الحديث العزيز
والثالثُ: العزيز ، وليس شرطًا للصحيح خلافًا لمن زعمهُ.
النوع الثالث من أنواع حديث الآحاد: لأن الآن يعني نحن كما قلنا سابقًا إن الخبر ينقسم إلى قسمين: متواتر وآحاد، المتواتر انتهينا منه وبدأنا في الآحاد، الآحاد أول أقسامه هو المشهور وثاني أقسامه ما يسمى بالعزيز.
والعزيز هو ما روي ما رواه راويان، ولو في طبقة من طبقات السند بمعنى لو أن حديثًا رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم -صحابيان اثنان، ثم عن هذين الصحابيين رواه مثلًا ثمانية من التابعين وعن الثمانية من التابعين رواه عشرون من أتباع التابعين وهكذا فهذا يسمى عزيزًا لماذا؟ لأنه في الأصل مروي عن صحابيين فقط، وإن كان بعد ذلك وصل العدد إلى ما هو أكثر من ذلك فهذا هو المقصود بالعزيز.
يقول الحافظ ابن حجر هنا: وليس شرطًا للصحيح خلافًا لمن زعم ذلك.
يقول: إن مجيء الحديث من طرق أخرى ليس شرطًا للصحيح فهناك إذن من قال: لا بد للحديث الصحيح أن يكون مرويًا من طريقين فأكثر أي أن الحديث المروي من طريق واحد حتى وإن كان صحيحًا لذاته لا يكون صحيحًا عند من زعم ، أو من ادعى هذا الشرط.(1/41)
وابن حجر هنا -رحمه الله- يرد على أحد المعتزلة، وهو أبو علي الجبائي هو الذي شرط هذا الشرط ، وهذا الشرط هناك مَن دندن حوله من المحدثين مثال أبي عبد الله الحاكم ومثل أيضًا صاحب كتاب الناسخ والمنسوخ الحازمي، وغيره أيضًا لكن يعني الخلاف جار في فهم عباراتهم.
فمثلًا الحاكم هل اشترط مجيء الحديث من طريق أخرى حتى يوصف الحديث بالصحة ، أو قصد أمرًا آخر؟ الإشكال جاء في عبارة الحاكم التي وردت فعبارته جاءت في كتابه "معرفة علوم الحديث" ويشير الحافظ ابن حجر في كتابة "النكت" إلى أن هذه العبارة أيضًا وردت في كتابه "المدخل" لكن هل هو "المدخل إلى الإكليل" ، أو "المدخل إلى الصحيح" ، أو غير ذلك كما ترون الأخ علي حسن عبد الحميد يقول: إنه بحث عن هذه العبارة في هذين الكتابين فلم يجدها للحاكم لكنها موجودة في "معرفة علوم الحديث".
العبارة يمكن أن يقال: إن الحاكم قصد بها وصف الصحابي لا وصف الحديث كيف نقول: يمكن أن تفهم عبارة الحاكم أنه قصد أن الصحابي الذي روى عنه الشيخان البخاري ومسلم لا بد أن يكون روى عنه راويان حتى يزول عنه اسم الجهالة ، وكأن الحاكم يجري ما يجري على بقية الرواة يجريه أيضًا على الصحابة.
فعند المحدثين -كما سيأتي إن شاء الله معنا في مبحث الجهالة- أن الراوي الذي لا يروي عنه إلا راو واحد ولم يُوَثَّق من إمام معتبر يقال لهذا الراوي: مجهول العين، وإذا روى عنه أكثر من واحد اثنان ، أو أكثر ولم يوثق فهذا يقال له: مجهول الحال يعني عينه عرفت لكن حاله لم تُعْرَف، فكأن الحاكم بهذا يجري هذا الكلام أيضًا على الصحابة، والصحابة مستثنون من هذا الكلام.
فمثلًا ما عرف بأن فلانًا صحابي ولو من طريق واحد يعني بمعنى أنه ما وصفه بهذا الوصف إلا واحد من التابعين فيطلق على ذلك الرجل صحابي، ويعتبر صحابيًا عند جمهور المحدثين حتى وإن كان هناك من خالف لكن الجمهور كلهم على هذا حتى البخاري ومسلم.(1/42)
ولذلك نتعجب من عبارة الحاكم فعلى أي الوجهين لا يصح كلامه ؛ لأنه الآن هو يتحدث عن صحيحٍ : صحيحي البخاري ومسلم، وهذا الكلام كله سواء كان وصفًا للحديث ، أو وصفا للصحابي فهو غير متأت في الصحيحين إن كان وصفا للحديث فهناك أحاديث كثيرة في الصحيحين لم ترد إلا من طريق واحد.
ويعني أقوى الأدلة على هذا أول حديث وآخر حديث في صحيح البخاري فأول حديث في صحيح البخاري هو حديث " إنما الأعمال بالنيات ... " وهو حديث فرد غريب لم يروه إلا عمر بن الخطاب، وأخر حديث في صحيح البخاري تعرفون ما هو؟ حديث " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحانه الله وبحمده سبحان الله العظيم " هذا الحديث لم يرد إلا من حديث من أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فأول حديث وآخر حديدث هما حديثان غريبان، فإن كان المقصود وصف الحديث فهذا يعني: واضح بطلانه تمامًا، وإن كان المقصود أيضًا وصف الصحابي، فكم من الصحابة في الصحيحين لم يرو عنهم إلا راوٍ واحد.
فإذن هذا الكلام لا يمكن أن ينطبق لا على الصحابي ولا على الحديث لكن وضوح بطلانه في الحديث أكثر مما هو في الصحابي هناك من شرح صحيح البخاري كأبي بكر بن العربي ورد على هذه المقولة فزعم أن هذا الشرط لا بد أن يكون في الحديث بمعنى أن الحديث لا بد أن يكون مرويًا من طريقين فأكثر في الصحيحين، وحينما أورد عليه حديث " إنما الأعمال بالنيات " حاول أن يرد على هذا بحجة ماذا؟ بحجة أن حديث " إنما الأعمال بالنيات " لا يمكن أن يوصف بأنه حديث فرد لماذا؟ قال: لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حدث بهذا الحديث على المنبر ، وكان هناك جمع من الصحابة حضور، وكلهم أقروه على الحديث فدل هذا على أن هذا الحديث ليس حديثًا غريبًا، وإنما هو حديث وارد عن كثير من الصحابة.(1/43)
طبعًا يرد على هذا القول برد يعني سهل جدًا أولها أنه لا يشترط أن يكون كل الصحابة الذين سمعوا الحديث من عمر بن الخطاب قد سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم -فهل ورد لنا أن صحابيًا واحدًا أقر عمر بن الخطاب على ذلك السكوت لا يعني أنهم سمعوه هذا أمرٌ.
الأمر الآخر لنتنازل مع الخصم ولنقل سلمنا لك أن هذا بنسبته لعمر بن الخطاب لكن من الذي روى عن عمر بن الخطاب الحديث رواه علقمة بن وقاص الليثي فقط ، ولم يرد إلا من طريقه فهل يمكن أيضًا أن تقول هذا الكلام بالنسبة لعلقمة ، ثم أيضًا من الراوي لهذا الحديث عن علقمة هو محمد بن إبراهيم التميمي فقط ولا يعرف إلا من طريقه ، ثم من الراوي لهذا الحديث عن محمد بن إبراهيم التيمي هو يحيي بن سعيد الأنصاري وهو راوٍ واحد فقط فهذا يدل على بطلان كلام أبي بكر بن العربي.
وهذا يعني نستخلص منه خلاصة، وهو أنه لا يشترط للحديث الصحيح أن يكون عزيزًا بل إن هناك أحاديث صحيحة مما تلقتها الأمة بالقبول، وأجمع عليها علماء الحديث ولم يرد عن أحد منهم أنه طعن فيها إطلاقًا، وهي صحيحة مُسَلَّم بها عند العلماء مثل حديث " إنما الأعمال بالنيات ... " وغيره من الأحاديث التي لم يطعن فيها أحدٌ من علماء الحديث فإذا ورود الحديث من طريق أخرى ليس شرطًا للصحيح.
وهذا ينقلنا إلى الأمر الآخر وهو الحديث الفرد والحديث الفرد ، أو الحديث الغريب يحتاج إلى طول يعني لو دخلنا فيه سيأخذ علينا وقتًا، وأرى الوقت الآن يعني قد يطال فنكتفي بهذا الحد ، وباقي الوقت نستغله للإجابة عن الأسئلة، وفي الليلة القابلة -إن شاء الله- نبدأ بالكلام على الحديث الفرد إن شاء الله.
س: يقول أحد الإخوة: ما الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري ؟
ج: هذا -إن شاء الله- سنأتي للكلام عليه حينما نأتي للحديث لخبر الآحاد المتحف بالقرائن وهل يفيد كذا ، وهل يفيد كذا؟ يعني: أرجأت الكلام عليه إن شاء الله في ذلك الموضع.(1/44)
س: أحد الإخوة يقول يعني يطالب بأن أعيد التعريف أكثر من مرة حتى يستطيع كتابته
ج: والله ، الحقيقة يعني أنا راعيت هذا ، وحاولت أن أترسل في كلامي ولا أستعجل، ومع ذلك إن شاء الله سأحاول أن أعيد التعريف أكثر من مرة، لكن إذا أحد مثلا منكم ما كتب ما في بأس يسأل ، أو يقول: أعد ، ما في مانع، أنا أتصور أنكم يعني خلاص فهمتهم عني.
س: يقول أحد الإخوة : متي ينتهي الدرس حتى يستطيع الإنسان أن يوفق؟.
ج: نقول إن شاء الله في حدود العاشرة ينتهي الدرس. تبقى الأسئلة من أراد أن يحضرها يحضرها ، ومن أراد أن يمشي فلا حرج.
س: يقول: حديث من كذب عليّ متعمدًا إلى آخره رواه ستون منهم العشرة المبشرون بالجنة هل هذا صحيح؟
ج: أقول الذي رواه أكثر من ستين يعني كما أشرت قبل قليل أن ابن الجوزي في مقدمة كتابه "الموضوعات" أوردهم ثمان وتسعين طريقًا، وهناك من زاد أيضًا على ابن الجوزي الطبراني -رحمه الله- أفرد مؤلفًا خاصًا بهذا الحديث جمع فيه طرق حديث " من كذب علىّ متعمدًا ... " وكتاب الطبراني هذا حققه الأخ علي حسن عبد الحميد، لكني والله لا يحضرني كم عدد الطرق التي أوردها الطبراني.
س: أحد الإخوة يقول: هل من يقول: أخبرني قلبي عن ربي هل مستنده الحس؟
ج: نقول: نعم لكن حس الشياطين.
س: أحد الإخوة يقول: لقد ذكرت تعريف المتواتر هل هو محصور في ذلك التعريف أم هناك تعاريف أخرى مثل هو ما رواه جمعٌ كثيرون يستحيل أن يتواطئوا على الكذب وأسند لشيء محسوس من أول السند إلى منتهاه؟
ج: نقول هو نفس التعريف الذي ذكرته ما اختل ولا شرط.
س: يقول أحد الإخوة: أشكلت عليَّ عبارة : تحيل العادة تواطئهم على الكذب فهل العادة هي التي تحيل، ولماذا لا نقول بدلًا من هذه العبارة: يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب؟
ج: أقول يعني العبارة سائغة لغويًا، وإن كانت يعني ما هي يعني سائغة عندك لا بأس أن تأتي بالعبارة التي ذكرتها المهم فهم المعنى المقصود.(1/45)
س: يقول: ذكر بعض المحققين أن البخاري في جزء رفع اليدين ، أو جزء القراءة ذكر لفظ التواتر في حديث ذكره.
ج: أقول نعم لكن يقصدون بالتواتر، التواتر اللغوي بمعنى التتابع والشهرة، وما إلى ذلك ولا يقصدون التواتر الاصطلاحي، ولذلك لم يعرف أحد من علماء الحديث المتواتر الاصطلاحي ، أو يعني ينص على تفريق حديث النبي -صلى الله عليه وسلم -بأنه ينقسم إلى كذا وكذا، فإذا وجدت مثل هذا الكلام نعم هو البخاري -رحمه الله- حينما رد على الحنفية في حديث " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " قال: وقد تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا مع العلم أن حديث " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ليس متواترًا تواترًا اصطلاحيًا فإذا البخاري -رحمه الله- يقصد ماذا يقصد الشهرة شهرة ذلك الحديث.
س: يقول: لماذا نفرق بين المتواتر والآحاد مع العلم أننا نعتقد بهما في مسائل الاعتقاد وما هي الفائدة ؟
ج: أقول: يا أخي الآن نحن ندرس علم المصطلح، وما دمت تدرس هذا العلم فلا بد أن تأخذ هذه التقسيمات حتى تكون على بينة من أمرك وأرجو -إن شاء الله- في المستقبل أن تكون مؤهلًا أن تكون عَلَمًا من أعلام أهل السنة يتصدى لمن يورد هذه المقولات للطعن في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنحية بعض منها عن الاحتجاج بها في مسائل الاعتقاد، فاعرف هذا الأمر لتستطيع يعني الرد على من يقول هذا القول، هذا مع العلم أن بعض أهل السنة ، أو الكثير جدًا منهم لم -يعني - يخالفوا مثلًا في طرق مبحث المتواتر، ومن جملتهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فإنه تكلم عن الحديث المتواتر في مواضع عدة من فتاواه.
س: أحد الإخوة يقول: إن المعتزلة الذين لا يحتجون بالآحاد في العقائد يقولون: إن الثقة يمكن أن يخطئ والعقيدة لا بد فيها من التثبت وكيف نرد عليهم؟(1/46)
ج: أقول الرد عليهم سهلُ ويسير فإن الله -جل وعلا- تكفل بحفظ هذا الدين، ومعاذ الله أن تجمع الأمة على خطأ والأمة المقصود بها أهل السنة فمحال جدًا أن يجمع أهل السنة على تصحيح حديث من الأحاديث يأخذون به في باب الاعتقاد ويكون هذا ناشئًا من خطأ راوٍ من الرواة والله -جل وعلا- يقول: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ } (1) والذكر يشمل ماذا؟ الكتاب والسنة { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (2) فحفظ الله -جل وعلا- لهذا الدين يمنع من إيراد مثل هذه المقولة.
وما من حديث يخطئ فيه راوٍ من الرواة إلا ونعتقد اعتقادًا جازمًا بأن هذا الحديث لا يمكن أن ينطلي على الأمة ولا يمكن أن يرد إطلاقًا، ولو سلمنا بهذا لانسحب هذا الأمر أيضًا حتى على صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا بالإضافة يا أخي إلى أنهم حينما يعني لا يأخذون بحديث الآحاد في باب الاعتقاد ليس كلامهم فقط عن الحديث الفرد الذي لا يرويه إلا راوٍ واحد ، بل هم يعتبرون حتى الحديث الذي يرويه خمسة ، أو أكثر ولم يصل عندهم إلى حد التواتر أنه لا يؤخذ به في باب الاعتقاد.
ولذلك أحاديث الشفاعة رويت عن عدد كثير من الصحابة ومع ذلك هم يدعون أنها أحاديث آحاد لماذا؟ لأنها تنقض أصل من أصولهم وهو أي أصل. إثبات الوعد والوعيد فيقولون: إن الله -جل وعلا- منجز وعده، منفذ لوعيده فيحكمون على مرتكب الكبيرة بأنه في الدنيا خرج من دائرة الإسلام حتى وإن لم يدخل في دائرة الكفر لكن الشاهد أنهم يحكمون عليه بالخلود في نار جهنم.
__________
(1) - سورة الحجر آية : 9.
(2) - سورة الحجر آية : 9.(1/47)
فحينما أوردت عليهم أحاديث الشفاعة وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه يخرج من النار أناس إما بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإما بشفاعة الملائكة، وإما بشفاعة الصالحين، وإما بشفاعة أرحم الراحمين، هذا نقض هذا الأصل من أصولهم فلذلك ضربوا بأحاديث الشفاعة عرض الحائط ، ولم يأخذوا بها في باب الاعتقاد مع العلم بأنها مروية عن أعداد كثيرة من الصحابة، ويرويها عنهم جموعٌ من التابعين، وثابتة بأسانيد صحيحة.
فليس مقصودهم يا أخي الحديث الذي يرويه راوٍ واحد فقط ويقولون: إن هذا الراوي عرضة للخطأ. على كل حال يعني المسألة البحث فيها يطول ، وكما قلت لكم سابقًا إن شاء الله سيكون لي كتابة فيها أبين كل هذه الطرحات.
س: يقول: ذكرتم أن المستفيض ما استوى طرفاه، فهل إذا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من الصحابة يشترط لكي يكون مستفيضًا أن يرويه عن كل صحابي ثلاثة من التابعين ، أو يكفي عن كل صحابي تابعي ؟
ج: أقول بناءًا على هذا الكلام الذي ذكره الحافظ ابن حجر أنه عن كل صحابي يرويه واحد، فإذا استوى العدد في جميع الطبقات يكون ما استوى طرفاه يعني في الأعلى ثلاثة وفي الأخير ثلاثة فهذا هو المستفيض بناءًا على قوله، لكن يعني الذي يظهر لي أن العبارة يقصد بها يعني معنًى آخر، وهي أن المستفيض هذا يطلقه الحنفية يفرقون بينه وبين المشهور والمتواتر فعندهم المتواتر ما كان متواترًا في أصله، وما بعد ذلك يعني من جهة الصحابة فما بعد.
فهذا هو المتواتر ودونه منزلة المستفيض فهو ليس متواترًا في أصله فيمكن مثلًا أن يكون رواه ثلاثة من الصحابة لكن عن هؤلاء الثلاثة تواتر فأصبح الذي يرويه من التابعين مثلًا عشرين ومن بعدهم وهكذا فهذا يسمونه المستفيض.(1/48)
كما قلت لكم: هذا عند الحنفية، والمشهور هو ما كان يعني العدد لم يصل إلى حد التواتر فيه من بعد الصحابة، فإذا كان مثلًا رواه ثلاثة من الصحابة وعنهم رواه ستة من التابعين فهذا يسمى عند الحنفية المشهور فيفرقون بينه وبين المستفيض بهذا الفرق، وأظن إن شاء الله واضح ، أو أعيد؟ طيب أعيد يعني المستفيض جعلوه في مرتبةٍ بين المشهور وبين المتواتر، والتفريق فقط في طبقة الصحابة فقالوا: إذا كان متواترًا إلا في طبقة الصحابة فهذا المستفيض، وإذا كان متواترًا حتى في طبقة الصحابة فهذا هو المتواتر، وإذا كان متواترًا لكن في طبقة من دون التابعين فهذا هو المشهور واضح إن شاء الله.
س: يقول الأخ: نرجو أن يكون هناك تسميع لمن أراد في الدرس القادم.
ج: أنا نسيت الليلة وما ذكرتموني والعتب على من حفظ ولم يشر إليَّ فعلى كل حال الذي يريد أن يحفظ في الليلة القادمة يمكن أن يحفظ من الأول إلى يعني آخر الكلام عن الحديث الغريب.
س: أحد الإخوة يقول: عَرَّفتم العزيز بأنه ما رواه راويان ولو في طبقة من طبقات السند أليس لو أضفنا ما رواه على الأقل راويان كان أولى ليخرج منها الفرد ؟
ج: أقول يعني لا مُشَاحَّاة في الاصطلاح ، أو في التعريف فالمهم افهم المراد أما اللفظ فاختر أي لفظٍ تريد.
س: يقول: أي المنظومات تنصح بحفظها في الحديث، وما رأيك فيمن بدأ في حفظ منظومة العراقي وما نصيحتك لمن أراد أن يطلب العلم في الحديث ؟
ج: أقول أما المنظومات فيعني تختلف، منظومة العراقي جيدة، لكن أنا أرى أن منظومة السيوطي أجود؛ لأنها شملت منظومة العراقي وزيادة ففيها بعض المعاني الزائدة على منظومة العراقي؛ وبلا شك أن طالب العلم كلما وجد مزيدًا من العلم في كتاب آخر فإنه سيحرص عليه؛ فأنا أرى أن منظومة السيوطي أو في منظومة العراقي، وفي منظومة العراقي خير كثير.(1/49)
أما نصيحتي لمن أراد أن يطلب العلم في الحديث فهذا يعني تكلمت بالأمس عنه بأن علم الحديث يعني أنا أرى أنه من أسس العلوم، وكما قلت: إنه لا يستغني عنه لا مفسر ولا فقيه ولا أصولي ولا مؤرخ ولا أحد ؛ لأنه يعني الذي يتدين بنصٍ من النصوص لابد أن يكون محتاجًا لإثبات صحة هذا النص من عدمها، ولا يتأتى له ذلك إلا من طريق معرفة علم الحديث فالذي يريد أن يبدأ بعلم الحديث هذا طيب لكننا نقول له: الأولى والأجود بطالب العلم أن يكون ضاربًا في كل علم يعني بسهم فيأخذ من مثلًا علم الأصول مقدارًا ومن علم اللغة مقدارًا.
وأما الفقه فكما قلت لكم سابقًا: لا ينبغي أن يُنَحَّى عن الحديث فثمرة الحديث هي الاستنباطات التي تؤخذ من متون تلك الأحاديث، وليس المراد أن نكون كهذه المسجلات فقط يعني ننقل ، مجرد نقل لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تروى ليعمل بها، والعمل بها المقصود به أن يؤخذ ما فيها من أحكام عملية سواء من حيث ما يدور بين الناس في المعاملات ، أو في معاملة العبد لربه وهي أمور العبادات ، أو غير ذلك من الأمور فكلها مما تستنبط من الأحاديث.
فعلى كل حال يعني طالب العلم ينبغي أن ينوع ولا يقصر نفسه على فنٍ من الفنون، نعم قد يكون متخصصًا في فنٍ من الفنون، لكن التخصص لا يمنع من الاطلاع على باقي العلوم.
س: يقول أحد الإخوة: مما درسناه في الجامعة أنه يشترط عند قراءة الحديث مثلًا حديث عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يصح ، والصحيح قراءته عن عمر بن الخطاب أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فما مدى صحة هذا مع العلم أنه حذف للاختصار وتوفيرًا للورق ؟(1/50)
ج: أقول نعم يعني جرت عادة علماء الحديث حذفهم الأشياء التي تتكرر؛ لأنها أصبحت معلومة عندهم فمثلًا تجدهم يختصرون حدثنا إلى ثنا ، أو نا ويختصرون أخبرنا إلى أنا ، أو أنبا وهكذا يعني غيرها من العبارات كما أنهم يختصرون العبارة التي في أول الحديث من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي كلمة أنه قال فيحذفون كلمة أنه فنجد الأحاديث قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالأولى أن تقرأ هكذا أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا كنت ذكرتها أنا في ذكري للحديث قبل قليل فإنما هو بسبب أيضًا الاختصار كما هو عند علماء الحديث ، وإن كان الأولى أن أقول: إنه قال.
س: يقول أحد الإخوة : من المعلوم أن هناك منافقين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في المدينة ونحن لا نعرفهم ونحن نقول: إن الصحابة عدول كلهم فكيف نرد على من يقول: لا بد من البحث في عدالة الصحابة حتى لا يكون أحدهم منافقًا. فنصحح حديثه وهو ضعيف؟
ج: أقول أولًا: يا أخي العبارة التي ذكرتها قبل قليل، وهو حفظ الله -جل وعلا- لدينه ترد على مثل هذه المقولة. وأهل السنة دائمًا يختلفون عن غيرهم فأهل السنة لهم منهج يختلف عن أولئك الذين تمردوا على نصوص الشرع.
الأمر الآخر أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- من كان في وقتهم من المنافقين حتى وإن كان لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء يعني لا نتصور أنهم رووا أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يروونها ديانة ليبلغوا دين الله -جل وعلا- هذا محال أن يكون المنافق مخلصًا في تبليغ دين الله.(1/51)
أما إن كان القصد أنهم قد يضعون الأحاديث ويكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم - فينفي هذا القول جهود الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- وتثبتهم في الحديث فإنه ما من حديث يرد إلا ونجد أن للصحابة منه موقفا ، مثل ذلك الموقف الذي كان من عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - حينما طرق عليه الباب ثلاث مرات ، ثم رجع فخرج عمر - رضي الله عنه - وسأله لما رجع؟ فقال: إني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع " فطلب منه عمر البينة وإلا يجلده فذهب إلى مجلس فيه جمعٌ من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أُبَيّ بن كعب وأبو سعيد الخدري وغيرهم من الصحابة ووجدوه منتقع اللون مصفر الوجه فسألوه عما به فأخبرهم بالذي جرى عن عمر - رضي الله عنه - فقالوا: كلنا سمعنا هذا الحديث عن النبي -صلى الله عيه وسلم- لكن والله لا يذهب معك إلا أصغرنا فأرسلوا معه أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - فشهد معه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال ذلك الحديث، فقال له عمر - رضي الله عنه - أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت.
كذلك أيضًا هناك دلائل كثيرة تدل على شدة عمر في تذكيره للصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فإنه حينما رأى أبا هريرة - رضي الله عنه - يكثر من الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يختبره فقال له: أكنت معنا في مكان كذا وكذا ففطن أبو هريرة لما أراد عمر فقال: نعم وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الموقف يقول: " من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " فقال عمر - رضي الله عنه - أما وقد سمعت ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - فاذهب فحدث كيف شئت يعني ما دمت تذكر هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/52)
فعمر - رضي الله عنه - أراد أن يرى هل أبو هريرة سمع هذا الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟. وحينما ذكر المكان فطن أبو هريرة إلى أن عمر - رضي الله عنه - يريد أن يذكره بهذا الحديث، فأشار إليه أنه قد سمعه.
إلى غير ذلك من الوقائع تجدونها في الكتب التي تتحدث عن تاريخ تدوين السنة فيها تثبت الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في تلقي الحديث هذا أمر.
الأمر الآخر أن الغالبية العظمى من الصحابة الذين رووا أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - هم من الصحابة الذين عَدَّلَهم الله -جل وعلا- في كتابه، وأثنى عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، فالكثير منهم من أهل بدر وبيعة الرضوان والمهاجرين والأنصار وهؤلاء هم جُلّ صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم الذين أثنى الله -جل وعلا- عليهم في كتابه، ففي أهل بدر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم "
وأهل بيعة الرضوان هم الذين قال الله -جل وعلا- عنهم : { * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } (1) { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } (2) فما دام الله -جل وعلا- قد زكاهم في كتابه فهل هناك من شيء يمنعنا من قبول حديثهم، المهم الرد على هذه الحجة يعني يطول، فلعل في هذا -إن شاء الله- كفاية وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
نقوم بمراجعة سريعة لما أخذناه ليلة البارحة قلنا: إن الخبر من حيث هو ينقسم إلى قسمين ما هما هذان القسمان؟
ما له طرق محصورة، وما ليس له طرق محصورة، الأول يسمى ماذا؟ والثاني ماذا ؟ فالأول الذي ليس له طرق محصورة هو المتواتر، والذي له طرق محصورة يقال له: خبر الآحاد.
__________
(1) - سورة الفتح آية : 18.
(2) - سورة التوبة آية : 100.(1/53)
قلنا: إن خبر الآحاد ينقسم أيضًا إلى أقسام: فما هي أقسام خبر الآحاد ؟ ينقسم إلى ثلاثة أقسام: المشهور ، ثم العزيز ، ثم الغريب هذه الأقسام الثلاثة أيها أكثر طرقًا؟ المشهور أكثر من العزيز ، طيب أيهما أكثر العزيز ، أو الغريب؟ العزيز أكثر طرقًا من الغريب.
عرفنا الحديث المشهور فما هو تعريفه؟ ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يبلغ حد التواتر طيب، إذا جاءني حديث يرويه ثمانية من الصحابة وعن الثمانية يرويه ستة عشر من التابعين ويرويه أكثر من هذا العدد في الطبقة التي بعد ذلك، ولكن بحسب اصطلاحهم في تعريف الخبر المتواتر لا تنطبق عليه شروط المتواتر فماذا نقول عن هذا الحديث ؟
يرويه ثمانية من الصحابة يقال له: مشهور؛ لأننا قلنا: ما رواه ثلاثة فأكثر فإذن لا حد للكثرة؛ إلا أن يصل إلى درجة التواتر، فما يرويه ثلاثة يقال له: مشهور وأربعة مشهور وخمسة وستة ، وهكذا المهم إلى أن يصل إلى درجة التواتر، لكن لا ينبغي أن يقل العدد في طبقة من طبقات السند عن ثلاثة، فلو رواه مثلًا ثلاثة من الصحابة وعن الثلاثة رواه اثنان من التابعين يعني اثنان من الصحابة رواه عنهما واحدُ من التابعين والصحابي الآخر، رواه عنه واحد من التابعين، وعن الاثنين من التابعين رواه أربعة من أتباع التابعين ، ثم ما زال العدد يتكاثر فيما بعد ذلك، هذا ماذا نقول له ؟
نقول له العزيز لماذا؟ مع العلم أنه رواه ثلاثة من الصحابة، لأنه اختل الشرط في طبقة من طبقات السند فقل عن العدد المطلوب، وهو الثلاثة فأصبح العدد اثنين فما دام أن العدد قل إلى اثنين، فهذا ينزل إلى النوع الآخر، وهو العزيز.
الأخ يسأل يقول: إذا تحقق شرط التواتر في جميع الطبقات إلا طبقة الصحابة فالعدد لم يصل إلى حد التواتر، فهل نسمي هذا متواترًا؟(1/54)
نحن تكلمنا عن هذا بالأمس، لكن بالأمس ذكرنا أن هناك من سمى هذا تسمية خاصة. قلت: إن الحنفية يسمون هذا النوع بالمستفيض، فالمستفيض بين المشهور والمتواتر، فلم يصل إلى درجة التواتر، وهو فوق المشهور، فقالوا: إن القلة إنما حصلت في طبقات الصحابة وعندهم هذا أخفُّ فهذا بالنسبة لرأي الحنفية.
لكن الذين تكلموا خاصة في الأصول والمصطلح يسمون هذا أيضًا من أنواع أخبار الآحاد فيقولون عنه مشهورًا، ما دام أنه ما وصل إلى درجة التواتر حتى في طبقة الصحابة، لكن الذي تحرزنا عنه أمر معين في تعريف الخبر المتواتر ما الذي تحرزنا عنه بالنسبة للصحابة؟ المقولة التي يعني قلت: إنها مستبشعة، وهي أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
فقلت: إن هذه اللفظة لا تليق أن تطلق على صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم أعلى مقامًا من أن يقال عنهم: هذا الكلام، حتى وإن كان هذا التعريف يرد في بعض كتب الأصول، فقلت: إنهم حينما يتكلمون يتكلمون عن الخبر أي خبر يعني ليس كلامهم محصورًا عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما جاء الكلام عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبع لكنهم يتكلمون عن خبر أي خبر.
ويعني يمكن أن أمثل على هذا ببعض الأمثلة فمثلًا الآن عندنا بلدان كثيرة في العالم كله بعضها لم نره فمثلًا اليابان هل يشك أحد منا أن على وجه الأرض بلد يقال لها اليابان؟ ما أحد يشك، فالعلم الضروري متحقق هنا طيب، هل جاءنا إسناد صحيح؟ لو تتبعنا طرقه أن هناك من ذهب إلى بلاد اليابان وشاهدها ووصفها لنا وذكر أن هناك بلاد تسمى اليابان يمكن لو استنطقت الإخوة الحاضرين الغالبية العظمى منهم سيقولون: لا والله ما رأينا أحد ذهب إلى بلاد اليابان، ووصف لنا تلك البلاد طيب ما الذي إذن أدرانا أن هناك بلاد يقال لها: اليابان؟ قالوا: هو التواتر.(1/55)
التواتر الذي يحصل به العلم الضروري ولا وليس من الضرورة أن ينظر في رجاله لو بحثت تحاول أن تجد سندا من الأسانيد يوصلك إلى بلاد اليابان لا تجد لكن هذا التواتر يعني انتشار الخبر هذا الانتشار بحيث إنه ليس هناك أحد من الناس يشك بأن هناك بلادًا يقال لها اليابان.
هذا الذي يسمونه التواتر فهذا عندهم يتنزل على الخبر أي خبر، أما حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء عن صحابته الكرام -رضي الله تعالى عنهم- والتابعين فهذا له مقاييس وضوابط عند علماء الحديث، هناك بعض الفوارق بينها وبين الخبر أي خبر فالحديث النبوي لا يجري عليه هذا المجرى لا نجد حديثًا من الأحاديث نفتقد فيه الإسناد.
ونقول: إن هذا الحديث صح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمجرد التواتر، وهو ليس له سند لو بحثنا ما نجد هناك حديث من الأحاديث بهذه الصورة لكن يمكن أن نجد أحاديث مروية بأسانيد متعددة، مثل ما وصفنا حديث " من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " فنعم، هذا الحديث بهذه الصورة له طرق كثيرة جدًا، هذه الكثرة هي التي جعلت كل طريق واحدة منها تؤيد الطريق الأخرى وتعاضدها حتى يتحصل بهذا الكم الهائل من هذا العدد من هذه الأسانيد علم أقوى من العلم المتحصل بطريق أقل.
حديث آخر " كتب النبي -صلى الله عليه وسلم -لأبي بكر بن عمرو بن حزم ... " لا ، هذا له إسناد لكن المشكلة جاءت في هل هو مرسل أو له حكم الاتصال؟ هو ورد موصولًا وورد مرسلا؛ لكن الصواب أنه مرسل فهذا الكتاب أعدَّه العلماء من الكتب التي حتى وإن كانت مرسلة لكنها مما ترجح عندهم صحته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/56)
وبخاصة أن بعض أجزائه وأفراده لها شواهد تعضدها فمثلًا يعني اللفظة المشهورة في هذا الكتاب، وهو " أنه لا يمس القرآن إلا طاهر " ورد هناك أحاديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة لكن بعضها يشد بعضًا مع هذا المرسل الصحيح طبعًا هو صحيح إلى مرسله فبهذا تتقوى ويحصل بها ما يحصل من الصحة ، أو الحُسْن مع العلم أن هناك من ينازع يعني لا تجد العلماء متفقين على صحة هذا الكتاب هناك من يخالف كابن حزم الظاهري.
الآن نحاول أن نسمع لبعض الإخوة الذين يرغبون في التسميع فبعض الأوراق جاءت تذكرني بهذا لا بأس، فيه أحد حافظ؟.
تسميع من الطلاب غير واضح ومسموع.
الحديث الغريب
والرابع : الغريبُ. وكلُّها - سوى الأول - آحادُ، وفيها المقبولُ والمردود؛ لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رُواتها دُون الأوَّل.
وقد يقع فيها ما يُفيد العلم النظريَّ بالقرائن على المُختار. ثم الغرابة: إمَّا أن تكون في أصل السند ، أو لا.
فالأول: الفردُ المطلقُ.
والثاني: الفردُ النسبيُّ ، ويقل إطلاق الفرد عليه.
القسم الرابع ، أو النوع الرابع هو الغريب.
والغريب المراد به الحديث الذي يتفرد بروايته راوٍ واحد وسواء كان هذا التفرد في أصل السنة ، أو في أثناء السند فهذا يرجع إلى أقسام هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو الغريب، لكن إذا أردنا تعريفه فنقول هو ما يتفرد بروايته راوٍ واحد أيًّا كان ذلك التفرد.
الغريب له قسمان: ففيه الغريب المطلق، والغريب النسبي، ويقال له أيضًا الفرد المطلق والفرد النسبي فكلاهما لفظان يردان دومًا الغريب، والفرد منهم بمعنى واحد، وإن كان بعضهم أكثر ما يستعمل الغريب للفرد النسبي، ويقلُّ استعمال هذه اللفظة في الفرد المطلق ما المراد بالغريب؟ ، أو الفرد النسبي والمطلق الأول وهو المطلق ما كانت الغرابة فيه في أصل السند.(1/57)
والمراد بأصل السند أي من جهة الصحابي ففي الأصل، وأكثر ما يقع دائمًا في الصحابي بحيث يكون من حديث مثلًا مرويًا عن صحابي واحد وعن ذلك الصحابي قد يتفرد بروايته واحد من التابعين، وقد يرويه أكثر من واحد أيضًا من التابعين فسواء ، أو تفرد بروايته واحد ، أو رواه أكثر من واحد عن ذلك الصحابي فهذا النوع وهذا القسم يقال له: الفرد ، أو الغريب المطلق فإذن تعريف الفرد المطلق ، أو الغريب المطلق هو ما كانت الغرابة فيه في أصل السند وأكثر ما يطلق أصل السند على الصحابي، لكن هل يرد على ما بعد الصحابي ، أو لا يرد؟ نقول: قد يرد فيطلقون أصل السند أيضًا على مخرج الحديث وهو الراوي الذي تدور عليه الأسانيد.
فمثلًا إذا جئنا للحديث الذي نذكره دومًا وهو حديث " إنما الأعمال بالنيات " هذا الحديث ذكرنا أن الذي تفرد به مَنْ من الصحابة ؟ عمر بن الخطاب ومن الذي رواه عنه من التباعين؟ علقمة بن وقاص الليثي، ومن الذي رواه عن علقمة؟ محمد بن إبراهيم التيمي، طيب هل هناك أحد رواه عن عمر غير علقمة؟ ما في أحد. هل هناك من رواه عن علقمة غير محمد بن إبراهيم التيمي ؟ طيب من الذي رواه عن محمد بن إبراهيم التيمي؟ يحيي بن سعيد الأنصاري هل هناك أحد رواه عن التيمي غير يحيي بن سعيد الأنصاري؟ ما في أحد .
الآن هذه الغرابة استمرت ، أو كانت مقصورة على عمر بن الخطاب استمرت في ثلاثة دون عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لكن يحيي بن سعيد الأنصاري هو الذي اشتهر عنه الحديث فرواه جمع كثير حتى إن بعضهم قال: إنه رواه عنه أكثر من ستمائة شخص.(1/58)
لكن قد يكون في هذا العدد مبالغة وقد يكون صحيحًا فالأجزاء والكتب الحديثية لم تصلنا كلها، لكن الحافظ ابن حجر يقول: إنه اجتهد في جمعه فلا يكاد يبلغ إلا مائة والمائة في الحقيقة كثير أيضًا يعني مائة كلهم يروون هذا الحديث عن يحيي بن سعيد الأنصاري كثيرة فأصبح مخرج الحديث ، أو أصل الحديث هنا من هو؟ يحيي بن سعيد الأنصاري، فهذا أيضًا يقال له أيش؟ أصل السند، وهو نوع من أنواع الغريب والفرد المطلق، يهمنا هذا يعني التفريق ؛ لأنه في هذه الحال قد يقول قائل: ما الفرق فهذا الغريب ، أو الفرد المطلق وصفناه بهذا الوصف؛ لأنه في الأصل ما رواه إلا صحابي واحد وهو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ؟
أقول قد يرد الحديث عن أكثر من صحابي ويعتبر أيضًا غريبًا وفردًا مطلقًا فلتنبه لهذه؛ لأني يعني ما أجد أنه نص عليها في هذا الكتاب، وقد لا تجدون يعني هذا المبحث في بعض الكتب التي ترجعون إليها فتنبهوا إليها، فإذا جاءنا مثلًا الحديث عن اثنين من الصحابة وتفرد بروايته عنهما واحد من التابعين، وهذا كثير في الأحاديث فنجد بعض التابعين يقول: حدثني مثلًا أبو هريرة وأبو سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: كذا وكذا.
الآن من الذي روى هذا الحديث ، أو كم الذي روى هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم -؟ اثنان، وهما أبو هريرة وأبو سعيد، لكن كم الذي رواه عنهما واحد، فأصبح الآن أصل السند من هو ؟ التابعي أصبح الآن هو أصل السند فهذا يعد أيضًا نوعًا من أنواع الغريب والفرد المطلق، أما الفرد النسبي فهو ما كانت الغرابة فيه بالنسبة لراوٍ معين ، أو لجهة معينة.(1/59)
يتضح هذا بالمثال إذا جاءنا حديث يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من الصحابة وهؤلاء الصحابة، رواه عنهم أناس من التابعين ما عدا واحدًا منهم، ولنفرض مثلًا أنه أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- نظرنا في حديث أنس بن مالك فما وجدناه يرويه عنه غير الزهري محمد بن مسلم بن شهاب الزهري نظرنا في الزهري، فوجدنا بالرغم من كثرة الرواة عنه ما يرويه عنه سوى مالك بن أنس الإمام مثل هذا التفرد من مالك بن أنس عن الزهري يدعو العلماء للاستغراب فيقولون الزهري تلاميذه كُثُرٌ جدًا، وقلما تجد حديثًا من الأحاديث يرويه الزهري إلا وله طرق كثيرة عن الزهري لكن حينما يأتي أحد تلاميذ الزهري، وهو الإمام مالك فيتفرد بهذا الحديث عن الزهري هذا أمر يدعو للغرابة.
ولذلك تجدهم يقولون: هذا حديث تفرد به مالك عن الزهري ، أو هذا حديث غريب لا نعرفه من هذا الوجه إلا من حديث مالك عن الزهري فهل يلزم من هذا أن يكون الحديث في أصله غريبًا لا يلزم. لا يلزم أن يكون الحديث الغريب غرابةً نسبية غريبًا أصلًا فقد يكون متواترًا وقد يكون مشهورًا، وقد يكون عزيزًا لكن الغرابة إنما جاءت في إحدى طرقه فقط.
مثل هذا الحديث الذي هو من رواية أنس ولا يرويه عن أنس إلا الزهري ولا يرويه عن الزهري إلا مالك وقد يرويه عن أنس غير الزهري المهم الذي يهمنا هو تفرد مالك عن الزهري فقط، وهذا النوع هو الذي نجده كثيرًا ما يشير إليه الطبراني في معجمه الكبير ، أو في معجمه الأوسط ومعجمه الصغير بعضنا قد يستغرب يجد حديثًا مثلًا موجودًا في الصحيحين وله طرق عن بعض الصحابة ، ثم يجد الطبراني يقول: هذا حديث غريب ، أو هذا حديث تفرد به فلان عن فلان .(1/60)
فيقول يعني هذا أمر يدعوا للدهشة كيف ادعى الطبراني أن هذا الحديث حديث فرد مع العلم أن الحديث مروي من طرق أخرى نقول: نعم تنبهوا ولم يقصد الغرابة المطلقة وأن هذا الحديث لم يرد إلا من طريق واحدة لا. إنما قصد بالنسبة لهذا الراوي ولذلك تجده أحيانًا يسلسل هذه الغرابة يقول: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث فلان تفرد به فلان فجعل الغرابة غرابتين غرابة عليا وغرابة دنيا فهذا الذي يتكرر في معجم الطبراني وحتى في مسند البزار .
وهناك مصنفات ألفت في هذا مثل المصنفات التي ألفها الدارقطني مثل غرائب مالك وغرائب شعبة وكتاب الأفراد له؛ وكذلك أيضًا غرائب مالك للحافظ ابن عساكر كل هؤلاء يقصدون الغرابة أي غرابة؟ الغرابة النسبية هناك أيضًا من أنواع الغرابة النسبية أن يكون الحديث له طرق أخرى لكن لا يرويه ثقة إلا راوٍ واحد فيقولون عن هذا الحديث: هذا حديثُ تفرد به فلان ، أو لا يرويه ثقة إلا فلان ومن أمثلة ذلك حديث " إنما الأعمال بالنيات " حديث " إنما الأعمال بالنيات " هل في الحقيقة لم يروه أحد من الصحابة إلا عمر؟ لا هو مروي أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري لكن لا يصح إطلاقًا إلا من طريق من ؟ من طريق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
وأما ما له من طرق أخرى فهي طرق منكرة يعني لا تصح ولا تثبت بهذا اللفظ، اللهم إلا أن يكون هناك في معناه أحاديث أخرى لا نقصد الرواية بالمعنى وإنما نقصد بهذا اللفظ لا يصح إلا من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- هناك أيضًا من أنواع الغرابة النسبية غرابة بالنسبة إلى جهة معينة كأهل بلد من البلدان فقد يأتينا حديث له طرق إما يعني يصل لدرجة المشهور ، أو ما هو فوق المشهور المتواتر، لكن هذا الحديث لو نظرنا فيه فإذا به لا يرويه إلا أهل الحجاز يعني مثلًا هو من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عباس ومن حديث جابر بن عبد الله.(1/61)
وكل هؤلاء من أهل الحجاز بعضهم من المدينة وبعضهم من مكة، فأبو هريرة في المدينة، وكذلك جابر وابن عباس في مكة ، ثم إذا نظرت في الرواة عنهم وإذا بهم أيضًا حجازيون فأبو هريرة مثلًا تجد الذي رواه عنه من أهل المدينة نفسها كسعيد بن المسيب وجابر بن عبد الله تجد عمرو بن دينار هو الذي روى عنه ذلك الحديث وابن عباس تجد الذي روى عنه ذلك الحديث عطاء بن أبي رباح، وكل هؤلاء حجازيون.
ثم تنظر أيضًا في الرواة عنهم فتجدهم أيضًا كذلك مثلًا حديث أبي هريرة رواه عن سعيد بن المسيب الزهري وهو مدني وحديث جابر بن عبد الله رواه عنه عمرو بن دينار والذي رواه عن عمر بن دينار هو سفيان بن عيينة وهو أيضًا حجازي، عطاء بن أبي رباح تجد الذي رواه هو الذي روى حديث ابن عباس، والذي رواه عن عطاء هو ابن جريج وهو أيضًا مكي هذا الحديث الذي بهذه الصورة يقال له: لا نعرفه إلا من حديث الحجازيين ، أو تفرد به أهل الحجاز فهذا لا يقصد به الغرابة المطلقة.
وإنما يقصد به بالنسبة إلى جهة معينة تفرد به أهل الحجاز فلا يرويه أهل الشام ولا أهل مصر ولا أهل العراق ولا أهل خراسان، وهكذا فهذه هي أنواع الحديث الغريب غرابة نسبية هذه الأنواع الغريب والعزيز والمشهور كلها كما قدمنا يقال لها: أحاديث آحاد، وهذه الأحاديث الآحاد لا يلزم منها أن تكون صحيحةً ولا أيضًا ضعيفة، وإنما الأمر يتوقف على أي شيء على النظر في حال سندها فإذا صح السند فهي صحيحة وإذا كان السند ضعيفًا فبحسبه إن كان له طرق يرتقي بها فيصل للحسن لغيره كما سيأتي.(1/62)
وإن كانت الطرق من الطرق التي لا يعتضد الحديث بها كأن تكون ساقطة هالكة، فهذا أيضًا يبقى على شدة ضعفه فيقول الحافظ هنا وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول ما مقصده بالأول -المتواتر فيقول الأول لا يتوقف الأمر على البحث عن أحوال رواته، وأما هذه الأنواع فالأمر يتوقف على معرفة أحوال رواتها، فإذا نظر في أحوال الرواة ووجد أن الحديث يصل إلى درجة القبول، ونقصد بالقبول الصحيح والحسن، وكُلٌّ بقسمَيْه الصحيح قسمان: صحيح لذاته وصحيح لغيره، كما يأتي والحسن قسمان لذاته ولغيره فهذه يقال لها بمجموعها هذه الأنواع الأربعة المقبول .
فهذه الأنواع فيها المقبول وفيها المردود، والمردود معروف بأنه هو الضعيف بأقسامه بقي يعني المسألة التي لها ارتباط بمبحث المتواتر، وهي إفادة العلم هذه الأخبار التي نسميها أخبار آحاد، وكذلك أيضًا المتواتر ماذا يفيد؟ بالنسبة للمتواتر قالوا: إنه يفيد العلم بلا شك، لكنهم اختلفوا هل يفيد العلم الضروري ، أو يفيد العلم النظري؟ فما هو الفرق بين العلم الضروري وما هو الفرق بين العلم النظري ؟ الفرق بينهما أن العلم الضروري لا يحتاج إلى البحث عن أحوال رواته، بل الأمر يستوجب التصديق الجازم دون البحث عن أحوال رواته ودون البحث أيضا عن السند مطلقًا.(1/63)
مثل ما وصفت لكم من حال بلاد اليابان، بلاد اليابان هل يعني وصل إلينا إسناد بها؟ نقول: ما وصل إلينا إسناد، لكن هل فينا أحد يشك أن في الدنيا بلدا يقال : لها اليابان ما فينا أحد يشك من أين تَحَصَّلَ لنا هذا؟ قالوا: هذا جاءنا ضرورة يعني ضرورة دفعتنا إلى التصديق الجازم بأن هناك بلد يقال لها: اليابان بحكم ماذا ؟ بحكم تواتر الخبر واشتهاره وانتشاره شهرةً ، وانتشار زاد عن الحد الذي يدعو إلى البحث عن أحوال الرواة، فأصبح الأمر يتطلب منا التصديق الذي هناك شيء يدفعنا إليه من داخل أنفسنا ولا يحتاج الأمر إلى البحث عن أحوال الرواة هذه الحالة تسمى حالة العلم الضروري، يضطرك للتصديق.
أما العلم النظري فهو العلم الذي يتوقف على النظر في أحوال السند، فأنت تقول: نعم أنا جاءني هذا الخبر من طرق كثيرة لكنني لا يعني أصدق بأنه خبر حتى أنظر من الذي رواه؟ ومن الذي نقله عن ذلك الذي رواه حتى وصلني؟ فأنا أنظر في أحوال هؤلاء الرجال فإذا تحقق لي من خلال النظر أن هؤلاء يغلب عليهم الصدق وأنهم فعلًا يعني نقلوا خبرًا مستنده الحس، فأنا حينذاك أصدق ويصبح هذا الخبر بحكم هذه الكثرة عندي متواترا ؛ لأنه جعل عندي شيئًا يسمى العلم اليقيني، لكن هذا العلم ما تَحَصَّلَ لي إلا من جَرَّاء النظر في أحوال الرواة الذين نقلوا لي ذلك الخبر فأظن أنه -إن شاء الله- بهذا وضح الفرق بين العلم النظري والعلم الضروري واضح وألا أعيد واضح -إن شاء الله- نعم كيف؟ أعيده.
طيب. العلم النظري هو العلم الذي يتوقف على الاستدلال يعني أدلل على أن هذا الخبر متواتر بماذا أدلل ، أو كيف أدلل؟ من خلال النظر في أحوال الرواة النَّقَلَة لذلك الخبر، فمثلًا عندي حديث " من كذب عليّ متعمدًا " هذا الحديث إذا كان رواه من الصحابة كما قلنا ما يقرب المائة ، وابن الجوزي قلت لكم: إنه جمع الحديث عن ثمان وتسعين من الصحابة على اختلاف الطرق منها الصحيح ومنها غير الصحيح.(1/64)
لكن أنا قبل أن أعرف ما هو الصحيح من عدمه حتى أحكم على هذا الحديث بأنه متواتر آتِ فأنظر من الذي رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: والله رواه من من الصحابة فلان وفلان والعشرة المبشرين بالجنة وفلان المهم حتى وصلوا ثمان وتسعين. قلت: حسن الآن الصحابة كلهم عندي عدول بتعديل الله -جل وعلا- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم فلا حاجة إلى البحث عن أحوالهم.
لكن أنا مضطر إلى البحث عن أولئك الذين رووه عن أولئك الصحابة فأتيت لكل تابعي رواه عن كل صحابي فبدأت أنظر هذا التابعي هل هو ثقة ، أو غير ثقة لنفرض أنني مثلًا وجدت هؤلاء التابعين الذين رووا هذا الخبر كلهم هَلْكَى مثل إسحاق بن أبي فروة ، والحارث الأعور وغيرهم من الذين فيهم ضعف ، أو مطعون في عدالتهم، فحين ذاك لا تفيدني هذه الكثرة شيئًا لماذا؟ لأنني أصلًا ما تيقنت أن أولئك الصحابة قد رووه لماذا ما تيقنت؟ لأنه ما تَحَصَّل لي من خلال النظر في هذه الأسانيد ما يجعلني أصدق بأن أولئك الصحابة قد رووا هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
لكن العكس لو نظرت في حال أولئك التابعين فوجدت أنهم ثقات فأنا بعد ذلك أنتقل إلى مرحلة مَنْ بعد التابعين. أتباع التباعين الذين رووا هذا الحديث عن التابعين الذين رووه عن الصحابة، فنظرت أيضًا في طبقة أتباع التابعين فبعد النظر في أحوالهم والاطلاع عليها، وطبعًا هذا لا يتأتى إلا من خلال كتب الرجال، كما سيأتي -إن شاء الله- معنا في آخر الكتاب، نظرت فوجدت أنهم ممن حكم لهم الأئمة بأنهم ثقات عدول فعند ذلك تجاوزت أيضًا هذه المرحلة.(1/65)
ثم تخطيت طبقة طبقة، وأنا أبحث وأتوصل من خلال ذلك إلى أنهم ثقات عن ثقات، وهكذا حتى وصلت إلى مُصَنِّف الكتاب الذي روى هذا الحديث عن أولئك الرواة الذين رووه عن من فوقهم حتى بلغوا الصحابة وحتى بلغوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس صاحب كتاب واحد فقط بل نجد أنهم أصحاب كتب كلهم الذين رووا هذه الأحاديث، فإذا بمجموع هذه الطرق وما فيها من هؤلاء الرواة الذين هم ثقات، ونقلوا هذه الأخبار تَحَصَّل لي من جراء النظر ما هو حينما بدأت أنظر في حال كل راوٍ من الرواة هذه الحالة تسمى حالة النظر، فإذا العلم ما تحصل لي ضرورة، وإنما تحصل لي بعد أي شيء؟ بعد النظر في أحوال الرواة، وهذا يقال له : العلم النظري واضح إن شاء الله طيب.
الآن يعني ما دام أننا تكلمنا عن العلم الضروري هذا بالنسبة لخبر الآحاد ، أو العلم النظري كل هذا بالنسبة للخبر المتواتر الآن ننتقل لأخبار الآحاد ماذا تفيد؟ لنعلم أيها الإخوة أن هذا هو بيت القصيد يعني أخبار الآحاد هي التي ينبغي أن نركز عليها فأهل السنة ما صح عندهم من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تَلَقَّوْهُ بالقبول والتسليم له ولا تجدهم مثلًا يلجئون إلى الطرق الكلامية، أو الخزعبلات السوفسطائية من إقحام العقول في هذه النصوص والقول بأن هذا النص يصادم العقل ، أو ما إلى ذلك لا تجد أهل السنة يسلكون هذه المسالك إطلاقًا، وإنما سموا أهل الحديث؛ لأنهم يسلمون لما صح من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم إلا أن يتبين لهم علة قادحة في ذلك الحديث فالأمر حينذاك يختلف.(1/66)
لكن ما دام أن السند قد صح وليس هناك أي حجة علمية تدعو إلى التوقف عن قبول ذلك الحديث فلا يسع مؤمنا ولا مؤمنة أن يتخلف عن العمل بذلك الحديث وفق الضوابط الشرعية لكن الذين لا يعجبهم هذا المسلك هم الذين تأثروا بالمسالك الغريبة عن المنهج الحق والتي إنما دخلت على المسلمين من خلال كتب اليونان التي عربت فما كان المسلمون يعرفون التفرقة بين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث آخر فيقبلون هذا ويرفضون ذاك، وكل ذلك بحجج عقلية.
لا ، ما كان هذا المنهج موجودًا عند المسلمين إطلاقًا، وإنما دخل هذا المنهج بعد أن عربت تلك الكتب اليونانية فعرف من قرأ فيها أن الفلاسفة، وأهل الكلام يذكرون ما يسمى بخبر الآحاد، وأنه هو الذي يدعو ضرورة إلى العلم، وأن العقائد لا بد أن تبنى على علم يقيني ولا تبنى على علم ظني وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا وبالتالي قالوا: إن هذه الأحاديث التي تسمى أحاديث آحاد، وهي التي لم تصل إلى درجة التواتر حتى ولو رواها عشرة من الصحابة بأسانيد صحيحة إليهم وعندهم لم تصل إلى درجة التواتر فهي مرفوضة في باب الاعتقاد.
ولذلك لا غرابة أن نرى المعتزلة يرفضون أحاديث الشفاعة ولا تجدهم أيضًا يقبلون الأحاديث التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرورة طاعة ولاة الأمر حتى وإن تلبسوا ببعض المعاصي ما لم يصل الأمر إلى درجة الكفر البواح لماذا؟ لأن مثل هذه الأحاديث تصادم أصول أولئك المعتزلة فإنهم أصَّلُوا أصولًا خمسة مثل: العدل ويقصدون به نفي القدر، ولذلك الأحاديث التي تثبت القدر، وهي تنافي هذا الأصل تجدهم يرفضونها بحجة أنها أحاديث آحاد.(1/67)
والتوحيد ويقصدون به نفي صفات الباري -جل وعلا- ولذلك إذا جاءهم حديث يثبت صفة من الصفات التي أنكروها رفضوا ذلك الحديث بحجة أنه حديث آحاد مثل ما مثلت لكم بحديث الجارية التي " سألها النبي - صلى الله عليه وسلم - أين الله قالت: في السماء " فهذا الحديث يعتبر سيفًا مسلطًا على رءوس المعتزلة ؛ لأنه يثبت علو الذات للباري -جل وعلا- فهم حينما يستدل لهم بكتاب الله -جل وعلا- مثل { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } (1)
وأمثال تلك الآيات يقولون: نعم لكن هذا علو قهر، وليس علو ذات فيفرقون بين علو القهر وبين علو الذات فيقولون: إن الله -جل وعلا- يعني بقوته وغلبته هو عالٍ على الناس لكن ليس المقصود علو ذاته -جل وعلا- بحيث نقول: إنه سبحانه في السماء وإنه مستوٍ على عرشه دائمًا من خلقه يقولون لا، لا نقول هذا الكلام.
طيب حينما تأتيهم بهذا الحديث وتقول: إن المقصود بهذه النصوص هو علو الذات ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما سأل الجارية أشارت إلى السماء وقالت في السماء، فهذا لا يستلزم إلا علو الذات وهم أناس أهل لغة يعرفون مدلول هذا اللفظ فحين ذاك يقولون عن هذا الحديث إنه حديث آحاد ولا نقبله، فيرفضونه حتى وإن كان موجودًا في صحيح مسلم، فلا يقبلون هذا بهذه الحجج العقلية.
كذلك أيضًا مثل الأصل الآخر عندهم، وهم إثبات الوعد والوعيد، فهم يحكمون على مرتكب الكبيرة بأنه خالد مخلد في نهار جهنم، اللهم إلا أن يتوب.
وأهل السنة يقولون: مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه لكن سيأتي عليه يوم من الأيام، ويخرج من نار جهنم بعد أن يُمَحَّص من ذنبه، المعتزلة لا يقولون بهذا القول حينما تورد عليهم أحاديث الشفاعة التي تصادم هذا الأصل الذي أصَّلُوه يرفضون أحاديث الشفاعة بحجة أنها أحاديث آحاد.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 255.(1/68)
وهكذا أصلهم الآخر، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لفظ براق لكن تحته السم الزعاف ماذا يقصدون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقصدون به الخروج به على أئمة الجور، وحينما تورد عليهم أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك "
فهم لا يقبلون مثل هذا الحديث بحجة أنها أحاديث آحاد، وهكذا يعني على هذا الدواليك، يمكن أن تأتي بأي مسألة تصادم أي أصل من أصولهم فيجرون عليها هذا المجرى المعتزلة تأثر بهم الأشاعرة، وإن كانوا توسطوا بينهم وبين أهل السنة فأثبتوا بعض الصفات التي نفاها المعتزلة لكنهم هم أفراخ المعتزلة، فالأشاعرة هم الذين -وللأسف- غلب منهجهم على كثير من بلاد العالم الإسلامي، وبخاصة في فترة مضت، وأصبح أهل السنة -وللأسف- قلة فهم الذين أكثرهم ألَّفَ في علم الأصول وبحثوا هذه المسائل من هذا المنطلق.
والمنهج الذين يسيرون عليه وهو عدم قبول أحاديث الآحاد في باب الاعتقاد بحجة أنها لا تفيد إلا الظن فإذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هو ممن تأثر بالمنهج الأشعري، لكنه يعني أحسن حالًا منهم نوعًا ما فهو لم يقل بهذا القول على إطلاقه ، وإن كان في كلامه ما يشعر بالارتخاء في قبول أحاديث الآحاد على الإطلاق.
المشكلة -أيها الإخوة- ليست في مسألة علم نظري وعلم ضروري، نحن نقول: ما علينا أنتم اقبلوا أنها تفيد العلم حتى، وإن كان علمًا نظريًا، لا بأس ابحثوا في أحوال الرواة انظروا في الأسانيد، فإذا وجدتم أن الأسانيد صحيحة وتَحَصَّل لكم من خلال النظر أن هذه الأحاديث قد صَحَّتْ أسانيدها فليس هناك إطلاقًا ما يدعو للتوقف، ولا يجوز لمسلم بحال من الأحوال أن يتوقف عن قبول ذلك الحديث.(1/69)
لكن أن ترفض الأحاديث بحجة أنها لا تفيد إلا الظن فهذا هو الذي نرفضه ونعتبر أنه غريب غرابة كلية على منهج أهل السنة والجماعة؛ فابن حجر الآن يقول: "إن أحاديث الآحاد قد يقع فيها ونعرف أن قد تفيد أي شيء ؟ القلة ، "قد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن أيضًا على المختار فهو يذكر هناك بعض القرائن التي إذا انضمت إلى خبر الآحاد أفادت العلم النظري فما هي هذه القرائن يا تُرى ؟
ذكر أول هذه القرائن: "أن يكون الحديث مرويًا في الصحيحين" يقول: "منها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما ما لم يبلغ حد التواتر" يقول: إن الصحيحين لهما مكانة في قلوب المسلمين، والذي دعانا إلى اعتبار أن أحاديث الصحيحين تفيد العلم النظري ما تميز به هذان الكتابان من جلالة ، البخاري ومسلم وتقدمهما على أقرانهما في هذا الفن، وهو علم الحديث فيقول: إنهما لا يقبلان من الحديث إلا ما بلغ الدرجة العليا من الصحة فلأجل مكانة البخاري ومسلم اعتبرنا هذا ميزة لكتابيهما.
أيضًا هذان الكتابان نجد أن العلماء من وقت البخاري ومسلم حتى وقتنا هذا قد تلقوا أحاديث هذين الكتابين بالقبول والتسليم، ويستثنى من ذلك الأحاديث التي انْتُقِدَتْ من قِبَل بعض الحفاظ، ومن قِبَل بعض العلماء -علماء الحديث- على البخاري ومسلم فإذا نُحِّيَتْ تلك الأحاديث -على قلتها- بقى لنا البقية، وهي الكثرة الكاثرة من أحاديث الصحيحين.
فيقول: هذه البقية تفيدنا العلم الذي تحصل من خلال النظر طيب تحصل من خلال النظر لنا نحن؟ قال: لا ، ليس من الضرورة أن يكون لنا نحن، ولكنه تَحَصَّل للبخاري ومسلم فإنهما ما أودعا هذه الأحاديث في هذين الكتابين إلا بعد أن نظرا في أسانيدها وتحقق عندهما أنها صحيحة أيضًا لو التفتنا إلى أنفسنا، فإن هذا العلم ما تحقق لنا إلا من جَرَّاء النظر أيضًا لكن أيّ نظر؟(1/70)
نظرنا، وإذا بهذا الحديث في الصحيحين فبمجرد كونه في الصحيحين بعد أن نظرنا اكتفينا بهذا، واعتبرنا هذا يفيدنا العلم النظري من خلال نظرنا إلى أن هذا الحديث في الصحيحين هل هناك قرائن أخرى يمكن أن تضاف ؟ يعني لو لم نجد الحديث مثلًا في الصحيحين، وصح سنده فهل معنى هذا -عند ابن حجر- أنه لا يفيد إلا الظن؟ قال: لا: قد يفيد العلم النظري أيضًا لكن بقرينة أخرى مثل أن يكون الحديث مثل ما ترون، ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة.
فيقول: إذا كان الحديث مرويًا من طرق كثيرة لكنه لم يبلغ حد التواتر، وهو ما نسميه بالمشهور، فهذه الطرق إذا كانت صحيحة فكل واحدة منها انضمت للأخرى، فَتَحَصَّل لنا من جراء ذلك علمًا نظريًا يعني بعد أن نظرنا في تلك الطرق فوجدنا أنها طرق صحيحة، فإذا هذه الطرق بمجموعها كونت في نفس الناظر فيها علمًا يسمى علما نظريًا، فإذن هذه الأحاديث عند ابن حجر ليست كبقية الأحاديث فهذه إذا قرينة ثانية: وهي أن يكون الحديث مرويًا من طرق تصل لدرجة الشهرة.
تفضل : (سؤال غير مسموع).
تقصد الأحاديث التي انتقدها بعض الحفاظ ، نعم يا أخي ، يعني الأحاديث التي انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني والجياني، وأمثالهم هي متنازع في التسليم لها بالقبول حتى وإن كنا يعني نقول مثلًا: إن هذا الحديث الأرجح عندنا أنه صحيح، وأن ما ارتآه البخاري ومسلم أو أحدهما أرجح عندنا مما ارتآه مثلًا الدارقطني لكن هل معنى هذا أننا نصف المخالف الذي يتبنى نظر الدارقطني أو ما ارتآه الدارقطني نصفه بأنه مثلًا خالف الإجماع ونُشَنِّع عليه ونعده يعني سلك مسلكًا من مسالك الضلال؟(1/71)
نقول: لا ، لا نسلك هذا؛ لأننا لو وصفنا الذي رأى هذا الرأى بهذا الوصف للزم منه أن نصف أيضًا من انتقد البخاري ومسلم في بعض الأحاديث وهم أئمة مُسَلَّم لهم في هذا الشأن كالدارقطني وحتى أبو زرعة وحتى الإمام أحمد وابن معين فلو نظرنا في مقدمة فتح الباري نجد الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: إن البخاري حينما ألَّف كتابه عرضه على الإمام أحمد وعلى يحيي بن معين وأبو المعلي بن المديني وشخص رابع لعله... نسيته في الحقيقة الشخص الرابع فيقول: كلهم سلموا له بالصحة ما عدا عشرة أحاديث فإذن هذه العشرة الأحاديث ما محلها ؟
متنازع في إثبات صحتها بين البخاري وبين من خالفه من الأئمة، وعلى هذا فَسِرْ ، فهذا الذي يعنيني يدعوني للكلام.
يعني يا إخواني تكتبوا الأسئلة ، ونجيب عليها حتى لا يتشتت الذهن.
بالنسبة للقرينة الثالثة: ذكرها الحافظ ابن حجر أنه الحديث الذي يكون مسلسلًا بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبا.
وحقيقة -يعني- قوله حيث لا يكون غريبًا. لا معنى له اللهم إلا أن يقصد مرتبة وسط بين هذه وبين السابقة فحينما يقول مثلًا في السابقة ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة، طيب إذا جاءنا الحديث من ثلاثة طرق وهي صحيحة وأصبح الحديث مشهورًا بهذه الثلاث الطرق الثلاثة طرق، ما الداعي إلى أن نقول: المسلسل بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبًا، نقول: إن الحافظ ابن حجر يقصد بهذا أنه قد لا يصل لدرجة الشهرة بحيث يكون عزيزًا، فيكون مرويًا من طريقين مثلًا لكن هذين الطريقين ليست كالطرق السابقة، فالطرق السابقة لا يشترط فيها أن يكون الرواة لتلك الطرق من الأئمة المشهورين بل يكتفى فيها بمجرد ثقة الراوي وتوفر عدالته وضبطه.(1/72)
لكن الأئمة كالشافعي وأحمد ومالك وأمثالهم من الأئمة المشهورين هؤلاء يجعلهم ابن حجر قرينة أخرى يقول: "مثلا لو ورد عندي الحديث من طريقين: طريق يرويها مثلا الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وطريق أخرى يرويها مثلًا عن ابن عمر ابنه سالم وعن سالم يرويه عبيد الله بن عمر وعن عبيد الله مثلًا يرويه سفيان الثوري، وعن سفيان الثوري يرويه وكيع فهذان طريقان مسلسلان بالأئمة الحفاظ.
فالحديث بهذه الصورة يكون عزيزًا -مثلًا- إلى ابن عمر، لكن لو جعلنا صحابيًا آخر غير ابن عمر يكون عزيزًا تمامًا، فالحديث في هذه الصورة يكون عند ابن حجر انضافت قرينة إلى مجرد الصحة بحيث يصبح الحديث بهذه الصورة يفيد العلم النظري فيقول: صحيح أن الحديث عزيز، لكنه ورد من طريقين مسلسلين بالأئمة الحفاظ فما دام أن الحديث بهذه الصورة، وبهذه الجودة في الإسناد نعتبر هذه قرينة تجعل الناظر في هذا الحديث، أو في هذين الحديثين، أو في هذين الطريقين يتحصل عنده شيء يسمى العلم النظري فأفاده علم في قرارة نفسه لكنه ناشئ من جراء النظر فهذه هي القرينة الثالثة عند ابن حجر هل نسلم بهذه القرائن فقط، أو يمكن أن نضيف إليها أشياء أخرى؟
أقول: ينبغي أن نضيف إليها أشياء أخرى فمن القرائن صحة الإسناد مجرد صحة الإسناد بحيث لا يكون فيه مطعنًا من المطاعن نعتبر هذه أيضًا قرينة تجعلنا نقول: إن الحديث يفيد العلم النظري، أقول: مجرد صحة الإسناد بحيث لا يكون فيه أدنى شك في صحته عند أئمة الحديث، هذه تعتبر قرينة يمكن أن تضاف على القرائن السابقة بحيث نقول: إن الحديث بهذه الصورة يفيدنا أيضًا العلم النظري.(1/73)
طيب ، هل يمكن أن نقول: إن حديث الآحاد يمكن أن لا يفيدنا إلا الظن ؟ نقول : نعم ، يمكن أن يأتي هذا في بعض الأحوال المتنازع فيها، فإذا جاءنا الحديث من طريق واحد مثلًا، وفي بعض رواته كلام، لكن هذا الكلام لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، وهو بعض الأقسام التي سيأتي الكلام عليها -إن شاء الله- في الليلة القادمة.
فالراوي الذي خَفَّ ضبطُه هو الذي حديثه حديث حسن، لكن خفة الضبط هذه يعني تجعل الإنسان الناظر في ذلك الحديث لا يتيقن تمامًا أن هذا الراوي قد أصاب في ذلك الحديث، وإلا لحكم على الحديث بالصحة، كذلك أيضًا لو جاءنا الحديث من طريقين كل واحدة من الطرق ضعيفة لكن بمجموع هذين الطريقين أصبح الحديث حسنًا لغيرة عند بعض العلماء.
لكن هناك من يشدد وينازع في هذا، فأقول: مثل هذه الطرق التي يعني الحكم عليها بالقبول، إنما يكون عند فئة من العلماء دون فئة أخرى، فهذا يمكن أن يقال عنه: إنه لا يفيد إلا الظن، وقد يفيد العلم عند الناظر فيه الذي -مثلًا- حسَّن الحديث لذاته أو لغيره واقتنع بهذا قد يقول: أنا أعتقد أن هذا الحديث يفيدني العلم النظري الذي تَحَصَّل لي من جراء النظر نقول: أنت وذاك ، لكن هل يلزم هذا الكلام كل أحد ؟ لا ، لا يلزم كل أحد.
لكن أما حديث آخر لا مطعن فيه، حديث تتوفر فيه شروط الصحة عند جميع علماء الحديث فهذا الحديث بهذه الصورة لا يجوز بحال من الأحوال أن يقال: إنه يفيد مجرد الظن بل يفيد العلم ويجب العمل به سواء في باب الاعتقاد، أو في غيره من الامور كالأحكام والمواعظ وغير ذلك، فالأمر سِيَّان، ولا يجوز لمسلم أن يفرق بين الأحكام والعقائد فكل ذلك شرع لله --جل وعلا-- ومن فَرَّقَ فإنه فَرَّقَ بين المتماثلات، وقسم دين الله --جل وعلا-- قسمة ضيزى، فالأحكام نجد أنها في بعض الأحيان تدخل في باب الاعتقاد أيضًا.(1/74)
وعلى كل حال يعني لا أحب أن أستطيل في إثبات حجية خبر الآحاد، فهذا له مقام آخر والوقت قد انتهى، وإلا كان يمكن أن نفيض في هذا، لكن أذكركم بحديث واحد وهو حديث معاذ جبل -رضي الله تعالى عنه- هل بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده أو معه أناس ؟ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن وحده وقال: " إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه ... -أي شيء؟- شهادة أن لا إله إلا الله " عقيدة هذا ولا أيش؟ هذا عقيدة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - غبي حينما لا يبعث مع معاذ بن جبل من تقوم به الحجة ويصبح خبرة متواترًا أو الغباء في غيره ؟ الغباء في غيره الذي يعتقد أن دين الله --جل وعلا-- لا يقوم إلا بمجرد التواتر وما لم يكن متواترًا فإذا هو ليس بدين.
النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث معاذ بن جبل لأهل اليمن وهو بمفرده ويبعثه بأصول الاعتقاد " ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " ثم يلحق بعد ذلك ما يلحق من الأحكام فلا يفرق بين عقيدة وأحكام وهو نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ويرتضي هذا لأهل اليمن، وأهل اليمن لا يرفضون مجيء معاذ إليهم بحجة أنك فرد واحد ، وأنك لا تقوم بك الحجة بل يرضونه ويسلمون بما جاءهم به من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد ذلك يأتي من يدعي الإسلام ويرفض أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجة أنها أخبار آحاد لا شك أيها الإخوة أن المنهج مختلف، وأنه شتان بين الفريقين فهؤلاء لهم منهج، وأولئك لهم منهج آخر، وصلى الله وسلم على بنينا محمد.
س: أحد الإخوة يسأل ويقول: ما رأيكم بكتاب تيسير مصطلح علم الحديث للدكتور محمود الطحان؟(1/75)
ج: أقول: أجبت عن هذا السؤال لكن يبدو أن الأخ ما كان موجودًا فالكتاب يعني جيد من حيث تقسيمه المنهجي مع أن هناك بعض الملاحظات التي لا تقدح يعني في هذا الكتاب، ملاحظات يسيرة علمية على بعض النقاط التي ذكرها في الكتاب ، أما كتاب "مباحث في علوم الحديث" للشيخ مناع القطان فالحقيقة أنا ما اطلعت على هذا الكتاب.
س: أحد الإخوة يقول: أريد مراجع خاصة في هذا البحث يعني حجية الآحاد؟.
ج: أقول: نعم إن أردت المراجع فابن حزم في كتابه "إحكام الأحكام" أفاض في هذه المسألة إفاضة جيدة وعنه أخذ وزاد ابن القيم ، -رحمة الله عليه- في كتابه "الصواعق المرسلة" فارجعوا إليها أيها الإخوة، فإن البحث في ذلك بحث جيد وأيضًا للشيخ عبد الله الجبرين -حفظه الله- رسالة جيدة وممتعة جدًا في حجية خبر الآحاد يعني بحث علمي رصين جدًا ، وقبل هذا كله الشافعي -رحمه الله- في كتابه "الرسالة" فإنه هو ممن تصدى للقائلين بعدم حجية أخبار الآحاد.
س: أحد الإخوة يقول: إن البيقوني يقول في منظومته:
والفرد ما واحد به انفرد ... وأجمعوا لضعفه فهو كرد
هل الفرد مجمع على ضعفه ؟ يرجو التوضيح.
ج: أقول: والله أنا يعني لست ممن يعني تابع المنظومة البيقونية حتى أعرف معنى البيت لكن أستعبد جدًا أن يكون البيقوني يحكم على الحديث الفرد بالضعف لكن يبدو لي أن البيت يحتاج إلى شيء من الشرح فقد يكون قبله بيت أو بعده بيت يوضح المعنى المقصود فيمكن أنه يقول: الحديث الفرد ما هو ؟ هو الذي انفرد به واحد وينتهي المعنى عند هنا، والفرد ما واحد به انفرد ، وأما الضعيف فهو الذي يجمعون على ضعفه فهو المردود يمكن يكون أراد هذا المعنى، والعلم عند الله -جل وعلا- .
س: أحد الإخوة يقول: ماذا نقصد إذا قلنا للحديث طرق ؟(1/76)
ج: أقول: المقصود بأن للحديث طرقًا يعني حديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة، ورواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب ورواه عن سعيد بن مسيب الزهري ورواه عن الزهري سفيان بن عيينة هذه يقال لها طريق ، ثم وجدنا نفس الحديث هذا رواه أيضًا ابن مسعود مثلًا ورواه عن ابن مسعود علقمة ورواه عن علقمة إبراهيم النخعي ورواه عن إبراهيم النخعي الأعمش ورواه عن الأعمش شعبة فهذه أيضًا طريق .
وهكذا أيضًا لو ذهبنا إلى حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجدنا حديثًا لعلي بن أبي طالب يرويه عنه عبيدة السلماني ويرويه عن عبيدة السلماني مثلًا محمد بن سيرين، ويرويه عن محمد بن سيرين أيوب السختياني فهذه أيضًا يقال لها طريق، وهكذا عدد ما شئت من الصحابة كل واحد من هذه الأسانيد يقال له طريق فهذا مقصودنا بأن له طرقا، كل ما كثرت هذه الأسانيد يقال لها طرق.
س: أحد الإخوة يقول: هل يجوز لأحدنا أن يضع أي شيء يحجز به مكانا قرب الشيخ وذلك من الصباح حتى المساء مع العلم أن بعضنا قد لا يحضر الدروس ؟ وهل لي إذا وجدت مكانًا محجوزًا ولم يأت صاحبه بعد بداية الدرس أن أجلس فيه ؟ أرجو بيان ذلك
ج: أقول: لا ، ما يجوز للإنسان أن يحجز مكانًا عن الآخرين وأنت إذا وجدت مكانًا محجوزا ولم يأت صاحبه في الدرس فاجلس فيه ولا حرج.
س: (سؤال غير مسموع).
ج: يعني هو موجود ، إذا كان موجودًا لعله في مكانه ويترك المكان الآخر لغيره ، لا ، الحال يختلف إذا كان مثلًا أحد الإخوة يحب أن يقترب من الدرس ويحب أن يحجز له مكانًا في الصف فهذا -إن شاء الله- لا حرج فيه ما دام أنه موجود في المسجد.
س: يقول: إذا أطلق الترمذي على الحديث أنه غريب فما هو المراد ، المطلق أم النسبي ؟(1/77)
ج: أقول: بحَسَبِهِ، إما أن يكون يريد المطلق، وإما أن يكون يريد النسبي: قد يقول مثلًا هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه أو لا نعرفه إلا من حديث فلان وقد يقول: إن هذا حديث غريب، فإذا قال: حديث غريب، فالأغلب أنه يريد الغرابة المطلقة ، وأما إذا قال: لا نعرفه إلا من حديث فلان فهو يريد الغرابة النسبية ، فعلى كل حال كل لفظة من الألفاظ التي يطلقها الترمذي تحتاج إلى نظر حتى يعرف ما مقصده.
س: يقول ما هو المرجع الذي أجد فيه شرحًا مفصلاً عن قسم الغريب المطلق والنسبي؟
ج: أقول: المراجع كثيرة كل كتب المصطلح تتحدث عن هذا ، يعني إذا كانت مثلًا النخبة وشرحها مختصرة فيمكن أن ترجع إلى المطولات مثل "تدريب الراوي" ومثل "فتح المغيث" وغيرها.
س: يقول: هل إذا كان الحديث غير صحيح هل نجزم أنه كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن غير الثقة قد يكون ثقة، ولو في حديث واحد ؟ وهل إذا كان الحديث صحيحًا نجزم أنه قد قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الثقة قد يهم وقد يخطيء ولو في حديث واحد؟
ج: أقول: أما بالنسبة للجزء الأول من السؤال وهو: هل إذا كان الحديث ضعيفا والضعف ناشئ من ضعف حفظ الراوي نستطيع أن نجزم بأن هذا الحديث لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ أقول: لا ، لا نستطيع أن نجزم لكن حيطة لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث لم تتوفر شروط الصحة فيه توقفنا عن قبوله ووصفناه بأنه حديث ضعيف؛ لأنه لم تتوافر فيه شروط الصحة، لكننا لا نجزم بأن هذا الحديث لم يقله النبي --عليه الصلاة والسلام--.
أما الجزء الآخر من السؤال فالذي أربأ بالسائل عنه وبكل أخ أن لا يرد هذه المقولة؛ لأنها هي التي دخل من خلالها قولهم: إن الثقة قد يخطيء، وإنا إذا قبلنا حديثًا رواته كلهم ثقات فمعنى ذلك حديثًا فيه احتمال وجود الخطأ، وهذا الذي نقصد به أن هذا الحديث لا يفيد إلا الظن هذه مقولتهم.(1/78)
طبعًا هذه المقولة ما كانت ترد عند علماء الحديث مطلقًا وأهل السنة يربئون بأنفسهم عن أن يتوقفوا في قبول أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحجة ، هذا أيها الإخوة مع أنهم لو كان كلامهم هذا ناشئًا تديُّنًا لكان هذا الوصف إنما ينطبق على الحديث الفرد يعني الذي لا يرويه إلا راوٍ واحد؛ لكنهم يردون أحاديث الآحاد حتى وإن كانت مروية من طرق كثيرة كما وصفت لكم.
فإذن هم إنما يريدون من خلال هذه العبارة أن يتوصلوا إلى أمر آخر لا تريدونه أنتم، فتفطنوا لهذه الزلات التي يريدها من يريدها من أصحاب الشبه ، نعم، الإنسان بشر قد يخطيء لكننا نقول: إن دين الله --جل وعلا-- محفوظ، وما دام أن هؤلاء الرواة الذين نظرنا في أسانيدهم قد تحققت فيهم الدرجة العليا من الصحة، كل واحد منهم ثقة ضابط عدل، وسمع ممن فوقه ، فإذن ليس هناك ما يدع إطلاقًأ للتوقف.
ولنعرف أن علماء الحديث كان الواحد منهم ورعًا أشد الورع عن أن يتجاوز أو يتعدى الحد في حديث من الأحاديث لم يتأكد من ضبطه أنه سمعه من شيخه فبعض الأئمة كان إذا شك في الحديث مجرد شك تركه بالكلية ما يحدث به فالخوف من أن يكون إيش حذف شيء من الأحاديث لكن أن يكون دخل في سنة النبي --صلى الله عليه وسلم- ما ليس منها من الأحاديث التي توفرت فيها شروط الصحة فاطمئنوا فعلماء الحديث قد كَفَوْكُم هذه المسألة.(1/79)
وعلم العلل الذي برع فيه من برع من الأئمة كالإمام أحمد ويحيي بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني والنسائي وغيرهم ، هؤلاء العلماء كانت هذه مهمتهم يأتون لهذه الأحاديث التي قد تكون مظنة الخطأ فيكشفون عللها .... أنت نسألك عن حديث فتقول باطل منكر ، ونحو تلك العبارات أسحر هو ، قال لا ، ولكن هكذا يقع في نفس المحدث، ولكن هات اسأل وأنا أجيبك ثم اذهب إلى غيري من العلماء فاسأله وانظر بماذا يجيبك فسأله عن حديث: فقال فيه: باطل ثم ذهب إلى أبي زرعة الرازي فسأله عن نفس الحديث فقال: فيه منكر فكان جوابهما قريب من بعضه فجاء وقال: أشهد بالله إن هذا العلم يعني فعلًا موهبة من الله --جل وعلا-- أو نحو هذه المقالة.
فهؤلاء العلماء هم الذين سخرهم الله -جل وعلا- لخدمة دينهم وناس هجروا لذيذ المنام هجروا الفرش لم يتنعموا في الدنيا الواحد منهم يترك أهله ووطنه لأي شيء؟ إنما يتقربون إلى الله -جل وعلا- بالذبِّ عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل تلك الرؤيا التي رآها البخاري أنه يَذُبُّ الذباب عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فعبرها له المعبر بأن قال: إنك تذب الكذب عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فهؤلاء أناس يعني إنما تذكر سيرهم مجرد ذكر، وكأنها ضرب من الخيال، ولو ذهبتم وتتبعتم سِيَرهم لوجدتم العجب العجاب حتى تتيقنوا بأن هؤلاء الناس ليسوا أفرادًا عاديين، وإنما هم أناس سخرهم الله -جل وعلا- لخدمة دينه فعلًا فلتكن قلوبكم مطمئنة من أن هذه الأحاديث لا يمكن -إن شاء الله- أن يدخل في صحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما لا يصح.
س: يقول اشتهر عند بعض الشباب إذا أرادوا أن يفترقوا أن يقول كل واحد منهم: لا تنسانا من صالح دعائك ما صحة هذا القول؟(1/80)
ج: أقول : الحقيقة ، يعني مثلًا، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لا يفضل مثل هذه المقولة، ويقول اللهم إلا أن يكون الذي طلب من أخيه الدعاء له أن يكون قصد أن الأخ نفسه هو الذي ينتفع بالدعاء مثل ما ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه من دعا لأخيه بظهر الغيب كان عند رأسه ملك يقول: نعم ، ولك بمثل " فإن كان يقصد نفع الأخ لكن أن يكون هو الذي يريد أن ينتفع بدعاء الأخ فيقول هذا يعني من الأمور التي ينبغي أن تترك ، هذا كلام شيخ الإسلام أحكيه لكم دون تعليق.
س: يقول هل يوجد لإسحاق بن راهويه مسند ؟
ج: أقول: نعم موجود وطبع بعضه وهو موجود في الأسواق.
س: يقول: إنني قلت : إن أحاديث الآحاد لا تستوجب أن تكون ضعيفة أو صحيحة بل يجب النظر في السند ، ثم نحكم عليها ، يقول ألا يكون بالإضافة إلى النظر يقصد أن يكون النظر أيضًا إلى المتن مع السند.
ج: أقول نعم ، لكنني حكيت أو تكلمت بحكم الغالب كما بينت لكم سابقًا أن معظم الطعن الذي يرد في الأحاديث إنما يأتي من جراء السند والطعن في المتن قد يرد لكنه قليل.
س: يقول: هل يجوز الاستشهاد بأحاديث لا أعلم عن طرقها أو سندها بشيء لا لشيء إنما لعدم مقدرتي على حفظ أسانيد كل حديث؟ وهل أدخل تحت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " من كذب علىّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " ؟
ج: أقول: أما بالنسبة للسند فلا يلزمك حفظه لكن الذي نطالبك به أن لا تحدث بحديث في مقام الاستشهاد والاحتجاج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد أن تتأكد من صحته، وأما ما لم تتأكد من صحته فلا تجزم به فقل يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بيِّن ضعف ذلك الحديث أو بيِّن أنك لست متأكدًا من صحته، دع الناس على بينة من أمرهم فلا تغشهم.
س: يقول: متى بدأ الاعتزال(1/81)
ج: أقول: بدأ الاعتزال في بدايته منذ أن اعتزل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد حلقة الحسن البصري بعد أن نشأ القول بالقدر فسموا معتزلة؛ لأنهم اعتزلوا حلقة الحسن البصري -رحمه الله تعالى-.
س: يقول: اذكر -جزاك الله خيرًا- خمسة منهم.
ج: أقول: رءوسهم كثيرون لكن منهم: واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وبشر المريسي وابن أبي ذؤاب يعني هم كثرة ورجل يقال له: أبو الحسن البصري وغيرهم.
س: يقول: وكيف لي أن أعرف عن الماتريدية حيث إني ذهبت إلى عدة مكتبات ولم أجد كتابًا يتحدث عنهم باستفاضة ؟
ج: أقول: بلى هناك رسالة جيدة للأخ الشيخ محمد الخميس في بيان منهج الماتريدية وهي مطبوعة طبعتها دار الوطن وموجودة في الأسواق ، نعم.
س: الأخ يسأل ويقول إنه سمع بعض الناس يقوك: إن معظم الأحاديث التي نعمل بها يعني نسبة 98% منها كلها أخبار آحاد.
ج: أقول: صحيح ولذلك لو أخذنا بمقولة أولئك للزم عليها ألا نعمل بديننا إطلاقًا يعني أن نرفض دين الإسلام بالكلية، أنا أضرب لكم مثالًا على ذلك ، يعني مثلًا صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - هل وردت بالأحاديث المتواترة أو بأحاديث آحاد مثل حديث المسيء في صلاته وغيره من الأحاديث ، وردت بأحاديث آحاد ، أنصبة الزكاة وردت بأحاديث آحاد، الحج وردت بأحاديث آحاد ، الصوم بأحاديث آحاد، فلو قلنا: إن هذه أحاديث آحاد وهي لا تفيد إلى الظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا فكما أننا لا نأخذ بها في باب الاعتقاد فأيضًا يداخلني الشك فأقول لماذا آخذ أيضًا بها في باب الأحكام ما دام أنها لا تفيد إلا الظن فلأتركها، يسعني أن أترك هذه الأحاديث.(1/82)
إذا تركتها هل أصبح مسلمًا بهذه الصورة، وأنا لم أعمل شيئًا من الأعمال؟ ما بقى لي إلا القرآن والقرآن أيضًا لا يصفو لي كله بل يخضع أيضًا تفسيره للهوى فالآية يمكن أن أفهمها بناء على فهمي أنا لا بناءً على فهم السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- الذي تلقوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالتالي أيضًا حتى القرآن لا يصفو لي إطلاقًا فهذا من باب الاختصار لكن يعني لو جئنا نمثل بأمثلة إلزامية فالأمر يستدعى طولًا ونحتاج في الحقيقة إلى محاضرة أو محاضرات أو مُؤَلَّف يكتب في هذا ، وهذا إن شاء الله سيحصل .
س: يقول ما رأيي في كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي؟
ج: أقول فيه وفيه ، البيهقي -رحمه الله- يعني تأثر بالأشاعرة في معتقدهم لكنه لا يظهر هذا واضحًا عليه تماما كما هو حال باقي الأشاعرة لكن الذي يتتبع يجد عنده في هذا الكتاب بعض الإيهام.
س: يقول: هل إذا قال أحد الحفاظ عن حديث ما: لا نعلمه إلا من طريق مالك عن الزهري يُعَدُّ هذا الحديث حديثًا غريبًا؟
ج: أقول: نعم ، لكن لا يلزم من الغرابة الضعف قد يكون الحديث غريبًا وهو صحيح مثل حديث: " إنما الأعمال بالنيات "
س: يقول ما رأيك في كتاب "تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم"؟
ج: أقول: هذا الكتاب الله أعلم بنية كاتبه وحسيبه الله، وسيقف بين يدي أحكم الحاكمين فإنه قد تَجَنَّى أيضًا على الشيخ الألباني، ولسنا نَدَّعِي العصمة للألباني لكنه رجل خدم علم الحديث، وخدم الإسلام من جراء هذا العلم فجازاه هذا الجزء ، جزاء سمنار، فكون الألباني -حفظه الله- يعني بشرًا يخطئ ويصيب هذا لا ننكره، وعنده بعض الأخطاء لكن أن يركز على هذه الأخطاء وتبرز ويُشَنَّعُ عليه من خلالها ويوصف بتجنيه وتعدِّيه على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي أفنى عمره كله في الذَّب عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا ليس من منهج أهل الإنصاف.(1/83)
س: يقول من خلال الكلام في.. هل يصح أن نقول إن هذا التقسيم متواتر وآحاد إنما بدأ على يد أهل الكلام والمعتزلة ؟
ج: أقول: نعم ، نقول هذا ، ولا نشك فيه.
س: هل المتواتر يفيد العلم الضروري أو النظري ؟
ج: هذا يعني كلٌ بحسبه فإذا كان مثلًا خبرًا مشتهرًا كما قلت لكم حال بلاد اليابان فهذا يفيد العلم الضروري لكن إن كان حديثًا من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يمكن أن نقبل هذا الكلام أنه يفيد العلم الضروري يعني دون الالتفات إلى سند من الأسانيد بل لا بد من وجود الأسانيد فلا بد إذن من أن يكون العلم ناشئًا من النظر في تلك الأسانيد.
هذا أحد الإخوة -جزاه الله خيرًا- جاء بالبيت على وجهه الصحيح في البيقونية يعني يدل الأخ الذي كتب البيت ما كان ، حفظ حفظًا جيدًا يقول الأخ البيقونية:
والمنكر الفرد به راوٍ غدا ... تعديله لا يحمل التفرد
متروكه ما واحد به انفرد ... .......................
إذا استقام البيت متروكه يعني متروك الفرد ما واحد به انفرد،
.................... ... وأجمعوا لضعفه فهو كرد
أحسنت بارك الله فيك .
س: الأخ يسأل عن حديث الجلوس بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وأن ذلك كأجر حجة وعمرة تامة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو صحيح؟
ج: أقول ، الحديث طرقه ضعيفة لكن بعضهم يؤيد هذه الطرق بعضها مع البعض ويقول: إن الحديث بمجموع هذه الطرق يصل درجة الحديث الحسن لغيره ، وأقول: مادام أنه يعني في فضيلة من فضائل الأعمال فلا بأس إن شاء الله بقبوله بهذه الصورة ما دام أنه له طرق متعددة.
س: (سؤال غير مسموع)
ج: لا، هذا يسمى غريبًا غرابة مطلقة يعني؛ لأن الغرابة جاءت في أصل السند لكن ليس معنى هذا أن الحديث مثلًا يتطرق الشك إلى صحته بل بهذه الصورة يعتبر حديثًا من أصح الصحيح ما دام أنه يرويه عن الصحابي عشرون من التابعين يعتبر من أصح الصحيح، وهكذا يعني زاد العدد بعد ذلك.(1/84)
س: يقول لو أن حديثًا من الأحاديث رواه صحابي واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ذلك الصحابي رواه عنه عشرون من التابعين وعن العشرين رواه عدد أكثر من أتباع التابعين، وهكذا ما زال العدد يزداد فهل هذا يعتبر غريبًا أو ماذا يعتبر؟
ج: نقول: نعم من حيث التقسيم الاصطلاحي يعتبر هذا غريبًا غرابة مطلقة مثل حديث " إنما الأعمال بالنيات " لكنه يعتبر من أصح الصحيح إذا كانت طرقه صحيحة أو حسنة.
س: (سؤال غير مسموع).
حديث يرويه سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- إيش الحديث تذكره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " قنت على رعل وذكوان "
ج: هذا الحديث يصبح مشهورًا تقصد؟ هذا مشهور غير اصطلاحي، قلنا في الحديث المشهور: إنه ينقسم إلى قسمين: مشهور اصطلاحي، وهو ما روه ثلاثة فأكثر لا بد أن يتوفر فيه العدد ومشهور غير اصطلاحي هذا يقصد به ما اشتهر على الألسنة مشهور بين الناس ، وهذا مشهور على ألسنة من ؟ على ألسنة فئة من الناس وهم المحدثون ، هم يمثلون دائمًا بهذا الحديث فأصبح مشهورًا عند المحدثين ، " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت على رعل وذكوان وعصية " هذا سيأتي إن شاء الله معنا.
يعني أيهما أرجح مذهب مسلم أم مذهب البخاري في اشتراط اللقيا ؟ مسلم اكتفى بالمعاصرة والبخاري اشترط اللقيا، فأيهما أرجح؟ هذا في الليلة القابلة سيأتي معنا إن شاء الله.
(سؤال غير مسموع)
س: السؤال يقول: إذا كان الحديث له علة فهل هذه العلة توجب رد الحديث مثل حديث أسماء الذي ذكرناه ؟(1/85)
ج: أقول: نعم مثل حديث أسماء العلة توجب رد الحديث بهذه الصورة اللهم إلا أن يتبين؛ لأن الذهبي توقع توقعًا حينما قال: لعلها أختها سلمى لكن هذا التوقع قد يكون صحيحًا وقد لا يكون فيصبح في الحديث يعني سبب من أسباب الضعف لم يتبين لنا ، المهم أن هذه العلة دلت على أن في الحديث شيئًا لكن إذا كان هناك حديث هناك من العلماء من أعله، مثل حديث أبي سفيان الذي ذكره الأخ، والحديث في صحيح مسلم: " أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهبك ابنتي أم حبيبة ... " يعني يزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: كيف أبو سفيان قال هذا الكلام بعد فتح مكة؛ لأن أبا سفيان ما أسلم إلا بعد ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم مع العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج أم حبيبة قبل ذلك فهل هذه العلة صحيحة ويعل هذا الحديث في صحيح مسلم أو لا ؟
إن شاء الله التفضيل في الكلام عن هذه العلة سيأتي معنا إن شاء الله في شرح صحيح مسلم إن كان بعض الإخوة يحضر، لكن على كل حال أنا أقول: إنها ليست علة قادحة، لماذا؟ لأن هناك توجيهات لبعض العلماء لهذه العلة لإزالة الطعن في هذا الحديث الذي في صحيح مسلم، فقالوا: إن أم حبيبة التي ذكرها أبو سفيان ليست هي أم حبيبة التي هي تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- .
هذا أحد الأجوبة فقد تكنى الأخت بكنية أختها صحيح قد يشكل عليكم مثلًا كيف النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين أختين؟ والجواب أن هذا ما حصل ومنهم من قال: بل المقصود تأكيد النكاح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم حبيبة حينما كانت مهاجرة في الحبشة، فلم يعقد لها أبوها أبو سفيان، فأراد تأكيد عقد النكاح فهذا من الأجوبة التي قيلت.
وهناك أجوبة أخرى إن شاء الله سيأتي الجواب عليها في حينها؛ لأني لا أستحضرها الآن على كل حال العلة منتفية عن هذا الحديث الذي في صحيح مسلم.(1/86)
مثال على الشذوذ، الأمثلة على الشذوذ كثيرة في الحقيقة يعني حينما يأتينا حديث مثلًا يرويه الشافعي عن مالك بن دينار عن عبد الله بن عمر مثل حديث " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له " قالوا: أصحاب مالك كلهم يرويه هذا الحديث بهذا للفظ إلى الشافعي، فإنه تفرد بقوله " فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "
أنا الآن أتى بهذا المثال للتقريب فقط لا لأجل تحقيق أن الشافعي فعلًا شذ في هذه الرواية فمنهم من اتهم رواية الشافعي أو رمى رواية الشافعي هذه بالشذوذ والشافعي إمام ثقة لكن أصحاب مالك العدد الكثير كلهم يروونه عن الإمام مالك بلفظ " فاقدروا له " إلا الشافعي قال: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " فالآن قالوا: هذا مثال يمكن أن يمثل به للشذوذ، فالشافعي خالف العدد الكثير وهو ثقة فخالف العدد الكثير في هذه اللفظة هم يقولون " فاقدروا له " والشافعي يقول: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " هذا مثال يمكن أن يمثل به للشذوذ.
من الحقوق التي تجب تأديتها شكر الله -تعالى- على تيسيره لمثل هذه الدورة التي يجمع فيها لنا المشائخ وطلبة العلم في مكان واحد بدلًا من أن نتعب أنفسنا لمطاردتهم في كل مكان فجمعوا لنا في مكان واحد وهم متهيئون ومستعدون لتعليمنا ما قد نجهله من علم ديننا فهذه نعمة، ولم تكن هذه موجودة بهذه السهولة وهذا اليسر عند سلف الأمة، وكم كانوا يتمنون لو أن الشيوخ يجمعون لهم في مكان واحد كانت هذه من أعظم الأماني عندهم، لكنهم كانوا أصحاب جد أصحاب صبر ومثابرة وإخلاص لله -جل وعلا- في تلك الأعمال مسلم -رحمه الله- تعالى في صحيحه اجتهد في إخراج حديث من عدة طرق فلما رأى أنه أفاض وأكثر من ذكر طرق ذلك الحديث أعقبه بإسناد قول إلى أحد الأئمة وهو يحيي بن أبي كثير.(1/87)
ذكر مسلم -رحمه الله- بإسناده عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: "لا يستطاع العلم براحة الجسد". نعم أيها الإخوة العلم لا بد من أن يتحمل الإنسان في سبيله شيئًا من التعب والأذى ولا بد من التضحية ونحن -بحمد الله- كما أن المشايخ وطلبة العلم جمعوا لنا في مكان واحد فأيضًا أمكنة مهيأة -ولله الحمد- إضاءة، وتكييف وراحة ما بعدها راحة، ووقت فراغ للكثير منا فهذه نعمة.
أما السلف فكان بعضهم يتحمل في سبيل تحصيل العلم ما يتحمل بل ويحتمل من أذى الشيوخ ما يحتمل أما احتمالهم لما يحصل لهم من جراء الطلب فهذا حبر الأمة عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- ما كان يأتي إلى بيت الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمكث عند بابه والرياح تصبو عليه وتذرو والشمس اللاهية تصلاه من أعلى وهو ينتظر خروج ذلك الصحابي حتى يأخذ عنه حديثًا أو حديثين أو أكثر فيخرج ذلك الصحابي فيفاجأ بابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند بابه فيقول. يا ابن عم رسول الله ما يمنعك أن تطرق عليّ الباب فأخرج إليك فيرفض ذلك ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وحجته أنه لا بد من الاحتمال في سبيل الطلب.
ومثل هذا أيضا حصل لعروة بن الزبير -رحمه الله ورضي عن والده- فإنه أيضًا كان يمكث عند باب الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصورة في شدة الحر حتى يخرج وكان هذا ديدنهم. كيف لو أن الواحد منا رفسه شيخه كما رفس أبو نعيم الفضل بن دكين يحيي بن معين ، وهو إمام، هل الواحد منا يحتمل مثل هذا الموقف.
كيف لو أن الواحد منا قال له شيخه يا بارد بمحضر من الناس كما قال ابن خزيمة -رحمه الله- لتلميذه ابن حبان، وهو إمام، حينما أكثر عليه من السؤال فقال تَنَحَّ عني يا بارد فقام ابن حبان وكتبها. كتب هذه الكلمة فقال له الذي معه: تكتب هذه الكلمة؟ قال: نعم والله لأكتب عنه كل شيء.(1/88)
كيف لو أن الواحد منا ابتلي بمثل الأعمش -رحمه الله- وكان في خلقه حِدَّة يأتيه الطالب من طلابه فلا يكاد يظفر منه إلا بحديث أو حديثين وقصة وكيع معه مشهورة، وهي أن وكيعًا حينما جاءه ليأخذ عنه العلم قال: من أنت؟ قال: أنا وكيع قال: من أبوك؟ قال: الجراح بن مليح، وكان والد وكيع هو الذي يتولى إنفاق الخراج على مثل الأعمش وغيره فاستغل الفرصة الأعمش قال: اذهب وائتني بعطاء من عند والدك وأحدثك خمسة أحاديث إذا جئت بالعطاء أحدثك خمسة أحاديث، فاشترط عليه هذا الشرط. هذا عسر في أخلاق الشيوخ يسمونه عسرًا.
الواحد منا لو قابل شيخًا مثل هذا الشيخ لأخذ يتكلم في عرضه وينبذه وما إلى ذلك مما لا يخفى عليكم، لكن السلف لا ما كان هذا خلقهم بل كانوا يحتملون ويصبرون ويعرفون أنه لا بد من التحمل لأجل أخذ هذا العلم، ولو أن الواحد منهم استنكر واستكبر وما إلى ذلك لما ظفروا بما ظفروا به من الطلب، أقول: هذا يعني تعليقًا على كلمة الإمام أثابه الله، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى.
نحاول أن نراجع مراجعة سريعة لما أخذناه ليلة البارحة. تكلمنا عن الحديث الغريب أو الفرد كلاهما لفظان مترادفان فمن من الإخوة يعرف الحديث الغريب أو الفرد؟ تفضل: هو ما رواه راوٍ واحد سواء أو ما انفرد بروايته راوٍ واحد أيا كان ذلك الانفراد في الأعلى أو في أثناء السند، المهم هذا هو التعريف الإجمالي هل له أقسام؟ له قسمان: فرد مطلق وفرد نسبي.
الفرد المطلق هو ما كانت الغرابة فيه في أصل سنده، والفرد النسبي ما كانت الغرابة فيه في أثناء السند بالنسبة لراو معين أو جهة معينة.
ما المراد بأصل السند؟ ما كان من جهة الصحابي لا بد أن يكون الصحابي نفسه أو يمكن أن يكون غير الصحابي؟ يمكن أن يكون مخرج الحديث يعني من دون الصحابي لكن أيها أكثر وجودًا؟ أصل السند في الصحابي دائمًا(1/89)
الأكثر أن يكون في الصحابي حينما نقول بالنسبة لراوٍ معين، هذا بالنسبة للفرد النسبي هل يمكن لأحد الإخوة أن يمثل بمثال.
(كلام غير مسموع).
يستغربون هذا الصنيع كيف أن الزهري -رحمه الله- برغم كثرة طلابه ما يروي عنه هذا الحديث إلا الإمام مالك فقط، طيب إذا قلنا بالنسبة لجهة معينة هل يمكن لأحد الإخوة أن يمثل؟ نعم. كأن يكون الحديث من جميع طرقه ما يرويه إلا أصحاب جهة معينة كأهل الحجاز وأهل الشام أو غير ذلك من أهل تلك الجهات فيقال: هذا حديث تفرد به أهل الحجاز.
طيب هل يلزم من التفرد أن يكون الحديث غريبًا غرابة مطلقة؟ التفرد الذي بهذه الصورة يعني حينما نقول: تفرد به أهل الحجاز مثلًا هل يلزم أن يكون غريبًا مطلقًا؟ ما يلزم قد يكون الحديث مشهورًا قد يكون مرويًا مثلًا من خمسة طرق، فلا يلزم من هذا أن يكون غريبًا غرابةً مطلقة، قد يكون غريبًا غرابة مطلقة، وقد يكون عزيزًا، وقد يكون مشهورًا، المهم أنه إذا ما نظرنا إلى روايته فإنه لا يرويه إلا أصحاب جهة معينة مع غض الطرف عن تلك الطرق.
هل هي كثيرة أو قليلة ولو طريقًا واحدة هل هناك مصنفات صُنِّفَت في الغريب غرابة نسبية؟ مثل غرائب مالك لمن ؟ للدارقطني وأيضًا فيه غرائب مالك لمن؟ لابن عساكر. وهل هناك أيضًا شيء من الكتب. كتاب "الأفراد" لمن؟ للدارقطني أيضًا. كل هذا من الغريب غرابة نسبي.
طيب يعني هذه مراجعة سريعة والآن نبتديء في درس هذا اليوم وهو الكلام عن الحديث الصحيح والحديث الحسن إن أمكن إن شاء الله.
يقول الحافظ -رحمه الله- :
الحديث الصحيح لذاته
وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته .(1/90)
أنا نسيت يعني مسألة الحفظ هل هناك أحد من الإخوة يريد يسمع؟ طيب "وخبر الآحاد بنقل عدل تمام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته" الآن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بكلامه هذا يعرف لنا الحديث الصحيح لذاته. قبل أن ندخل في ثنايا هذا التعريف أيها الإخوة أنا أقدر أن بيننا يمكن من ليس له سابق معرفة بعلم الحديث فلا بد من تصوير طريقة تلقى الحديث حتى يعرف ما المراد بمثل هذا الكلام وما سيأتي من الكلام.
تعرفون أيها الإخوة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في معظم أحواله يجلس بين صحابته -رضي الله تعالى عنهم- مثل هذه الجلسة. النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدثهم وهم عنده مع فارق التشبيه. سواء بيني وبين النبي أو بينكم وبين صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن المراد تقريب الصورة لكم فحينما يحدثهم بحديث من الأحاديث الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يسمعون كما تسمعون.
فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحتاج الناس لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم من لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فتفرق الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في الأمصار ينشرون العلم فهناك من ذهب إلى بلاد الشام، وهناك من ذهب إلى مصر، وهناك من ذهب إلى اليمن، وهناك من ذهب إلى العراق سواء البصرة أو الكوفة، وهناك من ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك كبلاد خراسان تفرقوا -رضي الله تعالى عنهم- ينشرون العلم الذي حُمِّلوا إياه.
حتى إن بعض ذلك التفرق كان عن عمد مثل ما صنع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما أرسل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - إلى أهل الكوفة وكتب لهم كتابًا يقول فيه: "يا أهل الكوفة لقد أثرتكم بعبد الله على نفسي" يعني بودي أن يكون عبد الله بن مسعود عندي أستفيد من علمه. فإنه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " كنيف مليء علمًا "(1/91)
لكنه أراد أن ينشر هذا العلم في الأمصار فأرسل عبد الله بن مسعود إلى أهل الكوفة؛ لأن الكوفة كانت في ذلك الزمان هي أحد ثغور الإسلام، وكان يقطنها كثير من الناس وفعلًا نفع الله أهل الكوفة بمثل عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-. لما تفرق الصحابة كان الواحد منهم يجلس أمام الناس كما جلس هو أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجلس أمام الناس ويحدثهم بأحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وكانوا مع ذلك حذرين أشد الحذر، فمثلًا عبد الله بن مسعود كان إذا أراد أن يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذته رعشة وتصبب العرق من جبينه؛ لأنه يعرف ما معنى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فهو يضع نصب عينيه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: " من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار "
فكان هذا معروفًا عنه وعن غيره أيضًا من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-مثل أنس بن مالك كان إذا حدث بحديث قال : أو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نحو هذا، يخشى أن يكون أخَلَّ بحرف فيقع في ذلك الوعيد، الذي يتلقى عن الصحابة وهم في مجالسهم هذه هم التابعون.
فإذن الآن تصوروا كيف ينتقل الحديث ؟ النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي، الصحابة بَلَّغُوا الحديث لمن بعدهم امتثالًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " ولقوله - صلى الله عليه وسلم - " نَضَّرَ الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع " التابعون هم الذين اتصلوا بالصحابة.
ذهب جيل الصحابة ماتوا أصبح الذي موجود على الوجود هم التابعين الذين تحملوا الحديث عن صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم الذين احتلوا المكانة بعد ذلك. جلسوا كما جلس الصحابة وأخذوا ينشرون العلم في طبقة أتباع التابعين. والتابعي هو من سمع الصحابي.(1/92)
والصحابي هو من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباع التابعين هم الذين سمعوا من التابعين. أجيال يَخْلُف بعضها بعضًا.
أتباع التابعين سمعوا الحديث من التابعين، ويعني كان عندهم حرص على جمع أكبر عدد من الأحاديث ممكن، فني جيل التابعين بقي جيل أتباع التابعين بَلَّغُوا العلم لتبع الأتباع من بعدهم.
وهكذا مازال الحديث يتنقل جيلًا بعد جيل، وكل واحد من أولئك الرواة يسمع الحديث من شيخه، فإما يحفظه حفظا في صدره، وإما يكتبه كتابا وكان الكثير يكتب وبخاصة في طبقة أتباع التابعين فمن بعدهم.
نعم كانت الكتابة موجودة في وقت الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- لكنها قليلة لأسباب لا أرى أن أسهب في ذكرها لعلها تأتي إن شاء الله، ولما جاء التابعون انتشرت الكتابة فيهم أكثر مما كانت عند الصحابة، لكن لما جاء أتباع التابعين انتشرت الكتابة وأصبح التدوين معروفًا، فَقَلَّ من إمام في ذلك العصر إلا وصنَّف مصنفًا في الحديث، وأصبح جميع حديثه مكتوبًا عنده ومُدَوَّنًا.
ثم هكذا من جاء بعدهم ما زال التصنيف يأخذ شيئا من الإبداع والتفنن يتمثل هذا في ترتيبهم الحديث على مسانيد أو ترتيبه على أبواب الفقه، وانتقاء بعضهم الصحيح من الحديث، وترك ما لم يصح وهكذا، فإذا وضعنا في مخيلتنا طريقة التلقي هذه بل ما هو أبعد من هذا يعني أفضل دائمًا لطالب العلم أن يكون كأنه مشرف على الناس كأنه يطلع عليهم من أعلى وينظر تلك الأجيال وهي يخلف بعضها بعضًا فهذا هو الامتداح الذي امتدح به ابنُ ناصر الدين الذهبيَّ -رحمه الله تعالى- والذهبي هو مؤرخ الإسلام يقول: "إنه كأنه مشرف على الناس يجرح فيهم ويعدل ويذكر عنهم كل ما يتصل بشئونهم" .(1/93)
ولذلك علم الرجال والتاريخ هو من أهميات علم الحديث؛ لأن علم الحديث وثيق الصلة جدًا بعلم التاريخ، وبخاصة علم الرجال من علم التاريخ، فلو أن الواحد منا وضع في ذهنه هذا التصور كأنه ينظر إلى تلك الأمم، وكل جيل فيه فلان وفلان وفلان أو كل عصر فيه فلان وفلان وفلان من تلاميذ فلان ومن شيوخ فلان، وهكذا بهذه الصورة فهذا يسهل عليه تمامًا معرفة الحديث، هل هو صحيح أو غير صحيح؟ كما سيأتي إن شاء الله معنا من شروط الحديث الصحيح.
أضرب لكم مثالًا على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حدث بحديث مثلًا " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " تلقى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدد من الصحابة من جملتهم أبو هريرة.
توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء أبو هريرة ليحدث التابعين فأخذ يحدث هذا الحديث. من جملة من تحمل هذا الحديث عن أبي هريرة الأعرج تلميذه ، فتلقى الأعرج هذا الحديث عن أبي هريرة. لما توفى أبو هريرة حدث الأعرج بهذا الحديث تلاميذه من أتباع التابعين. فمن جملة من تحمل هذا الحديث عن الأعرج تلميذه أبو الزناد.
انقرض عصر الأعرج أو توفي الأعرج فبقي الناس محتاجين إلى علم أبي الزناد فحدثهم بالحديث الذي سمعه من الأعرج، والأعرج سمعه من أبي هريرة ، وأبو هريرة سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدَّث الناس بهذا الحديث.
من جملة من أخذ هذا الحديث عن أبي الزناد الإمام مالك. فني عصر أبي الزناد وتوفي أبو الزناد بقي الناس محتاجين إلى الإمام مالك، بدأ الإمام مالك يبث الحديث في الناس وألَّف كتابه المشهور الموطأ، فمن جملة ما فيه هذا الحديث الذي تلقاه عن أبي الزناد من جملة من أخذ هذا الحديث عن الإمام مالك تلميذه عبد الله بن يوسف التنسي الذي هو شيخ البخاري توفي الإمام مالك.(1/94)
جاء الناس بعد ذلك أصبحوا محتاجين لعلم الإمام مالك فتلقوه عن تلاميذ الإمام مالك ومن جملتهم عبد الله بن يوسف هذا فجاء البخاري وروى هذا الحديث عن عبد الله بن يوسف وأودعه في صحيحه الذي يعتبر أصح الكتب بعد كتاب الله -جل وعلا-.
هذه أيها الإخوة هي طريقة تلقي الحديث، كل الأحاديث تأتي بهذه الصورة إسناد الراوي الأدنى يرويه عن الراوي الأعلى، والأعلى يرويه عمن هو أعلى منه حتى يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نحن بهذه الصورة حينما ننظر للحديث، العلماء ينظرون للحديث من جهتين في الغالب:
هل هؤلاء الرواة الذين يرون هذا الحديث يتصفون بصفتين، وهي صفة العدالة بحيث يكون الواحد منهم موثوقًا في دينه يضمن تمامًا ألا يكذب وأيضًا لا يكون في دينه جرح كأن يكون مثلًا فاسقًا مرتكبًا أمرًا مفسقًا أو غير ذلك.
والشرط الثاني يعني حتى لو كان الإنسان دَيِّنًا ممتدحًا في دينه يعني إلى الغاية لا يكفي هذا عندهم بل لا بد أن تكون حافظته جيدة لا يكون مغفلا لا يكون ضعيف الحافظة لا بد أن يتوفر هذان الشرطان في الراوي نفسه: العدالة والضبط، فإذا توفر هذان الشرطان فإنهم يحكمون على هذا الراوي بأنه ثقة أي أنه مقبول الحديث اتصف بهاتين الصفتين العدالة والضبط.
هل يكفي هذا عندهم للحكم على الحديث بالصحة لا. يقول لا بد أن نتأكد أيضًا أن هذا الراوي الذي وصف بأنه ثقة سمع هذا الحديث من شيخه؛ لاحتمال أن يكون لم يسمعه من ذلك الشيخ فيكون بينهما واسطة، وهذا الواسطة غير مقبول الحديث إما ضعيفًا في حفظه أو مقدوحًا في عدالته، فلا بد أن نتأكد أنه سمع هذا الحديث من شيخه، والشيخ أيضًا سمع الحديث من شيخه الذي هو فوقه، وهكذا حتى يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى أن السلسلة لا بد أن تكون متصلة الحلقات.(1/95)
لو انفصلت حلقة من حلقات السلسلة نعرف أن السلسلة تنقطع لو أن هناك ثريا ممسوكة بسلسلة لابد أن تكون هذه السلسلة متصلة الحلقات لو انقطعت حلقة ماذا يحصل لهذه الثريا؟ تسقط وهكذا أيضًا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لو فقدت حلقة من هذه الحلقات يصبح الحديث ماذا؟ يصبح الحديث ضعيفًا، فهذا أكثر ما ينظرون إليه في السند.
هناك أيضًا نظر للمتن لا يكفي أحيانًا قد يكون السند ظاهره الصحة، لكن المتن فيه علة تدل على أن هذا المتن غلط؛ ولذلك المحدثون لا يلتفتون فقط للسند كما يرميهم بعض الناس. لا بل هم أيضًا ينقدون المتن إذا كان المتن غلطًا، فإنهم أيضًا يبينونه، وهذا ما سيأتي -إن شاء الله- تفصيله معنا.
أردت أن أتكلم بهذا على أساس أُقَرِّب المعنى للأذهان حتى إذا تكلمنا بالشروط (شروط الحديث الصحيح) كل واحد يصبح منا عنده خلفية عن ماذا نريد بهذا الشرط؟ .
فيقول في تعريف الحديث الصحيح: هو ما اتصل سنده
فالحافظ ابن حجر الآن يتكلم عن تعريف الحديث الصحيح الذي يمكن أن نستخلص منه شروط الحديث الصحيح. -لاحظتوا الكلمة هذه- ما اتصل سنده مثلما قلت لكم في الثريا لا بد أن تكون السلسلة متصلة الحلقات وإلا يسقط فيقول: هو ما اتصل سنده بمعنى أن كل تلميذ سمع هذا الحديث من شيخه فهذا ما يسمى باتصال السند.
هو ما اتصل سنده بنقل من العدل
لاحظوا التام الضبط فلا بد أن يتصف الراوي بالعدالة وأيش؟ والضبط هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط. هذه ثلاثة شروط.
عن مثله إلى منتهاه
هذه كلمة مرادفة لاتصال السند يعني مثلما نقول: عطف بيان.(1/96)
ما المراد باتصال السند أي أن يكون كل واحد من هؤلاء الرواة روى هذا الحديث عن شيخ هو أيضا مثله في العدالة وتمام الضبط عن مثله إلى منتهاه يعني إلى أن يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءنا بعد ذلك شرطان هما اللذان يلزم توفرهما في المتن وأيضًا حتى وفي السند. وألا يكون شاذًا ولا معللًا، أو من غير شذوذ ولا علة هذه خمسة شروط، لا بد من توفرها في الحديث الصحيح "ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
نأتي الآن لنفصل في هذه الشروط لنعرف ما مرادهم بها قبل ذلك أقول: إن الحديث كما أشرنا إليه قبل ذلك ينقسم إلى قسمين: مقبول ومردود.
المقبول يدخل تحته أنواع أربع: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره .
هذه الأنواع الأربع هي الآتي تفصيلها كلها يطلق عليها القبول يعني هذا هو الحديث المقبول، فالحديث المقبول إما أن يكون فيه أعلى درجات القبول، أو ما هو دون الأعلى.
عبروا بالأعلى بتمام الضبط وبما هو دون الأعلى خفة الضبط حينما قال في تعريف الحديث الصحيح هنا: هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط، دل على أن هناك من هو خفيف الضبط، وهذا هو راوي الحديث الحسن الذي سيأتي -إن شاء الله- الكلام عليه يعني حتى تعرفوا أن الحديث الحسن والحديث الصحيح تعريفهما واحد ما عدا هذا القيد فقط.
فالحديث الصحيح لا بد أن يتوفر فيه تمام الضبط، وهو أعلى حد، والحديث الحسن يكون دونه بحيث يكون الراوي فيه خفة في ضبطه ليس كراوي الحديث الصحيح.
ما مرادهم باتصال السند حينما قال: هو ما اتصل سنده؟ المراد أن يكون كل راوٍ سمع ذلك الحديث من شيخه، والشيخ سمع من شيخه أيضًا، وهكذا حتى يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي إذا كان الحديث موقوفًا على الصحابي. هذا واضح إن شاء الله.(1/97)
ما مرادهم بالعدالة: اتصال السند مرادهم به أن يكون كل راو سمع ذلك الحديث من شيخه والشيخ سمعه أيضًا من شيخه الذي فوقه، وهكذا حتى يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي.
العدالة أولًا: لا بد من تعريف العدالة ما مقصودهم بالعدالة: قالوا في تعريف العدالة: هي ملكة يعني مثل ما نقول موهبة. ملكة تحمل الإنسان على ملازمة التقوى والبعد عن خوارم المروءة.
ما مرادهم أيضًا بهذا الكلام؟ قالوا: ملازمة التقوى أي أن لا يكون الراوي موصوفًا بشرك أو فسق أو بدعة يعني سالمًا من هذه الأمور، أي: أنه إنسان موصوف بالتقوى والصلاح في دينه ليس في دينه ما يخدشه. هذا واضح إن شاء الله.
البعد عن خوارم المروءة لا يكفي مسألة التدين فقط بل أضافوا لها ما يسمى بخوارم المروءة. خوارم المروءة أي ما يخالف أعراف الناس المعتبرة، أضرب لكم مثالًا على ذلك لو أن هناك إنسان تقي صالح زاهد يعني دينه ليس فيه مطعن، لكن وجدناه والله على الرصيف أمامنا وما عيه إلا سروال وفانلة وجالس وباسط الأكل ويأكل بشراهة أمام الناس وحاسر عن رأسه بهذه الصورة ألا يلتفت الناس إليه ويعتبرون هذا الصنيع منه فيه شيء يدل على تأثر عقله أو خفة فيه؟ هذا شعور موجود.
قالوا: إذن هذا الإنسان الذي لا يبالي بأعراف الناس ويضرب بأعراف الناس عرض الحائط يدل على أن مثله ينبغي أن يصان حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتحمله إلا أشراف الرجال عقلاء الناس.(1/98)
أما الذين بهذه الصورة ليس فقط يعني هذا المثال لكن ضربته لأجل التقريب لكن كل ما يمكن أن يخدش الإنسان من حيث يعني أن يتكلم في عرضه، ولو لم يكن ذلك محرمًا يعني مثلًا هذا الإنسان هل محرم عليه أن يبقى بفانلة وسروال ما دام ساترًا لعورته ليس ذلك حرامًا عليه. هل حرام عليه أن يأكل على الرصيف؟ ليس ذلك حرامًا عليه. لكن المسألة مسألة عرف جار ما ينبغي للإنسان أن يخالف ذلك العرف، إذا لم يكن ذلك العرف يعني مخالفًا لصحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أما لو كان العرف مخالفًا لصحيح السنة فهذا لا نبالي به إطلاقًا.
فهذا ما يسمى بخوارم المروءة يعني ما يخرم مروءة الإنسان أمام الناس فإذا توافر هذان الشرطان في الراوي يقال له: عدل متصف أو ملازم للتقوى سالم من خوارم المروءة طبعًا هذا بعد أن تتوفر فيه شروط أخرى فيكون مسلمًا بالغًا عاقلًا فلو كان مثلًا كافرًا هذا لا يقبل حديثه عند أهل الحديث لو كان صغير السن دون البلوغ لا يقبلون حديثه. لو كان في عقله شيء لا يقبلون حديثه.
لكن هذه الأمور كلها أو بعضها في حال التبليغ يعني في حال تأدية الحديث لكن في حال تحمل الحديث يصح مثلًا لو كان هناك إنسان سمع الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر ثم توفى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم بعد ذلك ثم حدث بذلك الحديث الذي تحمله حَالَ الكفر، هذا يصح أم لا يصح؟ نقول: يصح لأنه أدى الحديث في حال إسلامه، وإن كان تحمله في حال كفره كذلك أيضًا لو كان تحمل الحديث وهو صغير ثم بلغه بعدما بلغ سن الرشد، فهذا يقبل حديثه لكن كونه يحدث بذلك الحديث، وهو صغير السن لا يقبل حديثه عند العلماء هذا بالنسبة لما نسميه مسألة العدالة انتهينا منها.
نأتي لمسألة الضبط: قال: ما اتصل سنده بنقل عدل التام الضبط .(1/99)
ما المراد بالضبط؟ قالوا : الضبط ينقسم إلى قسمين: ضبط صدر، وضبط كتاب. ضبط الصدر اشترطوا فيه أن يكون الراوي حافظًا ضابطًا لحديثه لم يطرأ عليه ما يقدح في حفظه. ما معنى هذا؟ إذا كان الإنسان أعطاه الله -جل وعلا- حافظة إما قوية أو على الأقل يعني مثل بقية الناس بحيث لا تكون حافظة ضعيفة، فهذا يسمونه إذا كان ما يلقى إليه يحفظه ويضبطه هذا يسمونه ضبط صدر أو حفظ صدر، يعني ما يحتاج إلى كتاب.
هذا ممكن يستمر معه حفظه إلى أن يتوفاه الله فهذا هو الضابط لكن أحيانًا بعضهم يبتلى بشيء اسمه الاختلاط يكبر في السن، فإذا كبر في السن خرف حدث عنده اختلال في عقله فاضطربت عليه الأحاديث ففي هذه الحال هم يميزون.
المحدثون لا يهدرون حديث الراوي هذا كله لكن يقولون: ننظر إلى الرواة الذين رووا الحديث عنه هؤلاء الرواة الذين تلقوا الحديث عن هذا الرجل هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام فبعضهم سمع منه الحديث في حال صحة عقله قبل أن يخرف قبل أن يختلط فهؤلاء هم الذين يجعل المحدثون حديثهم صحيحًا ، يعتبرون يعني حالة الاختلاط كأنها حالة وفاة، فكأن هؤلاء الذين رووا عنه في تلك الحالة سمعوا منه في حالة حياته الفعلية، وهناك أناس ما سمعوا منه إلا بعدما اختلط بعدما خرف بعدما ضعفت حافظته فهؤلاء عندهم حديثهم ضعيف.
هناك بعض الرواة يسمع من الراوي في حال قوة حافظته في حال صحة عقله وبعدما اختلط فالمحدثون -حيطة لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوقفون عن قبول حديث هؤلاء ويلحقونه بالصنف الثاني، وهم الذين سمعوا بعد اختلاط لعدم تميز حديثهم.(1/100)
بعض الرواة لا يتميز حديثهم يعني يختلط لكن لا يعرف من الذي روى عنه قبل الاختلاط ومن الذي روى عنه بعد الاختلاط فعندنا مثلًا من الصنف الأول أبو إسحاق السبيعي اختلط لكن عرف أن مثل شعبة وسفيان الثوري وأمثالهم هؤلاء رووا عنه في حال سلامته فحديث هؤلاء عنه صحيح، لكن مثل سفيان بن عيينة سمع منه بعدما اختلط فحديث سفيان عنه فيه ما فيه من الضعف لكن عندنا مثلًا الليث بن أبي سليم هذا الراوي كما يقول الحافظ ابن حجر اختلط حديثه فلم يتميز فتُرِكَ يعني لم يعرف متى اختلط فما تميز صحيح حديثه من سقيمة فترك حديثه كله فهذا مقصودهم بضبط الصدر.
أما ضبط الكتاب فقد يكون الراوي لم يعطه الله -جل وعلا- قوة حافظة لكنه يستعيض عن هذا بالكتابة فيقول حتى ولو لم تكن حافظته قوية لكن أنا كل ما يقوله الشيخ أكتبه فتجده صاحب كتاب. فهل يكفي هذا أنه صاحب كتاب ؟ قالوا لا. بشرط أيضًا أن يعرف أنه صان كتابه لم يسلمه لأحد يلعب فيه أو لم يتطرق إليه الشك في كتابه. كيف؟ بعضهم يتساهل فيدفع حديثه لبعض الطلبة غير الموثوقين فتجد بعضهم يكتب فيه أحاديث لم يسمعها هو في الحقيقة من شيخه فيبدأ يحدث بهذه الأحاديث وكأنه سمعها وهو لم يسمعها.
وبعض الطلاب يكون فيه من نوع العفرته كما نسميه فتجد إما فيه فسق أو يكن ناقمًا على ذلك الشيخ أو ما إلى ذلك فيدخل الموضوعات في كتاب الشيخ يلحقها فيه فيسقط حديث ذلك الشيخ وأحيانًا نفس الشيخ لا يكون له أدنى سبب لكنه يبتلى ابتلاء فبعضهم مثلًا يكون له ابن والإنسان لا ينفك عنه ابنه. ابنه معه في البيت فهذا الابن يأتي بكتاب والده فيدخل فيه الموضوعات وهذا الوالد عن سلامة نية يأتي فيحدث هذه الأحاديث وكأنه سمعها؛ لأنه لا يحفظ حفظه حفظ كتاب فيحدث بهذه الأحاديث وكأنه سمعها من شيوخه.(1/101)
فعلماء الحديث كل هذه يتنبهون له -ولله الحمد- فتجدهم يذكرون أحاديث هذا الراوي وجدوا فيها المناكير بدءوا يتكلمون فيه ويسقطون حديثه مثل قيس بن الربيع. فهو لو نظرتم في ثناء الأئمة عليه في دينه يعني ما فيه مَطْعَن هو إمام في دينه لكن حديثه متروك بسبب ماذا؟ قالوا: لأن ابنه أدخل في كتابه ما ليس من حديثه فحدث به فترك حديثه.
بعضهم يكون له جار سوء مثل عبد الله بن صالح كاتب الليث فجاره هذا يستطيع يقلد خطه فأصبح يكتب الحديث في الرقاع ويرميها في بيت عبد الله بن صالح فهو يظن أن هذه الرقاع من كتبه فيأخذها ويضعها ويحدث بها فأصبح يحدث بالمناكير فأسقطوا حديثه لهذا السبب فهذا كله من نوع عدم ضبط الكتاب.
كذلك أيضًا مثل سفيان بن وكيع هو إمام لكنه اتخذ وراقًا يعني الذي ينسخ له، لكن هذا الوراق ليس بثقة فأصبح يدخل على سفيان بن وكيع بعض الأحاديث التي ليست من حديثه فجاءه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان فنصحاه فقالوا له: إنك دخل في حديثك المنكرات وكل هذا البلاء نرى أنه بسبب وراقك فشكا لهما قال: ماذا أصنع؟ قالا : نحن نكفيك. هما إمامان نقادان مثل الصيارفة. الصيرفي تجده يضرب بالجنيه الأرض يعرف هذا الجنيه صافي ولا ما هو صافي.
يعني ما يحتاج ميكروسكوب ولا آلات تكتشف الزيف فهؤلاء أيضًا نفس الشيء قالوا: نحن نكفيك نستطيع نميز صحيح حديثك من سقيمه، لكن بشرط أن تبعد هذا الوراق السيئ إذا أبعدته نحن نميز لك حديثك ويصفو لك حديثك، وتسلم عند العلماء.(1/102)
فظن أنه انصاع لنصحهما فوجدا أنه بعد ذلك مازال مُصِرًّا على اتخاذ هذا الوراق فتكلما فيه ، وتكلم فيه بقية الأمة فسقط حديث سفيان بن وكيع هذه أمثلة والأمثلة كثيرة في الحقيقة كلها تدل على أنهم يشترطون في حفظ الكتاب أن يصون المحدث كتابه بحيث يسلم له حديثه لا يتطرق الشك أبدًا في أن هذا الحديث هو الحديث الذي سمعه من شيخه ودونه، فكان كثير منهم يحرص أشد الحرص على كتابه لا يدفعه لأحد إلا بحضوره مثل الإمام مالك -رحمه الله- كان أحيانًا يدفع الموطأ لتلميذه ويقول: اقرأ ، ويقرأ والناس ينسخون الأحاديث ثم يستلم الكتاب منه وهو حاضر، وإذا غلط التلميذ قَوَّمَ غلطه مثل هذا هو صيانة الكتاب.
أما الذي يدفع كتابه إلى من هب ودب فهذا يتكلمون فيه، فأظن -إن شاء الله- بهذا وضح المقصود بضبط الصدر وضبط الكتاب.
نعم يا أخي.
س: (سؤال غير مسموع)
ج: مسألة المتابعات هذه ستأتينا إن شاء الله، لكن يعني جوابًا لسؤالك أقول: نعم بشرط أن يكون يعني الحديث ليس فيه نكارة والمتابعة أيضًا ضعفها ضعفًا يسيرًا ؛ لأنهم لا يحكمون على كل الأحاديث التي رواها الراوي بعدما اختلط بأنها ضعيفة قد يكون حَدَّثَ بشيء حَفِظَه.
كذلك أيضًا الذي احترقت كتبه يعني أنواع الاختلاط كثيرة بعضهم مثلًا احترقت كتبه فأصبح يحدث مما علق من تلك الكتب بحفظه، مثل ابن لهيعة فهذا أيضًا اعتبروه من نوع الاختلاط، حَدَّثَ فاختلطت عليه الأحاديث، وقد يكون أيضًا زيادة الضعف الذي طرأ على حفظه بسبب فجيعة الحادثة حينما احترقت كتبه، وهذا ليس بالأمر الهين بعضهم مثل أبي بكر بن أبي مريم جاءه لصوص فسرقوا متاع بيته ففجيعة الحادثة أثرت على عقله فاختلط يعني أنواع الاختلاط كثيرة.(1/103)
بعد هذا نأتي للشرط الذي بعد هذا وهو عدم الشذوذ: الحقيقة أيها الإخوة الشاذ سيأتي -إن شاء الله معنا- يمكن في الليلة القادمة أو التي بعدها الكلام عليه مفصلًا لكن على أساس نعرف ما مقصودهم بالشذوذ. الشاذ فيه خلاف في تعريفه لكن الراجح هو ما ينفرد به الثقة أو ما يرويه الثقة مخالفًا من هو أوثق منه، أو أكثر عددًا ، هذا تعريف الشاذ المختار.
هو ما يرويه الثقة مخالفًا من هو أوثق منه ، أو أكثر عددًا. فأحيانًا نجد هذه المخالفة من الثقة تكون أحيانًا في الإسناد وأحيانًا في تكون المتن، فلو أن مثلا هناك بعض الثقات روى حديثًا يحلل أمرًا من الأمور وجاء ثقة وخالفهم في ذلك فذكر الحديث على أنه يحرم ذلك الأمر هذا يعتبرونه أي شيء؟ يعتبرونه شاذًا؛ لأن فيه مخالفة لمن هو أوثق منه أو أكثر عددًا .
وقد يكون في السند كأن يكون مثلًا بعضهم روى الحديث على أنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضهم يروي الحديث على أنه من قول الصحابي، هذا يسمونه اختلاف: هل الحديث مرفوع أو موقوف؟ يعني هل هو مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني من قول النبي -عليه لصلاة والسلام- أو موقوف يعني من قول الصحابي فهذا يمسونه أيضًا نوعًا من المخالفة.
فيرون مثلًا إذا كان الأكثر عددًا أو الأوثق هو الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبروا هذه هي الرواية الراجحة، والذي رواه بخلاف ذلك يعتبرونه شذوذًا هذا المقصود بالشذوذ، وسيأتي إن شاء لله فيه مزيد تفصيل.
بعد ذلك قال: ألا يكون شاذًا ولا معللًا. ألا يكون شاذًا عرفناه وألا يكون معللًا يحتاج هذا إلى معرفة العلة قالوا في تعريف العلة -وهذا التعريف اصطلاحي لها-: هي سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث.(1/104)
فاشترطوا لها هذه الشروط: أن تكون غامضة، خفية، وأن تقدح في صحة الحديث، لا بد من هذين الشرطين، هي سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث فلو كانت العلة ظاهرة هذه لا يسمونها علة اصطلاحية، وإن كان بعضهم قد يقول : علة هذا الحديث كذا وكذا، لكن في الاصطلاح يقصدون العلة بهذين الشرطين .
وأن تقدح في صحة الحديث، فلو كانت العلة علة يعني خفيفة ما تقدح في صحة الحديث فهذه أيضا لا يسمونها علة اصطلاحية، وإن كان بعضهم قد يسمي الحديث أيضا معلولا، وإن لم تكن تلك العلة قادحة لكن نقصد بالتعريف الاصطلاحي.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد - إخوتي في الله قالوا في تعريف العلة -وهذا تعريف اصطلاحي لها-: هي سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث. فاشترطوا لها هذه الشروط: أن تكون غامضة خفية، وأن تقدح في صحة الحديث. لابد من هذين الشرطين: هي سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث.
فلو كانت العلة ظاهرة، هذه لا يسمونها علة اصطلاحية، وإن كان بعضهم قد يقول: علة هذا الحديث كذا وكذا، لكن في الاصطلاح يقصدون بالعلة هذين الشرطين.
وأن تقدح في صحة الحديث فلو كانت العلة علة يعني خفيفة ما تقدح في صحة الحديث فهذه أيضًا لا يسمونها علة اصطلاحية، وإن كان بعضهم قد يسمي الحديث أيضًا معلولًا، وإن لم تكن تلك العلة قادحة لكن نقصد بالتعريف الاصطلاحي. يمكن بعض الإخوة ما يعرف إلا بالمثال. نمثل على هذا: نقول مثلًا:
إذا كان الحديث ظاهر سنده الصحة مروي بسند ظاهره الصحة، لكن في متنه شيء يدعو للتوقف، وأضرب لكم مثالًا على ذلك ، مثال كنت قررته على بعض الإخوة في بعض دروس المصطلح يمكن إذا كان بعضهم حاضرا لا يجيب يتيح الفرصة يعني للإخوة الجدد.(1/105)
روى عبد الرزاق في مصنفه والحاكم في مستدركه وغيرهم من حديث أسماء بنت عميس أنها قالت : " حضرت زواج فاطمة من علي -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- فبصر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من هذه ؟ قالت: فقلت: أسماء بنت عميس. قال: جئت في زواج ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: قلت: نعم. قالت: فدعا لي "
هذا الحديث فيه شيء غلط، يعني دعا الذهبي -رحمه الله- إلى أن يحكم على هذا الحديث بأنه غلط، حتى وإن كان ظاهر سنده الصحة. فما هو يا ترى الغلط في مثل هذه الرواية ؟ هي ليست زوجة عبد الله بن جحش، ولكنها زوجة من ؟ من يعرف أسماء بنت عميس زوجة من ؟ زوجة أبي بكر الصديق. هذا بعد ذلك لكن قبل. هي تزوجها ثلاثة من الصحابة. تزوجها أبو بكر، وبعدما توفي من تزوجها ؟ علي بن أبي طالب، وقبل أبي بكر كانت تحت من ؟ أحسنت بارك الله فيك كانت تحت جعفر بن أبي طالب. في وقت زواج فاطمة -رضي الله عنها-.
ولذلك أقول لكم: يعني.. علم الحديث موصول بالتاريخ. زواج فاطمة كان في السنة الثانية من الهجرة، وفي السنة الثانية من الهجرة كانت أسماء مع زوجها جعفر في أين؟ في الحبشة. كانوا مهاجرين ما قدموا إلا في السنة السابعة من الهجرة. فالذهبي -رحمه الله- مؤرخ فقال: هذا الحديث غلط لكن من فين جاء الغلط؟ الله أعلم.
قال: فلعلها أختها سلمى، ولعل الراوي غلط في أسماء، فالصواب أنها من رواية أختها سلمى فغلط وقال: أسماء؛ لأننا لا يمكن أن نقبل الحديث حتى ولو كان ظاهر سنده الصحة ؛ لأن متنه فيه غلط .
فمثل هذا يسمونه علة ؛ لأنها غامضة وخفية يعني تحتاج إلى إمام ليبرز هذه العلة حتى يبينها قالوا: سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث. فبلا شك أن هذه تقدح في صحة الحديث. يعني لا يمكن أن يقبل الحديث بهذه الصورة. هذا هو بالنسبة لتعريف العلة.(1/106)
الظاهر أن الأخ الذي اشتكى من الطول أنه مصيب لطوال شرحه لكن يعني الإيضاح يستدعيني في الحقيقة إلى الإطالة، وإن شاء الله يعني معنا مزيد وقت. يعني أنا مقسم نفسي على أننا إن شاء الله يعني في نهاية الدورة نكون قد نهينا الكتاب فهذا لتطمئنوا.
قال الحافظ بعد ذلك:
... درجات الحديث الصحيح
وتتفاوت رُتَبه بتفاوت هذه الأوصاف
يعني تتفاوت رتب الحديث الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف يعني اتصال السند والعدالة وتمام الضبط وعد؛م الشذوذ وعدم العلة، وبخاصة مسألة الضبط هي أكثر ما تجعل التفاوت في الحديث يكون موجودًا تتفاوت رتب الحديث الصحيح بمعنى أن هناك حديثا صحيحا من أعلى الدرجات، وهناك حديث صحيح من أوسط الدرجات، وهناك حديث صحيح من أنزل الدرجات، وكل هذا مثَّل له الحافظ بالأمثلة الآتية:
أما الحديث الصحيح الذي هو من أعلى الدرجات فقال: هذا ما يسمى - أو ما يطلقون عليه- بأصح الأسانيد. فالعلماء وجدوا أن هناك أسانيد تروى بها كثير من الأحاديث فأعجبوا بهذه الأسانيد ونظافتها وجودتها ، فاختلفت عباراتهم كل بحسب إعجابه بإسناد من الأسانيد، بل تجد الإمام الواحد يعجب بعدة أسانيد فتجده مرة يقول: هذا الإسناد أصح الأسانيد، ومرة يقول: هذا الإسناد أصح الأسانيد، ومرة يقول: هذا الإسناد أصح الأسانيد فضلًا عن أن يكون هذا الاختلاف بين عدة من العلماء.
يعني ما دام أن العالم الواحد قد يختلف قوله، فمن باب أولى أن تختلف أقوال العلماء فبعضهم يعني قال: أصح الأسانيد -وهذا قول البخاري- السلسلة الذهبية ما يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر. وبعضهم قال: لا. بل أصح الأسانيد ما يرويه ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر وأحيانًا يكون عبد الله بن عمر يرويه أيضًا عن أبيه عمر، وكلاهما صحابيان كما هو معروف. فبعضهم قال: هذا أصح الأسانيد.(1/107)
بعضهم قال: لا. بل أنا أرى أن أصح الأسانيد ما يرويه محمد بن سيرين التابعي الجليل عن التابعي الذي كاد أن يكون صحابيًا وهو عبيدة السلماني -رحمه الله- ؛ لأنه أسلم في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين ولكنه يعني حينما قدم من المدينة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد توفي، فأخذ عن أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فما يرويه محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعضهم قال: هذا أصح الأسانيد.
بعضهم قال: لا. بل أصح الأسانيد عندي ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود، وبعضهم قال غير ذلك. يعني أقوال كثيرة جدًا.
لكن هذه الأقوال كلها للعلماء منها موقف قالوا: كل هذه الأسانيد -تعتبر من أصح الأسانيد لكن كوننا نفاضل بينهما أو نقول: إن هذا الإسناد هو أصح الأسانيد على الإطلاق، هذا لا ينبغي إذن ماذا نفعل؟ أو ما هو الموقف الذي نقفه من أقوال هؤلاء العلماء؟
قالوا: نقيد. إما بالصحابي أو بالبلد فمثلًا يمكن أن أقول: إن أصح الأسانيد عن عبد الله بن مسعود ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود يمكن أن أقول: أصح الأسانيد عن أبي هريرة ما يرويه محمد بن سيرين مثلًا عن أبي هريرة.
يمكن أن أقول في أصح الأسانيد عن أبي بكر الصديق ما يرويه إسماعيل بن أبي طالب عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - .
فيمكن أن أقيد بالصحابي الذي روى ذلك الحديث، فأقول أصح الأسانيد إلى فلان هو الإسناد الفلاني.
هنا يواجهنا مشكلة أخرى. أن بعض الصحابة يرد عنه أكثر من إسناد كلها من أصح الأسانيد. مثل عبد الله بن عمر منهم من قال: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، ومنهم من قال: لا ، بل الزهري عن سالم عن أبيه، ومنهم من قال غير ذلك فهنا نقول: لا نفاضل. بل كلها تعتبر من أصح الأسانيد.(1/108)
منهم من قال يمكن أن نقيد بالجهة فمثلًا يمكن أن أقول: أصح أسانيد المكيين ما يرويه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- ويمكن أن أقول: أصح أسانيد الكوفيين مثلًا ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود ، وهكذا في أمثلة عدة لكل بلد يمكن أن يكون هناك إسناد يعتبر من أصح الأسانيد.
فهذا هو الموقف الصحيح الذي ينبغي أن يوقف مما يقال فيه: أصح الأسانيد ، المهم أن كل الأسانيد التي قيل فيها: إنها أصح الأسانيد تعتبر في الدرجة العليا من الصحيح.
دونها مرتبة أخرى، وهي التي مثَّل لها الحافظ ابن حجر برواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أو برواية بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده الذي هو أبو بردة عن أبيه الذي هو أبو موسى الأشعري.
هذه الراوية، والرواية الأخرى رواية حماد بن سلمة، ورواية بريد بن عبد الله يعني هذا الإسناد لا يعتبر من الدرجة العليا من الصحيح؛ لأن هناك من تكلم في مثل هؤلاء الرواة فمثلًا:
رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. نجد البخاري -رحمه الله- أعرض عن الاحتجاج بها، وإنما أوردها في الشواهد والمتابعات، فلم يحتج برواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس.
أما مسلم -رحمه الله- فإنه اجتهد واعتبرها رواية صحيحة واحتج بها؛ فلأجل هذا قالوا: هذا لا يعتبر من الدرجة العليا من الصحيح؛ لأجل أن هناك بعض العلماء لهم موقف من هذه الرواية؛ لكننا نعتبرها من الدرجة الوسطى. هل دونها درجة؟ قالوا: نعم دونها درجة. مثل رواية سهيل بن أبي صالح عن والده أبي صالح السمان واسمه ذكوان عن أبي هريرة أو ما يرويه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فهذه الرواية أيضًا فيها كلام، لكنها يعني من قسم الصحيح.(1/109)
فالمهم أن رواية سهيل ورواية العلاء أعرض عنها البخاري أيضًا فلم يُخَرِّجها في صحيحه احتجاجًا أما مسلم -رحمه الله- فإنه قد احتج بهاتين الروايتين فلذلك قالوا : هذه من أنزل درجات الصحيح هذا بالنسبة للصحيح لذاته.
يقول الحافظ: فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة -يعني من قوة الضبط- ما تفضل به على الدرجة الوسطى وللدرجة الوسطى ميزة تفضل بها عن الدرجة الدنيا.
بعد ذلك بيَّن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرحه وهذا غير موجود في النخبة أن هناك أيضًا درجات للصحيح غير هذه الدرجات. أعلى الصحيح وما هو دونه وما هو دون ذلك. فقال: "عندنا بعض الأحاديث نجد أن البخاري ومسلم يتفقان على إخراجها وبعض الأحاديث نجد البخاري فقط هو الذي يخَرِّجها وبعض الأحاديث مسلم فقط هو الذي يخرجها، فما هو الترتيب الصحيح لمثل هذه الروايات الثلاث؟
قال : بلا شك أن ما يخرجه البخاري ومسلم هو الدرجة العليا، ثم يليه ما أخرجه البخاري فقط، ثم يليه ما أخرجه مسلم فقط، بناء على هذا الترتيب فقط ولا هناك مراتب أخرى؟ قال: لا. بل هناك مراتب أخرى. لو لم يكن الحديث في الصحيحين أصلًا لكنه حديث صحيح؛ وليكن مثلًا في مسند أحمد، أو في غيره من الكتب، فهذا الحديث هو أيضًا يعني بعد دراسة سنده وجدنا أنه صحيح.
لكن هذه الصحة على مراتب أيضًا، فنجد أحيانًا نفس رجال البخاري ومسلم موجودون في ذلك الحديث فيمكن أن نقول في هذه الحال: هذا حديث صحيح على شرطهما. يعني على شرط من؟ على شرط البخاري ومسلم. صحيح هذا الحديث ما أخرجه البخاري ومسلم لكن الرواة هم نفس الرواة. الرواة الذين احتج بهم البخاري ومسلم هم نفس الرواة الذين موجودون في هذا الحديث فلذلك قلنا عن هذا الحديث : إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم.(1/110)
أحيانًا نجد الحديث تتوفر فيه صفات الرواة الذين احتج بهم البخاري فقط فهذا الحديث يقال عنه: صحيح على شرط من؟ على شرط البخاري. أحيانًا نجد الحديث تتوفر فيه صفات الرواة الذين يحتج بهم من ؟ مسلم مثل: ما مثلنا به قبل قليل مثلًا رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، ما احتج بها البخاري احتج بها من مسلم، فلو وجدنا رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة موجودة مثلًا في مسند أحمد نقول عن هذه الرواية أيش؟ صحيحة لكن على شرط من؟ على شرط مسلم ؛ لأن مسلما أخرج نفس الإسناد أخرج أحاديث بنفس ذلك الإسناد فهذا نقول عنه صحيح على شرط من؟ على شرط مسلم. هذه الآن.
إذن ثلاث درجات أيضًا إضافية: ما كان على شرطهما، يعني البخاري ومسلم ، وما كان على شرط من؟ البخاري على شرط البخاري، وما كان على شرط مسلم ، كم أصبحت المراتب بمجموعها؟ ست مراتب. فقط ولا فيه مراتب أخرى؟ قال: لا بل هناك مرتبة إضافية وهي ما كان صحيحًا لكنه ليس على شرطهما. يعني وجدنا فيه رواة لم يُخَرِّج لهما البخاري ومسلم وهم ثقة فحكمنا على الحديث بالصحة، وإن لم يكن كل رواته أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما فهذه مراتب سبع بهذا التفصيل:
1- ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم.
2- ما انفرد بإخراجه البخاري.
3- ما انفرد بإخراجه مسلم.
4- ما كان صحيحًا على شرطهما.
5- ما كان صحيحًا على شرط البخاري.
6- ما كان صحيحًا على شرط مسلم.
7- ما كان صحيحًا لكنه ليس على شرط واحد منهما.
هذا تقسيم آخر لمراتب الصحيح. طيب كان بودي في الحقيقة أن أتكلم أيضًا عما هو أكثر من هذا لكن أنا التزمت معكم على أن الوقت ينتهي إلى الساعة العاشرة وحتى يعني لا نحرج أحدًا، فنقف عند هذا الحد الآن تقريبًا الساعة العاشرة ونكمل إن شاء الله في الليلة القابلة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد .(1/111)
أحد الإخوة يقول: إن التمثيل الذي مثلت به لكيفية رواية الحديث يعني قد يسر أشياء كانت مشكلة وعسيرة عنده، ويرجو يعني أن أكرر مثل هذا في أوانه: فأقول: إن شاء الله أنا سأجتهد وتعرفون أن القصور لا بد منه.
أيضًا أحد الإخوة كلامه نفس الكلام .والله المستعان. يعني هذه ما هي بأسئلة كلها يعني مشاعر لبعض الإخوة جزاهم الله خيرًا.
س: أحد الإخوة يقول: بالنسبة لاشتراط أن يكون الراوي عدلًا كيف نفهم هذا وأكثر كتب أهل الحديث يروون الحديث عن أهل البدع؟
ج: أقول: يعني هناك يعني حقيقة بالنسبة للكلام عن العدالة وكيفية معرفتها والضبط وكيفية معرفته هذا إن شاء الله سيأتي معنا؛ لأن الترتيب الذي رتب الحافظ ابن حجر كتابه عليه يعني ترتيب جيد يريده يعني متصل بعض مباحثه ببعضها الآخر ، فالكلام عن كيفية معرفة العدالة وكيفية معرفة الضبط هذه سيأتي إن شاء الله الكلام عليها قريبًا بإذن الله.
س: أحد الإخوة يقول: نريد التفصيل الكامل في حال ابن لهيعة والرواية عنه وهل صحيح أن الرواة عنه قبل اختلاطه إلى أحد عشر راويًا أم لا؟
ج: أقول : أيها الإخوة يعني رأيي في ابن لهيعة أن الضعف كان عنده من أصل، لكن ضعفه قبل الاختلاط الشديد كان ضعفًا محتملًا يعني يمكن أن يمشي في المتابعات والشواهد، لكن بعدما حصل له اختلاط دخلت المناكير والموضوعات في أحاديثه فأصبحت أحاديثه فيها من البلايا والطوام الشيء الكثير، فهذا عندي حال ابن لهيعة.
وكيف نفصل بين حاله الأولى وحاله الأخرى؟ نقول ما كان من رواية مثلا العبادلة مثل عبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقريء وغيرهم ممن سمع منه قبل الاختلاط هؤلاء روايتهم أعدل من رواية غيرهم، لكنها ليست صحيحة، وإنما أعدل يعني ضعفهما ضعف محتمل يمكن أن ينجبر بطريق أخرى.
س: يقول أحد الإخوة: لماذا لا تكون المناقشة شفوية بعد نهاية الدرس على شرط ألا تخرج عن موضوع الدرس؟(1/112)
ج: أقول: ما عندي مانع يعني الذي يريد يكتب سؤاله يكتب والذي يريد يناقش شفويًا ما عندي مانع إن شاء الله.
س: يقول : ذكر بعض الإخوة الأفاضل حديث نسبه إلى الصحيحين وهو: " أن اشتداد الرياح دليل على موت طاغية" فما هو معنى الحديث؟
ج: أقول: لو أتيت بالحديث يا أخي لكان أفضل. أنا لا أذكر يعني الحديث الآن بهذه الصورة.
س: يقول أحد الإخوة: هل يليق بطالب العلم أن يأكل أمام الناس، سواء في المطاعم أو في الأماكن العامة ؟ وهل يليق به أن يذهب إلى السوق بثوب النوم أو نحوه؟ يرجو التبيين.
ج: أقول: في الحقيقة أنا أقول هذه الأمور كلها بحسبها يعني مثلًا لو وجد طالب العلم يأكل في مطعم في أيام الحج. تعرفون أن مثل هذه المسألة ما هي مستنكرة صح ولا لا يعني الكثير يأكل في أيام الحج، ولا أحد يستنكر على أحد شيئًا، لكن لو كان طالب العلم في مثل الرياض، ويدخل مثلًا المطاعم التي مثلًا فيها أهل الفسق هذا مشعل سيجارته والتليفزيون شغال ، وبلا شك أن مثل هذا يستنكر عليه.
لكن أحيانًا قد يكون الواحد تدفعه الحاجة ، مثلًا قد لا يكون عنده في البيت من يجهز له طعامه أو لغير ذلك من الأمور فيكون مضطرًا للأكل في المطعم فمثل هذا يعني إذا لم يكن المكان فيه شيء من المعصية الظاهرة كموسيقى أو ما إلى ذلك أفضل له أن يستتر يعني حتى لا يجعل مثلا عرضه مثلا عرضة لأن يتكلم فيه، فالحاجة هي التي دفعته إلى ذلك وما دام أنه يستطيع أن يتقي هذا فهذا أولى به.
أما مثل لبس ثياب النوم ففي الحقيقة أنها يعني أنا أجد أنها منكرة وعلى كل حال العرف أحيانًا يكون ما هو منضبط، فلربما مثلًا أصبح العرف عند الناس أنه لا بأس أن الإنسان يمشي في ثياب النوم لكن في مجتمعنا الآن نجد مثل هذا الفعل فيه شيء من الغرابة.
س: يقول: ما درجة حديث الشديد بن سويد " أنه مر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس متكيء على يده فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليه" " ؟(1/113)
ج: أقول: الذي أعرفه أن هذا الحديث صحيح.
س: يقول: أيضًا أقترح أن تكون الأسئلة شفوية.
ج: أقول: لا بأس ما في مانع، الذي يريد يكتب سؤاله يكتب، يمكن بعض الإخوة ما يتجرأ أنه يسأل سؤال شفوي فما هناك مانع الآن ما بقي إلا سؤالين، أتيح المجال للأسئلة الشفوية.
س: يقول: ما هي الأحاديث المقبولة ، ما الحكم في قبول حديث من يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تاب وأعلن توبته؟ وهل نأخذ بها؟
ج: هذا إن شاء الله سيأتي الكلام عليه في الكلام عن الحديث الموضوع، إن شاء الله.
س: يقول هل صحيح أن معمر بن راشد له ابن خاله رافضي أدخل في كتبه ما ليس منها؟
ج: أقول هذا مذكور في ترجمته لكن لا أظنه صحيحًا ؛ لأني ما وجدت العلماء تكلموا في رواية معمر بن راشد؛ لأجل هذا الصنيع؛ ولو كان ذلك ثابتًا لتكلموا فيه لكن معمر بن راشد تكلم في بعض روايته في غير بلده مثل رواية البصريين عنه قالوا: إن رواية البصريين عنه فيها ما فيها ، وهذا قد يكون بسبب مثلًا أنه حدَّث بالبصرة في عدم حضور كتبه وما إلى ذلك. قد يكون لمثل هذا من الأسباب، أما لهذا السبب المذكور فما أذكر أنهم طعنوا في حديثه لأجله.
س: يقول: ما رأيك في كتاب مفاتيح علوم الحديث لمحمد بن عثمان الحنشط أو كذا؟
ج: أقول: يعني إن هذا الكتاب لا أذكره إن كان ، اللهم إلا أن يكون الكتاب الذي يتكلم عن التخريج ودراسة الأسانيد إن كان هذا الكتاب فهو مختصر؛ لأني أنا الذي أشكل على المؤلف -لا يحضرني اسم مؤلف ذلك الكتاب، فعلى كل حال للأخ السائل إن كان هذا الكتاب في التخريج فهو مختصر سبق أن اطلعت عليه وهو مختصر، وإن كان غير الكتاب الذي في ذهني فيمكن تريني إياه وأقول لك هل هو جيد أو غير جيد.
س: يقول هل يكون الحديث الذي هو على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه أعلى من مرتبته ما رواه البخاري فقط وما رواه مسلم فقط؟(1/114)
ج: أقول لا: لأن إعراض البخاري ومسلم عن إخراج ذلك الحديث قد يكون لأمر دعاهم لذلك، وعلى كل حال أيها الإخوة أنا لم أرد أن أتعب أذهانكم بالتفصيل في شرط البخاري ومسلم ؛ لأن التفصيل هذا يعني أعتبر أنه من كتب المطولات، فأنا أعطيتكم القاعدة العامة، لكن هذه المسألة شرط البخاري أو شرط مسلم فيها كلام يتعب الذهن نوعًا ما فأنا أترككم إن شاء الله لعلها تكون مرحلة أخرى بعدما تلمون إن شاء الله بالأساسيات في علوم الحديث يمكن أن تنتقلوا بعد ذلك إلى ما هو أطول من كتاب النخبة، وفيه إن شاء الله يكون التفصيل في شرط البخاري ومسلم يعني أنتم الآن خذوه على أنها خطوط عريضة فقط افهموا ما يسمى بشرط البخاري وشرط مسلم، لكن هل هو بهذه الصورة التي ألقيتها عليكم أقول فيه تفسير يعني تركيز أكثر من هذا.
س: لماذا نقول هذا حديث صحيح، وهذا أصح إذا كان ثابتًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
ج: أقول: هذا يفيد في حال التعارض ، فإذا تعارض عندنا حديثان فلم يمكننا الجمع بينهما ولم نعرف الناسخ من المنسوخ واضطررنا لترجيح أحدهما على الآخر فنرجح بالأقوى أصحية. فحديث رواه مثلا مالك عن نافع عن ابن عمر عارضه حديث مثلًا رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، نقدم ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر على ما رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
س: الأخ يسأل يقول: العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ؛ هل أخرج له مسلم؟
ج: أقول : نعم احتج مسلم بهذا الإسناد.
س: الأخ يسأل عن حديث الجلوس بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وأن ذلك كأجر حجة وعمرة تامة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو صحيح ؟(1/115)
ج: أقول: الحديث طرقه ضعيفة، ولكن بعضهم يؤيد هذه الطرق بعضها مع بعض ويقول: إن الحديث بمجموع هذه الطرق يصل لدرجة الحديث الحسن لغيره، وأقول : ما دام أنه يعني فيه فضيلة من فضائل الأعمال، فلا بأس إن شاء الله بقبوله بهذه الصورة مادام أنه له طرق متعددة.
س: (سؤال غير مسموع)
ج: لا. هذا يسمى غريبًا غرابة مطلقة يعني ؛ لأن الغرابة جاءت في أصل السند لكن ليس معنى هذا أن الحديث مثلًا يتطرق الشك إلى صحته، بل بهذه الصورة يعتبر حديثًا من أصح الصحيح، مادام أنه يرويه عن الصحابي عشرون من التابعين يعتبر من أصح الصحيح، وهكذا يعني زاد العدد بعد ذلك.
س: يقول: لو أن حديثًا من الأحاديث رواه صحابي واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ذلك الصحابي رواه عنه عشرون من التابعين، وعن العشرين رواه عدد أكثر من أتباع التابعين، وهكذا ما زال العدد يزداد فهل هذا يعتبر غريبًا أو ماذا يعتبر؟
ج: نقول: نعم من حيث التقسيم الاصطلاحي يعتبر هذا غريبًا غرابة مطلقة مثل حديث: " إنما الأعمال بالنيات " لكنه يعتبر من أصح الصحيح إذا كانت طرقه صحيحة أو حسنة. نعم ، حديث يرويه سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أيش الحديث فاكره؟ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " قنت على رعل وذكوان " هذا الحديث يصبح مشهورًا تقصد؟ هذا مشهور غير اصطلاحي.
قلنا في الحديث المشهور: إنه ينقسم إلى قسمين: مشهور اصطلاحي وهو ما رواه ثلاثة فأكثر لابد أن يتوفر فيه العدد. ومشهور غير اصطلاحي هذا يقصد به ما اشتهر على الألسنة مشهور بين الناس، وهذا مشهور على ألسنة من؟ على ألسنة فئة من الناس وهم المحدثون ، هم يمثلون دائمًا بهذا الحديث فأصبح مشهورًا عند المحدثين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " قنت على رعل وذكوان وعصيَّة "(1/116)
هذا سيأتي -إن شاء الله- معنا يعني أيهما أرجح مذهب مسلم أو مذهب البخاري في اشتراط اللقيا. مسلم اكتفى بالمعاصرة والبخاري اشترط اللقيا فأيهما أرجح؟ هذا إن شاء الله في الليلة القادمة سيأتي معنا إن شاء الله .
س: (سؤال غير مسموع)
ج: إذا أمكن إزالة العلة.
س: السؤال يقول: إذا كان الحديث له علة فهل هذه العلة توجب رد الحديث؟ مثل حديث أسماء الذي ذكرناه؟
ج: أقول: نعم مثل حديث أسماء العلة توجب رد الحديث بهذه الصورة اللهم إلا أن يتبين ؛ لأن الذهبي توقع توقعًا حينما قال: لعلها أختها سلمى لكن هذا التوقع قد يكون صحيحًا وقد لا يكون فيصبح في الحديث يعني سببًا من أسباب الضعف لم يتبين لنا ، المهم أن هذه العلة دلت على أن في الحديث شيئًا.
لكن إذا كان هناك حديث هناك من العلماء من أعله مثل حديث أبي سفيان الذي ذكره الأخ، والحديث في صحيح مسلم " أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهبك ابنتي أم حبيبة.. " يعني يزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: كيف أبو سفيان قال هذا الكلام بعد فتح مكة؟ لأن أبا سفيان ما أسلم إلا بعد ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم مع العلم -أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج أم حبيبة قبل ذلك.
فهل هذه العلة صحيحة، ويعل هذا الحديث في صحيح مسلم أ لا؟ إن شاء الله التفصيل في الكلام عن هذه العلة سيأتي معنا إن شاء الله في شرح صحيح مسلم إن كان يعني بعض الإخوة يحضر، لكن على كل حال أنا أقول: إنها ليست علة قادحة. لماذا ؟ لأن هناك توجيهات لبعض العلماء لهذه العلة لإزالة الطعن في هذا الحديث الذي في صحيح مسلم فقالوا: إن أم حبيبة التي ذكرها أبو سفيان ليست هي أم حبيبة التي تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا أحد الأجوبة.(1/117)
فقد تكنى الأخت بكنية أختها. صحيح قد يشكل عليكم مثلًا كيف النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين أختين؟ والجواب أن هذا لم يحصل، ومنهم من قال: بل المقصود تأكيد النكاح ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم حبيبة حينما كانت مهاجرة في الحبشة، فلم يعقد لها أبوها أبو سفيان، فأراد تأكيد عقد النكاح، فهذا من الأجوبة التي قيلت. وهناك أجوبة أخرى، إن شاء الله سيأتي الجواب عليها في حينه؛ لأني لا أستحضرها الآن. على كل حال العلة منتفية عن هذا الحديث الذي في صحيح مسلم.
مثال على الشذوذ: الأمثلة على الشذوذ كثيرة في الحقيقة يعني حينما يأتينا حديث مثلًا يرويه الشافعي عن مالك بن دينار عن عبد الله بن عمر مثل حديث. " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له " قالوا: أصحاب مالك كلهم يروون هذا الحديث بهذا اللفظ: " فاقدروا له " إلا الشافعي فإنه تفرد بقوله " فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "
أنا الآن آتي بهذا المثال للتقريب فقط لا لأجل تحقيق أن الشافعي فعلًا شَذَّ في هذه الرواية، فمنهم من اتهم رواية الشافعي، أو رمى رواية الشافعي هذه بالشذوذ، والشافعي إمام ثقة، لكن أصحاب مالك العدد الكثير كلهم يروونه عن الإمام مالك بلفظ " فاقدروا له " إلا الشافعي فقال: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " فالآن قالوا: هذا مثال يمكن أن يمثل به للشذوذ فالشافعي خالف العدد الكثير وهو ثقة فخالف العدد الكثير في هذه اللفظة هم يقولون " فاقدروا له " والشافعي يقول: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " فهذا مثال يمكن أن يُمَثَّل به للشذوذ، لكن هل فعلًا يعتبر هذا المثال يعني أن الشافعي شذ؟ هذا الكلام سيأتي إن شاء الله الكلام عليه، في الكلام على الاعتبار والمتابع والشاهد فنبين أن الشافعي -رحمه الله- لم يشذ في هذا نعم.
س: من شروط العدالة أن يكون: يعني في سلوكه مستقيمًا يعني قصدك مثلًا: لا يحلق لحيته لا يسبل إزاره كذا؟(1/118)
ج: أي نعم أنا ذكرت ما المقصود بالعدالة؟ هي ملكة تحمل الإنسان على ملازمة التقوى. وما المقصود بملازمة التقوى؟ أن يكون الإنسان خاليًا من الشرك والفسق والبدعة. فالفسق ما هو؟ الفسق مخالفة أوامر الله -جل وعلا- وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فالذي يحلق لحيته مثلًا. هذا ماذا نقول عنه؟ فاسق؛ لأنه عصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهكذا.
س: (سؤال غير مسموع)
ج: نعم يمكن أن يكون السند متصلًا، لكن في أحد الرواة ضعف فيضعف الحديث لأجل ذلك الراوي.
س: هل البخاري -رحمه الله- أخرج في صحيحه حديثًا عن الإمام الشافعي ؟
ج: أما من رواية الشافعي عن الإمام مالك فما أخرج له. نعم.
س: (سؤال غير مسموع)
ج: هذا صحيح يا أخي هذا إن شاء الله أيضا سيأتي معنا عما قريب في الكلام عن الحديث الضعيف هل يعمل به أو لا يعمل به، وهكذا هذا كله سيأتي إن شاء الله معنا تفصيله طبعا لأجل يعني مسألة الوقت، ولا يمكن أفصِّل لكم الآن لكن ما دام أنه سيأتي إن شاء الله معنا بالتفصيل فليس هناك ما يدعو يعني للتكرار نعم.
س: سبب إعراض البخاري عن حماد بن سلمة ؟
ج: لأن حماد بن سلمة -رحمه الله- يعني اختلط في آخر حياته، لكن مسلم اجتهد فقال: إن حماد بن سلمة هو ربيب ثابت البناني فهو لازم ثابت ملازمة طويلة، وصار يحفظ أحاديثه كما يحفظ سورة الفاتحة ،وكما يحفظ السورة من القرآن فمسلم رأى أن رواية حماد بن سلمة عن ثابت رواية صحيحة، والبخاري أعرض عن الاحتجاج بحماد بن سلمة؛ لأجل ما طرأ عليه من الاختلاط.
س: (سؤال غير مسموع)
ج: أنا ما أذكر هذا التعريف قال به ابن منده .... أعد إن شاء الله ..... والله ما أدري لعلك تقول: ذكره ابن الصلاح في مقدمته، يعني: لعله يصير بيني وبين الإفهام تريني الموضع لعل فيه شيء يعني مشكل. نعم:
س: هل يستدل بالأثر يعني ما جاء عن الصحابي تقصد في الأمور التي ليس فيها أدلة يعني لا من كتاب. ولا من سنة؟(1/119)
ج: هذه مسألة خلافية بين أهل الأصول لكن الذي نرجحه -وهذا أيضًا إن شاء الله سيأتي الكلام عليه الذي نرجحه- أنه يعمل بما جاء عن الصحابي -رضي الله تعالى عن جميع صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-إذا لم يكن يعارضه نص من كتاب أو سنة أو لم يكن يخالفه قول أو رأي صحابي آخر.
فإذا لم يكن في الباب غير قول ذلك الصحابي أو فعله فنعم يؤخذ به، ويعمل به وهذا هو مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-
س: (سؤال غير مسموع)
ج: هذا يكون بسبب غلط بعض الرواة فممن الغلط؟ ما نستطيع نحمله فلان ولا فلان لكن نقول: هذا الحديث فيه غلط من الذي غلط من أحد رجاله هذا ؟الله أعلم ، فيترك الحديث لأجل أنه يستدل بهذه اللفظة على أن في الحديث ضعفًا أن الراوي لم يضبط طيب نقف عند هذا.
تفضل يا أخي.
س: فمَنْ مِنَ الإخوة يعرف لنا الحديث الصحيح؟
تفضل نعم:
ج: هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
طيب ما المراد باتصال السند؟ نعم: أن يكون كل واحد من الرواة سمع الحديث من شيخه، والشيخ عمن فوقه وهكذا حتى يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي أو التابعي.
س: طيب ما المراد بالعدالة؟
ج: أحسنت وبارك الله فيك نعم المقصود بالعدالة أو ما هي العدالة : العدالة هي ملكة تجعل الإنسان ملازمًا لصفة التقوى، ومجتنبًا لخوارم المروءة .
س: ما المقصود بصفة التقوى؟
ج: نعم أحسنت : اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة وخوارم المروءة. نعم أي : ما يخالف أعراف الناس التي لا تخالف نصًا شرعيًا.
س: بعد ذلك قال: التام الضبط ما المقصود بالضبط هنا؟
ج: أن يكون ضابطًا ضبط كتاب أو ضبط صدر. أحسنت بارك الله فيك .(1/120)
ضبط الصدر: أن يكون حفظه قويًا بحيث لا يكثر من الخطأ وضبط الكتاب: أن يصون كتابه عن أن تطوله الأيدي العابثة التي تدخل فيه الأحاديث التي ليست من مروياته أو تصحح ، أو إلى غير ذلك من الأمور التي تحدث من جراء اللعب بالكتب.
س: بعد ذلك قال: من غير شذوذ ولا علة. ما المراد بالشذوذ؟
ج: نعم: الشاذ هو ما يرويه الراوي الثقة مخالفًا من هو أوثق منه. والعلة نعم العلة : سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث، ومثَّلْنَا على هذا وأسهبنا فيه.
الآن ننتقل إلى آخر ما ذكره الحافظ ابن حجر حينما قال كما عندي في الكتاب في صفحة 89 طبعا ما في أحد حافظ في أحد يريد أن يسمع ؟ طيب ما شاء الله طيب تفضل ارفع صوتك، لم يزل عليما .... (كلام غير مسموع)
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين وبعد ، أيها الإخوة في الله قبل أن نبدأ بالدرس في يوم غد كما سمعتم هناك فرصة بعد المغرب يمكن أن يقدم فيها الدرس وأيضًا أخونا الشيخ محمد الفراج -حفظه الله- يعتذر عن درس غد وطلب مني أن أسد مكانه، وأنا ما عندي مانع لكن أخشى أن يكون بعض الإخوة الذين يحضرون الدرس في المساء ما يستطيعون الحضور في الصباح فممكن نجعله بعد العصر يعني إن شئتم لكن أيضًا أخشى أن تملون بعد العصر وبعد المغرب اللهم إلا إن أردتم الدرس يكون بعد العصر أو بعد المغرب فقط فأنتم وذاك والرأي بالمشورة.
نعم:. طيب: الذين يرون أن نجعله بعد المغرب فقط يرفعون أيديهم على أساس يعني نرى أيهما أكثر. طيب الذين يرون بعد العصر وبعد المغرب. هم أكثر. طيب الذين يرون بقائه بعد العشاء يعني كما هو طيب على كل حال يعني جمعًا بين الناس يبدو لي بعد المغرب أنها أفضل ممكن ، نعم صحيح.(1/121)
يعني على كل حال أنا بالنسبة لي أنا ما عندي مانع إن شئتم اليوم كله ما عندي مانع لكن فعلًا يعني النفوس تمل والإنسان قدرة محدودة يعني ما يستطيع يتجاوزها. ممكن نعم نجعل الدرس يعني بعد المغرب، والجواب على الأسئلة بعد العشاء بقليل ثم ننصرف ممكن هذا إن شاء الله ، إن استطعنا هذا بإذن الله .
الشيخ محمد الفراج يعتذر. خيرا إن شاء الله ، فيه عندكم خبر أن الشيخ عبد الله السعد غير موجود والشيخ عبد الرحمن البراك غير موجود غدًا ، وكذلك الشيخ الفراج.
كذلك أيضًا أيها الإخوة يعني دائمًا العلم له ثمرة وهي العمل فالذي يرى من نفسه القدرة على الدعوة ولو بمقدار ضئيل فمؤسسة الحرمين تدعو من كان عنده رغبة في يعني الذهاب إلى كينيا والصومال فإن هناك دورات ستعقد لتعليم الناس أحكام دينهم ونشر العقيدة في صفوفهم فالذي يجد من نفسه استطاعة وعنده وقت وليكن الاحتساب دائمًا نصب أعيينا فجزاه الله خيرًا يمكن أن يتصل بالإخوة في المؤسسة لينظموا له الذهاب إلى تلك الأماكن ويستطيع أن يتفاهم معهم في كيفية الدورة وما الذي سيدرس فيها إلى غير ذلك. يعني أحببت التنبيه على هذا.
نأخذ مراجعة سريعة لما أخذناه بالأمس : تكلمنا عن الحديث الصحيح تعريفه وشروطه وبعض التوضيح لتلك الشروط فمن من الإخوة يعرف لنا الحديث الصحيح؟ تفضل: نعم: ارفع صوتك أحسنت بارك الله فيك هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
طيب ما المراد باتصال السند؟ نعم: أن يكون كل واحد من الرواة سمع الحديث من شيخه والشيخ عمن فوقه وهكذا حتى يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابي أو التابعي.(1/122)
طيب: ما المراد بالعدالة ؟ يعني قال: ما اتصل سنده بنقل العدل. أحسنت بارك الله فيك نعم : المقصود بالعدالة أو ما هي العدالة ؟ العدالة: ملكة تجعل الإنسان ملازمًا لصفة التقوى ومجتنبًا لخوارم المروءة. ما المقصود بصفة التقوى؟ نعم: أحسنت اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة. وخوارم المروءة؟ نعم: هي ما يخالف أعراف الناس التي لا تخالف نصًا شرعيًا.
بعد ذلك قال: التام الضبط ما المقصود بالضبط هنا؟ أن يكون ضابطًا ضبط كتاب أو ضبط صدر. أحسنت بارك الله فيك نعم صحيح ضبط الصدر أن يكون حفظه قويًا بحيث لا يكثر من الخطأ، وضبط الكتاب أن يصون كتابه عن أن تطوله الأيدي العابثة التي تدخل فيه الأحاديث التي ليست من مروياته أو تصحح أو إلى غير ذلك من الأمور التي تحدث من جراء اللعب بالكتب.
بعد ذلك قال: من غير شذوذ ولا علة. ما المراد بالشذوذ؟ نعم: الشاذ هو ما يرويه الراوي الثقة مخالفًا من هو أوثق منه. والعلة نعم: العلة سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث ومثلنا على هذا وأسهبنا فيه.
الآن ننتقل إلى آخر ما ذكره الحافظ ابن حجر حينما قال: أنا عندي في الكتاب في صفحة 89 طبعًا ما فيه أحد حافظ فيه أحد يريد يسمع؟. طيب ما شاء الله طيب تفضل: لم يزل عليمًا.. فسألني.. فأجبته.. رجاء الاندراج في تلك المسألة.
طيب في أحد يكمل؟. أحسنت بارك الله فيك، فيه أحد يكمل نعم طيب جزاكم الله خير .
طيب قوله (الحافظ ابن حجر -رحمه الله-) -هاهنا-:
المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم
ومن ثَمَّ قُدِّم صحيح البخاري ثم مسلم ثم شرطهما
هذه المسألة تكلم عنهاالحافظ في شرحه بما خلاصته: أن هناك منازعة في تفضيل صحيح البخاري أو صحيح مسلم أيهما يفضل على الآخر أو يقدم على الآخر ولنعلم أنه لا يلزم من الأفضلية عند بعض الناس أو التقديم أن يكون ذلك بسبب الصحة بل قد يكون لأسباب واعتبارات أخرى فحصل التنازع.(1/123)
فجمهور أهل الحديث على تقديم البخاري على مسلم والسبب أنهم راعوا مكانة البخاري بسبب الأصلحية، وهناك نفر يسير بعضهم من المغرب وبعضهم من المشرق قدموا صحيح مسلم على صحيح البخاري فالمغاربة ورد عن بعضهم أنه يقدم صحيح مسلم على صحيح البخاري والمشارقة حُكي ذلك عن أحد العلماء وهو أبو علي النيسابوري -رحمه الله- حينما قال: "ما تحت أديم السماء أصح من صحيح مسلم".
قد يقول بعض الإخوة: كيف تقول إنه ليس بسبب الأصحية وأبو علي النيسابوري يتكلم عن الصحة؟ أقول: هذه بينها الحافظ ابن حجر كما ترون فيقول: "إنه لم ينف وجود من يساوي صحيح مسلم في الصحة لكنه نفى أن يكون هناك من هو أعلى صحة من صحيح مسلم، فهو لم يزعم أن صحيح البخاري أقل أصحية من صحيح مسلم، ولكنه نفى أن يكون أعلى أصحية، أما المساواة فلم ينفها.
فهذا بالنسبة لقول أبي علي النيسابوري، أما المغاربة فالذي يظهر أنهم قدموا صحيح مسلم بسبب حسن ترتيبه وسياقه للأسانيد ولاشك أن لكل من صحيح البخاري وصحيح مسلم مزية ما عدا مسألة الصحة فصحيح البخاري ، البخاري -رحمه الله- اعتنى بالناحية الفقهية فنجده يقطع الحديث ويوزعه في أماكن شتى بحسب الاستنباطات الفقهية التي يستنبطها من ذلك الحديث.
فمثلًا لو جاءنا حديث: " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام " تجد البخاري يضع هذا الحديث مثلًا في كتاب: "الإيمان" ثم يضعه في كتاب "الصلاة" ثم يضعه في كتاب "الزكاة" ثم يضعه في كتاب "الحج" ثم يضعه في كتاب "الصيام" وكل ذلك بسبب هذه الاستنباطات التي يستنبطها من فقه الحديث.
أما مسلم -رحمه الله- فتجد أنه يختار أجمع المواضع لهذا الحديث ويسوق طرق الحديث كلها ، أسانيدها المتعددة في موضع واحد، ما يوزع الحديث هذا في الغالب من صحيح مسلم.(1/124)
فتجده في مثل هذا الحديث يقول: "لو وضعته في كتاب الصلاة لما كان لي حجة في وضعه في كتاب الصلاة دون كتاب الزكاة والصوم والحج لكن أنتقي أجمع المواضع وهو كتاب "الإيمان" فتجد مسلمًا -رحمه الله- وضع هذا الحديث في أين؟ في كتاب الإيمان ؛ لأن يعني هذه الأمور كلها يمكن أن ترتبط بالإيمان: شهادة أن لا إله إلا الله وحتى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج كلها يمكن أن ترتبط بالإيمان باعتبار أن هذه هي شعائر الإسلام الظاهرة فهذه الشعائر الظاهرة هي التي تدخل في مسمى الإسلام.
كما في حديث جبريل حينما " سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة .... " إلى آخر الحديث، فهذا هو الإسلام يعني باعتبار الأعمال الظاهرة.
أما من حيث التقديم الحقيقي لأي الكتابين فالصواب تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم وذلك لاعتبارات ذكر خلاصتها الحافظ ها هنا في شرح النخبة ولكنه أصاب فيها إصابة طويلة في كتاب "النكت على كتاب ابن الصلاح" ويعني أنا أشير لكم إشارة ؛ لأن الإسهاب في مثل هذه الأمور يعني من اختصاص الكتب المطولة لكن يعني أعطيكم الخطوط العريضة لهذه المسألة.
فإذا ما نظرنا إلى الرجال الذين أخرج لهم البخاري وأخرج لهم مسلم نجد البخاري -رحمه الله- شرطه فنجد شرط البخاري -رحمه لله- في هؤلاء الرجال أقوى من شرط مسلم مثل ما ضربنا لهم مثالًا بالأمس، قلنا مثلًا: إن حماد بن سلمة في روايته عن ثابت لم يحتج بها البخاري لماذا؟ لأن حماد بن سلمة اختلط في آخر عمره.
وأما مسلم -رحمه الله- فإنه اجتهد، وأخرج هذه الرواية فإذن البخاري أكثر شدة من مسلم أو لا أكثر شدة من مسلم فبالتالي الذي يعتبر أكثر شدة معنى ذلك أنه ينتقي أصح الصحيح، ويجتنب ما فيه أدنى كلام، ولذلك تجد الأحاديث المنتقدة على البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة على مسلم.(1/125)
ويتبين هذا من خلال الإحصائية التي حصلت من انتقاد الدارقطني -رحمه الله- للبخاري ومسلم، فإن مجموع الأحاديث التي انتقدها الدارقطني على البخاري ومسلم كلها مائتان وعشرون حديثًا يعني لو حصرناها كلها مجموعها مائتان وعشرون حديث لكن هذه المائتان وعشرين ، هذه منها أحاديث اتفق البخاري ومسلم على إخراجها، ومنها أحاديث أخرجها البخاري فقط، ومنها أحاديث أخرجها مسلم فقط.
فالأحاديث التي اتفق البخاري ومسلم على إخراجها، هذه الأحاديث استوى فيها البخاري ومسلم فانتهى الإشكال يعني ما لنا دخل فيها، وعددها مائة وعشرة أحاديث هذه نستبعدها. كم يبقى؟ تعرفون الحساب ولا ... بقي مائة وعشرة أحاديث المائة وعشرة أحاديث هذه لو نظرنا إلى ما انفرد به البخاري وما انفرد به مسلم منها. نجد مسلمًا -رحمه الله- انفرد بثمانية وسبعين حديثًا والبخاري باثنين وثلاثين حديثًا. أيهم أكثر؟ مسلم. إذن الأحاديث المنتقدة على مسلم أكثر من الأحاديث المنتقدة على البخاري، فوضح بهذه الإحصائية وجاهة هذه النقطة ؛ لأن البخاري -رحمه الله- يجتنب الرجال الذين فيهم كلام بقدر المستطاع وأما مسلم -رحمه الله- فيجتهد ويخرج بحسب اجتهاده ؛ لأنه يرى أن هذه الرواية صحيحة ولا يسعه تركها.
يتضح هذا أيضا في مثل رواية العلاء بن عبد الرحمن كما مثلنا بها أيضًا ليلة البارحة، وغيرها أيضًا رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة كل هذه الروايات احتج بها مسلم لكن لم يحتج بها البخاري.(1/126)
أيضًا من حيث اتصال السند -هذا من حيث النظر إلى ذات الرواة ضبطهم وما يلحقهم- لكن أيضًا من حيث اتصال السند قالوا: شرط البخاري أقوى في شرط مسلم في اتصال السند ويتضح هذا جليًا فيما يسمى بمسألة المعاصرة واللقيا فمسلم -رحمه الله- يكتفي بمجرد المعاصرة- أعرف أن بعضكم لا يفهم هذا الكلام لكني أبسطه -إن شاء الله- بالأمثلة الآتية: رجلان أحدهما روى عن الآخر. الأول ولد في سنة سبعين للهجرة وتوفي في سنة مائة وأربعين للهجرة -عرفنا التاريخ الآن- طيب هذا هو الشيخ. الثاني ولد في سنة مائة للهجرة وتوفي في سنة مائة وسبعين للهجرة. كم الفترة التي تعاصر فيها هذان الاثنان؟ أربعون سنة التي هي ما بين ولادة الثاني ووفاة الأول.
الأربعون سنة هذه لو حذفنا منها السن التي تعتبر سن الصبا ولنحذف مثلًا خمسة عشر عامًا. كم يتبقى من المدة؟ خمسة وعشرون عامًا ، الخمس وعشرون سنة هذه كافية جدًا في أن يسمع الثاني من الأول صح ولا لا ، لكن هناك اعتبارات معينة أخرى. فأين موطن الأول وأين موطن الثاني؟ إن كانا في بلد واحد كالمدينة أو مكة أو الكوفة فاحتمال السماع قوي جدًا ؛ لأن البلاد في ذلك الزمن كانت صغيرة. ما هي مثل مثلًا الرياض وتوسعها في الوقت الحاضر، مع العلم أنهما لو كانا في الرياض فدواعي السماع أيضًا متوفرة، فكيف إذا كان البلد صغيرًا، بل كيف إذا كان البلد فيها مسجد يجمع الناس كالمسجد النبوي أو المسجد الحرام.(1/127)
فبلاشك أن مثل هذه الحال تكون دواعي السماع قوية جدًا فمثل هذه الحالة مسلم -رحمه الله- لا يتردد إطلاقًا في اعتبار هذا الرجل سمع من ذاك الرجل، وهذا فيما يسمى بالإسناد المعنعن يعني لو كان الحديث جاءنا هكذا: يقول الراوي الذي ولد في سنة مائة حدثني فلان ، يعني الراوي الذي ولد في سنة سبعين انتهى الإشكال هذا ما يتنازعان فيه لا البخاري ولا مسلم ولا غيرهما ؛ لأن هذه الرواية صرح فيها بالسماع حينما يقول: "حدثني" فهو لا يكذب. حدثه معنى ذلك أنه سمع منه هذا الحديث بإذنه ولا إشكال.
لكن المشكلة حينما يأتينا الإسناد هكذا: "عن فلان عن فلان" فصيغة "عن" هذه كما سيأتي -إن شاء الله معنا- تحتمل السماع وتحتمل عدم السماع فعندهم يعني بعض القرائن التي يستدلون من خلالها على أن هذا الراوي سمع من فلان.
هذه القرائن البخاري يقول: أنا لا أكتفي فقط بمجرد المعاصرة دون تحقق اللقيا ، فلا بد أن يأتيني في إسناد آخر لا بأس أنه يقول ، أنا أقبل الإسناد المعنعن هذا لكن بشرط أن يأتيني ما يدل على أن هذا الذي ولد في سنة مائة قد لقي ذلك الذي ولد في سنة سبعين، فإذا وجدت هذا. خلاص يعتبر هذا الحديث عندي الذي جاء بصيغة "عن" متصلًا هذا على الأصل.
طيب: لو لم يرد هذا يا بخاري؟. قال: لو لم يرد أنا أعتبر هذا الإسناد منقطعًا غير متصل، مثلما وصفت لكم السلسلة التي هي متصلة الحلقات.(1/128)
أما مسلم -رحمه الله- فيقول: لا أنا ليس من الضرورة عندي أن يتحقق اللقيا بل اكتفى باحتمال اللقيا ، فإذا وجدت مثلًا أن البلد مثلًا واحد فعندي احتمال اللقيا وارد جدًا وحتى لو لم يكن البلد واحدًا لكن اللقيا محتمل؛ لأن المحدثين كانوا يرحلون في طلب الحديث، وبعضهم كان يرحل أيضًا لتبليغ الحديث، أو لمهام أخرى، فيلتقي به ذلك التلميذ فيقول مثلًا: إذا كان أحدهما في الكوفة، والآخر في مصر، وعلمت مثلًا أن الذي في الكوفة له رحلة علمية إلى مصر فهنا لا إشكال عندي ؛ لأن هذه الرحلة العلمية ستكون مدعاة لأن يسمع هذا الراوي من ذلك الشيخ أو يكون ذلك الشيخ الذي في مصر وجد هناك بعض الشيوخ الذين يخشى فواتهم في مثلا بلد الكوفة فرحل إليهم ليسمع منهم، وفي نفس الوقت يُسمع الحديث فهو يسمع من جهة ويحدث أيضًا من جهة أخرى.
ففي هذه الحال أيضًا عند مسلم أن اللقي محتمل جدًا لهذا الراوي من ذلك الشيخ إلى غير ذلك من القرائن التي يجعلها مسلم لكن لو كانت هناك قرينة قوية تجعل مسلمًا -رحمه الله- يحكم على هذا الراوي بأنه ما سمع من ذلك الشيخ، كأن يكون هذا الذي في الكوفة ما عرف أنه خرج من الكوفة إلا للحج، وحجه كان في سنة مائة وخمسين للهجرة يعني بعد أيش؟ بعدما توفي ذلك الشيخ بعشر سنين فمسلم -رحمه الله- يقول في هذه الحال: لا. أنا عندي قرينة تدل على أن هذا الراوي ما سمع من ذلك الشيخ بشرط أن لا يكون ذلك الشيخ قد رحل إلى الكوفة.
فالحال بهذا التفصيل فوضح من هذا أن شرط البخاري في الاتصال أقوى من شرط مسلم، وليس معنى هذا يعني أن هذا هو الراجح على الإطلاق. لا ، المسألة خلافية بين العلماء. بعضهم يقول: مذهب مسلم أصح وبعضهم يقول مذهب البخاري أصح.(1/129)
ويعني قد يسألني بعضكم عن رأيي؟ فأقول رأيي التفصيل، إن كان هناك قرينة يمكن أن تدلل على أن هذا الراوي يمكن أن يسمع من ذلك الشيخ، فأنا أرى أن الأصل الاتصال، وأما إن لم يكن هناك قرينة قوية فأنا أتوقف عن الحكم على الحديث بالاتصال فعندي يعني منهج وسط بين رأي البخاري وبين رأي مسلم -رحمه الله- { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } (1) وكل واحد منهم مجتهد، وأيضًا العلماء الذين جاءوا بعد ذلك منهم من تبنى منهج البخاري ومنهم من تبنى منهج مسلم ولاشك أن الأحوط منهج البخاري، ولذلك العلماء قالوا: إن أحاديث البخاري أقوى من حيث الأصحية إلى غير ذلك من الاعتبارات التي -إن شاء الله يعني- ستجدونها في مظانها في حال التطويل.
فأنا أخشى أن تأخذ هذه المسألة علينا وقتنا، ونحن نريد أن نخطو خطوات أخرى أيضًا فنتجاوز هذه وننتقل إلى الحديث الحسن.
قال -بعد ذلك- الحافظ :
الحديث الحسن لذاته
فإن خف الضبط: فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح.
يعني نرجع إلى شروط الحديث الصحيح: فقال: " هو ما اتصل سنده بنقل العدل التام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة" كل هذه الشروط نريدها ماعدا شرطًا واحدًا، وهو تمام الضبط فنقول في الحديث الحسن لذاته في تعريفه: "هو ما اتصل سنده بنقل العدل - لأن العدالة هذه لابد منها- بنقل عدل خفيف الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة"
__________
(1) - سورة البقرة آية : 148.(1/130)
وحينما نقول: عن مثله هذا هو الحد الأدنى، لكن لو جاءنا الراوي خفيف الضبط ويروى عن تام الضبط نرد هذا ونقول له هذا ما هو حسن بذاته؟ لا: ما نقول هذا: نقول هذا هو الحد الأدنى يعني لو جاءنا مثلًا حديث يرويه راو خفيف الضبط هذا من أول السند وشيخه أيضًا خفيف الضبط، وشيخ شيخه خفيف الضبط وهكذا. إلى الآخر فهذا هو الحد الأدنى للحسن لذاته لكن لو جاءنا راو واحد فقط في الإسناد خفيف الضبط، والباقي كلهم ثقات فهذا أيضًا يقال له: حسن لذاته لكن أيهما أقوى: هذا أو ذاك؟
بلا شك أن الذي فيه راو واحد فقط خفيف الضبط، هذا أقوى من الذي فيه أكثر من راو خفيف الضبط. بعض الإخوة يقول: يمكن كيف نعرف هذا فلا بد من مثال. أقول يمكن أن نمثل على هذا بأمثلة كثيرة لكن يعني منعًا للإسهاب .
اضرب لكم مثالًا على ذلك لو نظرنا في مراتب الجرح والتعديل التي سيأتي -إن شاء الله- الكلام عنها نجد أن العلماء قسموا مراتب التعديل إلى ست مراتب وهؤلاء يعني العلماء المتقنين كالحافظ ابن حجر والسخاوي ومراتب الجرح إلى ست مراتب كما سيأتي -إن شاء الله- معنا.
المهم أن مراتب التعديل المراتب الثلاث الأولى منها كلها للحديث الصحيح فمثلًا.
المرتبة الأولى: من وصف بصيغة أفعل مثل فلان أوثق الناس أو فلان لا يُسْأَل عن مثله ، أو هو يُسْأَل عن الناس ونحو هذه العبارات التي تفيد الدرجة العليا من التوثيق.
الثانية: ما أكد مدحه بصفة أو صفتين مثل ثقة ثقة أو ثقة ثبت أو ثقة حجة.
والثالثة: ما أفرد بصفة واحدة مثل فلان ثقة أو فلان حجة أو فلان ضابط ونحو هذه العبارات. هذه كلها يعني أوصاف الحديث الصحيح، لكن الحديث الحسن هو صاحبه الذي يأتي في المرتبة الرابعة وهو من قيل فيه مثلًا فلان صدوق أو فلان لا بأس به أو مأمون أو خيار ، ونحو هذه العبارات.(1/131)
قالوا: هذه العبارات كلها تدل على أن الراوي لم يبلغ الدرجة العليا من الصحة ولم ينزل إلى درجة الضعف، وإنما هو في مرتبة وسط، وهي التي يمكن أن نختارها للحديث الحسن لذاته، فإذا أردنا أن نمثل يمكن أن نأخذ مثلًا محمد بن إسحاق صاحب السيرة محمد بن إسحاق صاحب السيرة اختلف العلماء فيه فمنهم من تكلم فيه ومنهم من وثقه، لكن الخلاصة التي نستنتجها من كلام العلماء أن هذا الرجل في هذه المرتبة الرابعة فقالوا عنه: صدوق حسن الحديث.
فما دام أنه صدوق حسن الحديث فنأخذ مثالًا لحديث يرويه أو يرد من طريق محمد بن إسحاق. قال الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم وهو معروف بابن عليَّة قال: أخبرنا محمد بن إسحاق هو هذا الذي نقصده قال: حدثني سعيد بن عبيد بن الصباغ عن أبيه عن سهل بن حنيف -رضي الله تعالى عنه أنه قال: " كنت ألقى من المذي شدة فكنت أكثر الاغتسال منه فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرني أو فقال لي يكفيك منه الوضوء -يعني ما يلزم الاغتسال- فقلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ فقال: يكفيك أن تأخذ كفًا من الماء فتمسح ما أصاب ذلك الثوب " وفي بعض الروايات: " فتتضح ما أصاب ذلك الثوب "
هذا الحديث بهذه الصورة لو نظرنا في إسناده شيخ الإمام أحمد إسماعيل بن إبراهيم بن عليَّة إمام ثقة وشيخ محمد بن إسحاق الذي هو سعيد بن عبيد بن الصباغ ثقة ووالده عبيد بين الصباغ ثقة والذي فوقه هو سهل بن حنيف ، وهو صحابي فالآن الإسناد كله ثقات ما عدا محمد بن إسحاق فقالوا عنه: صدوق حسن الحديث فهذا المثال يصلح مثالًا للحديث الحسن لأي شيء؟ لذاته؛ لأجل محمد بن إسحاق فبهذا المثال يعني يتضح لنا -إن شاء الله- ما هو مرادهم بالحديث الحسن لذاته.(1/132)
أحيانًا نجد الحديث الحسن لذاته هذا جاءنا من طريق آخر أيضًا حسنًا لذاته أو من طريق آخر صحيح، فبمجموع هذين الطريقين يرتقى الحديث من الحسن لذاته إلى الدرجة السابقة، وهي الصحيح لكن ليس الصحيح لذاته يعني بمفرده، بل بسبب شيء جبره فيقال له : لغيره ، فواضح يعني إنسان يمشي سوى فهذا يمشي بمفرده لكن حينما يكون ضعيفا يمكن أن يسقط ويأتي إنسان آخر فيشد يده بحيث لو أراد أن يسقط يقوِّمه هذا يقال له: يمشي بنفسه ولا بغيره؟ يمشي بغيره.
فهذا أيضًا يمكن أن يكون كمثال للحديث الذي نقول عنه هذا الكلام فهو لم ينجبر بنفسه ولكن بأمر خارج عنه وهو إما الحديث الحسن لذاته من طريق آخر أو حديث صحيح من طريق آخر.
ولذلك يقول الحافظ هنا: وبكثرة طرقه يصحح.
يعني بكثرة طرق الحديث الحسن لذاته يصحح يعني يصل لدرجة الصحيح لغيره.
نعم.
قال بعد ذلك الحافظ:
وصف الحديث بأنه "حسن صحيح"
فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين
طبعًا المتون دائمًا تكون مضغوطة، ولابد من تفكيك عبارة صاحب المتن فهذه العبارات كأنها طلاسم " فإن جمعًا فللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين" ما معنى هذا الكلام:
يقول الحافظ -رحمه الله- فإن جمع وصف حديث واحد بأنه حسن صحيح وهذا يرد وبخاصة عند مثل الترمذي ، وقد يرد عند غيره أيضًا، فأي يا طالب العلم إذا ما وقفت على حديث من الأحاديث قيل عنه: هذا حديث حسن صحيح يعني جمع فيه الوصفان: وصف الحسن ووصف أيش؟ ووصف الصحة "فإن جمعا" فهذا كما يقول الحافظ لا يخرج من أحد أمرين:
إما أن يكون ذلك الإسناد واحدًا فقط متفرد به ذلك الراوي الذي رواه يعني ليس له طريق أخرى ، ليس له إسناد آخر ما يروى إلا من هذا الطريق يعني أيش حديث أيش؟ في التعريفات السابقة الحديث الغريب يعني حديث غريب ما له إلا طريق واحد.(1/133)
يقول: "إذا كان الحديث ما له إلا طريق واحد فهذا للتردد في الناقل يعني في الناقل لهذا الكلام الذي أطلق هذا الوصف الذي قال: حسن صحيح، أي يقول يمكن أن يكون هذا الحديث حسنا، ويمكن أن يكون صحيحا، فمعنى ذلك أن هذا الحديث عنده لم يصل للدرجة العليا من الصحة، وإنما للدرجة الدنيا، لكن هذه الدرجة الدنيا عنده فيها تردد يمكن أن تكون هذه الدرجة مُلْحِقَة لهذا الحديث بالحديث الحسن لذاته ؛ لأن المسألة اجتهادية يعني في جعل هذا الراوي حديثه ملتحقًا بالصحيح أو ملتحقًا بالحسن.
وبخاصة إذا كان الحكم صادرًا من أكثر من واحد، فتجد أن بعض الناس موصوفًا بالشدة وبعضهم موصوفًا بالتساهل، مثل البخاري ومسلم -رحمهما الله- هل نعتقد أن منهج البخاري مثل منهج مسلم أو أن شخصية البخاري مثل شخصية مسلم؟ لا واضح تمامًا أن شخصية البخاري فيها شدة أقوى من شخصية مسلم رحمهما الله.
فالخلاف بين الشخصيتين، هذا التمثيل قد يرد في بعض العلماء الآخرين مع التفاوت الأكبر بين شخصيتي البخاري ومسلم، فبعض العلماء تجد عنده شيئًا من التساهل فمثلًا ابن خزيمة وابن حبان لا يفرقان بين الصحيح والحسن، فعندهما الحسن من نوع الصحيح، ولذلك يدخلان في كتابيهما الأحاديث الحسنة على أنها صحيحة فهذا منهج متساهل.
وهناك من هو متشدد شدة أكثر فتجده مثلًا الحديث الحسن قد يلحقه بالضعيف وأحيانا شخصية العالم نفسه في بعض الأحيان يعتريها التساهل، وفي بعض الأحيان تعتريها الشدة ، فإذا ما تردد العالم نفسه، أو حصل التردد من أكثر من واحد في وصف الحديث، أو بين أناس وأناس، فهذا إذا كان الحديث ما له إلا إسناد واحد فمعنى ذلك أنه متردد الحكم عليه بين الحسن والصحة، فلا هو بالدرجة العليا من الصحة ولا هو بالدرجة الدنيا من الحسن، بل هو في منزلة وسط هذا إذا لم يكن له إلا إسناد واحد.(1/134)
لكن إذا كان له أكثر من إسناد فيقول الحافظ بن حجر " باعتبار إسنادين " بمعنى أن هذا الحديث ورد بسند حسن وبسند صحيح ، فهو باعتبار هذا السند حديث حسن وباعتبار السند الآخر حديث صحيح، لكن هل هذا الكلام يمكن أن ينطبق على كل إطلاقات الترمذي؟ أقول: أفضِّل لكم. يعني ما دام الكثير يمكن يعني في بداية الطلب حتى يعني لا يحصل مثلًا كثرة إيراد للمعلومات على الذهن بحيث يُنْسى بعضها بعضًا الاكتفاء بهذا المقدار، وفي حال الكلام على المطولات يمكن أن تُبْسَط المسألة أكثر من هذا ؛ لأن هذين القولين اللذين اختارهما الحافظ ابن حجر قد قيلا ويمكن أن ينطبقا على بعض إطلاقات الترمذي.
لكن لا يمكن أن ينطبقا على بعض إطلاقاته الأخرى ؛ لأنه وجد هناك ما يخرم هذين القولين، ولذلك يعني أقول دائمًا أنه لا بد من دراسة مستوفية لإطلاقات الترمذي حتى يمكن أن ينزل كل قول قيل على حالة معينة فلا يمكن أن ينسحب هذا الحكم ولا ذاك الحكم على كل الأحاديث التي يطلق عليها الترمذي هذا القول.
ننتقل بعد ذلك لقول الحافظ:
حكم زيادة الراوي المقبول
"وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق"
يقول: الحديثان الحسن والصحيح إذا زاد الراوي الذي حديثه حديث صحيح أو حتى حديثه حديث حسن إذا زاد زيادة فزيادته نعتبرها مقبولة، لكن بشرط أن لا تقع منافية لمن هو أوثق.
والحقيقة يعني أنا استدرك شيء ؛ لأني ما وجدت الحافظ أشار إليه اللهم إلا أن يكون أشار إليه متقدمًا وهو الحديث الحسن لغيره يعني هذا أنسيته فنستدركه ما دام عندنا حديث صحيح، وصحيح لذاته وصحيح لغيره ، وحسن لذاته فهناك أيضًا حديث حسن لغيره.(1/135)
الحديث الحسن لغيره لو أردنا تعريفه يمكن أن نعرفه بالآتي: "الحديث الحسن لغيره هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه" هذا الكلام على الإطلاق؟ لا. نقول: "الحديث الحسن لغيره هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه لكن بشرط أن لا يكون الضعف شديدًا. ما المراد بشدة الضعف؟ هذه أنواع ، من أنواع شدة الضعف أن يكون الراوي متهمًا بالكذب، أو وضع الحديث، فهذا يقال له: الموضوع أو المتروك.
ومن أنواع شدة الضعف أن تكثر العلل في الحديث فلو جاءنا حديث مثلًا فيه انقطاع، وفيه راوٍ ضعيف، وفيه راوٍ آخر مجهول.
فكم اجتمع في هذا الحديث من علة؟ ثلاث علل: انقطاع، وراوٍ مجهول، وراوٍ ضعيف، فإذا تجمعت هذه العلل في حديث فلا يعتبر من الأحاديث التي يمكن أن ينجبر ضعفها بتعدد الطرق، لكن الذي ينجبر ضعفه بتعدد الطرق هو الذي يكون ضعفه ضعفًا يسيرًا، ويمكن أن أمثل على هذا بحديث يرويه جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- هذا الحديث يرويه الحميدي في مسنده وسعيد بن منصور في سننه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم: عن شيخهم سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى- وسفيان يرويه عن شيخ له ثقة اسمه محمد بن علي السلمي
فيقول: "حدثني محمد بن علي السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا جابر أَعَلِمْتَ أن الله أحيا أباك: فقال له: تمنى. فتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى فقال له الله -جل وعلا- "إني قضيت أن لا يرجعون" "(1/136)
هذا الحديث أيها الإخوة بهذه الصورة كل رواته ثقات شيخ الحميدي وسعيد بن منصور والإمام أحمد هو سفيان بن عيينة وهو إمام ثقة، وشيخ سفيان بن عيينة هو محمد بن علي السلمي وهو ثقة أيضًا وجابر بن عبد الله صحابي، لكن بقي عبد الله بن محمد بن عقيل هذا. عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه فهو صدوق في نفسه لكن في حفظه ضعف، يعني: ضعيف الحافظة، فحديثه لا يصل لدرجة الحسن لذاته بمفرده.
وهذا يعني بناءً على ما نرجحه مع العلم أن هناك المتساهل من العلماء يحسن حديثه بانفراده، لكن دعونا الآن على هذا الرأي الذي نرجحه، وهو أنه ضعيف الحديث مع كونه صدوقًا فحديثه إذن يحتاج إلى ما يجبره ما يجبر ذلك الضعف اليسير. نظرنا هل لهذا الحديث من طرق أخرى؟
نقول: نعم وجدنا له طرقًا أخرى منها على أساس ما نطيل: طريق واحدة أخرجها الترمذي وابن ماجه وابن حبان من طريق رجل يقال له: موسى بن إبراهيم بن كثير، وهذا الراوي هو صدوق أيضا، لكنه في حفظه ضعف ، يعني : هو قريب من عبد الله بن محمد بن عقيل يشابهه، وموسى بن إبراهيم بن كثير هذا يرويه عن راو صدوق، يقال له: طلحة بن خراش، وطلحة يرويه عن جابر بن عبد الله الصحابي -رضي الله تعالى عنه- بنحو ذلك المتن الذي ذكرته قبل قليل، يعني المتن هو نفس المتن، فالآن جاءنا هذا الحديث من إسناد آخر فيه راو مثل عبد الله بن محمد بن عقيل، من حيث يعني الضعف اليسير.(1/137)
فالحديث بهذه الصورة من هذين الطريقين يمكن أن ينجبر ضعفه، ونقول عنه ماذا ؟ إنه حديث حسن لغيره؛ لأنه جاءنا من طريق فيها ضعف يسير، ومن طريق أخرى فيها ضعف يسير، فكلا الطريقين شد من الآخر، فانجبر ضعفهما مثل يعني رجل أعمى، ورجل مشلول، وهو يبصر يمكن أن يحمل الأعمى المشلول، ويمشيان سويا كأنهما رجل واحد صح ولا لا؟ المشلول يقول له: اذهب يمنة ويسرة والأعمى ما شاء الله نشيط ويحمله فيعني ، نأخذ المثال كهذا هذا بالنسبة للحديث الحسن لغيره، يعني على الاختصار.
نرجع الآن لما بدأنا به قبل قليل، وتوقفنا فيه، وهو الحديث الذي ترد فيه الزيادة، فيقول: الحافظ وزيادة راويهما يعني راويا الحديث الحسن والحديث الصحيح مقبولة، لكن بشرط ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فتحصل من هذا أن عندنا زيادة منافية وزيادة غير منافية، فيقول: يمكن أن تأتينا زيادة من راوي من الرواة منافية لحديث راو آخر، ويمكن أن تأتينا زيادة غير منافية، ما معنى هذا الكلام؟ أمثل بمثال لو أن الحديث جاءنا بإسناد، ولنفرض مثلا أنه الإسناد الذي قدمناه قبل قليل .
مثلا سفيان بن عيينة يرويه عن شيخه محمد بن عبد الله السلمي أو علي بن محمد السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟ " ثم جاءنا رجل آخر، وليكن لو فرضنا أن الحديث جاءنا من رواية محمد بن إسحاق الذي هو قدمنا قبل قليل أنه أيش؟ صدوق يرويه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر: " يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟ " الآن الحديث بهذه الصورة يصبح أيش؟ لا، يصبح مرسلا، لأنه ما صرح بأنه تلقاه عن جابر، وإنما كأنه هو الذي سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لجابر هذا الكلام، وعبد الله بن محمد بن عقيل تابعي ليس صحابيا، فهو لم يدرك النبي.(1/138)
فالعلماء يقولون: إذن سقط من هذا الإسناد واسطة، قد يكون الساقط صحابيا، وقد لا يكون صحابيا، قد يكون تابعيا آخر، فالمهم أن في الحديث سقطا، معنى ذلك أنه لم يتصل سنده ما تحققت إحدى شروط الحديث الصحيح ولا الحسن، ففيه انقطاع، لكن كيف؟ وهذا الحديث قد روي مرة على أنه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ها قالوا: الآن اختلف الراويان محمد بن إسحاق وعلي بن محمد السلمي فنظرنا في هذين الراويين أيهما أوثق؟ .
السلمي أوثق من محمد بن إسحاق، لا محمد بن إسحاق صاحب شريك كلاهما يرويان الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل، يعني أنا فقط أضرب هذا المثال للتقريب، فما دام أن السلمي أوثق من محمد بن إسحاق، نحن نضع الاحتمال الآخر، وهو أن الكلام الذي في محمد بن إسحاق ما جاء نتيجة الفراسة، لو كان الكلام غير صحيح، لما نزلنا محمد بن إسحاق من مرتبة الثقة إلى مرتبة الصدوق الذي هو خفيف الضبط .
وإنما نزل إلى خفة الضبط بسبب أن في حفظه شيئا من الضعف، فنحمل هذه المخالفة على أنها نتيجة ماذا؟ الضعف الذي وصف به محمد بن إسحاق، فنسمي رواية علي بن محمد السلمي بالمحفوظة ورواية محمد بن إسحاق بالرواية الشاذة، يعني الرواية المرجوحة نسميها ماذا؟ شاذة، والرواية الراجحة نسميها المحفوظة.(1/139)
مثال آخر لو جاءني حديث من الأحاديث فيه زيادة في متنه، وليكن مثلا حديث: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " بعض الرواة رووا الحديث بهذا اللفظ وبعض الرواة زادوا فيه لفظة أخرى وهي: " إحداهن أو أولاهن بالتراب " فهذه الزيادة هل فيها منافاة للحديث الأول؟ قال: لأن هذا الزيادة تعتبر كالحديث المستقل، فتقبل مادام أن راويها أو الذي زادها راو ثقة؛ لأنها تعتبر كأنها حديث مستقل، يعني لو جاءنا راو ثقة وروى حديثا ما رواه غيره نقبله، ولّا لا نقبله؟ نقبله، وقالوا: هذه الزيادة كأنها حديث مستقل، فنقبلها؛ لأنها لا تنافي الرواية الأخرى، بل هي زائدة عليها، فوضحت بهذين المثالين ما معنى الزيادة التي فيها منافاة، والزيادة التي ليس فيها منافاة تلك فيها زيادة من؟ التي فيها منافاة، كيف حكمنا على أن الحديث فيه زيادة؟ يعني رواية محمد بن إسحاق، ورواية محمد بن السلمي، أيتهما التي فيها زيادة، وأيتهما التي فيها نقص؟ .(1/140)
رواية محمد بن إسحاق هي التي فيها النقص، ورواية علي بن محمد السلمي هي التي فيها الزيادة، ما هي الزيادة التي زادها علي بن محمد السلمي؟ زيادة جابر بن عبد الله في السند، يعني حينما يقول -مثلا- محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر: " يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟ " الآن عبد الله بن محمد بن عقيل إنه هو الذي يسمع الحديث، فأسقط جابرا من السند لكن علي بن محمد السلمي قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل أن جابرا حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟ " فالآن في الإسناد ماذا؟ زيادة جابر بن عبد الله الصحابي، فهذه هي الزيادة التي فيها منافاة، فنحن نعرف أنه لا بد أن يكون أحد الحديثين هو الصواب، إما رواية محمد بن إسحاق أو رواية علي بن محمد السلمي؛ لأنه لا يمكن أن يجمع أن نجمع بينهما، ما يمكن أن يكون هذا صحيحا وهذا صحيحا، بل لا بد أن يكون أحدهما هو الصحيح، فرجحنا رواية السلمي على رواية محمد بن إسحاق، أما تلك زيادة: " إحداهن أو أولاهن بالتراب " فليس فيها منافاة، يعني حديث مكتمل وجاء فيه راو وجاء أحد الرواة وزاد فيه تلك الزيادة التي ليس فيها منافاة ما فيه فرق، الزيادة قد ترد في السند، وقد ترد في المتن، كلاهما سواء (بس) المهم هل فيها مخالفة ولا ما فيه مخالفة ؟ .
يعني لنفرض مثلا أنه جاء متن زيدت فيه مخالفة للمتن الذي ليست فيه الزيادة، مثلا المتن أوله فيه تحليل أمر معين، ثم جاء راو، فزاد زيادة تفيد أن هذا الأمر غير حلال، وإنما هو حرام، فالآن هذه الزيادة تعتبر فيها منافاة للرواية الأولى ولا ما فيها منافاة؟ فيها منافاة؛ لأنها تحرم أمرا كان محللا في ذلك الحديث فهذه تعتبر من الزيادات التي فيها منافاة.(1/141)
هذا كله كلام ينصب على الحديث الذي يرويه راوي الحديث الحسن، أو راوي الحديث الصحيح، لكن لو اختلف الأمر فأصبح الراوي للزيادة أو الراوي للنقص ضعيفا فالحكم يختلف؛ فلذلك يقول الحافظ هنا:
الحديث المحفوظ والشاذ والمعروف والمنكر
فإن خُولف بأرجح ، فالراجح المحفوظ ، ومقابله الشاذُّ . ومع الضعف فالراجح المعروف ، ومقابله المُنكر.
هذا راوي الحديث الحسن وراوي الحديث الصحيح، لو خولف برواية أرجح منه، فالرواية الراجحة هي التي يقال لها: المحفوظة والرواية المرجوحة يقال لها: الشاذة.
انتهينا من هذا، ومع الضعف فالراجح المعروف يقول: إذا اختلف الأمر، فأصبح الراوي الذي إما زاد الزيادة أو لم يزدها راويا مضعفا، هذا يقال لروايته: منكرة، وللرواية الراجحة، نقول: الراجح المرجوح، ومقابله الممكن، نمثل على هذا بمثال حتى يتضح .
هناك حديث أيها الإخوة يرويه سعيد بن منصور في سننه يقول: حدثنا هشيم قال: حدثنا ليث وهو ابن أبي سليم، عن طاووس وهو ابن كيسان اليماني، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يقرأ : { فدية طعام مساكين } (1) يعني الآية في صورة البقرة يقرأها يقول ليث بن أبي سليم في حديثه هذا: إن ابن عباس قرأها { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين } (2) أعيده، طيب قال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم، قال: حدثني ليث عن طاووس، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: { فدية طعام مساكين } (3) .
__________
(1) - سورة البقرة آية : 148.
(2) - سورة البقرة آية : 148.
(3) - سورة البقرة آية : 148.(1/142)
لاحظوا الآن مساكين هنا جاء بصفة الجمع هذه القراءة عن ابن عباس ليست صحيحة الإسناد بهذا الصورة، ضعيفة؛ لأن فيه ليثَ بن أبي سليم، وهو ضعيف، لكن هل نكتفي بالحكم على هذا الحديث أنه ضعيف، أقول: لا نكتفي بالحكم عليه أنه ضعيف، بل نقول: هذا الحديث زيادة على الضعيف، فهو منكر، كيف عرفنا أنه منكر؟ لأن ليث بن أبي سليم خالف من هو أوثق منه جاءت هذه الرواية مخالفة للصحيح الثابت عن ابن عباس.
وذلك أننا وجدنا البخاري -رحمه الله- في صحيحه أخرج بالإسناد الصحيح من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يقرأ " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " أيش؟ الإفراد فهذه قراءة ابن عباس "يطوقونه" بدل "يطيقونه"، و"مسكين" بدل "مساكين" هذا هو الصحيح، وهو الذي أخرجه البخاري في صحيحه، فإذن أصبح الثابت عن ابن عباس ماذا؟ قراءة مسكين بلفظ الإفراد، فتبين بهذا أن ليث بن أبي سليم قد أخطأ في تلك الرواية، فمع كون حديثه ضعيفا، فهو أيضا حصل فيه المخالفة، فنقول: عن رواية ليث بن سليم هذه: إنها رواية منكرة.
إن شاء الله بهذا المثال يكون واضحا الأمر يعني في أي طبقة ليث بن أبي سليم؟ يعني من الذي يوازيه؟ يمكن عمرو بن دينار.
فإذن يعني بهذا نعرف أن الحديث الشاذ والحديث المنكر نستطيع أن نعرفهما بالتعريفين الآتيين، لو سألنا ما هو تعريف الحديث الشاذ، وما هو تعريف الحديث المنكر، فالحديث الشاذ نستطيع أن نعرفه، فنقول: هو ما يرويه الثقة مخالفا من هو أوثق منه.
والحديث المنكر: هو ما يرويه الضعيف مخالفا من هو أوثق منه، فلا بد إذن في الحديث الشاذ والحديث المنكر من قيد المخالفة، فيشتركان في قيد المخالفة، لكنهما يفترقان في كون هذا راويه ثقة، وهذا روايه ضعيفا، أعيد تعريف المنكر.
تعريف المنكر: هو ما يرويه الضعيف مخالفا من هو أوثق منه، والشاذ: هو ما يرويه الثقة مخالفا من هو أوثق منه.(1/143)
الآن أيها الإخوة بهذا التعريفات، يعني: أنا أذكر لكم الشيء الراجح، وليس معنى هذا أنه ليس هناك خلاف في تعريف الشاذ أو تعريف المنكر، بل هناك خلاف، يعني أشير إليه إشارة عابرة حتى تكونوا يعني فقط على اطلاع، لو جاء مثلا من يذكر لكم خلاف هذا تقولون: نعم، لكن هذا هو الرأي الراجح، فتعريف الشاذ هو التعريف الراجح، هو الذي رجحه الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-.
لكن هناك من جعل الشاذ مجرد التفرد، فقال: الشاذ هو: ما يرويه.. ما يتفرد بروايته الثقة، أو ما ينفرد بروايته الثقة، فبهذا الاعتبار يكون حديث: " إنما الأعمال بالنيات " على هذا القول حديثا شاذا؛ لأنه ينفرد بروايته ثقة، وهو علقمة بن وقاص، بل وينفرد به أيضا عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، بل وينفرد به عن محمد إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري، فإذن هذا لا خلاف بأنه بناء على هذا الرأي يعتبر شاذا.
كذلك أيضا المنكر، بعضهم يعتبر المنكر هو ما ينفرد به الراوي المستور أو المضعف الذي في حفظه ضعف يسير مجرد ما ينفرد بأي حديث يسمونه حديثا منكرا، ولكن كلا هذين الأمرين مرجوح، والصواب أنه لا بد من قيد المخالفة .(1/144)
فنقول في الشاذ: ما يرويه الثقة مخالفا من هو أوثق منه، وفي المنكر: ما يرويه الضعيف مخالفا من هو أوثق منه، لكن لو جاء حديث ينفرد بروايته الراوي الثقة نقول عنه: حديث أيش؟ صحيح، ولو جاءنا حديث ينفرد بروايته الضعيف نقول عنه: حديث ضعيف، فمعنى هذا أيهما يعني أشد ضعفا؟ الضعيف أو المنكر؟ المنكر ما دام أنه يعني اجتمع الضعف والمخالفة، فظلمات بعضها فوق بعض، يعني ضعف مع ضعف، لا حسن غريب، هذا يعني له تفصيل آخر، نتركه الآن في الأسئلة، يعني نقف عند هذا الحد، وبعد ذلك نتابع إن شاء الله في الحديث، أو بعض أنواع الحديث، وهو المتابع والشاهد والاعتبار، ونجيب أول شيء عن سؤال الأخ حينما قال: على فكرة أيها الأخوة يعني جاءني ملاحظة: يقول بعض الأخوة: إن غدا بعض الأخوة يكون صائما وقد لا يناسبهم الدرس بعد المغرب فهذا أيضا إشكال، طيب تفضلون بعد العصر وننتهي يعني قبيل المغرب بيسير حتى يعني الذي يكون صائما يفطر، أو بعد العشاء؟.
طيب اللي يفضل بعد العصر نشوف الأكثر عددا بعد العصر، طيب، والذي بعد العشاء يفضل بعد العشاء من؟ إذن يكون بعد العصر نشوف اللي بعد العصر أكثر، نعم خلاص ما في شيء إن شاء الله نعم الشيخ الفراج يعتذر غدا قبل الظهر، ما فيه درس، لكن بعد الظهر فيه نحو، وبعد العصر فيه مصطلح، العصر إن شاء الله الساعة أربعة ونصف، يعني من أربعة ونصف إن شاء الله ننتهي حوالي السادسة أو السادسة وربع إن شاء الله، ونحن منتهون أحسنت.
س: أخي يقول بالنسبة للشاهد يعني الحافظ ابن حجر يقول: مخالفة المقبول لمن هو أرجح منه يعني من حيث الثقة أو من حيث كثرة العدد؟ .(1/145)
ج: فأقول: نعم يعني هذا أولى؛ لأن المقبول يدخل فيه الصدوق، وليس المقصود به الثقة فقط، أما بالنسبة لسؤال الأخ عن قول الترمذي: حسن غريب، فقول الترمذي: حسن غريب، إما أن يكون يريد الغرابة الاصطلاحية، أو يكون يريد الغرابة المتنية، وهذا يتبين بما لو جاءنا الحديث من أكثر من طريق، فإذا كان الترمذي مثلا روى الحديث، ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وفي الباب عن فلان وفلان، فهنا في هذه الحال نعرف أن الترمذي لم يقصد الغرابة الاصطلاحية، فإذن نظرنا في ذلك الحديث الذي قال عنه الترمذي: حسن غريب، فوجدنا فيه ضعفا يسيرا مثلا فعرفنا أن الترمذي -رحمه الله- قصد بالحسن هنا أي الحسن لغيره، يعني هذا الحديث فيه ضعف، قال: وفي الباب عن فلان وفلان فبين أنه حسن هذا بمجموع طرقه، لكن لو لم يقل الترمذي وفي الباب عن فلان فنعرف أن مراد الترمذي بالغرابة هنا الغرابة الاصطلاحية وأنه يحسن هذا الحديث لذاته يقصد أن هذا الحديث بهذا الإسناد حسن، وأنه لم يرد إلا من هذا الطريق فكلا هذين محتمل.
س: خلاص يقول أحد الأخوة: هل ورد في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة لفظ: " من بات وفي يده ظفر فلا يلومن إلا نفسه "
ج: أقول: نعم لكن ليس هذا لفظه بالضبط، وإنما الحديث رواه الترمذي وغيره، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من بات وفي يده ريح غمر فلا يلومن إلا نفسه "
وفي الحديث وفي بعض طرقه زيادة " أن الشيطان حساس لحاس، فمن بات وفي يده ريح غَمَر، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه "
قد تقولون: ما مدى صحة هذا الحديث؟.
فأقول: إن شاء الله إنه صحيح من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نعم نعم. الغمر: هو الظفر، الأخ عبر بالمعنى يعني في الحديث الحث على غسل اليد بعد الطعام نعم.
س: يقول: هل التزم البخاري ومسلم بشرطيهما في جميع الأحاديث التي أخرجاها في صحيحيها؟ .(1/146)
ج: أقول: نعم التزما بشرطيهما في جميع الأحاديث ما عدا الأحاديث التي يردانها في الشواهد والمتابعات، فهذه لا تعتبر في الأصول، وإنما المقصود بشرطيهما في الأصول يعني الأحاديث التي يحتجان بها.
س: وأحد الأخوة يسأل يقول: ما هي أصح الكتب في الحديث بعد البخاري ومسلم؟.
ج: الحقيقة أيها الأخوة يعني الحكم على كتاب أنه أصح الكتب بعد البخاري ومسلم يعني قد أنازع فيه، لكن حتى هذه الساعة بحسب اجتهادي أنا أرى أن أصح الكتب بعد البخاري ومسلم ابن خزيمة، هناك من يرى أن صحيح ابن حبان أصح من صحيح ابن خزيمة، ولي في هذا كلام؛ لأنني ذكرت في شرح ألفية السيوطي، وإن شاء الله يعني أقوم بدراسة لبعض الأبواب التي يشترك فيها ابن خزيمة وابن حبان للخروج بنتيجة مبنية على أسس علمية، هل فعلا صحيح ابن خزيمة أصح من صحيح ابن حبان أو العكس؟.
لكن صنيع العلماء المتقدمين يفيد بأن صحيح ابن خزيمة أصح من صحيح ابن حبان، فإنهم قدموا الكتب بهذه الصورة، قالوا: صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، ثم صحيح ابن خزيمة، ثم ابن حبان، ثم الحاكم .
ومن الموافقات العجيبة أن الترتيب في الأصحية في هذه الصورة جاء بناء على الترتيب؛ فالبخاري متوفى قبل مسلم، ومسلم متوفى قبل ابن خزيمة، وابن خزيمة متوفى قبل ابن حبان، وابن حبان متوفى قبل الحاكم، بل إن كل واحد من هؤلاء يعتبر شيخا للآخر، فالبخاري شيخ لمسلم، ومسلم ذكر فهو أيضا شيخ لابن خزيمة، وابن خزيمة شيخ لابن حبان، وابن حبان شيخ للحاكم .
فهنا هو الترتيب يعني كما قلت لكم الآن، وقد أغير وجهة نظري إذا تبين لي من خلال الإحصائية التي سأقوم بها أن صحيح ابن حبان أصح.
س: يقول: أيهما أقوى الحديث الصحيح أو الحديث الحسن الصحيح إذا كان به أكثر من سند؟.
ج: أقول: بل الحديث الحسن الصحيح إذا كان حسنا من طريق وصحيحا من طريق أقوى من الحديث الصحيح فقط.(1/147)
يقول: هل شرط البخاري ومسلم في قبول الرواية فيمن عاصر وعنعن وذكر في المدلسين؟ أقول: أيها الأخ السائل جزاك الله خيرا، يعني أنا مثلا بعض الأخوة يريدني أن أتكلم في بعض المسائل، وأنا اجتنبتها عمدا، لأني أخشى مثلا لو تكلمت في مسألة التدليس والمدلس والعنعنة، أضيع السامع، ونحن هنا نراعي كما قلت: الضعيف أمير الركب، أراعي يعني أناسا يمكن أول مرة يحضرون دروس المصطلح، فلا أريد المعلومات تتداخل في أذهانهم، وينسي بعضها بعضا، فأرجأت الكلام عن التدليس في موضعه إن شاء الله، نأخذه مرة تلو الأخرى، فعلى كل حال جوابا لسؤال الأخ، قد يكون يعني مستفسرا: البخاري ومسلم يتكلمان عن العنعنة لغير المدلس، أما المدلس الذي يرد تدليسه فعلا فهذا ليس من الرواة الذين يتنازعان فيه.
س: أحد الأخوة يقترح أن آتي في وقت الشيخ محمد الفراج، ويكون الدرس في غير النخبة للاستفادة من الوقت.
ج: أقول: ذهب الأخوة ولو كان هذا الاقتراح، يعني جاء مبكرا أن آتي أنا ما عندي مانع إن شاء الله.
س: أحد الأخوة يقول: نرى بعض المحققين إذا خرج حديثا يقول بعد ذلك: وفي الباب عن فلان وفلان، ويذكر بعض الصحابة هل تعتبر هذه شواهد؟ .
ج: أقول: هذا إن شاء الله في الليلة القابلة؛ لأننا وقفنا الآن على المتابع والشاهد، نعم غدا يعني إن شاء الله.
س: يقول الأخ: عندي رغبة في معرفة رجال السند أو الإسناد فما الطريقة المثلى في ذلك مع ذكر الكتب؟ .(1/148)
ج: هذا إن شاء الله أيضا سيأتي، لأن إن شاء الله في هذه الدورة سننهي الكتاب وبانتهاء الكتاب يكون الواحد، إن شاء الله يعني عارفا بالطرق الأساسية في تخريج الحديث، وللحكم على السند، وعلى كل حال يعني أجيب الأخ جوابا عاجلا، وأما التفصيل ففي وقته، الطريقة المثلى أن تتعرف على كتب الرجال ما هي الكتب التي تعتبر أصلية، وما هي الكتب التي تعتبر أخذت خلاصة الأحكام على أولئك الرجال وكيف رتبت هذه الكتب وما هو الكتاب الذي صاحبه يعتبر متساهلا والكتاب الذي يعتبر، ينبغي أن يشد على قول صاحبه بالناجبين، يعني مثلا لا نعتبر ثقات ابن حبان، ابن حبان حينما يوثق راويا مثل توثيق أبي حاتم الرازي ؟ ابن حبان متساهل في التوثيق، وأبو حاتم الرازي إذا وثق رجلا فشد عليه بيدك لا تطلقه، لكن لو ضعف أبو حاتم الرازي رجلا فهو معروف بالتشدد، فقد يضعف من هو موثق في بعض الأحيان، معرفة مناهج المحدثين هذه مهمة، وسيأتينا إن شاء الله أيضا الكلام عليها فكل شيء في حينه.(1/149)
أيضا بالنسبة للترتيب بعض الكتب رتبت على الطبقات يعني الراوي الأقدم، فالراوي الأقدم، وبعض الكتب جمعت بين الترتيب على الطبقات، والترتيب على الحروف، فلذلك ترتيبها على الحروف ترتيب غير دقيق، وبعض الكتب رتبت الرواة على الحروف فعلا ترتيبا دقيقا، مثل تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر وبعض الكتب تنتقي خلاصة الأقوال، كتقريب التهذيب للحافظ ابن حجر، يقول: هذا الراوي ثقة، هذا ضعيف، هذا صدوق، هذا يخطئ، وهكذا يعني هو يأخذ خلاصة الأحكام، بعضها قد يضعف، لكن لو رجعت إلى التهذيب تجحد مثلا ترجمة الراوي قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال أحمد: لا بأس به، وقال البخاري: صدوق، ثم تضيع طيب ما هو الصواب؟ قول ابن معين، ولا قول أحمد، ولا قول البخاري، ولا قول من؟ هذا لا بد من التعرف على مناهج المحدثين، وما دمت مبتدئا في طلب الحديث فيمكن أن تلجأ إلى العلماء المتبحرين كالحافظ ابن حجر، فتستفيد من اختياره للقول الراجح في ذلك الراوي.
س: يقول: هل كان رواة الحديث الأولون يراعون لفظة "عن" أو "سمعت" في نقل الأحاديث، وهل ينقلها عنه تلميذه بنصها، أم يعبر عن هذه اللفظة من نفسه؟ .(1/150)
ج: أقول: ما شاء الله الأخ يعني يأتي بمسألة من معضلات المسائل يقول: إنه وقف على كلام الشيخ عبد الرحمن المعلم -رحمه الله-، المسألة هذه يعني مسألة عويصة، يعني حينما يأتينا إسناد من الأسانيد، فيه راو يروي عن شيخ بصيغة عنعنة، مثل كأن يقول مثلا: الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فمن الذي جاء بصيغة، عن بين الأعمش وبين أبي صالح، هل هو الأعمش نفسه هو الذي أطلق كلمة عن، أم من دون الأعمش؟ أطلقها اختصارا، يعني مثلا حينما نجد الراوي عن الأعمش مثلا سفيان الثوري، والراوي عن سفيان الثوري وكيع، هل ممكن أن يكون وكيع هو الذي قال: حدثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح مع العلم أن في الأصل أن الأعمش يقول: حدثنا أبو صالح، فيكون من هو دون؟ نقول: هذا محتمل، والرأي الآخر أيضا محتمل أن يكون الأعمش هو الذي استعمل صيغة عن، فكل هذا محتمل، فما دام أنه محتمل، ففي هذه الحال الحيطة دائما تقتضي التوقف في قبول عنعنة المدلس إلا إذا جاءتنا قرينة تجعلنا نختار أن عنعنة المدلس في هذا الموضوع محمولة على السمع، وهذه يعني تحتاج أيضا إلى طول، ولا أستطيع أن أفصل فيها في هذه العجالة.
الشيخ عبد الرحمن المعلم كأنه يختار القول بأن الذي يستعمل صيغة عن هو من دون المدلس، لكن هذا يعني عليه بعض المؤاخذات ومن الأدلة يعني على الاختصار، أقول: هذا الكلام ومن الأدلة على هذا أن سفيان بن عينية مثلا، مرة قال عن الزهري، أو الزهري قالوا له: سمعته من الزهري؟ فرددها مرة أخرى، فردوا عليه، قالوا: سمعته من الزهري؟ فلما وجدهم يلحون عليه قال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري أخبرني عبد الرازق، عن معمر، عن الزهري، فأصبح بينه وبين الزهري كم واسطة؟ اثنين من الرجال .(1/151)
فهذا يدل على أن الراوي أحيانا هو نفسه يستخدم صيغة عن، فلذلك لا بد من قرينة تدلنا أن ذلك الراوي هو الذي استخدم صيغة عن، أو لم يستخدمها، وما دام أننا لا نعرف، فالاحتياط يقتضي التوقف، نعم من القرائن التي تدل على أنه هو ليس الذي أطلقها، كأن يرد الحديث من طريق أخرى مثلا، المثال الذي مثلت به قبل قليل، وكيع، عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، لو جاءنا مثلا مرة أخرى من رواية شعبة، قال: حدثني الأعمش قال: حدثني أبو صالح، ففي هذه الحال أعرف أن العنعنة هذه جاءت ممن هو دون الأعمش، وأن الأعمش فعلا سمع هذا الحديث من شيخه، فهذه قرينة أيضا وليست على الإطلاق.
س: أحد الإخوة يقول: حديث أبي سفيان عند مسلم " وزوجتك ابنتي " هل هو معلل، وهل يكون ضعيفا بهذا؟.
ج: هذا أجبت عنه الليلة البارحة ويبدو أن الأخ الذي سأل ما كان حضر في الليلة البارحة أنا قلت الذي يعني ترجح لي أن هذا الحديث لا يعتبر من الأحاديث المعلولة عند مسلم وإن كان بعض العلماء انتقده كابن حزم، لكن الصواب أن هذا الحديث يمكن أن يوفق بين هذا القول وبين كون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متزوجا بأم حبيبة قبل ذلك بأمور، ذكرت بعضها ليلة البارحة، ومن أراد الإفاضة في هذا يمكن أن أدله على المرجع إن شاء، أو ينتظر حتى نواصل الحديث في درس صحيح مسلم إن شاء الله.
س: يقول: يعاني كثير من الأخوة وأنا منهم أننا لم نعرف الاستقامة إلا بعد أن جاوزنا العشرين وبعد أن أضعنا سنوات العمر الذهبية، فيصاب الإنسان أحيانا، بل كثيرا كأنه يقول بيأس : الظاهر أن يصل إلى منزلة في العلم، ويشعر أنه مهما فعل فلن يصل إلى شيء، فيدخل عليه الشيطان من هذا المدخل، فماذا نفعل؟.(1/152)
ج: أقول: لا أيها الأخ بالعكس، لو كنت في سن الخمسين إذا وفقك الله جل وعلا، وشعرت أن ساعات العمر فعلا، كما قلت: ساعات ذهبية، بل هي أغلى من الذهب، فإنك تستطيع في تلك الفترة الباقية من عمرك أن تكون بإذن الله من العلماء، فأضرب لك مثالا على ذلك: ابن حزم الظاهري، يعني أتعب الناس في كثرة علمه بسبب يعني أنه كان يخالف في بعض المسائل، ووجدوا أن هذا المخالفة نشأت من جهل ابن حزم، بل هو بحر في كل ما ألقي فيه، لكن هل ابن حزم طلب العلم من صغره؟ .
لا ابن حزم كان أولا ولدا مرفها، فأبوه كان وزيرا، وكان يعيش عيشة المرفهين، وبعد أن مضت عليه فترة من العمر طويلة ابتدأ يطلب علم الحديث، وإلا كان في السابق مشغولا بالآداب والأمور التي تشغل الإنسان هذه؛ ولذلك هو له نصيب مما يسمى بالأدب، وما إلى ذلك، فهو ما طلب علم الحديث إلا متأخرا، ومع ذلك انظر إلى كتابه المحلى تجد فيه علما جما بل كيف لو وصل إلينا كتابه الأصلي وهو الإيصال الذي هو أصل المحلى، المحلى هذا يعتبر مختصرا، يعني على ما فيه من الدسومة، يعتبر مختصرا فكيف بأصله، بل انظر إلى كتابه إحكام الأحكام، ولست يعني بكلامي هذا يعني أقول: إن جميع ما في الأحكام أو ما في المحلى صواب، بل أقول: لا بد للذي يريد أن يقرأ هذين الكتابين أن يكون متبحرا حتى لا يغتر بأسلوب ابن حزم؛ لأن بعض الناس يغتر بأسلوبه، فوقعوا في بعض الشذوذات العلمية، لكن ما ينبغي أن يقرأ هذين الكتابين وأمثالهما من كتب ابن حزم إلا إنسان متبحر هذا مثال لابن حزم.(1/153)
هناك أيضا مثال عبد الله بن وهب فهو في بداية عمره، لم يكن طلب العلم حتى ألقت إليه شبهة من الشبه، فذهب إلى عالم يسأله عن تلك الشبهة، فعرف ذلك العالم أن هذه الشبهة ما وردت على عبد الله بن وهب إلا بسبب قلة علمه، فقال له: عبد الله بن وهب؟ قال: نعم. قال: اطلب العلم، فتنبه من الجحيم، فطلب العلم بعدما كبر ولازم الإمام مالكا -رحمه الله- وغيره من العلماء، فأصبح عبد الله بن وهب من خيرة العلماء، ومن فطاحلة العلماء، وله مؤلفات عدة منها الجامع والمسند، وهو أحد الرواة لموطأ الإمام مالك وغيرها كثير، والأمثلة على هذا كثيرة يعني لو فتحنا في كتب التراجم نجد كثيرا من الرواة ما طلبوا العلم إلا في حال الكبر وما طلبوا العلم إلى في حال الكبر، لكنهم بعد ذلك يعني شعروا فعلا بأن ساعات العمر التي مضت ينبغي أن يعوضوها، فكثفوا من الجهود ووفقهم الله جل وعلا وعلى كل حال كل إنسان بحسب نيته، فالذي يصدق مع الله جل وعلا يصدق الله معه، فيوفقه لحافظة قوية يسهل أموره في الطلب وما إلى ذلك.
يقول: وجد في بعض نسخ الفتح ضبط الحميدي هكذا الحُمَيِّدي بالتضعيف فهل هما رجلان أم أنه تصحيف في النسخ؟.
إذا لم يكن فيه إحراج على الأخ السائل يمكن أعرفه؟ على أساس يعني نعرف أن أنت السائل على أساس أعرف أي نسخة من الفتح ورد فيها هذا؟ نعم .
على كل حال قد يكون خرج، وقد يكون يعني لا يريد الظهور أمام الأخوة، فأنا لا أشك في أن هذا خطأ؛ لأنني ما أعرف أن الحميدي هناك من صغر اسمه، وعلى كل حال يعني إن كان بعض الأخوة يبحث أيضا في كتب الترجمة؛ فيفيدنا جزاه الله خيرا، لكن إذا كانت هذه النسخة من الفتح من النسخ التي تضبط إن كانت يعني الفتح التي طبعتها المطبعة السلفية، فهذه في الغالب طبعة يعني جيدة خاصة، أنا أقصد الطبعة الأولى، أما إن كانت الطبعة الأخيرة أو الطبعات الأخرى من الفتح، فقد يكون فيها تصحيف.(1/154)
س: أحد الأخوة يسأل عن صحة حديثين الأول: يقول: روي عن عبد الله بن المبارك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن قوما ركبوا سفينة فاقتسموا فأخذ كل واحد منهم موضعا فنقر رجل منهم موضعه بفأس فقالوا: ما تصنع؟ فقال: هو مكاني أصنع فيه ما شئت فلم يأخذوا على يديه فهلك وهلكوا " يسأل عن صحة هذا الحديث.
ج: أقول: هذا الحديث إن كنت تقصد أن عبد الله بن المبارك رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة فهذا إسناد معضل؛ لأن بين عبد الله بن مبارك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة رجال، أما إن كنت تقصد أن عبد الله بن المبارك أحد رجال السند وأنه ساق الحديث بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن هذا الحديث قد يكون رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد له، فالحديث صحيح، لكن هذا أحد ألفاظه، فقد يكون مثلا في هذا الطريق الذي ساقه عبد الله بن المبارك شيء من الضعف فأنا لا يحضرني الآن، لكن أصل الحديث صحيح ومعروف في الصحيحين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " مثل القائم على حدود الله، ومثل الواقع فيها كمثل قوم ركبوا في سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فقال الذين في أسفلها: لو خرقنا في نصيبا خرقا، فلم نؤذ من فوقنا " إلى آخر الحديث معروف في الصحيح.
يسأل عن الحديث الآخر روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يقول الله تعالى: يا ابن آدم ما أنصفتني؛ أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد " هذا الحديث الحقيقة أخشى بأنه يكون التبس عليه بحديث آخر، فلا أريد أن أتعجل إطلاق الحكم عليه، وإن شاء الله سأنظر إليه، ويا حبذا لو كان الأخ يعرف من أخرجه؛ لأنه فيه حديث آخر، رواه الترمذي ما أدري هل هو هذا أو غيره؟ يعني يحتاج مراجعة.(1/155)
بعض الأخوة يستفسر عن الكتب الموجودة على الأرفف، هل هي للتوزيع؟ إمام المسجد أثابه الله، يقول: نعم، إنها للتوزيع من شاء أن يأخذ منها فليأخذ.
تكلمنا بالأمس عن الحديث الحسن سواء لذاته أو لغيره، وعن زيادة الراوي المقبول من ثقة أو صدوق فمن من الأخوة يعرف لنا الحديث الحسن لذاته؟ نعم. ارفع الصوت هو ما اتصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، طيب حينما نقول: عن مثله إلى منتهاه هل هذه العبارة على ظاهرها؟ يشترط أن يكون الحديث الحسن من أوله إلى آخره كلهم خفيفو الضبط؟، نعم .
المقصود هذا هو أدنى حد، لكن لو جاءنا حديث كل رجاله ثقات ما عدا راو واحد هو الذي خف ضبطه، فهذا يقال له: حسن، وهو أعلى حد ولو جاءنا كل الإسناد من أوله إلى آخره كلهم ممن خف ضبطه، فهذا هو أدنى حد من الحديث الحسن لذاته، وبينهما درجات ما كان فيه راويان وما كان فيه ثلاثة، وهكذا -بالنسبة للبخور الموجود في المسجد يعني من كان صائما لا يتحرج لأنه لا يفطر- طيب قلنا في تعريف الحديث الصحيح: إنه ينقسم إلى قسمين الحديث الصحيح لذاته، هذا عرفناه، فما هو تعريف الحديث الصحيح لغيره؟ أحسنت بارك الله فيك، نعم هو الحديث الحسن لذاته الذي عرفناه قبل قليل إذا تعددت طرقه إذا روي من طريقين أو أكثر، فهذا يصبح حديثا صحيحا لغيره.
هناك قسم آخر للحديث الحسن، وهو الحديث الحسن لغيره عرفناه أيضا ليلة البارحة، نعم، هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه بشرط ألا يكون ضعفه شديدا، مَن من الأخوة يمكن يصور شدة الضعف ما المراد بها؟ نعم .
تفضل ارفع صوتك شوية، من أمثلته أن يكون الراوي متهما بالكذب، فهذا حتى لو جاءنا من مائة طريق كلهم بهذا الصفة لا ينجبر ضعف الحديث.(1/156)
طيب هل هناك صورة أخرى أيضا؟ نعم كثرة العلل في إسناد الحديث ممكن تمثل على هذا؟ نعم. لو جاءنا حديث في إسناده انقطاع، وفيه راو ضعيف، وفيه راو مجهول، فربما زاد مثلا الحديث مع ذلك أيضا مرسل،ا فهذه الطعون إذا تجمعت في الحديث بهذه الصورة، فإن الحديث لا ينجبر ضعفه؛ لأن كل واحد من هذه العلل كافية في أن يحكم على الحديث بسببها بأنه ضعيف، فضعيف مع ضعيف مع ضعيف، مثل إنسان يعني ضرب برمية في صدره وأخرى في رأسه وأخرى في بطنه، وهكذا يعني طعون أردته حتى لا يستطيع أن يتحرك، هذا أيضا مثال الحديث الضعيف حينما تكثر فيه العلل فتقصمه.
تكلمنا أيضا عن زيادة الراوي المقبول وزيادة الراوي غير المقبول، والراوي المقبول قلنا: إنه يقصد به الثقة والصدوق على حد سواء فما هو حكم زيادة الراوي المقبول؟ نعم حكم زيادة الراوي المقبول أنها مقبولة ما لم تكن مخالفة لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا، بهذا إذن نستطيع أن نفصل في الزيادة فنقول: إن الزيادة تنقسم إلى كم؟ إلى قسمين: زيادة فيها مخالفة، وزيادة ليس فيها مخالفة فالزيادة التي ليس فيها مخالفة فهذه حكمها أيش؟ .
القبول، والزيادة التي فيها مخالفة حكمها الرد، حينما نقول: الزيادة التي فيها مخالفة حكمها الرد هل يمكن أن يطلق عليها اصطلاح معين عند علماء الحديث ؟ نعم، الشاذة لو أردنا أن نعرف الشاذ ماذا نقول؟ .(1/157)
الشاذ: هو ما يرويه الثقة مخالفا لمن هو أوثق منه هل هناك اختلاف في تعريف الحديث الشاذ ولا باتفاق بين العلماء أن هذا هو تعريفه؟ نعم بعض العلماء يقول: إذا تفرد الراوي المقبول أيا كان ثقة أو صدوقا، فهذا هو الحديث الشاذ فيجعلون مطلق التفرد. طيب هل هذا التعريف صحيح أو غير صحيح؟ بس نريد يعني بانتباه نعم، وغيره أيضا من الأحاديث، هذا التعريف غير صحيح؛ لأننا لو قلناه للزم عليه أن نرد كثيرا من الأحاديث الصحيحة التي لم ترد إلينا إلا من طريق واحدة كحديث " إنما الأعمال بالنيات " لكن يعني هل يمكن أن نفهم من هذا أن الذي عرف الحديث الشاذ بمطلق تفرد الثقة أنه يرد الحديث الشاذ هذا طبعا ما افترقنا، لكن تفهمون يعني أنه لا يلزم من كون العالم الذي اختار هذا التعريف أنه يرد الحديث الشاذ، لا هو قد يكون يطلقه إطلاقا اصطلاحيا فقط، مثل ما لو يعني يريد تعريف الحديث الذي لم يروه إلا راو واحد حينما نقول: هذا حديث غريب هو يسميه ماذا؟ يسميه حديثا شاذا .
فإذن لا يلزم عليه الرد عنده، هو لكن بعد أن استقر الاصطلاح، فالحديث الشاذ يلزم منه الرد، لكن بناء على التعريف المختار ما الذي يقابل الحديث الشاذ الطرف الآخر؟ نعم الراجح ما هو ماذا يسمى؟ ارفع صوتك أحسنت المحفوظ، فإذا جاءنا حديث فيه اختلاف الرواية المردودة التي نسميها شاذة والرواية المقبولة هي الراجحة نسميها المحفوظة، هناك نوع شبيه بالشاذ يشتبه معه اشتباها كبيرا ما عدا بعض الأمور التي يختلف فيها فما هو؟ المنكر ما هو تعريف الحديث المنكر؟ أحسنت الحديث المنكر هو ما يرويه الضعيف مخالفا للثقة هذا التعريف متفق عليه أيضا أو فيه اختلاف بين العلماء؟ نعم بعضهم سمى المنكر ما ينفرد به الراوي المستور أو الضعيف في حفظه دون أن يشاركه أحد يسمي هذه الرواية على الإطلاق رواية منكرة دون اشتراط المخالفة.(1/158)
تبين بهذا أن المنكر والشاذ يشتركان في بعض الأمور، ويختلفان في بعضها، فما الذي يشتركان فيه؟ يشتركان في المخالفة فكل من الشاذ والمنكر فيه مخالفة للراوي الأوثق، لكن ما الذي يفترقان فيه؟ نعم الذي يختلفان فيه أن الشاذ يرويه الثقة والمنكر يرويه الضعيف مع وجود المخالفة في كلا النوعين مستوي معه، هذا سيأتي اليوم إن شاء الله يعني نحن الآن نتكلم عن وجود الاختلاف بين الثقتين هذا ثقة وهذا ثقة، لكن أحدهما أوثق من الآخر، لكن إذا استويا هذا سيأتي اليوم إن شاء الله.
طيب بعد هذا الكلام على الاعتبار والمتابع والشاهد
يقول الحافظ -رحمه الله-:
... ... ...
س: أخي يقول بالنسبة للشاهد يعني الحافظ ابن حجر يقول: مخالفة المقبول لمن هو أرجح منه يعني من حيث الثقة أو من حيث كثرة العدد؟ .
ج: فأقول: نعم يعني هذا أولى؛ لأن المقبول يدخل فيه الصدوق، وليس المقصود به الثقة فقط، أما بالنسبة لسؤال الأخ عن قول الترمذي: حسن غريب، فقول الترمذي: حسن غريب، إما أن يكون يريد الغرابة الاصطلاحية، أو يكون يريد الغرابة المتنية، وهذا يتبين بما لو جاءنا الحديث من أكثر من طريق، فإذا كان الترمذي مثلا روى الحديث، ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وفي الباب عن فلان وفلان، فهنا في هذه الحال نعرف أن الترمذي لم يقصد الغرابة الاصطلاحية، فإذن نظرنا في ذلك الحديث الذي قال عنه الترمذي: حسن غريب، فوجدنا فيه ضعفا يسيرا مثلا فعرفنا أن الترمذي -رحمه الله- قصد بالحسن هنا أي الحسن لغيره، يعني هذا الحديث فيه ضعف، قال: وفي الباب عن فلان وفلان فبين أنه حسن هذا بمجموع طرقه، لكن لو لم يقل الترمذي وفي الباب عن فلان فنعرف أن مراد الترمذي بالغرابة هنا الغرابة الاصطلاحية وأنه يحسن هذا الحديث لذاته يقصد أن هذا الحديث بهذا الإسناد حسن، وأنه لم يرد إلا من هذا الطريق فكلا هذين محتمل.(1/159)
س: خلاص يقول أحد الأخوة: هل ورد في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة لفظ: " من بات وفي يده ظفر فلا يلومن إلا نفسه "
ج: أقول: نعم لكن ليس هذا لفظه بالضبط، وإنما الحديث رواه الترمذي وغيره، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من بات وفي يده ريح غمر فلا يلومن إلا نفسه "
وفي الحديث وفي بعض طرقه زيادة " أن الشيطان حساس لحاس، فمن بات وفي يده ريح غَمَر، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه "
قد تقولون: ما مدى صحة هذا الحديث؟.
فأقول: إن شاء الله إنه صحيح من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نعم نعم. الغمر: هو الظفر، الأخ عبر بالمعنى يعني في الحديث الحث على غسل اليد بعد الطعام نعم.
س: يقول: هل التزم البخاري ومسلم بشرطيهما في جميع الأحاديث التي أخرجاها في صحيحيها؟ .
ج: أقول: نعم التزما بشرطيهما في جميع الأحاديث ما عدا الأحاديث التي يردانها في الشواهد والمتابعات، فهذه لا تعتبر في الأصول، وإنما المقصود بشرطيهما في الأصول يعني الأحاديث التي يحتجان بها.
س: وأحد الأخوة يسأل يقول: ما هي أصح الكتب في الحديث بعد البخاري ومسلم؟.
ج: الحقيقة أيها الأخوة يعني الحكم على كتاب أنه أصح الكتب بعد البخاري ومسلم يعني قد أنازع فيه، لكن حتى هذه الساعة بحسب اجتهادي أنا أرى أن أصح الكتب بعد البخاري ومسلم ابن خزيمة، هناك من يرى أن صحيح ابن حبان أصح من صحيح ابن خزيمة، ولي في هذا كلام؛ لأنني ذكرت في شرح ألفية السيوطي، وإن شاء الله يعني أقوم بدراسة لبعض الأبواب التي يشترك فيها ابن خزيمة وابن حبان للخروج بنتيجة مبنية على أسس علمية، هل فعلا صحيح ابن خزيمة أصح من صحيح ابن حبان أو العكس؟.
لكن صنيع العلماء المتقدمين يفيد بأن صحيح ابن خزيمة أصح من صحيح ابن حبان، فإنهم قدموا الكتب بهذه الصورة، قالوا: صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، ثم صحيح ابن خزيمة، ثم ابن حبان، ثم الحاكم .(1/160)
ومن الموافقات العجيبة أن الترتيب في الأصحية في هذه الصورة جاء بناء على الترتيب؛ فالبخاري متوفى قبل مسلم، ومسلم متوفى قبل ابن خزيمة، وابن خزيمة متوفى قبل ابن حبان، وابن حبان متوفى قبل الحاكم، بل إن كل واحد من هؤلاء يعتبر شيخا للآخر، فالبخاري شيخ لمسلم، ومسلم ذكر فهو أيضا شيخ لابن خزيمة، وابن خزيمة شيخ لابن حبان، وابن حبان شيخ للحاكم .
فهنا هو الترتيب يعني كما قلت لكم الآن، وقد أغير وجهة نظري إذا تبين لي من خلال الإحصائية التي سأقوم بها أن صحيح ابن حبان أصح.
س: يقول: أيهما أقوى الحديث الصحيح أو الحديث الحسن الصحيح إذا كان به أكثر من سند؟.
ج: أقول: بل الحديث الحسن الصحيح إذا كان حسنا من طريق وصحيحا من طريق أقوى من الحديث الصحيح فقط.
يقول: هل شرط البخاري ومسلم في قبول الرواية فيمن عاصر وعنعن وذكر في المدلسين؟ أقول: أيها الأخ السائل جزاك الله خيرا، يعني أنا مثلا بعض الأخوة يريدني أن أتكلم في بعض المسائل، وأنا اجتنبتها عمدا، لأني أخشى مثلا لو تكلمت في مسألة التدليس والمدلس والعنعنة، أضيع السامع، ونحن هنا نراعي كما قلت: الضعيف أمير الركب، أراعي يعني أناسا يمكن أول مرة يحضرون دروس المصطلح، فلا أريد المعلومات تتداخل في أذهانهم، وينسي بعضها بعضا، فأرجأت الكلام عن التدليس في موضعه إن شاء الله، نأخذه مرة تلو الأخرى، فعلى كل حال جوابا لسؤال الأخ، قد يكون يعني مستفسرا: البخاري ومسلم يتكلمان عن العنعنة لغير المدلس، أما المدلس الذي يرد تدليسه فعلا فهذا ليس من الرواة الذين يتنازعان فيه.
س: أحد الأخوة يقترح أن آتي في وقت الشيخ محمد الفراج، ويكون الدرس في غير النخبة للاستفادة من الوقت.
ج: أقول: ذهب الأخوة ولو كان هذا الاقتراح، يعني جاء مبكرا أن آتي أنا ما عندي مانع إن شاء الله.(1/161)
س: أحد الأخوة يقول: نرى بعض المحققين إذا خرج حديثا يقول بعد ذلك: وفي الباب عن فلان وفلان، ويذكر بعض الصحابة هل تعتبر هذه شواهد؟ .
ج: أقول: هذا إن شاء الله في الليلة القابلة؛ لأننا وقفنا الآن على المتابع والشاهد، نعم غدا يعني إن شاء الله.
س: يقول الأخ: عندي رغبة في معرفة رجال السند أو الإسناد فما الطريقة المثلى في ذلك مع ذكر الكتب؟ .
ج: هذا إن شاء الله أيضا سيأتي، لأن إن شاء الله في هذه الدورة سننهي الكتاب وبانتهاء الكتاب يكون الواحد، إن شاء الله يعني عارفا بالطرق الأساسية في تخريج الحديث، وللحكم على السند، وعلى كل حال يعني أجيب الأخ جوابا عاجلا، وأما التفصيل ففي وقته، الطريقة المثلى أن تتعرف على كتب الرجال ما هي الكتب التي تعتبر أصلية، وما هي الكتب التي تعتبر أخذت خلاصة الأحكام على أولئك الرجال وكيف رتبت هذه الكتب وما هو الكتاب الذي صاحبه يعتبر متساهلا والكتاب الذي يعتبر، ينبغي أن يشد على قول صاحبه بالناجبين، يعني مثلا لا نعتبر ثقات ابن حبان، ابن حبان حينما يوثق راويا مثل توثيق أبي حاتم الرازي ؟ ابن حبان متساهل في التوثيق، وأبو حاتم الرازي إذا وثق رجلا فشد عليه بيدك لا تطلقه، لكن لو ضعف أبو حاتم الرازي رجلا فهو معروف بالتشدد، فقد يضعف من هو موثق في بعض الأحيان، معرفة مناهج المحدثين هذه مهمة، وسيأتينا إن شاء الله أيضا الكلام عليها فكل شيء في حينه.(1/162)
أيضا بالنسبة للترتيب بعض الكتب رتبت على الطبقات يعني الراوي الأقدم، فالراوي الأقدم، وبعض الكتب جمعت بين الترتيب على الطبقات، والترتيب على الحروف، فلذلك ترتيبها على الحروف ترتيب غير دقيق، وبعض الكتب رتبت الرواة على الحروف فعلا ترتيبا دقيقا، مثل تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر وبعض الكتب تنتقي خلاصة الأقوال، كتقريب التهذيب للحافظ ابن حجر، يقول: هذا الراوي ثقة، هذا ضعيف، هذا صدوق، هذا يخطئ، وهكذا يعني هو يأخذ خلاصة الأحكام، بعضها قد يضعف، لكن لو رجعت إلى التهذيب تجحد مثلا ترجمة الراوي قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال أحمد: لا بأس به، وقال البخاري: صدوق، ثم تضيع طيب ما هو الصواب؟ قول ابن معين، ولا قول أحمد، ولا قول البخاري، ولا قول من؟ هذا لا بد من التعرف على مناهج المحدثين، وما دمت مبتدئا في طلب الحديث فيمكن أن تلجأ إلى العلماء المتبحرين كالحافظ ابن حجر، فتستفيد من اختياره للقول الراجح في ذلك الراوي.
س: يقول: هل كان رواة الحديث الأولون يراعون لفظة "عن" أو "سمعت" في نقل الأحاديث، وهل ينقلها عنه تلميذه بنصها، أم يعبر عن هذه اللفظة من نفسه؟ .(1/163)
ج: أقول: ما شاء الله الأخ يعني يأتي بمسألة من معضلات المسائل يقول: إنه وقف على كلام الشيخ عبد الرحمن المعلم -رحمه الله-، المسألة هذه يعني مسألة عويصة، يعني حينما يأتينا إسناد من الأسانيد، فيه راو يروي عن شيخ بصيغة عنعنة، مثل كأن يقول مثلا: الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فمن الذي جاء بصيغة، عن بين الأعمش وبين أبي صالح، هل هو الأعمش نفسه هو الذي أطلق كلمة عن، أم من دون الأعمش؟ أطلقها اختصارا، يعني مثلا حينما نجد الراوي عن الأعمش مثلا سفيان الثوري، والراوي عن سفيان الثوري وكيع، هل ممكن أن يكون وكيع هو الذي قال: حدثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح مع العلم أن في الأصل أن الأعمش يقول: حدثنا أبو صالح، فيكون من هو دون؟ نقول: هذا محتمل، والرأي الآخر أيضا محتمل أن يكون الأعمش هو الذي استعمل صيغة عن، فكل هذا محتمل، فما دام أنه محتمل، ففي هذه الحال الحيطة دائما تقتضي التوقف في قبول عنعنة المدلس إلا إذا جاءتنا قرينة تجعلنا نختار أن عنعنة المدلس في هذا الموضوع محمولة على السمع، وهذه يعني تحتاج أيضا إلى طول، ولا أستطيع أن أفصل فيها في هذه العجالة.
الشيخ عبد الرحمن المعلم كأنه يختار القول بأن الذي يستعمل صيغة عن هو من دون المدلس، لكن هذا يعني عليه بعض المؤاخذات ومن الأدلة يعني على الاختصار، أقول: هذا الكلام ومن الأدلة على هذا أن سفيان بن عينية مثلا، مرة قال عن الزهري، أو الزهري قالوا له: سمعته من الزهري؟ فرددها مرة أخرى، فردوا عليه، قالوا: سمعته من الزهري؟ فلما وجدهم يلحون عليه قال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري أخبرني عبد الرازق، عن معمر، عن الزهري، فأصبح بينه وبين الزهري كم واسطة؟ اثنين من الرجال .(1/164)
فهذا يدل على أن الراوي أحيانا هو نفسه يستخدم صيغة عن، فلذلك لا بد من قرينة تدلنا أن ذلك الراوي هو الذي استخدم صيغة عن، أو لم يستخدمها، وما دام أننا لا نعرف، فالاحتياط يقتضي التوقف، نعم من القرائن التي تدل على أنه هو ليس الذي أطلقها، كأن يرد الحديث من طريق أخرى مثلا، المثال الذي مثلت به قبل قليل، وكيع، عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، لو جاءنا مثلا مرة أخرى من رواية شعبة، قال: حدثني الأعمش قال: حدثني أبو صالح، ففي هذه الحال أعرف أن العنعنة هذه جاءت ممن هو دون الأعمش، وأن الأعمش فعلا سمع هذا الحديث من شيخه، فهذه قرينة أيضا وليست على الإطلاق.
س: أحد الإخوة يقول: حديث أبي سفيان عند مسلم " وزوجتك ابنتي " هل هو معلل، وهل يكون ضعيفا بهذا؟.
ج: هذا أجبت عنه الليلة البارحة ويبدو أن الأخ الذي سأل ما كان حضر في الليلة البارحة أنا قلت الذي يعني ترجح لي أن هذا الحديث لا يعتبر من الأحاديث المعلولة عند مسلم وإن كان بعض العلماء انتقده كابن حزم، لكن الصواب أن هذا الحديث يمكن أن يوفق بين هذا القول وبين كون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متزوجا بأم حبيبة قبل ذلك بأمور، ذكرت بعضها ليلة البارحة، ومن أراد الإفاضة في هذا يمكن أن أدله على المرجع إن شاء، أو ينتظر حتى نواصل الحديث في درس صحيح مسلم إن شاء الله.
س: يقول: يعاني كثير من الأخوة وأنا منهم أننا لم نعرف الاستقامة إلا بعد أن جاوزنا العشرين وبعد أن أضعنا سنوات العمر الذهبية، فيصاب الإنسان أحيانا، بل كثيرا كأنه يقول بيأس : الظاهر أن يصل إلى منزلة في العلم، ويشعر أنه مهما فعل فلن يصل إلى شيء، فيدخل عليه الشيطان من هذا المدخل، فماذا نفعل؟.(1/165)
ج: أقول: لا أيها الأخ بالعكس، لو كنت في سن الخمسين إذا وفقك الله جل وعلا، وشعرت أن ساعات العمر فعلا، كما قلت: ساعات ذهبية، بل هي أغلى من الذهب، فإنك تستطيع في تلك الفترة الباقية من عمرك أن تكون بإذن الله من العلماء، فأضرب لك مثالا على ذلك: ابن حزم الظاهري، يعني أتعب الناس في كثرة علمه بسبب يعني أنه كان يخالف في بعض المسائل، ووجدوا أن هذا المخالفة نشأت من جهل ابن حزم، بل هو بحر في كل ما ألقي فيه، لكن هل ابن حزم طلب العلم من صغره؟ .
لا ابن حزم كان أولا ولدا مرفها، فأبوه كان وزيرا، وكان يعيش عيشة المرفهين، وبعد أن مضت عليه فترة من العمر طويلة ابتدأ يطلب علم الحديث، وإلا كان في السابق مشغولا بالآداب والأمور التي تشغل الإنسان هذه؛ ولذلك هو له نصيب مما يسمى بالأدب، وما إلى ذلك، فهو ما طلب علم الحديث إلا متأخرا، ومع ذلك انظر إلى كتابه المحلى تجد فيه علما جما بل كيف لو وصل إلينا كتابه الأصلي وهو الإيصال الذي هو أصل المحلى، المحلى هذا يعتبر مختصرا، يعني على ما فيه من الدسومة، يعتبر مختصرا فكيف بأصله، بل انظر إلى كتابه إحكام الأحكام، ولست يعني بكلامي هذا يعني أقول: إن جميع ما في الأحكام أو ما في المحلى صواب، بل أقول: لا بد للذي يريد أن يقرأ هذين الكتابين أن يكون متبحرا حتى لا يغتر بأسلوب ابن حزم؛ لأن بعض الناس يغتر بأسلوبه، فوقعوا في بعض الشذوذات العلمية، لكن ما ينبغي أن يقرأ هذين الكتابين وأمثالهما من كتب ابن حزم إلا إنسان متبحر هذا مثال لابن حزم.(1/166)
هناك أيضا مثال عبد الله بن وهب فهو في بداية عمره، لم يكن طلب العلم حتى ألقت إليه شبهة من الشبه، فذهب إلى عالم يسأله عن تلك الشبهة، فعرف ذلك العالم أن هذه الشبهة ما وردت على عبد الله بن وهب إلا بسبب قلة علمه، فقال له: عبد الله بن وهب؟ قال: نعم. قال: اطلب العلم، فتنبه من الجحيم، فطلب العلم بعدما كبر ولازم الإمام مالكا -رحمه الله- وغيره من العلماء، فأصبح عبد الله بن وهب من خيرة العلماء، ومن فطاحلة العلماء، وله مؤلفات عدة منها الجامع والمسند، وهو أحد الرواة لموطأ الإمام مالك وغيرها كثير، والأمثلة على هذا كثيرة يعني لو فتحنا في كتب التراجم نجد كثيرا من الرواة ما طلبوا العلم إلا في حال الكبر وما طلبوا العلم إلى في حال الكبر، لكنهم بعد ذلك يعني شعروا فعلا بأن ساعات العمر التي مضت ينبغي أن يعوضوها، فكثفوا من الجهود ووفقهم الله جل وعلا وعلى كل حال كل إنسان بحسب نيته، فالذي يصدق مع الله جل وعلا يصدق الله معه، فيوفقه لحافظة قوية يسهل أموره في الطلب وما إلى ذلك.
يقول: وجد في بعض نسخ الفتح ضبط الحميدي هكذا الحُمَيِّدي بالتضعيف فهل هما رجلان أم أنه تصحيف في النسخ؟.
إذا لم يكن فيه إحراج على الأخ السائل يمكن أعرفه؟ على أساس يعني نعرف أن أنت السائل على أساس أعرف أي نسخة من الفتح ورد فيها هذا؟ نعم .
على كل حال قد يكون خرج، وقد يكون يعني لا يريد الظهور أمام الأخوة، فأنا لا أشك في أن هذا خطأ؛ لأنني ما أعرف أن الحميدي هناك من صغر اسمه، وعلى كل حال يعني إن كان بعض الأخوة يبحث أيضا في كتب الترجمة؛ فيفيدنا جزاه الله خيرا، لكن إذا كانت هذه النسخة من الفتح من النسخ التي تضبط إن كانت يعني الفتح التي طبعتها المطبعة السلفية، فهذه في الغالب طبعة يعني جيدة خاصة، أنا أقصد الطبعة الأولى، أما إن كانت الطبعة الأخيرة أو الطبعات الأخرى من الفتح، فقد يكون فيها تصحيف.(1/167)
س: أحد الأخوة يسأل عن صحة حديثين الأول: يقول: روي عن عبد الله بن المبارك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن قوما ركبوا سفينة فاقتسموا فأخذ كل واحد منهم موضعا فنقر رجل منهم موضعه بفأس فقالوا: ما تصنع؟ فقال: هو مكاني أصنع فيه ما شئت فلم يأخذوا على يديه فهلك وهلكوا " يسأل عن صحة هذا الحديث.
ج: أقول: هذا الحديث إن كنت تقصد أن عبد الله بن المبارك رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة فهذا إسناد معضل؛ لأن بين عبد الله بن مبارك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة رجال، أما إن كنت تقصد أن عبد الله بن المبارك أحد رجال السند وأنه ساق الحديث بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن هذا الحديث قد يكون رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد له، فالحديث صحيح، لكن هذا أحد ألفاظه، فقد يكون مثلا في هذا الطريق الذي ساقه عبد الله بن المبارك شيء من الضعف فأنا لا يحضرني الآن، لكن أصل الحديث صحيح ومعروف في الصحيحين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " مثل القائم على حدود الله، ومثل الواقع فيها كمثل قوم ركبوا في سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فقال الذين في أسفلها: لو خرقنا في نصيبا خرقا، فلم نؤذ من فوقنا " إلى آخر الحديث معروف في الصحيح.
يسأل عن الحديث الآخر روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يقول الله تعالى: يا ابن آدم ما أنصفتني؛ أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد " هذا الحديث الحقيقة أخشى بأنه يكون التبس عليه بحديث آخر، فلا أريد أن أتعجل إطلاق الحكم عليه، وإن شاء الله سأنظر إليه، ويا حبذا لو كان الأخ يعرف من أخرجه؛ لأنه فيه حديث آخر، رواه الترمذي ما أدري هل هو هذا أو غيره؟ يعني يحتاج مراجعة.(1/168)
بعض الأخوة يستفسر عن الكتب الموجودة على الأرفف، هل هي للتوزيع؟ إمام المسجد أثابه الله، يقول: نعم، إنها للتوزيع من شاء أن يأخذ منها فليأخذ.
تكلمنا بالأمس عن الحديث الحسن سواء لذاته أو لغيره، وعن زيادة الراوي المقبول من ثقة أو صدوق فمن من الأخوة يعرف لنا الحديث الحسن لذاته؟ نعم. ارفع الصوت هو ما اتصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، طيب حينما نقول: عن مثله إلى منتهاه هل هذه العبارة على ظاهرها؟ يشترط أن يكون الحديث الحسن من أوله إلى آخره كلهم خفيفو الضبط؟، نعم .
المقصود هذا هو أدنى حد، لكن لو جاءنا حديث كل رجاله ثقات ما عدا راو واحد هو الذي خف ضبطه، فهذا يقال له: حسن، وهو أعلى حد ولو جاءنا كل الإسناد من أوله إلى آخره كلهم ممن خف ضبطه، فهذا هو أدنى حد من الحديث الحسن لذاته، وبينهما درجات ما كان فيه راويان وما كان فيه ثلاثة، وهكذا -بالنسبة للبخور الموجود في المسجد يعني من كان صائما لا يتحرج لأنه لا يفطر- طيب قلنا في تعريف الحديث الصحيح: إنه ينقسم إلى قسمين الحديث الصحيح لذاته، هذا عرفناه، فما هو تعريف الحديث الصحيح لغيره؟ أحسنت بارك الله فيك، نعم هو الحديث الحسن لذاته الذي عرفناه قبل قليل إذا تعددت طرقه إذا روي من طريقين أو أكثر، فهذا يصبح حديثا صحيحا لغيره.
هناك قسم آخر للحديث الحسن، وهو الحديث الحسن لغيره عرفناه أيضا ليلة البارحة، نعم، هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه بشرط ألا يكون ضعفه شديدا، مَن من الأخوة يمكن يصور شدة الضعف ما المراد بها؟ نعم .
تفضل ارفع صوتك شوية، من أمثلته أن يكون الراوي متهما بالكذب، فهذا حتى لو جاءنا من مائة طريق كلهم بهذا الصفة لا ينجبر ضعف الحديث.(1/169)
طيب هل هناك صورة أخرى أيضا؟ نعم كثرة العلل في إسناد الحديث ممكن تمثل على هذا؟ نعم. لو جاءنا حديث في إسناده انقطاع، وفيه راو ضعيف، وفيه راو مجهول، فربما زاد مثلا الحديث مع ذلك أيضا مرسل،ا فهذه الطعون إذا تجمعت في الحديث بهذه الصورة، فإن الحديث لا ينجبر ضعفه؛ لأن كل واحد من هذه العلل كافية في أن يحكم على الحديث بسببها بأنه ضعيف، فضعيف مع ضعيف مع ضعيف، مثل إنسان يعني ضرب برمية في صدره وأخرى في رأسه وأخرى في بطنه، وهكذا يعني طعون أردته حتى لا يستطيع أن يتحرك، هذا أيضا مثال الحديث الضعيف حينما تكثر فيه العلل فتقصمه.
تكلمنا أيضا عن زيادة الراوي المقبول وزيادة الراوي غير المقبول، والراوي المقبول قلنا: إنه يقصد به الثقة والصدوق على حد سواء فما هو حكم زيادة الراوي المقبول؟ نعم حكم زيادة الراوي المقبول أنها مقبولة ما لم تكن مخالفة لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا، بهذا إذن نستطيع أن نفصل في الزيادة فنقول: إن الزيادة تنقسم إلى كم؟ إلى قسمين: زيادة فيها مخالفة، وزيادة ليس فيها مخالفة فالزيادة التي ليس فيها مخالفة فهذه حكمها أيش؟ .
القبول، والزيادة التي فيها مخالفة حكمها الرد، حينما نقول: الزيادة التي فيها مخالفة حكمها الرد هل يمكن أن يطلق عليها اصطلاح معين عند علماء الحديث ؟ نعم، الشاذة لو أردنا أن نعرف الشاذ ماذا نقول؟ .(1/170)
الشاذ: هو ما يرويه الثقة مخالفا لمن هو أوثق منه هل هناك اختلاف في تعريف الحديث الشاذ ولا باتفاق بين العلماء أن هذا هو تعريفه؟ نعم بعض العلماء يقول: إذا تفرد الراوي المقبول أيا كان ثقة أو صدوقا، فهذا هو الحديث الشاذ فيجعلون مطلق التفرد. طيب هل هذا التعريف صحيح أو غير صحيح؟ بس نريد يعني بانتباه نعم، وغيره أيضا من الأحاديث، هذا التعريف غير صحيح؛ لأننا لو قلناه للزم عليه أن نرد كثيرا من الأحاديث الصحيحة التي لم ترد إلينا إلا من طريق واحدة كحديث " إنما الأعمال بالنيات " لكن يعني هل يمكن أن نفهم من هذا أن الذي عرف الحديث الشاذ بمطلق تفرد الثقة أنه يرد الحديث الشاذ هذا طبعا ما افترقنا، لكن تفهمون يعني أنه لا يلزم من كون العالم الذي اختار هذا التعريف أنه يرد الحديث الشاذ، لا هو قد يكون يطلقه إطلاقا اصطلاحيا فقط، مثل ما لو يعني يريد تعريف الحديث الذي لم يروه إلا راو واحد حينما نقول: هذا حديث غريب هو يسميه ماذا؟ يسميه حديثا شاذا .
فإذن لا يلزم عليه الرد عنده، هو لكن بعد أن استقر الاصطلاح، فالحديث الشاذ يلزم منه الرد، لكن بناء على التعريف المختار ما الذي يقابل الحديث الشاذ الطرف الآخر؟ نعم الراجح ما هو ماذا يسمى؟ ارفع صوتك أحسنت المحفوظ، فإذا جاءنا حديث فيه اختلاف الرواية المردودة التي نسميها شاذة والرواية المقبولة هي الراجحة نسميها المحفوظة، هناك نوع شبيه بالشاذ يشتبه معه اشتباها كبيرا ما عدا بعض الأمور التي يختلف فيها فما هو؟ المنكر ما هو تعريف الحديث المنكر؟ أحسنت الحديث المنكر هو ما يرويه الضعيف مخالفا للثقة هذا التعريف متفق عليه أيضا أو فيه اختلاف بين العلماء؟ نعم بعضهم سمى المنكر ما ينفرد به الراوي المستور أو الضعيف في حفظه دون أن يشاركه أحد يسمي هذه الرواية على الإطلاق رواية منكرة دون اشتراط المخالفة.(1/171)
تبين بهذا أن المنكر والشاذ يشتركان في بعض الأمور، ويختلفان في بعضها، فما الذي يشتركان فيه؟ يشتركان في المخالفة فكل من الشاذ والمنكر فيه مخالفة للراوي الأوثق، لكن ما الذي يفترقان فيه؟ نعم الذي يختلفان فيه أن الشاذ يرويه الثقة والمنكر يرويه الضعيف مع وجود المخالفة في كلا النوعين مستوي معه، هذا سيأتي اليوم إن شاء الله يعني نحن الآن نتكلم عن وجود الاختلاف بين الثقتين هذا ثقة وهذا ثقة، لكن أحدهما أوثق من الآخر، لكن إذا استويا هذا سيأتي اليوم إن شاء الله.
طيب بعد هذا الكلام على الاعتبار والمتابع والشاهد
يقول الحافظ -رحمه الله-:
الاعتبار والمتابع والشاهد
والفرد النسبي إن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار
فقط هذه العبارة تحتاج منا إلى بسط الآن عندنا ثلاثة أنواع من أنواع علوم الحديث الاعتبار والمتابع والشاهد ابن الصلاح -رحمه الله- حينما عنون بهذا العنوان ظن العلماء بعض الناس، أو قد يفهم منه أن الاعتبار قسم والمتابع قسم والشاهد قسم ثالث .
فالحافظ ابن حجر -رحمه الله- يبين أن الاعتبار ليس قسيما للمتابع، والشاهد يعني ليس قسما ثالثا لهما، وإنما المسألة وما فيها كل منها تنقسم إلى قسمين: متابع وشاهد، لكن الاعتبار هو الطريقة التي يتوصل بها إلى معرفة المتابع والشاهد، فإذا جاءني حديث وجدته من طريق واحد فأنا لا أستطيع أن أحكم على هذا الحديث بأنه حديث فرد أي حديث غريب لا غرابة نسبية ولا غرابة مطلقة أيا كانت إلا بعد التتبع والاستقصاء .(1/172)
فمن هنا علي أن أبدأ في تقليب كتب الحديث التي تروي الحديث بالسند كالكتب الستة، مسند الإمام أحمد صحيح ابن خزيمة ابن حبان مستدرك الحاكم، الكتب الأخرى الأجزاء الحديثة، أبدأ أفتش فيها هذا التفتيش الذي أقوم به والبحث يسمى اعتبارا، فالاعتبار هو الهيئة أو الطريقة التي يتوصل بها إلى معرفة الحديث الذي يظن أنه فرد هل شارك راويه غيره أم لا؟ هو الهيئة التي يتوصل بها إلى معرفة هل شارك راوي الحديث الفرد غيره أم لا، فظاهر الآن يعني واضح أن الاعتبار ليس قسيما للمتابع والشاهد، وإنما هو الذي يتفرع منه المتابع والشاهد، أما المتابع والشاهد فيمكن أن نعتبرهما قسمين مختلفين كل منهما يغاير الآخر، وهذه المغايرة اختلف فيها العلماء فمنهم من نظر إلى المتن ومنهم من نظر إلى السند، فمن نظر إلى المتن عرف المتابع تعريفا، وعرف الشاهد تعريفا آخر، ومن نظر إلى السند عرفه تعريفا آخر، وعرف أيضا الشاهد تعريفا .(1/173)
وأوضح هذا بالآتي: بعضهم قال: إن المتابع هو الحديث الذي يشترك رواته في لفظه تماما ما يختلف الفظ، وسواء كان راويه راوي هذا الحديث صحابيا واحدا وعنه تفرع أو مع الاختلاف في الصحابة يعني مثال لو يعني مثلا حديث " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " هذا الحديث ورد بلفظ آخر المعنى هو نفس المعنى ما يختلف ما عدا الاختلاف في بعض الألفاظ وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - " من تقول علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار " يختلف المعنى؟ من كذب علي بمعنى من تقول علي ما لم أقله فمنهم من نظر إلى اللفظ، فيقول: هذا الحديث يعتبر " من تقول علي ما لم أقله " يعتبر شاهدا لحديث من كذب علي متعمدا لماذا؟ قال: لأن اللفظ اختلف والمعنى واحد، فأنا أعتبر هذا شاهدا قلنا له، حتى ولو كان الراوي للحديث واحدا؟ وهو أبو هريرة مثلا؟ قال: حتى ولو كان الصحابي واحدا، أنا لا ألتفت للإسناد وإنما ألتفت لأي شيء للمتن لكن لو جاءنا مثلا الحديث من رواية أبي هريرة وهو " من كذب علي متعمدا " ونحن نريد أن نعثر على رواية أخرى له لهذا الحديث، فوجدناه في رواية ابن عمر " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فهل يعتبر هذا عنده عند يعني من نظر إلى المتن شاهدا أو متابعا؟ قال: أنا أعتبره متابعا لماذا؟، قال: لأن اللفظ قد اتحد ولو اختلف الصحابي؟ قال: ولو اختلف الصحابي .
هذا أحد التعريفات لكنه تعريف مرجوح، والراجح هو الذي سنذكره وهو الالتفاف في الطريق إلى الإسناد، فبالنظر إلى الصحابي إن اتحد الصحابي، واختلفت الطرق عنه .(1/174)
فهذا يسمى متابعا سواء اختلف اللفظ أو اتحد، وإن اختلف الصحابي فهو شاهد سواء اتفق اللفظ أو اختلف، أيا كان فلو جئنا للحديث السابق مثلا حديث " من كذب علي عمدا متعمدا " طبعا مثال موجود عندكم، أنا سأركز عليه بس أنا أوضح بهذا المثال لكونه ممكن يكون أقرب إلى الأذهان، لو رجعنا للحديث السابق جاءنا مثلا من حديث أبي هريرة بلفظين الطريق الأول يرويه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ثم جاءني من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من تقول علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار " الآن بناء على التعريف الثاني الذي قلنا إنه الراجح يعتبرون هذا الطريق طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن متابعا لطريق سعيد بن المسيب، ثم ذهبنا فبحثنا ووجدنا عبد الله بن عمر يروي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فالحديث بهذه الصورة يصبح ماذا؟ يصبح شاهدا، هذا بناء على التعريف الثاني، فإذن بناء على هذا التعريف المختار يمكن أن نعرف المتابع بالتعريف الآتي:
نقول: المتابع هو الحديث الذي يشارك رواته رواة الحديث الذي يظن أنه فرد سواء اختلف اللفظ أو اتحد، مع الاتحاد في الصحابة، أما الشاهد فهو الحديث الذي يشارك رواته رواة الحديث الذي يظن أنه فرد سواء اختلف اللفظ أو الفرد أو اتحد، مع الاختلاف في الصحابة.
لعل بهذا إن شاء الله يعني نكون عرفنا الرأي الراجح في تعريف المتابع والشاهد والاعتبار. الأخ هذا يقول: قد يفهم مثلا من تعريف المتابع أو الشاهد أنه يمكن أن يختلف معنى الحديث أقول: يعني قيدناه في البداية حينما قلنا هو الحديث لكن لا بأس أن تراعى العبارة، يعني تبعد هذا الإشكال، فيمكن أن نقول: مع اتحاد المعنى في كلا الحديثين.(1/175)
عندنا أيضا المتابعة تنقسم إلى قسمين: متابعة تامة ومتابعة قاصرة فالمتابعة التامة طبعا حين نتكلم الآن عن المتابعة بناء على التعريف الراجح، ولنعرف أنه مع الاتحاد في كل شيء مع الاتحاد في الصحابة، فالمتابعة تنقسم إلى قسمين: متابعة تامة ومتابعة قاصرة، المتابعة التامة تحصل للراوي نفسه للراوي الأدنى، والمتابعة القاصرة هي التي تحصل لشيخه -لشيخ الراوي .
دعونا نأخذ الآن مثالا جاء به الحافظ ابن حجر، وهو مثال جيد يمكن أن يقسم على هذه الأقسام كلها، وهو ذلك الحديث الذي رواه الإمام مالك .(1/176)
وهذا قد نكون مثلنا به يعني الليلة قبل البارحة جوابا على أحد الأسئلة على أن الشافعي --رحمه الله-- قيل إنه شذ في هذا الحديث، وخالف من هو أوثق منه، وقلت سيأتي إن شاء الله في هذا التفصيل، هذا هو التفصيل: الإمام مالك -رحمه الله- روى حديثا عن التابعي الجليل عبد الله بن دينار، وعبد الله بن دينار يرويه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشهر تسع وعشرون صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له " وكلمة " فاقدروا له " هذه محتملة لأن تكون يجعل الشهر تسعة وعشرين يوما ومحتملة لأن تكون جعل الشهر ثلاثين يوما، فلا بد من رواية توضح أي المعنيين هو الذي أريد، معظم الرواة الذين رووا هذا الحديث عن مالك رووه بهذا اللفظ، " فاقدروا له " لكن وجد أن الشافعي -رحمه الله- روى هذا الحديث في كتابه المشهور الأم عن مالك نفسه لكن بدل من " فاقدروا له " جاء بلفظ " فأكملوا العدة ثلاثين " فهنا هذه الرواية قيدت المعنى المطلق الذي قد يحدث الاختلاف في فهمه مثلما حدث الاختلاف في قول الله جل وعلا : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } (1) هل المراد بالقرء الطهر أو الحيض، فيمكن أن يحدث الاختلاف أيضا في هذا اللفظ لو لم ترد هذه الرواية المقيدة لأحد المعنيين المراد، منهم من قال: إن الشافعي -رحمه الله- خالف الرواة الذين رووه عن مالك، لكن قبل أن تطلق المخالفة، ويطلق على الراوي أنه شاذ، لا بد من التأني وعدم العجلة، فعلى طالب العلم أن يكثر من البحث لينظر هل يصدق الوصف على الشافعي بأنه شاذ، أو أن ساحته بريئة من الشذوذ؟ .
__________
(1) - سورة البقرة آية : 228.(1/177)
فبعد البحث وجد أن الشافعي -رحمه الله- لم يشذ بل تابعه عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو أحد الرواة للموطأ فروى هذا الحديث عن الإمام مالك مثلما رواه الشافعي تماما، وروايته في صحيح البخاري، فتبين بهذا أن الإمام مالكا -رحمه الله- يروي الحديث بكلا اللفظين بمعنى أنه سمعه باللفظين كليهما مرة " فاقدروا له " ومرة " فأكملوا العدة ثلاثين " فالمتابعة هذه حصلت لمن للشافعي أليس الشافعي هو الراوي الأدنى؟ هو صاحب الكتاب هو صاحب كتاب الأم هو أدنى رجل في سلسلة الإسناد فهذه تسمى متابعة ماذا؟ تسمى متابعة تامة لأنها حصلت من الأصل، والمتابعة التامة دائما أقوى من المتابعة القاصرة؛ لأنها تحصل للرجل الذي قد يتهم بأنه تفرد بحديث أو أخطأ في حديثه، ثم نظرنا في هذا الحديث، هل له طرق أخرى أو لا؟ فوجدنا له طرقا أخرى من جملتها بعض المتابعات وبعض الشواهد، فوجدنا له متابعتين قاصرتين:
المتابعة الأولى: ما رواه ابن خزيمة في الصحيح من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد الله بن عمر، فالآن يعني لو نظرنا في هذا الطريق يلتقي مع الطريق السابق في من؟ .
الآن لاحظوا أن الطريق الأول يرويه مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هذا يرويه عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد، عن جده عبد الله بن عمر يلتقيان في من؟ أحسنتم بارك الله فيكم يلتقيان في الصحابي، يعني ما التقوا فيمن قبل الصحابي، فهكذا المتابعة أحيانا تكون ما تحصل إلا في الصحابي وأحيانا تكون فيمن قبله، وأحيانا تكون فيمن قبله، وهكذا فكلما حصلت فيمن هو قبل فهي أقوى، أقوى من العليا، فهذه الآن إحدى المتابعتين.(1/178)
المتابعة الثانية: هي التي رواها مسلم في صحيحه من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، فهذه نسميها أيضا ماذا؟ متابعة قاصرة حصلت فيمن؟ حصلت في الصحابي الذي هو عبد الله بن عمر، فهذا المثال للمتابعة القاصرة ذهبنا فبحثنا، هل لهذا الحديث من شاهد، فوجدنا أن له شاهدا ومن شواهده ما رواه النسائي في سننه من طريق محمد بن حنيف عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بمثل حديث عبد الله بن دينار، يعني
" فأكملوا العدة ثلاثين " فهذا يسمى أيش؟ يسمى شاهدا.
الآن الكلام هذا كله بناء على القول الراجح على أن المتابع والشاهد هو بالنظر إلى السند، لكن لو أردنا أن نمثل بهذه الأمثلة على الرأي المرجوح، وهو بالالتفات إلى المتن فنظرنا مثلا في مثال متابعة عبد الله بن مسلمة القنعنبي، نجد أنها رويت بلفظين أحدهما موافق للفظ الشافعي، والآخر فيه بعض الاختلاف، فاللفظ الموافق لرواية الشافعي هو الذي عند البخاري في صحيحه، واللفظ المخالف أو الذي يعني يختلف في اللفظ اختلافا يعني يسيرا أنه قال: " فاقدروا له ثلاثين " أو " فأكملوا العدة ثلاثين " يعني فيه رواية نسيت من الذي أخرجها، المهم أن رواية القعنبي موافقة لرواية عبد الله بن دينار، ومرة فيها اختلاف يسير فعلى كلا التعريفين يمكن أن تكون هذه المتابعة يمكن أن تكون متابعة، ويمكن أن تكون شاهدة، فالرواية التي فيها الموافقة للفظ تسمى متابعة أيش؟ تامة .(1/179)
والرواية التي فيها اختلاف يسير في اللفظ تسمى شاهدة نحن الآن نريد أن نمثل بهذه الأمثلة على المتن مع غض النظر الآن عن السند، وانتهينا عن التمثيل للسند لو جئنا لرواية مثلا محمد بن حنيف عند النسائي، فلفظها موافق تماما للفظ من؟ لفظ عبد الله بن دينار الذي رواه الإمام مالك عن عبد الله بن دينار من طريق الشافعي، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه " فأكملوا العدة ثلاثين " فهذه الرواية تماما مثل رواية محمد بن حنيف عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر حديثا، وفيه فأكملوا العدة ثلاثين فبناء على القول الثاني الذي يلتفت للمتن هذه تسمى ماذا ؟ تسمى متابعة تسمى متابعة؛ لأن اللفظ اتفق تماما ما فيه اختلاف، لكن لو جئنا لرواية عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
" فاقدروا له ثلاثين أو فاقدروا ثلاثين " الآن فيه اختلاف في اللفظ ولا ما فيه اختلاف؟ .
فيه اختلاف يسير المعنى واحد أو ما هو واحد؟ المعنى واحد والصحابي واحد ولا ما هو واحد ؟ الصحابي واحد هذه تسمى بناء على التعريف المرجوح ماذا؟ تسمى شاهدا أحسنت يعني الآن إن شاء الله الأمر يكون اتضح.(1/180)
قد يقول قائل: ما هي الفائدة من هذا التقسيم كله؟ يعني حينما نفصل، فنقول: هذه تامة وهذه متابعة قاصرة، وهذا متابع وهذا شاهد، وما إلى ذلك، وما الفائدة من البحث عن متابع أو شاهد؟ في أي شئ يفيدنا هذا؟ نعم في النظر إلى الحديث هل يتقوى أو لا يتقوى؟ صحيح لكن هذا التقييد ماذا تفيدنا أحسنت بارك الله فيك حينما نجد حديثا آخر يعارض هذا الحديث الذي معنا، فنحن حينما لا نستطيع أن نوفق بين الحديث، ونكون مضطرين إلى أن نرجح أحدهما على الآخر، هذا الترجيح إنما يكون بقوة الطرق فنحن حينما نبحث عن حديث من الأحاديث، فنجد له طرقا كثيرة فمعنى ذلك أننا نقوي هذا الحديث الذي له طرق كثيرة على الحديث الذي ليس له طرق إلا قليلة، فهذا يفيد في حال الترجيح بين الروايات الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يعني هذا جواب لسؤالك يا أخي يقول: إن التفريق بين المتابع والشاهد بالنظر إلى السند أو المتن هذا يعني أمر سهل كأنه يشير إليك يا طالب العلم إذا ما وجدت كلام العلماء السابقين يختلف أحيانا في هذه المسألة، فمنهم من يطلق المتابعة على الشاهد أو الشاهد على المتابعة، فلا تتعجب لأن الاختلاف في هذا يسير يعني ليس هناك مثلا شيء ينبني على هذا الاختلاف المهم أن الحديث له طرق تقويه، وهذا هو المراد فقد تجد بعض العلماء السابقين يعني يتساهل، فيطلق المتابعة على الشاهد أو العكس، فكما يقول: الأمر في هذا سهل.
الحديث المحكم ومختلف الحديث
الآن سننتقل إلى بحث آخر، وهو ما يسمى بمختلف الحديث، والمحكم، وقبل أن نبتدئ يعني علينا أن نعرف المحكم ومختلف الحديث حتى يعني نركز على الفرق بينهما، ونعرف بكل منهما فنقول: أما الحديث المحكم فهو الحديث السالم من المعارضة، الحديث السالم من المعارضة وأما مختلف الحديث فهو الحديث الذي اختلفت طرقه مع إمكان الجمع بينها، الآن عندنا الحديث المقبول أيا كان صحيحا أو حسنا ينقسم إلى قسمين:(1/181)
القسم الأول: معمول به، والقسم الثاني غير معمول به، والحديث الذي يعمل به إما أن يكون فيه معارضة مع غض النظر عن هذه المعارضة، هل تؤثر أو لا تؤثر أو لا يكون فيه معارضة بوجه من الوجوه، فالأحاديث التي ليس فيها معارضة هي الأكثر، وهي الغالب من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه تسمى يسمى الواحد منها حديثا محكما، فالحديث المحكم هو الحديث السالم من المعارضة، لكن الحديث الذي فيه معارضة، نحن ننظر في هذه المعارضة، فإن كانت المعارضة مؤثرة لا يمكن أن يجمع بينها، فهذا يعني له مبحث سيأتينا بعد قليل إن شاء الله، لكن إذا كانت المعارضة اجتهدنا، فأمكن الجمع بينها فهذا يسمى مختلف الحديث مثل الحافظ ابن حجر لهذا بحديث " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " مع حديثه - صلى الله عليه وسلم - " فر من المجذوم فرارك من الأسد "
ونحن نعرف أن هناك أحاديث يعني لو جمعناها في مسألة العدوى كثيرة كلها تدور حول هذا الاختلاف المذكور منها أحاديث تثبت العدوى، ومنها أحاديث تنفي العدوى، فمثلا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل حين سأله عن الإبل يجرب الواحد منها فتجرب بقية الإبل فقال: " فمن الذي أعدى الأول " ومثل أنه -عليه الصلاة والسلام- أكل مع المجذوم، وقال: " بسم الله توكلا على الله " أو بمعنى الحديث، وهو هنا عليه الصلاة والسلام يقول: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " وكذلك أيضا تذكرون حديثه - صلى الله عليه وسلم - في البلد التي يقع فيها الطاعون، فهو - صلى الله عليه وسلم - فرق فيما لو كان الرجل داخل البلد أو خارجه، فإن كان الرجل وقع الطاعون وهو في البلد نفسه فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخروج من البلد التي وقع فيها الطاعون، وإن كان خارج البلد، فأمره - صلى الله عليه وسلم - ألا يدخل إلى ذلك البلد الذي وقع فيها الطاعون، وهكذا في جملة أحاديث كلها تدور على مسألة العدوى .(1/182)
طبعا يعني مثل حديث الطاعون الفهم أو المعنى الذي ذكره العلماء لهذا الحديث أن الرجل لو وقع الطاعون، وهو في البلد ثم خرج عنها يترتب عليه ماذا؟ أن ينتشر الطاعون في بقية البلاد الأخرى لكن إذا بقي في البلد نفسه فمعنى ذلك أنه ما يسمى يمكن بالحجر الصحي -إن صح التعبير- أما إذا لم يكن في داخل البلد، فلا يقدم عليه حتى لا يصاب بذلك المرض، فهذا فيه إثبات عدوى أو ما فيه إثبات عدوى؟ .(1/183)
ظاهرا الآن فيه إثبات عدوى اختلف العلماء في محاولة التوفيق بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، أحاديث تنفي العدوى وأحاديث تثبت العدوى، فهل من المعقول أن ينقض حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضه بعضا؟ نقول: لا لكن الاختلاف دائما يأتي في أفهام الناس، وإلا فأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعها محكمة، لكن بعض الناس عقولهم لا تدرك المعنى المراد من تلك الأحاديث، فيقع اللبس والخوض في فهم تلك الأحاديث على وجهها الصحيح، ومن الأمثلة التي تدلنا على هذا هذه الأحاديث نجد العلماء اختلفوا فيها، فالحافظ ابن حجر كما هو واضح أمامكم يرى أنه ليس هناك عدوى إطلاقا نعم، ويحمل الأحاديث التي فيها إثبات العدوى على أنها من باب سد الذريعة فيقول: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " ليس معنى هذا أن فيه عدوى، ولكن سدا لذريعة خشية أن يصاب بالمرض أصلا من الله دون عدوى، فيظن أن هذا الذي أصابه بسبب العدوى فيقع في إشكال في معتقده، هذا هو توجيه الحافظ ابن حجر لكن هل هذا التوجيه يسلم له به أو لا يسلم؟ أقول: لا لا يسلم له به، والتوجيه الصحيح ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- تعالى في شرح سنن أبي داود، وفي غيره والحقيقة أنني قدم عهدي به، ولكن أتذكر معناه أنه يقول: الجميع كله من الله -جل وعلا- الذي حصل أولا والذي حصل بسبب انتقال العدوى، فهذا المرض كله من الله، ولذلك لا عدوى يعني معنى ذلك أن المرض الذي أصاب الأول والأخير ليس بسبب العدوى كلها أو لا ينبغي للإنسان أن يعتقد أنه لولا العدوى لما أصيب بالمرض، لا لكن الأحاديث الأخرى تبين أن الله -جل وعلا- هو الذي أنزل المرض أساسا، ثم جعل هذا المرض ينتقل لآحاد الناس الآخرين بسبب العدوى، فالعدوى سبب وليست هي الفاعلة، أظن يعني إن شاء الله واضح المعنى على هذا، فكلام ابن القيم هذا هو الذي يحصل به التوفيق بين الأحاديث كلها، أما كلام الحافظ ابن حجر لو قبل في بعض الأحاديث،(1/184)
فإنه لا يقبل في بعضها الآخر بالإضافة إلى أن فيه شيئا من الضعف في التوجيه؛ ولذلك أول ما يوجه به الحديث هذا التوجيه الذي يسلم من المعارضة، ففعلا يعني المرض يمكن أن ينتقل بالعدوى، ولكن لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تعتقد أنه لولا العدوى لما أصابك المرض، قد يصيبك المرض أساسا دون عدوى.
الحديث المقبول
ثم المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عوض بمثله فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث، أو ثبت المتأخر فهو الناسخ، والآخر المنسوخ، وإلا فالترجيح ثم التوقف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
الآن عندنا الحديث المقبول أيا كان صحيحًا أو حسنًا ينقسم إلى قسمين: القسم الأول معمول به، والقسم الثاني غير معمول به، والحديث الذي يعمل به، إما أن يكون فيه معارضة مع غض النظر عن هذه المعارضة هل تؤثر أو لا تؤثر أو لا يكون فيه معارضة بوجه من الوجوه.
فالأحاديث التي ليس فيها معارضة هي الأكثر، وهي الغالب من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه يسمى الواحد منها حديثا محكمًا، والحديث المحكم هو الحديث السالم من المعارضة.
لكن الحديث الذي فيه معارضة نحن ننظر في هذه المعارضة فإن كانت المعارضة مؤثرة، ولا يمكن أن يجمع بينها فهذا يعني.. له مبحث سيأتينا بعد قليل -إن شاء الله- لكن إذا كانت المعارضة اجتهدنا فأمكن الجمع بينها، فهذا يسمى مختلف الحديث مثّل الحافظ ابن حجر لهذا بحديث: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " مع حديثه - صلى الله عليه وسلم - " فر من المجذوم فرارك من الأسد " ونحن نعرف أن هناك أحاديث لو جمعناها في مسألة العدوى كثيرة كلها تدور على هذا الاختلاف المذكور، منها أحاديث تثبت العدوى، ومنها أحاديث تنفي العدوى، فمثلا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل حينما سأله عن الإبل يجرب الواحد منها فتجرب بقية الإبل. فقال: " فمن الذي أعدى الأول "(1/185)
ومثل أنه -عليه الصلاة والسلام- " أكل مع المجذوم، وقال: بسم الله توكلا على الله " أو بما هو معنى الحديث، وهو هنا -عليه الصلاة والسلام- يقول: " فر من المجذوم فرارك من الأسد "
وكذلك أيضا تذكرون حديثه - صلى الله عليه وسلم - في البلد التي يقع فيها الطاعون فهو - صلى الله عليه وسلم - فرق فيما لو كان الرجل داخل البلد أو خارجه. فإن كان الرجل وقع الطاعون وهو في البلد نفسه فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخروج من البلد التي وقع فيها الطاعون، وإن كان خارج البلد فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن لا يدخل إلى ذلك البلد التي وقع فيها الطاعون، وهكذا في جملة الأحاديث كلها تدور على مسألة العدوى .
طبعًا يعني: مثل حديث الطاعون الفهم أو المعنى الذي ذكره العلماء لهذا الحديث أن الرجل لو وقع الطاعون، وهو في البلد، ثم خرج عنها يترتب عليه ماذا؟ أن ينتشر الطاعون في بقية البلاد الأخرى، لكن إذا بقي في البلد نفسه، فمعني ذلك أنه ما يسمى بالحجر الصحي إن صح التعبير، أما إذا لم يكن في داخل البلد فلا يقدم عليه حتى لا يصاب بذلك المرض، فهذا فيه إثبات عدوى أو ما فيه إثبات عدوى؟ ظاهرًا.
الآن فيه إثبات عدوى اختلف العلماء في محاولة التوفيق بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، أحاديث تنفي العدوى، وأحاديث تثبت العدوى . فهل من المعقول أن ينقض حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضه بعضًا؟ نقول لا.. لكن الاختلاف دائما يأتي في أفهام الناس، وإلا فأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعها محكمة لكن بعض الناس عقولهم لا تدرك المعنى المراد من تلك الأحاديث فيقع اللبس، والخلط في فهم تلك الأحاديث على وجهها الصحيح، ومن الأمثلة التي تدلنا على هذا هذه الأحاديث، نجد العلماء اختلفوا فيها، فالحافظ ابن حجر كما هو واضح أمامكم يرى أنه ليس هناك عدوى إطلاقًا نعم.(1/186)
ويحمل الأحاديث التي فيها إثبات العدوى على أنها من باب سد الذريعة فيقول: " فر من المجذوم مثل فرارك من الأس " ليس معنى هذا أن فيه عدوى، ولكن سدا للذريعة خشية أن يصاب بالمرض أصلاً من الله دون عدوى فيظن أن هذا الذي أصابه بسبب العدوى فيقع في إشكال في معتقده هذا هو توجيه الحافظ ابن حجر.
لكن هل هذا التوجيه يسلم له به أولا يسلم؟ أقول: لا يسلم، والتوجيه الصحيح هو ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- في شرح سنن أبي داود وفي غيره، والحقيقة أنني قديم العهد به لكن أتذكر معناه أنه يقول : الجميع كله من الله -جل وعلا- الذي حصل أولاً، والذي حصل بسبب انتقال العدوى فهذا المرض كله من الله، و؛ لذلك لا عدوى يعني: معنى ذلك أن المرض الذي أصاب الأول، والأخير ليس بسبب العدوى كلها أو لا ينبغي للإنسان أن يعتقد أنه لولا العدوى لما أصيب بالمرض، لكن الأحاديث الأخرى تبين أن الله-جل وعلا- هو الذي أنزل المرض أساسًا.
ثم جعل هذا المرض ينتقل لآحاد الناس الآخرين بسبب العدوى؛ فالعدوى سبب، وليست هي الفاعلة أظن يعني -إن شاء الله- واضح المعنى بناء على هذا.
فكلام ابن القيم هذا هو الذي يحصل به التوفيق بين الأحاديث كلها، أما كلام الحافظ ابن حجر لو قبل في بعض الأحاديث فإنه لا يقبل في بعضها الآخر بالإضافة إلى أن فيه شيئا من الضعف في التوجيه.
ولذلك أولى ما يوجه به الحديث التوجيه الذي يسلم من المعارضة ففعلاً المرض يمكن أن ينتقل بالعدوى لكن لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تعتقد أنه لولا العدوى لما أصابك المرض قد يصيبك المرض أساسًا دون عدوى، وهذه العدوى التي أصابك بسببها المرض ليست هي الفاعلة، وإنما الله -جل وعلا- هو الذي قدر عليك المرض.(1/187)
ولذلك قد تجد البيت الواحد فيه أناس هذا يصيبه المرض، وهذا لا يصيبه المرض مع العلم أن كلاً منهم يخالط الآخر، ويشرب في الإناء الذي يشرب فيه الآخر، وهذا أمر مشاهد، يعني: تعرفون أن هناك بعض الأمراض كالعنقز أو الحصبة أو ما إلى ذلك، وهذا واضح. أنا في بيتي يقع مثل هذا، بعض الأولاد يصابون بالمرض، وبعضهم لا يصاب، وكل منهم يختلط بالآخر ويحتك به ويشرب في إنائه، ويلتحف بلحافه، وما إلى ذلك.
فالله -جل وعلا- لم يكتب عليه أن ينتقل له المرض بالعدوى، وكتب على الآخر أن ينتقل له المرض بالعدوى مع العلم أن الأساس الذي في البيت قد تجد أنه نزل عليه المرض هكذا بدون أن يخالط أحدًا ممروضا؛ ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " فمن أعدى الأول؟ " يعني: من أنزل المرض أساسًا هو الله بلا شك.
فهذا مثال لمختلف الحديث الآن ما دام أمكن الجمع بين هذه الأحاديث عملنا بها كلها أو لا ؟ عملنا بالأحاديث كلها؛ ولذلك الأولى دائما حينما يأتينا حديثان ظاهرهما التعارض أن نجتهد ما أمكننا الاجتهاد في محاولة الجمع بين الأحاديث؛ لأننا إذا جمعنا بينها فإننا أعملنا جميع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم نترك شيئًا منها، وهذا هو الأولى، وهو المسلك الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه طالب العلم بادئ ذي بدء، وإمكانية الجمع كثيرة جدًا، يعني: الأوجه التي يمكن الجمع بها بين الأحاديث كثيرة جدًا، فمثلاً : هنا يوجه هذا على حاله، وهذا يوجه على حاله مثلا هناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يحمل كل واحد منها على اختلاف القصة، مثلاً يأتينا أحيانًا بعض الأحاديث التي يفهم منها أن القصة واحدة، وأن الرجل واحد، ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره في هذا الحديث بأمر، وأمره في الحديث الآخر بأمر آخر.(1/188)
فهنا حتى لا نهدر أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها يقال: هذا محمول على تعدد القصة فيكون هذا الحديث في رجل آخر أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر، وذلك الحديث في أمر آخر أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بأمر آخر.
فهذه حادثة وتلك حادثة، وتعدد القصة مما دائماً ينفي التعارض بين الأحاديث، وهكذا يعني: أوجه الجمع كثيرة، ويعنى بها دائمًا الأصوليون، أو بعض العلماء الذي تفننوا في هذا مثل الشافعي -رحمه الله- تعالى فإنه ممن برع؛ لأنه فقيه وبرع في التوفيق بين أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي ظاهرها التعارض، وله كتاب "مختلف الحديث"، كذلك أيضا ابن قتيبة الدينوري له كتاب " تأويل مختلف الحديث" ، وكذلك أيضًا الطحاوي له كتاب " مشكل الآثار" .
فهذه الكتب الثلاثة التي تُعنى بهذا النوع من أنواع علوم الحديث، تجمع الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وتحاول أن توفق بينها، فهذا النوع يسمى مختلف الحديث، وهذه الكتب كلها مطبوعة -بحمد الله- . ما عدا "مشكل الآثار" فإنه لم يطبع كاملا حتى الآن.(1/189)
بعد هذا لو اجتهدنا في هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، ثم حاولنا أن نجمع بينها فما تمكنا لا يزال التعارض باقيًا أو مثلا وجدنا من حاول أن يجمع بينها لكنه جمع فيه تعسف و تكلف؛ لأن يشترط في النوع الماضي الذي هو مختلف الحديث يشترط فيه أن يكون الجمع جمعًا مقبولاً بدون تعسف ولا تكلف، لكن لو وجدنا من تعسف وتكلف في الجمع، أو ما أمكن الجمع بوجه من الوجوه ففي هذه الحال علينا أن ننتقل إلى مرحلة أخرى، ولاحظوا أيها الإخوة أن في هذه الجهود التي يبذلها علماء الحديث احترام لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: ليس هناك تمرد؛ لأن مثل المعتزلة، وأطرافهم دائمًا يعني: من السهولة بمكان أن يضربوا بالحديث عرض الحائط، وبلا شك أن في هذا خفة في الديانة؛ لأن أهل السنة عندهم مكانة كبيرة جدًا لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- فحتى ولو مع وجود هذا التعارض الذي يوحي بأن في الحديث شيئا، قد يكون بعض الرواة أخطأ أو ما إلى ذلك، هم لا يسلكون هذه المسالك، بل يجتهدون ويبذلون وسعهم في محاولة التوفيق بين أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعمالها كلها.(1/190)
ومن هنا نجد اختلاف المنهج فرق بين هؤلاء، وفرق بين أولئك، أولئك يتكلفون في إيجاد شيء يطعن في الحديث يتكلفون تكلفًا كبيرًا جدًا، وأهل السنة يتكلفون في محاولة إبعاد الشيء الذي يطعن في الحديث، ويبذلون قصارى جهدهم؛ لهذا السبب فالآن مثلاً لو وجدوا أنه ما أمكن الجمع بين الأحاديث يسلكون مسلكًا آخر. ما هو هذا المسلك؟ قالوا: يحتمل أن كلا الحديثين قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وثابت عنه، لكن هذا في حال، وذلك في حال آخر، فيكون أحد الحديثين ناسخا والآخر منسوخا، وهذا معروف حتى في كتاب الله -جل وعلا- وهو القائل -سبحانه-: { * مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } (1) وأنتم تعلمون أن هناك عدة آيات بعضها ناسخ، وبعضها منسوخ، فمثلاً عدة المتوفى عنها زوجها أولا كم؟ { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } (2) ثم نسخ هذا الحكم بحكم آخر : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } (3) فهل يمكن أن يقال: إن إحدى الآيتين لا يصح أنها من القرآن؟ لا يصح أنها من كتاب الله؟! لا.. الكل من كلام الله -جل وعلا- لكن هذه كانت في الأول، وتلك كانت في الأخير، وكلها من كلام الله -جل وعلا-.
الناسخ والمنسوخ
فكذلك أيضًا أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون الواحد منها ناسخًا والآخر منسوخًا بسبب يعني: أحوال معينة فيسمى هذا المبحث ناسخ الحديث ومنسوخه.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 106.
(2) - سورة البقرة آية : 240.
(3) - سورة البقرة آية : 234.(1/191)
يقول الحافظ: إذا لم يمكن الجمع بين الأحاديث فالأمر لا يخلو، إما أن نعرف التاريخ أو لا نعرفه. يقول : أو لا وثبت المتأخر فهو الناسخ والآخر المنسوخ . فمعنى ذلك أننا لو عرفنا التاريخ، فهنا معرفة التاريخ تفيدنا جدًا .
الآن عندنا مبحث ناسخ الحديث ومنسوخه نريد أن نعرف ناسخ الحديث ومنسوخه ما هو؟ يمكن أن نعرفه بالتعريف الآتي فنقول في تعريف ناسخ الحديث ومنسوخه :
"هو رفع الشارع حكمًا متقدمًا بحكم آخر متأخر عنه"
يعني: هذا مأخوذ من النسخ، وهو الإزالة حينما تقول: نسخت كذا بمعنى أنك أزلته، فإزالة الحكم المتقدم بحكم آخر متأخر عنه بشرط أن يكون متأخرًا عنه، هذا النسخ أو ناسخ الحديث ومنسوخه للعلماء فيه جهود مضنية أيضًا، ومنهم من برع فيه براعة قوية مثل الشافعي -رحمه الله تعالى- حتى إن الإمام أحمد يعني: كان يثني على الشافعي في هذا الباب يعني: أكثر من غيره، وبلا شك أنه يعني: من الأمور الضرورية جدًا بخاصة لمن يريد أن يتفقه في الأحاديث، وهذا موجود يعني: الاهتمام به من وقت الصحابة -رضي الله عنهم-، فأذكر في حادثة معينة أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مر على رجل، وهو يعظ الناس، ويذكرهم أو يعلمهم فسأله: هل تعرف ناسخ الحديث ومنسوخه؟ فقال: لا. فقال: هلكت وأهلكت.
فلا شك أنه قد يأمر الناس مثلا بأمر منسوخ، أو قد يحلل لهم أمرًا قد نسخ أو يحرم عليهم أمرًا قد نسخ، ونجد أن النسخ يأتي على ثلاثة أقسام:(1/192)
فالقسم الأول: يكون النسخ في نفس الحديث، وهذا يعني: هو أوضح الأقسام، ويمثلون له بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نسخ الحكم الأول، وهو النهي بالأمر الذي أفاد ماذا؟ يعني: الآن الأصوليون يقولون: إن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يرد صارف. لكنه في هذه الحالة لا يدل على الوجوب لكونه جاء بعد نهي، فالأمر إذا جاء بعد نهي يدل على ماذا؟ على الإباحة، فالأمر بعد النهي يأتي ليدل على الإباحة، فالأمر هنا جاء بعد نهي: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها " فمعني ذلك أن النبي " - صلى الله عليه وسلم - أباح لنا زيارة القبور، فالنهي منسوخ، والناسخ هو قوله - صلى الله عليه وسلم - " فزوروها "
القسم الثاني: هو ما يكون فيه النسخ بدلالة قول الصحابي في نفس الحديث، ويمثلون له بحديث جابر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: كان آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار، فهذا الحديث يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورد عنه أنه كان يتوضأ مما مست النار أيًا كان لحم غنم لحم الدجاج أيا كان، وأحيانًا لا يتوضأ مما مست النار. فما هو الأمر الذي استقر عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - استقر على ترك الوضوء مما مست النار، فمعنى ذلك أن الوضوء مما مست النار يعتبر أي شيء ؟ يعتبر منسوخًا، والناسخ هو ترك الوضوء مما مست النار، فهذا القسم الثاني هو دلالة النسخ موجودة في قول الصحابي نفسه .(1/193)
القسم الثالث: وهو الأكثر يعرف الناسخ والمنسوخ بمعرفة التاريخ، ومعرفة التاريخ في هذه الناحية مهمة جدًا، ويمثلون لهذا بأمثلة كثيرة يمكن لو طلبناها نجدها في الكتب التي ألفت في الناسخ والمنسوخ مثل كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي -رحمه الله-، فلو نظرنا في هذا الكتاب نجد الحازمي -رحمه الله- جمع أحاديث الناسخة، والمنسوخة في هذا الكتاب فيبين هذا الحديث ناسخ وهذا الحديث منسوخ، وكثير من هذه الأحاديث الذي جمعها الحازمي عُرف الناسخ من المنسوخ بمعرفة التاريخ عرف أن هذا متقدم، وهذا متأخر، كذلك أيضًا ابن الجوزي له كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه، وغيرهم من العلماء يعني: الذين جاءوا بعد ذلك لكن هذان الكتابان من الكتب الذي تروى بالإسناد . كذلك أيضًا ابن شاهين له كتاب -، وهذا طبع أخيرًا - له كتاب "ناسخ الحديث ومنسوخه" وهو كتاب أيضا جيد في بابه.
هذه الكتب نجد أنها اشتملت على أمثلة كثيرة، لكن لنعرف أن هناك من ينازع في التسليم بكون الحديث منسوخا والآخر ناسخا في بعض الأحاديث، لكن أنا أنقل لكم من الأمثلة التي قيل فيها: إن هذا ناسخ وهذا منسوخ؛ لأجل فقط تقريب المعنى، فمثلا عندنا حديثان ظاهرهما التعارض، وهما: الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " أفطر الحاجم والمحجوم " والحديث الثاني " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، وهو صائم " فهذان الحديثان ظاهرهما التعارض أم لا؟ ظاهرهما التعارض، قالوا في محاولة التوفيق بين الحديثين: إن الحديث الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " هذا كان في فتح مكة، وأن الحديث الآخر الذي يرويه ابن عباس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، وهو صائم " هذا كان في السنة التي فيها حجة الوداع .(1/194)
فهذا الحديث يعتبر متأخرا عن الحديث الأول فيعتبر ناسخا له. هذا من جملة الأقوال التي قيلت مع العلم بأن المسألة خلافية، والخلاف فيها طويل جدًا .
من الأمثلة التي أنا أعتبرها أوضح من هذا، لعلكم تذكرون الخلاف في مسألة مس الذكر هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ مس الذكر ورد فيه حديثان ظاهرهما التعارض .
الحديث الأول: حديث بسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من مس ذكره فليتوضأ "
والحديث الثاني: حديث طلق بن علي - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مس الذكر فقال: " هل هو إلا بضعة منك؟ " يعني: كأنك مسست أنفك أو أذنك أو ما إلى ذلك، فإنما هو جزء من جسدك أي: أنه لا ينقض الوضوء.
الآن هذان الحديثان ظاهرهما التعارض أو لا؟ ظاهرهما التعارض، أحدهما يدل على نقض الوضوء، والآخر يدل على أنه لا ينقض الوضوء، فكيف نوفق بين الحديثين، وهما صحيحان؟. طبعا صحيحان على القول الراجح، لكن بعض العلماء الذي يميل إلى رأي دون رأي يحاول أن يتكلم، ويقدح في الحديث الآخر.
نقول يعني:، وهذا الذي يظهر لي حتى الآن، وهو المترجح عندي أن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق بن علي، وكيف عرفنا أن أحدهما ناسخ، والآخر منسوخ ؟ بالرجوع إلى ملابسات أخرى أو قرائن أخرى. نظرنا في حديث طلق بن علي فوجدنا أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الحكم لما جاء طلق بن علي هو من اليمامة يعني: من بلادنا فقدم المدينة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في أول قدومه إلى المدينة، وهو يبني المسجد فساعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بناء المسجد فسأله عن هذا الحكم.
الآن هذا يعتبر قديما أم لا؟ في أول الهجرة .(1/195)
حديث بسرة بنت صفوان هي من المهاجرات اللاتي هاجرن بعد ذلك، فيكون حديثها متأخرا عن حديث طلق بن علي، فعرفنا أن حديث بسرة متأخر عن حديث طلق بن علي، وأن حديث بسرة هو الذي ينبغي أن يعمل به، وأن حديث طلق بن علي هو الذي ينبغي أن يترك العمل به، وحينما أقول لكم هذا، ليس معنى هذا أن هذا رأي مسلّم به بين العلماء لا، هناك من ينازع، لكن هذا لأجل التوضيح أكثر .
بهذه الأمثلة نعرف أن هذا القسم الثالث هو أكثر الأقسام التي يرد فيها النسخ، وهو معرفة المتقدم والمتأخر.
من القرائن التي يعرف بها المتقدم من المتأخر إسلام الصحابي، مثلا لو جاءنا حديث يرويه أبو هريرة، وحديث آخر يرويه صحابي آخر إسلامه قديم نعرف أن أبا هريرة أسلم في السنة السابعة من الهجرة، فإسلامه متأخر، والصحابي الآخر إسلامه متقدم فهنا قرينة يقولون: إن إسلام الصحابي المتأخر قرينة تفيد أن هذا الحديث يعتبر هو المتأخر، والآخر متقدم، لكن هذه المسألة فيها ما فيها لماذا ؟؛ لأن هذا الصحابي الذي إسلامه متأخر، قد يكون سمع الحديث من صحابي آخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كان يثق بعضهم في بعض، وكان يروي بعضهم عن بعض، وحتى لو لم يصرح بأنه أخذ الحديث من ذلك الصحابي لكن يقولون: يرد على هذا إشكال، وهو لو قال الصحابي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صحابي متأخر الإسلام، فهذا يدل على ماذا؟ يدل على أنه أخذ الحديث متأخرًا قالوا: لا يمكن أن يكون أخذ الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم هو . يعني: في حال كفره فيكون قديما، يرد عليه أيضا لو كان هذا الصحابي لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد أن أسلم . نقول: يرد على ذلك إشكال أيضا، وهو هل هذا يدل على أن هذا الصحابي الآخر الذي إسلامه قديم سمع ذلك الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ .(1/196)
في القديم قد يكون سمعه بعدما سمع هذا الصحابي هذا الحديث فإذا كان هذان الصحابيان عاشا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فترة وعاش كلاهما الفترة الأخيرة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: أحدهما أسلم والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة، ثم استمر وعاش بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين سنة، والآخر ما أسلم إلا في السنة السابعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - توفي في السنة العاشرة أو أول الحادية عشر، يعني: هناك ثلاث سنوات للصحابي متأخر الإسلام، فالصحابي الأول يكون شاركه في هذه الثلاث سنوات أو لا؟ يكون شاركه، فقد يكون سمع هذا الحديث في هذه المدة، فما الذي يدرينا أنه سمع هذا الحديث قبل أن يسلم ذلك الصحابي؟ واضح الأمر ولا لا ؟ واضح -إن شاء الله-.
فإذًا هذا لا يدل في الحقيقة على أنا يعني: إذا عرفنا أن الصحابي متأخر الإسلام لا يدلنا على أن حديثه هو المتأخر اللهم إلا بقرينة أخرى . مثل ماذا ؟ مثل أن يرد في نفس الحديث أن ذلك الحديث المعارض عرف بقرينة أخرى أن ذلك الصحابي تلقاه من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلام، هذا الصحابي كأن يكون مثلا تحدث عن هذا الحديث على أنه في وقعة بدر أو وقعة أحُد، ووقعة بدر ووقعة أحُد كانتا في السنة كم؟ الثانية والثالثة من الهجرة، وإسلام ذلك الصحابي في السنة السابعة من الهجرة، فعندنا الآن قرينة تدل على أن أحد الحديثين متقدم والآخر متأخر، فعرفنا التاريخ بهذه الصورة، أو يكون مثلا ذلك الصحابي صرح بأنه تلقى الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما كان في مكة.
فالآن أيضا عرفنا التاريخ لكن الإشكال حينما لا نعرف التاريخ هذا هو الذي نقول: إنه لا يمكن بحال من الأحوال أن نقول: إن الصحابي المتأخر الإسلام حديثه يدل على نسخ متقدم الإسلام.(1/197)
هناك أيضا من القرائن الأخرى، مثلا لو كان ذلك الصحابي توفي قبل إسلام هذا الصحابي، فمثلا الذي روى الحديث المعارض توفي في السنة السادسة من الهجرة في أحد الغزوات مثل سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فهنا نعرف أن حديث المتأخر مثل أبي هريرة -فعلاً- ينسخ حديث المتقدم، فإذا وجدت قرينة تاريخية تدل على أن أحدهما متقدم والآخر متأخر، فيمكن أن نقول: إن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ.
إي أنا قلت: أنه لو ورد قوله: سمعت في حال ورود قوله: سمعت، أما إذا لم يقل: سمعت فيبقى الإشكال.
لنفرض بعد هذا أيها الإخوة أننا ما عرفنا التاريخ هل أحدهما متقدم والآخر متأخر أو لا فماذا نفعل في هذه الحالة ؟.
أقول: إن العلماء أيضا ما تركوا لأحد مدخلا في هذه المسألة، فهناك ما يسمى بأوجه الترجيح، فعندهم وجوه للترجيح بين الحديثين كثيرة جدًا بلغت أكثر من مائة وجه.
أوجه الترجيح هذه يلزم منها أن نجعل أحد الحديثين معمولا به والآخر غير معمول به.
من أوجه الترجيح: كأن يكون أحد الحديثين أقوى من الآخر من حيث الأصحِّية، فمثلا الحديث إسناده صحيح لا مطعن فيه والآخر إسناده حسن، بمعنى أن راويه خف ضبطه قليلا ففي هذه الحالة أيهما أولى بالقبول ؟ الصحيح أولى بالقبول من الحسن، فهذا أحد أوجه الترجيح .
من أوجه الترجيح عندهم: أن الحديث الناقل عن الأصل مقدم على الحديث المبقي على الأصل، فمثلا نعرف أن الأصل في الأمور الدنيوية ماذا ؟ الإباحة، والأصل في العبادات التحريم فلا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع، وأما الأمور الدنيوية، فكل ما شئت والبس ما شئت واشرب ما شئت ما لم يرد نص يحرم.(1/198)
يعني: الآن مثلاً الأشياء المعصورة كلها حلال أو حرام ؟ يعني: نحن نتحدث الآن على الإطلاق. حلال، لكن هل هناك شيء محرم منها؟ نقول: نعم. . ما أسكر منه فيعتبر محرما، محرم بنص أو باجتهاد؟ محرم بنص من الكتاب والسنة، فإذًا هذا استثني من الأمور المباحة، فإذا وجدنا مثلا حديثًا يدل على الإباحة إباحة هذا الأمر الدنيوي، وعارضه حديث آخر يدل على التحريم فأيهما الذي يقدم من هذين الحديثين؟ لا .
الذي يقدم الحديث الدال على التحريم، يقولون: الحديث الناقل عن الأصل، الأصل الإباحة، فهو ينقل عن الأصل إلى حكم آخر وهو التحريم، يكون الحديث الناقل عن الأصل مقدم عن الحديث المبقي على الأصل لماذا ؟ لو تساءلنا لماذا ؟ قالوا:؛ لأن هناك قرينة تدل على أن أحدهما متقدم والآخر متأخر.
فالحديث المبقي على الأصل هذا يتفق مع الأصل يعني: معنى ذلك أنه متقدم والحديث الناقل عن الأصل هذا يدل على أنه متأخر عن ذلك. طبعا فيه خلاف في المسألة، لكن يمكن أن ينُظر لهذه المسألة أيضا من منظار آخر فيقال: الحديث الحاظر مقدم على الحديث المبيح يعني: الحديث المحرم مقدم على الحديث المبيح في هذا أيضًا حيطة للدين يعني: حينما نأخذ بهذه القاعدة بلا شك أن فيه حيطة لأديان الناس ما دام أن عندنا حديثان يعني: لا نستطيع نقدم أحدهما على الآخر إلا بهذه الصورة، وهكذا أوجه الترجيح عندهم كثيرة جدًا يعني: فيها كتب ألفت من جملتها كتاب لا أذكر مؤلفه، ولكنه مطبوع، طبع في العراق اسمه "التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية" من أراد فلينظره.
لو فرضنا مثلا أننا ما استطعنا أن نرجح أيضا نظرنا في كل الوجوه التي ذكرها العلماء فما استطعنا أن نعمل وجها من الوجوه في هذين الحديثين اللذين ظاهرهما التعارض، هما متساويان في القوة.(1/199)
أحد الإخوة سأل قال: يعني: إذا تساويا في القوة، ونحن كنا فصلنا الحديث عن إذا لم يتساويا في القوة، فإذا تساويا في القوة، وما استطعنا أن نعم. ل أحدهما بشيء من الأمور السابقة كلها، وطبعًا هذا يعني: يكاد يكون مستحيلا، لكن دعونا نمشي في الفرضيات، لو وجد حديث بهذه الصورة فيقولون: إننا نتوقف عن الحكم بأي من الحديثين؛ لأننا نفتقد المرجح لأحدهما على الآخر، وعبروا بعبارة التوقف تأدبا مع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بعض العلماء قال يتساقط الحديثان.
فقوله: يتساقط يعني: فيه سوء أدب مع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها لا تسقط، يضاف إلى ذلك أيضا أن الحديث قد لا يتضح، أما التوفيق أو الترجيح للذي نظر فيه فيتضح الأمر؛ لأنسان آخر فيكون الحديث في حقيقة الأمر لم يسقط، ولكنه لم يتبين له الوجه الصحيح لهذا الحديث؛ فلذلك التعبير بالتوقف أدق وأحوط لدين الإنسان، وكما قلت: إنه يندر أن يوجد حديث بهذا الصورة هذا يعني: فيما يختص بهذه المسائل.
بعدها ننتقل للحديث المردود، والحديث المردود ينقسم إلى قسمين: بسبب سقط في الإسناد أو طعن في الراوي، وهذا -إن شاء الله- سيأتي التفصيل فيه فيما بعد ذلك -إن شاء الله- .
وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، وصلى الله علي نبينا محمد
س: سؤال : الحديث المثبت مقدم على الحديث النافي ؟
ج: هذه من أوجه الترجيح التي ذكروها نعم. .
س: .....................................؟
ج: يقويه نعم. . يقويه لكنه لا يصل إلى الصحيح لغيره.
س: .....................................؟
ج: هو الحديث الذي يرويه راو قالوا فيه: لا بأس به هو حديث حسن لذاته بهذه الطريقة، فإذا جاء طريق آخر فيه راو ضعيف يشد منه، يقويه، ويمكن أن يقال عنه: هو حديث قوي أو جيد، والحديث القوى أو الجيد هو أعلى من الحسن، ولم يصل إلى درجة الصحيح فهو في منزلة وسط .
س: .....................................؟(1/200)
ج: يعني: قصدك أن هذا يمكن أن يكون ؟ يعني: من حيث الإمكان العقلي بناءا على ما ذكرنا من أوجه الترجيح نعم. .
يعني: إذا وجدنا حديثين ظاهرهما التعارض، أحدهما صحيح لذاته والآخر متواتر، وما استطعنا أن نجمع بينهما، ولم نعرف المتقدم من المتأخر، وسلكنا مسلك الترجيح.
فمن مسالك الترجيح في هذه الحال أن نقول: إن المتواتر يقدم على هذا الحديث الذي هو صحيح فقط، فهذا من حيث الإمكان العقلي، لكن هل يوجد له مثال ؟ هذا أمر آخر، وما أظنك تجد .
س: .....................................؟
ج: نعم. : لا هذا - سلمك الله - لا يعارض؛ لأنك يا أخي ضع نفسك أمام حديثين أحدهما يحلل، والآخر يحرم، وكلاهما صحيح، عندك قناعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نطق بهذا الحديث، ولنفرض مثلا أنه الحديث المحرم، خذ مثالا على ذلك : لحوم الحمر الأهلية : ورد بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح لهم الأكل من لحوم الحمر الأهلية، وورد بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم عليهم الأكل من لحوم الحمر الأهلية .
أنت الآن أمام حديثين، يعني: ما في مجال ولا في خيار أمامك، فإما أن تعمل هذا، وإما أن تعمل هذا. لكن ما هي القرينة التي يمكن أن تأخذ بها لتعمل أحد الحديثين، ولا بد أن يكون عندك حجة علمية لا تدخل الهوى في هذه المسألة ولا العقل ما في عندنا إلا علم . فلو سئلت لماذا قدمت مثلا الحديث الذي حرم الأكل من لحوم الحمر الأهلية؟ ماذا تقول ؟ ما أمامك إلا أن تقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أباح لهم الأكل من لحوم الحمر الأهلية في حالة معينة في وقعة خيبر حينما احتاجوا إلى ذلك، فكأنه يعني: باب الأكل الاضطراري من هذه اللحوم، ثم بعد ذلك نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها.
كيف استدللت على ذلك؟ استدللت من واقع الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقعة خيبر أباح لهم ذلك، وبعد ذلك حرم عليهم هذا الأمر.(1/201)
فحينما تأتي بحديثين -صحيح- لم تعرف المتقدم من المتأخر لكن عندك شيء ما يسمى بالإلماح أو الإشارة، حديث يبقي على الأصل، الأصل الإباحة في هذا الأمر، والحديث الآخر يتفق مع الأصل.
وخذ مثالا على ذلك حديث طلق بن علي، حديث طلق بن علي يتفق مع الأصل، والأصل أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، يعني: فعلاً أن الذكر هو طبعا من جسم الإنسان، لكن حديث بسرة بنت صفوان يعتبر ناقل عن الأصل.
فمن هذه الحيثية أيضا يرجح حديث بسرة بنت صفوان؛ ولأن فيه حيطة لأديان الناس. يعني: الأخذ بالحيطة في هذه الحال يقتضي أن تأخذ بالحديث المحرم على الحديث المحلل.
س: يقول: ما معنى قوله: في الشاهد والمتابع الذي يظن أنه فرد.
ج: أقول: نعم. لا بد من استعمال العبارة هذه؛ لأننا لا نستطيع أن نحكم على الحديث أنه فرد، حتى الآن ما تأكدنا نحن أمامنا حديث ما له إلا طريق واحد الآن بادئ ذي بدء فأنا أريد أن أعرف الآن أنا أظن أن هذا الحديث فرد، يعني: غريب، يعني: ما له إلا طريق واحد. هذا بناءً على الظن فقط، فأنا بعد البحث، وجدت في الحقيقة أن هذا الحديث ليس فردًا، وإنما له طرق، أخرى، فهذا الذي دعاني إلى قول هذه العبارة الذي يظن أنه فرد.
س: يقول: هل يفهم من الحديث المختلف الذي اختلفت طرقه، هل يفهم منه الاختلاف في السند والمتن أم فقط الاختلاف في المتن؟
ج: لا. أقول الاختلاف إنما هو في المتن في هذه الحال. مختلف الحديث نقصد به الاختلاف في المتن، أما الاختلاف في السند فهذا تقدم الكلام عنه في مبحث الحديث الشاذ، وسيأتي -إن شاء الله- أيضًا أو تقدم في الحقيقة الكلام عن زيادة الثقة، والحديث الشاذ، هذا كله تقدم الكلام عنه، فهذا بالنسبة للإسناد أكثر.(1/202)
س: أحد الإخوة يقول: أريد أن أسمّع المتن وأخجل أرفع يدي وعندي أسئلة أستحيي أسائلك إياها.. إيش أسوي؟، وعلى كل، فأنا إلى الآن لم أفهم في درس اليوم شيئا، المتابعة والشاهد فهل تعيد الشرح علما أنها أول مرة ما أفهم؟
ج: أقول: والله يا أخي أمرك محير يعني: لو كانت نقطة واحدة قد يكون القصور مني، وأستغفر الله من هذا. على كل حال ندلك على أدب من أدب السلف الصالح -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: لا ينال العلم مستح ولا مستكبر.
فالحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير لكن في مثل هذه المواضع لا يستحسن الحياء؛ لأن الحياء يمنعك من أخذ العلم، فكان بعض السلف تجد الواحد منهم حيي لكن إذا ما كان الأمر يتعلق بالعلم وبالدين في هذه الحال لا.
بل إنه حتى في صفوف النساء، ولعلكم تذكرون أن بعض النساء الصحابيات كانت تأتي، وتسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمور يعني: مخجلة، وخاصة من نساء الأنصار، لكن عائشة تترحم عليهن، وتذكر أنهن لم يكن يمنعهن من فهم الدين الحياء، فالمرأة التي أتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسأل عن بعض الأمور التي تتعلق بحيض النساء فأرشدها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمر يعني: يخجل من الإفصاح به، وهي لم تفهم، فأصبحت تراجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: سبحان الله! اصنعي كذا فأمسكت عائشة بيديها، وأخذتها وبينت لها الحكم الذي ترتفع فيه الكلفة بين النساء.(1/203)
فهذه المرأة بلا شك أن الحياء من طبعها، وبخاصة الإيمان دائما يصنع الحياء في نفوس الناس، لكن الحياء لم يكن يمنعهن من تفهم الدين، فمن باب أولى يا أخي مثلك، وفي حلق العلم لا تستحيي أن تسمّع، ولا تستحيي أن تسأل، هذا من باب أولى. التسمع مسألة سهلة لكن السؤال ما ينبغي أن تستحيي من السؤال، وأنت ترى إخوانك يمنة ويسرة، كل واحد منهم يرفع يده، ومع ذلك ففي إمكانك أن تكتب سؤالك في ورقة، وتعرف أننا نقدم الأوراق على الأسئلة الشفهية، وهذا ليس فيه أي حياء إطلاقًا.
أما بالنسبة لعدم فهمك لدرس اليوم، فالحقيقة إعادة الدرس كله هذا أمر فيه مشقة لكن لعلي ألتقي بك، وأوضح لك ما يمكن أن يكون مفتاحًا لما استغلق عليك، فلعلي أراك -إن شاء الله-.
س: يقول: هل الرجل هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، أو عبد الله بن سلمة القعنبي علمًا بأن في نسختي هو عبد الله بن سلمة أو سلمة ؟
ج: أقول لا. الصواب أنه عبد الله بن مسلمة القعنبي هذا أحد رواة الموطأ، وهو مشهور فصوب نسختك.
س: بالمناسبة بالأمس كان أحد الإخوة سألني عن حديثين أجبته عن أحدهما ووعدته أن أجيبه على الآخر، وهو الحديث الذي يقول فيه: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يقول الله: يا ابن آدم ما أنصفتني . أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلى بالمعاصي... " إلى آخر الحديث.
ج: فأقول: هذا الحديث وجدت أن الذي رواه الديلمي في مسند الفردوس، والرافعي في كتابه التدوين في ذكر أخبار قزوين، فالحديث ضعيف لا يصح، وقد يكون أيضًا أشد من الضعيف فالمهم أن الحديث غير صحيح.
س: يقول أحد الإخوة: ما صحة حديث " من أحب أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار " وهل عدم القيام سنة؟.(1/204)
ج: أقول: الحديث صحيح، وعدم القيام ليس سنة فقط بل إنه أقل الأحوال أنه مكروه، وعند بعض العلماء يحرم في غير الأمور التي أبيح فيها؛ ولذلك ينبغي الأدب الذي ينبغي أن يسود بيننا أن لا يكون بيننا تكلف، ونصنع كما يصنع الأعاجم من القيام والجلوس، واعتبار أن هذا يعني: من باب الاحترام بل هو من باب التكلف.
يدخل الواحد، ويقيم عشرين شخصًا أو أكثر من أماكنهم، فهو إذا كنا مثلاً نحترمه فمعنى ذلك أننا أتعبنا الناس الآخرين فالفهم معكوس، ونعرف أن الأعراف دائمًا تتحكم في هذه المسائل، فلو أننا جعلنا العرف السائد بيننا يتفق مع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان في ذلك أدني حزازة في الأنفس، بمعنى: لو أن الداخل دخل المجلس، ووجد الآخرين جلوسًا لم يقوموا له وانتشر هذا العرف بيننا فإنه سيكون الأمر عاديًا وطبيعيًا جدًا، لكن العادة دائمًا هي التي تجعل السنن مهجورة، بل وتجعل المخالفات هي التي يعمل بها. فأنتم -بارك الله فيكم- يعني: طلبة علم وأي علم؟ علم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم سنة المصطفي - صلى الله عليه وسلم - فلكم مزية على غيركم، فمقتضى العلم العمل، ومن العلم بالعمل أن تسود السنن بيننا، ونعمل بها فنحرص كل الحرص على نشر هذا المفهوم الصحيح. نعم. يعني: القيام يمكن أن يكون في بعض المواضع، والإفاضة في هذا يأخذ علينا وقتنا.(1/205)
مثل إنسان مثلاً له مكرمة أو شيء بشر به مثل ما حصل من الصحابي الذي بشر كعب بن مالك -رضي الله تعالى عنه- فقام له من المجلس وتلقاه يبشره بأن الوحي قد نزل بتوبته -رضي الله تعالى عنه- ومثل النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما جاء سعد بن معاذ على راحلته، وقد طعن في غزوة الخندق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " فالقيام هنا لأمر معين، وهو إنزاله من الدابة؛ لأن رجله قد ضربت بسهم، ونحو ذلك يعني: من الأشياء التي يمكن أن يستثنى منها القيام، أما على الإطلاق بهذه الصورة يعني: قم واجلس، وقد يكون ما بين دخول واحد والآخر أقل من دقيقة، فهذا والله فيه تكلف كثير .
س: يقول: من أفضل من قام بتحقيق كتاب المصنف لعبد الرزاق، وكذلك ابن أبي شيبة ؟.
ج: أقول: الكتابين مطبوعان، لكن كلاهما طبعتاهما سقيمة لا مصنف عبد الرزاق، ولا مصنف ابن أبي شيبة، ولكن السقم الذي في مصنف ابن أبي شيبه أكثر من السقم الذي في مصنف عبد الرزاق، فالكتابان في الحقيقة عظيمان وجيدان وفيهما نفع كثير، فلعل الله -جل وعلا- يقيض لهما بعض طلبة العلم الذين يحرصون كل الحرص على إقامة النصوص على وجهها الصحيح، ويعيدون تحقيق الكتابين.
س: يقول: ذكرت في تعريف المتابع والشاهد أنه هو الذي يشارك رواته رواة الحديث الآخر... إلخ ففيم تكون المشاركة؟
ج: أقول الآن: ارجع يا أخي بذاكرتك إلى الوراء قليلاً، وانظر إلى الحديث الذي رواه الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، الآن هذا إسناد، جاء عبد الله بن مسلمة القعنبي فشارك الشافعي في رواية هذا الحديث، شاركه في روايته عن من ؟ عن مالك فهذا هو مقصودنا بالتعريف هو الحديث الذي يشارك رواته رواة الحديث الذي ظنوا أنه فرد، فحديث الشافعي ظننا أنه فرد، ظننا أن الشافعي تفرد بهذه اللفظة، لكن بعد البحث، وجدنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قد شاركه رواية الحديث، فهذا هو المقصود بالتعريف.(1/206)
س: يقول: ما رأيي في كتاب منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر؟
ج: أقول: الكتاب حقيقة أنا ما قرأت فيه ؛ ولذلك لا أستطيع أن أحكم عليه فالحكم على الشيء فرع عن تصوره .
س: يقول: كيف يوصف الصحابي بالتفرد بالحديث، والصحابة عدول بتعديل الله لهم، ويكون الحديث بذلك غريبًا رغم أن ابن حجر في تعريفه أصل السند قال: الموضع الذي يدور الإسناد عليه، ونعرف أن الأصل في اللغة هو الأساس .
ج: الأخ يعني: ما أدري هل حضر في الدرس الذي تكلمنا فيه عن الفرد والغريب النسبي أو لا ؟ فحينما تكلمنا على الفرد والغريب النسبي ما قلنا: إن أصل السند لا يكون إلا في الصحابي فقط.
تذكرون أننا قلنا: إنه أيضا في غير الصحابي صح ولا لا ؟ فقلنا مثلاً: يحيى بن سعيد الأنصاري في حديث " إنما الأعمال بالنيات " يعتبر أصل السند ولا لا ؟ يعتبر أصل السند؛ لأنه هو الذي يدور عليه الإسناد، هذه المسألة يعني: فلعله يتنبه لها.
الأمر الآخر يعني: حينما يوصف الحديث الذي تفرد به صحابي بأنه غريب قلنا: إن الغرابة لا يلزم منها الضعف، ولا يلزم منها القدح في الحديث، ولكنها وصف لنوع من أنواع الحديث، والوصف مثلما تصف إنسانا بأنه أحمر، وإنسانا بأنه أبيض وهكذا، يعني: مجرد الوصف لا يعني: الذم إلا إن أردت أو فُهم منك أنك تريد الذم فهذا أمر آخر، فنحن نتكلم الآن عن تقسيمات اصطلاحية ؛ لأنواع من علوم الحديث إذا فهمناها سهل علينا أن نفهم عبارات العلماء حينما نبحث في كتبهم، ونقرأ فيها، وسهل علينا أيضا أن نعرف كيف نحكم على الحديث بحكم لائق به من صحة أو ضعف أو غيرها؟.
فليس المراد يعني: يا أخي أننا نصف الحديث الذي ينفرد به صحابي واحد بأنه ضعيف أو غير ذلك لا يلزم .
س: يقول أحد الإخوة حديث: " في المال حق سوى الزكاة " وحديث: " ليس في المال سوى الزكاة " كيف ينطبق عليهما العمل بالحديث .
ج: هذا سيأتينا -إن شاء الله- في الحديث المضطرب الكلام عليه.(1/207)
س: يقول أحد الإخوة يعني: أنني في الليلة قبل البارحة أو البارحة ذكرت أن ابن حزم طلب العلم كبيرًا يقول: والذي رجحه محقق كتاب الدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم أنه طلب العلم صغيرًا، وعمره ما يقارب ست عشرة سنة.
ج: أقول يعني: المبني على هذا كله ما يصح من هذا الكلام، أما الذي أذكره في ترجمة ابن حزم، ولعلك يا أخي تراجع هذا، وتفيدنا -إن شاء الله- يعني: فائدة أوسع من هذا. الذي أذكره أن ابن حزم ما طلب العلم إلا كبيرًا فارجع، وأفدنا.
ثم قال: وكان الأولى ذكر الصحابة الكرام مثل الصديق، وعمر الفاروق -رضي الله عنهم- يعني: في التمثيل . أقول: يعني: مسألة ذكر الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يمكن لا تكون مثالاً واضحًا فيما نحن بصدده أو فيما تكلمت عنه؛ لأن مسألة الإسلام غير مسألة طلب العلم، فالأخ كان سأل عن طلب العلم، وطلب العلم هل يمكن لأحد أن يطلبه وهو كبير، وهل يمكن أن يكون عالما مبرزا ، وما إلى ذلك، فأنا أجبته بنعم، ومثلت له بابن حزم وغير ابن حزم .
س: يقول: ما صحة حديث " من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كانت له كأجر عمرة " أقول الذي أعرفه أن الحديث صحيح إن شاء الله.
ج: بعض الإخوة ما شاء الله يظنونني الدارقطني أو البخاري فيأتون بأحاديث الأمر فيها يحتاج إلى بحث، فالذي يحتاج سواء في أحاديث أو مسائل الذي يحتاج إلى بحث -إن شاء الله- أرجئه إلى ما بعد ذلك .
بارك الله فيك نعم. الشيخ ناصر فصل في مسألة القيام وغيره أيضًا، على كل حال أنا أرى أن المسألة تحتاج إلى بحث أوسع مما ذكره الشيخ الألباني.؛ لأنه يبدو لي أيضا أنه شدد في المسألة تشديدا أكثر، فأنا عندي أن المسألة تحتاج تفصيلا أكثر .
س: .............................. ؟(1/208)
ج: هذا كله بحسب الحديث الذي أمامك إذا كنت تخرج أحاديث كتاب معين، والطريق الذي أمامك في هذا الكتاب ضعيف، فما الذي يشهد له ؟ يشهد له الحديث الصحيح، أما إن كنت أنت تخرج أصلا متنا لست ملزمًا بإسناد معين، فتأتي مثلاً إلى حديث مثلاً: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول " تأتي بهذا المتن فقط، ثم تبدأ تبحث فتجد الحديث، ورد بأسانيد صحيحة، وبأسانيد ضعيفة، فأقول لك في هذه الحال: ينبغي أن تقدم الأسانيد الصحيحة على الأسانيد الضعيفة، اللهم إلا أن يكون هناك سبب ليدعوك إلى تقديم الإسناد الضعيف لكون الحديث مثلاً من ذلك الطريق فيه قصة أو شيء يحتاج إلى إبرازه للناس فهنا لا بأس، لكن الأصل أن تقدم الإسناد الصحيح، ونحن نجد أن بعض الذين يخرجون، وتعجبت الحقيقة يعني: من صنيع الشيخ الألباني حفظه الله في سلسلته الصحيحة أحيانًا أجده يقدم إسنادًا غريبًا متكلمًا فيه، ثم يعني: بعد ما يذكره يذكر بعض الطرق الصحيحة يعني: التي ينبغي أن تقدم، فكأنه يريد أن يبين أن هذه الطريقة التي يعني: فيها كلام، الكلام فيها ليس على ظاهره، وإنما علتها قد زالت بمجيء الحديث من طريق صحيحة.
لكن مع ذلك أنا أرى أن الأمر هذا خلاف الأولى، فالأولى أن يقدم الإسناد الصحيح الذي ليس فيه مطعن وليس فيه علة، ثم بعد ذلك يؤتى بالطرق الأخرى التي فيها كلام؛ لأنها تعتبر كالشواهد في هذه الحال، لكن أما لو كنت مثلا أخرج أحاديث مثلاً جزء حديثي أي جزء من الأجزاء مثلا #جزء ابن فيل ولا جزء# ولا غيره، وجاءني الإسناد فيه راو ضعيف، فأنا الآن ملزم بهذا الإسناد الذي أمامي، فأقول: هذا الحديث بهذا الإسناد فيه فلان وهو ضعيف لكنه قد توبع، ثم أورد الحديث من الطرق الأخرى، وأبين أن هذا الحديث أصبح صحيحًا لغيره وأن علته قد زالت -واضح إن شاء الله-.(1/209)
أي نعم. المتابعة التامة تكون في الشيخ الذي روى عنه الراويان، فإذا انتقلنا إلى شيخ أعلى الذي فوقه أو الذي فوقه، ولو في الصحابي تصبح متابعة أيش ؟ تصبح متابعة قاصرة .
س: ................................... ؟
ج: قصدك إمكان الجمع بينهما بمعرفة أن أحدهما ناقل عن الأصل ولا كيف ؟ ..
أي ما يسلم بهذا الجمع، وأنا قلت: إن المسألة خلافية، منهم من لا يعتبر أن أحدهما ناسخ، والآخر منسوخا، ويأتي بهذا الكلام، لكن الذي يعني: يضطلع عليها بحسب اضطلاعي، أنا اقتنعت بوجهة النظر هذه أن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ.
نأخذ مراجعة سريعة لما أخذناه في الليلة قبل الماضية.
كان الكلام دار حول المتابع والشاهد والاعتبار، وأنا أظن أيها الإخوة أن بعض الناس قد يستصعب مصطلح الحديث بسبب عدم تصوره لمسألة السند والمتن، وإلا لو تصورها الإنسان، ثم طبقها في واقعه هو، ونظر لهان عليه الحكم على الأحاديث، وتصور أحكام العلماء عليها إذا ما كان النظر في السند أو المتن.
فأنت يا أخي تصور أنه جاءك إنسان من الناس، وأنت لا تخبره جيدًا لا تعرف هل الرجل من الذين يوثق بكلامهم كأنه في صندوق أو من الناس الذين كلامهم يمر على الآذان؟.
بلا شك أنك حينما يأتيك رجل من الصنف الأول ليس كالرجل الذي يأتيك من الصنف الثاني، وهو ينقل خبرا من الأخبار، ثم أضف إلى ذلك أن الخبر الذي ينقله لك بحكم ما منحك الله -جل وعلا- من عقل وفطرة سليمة لا بد أيضًا أن يكون هذا الخبر من الأمور التي تصدق .
فيعني يمكن نلطف الجو بشيء من الأمثلة التي يمكن فيها شيء من الإبعاث، لكن فعلاً يعني: ينبغي للإنسان أنه يتصور مثل هذا يقول العامة عندنا إن هناك إنسانا كان يمشي بحمار في السوق، ويهرج عليه ليبيعه، ويقول: من يشتري حمارًا يرقى النخل يعني: يمكن أن يخدمهم في عملية التلقيح والإتيان بالرطب فقال له واحد: اكذب كذبا صغيرا حتى الحمار يباع يعني: فجأة تأتينا بطامة.(1/210)
ففعلاً يعني: حينما يأتيك الإنسان بخبر لا يصدق ليس كإنسان يأتيك بخبر معقول تدركه العقول والأذهان، ثم إذا جاءك إنسان، وافرض أنه صادق، ثم حكى لك خبرًا عن إنسان توفي منذ أمد، وأنت تعرف أن هذا الإنسان ما ولد إلا بعد وفاة ذلك الشخص الذي حكى ذلك القول عنه، أنت بلا شك في قرارة نفسك تعرف تمامًا أنه ما تلقى هذا الخبر عن ذلك الذي توفي مباشرة فلا بد أن بينهما واسطة، فبالتالي إذا كان الخبر يهمك فأنت حين ذاك ستقول له: لكن من الذي أخبرك بهذا الخبر ؟.
ولنفرض يعني: أن واحدا منا لو سألت أحد الأخوان.. متى ولدت يا أخي؟ أربعة وتسعين . الأخ يقول: ولد عام أربعة وتسعين، فلو جاءني ونقل خبرا عن الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمة الله عليه- أعرف تمامًا أن هذا الخبر الذي حكاه عن الشيخ محمد بن إبراهيم لا يمكن أن يكون أخذه هو مباشرة منه.. لماذا ؟؛ لأنني استخدمت التاريخ، والتاريخ كما قلت: سابقًا مهم جدًا عند علماء الحديث، فالشيخ محمد بن إبراهيم توفي عام كم ؟ عام تسعة وثمانين للهجرة ألف وثلاثمائة وتسعة وثمانين، والأخ ولد بعد وفاة الشيخ بخمس سنوات، فإذن ذلك الخبر الذي ينقله لي الأخ أنا متأكد تمامًا أنه ما تلقاه من الشيخ مباشرة فلا بد أن بينهما واسطة فإذا كان الخبر الذي ينقله فتوى مهمة تهم في الحياة العملية، فأنا حتى أكون مستندًا على فتوى صحت مثلا عن الذي نقلت عنه لا بد أن أكون عارفًا بالذي حدث هذا الإنسان الذي حدثني بهذه الفتوى عن ذلك الشيخ.(1/211)
وسبق أن مثلت لكم بأن رجال السند والإسناد أشبه ما يكون بالسلسلة التي معلق بها ثريا لو انقطعت واحدة من حلقات هذه السلسلة قلنا: إنها تسقط الثريا صح ولا لا ؟ فلا بد أن يكون السند متصلاً كما أن هذه السلاسل التي تحمل هذه الثريا لا بد أن تكون الواحدة منها قوية تستطيع تحمل هذا الثقل، فلو جئنا بسلسلة كلها.. حلقاتها يعني: قوية ما عدا إحدى الحلقات أتينا بها من أسلاك الكهرباء تعرفون يعني: يمكن نصف مللي أو ما يشبه ذلك، فهل تستطيع هذه السلسلة بهذه الصورة تحمل هذه الثريا؟ ما تستطيع من أين يكون الانقطاع؟ بلا شك أنها ستهوى من أين يكون سيكون الانقطاع بسبب ماذا؟ بسبب هذا السلك الضعيف، فمثله مثل الراوي الضعيف الذي لا يمكن أن يحتمل خبره، لكن لو جئت أنا بسلك ثان فيمكن أن يشد مع ذلك السلك تلك الثريا ويصبح أقوى من الأول صح ولا لا ؟.
ولو جئت بسلك ثالث يكون أقوى أيضًا، وهكذا كلما زدت في عدد الأسلاك كل ما متن ذلك السلك، وأصبح يستطيع تحمل تلك الثريا الثقيلة، فمن هنا نستطيع أن نتصور مسألة المتابع والشاهد، طبعًا أنا أقول هذا الكلام تبسيطًا؛ لأنني الحقيقة أثر في سؤال أحد الأخوة قبل أمس حينما قال ما فهمت شيئًا من الدرس فأعرف أنه لا بد من تبسيط هذه الأمور يعني: للذي لم يكن يتلقى علم المصطلح قبل ذلك بالإضافة إلى أني شعرت أن بعض الإخوة يقولون: إن أصعب الدروس في هذه الدورة درسان النحو والمصطلح . فيعني نشكو الضعف إلى الله -جل وعلا- في محاولة التبسيط بهذه الصورة.(1/212)
فالآن يعني: إذا نظرنا إلى المتابع والشاهد نعرف تمامًا أن قضية رواية الحديث مثل قضية الشهادة عند الشيخ، ولا أظن أحدًا منكم يعني: يجهل الشهادة عند الشيخ، وماذا يراد منها وما إلى ذلك، فالقاضي حينما تريد أن تحج خصمك حتى تأخذ حقك منه ليكن مثلا أن لك أرضًا من الأراضي نازعك عليها أحد الناس، واستولي على تلك الأرض، فذهبت تشتكيه عند القاضي فقال لك القاضي: ما الذي يدل على أن هذه الأرض لك؟ تقول: عندي شاهد. جئت برجل من الناس، وليكن عبد الرحمن بن عبد الله مثلا قلت: هذا الرجل يشهد معي أن هذه الأرض لي .
القاضي بحكم أن هذا الرجل الأرض تحت يده والأصل أنها له يعني: من كان العقار في يده ففي الأصل أنه له، ولا ينزع منه إلا ببينة، فشهادة الواحد عند القاضي لا تكفي لا بد من أن يشهد إنسان آخر في هذه المسألة، فالشاهد الأول شهد مع صاحب الدعوى، ومعني الشهادة التقوية، يقوي خبر ذلك المدعي فقواه لكن القاضي لا يكتفي بهذا فيقول: لا بد من واحد آخر يشهد معك، فهكذا أيضًا نحن نقول في المتابع والشاهد: هما لا فرق بين المتابع والشاهد.
وكما قلت لكم سابقا: إن الحافظ ابن حجر يقول: الأمر سهل ويسير فيمكن أن يطلق المتابع على الشاهد، ويمكن أن يطلق الشاهد على المتابع، وهما في الحقيقة مؤداهما واحد، ولكن التقسيم تقسيم اصطلاحي فقط؛ لأجل التفريق بين ما يرويه صحابي واحد وبين ما يرويه أكثر من صحابي لنتغاضى عن مسألة الصحابي حتى نخدم القضية من أساسها، ثم بعد ذلك ننتقل إلى الصحابي.(1/213)
فالآن قضية رواية الحديث مثل الشهادة تمامًا، راوي حديث روى حديثًا من الأحاديث نبحث عن شاهد لذلك الحديث، أي إنسان يروى ذلك الحديث الذي رواه ذاك الراوي تمامًا مثل ذلك الشاهد الذي يشهد مع الشاهد الثاني على أن الأرض الفلانية لفلان، هذا خلاصة القضية، لكن لو كان الأمر الذي يريد القاضي أن يستشهد فيه الشاهد أمرًا كبيرا يعني: لا يكفي فيه شهادة الاثنين مثل قضية زنى مثلاً فمثل هذه القضية تجد القاضي ..؛ لأن تحقيق الزنا، ويعني الشهادة بأن فِعلا فلانا قد زني بتلك المرأة الزنى الذي لا يمكن أن يختلف فيه هي من المسائل المشكلة تمامًا، ويصعب أن يشهد إنسان من الناس بأن فلانا فِعلا زنى بالمرأة الزنى الحقيقي لماذا ؟؛ لأن وصف تلك الحالة أو مراقبتها أو مشاهدتها لا يتأتى بسهولة؛ ولذلك طولب من يشهد في هذه القضية بتكثيف الشهود فلا يكفي إلا أربعة شهود.
فالقاضي تجده لو شهد عنده ثلاثة ما يكتفي بذلك فلا بد من الرابع، فكل واحد يسمى شاهدًا للآخر، والجميع كلهم شهود لصاحب القضية الأساسي، فلعل -إن شاء الله- يعني: في هذا الوصف يتضح عندنا أصل للقضية، أما ما بعد ذلك، فالأمر -إن شاء الله- أيضًا سهل ويسير فإذا كنت أريد أن أفرق بين المتابع والشاهد بناءًا على الوصف الذي وصفت لكم أو بناءا على القول الراجح فيما ذكرنا، وهو أن المتابع بشرط الاشتراك فيمن؟ في الصحابي طبعا نقول على القول الراجح: والشاهد بشرط ماذا؟ بشرط الاختلاف في الصحابي، فلنأخذ الآن الجزء الأول وهو المتابع.(1/214)
لو فرضا أنني حكيت خبرًا للأخ فهد فيما بيني وبينه، والأخ فهد حكاه للأخ الذي بجانبه، والأخ حكاه لمجموعة من الأفراد، وأصبح الخبر يعني: بطريقة معينة ... افرضوا أنني قلت مثلا للأخ فهد: إنني سمعت الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يفتي بأن الطلاق ثلاثا بلفظ واحد يعد واحدة بهذه الصورة، ثم نقله وانتشر الخبر عن الأخ ما الاسم؟ عن الأخ محمود رواه عنه مثلا عشرة كلهم رووه بهذه الصورة، ثم جاء واحد من الناس ورواه عن محمود مع التحويل في الكلام نوعا ما فقال: إن الشيخ عبد العزيز بن باز يفتي بأن الطلاق ثلاثا يعود واحدة يعني: ما اشترط لفظًا واحدا. فبلا شك أن الحكم هنا يختلف يعني: فرق بين الإنسان يكرر اللفظة ثلاث مرات، وفرق بين إنسان يقولها مرة واحدة. الحكم هنا يختلف عن الحكم هنا فهو أتي باللفظ بصيغة العموم.
الآن الأخ الذي نقل هذا الخبر عن محمود نقله بصورة غير الصورة التي نقلها عشرة من الأنفس، فالأمر أصبح يستدعي تسليط الضوء على هذا الأخ الذي نقل الخبر بهذه الصورة فيتهم بأنه شذ في نقل هذا اللفظ بهذه الصورة فيقال له: هل من أحد يشهد معك؟ طبعا هو يقول: أنا متأكد أن محمود قال لي: هذا الخبر بهذه الصورة فيقال له: هل معك أحد يشهد معك ؟؛ لأن هناك قرينة.. يعني: لو لم يكن هناك عشرة أنفس رووا هذا الخبر، وأنت عندنا في الأصل صادق وعدل لا مطعن فيك، فنحن نقبل خبرك؛ لأنه ما جاء من يخالفك، لكن الآن بهذه الصورة هناك عشرة من الأنفس كلهم يحكون عن الرجل الذي تحكي عنه غير ما حكيت أنت، فنبدأ نبحث ونقول: هل من أحد يشهد معه ؟ فنجد مثلا واحدا أو اثنين أو أكثر كلهم يقولون: نعم. سمعنا محمودا ينقل عن فهد عن سعد عن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أنه يقول: إن الطلاق ثلاثا يعود واحدة، فبهذه الصورة يصبح الواحد أو الاثنين أو الثلاثة الذين شهدوا مع هذا الأخ الذي انفرد بالخبر أساسا يقال: إنهم تابعوه.(1/215)
وهذه تسمى متابعة تامة ؛ لأنها جاءت للذي سلطت عليه الأضواء أساسا، فهذه تسمى متابعة تامة، لكن لو لم نجد أحدا يشهد معه هو، ولكن جاء هناك إنسان آخر، وليكن الأخ، ونقل عني نفس الكلام أنا قلت: إن الشيخ عبد العزيز يقول: إن الطلاق ثلاثا يعود واحدة، فالمصدر أنا. ففي هذه الحال يكون أيضًا قد تابع ذلك الأخ لكنها تسمى متابعة قاصرة؛ لأنها ما جاءت في الشيخ اللي هو محمود الذي عليه مدار الكلام لا جاءت فيمن بعد ذلك فحينما جاءت فيمن بعد ذلك أصبحت هذه متابعة ؛ لأن الاشتراك في أنا يعني: ما اختلف الأمر لكن اختلف فيمن بعدي، فهذه تسمي متابعة لكنها متابعة قاصرة؛ لأنها ما جاءت في الذي عليه مدار الكلام، ثم لو وجدنا إنسانا آخر، ولكن الأخ قال: نعم. أنا سمعت الشيخ عبد العزيز بن باز يقول: إن الطلاق ثلاثًا يعود واحدة طبعا لا تحمّلون الشيخ مثل هذا الكلام، أنا آتي به للتمثيل فقط، ففي هذه الحال يقال: إن الأخ شهد معي أنا فأصبح هذا شاهدًا لمن؟ لي أنا لا يعتبر متابعًا إلا إذا نظرنا للشيخ عبد العزيز، فهذا الحال يختلف لكن بهذه الصورة بيني، وبينه يعتبر شاهدًا معي، فهذا هو الاختلاف في مسألة المتابع والشاهد، يعني: كلما صعدت للأعلى أو نزلت للأسفل فنفس الحال، تصوروا أن الشيخ عبد العزيز بن باز مكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في نقل الخبر مع فارق التشبيه ومع فارق التشبيه أيضًا أن مثلي ومثل الأخ مثل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- والأخ، فهد مثل التابعين، وهكذا بهذه الصورة -إن شاء الله- الأمر واضح.. طيب .
طبعا قلنا: إن الاعتبار ما يعتبر قسمًا ثالثا بهذه الصورة فليس هناك إلا متابع أو شاهد، والاعتبار ما هو؟ تفضل . أي نعم.(1/216)
هو الهيئة التي يتوصل بها إلى معرفة المتابع أو الشاهد يعني: مثل المثال الذي مثلت به قبل قليل يعني: حينما مثلا الأخ الذي نقل عن الأخ محمود أنه نقل اللفظة التي استغربناها أو التي خالف فيها المجموعة وبدأنا نبحث ووجدنا هناك مثلا اثنين تابعوه، وشهدوا معه بأن محمودا قد قال هذا الخبر، ففي هذه الحال حينما ذهبنا نبحث هذه يقال لها: الاعتبار والحالة هذه كلما أراد الإنسان يبحث يقال: إنه اعتبر، أي: أخذ يبحث عن متابع أو شاهد.
مختلف الحديث والناسخ والمنسوخ(1/217)
أيضا تكلمنا عن ما يتعلق بالمتن هناك بعض الأمور التي تتعلق بالمتن مثل مختلف الحديث، ومثل الناسخ والمنسوخ، ويعني: هذان النوعان النوع الآخر متعلق بهما قلنا: إن هذا يتعلق كله بالمتن، ولا علاقة له بالسند، وعلاقته بالمتن من حيث وجود كلام قد يتناقض بعضه مع بعض في الظاهر، لكن إذا ما خضع لموازين معينة وموازين ثابتة، ففي تلك الحال يزول ذلك التعارض الذي قد يبدو لنا بادئ ذي بدء، فإذا جاءنا خبران ظاهرهما التعارض مثل ما مثلت لكم في الدرس الماضي أو مثل ما هو ممثل في الكتاب بحديث " لا عدوى ولا طيرة " وبحديث: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " وما في معناها من الأحاديث إذا وردت هذه الأحاديث المتعارضة، فما هي الخطوات التي يجب أن نتبعها؟ وما الفرق بين هذا الحديث ومثل حديث لا معارض له؟ ما الذي يطلق على هذا، وما الذي يطلق على هذا من حيث التسمية مثلا حديث " إنما الأعمال بالنيات " هذا نسميه ماذا؟ حديث: " إنما الأعمال بالنيات " نسميه حديثا محكما؛ لأنه ليس فيه أي معارضة ظاهرا، وأنتم تقرءون كتاب الله -جل وعلا- كما قال الله -سبحانه وتعالى-: { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } (1) فالمحكمات هي التي يعني: معناها واضح وظاهر ليس فيها أدنى غموض، فهذه { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا } (2) يعني: أحد لا يفهم من هذه الآية أن السارق تقطع يده ما في أحد ما يفهم من هذه الآية هذا الفهم، فهذه يعني: ليس فيها أدنى غموض لكن إذا جئت مثلا لقول الله -جل وعلا- : { كهيعص } (3)
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 7.
(2) - سورة المائدة آية : 38.
(3) - سورة مريم آية : 1..(1/218)
مثل هذه الحروف المقطعة، وبخاصة إذا جمعت بهذه الصورة بلا شك أنه يعني: مهما تكلم فيها المتكلم فهو لن يأتي بطائل، فالأمر كما قال العلماء، هذه حروف الله أعلم بمراده منها، ومن أراد من الناس أن يقول: لا إن الله -جل وعلا- لم يخاطبنا بشيء عبثا، ولا بد أن يكون لها معنى. نقول:
نعم. قد يكون لها معنى لكن نحن لم نعقل ذلك المعنى فهذا يقال عنه: إنه أيش؟ متشابه فهذا لا يخاض في تأويله. لكن الذي يهمنا المحكم، وهو الواضح فهناك أحاديث فعلا محكمة ليس عليها أدنى غموض، وهناك أحاديث مثل أحاديث العدوى تسمى تسمية معينة ما هي التسمية التي تطلق عليها ؟ مختلف الحديث . هل يمكن أن يأتينا حديثان متعارضان يطلق عليهما غير هذه التسمية غير تسمية مختلف الحديث ؟ أحسنت.
الناسخ والمنسوخ. ما الفرق إذًا بين الأحاديث التي أطلقت عليها مختلف الحديث وبين الأحاديث التي أطلقت عليها الناسخ والمنسوخ؟ لماذا أطلقت على هذه اسم وعلى هذه اسم؟ ... أي نعم. أحسنت. بارك الله فيك الفرق أن مختلف الحديث يمكن أن أوفق بين الأحاديث فأعمل بها كلها لكن الناسخ والمنسوخ لا يمكن أن أوفق بين الأحاديث فلا بد أن أترك بعضها وأعمل ببعضها الآخر فأترك ماذا، وأعمل بماذا ؟ ...
تترك المنسوخ وتعمل بالناسخ. كيف تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ ...
نعم. نعرف الناسخ من المنسوخ إما بمعرفة التاريخ متى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث؟ ومتى قال الحديث الآخر؟ فأيهما أقدم نتركه والمتأخر هو الذي نأخذ به ونعمل به كذلك أيضا نعم. ...........
القرينة تكون مربوطة بالتاريخ نعم. .................... بقول الصحابي.. أحيانا الصحابي نفسه ينص على أن هذا الأمر هو المتأخر مثل حديث جابر - رضي الله عنه -
.....................(1/219)
قول جابر - رضي الله عنه - " كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار " فهذا الحديث أفادنا إذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانا يتوضأ، وكان أحيانا لا يتوضأ فما الذي يعمل به من هذين الحكمين؟ يعمل بترك الوضوء لماذا؟؛ لأنه كان هو الأمر الأخير الذي استقر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك الوضوء وهو الأمر الأول، وأحيانا يعرف ذلك بأي شيء؟ بنص الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يبين أنه كان نهاهم عن شيء،ثم أباحه لهم مثل: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة. لو فرضنا مثلا أننا ما عرفنا أيضا الناسخ والمنسوخ، ولا أمكن الجمع بين الأحاديث ماذا نفعل ؟ ...... الترجيح. أحسنت بارك الله فيك .. نأخذ بالترجيح فنرجح بعض الأحاديث على بعض ونعمل بالراجح ونترك المرجوح هل هناك يعني: مثلا أمثلة على الترجيح ؟ مثلا النافي والمثبت.. المثبت مقدم على النافي.. نعم. ارفع صوتك مثل الحاظر والمبيح.. المحرم والمحلل يقدم هذا على هذا، يقدم المحرم على الحديث المحلل .. الناقل عن الأصل والمبقي على الأصل كل هذا يعني.. القول مقدم على الفعل نعم .. ارفع صوتك نعم .. المنطوق والمفهوم، المنطوق يقدم على المفهوم.. نعم. .........
قوة السند، صحيح يعني: إذا وجدنا حديثا أقوى من حديث أو حديثا له طرق كثيرة جدًا يقدم على الحديث الذي ليس له طرق .
الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، هل يمكن أن يأتينا حديثان متعارضان يطلق عليهما غير هذه التسمية غير تسمية مختلف الحديث ؟ .
ها أحسنت الناسخ والمنسوخ، ما الفرق إذا بين الأحاديث التي أطلقت عليها مختلف الحديث وبين الأحاديث التي أطلقت عليها الناسخ والمنسوخ، لماذا أطلقت على هذه اسم وعلى هذه اسم؟.(1/220)
نعم أي نعم، أحسنت بارك الله فيك، الفرق أن مختلف الحديث يمكن أن أوفق بين الأحاديث فأعمل بها كلها، لكن الناسخ والمنسوخ لا يمكن أن أوفق بين الأحاديث، فلابد أن أترك بعضها، وأعمل ببعضها الآخر، فأترك ماذا وأعمل بماذا؟ ها تترك المنسوخ، وتعمل بالناسخ، كيف تعرف الناسخ من المنسوخ؟ نعم.
نعرف الناسخ من المنسوخ إما بمعرفة التاريخ، متى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث، ومتى قال الحديث الآخر، فأيهما أقدم نتركه، والمتأخر هو الذي نأخذ به ونعمل به، كذلك أيضا بالقرينة تكون يعني مربوطة بالتاريخ لكن ـ نعم بقول الصحابي أحيانا، الصحابي نفسه ينص على أن هذا الأمر هو المتأخر، مثل حديث جابر - رضي الله عنه - كان آخر قول جابر - رضي الله عنه - كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار.
فهذا الحديث أفادنا إذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانا يتوضأ، وكان أحيانا لا يتوضأ فما الذي يعمل به من هذين الحكمين يعمل بترك الوضوء، لماذا؟ لأنه كان هو الأمر الأخير الذي استقر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك الوضوء، وهو الأمر الأول، وأحيانا يعرف ذلك بأي شيء بنص الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، يبين أنه كان نهاهم عن شيء ثم أباحه لهم مثل " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم بالآخرة " لو فرضنا مثلا أننا ما عرفنا أيضا الناسخ والمنسوخ، ولا أمكن الجمع بين الأحاديث ماذا نفعل؟ .
الترجيح ، أحسنت، بارك الله فيك، نأخذ بالترجيح، فنرجّح بعض الأحاديث على بعض، ونعمل بالراجح، ونترك المرجوح، هل هناك يعني أمثلة على الترجيح مثلا، النافي والمثبت، المثبت مقدم على النافي نعم ها؟ ارفع صوتك! مثل الحاظر والمبيح، المحرم والمحلل، يقدم هذا على هذا يقدم المحرم على الحديث المحلل، الناقل عن الأصل والمبقي على الأصل كل هذا .(1/221)
يعني القول مقدم على الفعل نعم، ارفع صوتك شوية، نعم المنطوق والمفهوم المنطوق يقدم على المفهوم، ها نعم، قوة السند صحيح يعني إذا وجدنا حديثا أقوى من حديث أو حديث له طرق كثيرة جدا يقدم على الحديث الذي ليس له طرق، طرق .
نعم يوافق مقاصد الشريعة، والذي لا يوافق نعم نعم، والله هذه ما أذكر يعني تمام من الأمور التي تعتبر مرجحة يعني الأخ يقول كأن يكون راوي الحديث هو صاحب القصة ، إذا كان هذا الحديث يعني صحيح السند إليه، والآخر صحيح السند إليه، فكيف نرجح يعني بالقصة أم ماذا قد يكون قيل يعني أنا لا ؟؟ من مائة وجه قد يكون هذا من الأوجه التي قيلت، لكني لا أذكره ، ولا أذكر يعني لم يتضح لي الآن أن هذا يمكن يكون مرجحا، إي نعم هذا صحيح لكن، إذا لم يكن عندنا أدنى شك في ثبوت الحديث الآخر أيضا وثبوته بدرجة تساوي ثبوت هذا، فيبقى الإشكال في التعارض المتني في المتن نفسه، إذا الآن أنت يعني تنتقل إلى مفهوم آخر ما هو لأجل مسألة الصحة من عدمها صحة السند، نعم الأخ ضرب بمثال نعم هو يعني من أقوى أوجه الترجيح، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ...؟؟ ابن عباس يقول: إنه تزوج ميمونة وهو محرم والنبي - صلى الله عليه وسلم - ورد عنه أن " المحرم لا ينكح ولا ينكح " فالمهم أن الذي يعني ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بعد أن حل من إحرامه، والراوي للقصة شخص نسيت اسمه، قال: كنت أنا الرسول بينهما فذاك صاحب القصة هو الذي كان رسولا بينهما، يعني قوله يقدم على قول ابن عباس، حتى وإن كانت ميمونة هي خالة ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- هناك أيضا من المرجحات كما قلنا سابقا، لكن الأخوة يبدو نسوها تعدد القصة .(1/222)
يعني إذا أمكن الحمل على أن هذه القصة قد تعددت، فيمكن أن يكون هذا سائغا مثل حديث أبي هريرة، وهو حديث يعني معروف ومشهور في قصة حفظه للزكاة التي وكله النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها، ومجيء الشيطان يأخذ من ذلك التمر، وأبو هريرة يمسكه، وثلاث ليال وهو يكرر المهم حتى علمه آية الكرسي، وفيها يعني أنه لا يقربك شيطان حتى تصبح، فهذه القصة وردت على أن هذا الشيطان جاء لأبي هريرة، ووردت في بعض الطرق على أنها وقعت لأبي بن كعب، ووردت في بعض الطرق أنها وقعت لأبي أيوب الأنصاري، وربما ما هو أكثر من هذا من الصحابة، فيمكن أن يكون هذا الاختلاف ذريعة لمن أراد أن يعل أصل القصة، فيقول هذا يدل على اضطراب الرواة في هذا الحديث، فيقال: لا ، يعني الأسانيد إذا صحت فهذا يحمل على أنها وقعت لأبي هريرة، ووقعت لأبي بن كعب، ووقعت لأبي أيوب، وليس هناك ما يمنع من هذا إطلاقا.
نعم ثم قلنا: بعد يعني إذا لم يمكن الترجيح، وهذا يعني يكاد يكون بعيدا، فيتوقف عن العمل بأي من الحديثين المتعارضين.
طيب ننتقل الآن إلى الموضوع الجديد، وهو قول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:
الحديث المردود
ثم المردود؛ إما أن يكون لسقط أو طعن، فالسقط: إما أن يكون من مبادئ السند من مصنف، أو من آخره بعد التابعي أو غير ذلك
فالأول: المعلق والثاني: هو المرسل .(1/223)
الآن أيها الأخوة نرجع لقصة السلسلة والانقطاع فيها إذا ما تصورنا هذه السلسة التي الثريا معلقة بها، إما أن يكون الانقطاع، يعني فقدان إحدى حلقات هذه السلسة من عند السقف من الأصل أو من عند الثريا من طرفها، إما من طرفها الذي هنا أو من طرفها الذي هنا نفقد واحدة من الحلقات أو يكون من الوسط من وسط السلسلة، فكل هذا كله ممكن تنقطع من عند السقف، وممكن تنقطع من عند الثريا نفسها، وممكن تنقطع من الوسط، وهكذا أيضا الإسناد يمكن أن نفقد واحدا من رجال الإسناد من الأول من عند مصنف الكتاب، ويمكن أن نفقد واحدا من جزئه الأخير الذي هو من عند الصحابي نفقد واحدا، ويمكن أن نفقد من الوسط، ويمكن أن نفقد أكثر من واحد، وفقد أكثر من واحد أيضا، يمكن أن يكون من هنا ومن هنا ومن هنا في المواطن الثلاثة كلها، فكل نوع من هذه الأنواع له اسم، وهذا الانقطاع في السند، أحيانا يكون ظاهرا واضحا، يدركه كل أحد، وأحيانا يكون غامضا خفيا لا يدركه إلا فطاحلة العلماء الذين عنوا بعلل الحديث، فيبينوه فعلا أن هذا الحديث فيه سقط، وكل هذا إن شاء سيأتي عليه التمثيل .(1/224)
فمثلا لو أخذنا ولذلك يعني السقط، إما أن يكون سقطا خفيا أو سقطا جليا، ومن هنا إذا أردنا أن نتسلسل مع كلام الحافظ ابن حجر نقول: الحديث المردود، يعني الضعيف يكون ضعفه بأحد أمرين إما بسبب سقط في الإسناد انقطاع يعني في السلسلة، أو يكون بسبب طعن في الراوي، وهذا سبق يعني أن قلناه، والذي سنأخذه الآن هو السقط الطعن في الحديث بسبب سقط في الإسناد، فننظر في هذه السلسة إذا انقطعت إحدى حلقاتها أو أكثر من حلقة، فنسلط الضوء على هذا الانقطاع، ونسميه تسمية معينة بحسب موضع السقط، وبحسب عدد الساقط، فالآن نتكلم عن السقط في الإسناد، وأما الطعن في الراوي، فسيأتي الكلام عليه فيما بعد إن شاء الله، والسقط في الإسناد له أنواع معددة ابتدأها الحافظ بذكر المعلق، فإذا تصورنا مثلا أن راوي الكتاب مثل السقف، فهو يمسك أول حلقة من حلقات السلسلة، تصوروا تماما أن راوي الكتاب مثل البخاري أو مسلم أو أبو داود أو غيره مثل السقف الذي معلقة فيها الثريا فالسقف ممسك بأول حلقات هذه السلسلة التي تمسك في الأخير الثريا التي تضيء للناس، إذا جاء الانقطاع من جهة السقف يعني من جهة صاحب الكتاب، هذا يسمى المعلق والانقطاع من جهة صاحب الكتاب يمكن يكون بسقط حلقة واحدة من حلقات السلسلة، يعني بسقوط راو واحد فقط من رواة الحديث، وقد يكون بأكثر من واحد .(1/225)
فمثلا إذا قال البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثني يحيي بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما الأعمال بالنيات " الآن هذه صورة إسناد أول حديث في صحيح البخاري، إذا جئنا لهذا الإسناد، وتصورنا أن البخاري حذف شيخه، وهو الحميدي وقال: قال سفيان بن عيينة، لا يمكن أن يقول البخاري: حدثني سفيان بن عيينة لماذا ؟ أحسنت بارك الله فيك. لو نظرنا وإذا بالبخاري ولد سنة 194 للهجرة سفيان بن عيينة توفي سنة 198 للهجرة، يعني كم كان عمر البخاري حينما توفي سفيان أربع سنوات هل يمكن لأربع سنوات أن يسمع هذه الأحاديث، لا يمكن هذا ما يتصور، فإذا لا يمكن أن يقول البخاري: حدثني سفيان بن عيينة لأنه لم يسمع منه طيب، لو كان يعني، ولو نفرض أنه غير البخاري؛ لأن البخاري يعني واضح لنا أنه ثقة .(1/226)
لو كان قال الراوي: حدثني سفيان بن عيينة ماذا يكون؟ ها ها؟ لا الآن الرجل الذي في محل البخاري، ولنفرض أنه البخاري مثلا دعونا من مسألة يعني عدالته من عدمها، لو قال البخاري: حدثني سفيان بن عيينة أيش يكون؟ يكون قد كذب نعم يكون قد كذب؛ لأنه يعني تصرف تصرفا يدل على أنه كاذب؛ فهو لم يسمع هذا الخبر من سفيان بن عيينة؛ فإذا الراوي العدل الصادق لا يمكن أن يقول: حدثني، فيستخدم لفظا ها لا يؤخذ عليه مثل واحد منا هو متأكد مثلا أن الشيخ عبد العزيز أفتى بالفتوى الفلانية، لكنه ما سمعها منه مباشرة، فنجد أننا لا نتحرج دائما أن نقول نعم هذا القول يقوله الشيخ عبد العزيز، الشيخ عبد العزيز يفتي بهذه الفتوى، لكن لو سألني سائل وقال لي: أنت سمعته يفتي بهذا؟ أقول: لا، يعني بعد أن يحقق ويدقق، فيسألني ويقول: أنت سمعته يفتي بهذا؟ أقول: لا ولكن حدثني فلان أنه سمع الشيخ عبد العزيز يفتي بهذه الفتوى، فأنا حينما أقول: نعم الشيخ عبد العزيز قال كذا ها، فأنا لم آتي بصيغة تدل على أنني سمعت هذه الفتوى من الشيخ، وإلا لو أنني قلت: سمعت الشيخ، وأنا فعلا أدركته عاصرته، فحينذاك لا مجال لسؤال الذي يقول أنت سمعته منه اللهم إلا إذا أراد أن يتأكد فقط، لكن لما جئت بلفظ موهم كأن أقول: قال الشيخ عبد العزيز كذا، هذا اللفظ يمكن يكون يدل على أنني سمعت، ويمكن أن لا يدل على أنني سمعت، فإذا الأمر محتمل، فكذلك البخاري تجد أنه يأتي بصيغة عامة، فيقول قال فلان كذا فإذا أسقط واحدا من السند، فيقال: إنه علق الحديث عن سفيان بن عيينة، يعني أناط الحديث به علقه به مثلما يعلق أحدنا ثوبه على المعلاق، كذلك أيضا يمكن أن يحذف أكثر من واحد، ولو في الصحابي فيمكن أن يقول: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما الأعمال بالنيات " إلى آخر الحديث، هذا أيضا يسمى ماذا يسمى معلقا، ويمكن أن يسقط حتى الصحابي، فيقول: قال رسول الله - صلى(1/227)
الله عليه وسلم - " إنما الأعمال بالنيات " فهذا يسمى أيضا ماذا ؟ معلقا، ولذلك إذا سمعنا الخطيب على المنبر أو الواعظ يعظ، ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا هذا يسمى ماذا؟ معلق. هذا يعني هو الحديث المعلق لأنه علقه بالقائل تماما، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- فحذف الإسناد كله، وقد يغفل كما قلت لكم بعض الإسناد ولو راويا واحدا.
هنا مشكلة أشار إليها الحافظ ابن حجر في شرحه فيما يتصل بالحديث المعلق، يقول: المشكلة تكمن في ماذا إذا كان صاحب الكتاب أسقط شيخه الذي حدثه بذلك الحديث، لكن المشكلة أن شيخ شيخه هو أيضا شيخا له، فإذا كان مثلا البخاري يروي عن الإمام أحمد سمع منه أحاديث عديدة، لكن واحد من الأحاديث ما سمعه من الإمام أحمد، وإنما سمعه مثلا من أبي حاتم الرازي، فيسقط الواسطة التي بينه وبين الإمام أحمد، ويقول قال الإمام أحمد: حدثنا فلان عن فلان، ثم يسوق الإسناد إلى الآخر، فحينما يستخدم البخاري هذه الصيغة هذه مشكلة تقع للبخاري، ولغير البخاري، فيقولون: هل هذا الحديث يسمى معلقا أو يسمى مدلسا، مبحث التدليس يعني سيأتي معنا إن شاء الله، لكن الراجح أنه إذا لم يكن الراوي صاحب الكتاب، وصف بأنه مدلس يعني يريد أن يعمي الحقيقة على الناس، فهذا يسمى معلقا، وهذه أحاديث موجودة في صحيح البخاري بهذه الصورة، يعلق الحديث عن شيخه، ولذلك حصل التنازع في حديث المعازف المشهور الذي رواه البخاري ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرا والحرير والخمر والمعازف، لأن البخاري -رحمه الله- قال: قال هشام ابن عمار، وهشام بن عمار هو شيخه لكنه ما قال: حدثني هشام بن عمار .(1/228)
فمثل ابن حزم قال: هذا الحديث غير صحيح؛ لأن البخاري لم يذكر الحديث بالإسناد المتصل، وإنما علقه عن شيخه هشام بن عمار، هذه دعوى المعارض وغير المعارض، يقول: إن البخاري غير مدلس، وحينما يقول: قال هشام بن عمار ليس معنى هذا أنه لم يسمعه منه، ولكن قد يكون استعمل هذه الصيغة صيغة "قال" لأنه ما أخذ الحديث عنه في مجلس تحديث مثل كذا، وإنما أخذه عنه في مجال المذاكرة إلى غير ذلك من الردود التي يعني لا أكدر على أذهانكم بذكرها .
المهم أن هذا التنازع والاختلاف يعني لا يمكن أن يعني أن يتبلور تماما، حتى نأخذ المدلس، وما أدري أظن ما نستطيع نأخذه في هذه الليلة.
أنا مثلت يعني إذا كان البخاري روى عن الإمام أحمد، فالإمام أحمد شيخه ما هو مثل ما قلنا في سفيان بن عيينة واضح تماما حينما قال: قال سفيان بن عيينة اتضح لنا تماما أن البخاري لم يأخذ هذا الحديث من سفيان بن عيينة، لكن حينما يقول: قال الإمام أحمد، أو قال هشام بن عمار، في هذه الحالة يصبح عندنا يعني تردد معقول يكون البخاري ما سمع هذا الحديث من هذا؟ هذا هو شيخه فعلا، فلماذا جاء بصيغة قال، ولم يقل حدثني أو أخبرني أو نحو هذه العبارات، التي تدل صراحة على أنه تلقى هذا الحديث عن شيخه مباشرة .
ولذلك كما قلت لكم يعني حديث المعازف، هو حديث صحيح بلا ريب يعني حتى لو لم يكن البخاري أخرجه، فهناك من أخرجه غير البخاري، وسنده صحيح لكن لو جئنا فقط لنسلط الضوء على البخاري قال: قال هشام بن عمار، وهشام بن عمار شيخ البخاري، هو يروي عنه أحاديث كثيرة، لكن هذا الحديث بالذات لم يقل البخاري حدثني هشام بن عمار، وإنما قال: قال هشام بن عمار، وصيغة قال كما قلت لكم يمكن أن يكون سمع، ويمكن أن لا يكون قد سمع .(1/229)
ودائما قالوا: إن البخاري يستخدمها في المعلق، فهذا الذي دعا ابن حزم إلى رد هذا الحديث على كل حال، يعني إن شاء الله سيتضح معنا فيما بعد، يعني ليست المسألة بتلك الأهمية؛ لأننا كما أننا سندع بعض الأشياء التي تتعلق بالحديث المعلق؛ فكذلك أيضا سنرجع بعض الأشياء التي تتعلق ببعض الأمور الأخرى التي تتعلق بالحديث المدلس، لأن الكلام عليه طويل ودسم جدا، فنكتفي بأخذ الخطوط العريضة، وبعد ذلك إن شاء الله يمكن تنتقلون لمرحلة أعمق في دارسة المصطلح بإذن الله جل وعلا .
أشار أيضا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- إلى أن الحديث المعلق قد يشترك في بعض صوره مع الحديث المعضل، فدعونا الآن قبل أن ننتقل للحديث المرسل، أفضل أن نأخذ الحديث المعضل، وهو جعله في القسم الثالث، لكن نأخذه هنا أحسن الحديث المعضل يمكن أن نعرفه طبعا الحديث المعلق بالصورة التي ذكرتها لكم واضح، لكن إذا أردنا أن نأخذ تعريفا له نحفظه، وأحببتم تكتبون يمكن تكتبون، فنقول في تعريف الحديث المعلق هو ما سقط من أول إسناده راو فأكثر. ما سقط من أول إسناده راو فأكثر. هذا يقال له ماذا المعلق، الآن لنأخذ تعريف الحديث المعضل حتى نستطيع أن نفرق بينه وبين المعلق، ومن ثم بينه وبين المرسل، لأن بينها عموم وخصوص، فنقول في تعرف الحديث المعضل تعرفه يعني تفضل اسمع اسمع .. طيب أحسنت .
نقول في تعريف الحديث المعضل هو ما سقط من سنده راويان فأكثر على التوالي هو ما سقط من سنده راويان فأكثر على التوالي والأكثر أن ذلك السقط يكون في وسط السند، أو والأغلب والأغلب أن ذلك السقط يكون في وسط السند.(1/230)
الآن لعله بالنظر للتعريف نستطيع أن نفهم أنا قلت لكم يعني، إما أن يكون مثلا السقط من جهة السقف، يعني فقدان الحلقة أو من جهة الثريا أو من الوسط ، فدعونا الآن في الوسط إن كان الذي سقط من الوسط حلقة واحدة من حلقات هذه السلسلة التي الثريا معلقة بها، هذا يقال له المنقطع، وهذا سيأتي معنا إن شاء الله، لكن إذا وجدنا إنه سقط حلقتان أو أكثر من حلقتين، مثلا ثلاث أربع إلى آخره، فهذا إذا كان كل الحلقات التي سقطت وراء بعض على التوالي معنى على التوالي يعني بعضها بجانب بعض، فهذا يقال له المعضل تسمية اصطلاحية لأجل أن يفرقوا بين هذا وهذا، لأن كل واحد من هذه الأنواع من السقط له حكم عندهم، فهذا يسمونه اصطلاحا المعضل بالصورة التي ذكرناها للحديث المعلق أظنه وضح لكم الآن أنه قد يشترك المعلق مع المعضل صح ولا لا؟ .
طيب لو قال البخاري في حديث " إنما الأعمال بالنيات " قال سفيان بن عيينة هذا يسمى ماذا؟ ويسمى ها ما يسمى معضلا متأكدين أنتم، طيب صح يعني ما يسمى هذا معضلا؛ لأنه ما سقط إلا راو واحد، لكن لو قال البخاري: قال عمر بن الخطاب، هذا يسمى ماذا؟ يسمى معلقا، ويسمى معضلا، لأنه سقط من سنده أكثر من واحد وكلهم على التوالي، كلهم وراء بعض .
طيب لو قال البخاري: حدثني الحميدي أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما الأعمال بالنيات " وأيش أسمي هذا بس معضل فقط ما أسميه معلقا ها يسمى معلقا ويسمى معضلا، هو صح الكلام هذا ما هو صحيح؛ لأن الأول موجود وهو الحميدي شيخ البخاري، فهذا موجود، لكن السقط حصل من بعد الحميدي يعني وسط السند، فأصبح هذا يقال له معضل، ولا يقال له معلق فاتضح بهذا أنهما يعني قد يفترقان، وقد يجتمعان .(1/231)
فبعض الأحاديث لا يمكن أن نقول عنه إلا معلقا، ولا نقول له: معضل، وبعضها نقول له: معضل، ولا نقول له معلق، وبعضها نقول له معضل ومعلق في آن واحد خلاص، واضح إن شاء الله المعضل طيب.
نأتي الآن للحديث المرسل الحديث المرسل في الحقيقة بالعكس اقلب المعلق، ويحصل المرسل، ها يعني بدلا ما يكون من جهة صاحب الكتاب، لا يكون من جهة من الصحابي، ويمكن أن يجتمع مع المعضل، ويمكن أن يفترق، فدعونا الآن نأخذ تعريف الحديث المرسل، ما هو تعريفه، اتفضل طيب أحسنت .
تعريف الحديث المرسل مثل ما قال الأخ هو ما يرويه التابعي أيا كان سواء كان تابعيا أو صغيرا، ويضيفه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويمكن أن نقول تعريفا آخر، فنقول الحديث المرسل هو ما سقط من إسناده من بعد التابعي هو ما سقط من إسناده من بعد التابعي، إيه ما بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أو كما يقول: هو ما يضيفه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يضيفه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سيأتي إن شاء ال .
له فالمهم يعني دعونا الآن نتصور السقط الذي من جهة الصحابي، هذا السقط أيها الأخوة، يعني تريد التعريف التعريف يمكن أن تترك التعريفين هو ما يضيفه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ما سقط من إسناده من بعد التابعي، نحن حينما نقول عن هذا الحديث: إنه مرسل؛ لأنه سقط من إسناده من بعد التابعي هذا السقط يحتمل أن يكون الساقط صحابيا، فقط فقد يكون التابعي أسقط الصحابي، وذكر الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد يكون الساقط أكثر من صحابي، فيكون الساقط صحابيين أو أكثر من صحابيين؛ لأن بعض الصحابة قد يروي بعضهم عن بعض، ويحتمل أن يكون الساقط صاحبي وتابعي .(1/232)
ويمكن أن يكون الساقط أكثر من تابعي فالآن بالكلام الذي ذكره الحافظ ابن حجر في شرحه في صفحة 110 من الطبعة التي عندي هو يقول إما أن يكون الساقط صحابيا فقط أو صحابيا وتابعيا، وعلى القول الثاني أن الساقط صحابي وتابعي، إما أن يكون هذا التابعي ضعيفا أو ثقة، نعم فإذا وجدنا أنه ضعيفا، فحكم الحديث ماذا يكون ضعيفا، فإذا وجدنا أنه ثقة يكون يمكن أن يكون هذا الثقة أيضا تابعيا أخذ الحديث عن تابعي آخر؛ يعني بينه وبين الصحابي تابعي آخر؛ والتابعي الآخر يمكن أن يكون أيضا ضعيفا، ويمكن أن يكون ثقة فإذا كان ضعيفا، فالحديث ضعيف، وإذا كان ثقة فيمكن أيضا أن تتكرر العملية، فيمكن أن يكون أخذه عن تابعي آخر، والتابعي الآخر يحتمل أن يكون ضعيفا، ويحتمل أن يكون ثقة، وهكذا يكون تستمر المسألة عدد ما شئت، لكن يكون يمكن لهذا التعدد أن يصل إلى ما لا نهاية بحسب التجويز العقلي، لكن بحسب الأمثلة هل وجد يعني أن هناك عدد من التابعين، يروي بعضهم عن بعض إلى درجة كبيرة جدا، قالوا: نعم أكثر عدد وجدناه ستة ستة من التابعين كلهم يروي بعضهم عن بعض .(1/233)
ومثاله مثال الحديث الذي رواه أبو أيوب الأنصاري كما هو واضح أمامكم نعم في صفحة 110 هو حديث: " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فإن من قرأ قل هو الله أحد في ليلة، قد قرأ ثلث القرآن " هذا الحديث لو نظرنا إليه إذا كان يعني معكم نفس الطبعة هذه يستحسن تنظرون في السند، لاحظوا أنه يرويه منصور وهو ابن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب الأنصاري، أبو أيوب هو السابع، فأبو أيوب صحابي يبقى بعد ذلك، كم العدد ستة لماذا لأن منصور بن المعتمر هو أصغر هؤلاء من حيث يعني سواء طبقة الإسناد، أو حتى من حيث السن، فمنصور هو من صغار التابعين فمنصور تابعي وشيخه هلال بن يساف تابعي، وشيخه الربيع بن خثيم تابعي، وشيخه عمرو بن ميمون تابعي، وشيخه عبد الرحمن بن أبي ليلى تابعي، والمرأة على هذا الاحتمال أنها تابعية دعونا يعني من التحقيق؛ لأن في حال التحقيق يعني فيما أذكر يعني بعد أن ذهبت عن الحديث الأول الترمذي نص على هذا أن امرأة أبي أيوب هذه صحابية، لكن دعونا الآن بناء على هذا المثال أنهم ستة من التابعين، هذا الحديث يعني كان جعل العلماء يلتفتون إلى مسألة السقط، ولذلك يقول النسائي عن هذا الحديث: إنه أطول إسناد وجد في الدنيا، وحتى الإمام أحمد الذي لا يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانا إلا ثلاثة رواة، أصبح بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث كم راو؟ لا ما هم ستة هؤلاء التابعون ستة، فقط فأصبح تسعة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة رواة .(1/234)
ومن عجبهم بهذا الحديث ألف الحافظ الخطيب البغدادي رسالة بعنوان: حديث الستة من التابعين أخذ يورد جميع طرق هذا الحديث لإعجابهم به، وليس هذا الحديث فقط هناك بعض الأحاديث الأخرى أيضا تدعو للدهشة حينما تتبع وتجد أن كل واحد من هؤلاء التابعين في حقيقة الأمر نقل الحديث عن تابعي آخر، وهكذا فلأجل هذه المسألة أن التابعي قد يكون روى الحديث عن تابعي آخر كان رأي جمهور المحدثين على أن الحديث المرسل حديث ضعيف؛ لأنه فقد شرطا من شروط صحة السند، ما هو هذا الشرط؟ الاتصال أحسنت، لأن الحديث الآن إذا سقط من أحد الرجال، فمعنى ذلك أن حصل فيه انقطاع مثل السلسلة، فقدت إحدى الحلقات خلاص أصبحت السلسلة لا تستطيع أن تحمل الثريا فتسقط الثريا بعض الذين يحتجون بالحديث المرسل قالوا: لا لأن الاحتمال قوي جدا أن يكون هذا الساقط صحابي، قالوا: لو كنا وثقنا أن الساقط صحابي لقبلنا الحديث، لأن الصحابة كلهم عدول لكننا نتوقف؛ لأن السقط يحتمل أن يكون الساقط يحتمل أن يكون تابعيا، والتابعون فيهم ثقات وفيهم ضعفاء ليسوا كلهم ثقات، فلأجل هذا الاحتمال رددنا الحديث المرسل، ومن هنا الأمر يدعونا إلى الانتقال إلى حكم الحديث المرسل، فاختلف العلماء فيه إلى ثلاثة مذاهب، جمهور المحدثين قالوا: الحديث المرسل حديث ضعيف، وهذا يعني أيضا رأي لبعض الفقهاء ولبعض الأصوليين.
أبو حنيفة ومالك ورواية عن أحمد قبلوا الحديث المرسل بشرط أن يكون المرسل ممن لا يرسل أو ممن لا يروي إلا عن ثقة، قبلوا الحديث المرسل بشرط أن يكون المرسل لا يروي إلا عن ثقة، وهذا يعني هو المذهب المتساهل.(1/235)
هناك مذهب ثالث وهو مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله-، ويعتبر مذهبا وسطا بين المذهبين السابقين، فالشافعي -رحمه الله- قال الحديث المرسل عندي مردود، القول الثالث هذا قول الشافعي القول الثالث هو قول الشافعي، وهو التفصيل ممكن نسميه بهذه التسمية التفصيل يعني التفصيل في حكم الحديث المرسل، فقال: حكمه عندي أنه مردود إلا بشرط من هذه الشروط الآتية، فاشترط في الحديث المرسل شرطين: شرط في الراوي نفسه، ونسميه المرسِل بكسر السين، وشرط في الحديث نفسه وهو الحديث المرسَل بفتح السين، أما الشرط الذي اشترطه في المرسل يعني الراوي، فأول شرط قال أن يكون من كبار التابعين مثل سعيد بن المسيب، فلو جاء عن صغار التابعين مثل قتادة أو الزهري، فالشافعي لا يقبله، فالشرط الأول الآن في المرسل أن يكون من كبار التابعين، الشرط الثاني في المرسل أيضا ألا يروي إلا عن ثقة يقول إذا سمى أحد شيوخه يسمي ثقة فلو تبين أن بعض شيوخه ضعفاء، فالشافعي يرد حديث ذلك الذي أرسل، الشرط الثالث في المرسل نفسه أيضا أن يكون هو ثقة في نفسه بحيث إذا شارك الثقات المأمونين لم يخالفهم، بحيث إذا شارك الرواة المأمونين لم يخالفهم .
قد يكون هذا الشرط يعني يريدون توضيحه هذا يمكن أن نرجع للحديث الشاذ تذكرون الحديث الشاذ، قلنا في تعريفه ماذا ؟: ما يرويه الثقة مخالفا من هو أوثق منه، فالشافعي رحمه يقول لابد أن يكون هذا الراوي ثقة، وإذا شارك الرواة المأمونين لم يخالفهم، فهو يستدل على ثقة هذا الراوي بموافقته للرواة الآخرين في الراوية، لكن إذا كان يخالفهم فهو يستدل بهذا على أن الراوي لم تكتمل ثقته، فبالتالي الراوي الذي بهذه الصفة يرد الشافعي مرسله هذه الشروط الثلاثة اشترطها الشافعي في الراوي المرسل بكسر السين.(1/236)
في شيء؟ لا الشرط الثالث لا يمكن أن يضم للشرط الثاني، لأن الشرط الثاني يقول لا يروي إلا عن ثقة يعني يشترط في شيخه شيخ هذا المرسل، فالشافعي يتخوف يقول أنا أتخوف من هذا المرسل أنه قد يكون مثلا قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي حقيقة الأمر أن الذي حدثه بهذا الحديث شيخه الضعيف عن صحابي، فيصبح الحديث ضعيفا، يقول لا بد أنا أن يحصل عندي طمأنينة إلى حد ما بأن هذا الرجل يمكن أن يكون فعلا لم يسقط من السند عنده إلا الصحابي أو على الأقل صحابي وراو ثقة هذا مقصود الشافعي، فهذه الشروط الثلاثة في المرسل نفسه.
ثم اشترط شرطا معها من أحد الشروط الآتية في الحديث المرسل يعني المتن المروي نفسه، فيقول هذا الحديث لا يكفي بهذه الصورة يعني لو اكتملت هذه الشروط الثلاثة في الراوي المرسل ما يكفيني لابد أن ينضم إليها شرط من أحد هذه الشروط في المتن المروي، يعني الحديث المرسل، ما هي هذه الشروط؟ .
الأول: أن يرد ذلك الحديث موصولا من طريق آخر، ولو ضعيفا أن يرد ذلك الحديث موصولا من طريق آخر ولو كان ضعيفا.
الشرط الثاني: أو يعني على التخيير يعني إذا لم نجد يمكن ننتقل لهذه النقطة الثانية أو يرد مرسلا لكن من غير طريق من أرسله وبشرط أن يكون المرسل الثاني أخذ عن غير شيوخ المرسل الأول - معليهش يعني خليكم معي تفهمون، النقطة هذه .(1/237)
الشافعي - يقول يعني لو جاءني الآن حديث يقول فيه سعيد بن المسيب، وسعيد بن المسيب تابعي سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع اللحم بالحيوان، أو عن بيع اللحم بأصله، هذا حديث ثم جاءني هذا الحديث من طريق راو آخر من كبار التابعين، وليكن مثلا أبا عثمان النهدي، فيقول إذا جاءني هذا الحديث من طريق ذلك التابعي الآخر من كبار التابعين، فأنا يمكن أن أقبله لكن بشرط أن أنظر إلى شيوخ أبي عثمان النهدي، هل فيهم أحد أخذ عنه سعيد بن المسيب، فإذا نظرت ووجدت أن هناك مثلا قيس بن أبي حازم، روى عنه سعيد بن المسيب، وروى عنه أبو عثمان النهدي، فيقول: آه في هذه الحال أنا لا أقبل ليه يا شافعي قال لاحتمال لاحظوا حيطته -رحمه الله- قال: لاحتمال أن يكون سعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي قد رويا هذا الحديث عن قيس بن أبي حازم، وبالتالي نحن لا نعرف هل قيس بن أبي حازم أخذ هذا الحديث عن صحابي مباشرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يكون أخذه عن تابعي آخر، والتابعي الآخر يحتمل أن يكون ضعيفا، وبالتالي يصبح الحديث في أصله ضعيفا، وهو من طريق واحد، فهم يعني يعملون هذا المخ لأجل الاحتياط لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن يقول: لو وجدت مثلا الحديث من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة أو من طريق عبيدة السلماني، ونظرت وإذا بشيوخ عبيدة السلماني لم يأخذ عنهم سعيد بن المسيب، فأنا في هذه الحال يمكن أضم الحديثين هذين بعضهما مع بعض ويصبحا حديثا مقبولا لكن مقبولا ما فسره الشافعي هل يصبح حسنا أو صحيحا؛ لأن التقسيم هذا ما كان شائعا في وقته، ولكن عندهم أن الحديث يكون مقبولا يعني يعمل به، فبهذه الصورة أنا أسائلكم ماذا يصبح الحديث يعني بالتقاسيم التي أخذناها سابقا؟ ها... أحسنت، حسنا لغيره يصبح الحديث حسنا لغيره .(1/238)
يعني حديث ضعيف مع حديث ضعيف آخر انضم بعضهما مع بعض فأصبح الحديث أيش حسنا لغيره، مثل تذكرون قلنا: المشلول والأعمى كل واحد منهم يجبر ضعف الثاني نعم، هذا هو الشرط الثاني في الحديث المرسل نفسه الذي اشترطه الشافعي، الشرط الثالث قال: يعني لنفرض أنني ما وجدت الحديث موصولا طبعا أنا نسيت أن أذكركم بالشرط الأول.
يقول الشافعي -رحمه الله-: يعني الحديث إذا جاءني موصولا، يعني ما هو مرسل ما فيه انقطاع، ولكن في إسناده ضعف يسير مثل راو في حفظه ضعف، فأنا ممكن أقبل الحديث بهذه الصورة، فأضم هذا الحديث الموصول مع الحديث المرسل الذي بالصفة التي ذكرناها، فيصبح الحديثان يشد بعضهما ضعف بعض، نفس العملية أيضا يعني يكون حسنا لغيره .
الشرط الثالث: قال: لو لم يرد الحديث موصولا ولا مرسلا من وجه آخر، فلا بأس أن يعضده قول صحابي، فالشرط الثالث أن يعضده قول صحابي، وقول الصحابي يعني معروف، إذا كان الصحابي ما نسب هذا القول للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه قاله من تلقاء نفسه، يعني مثلا حديث يرويه سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان بأصله أو عن بيع اللحم بأصله، هذا الحديث من الأحاديث التي يمكن أن يمثل بها، فهو فعلا أرسله سعيد بن المسيب، لكن بعد النظر وجد أن هذا الحديث قد عمل به أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فيقول عمل أبي بكر الصديق يعني تحريمه أن يباع اللحم بأصله، وهو الحيوان؛ لأنه يعتبر يعني من أنواع الربا، عندي شد من ضعف مرسل سعيد بن المسيب فأصبح هذا مقبولا عندي، فأخذ به الشافعي -رحمه الله-.
الشرط الرابع: من الشروط التي يشترطها في الراوي المرسل، قال: لو لم يوجد لا موصولا ولا مرسلا من وجه آخر، ولم يعضده قول صحابي، فيمكن أن أتنزل إلى شرط آخر، وهو أن يكون عليه عمل أكثر أهل العلم، أن يكون عليه عمل أكثر أهل العلم.(1/239)
يقول هذا العمل يعني حينما يصبح متسلسلا، يدل على أن هذا الحديث له أصل؛ لأن إذا وجدنا شيوخنا يعملون به وشيوخ شيوخنا ومن فوقهم، فهذا يدل على أن العمل متسلسل من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يعني من الشروط الضعيفة في شروط الشافعي -رحمه الله- تعالى، فهذا هو المذهب الثالث، ونقف عنده لأني أجد الوقت قد انتهى. نعم.
الشرط الرابع: أن يكون عليه عمل أكثر أهل العلم.
هذا يعني في حال عدم التعارض لكن لو تعارض الحديث المرسل مع حديث آخر أقوى منه فالشافعي لا يقبله.
نعم، الأول في الراوي المرسل نفسه يشترطها الشافعي كلها كل الثلاثة، والشروط التي في المرسل يقول لا بأس بواحد واحد فقط منها لكن بهذا الترتيب، الأول أفضل عند الشافعي، ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع.
نعم، والله الراجح أنا عندي قول الشافعي هو الراجح مع التحفظ على الشرط الأخير وهو أن يكون عليه عمل أكثر أهل العلم.
س: -طيب قبل ما نبدأ بالأسئلة- يعني قبل أمس فيه بعض الأخوة سألني أحدهم عن حديث: " ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفارات " إلى آخر الحديث، وهو حديث يعني فيه طول يقول ما مدى صحته؟ .
ج: أقول: الحديث أنا رأيت الشيخ الألباني حسنه، لكني حينما نظرت في طرق الحديث لم يطمئن قلبي إلى ذلك التحسين؛ لأن كما تذكرون يعني ذكرت لكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الحديث الذي ترد له طرق كثيرة، لكن ما فيها ولا طريق فيها يعني مثلا على الأقل أن أحد طرقه حسنة، حسنة الإسناد بل كلها ضعيفة.
فشيخ الإسلام يتعجب يقول: كيف يكون هذا الحديث يجمع.. ما يرويه إلا الضعفاء، يجمع على روايته الضعفاء، فهذا الحديث يعني يمكن أن يكون مثالا لهذا؛ لأن له طرقا عن حوالي يمكن أربع أو خمسة من الصحابة، وكل صحابي أو معظم الصحابة تجد الواحد منهم له طرقا عنه، وهكذا.(1/240)
لكن ما فيها ولا واحدة تسلم من القدح، بل بعضها تصل لدرجة الموضوع وبعضها ضعيف جدا، فالحقيقة يعني أنا ما اطمئن قلبي إلى تحسينه، ولذلك يعني أقول: يتوقف على الحكم عليه بالحسن أو الصحة .
س: أما حديث الفتنة نائمة أحد الأخوة يسأل يقول: هل هذا الحديث صحيح الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها؟ .
ج: فهذا الحديث رواه الرافعي يعني ما أذكر من رواه غير الرافعي، وهو حديث ضعيف.
لا هو يعني الحسن لغيره يكون ضعفه ضعفا يسيرا، يعني من قبل الحكم، لكن هو يتكلم عن الحديث الذي ضعفه، يعني بغير هذه الصورة.
س: أحد الأخوة يقول ذكرت الأقوال الثلاثة في الخلاف في المرسل أرجو إعادة القول الثاني؟
ج: القول الثاني: هو قول جمهور الفقهاء قول أبي حنيفة ومالك، وهو رواية عن الإمام أحمد -رحمهم الله تعالى- يقولون بقبول الحديث المرسل بشرط أن يكون المرسل لا يروي إلا عن ثقة، ويكون هو ثقة في نفسه أيضا، مع يعني لو دققنا النظر، فمثلا الإمام أحمد يعني وردت عنه عدة أقوال في هذه المسألة من جملتها: أنه وافق الشافعي في شروطه كما حكاه أبو داود عنه، وفي بعض الأقوال عنه أنه اشترط في المرسل أن يكون من كبار التابعين، يعني ما ذكر بقية الشروط التي ذكرها الشافعي، فعلى كل حال، له -رحمه الله- يعني عدة أقوال في هذه المسألة.
أحد الأخوة يقول: إن بعضنا لا يفهم الدرس إلا بهذا الأسلوب، يعني طريقة التمثيل وكذا.
أقول: إن شاء الله أنا يعني أعتذر لكم عن قبل أمس، يبدو كان فيه شيء من العجلة، لكن -إن شاء الله- سأحاول جاهدا أن أمثل حتى تفهموا، إن شاء الله.
س: أحد الإخوة يقول: هل تحققت شروط الشافعي في الحديث المرسل أم لا ؟
ج: أقول: نعم تحققت حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع اللحم بأصله تحققت الشروط عند الشافعي فيه.(1/241)
بعض الإخوة يبغي يأخذ نصيب الأسد، يسأل ويكون السؤال عدة أسئلة، ها نجاوب واحدا، ونخلي الباقي لا أي والله الأسئلة في الحقيقة كثيرة، لكن يمكن فعلا كما اقترح الأخ ، من هذه الورقة المشتملة على خمسة أسئلة، نأخذ سؤالا واحدا ونترك بقية الأسئلة في الدرس القادم، يقول: هل يوجد نظم لنخبة الفكر مطبوع، وإذا كان ذلك فأيهما أنسب وأسهل للحفظ ذلك النظم أو متن النخبة .
أقول: نعم الصنعاني -رحمه الله- صاحب سبل السلام نظم النخبة في نظم سماه قصب السكر، والنظم مطبوع، وعليه أيضا تعليق أشبه ما يكون بالشرح شارحه رجل كان أظنه درس في أحد المعاهد العلمية، لكني نسيت اسمه على كل حال، يعني الكتاب مطبوع من أراد أن يحفظ، فهي منظومة سهلة الحفظ وجيدة في نظمها، ويمكن يكون حفظها أسهل عندي أن حفظها الظاهر أنها تقع في حوالي 120 بيت تقريبا في هذه الحدود.
س: أحد الأخوة يقول: مر تعريف الحديث المرسل كما ذكرت، وهو ما سقط من إسناده ما بعد التابعي قد يرد إشكالا على هذا التعريف؛ لأن الساقط ما بعد التابعي من هو، أهو التابعي الذي بعده أو الذي بعده؟؛ لأن التابعي ممكن يروي عن عدة تابعين؛ والتابعي الأخير ولا يعقل أن يكون الراوي الخامس من التابعين بداية هو الذي رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلذا الأبلغ في التعريف هو الذي رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ج: أقول: نعم أنا في الحقيقة أرتاح إلى هذا التعريف؛ لكونه أوضح، ولكن ليس معنى هذا أن التعريف الآخر، يمكن أن يرد عليه إشكال إذا دققنا، لكن لكونه أوضح في أذهاننا، فأقول التعريف الأنسب للحديث المرسل هو ما يضيفه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا سالم من الاعتراض.
س: أحد الأخوة يقول: إذا كان المرسل هو ما سقط من إسناده الصحابي والصحابة كلهم ثقات، كيف يكون المرسل من أقسام المردود؟(1/242)
ج: أقول: ما ذكرت أنا أن الساقط من الإسناد صحابي لو كان الساقط من الإسناد صحابيا، وعرفنا أنه هو صحابي، ما كان عندنا إشكال فعلا .
الصحابة كلهم عدول، لكن أنا ذكرت لكم قلت: إما أن يكون صحابيا أو صحابيا وتابعيا، فعلى القول الثاني، وهو تابعي قد يكون التابعي ضعيفا، وقد يكون ثقة، وإذا كان ثقة، فقد يكون رواه أيضا عن تابعي آخر عن ذلك الصحابي، وهكذا يعني في التقسيم الذي ذكرناه.
س: أحد الإخوة يقول: كيف نعرف عدد من سقطوا من السند واحدا أو أكثر الرجاء التوضيح؟.
ج: أقول: سيأتي -إن شاء الله- التوضيح بإذن الله؛ لأن هذا يعرف بالتاريخ، ولما نأخذ -إن شاء الله- المنقطع والمدلس والمرسل، الخفي يتبين لنا كيف نستطيع معرفة عدد الساقط من ذلك الإسناد.
س: أحد الأخوة يقول: ما معنى قولهم في ترجمة أحد الرواة: مولاهم البصري الكوفي... إلى آخره؟ .
ج: أقول: هذه من الأمور التي يهتم بها المحدثون، وهي أمور مهمة، فمثلا يعني نسب الراوي يستطيعون به التمييز بين راو وراو آخر يشبهه في نفس الاسم، فمثلا أبو إسحاق لو جاءنا في إسناد هكذا، يشكل علينا الأمر، هل هو أبو إسحاق السبيعي أو أبو إسحاق الشيباني؟ لكن لو ميز قيل لنا: أبو إسحاق الشيباني أو أبو إسحاق الكوفي خلاص ينتهي الإشكال، وحينما يقول أبو إسحاق الشيباني أو أبو إسحاق الكوفي، قد يعني يظن البعض أنه من أصلهم، يعني أصله فعلا شيباني أو أصله همداني، أو ما إلى ذلك، فهذا قد يكون فيه شيء يعني من الكذب، فبيانا للحقيقة هم يقولون مولاهم يعني أنه ليس من أصلهم ولكنه مولى مولى لبني شيبيان أو مولى لهمدان مثلا، وهكذا فحينما يقولون في الراوي فلان فلان مولاهم تجد قبل كلمة مولاهم نسبة إما نسبة إلى مثلا بني شيبان، أو إلى بني تميم أو إلى همدان أو إلى قريش أو غير ذلك من القبائل.(1/243)
فهو مولى لتلك القبيلة، أما قولهم: البصري الكوفي إلى غير ذلك، فهذه أيضا مهمة ومعرفة إقامة الرواة هذه من أنواع علوم المصطلح، وستأتي -إن شاء الله- معنا في آخر الكتاب معرفة مواطن الرواة، لو نظرتم في الفهرس فهرس الكتاب ستجدون عنوانا، معرفة أوطان أو مواطن الرواة، هذه يستفيدون منها في مسألة ذكرتها لكم سابقا، وهي مسألة المعاصرة واللقي وإمكانها وما إلى ذلك .
فمثلا إذا كان هذا الراوي حدث عن هذا الراوي، لكن ما تبين لنا هل لقيه أو لم يلقه، لكن عرفنا أن هذا بصري وهذا بصري، فكلاهما عاش في البصرة وتعاصرا فترة طويلة من الزمن، فمعنى ذلك أن هناك احتمالا قويا على أن أحدهما سمع من الآخر، لكن إذا كان أحدهما من بلد والآخر من بلد، فهذا يرد عليه إيرادات أخرى؛ ولذلك هذه من فوائد معرفة مواطن الرواة.
س: يقول: هل كل رجل روى عنه البخاري ومسلم يحتج به على إطلاقه أم يحتاج الأمر إلى تفصيل أو لابد من تقيد؟.
ج: أقول: لا ليس الأمر على إطلاقه، فهذا الراوي إما أن يكون احتج به البخاري ومسلم أو لا، فإذا لم يكن احتجا به، وإنما جاءا به في الشواهد والمتابعات، فهذا يعني الأمر ما في شك أنه لا يحتج به، لكن إذا كان ذلك الراوي احتج به البخاري ومسلم، فقد يكون احتجاجهما بالراوي؛ لأنه فعلا ثقة، وقد يكون احتجاجهما بالراوي؛ لأنهما خبرا حديثه وعرفاه، ولا يتأتى هذا إلا للبخاري ومسلم ومن كان مثلهما، أما نحن الضعفاء فلا نستطيع معرفة وتمييز أحاديث ذلك الراوي صحيحها من سقيمها.
س: يقول: هل كتاب رجال الصحيحين أو ما يقارب هذا الاسم بالفعل جمع كل رجال الصحيحين أم لا؟(1/244)
ج: أقول: نعم هناك من ألف في رجال البخاري فقط، وهناك من ألف في رجال مسلم فقط، فالكلاباذي ألف في رجال البخاري وابن منجويه ألف في رجال مسلم، وجاء بعدهما ابن طاهر المقدسي ابن القيصراني المعروف بابن القيصراني، فجمع بين الكتابين في كتاب سماه الجمع بين رجال الصحيحين، ففي حد علمي أن هذا الكتاب شمل جميع رجال الصحيحين .
س: يقول الأخ: هل الأصح تقديم القول على الفعل أم العكس؟.
ج: أقول: لا. الأصح تقديم القول على الفعل، لكن أيضا هذه المسألة يعني للعلماء فيها كلام طويل، منهم من يأخذ بهذه القاعدة، ومنهم من لا يأخذ بها، فالذي يأخذ بها يقول: إننا نقدم القول على الفعل؛ لأن القول من النبي - صلى الله عليه وسلم - يفيد أن الحكم لعموم أمته، والفعل قد يكون مختصا به، فبعضهم يعني من باب التمثيل حتى أبسط عليكم، مثلا حديث النهي عن الشرب قائما، وكون النبي عليه الصلاة والسلام شرب قائما، بعضهم لأجل يعني التوفيق بين هذه الأحاديث، قال: حديث النهي عن الشرب قائما نهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يفيد التحريم، وحديث أنه عليه الصلاة والسلام شرب قائما هذا فعل للنبي عليه الصلاة والسلام، والفعل قد يكون خصوصية للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد يكون تحريما على أمته ومباحا له، ولكن هذا عليه مؤاخذات كما قلت لكم.
س: أحد الأخوة يقول: سمعت في أحد الأشرطة للشيخ الألباني أنه ضعف حديث: " كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار " وقال بأنه لا حرج في ذلك فما هو الصحيح؟.(1/245)
ج: أقول: كون الشيخ الألباني مثلا يضعف هذا الحديث، طبعا نحن أوردناه لأجل تقريب المسألة للأذهان، ولم نتطرق لمسألة صحة الحديث من عدمه، وحتى لو كان الشيخ الألباني يعني ضعف الحديث، فليس معنى هذا أنه يقول بأنه يجب أن يتوضأ الإنسان مما مسته النار، لكنه يقول: هذا الحديث يعني ضعيف، أما ما تضمنه الحديث من فقه فهو لا يخالف فيه.
س: أحد الأخوة: هل يعد من خالف في النقل يعد كاذبا ومن شهد معه أو لا؟.
ج: أقول له: هذه المسألة فيها تفصيل، يعني إذا كان الذي خالف يعتبر هذا يعني خطأ أخطأ فيه، فهذا يغتفر للراوي، وهذا سيأتينا -إن شاء الله- فيما بعد في مبحث كيف نستطيع أن نعرف أن الراوي عدل، وكيف نستطيع أن نعرف أن الراوي ضابط، يعني: بم تعرف العدالة؟، وبم يعرف الضبط، هذا سيأتينا -إن شاء الله- عن قريب.
س: يقول: ما رأيك فيمن يقول: إن الشاهد هو المتن، والمتابع هو السند؟.
ج: أقول: هذا يعني سبق فصلنا فيه، قلنا: هناك من قال: هذا القول وهو الراجح، وهناك من قال: لا الالتفات يعني للمتن نفسه، وذلك القول مرجوح، يعني هذا إن شاء سبق التفصيل فيها، فلعل الأخ يعني يراجع الشريط المسجل فيما يغني عن الإعادة الآن، ويبدو لي أنه ما كان حاضرا، أو يعني لم يكن مستوعبا المسألة.
س: يقول: ألا يكون صاحب المتابعة الناقصة أقوى من ناحية الحجة؟ من صاحب المتابعة التامة؛ لأنه أقرب للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟.(1/246)
ج: أقول: لا نحن ننظر إلى الراوي الأسفل؛ لأجل وجود من يشهد معه، فإذا كان الراوي الأسفل، يعني اعتبر مخالفا، فهذه المتابعة التامة بلا شك أنها تقويه هو يعني، لو نظرنا في شخصين نقلا خبرا عن إنسان واحد، وهذا الخبر فيه شيء من الاختلاف، فمن الذي نحكم له بأنه أصاب من عدمه، نحكم لمن جاء إنسان يشهد معه، فلو جاءنا واحد ثالث، وقال: لا أنا أشهد لفلان بأن فلانا قال كذا وكذا؛ لأصبح هذا مقويا له، لكن لو كان جاءنا واحد، وقال: لا أنا ما أشهد لأحد من هؤلاء الاثنين عن فلان الذي هو شيخهما، لكن أشهد بأن فلانا الأعلى قال كذا، فالأمر لا يصبح من القوة كما هو في الأسفل، وأظن هذا إن شاء الله واضحا، والذي لم يتضح له هذا يتضح له إن شاء الله، بعدما يتعمق في تخريج الأحاديث ودراسة أسانيدها سيجد أن هذا القول كما قلت لكم.
س: يقول هل ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: يقبض الواحد قبضتين على لحيته، وما زاد فليقصه؟.
ج: المهم يعني أقول هذا حصل من فعل ابن عمر، ما هو من قوله ولا من قول ابن عباس، عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- اجتهد في الحج، فأخذ من لحيته ما زاد عن القبضتان لحيته طويلة، فقبض بيده هكذا، والشعر الذي زاد عن القبضة قصه، فهذا اجتهاد منه -رضي الله تعالى عنه- فمن العلماء من اعتبر اجتهاده هذا، يعني كالدليل على جواز أخذ ما زاد عن القبضة، ومنهم من قال: العبرة بما رواه وهو وجوب ترك اللحية بالكلية، يعني دون التعرض لها، وهذا إن شاء الله أرجح وأحوط. مع العلم أن مرضى القلوب الآن يعني هم مسكوا طرف من المسألة ولم يأخذوا باقيها، فأخذوا على أن الأخذ من اللحية جائز على الإطلاق، يعني من الذي منا لحيته تصل إلى أكثر من القبضة، يمكن لو نظرنا في الإخوة الحاضرين ما أدري نخرج بواحد أو اثنين أو ما نخرج، والباقي كلهم دون القبضة.(1/247)
ها صحيح في صحيح البخاري أن ابن عمر أخذ ما زاد عن القبضة موجود في صحيح البخاري، يعني ما فيه مطعن، ها قلت هذا، أنا قلت: إن العلماء قالوا: إن العبرة بما رواه ابن عمر لا بما رآه ابن عمر. نعم .
س: أحد الإخوة يقول: ما هو الراجح في سلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟.
ج: أقول: الراجح كما قال الإمام أحمد: ربما قبلناه، وربما وجس في القلب منه، فإذا كان المتن الذي جاءنا بهذا الإسناد ليس فيه نكارة، فالأصل فيه أنه حسن لذاته إن شاء الله، لكن إذا وجد فيه ما يدعو للتوقف، فيمكن للعالم أن يتوقف في قبوله كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-.
س: أحد الأخوة يقول قد كثرت الكتب المحققة في الساحة من المعاصرين ونظرا لأنني لا أعلم مدى باعهم في علم الحديث فأرجو من فضيلتكم تبيين حال الأخ الفاضل مشهور بن حسن؟.
ج: أقول: الأخ مشهور فيما علمته، يعني تحقيقاته رائعة وجيدة، لكن يعني قد يخالف في بعض اجتهاداته، فعلى العموم هو جيد، لكن قد يرى رأيا يخالف فيه، وهذا يعني يحصل بين جميع أفراد الأمة، ولا تكاد تجد اثنين يتفقان في كل شيء، وبخاصة ما كان من قبيل الرأي.
س: يقول قال - صلى الله عليه وسلم - " أيما امرأة خلعت لبسها يعني ثيابها - في غير بيت زوجها " إلى آخره، وهل لو أرادت المرأة أن تغير ملابسها في بيت أختها لطول وقت الزيارة من الظهر إلى الليل أو يوم وليلة، هل تقع في العقوبة التي في الحديث.(1/248)
ج: أقول: نعم هذا حديث جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: " أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها " فأظن في آخر في الحديث أنها ملعونة أو شيئا من هذا، وهذا الحديث يعني هو من حيث الصحة هو صحيح، لكن من حيث فقهه ففي الحقيقة فيه إشكال، ومن إشكاله أن سبب ورود الحديث في بعض طرقه؛ لأنه جاء من حديث عائشة وغيرها أن نسوة قدمن على عائشة من جهة الشام، فسألتهن عن الموطن الذي جئن منه، فأخبرنها بأنهن جئن من الشام أو من بلد يقال لها: الكورة في الشام، فذكرت لهن أن ذلك البلد فيه حمامات؟ فأجبن بنعم فذكرت لهن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي فيه هذا التحذير يعني كأنها تقول: إن التي تذهب إلى الحمام والحمامات في وقتهم ليس كالحمامات المقصودة في وقتنا الحاضر، يعني في وقتهم، كان يكون في البلد عدة حمامات، يكون فيها الظاهر أشياء من يعني من قبيل تلطيف للأجسام مثل البخار، وغير ذلك ويأتونها بالأجرة، وبخاصة الحمامات النسائية ممكن تكون عرضة للتكشف وما إلى ذلك، فعائشة -رضي الله عنها- تحذر هؤلاء النسوة من أن تخلع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها، وذكرت لهن حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن يعني قواعد الشرع معروفة، ومغزى هذا الحديث معروف أنها تخلع ثيابها في غير بيت زوجها، يعني فيما يدعو للريبة، أما إذا كانت في مثل بيت أختها أو بيت أهلها أو ما إلى ذلك، فمن الواضح يعني أن هذا الحديث لا يقصد به من كانت هذه صفتها.
س: يقول: أيضا هل يوجد حديث بهذا اللفظ " جنبوا صبيانكم مساجدكم " ؟
ج: نقول: نعم لكنه حديث غير صحيح، بل قد يصل إلى الموضوع.
س: يقول: يرجو أن نفصل له في معنى الكتاب المستخرج، وكذلك المستدرك، يقول: ويعلم الله أني لمتشوق بشدة لمعرفتها؛ لأني دائما أطالع في كتب المصطلح، وأجد أمامي حاجزا أو عائقا يمنعني من معرفتها لقلة معرفتي في هذا الفن؟.(1/249)
ج: في الحقيقة يعني بعض الأسئلة تحتاج إلى طول على كل حال، يعني إن شاء الله أشير إشارة دون إطالة، يا أخي، الكتاب المستخرج يقصد به مثل المتابعة التي ذكرناها والشاهد تماما، فالمراد أن يأتي صاحب كتاب معين، ويشهد لصاحب كتاب آخر، كيف؟ مثلا البخاري كتابه الصحيح، عملت عليه مستخرجات، منها مستخرج -مثلا- أبي نعيم الأصبهاني، يقول: أبو نعيم في حديث مثلا رواه البخاري عن شيخه الإمام أحمد عن شيخه عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبد الرزاق يرويه عن معمر، ومعمر يرويه عن الزهري، والزهري يرويه عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا آتي لأشهد للبخاري حتى، وإن كان يعني دون البخاري في الطبقة يعني، هو متأخر عنه، لكن يقول: أنا أروي هذا الحديث بسند أشهد للبخاري به، فألتقي مع البخاري في شيخه، وهو الإمام أحمد أو شيخ شيخه وهو عبد الرزاق، فيقول: مثلا هذا الحديث الذي رواه البخاري عن شيخه الإمام أحمد عن شيخه عبد الرزاق، أنا أرويه عن شيخي سليمان بن أحمد الطبراني صاحب المعجم، وسليمان بن أحمد الطبراني يرويه عن شيخه إسحاق بن إبراهيم الدبلي، والدبلي يرويه عن عبد الرزاق، فانظروا الآن كيف التقيا في من في عبد الرزاق، هذا معنى المستخرج استخرج عليه بحيث يعني التقى معه في الإسناد، يعني هذا على العجلة، لكن التفصيل له موضع آخر؛ لأن فيه شروطا، له كلام طويل، لكن لعل الأخ إن شاء يفهم الآن ما المراد بالمستخرج.(1/250)
أما المستدرك، فالمراد أن يأتي إنسان إلى كتاب معين، ويخرج أحاديث هذا الكتاب، يخرج أحاديث على شرط هذا الكتاب، ولم تخرج في هذا الكتاب، مثل ماذا؟ مثل المستدرك للحاكم، يقول الحاكم: البخاري ومسلم أخرجا أحاديث في صحيحهما على أنها صحيحة طيب، يقول: وهذه الأحاديث وجدت أنهم أخرجوها من طريق رواة معينين على أنهم ثقات، وأحاديثهم صحيحة طيب، قال هؤلاء الرواة نفسهم أنا وجدتهم يروون أحاديث أخرى لم يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما، فأنا إذا وجدت أحاديث صحيحة زائدة عما في الصحيحين، فآتي بها أستدرك على الصحيحين واضح الاستدراك، ما هو يعني يستدرك شيئا فات المستدرك عليه، يقول: فأنا أستدرك على البخاري ومسلم أحاديث لم يخرجاها في كتابيهما، وهي صحيحة، فهذا معنى المستدرك، فلعلك يا أخي إن شاء الله، فهمت وواظب إن شاء الله على هذا العلم وستفهم أكثر.
س: أحد الأخوة يعني له ما شاء الله كلام طويل، أختصره يعني خلاصته: يقول: إنهم بحاجة أيضا إلى درس آخر في أحد المختصرات كالأربعين النووية أو عمدة الأحكام، وما إلى ذلك، وهو يعتذر عني جزاه الله خيرا، بأن مشاغلي كثيرة، لكن يرجو مع وجود هذه المشاغل أن يعني ألبي هذا الطلب.
ج: أقول: والله في الفترة الراهنة أنا لا أستطيع تلبية هذا الطلب، ولو علمت درسا لعملته إما في بلوغ المرام، أو في المنتقى للمجد ابن تيمية، ولعل الله -جل وعلا- يسهل، فأنا في الحقيقة بشوق، لأنني أنا أستفيد بشوق إلى أن أشرح بلوغ المرام، ولعل إن شاء الله الفرصة توافيني للقيام بهذا.
بقيت أسئلة أقول: الوقت لا يتسع للإجابة عنها إن شاء الله نجيب عنها في الليلة القادمة بإذن الله -جل وعلا- وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تكلمنا بالأمس عن الحديث المردود، وأن أسباب رده إذا ما التفتنا للسند بأحد أمرين:(1/251)
إما بسبب سقط في الإسناد أو بسبب طعن في الراوي ، وكلا هذين الأمرين يدخل تحتها أو تحتهما أنواع من أنواع علوم الحديث، وأخذنا أولا الحديث المردود بسبب سقط في الإسناد، وأخذنا بعض أنواعه، فما هي هذه الأنواع التي أخذناها بالأمس؟ نعم المعلق والمعضل والمرسل.
طيب إذا ما سئلنا عن الحديث المعلق، ما هو الحديث المعلق، فبماذا نجيب؟ الحديث المعلق، هو ما سقط من أول إسناده راو أو أكثر طيب بالنسبة للحديث المعضل إذا ما عرفناه فبماذا نقول؟ الحديث المعضل: هو ما سقط من سنده راويان أو أكثر بشرط أن يكونوا أو يكونا على التوالي .
طيب أغلب ما يكون الإعضال في أين؟ في وسط السند، أغلب ما يكون الإعضال في وسط السند. إذا ما رجعنا إلى تعريف الحديث المعلق، هل يمكن أن يكون في نوع واحد من أنواع السقط، يجتمع التعريفان المعضل والمعلق؟ نعم نعم. قد يجتمع المعضل والمعلق، فإذا مثلا قال البخاري: قال عمر بن الخطاب، فمعنى ذلك أن السقط بين البخاري وبين عمر بن الخطاب أكثر من واحد، وكلهم على التوالي، فهذا يكون معلقا، ويكون معضلا في نفس الوقت، لكن يعني ما هو الأصوب إطلاقه في هذه الحال على هذا الحديث، لو سئلنا يعني من حيث الإطلاق الاصطلاحي؟ لا، الصواب أن نقول: إن هذا حديث معلق، ولو قال لنا واحد: إن هذا معلق ومعضل، نقول: نعم هو معلق ومعضل، لكن أغلب ما يطلق بهذه الصورة عليه معلق .(1/252)
الحديث المرسل، ما تعريفه؟ نعم اتفضل، نعم هو ما يضيفه التابعي أيا كان صغيرا أو كبيرا إلى النبي --صلى الله عليه وسلم- نحن حينما نقول: مثل هذه التعاريف، نحذف عليكم مشوارا طويلا؛ لأن مسألة يعني خلافية، فمثلا حينما نقول صغيرا أو كبيرا أخذنا الرأي الراجح؛ لأن مسألة فيها خلاف طويل بين بعض العلماء، فمنهم من يرى أن المرسل لا يصدق إلا على التابعي الكبير، ومنهم من يرى أنه يصدق على الصغير والكبير، يعني خلاف بينهم، فلذلك أخذنا الرأي الراجح، فنقول: ما يضيفه التابعي أيا كان صغيرا أو كبيرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
بالنسبة للمعضل والمعلق، هل يمكن لحديث من الأحاديث أن يكون معضلا، ولا يكون معلقا، وهل يمكن لحديث أن يكون معلقا ولا يكون معضلا، إذا قلنا: إن بينهما عموم وخصوص؟ .
نعم نعم إذا كان السقط من وسط السند، فيكون معضلا ولا يكون معلقا نعم نعم. أحسنت. إذا كان السقط من أول السند من جهة المصنف مثل البخاري، فيكون معلقا يعني إذا كان السقط واحدا، فيكون معلقا ولا يقال له: معضل، أما إذا كان السقط من وسط السند، وهو أكثر من اثنين على التوالي اثنان أو أكثر على التوالي، فهذا يقال له: معضل ولا يقال له: معلق.
بقي أن نشير بالنسبة للحديث المرسل إلى علاقة المعضل به أيضا، كما بينا علاقة المعضل بالحديث المعلق، وهذا ما تطرقنا له بالأمس سهوا، فأحيانا يمكن أن يكون الحديث مرسلا ومعضلا في آن واحد، فإذا كان الحديث سقط من سنده بين التابعي والنبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان أو أكثر وهم على التوالي فهذا يقال له مرسل ويقال له أيضا معضل، فمثلا إذا كان هناك حديث يرويه قتادة عن تابعي عن تابعي عن تابعي عن صحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكم يكون بينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، أربعة، الصحابي وثلاثة من التابعين .(1/253)
فهذا يقال له اصطلاحا: مرسل وهو في نفس الوقت أيضا معضل، هذه النقطة تهمنا في حال وجود إسناد يضيفه تابع، التابعي أو من هو دونه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يحصل يعني في بعض الأحاديث، فإذا وجدنا إسنادا بهذه الصورة مثلا سفيان بن عيينة حينما يأتينا أحد الرواة، وليكن مثلا الطحاوي، فيذكر بسنده يسوق السند المتصل إلى سفيان بن عيينة، والذي ينظر إلى هذا الحديث ما شاء الله، يقول هذا يعني ما دام أنه ساقه بسنده، فسيكون حديثا، يعني على الأقل مقبولا في العموم، لكن إذا ما وصل إلى سفيان بن عيينة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، ففي هذه الحال سفيان نجد أنه من طبقة أتباع التابعين، فأقل ما يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رواة، أو راويان يكون أقل ما يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - راويين اثنين، فمثلا إذا روى سفيان بن عيينة الحديث، عن قتادة، عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أقل شيء كم ؟ اثنين في غالب الأحيان، يكون السقط في هذه الحال أكثر من هذا العدد، لكن إذا كان الصحابي ممن تأخرت وفاته، مثل أنس بن مالك والتابعي الراوي عنه من صغار التابعين ممن تأخرت وفاته، أيضا فيمكن أن يكون السقط اثنين .(1/254)
لعل الذي يقرأ منكم في مقدمة صحيح مسلم، أو الذي يحضر معنا درس صحيح مسلم، يذكر الحكاية التي حكاها مسلم -رحمه الله- عن عبد الله بن المبارك -رحمه الله- الذي ناقشه، وأظنه شهاب بن خراش، حينما ذكر له حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة عن الميت وغير ذلك من الأعمال، فقال: عمن هذا الحديث، قال: عن فلان سمى راويا، قال: ثقة، عمن؟ قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا فلان بين فلان والنبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، يعني أعناق الإبل، ولكن ليس في الصدقة خلاف، المهم الشاهد قول عبد الله بن المبارك --رحمه الله- بين فلان والنبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز يعني مسافة طويلة جدا، فهذه المسافة ما دام أنه يكون السقط فيها من اثنين، فأكثر هذا يمكن أن يكون معضلا، ونجد أن بعض العلماء يطلق عليه أيضا مرسلا، وهذا توسع في إطلاق الإرسال في هذه الحالة، لكن الأولى أن يقال له في هذه الحالة: هذا حديث معضل، إذا كان الذي يضيفه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس تابعيا، الأولى أن نقول له معضل، لكن لو وجدنا بعض العلماء يسميه مرسلا، فنعرف أن هذا الإطلاق فيه شيء من التجوز. قد نتساءل، ونقول: لماذا يرسلون الحديث؟ لماذا لا يذكرون الحديث بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا سؤال يعني وارد .(1/255)
فالجواب نقول: إما أن يكون الواحد منهم أخذ الحديث بناء على ما اشتهر في وقته، فلو سألت بعضكم الآن عن بعض الأحاديث، يمكن يقول: هذا نعم، أعرف أن هذا حديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن، لا يعرف من رواه ولا يعرف إسناده، ولا يذكر أيضا يمكن من حدثه به، فهذا أيضا موجود في وقتهم يكون هناك اشتهار لبعض الأحاديث التي تنسب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون الواحد منهم حدث بهذا الحديث بناء على ما اشتهر في وقته، لكن لو طالبته بإسناد، قلت له: من الذي حدثك بهذا الحديث، لا يذكر فلأجل هذا توقف العلماء في قبول الحديث المرسل ولأجل أمر آخر، وهو أن يكون فعلا يذكر من حدثه، لكن الذي حدثه، إما ضعيف أو نقله عن راو ضعيف، هذا محتمل، وقد يوجد فما دام الأمر كذلك أيضا، فهم توقفوا عن قبول الحديث المرسل، لكن بهذه الصورة .
الثانية قد يقول بعضنا: لماذا لا يذكروا الحديث بكامله لماذا لا يذكر من حدثه والذي حدث من حدثه إلى أن يصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فنقول هذا قد يدفعهم إليه بعض الأمور، فأحيانا لا يكون الواحد منهم ذكر الحديث على سبيل الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما ذكره كما يذكر بعضنا الحديث، إما في مجال الوعظ، أو في مجال مثلا المناقشة العلمية، وما إلى ذلك فلو أن الواحد منهم مثلا أنكر على واحد من الناس وقال أنا سمعت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا وكذا، فهو في هذه الحال لم يقصد الرواية، لم يتهيأ للرواية، ما جاء في أوساط طلبة العلم، وبدأ يحدثهم بأسانيده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ما قصد هذا الأمر، ولكنه ارتجل الحديث ارتجالا، بهذه الصورة للاستشهاد به في قضية معينة واقعة .(1/256)
أو يكون أمام الناس مثلا يذكرهم كما نعرف أن بعض الوعاظ يقفون أمامنا ويذكروننا، ويقولون: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، فهذا أيضا موجود في عصرهم، فلأجل هذا كثرت المراسيل، وأحيانا يكون في مقام المناقشة العلمية، قد يأتي أحدهم، ويسأله مثلا عن مسألة من المسائل، فيقول نعم الحكم فيها كذا وكذا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فيكون يعني أفتاه، وأجابه على سؤاله، وذكر له حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس قصده الرواية، وإنما قصده الاستشهاد بهذا الحديث الذي قد يكون معروفا في عصرهم أو قد لا يكون ذلك السائل مثلا ممن يتحرى الرواية، فيقول له أسند: لي هذا الحديث .(1/257)
المهم أن الأسباب كثيرة هذه يعني أبرزها، وفيه يعني بعض الأشياء التي لا أريد التي أن أشوش على أذهانكم بذكرها، فنتركها يعني لمقام التفصيل أكثر؛ لأني لو ذكرتها لانبنى على ذكري لها أسئلة وأسئلة، وما إلى ذلك، فنتركها، لكن ردا على بعض التساؤل الذي قد يرد نقول هذه من الأسباب التي تدفعهم إلى الإرسال، نعم يا أخي ها لا ما يخالف يا أخي الأمانة العلمية؛ لأنه لو طولب بإسناده لذكره إن كان عنده إسناد، لكنه في هذه الحال يذكره للاستشهاد به مجرد استشهادا، وهو قد يعرف أن الرجل الذي سأله يعرف أن هذا الحديث ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا يكون أصلا، يعرف الآن، لو أتيت العامي من الناس، وقلت له وسألك عن حكم مسألة من المسائل، فقلت نعم هذه المسألة يعني ينبغي أن أو هذا الأمر ينبغي أن تتركه ولا تفعله لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا وكذا مثلا لو أنه أراد أن يشتري من تاجر من التجار، ولكن هذا التاجر لا يملك السلعة، فقال له التاجر: نعم تريد السلعة الفلانية، قال: نعم قال: طيب أنا أبيعكها بسعر كذا وكذا وكذا خلاص موافق، قال له: موافق طيب هات الفلوس أخذ الفلوس ذهب التاجر التاجر لا يملك السلعة، ذهب واشترى السلعة، ثم أعطاه إياها، فلو جاءك أحد الناس يستفسر عن حكم هذا البيع، فقلت نعم لا هذا البيع لا يصلح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا تبع ما ليس عندك يبقى مشدوها ما يستطيع أن يستنبط الحكم من هذا الحديث، فتجده يعيد عليك السؤال طيب يعني حلال وللا حرام، هو يريد منك حلال وللا حرام ما تذكر له حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه ليس أهلا للتفقه ليس أهلا للاستنباط لا يعرف فتقول: لا هذا يعني لا يجوز مثل هذا التصرف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه كما في هذا الحديث، فخلاص هو يريد منك فقط هذه الكلمة، لا يجوز .(1/258)
وهذا يحصل كثيرا يعني حين يستفتينا كثير من العوام، وحينما نذكر لهم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يبقى مشوش الذهن فيطالبنا فقط بمجرد الحكم حلال أو حرام، فأيضا هذا موجود في عصرهم قد لا يكون الشخص يعني ممن يعرف الرواية، ولا يقول له: هل هذا الحديث يعني وارد عندك بالسند، أو ما هو وراد عندك بالسند، وقد يكون أيضا التابعي نفسه، يعرف أن هذا الرجل لا يعرف الحديث، أو لا يعرف الرواية، فيذكر له مجرد استشهاد، المهم يعني هذا خلاصة الأمر .
القسم الثالث من أقسام السقط في الإسناد، وهو المعضل هذا أخذناه .
والرابع: عبر عنه الحافظ ابن حجر بقوله: وإلا فالمنقطع، قال:
الحديث المعضل
والثالث إن كان باثنين فصاعدا، مع التوالي فهو المعضل، وإلا فالمنقطع(1/259)
معنى هذا أن المنقطع، قد يلتبس أحيانا بالمعضل، والفارق بينهما عدم التوالي فقط الفارق بينهما عدم التوالي فقط، دعونا نرجع إلى الحديث الذي نمثل به، يعني دائما على أساس أنكم يعني حفظتوه، وما إلى ذلك حديث: " إنما الأعمال بالنيات " فنعيد الإسناد كاملا في البخاري مثلا، البخاري يقول: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما الأعمال بالنيات " هكذا تجدون أيها الإخوة هذا الحديث مروي بالإسناد المتصل من البخاري حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل واحد من هؤلاء الرواة تلقاه عن شيخه، فعمر بن الخطاب سمع الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم حدث به عمر بعد ذلك على المنبر، فممن سمعه من عمر، علقمة بن وقاص الليثي، ثم بعدما توفي عمر حدث به علقمة بن وقاص، وسمعه منه محمد بن إبراهيم التيمي، فلما توفي علقمة بن وقاص، حدث به محمد بن إبراهيم التيمي، وممن سمعه منه يحيي بن سعيد الأنصاري، ويحيي بن سعيد الأنصاري حدث بهذا الحديث، ومن جملة من سمعه منه سفيان بن عيينة، ثم سفيان بعد ذلك حدث بهذا الحديث، وممن سمعه منه تلميذه عبد الله بن الزبير الحميدي، وبعد ذلك حدث به الحميدي، وممن سمعه منه البخاري .
بهذه الصورة الآن لو أننا حذفنا من وسط السند يحيي بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم التيمي، وأصبح الحديث يرويه سفيان بن عيينة عن علقمة بن وقاص الليثي، فيكون بهذه الصورة، يقول البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب بهذه الصورة، ماذا يكون الحديث؟ ها يكون معضلا، أحسنتم لماذا لأنه سقط من وسط سنده راويان على التوالي، طيب هذا جميل .(1/260)
الآن لو أحدثنا بعض الاختلاف، نسقط من السند سفيان بن عيينة ومحمد بن إبراهيم التيمي، سفيان بن عيينة ومحمد بن إبراهيم التيمي، فيكون الحديث بهذه الصورة، يقول البخاري: حدثنا الحميدي عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب إلى آخر الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا، فهذا الحديث الآن كم سقط من سنده اثنان، لكن هل هما على التوالي؟ لا، يفصل بينهما من؟ يحيي بن سعيد الأنصاري، يفصل بينهما في هذه الحال، يقال للحديث منقطع، ولا يسمى معضلا؛ لأن السقط لم يكن على التوالي، ومن باب أولى أن يكون الساقط واحدا، فلو أن هذا الحديث ما سقط من سنده سوى محمد بن إبراهيم التيمي؛ لأصبح أيضا منقطعا، ولو سقط منه ثلاثة أيضا، وليسوا على التوالي، يقال له أيضا أيش؟: منقطع، فالمنقطع إذا ما سقط من وسط سنده، راو أو أكثر لا على التوالي، هذه تعريفة المنقطع، ما سقط من وسط سنده راو أو أكثر، لكن لا على التوالي من أنواع الانقطاع التي يعني نحب أن نشير إليها، ونشير إلى تسمية العلماء لها في بعض الأحيان، أحيانا نجد بعض التابعين يروي حديثا من الأحاديث عن صحابي معين، ولكن إذا ما نظرنا إلى هذا التابعي، وحققنا في الأمر، وإذا به لم ير ذلك الصحابي، ولم يسمع منه، ففي هذه الحال يكون فيه انقطاع أو لا؟ .
يكون فيه انقطاع بين التابعي وبين الصحابي، هذا في الحقيقة هو من أنواع الانقطاع، ويقال له منقطع، لكن جرى تعبير العلماء المتقدمين عن هذا النوع، وحتى يعني كثير من المتأخرين يقولون عنه: مرسل، وتجد أنهم حينما يذكرون هذا التابعي يقولون: روى عن فلان وفلان وفلان، وأرسل عن فلان وفلان .
فمثلا يأتون إلى أبي إسحاق السبيعي -مثلا- ويقولون: أبو إسحاق السبيعي عن ابن مسعود مرسل، لماذا لأنه ما أدرك ابن مسعود كيف نعرف الحديث المنقطع؟
هذا هو الذي أشار إليه الحافظ بن حجر حينما قال:(1/261)
الحديث المنقطع قد يكون واضحا أو خفيا
ثم قد يكون واضحا، أو خفيا. فالأول: يدرك بعدم التلاقي، ومن ثم احتيج إلى التأريخ. والثاني: المدلس ويرد بصيغة تحتمل اللقيّ: كعن، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق من حدّث عنه.
يعني يكون الانقطاع أحيانا واضحا، وأحيانا يكون خفيا، فالانقطاع حينما يكون واضحا، يدركه كل واحد، تذكرون بالأمس أنني سألت أحد الأخوة هنا، وقلت له: متى ولدت قال عام 1394، قلت: لو أن هذا الأخ الذي ولد في عام 1394، يعني قبل الآن بعشرين سنة، نقل فتوى عن الشيخ محمد بن إبراهيم --رحمه الله- تعالى- لما تطرق إلينا أدنى شك بأن هذا الأخ لم يسمع هذه الفتوى من الشيخ محمد بن إبراهيم --رحمه الله- لماذا؟ لأن الشيخ محمد بن إبراهيم توفي عام كم؟ عام 1389، فإذا هذا الأخ ما ولد إلا بعد وفاة الشيخ بخمس سنوات، فالآن هذا السقط واضح ولا خفي واضح يدركه كل أحد، يعني لو أنه قال إنني حدثت، عن إنني يعني سمعت من الشيخ محمد بن إبراهيم، لقالوا له هذا ليس بصحيح، كيف تحدث عن إنسان توفي قبل أن تولد بخمس سنوات، فهذا يقال له: سقط واضح جلي، وهذا هو الذي يعبر عنه بالمنقطع، يعني بهذه الصورة يقال له: منقطع، فلو جاءنا إنسان وحدث عن إنسان آخر بعد وفاته، يعني ما ولد إلا بعد وفاته، فهذا نقول عنه منقطع .(1/262)
وأحيانا قد يكون هذا الرجل أدرك جزءا من حياة ذلك الراوي، فهذا ما يعبر عنه بالسقط الخفي، فالسقط الخفي لا يدركه كل أحد، إنما يدركه فطاحلة العلماء، وهو نوعان لو سئلنا ما هي أنواع السقط الخفي؟ فنقول نوعان المدلس والمرسل إرسالا خفيا المدلس والمرسل الخفي هذان هما أنواع السقط الخفي المرسل الخفي، سنأتي على تعريفه -إن شاء الله- لنأخذ الآن النوع الأول، وهو المدلس المدلس، يعني يحتاج منا إلى شيء من التركيز، ولذلك أيضا لن أتوسع معكم فيه، لأنه يعني هو يمكن أصعب أنواع السقط في الإسناد معرفة وإدراكا، فأشير لكم للشيء الكثير الذي يحصل منه وما عدا ذلك من أنواعه التي فيها إتعاب للذهن فأتركها -إن شاء الله- تأخذونها في مرحلة أخرى .
الآن يعني ما أحد يشك في أن الكثير منا إن لم يكن كلنا، قد سمع من الشيخ عبد العزيز بن باز، ونأخذ مثالا أنا سمعت من الشيخ، وهو شيخنا، ويعني سمعنا منه الكثير، لكن حينما آتي إلى قول من الأقوال فتوى من الفتاوى، ما سمعتها في الحقيقة من الشيخ، فأقول: قال: الشيخ عبد العزيز بن باز كذا، أو عن الشيخ عبد العزيز بن باز أنه قال كذا، ففي هذه الحال يعني لا يشك الذي سمع هذا الكلام مني أنني سمعت هذا الكلام من الشيخ عبد العزيز بن باز إلا إن وجد هناك دقة منه وتحقق، أو عرف من حالي أنني أحيانا أتصرف هذا التصرف، فهذه الفتوى حينما لم أكن سمعتها من الشيخ مباشرة معنى ذلك أنني سمعتها بواسطة .(1/263)
وقد يكون هذا الواسطة واحدا هو الذي سمع من الشيخ مباشرة، وقد يكون أكثر من واحد، وهذا الواحد أو الأكثر من واحد يحتمل أن يكون ثقة، ويحتمل أن يكون غير ثقة، فلذلك أصبح في هذه المسألة شيء من الحرج من قبول هذه الفتوى حتى يتبين الواسطة الذي بيني وبين الشيخ عبد العزيز بن باز، وطبعا هذا الحرج يحصل لمن للذي يسمع هذه الفتوى مني، وأنا أنقلها عن الشيخ، فهذا التصرف يقال له تدليسا سمي تدليسا أخذا من الدلس، وهو اختلاط النور بالظلمة أو من إخفاء عيب السلعة، فعلى اعتبار أنني عميت العلة التي في ذلك السند حينما أكون أسقط من السند راويا، فأنا أخفيت عيب هذا الإسناد أو بمعنى أني أخفيت عيب أو بمعنى أني أظلمت حقيقة هذا السند، فبدلا من أن يكون رجاله كلهم واضحين معروفين، فأنا اختزلت بعضهم وأسقطته، فأصبح الأمر مظلما على من يريد أن يطلع على حقيقة هذا السند هل هو صحيح أو غير صحيح .
المهم أن هذا النوع وهو المدلس، هو من يعني أعسر أنواع الحديث، وهو فعلا من السقط الخفي، العلماء لهم منه أو لهم من الرواة الذين يتصرفون هذا التصرف موقف، يقول الشافعي -رحمه الله- من دلس لنا مرة فقد أبان لنا عورته، أي أنهم إذا ضبطوا على راو من الرواة أنه أسقط، ولو مرة واحدة ما بينه وبين شيخه راو، فيقولون: هذا الراوي إذا يدلس مادام أنه فعله، ولو مرة فلا يؤمن جانبه، قد يكون دلس لنا مرات، فإذا ما جاءهم هذا الراوي في سند من الأسانيد، يقولون: ها اربط فرامل، حينما يأتيك فلان، يعني حاسب لا تقبل حديثه على طول، ولكن انظر هل صرح بسماعه هذا الحديث من شيخه أو لم يصرح؟ فإذا قال: حدثني فلان الذي هو شيخه، أو سمعت فلانا، أو أخبرني أو نحو هذه العبارات التي لا تحتمل الشك، فإنهم في هذه الحال يقبلون حديثه طبعا إذا كان ثقة، وإن كان غير ثقة، فهذا مردود من الأصل .(1/264)
لكن نحن كلامنا الآن عن الراوي الثقة، وإن جاء بعبارة موهمة، تحتمل أنه سمع الحديث من شيخه، وتحتمل أنه لم يسمعه منه، مثل حينما يقول: عن فلان أو قال فلان أو أن فلانا قال بلا شك أن هذه العبارات كلها، لا يستفاد منها أنه سمع هذا الحديث حقيقة من شيخه، فيقولون في هذه الحال: نحن نتوقف عن قبول حديث هذا الراوي، لماذا؟ قالوا لأن شرطا من شروط صحة الإسناد لم يتحقق مائة بالمائة في هذه الحال ما هو هذا الشرط اتصال السند، قالوا: هذا السند نحن في شك من اتصاله، قد يكون متصلا، وقد لا يكون متصلا، هنا نتساءل: طيب مادام أنه محتمل أن يكون متصلا، لماذا لا تقبلونه؟ قالوا ها أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- مبنية على الحيطة، فما دام أن هذا الراوي يحتمل أن يكون أسقط رجلا بينه وبين شيخه، فنحن لا نقبل الحديث في هذه الحال إلا بشرط أن يصرح بالتحديث من شيخه، أو تأتي قرينة أخرى تفيد أن هذا الحديث من الأحاديث التي يمكن أن تقبل من أحاديث هذا الراوي .(1/265)
وهذه مسألة يعني طويلة، لا أريد أن أشق عليكم في تفصيلها، لكن أضرب لكم مثالا بسيطا، يتضح ما هو المقصود أولا من هذه المسألة والبسط فيها له موضع آخر، قالوا مثلا: سفيان بن عيينة هو ضبط عليه أنه دلس، لكنهم حينما حققوا ودققوا في طريقة تدليس سفيان بن عيينة، قالوا: إنه لا يدلس إلا عن ثقة، وهذا لا يعرف لأحد في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة، كيف قالوا: إنه مرة قال الزهري ، والزهري شيخه، وسمع منه سفيان كثيرا من الأحاديث، فحينما قال الزهري، كان الناس في ذلك الزمن عندهم حساسية من عدم التصريح بالتحديث، يعني لماذا لا يقول حدثني الزهري، حينما قال: قال الزهري، هنا يعني جاءهم شيء من الدهشة والعجب، فسألوه قالوا له: سمعته من الزهري، فسكت ثم أعاد مرة ثانية، وقال الزهري، فهنا ألحوا في السؤال، وأعادوه عليه مرة ثانية، فسكت كما سكت في الأولى، وأعاد فأعادوا عليه السؤال، فحينما رأى أنهم يلحون عليه قال: لا، يعني لم أسمعه من الزهري، ولا أيضا ممن سمعه من الزهري، ولكن حدثني عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، فكم أصبح بينه وبين شيخه؟ أصبح بينه وبين شيخه اثنين أو اثنان، وأحدهما وهو عبد الرزاق تلميذه، ولكنه حينما لم يسمع هذا الحديث من شيخه الزهري اضطر للنزول، اضطر لأن يأخذ عن تلميذه، فكأنه لثقته بتلميذه وبشيخ تلميذه، وهو معمر قال: هذان ثقتان، وما دمت سمعت من الزهري وأنا متأكد من هذا الإسناد أنه صحيح إلى الزهري، وأن الزهري قد قال هذا، فلا حرج إذا أن أسقط الواسطة بيني وبينه، مادام شيخي، وأروي هذا الحديث عنه هكذا، يعني تصرف سفيان بين عيينة، قالوا: إن سفيان بن عيينة --رحمه الله- حينما دقق عليه وجد أنه لا يسقط إلا راويا ثقة .(1/266)
ولذلك مثل تدليس سفيان بن عيينة، يحتمل، فإذا جاء الحديث من طريق سفيان بن عيينة بصيغة عن شيخه، يعني لم يصرح بالسماع من شيخه، فإنهم يقولون في هذه الحال: إن هذا كأنه قال فيه حدثني أو سمعت أو أخبرني، حتى ولو كان فعلا أسقط أحدا بينه وبين شيخه، فإنه لا يسقط إلا راو ثقة، ومع ذلك فالذي دفعهم إلى هذا أكثر، قالوا: إن تدليس سفيان بن عيينة قليل جدا يعني لا يكاد يدلس، فلو أننا رددنا أحاديثه لرددنا جزءا كبيرا من صحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا فيه مفسدة عظمى .
فما دام أننا متأكدون من أنه في أعم أحواله وفي أغلب أحواله لا يدلس، وإن دلس في الأحوال القليلة، فهو لا يسقط إلا راويا ثقة، نحتمل إذا حديث سفيان بن عيينة، لكن هل هذا الحكم يجري على غير سفيان ها، قالوا: هذا لا يعرف في الدنيا لأحد إلا لسفيان بن عيينة، فإذا بقية المدلسين يتحفظ عليهم .(1/267)
لعلي-إن شاء الله- يعني الآن وضحت لكم صورة التدليس، فاكتبوا تعريفه حتى الذي يريد أن يكتب تعريف أو يحفظ تعريف التدليس، يمكن أن يكون بطريقة مختصرة، فنقول في التدليس : هو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه ـ معلهش ـ أنا أبين يعني معنى الكلام، لأن دائما التعاريف تكون مختصرة جدا تحتاج إلى تفكيك هو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه كعن، يعني مثل عن وقال ونحوها، أعيد: هو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه كعن وقال ما معنى هذا الكلام أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه، هذا يعني ماشي الكلام ما لم يسمع منه أي أنه روى عن شيخه هذا شيئا لم يسمعه منه، فإذا يشترط في هذا الراوي أن يكون سمع من ذلك الشيخ في الجملة سمع منه أحاديث، لكن هذا الحديث بالذات الذي أمامنا لم يسمعه منه، ويأتي بصيغة تحتمل السماع وعدمه مثل عن وقال لكن لو قال: أخبرني أو سمعت أو حدثني فهنا لا إشكال .(1/268)
طيب الآن ننتقل للمرسل الخفي المرسل الخفي في الحقيقة هو شبيه بالمدلس إلى حد كبير جدا، ولذلك كثير من العلماء ما فرق بينهما اعتبر المرسل الخفي كالمدلس، لكن بعض العلماء المحققين والمدققين كالخطيب البغدادي، ومن جاء بعده كالحافظ ابن حجر دققوا في هذا وقالوا لا هناك فرق بين المدلس والمرسل الخفي ما هو الفارق؟ الفارق ارجعوا للتعريف وأيش قلنا في تعريف المدلس؟ أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه كعن وقال، في المرسل الخفي ما اشترط السماع من الشيخ، فقالوا أن يروي الراوي عمن عاصره، اكتبوا التعريف تعريف المرسل الخفي أن يروي الراوي عمن عاصره، ولم يسمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه، أعيد: أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وعدمه، معنى هذا أيها الإخوة ـ ها وأيش اللي روى، يعني على ... العبارة، كيف تقول بدل ما لم يسمع منه، ما تستطيع هات اجتهد وهات ... التعريف، طيب أيش نقول؟ نقول: هو أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع، روى أيش؟ ممكن تقول: يروي حديثا أو شيئا .(1/269)
المهم أنه روى شيئا لم يسمعه منه، يعني إذا عرفنا التعريف ما هو مشكلة، ممكن تتصرفون فيه، أنا سأمثل لكم بمثال، يعني واقعي الشيخ محمد بن ـ نعم ـ الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- توفي عام 89 حينما توفي الشيخ -رحمه الله- يعني أنا سأضطر إلى فضح نفسي في العمر، أنا كان عمري آن ذاك ما يقرب من خمسة عشر عاما، ففي الحقيقة لم أسمع منه، لكن كان بالإمكان أنا عاصرته، يعني معنى ذلك أنني عاصرت من حياته كم سنة خمسة عشر عاما، فكان بالإمكان أن أسمع منه، لكنني في الحقيقة ما سمعت منه، فلو أنني قلت: قال الشيخ محمد بن إبراهيم كذا وكذا، ففي هذه الحال يكون عندكم لبس، لو رجعتم لتاريخ ميلادي ولتاريخ وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم، تقولون: يمكن يكون سمع منه، لماذا لأنه عاش فترة لا بأس بها من حياته، تؤهله للسماع منه، ولكن بعد التحقيق والتدقيق إذا عرف أنني ما سمعت من الشيخ محمد بن إبراهيم إطلاقا، فحينئذ يقال لهذا النوع ماذا؟: المرسل الخفي، فواضح الآن الفرق بين هذا وبين حينما أقول: قال الشيخ عبد العزيز بن باز، وأنا ما سمعته منه الفرق واضح واللا ما هو واضح، الفرق واضح، هنا أنا ما سمعت من محمد بن إبراهيم، وأما هنا فأنا سمعت من الشيخ عبد العزيز بن باز .
لكن لو كان الأمر مثل الأخ الذي ولد بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم، هذا يسمى ماذا ها منقطع، قلنا: هذا منقطع، وهذا مرسل خفي، وهذا مدلس فالأنواع الثلاثة هذه تشتبه بعضها مع بعض، والفارق بينها أن المنقطع السقط فيه واضح جلي، فلو رجعنا للتاريخ نجد واضحا للعيان ما يلتبس الأمر إطلاقا، معروف يقينا تماما مائة بالمائة أن هذا الأخ ما سمع من الشيخ محمد بن إبراهيم، كيف عرفنا بالتاريخ هذا ولد سنة 1394 وذاك توفي سنة 1389 ، فالفرق بينهما خمس سنوات، لكن الدرجة الثانية التي تليها هي المرسل الخفي .(1/270)
المرسل الخفي إنسان عاش خمسة عشر عاما من حياة هذا الشيخ، وهو في الحقيقة لم يسمع منه، لكن ما الذي أدرى الناس أنه لم يسمع منه ما يطلع على هذا إلا العلماء المدققون حينما يحققون في أمر هذا الرجل، هل هو فعلا سمع من هذا الشيخ أو لم يسمع منه، فهنا سمي السقط سقطا خفيا لا جليا؛ لأنه يعني يمكن يشكل على بعض الناس المدلس أكثر صعوبة في الاطلاع عليه؛ لأنه تحقق من أن هذا الشيخ شيخه فعلا سمع منه وتجده أحيانا يقول: أخبرني وسمعت وحدثني ونحو ذلك .
من هنا أيها الإخوة حصل الإشكال بين البخاري وبين مسلم -رحمهما الله-، فالبخاري يقول في هذا الذي نسميه مرسلا إرسالا خفيا، يقول: ها أنا لا أكتفي بمجرد أن سعد عاش خمسة عشر عاما من حياة محمد بن إبراهيم، لا هذا ما يكفيني طيب ماذا يكفيك؟ البخاري قال: يكفيني إذا وجدت أنه، ولو مرة واحدة لقيه خلاص هنا ينتفي عندي الإشكال؛ لأن اللقي مظنة السماع، ومن باب أولى أن يرد عنده في إسناد من الأسانيد أن هذا الراوي قال: أخبرني أو حدثني أو سمعت، فالبخاري إذا وجد هذا الشيء فهو يطمئن إلى اتصال السند، لكن مسلم -رحمه الله- يقول: لا، أنا أكتفي بالمعاصرة، فما دام أن سعدا عاش خمسة عشر عاما من حياة محمد بن إبراهيم، فهو عاصره وهذه المعاصرة كافية، لأن يسمع منه؛ لأن خمسة عشر عاما، الناس كانوا يسمعون أولادهم قبل هذا بفترة، فخمسة عشر عاما يعني كافية لأن يسمع منه، فإذا الأصل عند مسلم السماع في هذه الحال، فوضح الفرق الظاهر بين البخاري وبين مسلم -رحمه الله- في هذه المسألة .(1/271)
البخاري يشدد يقول: لابد أن أتحقق من أنه لقيه، مسلم يقول: لا، يكفيني فقط مجرد المعاصرة ـ وأيش عندك يا أخي ـ هذه يعني من الأمور المشكلة، يقول الأخ في سؤاله يقول: إذا كان فعلا عاصر الشيخ، لكن هذه المعاصرة لا تؤهله للسماع، كأن يكون مثلا عاش خمس أو سبع سنوات من حياة ذلك الشيخ، فهل بهذه الحال نقول عن هذا الحديث: إنه مرسل إرسالا خفيا أو منقطعا أو ماذا؟ .
أقول: الأمر يسير، فالعلماء يعبرون عن هذا النوع بالإرسال، فيقولون عنه فلان عن فلان مرسل، فمثلا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، لو رجعتم إلى ترجمته تجدون أنهم يقولون: روايته عن أبيه مرسلة، لماذا؟ قالوا: لأنه أدرك أباه وهو صغير، يقولون: إنه أدرك أباه وهو صغير في السن، فما سمع منه بعضهم يقول: سمع منه أحاديث قليلة .
المهم لنأخذ يعني هذا كمثال عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ما سمع من أبيه، لماذا؟ لأنه صغير في السن ما هي العبارة التي استعملها العلماء في رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود في روايته عن أبيه، قالوا: روايته عن أبيه مرسلة، ولذلك إذا جاءت رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه يقولون: هذا مرسل، ويقصدون به ماذا الانقطاع بمعنى أنه لم يسمع فعلا من أبيه هذا الحديث، فإذا بينه وبين أبيه واسطة فهل يعني الأولى في هذه الحالة أن يعبر بالمنقطع أو المرسل ؟.
أقول: أكثر ما يعبر العلماء في هذه الحال بالإرسال، والمراد به الإرسال إرسالا خفيا، فيه يعني أي إشكال على هذه النقطة؟ أنا لا أبيح لأحد إلا ويكون يعني هضم هذا الموضوع؛ لأنه في الحقيقة هو أكثر أنواع علوم الحديث إعلالا، يعني الإرسال والانقطاع والتدليس أكثر ما تعل به الأسانيد، هذا نعم يا أخي أقول: أنتم الآن، الأخ يقول: لو عرفنا أن هذا الراوي مدلس، وجاءتنا روايته بصيغة عن يعني ما صرح بالسماع من شيخه، فهل نجزم تماما بأن هذا الحديث ضعيف أو المسألة فيها تفصيل؟ .(1/272)
أقول: أنتم الآن يعني على أساس ما تشوشون على أذهانكم اجزموا أن الحديث ضعيف، أقول: هذه مرحلة، لكن كون في المسألة تفصيل نعم، فيها تفصيل، لكن لو دخلت بكم في هذا التفصيل أعرف أن أعينكم سيرد عليها كثير من التساؤلات، ولن تفهموا عني إلا بعد جهد جهيد، وقد يفهم بعضكم ولا يفهم بعضكم الآخر، فدعوها في مرحلة-إن شاء الله- يعني أخرى .
ومن كان من الإخوة -ما شاء الله- يريد يعني الاستزادة والاستفادة، ولكونه قادرا على هذا، فلا بأس أن يسألني، وأفصل له فيما بيني وبينه، لكن لا أريد أن أشوش على الإخوة؛ لأن المسألة مسألة مرحلية، نعم ما مقصدك في هل يقبل له أحاديث أخرى غير هذه، أنا أخشى أن تكون فهمت أن المدلس إذا ضبط عنه أنه دلس أنه يعني أنه ضعيف، لا العلماء ما حكموا على الذي يدلس أنه يضعف بسبب تدليسه، فرق بين الحكم عليه هو على ذاته بأنه ثقة أو غير ثقة، وفرق بأن نحكم على روايته التي نسخت عنه، فنحن ما تطرقنا لشخصه شخصه ثقة، لكن هذا الموضع الذي قال فيه: "عن" نحن نقول: هنا احتمال أن يكون فيه رجل لم يذكره هذا المدلس، لا يلزم من كون هذا الرجل يسقط بعض الرجال أحيانا أن يكون هو ضعيفا، لا قد يكون ثقة، وقد يكون إماما من الأئمة، وفعلا هناك بعض الذين وصفوا بالتدليس أئمة .
مثل الأعمش -رحمه الله- لو نظرتم في ترجمته تعجبون من ثناء العلماء عليه، وتعجبهم من حفظه وتعجبهم من سعة مروياته، وتمسكه بالسنة ومعرفته بالقراءة وبسائر العلوم، يعني أمره عجيب، لكن مع ذلك هو مدلس، فهل يعني هذا أنه هو ضعيف ؟ نقول: لا هو ثقة في نفسه، ولذلك قد يتساءل بعضنا، فيقول: لماذا يدلس، لماذا يسقط الراوي، وإذا كان يسقط الراوي ألا يحتمل أن يكون أدخل في أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ليس منها، فيكون هذا قادحا فيه، نقول: لا .(1/273)
إن العلماء حينما دققوا في أحوال المدلسين، نظروا بأن الذي يحملهم على التدليس أحيانا، يعني أشياء لهم فيها تأويل، والمتأول لا يقدح فيه بسبب تأويله، فأحيانا مثل سفيان بن عيينة، يكون وثق تماما بأن هذا الحديث صحيح، فهو يقول أنا لم أدخل في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس منها لأنني ما أسقط إلا أناسا ثقات عند الناس كافة، فلا ضير علي في ذلك، وحين تسأله لماذا ؟ طيب أسقطت عبد الرزاق ومعمر، قال: لأن عبد الرزاق تلميذي ومعمر قريني، يعني زميلي، فأنا كيف أروي عن تلميذي وتليمذي، يروي عن قريني، ومادام أن الرجل الذي عليه مدار الحديث هو شيخي، فهو تأول وأسقط هذين الراويين، وروى الحديث عن شيخه .
أحيانا قد يكون بعض الناس ينفرد بالرواية عن أو يروي عن شيخ من قديم، ثم هذا الشيخ طالت حياته، فولد أناس بعدهم بفترة وأصبح هو شيخا كبيرا وهؤلاء صغار في السن ويشتركون معه في ذلك الشيخ .
يعني مثال على ذلك الآن مثلا: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله ورعاه، نجد أنه -ما شاء الله- يعني أمد الله في عمره، الآن فوق الثمانين، فهناك بعض الناس طلبوا عليه العلم مثلا قبل خمسين سنة، ثم نجد أن هناك الآن شباب الواحد منهم الآن عمره عشر سنوات، وأصبحوا يسمعون منه، فأصبح سماعه، وهو سمع قبل خمسين سنة، هو وهؤلاء الذين ما ولدوا إلا قبل عشر سنوات سواء .(1/274)
فإذا مثلا كان الشيخ عبد العزيز نقل فتوى، عن الشيخ محمد بن إبراهيم، فتجد أنه يسقط هذا الشيخ؛ لأنه سمع هو من محمد بن إبراهيم، فخشية أنه إذا ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز، لا يكون للصغير السن الذي عمره عشر سنوات، مزية لا يكون له مزية على هذا الصغير السن، فيستنكف أن يشترك معه من هو صغير السن في الرواية، فيقول: لا ما دام أنني متأكد أن هذه الفتوى عن الشيخ محمد بن إبراهيم صحيحة، وأنا سمعت منه فعلا، سمعت من محمد بن إبراهيم، فلأحذف الشيخ عبد العزيز بن باز، حتى يكون بينهم وبين محمد بن إبراهيم واسطة راو واحد، وأنا ليس بيني وبينه واسطة، بينما في حقيقة الأمر هذه الواسطة بينه وبين الشيخ محمد بن إبراهيم أيضا نفس الشيء، لكن هذا الاستنكاف هو الذي يجعله يعني يسقط هذه الواسطة .
فهذه من الأسباب أيضا التي تدفعهم إلى وجود التدليس، وهناك أسباب أخرى يعني تتعلق بمثل تدليس الشيوخ، وما إلى ذلك هذه نرجئها-إن شاء الله- إلى موضع البسط؛ لأن الحقيقة التدليس أنواع كثيرة أنا ذكرت لكم الآن الأشهر والأعم والأغلب منه، لكن فيه شيء يسمى تدليس التسوية، فيه شيء يسمى تدليس القطع، فيه شيء يسمى تدليس العطف، فيه شيء يسمى تدليس الشيوخ، إلى غير ذلك من أنواع التدليس التي-إن شاء الله- ستتعرفون عليها فيما بعد بإذن الله.
نعم يقبله البخاري يكون إذا كان تحقق البخاري من أن فلانا سمع من ذلك الشيخ، ثم روى عنه حديثا، لكن البخاري ما تيقن أن هذا الرجل سمع هذا الحديث من ذلك الشيخ، فهل يقبله؟ أقول: نعم يقبله بشرط أن لا يكون مدلسا، فهم العنعنة حينما يقبلونها بشرط عدم التدليس، ما عدا يعني بعض الأحيان التي يقبلون فيها أحاديث بعض المدلسين؛ لكونهم تحققوا أنهم سمعوا هذه الأحاديث من أولئك الشيوخ، وهذا له موضع تفصيل آخر .(1/275)
أيضا لا تشغلون أذهانكم به فيه أي شيء على الموضوع، وللا-إن شاء الله- فاهمين، يعني أنا أعتبر أنكم إذا فهمتم هذه الأنواع الثلاثة ستكونون-إن شاء الله- يعني خطيتم خطوة كبيرة جدا؛ لأن ما سيأتي من الأنواع في ظني أنها سهلة من أنواع علوم الحديث، لكن هذه هي تقريبا الأصعب .
فيه شيء ارفع صوتك شوية، يقول الأخ: طلب علو السند من التدليس، أقول: إن صاحبه أسقط راويا فهو من التدليس، وإن لم يسقط راويا، فهو من أشرف الأمور التي كانوا يفتخرون بها.
طيب تفضل: طيب إذا يعني وجدت إنك إذا حذفت ما لم يثبت منه يمشي الكلام احذفها. نعم: الأخ يسأل يقول: إذا كان مثلا ابن عباس سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير السن، ثم بعد ذلك يعني بعدما كبر حدث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهل هذا يختلف في كونه صحابي يختلف عن التابعين، يعني إذا كان مثلا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه، وهو صغير السن فما يقبل منه بعد ذلك؟ .
أقول: لا ليس هذا هو الذي أردت، وهذه مسألة سبق يعني بيناها سابقا أن في شروط الحديث الصحيح مسألة العدالة والعدل، قلنا: أن يكون مسلما بالغا، تذكرون الكلام هذا البلوغ شرط في الأداء، فقط وليس في التحمل، فمثلا لو إذا وجدنا مثلا ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمره ثلاث عشرة سنة، وما هو قبل ذلك ثم هل حدث وهو صغير السن، نقول: لا حدث بعدما بلغ سن الرشد، فإذا هو تلقى وهو صغير السن، هذا لا بأس به مثل الرجل الذي تلقى، وهو كافر لا بأس به، لكن بشرط أن لا يحدث أو معنى آخر، لا نقبل حديثه إلا وهو مسلم، وقد بلغ فقط .(1/276)
طيب فيه شيء ثاني وللا نبدأ في الأسئلة. نعم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، قالوا: لم يسمع من أبيه إطلاقا، يعني ما سمع وهو صغير السن ما سمع إطلاقا، إلا أن بعضهم استثنى بعض الأحاديث حوالي أربعة أحاديث أو كذا أو ستة، قالوا هذه الأحاديث فقط سمعها وما عدا ذلك لم يسمعه نعم.
أحد الأخوة يقول نرجو عدم الإطالة حتى نعي ما تقول، وكان الوعد بيننا أن ينتهي الدرس الأساسي الساعة العاشرة، أقول أنا أنهيت الدرس اليوم قبل الساعة العاشرة، فأنا أطالبكم أيضا، وأما الإطالة فما فيه إطالة؛ لأني يعني كلامي هذا كله جار على الاختصار تراه يعني لو أطلت عليكم أعرف...
س: يقول أحد الإخوة: لماذا سمى العلماء هذا النوع بالمرسل الخفي ولم يسموه بالتدليس الخفي؟ أقول: لأن التدليس نفسه خفي، فحتى يفرقوا بينه وبين هذا سموا هذا بالمرسل الخفي، وسموا ذاك بالمدلس أو بالتدليس، ولكن قد يعني الأولى للأخ أن يسأل لماذا سموه بالمرسل الخفي، ولم يسموه بالمرسل؟ .
ج: أقول: لأن المرسل الأساسي السقط فيه واضح وجلي، كل واحد يدركه، ولكن هذا لا السقط فيه خفي، فلا يدرك إلا يعني بشدة.
س: يقول أحد الإخوة: هل كل حديث متصل في الصحيحين صحيح أم هناك أحاديث تكلم فيها، وأرجو توضيح هذه الأحاديث التي تكلم فيها، ومن تكلم فيها وما الرد عليه؟.
ج: أقول: يا أخي الأصل أن كل حديث في الصحيحين، فهو صحيح كل حديث مروي بالإسناد المتصل في الصحيحين، فهو صحيح هناك بعض الأحاديث التي انتقدها بعض العلماء، كالدارقطني على البخاري ومسلم، لكن هل هذا الانتقاد يسلم للدارقطني به أو المسألة فيها نزاع .(1/277)
نقول: المسألة فيها نزاع، فلو أنك نظرت إلى الأحاديث التي انتقدها الدراقطني على البخاري، ثم قرأت كلام الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري مقدمة شرحه المسمى هدي الساري، لوجدت أن الحافظ ابن حجر تصدى للرد على أقوال الدراقطني، دفاعا عن البخاري فبعض الإعلال الذي ذكره الدارقطني يكون صحيحا، وبعضه يكون الدارقطني، هو الذي أخطأ فيه، والصواب في جانب البخاري، والكثير إذا كان الإعلال صحيحا، فتجد أن العلة في حد ذاتها تكون صحيحة، لكنها لا تقدح في صحة الحديث، ولذلك تذكرون أن حينما عرفنا العلة .
قلنا: ماذا في تعريف العلة، نعم هو سبب غامض خفي أيش؟ يقدح في صحة الحديث، فاشترطوا للعلة شرطين أن تكون غامضة وخفية، وأن تقدح في صحة الحديث، فلو كانت العلة لا تقدح في صحة الحديث، هل تعتبر علة يعني مؤثرة ما تعتبر، ولذلك بعض الأحاديث التي قول الدراقطني فيها صحيح من حيث الإعلال، لا تعتبر علة اصطلاحية، لأنها لا تقدح في صحة ذلك الحديث .
وأضرب لكم مثالا على ذلك عندنا مثلا حديث أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " هذا الحديث مشهور عندكم في ما... يعني من أحاديث رياض الصالحين، وهي تتكرر على مسامعكم كثيرا، هذا الحديث ورد بهذه الصورة في صحيح مسلم، لكن الدارقطني قال: لا إن مسلما أخطأ في روايته لهذا الحديث أو أخطأ في تصحيحه بمعنى أصح، أخطأ في تصحيحه لهذا الحديث بهذه الصورة، لماذا يا دارقطني؟، قال: الصواب أن هذا الحديث، عن عبد الله بن مسعود من قوله، يعني أن عبد الله بن مسعود يقول: " يؤتى بجهنم يوم القيامة، ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها "(1/278)
ففرق بين أن يقول: ابن مسعود قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، وفرق بين أن ابن مسعود يقول كذا وكذا، ويذكر الحديث يؤتى بجهنم، يقولون عن هذا الحديث: إنه موقوف من قول ابن مسعود، وليس بمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الإعلال صحيح .
يعني فعلا إذا ما نظرنا لطرق الحديث، وجمعناها وجدنا أن الصواب أن الحديث موقوف على ابن مسعود، لكن هل يعتبر هذا قدحا في صحة الحديث؟ نقول: لا لأن هذا الحديث له حكم الرفع، فهو كأنه كأن ابن مسعود يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يؤتى بجهنم يوم القيامة " إلى آخر الحديث، لماذا؟ سيأتي معنا -إن شاء الله- أن هناك بعض الأحاديث لها حكم الرفع، وهي موقوفة على الصحابة، فكأن الصحابي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ما هي الشروط التي شرطوها في هذا؟ يشترط أن يكون الصحابي لا يأخذ عن أهل الكتاب، وأن يكون هذا الأمر لا يقال بمجرد الرأي، فالآن هذا الأمر الذي يخبر عنه عبد الله بن مسعود هل من المعقول أن يكون تخيله نعم، يمكن يكون تخيل جهنم ومعها سبعون ألف ملك يجرونها، ولها سبعون ألف زمام، ما يمكن تخيل هذا لابد أن يكون ابن مسعود نقل هذا الكلام عن أحد، فمن يكون هذا الأحد؟ إما أن يكون من أخبار أهل الكتاب التي لا تصدق ولا تكذب، وإما أن يكون من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهل ابن مسعود ممن يأخذ عن أهل الكتاب؟ لا ابن مسعود معروف بأنه يمقت الرواية عن أهل الكتاب، فإذا لابد أن يكون ابن مسعود سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يسمونه مرفوع حكما، فإذا هذه العلة لا تتجه، فهذا مثال يعني أمثل به على ما يعني استفسر عنه الأخ.
س: يقول: ما هو أفضل كتاب جمع فيه المدلسون ؟ وحكم عليهم ؟.(1/279)
ج: أقول: أفضل كتاب كتاب الحافظ ابن حجر، لكن في الحقيقة فيه يعني الشيخ مسفر الدميني أستاذ في جامعة الإمام كان رئيس قسم السنة في السابق، أخذ كتاب الحافظ ابن حجر، وزاد عليه، ونقح في كتاب بعنوان التدليس في مجلد، يعني أنا أعتبر بحثه الذي قدمه بحث يعني جيد للغاية، فأثابه الله جلا وعلا على ما قدم، استفاد من جهد الحافظ ابن حجر وزاد أيضا على ذلك زيادات، فيمكن أن ترجعوا إليه.
س: يقول: هل كتاب تغليق التعليق لابن حجر -رحمه الله- جمع ما أن جميع ما أغلق ابن حجر -رحمه الله- صحيح أم يحتاج إلى تأمل في ذلك ؟.
ج: أقول: يعني هذه مسألة التعليق عند البخاري تحتاج في الحقيقة إلى شيء من التفصيل، لكن خلاصته أن البخاري إذا جزم بالحديث عمن علقه عنه إذا قال مثلا: قال ابن عباس كذا، فيقولون هذا صحيح الإسناد إلى ابن عباس، ولكن هل يعتبر كل ما جزم به البخاري صحيحا؟، نقول: لا لأنه مثلا لو قال: قال طاووس : قال معاذ بن جبل لأهل اليمن، وذكر كلاما، فهل يعتبر هذا صحيح ؟ نقول: لا لأنه جزم به عن طاووس، فالسند إلى طاووس صحيح، لكن من بعد طاووس، هل يكون السند به صحيحا؟ .
نقول: لا، لأن طاووسا لم يسمع من معاذ بن جبل، فبينهما انقطاع، ولذلك البخاري إنما حذف الشيء الصحيح يعني علقه إلى من صح عنه، وأما ما بعد ذلك، فإنه لم يتصرف فيه، وأما إذا أورد البخاري الحديث بصيغة التمريض، مثل يذكر أو يقال أو يروى ونحو ذلك، فهذا لا يدل على الصحة هذا كلام يعني مجمل، وتحته تفصيل طويل ليس هذا موضعه.
س: أحد الإخوة يقول يعني يشكو يقول: ملاحظ مدى ضعفنا في هذا العلم، ومدى حاجتنا إليه ذا أرجو وضع درس أسبوعي لهذا العلم ويكون موسعا .(1/280)
ج: أقول: فيه ولله الحمد درس في شرح ألفية السيوطي، وهي من أوسع الألفيات في هذا، والدرس أيضا موسع يعني نتوسع في الكلام في درس المصطلح، فالذي يستطيع أن يحضر هذا جيد. يقول: وإن لم يحصل في هذا المسجد، فإنني أوجه الدعوة إليك لإقامته في المسجد مسجد السويدي الغربي، أقول: هذا عادي أمر آخر.
س: يقول: ما معنى قول ابن حجر، ويدل على أن اعتبار اللقي في التدليس دون المعاصرة وحدها، أي نعم هو ينقل كلام ابن حجر في النزهة .
ج: أقول: يعني الأفضل أن أدع هذا السؤال الإجابة على هذا السؤال غدا،-إن شاء الله- في بداية الدرس؛ لأن كثير من الإخوة قاموا، وأحب أن يستفيدوا من الإجابة على هذا السؤال-إن شاء الله- نجيب عليه.
س: يقول: إذا ورد حديث ما بطريقين فيهما مدلس صرح في أحد الإسنادين بقوله: حدثنا وفي الإسناد الآخر، بقوله: عن أو قال فما موقف العلماء من هذا الحديث؟.
ج: أقول: الموقف إذا كان الإسناد الذي فيه حدثنا صحيح إليه ليس فيه راو ضعيف، فيقبل ويعتبر صرح بالتحديث في إسناد آخر، فلا يشمله يعني التوقف الذي نتحدث عنه، بل يعتبر صحيحا، إذا اكتملت باقي شروط الصحة في ذلك الإسناد.
س: يقول هل لا بد أن يذكر العلماء أن الراوي مدلس؟.
ج: أقول: نعم لا بد إذا عرف عنه أنه مدلس، لابد أن يذكروه، وما هي أجمع الكتب التي كتبت في التدليس، وما الذي طبع منها؟ أقول هذا ذكرته قبل قليل.
س: يقول: أرجو الإجابة على هذا السؤال، أولا للحاجة، ولأنني سوف أغادر مباشرة، يقول: إنه يجد في بعض الأحيان في سرواله بعض القذرات، ويكون هذا بعد قضاء الحاجة، وأحيانا حال الوضوء، ولكن في حال الوضوء أجد لونا يشبه القذارة فلا ألقي له بالا وأصلي فما الحكم في وجود هذه بعد الصلاة وجود مقدماته حال الوضوء؟ .(1/281)
ج: أقول: للأخ هذا الذي تسأل عنه إن كنت تقصد بالقاذورات التي تتكلم عنها شيئا ملحوظا للعيان، كأن يكون يعني بعض البراز الذي يمكن أن يخرج، وأنت يكثر هذا منك، ولا تستطيع أن تتحفظ منه يعني ما تملك نفسك يخرج، يعني قسرا عليك، فلا تتوضأ إلا بعد الأذان بعد دخول الوقت، فإذا توضأت تصلي ولا شيء عليك، حتى ولو أحسست بالخروج، لكن إذا كان هذا يعني ليس كثيرا خروجه منك، فأنت في هذه الحال إن وجدت هذا الذي تراه في سراويلك بعد أدائك للصلاة، ويغلب على ظنك أنه خرج قبل أدائك للصلاة، فمعنى ذلك أن وضوءك قد انتقض، فتوضأ واغسل هذا المكان الذي أصابته القاذورة، وأعد الصلاة.
لكن لو أنك متأكد بأنه ما خرج منك في هذه الصلاة، ولكنه خرج قبل الصلاة يعني قبل الوضوء للصلاة، ولكنك لم تتنبه له، لم تتنبه لهذه النجاسة إلا بعد الصلاة بمعنى أنك صليت في هذا السروال، وهو متلطخ بالنجاسة، لكن صليت، وأنت تام الطهارة، فأقول ما دمت صليت وفي سراويلك شيء من النجاسة التي لم تعلم عنها، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، لكن اغسل النجاسة حتى لا تصلي فيها مرة ثانية، ولعل-إن شاء الله- الجواب قد وضح.
س: يقول: هل يمكن إعادة موقف العلماء من المدلسين باختصار، وهل للتدليس أقسام وما الفرق بينها؟.
ج: أقول: أنا ذكرت أن له أقسام، ولكن الأقسام يعني فيها شيء من الصعوبة، ج فدعوها لمرحلة أخرى، وأما موقف العلماء من المدلس، فإنهم لم يسقطوا رواية المدلس لقدح فيه هو، فقد يكون ثقة، ولكنهم توقفوا عن روايته التي تأتي بصيغة عن، أو قال، التي ليس فيها أنه صرح بتلقي ذلك الحديث من شيخه.
س: يقول: قال أحدهم: إذا عنعن المدلس، فلا نرد حديثه فورا فالأصل أنه سمعه من شيخه، حتى لو عنعن ولا نجزم بالتدليس وضعف الحديث إلا إذا وجدت قرائن تدل على أنه لم يسمع من شيخه، فإذا لم نجد هذه القرائن، فالأصل سماعه من شيخه حتى لو عنعن، فيكون حديثه صحيحا ما رأيك بهذا الكلام؟.(1/282)
ج: أقول: هذا الكلام ليس بصحيح، ويدل على هذا صنيع العلماء قديما وبعد ذلك، فمثلا الشافعي -رحمه الله- حينما يقول: من دلس لنا مرة، فقد أبان لنا عورته ما مقصده بذلك مقصده أننا نتحفظ عن حديثه إذا لم يكن مصرحا فيه بالسماع، ولو نظرنا في طريقة البخاري ومسلم -رحمهما الله- في انتقاء الأحاديث، فنجد أنهما ينتقيان أحاديث الذين وصفوا بالتدليس انتقاء، ويردون بعض الأحاديث، فلا تجد أنهم يخرجونها في صحيحيهما بالإضافة إلى علماء سابقين .
فمثلا: هشيم بن بشير ممن عرف بالتدليس، وعرف تلاميذه ذلك عنه، فاجتمعوا وائتمروا فيما بينهم ائتمروا على شيخهم، فقالوا نجمع هذا اليوم ألا نكتب عنه إلا ما صرح فيه بالسماع كأنهم يريدون أن يلقنوه درسا، فيقولون له: لا تحدثنا إلا بمسموعاتك، فجاءوا وحضروا فأصبح يحدث فوجد أنه إذا قال عن ما أحد يكتب، ها مثل لو أتكلم معكم، فتصدون عني يعني يتأثر الشيخ بهذا الموقف، فتأثر فعلا، ففطن لما أرادوه، فلجأ إلى أسلوب آخر، فأصبح يقول: حدثنا فلان ومغيرة عن إبراهيم النخعي، أنه قال كذا وكذا، ثم أصبح يسوق الأسانيد، وهم يكتبون مجتهدون فلما انتهى من درسه، قال لهم هل دلست لكم اليوم شيئا قالوا: لا، قال: بلى كل ما قلت فيه: حدثنا يعني عن ذي ظليم، فهو فعلا حدثني به، لكن وفلان هذا لم أسمعه منه، فأنتم تخيلتم أن الواو واو عطف أنني أقول: حدثنا فلان وحدثنا فلان أيضا .
والحقيقة أني ما نويت هذا، وإنما نويت أن الواو واو الاستئناف، فأقول حدثنا فلان، وأسكت وفلان يعني معنى ذلك أن فلانا قال ها فيها شيء من اللف، ولذلك قلت لكم: أنا ما أريد أزودكم بأنواع التدليس هذا يسمى تدليس العطف، فالشاهد من هذه الحكاية أن تلاميذ هشيم وبعضهم فطاحلة من كبار الأئمة مثل عبد الرحمن بن مهدي، ومثل سعيد بن منصور وأمثاله،م وحتى الإمام أحمد وما إلى ذلك، فهؤلاء حينما توقفوا عنما قال(1/283)
فيه هشيم عن، لماذا توقفوا لولا أنهم يردون رواية المدلس، ما توقفوا ولا ائتمروا على هشيم، لكن هذا هو الأصل عندهم، والمسألة تحتاج إلى يعني مزيد بسط أكثر من هذا، لكن في الإشارة ما يغني عن صريح العبارة.
س: يقول: ما رأيك يا شيخ في سماع أبي الزبير من جابر خاصة، ما رواه عنه بالعنعنة، وهو في صحيح مسلم -رحمه الله- ما هذه أيش تكون؟ أي نعم يقول: والشيخ الألباني كثيرا ما يذكر في كلامه عن الأحاديث في مسلم يقول مقرر عند أهل العلم الشريف أنهم لا يحتجون بحديثه المعنعن إلا من رواية الليث بن سعد عنه فما رأيكم؟.
ج: أقول: أنا يعني رأيي في رواية أبي الزبير رأي وسط، بين الغالي والجافي، وهذا الرأي يتمثل في الآتي: ما كان من رواية أبي الزبير في صحيح مسلم، فلا نتعرض له وما كان من روايته في غير صحيح مسلم في خارج صحيح مسلم فننظر: إن كان أبو الزبير صرح بالتحديث من جابر قبلناه؛ لأنه مدلس وإن كان لم يصرح بالتحديث، نظرنا من الذي روى عنه إن كان الذي روى عنه هو الليث بن سعد قبلنا حديثه؛ لأن أحاديث الليث بن سعد عن أبي الزبير هي من مسموعات أبي الزبير، وإن كان غير الليث بن سعد فمعنى ذلك أننا نتوقف عن قبول عنعنة أبي الزبير حتى نجد أنها مصرح فيها بالسماع، هذا هو الرأي الوسط.
س: يقول هل من الممكن أن نعد السماع من الأشرطة أو من المذياع تحديثا أو سماعا على مستوى حفظ الحديث؟.(1/284)
ج: أقول: الرواية قد انقطعت، وإذا تأكدت من صوت صاحب الصوت، فلا بأس أن تعده سماعا، فتقول: سمعت الشيخ مثلا عبد العزيز بن باز يفتي بكذا وكذا، وما إلى ذلك لكن في بعض الأحيان لا يعدون هذا يعني إدانة في بعض الأمور؛ لأنهم يقولون: إنه يمكن أن يدبلج الصوت، فيمكن مثلا أن يتتبع فلان من الناس إنسانا له يعني أشرطة كثيرة، فيؤخذ مقطع أو عبارة من شريط، وعبارة أخرى من شريط، وعبارة أخرى من شريط، ويصفّ الكلام بعضه مع بعض حتى يمثل كلاما يؤخذ على ذلك الإنسان، والسامع له يظن فعلا أن هذا الإنسان قد قال هذا الكلام، وهو لم يقله بهذه الصورة، وإنما هذا ملفق، مثل ما لو تأتي لإنسان كتب كتابا، وتقص من موضع عبارة، وتقص من موضع عبارة أخرى، ومن موضع ثالث، ورابع وهكذا ثم تصفّ العبارات بعضها مع البعض، كلمة من هنا وكلمة من هنا وكلمة من هنا تؤدي معنى هو ما تكلم به إطلاقا، فهم لا يعدونه يعني من باب الإدانة لا يعدونه إدانة، لأن الأشرطة يمكن أن تدبلج، لكن إذا لم يكن هناك ما يدعو للشك أو للتوقف كمثل البرنامج الذي يذاع في المذياع برنامج: نور على الدرب، وتسمع من الشيخ، والشيخ يعرف أن هذه الفتاوى تتناقل عنه، ولو كان فيه أدنى شك لوصل للشيخ.
المهم إنه يعني يغلب على الظن في هذه الحال أنه لا يمكن أن يكون هذا ملفقا على الشيخ، فلا بأس أن يقال سمعت الشيخ يقول كذا وكذا.
س: أحد الإخوة يقول: هل جميع الأحاديث المتواترة صحيحة؟.
ج: أقول: نعم، لا يحكم على الحديث بأنه متواتر إلا، وهو صحيح.
س: سؤال ثان: هل يشترط رواية الجماعة في طبقة الصحابة؟.
ج: لست أدري ما مقصوده باشتراط رواية الجماعة بطبقة الصحابة، المهم يعني أنه لا يشترط أن يكون الذي تلقى عن الصحابي مجموعة من الناس، بل يمكن أن يكون واحدا، وعنه واحد، المهم أن يصح السند إليه.(1/285)
س: يقول: من أول شروط المتواتر ما رواه جماعة عن جماعة أي غير محصورين بعدد معين، هل المقصود بذلك أن عددهم غير معروف، فأنت إذا لم تحصر عدد الشيء، فأنت لا تعرف عدده؟.
ج: أقول: ها، ذاك الكلام كان عن الخبر كأي خبر قالوا في تعريف الخبر حينما يعني يؤدي إلى العلم الضروري: هو الخبر الذي لا يكون محصورا بعدد، لكن ما كان محصورا بعدد فهذا يعني بالنسبة للأحاديث النبوية له أمر خاص يمكن أن يسمى متواترا مع العلم أنه يحصر بعدد معين، لكنهم حينما يتكلمون مثل الأصوليين يتكلمون عن الخبر، أيّ خبر، ومثلت لكم بمثل بلاد اليابان، لا تجد يعني هناك حصر لعدد معين لمن ينقل لك الخبر عن أن هناك بلاد تسمى بلاد اليابان، لكن الحديث النبوي، قلت لكم: إن وضعه يختلف عن الخبر أي خبر.
س: يقول: هل نعتبر الحديث المشهور الوارد بطرق محصورة بأكثر من اثنين، وهو صحيح حديثا متواترا؟ ففي فهمي لتعريف الحديث المتواتر أرى أن شروطه منطبقة على الحديث المشهور الصحيح.
ج: أقول: يعني في تعريفهم يقولون إذا لم تكن هذه الكثرة أدت إلى ما يسمى بالعلم اليقيني، فإن هذا الحديث في هذه الحال لا يسمى متواترا، فلا بد أن يؤدي إلى ما يسمى بالعلم اليقيني، طبعا هذا في تعريفهم هم، وأما نحن فقلنا: إنه لا يشترط هذا، فلو جاءني حديث من طرق خمسة عندهم لا تؤدي إلى التواتر، لكن الحديث بهذه الصورة كل سند من الأسانيد الخمسة صحيح، فأنا أقول في هذه الحال يعني: لا شك أن هذا يؤدي عندي إلى العلم اليقيني الذي لا شك ولا مرية فيه إطلاقا.
س: أحد الإخوة يقول: سلمني ورقة بالأمس فيها أسئلة، ووعدت أن أقرأها في هذا اليوم، ولم أقرأ منها شيئا.
ج: أقول: نعم نسيت، لكن نقرؤها الآن -إن شاء الله- أبشر.
س: في أحد أسئلته يقول: ما هي المراجع التي نرجع إليها لمعرفة ما قد يشكل في نخبة الفكر.(1/286)
ج: أقول: المراجع والله في الحقيقة يعني لا بد أن ترجع إلى كثير من كتب مصطلح الحديث؛ لأن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يعني اختار خلاصة الأقوال التي فيها خلاف وما إلى ذلك؛ فهو يعطيك الشيء الذي بعد التحقيق والتنقيح، فلو أردت أن تسهب في معرفة هذه الأشياء، فتحتاج إلى مطالعة.
مثلا بخاصة يعني لو طالعت تدريب الراوي، وفتح المغيث للسخاوي، فإن شاء الله أنك ستكون ألممت بالكثير جدا من علم المصطلح.
س: يقول: يقول ابن حجر في كلامه على الزيادة: ومع الضعف، فالراجح المعروف، ومقابله المنكر، ألا يفهم من هذا أن الزيادة من الضعيف إذا لم تخالف الثقة تكون مقبولة ؟.
ج: أقول: لا، فرق بين المنكر وفرق بين الضعيف، فحينما يأتيني حديث ليس فيه مخالفة، وفيه راو ضعيف، فأنا أسمي هذا الحديث ماذا ضعيفا، لكن حينما يكون فيه مخالفة، أقول عنه: ماذا؟ منكر، والمنكر أشد ضعفا من الضعيف فقط. فالمنكر لا أعتبر به في الشواهد والمتابعات، ولكن ضعيف فقط، إذا كان ضعفه يسيرا، فأنا في هذه الحال أقبله في الشواهد والمتابعات، لكن يقول ومع الضعف فالراجح المعروف نحن قلنا في المنكر: إنه مخالفة الضعيف لمن؟ لمن هو أوثق منه .
فمعنى ذلك أن رواية من هو أوثق صحيحة أو غير صحيحة؟ صحيحة، فهي المعروفة، ورواية الضعيف المخالفة تسمى المنكرة، فهذا معنى الكلام يا أخي.
س: يقول: لماذا قال ابن حجر -رحمه الله- في كلامه عن التابع والشاهد: والفرد النسبي، فقيده بالنسبي، وأخرج الفرد المطلق؟.(1/287)
ج: أقول: أخرج الفرد المطلق؛ لأن الفرد المطلق أصلا معروف بأنه ليس هناك له متابع، لكن الفرد النسبي تذكرون أننا قلنا ما كانت الغرابة فيه بالنسبة إلى راو معين، فلا يلزم من الفرد النسبي أن يكون فردا مطلقا، قد يكون فردا نسبيا، وهو إيش؟ حديث مشهور، بل قد يكون متواترا أيضا؛ لأننا أطلقنا عليه فردا؛ لأن إحدى طرقه أو إحدى أسانيده، هي التي حصل فيها التفرد وحصلت فيها الغرابة، ولكن هناك طرق أخرى ليست بغريبة، وليس الحديث بفرد؛ فلذلك قال الحافظ ابن حجر: هو الفرد النسبي فإذا الكلام عن الشواهد والمتابعات بالنسبة لماذا؟ للفرد النسبي، أما الفرد المطلق فليس له شواهد ولا متابعات.
س: يقول: في كلام ابن حجر -رحمه الله- عن التابع والشاهد أيضا قال: وإن وجد متن يشبهه، فهو الشاهد، أفلا يفهم من كلامه أنه يفرق بين التابع والشاهد باعتبار السند مع أنه في النزهة كلامه في التفريق على الراجح؟.
ج: أقول: نعم الحافظ ابن حجر واضح أنه يرجح أن المتابع ما كان في الاشتراك في الصحابي، وأن الشاهد ما كان مع الاختلاف بالصحابي، فإذا هو يلتفت للسند نعم هذا هو الصواب، لكنه حينما ذكر الخلاف قال: والأمر سهل أو والخطب سهل، فيعني لا ينبني على المسألة كبير خلاف هذا معنى كلامه.
الأسئلة ما شاء الله كثيرة .
س: هل يسمى الشاذ ضعيفا أيسمى ضعيفا أو ماذا يسمى؟.
ج: على كل حال الشاذ من أنواع الحديث الضعيف.
س: يقول: من المعروف أن حديث: " إنما الأعمال بالنيات " حدث به عمر على المنبر، فكيف لم يروه عنه إلا شخص واحد؟.
ج: أقول: هذا الذي نقول به نقول: قد يكون الحديث يعني حديثا مشهورا ومعروفا، ولكن لا ينقله إلا راو واحد، ولذلك ليس من شروط الحديث الصحيح تعدد الطرق، فهذا الحديث يعني حدث به عمر - رضي الله عنه - على المنبر، ولم ينقله عنه إلا علقمة بن وقاص، ففعلا يعني هو مدعاة للدهشة، لكن مع صحة السند وإجماع الأمة على صحته تزول هذه الدهشة.(1/288)
نحن قلنا: يعني إن الشاذ في تعريفه الراجح ماذا؟ ها: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، فبناء على هذا التعريف يكون الشاذ من أنواع الحديث الضعيف، أما الشاذ على القول المرجوح هو قول الخليلي ومن تابعه أو ومن وافقه، وهو أن الشاذ ما يتفرد به الثقة، فلا يكون ضعيفا في هذه الحال.
عند الخليلي مثل حديث: إنما الأعمال بالنيات يكون شاذا، لكنه هو لا يجعل الشاذ من أنواع الحديث الضعيف، وإنما تسمية اصطلاحية فقط.
س: يعني أحد الإخوة ذكر سؤالا، لكن ما اتضح لي مقصده بالسؤال. يقول: ذكرت في الحديث أن أحد مسبباته ذكر حكم فقهي، فيساق الحديث بدون ذكر السند، والسؤال ألا يكون نص الحديث قد سيق بسنده إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل هذا يلغي إرسال الحديث ؟.
ج: على كل حال قد يكون الأخ يعني أراد معنى لم يتضح لي، المهم أنه يعني من أسباب الإرسال فعلا أن يكون الذي أرسل الحديث يعني حينما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التابعين التابعي الذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد الرواية، ما أراد تحديث الناس بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناده، ولكنه قصد أمرا معينا إما فتوى يقول لإنسان من الناس، نعم الحكم في المسألة الفلانية كذا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كذا يعني يريد شيئا مستعجلا ها لم يتأهب للرواية.
س: يقول: ما الفرق بين ما رواه البخاري معلقا مجزوما به وغير مجزوم به؟.(1/289)
ج: أقول: الفرق أنه حينما يقول: قال فلان، فهو جزم بأن فلانا قد قال هذا القول، وقالوا إن البخاري عرف بتتبع معلقاته أنه إذا قال: قال فلان فالسند إلى فلان هذا صحيح، لكن حينما يقول يروى ويذكر وما إلى ذلك هذه يسمونها صيغة تمريض، وسيأتي -إن شاء الله- معنا في الكلام عن الحديث الضعيف أن يعني الإنسان لا ينبغي له أن يذكر الحديث الضعيف دون أن يبين ضعفه، فإما أن يبين ضعفه صراحة، فيقول: وفي الحديث الضعيف كذا أو يأتي بما يدل على الضعف، مثل صيغ التمريض فيقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا يذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا، يحكى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا هذه يسمونها صيغ التمريض، فهذه كان يستعملها البخاري في ما لا يثبت في الغالب.
س: يقول: ذكرت أن شرط البخاري اللقيا ولو مرة واحدة، فإذا وجدنا رجلا ثبت له اللقيا بشيخه مرة واحدة فقط، لكنه روى عنه أحاديث كثيرة لا يمكن أن يكون أخذها في لقيا واحدة، فما حكم أحاديث هذا الراوي؟.
ج: أقول: هذه مسألة أيضا يفصل فيها العلماء، فمثلا لو جئنا للحكم بن عتيبة في روايته عن مقسم، ومقسم يروي عن ابن عباس نجد أنهم نصوا على أن الحكم بن عتيبة فعلا لقي مقسما، ولكنه ما سمع منه إلا أربعة أحاديث فقط؛ ولذلك العلماء عنوا بهذا عناية فائقة تجد أنهم ينصون مثلا: الحسن البصري قالوا سمع من سمرة أربعة أحاديث، الحكم بن عتيبة سمع من مقسم أربعة أحاديث، عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه ستة أحاديث فقط، وهكذا تجدهم يحصرونها حصرا، فيبينون إذا كان الراوي ما لقي إلا لقيا يسيرة فقط، وليست لقيا طويلة، فهذا ينصون عليه ويبينون كم عدد الأحاديث التي رواها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:(1/290)
أيها الإخوة، فنأخذ مراجعة سريعة لما ذكرناه سابقا، مع الاعتذار لما حصل من التغير في يوم أمس؛ فإنه كان لأسباب منعتني من المجيء.
أخذنا ثلاثة أنواع في الليلة قبل البارحة من أنواع علوم الحديث، وهي: المنقطع، والمدلس، والمرسل الخفي.
فمن من الإخوة يذكر فارقا بين هذه الأنواع الثلاثة؟ ما الفرق بين المنقطع والمدلس والمرسل الخفي؟ وين؟ يعني نسينا العلم ولا كيف؟ تفضل.. نعم، أحسنت، المنقطع : ما سقط من سنده راو أو أكثر، لا على التوالي. طيب، وإيش الفرق بينه وبين المدلس؟ تستطيع أن تفرق بينهما ؟ نعم .
أنا ما أريد مجرد يعني حفظ التعريف ولكن أريد التوثيق على الفرق, لا ما تذكر المثال. أعطني الفرق ما هو ؟ تفضل، أيوة، هل المرسل الخفي يشترط أنه سمع؟ طيب يعني الكلام الذي قاله الأخ صحيح، لكن أريد أحد الإخوة من حيث الإدراج يعني كيف ؟ تفضل أيوة، أحسنت بارك الله فيك.
المنقطع السقط فيه واضح وجلي ، فواضح تماما أن التلميذ ما أدرك من؟ ما أدرك الشيخ؛ لكون سنة الولادة وسنة الوفاة تبرز هذا الانقطاع، يستحيل تماما أن يكون أدركه. أي نعم .
طيب المدلس سقط خفي، والمرسل الخفي ؟ ما الفرق بين المدلس والمرسل الخفي؟ أيوة،تفضل، نعم. ما أسمع الصوت.
نعم، أحسنت. هذا هو الصحيح، يعني الفرق بين المدلس والمرسل الخفي أن المدلس الراوي لقي الشيخ وسمع منه أيضا، فهو شيخه حقيقة، لكن ذلك الحديث نفسه لم يسمعه منه، أما المرسل إرسالا خفيا: فهو عاصره، يعني عاش هو وإياه في فترة زمنية واحدة، طالت أو قصرت، هذا يعني أمر آخر ، فهذه المعاصرة يمكن تجعل الظان يظن أنهما التقيا، لكن بعد التحقيق يتضح أنهما ما التقيا، فإنهم عاصروا الموجود لكن اللقي غير محدود، هذا هو الخلاف.(1/291)
في الورقة هذه، وأرجو أن تكون قد وصلت إلى الجميع، والذي لم تصل إليه، يعني يحاول يصورها من المراجع. فيها مثال هو الذي رددناه دائما يعني حديث: " إنما الأعمال بالنيات " سنده هو الذي يمكن أن يجعل مثالا على الأنواع، فأحد الإخوة -أثابه الله- يعني بعدما استمع الدرس صورها بهذه الصورة، وقسمها إلى ثلاثة عشر قسما، تجدونها أمامكم، معكم الأوراق، الظاهر أنها كمية قليلة. ما تكفي؟ على كل حال، يعني ممكن -إن شاء الله- بكرة تكون يعني في متناول الجميع، تصور بإذن الله .
يعني السند : رواية البخاري عن شيخه الحميدي، والحميدي يرويه عن شيخه سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة يرويه عن شيخه يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد الأنصاري يرويه عن شيخه محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن إبراهيم التيمي يرويه عن شيخه علقمة بن ملقاص الليثي، وعلقمة يرويه عن الصحابي - الذي يعتبر أيضا- شيخه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بهذه الصورة يصبح الإسناد متصلا.
يعني بهؤلاء الرجال المكتملين يصبح الإسناد متصلا، لكن إذا بدأنا نحذف من هذا الإسناد الثانية، أو الثالثة، البخاري إذا قال عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصبح هذا معلقا، وهو أيضا معضل، والدرجة التي تليها البخاري إذا روى الحديث عن التيمي عن علقمة عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا يصبح أيضا ماذا؟
معلقا ومعضلا في آن واحد، لكن دائما إذا كان السقط من أول السند يفضل أن نقول ماذا؟ يفضل أن نقول معلقا.
الذي بعده، إذا حذف فقط شيخ البخاري، وهو الحميدي، وروى البخاري الحديث عن ابن عيينة، وابن عيينة يرويه عن يحيى الأنصاري، ويحيى يرويه عن التيمي عن علقمة عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا - كما ترون - يصبح ماذا؟ يصبح معلقا.(1/292)
الذي بعده، البخاري يرويه عن الحميدي شيخه، والحميدي يرويه عن شيخه سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة قفز يحيى الأنصاري والتيمي، فرواه عن علقمة، عن عمر، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- يصبح هذا ماذا ؟ معضلا فقط .
الذي بعده، البخاري يرويه عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى الأنصاري، عن التيمي، عن علقمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسقط من؟ سقط عمر بن الخطاب، يصبح هذا ماذا؟ يصبح مرسلا، الذي بعده، البخاري يرويه عن شيخه الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى الأنصاري، ويحيى يرويه عمن؟ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولاحظوا أن كل الثلاثة هؤلاء تابعيون: علقمة، والتيمي، ويحيى الأنصاري، كلهم من التابعين. فإذا كان يحيى الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا يصبح ماذا؟ نعم، يصبح معضلا ومرسلا في آن واحد، لكن الأولى أن نقول ماذا؟ أن نقول مرسلا، لماذا؟ لأن الذي أضافه للنبي - صلى الله عليه وسلم - من؟ تابعي من التابعين.
الذي بعده، إذا كان نفس الشيء، نفس السابق، إلا أن الذي أضافه للنبي -عليه الصلاة و السلام- هو سفيان بن عيينة، فيكون هذا ماذا؟ يكون معضلا ومرسلا في آن واحد، ولكن الأولى أن نقول ماذا؟ أن نقول: معضلا؛ لأن الذي أضافه ليس تابعيا، وإنما من أتباع التابعين .
الذي يليه، أسقطنا من إسناده فقط سفيان بن عيينة، فأصبح الحديث من راوية البخاري، عن شيخه الحميدي، عن يحيى الأنصاري، عن التيمي، عن علقمة، عن عمر، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد سقط من سنده واحد فقط، ماذا يكون هذا؟ يكون منقطعا.(1/293)
الذي يليه، البخاري يرويه عن شيخه الحميدي، والحميدي يرويه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى يرويه عن -يعني قفز ابن عيينة- ويحيى يرويه عن علقمة، فقفز التيمي وعلقمة يرويه عن عمر، وعمر يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصبح سقط من السند من؟ سفيان بن عيينة، ومحمد بن إبراهيم التيمي، فيكون الإسناد بهذه الصورة ماذا؟ منقطعا لأنه.. نعم.
لا ما يجوز يقول: يصبح كاذبا، يقول عنه، نعم، الصيغة تكون عنه، نعم، لكن بينا أنه إذا أضافه حتى غير تابعي للنبي - صلى الله عليه وسلم - العلماء يقولون عنه: مرسل، ولكن الأولى أن نقول عنه: معضل.
تكلمنا عن هذا، قلنا: من العلماء من يقول عنه: مرسل، إلا.. هذا التعريف الاصطلاحي، لكن هل معنى هذا أن كل علماء الحديث يتقيدون بالتعريف الاصطلاحي؟ بعض هذه التعريفات الاصطلاحية ما استقرت إلا في الأخير وفي الأول، كان يعني فيها شيء من التوسط. طيب.
النوع الثاني عشر: إذا سقط من الإسناد ابن عيينة، والتيمي، وعمر بن الخطاب، فهذا يصبح ماذا؟ يصبح منقطعا ومرسلا في آن واحد، اجتمع فيه أثر من علة، نعم هو يقال عنه: مرسل، و منقطع، في آن واحد، ففيه الانقطاع، وفيه الإرسال.
الثالث عشر: سقط من سنده يحيى الأنصاري، والتيمي -كلاهما ورد- وسقط من سنده عمر بن الخطاب، فهذا يكون ماذا؟ معضلا ومرسلا في آن واحد. فلعل -إن شاء الله- هذه الورقة توضح لكم.
فيه أحد الإخوة سأل عن سؤال، وقلت: لعله -إن شاء الله- إذا اكتمل العدد، نجيب عن هذا السؤال؛ لأنه جاء في شرح ابن حجر للحديث المدلس والمرسل إرسالا خفيا.(1/294)
الأخ يسأل عن قول الحافظ في صفحة مائة وأربع عشرة، ومائة وخمس عشرة، قال: ويدل على أن اعتبار اللقي في التدليس دون المعاصرة وقتها، لا بد من إطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين، كأبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس، ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس، لكان هؤلاء مدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا، ولكن لم يعرف، هل لقوه أم لا؟ أنا أرجو الذي معه كتاب، أن يضع خطا فوق، ولكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟
الآن أيها الإخوة، أولا: من هو المخضرم؟ المخضرم: هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام، يعني: كان في وقت النبي- يعني صلى الله عليه وسلم- ولكنه أحد أمرين: إما أن يكون أسلم بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو كان حيا وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يكون فعلا أسلم في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام- فهؤلاء يعتبرون من التابعين، لكن يقال لهم: المخضرمون؛ لأنهم كانوا في وقت النبي عليه الصلاة والسلام.
أما الذي يقال له: تابعي فقط، فهو ولد بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - . فالآن عندنا مثال أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، هذان تابعيان جليلان مخضرمان، كانا في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهما لم يرياه.
فالحافظ ابن حجر هو ممن ينتصر للرأي القائل بالتفريق بين المدلس، وبين المرسل إرسالا خفيا؛ لأن هناك من العلماء من سوى بينهما، فلم ير أن هناك شيئا اسمه المرسل الخفي، بل جعل المرسل الخفي من أنوع.. أو داخلا في تعريف التدليس.(1/295)
فالحافظ ابن حجر يقول: بينهما فرق، فالمدلس لا بد أن يتحقق فيه أن هذا التلميذ سمع من ذلك الشيخ، وأما المرسل الخفي، فإذا تحققنا من أنه عاصره، ولكنه لم يلقه -هذا كلام الحافظ ابن حجر، هو يريد أن يأتي بمثال ليحج الخصم، فيقول: من الأدلة على أن ما نقول هو الصحيح، أن رواية المخضرمين، وهم قد عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لم يلقوه، أنه لم يعدها أحد من العلماء من أنواع التدليس، ولم يقل أحد من العلماء: إن رواية أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، هذه رواية مدلسة، ما عد هذا أحاديث إطلاقا، ثم العبارة التي قلت لكم: ضعوا فوقها خطا قالوا: ولكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟(1/296)
أقول هذا هو بيت القصيد، الذي يمكن أن يرد به على الحافظ ابن حجر، طبعا لا. لأجل أننا نخالفه في التفريق بين المدلس والمرسل إرسالا خفيا، لكن هذا المثال الذي أورده عليه، فيه ملاحظة، هذه الملاحظة أيها الإخوة، تبرز في أي شيء؟ تبرز في أن هذا السقط الذي بين هذين التابعيين المخضرمين، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون سقطا ماذا؟ واضحا جليا أم خفيا ؟ بعضكم يقول: جلي، الحقيقة أنه سقط جلي ، هذان السقط بينهما وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - سقط واضح وجلي فقوله: ولكن لم يعرف لقوه أم لا؟ نقول: لا، ليس بصحيح، بل عرف تماما وتحقق من أنهما لم يريا النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك ما عدا في الصحابة، ولا قال أحد عنهم إنهم صحابة، إذًا ما دام أن السقط واضح وجلي، فليس هناك ما يدعونا إطلاقا للاستشهاد بمثل هذا المثال، مع اعترافنا بصحة التفريق بين المدلس والمرسل إرسالا خفيا، فإذن -يعني المثال- حتى وإن كان الحافظ أورده بهذه الصورة، لكن نقول: إن هذا لا يمكن أن يرد، هذا ليس كالسقط الخفي الذي لا يدرك إلا من قبل أناس قليل من العلماء، وقد يرد أيضا بينهم خلاف، فنجد بعض العلماء اختلفوا في سماع الحسن البصري من ابن سمرة، في سماع الحسن البصري من أبي هريرة، في سماع عبد الرحمن بن مسعود من أبيه، وهذا يعني في أمثلة عدة، نجد أن فيها بعض الخلاف، الخلاف يعني من أين أتي؟ من كون ذلك السقط ماذا ؟ سقطا خفيا، ولو كان سقطا جليا لا أحد ينازع فيه، لما كان هناك إشكال، كما هو الحال في رواية أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حمزة .
الآن، هذا الذي تكلمنا عنه من هذه الأنواع: المعلق، والمرسل، والمعضل، والمنقطع، والمدلس، والمرسل إرسالا خفيا، هذا كله يقال له مردود .(1/297)
بسبب ماذا؟ بسبب سقط في الإسناد، ونحن قلنا: إن الرد يكون بأحد أمرين: إما بسبب سقط في الإسناد، وإما بسبب طعن في الراوي، فهذا الذي تقدم كله من أنواع السقط في الإسناد انتهينا منه، وننتقل الآن إلى المرحلة الأخرى، وهي المردود بسبب طعن في الراوي، المردود بسبب طعن في الراوي -كما ترون- له أسباب عشرة،
يقول الحافظ في صفحة مائة وأربعة عشر:
الطعن في الراوي
ثم الطعن - أي في الراوي- إما أن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه.
فالأول: الموضوع، والثاني: المتروك، والثالث: المنكر على رأي. وكذا الرابع والخامس.
ثم الوهم: إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق: فالمعلل.
ثم المخالفة: إن كانت بتغيير السياق: فمدرج الاسناد. أو بدمج موقوف بمرفوع: فمدرج المتن.
هذه عشرة أشياء تنقسم إلى قسمين:
منها ما هي أو ما يعتبر طعنا في العدالة، ومنها ما يعتبر طعنا في الحفظ والضبط.
فالآن إذا أردنا أن نقسمها إلى قسمين؛ لأن الحافظ -رحمه الله - دمجها دمجا، نقول:
القسم الأول: وهو المردود بسبب الطعن في العدالة.
أولا:
1- كذب الراوي.
2-التهمة بالكذب.
3-فسق الراوي.
4- الجهالة.
5 - البدعة .
هذه أنواع الطعن في العدالة أما الطعن في الحفظ والضبط:
1- سوء الحفظ .
وقد جعله الحافظ هو الأخير،
2-الغلط الفاحش.
3-الغفلة.
4-الوهم.
5-مخالفة الثقات .
فلنتناولها على هذا التسلسل، فنبدأ بالحديث المردود بسبب الطعن في العدالة، ونأخذها بناء على تسلسلها، الأشد فالأشد ، فأشدها: كذب الراوي، أي التحقق من كذب الراوي وصدقه، ثم 2 - تهمته بالكذب ، ثم 3- الفسق ، ثم 4- الجهالة ، 5-البدعة . هي على التسلسل الأشد فالأشد .
فأول هذه الأقسام ما يكون مردودا بسبب رمي الراوي بالكذب، هذا القسم الأول.(1/298)
إذا أردنا أن نطلق على الحديث الذي فيه راو موصوف بالكذب تسمية معينة، فالتسمية التي اختارها العلماء لهذا النوع: الموضوع، فالحديث الموضوع: هو الذي في إسناده راو كذاب، أو وضاع، والموضوع: هو المكذوب، والمختلط، والمصنوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أثار الحافظ هاهنا مسألة، وهي: أن الحكم علي الحديث بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب، لا بالقطع، إذ قد يصدق الكذوب، لكن لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يريدون بها ذلك، ثم نقل كلاما عن ابن دقيق العيد، في عدم القطع على حديث من الأحاديث بالكذب، حتى لو كان الراوي نفسه اعترف بأنه كذاب، وأنه كذب في ذلك الحديث، الحقيقة أن هذه المسألة يمكن أن تكون كما أوردها الحافظ، ويمكن أن تكون لا، فإذا جاءنا حديث من الأحاديث، وهذا الحديث يمكن أن يكون مرويا من طريق صحيحة أصلا، فمتنه صحيح، لكن هذا الإسناد الذي أمامي فيه راو، عندما أبحث في ترجمته أجد العلماء قالوا عنه: إنه كذاب، أو وضاع، فهل في هذه الحالة أنا أحكم على ذلك المتن، أو على السند الذي أمامي؟
نقول: لا يجوز الحكم على المتن هذا، ما دام مرويا من طريق صحيحة، فالمتن صحيح،من طرق أخرى، لكن هذا الإسناد الذي أمامي فيه راو كذاب. فإذن إذا ما أردت أن أحكم على الحديث بأنه موضوع، لا أحكم على المتن، وإنما أحكم على السند الذي أمامي، إذا كان متنه ليس فيه ما يدعوني لاستنكاره، هذا حاصل.
وأيضا لنفس هذا الإسناد الذي فيه ذلك الراوي الكذاب ، هل نجزم تماما بأن هذا الراوي الكذاب فعلا كذب في هذا الإسناد أو لا؟ حينما أقول عنه: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد، وهذا ترى منه أمثلة، يعني أضرب لكم مثالا على ذلك: في صحيح مسلم حديث من رواية سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تبدءوا أهل الكتاب بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق، فاضطروهم إلى أضيقه. "(1/299)
الحديث مشهور في صحيح مسلم، ولا يعرف هذا الحديث إلا من طريق سهيل بن أبي صالح، يرويه عن أبيه أبي صالح، فجاء أحد الرواة الكذابين، فرواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ورواية الأعمش عن أبي صالح كالقمر ليلة البدر، ثبت، عن ثبت، عن صحابي، فهذا من الأسانيد التي ليس فيها مطعن عند العلماء، فهذا الرجل هو من تلاميذ الأعمش، فجاء وقال: حدثني الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ثم ذكر هذا الحديث..
قصده ماذا ؟ قصده ينصرف إليه الناس، ويسمعوا منه هذا الحديث الذي لا يوجد عند غيره؛ لأنه من رواية الأعمش، والحديث ما عرف إلا من رواية سهيل بن أبي صالح، وسهيل بعضهم يتكلم فيه، ولذلك تذكرون أننا قلنا: إن رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ورواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، هذه من أنبل درجات الصحيح، فمثل هذا نحن نحكم عليه بأنه موضوع من هذا الطريق، فنقول: إن حماد بن عمرو النَصيبي أو النُصيبي- هو الذي وضع هذا الحديث على الأعمش، وإلا فالأعمش لايعرف هذا، هذه الرواية، ولم يرويها عن أبي صالح إطلاقا، ولكن حماد بن عمرو هو الذي كذب، وقال: إن الأعمش حدثه بهذا الحديث.
فإذن هذا الحديث موضوع من هذا الطريق فقط، وأما أصله فصحيح، فإذن أنا حينما أجزم تماما بأن هذا الحديث موضوع في هذا المثال، قد لا ينطبق هذا على كل مثال يورد، لماذا؟ لأن ذلك الكذاب يكون فعلا قد روى ذلك الحديث، وتابع الرواة الآخرين.
فأنا حينما أقول: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد، ليس جزما تماما بأن هذا الكذاب لم يصدق ولا مرة واحدة، لا، ولكن لأن الغالب على أحواله الكذب، ولأنه موصوف بالكذب؛ ففقدت الثقة برواياته، وهجرت، وأصبحت كلا شيء؛ فلا يتحرج طالب علم الحديث أن يقول عن إسناد فيه راو من هؤلاء الرواة الكاذبين: إن هذا الحديث موضوع بهذا الإسناد، حتى ولو كان متنه مقبولا.(1/300)
تبقى المسألة الأخرى، وهي التي أثارها ابن دقيق العيد، هل معنى هذا أننا نجزم تماما على ذلك الحديث بأن فلانا هذا هو الذي وضعه؟ وهو الذي اختلقه؟ وهو الذي كذبه على النبي صلى الله عليه وسلم؟
الآن ظاهر هذا الكلام للحافظ ابن حجر حينما يقول: والحكم عليه بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع، إذ قد يصدق الكذوب. نقول: نعم، الصدوق قد يصدق، لكن هذا مثل الحالة التي مثلنا بها قبل قليل، لكن إذا لم يجد ذلك الحديث إلا من طريق ذلك الكذوب، ومع ذلك فمتنه، أو عندنا قرينة أخرى تؤكد تماما أنه كذب فيه واختلقه، فلا حرج إذن أن نجزم ونقطع بأنه هو الذي وضعه واختلقه، ولا حرج في ذلك؛ لأننا لا يمكن أن نقبل ذلك الحديث، وليس هناك من الرواة الموجودين في الإسناد من نتهمه بهذه التهمة غير هذا الرجل، أما لو كان هناك في الإسناد أكثر من وضاع، نعم أنا -يعني- ليس عندي قرينة ظاهرة، إلا أن تكون هناك قرينة متحققة تؤكد أن فلانا هو الذي وضعه،أو فلانا، أو فلانا الثالث، أو غير ذلك، لكن إذا كان الإسناد كلهم ثقات، وليس فيهم إلا وضاع واحد، فأنا لا أتحرج إطلاقا أن أقول: إن فلانا هذا هو الذي وضعه، وهو الذي كذبه، وهو الذي اختلقه، ولذلك يعني كما سيأتي -إن شاء الله- معنا، يعني من الدلائل التي يستدل بها على وضع الحديث، مثل:
أولا: اعتراف الراوي بوضعه ذلك الحديث. هذه المسألة يقول فيها ابن دقيق العيد: إنني لا يمكن أن أقول أو أقبل قول الراوي الذي اعترف أنه كذب في ذلك الحديث، أو هو الذي وضع ذلك الحديث، لماذا يا أبا دقيق العيد؟ قال: لأن ما دام أنه كذاب، فيحتمل أنه كذب علي في قوله ماذا؟ إنني وضعت ذلك الحديث.(1/301)
فهذا الكلام من ابن دقيق العيد في الحقيقة غير مقبول؛ ولذلك الحافظ الذهبي -رحمه الله- رفضه واستبشعه وقال: هذه سفسطة. اعتبر هذا من أنواع الجدل والسفسطة التي لاداعي لها، قال: لأننا لو قلنا هذا الكلام أو قبلناه؛ فمعنى ذلك أننا لا يحق لنا أيضا أن نجزم بأن هذا الزاني قد زنى باعترافه هو، أو أن هذا القاتل قد قتل باعترافه هو، أو أن هذا السارق قد سرق باعترافه هو، لماذا؟
قال: لأنه ما دام أنه سارق، أو زان، أوشارب خمر، أو غير ذلك من الأمور، أو قاتل، فإذن هو فاسق بفعله هذا، والفاسق لا يوثق بكلامه، وما دام أنه لا يوثق بكلامه، فإذن لا يوثق باعترافه حينما يعترف، ومعلوم بأن هذا مرفوض شرعا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتبر إقرار الزاني يعني بمثابة الدليل القوي جدا على ارتكابه تلك الفاحشة، وأقام عليه الحد، فإذن اعتراف الوضاع بأنه وضع حديثا على -النبي عليه الصلاة والسلام- هذا يعتبر أقوى الأدلة، ويمكن أن يقطع تماما بأن ذلك الراوي قد كذب.
حتى لو فرضنا كما يقول ابن دقيق العيد -مع العلم أن هذا من السفسطة كما قال الذهبي- لكن لو فرضنا أنه كذب أيضا في اعترافه، فالمسألة كلها كذب على كذب، كظلمات بعضها فوق بعض، فلا يفيد هذا شيئا، ولا يغني شيئا، فعلى ماذا يدل هذا الكلام؟ أيدل على أن حديثه مقبول؟ هذا طبعا لا يقول به العاقل، لكن بعضهم اعترض، واعتذر عن ابن دقيق العيد بقوله: إن ابن دقيق العيد لم يقل: إن الحديث لا يعتبر موضوعا، لكنه يقول : إننا لا نجزم بأن ذلك الراوي فعلا وضع ذلك الحديث باعترافه؛ لأن اعترافه اعتراف سابق، إلى آخر ما قال..
فعلى كل حال، هذا كله كلام جدلي، لا ينبني عليه فائدة. فالزبدة التي نريدها ما هي؟ هل هذا الحديث موضوع أو غير موضوع؟ هو حديث موضوع. من الذي وضع هذا الحديث؟ ما دام أنه ليس فيه الإسناد غير فلان ؟ فانتهى الإشكال ما دام اعترف الوضاع.(1/302)
فإذن هذه قرينة أخرى أيضا تضاف، فهو الذي يحمل تبعة هذا الحديث، ويعتبر حديثا موضوعا لأجل هذا الراوي، وانتهى الإشكال، وأرجو أن يكون -إن شاء الله- هذا واضحا .
أنا قلت: إن كان في الحديث أكثر من وضاع، فنحن نحكم على الحديث بأنه موضوع، ونقول التهمة تدور على فلان وفلان، ما دام أن في إسناده وضاعين، لكن لو اعترف أحدهما بأنه هو الذي وضع ذلك الحديث، ينتهى الإشكال ، فنقول: هو الذي وضع ذلك الحديث باعترافه هو، ولا ندخل في متاهات أخرى.. نقول صحيح من تلك الطريق، لكنه موضوع من تلك الطريق .
بعد ذلك يبتدأ الحافظ -رحمه الله- في ذكر القرائن التي يعرف بها الوضع في الحديث، ذكر بعضها، وأنا أختصرها وأجملها إجمالا في الآتي:
فنقول: القرائن التي يستدل بها على الوضع في الحديث تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : قرائن في الراوي.
والقسم الثاني : قرائن في المروي يعني في المتن.
أما القرائن التي في الراوي، فأولها وأعلاها: إقرار الراوي بأنه وضع ذلك الحديث، ومثاله مثال أبي عصمة نوح بن أبي مريم: فإنه لما سئل عن الحديث الذي يرويه في فضائل القرآن سورة سورة، وعن سبب وضعه ذلك الحديث، اعترف بوضعه له؛ بهدف تحبيب الناس وترغيبهم في تلاوة كتاب الله عز وجل فقال: إنني رأيت الناس قد انصرفوا إلى فقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق؛ فوضعت هذا الحديث لأرغبهم في كتاب الله.
فهذا مثال واضح على اعتراف هذا الراوي بوضع الحديث.
من القرائن أيضا: قرائن تتنزل بمنزلة الإقرار بوضع الحديث، أي لا يعترف الراوي صراحة بأنه وضع الحديث، لكنها كالإقرار، وهذا له أمثلة عديدة، ويمكن أن يوضع في المثال منها على أنه نوع أو فقرة من فقرات هذا القسم، فمن ذلك:(1/303)
أولا: أن يدعي ذلك الراوي سماعه للحديث من شيخ توفي قبل ولادته، ومن أمثلة ذلك: ما حصل لأبي حذيفة البخاري إسحاق بن بشر، رجل كذاب اسمه إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري، ادعى الراوية عن عبد الله بن طاوس -رحمه الله- فحينما ذكر ذلك لسفيان بن عيينة قال لهم: اسألوه متى ولد؟ فسألوه متى ولد؟ فقال لهم سفيان: إنه قد كذب؛ لأن عبد الله بن طاوس توفي قبل ولادة أبي حذيفة هذا بسنتين. الآن التاريخ كشف كذب هذا الراوي؛ ولذلك قال العلماء: حينما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ. فالتاريخ هو الذي يكشف كذبهم. فهذا الراوي لم يعترف صراحة بأنه كذب، لكن بهذه الطريقة ألا يكون هذا كالإقرار بكذبه ووضعه الحديث؟ هذا كالإقرار تماما.
ومن صوره أيضا: - ويمكن جعلها فقرة أخرى- أن يدعي الراوي السماع من شيخ إذا ما حوقق فيه، إذا ما حوقق فيه أي دقق عليه فيه تبين بذلك كذبه، ومن أمثلة ذلك: ما وقع لابن حبان مع أبي العباس الأزهري أحمد بن الأزهر، فإن أحمد هذا ادعى الرواية عن محمد بن المصفى ، فحينما سأله ابن حبان متى لقيه؟ زعم أنه لقيه في سنة مائتين وست وأربعين، في مكة أي في الحج، فقال له ابن حبان: إن محمد بن عبيد الله الكلاعي حدثني فقال: حججت أنا محمد بن المصفى ، فلما كنا بالجحفة مرض بن المصفى فحملوه إلى منى، فلما كان بمنى - هذا رفيقه الذي اختاره معه وهو لم يحدث بهذا الحديث- حاول أن يحجب الناس عنه، فألحوا على الدخول فدخلوا عليه، فما قرأوا عليه إلا حديثين ثم مات، وابن حبان يسأل الأزهري هذا؛ لأنه حدث بأحاديث كثيرة جدا، فقال له: كل هذه الأحاديث سمعتها من فلان؟ قال: نعم. وكل هذه كانت سنة ست أربعين ومائتين في الحج؟ قال: نعم. فذكر له هذه القصة، يقول: إنه لم يحدث في الحج إلا بحديثين ثم مات.(1/304)
قال: فبقي ينظر إلي أي مشدوها ، فقد عرف أن ابن حبان كشف كذبه، فما استطاع أن يرد عليه، ثم أخذ يحدث عن راو آخر، فقال له ابن حبان: متى لقيته ؟ فقال أيضا: في سنة ست وأربعين ومائتين.
قال: إن فلانا قد حدثني أن فلانا هذا توفي في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. نعم، فكل هذا دل على كذب هذا الراوي، قال: فبقي ينظر إلي أيضا.
فالمهم أن هذه من الأمثلة التي تدل على كذب ذلك الراوي، وهي تتنزل بمنزلة الإقرار بوضع الحديث .
من الأقسام أيضا التي يمكن أن تنسب لهذا، ويمكن مراجعة مقدمة "المجروحين" لابن حبان، ومقدمة "الموضوعات" لابن الجوزي، وهناك كتاب جامع وهو كتاب "الوضع في الحديث" لعمر سلاته، هو رسالة الدكتوراه له من ثلاثة مجلدات، كلها توضح وتجلي هذه المسائل.
من الأمثلة أيضا -طبعا ضرب لكل قضية تقريبا مثال- أن يروي الراوي عن شيخ إذا ما طولب بصفته، تبين كذبه، أو طولب بمحل السماع منه، تبين به كذبه، ومن أمثلة ذلك: أن أحدهم زعم أنه روى عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- فلما طولب بوصفها، وصفها بأنها عدماء، يعني: فيها سمر، وصفة عائشة معروفة بأنها غير ذلك، ولا يمكن أيضا أن تتبين وتتكشف أمام الرجال، فتبينوا على كذبه بوصفه لها، ثم قالوا له: أين لقيتها؟ قال: لقيتها بواسط. مدينة واسط، فدل هذا أيضا على كذبه؛ لأن عائشة رضي الله عنها توفيت سنة كم؟سنة سبع وخمسين، أو ثمان وخمسين للهجرة، ومدينة واسط متي بنيت؟ في زمن الحجاج، الذي بناها الحجاج، يعني بعد سنة ثمانين للهجرة، فهذا دل على أنه كذاب.(1/305)
الحقيقة أن القرائن التي بهذه الصورة كثيرة، فمن أمثلة ذلك مثلا: أن يروي هذا الراوي مثلا، أو يذكر قصة تدل فعلا على كذبه، مثلا: أن أحدهم زعم أنه مر بالسوق، وإذا براوية في بيت مرتفع، الراوية يعني: مثل الزير الذي للماء، قال: فأخذت بندقة -البندقة يعني: مثل الحمص- فرميت تلك الراوية بها، فثقبتها، فأصبح الماء يصب في فمي حتى رويت، ثم أخذت بندقة أخرى، فرميت بذلك الثقب، فسدت ذلك الثقب، وبقيت الراوية.
فمثل هذه الأشياء يستدل بها فعلا على كذب ذلك الراوي، وعلى أنه اختلق الحديث، أمثلة كثيرة، مثل أيضا: ذلك الراوي الذي سمع أن هناك نزاعا بين المحدثين، في سماع الحسن البصري من أبي هريرة، فمن ساعته ما تردد؛ لأن الكذابين حاضروا البديهة، فمن ساعته وضع إسنادا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: سمع الحسن من أبي هريرة. فوقاحتهم فعلا تدعو للعجب وإلى الدهشة .
هذا بالنسبة للقرائن التي في الراوي، أما القرائن التي في المروي -وهو القسم الثاني- فهي أيضا قرائن كثيرة، لكن من أبرزها: أولا: -كما ذكر الحافظ ابن حجر، لكنه ما مثل على ذلك نمثل نحن له - مخالفة الحديث. على كل حال من هذه القرائن التي في المروي: مخالفة الحديث لنص القرآن.
ذكرها؟ طيب على كل حال، أنا أذكر ما ذكره لكم على وجه السرعة.(1/306)
أول قرينة: مخالفة المروي لنص القرآن، ومن أمثلة ذلك: أن هناك حديثا -وضعه من وضعه- على أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة. كم؟ سبعة آلاف سنة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث في الألف الأخير، يقول ابن القيم -رحمه الله- في المنار المنيف مستدلا على وضع هذا الحديث، يقول: فهذا الحديث كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يقول: ما دام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث في الألف الأخيرة، فمعنى ذلك أنه لم يبق على قيام الساعة -إلا كم؟ ابن القيم توفي سنة سبعمائة وإحدى وخمسين للهجرة- فيقول: لم يبق على قيام الساعة سوى مائتين وخمسين سنة، فيمكن أن يحدث في السنة التي قبل التي توفي فيها، فيقول لم يبق على قيام الساعة وانقضاء الدنيا سوى مائتين وخمسين سنة.
يقول: وهذا كذب مخالف لكتاب الله -جل وعلا- وهو القائل سبحانه: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } (1) فهذا فيه المخالفة لماذا؟ لنص القرآن، ومع ذلك ففيه مخالفة لأي شيء الآن؟ للواقع، مضت الألف سنة، ومضى أربعمائة سنة بعدها وزيادة والساعة لم تقم، فدل هذا على أن هذا الحديث فعلا مكذوب وموضوع على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 187.(1/307)
من القرائن في المروي أيضا: أن يكون مخالفا لصحيح السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس شرطا أن تكون متواترة، إما أن تكون متواترة، أو غير متواترة، ما دام أنه مخالفا لصحيح السنة، فهذا أيضا مما يستدل به على أن الحديث موضوع، والمخالفة التي بهذه الصورة، ينبغي أن نسترجع معها ما تكلمنا عنه سابقا في "مختلف الحديث"، و"الناسخ والمنسوخ"، وفي "مسائل الترجيح" ، فإذا كانت مخالفة، يعني ما يمكن بحال من الأحوال أن يجمع بين نصين منها، ولا يعرف الناسخ من المنسوخ، ولا تستخدم معها إحدى آلات الترجيح، أو إحدى القواعد التي ذكرها العلماء في ترجيح بعض الأدلة على بعض، ومع ذلك وجدنا أن في الحديث من يمكن أن يحمل تبعة ذلك الحديث، بحيث تنصب عليه التهمة - فهذا هو الذي يقال عنه: الموضوع، أما إذا كان يفتقد بعض هذه الأشياء فلا، لا نستطيع أن نحكم عليه بأنه حديث موضوع؛ فلنتنبه لهذا.
فإذا جاءنا إسناد فعلا فيه راو متهم بالكذب، أو كذاب، أو من يتهمه العلماء بذلك؛ نتيجة سبر مروياته ، المهم أنه هو الذي تنصب عليه التهمة، ووجدنا ذلك الحديث مخالفا مخالفة تامة لصحيح السنة -فمعنى ذلك أننا نستدل بهذا على وضع هذا الحديث، من الأمثلة التي يمثل بها على ذلك: أن هناك أحاديث كثيرة، لكن ما فيها ولا واحد يصح، كلها تدل على من كان اسمه أحمد، أو محمدا؛ فإنه مغفور له، يدخل الجنة، ناج من النار، وهناك يعني أحد يعني المؤلفين ألف رسالة مطبوعة، هي طبعت قديما وأظن -والعلم عند الله- أن الذي طبعها هم الرافضة، بعنوان: فضل من اسمه أحمد ومحمد.(1/308)
هذه الرسالة الذي يقرأها لا يتردد- يعني إذا كان غرا- إلا وأن يذهب ويغير اسمه، ويغير أسماء أولاده كلهم، وكل ذويه؛ طمعا في المغفرة، والنجاة من النار، ودخول الجنة، لكن هذه الأحاديث كلها بلا شك، أحاديث موضوعة، وعلى أي شيء.. بماذا استدلننا على وضعها؟ استدلننا على أن الذي عليه المدار دائما في النجاة من النار وفي دخول الجنة، ما هو ؟ العمل، وأما الأسماء فلا تقرب ولا تبعد، وليست يعني أهلا لأن تدخل فلانا الجنة، ولا أن تبعد فلانا من النار، بل إننا نجد بعض يعني الطواغيت في هذه الأزمان، يعني أسماؤهم هي أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد فلان، محمد فلان، ولا تخفى عليكم، والتسمية غير مطلوبة في مثل هذا المقام .
أيضا يعني من القرائن التي يستدل بها العلماء على، يعني في ذات المروي: أن يكون المروي مخالفا للعقل الصريح -انتبهوا لهذه النقطة- مخالفا لصريح العقل، وحينما نقول: صريح العقل؛ لأن المعتزلة أقحموا، وجعلوه حكما على نصوص الشرع، فردوا بعض النصوص الصحيحة، بل المشهورة التي تقرب من المتواتر، كل ذلك بدعوى مخالفتها لأي شيء؟ للعقل، فليس هذا هو العقل الذي نريده في كلامنا نحن، لكننا نقول: مخالفة للعقل الصحيح السليم، ولنمثل على ذلك؛ حتى نبعد النجعة، يعني عن كلام المعتزلة وتهويلهم وسفسطتهم، فمن أمثلة ذلك:
ذلك الحديث الذي وضعه أحد الزنادقة؛ ليشوه به الإسلام، وهذا الحديث لفظه: إن الله خلق الفرس فأجراها، فعرقت، فخلق نفسه من عرقها. هذا وضعه أحد الزنادقة، وهو حديث يعني، راجعوا كتب الموضوعات تجدونه، فبلا شك أن هذا لا يحتمله لا عقل عاقل، ولا فطرة سليمة فضلا، حتى أن العقلاء من الكفار لا يحتملون مثل هذا الحديث إطلاقا، فهذا بلا شك هو الذي نقصده، حينما نقول: مخالفا للعقل الصحيح السليم، وإنما أوردنا يعني مثل هذا المثال يعني؛ لنتجنب زلات المعتزلة .(1/309)
من القرائن أيضا التي يستدلون بها في ذات المروي: أن يكون المروي ركيك اللفظ، ألفاظه فيها ركة، وركاكة اللفظ معناها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آتاه الله -جل وعلا- جوامع الكلم، وهو أبلغ البلغاء، وأفصح الفصحاء، وهو الذي تحدى العرب قاطبة، ما يعني ما استطاعوا أن يجاروه -عليه الصلاة والسلام- في فصاحته وبلاغته، وهذا بلا شك أنه يعني من الأمور التي آتاها الله -جل وعلا- نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإذا وجدنا حديثا يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ركة لفظ؛ فنعرف تماما أن هذا ليس من الألفاظ النبوية, والأمثلة على هذا يعني كثيرة، فمن ذلك مثلا:
ذلك الحديث الذي وضعه بعض القصاص؛ ليستدر به أموال الناس، هذا الحديث يعني فيه: إن الله -جل وعلا- خلق طائرا، له كذا وكذا جناح، وكذا وكذا منقار، وفي كل منقار سبعون -يعني نجد قال له- سبعون ألف منقار، وفي كل منقار سبعون ألف لسان، وكل لسان يسبح الله -جل وعلا- بسبعين ألف لغة، ويعني وترهات..
وكذلك أيضا حديث آخر : من صلى يوم الجمعة عدد كذا وكذا من الركعات، وقال فيها كذا، وقال فيها كذا، ثم أخذ يعد له من الثواب الذي يعني لا يعادل ثواب عبادة أعبد نقي منذ خلقه الله -جل وعلا- حتى توفاه، يعني أمور مبالغ فيها، بالإضافة إلى ركة اللفظ، تجد أن هذا الثواب الموعود على هذا العمل القليل جدا، يدل فعلا على ركاكة المعنى، وعلى ركاكة اللفظ، وعلى أن هذا لا يمكن أن يصدر من النبي عليه الصلاة والسلام.
فهذه من القرائن التي وضعها العلماء، وهي التي ركز عليها ابن القيم، إذا ما راجعتم كتابه "المنار المنير في الصحيح والضعيف" ، تجدون أنه ركز على هذه النقطة، وأورد عليها عدة أمثلة.
كذلك أيضا من القرائن حينما نجد الحديث مرويا بلفظ، ويأتي الراوي فيرويه بذلك اللفظ، ويزيد عليه لفظا آخر؛ تلبية لرغبة بعض الحكام، أو ما إلى ذلك، وهذا يعني المثال يمكن أن يورد في أسباب الوضع في الحديث.(1/310)
فلننتقل إلى أسباب الوضع في الحديث، ما هي أسباب الوضع في الحديث؟ نقول أسباب الوضع في الحديث عديدة، فأولها-يعني اسمحوا لي أنا سأوجز وأن تراعوا مسألة الوقت- أول هذه الأسباب: الزندقة والطعن في الإسناد.
ويمكن أن تأخذوا مثالا على ذلك، ذلك الحديث الذي أوردناه قبل قليل: إن الله خلق الفرس إلى آخره.. والزنادقة كثيرون، وبخاصة أنهم برزوا في عصر الدولة العباسية، حينما دخل هؤلاء الذين تزندقدوا في دين الإسلام ليطعنوا فيه من الداخل، وكان الخليفة المهدي العباسي -رحمه الله- حينما رأى هؤلاء الزنادقة قد كثروا؛ أنشأ ديوانا خاصا لتتبع هؤلاء الزنادقة، وكان لا يرحمهم إطلاقا، فإذا مسك أحدهم أعمل فيه السيف على طول، يعني لا يتردد في قتله -رحمه الله-؛ فلذلك يعني سمي قصاب الزنادقة المهدي، وما أحوجنا للمهدي الآن، يعني حقيقة لو كان موجود مثل هؤلاء الحدثيين يعني يتكلمون ويتفوهون بهذه الأمور، هؤلاء الزنادقة يعني وضعوا أحاديث كثيرة، حتى أن أحدهم قال: إنه وضع أربعة آلاف حديث، يقول لهارون الرشيد: ،كيف..؟ -حينما عرضه على القتل- قال: كيف تقتلني وقد وضعت أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام؟!
قال: أين أنت يا عدو الله، من أبي إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك، ينخلانها لك نخلا. يعني: يبينانها ولا يبقى لك منها شيء، وبحمد الله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (1)
__________
(1) - سورة الحجر آية : 9.(1/311)
من أسباب الطعن في الحديث أيضا: التعصب المذهبي، والتعصب المذهبي في الحقيقة ضرب أطنابه -وللأسف- بين بعض أفراد الأمة المحمدية، وبعض الذين فيهم خفة في الدين؛ تجد أنه ينتصر لمذهبه بطريق وضع الأحاديث على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فأصبحت هذه المسألة بمنزلة العصبية القبلية، فتجد مثلا بعض الحنفية - هذا مثال نورده - وضع حديثا لرفع شأن أبي حنيفة وذم الشافعي، -رحمهما الله تعالى-؛ والسبب أن النزاع بين الحنفية والشافعية كان على أشده في فترة مضت؛ فوضع حديثا على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: يكون في أمتي رجل يقال له: أبو حنيفة النعمان، هو سراج أمتي، ويكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس - أي الشافعي -، هو أضر على أمتي من إبليس، فهذا من أسباب الوضع ، سبب العصبية المذهبية.
كذلك أيضا بعض الحنفية، حينما أحرج في مسألة رفع اليدين في الصلاة، عند الركوع، وعند الرفع منه، ويعني في المواضع التي ترفع فيها اليدان، وذكر له الأحاديث الصحيحة، يعني التي تصل إلى درجة التواتر في هذا، وضع حديثا على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدم رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه، كل ذلك لينتصر لمسألة فقهية، والعياذ بالله. فهذه من الأمثلة على العصبية المذهبية.
من الأسباب أيضا، أسباب وضع الحديث: الانتصار للأفكار السياسية والخلافات العقائدية. وهذا بابه واسع، ومن أمثلته: تلك الأحاديث التي وضعها الرافضة -لعنهم الله- في القذف، في بعض صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل: أبي بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما-، وعائشة -رضي الله عنها- وغيرهم من الصحابة.(1/312)
وفيها أيضا أحاديث وضعوها؛ لإبراز فضائل أهل البيت، فمع أن فضلهم ثابت بأحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنهم لم يكتفوا بهذا، وإنما وضعوا أحاديث -في الحقيقة- هم شانوا بها أهل البيت، ولم يبرزوا فضلهم بتلك الأحاديث؛ لأنها أحاديث واضح فيها تماما أنها موضوعة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن أمثلتها مثلا:
ما رواه الحاكم في كتاب "المستدرك" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها وأصل الشجرة في جنة عدن.
فواضح تماما أن هذا الحديث من وضع الرافضة؛ لأن فيه مدحا لهم.
وأمثلة هذا كثير، مثل حديث: النظر إلى علي عبادة، إلى غير ذلك من الأحاديث التي فيها انتصار لهذه المذاهب السياسية، والخلافات العقائدية.
من أمثلة ذلك أيضا: الخلاف الدائم بين أهل السنة والمرجئة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، فتجد أن بعض المرجئة وضع حديثا على أن الإيمان كتلة واحدة، لا يزيد ولا ينقص، زيادته كفر ، ونقصانه شرك ، وهذا مخالف لنص القرآن، ولصحيح السنة النبوية، وبلا شك أنه حديث موضوع، لا يتردد عالم إطلاقا في الحكم عليه بالوضع .(1/313)
من أيضا الأسباب التي تدعو لوضع الحديث، ذكروا: التقرب إلى الحكام ، وهذا هو المثال الذي أردت أن أورده قبل قليل، من أمثلة ذلك كما يمثلون: قصة ضيافة إبراهيم النخعي مع الخليفة المهدي العباسي، يقولون: إن الخليفة المهدي كان مولعا بلعب الحمام، ودخل عليه هذا الرجل إياس بن إبراهيم، فقال أحد جلساء المهدي لإياس بن إبراهيم: حدث أمير المؤمنين بحديث فيه فضل الحمام، فإنه يحب الحمام، فجاء بحديث صحيح أصلا، وهو حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر. " هذا حديث صحيح، فزاد فيه: أو جناح. أي الحمام، ففطن المهدي إلى أن هذا الرجل وضع هذا الحديث تقربا إليه، قالوا: فأعطاه مائة دينار أو مبلغا من المال، وأمر بذبح الحمام، وقال بعدما ذهب ذلك الرجل: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما أنا الذي دفعته لذلك؛ فأمر بذبح الحمام .
هذه القصة وردت في كل الكتب تقريبا التي تتحدث عن الوضع في الحديث، ويمثلون بها على هذا السبب، لكن هذه القصة يعني أقول لكم: إنها لا تصح ولا ثبتت عن المهدي؛ لأسباب كثيرة بينتها، كنت كتبت فيها كتابة نشرت في مجلة المجاهد، و قد أخذها أحد الإخوة، ووضعها في كتاب "قصص لا تثبت"، و من أراد أن يطلع عليها مفصلة، فليرجع إليها .
خلاصة ذلك أن المهدي -رحمه الله- عرف بأنه من الناس الذين لا يمكن أن يقبلوا مثل هذه الترهات، كما قلت لكم: هو قصاب الزنادقة، فلا يمكن أن يثبت عن هذا الرجل إطلاقا، هذا أمر .(1/314)
الأمر الآخر: أن هذه القصة من حيث الإسناد، لا نجد لها إسنادا متصلا إلى المهدي، فهي يعني لا تصح سندا، مع ذلك إياس بن إبراهيم هذا تكلم فيه العلماء، لكن لو فتحنا كتب الرجال التي تتكلم عن هؤلاء الرجال، لا نجد أحدا من العلماء كالإمام أحمد ويحيى بن معين، وهم تكلموا فيه، لكن لا نجد أنهم وصفوه أو قالوا عنه: إنه وضاع؛ لأنه فعل كذا وكذا، وذكروا هذه القصة، فلو كانت القصة معروفة، ما أهملوها، ولتكلموا في الراوي بسببها، إلى غير ذلك من الأسباب التي ذكرتها، فعلى كل حال هذه القصة لا تثبت، لكن قد يكون هناك بعض الأحاديث التي يضعها بعض هؤلاء السفلة لأجل التقرب إلى الحكام، قد يكون هذا موجودا، لكن هذه القصة في حد ذاتها يعني فيها ما فيها مما ذكرت.
هناك أسباب أخرى أيضا، لا أطيل بها عليكم، مثل أن: بعضهم يضع لحوائجه وأغراضه الشخصية مثل: رجل حينما يعني هو أعمى، فيبدو أنه كان يشكو من أنه لا يجد أحدا يقوده؛ فوضع حديثا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من قاد أعمى أربعين خطوة؛ فله كذا وكذا من الأجر؛ حتى يقوده الناس.
رجل آخر كان يعني بياع باذنجان، وغير ذلك، فوضع حديثا في فضل الباذنجان. آخر وضع حديثا في الهريسة، قال: إنها يعني تشد الظهر لقيام الليل. رجل آخر جاءه ابنه وهو يشكو من ضرب المعلم له، فقال -وهذا اسمه سعد بن ضرير- فقال: ضربك، والله لأفضينهم اليوم، فوضع حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: معلمو صبيانكم شراركم، وأخذ في سرد يعني بعض الأشياء.. المهم أنها كثيرة لانطيل بها، فالشاهد أن هذه هي تقريبا مجمل الأسباب التي تدعوهم إلى وضع الحديث، ونقف عند هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
س: أحد الإخوة يقول: ما معنى كلمة زنديق ؟
ج: .أقول باختصار الزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر .
س: يقول الأخ: ما هي صحة وسنية قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ؟(1/315)
ج: أقول ورد فيها بعض الأحاديث التي صحيح مسلم، لكن ليس في قراءة سورة الكهف كلها، وإنما في قراءة مثلا عشر آيات من أولها، أو آخرها، لكن الذي ورد في قراءة سورة الكهف كلها، يعني رواه البيهقي وغيره وابن القيم، يذهب إلى أن هذا الحديث حديث حسن، والذي أعرفه أيضا أن الذي يظهر الشيخ الألباني أيضا حسنه، فعلى كل حال -إن شاء الله- يعني ما دام أصله في صحيح مسلم، ومسألة يعني ذكر كم السورة وارد في حديث آخر يعني -إن شاء الله- لا بأس من العمل به .
س: أحد الإخوة يقول: س. ذكرت أن عصر التدوين انتهى منذ زمن، فهل انتهى عصر الوضع في الحديث بانتهاء عصر التدوين؟
ج: أقول الأصل أنه انتهى، لكن -وللأسف- وجدنا يعني بعض الكتب التي خرجت في الأخير، وهي من الكتب الموضوعة، يعني في علوم الحديث المشتهرة بين أهل السنة، نعم، انتهى عصر الوضع؛ لأنه انتهى عصر الرواية، لكن وجدنا في الأخير كتابا خرج، والحقيقة أنه لفت نظري منذ زمن حينما كان معرض الرياض الدولي، وهو في عام ألف وأربعمائة وواحد، وكان أول مرة ينزل فيها هذا الكتاب حسب علمي اسمه"مسند الربيع بن حبيب الجامع الصحيح" وحينما فتحت مقدمته إذا به يقول: هذا أصح كتاب بعد كتاب الله -جل وعلا- فالمهم بعد يعني التحقيق والتدقيق عرفنا أن هذا الكتاب من كتب الروافض، من كتب الخوارج الإباضية، وهم الذين وضعوا هذا الكتاب في عصور متأخرة، والقرائن على هذا والأدلة كثيرة جدا ، يعني منها على سبيل السرعة: أن هذا الكتاب لا يوجد له أصل خطي قديم، طولبوا فلم يوجدوا أصلا خطيا لهذا الكتاب ،والأصل أن كل الكتب أصولها الخطية موجودة، هذا شيء .(1/316)
الشيء الآخر: أن نفس الربيع بن حبيب هذا، شخصية لم تلدها النساء، ما وجد في التاريخ شخص اسمه الربيع بن حبيب الفراهيدي، هذا الذي يزعمونه، هذه كتب الرجال موجودة، وهم يقولون: إنه توفى في حدود سنة مائة وسبعين للهجرة، هذه كتب الرجال موجودة، وذكرت أهل السنة، والروافض، والخوارج، والمعتزلة، وغيرهم، كل الفرق وكل.. موجودين فيها، والثقات، والضعفاء، والمجانين، والوضاعين، وكل من هو في هذه الفرق، فأين هذه الشخصية؟ ما ذكرت إطلاقا، ولا في كتاب واحد، ثم أيضا شيخ الربيع بن حبيب هذا، وأظنه أنه يقال له: أبو عبيدة، هذا أيضا نفس الشيء، ما له ذكر في كتب الرجال إطلاقا، كذلك أيضا الذي يعني جمع الكتاب فهو اسمه الورجلاني ، يزعمون أنه أظنه في القرن السادس كما يقولون، أيضا ما له ترجمة إطلاقا، اللهم إلا في كتاب متأخر يعني أخذه عنه هم أنفسهم، وهو كتاب "نظم الإعلام" للزركلي ، فالشاهد يعني أنه يعني بحسب طرق التوثيق العلمي لا يصح لهم، أو لا يمكن أن يثبتوا صحة هذا الكتاب إطلاقا، فهذا دليل على أنه قد يرد الوضع في هذا العصر المتأخر .
س: أحد الإخوة يقول: إنه ينتظر إجابتي على السؤال الذي أرسله إلي يوم الخميس الماضي، وهو كيف الجمع بين حديث أبي هريرة: " من قرأ آية الكرسي لم يقربه شيطان " وحديث: " إذا نام أحدكم عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد " ؟
ج: أقول للأخ: حقيقة أنا حاولت أن أبحث على وجه السرعة، يعني عن كلام للعلماء، فما وجدت، والمسألة يعني تحتاج إلى يعني كثرة بحث، وأنا ما أسعفني الوقت ، فلعلي -إن شاء الله- ، -بإذن الله- أحاول أن ألبي رغبتك.
س: أحد الإخوة يقول: إنه شاب متحمس لطلب العلم، ولكنه عنده رغبة شديدة جدا للجهاد، فأيها يقدم؟ وما هو المكان الذي فيه جهاد صحيح؟
ج: أقول: يا أخي إذا جاء الجهاد فجاهد ، وأما الآن فاطلب العلم.(1/317)
س: أحد الإخوة يقول : س. إنني ذكرت أن الحافظ ما رتب هذه الألفاظ، يعني على بحسب الطعن في العدالة مثلا، والطعن في الحفظ ،مع العلم أنه ذكر في صفحة مائة وست عشر، ولم يكن يعتنى بتمييزأحد القسمين من الآخر لمصلحة اقتضى ذلك، وهي ترتيبها على الأشد، فالأشد، بموجب الرد، فهل هذا يكون رأيا رأيته أرجح من رأي الحافظ؟ أم ماذا؟
ج: أقول: الحقيقة يعني كما أن الحافظ -رحمه الله- يعني فصل هذه الأمورعلى أساس بسبب قوة رد الحديث، لكنه قد ينازع في بعضها، فمن ذلك يعني على سبيل المثال: حينما قدم من فحش غلطه أو غفلته على من ظهر فسقه، والحقيقة أن من ظهر فسقه حديثه أشد في الضعف ممن فحش غلطه، أو ظهرت غفلته؛ لأن فحش الغلط والغفلة من الطعون التي في الحفظ، والطعون التي في الحفظ أضعف من الطعون التي في العدالة، فالمطعون في عدالته هذا مرفوض حديثه تماما، أما أولئك فقد يعني ينجبر حديثهم في بعض الأحيان إذا كان مثلا يعني غلطه ليس فاحشا بالمرة؛ لأن المسألة نسبية، والغفلة أيضا لم تصل لدرجة الغفلة التي تدخل معها الأحاديث الموضوعة في مرويات الراوي، وهذه -إن شاء الله- ستأتي الإشارة إليها بعد يعني كم درس، وإن كانت أيضا على الإيجاز.
فعلى كل حال يعني أنا قلت: إن ترتيبها بحسب ما هو مقسوم إلى عدالة، وإلى ضبط، هذا يعني رأي ارتأيته، والحافظ -رحمه الله- رأيه أيضا له وجاهته، فالأمر هين إن شاء الله .
س: يقول الأخ: هل الفرد النسبي فقط هو الذي يحتاج إلى متابعات وشواهد ؟
ج: نقول: بالنسبة للفرد النسبي هو الذي يمكن -يعني من حيث الإمكان- أن نأتي له بمتابعات وشواهد، أما الفرد المطلق فنحن ما حكمنا عليه أنه فرد مطلق إلا في حالة ماذا؟ في حالة فقدان المتابعات والشواهد، وإلا لو وجد متابع أو شاهد لم يصح إطلاقا أن نصفه أنه فرد مطلق. فأرجو الأخ السائل يعني أن يتنبه لهذا.(1/318)
س: يقول: ما هو السبب أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أنه جعل الجهالة من عدم العدالة، فهل يمكن أن نقول هذا السبب يتعلق بالعدالة وعدم الضبط ؟
ج: يعني ما فهمت قول الأخ، جعل الجهالة من عدم العدالة، يعني هل جعلها من الطعون في العدالة، أو جعلها من الطعون في الضبط ؟ على كل حال، الحافظ أنا لا أذكر الآن عبارته ، لكن معروف بأن الجهالة من الأشياء التي تدخل في الطعن في العدالة؛ لأن المجهول لم تتحقق عدالته.
س: يقول ما رأيك في تحقيق شعيب الأرناؤوط "لشرح السنة"، وعبد القادر الأرناؤوط "لجامع الأصول"، وتحقيق "العقيدة الطحاوية" لبشير عيون، وكذلك شعيب الأرناؤوط، ما رأيك في تحقيق "عمدة الأحكام" لمحمد عبد القادر الأرناؤوط؟
ج: أقول: أما عبد القادر الأرناؤوط، فالرجل يعني حسب ما ظهر لنا حتى الآن -ولله الحمد- أنه من أهل السنة، وهذا واضح في تعليقاته على "جامع الأصول" فهو يتعقب ابن الأثير، أذكر من ذلك مثلا حديث النزول، نزول الرب جل وعلا في الثلث الأخير من الليل؛ لأن ابن الأثير -رحمه الله- أشعري فهو أول النزول، أما عبد القادر الأرناؤوط -جزاه الله خيرا- فعلق على المسألة تعليقا جيدا، أما شعيب الأرناؤوط ف.. يعني الإخوة الذين يعرفونه يصفونه يعني بأنه ليس على منهج أهل السنة في باب الاعتقاد، أقل ما هنالك أنه أشعري، أو ماتريدي، وأن الرجل يعني قد لا يظهر هذا واضحا جليا في تحقيقاته؛ لأن المسألة يعني تدخل فيها الناحية التجارية؛ لأنه هو الذي يتولى مكتب التحقيق لمؤسسة الرسالة، أما بالنسبة لبشير عيون ومحمد عبد القادر أرناؤوط، أو محمد عبد القادر الأرناؤوط فلا أعرفهم.(1/319)
س: أحد الإخوة يقول :علم المصطلح من علم الوسائل كما عرفنا منكم، وثمرته وفائدته معرفة الحكم على الحديث، ولي هنا اقتراح: لو أعطيتنا ثلاثة، أو خمسة أحاديث فيما سبق دراستها، وكل واحد منا يحاول البحث في هذه الأحاديث من مراجع تحدد، ويكون في الأسبوع القادم إعلان الإجابة من فضيلتكم، وإذا أردتم تجمع الأوراق وتصحح وتطلع نتيجة البحث وإعلان الفائزين، ثم تعلق أيضا الإجابة الصحيحة.
ج: أقول: والله يعني هذا، أنا أحب الاقتراحات في الحقيقة التي ينبني عليها ناحية عملية، لكن لعل الأخ يعني يحاول يتصل بي وننظر يعني في الاقتراح؛ لأنه غير محرر في نظري، لكن أنا في الحقيقة يعني كنت عازما على أنه في الأخير لعلنا -إن شاء الله- يعني نحاول ننهي الكتاب، ويبقى معنا مثلا يومين، أو في حدودها، وتكون هناك مراجعة سريعة مع الأمثلة، على ما أخذناه تماما، بعدما نكمل أنواع علوم الحديث، هذا الذي كان في نيتي، أما الآن بناء على مطلب الأخ، فأنا حتى الآن ما وضح لي مطلبه؛ لأنه قد يكون فيه شيء من الصعوبة فيما يتعلق ببعض الأمور .
س: أنا امرأة لي زوج يترك في كل يوم أو أكثر، صلاة، أو صلاتين، متكاسلا ومتساهلا، لا جاحدا، فما حكمه؟ وإن كان خرج من الإسلام - أعاذنا الله وإياكم من ذلك - فهل يجب علي الطلاق منه، مع أنني قد نصحته مرارا؟
ج: أقول لها: لا يجب عليك الطلاق منه، لكن الذي يجب عليك كثرة مناصحته، ومحاولة يعني تهديده، إذا كنت يعني تشعرين بعظم مكانته عندك .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
يوم غد في العصر حسب ما فهمت، ليس هناك درس، فهل ترون أن نجعل درسنا في العصر، مثل الأسبوع الماضي ؟
السكوت علامة الرضا، ولا إيه.
طيب: يعني -أيضا- نحاول أن نستغل الوقت، ونمشي في المراجعة، لعل الدرس الليلة البارحة سهل، -إن شاء الله- ، يعني ما يحتاج مراجعة.(1/320)
يعني كلام عن الحديث الموضوع، وكله عبارة عن أمثلة ما يحتاج إلى مراجعة، بقي في درس البارحة الإشارة إلى أن الوضع قد يكون بقصد وقد لا يكون بقصد، ومعظم الأحاديث الموضوعة تكون مقصودة، يقصد واضع ذلك الحديث أن يضع ذلك الحديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - لسبب من الأسباب التي مر ذكرها، إما بسوء نية، أو بنية -حتى ولو كانت صالحة- لكنها لا تعفي صاحبها من الإثم، لكن الوضع أحيانا قد يكون بغير قصد، وهذا يعني ما سيأتي -إن شاء الله- التميثل له بعد قليل في الكلام على الحديث المدرج؛ لأن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- جعل هذا النوع من أنواع الإدراج في الحديث، وسأمثل إليه وأشير لكم إلى أن هذا الحديث موضوع بعد قليل بإذن الله.
بقي كذلك الكلام علىالحديث الموضوع، هل هو كله على نسق واحد؟ بحيث إن واضعه يختلق ذلك الكلام من تلقاء نفسه، أو هو أنواع؟
نقول: إن واضع الحديث في كثير من الأحيان، يضع الحديث من تلقاء نفسه، كلام يريد أن يقوله، فيضعه، ويضع له إسنادا، وينسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه أحيانا، قد يعجب بحكمة قيلت، أو بكلام وجده لأحد من المتقدمين، أو المتأخرين في وقته، فإذا أعجب بذلك الكلام وضع له إسنادا ونسبه للنبي، عليه الصلاة والسلام.
بقي كذلك الإشارة إلى حكم وضع الحديث، والحكم على واضع الحديث على النبي، - صلى الله عليه وسلم - .
من الأمور التي اتفق العلماء عليها قديما وأخيرا وبإجماع على أن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - حرام، بل كبيرة من الكبائر.
هذا لا نزاع فيه، ولكن من صنع ذلك الصنيع، فما حكمه؟(1/321)
من العلماء من ذهب إلى تكفير من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - متعمدا، مثل والد الجويني -الذي يقال له إمام الحرمين- والده هو أحد العلماء، وهو ممن رأى تكفير من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم، وكما ترون الحافظ ابن حجر يفتي على..، أو يعني كلامه يشير إلى أن الكاذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكفر حينما قال: واتفقوا على أن تعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر، وبالغ أبو محمد الجويني، فكفّر من تعمد الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم.
فعدُّه تكفيرَ الجويني لمن كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - مبالغة، يدل على أنه يرجح الرأي الآخر، لكن هل هذا الكلام بإطلاق؟ نقول لا، هذا ليس على إطلاقه، بل هذا يمكن أن ينصرف إلى مثل ذلك العابد الجاهل، الساذج أبي عصمة نوح بن أبي مريم الذي مثلت لكم بصنيعه البارحة، حينما سئل عن الحديث الذي وضعه في فضائل القرآن، سورة سورة، فزعم أنه وضع ذلك الحديث يتقرب إلى الله -جل وعلا- به وأنه رأى إقبال الناس على فقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، وانصرافهم عن كتاب الله -جل وعلا- فوضع ذلك الحديث؛ ليرغبهم في كتاب الله -جل وعلا-.
وكذلك -أيضا- فئة يقال لهم الكرامية، أتباع محمد بن كرام، هذه الفئة يزعمون أنهم يضعون الحديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - قربة واحتسابا لله -جل وعلا- ويقولون: إن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " لا ينطبق علينا! لماذا؟
قالوا: لأنه -عليه الصلاة والسلام- يقول: " من كذب علي " ونحن لا نكذب عليه، وإنما نكذب له، هذه حجتهم.
بإجماع يعني -خاصة أهل السنة- وبعض -أيضا- غير أهل السنة، كالأشاعرة وغيرهم أن هذه الفئة مخطئة في تصورها، لكن ما هو الحكم عليها ؟ أتكفر أم لا تكفر ؟(1/322)
هذان الصنفان، يعني العباد الجهلة والكرامية، الذين يستبيحون الكذب بهذه الصورة، هم الذين يمكن أن ينصرف إليهم ترجيج الحافظ ابن حجر، وعده كلام أبي محمد الجويني مبالغة، لكن إذ وجد هناك إنسان يحل الحرام، ويحرم الحلال على الناس، ويضع الأحاديث لهذا الغرض، يكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحل الحرام، ويحرم الحلال، أو يغير بعض الشعائر؟ لنفرض أن إنسانا وضع حديثا، فيه أن الصلاة غير واجبة، أو أن الزكاة غير واجبة، أو نحو ذلك مما انعقد إجماع الأمة الإسلامية على وجوبه، أو على حله، أو على حرمته، أو ما إلى ذلك، فما هو الحكم الشرعي على هذا الإنسان؟
نقول: من تصرف هذا التصرف، فهو الذي يكفر؛ لأنه كالذي يعتقد يعني عدم وجوب الصلاة، أو يجحد وجوبها، ونحو هذه الاعتقادات. فهذا بهذه المثابة تماما.
فالأمر إذا يختلف، فرق بين إنسان تأول تأولا الإجماع منعقد على أنه مخطئ في تأوله، ولكن نيته حسنة، كأولئك العباد الجهلة، وفرق بين إنسان يضع بقصد آخر، كتحريم الحلال، أو العكس، أو إنكار بعض الواجبات، أو غير ذلك من الأمور التي يعني لا تخفى على أحد من أهل القبلة.
فهذا الصنف هم الذين يكفرون، وهم الذين يمكن أن ينزل عليهم كلام الأئمة الذين كفروا، اللهم إلا أن يكون ذلك الإمام صرح في حكمه على أناس غير هذا الصنف.
المسألة تقريبا الأخيرة في مسألة الوضع في الحديث: ما حكم رواية الحديث الموضوع؟
هل يجوز لأحد أن يرويه، أو لا يجوز، أو على الأقل يذكره، أو لا يجوز؟
أقول: لا يجوز إطلاقا ذكر، أو رواية الحديث الموضوع إلا بأحد الأغراض الشرعية، إما لبيان أنه موضوع، يذكره الواحد ليبين للناس أن هذا الحديث موضوع، أو بقصد التعليم والتمثيل، مثل الأمثلة التي سقناها، أو بقصد الامتحان، وهذا لعله يأتي فيما بعد إن شاء الله.(1/323)
إذا كان وضع الحديث ليمتحن به محدث من المحدثين ليختبر حفظه، وهل هو ممن يمكن أن تدخل عليه الأحاديث الموضوعة، ، أو لا، فهذا لا بأس به، لكن اشترطوا أن يبين الممتحن أن هذا الحديث موضوع في الحال، ولا يجوز له أن يسكت، أو يرى أحدا من المجلس الحضور قام، ويتركه يقوم، وهو على اعتقاده بأن هذا الحديث فعلا مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز بحال من الأحوال أن يذكر هذا.
فالشاهد أن الحديث الموضوع، ليس بحديث، ولا تصح نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يغرر به الناس، أو يتساهل في ذكره للناس، حتى يعتقدوا أنه حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعرف أن العوامّ هوامّ، لا يعرفون موضوعا من ضعيف من صحيح من غير ذلك، مجرد ما تنسب الحديث للنبي - صلى الله عليه وسلم - يعتقدون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - روى ذلك الحديث.
إذا علمنا هذا -أيها الإخوة- أن ذكر الحديث الموضوع، إنما هو بهذه الشروط، فلنعلم أن من يتساهل من الوعاظ والمذكرين والخطباء والمحاضرين وغيرهم ممن يتصدى للكلام مع الناس، من يتساهل في رواية الحديث الموضوع، ويعني اعتمادا على أن الحديث الضعيف يجوز ذكره في فضائل الأعمال.
ولا يعرف الفرق بين الحديث الضعيف الذي يجوز ذكره عند طائفة من العلماء -كما سيأتي -إن شاء الله- الكلام عليه- وبين الحديث الموضوع الذي لا تنطبق عليه هذه الشروط التي اشترطوها، فبلا شك أن هذا الإنسان على خطر عظيم جدا، حينما يذكر هذه الأحاديث.(1/324)
أقول هذا؛ لأنني مرة استمعت إلى خطبة أحد الخطباء، وهو يذكر تلك القصة التي لا تصح، وحاشا لله أن تصح، وهي قصة حاطب بن أبي بلتعة، جعلها قاعدة أساسية لخطبته، وانطلق منها، ولو سمعتم كلامه وحماسه في مسألة الزكاة والامتناع عن دفع الزكاة، وما إلى ذلك لتعجبتم من قوته وتفاعله مع الخطبة، لكن خطبته كلها مبنية على جرف هار، على مثل الرمل، يعني ليست على قاعدة صلبة، مبنية على حديث يعني إما موضوع، أو شبه الموضوع، فمثل هذا لا يجوز بحال من الأحوال لإنسان أن يتصدى لتذكير الناس ووعظهم، وهو لا يفرق ولا يعرف الحديث الصحيح من غير الصحيح؛ لأن هذا يضر نفسه ويضر غيره، والإنسان يتقي الله جل وعلا.
إذا لم يكن عنده من العلم ما يؤهله لتمييز الصحيح من السقيم، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها؛ ليعرف مدى جهله ويطلب العلم، والبروز والتصدي أمام الناس ليس هذا وقته، ينبغي للإنسان أن ينتظر حتى ينضج علميا، أما التساهل والتسرع، وربما بعض الناس يأتي بحجة مثلا أنه يريد أن يتدرب، أو ما إلى ذلك، أو قد تأخذه العاطفة والغيرة في مسألة من المسائل، لكنه يغار على منكر، ويقع في منكر أشد منه، فأقول هذا يعني على وجه الاختصار تحذيرا من أن نتساهل في مثل هذه الأمور، أو أن نقع فيها.
وكذلك أيضا يبنغي أن ينشر مثل هذا الفهم بيننا، وإذا ما رأينا أحدا من الناس يتساهل في ذكر الأحاديث ونسبتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي ألا نجامله، بل نمسكه بعدما يتكلم، ونقول: هذا الحديث ما مدى صحته، فإذا قال: والله ما أدري، أو ذكر في الكتاب الفلاني، نقول: يا أخي ما يجوز لك.هل يكفي هذا؟ هذا لا يجوز أنت يا أخي قد تكون مشغولا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكذابين، أو أحد الكاذبين علي " يعني اختلاف في الروايات في هذا.
س: الأخ يسأل يقول: إذا تكلم أحد أمام الناس، فهل معنى ذلك أن الأحاديث التي يذكرها صحيحة؟(1/325)
ج: نقول: الأصل يعني أن الإنسان لا يتصدى إلا، وهو متمكن، ويعرف ماذا يخرج من رأسه، أما إذ ا كان يعني متساهلا، فهذا بلا شك أنه على خطر عظيم، لكن نحذر -أيضا- الناس ألا يقبلوا من أحد إلا من عرف بتحريه، إذا عرف أن هذا الإنسان يتحرى الصحيح من السقيم، ويستطيع أن يفرق بين الصحيح والسقيم، عالم يوثق بعلمه، فهذا لا بأس، أما مجرد ما يأتي إنسان صغير في السن، يعني يريد فقط أن يتدرب على الكلام أمام الناس، وما إلى ذلك، فهذا يعني ينبغي أن يكون الناس حذرين منه أشد الحذر، ومما ينقل، اللهم إلا أن ينقل أمرا ينسبه لأحد العلماء، فكأن ينقل حديثا يقول في الصحيحين، أو في أحدهما، أو هذا حديث صححه فلان من الأئمة المعتبرين، فهذا -إن شاء الله- يعني لا بأس، هذا كله الكلام آت على الطعن الأول الذي في العدالة، وهو نسبة الراوي إلى الكذب ووضع الحديث.
أما القسم الثاني من الطعن في العدالة -أيضا- فهو قريب من هذا القسم وإن كان أخف منه قليلا، لكن الحكم يعني تقريبا لا يعتبر الفارق بينهما كبيرا.
هذا النوع الثاني هو تهمة الراوي بالكذب، ووضع الحديث، إذا ما فتحنا كتب التراجم نجد أن هناك من الرواة من يجزم العلماء جزما بأنه يضع الحديث، ويكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولربما ذكروا بعض الحكايات والقصص التي حصلت منه، والتي يستدلون من خلالها على ما ذهبوا إليه من وصفه بالكذب، ووضع الحديث، مثل ما ذكرته لكم من قصة أبي عصمة نوح بن أبي مريم وغير ذلك من القصص.(1/326)
لكن -أحيانا- قد يكون هذا الحكم من العلماء ناشئا لا من قصة، أو حدث صريح جدا، ولكن هو قريب منه مثل أن يسبروا تلك الأحاديث التي يرويها ذلك الراوي، ويجدوا أن هذه الأحاديث التي يرويها جميع رجال أسانيدها ثقات، ما عدا ذلك الرواي نفسه، ويعرفون -علماء الحديث- يعرفون أن هذه المتون، هذه الأحاديث التي تروى بهذه الأسانيد، هي أحاديث موضوعة منكرة، لا يمكن أن تقبل بحال من الأحوال، وعندهم موازين -كما قلت لكم- ثابتة، مثل بعض الأمور التي ذكرناها ليلة البارحة، مثل مخالفة الحديث للقرآن، أو لحديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كونه مما -يعني- تجفاه العقول الصحيحة السليمة، أو كون المتن فيه نكارة، فيه ركة في اللفظ، أو فيه مخالفة لواقعة تاريخية، أو غير ذلك من الأمور التي يستدل بها على أن ذلك المتن لا يمكن أن يقبل، فعندهم معايير وموازين ثابتة، وهم أناس الله -جل وعلا- كما قلت لكم سابقا- اصطفاهم لخدمة دينه، فإذا كان هؤلاء العلماء حكموا على راو من الرواة بحكم تتبعهم لرواياته ووجودهم الموضوعات فيها، حكموا على ذلك الراوي بأن أحاديثه أحاديث موضوعة، واتهموه بالكذب ووضع الحديث، بلا شك أن هذه تهمة، هي دون الدرجة الأولى، ، وهي الجزم بأنه يكذب ويضع الحديث، لكن يعني الحكم متقارب بين هذا الصنف وبين الصنف السابق، فإذن هم يمكن أن يستدلوا على هذا بسبر بعض مرويات ذلك الراوي.
هذا القسم الثاني من أقسام الحديث المردود بسبب طعن في الراوي، يقول الحافظ ابن حجر عن تسميته المتروك: ولكن هذا يعني، يمكن بعد أن استقروا الاستصلاح في الأخير، ولكن هل فعلا هذا الصنف من الناس، يعني لو نظرنا في أحكام العلماء على أحاديثهم نجد أن أحكامهم على تلك الأحاديث منضبطة مائة في المائة، أنهم يقولون عن ذلك الحديث الذي يرويه راو متهم بالكذب: إنه حديث متروك، يعني مثل واحد زائد واحد يساوي اثنين، نقول: لا.(1/327)
بل ينبغي أن نعلم أن العلماء يجعلون حتى الحديث الموضوع من أنواع الحديث الضعيف؛ ولذلك ينبغي ألا تستغربوا إذا وجدتم عالما من العلماء وبخاصة المتقدمين يقول عن حديث من الأحاديث: إنه ضعيف، وبعد أن تنظر وإذا بالحديث موضوع، لا تظن أن هذا العالم تساهل، بل عنده أن الضعيف أنواع: فمن أنواع الضعيف: الموضوع، ومن أنواعه: المتروك **وهو الضعيف جدا، ومن أنواعه الضعيف الذي يمكن أن ينجبر، إلى غير ذلك من الأنواع، ويمكن أن أمثل لكم بمثال.
لو ذهبتم إلى الكتب، وتتبعتم أقوال العلماء تجدون كلامي، يعني واضحا في هذه المسألة.
فهناك حديث رواه البيهقي في شعب الإيمان وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح " هذا الحديث ذكره البيهقي في كتابه شعب الإيمان، وضعف إسناده، وضعف إسناده غيره من العلماء من جملتهم الحافظ العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين، وبعد النظر في إسناده نجد أن الرجل الذي تفرد بهذا الحديث يقال له: سليمان بن عمرو أبو داود النخعي، لو طالعنا في ترجمته في ميزان الاعتدال، ولسان الميزان نجد أن هناك أكثر من ثلاثين عالما كلهم رموه بالكذب ووضع الحديث.(1/328)
فباتفاق أنه رجل كذاب، ويضع الحديث، فليس فيه يعني أدنى خلاف، ومع ذلك قالوا عن هذا الحديث الذي تفرد به، قال بعضهم عنه: إنه حديث ضعيف، وقل أن تجد مقالا عن هذا الحديث: إنه موضوع، بل إن السيوطي زعم في مقدمة كتابه "الجامع الصغير" إنه صان كتابه هذا عما تفرد به وضاع، أو كذاب، فلا يدخل في كتابه هذا الذي هو "الجامع الصغير" الأحاديث الموضوعة، هذا زعمه، ومع ذلك ذكر هذا الحديث وذكر أن البيهقي أخرجه ثم حكم عليه بالضعف فقط، فمن هنا نعلم أن من الناس من يغتر أحيانا كالسيوطي بأحكام العلماء، ولا يتتبع، ويرى سبب العلة، وإلا لو نظر السيوطي، وعلم أن سبب تضعيفهم لهذا الحديث هو وجود هذا الراوي الذي رماه أكثر من ثلاثين عالما بالكذب ووضع الحديث، لما حكم عليه بهذا الحكم، ولكنه قلد العراقي وقلد البيهقي، بالحكم الظاهر، ولم يعرف أنهم يعنون بهذه الكلمة الضعف عموما، لكن أي أنوع الضعف هو، هم لم يخصصوه، أقول هذا لأني يعني ما وجدت من يطلق كلمة المتروك على الحديث إلا أندر من النادر، فلا تظنوا أن هذه اللفظة يعني يكثر استعمالها عند العلماء، فلربما بعضكم مثلا نظر إلى هذا التقسيم الاصطلاحي، وظن أن بعض الأحاديث التي يقال عنها إنه حديث ضعيف، أنه يعني بها الضعف غير الشديد، لا، لا تفهموا هذا الفهم بل لا بد من التدقيق.
القسم الثالث: الذي يقول فيه الحافظ ابن حجر: هو من فحش غلطه، وكثرت غفلته وظهر فسقه
هذا الصنف، هؤلاء الأصناف الثلاثة، قال عن حديثهم إنه حديث منكر، وهذا على رأي بعض العلماء.
من هم؟ نحن -تذكرون أننا تكلمنا عن الحديث المنكر، وقلنا إن له تعريفين اثنين:(1/329)
التعريف الأول: هو ما انفرد بروايته راو ضعيف كالذي فحش غلطه، أو كثرت غفلته، أو ظهر فسقه، هذا تعريف عند بعض العلماء، وبعضهم عرفه، أو قيده بالمخالفة، فقال: هو ما يرويه الضعيف مخالفا للثقة، وهذا هو التعريف الراجح، كما قلنا، لكن الآن هذه الأصناف الثلاثة، من فحش غلطه، وكثرت غفلته، وظهر فسقه، فحديثهم المنكر على رأي من الآراء لكن في الحقيقة أنا عندي أن الصنفين الاثنين من فحش غلته، أو كثرت غفلته يختلفان عمن ظهر فسقه، فالذي ظهر فسقه مطعون في عدالته، والذي فحش غلطه، وكثرت غفلته هذا مطعون في حفظه، فهم يقصدون بالذي فحش غلطه بعد سبر مروياته، وجد أنه لا يكاد يصيب إلا في مقدار قليل من الأحاديث، فتجد يعني في ترجمته برغم أنه قد يكون صالحا في نفسه، لكن هذا لا يكفي مثل ذلك الرجل الذي ذكره مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن المبارك، وهو الذي اسمه أظن عباد، حينما سأل ابن المبارك سفيان الثوري وغيره من العلماء، يقول: هل ترون أن أبين حاله، والرجل معروف بصلاحه وعبادته؟
لكن المشكلة فيما يأتينا به الطوام والموضوعات، فقالوا: نعم، فكان ابن المبارك إذا جلس مجلسا، وذكر فيه عبادا هذا أثنى عليه في دينه، ثم بين أنه لا يقبل منه حديثا إطلاقا، ما السبب؟
السبب أنه كثرت الموضوعات في أحاديثه، وكذلك -أيضا- من كثرت غفلته، يعني: رجل مغفل لا يعرف ما يخرج من رأسه،ولا يعرف ما يحدث به، ولو جاءه إنسان وقال له: إنك تحدث بهذا الحديث وهو لم يسمعه إطلاقا لقال نعم، وقبله وزعم أنه يحدث به، وضع له إسنادا بذلك الحديث، أو أخذ حديث إنسان آخر وأعطى إياه.
فهذا الصنف من الناس أحاديثهم شديدة الضعف بلا شك، لكن الضعف ناشئ من أي شيء؟ لا من العدالة، وإنما ناشئ من قبل الحفظ الذي لم يوهب إياه.
وأما الذي ظهر فسقه، فضعفه آت من قبل عدالته، فهو مطعون في عدالته، فالفرق بين هذه الأنواع الثلاثة واضح.(1/330)
لكن الحكم على أحاديثهم، أنها من أنواع من الضعيف جدا، الذي لا يقبل في الشواهد ولا المتابعات.
القسم الذي يلي هذا -طبعا بناء على تقسيم الحافظ ابن حجر- هو الراوي الذي يوصف بالوهم، والراوي الذي يوصف بالوهم هو المقصود به الذي يتحدث عن التوهم، يعني لا يكون ضابطا لحديثه، وإنما توهم توهما، فالذي يحدث على التوهم هو -أيضا- من أنواع الحديث المردود، لكن الرد هنا بسبب الطعن في الحفظ، وليس في العدالة.
هذا القسم الذي هو الوهم أكثر ما يحدث دائما، حينما تجد هذا الرجل يروي حديثا من الأحاديث، إذا نظر في حديثه في مقابل الروايات الأخرى، التي شورك فيها، أو شاركه.. أو الطرق الأخرى التي اتفق مع بعض الرواة فيها، وعملت موازنة بينها وجدت أنه يخالف أولئك الرواة والمخالفة على أنواع:- أحيانا تكون، يروي هو -مثلا- الحديث على أنه مرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره يرويه على أنه موقوف على الصحابي، أو العكس، هو يقف على الصحابي وغيره يرفعه.
وأحيانا يكون هو يصل الحديث، وغيره يرسله، يكون الحديث مرسلا يعني ليس فيه ذكر للصحابي، وإنما التابعي هو الذي يرويه عن النبي --صلى الله عليه وسلم- فيأتي هو ويرويه عن ذلك التابعي، عن صحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو حتى العكس، كأن يكون الثقات يروونه على أنه موصول، وهو يرويه على أنه مرسل، أيا كان الحال، أحيانا يكون -أيضا- بزيادة راو في الإسناد، فمثلا يأتينا الإسناد ظاهره الصحة،فيأتي هو ويزيد في الإسناد راو، أو ينقص منه راو، فكل هذا من أنواع المخالفة.(1/331)
من أنواع المخالفة -أيضا- المخالفة المتنية، كأن يكون هناك في الحديث مثلا زيادة لفظة، هذه الزيادة تؤثر على فقه الحديث، فكل هذا من الأنواع التي تعتبر من المخالفة التي تقع على التوهم من ذلك الراوي، فيقال: إن الراوي هذا كثير الوهم، حديث هذا هو أقل من سابقيه، فهو من أنواع الحديث الضعيف، بشرط أن لا يكثر منه، أما إذا كثر منه، فإنه حينذاك يؤثر على ذلك الرواي، ويلحقه بسابقيه من فحش غلطه، وكثرت غفلته.
س: كيف نستطيع أن نعرف هذا الوهم؟
ج: نستطيع أن نعرف هذا الوهم، الذي يقع في ذلك الحديث، أو في مرويات ذلك الراوي، بجمع الطرق، فالراوي أحيانا إما أن ينفرد بالحديث، وإما أن يتابعه غيره، وكون الراوي -مثلا- ينفرد ببعض الأحاديث لا يعني أنه ينفرد بكل الأحاديث، لو أنه انفرد بكل الأحاديث التي يرويها، فالعلماء يتخذون منه موقفا آخر، فالراوي الذي بهذه الصفة هو الذي يقال له يتفرد، ويغرب فيبدءون، ويسلطون الأضواء على رواياته التي لا يشاركه فيها أحد، ويتعجبون منه، كيف أنه يروي هذه الأحاديث التي لا يرويها أحد غيره، فينظرون في تلك الأحاديث إن كانت الأحاديث من الأحاديث التي يعني ليست فيها نكارة، والرجل وثق بديانته ووثق -أيضا- بحفظه، فهذا يعني عندهم له حكم، ولكن إذا كان ذلك الرواي لم يوثق بحفظه، أو عدالته، أو وجد في مروياته هذه بعض النكارة، فهنا يبدأ الكلام فيه، وهذا تلمسونه من خلال كتب التراجم، لو اطلعتم فيها لوجدتم أنهم يتكلمون في الراوي بمجرد التفرد والإغراب عن الناس ببعض الأحاديث، فكيف بكل الأحاديث؟
أقول هذا؛ لأنه لا بد أن يوجد للراوي من يتابعه في بعض الأحاديث، فهذه الأحاديث التي يتابع فيها، هي التي تعتبر ميزانا يوزن به حفظه.(1/332)
وهذا -إن شاء الله- سيأتي الكلام عليه، ولكن لا بد من إشارة إليه ها هنا، فينظرون في ذلك الحديث الذي رواه، حديث معين من الأحاديث رواه ذلك الراوي جمعوا طرقه، من الذي شارك هذا الراوي في رواية هذا الحديث، جمعوا طرقه، هل هذا الراوي، وافق الثقات، وصلوا ذلك الحديث ووصله معهم، أرسلوا ذلك الحديث أرسله معهم، وقفوا ذلك الحديث الذي وقفه معهم، رفعوا ذلك الحديث الذي رفعه معهم، إن كان بهذه الصفة، وهذا هو الغالب على أحاديثه، فهذا عندهم يعتبر من الثقات، لكن إن كان هذا الراوي بعكس ذلك، كثرت مخالفته للثقات، فهذا هو الذي يطعن في حفظه، وبحسب كثرة تلك المخالفة، أو قلتها يكون الطعن في حفظه، فإن كانت المخالفة قليلة، فهذا يعني يعتبر على الأصل أنه ثقة، ولكن تلك الأحاديث التي أخطأ فيها تبين وتعزل على جهة، ويعرف أن هذه الأحاديث من الأحاديث التي أخطأ فيها ذلك الثقة الفلاني.
هذا النوع الذي هو الوهم، حديثه يقال له المعلل، وتذكرون أننا حينما تكلمنا عن شروط الحديث الصحيح، ذكرنا من شروطه ألا يكون شاذا ولا معللا، وقلنا إن العلة ما هي؟ في تعريفها، العلة هي سبب غامض خفي يقدح في صحة ذلك الحديث، فلها هذان الشرطان الغموض والخفاء، والقدح في صحة ذلك الحديث، أما إذا كانت العلة واضحة، فهذه لا تسمى علة اصطلاحية، وإن كان بعضهم يسميها علة، و إذا كانت العلة لا تقدح في ذلك الحديث، فهذه وإن سميت علة إسنادية، فربما يعني تجوز في هذه التسمية، لكن من حيث الاصطلاح لا ينبغي أن تسمى بهذه التسمية، فمثلا إذا كان الحديث واضح الضعف، كأن يكون مرسلا، حديث يرويه تابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علة واضحة، أو خفية، علة جلية واضحة، فهذه العلة الواضحة حتى ولو سماها بعض العلماء علة، لكنها ليست هي المقصود الاصطلاحي هنا.(1/333)
وكذلك -أيضا- لو كانت العلة غير قادحة، كأن يكون الحديث اشتبه في أحد الروايين وكلاهما ثقة، يمثلون له بحديث يرويه أحد الثقات وهو: يعلى بن عبيد، يرويه عن سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- عن عمرو بن دينار عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " البيعان بالخيار " هذا الحديث حديث مشهور، قالوا: إن يعلى بن عبيد مع كونه ثقة، إلا أنه أخطأ في هذا الحديث، أخطأ على سفيان الثوري، والصواب أن سفيان الثوري يرويه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " البيعان بالخيار " فهذا الحديث من الأحاديث التي تفرد بها عبد الله بن دينار هذا عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إنه يعتبر من الأحاديث التي عظم بها عبد الله بن دينار؛ لأنه لا يوجد لأحد مثلا غيره، لكن هذا الراوي، الذي هو عمرو بن دينار هو أخ لعبد الله بن دينار، فوهم يعلى بن عبيد بسبب التشابه في الاسم، فقال: عمرو بن دينار؛ لكونه أشهر، وهو الصواب أنه عبد الله بن دينار.
فقالوا على أي الوجهين، فعبد الله وعمرو كلاهما ثقة، فهذا الحديث حتى وإن كان يعلى أخطأ في الاسم، لكن الحديث صحيح، ولا تعتبر هذه علة قادحة في صحة ذلك الحديث، وإن كانت قادحة في ذلك الإسناد في نفسه، فهذه من الأمثلة التي تخرج، أو تبين مقصودهم بالعلة القادحة، هذا النوع -أيها الإخوة- من أنواع علوم الحديث الذي هو المعلل، نجد هناك بعض الكتب التي صنفت فيه، مثل كتاب: "العلل" للدارقطني، وكتاب: "علل الأحاديث" لابن أبي حاتم، ومثل "العلل" لابن المديني، ومثل: "التاريخ الكبير" للبخاري، لو نظرنا في هذا الكتاب، الذي هو "التاريخ الكبير" للبخاري، نجده أنه يعتبر كتاب علل بالدرجة الأولى، حتى وإن كان كتاب رجال، لكنه يذكر في تراجم هؤلاء الرجال الأحاديث المعلولة التي يروونها.(1/334)
فكتب العلل هذه لو نظرنا فيها نجد أنها أشبه ما يكون بالطلاسم، نجد المحدث يسأل عن حديث من الأحاديث، فيقول: باطل، منكر، لا أصل له، أو يبين فيقول: أخطأ فيه فلان، فلان كذا، سبحان الله، يعني أحيانا فعلا أحكامهم تدعو للدهشة.
يكون -أحيانا- الإسناد الذي أمامك، يعني ليس فيه مطعن الذي حكم عليه، فتقول: كيف حكم على هذا الإسناد بأنه، أو على هذا الحديث بهذا الإسناد بأنه حديث باطل، أو منكر، مع العلم أن إسناده ليس فيه علة يعني ظاهرة.
فلو سألت المحدث، لربما يبين لك فعلا السبب الذي دعاه للحكم على ذلك الحديث بحكمه ذلك، ولربما عجز عن الإتيان بما في داخل نفسه، ولكنه كما قالوا: كالصيرفي الذي يصرف الذهب، الصيرفي بمجرد ما يسمع طنين الذهب يعرف هل هذا الذهب مغشوش، أو ذهب صاف، وليس عنده الآت يستطيع أن يحسب بها نسبة الغش في ذلك الذهب، هل هي عيار 21، أو 22، أو 24، أو أكثر، لا ما عندهم هذه المعايير، ولكن معاييرهم هي الآذان، فكذلك -أيضا- المحدثون، وليسوا كل المحدثين، ولكنهم نخبة من أولئك المحدثين، أمثال: يحيى بن معين، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، والإمام أحمد، والبخاري وأيضا الترمذي له باع في هذا، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي والدارقطني والنسائي، رحمهم الله تعالى أجمعين.
فإنهم زبوا عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه المعرفة الدقيقة.(1/335)
وأضرب لكم مثالا على هذا، هناك حديث هو في الحقيقة يذكر في أنواع التدليس، لكن لأنني قلت لكم: إنني اختصرت الأنواع حتى لا أشوش الأذهان، ما ذكرت هذا النوع، هناك راو يقال له: بقية بن الوليد، حدث بحديث عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال-إن لم تخني الذاكرة في متن الحديث- أنه قال: " لا تحمدوا إسلام المرء، حتى تعرفوا عقدة رأيه " هذا الحديث لو جاء به بقية بن الوليد بهذه الصورة، لأصبحت علته واضحة جلية، كل أحد يستطيع أن يعرفها، ما هي هذه العلة؟
الرجل الذي في الإسناد اسمه إسحاق بن أبي فروة، هذا الراوي متروك، يعني حديثه ضعيف جدا، يعني من الواهيات.
فبقية بن الوليد أراد أن يدلس هذا الحديث، فماذا عمل؟ أسقطه، ولكن لو أسقطه، وجاء بالحديث هكذا عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن نافع، عن ابن عمر لأصبحت العلة واضحة جلية؛ لأن عبيد الله بن عمرو الرقي لم يسمع من نافع، فيصبح الإسناد منقطعا، واضحا، كل أحد يدركه، لكنه تصرف، فماذا عمل، قام فكنى عبيد الله بن عمرو الرقي هذا، بكنية حتى يعمي على الناس اسمه، فقال: حدثني أبو وهب الأسدي، فكناه بكنية لا يعرف بها، ونسبه نسبة لا يعرف بها، فهو حقيقة، يعني لو تتبعت نسبه لوجدت أن آخر نسبه يقال له إنه من بني أسد، لكنه لا يعرف، بل يقال الرقي نسبة إلى بلده، وهي الرقة، وله أولاد لكن كنيته المعروفة ليست أبا وهب، ولكن هناك أحد أولاده يقال له وهب، فاختار هذا الولد غير المشهور، وقال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال.. وذكر الحديث.(1/336)
فبهذه الصورة أصبح الحديث علته خفية غامضة، لا أحد يدركها إلا أمثال أبي حاتم الرازي، وطبعا هم حينما يعرفون مثل هذه العلل أذهانهم أعظم من الكمبيوتر، يعرفون مواطن الرواة، ويعرفون تنقلاتهم، ويعرفون أحاديثهم، كل راو تتسلسل على طول المعلومات عنه، مثل الملفات التي تتخذ في بعض الإدارات، أو ما إلى ذلك، فلان بن فلان وما الذي في ملفاته، تأتي تفتح في ملفه، عنده المخالفة الفلانية، عنده كذا، عنده كذا، عنده كذا، وهكذا استعراض لحياته، عمل في كذا، انتقل إلى جهاز كذا وهكذا، فأيضا عندهم تسلسل لحياة ذلك الراوي وتنقلاته وأحاديثه، وكل شيء، وكله في هذه الذاكرة التي منحهم الله -جل وعلا- إياها، فبمجرد ما يعرف روايات بقية بن الوليد في ذهنه، يعرف مَن شيوخه، ثم بمجرد ما يعرض مرويات نافع يعرف، من الذي روى عن نافع، وما هي أحاديثه، فيعرف أن هذا الحديث ممن رواه هو إسحاق بن أبي فروة، وهو الذي تفرد به عن نافع، وإٍسحاق يعني غير مقبول الحديث، ومن الذي يروي عن إسحاق هم فلان وفلان وفلان، ، وهذا الحديث معروف أنه لعبيد الله بن عمرو الرقي، بدأ يدقق في عبيد الله بن عمرو الرقي هذا.(1/337)
هل يمكن أن يكون هو أبو وهب الأسدي؟ فوجد أنه هو أبو وهب الأسدي، كيف؟ تتبع نسبه واستعرض أولاده، فعرف أن من هنا أتى الحديث، فبينه لابنه، أنتم لو فتحتم على علل الأحاديث لابن أبي حاتم، لوجدتم هذا الحديث موجود في ذلك الكتاب، ويبين أبو حاتم الرازي علة هذا الحديث بهذه الصورة، فيقول إن بقية هو الذي تصرف وفعل وفعل وفعل، شبيه بهذا أيضا ما يدلكم على الغموض والخفاء، تلك القصة التي ذكرناها -إن كان أحد الإخوة حاضرا في درس صحيح مسلم في بدايته- أن مسلما -رحمه الله- سأل البخاري عن حديث كفارة المجلس، إن لم تخطئني الذاكرة، فهو هذا الحديث، والحديث سنده ظاهره الصحة، وأنا أنقل هذه القصة لأجل فقط مسألة الغموض والخفاء، لا لأجل الحكم على هذا الحديث، ما تأخذوا منه أنه حديث ضعيف، فحينما سأله قال له البخاري: هذا يعني...... تريد اليسير وتمشي أم تريد التدقيق؟ أو نحو هذه العبارة، قال: لا بل أريد التشديد والتدقيق، فقال هذا الحديث له علة، وأراد البخاري أن يتسمح مسلم، ويترك البحث في هذه المسألة، فأخذ يقبل رجليه وهكذا، ويطلبه أن يبين علة هذا الحديث، وهو مسلم صاحب الصحيح من العلماء، ولكن خفيت عليه علة هذا الحديث، ولم يستنبطها إلا البخاري، فبين له البخاري علة هذا الحديث.
والكلام تجدونه مفصلا في كتاب النكت للحافظ ابن حجر، فالقصة مشوقة والكلام عنها، وتنظرون -أيضا- كلام الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث، هل يصح، أو لا يصح؟.(1/338)
فعلى كل حال أن أذكر هذا الكلام كما ذكرت لكم سابقا، أن ذلك الرجل الذي أتى لأبي حاتم، وقال له: أخبرني عن هذا العلم أسحر هو؟ أفهامة هو؟ فقال: لا ولكن هكذا يقع في نفس المحدث، والدليل على هذا اسألني عن حديث، ثم اذهب إلى أبي زرعة، أو غيره من العلماء، واسأله عن ذلك الحديث، فستجد أن كلامنا يعني مقارب بعضه لبعض، فسأله فعلا عن حديث قال فيه أبو حاتم: باطل، أو منكر، وذهب إلى أبي زرعة، وقال العبارة الأخرى: أما باطل ، أو منكر، يعني الباطل والمنكر حوالي بعض. فاعترف ذلك الرجل فعلا أن هذا العلم موهبة، يؤتيها الله -جل وعلا- من يشاء من عباده، نقول هذا الكلام؛ لأن هناك من يتصدى للتصحيح والتضعيف ظاهرا، ولا يعطيه الله -جل وعلا- ذلك الحس الحديثي الذي يستنبط من خلاله علل الأحاديث، ويستطيع مثلا أن يبين أن هذا الحديث يمكن أن يمشي في الشواهد والمتابعات، وذلك لا يمشي، وهذا الحديث لا يمكن أن يصح، وهذا الحديث لا يمكن أن يصح.
فعلم الحديث ليس له علما آليا فقط، بل هو يفتقد إلى هذه المسألة التي أشرت إليها؛ ولذلك لا تعجبون أن يكون -مثلا- البخاري -رحمه الله- وأنتم تذكرون حديث بعض العلماء ركز عليه، واستشهد به في مسألة من المسائل العملية، وهو الحديث الذي فيه أن " الخرور على اليدين في الصلاة هو السنة " يعني حينما يخر الإنسان من بعد الركوع إلى السجود، هل يقدم اليدين قبل الركبتين، أم يقدم الركبتين قبل اليدين، فالحديث ظاهره تقريبا: أن يعني يمكن أن يمشي على الأقل أنه حسن الإسناد، هذا في الظاهر، لكن لو رجعتم إلى كلام البخاري، يقول عن هذا الحديث: إنه حديث منكر، فبعض العلماء يقولون: لماذا هو منكر؟(1/339)
نحن لا نقبل كلام البخاري، أنه منكر، طيب هذا إمام، عرف علة هذا الحديث، وعرف أن هذا الحديث من الأحاديث التي لا تصح، ولا تثبت وليس بالضرورة أن يبين لك البخاري بالتفصيل، لماذا هذا الحديث منكر؟ قد يكون بين ولم ينقل، ولكن ما دام هذا الإمام نقاد للأحاديث، فلا تهدر كلامه على هذا الحديث، وتقول: لا هذا الحديث أنا أستدل به في هذه المسألة العملية، وأبني على هذا الحديث، يعني آمالا وأحكاما.
يعني: لا تخفى علينا، يعني المسألة هذه أحدثت لججا كبيرا، والأساس كله هذا الحديث الذي حكم عليه البخاري بأنه حديث منكر، ضروري يعني السؤال. تفضل:
س: من المقدم في العلل: علي بن المديني، أو الإمام أحمد؟
ج: نقول: كل منهما يعني له فضله، ولا نستطيع التخيير بينهما في هذا الفن، ولكن لو وجد هناك حديث من الأحاديث، اختلف العلماء فيه، فمنهم من أعله، ومنهم من احتمل علته، فعند ذلك ينبغي لطالب العلم أن يدقق، ولا يقلد أحدا إلا ببينة وحجة، فلربما كانت الحجة مع الإمام أحمد مثلا، أو كانت مع علي بن المديني، فلا نستطيع أن نحكم بهذا الحكم بادئ ذي بدء، بل لا بد من أن يوجد الأمثلة، والمثال الواحد ينظر فيه بهذا الذي أشرت إليه.
بالنسبة للمخالفة التي ذكرها الحافظ ابن حجر على أنها من الطعون التي في الراوي، قال: أو مخالفته هذه المخالفة ذكرنا أنها من أنواع الطعون في الحفظ.
ثم المخالفة إن كانت في تغيير السياق، فمدرج الإسناد، أو بدل موقوف بمرفوع فمدرج المتن
لعلنا على الأقل لم نكن في الحقيقة في حسابنا، أننا على الأقل ننتهي من المدرج، لكن -سبحان الله- الوقت يطوي هذه المخالفة.
أيها الإخوة، المقصود، يعني الأعم والأغلب في هذا النوع من أنواع الحديث، وهو المدرج، أنه في الغالب يكون فيه مخالفة، لكنه ليس من الضرورة أن يكون في كل الأحاديث، التي يقال عنها إن فيها إدراجا، أن يكون ذلك فيه مخالفة، كيف؟(1/340)
قد يكون الحديث ما روي إلا من طريق واحد، وفيه إدراج، ولا تجد طريقا أخرى، ليس فيها ذلك الإدراج، فهذا لا يعتبر فيه مخالفة، لكن اعتبر، أو أطلق عليه مخالفة بناء على غالب أحواله، هذا النوع -أيها الإخوة- من أنواع الحديث يقال: له المدرج، والمدرج معناه المدخل، فأنا حينما مثلا أذكر كلاما من أي كلام، ويأتي إنسان من الناس، وينقل كلامي، ويدخل في كلامي شيئا من كلامه هو، يقال: إنه أدرج في كلامي ما ليس منه، وما دام تبين لنا أن الإدراج بمعنى الإدخال.
فإذا المقصود بالإدراج من أنواع علوم الحديث إدخال أي كلام، أو إحداث أي حدث يدخل في الحديث سندا، أو متنا ما ليس منه، فمثلا إذا أردنا أن نقسم هذا الإدراج إلى قسمين:
مدرج السند ومدرج المتن، أو نعرفه بتعريف عام يشمل النوعين وبعد ذلك نقسمهما، فنقول في تعريف الإدراج:
هو تغيير سياق الإسناد، أو إدخال لفظة في متن الحديث، فإذا أردنا أن نقسمه إلى قسمين:
نقول: المدرج ينقسم إلى إلى مدرج في السند، وإلى مدرج في المتن، مدرج السند: هو الجزء الأول من التعريف، هو تغيير سياق الإسناد، هذا هو مدرج الإسناد، ذكر الحافظ ابن حجرله هذه الأنواع، التي يمكن أن يكون في ذكرها وتعدادها شيء من الصعوبة، لكن يعني: أستطيع أن أجمل لكم هذا الكلام الذي ذكره الحافظ ابن حجر:(1/341)
بأنه إذا جاءنا حديث من الأحاديث يروى بسند معين، وحديث آخر يروى بسند آخر، فأدخل هذان الحديثان بعضهما في بعض، بأحد الإسنادين، وهذا يقال له مدرج السند هذا نوع، مثال، إذا جاءنا مثلا حديث: " إنما الأعمال بالنيات " وحديث آخر، وليكن مثلا " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه " فنقول: وليكن -مثلا- كلا الحديثين يرويهما سفيان بن عيينة مثلا، لكن سفيان يروي حديث: " إنما الأعمال بالنيات " عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص، وليس عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويروي ذات الحديث بإسناد آخر، فجاء أحد الرواة، وروى الحديثين عن سفيان بالإسناد الأول، وهو حديث: " إنما الأعمال بالنيات " ثم أدخل معه حديث: " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه " فيقال لهذا النوع إنه مدرج السند، كيف؟ لأنه أدرج إسنادا في إسناد، واكتفى بأحد الإسنادين عن ذكر الآخر.
من أنواعه أيضا: لا شيء حتى إذا ما فهمتموها ليس من الضرورة أن تفهموها، المهم عى وجه العموم أعرف أن تصوره شيء من الصعوبة على بعض الإخوان، وإلا الذي متمرس في علم الحديث يكون عليه سهلا إن شاء الله.(1/342)
من الأنواع أيضا: أن يكون الحديث، وليكن مثلا حديث " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " هذا الحديث مثلا أخرجه البخاري في صحيحه، عن شيخه عبد الله بن يوسف، عن الإمام مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لفظة إحداهن، أو أولاهن بالتراب، لم ترد في هذا الإسناد، ولكن هذه اللفظة يرويها الإمام ماك بإسناد آخر،نعم وليكن -مثلا- عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحديث، وفيه " أولاهن، أو إحداهن بالتراب " فجاء أحد الرواة غير عبد الله بن يوسف، وروى الحديث، عن الإمام مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب " الآن هذا الحديث بهذا اللفظ بتمامه هو من حديث أبي هريرة، لا، ليس من حديث أبي هريرة، لأن حديث أبي هريرة ليس فيه إحداهن بالتراب، وإنما هذا في حديث ابن عمر، لكن لأن الإمام مالك روى كلا الحديثين، فهذا تسمع، وذكر الحديث بتمامه، وعلى أنه من حديث أبي هريرة، فهذا -أيضا- من أنواع الإدراج في الإسناد، ومن أنواعه -أيضا- كما يذكر يقول:(1/343)
يكون -أحيانا- الحديث يرويه أشخاص متعددون، عن شيخ واحد مثلا لكن هذا الراوي، رواه بلفظ أطول، والراوي الآخر رواه بلفظ مختصر، والراوي الآخر رواه بلفظ عنده زيادة عن الروايين الآخرين، فيأتي أحد الرواة، فيجمع، وقد تحصلت له رواية هؤلاء كلهم، فيجمعها في إسناد واحد، ويسوقها مساقا واحدا، ويذكر واحدا منهم فقط، ممن يصنع هذا محمد بن إسحاق صاحب السيرة؛ ولذلك انتقدوا عليه هذا الصنيع فمثلا يحدثه عاصم بن عمر بن قتادة، والزهري مثلا، ورجل آخر ثلاثة مثلا، كلهم يحدثونه -مثلا- عن قتادة، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا كذا، ويذكر حديثا من الأحاديث، لكن لو دقق في هذه الأحاديث سيوجد لفظ الزهري -مثلا- روى هذا الحديث إلا بعض أجزاءه، ويوجد حديث عاصم بن عمر -مثلا- رواه مختصرا وحديث -مثلا- راو آخر، وليكن ضعيفا رواه بلفظ آخر، فدمجهم ابن شهاب في مساق واحد، فقال: حدثني -مثلا- الزهري وعاصم بن عمر وفلان، عن قتادة، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كذا كذا، فهذا يقال له مدرج المتن؛ لأنه ساق حديثهم كله في مساق واحد، وكان الأولى أن يفصل الألفاظ بعضها من بعض، فلربما كان في اللفظ الفلاني نكارة، ومن نحمل هذه النكارة، نحملها الزهري، وهو إمام، أو نحملها فلانا، وليس عندنا بينة أن نحملها فلانا، فهذا يسمى -أيضا- مدرج السند.(1/344)
من أنواع مدرج السند: القصة التي ذكرت لكم، أنني سأرجئها إلى قسم المدرج، هذه القصة -أيها الإخوة- هي حديث، في أصله حديث، رواه ابن ماجه في سننه رواه من طريق رجل يقال له ثابت بن موسى العابد الزاهد، وثابت يرويه عن شيخه شريك بن عبد الله القاضي، وشريك يرويه عن الأعمش، والأعمش يرويه عن أبي سفيان طلحة بن نافع، وأبو سفيان يرويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " لو فتحتم في سنن ابن ماجه، تجدون هذا الحديث، وهذا الحديث بهذا الإسناد قد يحسنه بعض العلماء؛ لأن ثابت هذا صدوق، وشريك هو صدوق، وإن كان في حفظه كلام، لكن بعض العلماء يحسن حديثه ويمشيه، ومن فوق شريك هم ثقات، فبعض العلماء قد يحسن هذا الإسناد، لكن في الحقيقة أن هذا الحديث موضوع، انظروا كيف انتقل الأمر، ما - -مثلا- ضعيف، بل موضوع ومكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن وضعه جاء بطريق الخطأ، ما منشأ هذا الخطأ، منشأ هذا الخطأ أن نرجع للقصة التي استطاع، أو التي تحمل بها، أو كيفية تحمل ثابت بن موسى للحديث عن شريك.(1/345)
القصة -أيها الأخوة- تتلخص في الآتي: شريك مثلي ومثلكم الآن، يملي على تلاميذه الأحاديث في المسجد، وكانت الحلقة عندهم تكون متسعة، أعداد كثيرة جدا، فيتخذون -وليس عندهم مكبرات صوت- فعندهم ما يسمى بالمستملي، المستملي، يعني: -مثلا- بعد مسافة، المسافة التي يظن أن صوت المحدث ينقطع فيها، يضع المحدث واحدا جهوري الصوت، يكون عارفا بالحديث، فهذا الرجل، إذا قال -مثلا- شريك، حدثني فلان عن فلان عن فلان، قال -مثلا- في هذا الحديث، حدثني الأعمش عن سفيان عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف ما يقدر أن يكمل الحديث، يتوقف حتى يملي المستملي، ثم يذكر باقية الحديث، فالمستملي يقول: حدثني الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بطبيعة الحال يسمعه طرف الحلقة الآخر، ولربما كان في الحلقة أكثر من مستملي بحسب سعة الحلقة وقلتها، فالمهم أن شريك قال: حدثني الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم توقف حتى يملي المستملي هذا الإسناد على الطلبة الموجودين في هذه الأثناء.
أثناء توقفه دخل ثابت بن موسى، كان ثابت بن موسى داخلا المسجد، ويسمع شريكا، وهو يحدث ويسم المستملي، وهو -أيضا- يحدث ويذكر الإسناد فقط، ما ذكر المتن بعد حتى الآن، فحفظ الإسناد، فحينما التفت شريك، وإذا بثابت مقبل، وكان ثابت هذا -كما قلت لكم- عابدا زاهدا، فأخذ شريك يداعبه فقال: "من كثرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار" هو يقصد الحكم على ثابت هذا، ولم يقصد أن هذا الكلام هو متن ذلك الإسناد، فثابت أمسك هذا الكلام، وظن أنه هو المتن لذلك الإسناد الذي أملي، فحفظه هكذا، وأخذ يحدث به، فهنا هو وقع في وضع الحديث، لكنه وضع بغير قصد، فهذا يعتبر -أيضا- من أنواع المدرج الإسنادي؛ لأنه أدرج هذا الإسناد على متن آخر، يعني وضع هذا الإسناد على متن آخر، ليس هو في الحقيقة متن هذا الإسناد.(1/346)
هذه الأنواع هي التي -تقريبا- ذكرها الحافظ ابن حجر، وكلها فيها شيء خاصة الثلاثة الأولى، بينها شيء من التداخل بينها، لكن المقصود أظنه واضح حينما يغير الإسناد بأي صورة من الصور، ويدخل فيه ما ليس منه، أو يوضع هذا مكان هذا، هذا الذي يقال له مدرج الإسناد.
لكن فيه نوع ما ذكره الحافظ ابن حجر، وهو الذي أريد أن تتنبهوا له وهو أكثر ما يقع في الأحاديث، والظاهر أن الحافظ ابن حجر ما ذكره لأنه لم يعتبره قادحا، وهذا في الأعم الأغلب لا يعتبر قادحا، لكنه أحيانا يعتبر قادحا، هذا أكثر ما نجده في مثل صحيح مسلم، فيستخدمه الإمام الذي يعني يتصف بالدقة المتناهية في ذكر الأسانيد والمتون، مثل مسلم -رحمه الله- فتجدونه -مثلا- يذكر الإسناد كما وصل إليه، لا يغير فيه ولا حرف، ولكن إذا أراد أن يبين أمرا ما في ذلك الإسناد، فإنه يبين بصيغة، وهو أو كذا يعني المهم أن كلامه يتضح أنه مدرج في ذلك الإسناد.(1/347)
مثال: إذا قال -مثلا- مسلم رحمه الله: حدثني أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثني عبدة عن شعبة، أو عن الثوري عن أبي إسحاق، المهم ذكر باقي الإسناد، هذا الأصل الذي وصل إليه مسلم، لكنه يريد أن يبين عبدة هذا من هو فيقول وهو ابن سليمان، فيقول حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثني عبدة، وهو ابن سليمان قال: حدثني سفيان عن أبي إسحاق عن علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا إلى آخر الحديث، فقول مسلم -رحمه الله- ها هنا: "وهو ابن سليمان" يعتبر ماذا يعتبر إدراجا؛ لأنه أدخل في الإسناد ما ليس منه، وكان بإمكان مسلم -رحمه الله- أن يقول كما يقول بعض المحدثين: حدثني عبدة بن سليمان، ولكنه لدقته وورعه -رحمه الله- لم يرد أن يزيد على أبي بكر بن أبي شيبة كلاما لم يقله، وأبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثني عبدة، ومسلم يعرف من هو عبدة، لكنه يريد أن يبينه للناس حتى لا يقع أحد في الوهم، أو الغلط، فيقول عبدة هذا هو ابن سليمان، مثل هذا لا يعتبر قادحا في الإسناد؛ ولذلك قلت لكم: إن الحافظ يبدو لي أنه أهمله؛ لكونه لا يعتبره قادحا، لكنه في بعض الأحيان يعتبر قادحا، كيف؟
كأن يكون ذلك المحدث الذي بين، أو أدرج ذلك اللفظ أخطأ في معرفة ذلك الراوي، وهذا نجده في بعض الأحيان، ومن أمثلة ذلك أنني وقفت-أنا لا أذكر الحديث تماما- لكنه مدون عندي في تخريجه سند سعيد بن منصور، وجدت ابن حزم -رحمه الله -وهو إمام في الحديث-أخطأ في سفيان، سفيان الوارد في الإسناد هو سفيان بن عيينة قطعا، لكنه قال: وهو الثوري، فيعتبر هذا قادحا؛ لأنه أبدل راو براو آخر، ما الذي ينبني عليه؟
ينبني عليه أن ذلك الراوي عنه إذا لم يكن راويا عن سفيان الثوري، فيعتبر في الإسناد ماذا؟ انقطاع، يعتبر في الإسناد انقطاع.(1/348)
فهنا يعتبر مؤثرا، وفعلا أنا أذكر أن الرجل الذي قال عنه الراوي عن سفيان، فالظاهر إما سعيد بن منصور، أو أحد من الذين لا يروون إلا عن سفيان بن عيينة فقط، لا يروون عن سفيان الثوري، فلو جاء إمام محقق مدقق، وظن أن كلام ابن حزم هذا جاء في الإسناد أصلا، فقال: وهو سفيان الثوري، فيقول فلان لا يروي عن سفيان الثوري، إذا الإسناد هذا معلول من أين جاءت العلة؟ جاءت العلة.. إلى أن الرواية هنا فيها انقطاع، أو على الأقل فيها إرسال خفي، فهذا يعتبر في الحقيقة إدراج مؤثر، وهذا النوع لم يذكره الحافظ ابن حجر، ، فينبغي أن ننتبه له.
هذا بالنسبة لمدرج الإسناد مدرج المتن
أجد الوقت تعدى وتجاوز العاشرة بعشر دقائق، ما أدري هل نكمله أم نؤجله لغد؟ نكمل، هو يعني سهل ما هو إن شاء الله صعب.
مدرج المتن: المراد به أن يدخل في المتن ما ليس منه، والإدخال في المتن على ثلاثة أقسام، أحيانا يكون في أول المتن، وأحيانا يكون في وسطه، وأحيانا يكون في آخره، وأضرب لكم مثالا على كل نوع حتى تعرفوا ما المراد به.
القسم الأول: وهو الإدراج الواقع في أول المتن. مثاله: مثال حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار " هذا الحديث بين الخطيب البغدادي -رحمه الله- أن مداره على شعبة وأن هناك راويين أخطآ في هذا الحديث، حينما روياه عن شعبة بهذه الصورة، والصواب أن أبا هريرة قال للناس: " أسبغوا الوضوء " فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ويل للأعقاب من النار " فالآن في أول هذا المتن أدرج لفظ من لفظ أبي هريرة الذي هو " أسبغوا الوضوء " فهو ليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من قول من من قول أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فهذا مثال للإدراج في أول المتن.(1/349)
أما المثال للإدراج في وسط المتن: فمثاله مثال حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يتحنث في غار حراء " جاء في هذا الحديث: يتحنث، قال: وهو التعبد .. " الليالي ذوات العدد "
" كان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد " في نفس الحديث جاء بعد يتحنث أي يتعبد، من الذي أتى بهذه اللفظة، هل هي عائشة -رضي الله تعالى عنها ؟ نقول: لا، هذه اللفظة مدرجة من أحد الرواة، وهو الزهري، وهو الذي قال: وهو التعبد، فبين معنى شيء، أو شرح لفظا غريبا، وهو التحنث، فهذا يمثلون له في الإدراج في وسط المتن.
مثال للإدراج في آخر المتن: مثل حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: " للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الحج والجهاد وبر أمي، لتمنيت أن أكون عبدا مملوكا "
قالوا: هذا الحديث بهذه الصورة لا يصح أن ينسب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فواضح تماما أن قوله " والذي نفسي بيده " إلى آخره ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما لفظ الحديث الذي هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- " للعبد المملوك أجران " والباقي هو من لفظ أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- ندع كيف تبين الإدراج للكلام على كيف يعرف الإدراج؟
كيف نستطيع أن نعرف الإدراج في هذه الأحاديث وفي غيرها؟
إذا جاءتنا نستطيع أن نعرفه إما بالتنصيص من نفس الذي أدرج ذلك اللفظ، كأن يبين أنه هو الذي زاد هذه اللفظة، أو ينص عليه إمام معتبر، يقول هذه اللفظة مدرجة في الحديث، أو يتضح الإدراج بجمع طرق الحديث، مثل حينما جمعنا طرق الحديث الذي فيه "أسبغوا الوضوء" جمعنا طرق الحديث فوجدنا أن لفظ "أسبغوا الوضوء" لم ترد في بقية الطرق، وإنما جاءت في طريقين اثنتين فقط، فبجمع الطرق يتضح الإدراج.(1/350)
الأمر الرابع: الذي يعرف به الإدراج: أن يكون ذلك اللفظ يستحيل أن ينسب للنبي - صلى الله عليه وسلم - مثال هذا الحديث الذي ذكرته لكم أخيرا، فهل من الإخوة أحد يمكن أن يبين كيف استحال أن ينسب هذا اللفظ للنبي - صلى الله عليه وسلم-؟ نعم. لأن والدة النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست حية حتى يقول هذا الكلام، وإنما كانت قد توفيت بعد ما ولدته - صلى الله عليه وسلم - مباشرة فإذا يستحيل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول هذا الكلام؛ لأن أمه ليست حية.
أيضا من القرائن التي ذكروها في هذه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحيل أن يتمنى الرق، لأن الله جل وعلا اصطفى الأنبياء، وجعلهم من ثقة الناس، فلا يكون النبي عبدا مملوكا حتى لا يزدرى، فهذا -أيضا- يستحيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يقول قائل لماذا يحصل الإدراج؟
يحصل الإدراج إما لاستنباط حكم فقهي من الحديث، أو للاستدلال على مسألة معينة مثل قول أبي هريرة :أسبغوا الوضوء فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا، فهذا من أسباب الإدراج، ومن أسباب الإدراج -أيضا- شرح وتبيين لفظة غريبة، مثل ما صنع الزهري، هذا بالنسبة لمدرج المتن، الكلام على السرعة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
س: أحد الإخوة يقول : نرجو الإكثار من استعمال الوسائل التوضيحية، كما حصل بالأمس عندما وزعت الورقة.
ج: نقول: نعم -إن شاء الله- لعلي -بإذن الله- في الليلة القابلة آت لكم بالأمثلة، أو بأوراق مكتوب فيها أمثلة أشبه ما يكون بالامتحان، وأوزعها عليكم وتجيبون عليها بالنسبة للأنواع التي أخذناها إن شاء الله.
س: أحد الإخوة يقول: أرجو أن تملي علينا تعريف الشاهد والمتابع إملاء، فقط دون شرح.
ج: أنا أمليت هذا، لو يرجع الأخ إلى الشريط، هذا أفضل.(1/351)
س: أحد الإخوة يقول بالنسبة للسؤال الذي وقع فيه الجمع بين آية الكرسي، بين حديث آية الكرسي وحديث أبي هريرة، إن الشيطان يعقد على قافية أحدكم، يقول الكلام في الفتح الجزء الثالث صفحة 27 ، هو صور الكلام جزاه الله خيرا.
ج: على كل حال لا أطيل عليكم لعلي أراجع -إن شاء الله- الكلام في الورقة، وأختصر لكم الجواب اختصار. لأن الكلام فيه شيء من التركيز.
س: أحد الإخوة يقترح أن يكون الدرس بعد العشاء.
ج: هذا أمر قضي، وتفرق الناس.
س: أحد الإخوة يقول: لا مانع من الحضور غدا بعد العصر، وبعد العشاء.
ج: نقول إذا جاء بكرة العصر، ووجدنا فيه استعداد للحضور للعشاء لا بأس، و إذا رغب الإخوة في عدم الحضور، فالنفوس قد تكل وقد تمل.
س: أحد الإخوة يسأل عن صحة حديث يقول: إن الدعاة يذكرونه، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خمس شدائد للمؤمن، مؤمن يحسده، وكافر يقاتله ومنافق يبغضه، ونفس تنازعه وشيطان يضله " أو فيما معنى الحديث.
ج: أقول: والله الحديث ما سمعت به الإ هذه الساعة، فلعلك يا أخي تأتينا بالكتاب الذي ذكر فيه، إن كان مذكورا فيه.
س: يقول كتاب أذكار المساء والصباح لعلاء الدين العتبي، أو العتيبي يقال إن فيه أحاديث ضعيفة، يقول هل هذا صحيح؟
ج: أقول: ما أعرف الكتاب، ما اطلعت عليه.
س: يقول: هلا أخبرتنا عن قصة أبي بلتعة المكذوبة التي ذكرت.
ج: أقول: قصة مشهورة يوردها الوعاظ، وخلاصتها أن هناك صحابيا يقال له: حاطب بن أبي بلتعة، آسف ثعلبة بن حاطب، أنا خلطت بينه وبين حاطب، ثعلبة بن حاطب -أنا الذي وهمت- ثعلبة بن حاطب، طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله -جل وعلا- أن يرزقه إبلا ومالا فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " قليل تؤدي شكره خير من كثير، لا تستطيع أن تؤدي شكره " أو كما جاء في الحديث.(1/352)
المهم أنه ألح حتى أنه طولب بعد ذلك، لما حصل له المال بالزكاة، فامتنع عن أدائها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " يا ويح ثعلبة " وحينما أراد أن يدفع الزكاة بعد ذلك، لم يقبلها منه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقبلها منه أبو بكر ولا عمر.
فهذا الحديث غير صحيح؛ ولأنه -أيضا- يناقض أصلا من أصول الإسلام، وهو قبول التوبة، وأن بابها مفتوح إلى أن تقوم الساعة.
س: يقول: ذكرت أن لك درسا في علوم الحديث، ولكنك لم تذكر مكان الدرس ولا زمانه.
ج: أقول: الدرس في هذا المسجد في هذا الموضع تماما، وزمانه يوم الثلاثاء من كل أسبوع بعد صلاة المغرب، لكن بعد بدء الدراسة إن شاء الله تعالى.
س: يقول أحد الإخوة: كيف التفريق بين سفيان بن عيينة، والثوري، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، إذا كانوا في السند بالاسم فقط بدون اللقب، ويا ليتك تعطيني تواريخ حياتهم ووفاتهم، وما هي قصة حديث الرحمة الذي إذا ذكرت مناقب بعض العلماء، قيل إن عنده حديث رحمة؟.(1/353)
ج: أما حديث الرحمة، فلا أستحضره بهذا العنوان، لكن لو ذكر طرفه ربما تذكرت، إن كان حديث: " الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة " فالحديث مشهور ومعروف، أما بالنسبة للتفريق بين سفيان بن عيينة والثوري، وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، فيعتمد هذا على معرفة الشيوخ والتلاميذ، ومن أكثر من المطالعة في الأسانيد اتضح له ذلك، يعني -مثلا- من القواعد التي يذكرها العلماء إذا جاءك سفيان في الإسناد الذي يرويه البخاري، أو مسلم وبينه وبين البخاري رجلان يعني شيخ البخاري وشيخ شيخه، سفيان جاء في الطبقة الثالثة، فهذه قرينة قوية على أن سفيان هذا من؟ سفيان الثوري، أما إذا جاء سفيان ما بينه وبين البخاري إلا رجل واحد، أو حتى مسلم فسفيان هذا يكون سفيان بن عيينة، هذه قرينة ظاهرة، كذلك -أيضا- بعض الرواة -مثلا- إذا جاء الراوي عن سفيان هو الحميدي، أو سعيد بن منصور، أو الإمام أحمد، أو أبو بكر بن أبي شيبة، فاعرف أن سفيان هذا من؟ هو ابن عيينة، أما إذا جاء الراوي عن سفيان هو وكيع، أو عبد الرحمن بن مهدي، أو يحيى بن سعيد القطان، فاعرف أن سفيان هذا هو سفيان الثوري.(1/354)
أما بالنسبة لحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، فهناك اشتباه يحدث أكثر وأكثر، فإذا جاء الراوي عن حماد هو سعيد بن منصور، أو ---- نسيت الراوي لعلي أذكر، فاعرف أن حمادا هذا، هو حماد بن زيد، أما إذا جاءك الراوي عن حماد هو عفان، هكذا إذا لم ينسبه لو قال حدثني حماد بن زيد انتهى الإشكال، أو قال حدثني حماد بن سلمة انتهى الإشكال، لكن إذا قال حدثني حماد فإن كان القائل هو عفان بن مسلم -مثلا- فتعرف أن حمادا هذا هو حماد بن سلمة، فالذي يريد أن يعرف التفريق بينهما، أو حتي بين سفيان الثوري وابن عيينة وبين حماد بن زيد وحماد بن سلمة بالتفصيل، فليراجع ترجمة حماد بن سلمة في تهذيب الكمال للمزي، وكذلك -أيضا- في سير أعلام النبلاء للذهبي، فإنهم نصوا على الرواة الذين كذا، والذين كذا والرواة الذين يحدثون عن الاثنين، وكيفية طريقة التفريق بينهم.
وكنت قد تكلمت عن هذا وبينته في درس صحيح مسلم، فلا نطيل يعني بذكره هنا، أما بالنسبة لتواريخهم، فبالنسبة لسفيان الثوري توفي في سنة 161 للهجرة، وسفيان بن عيينة توفي في سنة 198 للهجرة، فسفيان الثوري أقدم من سفيان بن عيينة، حماد بن سلمة أظنه توفي في سنة 167 للهجرة، حماد بن زيد أظنه توفي في حدود سنة 180 للهجرة، فحماد بن سلمة أقدم من حماد بن زيد قليلا.
بالنسبة لحياتهم، يعني كلهم من الأئمة، ولكن سفيان الثوري أثبت من سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة، وكلهم من أئمة أهل السنة المشهورين، لكن حماد بن سلمة اشتهر بصلابته في السنة -رحمه الله- وحديث حماد بن زيد أقوى من حديثه، بل حديث حماد بن سلمة في بعض الأحيان قد يدخل في الحديث الضعيف، هذا على عجل.(1/355)
س: يقول أحد الإخوة يقول: إن ما ذكرته عن ضرورة أن يكون الدعاة يعرفون الصحيح من غيره، هذا صحيح في بلد العلم والعلماء، لكن بعض البلاد يوجد فيها طلاب علم لا يصلون إلى درجة أن يصححوا ويضفعوا، وأهل البدع ينتشرون في دعوتهم، وينشطون فهل يقف هؤلاء الطلاب الصغار، ويتركون المجال للبدع أم أن هناك حلولا لهذا الإشكال، وهل يعتمد على تصحيح بعض العلماء وتحيقيقاتهم ويثق بها؟
ج: أقول: لا يلزم من كلامي أن يكون الإنسان لا يدعو إطلاقا، ولكن ينبغي ألا يتكلم إلا في حدود علمه، فمسألة يعني محاربة البدع، أو نشر السنن لا ينبني إطلاقا أن يتصدى لذكر الأحاديث، ويورد الأحاديث بكثرة، لكن إذا اضطر للاستدلال بحديث، فينبغي أن يتأكد من صحة هذا الحديث، فقد ينكر على الناس أمرا ليس من أمور البدع، بل وارد فيه حديث، وهو يجهله، أو -مثلا- يذكر حديثا من الأحاديث يستند فيه على إنكار أمر من الأمور ليس هو في موضع الإنكار، لكن هناك أصول متفق عليها ومعروفة، يستطيع أن ينطلق منها، فمثلا الدعوة التي تعتبر دعوة الأنبياء، وهي الدعوة هي إلى تصحيح العقيدة، هذه ما أحد يجهلها وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى المشركين ليحقق توحيد الأولوهية الذي فرط فيه كثير من المسلمين في هذا الزمان، هذا الأمر لا أحد يستطيع -مثلا- أن ينكره، أو يجهله إلا إنسان مكابر، أو معاند، لكن الداعية الذي يريد أن يدعو من هذا المنطلق، لا يخرجه الاستشهاد بكثير من الأحاديث في هذا المجال، بل بإمكانه أن يتكلم ويأمر وينهى في حدود هذه المعرفة، دون أن يتوسع في الاستدلال بالأحاديث التي هو غير متأكد من صحتها.
فالمسألة بين الإفراط والتفريط، ما نقول له: يعطل الدعوة مطلقا، لكن نقول: تحدث في حدود علمك الذي تأكدت منه.
س: يقول قلت: إن مسلما قبل قدم البخاري، فهل يجوز تقبيل قدم العلماء،؟
ج: أقول: أنا أحلتكم على كتاب "النكت" لابن حجر حتى تعرفوا صحة هذه القصة من عدمها.(1/356)
س: ما هو تعريف الحديث المتروك؟
ج: الحديث المتروك إذا عرفناه فنقول: هو الحديث الذي في سنده راو واحد متهم بالكذب، هذا هو الحديث المتروك.
س: يقول: أرجو إعادة مثال المعلل.
ج: أقول: المعلل: ذكرت له أكثر من مثال، فالحديث المعلل هو الذي يكون في إسناده علة قادحة، غامضة خفية.
س: مع ذكر تعريف موجز له.
ج: قد عرفناه، المعلل هو ما يكون في إسناده علة غامضة خفية، تقدح في صحته.
س: يقول: هل ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكره في الإزار دون الركبة بأربع أصابع، أو حتى تبين عضلة الساق، أو نصفها؟ مع العلم بأني سمعت من أحد أهل العلم أن الحديث صحيح، ويحتج به، ومن هم رواته.
ج: أقول: هذا الحديث سبق أن تكلمت عليه في درس سابق، فالخلاصة يعني أن الصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أن أزرة المؤمن من أنصاف ساقيه إلى أعلى الكعبين، لا حرج عليه فيما بين ذلك " أما ما فوق منتصف الساق، وهو الحديث الوارد في مسند الإمام أحمد وغيره من الضرب بأربع أصابع، فهذا الحديث -أولا- من حيث الإسناد فيه مقال، ففي إسناده ضعف، ولو صح وثبت لأمكن توجيه متنه؛ لأن ذلك الصحابي الذي جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب بأربع أصابع، من الصحابة الذين فيهم قصر في قدميه، وهو اشتكى للنبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا القصر؛ لأن الناس يعيبونه به فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حدد له، حدد له شخصيا هو، الإزرة حينما وضع أربع أصابع من تحت ركبته.
إذا كان هذا الرجل قصير الرجلين، ويعاب بهما، فهذه حالة خاصة له، فإذا كانت الأربعة أصابع تصل إلى منتصف ساقه، فينتهي الإشكال، ويتفق هذا الحديث مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " إزرة المؤمن من أنصاف ساقه إلى الكعبين " لا حرج عليه فيما بين ذلك، فيمكن أن يوفق بين الحديثين -هذا على فرض ثبوته- مع العلم أن الحديث في إسناده ضعف، كما قلت لكم.(1/357)
س: أحد الإخوة يقول: لو ذكرت لنا كيف ينبغي أن تكون جلسة طالب العلم في حلقة العلم، وهل يلزم على طالب العلم عند رغبته في الخروج أن يستأذن من الشيخ؟
ج: أقول: إن مسألة الاستئذان، فلا تلزم. أما مسألة أدب الجلوس، فإن شاء الله سيأتي معنا باب بعد فترة قريبة -إن شاء الله- في آداب المحدث وطالب الحديث، ومن الآداب آداب جلوسه في الحلقة.
س: يقول الأخ: ذكرت الحديث الذي قال فيه البخاري: إنه منكر في مسألة تقديم اليدين، فهل الراجح تقديم اليدين، أو الرجلين؟
ج: أقول: أما بالنسبة لي، فالذي أرجحه أن تقدم الركبتان في حال الهوي للسجود.
س: يقول أحد الإخوة: ما رأيك في منهج الألباني في الحكم على الأحاديث؟ وهل يوافق منهج المحدثين السابقين؟
ج: أقول: الألباني إمام في الحديث، ولست أنا الذي أسأل عنه، بل هو الذي يسأل عن مثلي، فينبغي للإخوة أن يعرفوا مقدار العلماء.
وحينما نقول هذا الكلام، ليس معنى هذا أن الألباني مبرأ من الخطأ كبراءة الأنبياء، لا هو بشر يخطئ، ويصيب كغيره من العلماء. البخاري انتقده الدارقطني، مسلم انتقده أبو زرعة والدارقطني وغيرها، وما من أحد من الأئمة إلا وانتقد، فهل هذا يعني القدح في شخصه؟ لا، هذه هي حدود البشر. الله -جل وعلا- أبى أن يكون الكمال إلا لكتابه، فلا بد أن يكون النقص من طباع البشر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قد كنت وعدتكم بأمثلة تطبيقية على بعض الأنواع التي أخذناها، والمطلوب أن يعمد من أراد هذا المثال التطبيقي إلى رجال الإسناد فيدرسهم، ويحاول أن يكتشف الخلل الواقع في الإسناد أين هو؟ وما نوع هذا الخلل؟ من أي الأنواع التي أخذناها؟(1/358)
فمثلًا إذا جاءه إسناد اكتشف من خلاله أن الانقطاع فيه طويل، بحيث لا يمكن أن يكون الساقط رجلًا واحدًا؛ ولكن يكون أكثر من رجل، وهذا يتبين -بلا شك- من خلال التاريخ، يعني ليكن كل واحد منكم في يده سيف، هذا السيف ما هو؟ التاريخ، والتاريخ من أين تعرفونه؟ من كتب الرجال، كل رجل من رجال السند تفتح في ترجمته وتنظر مَن شيوخه؟ متى ولد؟ متى توفي؟ بالذات تاريخ الوفاة، وهكذا تربط بين كل راوٍ وآخر حتى تكتشف موضع الخلل.
واعرف -يا أخي- أن موضع الخلل دائمًا يكون بين الرجلين اللذين تكون بينهما صيغة عن، أما إذا جاءتك صيغة حدثني، أو أخبرني، أو حدثنا، أو أخبرنا، أو سمعت، هذه ليس فيها إشكال في الغالب، وبخاصة إذا كنا -يعني- كمبتدئين، ونأخذ هذا المثال بهذه أفضل فإذًا حدد -أولًا- ما هي المواضع التي فيها عن؟ ثم حاول أن تكتشف الخلل.
أنا في الحقيقة كان بودي أن أكون -يعني- نسخته وصورته؛ لكن ما أسعفني الوقت، فأعانكم الله، يعني أمليه عليكم إملاء سريعا -إن شاء الله- ما يأخذ وقت، تكتبوا ما أمليه عليكم.
المثال الأول: في باب: لا يعضد شجر الحرم. من صحيح البخاري، طبعًا لن نعطيكم رقم الجزء والصفحة حتى لا تكتشفوا ذلك، وعلى كل حال هذه هي الأمثلة، كل واحد يستفيد بنفسه، أما إذا كان سينقل من غيره فليس هناك داعٍ لأن يحل المثال أصلا، يعني المراد أن كل واحد يستفيد -إن شاء الله- من هذه الأمثلة؛ ولأنه لن يكون هناك أي إحراج، فأنا يوم السبت -إن شاء الله- سأبدأ أذكر الأجوبة، وكل واحد منكم يقارن، فليس في المسألة أدنى إحراج، يعني هو جوابه بينه وبين نفسه، ينظر هل جوابه صحيح، أو جوابه غير صحيح؟ فإن كان جوابه غير صحيح، وفهم الجواب الصحيح، وأدركه، فالحمد لله، وإن لم يفهمه؛ يمكن أن يسأل، يقول: لماذا؟ وكيف؟ وكذا، حتى يعرف العلة تمامًا.(1/359)
نعم، في باب: لا يعضد شجر الحرم من صحيح البخاري، قال البخاري: وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا يعضد شوكه " هذا الأول.
الثاني: في باب: من طلب الولد للجهاد من صحيح البخاري، أيضا قال البخاري: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز قال سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " قال سليمان بن داود -عليهما السلام-: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن يأتين بفارس مجاهد في سبيل الله " إلى آخر الحديث. هذا المثال الثاني.
الثالث: قال البخاري في صحيحه -أيضًا-: وقال عبدان: أخبرني أبي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن أن عثمان - رضي الله عنه - حيث حوصر أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من حفر رومة - يعني بئر اسمها رومة - فله الجنة " إلى آخر الحديث.
المثال الرابع: نعم، إيش فيه، والله ما لي؛ لكن اللي يريد يرجع له المجلد الخامس صفحة أربعمائة وستة، أربعمائة وسبعة من فتح الباري، المثال الرابع: هو مثال -يعني- لم أنقله من كتاب، ولكن -يعني- بحكم الأسانيد وضعته كمثال لا يذهب أحدكم ويلزمني، ويقول: في أي كتاب هذا المثال، قال ابن ماجة -مثلا-: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي قال: حدثني قرة بن عبد الرحمن قال: سمعت الزهري يقول: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول، ضعوا نقطًا، فذكر حديثا -يعني- نعتبر أي حديث، المهم الإسناد.(1/360)
المثال الذي يليه، الخامس: نفس الشيء المتوقع: قال ابن أبي شيبة -مثلًا- حدثنا هشيم بن بشير: هشيم، هاء شين ياء ميم ، هشيم بن بشير، قال: حدثنا المغيرة بن مقسم: ميم قاف سين ميم، قال: حدثنا إبراهيم النخعي، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضعوا نقطًا -أيضًا- فذكر حديثا، يعني أي حديث.
المثال السادس: قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " في الذكر الدية "
المثال الذي يليه -يعني- السابع: قال ابن أبي شيبة -مثلًا- حدثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثًا.
المثال الأخير: قال النسائي: أخبرنا عمران بن يزيد، قال: أنبأنا شعيب بن إسحاق، عن جابر - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساق هديًا في حجه "
سيحصل الجواب -إن شاء الله- على هذه الأمثلة في درسنا يوم السبت -بإذن الله- إن أحيانا الله، فلعل كل واحد من الإخوة يكون كاتبا للجواب، نعم، أي نعم، المطلوب البحث عن العلة، وتحديد الجواب ولماذا ؟ يعني مثلًا: هذا الحديث -مثلًا- منقطع؛ لأن فلانا -مثلًا- توفي في سنة كذا، وفلان ولد في سنة كذا، فالانقطاع ظاهر، فهذه علة ظاهرة.(1/361)
مثال آخر: لا، هذا يكون مرسلًا إرسالًا خفيًّا؛ لأن فلانا توفي سنة كذا، وهذا ولد سنة كذا، فهما متعاصران فترة معينة من الزمن؛ لكن قال فلان -وينص على أحد العلماء مثلًا-: إن فلانا لم يسمع من فلان، فالمعاصرة؛ لكن السماع ما هو موجود وهكذا،نعم ، اللي هو إيه المشكلة قول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو هذا موطن العلة، المراد علة في الإسناد، يعني ممن دون ذلك، المطلوب في كل إسناد البحث عن العلة وما هو الحكم على هذا الإسناد إن كان مدلسا، إن كان مرسلًا إرسالًا خفيًّا، إن كان منقطعا، إن كان معضلا، إن كان مرسلًا، إن كان معلقًا، بيان ذلك بالتفصيل.
العلة هنا -مثلًا- يقال: هذا الحديث معلق، لماذا؟ لأن فلانا علق الحديث عن الشيخ الفلاني وهو لم يدركه، فأقل ما هنالك أن يكون بينه وبينه كذا وكذا رجل، ويمكن أن يكون -مثلًا- هذا الإسناد -ما دام أن الساقط منه أكثر من واحد يمكن أن يكون أيضًا- معضلًا -مثلًا- وهكذا، أما إذا كان مثلا واحدا الساقط؛ فيكون -مثلًا- هذا الإسناد معلقا فقط، وهكذا بحسب ما بينا الورقة، المثال اللي أعطيناكم إياه؛ لكن يكون هذا بتفصيل أكثر.
الإخوة يقولون: ما هي أفضل كتب الرجال التي يمكن أن يرجعوا إليها؟ أقول ارجعوا للتهذيب، وتهذيب الكمال، تهذيب التهذيب، وتهذيب الكمال، ولو رجعتم لكتاب المراسيل لابن أبي حاتم، أو جامع التحصيل للعلائي، إذا لم تجدوا ما يشفيكم في تهذيب التهذيب يكون أحسن؛ لكن الغالب أنكم ستجدونه -إن شاء الله- الثانية: كتاب المراسيل لابن أبي حاتم، وكتاب جامع التحصيل للعلائي.(1/362)
الآن -أيها الإخوة- الورقة المصورة التي وزعت عليكم الآن، تذكروا بالأمس أخذنا مثالا ، أو تكلمنا عن المدرج، فهذه الأمثلة فيها بيان لما تكملنا عنه بالأمس، الآن انظروا إلى الحديثين رقم واحد، ورقم اثنين هذه الأمثلة -يعني- أتى أحد الإخوة -جزاه الله خيرًا- يعني بحث واستخرجها أثابه الله، فالمثال رقم واحد، ورقم اثنين انظروا -يعني- كلا الحديثين يرويهما من؟ الإمام مالك، وهذا الحديثان في الموطأ؛ لكن الآن شيخ مالك مختلف، أو متحد في الحديثين؟ مختلف، وشيخ شيخه، وهكذا، فنجد -يعني- الإسناد مختلف إسناد هذا الحديث، عن إسناد الحديث الثاني؛ لكن ألا تجدون أن الحديثين يتفقان في بعض المعنى، قوله: " ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا " موجود هذا المعنى في الحديث الثاني، فأحد الرواة وهو سعيد بن أبي مريم - كما تشاهدونه في رقم ثلاثة - جاء فروى هذا الحديث، عن الإمام مالك؛ لكن روى أي حديث؟ روى الحديث الثاني روى الحديث، عن مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن أنس بن مالك، فجاء بنفس اللفظ الذي أمامكم: " لا تباغضوا، ولا تحاسدوا " ثم زاد فيه " ولا تنابزوا " لكن كل الرواة الذين رووا هذا الحديث، عن مالك لم يذكروا لفظة " ولا تنابزوا " واضح أيها الإخوة، طيب.
الآن سعيد بن أبي مريم من أين جاء بهذا اللفظة؟ هل من المعقول أن يكون هو الذي أصاب وجميع الرواة الذين رووا الحديث عن مالك أخطأوا؟ ما ذكروا هذه اللفظة؟ نقول: لا، المسألة شبهت على سعيد بن أبي مريم، فاختلط عليه الحديث الأول بالحديث الثاني، فأخذ لفظة من الحديث الأول الذي هو حديث أبي هريرة إسناده مختلف، وهى لفظة " ولا تنافسوا " فوضعها في الحديث الثاني، فأصبحت هذه الكلمة ماذا؟ مدرجة مدخلة، هي أصلًا ليست في الحديث، فهي مقحمة.(1/363)
هذا المثال يصلح أن يكون مثالا لمدرج الإسناد مدرج المتن، كيف؟ نقول: مدرج الإسناد؛ لأن هذه اللفظة جاءت في إسناد ثان، فهو أدرجها في هذا الحديث الذي بهذا الإسناد، فهذه من أنواع مدرج الإسناد كما هو موجود أمامكم في نزهة النظر، وهذا المثال -يعني- هو ينطبق تمامًا على النقطة.. في رقم اثنين لاحظوا في صفحة: مائة وأربعة وعشرين، يقول الحافظ ابن حجر: من أقسام مدرج السند. قال: أن يكون المتن عند راو، يعني كلمة عند راو، ضعوا فوقها مالك، مثاله في هذا الحديث الإمام مالك، أن يكون المتن عند راوٍ وهو الإمام مالك إلا طرفا منه، ما هو هذا الطرف؟ كلمة " ولا تنافسوا " يمكن تضعون فوق قوله: إلا طرفا منه، وفعلا هو عنده بإسناد آخر، وهو الإسناد رقم واحد فيرويه راو عنه، من هو هذا الراوي؟ سعيد بن أبي مريم، كان من في الإسناد الأول، الذي هو في الحقيقة عندنا الثاني، جاء في الإسناد الثاني فروى المتن تاما على أن فيه اللفظة الأولى.
أعيد، يبدو لي -يعني- اعتبروا الآن بالنسبة لـ للي في الورقة أن رقم اثنين هو رقم واحد ورقم واحد هو رقم اثنين يمكن ترقموها، الترقيم ليس بمشكلة، فيقول: أنْ يكون المتن عند راو، من هو الراوي؟ هو الإمام مالك إلا طرفا منه ما هو هذا الطرف قوله: " ولا تنابزوا " فإنه عنده بإسناد آخر الذي هو رقم إيش؟ رقم واحد في الورقة التي أمامنا؛ لكن إذا رقمتموه رقم اثنين فيصبح عنكم في رقم اثنين الذي يرويه مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، هذا هو المراد برقم اثنين ، فيرويه راو عنه، من هو هذا الراوي؟ سعيد بن أبي مريم تيمم بالإسناد الأول الذي هو الإمام مالك، عن شهاب، عن أنس واضح، إن شاء الله.
مثال آخر للنقطة رقم واحد، يقول ابن حجر في القسم الأول: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة.(1/364)
تتبعوا معي في الكتاب أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راو فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف، مثاله الذي في أسفل الورقة عاصم، عن علي - رضي الله عنه - قال فذكر حديثًا، والحارث الأعور روى هذا الحديث، عن علي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال، فذكر الحديث.
الآن ما الفرق بين الإسنادين، كلهما مدارهما على مَن؟ على علي - رضي الله عنه - لكن ما الفرق؟ الأول موقوف -يعني- من قول مَن؟ من قول علي - رضي الله عنه - لم يقل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما الثاني فعلي يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الآن واضح الفرق بين الإسنادين -يعني- لو فصلناهما، فجاء جرير بن حازم وروى هذا الحديث عن الراويين كليهما؛ لكن بينه وبينهما واسطة أبي إسحاق السبيعي فروى الحديث، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، فقرنهما مع بعض عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال، فذكر الحديث بنفسه.
الآن هو ساق الحديث هنا ثم بمساق مَن؟ بمساق أي الراويين؟ بمساق الحارث الأعور؛ لأنه هو الذي روى الحديث عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - طيب هذا الصنع يصلح؟ لا يصلح؛ لأن المفروض يفصل رواية عاصم بن ضمرة، عن رواية مَن؟ الحارث؛ لأن رواية عاصم بن ضمرة موقوفة على علي، ورواية الحارث مرفوعة، فالمفروض أن يفصل الروايتين بعضهما عن بعض، فهذا يسمى -أيضًا- إدراج إسناد، وهو القسم الأول الذي ذكره الحافظ ابن حجر، هذا المثال يصلح عليه؛ لأنه قرن الأسانيد بعضهما مع بعض، ولم يفصل بينها، ولم يبين موطن الاختلاف، يعني لعل بهذه الأمثلة يكون -إن شاء الله- اتضح لنا ما المراد بالمدرج.
نواصل الآن درسنا في هذا اليوم، ونتكلم عن الحديث المقلوب، يقول الحافظ:
المخالفة - الحديث المقلوب
أو بتقديم أوتأخير: فالمقلوب. أو بزيادة راوٍ: فالمزيد في متصل الأسانيد(1/365)
يعني إذا كانت المخالفة بتقديم، أو تأخير فهذا الحديث يسمى ماذا؟ يسمى المقلوب، والمراد بالمقلوب هو: ما أبدلت فيه لفظة مكان لفظة أخرى.
والمقلوب ينقسم إلى قسمين: مقلوب الإسناد، ومقلوب المتن، وكلا الاثنين مثل له الحافظ ابن حجر فيما ترونه أمامكم، فأما مقلوب الإسناد فحينما يأتينا إسناد فيه راو اسمه مرة بن كعب، فيأتي راوٍ آخر ويقول: كعب بن مرة، وهناك راويان أحدهما يقال له: مرة بن كعب، والآخر يقال كعب بن مرة، فحينما يكونان في طبقة واحدة، وبخاصة إذا كان لهما شيوخ وتلاميذ يشتركون فيهما، فهنا يكثر الإشكال، فتجد الراوي ربما انقلب عليه هذا، فيقول: كعب بن مرة بدل مرة بن كعب. هذا يسمى ماذا؟ يسمى المقلوب؛ لأنه انقلب عليه الراوي بالراوي الآخر، لو كانا ثقتين؛ لأصبح الإشكال أخف؛ لكن المشكلة تكمن حينما يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفا.
يمكن -يعني- أن يبرز هذا بالمثال الذي ذكرته لكم البارحة، فيعلى بن عبيد حينما روى حديث " البييعان بالخيار " عن سفيان الثوري رواه، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " البييعان بالخيار " قلت لكم: إن يعلى بن عبيد أخطأ في هذا الإسناد، صح ولَّا لا؟ وأن الصواب ماذا؟ الصواب عبد الله بن دينار بدل عمرو بن دينار، فانقلب عليه هذا الراوي، واختلط عليه بأخيه عمرو بن دينار لكونه أشهر، وتبين هذا بالرواة الذين رووا الحديث، وكلهم قالوا: عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا -أيضا- شبيه بهذا القلب الذي هنا، مرة بن كعب وكعب بن مرة .(1/366)
أما بالنسبة لمقلوب المتن فأكثر ما يمثلوا له بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وهو حديث السبعة الذين يظللهم الله -جل وعلا- في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أحد هؤلاء السبعة " رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم - من؟ حتى لا تعلم- شماله ما تنفق يمينه " ودائما المسلم يتعاطى، يأخذ ويعطي ويستعمل اليد في أمور الخير، أي يد؟ هي اليد اليمنى، فانقلب هذا اللفظ على أحد الرواة، وقال: حتى لا تعلم شماله، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، الأول " حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " فالمنفقة أي يد؟ اليمنى هذا الصواب، هذا أصل الحديث؛ لكن انقلب الحديث على بعض الرواة وقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، فأصبحت المنفقة هي اليد الشمال، وهذا خلاف السنة. فهذا المتن انقلب على أحد الرواة بهذه الصورة، فهذا يسمى مقلوب المتن.
من الأمثلة التي -أيضًا- يذكرونها حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " انقلب هذا المتن على بعض الرواة وقال: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، يعني هذه من الأمثلة على مقلوب المتن، وبه يتضح المراد بالمقلوب، كل هذا من أنواع المخالفة، يعني حينما تأتينا المخالفة بحسب موقعها وطريقتها يمكن أن يوضع لها نوع مستقل من أنواع علوم الحديث.
فالآن إذا كانت المخالفة بزيادة راو في الإسناد، نجد هناك حديث من الأحاديث رواه مجموعة من الرواة بعضهم ساق الإسناد بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلًا أربعة رجال، وبعضهم ساق هذا الإسناد وبينه وبين النبي ثلاثة رجال -مثلًا- فأحدهما، بعضهم زاد راوٍ لم يذكره الآخر، هذا النوع يسمى: المزيد في متصل الأسانيد؛ لكن كما يقول الحافظ -أمامكم كما ترون-: وشرطه أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معننًا -مثلًا- ترجحت الزيادة.(1/367)
الحقيقية -أيها الإخوة- أنه إذا جاءنا إسنادان أحدهما فيه زيادة راو والآخر ليس فيه تلك الزيادة فهذا يستدعي من الواقف على ذلك الإسناد دقة في البحث، وعندي مثالان من خلالهما نستطيع أن نعرف المراد حينما ترد الزيادة، أو تقبل، فالمثال الأول على ما يسمى بالمزيد في متصل الأسانيد فعلا، وهو قبول هذه الزيادة، عندنا حديث يرويه شعبة وسفيان الثوري، وكلاهما إمام في الحديث، ولا تستطيع أن ترجح أحدهما على الآخر، فهما متساويان، والذي يطالع ترجمة شعبة وسفيان يجد العلماء مختلفين في تفضيل أحدهما على الآخر؛ منهم من يفضل شعبة، ومنهم يفضل سفيان الثوري؛ لكن في الغالب أنهما إذا ذكرا فتجد أن ذكرهما متساوٍ، فهما قريبان لبعضهما من بعض، ولذلك التفضيل فيه شيء من الصعوبة، المهم أنهما اشتركا في حديث، لكن حصل بينهما خلاف في أحد الرواة؛ منهم من ذكره وهو شعبة، ومنهم من لم يذكره، وهو سفيان الثوري.(1/368)
فإليكم الإسناد برواية شعبة ثم برواية سفيان الثوري، ونناقش على ضوء ذلك هذه الزيادة، الإسناد يرويه شعبة، عن علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " الحديث مشهور، وهو في صحيح البخاري، وكلا الروايتين؛ رواية شعبة وسفيان موجودة في صحيح البخاري، ولذلك أخذ من صنيع البخاري أنه قبل الحديثين كليهما؛ حديث شعبة وحديث سفيان، واعتبر حديث شعبة من المزيد في متصل الأسانيد، جاء سفيان فروى هذا الحديث نفسه، عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن، عن السلمي، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " فأسقط من الإسناد من؟ سعد بن عبيدة، لو نظرنا في علقمة بن مرثد هذا، هل يروي عن أبي عبد الرحمن وهو السلمي؟ يروي عن أبي عبد الرحمن السلمي، نجد -فعلًا- أن في ترجمته من شيوخه أبا عبد الرحمن السلمي، فإذًا ليس في الإسناد إيش؟ ليس في الإسناد انقطاع؛ لأن أبا عبد الرحمن السلمي شيخه.
فالعلماء قالوا: هذا الحديث يصلح كمثال على المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن هذا الإسناد متصل -فعلًا- ليس فيه انقطاع، يعني من رواية سفيان الثوري، ورواية شعبة، وفيها زيادة سعد بن عبيدة تعتبر من المزيد في متصل الأسانيد، فكلا الإسناديين مقبول، ويحملون الخلاف في هذا على أن علقمة بن مرثد سمع هذا الحديث أولا من سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، ثم لقي أبا عبد الرحمن السلمي بعد ذلك فسمعه - بواسطة - فسمعه منه مباشرة، فحدث به شعبة بناء على روايته الأولى، وحدث به سفيان الثوري بناء على روايته الثانية، وليس في ذلك أدنى خلاف، فهذا مثال على الزيادة المقبولة، المزيد في متصل الأسانيد، وهي زيادة مقبولة.(1/369)
لكن نمثل بمثال آخر على الزيادة المردودة، هناك حديث رواه عبد الله بن المبارك، ورواه عن عبد الله بن المبارك جماعة من الرواة، أحد هذه الروايات أذكرها لكم، عن عبد الله بن المبارك يقول أحد الرواة عن عبد الله بن المبارك: حدثنا سفيان - يعني عبد الله بن المبارك هو الذي يقول: حدثنا سفيان، وسفيان المراد هنا هو سفيان الثوري - قال: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حدثني بسر بن عبيد الله، قال: سمعت أبا إدريس - وهو الخولاني - قال: سمعت واثلة يقول: سمعت أبا مرثد يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها " هذا الحديث رواه مسلم وغيره، بالزيادة التي سأبينها لكم وبحذفها.
فهذا الحديث -في الحقيقة- هذا الإسناد؛ إسناد هذا الحديث فيه زيادتان بهذه الصورة التي ذكرتها لكم؛ الزيادة الأولى زيادة سفيان الثوري في الإسناد، والزيادة الثانية زيادة أبي إدريس الخولاني في هذا الإسناد أيضا، أما بالنسبة للزيادة الأولى وهى زيادة سفيان الثوري فالخطأ من أحد الرواة، عن عبد الله بن المبارك؛ لأن الرواة الآخرين الذين رووا هذا الحديث عن عبد الله بن المبارك، رووه عن عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بدون ذكر الواسطة، وهو سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن يزيد شيخ لعبد الله بن المبارك فلأن الرواة الذين رووا الحديث عن عبد الله بن المبارك بدون ذكر سفيان كثر رجحنا روايتهم، وخطأنا الراوي الذي انفرد بهذه الزيادة؛ لأن عندنا هنا إيش؟ مرجح، وهو الكثرة.(1/370)
أما الزيادة الثانية: وهى زيادة أبي إدريس الخولاني، فالخطأ فيها من عبد الله بن المبارك مع كونه ثقة؛ لكنه أخطأ في هذه الزيادة؛ لأن الرواة الذين رووا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد كلهم رووه، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت واثلة يقول: سمعت أبا مرثد يقول، فذكر الحديث الذي فذكر بدون ذكر أبي إدريس الخولاني، فيمثلون على هذا بمثال الزيادة التي يمكن أن تكون مردودة لماذا؟ لأن هناك مرجح.
فالآن وضح الفرق بين هذا المثال والمثال الأول، المثال الأول شعبة وسفيان، لو وضعنا هذا في كفة ميزان، وهذا في كفة ميزان لا نجد أحدهما يرجح الآخر، يعني يمكن أن يكون هذا وزنه ثمانين كيلو وهذا وزنه ثمانين كيلو خلاص متكافئين؛ لكن لو جئنا بالرواة الذين رووا الحديث الثاني، عن عبد الرحمن بن يزيد وهم خمسة رواة كل واحد ما شاء الله وزنه ثمانين كيلو كم يصيروا، أربعمائة كيلو وعبد الله بن المبارك وزنه ثمانين كيلو يرجحون أم لا يرجحون؟ يرجحون به؛ فلأجل هذا قلنا: الرواة الذين خالفوا عبد الله بن المبارك ثقاة، وأكثر عددا، فترجح روايتهم على رواية عبد الله بن المبارك.
فالصواب في الإسناد الأول، في هذا الإسناد الذي يرويه عبد الله بن المبارك أنه ليس فيه ذكر لأبي إدريس الخولاني، فالمثال الأول قبلنا الزيادة، والمثال الثاني ماذا عملنا في الزيادة؟ رددناها، فمن هنا يتضح لنا الفرق.(1/371)
فأحيانا نقول: إن الزيادة قد تكون مقبولة، وأحيانا تكون ماذا؟ مردودة، كيف نقبل الزيادة وكيف نردها؟ نقول: تقبل الزيادة إذا كانت أوجه الحديث متساوية في القوة، إذا كانت أوجه الحديث متساوية في القوة فنقبل الزيادة في هذه الحال، أما إذا اختلفت أوجه الحديث في القوة فإننا نرجح ما هو أرجح؛ إما لثقته؛ أو لكثرة عدده، فرجحنا الرواية التي ليس فيها ذكر أبي إدريس الخولاني؛ لأن الذين خالفوا عبد الله بن المبارك أكثر عددًا؛ لكن لو جاءنا -مثلًا- في المثال الأول شعبة ورجل آخر مثل محمد بن إسحاق، فأيهما نقدم؟ نقدم شعبة؛ لأن شعبة أوثق حتى وإن كان المخالف واحدا؛ لكن هذا لا يكافئ هذا، هذا وزنه ثمانين كيلو وهذا وزنه أربعين بلا شك أنه يرجح به، فهذا -يعني- هذه الأمثلة يمكن أن يمثل بها على المزيد في متصل الأسانيد، ومن خلاله يتضح لنا أن الزيادة إذا كانت في الإسناد قد تكون مقبولة، وقد تكون مردودة.
قال بعد ذلك الحافظ ابن حجر:
المخالفة - الحديث المضطرب
أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب
المراد أن المخالفة قد تكون بماذا؟ بإبدال راوٍ مكان راوي آخر، ولا نملك أداة للترجيح، فحينئذ يسمى هذا الحديث ماذا؟ الحديث المضطرب.
الحديث المضطرب -أيها الإخوة- يمكن أن نعرفه بالتعريف الآتي فنقول: هو الحديث الذي وقع فيه إبدال راوٍ براوٍ آخر أو إبدال لفظة بلفظة أخرى مع تساوي الوجوه في القوة فلا يمكن الترجيح ولا الجمع. فعندنا شرطان لتحقيق الاضطراب، الشرط الأول: أن تتساوى جميع الوجوه في القوة، والشرط الثاني: أن لا يمكن الجمع بينها.(1/372)
دعونا نأخذ التقسيم ثم الأمثلة حتى يتضح لنا المراد، نقول: الحديث المضطرب ينقسم إلى قسمين: مضطرب في الإسناد، ومضطرب في المتن؛ المضطرب في الإسناد مثاله مثلوا له بحديث أبي بكر - رضي الله عنه - " أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أراك شبت؟ فقال: شيبتني هود وأخواتها " هذا الحديث قالوا مداره على أبي إسحاق السبيعي، واختلف عنه اختلافا كثيرا جدًّا.
فتجدون الرواة الذين رووا الحديث، عن أبي إسحاق السبيعي كلهم رواة ثقة، فبعضهم يروي كذا، وبعضهم يروي كذا، فدل هذا على أن أبا إسحاق نفسه هو الذي لم ينطق هذا الحديث، فيأتيه فلان ويحدثه بالحديث على وجه، ويأتيه فلان الآخر ويحدثه بالحديث على وجه آخر، وفلان آخر وهكذا، فدل هذا على أن أبا إسحاق لم ينطق هذا الحديث، فوجوه الحديث متكافئة في القوة، ما يمكن نرجح رواية فلان على رواية فلان؛ لأننا لو رجحناها لوجدنا أيضا رواية فلان الآخر تعارض ذلك وهكذا.
فمثلوا على هذا، فمثلوا بهذا المثال على المضطرب في الإسناد؛ لأن الاضطراب جاء في الإسناد فقط، أما المتن فمتنه معروف " شيبتي هود وأخواتها " لكن الاضطراب جاء في السند نفسه وجميع الأسانيد يعني متكافئة في القوة، فلا يمكن أن نترجح أحدها على الآخر، ولا يمكن -أيضًا- أن نقبلها فمرة يروى عن أبي بكر ومرة، يروى عن غير أبي بكر، ومرة يروى مرسلا، ومرة يروى موصولا، إلى غير ذلك، فلا يمكن أن نأخذ واحدا من هذه الأسانيد ونقول: إنه الإسناد الراجح.(1/373)
أما المثال على مضطرب المتن فمثلوا به بحديث " ليس في الحلي زكاة " وحديث " في الحلي زكاة " هو حديث واحد مرة روي يثبت أن في الحلي فيه زكاة، ومرة روي أنه ليس في الحلي زكاة، طبعا أنا أنقل لكم التمثيل بناءً على ما يذكره أئمة الحديث، أما -يعني- قد يأتي إنسان يقول: الصواب فيه كذا وكذا، نقول: أنت الآن افهم المثال، وإن ترجح لك شيء آخر هذا يعني ليس هو موضع الخلاف بيننا، ولكننا نريد أن نمثل، فهذا المثال يقول عنه الحافظ العراقي -يعني- يجعله مثالا لمضطرب المتن، ويقول: إن هذا -يعني- معنى كلامه هذا اضطراب واضح لا يمكن بحال من الأحوال الجمع بين الحديثين أحدهما ينفي، والآخر يثبت، كيف نجمع بينهما ما يمكن، ولا يمكن -أيضًا- ترجيح أحد الحديثين على الآخر فيتساقط الحديثان، أو يتوقف عن العمل، بالعبارة التي -يعني- قلنا: هي الأصوب، يتوقف عن العمل بالحديثين كليهما، لا هذا ولا ذاك؛ لأننا لا نستطيع أن نرجح أحدهما على الآخر، فمن هنا وضح لنا أنه إذا كانت الأوجه متساوية في القوة، ولم يمكن الترجيح ولا الجمع بينها، فهذا هو الذي يسمى هو المضطرب، وهو الذي يتوقف، عن العمل به، فلا يقبل هذا، ولا يقبل ذاك .
قال:
المخالفة - الإبدال
وقد يقع الإبدال عمدا امتحانا.
هذا المسألة -يعني- أتى بها الحافظ ابن حجر هنا لأجل مسألة الإبدال، إبدال راو مكان راو، أو إبدال إسناد مكان إسناد آخر وهكذا؛ لكن الحقيقية أن الأليق في بهذا المثال، أو بهذا النوع موضعه في الوضع في الحديث، تذكرون أننا تكلمنا عن الحديث الموضوع، والحديث الموضوع: إما أن يكون يعني عمدا من فاعله، وإما أن يكون خطأ.
فالآن هذا المثال من أمثلة الوضع عمدا؛ لكن مع اختلاف المقاصد، هناك قد يكون الدافع لواضع الحديث؛ إما الزندقة -كما قلنا- أو العصبية، أو التقرب إلى الحكام، أو النية الصالحة كما يزعم، وكما يحصل من بعض الجهلة من المتصوفة، والزهاد، والعباد إلى غير ذلك من الأسباب.(1/374)
لكن قد يقع أحيانا الوضع بطريق الامتحان، والاختبار للراوي، وهذا يفعله بخاصة -يعني- بعض أئمة الحديث حينما يشكون في راوٍ من الرواة؛ إما لأنه أول مرة يلقونه فيريدون أن يعرفوا حال هذا الراوي، هو مجهول الحال عندهم، هل هو ثقة أو غير ثقة؟ فتجد أنهم يأتون إليه فيمنحونه، ويلقون عليه بعض الأحاديث المقلوبة وهكذا؛ فإذا قبل هذه الأحاديث فحين ذاك يعرفون أن هذا الراوي ليس بشيء، فيتكلمون فيه، وإن ردها وبين الخطأ ووجد منها أنه متثبت فعندها يعرفون أن هذا الراوي راو ثقة، فهذا بالنسبة للراوي الذي لا يعرفونه أصلًا.
قد يكون الراوي عندهم معروف في الأصل؛ لكنه شاخ وكبرت سنه؛ والغالب على هذا الصنف من الناس أنهم يهرمون ويصيبهم شيء من الخرف، ويسمى عند المحدثين -كما بينا سابقا وكما سيأتي إن شاء الله- الاختلاط، فهم يريدون أن يعرفوا هل هذا الرجل بعد ما كبر وصل إلى هذا من السن داخله الخلل في حفظه؟ فتجدهم يلقون عليه بعض الأحاديث التي يقلبونها، فإذا قلبوا هذه الأحاديث، وميزها الرجل فمعنى ذلك أنه لا يزال محتفظا بقوته العقلية، وإذا قبلها ومشاها فمعنى ذلك أنه داخله الخلل، فعندها يحددون حد، فيقولون: من روى عنه قبل هذا التاريخ فروايته صحيحة، ومن روى عنه بعد هذا التاريخ فدخله الخلل.(1/375)
من الأمثلة التي إليها أشار إليه الحافظ ابن حجر هنا قصة البخاري، قصة البخاري -أيها الإخوة- تتلخص في الآتي: يقولون: إن البخاري قدم بغداد، فلما قدمها وكان سيطه قد ذاع وانتشر عند الناس، فتأهبوا لهذا البخاري الذي هم بأحر الأشواق لرؤيته، فحينما رأوه احتفوا به، واجتمع حوله الناس، وبدءوا يريدون أن يعرفوا هذا البخاري الذي يسمعون بحافظته العجيبة، فكان بعض أهل الحديث في بغداد اتفقوا فيما بينهم على امتحان البخاري ليعرفوا مدى صدق هذه الحافظة التي تدعى من عدم ذلك، فيقولون: إنهم أتوا بمائة حديث، فجعلوا كل عشرة أحاديث عند راو من هؤلاء الرواة، فجاءوا بعشرة رواة وأعطوا كل واحد عشرة من هذه الأحاديث؛ لكن العشرة التي عند فلان من الناس أعطوه المتون فقط، وأما أسانيدها فأعطوها المتون التي عند فلان، وهذه المتون عند الأول أعطوه أسانيد أحاديث أخرى فقلبوا عليه الأحاديث، يعني ركبوا أسانيد أحاديث أخرى على متون أحاديث أخرى، وخلطوا هذه المائة بعضها مع البعض ثم جاءوا -نعم رحمك الله- حديث فلان كذا وكذا ويقول الإسناد والمتن، فيقول: لا أعرفه. طيب، أملى الأول العشرة أحاديث التي، والبخاري كلها يقول فيها: لا أعرفها. وجاء الثاني، والثالث، والرابع إلى آخره، وكل حديث يقول فيه البخاري: لا أعرفه. فالناس تعجبوا وقالوا: هذا هو بخاريهم الذي يقولون ما عرف ولا واحدًا من هذه الأحاديث، وكل هذه الأحاديث يقول: لا أعرفه، لا أعرف. فلما انتهى هذا العدد كله، قال البخاري للأول: أما حديثك الأول الذي قلت فيه: كذا كذا وكذا. فحفظه وأملاه مرة ثانية فصوابه أنه حديث فلان الآخر، فإسناده هو إسناد حديثك الذي عندك، وأما إسناد حديثك الذي عندك فهو على متن الرجل الفلاني، فيقولون: رد المائة حديث كلها، وصوبها، وردها إلى أصولها.(1/376)
يقول الحافظ العراقي بعد ما ذكر هذه الحكاية: ليس العجب أن يرد البخاري غير الصحيح إلى الصحيح، ولكن العجب كيف حفظ الخطأ من أول وهلة فهذه -والله- حافظة مدهشة، لعلكم اندهشتم.
يعني القصة ذكرها ابن عدي وعنه حكاها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، لكن المشكلة الواسطة بين ابن عدي والبخاري، فابن عدي يقول: حدثنا أشياخ لنا. من هم هؤلاء الأشياخ؟ لا يعرفون، فقد يكونوا ثقاة، وقد يكونوا غير ثقاة، وإذا كانوا ثقاة فهل هم الذين سمعوا، أو شاهدوا القصة؟ أو ينقلونها عن أناس آخرين، وإذا كانوا أناسا آخرين فقد يكونوا -أيضا- ثقاة، وقد يكونوا غير ثقة كما قدمنا عند الكلام عن الحديث المرسل، ولذلك فالحيطة أن لا نقبل هذه القصة؛ لكن يمكن أن نمثل بأمثلة صحيحة.
فمن الأمثلة الصحيحة قصة يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين، يحيى بن معين والإمام أحمد، وثالث أظنه هو أحمد بن بشار الرمادي، كانوا ذهبوا إلى عبد الرزاق بن همام السمعاني في اليمن لطلب الحديث ارتحلوا رحلة طويلة، فلما رجعوا مروا في طريقهم على أبي نعيم الفضل بن دكين، يحيى بن معين ألح على الإمام أحمد أن يمروا على هذا الرجل، وقال: إني سأختبره؛ لأنه كبر في السن، فأراد أن يختبره هل اختلط أو لم يختلط؟ فنهاه الإمام أحمد وقال له: لا تفعل. فقال: لا بد أن أفعل.
طبعا الإمام أحمد -رحمه الله- يعني فيه ورع، ولا يريد أن يورط الرجل، فقد يدخل في أحاديثه شيء يكون فيه نكاية عليه، وابن معين -رحمه الله- أيضا له وجهة صحيحة أخرى وهي حرصه على الذب عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونقد الرواة، ومعرفة ما قد يعتريهم دفعه إلى ضرورة امتحان أبي نعيم فمروا عليه.(1/377)
فيحيى بن معين أرسل إلى أبي نعيم ثلاثين حديثا من حديثه؛ من حديث أبي نعيم نفسه، فأخذ يملي عليه، أملى عليه عشرة أحاديث والحادي عشر قلبه، غير -يعني- سنده، فوضع عليه إسناد حديث آخر، فأبو نعيم يملي عليه يحيى ابن معين العشرة الأولى وهو منصت ويقر، فلماء جاء إلى الحديث الحادي عشر استنكر، فأجاب بأنه لا يعرفه، وأن هذا ليس من حديثه، فمضى يحيى ابن معين حتى وصل إلى الحادي والعشرين فأحدث كما أحدث في الأول، قلبه عليه، فأنكره أبو نعيم، ثم مضى حتى أتى الحديث الآخير.
فلما قلبه فطن له أبو نعيم فقال: أما هذا- يشير إلى الإمام أحمد- فأورع من أن يفعل هذا، وأما هذا -يشير إلى أحمد بن بشار الرمادي- فيقول: ليس بأهل أن يصنع هذا الصنيع، يبدوا أنه ما بعد ما نضج في العلم، ولا أظن هذا إلا منك يا فاعل، فرفسه برجله رفسة، فلما خرجوا من عنده قال له الإمام أحمد: قد كنت نهيتك، قال: والله لرفسته هذه أحب إلي من كذا وكذا؛ لأنه استفاد منها أن هذا الرجل -فعلًا- ما يزال - بحمد الله - محتفظا بقواه، وأنه ثقة.
فهذا الصنيع أجازه العلماء قلب الحديث لامتحان المحدث، هذا جائز؛ لكن بشرط أن يبين القلب قبل أن يقوم من المجلس حتى لا يغتر به أحد، وهذا سبق أن أشرنا إليه في الكلام على الحديث الموضوع، والقصص في الحقيقة في هذا كثيرة، الحادثة التي بين حفص بن غياث مع راو آخر حينما أتوا شيخا مجهولا، لا أريد أن أطيل عليكم فيها، فالمقصود حصل -بإذن الله- وأما استيفاء الأمثلة فهذا -يعني- يطول.
من أنواع الإبدال يقول عنه الحافظ ابن حجر: فلو وقع الإبدال عمدا لا لمصلحة
-الآن هذا الإبدال الذي وقع من يحيى بن معين لمصلحة أو لغير مصلحة؟ بل لمصلحة، لكن يقول لو وقع الإبدال عمدا لا لمصلحة- بل للإغراب -مثلًا- فهو من أقسام الموضوع، ولو كان وقع غلطا فهو من المقلوب، أو المعلل.
كيف؟(1/378)
أما النوع الأول: يقول: فلو وقع عمدا لا لمصلحة، للإغراب -مثلًا- كنت مثلت لكم بحديث - أحد يذكره - راو أبدل في بعض الإسناد بقصد الإغراب، ولفت أنظار الناس إليه، ومثلنا على هذا بحديث حينما تكلمنا، عن الحديث الموضوع، حديث أبي وهب الأسدي؛ لأن أبو هو الأسدي هو الراوي ما غير؛ لكنه كني حتى لا يعرف؛ لكن المقصود الإبدال، التغيير، الإزالة يزيل الراوي الأول، ويأتي براو آخر، فهذا مثلنا له بحديث سهيل بن أبي صالح الذي يرويه، عن أبيه أبي صالح ذكوان السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تبدءوا أهل الكتاب بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " هذا الحديث قلنا: إنه رواه مسلم بهذا الإسناد، فجاء حماد بن عمرو النصييبي، وروى هذا الحديث؛ لأنه يعرف أن سهيل بن أبي صالح هو الذي تفرد بهذا الحديث، ويريد أن يقول للناس: إن عندي إسنادا ليس عند الآخرين، وهو إسناد نظيف جدًّا، فقال: حدثني الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تبدءوا أهل الكتاب " إلى آخر هذا الحديث.
فالآن ما الذي صنعه حماد بن عمرو النصيبي هذا؟ أبدل سهيل بن أبي صالح بالأعمش، يعني وضع هذا مكان هذا، فهذا من أنواع الوضع في الحديث حتى لو كان أصل الحديث صحيحا؛ لكنه بهذا الطريق يعتبر ماذا؟ موضوع، وهذا تكلمنا عنه سابقا، فهذا الإبدال وقع عمدا وليس لمصلحة، فإذًا هو من أنواع الوضع في الحديث؛ لكن لو وقع هذا الإبدال غلطا فيعتبر من ماذا؟ يعتبر من المقلوب أو المعلل.(1/379)
هل تذكرون مثالا على هذا، البارحة، نسينا، يعني حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار يعتبر من أنواع المعلل أو المقلوب، سموه ما شئتم المهم أن له علة وهي أن هذا القلب، أو هذا الإبدال وقع لا لعمد وإنما خطأ، من ثابت بن موسى حينما قلنا: إن شريكا حينما أملى ذلك الإسناد وقال هذا الكلام هو متن ذلك الإسناد الذي أملاه، فهذا يعتبر من المعلل، أو المقلوب على أي -يعني- وجه حدث به المحدث.
كذلك -أيضًا- يمكن أن يكون هذا من هذا النوع يكون حديث يعلى بن عبيد حينما رواه، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث " البييعان بالخيار " بدل عبد الله بن دينار قال عمرو بن دينار خطأ، ألا يعتبر هذا من هذا النوع؟ نقول: نعم، يعتبر من هذا النوع؛ لكن -كما قلنا سابقا-: إن هذا لا يعتبر علة قادحة في الحديث؛ لأن كلا من عمرو وعبد الله ثقة.
قال بعد ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله: أو بتغير؛ مع بقاء السياق، فالمُصَحَّف والمُحَرَّف.
يعني إذا كانت المخالفة بتغيير. الحقيقة أن الكلام على الحديث المصحف والمحرف -يعني- يحتاج إلى مزيد وقت أكثر مما معنا الآن وبخاصة أن أمثلته -أيضًا- تحتاج إلى تركيز؛ لأنه الخلاف بين المصحف والمحرف خلاف يسير، إما ببقاء الحروف مع تغيير الشكل؛ أو بتغيير الحروف؛ أو غير ذلك كما سيأتي -إن شاء الله- معنا، وهو على أنواع، سنقف -إن شاء الله- عند هذا الحد ونأخذ الآن الأسئلة.(1/380)
وما أدري -يعني- قبل أن تفترقوا هل تفضلون أن نأخذ درسا الليلة؟ يعني على أساس ننهي الكتاب فقط، وإن كان -إن شاء الله- يعني -بإذن الله- سننهيه نعم، لا -إن شاء الله- ما يحتاج الأمر إلى أسبوع -بإذن الله- إما أنهيناه، وإلا هاه -إن شاء الله- أقول: إن أنهيناه في الأسبوع القادم وإلا -يعني- أخذنا بعده يوم أو يومين -إن شاء الله تعالى- لكن أنا -بإذن الله- سأبذل جهدي لإنهائه، وأنا يغلب على ظني أننا سننهيه -بإذن الله جل وعلا- في الوقت المناسب...
س: فيه أحد الأخوة يعني كان سأل منذ فترة عن الجمع بين حديثي آية الكرسي أن من قرأها عند نومه لا يقربه شيطان، وحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- " أن الشيطان يعقد على قافية أحدكم ثلاث عقد " يقول: كيف الجمع بين الحديثين؟
ج: في فتح الباري بعض الأخوة صور البارحة الموضع من فتح الباري وفيه -يعني- محاولة للجمع بين الحديثين؛ لكن الذي تطمئن له النفس أن الأصوب -كما قال الحافظ هنا- والأقرب أن المخصوص يقول: وإن حمل على المعنيين، أو العكس فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما، والأقرب أن المخصوص حديث الباب كما تقدم التخصيص، عن ابن عبد البر في من لم ينوي القيام، فكذلك يمكن أن يقال: يختص بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان، ما معنى هذا الكلام؟ يقول: إن حديث عقد الشيطان على قافية أحدنا هذا مخصوص بمن؟ بالذي لم يقرأ آية الكرسي عند نومه، وأما من قرأها عند نومه لم يشمله الحديث؛ بل الشيطان يطرد عنه، فلا يعقد على قافيته. أنا -يعني- ارتحت لهذا الجواب مع أنه فيه -يعني- أجوبة أخرى، مع أنني ما اطمأننت إليها.
س: أحد الأخوة سأل البارحة عن ترتيب أقسام الرد بسبب طعن الراوي بناء على ما ذكره الحافظ ابن حجر.(1/381)
ج: وكنت ذكرت هذا؛ لكن يبدو أنه لم يتابع، قلت: إن الطعن في الراوي يتقسم إلى طعن في العدالة وطعن في الضبط؛ أما الطعن الذي في العدالة فأوله نسبة الراوي إلى الكذب، وضع الحديث، والثاني تهمة الراوي بالكذب، والثالث رمي الراوي بالفسق؛ أي أن يكون فاسقا، والرابع الجهالة؛ جهالة الراوي، والخامس البدعة؛ وصف الراوي بالبدعة، فهذه أنواع الطعون في العدالة؛ أما الطعن في الحفظ فأوله سوء الحفظ، الثاني فحش الغلط، الثالث الغفلة، الرابع الوهن، الخامس المخالفة للثقات .
س: أحد الأخوة يقول: ما الفرق بين الانقطاع والسقط؟
ج: أقول: الفرق أن الانقطاع تعريف اصطلاحي، فالانقطاع من أنواع السقط؛ لكن السقط أعم، فقد يكون السقط يدخل فيه المنقطع، والمعضل، والمدلس، والمرسل الخفي، والمعلق، والمرسل، كل هذه من أنواع السقط في الإسناد، فالمنقطع أحدها، هذا هو الفرق.
س: يقول: هل الحديث المضطرب ضعيف.
ج: أقول: نعم الحديث المضطرب ضعيف.
س: يقول: ماذا لو تعارض حديثان إسنادهما صحيحان ولا يمكن الجمع بينهما، هل يتوقف عن العمل بهما؟
ج: أقول: نعم، وسبق أن ذكرنا هذا.
س: أحد الأخوة يقول: حبذا لو كتبت هذا الشرح عند نهاية الكتاب، وأضعه في أحد المكتبات؛ لكي يصور. يقول: وإن كنت متحرجا؛ ولكن هو قصورنا، والله المستعان؛ لأننا قد نكتب غير المراد.
ج: أقول: هذا -يعني- هناك أحد الأخوة -يعني- تكفل بنسخ الدرس من الأشرطة وسأحاول -إن شاء الله- أراجعه بعد ما ينسخه ويوجد بالمكتبات؛ لكن لا يعتبر مطبوعا؛ لأنني آذن به على أساس أنه درس فقط؛ لكن أما ما هو معد للنشر هذا لا يعد معدا للنشر، معنى ذلك أنني لا أسمح بطباعته، فالطباعة شيء والتصوير من النسخ شيء آخر، ينتفع به في حدود معينة؛ لأن من ألف فقد عرض عقله على الناس، فالذي يتكلم ليس كالذي يتصدى للكتابة، ويدقق، ويحقق.
س: يقول: هل هناك درس بعد صلاة العشاء؟
ج: أقول: لا، خلاص يكتفى بهذا، إن شاء الله.(1/382)
س: يقول: ما معنى قول المحدثين، عن راو من الرواة أنه أدركته غفلة الصالحين؟
ج: أقول: معنى هذا الكلام أن المحدثين يفرقون بين العدالة والضبط، فقد يكون الراوي عدلا ولا يكون ضابطا، وجرب عن الذين -يعني- يوصفون بالزهد، والعبادة، والحرص على ذلك أكثر، أن بعضهم يكون فيه شيء من الغفلة بسبب اهتمامه بالعبادة وإعراضه عن حفظ الحديث، فإذا مسك حديثا من الأحاديث لا بد أن يهتم به اهتمام المحدثين، يعني سندا ومتنا وما إلى ذلك؛ بل يأخذه أخذا سهلا، فهذا الراوي هو الذي يوصف بالغفلة، فيقال: إن الصالحين -كما هو موجود في بعض الكتب- لم يكونوا أكذب منهم، في مقدمة صحيح مسلم: لم يكونوا أكذب منهم في الحديث. ويقول مسلم -رحمه الله-: إن المراد بهذا الكلام أنهم يقعون في الكذب، ولا يتعمدونه، والسبب انصرافهم عن حفظ الحديث إلى العبادة؛ لكن هناك من المحدثين من هو عابد زاهد صالح ورع تقي ومع ذلك فهو حافظ متقن، مثل عبد الله بن المبارك، مثل سفيان الثوري، مثل الإمام أحمد وغيرهم من العلماء، الذين جمعوا بين الاثنين.
س: يقول: هل نقول: إن حديث عبد الله بن المبارك الذي خالف فيه الثقاة هو حديث شاذ؟
ج: أقول: نعم، بناء على هذا العرض يقال: إنه حديث شاذ اللهم إلا أن يكون هناك تخريج لهذه الزيادة لم أطلع عليها، كأن يكون توبع، أو ما إلى ذلك؛ لكن وجدت أنهم مثلوا بهذا الحديث، ويمكن أن تراجعوا كتاب الباعث الحثيث للحافظ ابن كثير، وتعليق الشيخ أحمد شاكر عليه في الكلام على هذا الحديث.
س: يقول: هل حديث " لا يبرك أحدكم كبروك البعير " هل هو مقلوب؟ وما توجيهكم للحديث؟ ونريد إسناده.(1/383)
ج: أقول: ابن القيم -رحمه الله- ادعى القلب في هذا الحديث ولكن قوله هذا يفتقد الدليل؛ لأنه استدل على القلب برواية لعبد الله بن سعيد المقبري، وعبد الله هذا متروك الحديث، فلا يستدل بروايته لإثبات القلب في الحديث؛ لأن الراوي لا يعتبر به أصلا، فكيف يمكن أن يستدل بقوله على إثبات القلب في الحديث؛ فابن القيم لا يسلم له بادعاء القلب؛ لكن يمكن أن تناقش المسألة مناقشة أخرى، يعني بغير ادعاء القلب في الحديث.
أعد سؤالك، على كل حال المسألة شائكة، أنا أذكر الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - في عام 1401 كان بعض الإخوة يتبنى رأي الشيخ الألباني في تقديم اليدين على الركبتين، والشيخ عبد العزيز مقتنع بكلام ابن القيم، ليس على التفصيل؛ ولكن النتيجة التي توصل إليها وهي أن الركبتين تقدمان على اليدين.
فكعادة الشباب دائما يريدون إقناع الشيوخ بالقوة فجاءوا بكلام الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة وقرءوه على الشيخ، والشيخ ينصت بسعة صدر، فلما انتهوا قال: أنتم تريدون إقناعي في هذه العجالة وأنا والألباني جلسنا في المدينة -لأن الشيخ عبد العزيز كان رئيسا للجامعة الإسلامية فيما مضى- قال: جلسنا مددا طويلة نتناقش في المسألة، وهذه المسألة حري أن يؤلف فيها مؤلف مستقل، هي من المسائل العسيرة.
ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال هذا من الخلاف السائر فلا حرج أن تقدم اليدان أو الركبتان؛ لأن الفصل في المسألة بحد محدود لا يمكن؛ لكن قلت لكم -يعني-: وجهة نظري أن الحديث الذي يستدل به الشيخ الألباني أنه حديث منكر كما قال البخاري، استنادا إلى قول البخاري رحمه الله، نعم.(1/384)
على كل حال أنا لا أريد أن أحول الدرس إلى مناقشة لهذه المسألة؛ لكن على كل حال أنا أجيب على هذه المسألة، لو أتيت -يا أخي- للناحية اللغوية فهي تسعف الشيخ الألباني في الحقيقة؛ لأن البعير ركبتاه في يديه، والدليل على هذا أنه صح، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما يحكي ذلك التابعي الذي شاهده قال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا خر في الصلاة خر على ركبتيه يبرك كما يبرك البعير، وهذا من أهل اللغة تابعي، فعندهم في اللغة أن بروك البعير يكون بهذه الصورة، فلا يمكن إدعاء القلب في الحديث مع بناء على معنى اختلفوا فيه أيضا من الناحية اللغوية، ولذا قلت لكم: إن المسألة شائكة، وأنا -يعني- ممن يهتمون بها من وقت مبكر؛ لكن عجزنا نصل فيها إلى حد فاصل، ولذلك أنا أسوغ الخلاف فيها مع ترجيحي وعملي بهذا الذي ذكرت لكم، وهو تقديم الركبتين على اليدين، قد يقول أحدكم: لماذا -يعني- أخذت هذا المفهوم؟
أنا في الحقيقة سبق تناقشت أنا والشيخ محمد بن عثيمين - حفظه الله - في هذه المسألة، الدرس تحول إلى درس فقهي، فالشيخ محمد حينما تناقشت أنا وإياه أتاني بوجهة نظر أصبحت عندي معقولة جدًّا، قال حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: لو سلمنا بالمعنى اللغوي تجاوزناه، لم يقل النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يبرك أحدكم على ما يبرك عليه البعير، ولكن قال: " كما يبرك البعير " ففرق بين الهيئة وفرق بين العضو الذي يبرك عليه بالفعل، كيف؟ كيف يا شيخ؟ قال: نعم البعير الآن يقدم صدره، أو يقدم مؤخرته حينما يقع على الأرض؟ يقدم صدره، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يشبه الهيئة، يقول: " لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير " فالبعير يقدم صدره، وأنت حينما تقدم يديك تقدم أي شيء؟ فأنت ستفعل كما فعل البعير، فهو -يعني- استنباط فقهي قد يسلم للشيخ فيه وقد لا يسلم، فأنا اقتنعت بوجهة نظر الشيخ في هذه المسألة.(1/385)
س: يقول: هل بالإمكان الرجوع إلى سير أعلام النبلاء للإجابة على الأمثلة التي أعطيتنا إياها؟
ج: أقول: بالإمكان، لكن لو ما وجدت ما يسعفك فانتقل للمراجع التي ذكرت.
س: يقول: هلا أعدتم على مسامعنا الكتب التي نرجع إليها لمعرفة العلل في الأمثلة، وإعادة ما ينبغي علينا عمله، علما بأننا مبتدءون لا نفقه شيئا في هذا العلم؟
ج: أقول: أما الكتب التي يمكن أن ترجعوا إليها فتهذيب الكمال للمزي، وتهذيب التهذيب لابن حجر، والمراسيل لابن أبي حاتم، وجامع التحصيل للعلائي. يعني لو رجعتم لهذه الكتب الأربعة حتما ستجدون بغيتكم، من رجع إلى السير، يمكن بعضكم ما عنده مثلا التهذيب، ولا تهذيب الكمال يمكن يرجع للسير؛ لكن لو لم يجد ما يشفي غليله، يبحث، عن التهذيب وتهذيب الكمال، أما بالنسبة لما ينبغي عمله فهو تأتي لأحد الأمثلة وتنظر هذا المثال أين العلة فيه؟ هنا صيغة عن، هذا الراوي يروي عن فلان، أنا أنظر أفتح ترجمته هل سمع من فلان أو لم يسمع، سمع منه طيب أذهب - نسيت مرجع آخر طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر، الرجوع إليه في حالة التدليس: فمثلا إذا جاءني راوي يروي عن راوي بصيغة عن، نظرت هل هو شيخ له أو ليس بشيخ له؟ إذا كان شيخا له نظرت هل هو مدلس، أو ليس بمدلس؟ إن كان مدلسا عرفت أن موطن العلة يكون هنا، فأقول: إن هذا الحديث آفته وعلته أن فلانا وصف بالتدليس؟ وهو هنا لم يصرح بالسماع من شيخه، فيكون هذا الحديث فيه هذه العلة، هذا مثال.
مثال آخر، نظرت في الموضع الذي فيه صيغة عن، وإذا بهذا الشيخ بهذا التلميذ لم يسمع من ذلك الشيخ؛ لكن ما سمع منه وعاصره، يعني اشترك معه في فترة معينة زمنية من حياته، أو ما اشترك؟ إن كان اشترك معه، ونصوا على أنه لم يسمع منه، فنقول: هذا إنه مرسل إيش؟ خفي، وإن كان ذلك الراوي لم يشترك معه في شيء من سني حياته، فيقال عن هذا: إنه إيش؟ منقطع، هذا إذا كانت الفترة الزمنية قصيرة بينهما.(1/386)
أما إذا كانت الفترة الزمنية طويلة، فأنظر إلى شيوخه؛ شيوخ هذا الراوي، هل شيوخه سمعوا من ذلك الشيخ؟ فإن كان في شيوخه من سمع من ذلك الشيخ هنا أعرف أنه -أيضًا- يمكن أن يكون منقطعا؛ لكن إذا كان في شيوخه لم يسمعوا من ذلك الشيخ الذي روى عنه، فمعنى ذلك أن هناك -أيضًا- واسطة أخرى، فأقول: إن الحديث إيش؟ معضل.
وإذا كان الساقط من الأعلى، يعني الصحابي بحيث أن التابعي هو الذي عن يعني صيغة عن، وهذا الرجل هو الذي أضاف الحديث للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان تابعيا فأقول: إن الحديث إيش؟ مرسل، وهكذا .
س: يقول: هل يمكن أن تكون إجابة الأربعة الأولى السبت والبقية يوم الأحد حتى تتاح الفرصة للمبتدئين مثلي للاستفادة من الإجابات يوم السبت؟
ج: نقول: معلش يمكن -إن شاء الله- يعني آخر، وإنما المقصود تقريب هذا العلم للأذهان، أما كون المثال يعني يصح في حد ذاته، وبهذه الصورة، وبهذه الألفاظ تماما فهذا أمر آخر، فأرجو أن يفقه الإخوة هذا عني.
س: يقول: كنت أحضر دروس سماحة الشيخ ابن باز في الفتح والفتاوى إلى آخره، فقال لي بعض الطلبة: إن هذه الدروس لا تناسبك؛ لأنك ما زلت في بداية طلب العلم، ولا ينبغي أن يحضر عنده إلا كبار طلبة العلم مما سبب لي ذلك عزوفا، عن طلب العلم لمدة طويلة، مع العلم أنني عندما كنت أحضر كنت أشعر بالفهم، وأشعر بأنني أستفيد. كيف توجهوني؟ وما رأيكم في هذا الأسلوب المنفر عن طلب العلم؟
ج: أقول: أيها الإخوة، الحقيقة هذه من المسائل الخطيرة في المنهج، فأنا في حسب معرفتي وليعذرني بعض الإخوة إذا تكلمنا؛ لأنهم -في الحقيقة- تطاولوا، يمكن أن -مثلًا- لا نذكر هذه الأساليب أو لا نركز عليها وندع الأمور من باب النصيحة فيما بيننا وبينهم إذا لم يكن الأمر تفاقم إلى هذا الحد.(1/387)
أما بهذه الصورة -ففي الحقيقة- أن هذا من الأمور التي لا يسكت عليها، فهناك -وللأسف- بعض الإخوة الذين لهم تصرفات حزبية لدعوة بعض الشباب، ويخشون على هؤلاء الشباب إذا حضروا مجالس العلم أن يتفلتوا عليهم بهذه الحجة؛ فيحذروهم من حلق العلم بهذا الأسلوب، إنك ما زلت صغيرا في السن، وإن هذه الدروس لا تناسبك، إلى آخر ما هنالك من الترهات، وهذه جاهلية جديدة مهما كان المبرر لها حينما يقولون: إننا ينبغي أن نركز على تربية الشباب وما إلى ذلك، فهذا أسلوب نرفضه، ولا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال، فإذا صرف هؤلاء الشباب عن حلق العلم فمعنى ذلك أنهم سيربون على مناهج غير علمية، ويعني كما أن هذا يعني مرفوض بهذا الأسلوب.
فإنني أذكر -أيضًا- بطريقة السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم- عبد الله بن عباس كان طفلا، ويجلس على أبواب صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - تلفحه الشمس، وتسفو عليه الرياح، ما الذي كان يريد؟ ما يريد إلا طلب العلم من الشيوخ، فكيف -يعني- ينفرون؟ يعني أنا أعرف دروس الشيخ كلها ميسرة، مجرد قراءة وإمرار، وربما علق الشيخ تعليقات خفيفة،
فما فيه إنسان أبدا يخرج بدون فائدة مهما قل علمه أو كبر، لا بد أن يخرج بفائدة.
فتزهيده في دروس الشيخ ليس بالأمر المحمود، وبخاصة أنه يترك درس الشيخ ويذهب أين؟ ينام؛ لأن دروس الشيخ في الغالب أنها في الصباح الباكر، فتجده يذهب ينام، أيهما أفضل يجلس في حلقة ذكر على الأقل ما يأتيه إلا الأجر، كما جاء في الحديث " هم الجلساء لا يشقى جليسهم " أو يذهب فينام، لا شك أن البون شاسع، أيها الإخوة.
طيب، على كل حال بقية الأسئلة عليها بعد ذلك، وسبحانك اللهم وبحمد، نشهد أن لا إله أنت، نستغفرك ونتوب إليك.(1/388)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قبل أن نبدأ في درسنا هذه الليلة بالنسبة للأمثلة التي أمليتها عليكم نأخذ الجواب عن بعضها، وبعضها نؤجله لليلة القادمة حسب طلب بعض الأخوة؛ فالأمثلة ثمانية، نأخذ أربعة في هذه الليلة، والباقي نؤجله لليلة الآتية -إن شاء الله- وأنا سأطرح السؤال، والذي يعرف من الإخوة الجواب يرفع أصبعه، ويبين ذلك بالحجة والبرهان، كما أشرنا لذلك سابقا.
فالمثال الأول الذي قال فيه البخاري: وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا يعضد شوكه " يعني شجر الحرم، ماذا نسمي هذا الحديث؟ هذا الحديث ماذا نسميه، نسميه معلقا لماذا؟ لماذا سميناه معلقا؟ ألا يحتمل أن يكون البخاري سمعه من ابن عباس؟ ليه؟ لعدم المعاصرة، يعني كم تقدر بينهما من الزمن؟ نعم، أكثر من مائة قليلا أكثر من مائة بين وفاة ابن عباس وبين ولادة البخاري، يعني يمكن حوالي مائة وعشرين سنة، فبلا شك أن البخاري لم يدرك ابن عباس، وحينما يقول: قال ابن عباس، معنى ذلك أنه علق الحديث بمن؟ بابن عباس، فهذا القسم الأول يقال له إيش؟ معلق.(1/389)
طيب الرابع: والذي مثلنا له بقولنا: قال ابن ماجه -مثلًا-: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن أنس.. إلى آخر الحديث، ما الذي يمكن أن نقوله عن هذا الحديث؟ تفضل يا أخي.. طيب، قرة بن عبد الرحمن ضعيف؛ لكن -يعني- نحن حددنا هذه هي الأمثلة لأنواع معينة من علوم الحديث وهي المعلق، والمرسل، والمرسل الخفي، والمدلس، والمنقطع، والمعضل، بس نريد من هذه الأنواع، أما الأمثلة الباقية سيأتيكم -إن شاء الله- يعني عليها أمثلة تحكمون على الأحاديث من خلالها -إن شاء الله- أيوه، أحسنت -بارك الله فيك- يعني هذا الحديث بعد النظر فيه وجدنا في رواته رجلا وهو الوليد بن مسلم، بعد ما بحثنا في ترجمته وجدنا أنهم نصوا على أن الوليد بن مسلم -هذا- يدلس، كيف يدلس؟ يعني ماذا يفعل؟ يسقط واسطة بينه وبين شيخه، وهو الذي سمع منه الحديث، فما دام أنه موصوف بهذا فيمكن أن نرد حديثه؛ لكن أنا أتساءل هل نرد حديثه على الإطلاق؟ أو بضوابط معينة؟ نعم، أيوه؛ لكن ما هو الضابط في رد حديثه، أو قبوله؟ ما الذي أدرانا أنه دلس؟ تفضل، نعم، أحسنت -بارك الله فيك- إذا وجدنا قال: حدثنا، أو أخبرنا، أو حدثني، أو أخبرني، أو سمعت، يعني بإحدى الصيغ التي تدل على أنه فعلا أخذ هذا الحديث، عن شيخه، فهنا ليس هناك إشكال، ما فيه داعي لأن نضع إشكالا، لكن في هذا الحديث لو نظرنا هل صرح بالتحديث؟ ماذا قال؟ قال: عن، وعن يمكن أن يكون سمع الحديث من شيخه، ويمكن ألا يكون سمعه من شيخه، وما دام أنه موصوف بالتدليس فالأصل -إذًا- أن نحتاط في قبول هذا الحديث، ونقول: هذا الحديث نتوقف عن قبوله، وهو حديث ضعيف لماذا؟ لأن الوليد بن مسلم مدلس، ولم يصرح بالسماع.(1/390)
طيب، بالنسبة للمثال الأخير الذي قال فيه النسائي: أخبرنا عمران بن يزيد، قال: أنبأنا شعيب بن إسحاق، عن جابر - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساق هديا في حجه " ماذا نقول عن هذا الحديث؟ إيه، شعيب بن إسحاق، طيب، ما الذي أدرانا أنه سقط أكثر من راوٍ؟ يعني بأي شيء نستدل؟ طيب، هذا صحيح، يعني لو وجدنا هذا الحديث مرويًّا، وهناك واسطة بين شعيب بن إسحاق وبين جابر بأكثر من واحد، فهنا نقول إن الحديث معضل؟ صحيح.
لكن هل وجدنا هذا الحديث مرويًّا يعني هذا يعود للذي حكم على الحديث بالإعضال، فأنت اطلعت عليه؟ ما اطلعت عليه، ما الذي أدراك؟ طيب، أنا معك في هذا, يعني الشعور بأن الغالب أن بين النسائي وبين الصحابي -يعني- عدد في الغالب خمسة رواة، أو نحو ذلك، صحيح هذا؛ لكن لا بد من التدليل، نريد الدليل.
نعم يا أخي، أبوه، أي نعم، طيب تستطيع تُحَدِّد، تاريخ وفاة مَن؟ وتاريج ولادة مَن؟ إيه طيب مَن الشيخ ومَن التلميذ هنا؟ قل: تاريخ ولادة فلان كذا، أو تاريخ وفاة فلان كذا، يعني أنا أريد أحد الإخوة اللي بحثوا فعلا، وحددوا -يعني- العلة تحديدًا كم؟ تفضل، جابر رضي الله توفي سنة كم؟ أيوه، طيب، هو يعني الكلام على العموم.
صحيح لكن لو حصل بشكل أدق يكون أفضل، يعني أنت أخذت، وفاة شعيب لا تستطيع تحدد ولادته؟ كلام جميل جدًّا، يعني الكلام إللي قاله الأخ هذا كلام جميل جدًّا؛ لكن يمكن نحدد بالشكل الذي -يعني- ما دمنا مع الأخ فيه.
الأخ يقول: نظرنا في شيوخ شعيب هذا ولم نجد فيهم ولا واحدا من التابعين، نعم، فإذًا شيوخه؛ إما أن يكونوا من أتباع التابعين، أو -أيضًا- ممن هم دونه، فلنأخذ -يعني- أعلى حد وهو أنهم من أتباع التابعين، فإذًا أقل ما يكون أن هناك تابعي وتابع التابعي، فهؤلاء كم؟ اثنان، وسقطا على التوالي، فإذًا الحديث معضل، هذا كلام جميل.(1/391)
لكن دعونا -أيضًا- نتوسع في تحديد مفهوم العلة بشكل أدق، نعم، ولد سنة كم؟ أو توفي، لا، لعلك تقصد توفي، أيوه، أحسنت -بارك الله فيك- شعيب بن إسحاق كانت ولادته سنة مائة وثمانية عشرة للهجرة، ووفاته سنة مائة تسعة وثمانين للهجرة، فالولادة التي في سنة مائة وثمانية عشرة للهجرة ووفاة جابر - رضي الله عنه - سنة كم؟ اختلف فيها؛ لكن الأقرب أنها في سنة أربع وسبعين للهجرة، فكم بين وفاة جابر وولادة شعيب بن إسحاق؟ كم سنة؟ أربعة وأربعون سنة، ثماثية عشر، أربعة وأربعون سنة.
طيب خذوا عندكم قاعدة لأجل محاولة التحديد بالتقريب، يعني ضع في ذهنك أن -فعلا- شعيبا بن إسحاق لم يسمع من جابر، نعم؛ لكن هل يحتمل أن يكون سمع ممن سمع جابرًا، حتى تضع هذا الاحتمال تنظر في شيوخه إن كان في شيوخه ممن قيل عنه: إنه عمر، يعني عاش زمنا طويلا، عاش فوق المائة، وعرف عن هذا المعمر أنه سمع من جابر، فهنا يبقى الاحتمال قويًّا أنه سمع من جابر.
لكن إذا طالعت في شيوخه فوجدت أن شيوخه أعمارهم متوسط أعمار أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال -عليه الصلاة والسلام-: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليل منهم من يجاوز ذلك " فإذا أخذنا الحد الأعلى من هذه وهو السبعون؛ السبعون عاما.
فعندنا شيء يسمونه سن التحمل والأداء لشيخ شعيب ولشعيب نفسه، فالغالب أنهم يضعون سن خمسة عشرعاما لشيخه وله هو، فإذا وضعت سن خمسة عشر عاما لشيخه؛ فعلى الأقل -يعني- لا بد أن يكون ولد في سنة كم حتى يكون سمع من جابر؟ سنة تسع وخمسين للهجرة، تسع وخمسين، أضف إليها سبعين؛ التي هي المدة المتوسطة التي يكون عاشها شعيب مائة وتسع وعشرون وشعيب ولد سنة كم؟ سنة مائة وثماني عشرة هجرية، أضف إليها خمسة عشر عاما، مائة وثلاث وثلاثون سنة.(1/392)
فإذًا الاحتمال هنا قوي جدًّا على أنه ليس الواسطة بينه وبين جابر واحدة؛ ولكن لا بد أن تكون أكثر من واحد؛ لأننا الآن أخذنا بأقل التقادير، فكيف لو أخذنا بما هو فوق ذلك؟ فبلا شك الانقطاع سيكون أكثر من هذا بكثير، فإذًا هذه أمور يحتاجها المحدث دائما في ذهنه ويستخدمها.
ولذلك لو طالبتم -مثلًا- بعض المحدثين بالدليل الجازم تماما على أن فلانا لم يسمع من فلان، وما إلى ذلك، من سيقول لك السند تماما، عن فلان أنه قال: إنني لم أسمع من فلان، أو نص واحد من أقرانه، أو المعاصرين له على أنه لم يسمع من فلان؟ لا؛ ولكن بهذه الطرق باستعمال التاريخ فهم يحددون هل سمع، أو ما سمع؟ أضف إلى ذلك أنه إذا كان شعيب -يعني- بهذه الصورة -يعني- أخذنا السن الأدنى.
فأيضا البلد ليست هي البلد التي عاش فيها جابر في الغالب أظن شعيب كوفيًّا، والَّا لا؟ يعني يغلب على ظني أنه من الكوفة؛ لأنه هو من تلاميذ أبي حنيفة، وأبو حنيفة كوفي، فالغالب عليه أنه كوفي وجابر أين؟ مكي؛ فالبلد مختلف -أيضًا- وهذا يقوي الانقطاع الطويل؛ فهذه الأمور بجملتها نستطيع من خلالها أن نقول: إن الحديث بهذه الصورة معضل.
طيب المثال الأخير، وندع الباقي لليلة القادمة -إن شاء الله- قال البخاري: باب من طلب الولد للجهاد. وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " قال سليمان بن داود عليهما السلام " إلى آخره.(1/393)
هذا الحديث ماذا نقول عنه؟ حديث معلق، طيب، هل غير التعليق يمكن أن يكون شيئا؟ يعني بالنسبة للأول الأخ قال: إنه معلق، فقلنا: نعم؛ لكن المثال يمكن أن يكون غير المعلق، معضل، طيب، هل هذا الحديث الآن نستطيع أن نقول عنه: إنه معضل أيضا؟ ليه؟ مَن يكون مثلا؟ يحيى بن بكير، فالساقط بين البخاري وبين الليث كم؟ واحد فقط، فهذا نقول عنه: معلق، ولا نقول عنه: إنه معضل، البقية -إن شاء الله- الليلة القادمة، نعم، لو رجعت لكلام الحافظ ابن حجر فتجد أنه حدده؛ لكن إذا نظرت في شيوخ البخاري هل فيهم من روى عن الليث؟ تجد مثل يحيى بن بكير أنه روى عن الليث، يكفي إي نعم.
طيب، الآن نستمر في درسنا لعلنا نقطع مسافة، ويعني قد نضطر إلى السرعة قليلا.
ما زال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يعدد أنواع المخالفة، فتذكرون أنه ذكر من المخالفات المدرج، والمقلوب، والمزيد في متصل الأسانيد، والمضطرب، والآن جاء دور الحديث المُصَحَّف والمُحَرَّف.
يقول الحافظ هنا -أو يعني-:
المخالفة - الحديث المصحف والمحرف
إذا كانت المخالفة بتغير مع بقاء السياق؛ فالمُصَحَّف والمُحَرَّف.
فقط هذا كلامه، عن المُصَحَّف والمُحَرَّف، وقال في شرحه: أو إن كانت المخالفة بتغير حرف، أو حروف مع بقاء صورة الحرف في السياق؛ فإن كان كذلك بالنسبة إلى النقط فالمُصَحَّف؛ وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمُحَرَّف، ومعرفة هذا النوع مهمة. إلى أن قال: وصنف فيه فلان.(1/394)
الآن الحافظ قسم هذا النوع إلى قسمين المصحف والمحرف، وعرفهما بهذا التعريف الموجز، فدعونا الآن نمشي مع تعريف الحافظ ابن حجر، ثم نذكر ما إذا كان -فعلًا- يمكن قصر هذا النوع على ما ذكره الحافظ ابن حجر، أو إنه يمكن أن يكون أن أكثر من ذلك فهو يقول: إن كان التغيير بالنسبة إلى النقط؛ فالمصحف. هل يستطيع أحد من الإخوة يضرب لي مثال على هذا، يعني إن كان فهم هذه العبارة ها، مثل حمار وجمار، أحسنت -بارك الله فيك- يعني ممكن نحدده من الأسماء المشهورة نعم، نعم؛ لكن نريد من الأسماء المشهورة.
على كل حال -يعني- ما نطيل، هناك أسماء يحصل فيها التصحيف بسبب النقط، ومنشأ هذا التصحيف -في الغالب- من الكتب التي كانت موجودة عندهم، فلو نظرتم وتعاملتم مع الكتب المخطوطة التي بخطوط قديمة تجدون الكثير فيها لا تنقط، فمثلا يسار وبشار -يعني- رسمها واحد؛ لأنها إذا لم تنقط، فما تستطيع أن تحدد هل هو يسار، أم بشار؟ فتقول -مثلًا-: محمد بن يسار أم محمد بن بشار. ما تستطيع تحدد، لماذا؟ لأنها لم تنقط.
لكن من الذي يستطيع أن يحدد؟ الإمام الناقد العارف الذي يعرف أن محمدا هذا بتحديد طبقته من خلال السند هل هو من الأعلى، أو من الوسط، أو من الأنزل؟ وبتحديد الشيوخ، والتلاميذ، وكثرة ترداده في طبقة معينة من طبقات السند يستطيع أن يحدد هل محمد هذا هو محمد بن يسار، أو محمد بن بشار؟
لكن الذي ليس بعارف، أو على الأقل قل إنسان ناسخ مخطوط، فممكن يقع في اللبس، ومن هنا ينشأ التصحيف في الكتب المخطوطة؛ لأنه هناك أناس يقال لهم: الوراقون والوراق إنسان مستأجر ينسخ بدل المطابع التي عندنا الآن، ما كانت المطابع موجودة عندهم، وإنما كان هناك أناس يشتغلون حرفة ينسخ الكتب، تعطيه كتابا وينسخه لك بأجرة؛ فالوراق ليس بعارف بهؤلاء الرجال، فبذلك يمكن أن يقع في التصحيف.(1/395)
فإذا كان التصحيف مع بقاء صورة الخط، صورة الخط باقية لكن التصحيف حصل من جراء ماذا؟ من جراء نقطة واحدة فقط من تحت والنقط التي في الأعلى يسار وبشار، فهذه النقط هي التي غيرت تماما هذا الرجل إلى آخر، الحافظ ابن حجر يقول: إنْ كان من هذا النوع فهو المصحف.
ومن أمثلته الفعلية ما حصل ليحيى بن معين -وهو إمام، ووقع في التصحيف- هناك رجل يقال له: العوام بن مراجم تصحف على يحيى بن معين إلى العوام بن مزاحم، الخطأ أين وقع؟ في الزاي والجيم، يعني نقطة الجيم وضعت فوق الزاي، ابن معين أخذها ووضعها فوق الراء، فتصحف عليه هذا الرجل، فهذا من أمثلة ما يقع.
أيضًا، كذلك هناك -مثلًا- رجل يقال له أبو جمرة، نصر بن عمران الضبعي -الذي يحضر معنا درس في درس مسلم يذكر أننا تكلمنا عن هذا- أبو جمرة في صورة خطه وبخاصة الناس الذين لا يروق لهم هذا الاسم -يعني- دائما يتصحف أبو جمرة إلى ماذا أبي حمزة، فالسبب أن حمزة مشهور وجمرة غير مشهور، فتجد بعضهم وغالبا هذا يقع في المخطوطات -يعني- ما وجدت هذا الاسم في المخطوطات التي يعني ينسخها، أو يطلع عليها أئمة حفاظ مشهورين، فإن أبا جمرة هذا يقع فيه التصحيف كثيرا، وعلى هذا فسر، فهذا بالنسبة للمصحف عند الحافظ ابن حجر هو يقصره على هذا النوع.
قال: وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف، ممكن أحد من الأخوة يضرب لي مثالا على التغير بالشكل، أحسنت -بارك الله فيك- نعم، مثال عَبيدة السلماني دائما يتصحف إلى عُبيدة الذي لا يعرفه يقول: عُبيدة، وهذا حتى -سبحان الله- وأنا أستمع إلى الراديو في بعض الأحيان، فبعض الذين يلقون بعض المواعظ، ولكنهم ما عندهم خبرة برجال الحديث تجد أنه يقول: وقال عُبيدة السلماني، ثم يذكر قولا عنه، فهذا من التصحيف، الصواب أنه عَبيدة، يعني العين بدل أن تكون مضمومة أصبحت مفتوحة.(1/396)
وأمثلة هذا كثيرة في الرواة الذين بهذه الصفة مثل بَشير وبُشير، فتجد هذا -أيضًا- يقع فيه التصحيف -مثلًا- الذي في مقدمة صحيح مسلم الرجل الذي كان في نقاش مع ابن عباس -رضي الله عنهما- ما اسمه؟ بُشير بن كعب، الذي يقول لابن عباس: ما لي أراك يا ابن عباس لا تنصت لحديثي؟ فقال ابن عباس: إنا كنا إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا، إلى آخر كلامه -رضي الله تعالى عنه- فهذا من أمثلة المحرف عند الحافظ ابن حجر، -رحمه الله- تعالى.
هل -يعني- التصحيف والتحريف يقصران على هذا؟ أقول: يعني بحكم المطالعة في الكتب المفصلة والكتب التي عنيت بالكلام في التصحيف نجد أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- اختصر اختصارا، وقسمه هذا التقسيم الذي -يعني- لا أعرف أن أحدا سبقه إليه بهذه الصورة؛ ولكن هم يعبرون دائما بالتحريف والتصحيف على معنى واحد تقريبا.
والتحريف والتصحيف ينقسم عندهم إلى قسمين: تصحيف لفظي، وتصحيف معنوي. نبدأ بالتصحيف المعنوي؛ لأنه ليس له أقسام حتى نأخذ التصحيف اللفظي؛ فالتصحيف المعنوي يقع في المتون؛ في متون الأحاديث، وأمثلته كثيرة، وفيها شيء من الدعابة؛ فالتصحيف المعنوي: لفظ الحديث كما هو ما تغير فيه شييء؛ لا بالشكل ولا بالنقط، باق على ما هو عليه؛ ولكن فهم معنى الحديث يتغير.(1/397)
مثاله مثال أبي موسى الزمن -رحمه الله تعالى- وكان من قبيلة عنزة -يمكن بعض الإخوة يزعل علينا إذا كان من قبيلة عنزة- فأبو موسى -رحمه الله- هو من الأئمة؛ ولكنه أساء فهم حديث من الأحاديث، وذلك أنكم تعرفون حديث النبي -عليه السلام- " أنه إذا أراد أن يصلي تُغْرس بين يديه العنزة؛ ليجعلها سترة له في الصلاة " والعنزة مثل الحربة من نوع الرمح يغرس في الأرض، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إلى هذه العنزة؛ يعني الحربة، يجعلها سترة، فأبو موسى -رحمه الله- قال: نحن قوم لنا شرف -يعني قبيلة عنزة- صلى إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو صحف المعنى بهذه الصورة.
السيوطي -رحمه الله- في تدريب الراوي يقول: إنه اطلع على مثال أعجب من هذا بنفس الحديث، بعضهم قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى شاة، كيف؟ يعني ظن أن عنزة عنز عنزة فعبر بالمعنى -أيضًا- على أنه صلى إلى شاة.
من أمثلته -أيضًا- ما ذكره ابن الجوزي -طبعًا- أظنه نقلا عن الخطابي، أو عن الدارقطني، لا أذكر أن أحد المحدثين حينما ذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه نهى أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره " فكان هناك أناس جلوس فتلوموا، فقالوا: والله لقد كنا نسقي مزارعنا، ونسرح الماء إلى جيراننا، فأخذوا يستغفرون الله -جل وعلا- من هذا الفعل، والسبب أنهم أساءوا فهم الحديث الذي المقصود به السبايا من النساء، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كنى، عن الجماع بهذه التكنية، فنهى أن يطأ الرجل المسبية، قبل أن يستبرئ رحمها، قبل أن تحيض ثم تطهر، وكنى عن ذلك بأن يسقي الرجل ماءه زرع غيره، قد يكون في بطنها ولد من غيره فيكون سقاه ماءه، فهذا هو المقصود، فبعضهم أخذ الحديث على ظاهره، فقال هذا القول.(1/398)
ومثاله -أيضًا- ما وقع -كما يقولون- لابن شاهين -وهو إمام حافظ- أنه تصحف عليه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه -عليه الصلاة والسلام- لعن الذين يشققون الخطب " يعني يتفيهقون يتفصاحون أمام الناس، فيشققون الخطب يحاول الواحد منهم أن يظهر نفسه فصيحا أمام الناس، فتصحف عليه يشققون ماذا؟ الحطب، نقطة فقط أزالها، فكان هناك أناس أهل سفن جالسون، فقالوا: وماذا نفعل -يعني- بالسفن -يعني- نحن نتخذها من الخشب ونشقق الخشب حتى نصنع هذه السفن؟!
فكل هذا من تصحيف المعنى، وهو كثير جدًّا حتى -يعني- إن التصحيف ممكن يستمر لهذه الأزمان، وأنا أذكر -طبعا أنتم لا تعرفونه- أحد أئمة المساجد كان يقرأ في مختصر السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- مختصر سيرة ابن هشام، فيذكر نسب قريش، المهم حتى قال: وقريش من كنانة، وتصحفت عنده في الكتاب إلى كنافة، فقال له أحد الجلوس كنافة، أو كنانة؟ قال: والله الموجود كنافة.
طبعا غالب ما ينشأ التصحيف هذا من عدم الجلوس مع الشيوخ، وأخذ العلم عنهم، وإنما يؤخذ العلم من ماذا؟ من الصحف، ولذا قيل للذي يصحف: إنه صحفي، فهذا أكثر ما يقع التصحيف به، وهذا لو كان يجالس الشيوخ لعرف أن المقصود كنانة نسب قريش من كنانة؛ لكن التصحيف كله ينشأ من الصحف، فهذا بالنسبة للتصحيف المعنوي، ومثل كنافة هذه قد تكون يعني من تصحيف النظر كما سيأتي إن شاء الله.
القسم الثاني: هو التصحيف اللفظي وهو أكثر الأنواع والتصحيف اللفظي يقع في الإسناد وفي المتن ووقوعه في الإسناد، وفي المتن يختلف، فينقسم إلى تصحيف بصر وتصحيف سمع، في كلا الموضعين في الإسناد، وفي المتن.
فمن أمثلة التصحيف في الإسناد الأمثلة التي ذكرناها قبل قليل، ومن جملتها تصحيف يحيى بن معين -رحمه الله- العوام بن مراجم إلى العوام بن مزاحم، فهذا يقال له: تصحيف إسناد، وهو يقع كثيرا.(1/399)
وتصحيف المتن مثَّلوا له بحديث " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجر في المسجد " يعني اتخذ حجرة من حصير في المسجد، فابن لهيعة -أحد الرواة- صحف الحديث فقال: احتجم في المسجد، فهذا يقال له: تصحيف ماذا؟ تصحيف متن؛ فالأول تصحيف إسناد، وهذا تصحيف متن.
والتصحيف يحصل بسبب السمع، وبسبب البصر؛ أما بالبصر فلأجل ما ذكرناه قبل قليل، مثل أن يكون الكتاب غير منقوط، أو تكون النقط متقاربة، أو من جراء العجلة، كل هذا يحدث، فمثلا أحدهم حينما قرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال " تصحفت عليه ستا إلى شيئا فقال: من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال، والسبب أنها لم تنقط، وهم ما كانوا يهمزون، فالشكل باق فهذا تصحف عليه من جراء ماذا؟ من جراء النظر، وهذا يسمى تصحيف بصر.
أما تصحيف السمع فهو يقع في الكلمات التي مخارجها متقاربة، وفي الغالب يكون ممن كان بعيدا عن الشيخ، وربما كان -أيضًا- ساهيا أو ما إلى ذلك، ومخرج الكلمات واحد، فإنه يقع في هذا التصحيف السمعي، يمثلون له بعاصم الأحول وواصل الأحدب، لاحظوا أن المخرج تقريبا متقارب، عاصم الأحول وواصل الأحدب، فبعضهم يتصحف عليه إذا قال: حدثنا عاصم الأحول يظن أنه قال: حدثنا واصل الأحدب. فهذا يسمى تصحيف ماذا؟ تصحيف سمع.
هذه هي أنواع التصحيف على التفصيل، وكما قلت لكم: إن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- اختصرها اختصارا، وكما قلت: قد يعبر التصحيف عن التحريف والعكس، والحافظ ابن حجر -رحمه الله- هنا اجتهد.
هناك أئمة عنوا بكشف التصحيف، ومن جملتهم الدارقطني -رحمه الله- وله كتاب يثنون عليه؛ لكن ليت هذا الكتاب يخرج إن كان موجودا مخطوطا، والحقيقة أن مثل الدارقطني -رحمه الله- ممن إذا كتب في هذه الفنون يجيد ويفيد؛ لكن هناك كتاب تصحيفات المحدثين للعسكري، فهذا حققه الشيخ محمود الميرة، وهو موجود في المكاتب يقع في ثلاث مجلدات يمكن أن تطالعوه.(1/400)
هناك من تعرض لمثل هذا التصحيف الذي يقع، فأذكر الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أفرد بابا في هذا الموضوع، وذكر أناسا ممن يصحف، من جملتهم ذكر عبد الله ابن الإمام أحمد، وذكر عثمان بن أبي شيبة أخو صاحب المصنف، ونقل عنه أمورا عجيبة، وهي تنقل عنه.
والحقيقة -أيها الإخوة- يعني أنا أردت أن أذكره -يعني- تنبيها على أن الإشاعة أحيانا قد تكثر، فتذكرون أن -يعني مثلًا- جحا كل نكتة تنسب لجحا، ربما لأنه -في الأصل- كان صاحب دعابة؛ لكن يمكن هذا الذي يذكر عنه ما يبلغ ولا معشار معشار ما قد حصل منه، فعثمان بن أبي شيبة -رحمه الله- يقال: إنه كانت فيه دعابة، وذكر عنه بعض التصحيف، من جملة ما ذكر عنه -وهذا التصحيف الذي ذكر عنه كثير؛ لكن أضرب لكم من الأمثلة التي ذكرت عنه- أنه قرأ جعل السفينة في رحل أخيه، فقيل له: { جَعَلَ السِّقَايَةَ } (1) الآية التي في سورة يوسف، فقال: لا، أنا وأخي أبو بكر صاحب المصنف لا نقرأ لعاصم، فجعلها -يعني- كأنها قراءة، قال: هذا الكلام الذي تقولون كأنه قراءة. ويقال: إنه قرأ سورة { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } (2) قرأها كأول البقرة آلم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل.
__________
(1) - سورة يوسف آية : 70.
(2) - سورة الفيل آية : 1.(1/401)
أنا أستبعد جدًّا؛ بل أقول: قد يكون مستحيلا أن يقع عثمان بن أبي شيبة في التصحيف لماذا؟ لأن الرجل من أئمة التفسير، وأئمة التفسير دائما معروفون بالإجادة في القراءات، وما يفسر القرآن أحد إلا وهو حافظ له، ومطلع على هذه الأمور، فكيف يقع في هذا التصحيف الذي لا يقع فيه صغار الأطفال؟! وهو له كتاب في التفسير كبير، فأنا أستبعد أن يصح هذا عثمان بن أبي شيبة؛ لكن الذهبي -رحمه الله- حينما ذكر هذا عنه في سير أعلام النبلاء قال: لعل الرجل كان صاحب دعابة، فلعله كان يداعب، والله يغفر لنا وله؛ فالذهبي يقول: إنه ما -يعني- ما نقد الأسانيد، أو حاول أن يدقق في المسألة، وكأنه سلم بوجود هذا الشيء.
وأنا أدعو في الحقيقة إلى ضرورة التحقق من ما يذكر، عن مثل عثمان بن أبي شيبة وغيره، حتى عبد الله ابن الإمام أحمد الخطيب البغدادي ذكر عنه بعض الأمور التي لا أظن أن عبد الله ابن الإمام أحمد يقع فيها، طبعا لا لأنه مبرأ؛ ولكن لأنها أشياء -يعني- يفهمها صغار طلبة العلم فضلا عن مثل هذا الإمام، فنكون الآن انتهينا من المصحف.
قال بعد ذلك الحافظ ابن حجر:
حكم الرواية بالمعنى
ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني، فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المُشكِل.
هذا الكلام -أيها الأخوة- يتعلق بمسألة مشهورة عند علماء الحديث وهي الرواية بالمعنى، تعرفون -حفظكم الله- أن البشر ليس كلهم يستطيع أن يتلقى الكلام من فم الشيخ ويؤديه كما سمعه حرفا بحرف؛ بل قد يحفظ كثيرا من الألفاظ، ويفوت عليه بعض الألفاظ؛ لكنه يحفظ المعنى، فربما وضع لفظة مكان لفظة.(1/402)
فمثلا عندنا ثلاثة ألفاظ، أو ربما أكثر كلها بنفس المعنى: أقبل، وهلم، وتعالى، هل بينها خلاف؟ ما بينها خلاف، فلو أنني قلت: يا فلان أقبل، أو يا فلان هلم، أو يا فلان تعالى ألا أعتبر ناديته، هذا شيء؛ لكن إذا كنت -مثلًا- أقول: يا فلان امش، فلفظة امش هذه ألا تحمل وجهين؟ أنا أقول: امش تعالى يعني إلَيَّ، أو امش انصرف. تحتمل الوجهين، فهنا المعنى يختلف، قالوا: إذا كان الذي يحدث بالمعنى عالما بما يحيل الألفاظ، بما يحيل المعاني من الألفاظ فهذا هو الذي تجوز له الرواية بالمعنى، وأما إذا كان يعبر بلفظ قد يكون يؤدي معنى زائدا، أو معنى ناقصا، أو معنى مغايرا، فهذا لا يجوز له بحال من الأحوال أن يحدث بالمعنى لماذا؟ لأن الحكم الذي يمكن أن يستنبط من الحديث يتغير في هذه الحال.
وأضرب لكم مثالا على هذا -لا لأجل التحقيق فهنا أحد الإخوة يجمع ألفاظ الحديث؛ لكن على رأي من يستنكر مثل هذه اللفظة- تعرفون حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه ذكر قبض الرب جل وعلا للسموات والأرض في تفسير قول الله جل وعلا: والسموات مطويات بيمينه " الرواة رووه ويقبض الأراضين السبع بيده الأخرى، أحد الرواة قال: بشماله. فالذين يستنكرون هذه اللفظة يقولون: إن هذا الراوي عبر بماذا؟ عبر بالمعنى؛ لكن إذا سلمنا بهذا الفهم ما يأتينا أحد من الإخوة ويناقشني في المسألة، فحتى الآن يعني ما؛ لكن نقول بناءً على من يستنكر هذه اللفظة ويقول: هذا الراوي عبر بالمعنى هل يكون هذا الراوي أتى بالمعنى الدقيق؟ لا، أقول: ما أتى بالمعنى الدقيق؛ لأنه أتى بمعنى يترتب عليه مسألة أخرى وهي إثبات صفة زائدة، أو -يعني- وصف صفة من صفات الله جل وعلا بمعنى أشمل، أو أكثر دقة مما هو مذكور في الحديث الآخر بيده الأخرى، فمثل هذا -يعني- لو صح فعلا أن هذا الراوي عبر بالمعنى نستطيع أن نقول: إنه عبر تعبيرا غير دقيق.(1/403)
التعبير -أيها الإخوة- ليس فقط بتغيير لفظ مكان لفظ؛ بل قد يكون اللفظ كله، وقد يكون بالاختصار -أيضًا- فقالوا: لا يجوز له أن يختصر الحديث إلا إذا كان -أيضًا- عالما بما يحيل المعاني من الألفاظ، وعندكم المحشي يعني ذكر مثالا جيدًا وهو حديث، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا يتفرقن عن بيع إلا عن تراض " فلو جاءنا راو واختصر هذا الحديث، وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يتفرقن عن بيع " فهذا الاختصار مخل، أو غير مخل؟ مخل جدًّا؛ لأن أداة الاستثناء التي استثنى منها بعض الشيء ما أتى بها وهي مهمة تكون فهو الآن بهذه الصورة ينهى عن التفرق عن البيع على وجه الإطلاق عن تراض، أو عن غير تراض، بينما الحديث نص على أنه إذا كان التفرق عن تراض فلا بأس بذلك، فهذا مثال الاختصار المخل -أيضًا- وهو مما جعلوه من المباحث المرادفة لمبحث الرواية بالمعنى.(1/404)
وهذا الكلام الذي ذكرته لكم هو القول -يعني- الراجح، وعلى الاختصار؛ لكن لهم مذاهب في هذا، فهناك من العلماء من لم يجز الرواية بالمعنى أصلا، مثل محمد بن سيرين -رحمه الله- وغيره حتى حكي هذا، عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فيقول: لا بد أن يؤدى الحديث بنفس اللفظ؛ لكن -يعني- وجدنا أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- الغالبية العظمى منهم كانوا يؤدون اللفظ الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ بينها شيء من الاختلاف؛ لكن تجد أن المعنى واحد، ولذلك كان بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- إذا حدث أردف ذلك بقوله، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - أو نحو ذلك، وهكذا -يعني- من الألفاظ التي يستعملونها، فهذا يدل على أنهم كانوا يعبرون بالمعنى، ولم يكونوا يؤدون اللفظ تماما كما سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- هناك من العلماء من قال: إن الرواية بالمعنى يمكن أن نجيزها في الألفاظ دون المركبات دون الجمل الطويلة؛ لأن اللفظ سهل، يعني لو أخطأ الراوي فيه فالخطأ يمكن أن يستدرك، وفي الغالب أن اللفظ لا يحتمل -يعني- أن يؤتى بلفظ آخر يكون محتملا لمعنى زائد، أو غير ذلك؛ لكن لو غير جملة كاملة فلربما تغير سياق الحديث، بحيث يترتب على هذه الجملة التي أتى بها معان زائدة، ويترتب عليها استنباط أحكام لم تكن موجودة في أصل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا مذهب لبعض العلماء قال -يعني-: لا بد أن يكون التغيير فقط في الألفاظ مثل ما قلت لكم، يعني ممكن نعبر بهلم مكان تعال؛ لكن لا يذهب فيسوق حديث كامل بمعنى آخر لا.(1/405)
مثاله -يعني- " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " بمن تقوَّل علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار كذب، تقول: أليستا بمعنى واحد؟ بمعنى واحد يترتب عليه إخلال بمعنى الحديث ما يترتب عليه أي شيء؛ لكن لو قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تهدد الذي يسمع منه حديث ويؤديه بلفظ آخر. فهذا -يعني- فهم معنى من الحديث بحسب فهمه، فعبر بهذا اللفظ، وحقيقة الحديث لا يقصر على هذا المعنى؛ بل هذا المعنى يمكن أن يستفاد من الحديث بناء على التوسع في الاستنباط لكن الحديث -يعني- واضح أنه يهدف -أولا- لمن اختلق حديثا على النبي - صلى الله عليه وسلم - محتمل؛ لكن لو وجدت قرينة تدل على أن الصحابيين اللذين روياه أخذاه في مجلس واحد، فهذا يدل على أنهما روياه بالمعنى.
من العلماء -أيضًا- من رأى أن التعبير بالمعنى يجوز للصحابة فقط دون غيرهم، وحجتهم في ذلك أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كانوا عربا فصحاء يعرفون المعاني التي لو عبر عنها بألفاظ غير الألفاظ التي سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم - لتغير معناها فهذا -أيضًا- مذهب لبعض العلماء.
وعلى كل حال أقوالهم في هذا -يعني- كثيرة؛ لكن ما ذكرته لكم هو الخلاصة، وأكثر ما يركز عليه مذهبين؛ إما المذهب القائل بعدم الجواز إطلاقا، أو المذهب القائل بالجواز بهذه القيود والشروط، وحينما نقول بالجواز هم لا يختلفون أن من كان عارفا باللفظ فإنه يجب عليه أن يؤدي نفس اللفظ؛ ولكن إذا لم يكن عارفا باللفظ فهذا يترتب عليه -أيضًا- إهدار جزء من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا الجزء ما دام أنه يمكن أن يعبر عنه بالمعنى الصحيح السليم فلا بأس بذلك.(1/406)
ممن كان يرى الرواية بالمعنى ويستعملها البخاري -رحمه الله تعالى- وهذا واضح وضوحا بيِّنا في صحيحه، فإنك تجد الحديث الواحد يرويه في موضع ويرويه في موضع آخر، والشيخ هو نفس الشيخ؛ أي إنه ما سمع الحديث إلا بلفظ واحد من الشيخ؛ لكن تجد البخاري يسوقه في موضع بلفظ، ويسوقه في موضع بلفظ آخر المعنى واحد؛ لكن الألفاظ فيها شيء من الاختلاف، فالبخاري -رحمه الله- عرف بأنه ممن يرى الرواية بالمعنى.
أمَّا مسلم -رحمه الله- فمن جراء تفضيلهم كتابه -وطبعا هذا ليس على الإطلاق ولكن من جراء الترتيب وبعض المعاني الأخرى- فضلوا كتاب مسلم على كتاب البخاري، قالوا: لأن البخاري يروي الرواية بالمعنى؛ أما مسلم فكان ملتزما بأداء الأحاديث كما سمعها؛ لأنه ألف كتابه وأصوله حاضرة؛ بل وكثير من مشايخه كانوا أحياء، فلو اشتبه عليه لفظ لراجعهم، فلذلك تجد -يعني- سياق مسلم للأحاديث -يعني- يكون أجود من سياق البخاري، يعني فيه شيء من التمام والحصر.
نقل الحافظ في شرحه كلام للقاضي عياض حينما ذكر أنه ينبغي أن يسد باب الرواية بالمعنى -يعني- حتى لا يتسلط أحد على أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعبر عنها بتعبيرات قد تخل بالمعنى، المراد هذا الكلام كله فيما إذا كان الحديث يعني ألفاظه واضحة ومعانيه ظاهرة فيه.
بعض الأحاديث تكون فيها بعض الألفاظ التي في الغالب أنها لا تنسى، ولذلك الرواة يؤدونها كما سمعوها، فمثلا التحنث، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحنث في غار حراء، هذه اللفظة غريبة، أو لا؟ فيها غرابة، ولذلك دائما الأذهان -يعني- تلتقط الغريب وتحفظه في الغالب، فمثل هذه الألفاظ -يعني- في الغالب فإنها تؤدى كما سمعت.(1/407)
لكن نلتفت الآن لفتة أخرى إلى نوع من أنواع الحديث وهو ما يسمى بغريب الحديث، غريب الحديث -أيها الإخوة- المقصود به الألفاظ التي يشكل معناها على بعض الناس فتبين له، وهذه الألفاظ إنما أشكل معناها بسبب قلة استعمالها، ولا شك أننا لو جاءنا الآن واحد وقرأ علينا بعض المعلقات السبع -وهي لغة عربية- لأصبح كأنه يتحدث بلغة أجنبية عنا، ألفاظ في كثير من المواضع يمكن لم نسمعها إلا لأول وهلة، أو سمعناها؛ لكن ما نعرف ما معناها، فمثل هذه الأشياء كلها تحتاج إلى بيان.
العلماء -رحمهم الله تعالى- خدموا علوم الكتاب والسنة خدمة جليلة، فما تركوا لا شاردة ولا واردة إلا وقيدوها وخدموها، فنجد العلماء عنوا بشرح الغريب الواقع في كتاب الله -جل وعلا- وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من ألف في غريب القرآن، ومنهم من ألف في غريب السنة، ومنهم من جمع بين النوعين؛ فممن ألف في غريب القرآن الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات؛ ولكن الذي يهمنا الذين ألفوا في غريب السنة، فأقدم من علمناه ووصل إلينا كتابه أبو عبيد القاسم بن سلام، وكتابه اسمه غريب الحديث، وهو مطبوع الآن في أربع مجلدات؛ ولكن ترتيبه صعب، ولذلك عمد الدكتور محمود الميرة إلى وضع فهرس له يخدم طالب العلم للعثور على الأحاديث التي يريد -يعني- معرفة شيء من المعاني التي فيها، فهناك فهرس وضعه للكتاب.
فكذلك -أيضًا- إبراهيم بن إسحاق الحربي له كتاب غريب الحديث، وطبع في جامعة أم القرى؛ وإن كان ناقصا؛ لكن هذا الذي وجد منه، وكذلك ابن قتيبة الديناوري له كتاب غريب الحديث، وهو مطبوع -أيضًا- في ثلاث مجلدات، وكذلك -أيضًا- من أحسنها كتاب الخطابي غريب الحديث، وهو من الكتب -أيضًا- التي طبعت بجامعة أم القرى، ويقع في ثلاثة مجلدات.(1/408)
لكن هذه الكتب كلها التي ترتيبها عسر، فمنها ما خدم ووضع له فهرس في آخر الكتاب مثل كتاب الخطابي، هناك فهرس خدمه المحقق وضع له فهرسا في الآخير، ومنها ما لم يوضع له فهرس مثل كتاب أبو عبيد؛ ولكن وضع له فهرس بعد ذلك -يعني- المحقق، ما وضع له فهرسا.
ولكن الكتب التي رتبت ترتيبا جيدا من أحسنها كتاب النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وهذا هو أحسنها ترتيبا، ويعتبر أخذ ما تضمنته الكتب السابقة، ورتبه هذا الترتيب الجيد، ولذلك من السهولة أن تعثر على الكلمة التي تريدها في هذا الكتاب مرتبة بحسب الحروف الأبجدية ألفا باء تاء ثاء جيم إلى آخره، فمثلا هلم تذهب إلى حرف الهاء بعدها لام بعدها ميم، وتبحث فتجد معناها يفصله ويشرحه لك، هناك أبو عبيد الهروي، ألف كتابا جمع فيه بين غريبي القرآن والسنة، واسمه كتاب الغريبين، والكتاب مطبوع -أيضًا- الآن.
هذا بالنسبة لغريب الحديث يحتاجه طالب العلم الذي يريد أن لا يقتصر على مجرد الرواية؛ رواية الحديث، ومعرفة الصحيح من السقيم فقط؛ ولكن يريد أن يستنبط ما في هذا الحديث من الفوائد، فاستنباطه الفوائد يبني على معرفة المعنى الكامل لذلك الحديث، فإذا صادفته بعض الألفاظ الغريبة فبلا شك أنها ستكون عائقا في طريقه؛ لكن إذا حلت فمعنى ذلك أن هذا الطالب استطاع أن يتجاوز الصعاب، وأن يستنبط ما يريده من ذلك الحديث، ولذلك علماء الحديث خدم هذا الفن -كما قلت لكم- هذه الخدمة، وكذلك -أيضًا- علماء المصطلح أرشدوا طالب الحديث إلى هذا بوَّبوا هذه الأبواب، وأرشدوه إلى أنه إذا احتاج إلى شرح غريب فعليه أن يرجع إلى هذه الكتب.(1/409)
هناك -أيها الأخوة- شيء يسمونه بيان المشكل، أحيانا لا نجد اللفظ غريبا علينا بحيث إنه يشكل صعوبة في فهم معناه ولكن يكون اللفظ فيه صعوبة في تحديد معناه، فقد يكون حمال أوجه، فيحتاج الأمر إلى أن يبين العلماء ما المراد من هذا الحديث، وفي الغالب أن هذا يحصل بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض.
فتذكرون السؤال الذي ألقي علَيَّ، كيف نجمع بين حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للشيطان الذي علمه آية الكرسي قال: " صدقك وهو كذوب " وكان من مما علمه أنه قال: " آية الكرسي تقرأها عند منامك، ولا يقربك شيطان حتى تصبح " وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الآخر " إن الشيطان يعقد على قافية أحدنا إذا نام ثلاث عقد ويقول نم فعليك ليل طويل " فهذا الحديث يثبت أن كل واحد منا عليه شيطان، وذاك الحديث لا يقربك شيطان، فكيف نوفق بين الحديثين؟ هذا هو المشكل في الحديث، مشكل الحديث يقع هنا، فعلا هذان الحديثان أمرهما مشكل، كيف يحل هذا الإشكال؟
هنالك العلماء خدموا هذا الفن، وهذا سبق -يعني- تكلمنا عنه من زاوية أخرى، وهو في مختلف الحديث -كما قدمنا سابقا- فقلت: إن الشافعي -رحمه الله- ممن عني بهذا وألف كتابه مختلف الحديث، وكذلك ابن قتيبة، وكذلك الطحاوي في كتابه مشكل الآثار، هم يطرقون هذه المعاني، تجد الطحاوي -مثلًا- يأتي بهذين الحديثين، ويقول: الصواب فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلًا: أنا ما أذكر أن الطحاوي قال هذا؛ لكن يعني من باب التنبيه - الصواب في هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الذي ينام ولا يقرأ آية الكرسي يعقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، أما إذا قرأ آية الكرسي فلا يستطيع الشيطان أن يعقد عليه هذه العقد، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على قراءة آية الكرسي قبل أن ينام، يمكن أن يخرج بهذا المعنى الذي يفك به الإشكال الوارد في هذين الحديثين، فهذا هو المقصود بمشكل الحديث.(1/410)
بعد ذلك انتقل الحافظ ابن حجر إلى مبحث الجهالة - والساعة العاشرة الآن، وبعض الإخوة يعترض على -يعني- الاستمرار خاصة في مثل مبحث الجهالة، فهو يريد شيئا من الطول، فعلى كل حال لعلنا -إن شاء الله- نأخذه في الليلة القادمة -بإذن الله- ونقف عند هذا الحد وصلى الله وسلم على نبينا محمد - نعم، بكرة العصر، لحظة يا إخوان، يعني عشان نحدد، بكرة العصر ما فيه درس، طيب شيخنا الفاضل أخذ الوقت، خلاص ما دام أخذ الوقت من سبق. هذا أنا في ظني -يعني- أنه ما فيه يعني إشكال؛ لأن الرواية المضبوطة ولا تعد، هذه هي الرواية المضبوطة.
س: أحد الإخوة يقول: ألا ترى ترك المراجعة في أول الدرس؛ لأنها تأخذ حوالي ثلث ساعة، وهذا وقت مهم وكثير، ونحن نرغب في إكمال التحفة؟
ج: أقول: -إن شاء الله- التحفة سنهيها بإذن الله؛ لأن المباحث التي ستأتي بعد الجهالة مباحث -يعني- سهلة جدًّا ممكن نطوي فيها المسافة بسرعة -إن شاء الله- بالنسبة للمراجعة أنا -في الحقيقة- لي -يعني- كم ليلة ما راجعت؛ لكن بالنسبة لهذه الليلة ما يعتبر مراجعة، وإنما هو تطبيق عملي، والتطبيق العملي مهم.
س: يقول: ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن الخطيب البغدادي معروف بتحامله على الحنابلة، فهل هذا صحيح؟ ولماذا؟(1/411)
ج: أقول: يعني أنا أفضل مثل هذا أن نقول: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (1) فكما أن الخطيب -رحمه الله- يعني قد يظهر منه بعض التحامل؛ لكن أنا أعتبر أنه معذور أشد العذر؛ لأن -أيضًا- الحنابلة تحاملوا عليه تحاملا في الحقيقة -يعني- فيه ظلم له، فكانوا يؤاجرون -مثلًا- السقا في وقت كان الرجل يحمل القربة على ظهره، فالخطيب -رحمه الله- يجلس بين الطلاب، وكتبه معه أصول ما هي مصورة، ما عندهم آلة تصوير ولا مطبوعة، أصول مخطوطة باليد -يعني- مجرد نقطة ماء تذهب الكتابة، فيؤاجرون السقا، ويأتي كأنه والناس مجتمعون عليه، فكأنه واقف ليطالع مع الناس وهو يرخي زمام القربة قليلا حتى ينتثر الماء على كتب الخطيب البغدادي فيذهبها، أحيانا يقوم لصلاة الفجر فيجد الباب؛ باب بيته قد لطس، يأتوه في الليل فيطلسون الباب فتفوته صلاة الجماعة، وأنواع -يعني- أذية -سبحان الله- كثيرة جدًّا الذي يقرؤها يقول الأولى الابتعاد عن مثل هذه الأمور، فيعني فلو -مثلًا- تحامل ولا شيء فهو بسبب ما لقيه من الظلم منهم.
س: يقول: تقصد عثمان أبو شيبة مؤلف كتاب العرش ؟
ج: أقول: هذا الذي ألف كتاب العرش محمد بن عثمان بن أبي شيبة إن لم تخني الذكرة، وقد يكون هو عثمان بن أبي شيبة؛ لكن الذي في ذهني هو محمد بن عثمان بن أبي شيبة.
س: يقول: وابن كثير تكلم في أبي شيبة أيضا؟
ج: أقول: لا، هو تكلم في محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ما تكلم فيه؛ لكن يذكر -يعني- كلام بعض العلماء فيه.
س: أحد الإخوة يقول: في حديث رواه أبو داود في سننه، ساق إسناده -يعني- المهم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقد التسبيح، قال ابن قدامة في يمينه هل هذا يعد من المدرج في الإسناد؟ فإن ابن قدامة تفرد بهذه اللفظة بلفظ بيمينه، والباقون رروه بلفظة بيده؟
__________
(1) - سورة البقرة آية : 134.(1/412)
ج: أقول: لا، ما هذا ما نسميه من نوع الإدراج؛ ولكن نسميه من الرواية بالمعنى، وهي رواية مخلة، فإن لفظة بيده غير لفظة بيمينه، فاليد تحتمل اليمين والشمال، والمفروض من الراوي أن يتقيد باللفظة نفسها فهو عبر بيمينه، فخالف جميع الرواة الذين رووا الحديث، ولذلك أخطأ هو في روايته، الصحيح بيده.
س: أحد الإخوة - جزاه الله خيرا- يعني يبدوا لي أنه يرى يعني بعض الإخوة يتساءل فيجلس على إلية يد خلفه هكذا، ويذكر الحديث الوارد في هذا أنها جلسة المغضوب عليهم، كان يريد أن ينبه؟
ج: فأقول: نعم أولى أن ينتبه الإخوة، فلا يجلسوا هذه الجلسة اليد، أو اليدينن.
س: يقول: ذكر سماحة الشيخ ابن عثيمين - حفظه الله- أن هناك كتابا يسمى بالمغني، وقال: إنه كتاب مفيد لطالب العلم يقع في حوالي ثلاثين ورقة في فهم المصحف من الأسماء. فهل هو مطبوع؟ وماذا تعرف عنه؟
ج: أقول: نعم كتاب المغني في ضبط الأسماء مطبوع في مجلد ليس بكبير الحجم؛ لكن هناك -يعني- ما هو -يعني- أوسع من المغني هذا فهناك ابن ماكولا الأمير -رحمه الله- ألف كتابه العظيم النافع الإكمال وهناك -أيضًا- الحافظ الذهبي ألف مشتبها مثله وهناك -أيضًا- الحافظ ابن حجر -يعني- ألف كتابًا في المشتبه سماه تبصير المنتبه في تحرير المشتبه، فهناك -يعني- كتب ألفت في هذا يمكن للذي يريد أن يطلع عليها.
س: يقول: روى أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة " فهل هذا الحديث صحيح؟
ج: أقول: نعم الحديث صحيح.
س: هل التسمية في الوضوء واجبة، وما رأيك في قول الإمام أحمد أنه لا يثبت في هذا الباب شيء؟(1/413)
ج: أقول: أما بالنسبة للوجوب، فأنا لا أرى الوجوب؛ لكن مثل هذه المسائل أفضل التسمية خروجا -يعني- من الخلاف، وكنت -يعني- دائما -يعني- أحاول أن أتذكر إذا وصلت للبيت البحث، عن حديث ما أدري كيف مر علَيَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر: " صب علَيَّ وضوئي ثم قال: بسم الله " وأذكر أن الذي -يعني- ذكره قال: إنه في مسلم، في صحيح مسلم، فلعل يعني أحد الإخوة إذا تفرغ واستطاع أن يبحث، عن هذا الحديث في صحيح مسلم، فإذا كان موجودا في صحيح مسلم بهذه الصورة المذكورة فهو يعتبر أصلا في التسمية؛ لكن نعم لا يجب على الوجوب؛ لكن يدل على مشروعية التسمية، فأقول هذا -يعني- للتذكير؛ لعل بعض الإخوة يخدمنا في هذا، لأنني كثير النسيان.
الحديث -يعني- فيه ضعف حتى وإن -يعني- حسنه فيه بعض.. ولذلك الإمام أحمد يقول: لا يثبت في الباب شيء؛ لكنه يعملون بس -يعني- احتياطا.
س: يقول أحد الإخوة: أيهما أفضل ألفية العراقي، أو ألفية السيوطي؟
ج: سبق أن تكلمت عن هذا؛ لكن يبدو أن الأخ ما كان موجودا، وقلت: إن ألفية السيوطي تضمنت المعاني التي في ألفية العراقي وزادت عليها، فأنا أعتبر أنها أفضل.
س: وما هو أفضل شروح لهما؟
ج: أقول شروح ألفية السيوطي أفضل شرح الوحيد - أصلا تقريبًا هو الوحيد المكتمل - هو شرح الترمسي، وأما ألفية العراقي فأحسن شرح فتح المغيث للسخاوي.
س: يقول: وهل من أتقن وتعلم نزهة النظر يعتبر ألم بمصطلح الحديث أم لا بد أن مع النزهة كتاب آخر؟
ج: أقول: النزهة تعتبر -يعني- من المتوسطات -يعني- شرحت شرحا مختصرا الذي هو النخبة؛ لكن لا يعتبر كل ما في النزهة هو كل ما في علم المصطلح؛ بل ينبغي لطالب العلم يتجاوز هذه المراحل بعد ذلك هذه المراحل ويتوسع في دراسة علم المصطلح أكثر.
س: يقول: ما هو أجمع الكتب في مصطلح الحديث؟(1/414)
ج: أقول: يعني صعب أن أقول: إن الكتاب الفلاني يغني عن كل الكتب؛ لكن الذي -يعني- يريد المطولات يقرأ في فتح المغيث للسخاوي، يقرأ في في تدريب الراوي للسيوطي، وفي النكت لابن حجر فسيجد في هذه الثلاثة علما جما.
س: أحد الإخوة -يعني- أعاد علينا ما كنا ذكرناه قال: هل حديث أبي هريرة الذي نهينا فيه، عن خرور كخرور البعير هل هذا الحديث يعتبر مصحفا؛ لأن أوله يخالف آخره؟
ج: أقول: هذا تكلمنا عنه إن هذا الحديث ابن القيم ادعى أنه مقلوب، وأن الصواب وليضع ركبتيه قبل يديه، وقلت: إن ادعاء القلب في هذا الحديث ليس يثبت؛ لأنه من رواية راو متروك، ولذلك -يعني- يمكن أن نلجأ إلى فهم الحديث فهما آخر غير ادعاء القلب فنسلك مسلكا علميا آخر، أنا سبق تكلمت، في هذا ما يغني، فعلى الأخ يراجعها.
س: يقول: قصة توبة مالك بن دينار، وفيها أن ابنة له ماتت فرآها في المنام إلى آخره هذه صحيحة، أم ضعيفة، أم مكذوبة؟
ج: أقول: والله القصة يعني ذكرها، أو مذكورة في كتاب الكبائر للذهبي، لكن مذكورة في كتاب الكبائر المطبوع قديما، ويعني عليه مؤخذات في صحة إثبات هذا الكتاب بأكمله للذهبي، فعلى كل حال القصة موجودة فيه، وموجودة في ترجمة مالك بن دينار في بعض كتب التراجم؛ لكنني لا أذكر -يعني- هل هي صحيحة، أو غير صحيحة؛ لكنها تذكر في المواعظ والرقائق.
س: يقول: إذا قرأت حديثا غير معروف لدى كثير من الناس فهل يجوز لي أن أقول: قرأت عن فلان مثلا؟(1/415)
ج: أقول: هذا الزمن -يعني- انقطعت فيه الرواية، فالمطلوب منك فقط أن تتثبت من صحة الحديث فلا تحدث، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث تحتج به، أو تورده في مقام الاستدلال إلا وأن تكون متثبتا من صحة ذلك الحديث، أما إذا لم تكن متثبتا فعليك أن تبين بصريح العبارة، أو بأحد الألفاظ التي تحترس فيها مثل ألفاظ، أو صيغ التمرير أن تقول: يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو تقول كذا، أو تقول: هناك حديث؛ لكني غير متثبت من صحته. وهكذا.
س: يقول: لماذا لا يستفاد من بعد العصر غدا وجعله مصطلح مع العشاء؟
ج: أقول: والله -يعني- سبقنا إليه.
س: أحد الإخوة -جزاه الله خيرا- يعني يرشد إلى أمر فيه خير يقول: لا بأس بالتذكير الناس بصيام الثلاثة أيام البيض من يوم الغد إن شاء الله.
ج: فنقول: جزاك الله خيرا.
س: يقول: الإمام مسلم من تلاميذ الإمام البخاري، فلما لا يحدث عنه، أو يروي عنه في صحيحه؟
ج: أقول: هذه المسألة يعني فيها تفصيل، تكلمت عنه شرح صحيح مسلم، فيعني نحسن الظن ونقول: إن السبب أن الأحاديث التي يرويها عن البخاري يجدها أعلى بأسانيد عند غير البخاري، فيرويها من غير طريقه.
س: أحد الإخوة -يعني- يشكو من بعض الناس الذين يصرفونه عن طلب العلم.
ج: فأقول: يعني أفضل أن يتصل بي مباشرة، أفضل.
س: أحد الأخوة -يعني- يذكر أنهم يداومون على حضور الدروس من الصباح حتى هذا الوقت، وما ينامون إلا متأخرين، ويرغبون في حضور الإجابة على الأسئلة؛ لكن يقول: لو يحدد وقت الإجابة على نصف الساعة.
ج: أقول: إن شاء الله، يعني -إن شاء الله- لعله يكون أقل من نصف ساعة.
س: يقول أحد الأخوة: أيهما أصح حديث بهز بن حكيم، عن جده أم حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؟
ج: أقول: والله أنا أفضل -يعني- وأرجح حديث بهز بن حكيم على حديث عمرو بن شعيب.
س: يقول: يذكر -يعني- عن مشكلة تواجهه إذا ما بحث عن بعض الرواة؟(1/416)
ج: وأقول: هذا -إن شاء الله- سيكون في الليلة القادمة في درسنا -إن شاء الله- غدا وهو الكلام، عن الجهالة، ومن أنواع الجهالة الراوي المبهم، وكيف نعرفه.
س: يقول: ما رأيك في كتب الشيخ محمد الكميت الموجودة الآن في الأسواق وهل تعرف الرجل؟
ج : أقول: أعرفه جيدا فهو زميلي، وهو من خيرة الأخوة الذين عرفتهم، ويمتاز -يعني- بسلامة المعتقد، وسلامة المنهج، وأنصح بقراءة كتبه التي يكتبها، وهو -جزاه الله خيرا- على ثغر بخاصة -يعني- هذه الرسائل التي يكتبها لتصحيح معتقد بعض الفئات التي عندها شيء من التعصب.
س: يقول: لا يخفاكم ما حصل من الفائدة لكثير الشباب، وفي مدة قصيرة والحمد لله، أفلا يكون هذا في غير هذه الدورة؟ فلماذا لا يكون درس صحيح مسلم وغيره من الدروس على الأقل يومين في الأسبوع، أو ثلاثة؟
ج: أقول: يعني ما تعرفني -يا أخي- لو عرفت أن علمي إنما هو فقط من الكتب، ما هو في صدري لما ألقيت عليَّ هذا السؤال -يعني- إذا جئت إليكم أقرأ حرفين من هنا ومن هنا حتى أتكلم معكم، وهذا يأخذ وقت. والله المستعان. ذهب الذين يعاش في أكنافهم، أحد الإخوة يطلب الإبقاء على المراجعة في أول الدرس، وبعضهم يرى غير هذا، على كل حال -يعني- نكتفي بهذا، وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
بعض الأمثلة أملاها الشيخ
الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
في البداية نحاول أن نكمل حل الأمثلة، التي أخذناها سريعا، ومن ثم نستمر -إن شاء الله- في درسنا.
أظن بقي -أولا- المثال الثالث، وهو قول البخاري: وقال عبدان أخبرني أبي، عن شعبة، عن ابن إسحاق، عن أبي عبد الرحمن
أن عثمان -رضى الله عنه- حيث حوصر أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله .. إلى آخر الحديث.
هذا الحديث ماذا يكون؟ الحديث معلقا فقط بدايته المعلق، لكن عبدان هذا كم يمكن يكون بينه وبين البخاري؟ يعني البخاري ما أدرك عبدان.(1/417)
عبدان من شيوخ البخاري؛ ولذلك يعني هذا يحتمل أن يكون البخاري سمع الحديث من عبدان، ويحتمل ألا يكون سمعه منه، صحيح أم لا ؟ وفي هذا النزاع أشرنا إليه سابقا بين العلماء: منهم من يقول -عن الأحاديث التي هذا سبيلها في البخاري-: إنها أحاديث معلقة، ومنهم من يقول: بل هي أحاديث موصولة، ولكن البخاري يحتمل أن يكون أخذ هذا الحديث من شيخه مذاكرة.. إلى آخر الكلام، الذي يعني لا نطيل بذكره، المهم أن هذا المثال بناء على قول يصدق عليه أنه حديث معلق، وبناء على تقسيم بعض العلماء الظن بالبخاري يقولون: بل هو حديث متصل، وليس له علة، لكن هل يمكن يكون معضلا، ما يمكن أن يكون معضلا يعني لو حصل فيه سقط، ففي الغالب أنه يكون واحد فقط بين البخاري وشيخه.
طيب المثال الذي يليه، الذي أخذناه إذا أخطأت، فصوبوني أظن أنه قولنا قال: ابن أبي شيبة -مثلا- حدثنا هشيم بن البشير كذا قال حدثنا مغيرة بن مقسم، قال: حدثنا إبراهيم النخعي،، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره.
هذا المثال ماذا يكون؟ نعم يكون مرسلا إرسالا خفيا، كيف حكمت بهذا؟ أحسنت بارك الله فيك.
إبراهيم النخعي -رحمه الله- عاصر أنس بن مالك، ولكنه لم يسمع منه هذا ، بل قيل إنه لم يسمع من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم مع كونه عاصر بعضهم، مثل أنس بن مالك فهذا يسمى مرسلا إرسالا خفيا .(1/418)
طيب الذي بعده ما هو؟ نعم. قال أبو داوود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال: حدثنا عبد الرزاقـ، عن معمر،، عن الزهري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " في الذكر الدية " ماذا يكون هذا؟ أحسنت، أحسنت. الحديث يكون مرسلا من مراسيل الزهري ، هل يحتمل أن يكون معضلا ؟ يحتمل أن يكون معضلا لماذا؟ يعني يمكن بعبارة أصرح من هذا، نقول: إن.. نعم، أحسنت. قد يكون بين الزهري وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابي، وتابعي، أو أكثر من تابعي؛ لأن الزهري من صغار التابعين، فروايته، عن صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم؛ ولذلك يعني احتمال كون الساقط بين الزهري وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من واحد هذا وارد؛ ولذلك يحتمل أن يكون هذا معضلا مع الإرسال .
ولذلك يعني شرط للشافعي، وبعض الأئمة أنهم يشترطون أن يكون المرسل من كبار التابعين، يعني شرطه له وجاهته بحيث يعني يكون السقط دائما أقل من واحد، أو لا يحتمل أن يكون أكثر من واحد.
المثال الذي بعده، أو انتهينا نعم.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع،، عن سفيان الثوري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضى الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره، هذا ماذا يكون؟ مقلوب يعني؟ لا . نعم ها يا إخوان، نحن نبغي أن يكون هناك تطبيق لهذه العلوم التي أخذناها، وأشوف دائما الأيدي التي ترتفع هي أيدي معينة. أحسنت. الحديث يكون منقطعا هكذا . لا، خلي كلمة معضل نحتفظ بها بعد ذلك، لكن لماذا حكمت عليه أنه منقطع؟ سفيان لم يسمع من سعيد بن المسيب، طيب إذا قلنا: إن سفيان لم يسمع من سعيد بن المسيب، ألا يحتمل أن يكون مرسلا إرسالا خفيا، بهذا الكلام؟(1/419)
يعني بهذا الجواب، ألا يحتمل أن يكون مرسلا إرسالا خفيا؟ لماذا لا تجاوبون ـ لا ـ بناء على هذا الكلام؟ يعني إذا قيل: إن سفيان لم يسمع من سعيد بن المسيب مثلما، قلنا: إن إبراهيم النخعي لم يسمع من أنس، يحتمل أن يكون مرسلا إرسالا خفيا، وبذلك إذا قلنا منقطعا، فمعنى ذلك أننا فرقنا بينه وبين كونه مرسلا إرسالا خفيا، فالتفريق لا بد أن يكون بناء على دليل. فلماذا حكمنا عليه بأنه منقطع؟ نعم يا.. ـ أحسنت، بارك الله فيك. نعم، هذا صحيح، يعني نرجع إلى التاريخ، كما قلت لكم دائما: سلاح المحدث، ما هو؟ التاريخ، فرجعنا إلى التاريخ وجدنا سفيان الثوري، ولد عام كم؟ عام 97 للهجرة، وسعيد بن المسيب توفي عام كم؟ فوق التسعين يعني حوالي 91 ـ 92 ـ 93 .
يعني: المهم أنه لا يقرب من المائة، وحتى لو قرب منها فما يزال يعني الانقطاع واضحا، فالمعاصرة أهم شيء، المعاصرة غير موجودة صحيح أم لا ؟ يعني سفيان الثوري ما عاصر سعيد بن المسيب، فإذا هذا لا يحتمل إلا أن يكون هذا منقطعا، والتاريخ هو الذي خدمنا في هذه القضية.
طيب: هذا بالنسبة للأمثلة، أما موضوعنا في هذا اليوم.. -المثال- على كل حال يعني مثل الأحاديث التي في الصحيحين دائما، ينبغي للإنسان ألا يناقش قضية التدليس التي فيها، طيب قال الحافظ -رحمه الله- في النخبة،
أسباب جهالة الراوي
كثرة نعوته وأوصافه:
ثم الجهالة، وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته، فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض وصنفوا فيها "الموضح"
يبين الحافظ -رحمه الله- بهذا أن السبب الثامن، وهو في الحقيقة السبب الرابع، من أسباب الطعون في عدالة الراوي، وعلى العموم هو السبب الثامن من الأسباب التي ذكرها الحافظ من الطعون في الراوي -عموما- هو الجهالة، جهالة الراوي.(1/420)
والجهالة ذكر الحافظ في شرحه أن سببها أمران، والحقيقة يعني كما ترون في شرحه أنه يمكن أن نقول: إن سببها ثلاثة أمور، لكنه جعل الثالث داخلا في الثاني، لكن أنا أفضل حتى يكون عندنا تقسيم يخدمنا في تصور القضية، أن يكون ذلك سببا ثالثا، فنقول:
أسباب الجهالة ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الراوي -أحيانا- قد تكثر نعوته، يعني صفاته: فنجده أحيانا يذكر بغير الاسم الذي اشتهر به؛ ولذلك إذا ذكر بغير ما اشتهر به يقف المطلع على ذلك الإسناد حيران في هذا الرجل من يكون؟ ولذلك -أحيانا- يضطرون إلى القول بأن فلانا مجهول؛ لأنهم ما عرفو من هو، ومن هنا يأتينا البلاء في مسألة الجهالة؛ لأن الغالب على من يوصف بأوصاف كثيرة أنه مطعون في عدالته، كما سيأتي به المثال. فإذا حكمنا عليه بأنه مجهول فقط، وتسمح أناس في قضية المجهول ومشوه، وعلى الأقل مشوه في المتابعات والشواهد، فمعنى ذلك أنه قد تدخل علينا الموضوعات في الأحاديث التي نحتج بها؛ ولذلك يعني ينبغي للمحدث وطالب علم الحديث أن يكون حذرا دائما من هذه الزلات، فالمحدثون حينما وضعوا هذه القواعد الضابطة للأحاديث، إنما وضعوها تغليبا منهم لسوء الظن، غلبوا سوء الظن في هذه الأحوال، وإلا حينما توقفوا مثلا في قبول رواية المدلس، إنما توقفوا حيطة، وإلا قد يكون في الحقيقة ذلك المدلس سمع ذلك الحديث من شيخه، هذا وارد، أيضا حينما ردوا الحديث المرسل إنما ردوه حيطة، وإلا يحتمل فعلا أن يكون الساقط صحابي، وعلى هذا فقس من الاحتمالات، يحتمل أن يكون الساقط شيخ له ثقة، وهكذا، لكنهم غلبوا جانب سوء الظن؛ لأن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن يتحرز فيها.
وكوننا نحتاط أولى من أن نتساهل فيها، فيدخل علينا البلاء من خلال الأحاديث التي لا تصح ولا تثبت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/421)
هناك -أيها الأخوة- بعض المتروكين والكذابين لأجل أنهم عرفوا واشتهر أمرهم، صار بعض تلاميذهم يسمونهم بأسماء ويلقبونهم بألقاب، ويكنونهم بكنى غير ما يعرفون به، وما يشتهرون به، ولعلكم تذكرون قضية بقية ابن الوليد حينما تكلمنا، عن التدليس، وما إلى ذلك والحديث المعلل، وقلنا: إن بقية حينما حذف عبيد الله بن عمرو الرقي، ماذا سماه؟ قال: أبو وهب الأسدي، فعمى الحقيقة على من يطلع على الإسناد اللهم إلا فطاحل العلماء، الذين وهبهم الله -جل وعلا- الدقة، مثل أبي حاتم الرازي، فإنه هو الذي استطاع أن يكتشف العلة، لكن غيره قد يمشي مثل هذا الإسناد، فلذلك ينبغي أخذ الحيطة دائما من مثل هذه المواقف.
فعندنا من باب التمثيل على هذا: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس المصلوب، هذا الرجل صلبه أبو جعفر المنصور في الزندقة؛ لأنه وضع أربعة آلاف حديث ليطعن في دين الإسلام فسمى المصلوب؛ لأنه صلب في الزندقة، هذا الراوي قلب تلاميذه الذين يروون عنه اسمه على نحو مائة اسم، فمرة يقولون: محمد بن حسان، ومرة يقولون: محمد بن سعيد، ومرة يقولون: محمد بن قيس، ومرة ينسبونه إلى قبيلة دنيا، ومرة ينسبونه إلى قبيلة عليا، وهكذا، المهم حوالي مائة اسم تجد لمثل هذا الرجل، ما السبب ؟
يريدون أن يعموا حقيقة أمره، كذلك -أيضا- هذا المثال الذي ذكره الحافظ في شرحه، وهو محمد بن السائب الكلبي، الكلبي هذا متهم؛ ولذلك نجد أنه هو -أيضا- ممن كثرت نعوته وكناه وصفاته، فمن باب التمثيل على هذا هناك راو يقال له عطية بن سعد العوفي، وهذا الرجل من تلاميذ محمد بن السائب الكلبي هذا، وهو أيضا ممن روى عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري.(1/422)
ففي بعض الأحيان يقول: حدثني أبو سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا، ثم يذكر حديثا، فيتوهم من لا معرفة له دقيقة بعلم الحديث أن عطية بن سعد العوفي، روى هذا الحديث عن أبي سعيد بن الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعطية بعضهم قد يُمَشيه .......................................... وعلى الأقل قل: يعني من يضعف يمكن أن يجعل حديثه من قبيل الحديث المنجبر بتعدد الطرق، فلو وجدت له طريق أخرى يصبح الحديث عنده، يمكن أن يصل إلى درجة الحديث الحسن لغيره، والأمر بخلاف ذلك، فإذا كان في الإسناد راو متهم بالكذب لا يقبل، حتى ولو جاءت له مائة طريق كلها مثله لا يقبل، فمثل هذا الإسناد ما الذي عمل فيه عطية العوفي، كنى شيخه محمد بن السائب الكلبي هذا بكنية لا يعرف بها، لا يشتهر بها، فهناك أحد أبنائه يقال له سعيد، فيقول: حدثني أبو سعيد، ثم يسكت ما يقول أبو سعيد الخدري؛ ولذلك العلماء يدققون في روايته:
هل قال الخدري أم لا؟ فيأخذون حذرا من مثل هذا الصنيع، فهذا أحد أسباب الجهالة، وهى كثرة أوصاف الراوي، فيميز الراوي الذي تكثر نعوته بطريق تلاميذه، إذا عرف أن أحد تلاميذه ممن يدلس تدليس الشيوخ، يسمى هذا تدليس الشيوخ حينما يسمى شيخه باسم لا يعرف به، هذا يقال له تدليس الشيوخ، وهو من أنواع التدليس التي تركناها كما قلت اختصارا، فإذا عرف، عن أحد التلاميذ أنه يفعل هذا الفعل، فيحتاط في أمره، ويقال لعله دلس فلانا، يعني: إما محمد بن السائب الكلبي، أو محمد بن سعيد المصلوب، أو غيره من الضعفاء والمتروكين.(1/423)
هناك مؤلف للخطيب البغدادي -رحمه الله- اسمه "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" هذا المؤلف مطبوع في مجلدين بتحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي -رحمه الله- تعالى- وهو من الكتب الجيدة التي يمكن أن تخدم في هذا الباب، لكن لا يظن ظان أنه مقصور فقط على بيان مثل هذا الصنف لا، يعني مقصود الخطيب -رحمه الله- يتضح من خلال عنوانه "الموضح لأوهام الجمع والتفريق".
فيقول: إن هناك بعض الرواة الذين يختلف العلماء فيهم، فأحيانا يكون راو واحد يجعله العلماء اثنين، وأحيانا يكون هناك راويان يجعلهم العلماء واحدا، فمثلا: محمد بن السائب الكلبي، كم يمكن أن يجعل يمكن يجعل أكثر من اثنين، حدث ولا حرج فالخطيب -رحمه الله- يبين كما أن هناك بعض الرواة يجعلون -أحيانا- واحدا، فهناك مثلا رجلا، أو يرد في بعض الأسانيد أحد الرواة يكنى أبا مودود، فاختلف العلماء فيه: ما اسمه؟ ما اسم أبا مودود هذا؟ فمنهم من قال: اسمه فضة، ومنهم من قال: اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان.
فالاختلاف الذي جرى بينهم، منهم من جعله واحدا، والصواب أنهما اثنان، فعبد العزيز بن أبي سليمان ثقة، وفضة مجهول الحال، فيفرق بين هذا وذاك، ومن جمع بينهما من العلماء فإنه أخطأ في صنيعه ذلك، ويبين هذا الخطيب البغدادي في كتابه الموضح هذا الذي ذكرته لكم، وهذا صنيعه.(1/424)
من الأسباب التي تؤدي إلى الجهالة -وهى الأكثر- أن يكون الراوي مقلا من رواية الحديث: يعني: بعض الرواة لا تجد للواحد منهم إلا حديثا واحدا، أو حديثين، أو نحو ذلك. يعني، المهم أنه ليس له كثير حديث، فإذا كان مقلا من الحديث، فبطبيعة الحال لن يكثر تلاميذه، والسبب -طبعا- أن الناس دائما تبع للعلم، فإذا وجدوا الرجل عالما يستفيدون منه كثروا عليه، واشتهر أمره وذاع صيته، لكن إذا كان ما عنده إلا حديث واحد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه فقط يعني يمكن أن يأخذه منه واحد، وفي بعض الأحيان تجد -أيضا- الذي يرويه عنه إما ابنه، أو أحد أقاربه، فمثل هذا هو الذي تتجه إليه الجهالة، وجهالة هذا الصنف محتملة أحد أمرين : الأمر الأول: إما ألا يكون روى عنه إلا رجل واحد، فإذا لم يرو عنه إلا رجل واحد، فهذا لهم عليه حكم. أو يكون الراوي عنه أكثر من رجل، فإذا لم يرو عنه إلا راو واحد فقط يقولون عنه: مجهول، أو مجهول العين، فإذا أطلقوا مجهول: يقصدون به مجهول ماذا؟ مجهول العين، هذا إذا لم يرو عنه إلا راو واحد.
أما إذا روى عنه أكثر من راو، فهذا يقال له مجهول الحال لو روى عنه اثنان، ثلاثة، أكثر يقال له مجهول الحال، وأحيانا يطلقون عليه المستور، وهو الذي يقصده الحافظ بن حجر في "تقريب التهذيب" حينما يقول: مقبول فانتبهوا إلى الألفاظ الثلاثة، كلها بمعنى واحد مقبول، مجهول الحال، مستور، كلها تقريبا بمعنى واحد هذا من الذي يقال له الذي روى عنه أكثر من واحد، ولكن هناك قيد وشرط فيه وفي الذي قبله، وهو ألا يوثق من إمام معتبر، يعني في المجهول ومجهول الحال، إذا لم نجد أحدا من الأئمة وثقه، ونقصد بالأئمة المعتبرين، الذين يقبل قولهم في الجرح والتعديل ويوثق بهم مثل الإمام أحمد، يحيى بن معين، علي بن المديني، البخاري، أبي حاتم الرازي، وأمثالهم.(1/425)
لكننا في بعض الأحيان نجد هناك من يوثق هذا الصنف، المجهول ومجهول الحال، ولكن العلماء لا يعتدون بتوثيقهم، وأقول هذا الكلام مجمل؛ لأن فيه تفصيل لا أطيل عليكم به؛ ولأن ليس هذا موضع التفصيل فيه، فمثلا ابن حبان نجده يكثر رواة مجهولين ومجهولي الحال على أنهم ثقاة في كتابه الثقاة؛ فلذلك استثنى العلماء ابن حبان من هذه القاعدة، فقالوا: توثيق ابن حبان لا يعتبر في مثل هؤلاء الرواة، فإذا الخلاصة -أيها الإخوة- أن عندنا الجهالة التي بهذه الصفة نوعان : جهالة ماذا ؟ جهالة العين وجهالة الحال، متى نطلق على الراوي إنه مجهول؟ إذا روى عنه راو واحد فقط، متى نطلق عليه مجهول الحال؟ إذا روى عنه أكثر من راو طيب.
هل يصح أن نقول عن رجل روى عنه راو واحد فقط ووثقه الإمام أحمد أنه مجهول؟ ما يصح، إذا نقول هذان المجهول ومجهول الحال نصفهما بأنهما مجهولان، إذا لم يوثقا من إمام معتبر. طيب إذا وجدنا ابن حبان وثق أحدهما نقول عنه ثقة؟ ما نقول عنه ثقة، فهذا هو خلاصة هذا القسم.
يقول الحافظ:
قلة الرواية عنه
وقد يكون مقلا فلا يكثر الأخذ عنه وصنفوا فيه "الوحدان"
فيه لمسلم بن الحجاج -رحمه الله- كتاب مطبوع يقال له "الوحدان" المقصود بالوحدان من لم يرو عنهم إلا راو واحد .
القسم الثالث: من أسباب الجهالة هو الذي يقول عنه الحافظ ابن حجر هنا:
إبهام الراوي
أو لا يسمى اختصارا، وفيه المبهمات
من الراوي عنه كقوله أخبرني فلان، أو شيخ، أو رجل، أو بعضهم، أو ابن فلان، أو نحو ذلك، هذا الصنف يقال له المبهم .
والمبهم: هو الذي لم يفصح باسمه، إذا أردنا تعريف المبهم نقول المبهم هو من لم يسم، أو من لم يفصح باسمه هذا هو المبهم.(1/426)
فإذا قلت مثلا حدثني رجل، عن الشيخ عبد العزيز بن باز ماذا يسمى الواسطة بيني وبينه؟ رجل مبهم، إذا قلت: مثلا حدثني ابن لأحد بني تميم ماذا يقال عن الواسطة؟ مبهم، حدثني بعضهم يقال له ماذا؟ مبهم، إذا قلت: حدثني شيخ يقال له مبهم، وهكذا.
فهذا هو المقصود من نعم أحسنت بارك الله فيك نعم الأخ يقول: يعني من باب التمثيل مثل قصة البخاري، حينما قلنا إن الذي رواه من ابن عدي في الكامل، فقال: حدثني من أشياخ لنا، من هؤلاء الأشياخ؟ مبهمون، وهؤلاء يقال له المبهم، فهذا هو من أسباب الجهالةز
قال الحافظ بعد ذلك: وصنفوا فيه "المبهمات" يقول: إن هناك من العلماء من صنف كتبا لمعرفة الرواة المبهمين، ويعني أبين لكم دون إطالة -إن شاء الله- أن المبهم الذي صنفوا فيه العلماء يكون إما مبهما في السند، أو مبهما في المتن ومعظم المصنفات التي صنفت في المبهمات، تركز على المبهم في المتن دون المبهم في السند، فمثلا الخطيب البغدادي ألف كتابه "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" وجميع الكتاب يتكلم، عن الرواة المبهمين في المتون.
مثال ذلك: تذكرون في صحيح مسلم حديث طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى- عنه حينما قال: " جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول، فإذا هو يسأل، عن الإسلام " إلى آخر الحديث، من هو هذا الرجل الثائر الرأس؟ هذا مبهم، أو ما هو مبهم؟ مبهم فهذا مبهم المتن، ما الذي يصنعه الخطيب البغدادي حتى يزيل الإبهام ؟ نجد الخطيب البغدادي يأتي بالراوي المبهم في الحديث، فيحاول أن يجمع طرق الحديث كلها حتى يعثر على طريق سمي فيها هذا الراوي المبهم، فمثلا هذا الحديث من رواية طلحة بن عبيد الله، الرجل مبهم، لكن رواية أنس بن مالك صرح باسم هذا الراوي في تلك الرواية، ففي آخرها قال: " يا رسول الله، أنا ضمام ابن ثعلبة وافد قومي إليك "(1/427)
فسمى، أو لم يسم الراوي المبهم؟ سمي، فهذه هي طريقة الخطيب البغدادي في إزالة المبهم الذي في المتن، مثله تماما ابن بشكوال -رحمه الله- تعالى- في كتابه غوامض الأسماء المبهمة، وكلا هذين الكتابين مطبوع، كتاب البغدادي الخطب وكتاب ابن بشكوال موجودان في المكتبات. ابن بشكوال -أيضا- نفس طريقة الخطيب البغدادي، لكنه أورد أحاديث أكثر مما أوردها الخطيب البغدادي، لكن هناك من جمع بين النوعين، وهو ابن طاهر المقدسي في كتابه: "إيضاح الإشكال" فنجده يبين المبهم في السند والمبهم في المتن، لكن هل يستطيع أن يحصر المبهمين في الإسناد؟ نقول: لا يستطيع أن يحصرهم؛ لأن الأسانيد كثيرة، لكن بحسب ما وقع له، يأتي بالإسناد ويقول: هذا الرجل المبهم هو فلان، وهكذا، لكنه بطريقة مختصرة.
قد يقول قائل ما الفائدة من هذا؟ نقول معرفة المبهم في الإسناد أعظم فائدة من معرفة الإبهام في المتن؛ لأن الإسناد ينبني عليه التصحيح والتضعيف، فلو لم نعرف الراوي المبهم معنى ذلك أن ستتوقف في الحكم على السند، حتى يتضح لنا أمر ذلك الراوي المبهم، لكن إذا عرفناه استطعنا أن نحكم عليه هل هو ثقة، أو غير ثقة، وهكذا فمعرفة المبهم في السند مهمة جدا كذلك أيضا، معرفة المبهم في المتن مهمة، لكن أهميتها ليست كأهمية معرفة المبهم في السند ، لها أهمية لا أطيل بذكرها عليكم من أراد أن يعرف ذلك، فلينظر لمقدمة "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" لأبي زرعة ابن الحافظ العراقي، فإنه أتى لكتب المتقدمين، جاء لكتاب الخطيب البغدادين ولكتاب ابن بشكوال ولكتاب ابن طاهر المقدسي، ولترتيب النووي وزياداته على كتاب الخطيب البغدادي، فجمع هذه الكتب الأربعة في كتاب واحد سماه "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد".
فعني بالنوعين كليهما ورتبها ترتيبا جيدا، وتكلم في المقدمة بكلام جيد، عن فوائد معرفة المبهم وما إلى ذلك، فأنصح بمراجعته حتى لا يطول علينا الطريق.(1/428)
ما حكم حديث المبهم ؟ يقول الحافظ هنا:
حكم حديث الراوي المبهم
ولا يُقبل المُبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح، فإن سُمِّي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعدًا، ولم يُوثق: فمجهول الحال، وهو المستورُ، ثم البدعةُ: إما بمكفِّر، أو بمُفسِّق.
لماذا ؟ هذا هو الحكم، يعني يمكن أن نضع هنا عنوانا ونقول: حكم حديث الراوي المبهم.
ما حكمه؟ حكمه أنه مردود، من أنواع الحديث المردود حينما قال لا يقبل، أي أنه مردود يعني من أنواع الحديث الضعيف، لكن هل هو من الضعيف الذي ينجبر، أو لا ؟ نقول لا، لا ينجبر حتى نعرف من هو ما لم يسم؛ لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه يعني لو سئلنا ما السبب ؟ لماذا رددنا حديث الراوي المبهم؟ قال: لأن هذا هو الجواب، لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف تعرف عدالته؟
وهذا يعني أمر واضح.
من المسائل الملتحقة بهذه المسألة: الإبهام بلفظ التعديل ما مقصودهم ؟ المقصود أن بعض العلماء، وبخاصة مثل الشافعي -رحمه الله- نجده أحيانا يقول: أخبرني الثقة، وغيره أيضا، فحينما يقول: أخبرني الثقة الواسطة الآن، أو شيخه مبهم، أو ليس مبهما؟ يعتبر مبهما، لكنه زاد على المبهم الذي أخذناه بأنه وصفه بأنه ثقة، فهل يقبل التعديل على الإبهام، أو لا يقبل ؟ للعلماء في ذلك أقوال، وبينهم خلاف، لكن نحن نأخذ الراجح فقط، فنقول الراجح أن التعديل على الإبهام لا يقبل لو سئلنا لماذا ؟ لاحتمال أن يكون ثقة عنده، لكنه غير ثقة عند غيره، فهذا هو الجواب نعم. مثل الشافعي -رحمه الله- لا شك ، لكن شيخه حينما يقول: أخبرني الثقة، هو يقول: أخبرني الثقة، فقد يكون ثقه عند الشافعي، ولا يكون ثقة عند غيره.(1/429)
لكن فرق، يعني حينما نقول: مجهول الحال يرد عليه ما يرد على هذا، نقول: لا ،هناك فارق؛ لأن مجهول الحال سمي اسما، فلو كان مقدوحا فيه لعرف، لكن هذا ما سمي، فنقول له: أبن لنا من هو هذا؟ حتى نعرف هل هو ثقة، أو غير ثقة، نعم.
قال الحافظ بعد ذلك: فإن سمي وانفرد واحد عنه، فمجهول العين، أو اثنان، فصاعدا ولم يوثق، فمجهول الحال، وهو المستور تكلمنا عنه قبل قليل.
الآن يعني انتهى الكلام، عن الجهالة.
نأتي بعد ذلك إلى الطعن الأخير في العدالة، وفي الراوي عموما:
وهو الطعن بالبدعة. أو قبل الأخير، لا قبل الأخير، نعم هو قبل الأخير قال، ثم البدعة إما بمكفر، أو بمفسق
البدعة
فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور، والثاني يقبل من لم يكن داعية في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته، فيرد على المختار، وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي.(1/430)
خلاصة هذه المسألة -أيها الأخوة- أننا نجد بعض الرواة يوصف ببدعة من البدع، إما بأنه رافضي، أو بأنه جهمي، أو بأنه قدري، أو بأنه مرجئ، أو بأنه خارجي، أو غير ذلك من أنواع البدع التي حدثت ووجدت في الإسلام، وهؤلاء الرواة الموصوفون بهذا الوصف، ينقلون لنا بعض الأحاديث التي يروونها بأسانيدهم عن شيوخهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فما هو موقفنا من هذه الأحاديث التي ينقلها هؤلاء الرواة، أنقبلها أم نردها؟ إن قلنا: لا، كيف؟ أعوذ بالله نقبل رواية المبتدع؟! لا بل نردها، هنا يترتب عليه أن نرد جزءا كبيرا من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا ضرر لا يخفى، كما أن الرواة الذين وصفوا بالبدعة ليسوا على وتيرة واحدة؛ لأن المقصود في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التثبت في النقل، فما دمنا نستطيع أن نتحقق، ونتثبت، ونطمئن إلى صحة هذه الرواية مع غض النظر، عن بدعة ذلك الراوي فهذا هو مطلوبنا ، وكذلك -أيضا- على الطرف الآخر لو قبلنا رواية المبتدع على الإطلاق، ففي هذا -أيضا- ضرر لأن بعض المبتدعة، قد يسوق بضاعته بطريق الرواية فقد يرسل علينا أحاديث بطريقة ذكية، لو كان مطعونا فيه على الإطلاق بحيث أنه كذاب، أو ضعيف هنا انتهى الأمر.(1/431)
لكن المشكلة في من عرف بأنه على الإطلاق ثقة، يعني في بقية أموره، ما تجد عليه مطعنا سوى هذه البدعة، وفي حفظه -أيضا- هو ضابط، فمثل هذا الصنف من الرواة هل نرد حديثهم، أو نقبله؟ هذا هو موضع الإشكال، فالعلماء قسموا البدعة إلى قسمين قالوا: البدع تختلف، فهناك بدع مكفرة، وهناك بدع غير مكفرة، البدع المكفرة عندهم مثل بدعة التجهم التي فيها، يعني إنكار للأسماء والصفات، وفيها القول بخلق القرآن إلى غير ذلك من البلاء الذي دخل على الأمة الإسلامية، ويلحقون به -أيضا- الرافضي الغالي في رفضه، وهو الذي يقول: يعني بأن في القرآن نقصا، وأن هناك قرآنا غير هذا القرآن، ويصرح بتكفير أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عدا من يستثنيهم مثل علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- وقلة قليلة معه.
ويدعى -أيضا- أن عليا هو الإله إلى غير ذلك من خزعبلات الروافض، فما دام أنه عنده هذا المعتقد، فهذا أيضا يعتبر ممن يكفر ببدعته مثل الجهمية، فهذا الصنف من الرواة لا يقبلون ولا كرامة، فترد روايتهم فهي مرفوضة، فهذا مثال على البدعة المكفرة، أما البدع غير مكفرة، فمثلها مثل الإرجاء والقول بالقدر والتشيع الخفي، هناك من الرواة من تجده نتيجة اجتهاده يقول:
إنني لو وصفت، أو قلت إن الله -جل وعلا- قدر الخير والشر على الناس كلهم، لأصبحت بذلك واصفا الله -جل وعلا- بأنه ظالم؛ لأنه إذا قدر الشر على العبد، ثم عذبه عليه، أصبح له ظالما، وبلا شك أنها مقولة مستبشعة، إنما حكيتها فقط لمعرفة من هو القدري، فهو بمقولته هذه أراد أن ينزه الله -جل وعلا- ، عن ماذا؟ عن الظلم، وتجده في باقي أموره منضبط.(1/432)
كذلك -أيضا- هناك بعض الرواة الذين وصفوا بالإرجاء، فيقولون إننا لا نقول أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، لا الإيمان فقط إنما هو مجرد التصديق، وأما الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، والإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهذا -أيضا- صنف من الناس قالوا بهذه المقولة، وتأولوا، وتأولهم ناشئ من أخذهم الإيمان بالمفهوم اللغوي، فيقولون: إن الله -جل وعلا- يقول، عن إخوة يوسف حينما قالوا لأبيهم { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا } (1) يعني ما أنت بمصدق لنا، فالإيمان في اللغة هو التصديق، وكوننا ندخل الأعمال في مسمى الإيمان هذا يعني معنى زائد، هذا بناء على قوله.
فالمهم هذا الصنف يقال لهم ماذا؟ المرجئة، هناك من هو متشيع تشيعا خفيفا، ما المقصود بالتشيع الخفيف؟ هناك طائفة هم من أهل السنة على العموم، لا غير الزيدية، لكنهم يقدمون عليا على عثمان -رضي الله تعالى عنهما- وعن سائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأيضا يوجد فيهم بغض لمعاوية وعمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- لكونهما ممن قاتل عليا - رضي الله عنه - فهذا الصنف من الناس يقال له فيه تشيع، وقد لا يفعل هذه كلها، قد يعني فقط يقدم عليا على عثمان، فيقال فيه تشيع؛ لأنه خالف جمهور السنة.
فهذا -أيضا- يوصف بأنه مبتدع في صنيعه هذا، فيقال فيه تشيع يعني فيه نوع من البدع، وإن كان خفيفا، فهؤلاء الرواة الذين بهذه الصفة ما حكمهم؟ يقول الحافظ ابن حجر -كما ترون- جعل قاعدة، وهذه القاعدة هو استقاها من ابن حبان ومن بعض العلماء أيضا، لكن ابن حبان ركز عليها في مقدمة كتابه المجروحين فيقولون: نحن نفرق بين الداعية وغير الداعية، فإذا وجدنا موصوفا ببدعة غير مكفرة كالقول بالقدر، أو الإرجاء، أو التشيع الخفيف، فنحن ننظر في هذا الراوي، هل هو داعية إلى بدعته، أو غير داعية إلى بدعته؟
__________
(1) - سورة يوسف آية : 17.(1/433)
فالداعي إلى بدعته يقولون: نترك روايته، لماذا ؟ قالوا: لأننا لو قبلنا روايته، لكان في ذلك تأييدا لبدعته، فما دام أنه رأس في بدعة، فهذا تترك روايته كالتعزير والنكاية به، أما إذا لم يكن داعية إلى بدعته، هو فيه بدعة، لكنه لا يدعو إليها، فهذا -أيضا- عندهم عليه قيد، ما هو هذا القيد؟
قال: نحن ننظر في ذلك الحديث الذي رواه، هل هذا الحديث مما يؤيد بدعته، أو لا؟ مثلا إذا كان فيه تشيع خفيف، فإذا هو روى حديثا قد يخدم يعني الشيعة، فيقولون: لا نقبل ذلك الحديث منه، وممكن نقبل منه أحاديث أخرى، قالوا: نعم ممكن نقبل منه الأحاديث التي لا تؤيد بدعته، فهذا هو معنى كلام الحافظ ابن حجر، ولعل يعني إذا أخذتم الآن الكلام بهذا المفهوم، يعني فيه -إن شاء الله- كفاية الآن في هذه المرحلة، ولكن في المسألة تفصيل، تفصيل تكلمت عنه في مقدمة صحيح مسلم، ولا أريد أن أتعبكم به الآن، ولا أريد أن يستحوذ على وقتنا؛ لأنني أعرف أنه سيدور عليه أسئلة، لكن نقول هذا مذهب لبعض العلماء.
وإذا أخذناه بهذا المفهوم، لا ضير علينا -إن شاء الله.
لكن قد ترد هناك بعض الإشكالات، التي موضعها -إن شاء الله- في حال التفصيل في هذه المسألة، وليس هذا موضعه .
الطعن الأخير في الراوي:
هو الذي يقول عنه الحافظ ابن حجر:
سوء الحفظ
ثم سوء الحفظ، إن كان لازما، فهو الشاذ على رأي، أو طارئا فالمختلط(1/434)
ما معنى هذا الكلام؟ يقول: نحن نظرنا في الراوي، الذي وصف بسوء الحفظ فنجد هؤلاء الرواة على قسمين، منهم من يكون من نشأته، الله -جل وعلا- ما أعطاه حافظة قوية، فهذا هو اللازم ما المقصود باللازم هو الذي نشأ، وهو سيئ الحفظ من بداية أمره، فيكون هذا الصنف من الناس ماذا يسمى حديثهم؟ قال هو الشاذ على رأي، رأي من هذا؟ ما بين، لكن يمكن أن تذكروا أن هذا الرأي حكاه، أو قال به ابن الصلاح في مقدمته قال، أو طارئا فالمختلط المقصود بقوله، أو طارئا يعني أنه كان في جزء من حياته حافظا ضابطا، ثم طرأ عليه أمر جعل حافظته تتغير، وهذا الأمر، إما أن يكون بسبب العمى، يكون الواحد يقرأ من كتبه، ثم يعمى، فيصبح يحدث مما علق بذاكرته من تلك الأحاديث التي كان يقرؤها، فهذا يقال له اختلط، يعني حينما لا يكون ضابطا لتلك الأحاديث، أو قد يكون يعني قد تكون الفجيعة بسبب ذلك البلاء الذي حل به، وهو العمى تجعل عقله يختل نوعا ما، فيطرأ عليه هذا الذي يسمى الاختلاط، فهذا يعني بسبب العمى مثله -أيضا- احتراق الكتب نفس الشيء، إما أن يكون يقرأ من كتبه، فاحترقت، فضاعت، فأصبح يحدث بما علق بذهنه، أو فجيعة الحادثة جعلت عقله يتأثر، ويطرأ عليه سوء الحفظ، أو غير ذلك من الحوادث، كأن يقع مثلا من دابة وسقوطه هذا يكون -مثلا- على رأسه، فيحدث فيه هذا الاختلاط.
قد يكون -أيضا- هذا الاختلاط بسبب كبر السن، وهو الهرم والشيخوخة فأنواع، أو أسباب الاختلاط كثيرة، هذه يعني معظمها، وقد يكون هناك ما لم نذكره، فالمهم معرفة ما يمكن أن يطرأ على الحافظة، فإذا وجد صنف من هؤلاء الرواة بهذه الصورة، فهؤلاء يقال لهم المختلطون.
ما حكم روايتهم؟ يقولون: إن تميزت أحاديثهم فعرف ما حدث به في حال الصحة، وما حدث به في حال السقم، قبل ما حدث به في حال الصحة، ورد ما حدث به في حال السقم.(1/435)
يعني يعتبرون -مثلا- مرحلة الاختلاط بدايتها كأنه توفي، فاعرف أن حياته الحقيقية هي الثابتة فقط.
هناك بعض الرواة لا تتميز أحاديثهم، أو بعضها يتميز، وبعضها لا يتميز فكما قلت لكم دائما المحدثون يعتمدون على الحيطة، فيقولون: إذا لم يتميز حديثه فنتوقف، عن قبوله، أو تميزت بعض أحاديث، ولم يتميز بعضها نأخذ الذي تميز، ونرفض الذي لم يتميز، أو نتوقف، عن قبول الذي لم يتميز، فهذا هو الحكم في رواية المختلط قد يقول قائل: كيف نعرف هذا؟ أقول: هناك كتب خدمت في هذا يعني -إن شاء الله- بعدما تواصلون المسيرة، بإذن الله تعرفون: أن هناك بعض الكتب التي خدمت طلاب العلم في هذا المجال، من هذه الكتب كتاب: "الكواكب النيرات" لابن الكيال، الكتاب مطبوع وموجود، وعليه تحقيق لا بأس به لمحققه، وهو يخدم طلاب العلم يعني خدمة جليلة.
بعد ذلك انتقل الحافظ إلى مذهب آخر، فقال:
الأحاديث التي تصلح في المتابعات والشواهد
ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر، وكذلك المستور والمرسل والمدلس، صار حديثا حسنا لا بذاته، بل بالمجموع
الآن انتقل إلى الأحاديث، التي يمكن أن يعتبر بها، ويمكن أن تصلح في المتابعات والشواهد، ويمكن أن ينجبر بعضها بتعدد الطرق، فمن هم هؤلاء الرواة الذين أحاديثهم يمكن أن تنجبر حتى نستثني من عداهم؟(1/436)
قال: إذا وجدنا سيئ الحفظ هذا توبع، والذي تابعه إنسان مثله، أو أعلى منه، فهنا روايته نعتبر أنها انجبر بعضها بتلك المتابعة، فيصبح الحديث بمجموع هذين الطريقين، أو بأكثر من طريقين ماذا يكون ؟ حسنا لغيره، وكذلك -أيضا- المستور، وهو الذي روى عنه كم أكثر من واحد، ولم يوثق من إمام معتبر إذا وجدناه توبع، فهذا -أيضا- نعتبر بروايته، ونضم إلي تلك الرواية ويكون الحديث حسنا لغيره، طيب لماذا لم يذكر المجهول، أو المبهم؛ لأن أمره مشكل، المستور أخف ضعفا؛ ولذلك دائما يعني العلماء يجعلون الذي يمكن أن ينجبر ضعف حديثه، هو الذي ضعفه ضعف خفيف، وأما الذي يستر ضعفه، فهذا لا يعتبرون به. قال: والمرسل، يعني ممن يمكن أن يصلح حديثه في الشواهد، أو الإسناد الذي يصلح في الشواهد والمتابعات، هو الإسناد المرسل، لكن هل هو على الإطلاق؟ نقول: لا مثل مراسيل صغار التابعين، مثل قتادة والزهري، هؤلاء ينبغي أن يحذر من مراسيلهم، لكن مراسيل كبار التابعين، أي بالمعنى الذي ذكره الشافعي، وسبق أن بيانه سابقا، وقلت لكم: إن كلام الشافعي -حينما سألتموني- عن رأيي فيه، قلت: كلام الشافعي جيد، وهو الحديث الذي يكون حسنا لغيره، لكن مع إبعاد ماذا ؟
أيوه، مع إبعاد الشرط الأخير، ما هو الشرط الأخير؟ أن يكون عليه عمل أهل العلم.
قلت: هذا الشرط نبعده، وما عداه من الشروط، فهي التي يمكن بها أن نجعل الحديث حسنا لغيره، ويصبح كلام الشافعي -رحمه الله- بهذه الصورة يقصد به الحديث الحسن لغيره.
قال: "والمدلس" إذا لم يعرف المحذوف منه بطبيعة الحال؛ لأننا إذا عرفنا المحذوف من ذلك الإسناد، فالأمر لا يصبح مدلسا الآن، أصبح واضحا، فعلينا أن ننظر في ذلك المحذوف هل هو ثقة، أو غير ثقة إن كان ثقة مشى الحديث لا إشكال وإن كان غير ثقة نظرنا في أسباب ضعفه، هل هي من الأسباب التي يمكن أن يعتبر بها؟(1/437)
وإن كان من الأسباب التي لا يمكن أن نعتبر بها، فنرد الحديث، لكن إذا لم نعرف المحذوف، هل يقبل حديث المدلس على الإطلاق نقول؟ لا، بل من كان من الرواة الذين تدليسهم لا تدخل فيه المناكير، أو لا يعرفون بالتدليس، عن الكذابين والضعفاء والمجهولين، أما من عرف مثل بقية بن الوليد، وأمثاله، فينبغي أن يتقى تدليسه.
لماذا؟ لأنهم في كثير من الأحيان يسقطون رواة متهمين، مثل ذلك المثال الذي مثلنا به حينما أسقط من بقية بن الوليد؟ أسقط إسحاق بن أبي فروة، وهو فما دام أنه جرب عليه أن يسقط هذا الصنف من الرواة، فهذا يتقى تدليسه، ويحتاط في روايته قال: يعني عن هؤلاء كلهم، صار حديثهم حسنا لا لذاته، بل بالمجموع وهذا يعني واضح، لأننا سبق أن عرفنا الحديث الحسن لذاته، وسبق أن عرفنا الحديث الحسن لغيره.
فهو يقصد أن حديث هذا الصنف من الناس يكون حسن لغيره، بمجموع هذه الطرق، قال بعد ذلك:
الحديث المرفوع
ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تصريحا أو حكما من قوله، أو فعله، أو تقريره.
هذه مسألة جديدة.
يقول هذا الإسناد الذي نبحث فيه، وأتعبنا أنفسنا فيه ما مقصوده لماذا تعبنا في هذه، أو خضنا في هذه الأنواع من علوم الحديث : المدلس، المعلق، والمرسل، سيئ الحفظ، الذي كذا، الذي كذا؟
كل ذلك خدمة لهذا الإسناد حتى نصل إلى شيء، ما هو هذا الشيء؟ هو المتن، وسبق أن عرفنا سابقا الإسناد والمتن بما يغني عن إعادته الآن هنا، فما دام أننا نريد المتن تماما، كما قلت لكم السلسة التي تحمل ماذا الثريا، نريد هذه الثريا التي تضيء للناس، نريد هذا الحديث الذي ينتفع به الناس، فهذا هو المقصود من الإسناد هذا الذي ينتهي إليه الإسناد هو حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتن، وهذه المتون إما أن نجد الإسناد ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إما بالتصريح، أو بالحكم، كيف؟
دعونا نأخذ أمثلة يتضح بها التصريح من الحكم.(1/438)
مثال التصريح: قال: تصريح أو حكم من قوله، أو فعله، أو تقريره الآن نأخذ القسم الأول، وهو التصريح .
التصريح القولي: مثل قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما الأعمال بالنيات " تعرفون إسناد الحديث، كررناه مرارا، انتهى إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
" إنما الأعمال بالنيات .. " إلى آخر الحديث، فهنا صرح عمر بن الخطاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا، أو لا؟ صرح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول، فهذا مثال للتصريح القولي.
مثال للتصريح: الفعلي حينما يقول عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي نافلته على راحلته في السفر " هذا ماذا؟ تصريح فعلي، هو صرح بأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل هذا الفعل، فهذا فعل، وصرح ابن عمر بأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، فهذا مثال للتصريح الفعلي.
مثال للتصريح التقريري: حينما يقول الصحابي: إن النبي -صلى الله عليه وسلم " قدم إليه ضب، فامتنع، عن أكله وقال: إنه لا يوجد بأرض قومي، فأكله خالد بن الوليد، وأناس معه فأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - " لم ينكر عليهم أكلهم للضب هذا يسمى تقرير من النبي - صلى الله عليه وسلم - إقرار منه لهم، فمعنى ذلك أن أكل الضب حلال، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما امتنع عنه؛ لأنه لا يوجد في أرض قومه فقط، وإلا لم يحرمه.(1/439)
فهذا تصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أقر هؤلاء الصحابة على أكل الضب، أما إذا قلبنا المسألة، وأتينا للحكمي: فيقولون: أحيانا نجد الأحاديث لا يصرح فيها الصحابي بتلقيه للحديث، سواء كان قولا، أو فعلا، أو تقريرا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن عندنا قرائن استطعنا من خلالها أن نقول: إن هذا الحديث له حكم الرفع، فقوله: حكما يعني له حكم الرفع حتى، ولو لم يصرح باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، ما مثال ذلك؟ مثال الحديث القولي: كما قلت لكم، بناء على الراجح من روايات الرواة لحديث: يؤتي بجهنم يوم القيامة.. هذا الحديث الصواب فيه أنه من قول من عبد الله بن مسعود -رضى الله تعالى- عنه أنه قال: " يؤتى بجهنم يوم القيامة، لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " هذا قول ولا ما هو قول؟ قول، لكن هل صرح الآن عبد الله بن مسعود بأخذه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صرح، فقالوا: هذا مثال للقول الحكمي، فهذا له حكم الرفع، سيأتي -إن شاء الله- ذكر الشروط في هذا.
ما مثال المرفوع الحكمي الفعلي مثاله: حديث عن علي بن أبي طالب -رضى الله تعالى عنه- " أنه صلى صلاة الخسوف، فركع في كل ركعة أربع ركوعات "
قالوا: إن عليا - رضي الله عنه - حينما فعل هذا الفعل، دل هذا على أنه لا يمكن أن يصدر منه هذا الفعل، إلا وأنه قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، ولو لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله لما اجتهد في عبادة من العبادات، وسيأتي -إن شاء الله أيضا- بذكر الشروط؛ ليتضح هذا -إن شاء الله.
فالمهم صلاة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - للخسوف بأربعة ركوعات في كل ركعة، هذا مثال للمرفوع الحكمي الفعلي.(1/440)
ما مثال المرفوع الحكمي التقريري ؟ مثاله: الحديث المشهور تعرفونه قول أبي سعيد وجابر -رضي الله عنهما- " كنا نعزل، والقرآن ينزل، ولو كان في ذلك نهي لنهينا " فالآن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- صرحوا بأنهم كانوا يعزلون، عن النساء في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لم يصرحوا؟ صرحوا، لكن هل ورد التصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع عليهم فعلا فأقرهم؟ ما ورد، لكنهم قالوا إنه لو كان في ذلك نهي لما ترك الأمر، فالوحي كان ينزل، وكان بالإمكان أن يرد نهي من قبل الله ـ -جل وعلا- ـ وهو مطلع على عباده يوحيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فينهانا، عن هذا الفعل، فهذا مثال المرفوع الحكمي... ماذا التقريري؟
فاتضح الأمر بهذه الأمثلة، ما المقصود بهذا؟ وما المقصود بهذا؟ طيب هذا المرفوع الحكمي، حينما نقول له حكم الرفع، هل يقبل على الإطلاق، أو بشروط؟ نقول: لا يقبل بشروط، هذه الشروط تتلخص في شرطين: الشرط الأول: أن يكون ذلك الحديث مما لا مجال للرأي فيه. والشرط الثاني: أن يكون ذلك الصحابي ممن لم يعرف بالأخذ، عن أهل الكتاب، ويتضح لكم، أو تتضح وجاهة هذين الشرطين بالآتي.
نعم أعيد الشرطان، نعم: الشرط الأول: أن يكون الحديث مما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه. والشرط الثاني: ألا يكون ذلك الصحابي ممن يعرف بالأخذ، عن أهل الكتاب.
يقولون: إن الشرط الأول يخرج به ما كان من قبيل الاجتهاد، فإذا كان الصحابي -رضى الله عنه- اجتهد في مسألة من المسائل، فقال فيها برأيه، فما دام أن هذا الحديث محتمل للرأي، فهذا لا نقول إنه له حكم الرفع لاحتمال أن يكون هذا الصحابي قاله من تلقاء نفسه، ولم يتلقه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكننا اشترطنا أن يكون ذلك الحديث من الأحاديث التي لا يمكن أن يكون الصحابي قالها، أو فعلها من تلقاء نفسه.(1/441)
مثاله قالوا: كأن يحدث عن أمر غيبي في السابق، أو اللاحق كأن يحدث مثلا، عن الأمم السابقة، فهل الصحابي اطلع رجع للزمن الماضي حتى يعرف أحوال الأمم السابقة؟ لا لم يطلع، فإذا هو لا بد أن يكون أخذ هذا القول عن من عن إنسان آخر، دعونا من الإنسان الآخر الآن للشرط الثاني، أو أن يكون يخبر عن أمر غيبي مستقبل كأحوال الآخرة كأن يصف النار، أو الجنة، أو ما يلاقيه الناس في عُرصات القيامة، أو نحو هذه الأمور الغيبية التي لا يمكن أن يقولها الصحابي من تلقاء نفسه، أو يخبر عن بعض ما يحصل من الفتن، وأشراط الساعة، أو يخبر، عن أمر يترتب عليه ثواب، أو عقاب، كأن يقول مثلا: من صلى كذا وكذا، فله كذا وكذا هذا يترتب عليه ثواب، أو لا يترتب؟
أو يخبر، عن أمر يترتب عليه عقاب، مثل " من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - " هل يمكن أن يكون الصحابي، يعني يقول هذا من تلقاء نفسه؟ لا .
لا بد أن يكون مستندا إلى نص، فإذن إذا كان هذا القول مما لا مجال للرأي فيه، فلا بد أن يكون الصحابي أخذه عن أحد، فمن يكون هذا الأحد؟ هذا مربوط بالشرط الثاني، قالوا إذا وجدنا ذلك الصحابي ممن لم يأخذ، عن أهل الكتاب، فهذا يدل على أنه أخذ هذا الحديث عن من؟ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أما إذا كان ممن يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهناك بعض الصحابة الذين تسمحوا في المسألة والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد سمح لهم بقوله -عليه الصلاة والسلام- " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " فبعضهم كان يحدث عن بني إسرائيل، مثل عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- فإذا جاءك الحديث عن طريق عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو يخبر، عن أحوال الأمم السابقة أمر غيبي، هل تقول إنه له حكم الرفع؟(1/442)
لا، أو يخبر عن أمر مستقبلي تقول له حكم الرفع؟ لا، لماذا؟ لاحتمال أن يكون أخذه ممن؟ من أهل الكتاب، وبخاصة أنه - رضي الله عنه - في غزوة اليرموك عثر على زاملتين -راحلتين- مملوأتين كتبا من كتب أهل الكتاب، فاستولى عليها، أخذها، وأخذ يقرأ منها، ويحدث الناس.
فلذلك تجد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- عنده أشياء فعلا يعني يلمس بها أنها من الإسرائيليات، ومثال ذلك حديث قصة "هاروت وماروت" قصة يعني فيها غرابة جدا، خلاصتها أن ملكين أنزلا إلى الأرض؛ لأنهما يعني سخرا ببني آدم، فالمهم واقعا امرأة يقال لها الزهرة، فمسخت الزهرة إلى هذا الكوكب الذي نراه في السماء، والملكان يعذبان ببابل، وهما هاروت وماروت.
قصة طويلة بس أنا اختصرتها لكم، يعني الصواب في هذه القصة كما قال الحافظ ابن كثير: إنها من الإسرائيليات التي حدث بها عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- عن بني إسرائيل، وهكذا في أمثلة كثيرة، أما إذا كان الصحابي ممن لا يأخذ عن أهل الكتاب، مثل عبد الله بن مسعود، فإنه كان يحارب الأخذ عن أهل الكتاب، وينقد الصحابة الذين يتساهلون ويأخذون، عن أهل الكتاب، فما دام أنه عرف بشدته في المسألة، فإذن مثل هذا الصحابي يمكن أن نقبل الأحاديث التي لها حكم الرفع، ونطمئن -إن شاء الله- أنه لم يكن أخذها، عن أهل الكتاب، فهذا يعني خلاصة هذه المسألة.
ويعني أنا أعتذر لكم من هذه العجلة، وهذا الاستعجال؛ لأننا نريد أن نكمل -إن شاء الله- الكتاب فنقف في درسنا القادم -إن شاء الله على قوله: أو إلى الصحابي كذلك. ونستمر -إن شاء الله- بعد ذلك، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
س: أحد الإخوة يقول: ما الفرق بين مشكل الآثار، ومختلف الحديث، وهل مراجعهما واحدة؟(1/443)
ج: أقول: لا فرق، مشكل الآثار ومختلف الحديث هما واحد يعني: كلاهما يعنيان بالأحاديث التي قد يكون في ظاهرها شيء من التعارض، فيحاولون التوفيق بينها.
س: أحد الأخوة يقول: ذكرت كمثال لاضطراب متن حديث: " لا ذكاة في حلي " والصحيح أن الحديث المقصود " في المال حقا سوى الزكاة " ؟
ج: وأقول: جزاك الله خيرا، فنعم أنا يعني التبس علي الحديثان، فمثال المضطرب الذي كنا أخذناه سابقا حديث: " في المال حق سوى الزكاة " وحديث: " ليس في المال حق سوى الزكاة " هذان الحديثان هما اللذان قال عنهما الحافظ العراقي: إن التعارض بينهما ظاهر، ولا يمكن التوفيق بينها بحال.
س: يقول: من هو الشخص الذي اتفق على صحة مراسيله؟ ومن ألف في ذلك؟
ج: أقول: هذه المسألة يعني فيها شيء من الطول، لكن مثل سعيد بن المسيب بعض العلماء، مثل أبي حنيفة ومالك، وراوية عن أحمد أن مراسيله صحيحة، وأما الشافعي فيقول: مراسيله صحيحه بالشروط التي ذكرناها سابقا، أما من ألف في ذلك، فهناك "جمع التفصيل في أحكام المراسيل للعلائي" وهناك كتاب "المراسيل" لولي الدين أبي زرعة ابن العراقي، لكنه لم يطبع حتى الآن.
س: أحد الأخوة يعني يبدو لي، أنه ملتزم بحلقة قرآن بعد العصر، ويخشى أن يكون الدرس في بعض الأحيان بعد العصر، فيقترح يعني أن يبقى بعد العشاء،
ج: فعلى كل حال، والله يعني ما دمنا نستطيع أن نجعله بعد العصر، فالظاهر أن كثيرا من الأخوة يناسبهم بعد العصر ـ بكرة لا يمكن ـ لعلنا -إن شاء الله- عصر الثلاثاء، نستطيع نعم يعني درسا إضافيا، حتى ننتهي إن شاء الله .
س: يقول: إنك قلت في المبهم: لو وثقه عالم لم نقبل المبهم، حتى نعرفه، وفي المجهول قلنا: إذا وثقه أحد الأئمة، فهو غير مجهول، فأرجو التوضيح.(1/444)
ج: أقول: التوضيح واضح، وذلك أن العالم إذا قال: حدثني الثقة، فمن هو هذا الرجل الثقة؟ صح، قد تكون يا فلان وثقته أنت، لكن يكون عند غيرك غير ثقة، وإذا نظرنا في قولك الذي عارض قول الأئمة الآخرين، ووجدنا أن الأئمة الآخرين الذين قدحوا فيه جرحوه بجرح مفصل، يعني كأن يقول أحدهم -مثلا- إني رأيته يشرب الخمر، فنقول: إنك حدثت بحسب اقتناعك، فوثقته بحسب معرفتك به، وخفي عليك أمره، لكن ما خفي عليك تبين لعالم آخر؛ ولذلك نقول: أبن لنا ما اسم هذا الراوي، حتى نقبل توثيقك، لكن المجهول هو مسمى، كأن يقول: محمد بن عبد الله ما روي عنه إلا راو واحد فقط، ويكون وثقه أحد الأئمة، فهو معروف اسمه، معروف فهذا فرق بينه، وبين المبهم، فالمجهول هذا يسمى، وأما المبهم لا يسمى، هذا هو الفرق خلاص.
طيب: سبحانك اللهم بحمدك، نشهد ألا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها الإخوة:
فبالنسبة للمواضيع المتبقية معنا في هذا المختصر، هي -بحمد الله- مواضيع سهلة، والمواضيع التي هي عمدة علم المصطلح هي التي تقدمت، هي التي ينبني عليها تحديد الحديث، هل هو صحيح أو غير صحيح؟ وما إلى ذلك -كما لاحظتم من خلال ما سبق أن أخذناه-.
المتبقي كله من باب التفنن في التقسيم والتقعيد الاصطلاحي -كما ستلاحظون إن شاء الله-، والدلالة على بعض ما قد يعترض طالب علم الحديث حينما يقرأ في كتب المحدثين، من ألفاظ قد لا يعرفها، وتعرفون أن كل علم له مصطلحات معينة، فالفقهاء لهم مصطلحات، مثلا: حينما يأتي في كتب الحنابلة -مثلا- ويقولون: "وعنه روايتان" الذي لا يعرف أنهم يعنون بهذا العبارة "وعنه": الإمام أحمد لا يدري "وعنه"، يرجع للكلام المتقدم يحاول أن ينظر من هو هذا الشخص الذي يعود إليه الضمير، ما يجد شخصا متقدما أحيل إليه.(1/445)
فلا بد إذا من معرفة مصطلحات كل فن؛ حتى يستطيع الإنسان أن يكون ملما به، كذلك -أيضا- ما يأتي معنا بعضها يعني سهل وواضح جدا لنا، مثل تعريف الصحابي، تعريف التابعي، تعريف المخضرم، بعض العبارات التي ترد مثل: المسند، المرفوع، الموقوف، المقطوع، المتصل، كل هذه الأشياء نجدها حينما نقرأ في كتب المحدثين وكتب التخاريج، وما إلى ذلك موجودة، فعلى أساس يعني نكون علي علم ودراية بها، يأتي تعريفها -إن شاء الله- وغير ذلك، يعني من الأنواع.
وهي يعني في ظني أن المتبقي سهل، ما عدا بعض الجزيئات اليسيرة مثل: الكلام عن العلو والنزول، وأنواع العلو من موافقة وبدل ومساواة ومصافحة، وغير ذلك مما سيأتي -إن شاء الله وبإذن الله- في هذه الليلة.
أنا -إن شاء الله- سأحاول أن أبسطه بالمثال، ولعل يعني بعض الإخوة -أيضا- يتبرعون بأن يعني إذا وقف أشخاص، ومثَّلْنا الإسناد يمكن أن يكون أسهل لمعرفة هذه النقطة.
بعض الإخوة يتساءل ويقول: يعني أنا أول مرة أحضر في درس في علم المصطلح، وعلم الحديث غريب علي، فبعد ما أنتهي يعني من -مثلا- أخذ هذه المادة في هذه الدورة ماذا أعمل؟ لأن العلم ينسى، فيطالبون يعني بالنصائح، وبعضهم يعني يطالب باستمرار الدرس، بطبيعة الحال استمرار الدرس الذي هو النخبة لا يمكن؛ لأن له وقتا محددا؛ ولأن بعض الإخوة يعني أتوا من آفاق معينة، وكل واحد منهم يمكن وراءه من المشاغل ما وراءه، وعلى كل حال جزى الله الجميع كل خير، يعني على مثابرتهم أنفسهم في هذه الحلق، حلق الذكر التي -إن شاء الله- تؤجرون عليها، ولا أريد يعني أن أسهب في المديح، فهم سيجدونه -إن شاء الله- في موازينهم، مدخرا عند الله -جل وعلا-.(1/446)
لكن ما الذي ينبغي لطالب علم الحديث؟ أو الذي درس هذه المادة؟ أقول: الذي ينبغي له ألا يقف، ألا يتوانى، فهو الآن أخذ مختصرا من أحسن المختصرات؛ فعليه أن يحاول جاهدا أن يأخذ ما هو أطول منه، وسيجد نفسه أنه كلما أخذ المادة بتشبع أكثر كلما استوعب علم الحديث أكثر.
وإذا كان الأخ موجودا في الرياض فهناك يعني بعض الدروس المقامة في الرياض، ومن جملتها: درس "ألفية السيوطي" التي يعني أشرحها في هذا المسجد يوم الثلاثاء من كل أسبوع -إن شاء الله- منذ بداية الدراسة، الذي لا يستطيع يمكن أن يعمد للدروس المسجلة في الأشرطة، فهناك -في حسب علمي- عدة شروح، مثلا: فيه شرح للشيخ مقبل للباعث الحثيث، والشيخ مقبل متمكن في علم الحديث، وهناك شرح ما أدري هل وصل؟ إن كان أحد الإخوة يفيدنا لأخينا أبى إسحاق الحويني لمنظومة السيوطي -أيضا- ما أدري يعني تعرفون هل هو موجود أم لا؟ نعم. كم؟ نعم. يقول: اثنا عشر شريطا للشيخ أبى إسحاق الحويني. طبعا ليست كاملة لكن بالإمكان -إن شاء الله- أن الأخ حينما يستمع إلى الاثني عشر يكون قد وصلت البقية وهكذا.
كذلك -أيضا- الذي في أماكن بعيده بإمكانه أن يحاول أن يجد بعض الذين عندهم إلمام بعلم الحديث فيدرس عليه، وإذا لم يكن فالأشرطة -ولله الحمد- هذه يعني تعتبر حجة قائمة عليهم في الحقيقة، لكن فيه ما هو أحسن من هذا، الآن ما دام الواحد منا أخذ هذه القواعد التي درسها في هذا المسجد، فبإمكانه -إن شاء الله- أن يواصل المسيرة بنفسه -إذا كان مثابرا- كيف؟.
فيه كتاب "الباعث الحثيث" للحافظ ابن كثير وتعليقات الشيخ أحمد شاكر عليه، كتاب سهل الأسلوب ويسير وجيد، فعليه أن يحاول أن يقرأ بنفسه ويعلق، لو فرض أنه أشكلت عليه عبارة بإمكانه أن يتناول الهاتف ويتصل بي أو بأحد الإخوة، وهذه -ولله الحمد- وسيلة تعتبر حجة علينا -أيضا- في هذا الزمان.(1/447)
كذلك -أيضا- من أهم المهمات التطبيق، والتطبيق يتأتى لطالب العلم بنفسه وبالمطالعة في كتب العلماء الآخرين، فهو بنفسه بإمكانه أن يبدأ في تخريج بعض الأحاديث ودراسة أسانيدها، وإذا اجتهد في حكم -طبعا هذا لا يكون لإخراجه للناس، وإنما بينه وبين نفسه إذا اجتهد- وحكم علي إسناد من الأسانيد، فبالإمكان أن يتصل بأحد الذين عندهم علم بالحديث، ويقول: الإسناد الفلاني أنا يعني خرجت بنتيجة أن الحكم عليه كذا وكذا وكذا ما رأيك في هذا؟ يمكن يقول: أصبت، يمكن يقول له: أخطأت، وإذا كان أخطأ يبين له موضع الخطأ عنده، وهكذا يعني دواليك.
بالنسبة للنقطة المهمة الأخرى، هي القراءة في كتب التخاريج المتقدمة والمتأخرة، فمن كتب التخاريج المتقدمة مثل: تخريج الذهبي لسنن البيهقي الذي عنوانه "المهذب" أو تخاريج الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- أو ابن كثير أو غير ذلك من العلماء، من المتأخرين الذين تفيد تخاريجهم، تخاريج الشيخ الألباني، فكتبه: السلسلة الصحيحة والضعيفة وإرواء الغليل وما إلى ذلك تعتبر في الحقيقة يعني تطبيقا لقواعد علم المصطلح التي نأخذها.
أنا لا أقول: قلده في كل شيء، لكن طالب العلم المبتدئ ينبغي ألا يشغل ذهنه بالخلافيات، هل أصاب الألباني أو أخطأ؟ هذه المرحلة تأتي بعد، نحن لا نقول لطالب العلم الحديث أن يقلد في كل دقيقة وجليلة، لكن ما دام أنه الآن مبتدئ؛ فعليه أن يستفيد من العلماء، ومسألة التمحيص هذه مرحلة تأتي بعد ذلك هذا، يعني ما قد يحضرني من توجيه لبعض الإخوة الذين تدور في أذهانهم بعض التساؤلات.
نبدأ في درسنا في هذا اليوم من حيث انتهينا.
يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله قال-: "ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تصريحا أو حكما، من قوله أو فعله أو تقريره" هذا بيناه ليلة البارحة.(1/448)
يقول: "إما أن ينتهي الإسناد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-"، فإذا يمكن أن ينتهي إلى غيره، قال: "أو إلى الصحابي كذلك" فانتهاء الإسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الذي سبق الكلام عليه، أما انتهاؤه إلى الصحابي، فالأمر واضح، يعني اعتبر أنك حذفت من الإسناد قول الصحابي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو نحو ذلك من العبارات التي تدل علي أن الحديث ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك يصبح الحديث منسوبا إلى الصحابي الذي انتهى إليه ذلك الإسناد.
فالصحابي إما أن يكون الحديث الآتي عنه من قوله أو من فعله أو حتى من تقريره، وإن كان التقرير قد يعتريه ما يعتريه من الإشكال، لكن يعني مثال القول: ما أثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "يأتي على الناس زمان يجتمعون ويصلون في المساجد، وليس فيهم مؤمن" .
هذا الأثر أخرجه ابن أبى شيبة في كتاب الإيمان، وحكم عليه الشيخ الألباني بالصحة، يعني إلى قائله الذي هو عبد الله بن عمرو بن العاص، المهم أن هذا من قوله أو لا؟ من قوله، هو ما أضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يرد الإشكال أو التنبيه الذي ذكرناه البارحة أن هذا من الأمور الغيبية، فهل يكون هذا له حكم المرفوع أو لا؟ سبق أن نبهتكم البارحة إلى أن عبد الله بن عمرو بن العاص ممن يأخذ؟ عن من؟ عن أهل الكتاب؛ فلذلك يحتمل أن يكون هذا مما أخذه عن أهل الكتاب فلا يعتبر له حكم الرفع.(1/449)
كذلك إذا وجدنا هناك من ينقل عن الصحابي أنه فعل كذا وكذا، مثل: النقل عن علي بن أبى طالب - رضي الله عنه - أنه صلى الكسوف بأربع ركوعات في كل ركعة، فهذا من فعل من؟ من فعل الصحابي، دعونا من مسألة ما له حكم الرفع وما ليس له حكم الرفع، هذه بيناها البارحة، لكن كيف بأي حديث، بهذا المثال الذي فيه أن الصحابي فعل كذا وكذا، فهذا -أيضا- يسمي موقوفا حكما، يعني هو موقوف، يعني على الصحابي الذي نقل ذلك الفعل عنه.
كذلك -أيضا- لو ذكر التابعي أنهم فعلوا كذا وكذا بحضرة الصحابي، أي فعل من الأفعال، ولم ينكر عليه فالمفترض أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأوا ذلك الأمر أمرا منكرا أن ينكروا على من فعل ذلك الفعل؛ فلذلك يسمى هذا تقرير من الصحابي، لكنه أضعف من سابقيه لاحتمالات، يعني ليس هذا موضع بحثها.
الحديث الموقوف
أو إلى الصحابي كذلك وهو من لقي النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- مؤمنا به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ذلك ردة في الأصح"
أراد أن يبين من هو الصحابي، وبلا شك أنكم تعرفون في العموم من هو الصحابي، لكن إذا أريد تحديد الصحابي اصطلاحا فلا بد أن نعرف هذا الكلام المذكور ها هنا حينما يقول -وهو يعني الصحابي-:
"من لقي النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- مؤمنا به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ذلك رده في الأصح".
إذا وجدنا إنسانا ثبت بالسند الصحيح لقيه للنبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا أحد يعني الشروط المذكورة ها هنا، وهو أقوى شرط، وليس المقصود باللقي الرؤيا بالبصر، بل ما هو أعم من هذا؛ لأن هناك بعض الذين لا يبصرون، ويعتبرون من الصحابة كمثل: عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله تعالى عنه- فهو لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذلك هناك بعض العلماء عرَّف الصحابي قال: "هو من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به، ومات على ذلك..." إلى آخر التعريف.(1/450)
فكلمة "من رأى" هذه قد يفهم منها تحديد الصحابي بأنه من أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينيه، لكن هذا التعبير الذي استخدمه الحافظ ابن حجر يعتبر تعبيرا دقيقا حينما يقول: "من لقي" فاللقى أعم من مسألة الرؤيا، فيشمل من رأى ومن لم ير، وإنما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان عديم البصر كمثل ابن أم مكتوم -رضي الله تعالى عنه-.
حينما يقول: "مؤمنا به" هذا -أيضا- قيد لا بد منه؛ لأن هناك من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه في حال كفره، ثم أسلم بعد ذلك، فمثل هذا يمثلون له برسول هرقل، كان بعثه هرقل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما كان في تبوك، وحديثه موجود في مسند الإمام أحمد، المهم أن رسول هرقل هذا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقيه وتحدث معه في حال كفره، ثم بعد ذلك أسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلم وسكن الشام، فأصبح يحدث بقصته مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذلك مثل هذا لا يعتبر صحابيا، لأي شيء؟ لأنه حينما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه لم يكن مؤمنا به في ذلك الحين، وإنما يعتبر تابعيا.
قال: "ومات على الإسلام" بمعني أنه لو كان هناك من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومات على الكفر، فهذا لا يكون صحابيا ومثل له بمثال: عبيد الله بن جحش، عبيد الله بن جحش كان ممن هاجر إلى الحبشة، ثم ارتد هناك وتنصر -والعياذ بالله- فمثل هذا لا يعد صحابيا، يخرج من تعريف الصحابي.
قال: "ولو تخللت ذلك ردة في الأصح" بمعني: لو أن هناك رجلا لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به، ثم بعد ذلك ارتد، فهل يعتبر هذا صحابيا أو لا يعتبر صحابيا؟ يعني ارتد ثم رجع إلى إسلامه بعد ذلك، نقول: مثل هذا في الحقيقة يعتبر صحابيا، فالردة التي تخللت يعني إسلامه لا تؤثر عليه، وهذا في الأصح.(1/451)
وإن هناك من نازع من العلماء، ويمثلون لهذا بالأشعث بن قيس -رضي الله تعالى عنه- فإنه كان ارتد، ثم بعد ذلك أسلم، وحسن إسلامه، فيبقى له تعريف الصحابي؛ ولأنه يعني ما أحد أنكر أن يكون مثل الأشعث بن قيس صحابيا -رضي الله تعالى عنه-، هذا بالنسبة لتعريف الصحابي يعني على الاختصار.
نبه الحافظ ابن حجر على بعض الأمور من جملتها: الصحابة يختلفون على درجات، فمنهم من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن مرة واحدة، ونقل حديثا، ثم رجع إلى قومه، ومنهم من لازم النبي - صلى الله عليه وسلم - فطالت ملازمته له، ومنهم من أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه، ولكنه لم يحمل عنه أي شيء من الحديث؛ ولذلك فالذين طالت ملازمتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - والذين لم تطل ملازمتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - لكنهم حملوا عنه بعض الأحاديث، هذان الصنفان هما اللذان يركز عليهما علماء الحديث، فحديثهم يعتبر حديثا موصولا محتجا به، وهذا هو المراد.
لكن القسم الآخر، وهم صغار الصحابة الذين الواحد منهم يكون رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- رؤية، ولكنه لم يتحمل عنه شيئا من الحديث، هؤلاء لهم فضل الصحبة، شرف الصحبة ثابت لهم، لكن أما من حيث الرواية فأحاديثهم تعتبر مرسلة؛ لأنهم ما أخذوها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما يحتمل أنهم أخذوها عن صحابي، ويحتمل أنهم أخذوها عن تابعي أخذ عن صحابي، فالاحتمال وارد.
إذاً في هذه الحالة فمثل هؤلاء على الأصح أن أحاديثهم حكمها حكم أحاديث كبار التابعين، فمن قبل أحاديث كبار التابعين على الإطلاق كأبي حنيفة ومالك، فهو يقبل أحاديث هذا الصنف، ومن رد أحاديث كبار التابعين، واعتبرها ضعيفة فهو يرد أحاديث هؤلاء، ومن قبلها بشروط كالشافعي، فهو يقبل أحاديث هؤلاء بشروط -أيضا-، فحكمه حكم الحديث المرسل تماما.(1/452)
هذا الصنف يختلفون، منهم من كان رضيعا في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل محمد بن أبى بكر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وله تقريبا ثلاثة أشهر أو نحو ذلك، المهم أنه جيء به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليحنكه، فبال في حجره - صلى الله عليه وسلم - فهذا بلا شك أنه لا يعقل ولا يميز، وإنما لأجل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يتذكر -أيضا- رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هاتان العينان اللتان أبصرتا النبي - صلى الله عليه وسلم - حقيقة يقدر الناس لهما ما حظيتا به من رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقولون: إن هذا يعتبر صحابيا حتى ولو لم يرو شيئا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هناك أطفال رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتذكرون صفته مثل: محمود بن الربيع حينما يقول: " عقلت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مجة مجها في وجهي " كان النبي -عليه الصلاة والسلام- من حسن خلقه يداعب الأطفال، فكان في فمه ماء مجه على وجه محمود بن الربيع -رضي الله تعالى عنه-، فهذا هو الذي يتذكره عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيقول: "هذا الذي عقلته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "، فهذا -أيضا- هذا أصلا باعترافه أنه ما نقل شيئا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فإذاً روايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا تعتبر؟ تعتبر مرسلة، لكن مراسيلهم تعتبر يعني من المراسيل التي يعني الكلام فيها أقل من الكلام في غيرها، فحكمها -كما قلت- حكم مراسيل كبار التابعين، هذه مسألة.
نعم......أي نعم.
أما بالنسبة لمسألة العدالة فالصحابة كلهم -رضي الله تعالى عنهم- لا يبحث عن عدالتهم، وإنما هم عدول بتعديل الله -جل وعلا- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم، فالكل من ثبت أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيعتبر عدلا.(1/453)
المسألة الثانية التي نبه عليها ابن حجر: كيف نعرف الرجل أنه صحابي؟ هو ذكر بعض الأمور التي يعني نذكرها بهذه الصورة التي أطرحها عليكم، نستطيع أن نعرف أن هذا الرجل صحابي بأحد هذه الأمور الآتية: أولا: التواتر: فهل يشك أحد من الناس أن أبا بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- من الصحابة، ما أحد يشك إطلاقا لا كافر ولا مسلم، فلو جاءك إنسان وقال: يا أخي أنا والله في شك هل أبو بكر وعمر من الصحابة أو لا حتى تثبت لي ذلك بالإسناد الصحيح؟ لأصبح أضحوكة للناس؛ لأن مسألة التواتر هذه تغني عن إقامة الدليل، هذه أول نقطة. النقطة الثانية: الشهرة والاستفاضة: وذلك من خلال بعض الأمور يمثلون لذلك بمثال: ضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن -رضي الله تعالى عنهما-، فضمام بن ثعلبة اشتهر بحديثه ووفوده إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فأصبح مشهورا، لكن شهرته ليست كشهرة عكاشة بن محصن -رضي الله تعالى عنه- فعكاشة ذهبت قصته مثلا فلو -مثلا- أحد من الناس أراد أن يرد طلب إنسان من الناس لقال: سبقك بها عكاشة؛ بناء على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يقال عنه: إنه استفاض واشتهر أمره وصحبته -رضي الله تعالى عنه-، فهذه هي الدرجة التي تلي الدرجة السابقة.
أمر آخر مما تثبت به الصحبة ورود ذلك صراحة في حديث صحيح، كأن يكون في حديث من الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه سلم- جاءه فلان بن فلان، فسأله عن كذا وكذا، فأجابه بكذا وكذا، أو يكون ذلك الحديث نفسه إسناده متصل إلى رجل يخبر أن فلانا من الناس الذين استشهدوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا، أو أي إخبار بطريقة ما تدل على أن هذا الرجل فعلا ثبتت له الصحبة، فهذا بوروده في متون بعض الأحاديث.(1/454)
بعد ذلك التنصيص من التابعي نفسه على أن فلانا صحابي، وهذا التنصيص يكون إما بقوله سمعت أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو فلان بن فلان يقول كذا وكذا وكذا، أو بنحو هذه العبارات التي تدل فعلا على أن هذا التابعي يشهد لهذا الرجل أنه صحابي، ويكون هذا التابعي -أيضا- من الثقات الذين يعتبر بقولهم.
المسألة التي تلي ذلك أن ينص هو بنفسه على لقيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - إما أن يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا، فإذا جاء الإسناد إليه أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا، فهذا مثال، أو مثال آخر: كأن يقول: إنني من الناس الذين صحبوا النبي -صلى الله عليه سلم-، لكن قالوا في هذا يشترط له شروط:- الشرط الأول: أن يكون عدلا في نفسه. الشرط الثاني: أن تكون دعواه ممكنة. أن يكون عدلا في نفسه، بحيث لا يعرف عنه يعني نجعله الأصل، وهو أنه ما دام أنه أخبر عن نفسه بأنه صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعواه ممكنة، ولم يعرف عنه أنه من الرجال الذين يكذبون أو الأفاكين أو ما إلى ذلك فهذا أمر. الأمر الآخر: أن تكون دعواه ممكنة، وإمكان الدعوى بطريق التاريخ، فإن كان ادعى هذه الدعوى قبل سنة مائة وعشرة للهجرة، فهذا ممكن، وإن كان ادعى هذه الدعوى بعد سنة مائة، وعشرة للهجرة، فدعواه مردودة عليه.
والسبب في تحديدهم هذا التاريخ هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر في آخر حياته فقال: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى بعد مائة عام على وجه الأرض منها أحد " أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - .(1/455)
مفهوم الحديث أن الناس الذين هم موجودون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال هذه المقالة بعد مائة عام لا يكون أحد منهم موجودا على وجه الأرض، والنبي - صلى الله عليه وسلم - توفي في السنة العاشرة من الهجرة، فإذن أي إنسان يأتي ويدعي هذه الدعوى بعد سنة مائة وعشرة للهجرة هو مخالف لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا؛ ولذلك كانت هذه الحجة من أقوى الحجج في الرد على من يدعي حياة الخضر كالصوفية الذين يدعي الواحد منهم أنه لقي الخضر وشافهه وأخبره بكذا وكذا، وربما أخبره بأمور يستند عليها في إحداث عبادات وإحداثات في دين الله -جل وعلا- لم ترد في شرع، فهذا الحديث من أقوى الحجج التي يرد بها عليهم ويرد بها -أيضا- على من يدعي أنه صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قد يقول قائل: هل هناك من ادعى هذه الدعوى؟ نقول: نعم هناك من ادعاها، ولكنه مفضوح أمره بشكل واضح، فخرج رجل في الهند في القرن السادس يقال له: رتن، هندي يزعم أنه ممن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه عمر حتى هذا التاريخ فأحدث اضطرابا في ذلك الوقت، المهم أن العلماء ردوا عليه، ومن جملة من رد يعني حتى بعد وفاته، الحافظ الذهبي -رحمة الله عليه- له كتاب بعنوان "كسر وثن رتن" يعني يعتبره كالوثن، وأن كلامه هذا يعتبر كسر لهذا الوثن، فيقولون مثل رتن هذا نجزم تماما أنه كذاب أفاك، لأي شيء؟ لمخالفته لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فإذاً دعواه ممكنة أو غير ممكنة دعواه غير ممكنة، فهذا هو المقصود بهذين الشريطين اللذين ذكرتهما.
نعم... أصل من ادعى أنه صحابي من الجن لا يجوز تصديقه؛ لأنهم يغيبون عنا، وهذه الدعوة تفتقد إلى دليل، و-أيضا- هي غير موجودة في عالم الواقع أصلا، يعني كل مسألة تبحث ينبغي أن يكون لها ثمرة، فينظر هل في التاريخ من ادعى من الجن أنه صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - . هذا ما دام أنه ما وجد خلاص انتهي الإشكال.(1/456)
قال بعد ذلك الحافظ -رحمه الله-:
الحديث المقطوع
أو إلى التاَّبعيِّ: وهو من لقي الصحابي كذلك.
فالأول : المرفوعُ ، والثاني : الموقوف ، والثالث : المقطوعُ ، ومن دُون التابعي فيه مثله، ويقالُ للأخيرين : الأثرُ.
يعني أو أن ينتهي السند إلى التابعي، ثم عرَّف من هو التابعي، فالتابعي -تماما- ننزله منزلة الصحابي، فما دمت قلت: إن الصحابي هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به، ومات على ذلك، ولو تخلل ذلك ردة على الأصح، فتقول هذه المقولة -أيضا- بالنسبة للتابعي ما عدا مسألة الإيمان، فلا تقول مؤمنا به .
كذلك -أيضا- نبه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- على أن هناك من اشترط لإثبات أن الرجل تابعي طول الملازمة، طول ملازمة ذلك الرجل للصحابي، وهذا الشرط الحقيقة يعني فيه تعسف، فما دام أن ذلك الرجل لقي الصحابي ولو مرة واحدة، وبخاصة أمكنه أن يأخذ عنه حديثا من الأحاديث أو أي شيء، فهذا يعتبر تابعيا، بل إن من العلماء كالحافظ الذهبي -رحمه الله- من توسع في هذا فجعل من أدرك الصحابة حتى ولو لم يرهم يعني في طبقة التابعين، وينبه على هذا لكنه يعدهم في التابعين لأجل مسألة المعاصرة، ومثل هذا مثل ابن جريج وغيره، فإنه جعلهم في كتابه "سير أعلام النبلاء" في هذه الطبقة، وكذلك عبد الله بن طاوس لو رجعتم إلى ترجمتهم لوجدتم أنه ينص على أنهم ليس لهم رواية عن الصحابة، ولكنه ذكرهم في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين لمسألة المعاصرة فقط.
كذلك -أيضا- أبو حنيفة بناء على قاعدة الذهبي، وفعلا هو أودعه في طبقة التابعين لأجل أنه يعني عاصر جزءا من حياة بعض الصحابة كأنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-.(1/457)
هناك -أيها الإخوة- من التابعين من يحتاج إلى يعني تنبيه، وهم الذين يقال لهم: المخضرمون، والمقصود بالمخضرم: هو من عاش في الجاهلية، وأدرك زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا الذي بهذه الصفة يقال له: إنه مخضرم، يعني أدرك الجاهلية وأسلم، ولكنه لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - .
هؤلاء المخضرون بعض الذين صنفوا في الصحابة يعني هناك كتب ألفت في الصحابة يعني يذكرون في هذه الكتب فقط الصحابة الذين صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل كتاب "معرفة الصحابة" لأبى نعيم، وكتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر وكتاب "أسد الغابة" لابن الأثير، وكتاب "الإصابة" للحافظ ابن حجر، وغيرها من الكتب كثير، الشاهد أن هناك ممن ألفوا في الصحابة من جعل هذا القسم من الناس الذين هم مخضرمون عدهم في الصحابة، ومن ذلك الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-، لكنه يعني هذا أحببنا التنبيه عليه حتى لا يظن ظانٌّ بأن هذا الصنف من الناس يمكن أن يكونوا صحابة إذا طالع كتاب ابن عبد البر.
ابن عبد البر نبه على أنه إنما ذكرهم لا لأنهم فعلا صحابة، وإنما لمقاربة طبقتهم طبقة الصحابة؛ فلأنهم في طبقة واحدة، وعاشوا في فترة واحدة، والفارق بينهم فقط إنما هو مسألة الرؤية، أولئك رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أو اللقي، لقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء لم يلقوه.(1/458)
الحافظ ابن حجر -رحمه الله- حينما صنَّف كتابة "الإصابة" أبدع إبداعا جيدا في ترتيبه، فإنه قسم الكتاب إلى أربعة أقسام، فالقسم الأول جعله للصحابة الذين فعلا ثبت بطريق النص أنهم لقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والقسم الثاني جعله في صغار الصحابة الذين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم دون سن التمييز، والقسم الثالث جعله الحافظ ابن حجر للمخضرمين هؤلاء؛ وذلك حتى يميزهم عن الصحابة، فيقول: انتبه فهؤلاء ليسوا بصحابة، والقسم الرابع جعله لمن ذكر في الكتب التي ألفت في الصحابة على سبيل الوهم والغلط، هناك من وهم فزعم أن أناسا من الصحابة، وهم ليسوا من الصحابة، فنبَّه عليهم الحافظ ابن حجر.
فالشاهد أنه يجعل أصحاب القسم الأول فقط هم الذين أحاديثهم متصلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما بقية الأقسام فلا، فهذا هو مراده -رحمه الله- من التقسيم.
قد يقول قائل: ما فائدة يعني هذا التحديد؟ الصنف الأول: إسناد ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . الثاني: إسناد ينتهي إلى الصحابي. الثالث: إسناد ينتهي إلى التابعي.
ما الفائدة؟ نقول الفائدة الآن هو ما يأتي:
فالإسناد الذي ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . هذا يقال له: المرفوع، يقال له ماذا؟ المرفوع، فلو جئنا ننظر في كتاب علل الدارقطني وهو يقول: "هذا الحديث اختلف فيه على فلان، فوقفه فلان، ورفعه فلان" مثل ما قلت لكم يعني حين نطالع في كتب علماء الحديث تأتينا عبارات أشبه ما تكون بالطلاسم، إذا لم نعرف مؤداها، فحينما يقول: "وقفه فلان، ورفعه فلان" ما مراده بهذا كلمة "رفعه فلان" يعني أضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما "وقفه فلان" فمعناه جعله من قول من؟ من قول الصحابي.(1/459)
فإذاً الإسناد الذي ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: المرفوع، والإسناد الذي ينتهي إلى الصحابي يقال له ماذا؟ الموقوف، والإسناد الذي ينتهي إلى التابعي يقال له: المقطوع، يقال له: ماذا؟ المقطوع.
فهذه ثلاثة اصطلاحات، اعرف الحديث، ما أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا أو تقريرا فهذا مرفوع، أضيف للصحابي فهذا موقوف، أضيف للتابعي فهذا يقال له: المقطوع، أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو هو يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا مرفوع.
فأحيانا تأتينا بعض الأسانيد فيها إضافة القول إلى أناس دون التابعين كأتباع التابعين مثل: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشعبة ونحوهم، فماذا يقال لهذا القول؟ يقال له -أيضا- : المقطوع، فالمقطوع هو التابعي فمن دونه، يصح -أحيانا- أن نقول للمقطوع -مثلا- الذي يرويه التابعي أو الذي يقوله التابعي نقول له: موقوف، لكن بشرط أن نقيده فنقول: موقوف على الحسن البصري -مثلا- أو على سعيد بن المسيب إذا قيدناه؛ فيصح أن نستعمل لفظة الموقوف، لكن إذا أطلقنا فالأولى أن نستخدم الاصطلاحات التي اصطلح عليها العلماء؛ حتى لا يحدث هناك شيء من اللبس.
تذكرون أنه حينما تكلمنا عن تقسيم الخبر ذكرنا الخبر والأثر وما إلى ذلك، فَمَنْ من الإخوة يعرف الأثر في بداية الشرح؟
نعم نعم... هذا صحيح، له تعريفان:-(1/460)
التعريف الأول: قيل هو مرادف للحديث يعني "هو ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ..." إلى آخره، وقيل: "الأثر ما يروى عن الصحابة والتابعين" هذا هو القول الثاني، وهو الذي يستعمل كثيرا، ولكن قلنا: لا مشاحة في الاصطلاح، فيمكن أن يستخدم هذا مكان هذا، وهذا مكان هذا، لكن الذي أكد على هذا تماما هم أهل خرسان، فلا يستعلمون أو لا يطلقون الأثر إلا فيما يروى عن الصحابة وعن التابعين.... نعم. هوأرجح الأقوال لكن مع التوسع قليلا فمن استخدم يعني اللفظ فيما هو أعم من هذا فلا حرج فيه -إن شاء الله-.
يمكن إن يقال للأثر حديث، ويقال للحديث أثر، لكن الأولى هذا الاستخدام أن يقيد الحديث فيما أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - والأثر فيما أضيف للصحابة والتابعين.
من المصطلحات التي ترد عندنا -أيضا أيها الإخوة- قولهم: "هذا الحديث مسند أو هذا الحديث أسنده فلان وأرسله فلان ونحو ذلك من العبارات، فأيضا حتى نعرف ما مراد العلماء بهذه العبارة نحتاج إلى تعريف الحديث المسند ما هو؟
يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هنا معرفا له:
الحديث المسند
والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، فإن قلَّ عددُهُ: فإمَّا أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أو إلى إمام ذي صفةٍ عليَّةٍ كشعبة.
فإذاً يمكن أن نجعل هذا التعريف في شرطين:- الشرط الأول: أن يكون مرفوعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - . الشرط الثاني: أن يكون ظاهر السند الاتصال.
فلو كان هناك الأثر الذي ذكرته قبل قليل عن عبد الله بن عمرو بن العاص: "يأتي على الناس زمان..." إلى آخره، هل نعتبر هذا مسندا بناء على هذا التعريف؟ ما نعتبره مسندا لماذا؟ لأنه لم يضف للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبناء على الشرط الثاني أو بسند ظاهره الاتصال حينما يقول الزهري: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا.(1/461)
هل نعتبره مسندا؟ لا نعتبره مسندا لماذا؟ لأن هذا السند ظاهره الانقطاع لم يتصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فإذا لا بد من الشرطين، طيب حديث عمر الذي أوردنا إسناده كثيرا يحيي بن سعيد الأنصاري عن التيمي عن علقمة عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما الأعمال بالنيات ... " إلى آخره، هذا ماذا نعتبره؟ نعتبره مسندا، لماذا؟ لأنه توفر فيه الشرطان: الاتصال والرفع للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
هناك يعني خلاف لعلي أختصره اختصارا في تعريف المسند. يعني عندنا شخصان خالفا في تعريف الحديث المسند وهما: ابن عبد البر والخطيب البغدادي، فكل واحد منهم أخلَّ بأحد هذين الشرطين، فابن عبد البر أخل بشرط الاتصال، والخطيب البغدادي أخل بشرط الرفع.
إذا عرفنا هذا انتهى الإشكال، فالخطيب البغدادي يجعل الموقوف على الصحابي مسندا، واضح، لكن بشرط، هو يجعل شرط ماذا؟ شرط الاتصال، هو يشترط اتصال السند، وما دام اتصل السند فهذا هو المسند، سواء أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من دونه، لكنه يقول: "أكثر ما يستعمل فيما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-" فقوله: "أكثر ما يستعمل" معني ذلك أنه يجوز أن يكون أضيف لمن دون النبي -عليه الصلاة والسلام-.
أما ابن عبد البر فيجعل المسند ما أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق، سواء كان متصلا أو غير متصل، فيدخل في تعريف ابن عبد البر المرسل والمنقطع والمعضل وغير ما هنالك من أنواع الانقطاع في الإسناد، فإذاً ابن عبد البر أخل بشرط الاتصال، والخطيب البغدادي أخل بشرط ماذا؟ الرفع
أبدا ما هو؟ بالعكس الخطيب البغدادي أخل بشرط الرفع، يعني لا يشترط أن يكون مرفوعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أما ابن عبد البر فيشترط أن يكون مرفوعا، لكنه لا يشترط اتصال السند، راجعوا الكتاب.(1/462)
يعني لاحظوا في صفحة مائة وخمسين، يقول الحافظ: وأما الخطيب فقال: المسند ماذا؟ المتصل فهو اشترط ماذا؟ اتصال السند، ولم يشترط رفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - . قال بعد ذلك فعلى هذا الموقوف إذا جاء بسند متصل يسمى عنده مسندا، ثم قال وأبعد ابن عبد البر حيث قال: المسند المرفوع، ولم يتعرض للإسناد، فإنه يصدق على المرسل والمعضل والمنقطع إلى آخر كلامه.
المهم أننا نعرف الآن أن التعريف الراجح للمسند ما هو؟ ما أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - متصل المسند، لكن حينما استعمل الحافظ ابن حجر هذه العبارة "بسند ظاهره الاتصال" هو دقيق -رحمه الله-، يقول حينما نقول: "بسند ظاهره الاتصال" معني ذلك أننا لا نبعد ما كان في إسناده مدلس وعنعنة -يعني استخدام صيغة عن- أو ما كان في إسناده راوٍ عاصر راويا ولم يلقه، وهو المرسل الخفي" فهو يجعل المرسل الخفي والمدلس من الأحاديث التي يقال عنها مسندة.
فإذًا هو يفرق بين -كما سبق معنا- الانقطاع الخفي والانقطاع الجلي، فالانقطاع الجلي هو الذي يستبعده الحافظ ابن حجر في تعريف الحديث المسند، لكن الانقطاع الخفي هو الذي لا يستبعده، فيمكن أن يكون الحديث منقطعا انقطاعا خفيا فهذا لا بأس أن يسمى مسندا.
لطائف الإسناد العلو
العلو المطلق
فالأول : العلوُّ المُطلقُ.(1/463)
الآن -أيها الإخوة- نأتي لمسألة العلو، أولا يعني على أساس نعرف ما هو العلو، المقصود بالعلو: قلة عدد رجال الإسناد التي توصل الإسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو كان -مثلا- الإمام أحمد -رحمه الله- وجد فلانا من الناس، خالد بن محمد يروي حديثا بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم يسمع هذا من خالد بن محمد، وإنما حدثه به عبد الله بن عبد الرحمن.-مثلا-، قال: إن خالد بن محمد حدثني وساق الإسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والإمام أحمد يعرف أن خالد بن محمد هذا ما يزال حيا حتى الآن، فتجده يحاول أن يختصر العدد، يقول: لماذا يكون بيني وبين خالد بن محمد -وهو لا يزال حيا، لماذا يكون بيني وبينه- واسطة رجل؟. لا. أنا أحاول أن أقترب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدر ما أستطيع، فتجده يحزم عفشه، ويفارق أهله ووطنه، ويرحل إلى البلد التي فيها خالد بن محمد حتى يلقاه، فيقول حدثني بالحديث؛ فيحدثه بالحديث حتى يكون سمعه منه مشافهة، فيصح أن يقول: حدثني أو أخبرني أو سمعت أو نحو ذلك، فيكون اختصر من الإسناد كم؟ رجلا واحدا هذا هو المقصود بالعلو، يعني اختصار عدد رجال الإسناد ما أمكن.
العلو قالوا: هو من الأمور المطلوبة، وكان المحدثون يتبارون في علو الإسناد، ويفتخرون به افتخارا كثيرا، ويجعلون أصلا في ذلك حديث ضمام بن ثعلبة -رضي الله تعالى عنه- وهو أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم، جاء، فارق دياره -ديار بكر- وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم ويقول-: " أتانا رسولك يزعم أنك رسول الله ... " إلى آخر الحديث.(1/464)
فقالوا يعني كون ضمام بن ثعلبة جاء متثبتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - هذا يدل على مشروعية طلب علو الإسناد، كان بإمكانه أن يكتفي بالرسول الذي أرسله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - واسطة رجل، لكنه قال: ما دام النبي - صلى الله عليه وسلم - حيا، فأنا أذهب، وأرحل إليه، وأسمع منه مباشرة؛ لماذا يكون بيني وبينه واسطة؟.
قالوا: هذا أصل في مشروعية طلب علو الإسناد.
قد يعترض -مثلا- بعضكم فيقول: قد يكون جاء لأجل التثبت؛ ولأنه لم يسلم بعد إلى آخر ما هنالك.
الأجوبة تجدونها موجودة في "فتح الباري" يعني لا أطيل، وسبق أن تكلمنا عن هذا في شرح صحيح مسلم، المهم أن العلماء يعني يستدلون بهذا الحديث في هذه المسألة المذكورة، ويستدلون -أيضا- بكون الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كانوا يحرصون على علو الإسناد، فكان بعضهم يرحل مسافات شاسعة لطلب علو الإسناد، مثل رحلة أبى أيوب الأنصاري إلى مصر لأجل أن يلقى أحد الصحابة ليحدثه بحديث في ستر المسلم، ورحلة جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- إلى عبد الله بن أنيس في الشام، وإلى غير ذلك من الرحلات، قالوا: هذا يدل على مشروعية طلب علو الإسناد؛ لأن هذا الصحابي شد رحله من المدينة إلى مصر، والآخر شد رحله من مكة أو المدينة إلى الشام كل ذلك لأجل أن يسمع حديثا من ذلك الصحابي الذي يحدث به غيره.(1/465)
ثم نجد ذلك متواترا في عبارات الأئمة، كالإمام أحمد ويحيي بن معين وغيرهم وغيرهم كثير، وفي صنيعهم -أيضا-، فكان الواحد منهم بمجرد ما يسمع برجل في بلد من البلدان، وبإمكانه أن يأخذ أحاديثه بواسطة تجد أنه يترك الواسطة، ويرحل إلى ذلك الرجل مثل: رحلة الإمام أحمد ويحيى بن معين إلى اليمن، من العراق إلى اليمن، وتعرفون ما في سيارات ولا شيء، وإنما بطريق المطي، وأحيانا يمشون على الأقدام، بل ربما مشوا الرحلة كلها على الأقدام، وربما انقطعت بهم النفقة، كان الواحد منهم تنقطع نفقته، ويضطر إلى أن يعمل يؤجر نفسه عند الناس عاملا حتى يحصل على مبلغ من المال يقوت به نفسه ليسمع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فكل هذا يدل على مشروعية طلب علو الإسناد، وعلى أن المحدثين كانوا يتبارون في ذلك، بل كان الواحد منهم يتمنى فيقول: "أتمنى بيتا خاليا وإسنادا عاليا"، بس هذه أمنيته في الحياة بيت خالٍ ليس هناك من يشوِّش عليه ذهنه؛ لكي يستعرض هذه المرويات، ويتفقه فيها، ويطلع على عللها، وما إلى ذلك، وإسناد عالٍ؛ لأن الإسناد العالي كلما قربة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يعني شوق يدفع الإنسان بلا شك، لكن كان -أيضا- من كبار مقاصدهم أن الإسناد كلما قل عدد رجاله كلما كان أدعى للبعد عن العلل.(1/466)
يعني تعرفون دائما الإسناد يعل بماذا؟ بالرجال، فكلما قللتم عدد الرجال كلما أصبح بعد العلة عن ذلك الإسناد يعني ممكنا أكثر مما هو في إسناد عدد رجاله كثير، بلا شك أنك لو جاءك إسناد عند الإمام أحمد بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رجال، وإسناد آخر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة رجال، أنت بلا شك يقع في ذهنك أنه من الصعوبة بمكان أن يكون هؤلاء العشرة كلهم ثقات، ضابطين، ليس فيهم أحد مدلس، وليس فيهم أحد مختلط، وما إلى ذلك، يعني إمكانية تحقق الصحة في ذلك الإسناد أبعد منها في الإسناد الثلاثي، وهذا أمر واضح؛ ولذلك نجد هناك من يعني ركَّز على مسألة الثلاثيات، وهناك من أفرد ثلاثيات الإمام أحمد كالسفاريني -رحمه الله- الكتاب مطبوع وموجود وشرحه، شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، جاء بالأحاديث التي ليس بين الإمام وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها سوى ثلاثة رجال فأفردها على حدة، وهناك من أفرد ثلاثيات البخاري، وثلاثيات مسلم وهكذا، فهذا هو مقصودهم بعلو الإسناد.
بلا شك أن طلب علو الإسناد هو الأفضل، لكن هناك من خالف وطبعا يعني مسألة الخلاف هذه تختلف، لكن حتى نبين أن هذا الخلاف ليس بشيء، هناك من قال: إن الأجر على قدر المشقة، فكون الإنسان يتعب في إسناد عدد رجاله أكثر هذا يدل على أن الأجر أكثر في هذا الإسناد؛ فلذلك الإسناد الذي ليس بعالٍ هو الأفضل هذا قول قيل، لكنه قول ضعيف جدا، والصواب ما ذكرته لكم.
طيب ما المراد بالعلو وأنواعه هنا؟ كما ترون الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قسم العلو إلى قسمين -وهذا هو الصواب-: علو مطلق، وعلو نسبي.(1/467)
أما العلو المطلق: فهو الذي مثلت لكم به، كون يكون بين الإمام أحمد وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - كم؟ ثلاثة رجال أولى من أن يكون بينه وبينه عدد أربعة رجال؛ فلو كان الإمام أحمد يعني يعرف أنه إذا أخذ هذا الحديث، وهو في بغداد سيكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة رجال، لكنه إذا رحل إلى اليمن سيكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رجال، فتجده يطلب العلو، فهذا يسمي علو إيش؟ علوا مطلقا.
العلو النسبي
والثاني : النِّسبيُّ. وفيه المُوافقة : وهي الوصول إلى شيخ أحد المُصنِّفين من غير طريقه. وفيه البدلُ : وهو الوُصولُ إلى شيخ شيخه كذلك. وفيه المساواةُ : وهي استواءُ عدد الإسناد من الرَّاوي إلى آخره ، مع إسناد أحد المُصنِّفين. وفيه المصافحة وهي: "الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف".
أما العلو النسبي: فهو بالنسبة إلى رجل من رجال الإسناد، وبخاصة إذا كان إماما مشهورا أو صاحب مصنف من المصنفات، كتاب من الكتب كيف؟ يعني هناك -مثلا- البخاري إذا روى حديثا عن الإمام أحمد عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني، الذي هو في اليمن -كما قلت لكم-، البخاري روى الحديث عن شيخه الإمام أحمد، عن عبد الرزاق، وعبد الرازق رواه عن معمر، ومعمر رواه عن الزهري، والزهري رواه عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى- عنه، وأنس يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
تصوروا الإسناد الآن بهذه الصورة، البخاري شيخه الإمام أحمد، شيخ الإمام أحمد عبد الرزاق، شيخ عبد الرازق معمر، شيخ معمر الزهري، شيخ الزهري من؟ أنس، كم أصبح بين البخاري وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة رجال، ستة، السادس الصحابي ولَّا لا أو خمسة، السادس هو البخاري - أحسنت - السادس هو البخاري.(1/468)
طيب إذا جاء أبو نعيم صاحب "الحلية"، وهو استخرج على البخاري مستخرجا يقول: إنني لو رويت هذا الحديث عن عبد الرزاق، من طريق البخاري، يريد أن يجعل البخاري في الإسناد، يصبح بيني وبين عبد الرزاق أربعة رجال من هم؟ قال: الراوي عن عبد الرزاق من هو؟ الإمام أحمد، والراوي عن الإمام أحمد من؟ البخاري، نعم. يقول: بيني وبين البخاري رجلان، أصبحوا كم؟ أربعة؛ لأن أبو نعيم توفي سنة أربعمائة وثلاثين، والبخاري توفي في سنة مائتين وستة وخمسين، فالفترة الزمنية هذه فيها كم؟ رجلان، فإذاً لا يصل إلى عبد الرزاق إلى بعد كم؟ أربعة رجال، لكنه يقول: أنا أستطيع أن أختصر الطريق؛ فيكون بيني وبين عبد الرزاق رجلان فقط، كيف؟ قال: أنا شيخي هو الطبراني وهو ممن عُمِّر، فالطبراني عاش مائة سنة من مائتين وستين إلى ثلاثمائة وستين، وشيخ الطبراني هو تلميذ عبد الرزاق، إسحاق بن إبراهيم الدبري، فهذا من أنواع العلو الفائق جدا، فيقول: أنا أروي الحديث هذا الذي يرويه البخاري عن شيخي الطبراني، عن شيخه إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق مباشرة. فالآن الحديث هو بحد ذاته ليس فيه علو، هل -مثلا- أبو نعيم يعني علا على البخاري، ما علا على البخاري، لكن استطاع أن يصل إلى عبد الرزاق بعلو، فيقول: اختصرت الطريق فهذا يسمى ماذا؟ يسمى علوا نسبيا.
أنواع العلو: -أيها الإخوة- بهذه الطريقة العلو النسبي: منه الموافقة قال: "وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه". وفيه البدل وهو: "الوصول إلى شيخ شيخه كذلك". وفيه المساواة وهي: "استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين".(1/469)
ما أدري يعني هل تفضلون يعني التمثيل بالطريقة التي ذكرتها لكم قبل قليل التي بذكر الإسناد، أو نضع بعض الإخوة كأنهم رجال إسناد بحيث تعرفون كيف يعني تحصل هذه الأنواع، إيش رأيكم؟ طيب من يتبرع منكم؟ هذا ليس هو التمثيل الممقوت... يا شيخ هذا ليس فيه شيء على أساس هي فقط وسيلة إيضاح، أحد يتطوع؟ جزاك الله خيرا، تفضل، تقف هنا، نعم. لا ما يصفون -إن شاء الله- يعني ممكن تجعلون وجوهكم للإخوة، وخيلكم يعني على وتيرة واحدة، طيب تصوروا الآن، يعني... خليك بجانبي، اسمك يا أخي؟ عزيز، -أيضا- طيب خليك عزيز، وأنت عبد العزيز، لكن طيب نسميه باسم آخر عبد الرحمن، كلهم عبيد الرحمن -إن شاء الله-.
طيب -أيها الإخوة- الآن يعني الشيخ الأعلى هو سعود يكون قال قولا من الأقوال هذا القول نقله عنه الأخ عزيز، ويعني يعتبر عزيز تلميذا لسعود، ثم عزيز يعتبر شيخا لعبد العزيز، وعبد العزيز شيخ لعبد الرحمن بهذه الصورة، هذا يعتبر إسناد إلى الشيخ الأعلى، إذا أردنا -مثلا- أن نأخذ الحديث على أنه موافقة، فيأتي -مثلا- نبغي اثنين الأخ محمد والأخ سعد يعني الآن الأخ محمد هو مصنف أحد الكتب، فيكون الآن عبد الرحمن روى في كتابه هذا الحديث، عن شيخه عبد العزيز، عن شيخه عزيز، عن شيخه، عن الشيخ الأعلى وهو سعود، فيقول: أنا أستطيع أن أصل إلى سعود بطريق يعني أقصر فلو أنه أراد أن يأخذ عن عبد الرحمن -عبد الرحمن ليس شيخه مباشرة- ولكنه شيخ شيخ شيخه يعني بينه وبين عبد الرحمن كم؟ اثنين يعني يمكن لو أراد أن يأخذ عن عبد الرحمن يكون شيخه مباشرة الأخ راضي، ثم الأخ خالد، فلو أراد أن يأخذ الحديث هذا بهذه الصورة لكان الأخ محمد يقول: حدثني راضي، قال: حدثني خالد عن عبد الرحمن، ثم يذكر كامل الإسناد، لكن يقول: أنا أستطيع أن أختصر الطريق كيف؟ يقول: أستطيع أن أقول: حدثني سعد، عن عبد العزيز.(1/470)
نظرتم الآن كيف التقى؟ معني ذلك أن عبد العزيز حدَّث عبد الرحمن وحدث سعدا بالحديث، ولا ما هو واضح؟ يعني عبد العزيز شيخ لسعد وشيخ لعبد الرحمن، وعبد الرحمن أصبح شيخا لخالد، وخالد شيخا لراضي، وراضي شيخا لمحمد، وسعد -أيضا- شيخا لمحمد، نعم. يعني فيها مسألة التاريخ، يعني بعضهم يعمر -مثلا- يعني سعد عُمِّر طويلا فأصبح ينقل الحديث الذي بين محمد وبين هذا الراوي ثلاثة ينقله، وليس بينه وبينه إلا واسطة راوي واحد، فهذا يقول يعني ما دام أنه وافق هذا المصنف الذي هو مصنف أحد الكتب، عبد الرحمن مصنف أحد الكتب، ومحمد مصنف أحد الكتب يقول: أنا وافقت عبد الرحمن في شيخه، فهذا يسمى موافقة، وهي من أنواع العلو، يعني حينما التقى معه في الإسناد في شيخه يسمى هذا موافقة، عرفنا الموافقة الآن؟
طيب لو كان الأمر يعني اختلف نوعا ما أصبح سعد يروي الحديث عن عزيز الذي هو شيخ شيخ عبد الرحمن يعني ارتفع درجة فقط هذا يسمى ماذا؟ بدلا، يعني الفرق بين البدل والموافقة أن الموافقة في شيخ المصنف عبد الرحمن، والبدل في شيخ شيخه فقط انتقل درجة واحدة.(1/471)
أما مسألة المساواة: يعني لو فرضنا أن الأخ محمد يعني عاش في فترة زمنية معينة، ولتكن -مثلا- لنفرض أنه مثل أبى نعيم توفي في سنة أربعمائة وثلاثين للهجرة وعبد الرحمن توفي نجعله -مثلا- نتصور أنه مثل البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين للهجرة، وهذا الحديث بهذه الصورة لو أراد محمد أن يرويه من طريق عبد الرحمن لأصبح بينه وبين الراوي الأعلى كم؟ واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، والراوي الأعلى هو السادس، لكن كم بين عبد الرحمن وبين الراوي الأعلى؟ لا رجلان اثنان فقط ، نعم. فيقول: أنا أستطيع أن أحصل هذا الحديث بالتساوي مع عبد الرحمن، كيف؟ يأتينا الأخ فيصل فيحدث محمد بالحديث عن عزيز، انظروا يعني كيف كان العلو؟ فقط بينه وبين عزيز كم؟ واحد فقط. فالآن أصبح هو وعبد الرحمن متساويين في العدد إلى الشيخ الأعلى فكم بين عبد الرحمن والأخير سعود؟ اثنان وكم بين محمد والأخ سعود؟ اثنان، لديهم فيصل وعزيز، فهذا يقال عنه مساواة.
يمثل لها الحافظ ابن حجر يقول: لو كان النسائي يروي حديثا بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر رجلا وحصل لي يعني ابن حجر الأخير وبيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر رجلا هو نفس الحديث فأصبحت ساويت النسائي، لكن كم سنة وفاة النسائي؟ النسائي توفي سنة ثلاثمائة وثلاثة للهجرة، لاحظوا الفرق وابن حجر توفي سنة ثمانمائة واثنين وخمسين للهجرة، لاحظتم الفرق الزمني، فيقول هناك بعض الأحاديث التي يحصل فيها هذا العدد بيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر رجلا، وبين النسائي وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر رجلا، فهذا مثال للعلو الذي يقال عنه المساواة.(1/472)
مسألة المصافحة: هي نفس مسألة المساواة، لكنها أنزل بدرجة فيقول يعني الآن محمد. أنا لست الذي ساويت عبد الرحمن، ولكن الذي ساواه هو شيخي، وأنا ساويت تلميذه، مثال: مثاله الآن حينما الأخ سعد يأخذ هذا الحديث عن عبد العزيز، واضح الأمر الآن يصبح محمد ساوى عبد الرحمن فيما بينه وبين الأخ سعود الأخير، كم بين عبد الرحمن وبين سعود؟ اثنين، وكم أصبح بين محمد وسعود بهذه الطريقة ثلاثة، فيقول: لست أنا الذي ساويت عبد الرحمن، ولكن الذي ساواه من هو؟ شيخي، وأنا أعتبر ساويت تلميذ عبد الرحمن، لو جاء التلميذ وليكن مثلا الأخ فؤاد، فؤاد حدثه بالحديث عن عبد الرحمن فيقول: أنا أعتبر ساويت الأخ فؤاد الذي هو تلميذ عبد الرحمن، فهذا يسمى ماذا؟ مصافحة، يقول: كأنني صافحت من هو؟ المصنف الذي هو عبد الرحمن يعني كأنني تلميذه، بمعنى أنني نزلت منزلة من؟ تلميذه، هذا المقصود، خلاص، جزاكم الله خيرا.
س: العلو المطلق والعلو النسبي... يعني الأخ عبد الله يقول: لو عرفت لنا العلو المطلق والعلو النسبي؟
ج: أقول: الحافظ ابن حجر هنا عرفه، يقول: الأول: وهو ما ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو العلو المطلق، فنستطيع أن نقول: الحديث العالي علوا مطلقا هو ما قل عدد رواته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا العلو علوا مطلقا، ما قل عدد رواته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
العلو علوا نسبيا: هو ما قل عدد رواته بالنسبة إلى إمام ذي صفة علية كشعبة.(1/473)
طبعا هذه الاستعمالات -أيها الإخوة- التي هي الموافقة والمساواة والبدل والمصافحة ليست موجودة عند العلماء المتقدمين بهذه الصورة، ولكنها وجدت عند المتأخرين، وبخاصة تجدونها تكثر عند مثل المزي -رحمه الله- في "تهذيب الكمال" ، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" ، وابن حجر في تخريجاته "كتخريج الأذكار" وما إلى ذلك، إذا قرأتم في كتب هؤلاء الأئمة تجدونهم يستعملون هذه العبارات استعمالا كثيرا؛ ولذلك تجدون النص على أن المباراة في هذا وضحت أكثر في عصر المتأخرين، وهذا بالنسبة إلى كتب معينة يعني الذي هو العلو علوا إيش نسبيا؟ وليس العلو علوا مطلقا، أصبحوا يتبارون في هذا، وهم المتأخرون لهذا السبب، يعني كل واحد منهم يقول: أنا أستطيع أن أصل إلى الراوي الفلاني بطريق عدد كذا وكذا من الرواة.
فيه عندنا بعض المباحث الجديدة وهي سهلة جدا، فإن شاء الله نتركها يوم غد -يوم غد إن شاء الله- يعني معلهش احتملونا بكرة نريد أن يكون فيه درس في العصر، ودرس في العشاء، وبإذن الله يعني قد نستغني -إن شاء الله- عن يوم الخميس، فنعطيكم -إن شاء الله- فرصة أكبر، فبكرة يعني الساعة الرابعة والنصف -إن شاء الله- يبدأ درسنا، وسنخطو -إن شاء الله- خطوات يكون اقتربنا من النهاية، ويكون -أيضا- بعد العشاء، فاحتسبوا -إن شاء الله- وأكملوا أجركم، بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
نعم... نفس الشيء، إي: نعم.
س: يقول أحد الإخوة: نحن مجموعة من الشباب القادمين إلى المنطقة للدراسة، وتماما لا نعرف بها أحدا، ولنا رغبة صادقة في طلب العلم، وقد عزمنا على الإقامة في هذا البلد، فبماذا توصونا؟ وما هي الدروس التي تحثونا على حضورها؟ ومَنْ مِن المشايخ توصون بالدراسة عليه في الحديث وغيره؟(1/474)
ج: أقول: يعني إذا كنتم ستمكثون يعني فترة طويلة فمن الدروس التي ينبغي ألا يفرط فيها طالب العلم دروس الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- إذا رجع، ففيها دروس في الحديث وفي العقيدة وفي التفسير وغير ذلك، هي دروس متنوعة كذلك -أيضا- المشايخ المشهورين ومن جملتهم -مثلا-: الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله- له دروس في مسجده، والشيخ عبد الله الجبرين -أيضا حفظه الله-، الشيخ عبد الله بن قعود، والشيخ صالح الفوزان، يعني المشايخ الموجودين هنا ما شاء الله كثرة كاثرة.
هذا بالنسبة -أيضا- لطلبة العلم الآخرين الذين لهم دروس في الحديث، ويعني أظن أن هناك نشرة موجودة تبين الدروس المقامة ومواعيدها بالتحديد، ومن الذي يلقيها، وأظنها متوفرة -إن شاء الله- إن لم تكن ملصقة على باب المسجد.
س: يقول: هناك كتاب حوار صحفي مع جني مسلم، ادعى فيه مصنفه نقلا عن الجني المسلم الذي أجرى الحوار معه أن قرين الرسول من الجن ما زال حيا، وأنه في قباء، ويتلقى عليه المسلم من الجن أمور دينه، فهل هذا صحيح؟ علما بأن الكتاب منتشر في المكتبات من فترة.
ج: أقول: يعني يكفيك من شر سماعه، نعم. مُنِع، الحمد لله رب العالمين، نعم . الشيخ عبد العزيز يقول: يجب إتلافه هذا ينقل نقلا عن الشيخ عبد العزيز أنه يقول: يجب إتلافه...الحمد لله، المهم يعني نتوافق في التحذير منه، وعلى كل حال أنا لا أظن أنه يضطر لمثل هذا إلا إنسان يعني في عقله شيء من القصور.
س: يقول: كيف نوفق بين قولك أن محمدا بن أبي بكر صحابي، وقول ابن حجر في تعريف الصحابي: "من لقي الرسول - صلى الله عليه وسلم - "؟ وقلت: إن الرؤية بالبصر لا تستلزم إطلاق الصحبة عليه فكيف أطلقنا على محمد بن أبي بكر صحابي؟ أزيلوا هذا اللبس.(1/475)
ج: أقول: إن الحافظ ابن حجر يجعل اللقي أعم من الرؤية، فكل من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر ماذا؟ يعتبر لقيه، لكن هل كل من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر رآه؟ لا ليس شرطا؛ لأن بعض الذين لقوه يعتبرون غير مبصرين، فهؤلاء لقوه، ولكنهم لم يروه، لكن الذين رأوه، فكلهم لقوه هذا هو الذي يزيل الإشكال ...هم يعتبرون.. الأخ يقول: هل تُحقق من إيمان محمد بن أبى بكر، نقول: من ولد في الإسلام من أبوين مسلمين فهو مسلم نعم؟ هذا يعني لا إشكال فيه. ... بكرة؟ -إن شاء الله- من الرابعة والنصف .
س: أحد الإخوة يقول يعني إذا أشكل علينا مسائل نتصل بالهاتف كم رقم الهاتف؟
ج: أقول: رقم الهاتف 4254657 ، أربعة اثنان خمسة أربعة ستة خمسة سبعة- يعني يفضل أن يكون الاتصال بعد المغرب.
س: يقول: إنني قلت: إننا عندنا درس في الأسبوع يوم الثلاثاء يقول: ماذا يفعل درس واحد في الأسبوع فقط؟
ج: أقول: أنا والله يعني بالنسبة للمصطلح يعني يصح الذي يعجزني يمكن مثل درس صحيح مسلم، أو مثل بلوغ المرام، أو كذا، لكن المصطلح -بحمد الله- يعني يمكن أن أجعله درسا يوميا ما عندي إشكال، لكن المشكلة أنه يتعارض مع دروس بعض المشايخ، فبعض الإخوة يتأذى يقول: نريد أن نحضر لفلان -أيضا-، ونحضر لك نحن انتقينا الوقت هذا؛ لأنه تقريبا هو الوقت الشاغر، مع العلم أنه يتعارض -أيضا- مع درس بعض الإخوة، لكن ما وجدنا بدا من هذا، فهذا هو السبب...الخميس يعني ما يناسبهم؛ لأنهم يكونون يعني مسافرين في الغالب، والجمعة يكونون قد أتوا، هذا السبب الذي جعل درس صحيح مسلم في يوم الجمعة.(1/476)
س: يقول: طلبك الماضي في أن يبحث أحدنا في صحيح مسلم عن رواية فيها التصريح بالتسمية من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء، يقول: أفيدك أنني بحثت، وبدأت في القراءة من أول كتاب الطهارة إلى ولوغ الكلب، ولم أجد شيئا، وكان هذا البارحة مساء الأحد، وهذا جهد المقل علما أن القراءة كانت في نسخة صحيح مسلم بشرح النووي.
ج: أقول: يا أخي، جزاك الله خيرا على هذا، وليس شرطا أن يكون الحديث في كتاب الطهارة؛ لأنه -مثلا- إذا كان حديث -مثلا- يتعلق -مثلا- بمغازي أو بمنقبة من المناقب، فيكون مسلم وضعه في باب آخر؛ فتكون النقطة هذه وردت عرضا، فلم يضعها مسلم في باب الوضوء، أو في كتاب الوضوء، فتأخذ هذا في ذهنك، المهم يعني ضعوا هذا في أذهانكم الحديث يعني حسب ما أذكر طبعا ما أقول: إنه جزما في مسلم، لكن أقول: إنني قرأت في أحد الكتب، ونسيت ما هو الكتاب وكان هذا لفت نظري وشدني أنه قال: إن جابرا قال -في قصة-: " صببت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءه، فقال : بسم الله " أنا يعني أضع هذا بين أيدي الإخوة إذا عثر أحدكم على هذا الحديث فليتحفنا به -جزاه الله خيرا- إن كان في مسلم أو في غيره، يعني المهم نعثر عليه.
س: يقول يعني أنه سمع بعثوري على بعض المفقود من سنن سعيد بن منصور، وأنني قمت بتخريجه، فهل هذا الكتاب يكون من الكتب التي تفيد طالب العلم في التخريج؟
ج: أقول: أرجو هذا -إن شاء الله- يعني الكتاب -إن شاء الله- سيخرج عما قريب، وإذا قرأتم فيه -بإذن الله- يعني أنكم ستعتبرونه من كتب التخريج التي يمكن أن يستفيد منها طالب العلم.
س: يقول: ما هي دروسكم الموجودة الآن؟ وأين وصلتم في كل درس؟ وهل يستطيع طالب مبتدئ أن يواصل معكم من حيث وصلتم؟(1/477)
ج: أقول: -إن شاء الله- إنه يستطيع يعني الدروس العامة في المسجد هذا درسان، صحيح مسلم وألفية السيوطي، هناك يعني دروس خاصة بيني وبين بعض الإخوة يعني ليس فيها كبير عناء ولا شيء يأتون إلي في المسجد، وربما اعتذرت منهم، فرجعوا على أدبارهم بعد تكبدهم المشقة يعني حينما يكون عندي شغل، وربما يعني كنت موافقا؛ فجلست معهم قليلا، هذه يعني تعتبر دروسا غير عامة، على كل حال هذا بالنسبة للدروس، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى أهله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيُّها الأخوة.
تكلمنا بالأمس عن العلوّ، وذكرنا أنه ينقسم إلى قسمين.
فما هما هذان القسمان؟
علوٌّ مُطْلق: وعلوٌّ نسبي.
مَن يمثّل للعلوَّ المطلق، ومن يمثّل للعلو النسبي ؟ نعم، يعني من باب التمثيل، كأن يكون بإمكان الإمام أحمد أن يروي حديثا، وبينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أنفس، ويستطيع اختصار هذا العدد، فيرحل ليبقى بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - كم؟ ثلاثة أنفس، فهذا هو العلو المطلق.
والعلو النسبي؟ أحسنْتَ. العلو النسبي أن يقلَّ العدد بين المصنف، مصنف الكتاب وبين راوٍ من إحدى طبقات السند، وبخاصة إذا كان من الأئمة كالثوري وغيره. فهل يلزم من العلو النسبي أن يكون علوًّا مطلقا؟ لا يلزم.
طيب. قد يكون علوا مطلقا؟ قد يكون علوا مطلقا. نعم.
يعني: إذا كان مثلا حديث يرويه النسائي وبينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشر نَفْسا، ثم يرويه ابن حجر، وأصبح بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشر نفسا هذا يكون إيش؟ يكون علوا مطلقا، مع العلم أنه علو نسبي كما مثلنا به البارحة، لكنه -أيضا- يكون علوا مطلقا.
فالعلو النسبي قد يلتقي مع العلو المطلق، فيكون علوا مطلقا، وهو علو نسبي في نفس الوقت.(1/478)
طيب ذكرنا من أنواع العلو النسبي: الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة، مَن يُمَثّل للموافقة، أو يُعَرّفها مع التمثيل؟
أحسنت، بارك الله فيك!. نعم. هو يعني: العلو الموافقة أن يروي إنسان ما حديثا، رواه صاحب كتاب آخر، ويلتقي معه في شيخه، فإذا التقى معه في شيخه، فهذا يُسَمَّى بدلا يعني كأنه أصبح هو بدلا من صاحب الكتاب. كأن يروي البخاري مثلا حديثا من طريق شيخه علي بن المديني، بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي أبو نعيم، ويروي الحديث من غير طريق البخاري، لكن من طريق شيخ البخاري الذي هو عليُّ بن المديني، فأصبح هذا الشيخ راويا عن علي بن المديني بدلا من البخاري، الذي هو أحد سلسله الرجال لأبي نعيم.
البدَل: الوصول إلى شيخ شيخ المصنف من غير طريق المصنف، يعني نفس المثال السابق، لكن البدل هو شيخ المصنف علي بن المديني، يكون -مثلا- شيخ شيخه الذي هو سفيان بن عُيينة، فيكون الراوي عن سفيان بن عُيينة مثلا الحميدي، فيكون الحميدي بدلا ممن؟ بدلا من علي بن المديني. فمثلا إذا روى البخاري حديثا عن شيخه علي بن المديني، عن سفيان بن عُيينة بإسناده الكامل، ثم جاء أبو نعيم، وأخرج نفس الحديث، لكن من طريق الحميدي عن سفيان بن عُيينة.
الأول: قلنا: إذا التقى معه في علي بن المدين يسمى ماذا؟ موافقة، وهذا يسمى بدلا ؛ لأن علي بن المديني، أصبح مكانه الحميدي. طيب المساواة: نعم. نعم، طيب، وإيش المَزيَّة في هذا؟(1/479)
أو ما هنا نوع العلو؟ وكيف حصل العلو؟ أيوه، طيب كيف أصبح عال؟ أصبح مساويا، لماذا قلنا إنه عالٍ؟ نعم. أحسنت. نعم لأجل الفارق الزمني بين وفاة المتأخر، ووفاة المتقدم، فإذا كان ابن حجر متوفى في سنة 852 والنسائي سنة 303 فالفرق الزمني بينهما واضح، لا يختلف فهذا الذي جعل هذا الإسناد نقول عنه: إنه إسناد عال. طيب المصافحة. نعم. إيه، ارفع صوتك لو سمحت: أن يتوافق مع من كيف؟ مثل، خلنا في المثال اللي قبله النسائي. النسائي روى حديثا بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشر نفسا. هذه المصافحة كيف. لابن حجر؟ يعني هي عبارة مختصره.
أحسنت! طيب. كم بهذا المفهوم؟ كم يكون بين ابن حجر وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ أحسنت، إذن يكون العدد زاد كم؟ واحدا فبدلا من أن يكون إحدى عشر نفسا هذا يقال له مساواة، فإذا زاد العدد واحدا، وأصبح اثني عشر نفسا يقال له ماذا؟ مصافحة.
فيكون ابن حجر كأنه صافح النسائي، ما أصبحت مساواة له، أصبح في منزلة تلميذ النسائي، ويصبح شيخ ابن حجر في منزلة مَن؟ النسائي، هو الذي يصبح مساويا للنسائي، هذا يقال له مصافحة.
النزول
رواية الأقران
ويُقابل العلوَّ بأقسامه النزولُ، فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السنِّ واللقيِّ فهو الأقرانُ.
طيب. نبدأ في موضوعنا اليوم. وهو قول الحافظ -يرحمه الله- فإن تشارك الراوي، ومن روي عنه في السن واللقي فهو الأقران .(1/480)
فهذا نوع من أنواع الحديث يقال له ماذا؟ راوية الأقران، فما المقصود بالأقران؟ المقصود بالقَرين هو الذي يشترك مع راوٍ آخَر في السن، وفي اللقي، ومعنى اللقي يعني في الشيوخ، وليس المراد بالاشتراك في السن أن يكون تماما ولد في يوم واحد، أو في شهر واحد، أو في سنة واحدة، ولكن المقصود التقارب الزمني قد يكون بينهما مثلا خمس، أو عشر سنوات، فهذا لا يخرجهما عن كونهما قرينين، لكن يشترط أن يشتركا في الشيوخ وفي التلاميذ في الغالب، لكن المقصود بالأكثر أن يشتركا في الشيوخ، أو في بعض الشيوخ، لكن لو كان أحداهما -مثلا- متقدما عن الآخر بثلاثين سنة، لكن الأصغر كان متحمسا لطلب العلم من صغره، فظفر بشيوخ كثر، ثم هذا الذي هو أكبر بثلاثين سنة، ما طلب العلم إلا متأخرا، فظفر بشيوخ لكن فاته الشيوخ الكثر الذين حصلهم ذلك الصغير، هذا يسمى قرينا له ؟ ما يسمى قرينا له؛ لأن ذاك قد فاقه في الشيوخ، وهو -أيضا- يفترق عنه في السن.(1/481)
هؤلاء الأقران -أيها الإخوة- يعني يبلغكم دائما بعض الكلام، الذي يكون بين بعض رواة الحديث، يتكلم بعضهم في بعض، ونجد العلماء حينما يتطرقون لذلك النزاع الحاصل بينهما. يقولون: هذا من كلام الأقران بعضهم في بعض. ويمثلون ما يحصل بينهم، يقولون لهم: إنهم كالتيوس في الزريبة؛ لأن عامل الغيرة والحسد - أحيانا- يستولي على مشاعر الإنسان، فيدفعه إلى أن يحتسب ما ليس بخطأ خطأ، ويدقق النظر في قرينه وفي تصرفاته، وفي كل ما يصدر عنه والبشر -كما تعلمون- خطاء كل يصدر منه بعض الهنات، لكن إذا لم تكن تلك الأخطاء جارحة للشخص جرحا لا يختلف فيه، بحيث يكون قادحة في العدالة، أو ما إلى ذلك فهذا لا يؤثر؛ لأنه ما من أحد معصوم من الوقوع في الخطأ، وأيضا أيها الإخوة من غيرة الأقران وقدح، كل منهما في الآخر، أن هناك مَن يسعى بالوشاية، وهناك مَن قد تخف عنده الديانة، فتجده يأتي ذلك الشيخ، فيحدثه ببعض الأشياء التي شاهدها من قرينه، وهذا تجده يعني بدافع الغيرة والحسد يصدق كل ما قيل، ولو أن هذا الكلام نفسه نقل له عن شخص هو يألفه ويحبه لقام تثبت. تروى، نسأل لعل كذا ولعل كذا، فهنا تجده يقبل الكلام على علاته، وفي النوع الآخر تجد له تصرفا آخر يعني معنى ذلك أن عنده ميزانين، يزن بهما الناس، أو مكيالين.
فهذا هو السبب الذي يجعل العلماء يحذرون من وقيعة الأقران بعضهم في بعض.
أن الكلام قد لا يكون له أصل صحيح، فقد يكون من قبيل الوشاية، أو من قبيل التفسيرات الخاطئة لبعض التصرفات، أو تفسير بعض ما يصدر من أفعال تفسيرا بحسب الهوى، وبحسب ما ينقدح في ذهن الإنسان، كل هذه الأشياء وغيرها كثير هي التي تدعو بعض الأقران للكلام في قرينه الآخر؛ ولذلك يكف العلماء غالبا عن كلام الأقران بعضهم في بعض.
وهذا قد يكون يعني من فوائد معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو الأقران.(1/482)
أيضا من فوائده: أننا نجد هؤلاء الأقران -أحيانا- تنقلب الآية يعني لا يكون بينهما تنافس ولكن تجد أن أحدهم روى عن الآخر مع أنه قرينه، فإذا وجدنا أحدهما روى عن الآخر، فهذه يعني تقريبا رواية الأقران، يقال: إن فلانا روى عن قرينه فلان.
المدبج
وإن روى كلٌّ منهما عن الآخر: فالمُدبجُ.
أما إذا روى كل منهما عن الآخر، يعني -لاحظوا الفرق بين هذا وبين الذي قبله- أن الذي قبله أحدهما فقط يروي عن الآخر، لكن إن وجدنا كلا منهما روى عن الآخر، هذا يسمونه العلماء المدبج، فإذا جاءنا في إطلاقات بعض العلماء المدبج، فإن كنا لا نعرف المقصود به تحتار في هذه العبارة، وقد تتصور أنها تعني نوعا مهما جدا من أنواع علوم الحديث، والمسألة كما ترون سهلة ويسيرة، فالمقصود بالمدبَّج وصف لرواية قرينين، روى كل منهما عن الآخر حديثا، أو بعض الأحاديث.
والحافظ ابن حجر -رحمه الله- يضع مقياسا لهذا، فيقول: إن المدبَّج أخص من الأول، فكل حديث مدبَّج يعتبر أقران، ولكن ليس كل أقران يعتبر مدبَّجا.
لأن الأقران لا يروي إلا واحد أما المدبَّج فيروي الاثنان كلاهما.
قالوا: إنه مشتق من ديباجة الوجه، يعني: جانبي الوجه، أي تساويهما، فحين يروي كلاهما عن الآخر يصبح سويًّا، يعني لا فضل لهذا على ذاك، هو يعني هذا الكلام قد يتركونه ويقولون: هذا الحديث من المدبَّج، كيف؟ لأن فلانًا هذا الذي في الإسناد شيخه في هذا الإسناد قرينه، ولكنه يروي عنه -أيضا- أحاديث أخرى، فهذا الحديث يقال له -أيضا- مدبَّج، وقد يكون -أيضا- وصف للراوي في غير ما حديث معين، فيقال هذا الراوي يروي عن فلان ويروي عنه فلان، فروايتهما تعتبر من المدبج يأتي هذا ويأتي هذا.
الأكابر عن الأصاغر
وإن روى عمَّن دونه : فالأكابر عن الأصاغر.(1/483)
كل هذا من أنواع يعني التفنن في الرواية، والتحديد الدقيق لكل أنواع من أنواع الرواية، أحيانا نجد الشيخ يروي عن تلميذه، وهذا يحصل مثل رواية الزُّهْري عن الإمام مالك، فالإمام مالك كان تلميذه، ولكن إذا انعكست الآية يصبح الأمر... فإذا كان الأمر هكذا يقال لهذه الرواية إنها من رواية الأكابر عن الأصاغر، الأصل في هذه الرواية أن يروي الأصاغر عن الأكابر، فهذا هو الذي درج عليه الناس، وهو المشهور والمعمول به لكن إذا انعكست الآية، أصبح الأمر ملفتا للنظر، فتجدهم يهتمون بهذا ويقولون: حتى إن هذا يعتبر مفخرة لذلك التلميذ أن شيخه روى عنه، فلو طالعتم في كتب التراجم لوجدتم أنهم يبتدءون مثل "سير النبلاء" وغيرها يبتدءون دائما برواية الشيوخ، فيقول: حدث عن فلان وفلان وفلان وفلان، وهكذا، ثم يقول حدثا عنه فلان وفلان، وهم من شيوخه، وحدث عنه فلان وفلان، ثم يسوق بعد ذلك الأشخاص ويقول: وهم من أقرانه، فشيوخه يعتبر مفخرة بالدرجة الأولى، والأقران يعتبر -أيضا- بالدرجة الثانية، وأما التلاميذ، فهذا هو المعتاد.
نعم لا شك أنه من باب التواضع، ومن باب -أيضا- الإخلاص، كون الإنسان لا يستنكف أن يروي عن أحد دونه ، ما دام عنده مزيد من العلم ليس موجودا عندك، فكل هذا -ولا شك- يعتبر من التواضع، ومن الإخلاص.
الآباءُ عن الأبناء
ومنه الآباءُ عن الأبناء، وفي عكسه كثرةٌ ، ومنهُ من روى عن أبيه عن جدِّه.(1/484)
من هذا النوع أيضا: أن هناك بعض الآباء يروون عن أبنائهم، وهذا موجود على قلته؛ لأن الأصل هو أن يروي الابن عن أبيه، فإذا انعكست الآية وروى الأب عن ابنه، فهذا يعتبر أمرا معكوسا ففي هذه الحال ينصون عليها، ويقولون هذا من رواية الآباء عن الأبناء، ومثله -أيضا- رواية الصحابة عن التابعين، وقد وجدت رواية الصحابة عن التابعين على قلتها، لكنها يعني موجودة، ولعل الذي يريد أن يطلع على هذا ينظر في كتاب "التحقيق والإيضاح" للحافظ العراقي، وذلك في كلامه عن الحديث المرسل، فإنه ساق عدة أحاديث، وأظنها تبلغ العشرين حديثا، كلها من روايه الصحابة عن التابعين، عن صحابة آخرين.
ومن هذا النوع -أيضا- الذي ينبغي أن يُنَصَّ عليه: رواية أحد الأحفاد عن أبيه عن جده، وهذه تجدونها مستعملة في بعض الأسانيد بكثرة، مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بهز بن الحكم، عن أبيه عن جده . جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، يعني هذا نوع مهم جدا من أنواع علوم الحديث، وتكمن أهميته في تحديد اتصال السند من انقطاعه.
فمثلا لو أخذنا رواية عمرو بن شعيب، كمثال فهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، لاحظوا الآن: عبد الله عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص.(1/485)
طيب: إذا جاء الراوي وقال: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فعمرو بن شعيب عن أبيه فهذا الأمر واضح، عمرو يروي عن أبيه من؟ شعيب، لكن الجَدَّ هذا مَن يكون؟ لذلك حصل الاختلاف في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فيعني تنوعت فيها أقوال العلماء بحيث أن بعضهم ردها، وبعضهم قبلها، وبعضهم فصَّل في المسألة، فإذا قلنا: إن الجد هذا هو محمد الذي هو جد مَنْ؟ جد عمرو نفسه عمرو بن شعيب عن أبيه، الذي هو شعيب عن جده الضمير يعود على عمرو، فيكون جده مَنْ؟ محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فالرواية بهذه الصورة تكون ماذا؟ إيه، الرواية بهذه الصورة تكون مرسلة؛ لأن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ليس صحابيًّا، فالرواية تأتي هكذا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا وكذا فيكون الجد هذا، وهو محمد الذي هو جد عمرو، أو جد عمرو نفسه فتكون الرواية مرسلة، والمرسل من أنواع الحديث الضعيف، ولكن لو قيل أن المقصود بالجد هو جد شعيب فيقول عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الضمير يعود على شعيب، فهنا يأتي الخلاف فهل سمع شعيب عن جده عمرو بن العاص؛ لأن جد شعيب الآن هو عبد الله عمرو بن العاص، فهل سمع شعيب من جده عبد الله عمرو بن العاص؟ أو لا ؟ فيه النزاع أيضا؛ ولذلك حصل خلاف في رواية عمرو بن شعيب حتى إنهم يعني قالوا: إنه يعني من أنزل درجات الحديث الحسن، من أنزل درجات الحديث الصحيح، وهو الحديث الحسن الذي سبق الكلام عنه.
هناك مَن ألَّف، فيمن روى عن أبيه عن جده، يشير الحافظ ابن حجر -رحمه الله- إلى كتاب صلاح الدين العلائى، يقول: إنه ألف مجلدا كبيرا، لكن في المكتبات مؤلف من روى عن أبيه عن جده للقاسم بن كتبغا، وهذا الكتاب حققه شيخ باسم الجوابرة أحد المدرسين في جامعة الإمام، فهو موجود في الأسواق، فلعل الذي يطالع الكتاب منكم يعرف أهمية هذه الرواية، وهذا النوع من أنواع علوم الحديث.
السابق واللاحق(1/486)
وإن اشترك اثنان عن شيخٍ ، وتقدَّم موت أحدهما ، فهو : السابقُ واللاحقُ.
من هذه الأنواع -أيضا- ما يسمى بالسابق واللاحق، المقصود بالسابق واللاحق -أيها الأخوة- أن يكون هناك راويان اشتركا في الرواية عن شيخ معين، فنجد أحد هذين الراويين، يتوفى في سَنَةٍ معينة، وقرينه الآخر يتوفى بعده بمدة طويلة جدًّا قد تصل إلى مائة وخمسين سنة، ففي هذه الحالة إذا جاءنا أحد يروي عن الذي توفي في الأول، وأحد يروي عن هذا الذي تأخرت وفاته، ألا يصبح الاثنان بمنزلة واحدة في الرواية، من حيث السند يعني إذا كان الشيخ بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رواة، وهذا الشيخ روى عنه راويان: أحدهما توفي بعد وفاة الشيخ بثلاثين سنة، والآخر توفي بعد وفاة الشيخ بمائة وعشرين سنة، فنجد أن الفرق بين الوفاتين كم؟ تسعين سنة، فهذا يعني مقدارا كبيرا جدًّا، فهذه التسعين سنة يموت فيها ناس، ويحيا أناس آخرون.
فإذا جاءنا الراوي الأول الذي توفي بعد وفاة الشيخ بعشرين سنة، وروى عنه أناس، ذلك الحديث نفسه، فنجد هؤلاء الناس بعضهم يمكن توفي قبل وفاة الشيخ الآخر الذي لا يزال باق، ثم يروي عنه أناس ويدرك أناس صغار في السن الشيخ الذي ما زال حيًّا فيأخذون عنه، فيصبحون هم والناس الذين بينهم وبين ذلك الشيخ عدد من الرواة في درجة واحدة.
مثال ذلك: يعني الآن لو أن أحدًا من الناس سمع من الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- حديثا في عام 1350 هـ، أو قولا من الأقوال، أو ما إلى ذلك ، وتعرفون أن الشيخ تأخر سنه إلى الآن، والله يعلم كم يكون. يعني هناك أناس مثلا ولدوا في عام 1400 هـ وأخذوا نفس الكلام عن الشيخ عبد العزيز هنا، هه يتضح فارق السن، إنسان سمع قبل هذا التاريخ بخمسين سنة وإنسان وُلد بعد هذا بخمسين سنة.(1/487)
ثم آنذا يسمع من هذا الشيخ، فهذا يعني يدخل هو -أيضا- في أنواع العلو، ولكنهم يسمونه باسم معين -طبعا- بغير هذه الصفة التي ذكرناها عن الشيخ عبد العزيز بن باز؛ لأن الصيغة المذكورة في السابق واللاحق هي بوجود تلميذين تأخرت وفاة أحدهما واشتركا في شيء، هذا النوع يسمى السابق واللاحق، يعني أحد التلميذين توفي سابقا، يعني منذ أمد والتلميذ الآخر تأخرت وفاته، حتى أدركه أناس آخرون، فلحقوا به، فأدركوا بعض الأسانيد العالية.
أوضح لكم هذا بمثال واقعي: عندنا مثلا -طبعا- ما واقع في هذا الزمان، يعني واقع في الزمن الماضي، عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني، الإمام أحمد ويحيى بن نعيم، رحل له في اليمن، وحينما رحل سمع منه بعض الأحاديث، توفي يحيى بن نعيم في سنة 235، أو سنة 234 للهجرة والإمام أحمد توفي سنة 241 ماشي. طيب. جاء إسحاق ابن إبراهيم الدبري، فأدرك عبد الرازق، وهو صغير في السن.
إسحاق بن إبراهيم كان صغيرا في السن حينما أدرك عبد الرازق، فتحمل عنه كتابه العظيم المصنف، والظاهر أنه تحمله عنه، وهو في سن العاشرة فتوفي عبد الرازق في سنة 211 للهجرةن بمعنى أن تلميذه الإمام أحمد توفي بعده هو بكم بثلاثين سنة، لكن متى توفي إسحاق بن إبراهيم الدبري، توفي في حوالي سنة 280، أو 281 تقريبا في هذه الحدود، يعني تأخرت وفاته عن الإمام أحمد بنحو أربعين سنة.
جاء الطبراني، فأدرك إسحاق بن إبراهيم الدبري، الطبراني ولد في سنة 260 من الهجرة، وكان -رحمه الله- لما بدأ يطلب العلم احتار في أيهما يسمع:(1/488)
من إسحاق بن إبراهيم الدبري، أو من أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم، كلاهما عالم، فرأى رؤيا في منامه، وكأن قائلا يقول: له الزم، أو كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: الزم إسحاق بن إبراهيم الدبري ، فإسحاق بن يعقوب الدبري توفي في حوالي سنة 280 وأبو العباس الأصم، تأخرت وفاته عن الدبري، بيمكن حوالي خمسة وستين سنة، يعني توفي في حوالي ثلاث مائة وخمسة وأربعين للهجرة، فتأخرت الوفاة جدا، فأمضي الطبراني يدرك الأصم، ويسمع منه بكل راحة، لكنه لو لزم الأصم في السابق لما استطاع أن يظفر بعلو الإسناد، التي حصلها من إسحاق بن إبراهيم الدبري، فأصبح الطبراني الآن مشاركا للبخاري في رواية مَن؟ في رواية مصنف عبد الرازق؛ لأن البخاري يرويه بواسطة، قد يكون الإمام أحمد، وقد يكون غيره من تلاميذ بن عبد الرازق، والبخاري متوفى سنة كم 256، والطبراني متوفى سنة كم؟ 360 فانظر الفارق الزمني، وهما يعتبران في درجة واحدة، بالنسبة لأي شيء؟ بالنسبة لمصنف عبد الرازق.
يمثّل الحافظ ابن حجر -رحمه الله- على هذا بمثال يقول: أكثر ما وقفنا عليه من ذلك ما بين الراويين فيه في الوفاة مائة وخمسون سنة، ويمثل بقصة الحافظ السّلَفي .
السّلَفي، وضبطه الأصح بكسر السين المشددة السِّلفي، فالسّلَفي هناك بعض الأحاديث رواها عنه شيخه، فأصبح المثل هنا رواية مَن؟ هه؟ رواية الأكابر عن الأصاغر، روى عنه شيخه بعض الأحاديث، ثم امتدت حياة السلفي هذا، حتى أدركه أناس آخرون توفوا بعد وفاة شيخه بمائة وخمسين سنة، ويشتركون مع شيخ السلفي في هذا الإسناد، أو في هذا الحديث.
بلا شك إن هذه الأمثلة تعتبر يعني من الأمثلة النوادر، لكن لأجل حصولها تفنن المحدثون، وجعلوا لها تسمية معينة ووصفوها بهذا الوصف.
المهمل
وإن روى عن اثنين متفقي الاسم ، ولم يتميزا ، فباختصاصه بأحدهما يتبين المُهمل.(1/489)
قال بعد ذلك الحافظ ابن حجر: وإن روى عن اثنين متفقي الاسم، ولم يتميزا، فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل .
عندنا أولًا سنحتاج بتعريف المهمل ما هو؟ الراوي المهمل: هو الذي لا ينسب، هو الراوي الذي لا ينسب كأن يقول البخاري مثلا: حدثنا محمد فلا ينسبه، فلا يُدْرَى هل هو محمد بن يحيى ، أو محمد بن بشار، أو محمد بن إدريس ، الذي هو أبو حاتم الرازي، أو غيره فهذا يقال له: راوٍ مهمل.
حينما أطلق المحدثون عليه هذا الوصف. لأنه أهمل نسبه فلم ينسب. هذا الراوي المهمل يقع الإشكال بسببه كثيرا، ويتمثل الإشكال في أن ذلك الراوي الذي يقول: حدثنا محمد مثلا كالبخاري، يكون له أكثر من شيخ ممن اسمه محمد مثلا، فلا يتميز أحدهما عن الآخر، فإن كان هؤلاء الشيوخ كلهم ثقات فلا إشكال، لكن يقع الإشكال حينما يكون بعضهم ثقة، وبعضهم غير ثقة، فإذا كان بعضهم غير ثقة،
فما الذي أدرانا أن هذا الراوي المهمل هو الثقة، أو الضعيف، فلأجل اللبس الذي قد يحصل أحيانا، يحصل التوقف عن الحكم على ذلك الإسناد بالصحة، نتيجة هذا اللبس الحاصل، وهنا يعني ينشأ، أو تنشأ ثمرة هذا التميز بين الاسمين، وهذا التنصيص على رواية هذا الراوي، الذي بهذه الصفة.(1/490)
فهنا يقول الحافظ بن حجر يقول: إن روى المحدث عن اثنين متفقي الاسم، كأن يكون اسمهما محمد، أو خالد، أو عبد الله، أو نحو ذلك، ولم يتميزا ما استطعنا تمييز أحدهما عن الآخر، لكن باختصاصه بأحدهما، يتبين ماذا المهمل يعني إذا وجد أن هذا الرجل يختص، بفلان مع كونه روايا عن فلان، لكن روايته الأكثر عن فلان، فهنا يتميز المهمل. مثاله: عندنا مثلا وكيع بن الجراح -رحمه الله تعالى- يروي عن السفيانين، عن سفيان بن عُيينة، وعن سفيان الثوري لكنه أُخْتُص بسفيان الثوري، ولم يختص سفيان بن عُيينة، فإذا أطلق وكيع وقال: حدثنا سفيان، فهو الذي أختص به. من هو سفيان؟ الثوري. لكن إذا روى عن ابن عيينة، تجده ينسبه فيقول: حدثنا سفيان بن عُيينة، فلا يهمله؛ لأنه إذا قال إذا قال حدثنا سفيان هذا يسمى ماذا؟ مهملا ما نسب، ما ندري هل هو سفيان بن عيينة، أم سفيان الثوري لكن لأجل اختصاص الراوي بأحدهما عرفنا أن السفيان هذا هو سفيان الثوري، فهذا معنى كلام الحافظ ها هنا. هه. لا صنف في شيء إلا بما صنف. هذا النوع من أنواع علوم الحديث فيه مصنفات من جملتها تقييد المهمل للجيَّاني الغسَّاني، وأُخذ رسالة في جامعة الإمام، ولكنه لم يطبع بعد.
من حدَّث ونسي
وإن جحد مرويه جزما : رُدَّ ، أو احتمالًا : قُبل في الأصحِّ. وفيه : "من حدَّث ونسي".
الآن ننتقل إلى مبحث آخر جديد، وهو مَنْ حدَّث فنسي.(1/491)
هذه يعني ظاهرة وجدت عند بعض المحدثين. بعضهم يحدث بحديث عن شيخ، ثم يمكث فترة طويلة، ينسى فيها ذلك الحديث، فيأتي مَن يقول له: إنك حدثت فلانا بالحديث الفلاني، فيقول لا ما أذكره، أو كذب عليَّ، أو نحو ذلك من العبارات، فما هو موقف العلماء منَ الراوي الذي هذه صفته، قد يكون الراوي عن ثقة فهذا ثقة، وهذا ثقة، فأيهما نصدّق هذا أم ذاك، وهل العبارتان متساويتان يعني لا أذكره، أو يعني ما صرح بأنه لا يتذكر تلك الرواية، أو الجزم بالتكذيب؟ نقول لا فرق بين العبارتين، وهذا الفرق يتضح في الآتي:
يقول: إن جَحَد مرويه جزما رُدَّ، أو احتمالا قُبل في الأصحّ، فإن وجدنا المحدث قال: كذب علي فلان أنا ما حدثته بهذا الحديث، فرد ذلك الحديث، وأنكره فهنا ماذا يسمى؟ يقال: إنه جحد مرويه جازما بالجحد، فهذا النوع يعني بهذه الصفة يرد، ترد الرواية، ولا تقبل لكن حينما لا تقبل هل معنى هذا أننا صدقنا هذا الذي أنكر وجحد؟ لا، لو ترتب عليه تصديق، لترتب عليه تكذيب الطرف الآخر، وبالتالي تكون هذه الرواية قادحة في عدالته.
لكن لأنهما عدلان عندنا، فنحن توقفنا فقط عن قبول الرواية، وأما هما فكلاهما عندنا ثقة، ونقول هناك لبس، لا ندري ما منشؤه، إما عند هذا، وإما عند ذاك، فقد يكون أحدهما واهما في تحمله لذلك الحديث، أو إنكاره.(1/492)
لكن إذا كان جحده للرواية احتمالا، كأن يقول: لا أتذكر، أو لا أعرفه، أو نحو ذلك ولم يجزم بتكذيب ذلك الذي روى عنه، فما موقفنا من الرواية بهذه الصورة. إذا كان الراوي الذي روى عنه تلك الرواية ثقة، فإننا نقبلها، ونعُدُّ هذا من قبيل مَنْ حدَث فنسي. هذا النوع فيه شيء من الطرافة؛ ولذلك ألَّف بعض العلماء فيه، فمن جملة من ألف فيه "الدار قطني" رحمه الله، لكن كتابه هذا الآن يعني لا نعرف عنه شيئا ، وليته يوجد فللدارقطني كما ترون كتاب: " مَن حدَّث، ونسي" لكن الذي وصل إلينا هو كتاب: "تذكرة المؤتسي فيمن حدث، ونسي"، وهذا الكتاب للسيوطي، وهو مطبوع، وموجود في الأسواق إذا ما قرأتم في هذا الكتاب تجدون فيه بعض الأحاديث، التي فيها شيء من الطرافة. الطرافة تتمثل في مثل هذه القصة التي ذكرها الحافظ بن حجر، وهي قصة سهيل بن أبي صالح في روايته لحديث الشاهد واليمين. سهيل يرويه عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه. حدَّث سهيل بهذا الحديث ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن، ثم نسي سهيل هذا الحديث، فلقيه بعد ذلك عبد العزيز بن محمد الداراوردي لقي سهيلا فقال: إنك حدثت ربيعة بهذا الحديث، فيعني صرح بعدم تذكره لهذه الرواية، وبعدم معرفته له، ثم أصبح، ثم يظهر أن سهيلا لقي ربيعة، فأخذ عنه ذلك الحديث، فأصبح يقول: حدثني ربيعة أنني حدثته عن أبي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- ويذكر الحديث.
فهنا تكمن الطرافة في هذه الرواية، وفي هذا النوع من أنواع علوم الحديث.
الشاهد من هذا -أيها الاخوة- أنه قد يقابلنا بعض الأحاديث التي فيها، إما الجزم بتكذيب الراوي، أو يعني التوقف وإنكار معرفة ذلك الحديث. فالعبارة الأولى معنى ذلك أننا نردُّ الحديث، ولا نقبله، ولا نعتبره صحيحا، والرواية الثانية نقبله، ونعتبره حديثا صحيحا.، ونقول هذا الكلام بناءً على الراجح، وإلا المسألة فيها تفصيل ليس هذا موضعه الذي يمكن أن نطيل فيه.
المسلسل(1/493)
وإن اتفق الرُّواة في صيغ الأداء، أو غيرها من الحالات، فهو المُسلسل.
أحيانا نجد بعض الأحاديث تأتينا، أو تنقل إلينا بصفة معينة، فمثلا يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حدَّث بحديث في يوم عيد، ثم ذلك الصحابي الذي حدَّث بهذا الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدث به في يوم عيد، ثم التابعي أخذه عن ذلك الصحابي، فحدث به التابعي -أيضا- في يوم عيد، وهكذا يتسلسل.
وجد هذا النوع من الحديث، وفيه بعض المؤلفات من جملتها هذا: " الحديث المسلسل بالعيدين" هذا موجود لعله يطبع، أو طبع لا أذكر أنه طبع لكنه أعرف أنه موجود، وهناك من يعتني به من طلبة العلم، فهذا يسمى المسلسل؛ لأنه تسلسل بصفة معينة، وهي صفة الأخذ في يوم معين، وهو يوم العيد أحيانا يكون المسلسل بطريقة أخرى، كأن يكون الراوي الذي حدث بالحديث قبض لحيته حينما حدث، فيحدث به عنه تلميذه، ويقبض لحيته، وهكذا يتسلسل الحديث بقبض اللحية.
نجد هناك أحاديث تسلسلها يكون من نوع آخر، مثل أن يكون الحديث مسلسل بنسب معين كأهل البيت. فهناك بعض الأحاديث تأتي -مثلا- من رواية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويرويه عن علي مثلا أحد أبنائه، وليكن -مثلا- الحسين، ويرويه عنه مثلا ابنه علي بن الحسين، وعلي يرويه عنه ابنه جعفر وجعفر يرويه عنه ابنه محمد، وهكذا يتسلسل، هذا يسمى الحديث المسلسل بمن؟ بآل البيت أحيانا يكون الحديث مسلسلا بأهل جهة معينة كأهل الحجاز، أو بالمكيين، أو بالمصريين، وهكذا. وهذا يكثر يعني أحيانا نجد بعض العلماء حينما يروي حديثا يقول: هذا حديث إسناده كلهم شاميون، فهو حديث مسلسل بمن؟ بالشاميين، وفي هذا ألف بعض العلماء مثل الطبراني -رحمه الله- كتابه: "مسند الشاميين". تجد يعني الرواة الذين فيه كلهم شاميون.(1/494)
هذا هو المقصود بالحديث المسلسل؛ ولذلك يقول: وإن اتفق الرواة في صيغة الأداء، أو غيرها من الحالات طبعا هو ما عمم غيرها من الحالات كالتي ذكرت لكم إما في يوم معين، أو في نسب معين، أو لبلد معين، فهذا يسمى المسلسل. من أنواعه التي ذكرها -أيضا- الحافظ كأن يكون مسلسلا بصيغ أداة معينة، فهناك أحاديث، وهي قليلة تكون مثلا مسلسلة بقوله: سمعت فلانا سمعت فلانا حتى يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا مسلسل بالسماع، أو حدثنا فلان، فهذا مسلسل بالتحديث، وهكذا.
صيغ التحمل والأداء
وصيغ الأداء : سمعتُ وحدَّثني ، ثمَّ أخبرني ، وقرأت عليه ، ثمَّ قرئ عليه وأنا أسمعُ ، ثم أنبأني ، ثم ناولني ، ثمَّ شافهني. ثمَّ كتب إليَّ ، ثمَّ عن ، ونحوها. فالأولان : لمن سمع وحدهُ من لفظ الشيخ ، فإن جمع فمع غيره ، وأوَّلها : أصرحها وأرفعُها في الإملاء. والثالث، والرابعُ : لمن قرأ بنفسه ، فإن جمع : فكالخامس. والإنباءُ : بمعنى الإخبار. إلّا في عُرف المتأخرين فهو للإجازة كعن ، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلَّا من مدلِّس وقيل : يشترط ثبوتُ لقائهما -ولو مرَّة- ، وهو المختارُ ، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المُتلفظ بها، والمُكاتبة في الإجازة المكتوب بها ، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرِّواية ، وهي أرفع أنواع الإجازة. وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة ، والوصيِّة بالكتاب وفي الإعلام ، وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامَّة ، وللمجهول وللمعدوم على الأصحِّ في جميع ذلك.(1/495)
عندنا الآن -أيها الإخوة- صيغ التحمل والأداء، هذه الصيغ في الحقيقة، تعتبر ثمان صيغ هذا على الإجماع، وتحت كل صيغة يأتي التفصيل، فعندما يقول الحافظ: وصيغ الأداء: سمعت، وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرأ عليه وأنا أسمع ، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم عن، ونحوها قال فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره. الآن عندنا -أيها الإخوة- مسألة تسمى مسألة السماع، وأخرى تسمى العَرْض، أو القراءة على الشيخ. الأولى: السماع. والثانية: العرض، أو القراءة على الشيخ. والثالثة: الإجازة. والرابعة: المُنَاولة. والخامسة: المكاتبة. والسادسة: الإعلام. والسابعة: الوصية. والثامنة: الوجَادة.
أعيدها. الأولى السماع ، ثم العرض، أو القراءة على الشيخ كلاهما بمعنى واحد، ثم الإجازة. ثم المناولة، ثم المكاتبة، ثم الإعلام، ثم الوصية، ثم الوجَادة. هذه ثمانٍ كل واحدة من هذه الثمان لها صيغ معينة في التحمل والسبب أن بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه،
فعندنا الآن المسألة الأولى: وهي السماع: المقصود بالسماع أن يحدث الشيخ من لفظه، والتلميذ يسمع، وسواء كان تحديث الشيخ من حفظه، أو من كتابه، فالمهم أنه حصل بلفظه هو. وسواء كان التلميذ يحفظ ما يسمع من الشيخ، أو يكتب، فكلاهما سيان، هذا النوع يقال له السماع، وهو أعلى الدرجات، ويعبر عنه. يُعَبَّر عنه من بعد استقرار الاصطلاح، أمَّا قبل استقرار الاصطلاح، فسأشير إليه -إن شاء الله- إن لم أنس بعد استقرار الاصطلاح، قالوا: يعبر عنه بسمعت ، أو حدثني هذا إذا كان على الإفراد، أو سَمعنا، أو حدثنا هذا إذا كان معه جمع من الناس.
المرحلة الثانية: هي مرحلة العرض، أو القراءة على الشيخ.(1/496)
أحيانا يكون التلميذ يقرأ على الشيخ أحاديث له إما من كتابه، أو من غير كتابه، أو يكون التلميذ يُصْغي ويَسْمَع، والذي يقرأ شخص آخر، فكلاهما سيان وإذا كان القارئ شخص آخر سواء كان التلميذ يحفظ، أو يكتب، فكلاهما سيان.
و سواء كان الشيخ معه أصله بين يديه، يعني كتابه بين يديه، أو يصغي، أو دفع كتابه لأحد التلاميذ الذي يقرأ، أو غيره، فكل هذا يعني سيان، لا فرق هذا يسمى ماذا؟ يسمى العرض، أو القراءة على الشيخ، فإذا كان هو الذي يقرأ، وهو بمفرده فيقول: أخبرني، أو قرأت عليه، وإن الذي يقرأ غيره فيقول: أخبرنا، أو قرئ عليه وأنا أسمع.
ومن هذا النوع ما نلحظه يعني في بعض كتب الحديث، حينما يأتي أحدُ التلاميذ فيقول: قرأت على فلان، أخبركم فلان، فما معنى هذه الصيغة يقول: إنني قرأت هذه الأحاديث، مثال الذي يطالع منكم كتاب "الزهد والرقائق". يعني نعم مثال واضح جدًّا كتاب "الزهد والرقائق" لعبد الله بن المبارك، اقرءوا أوائل الأحاديث تجدون الإسناد، هو يرويه ليحيى بن صاعد عن أحد المراوزة، وذاك يرويه عبد الله بن المبارك، أو بينه وبين المبارك، أيضا شخص آخر المهم أن في أحد طبقات السند يقول: أخبركم بن حيُّويه، فما معنى هذا الكلام يقول: إنني قرأت عليه فقلت: أخبركم، وهنا يعني نلحظ الفرق، فإذا كان التلميذ أخذ كتاب الشيخ ويقرأ عليه، فالأصل في كتاب الشيخ يقول: أخبرنا فلان، فإذا جاء التلميذ ليقرأ على الشيخ لا يقول: أخبرنا فلان كأنه هو الذي يقول: أخبرنا، لا يقول أخبركم يعني الشيخ، ويأتي بميم التعظيم، ما يقول أخبرنا تأدبا مع شيخه، فيقول أخبركم فلان أن فلانا حدثه، وهكذا يسوق الإسناد، فإذا جاءت هذه الصيغة نعرف أنها بما جاء بطريق القراءة على الشيخ.
هه......... قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ، من هذا النوع كله قراءة هذا.(1/497)
أو هذه الدرجة الثانية التي نسميها العرض، أو القراءة على الشيخ نعتبر أنها على القول الراجح تلي مرحلة السماع، فأعلى الدرجات مرحلة السماع، ثم تليها مرحلة ماذا العرض، أو القراءة على الشيخ لكن هناك اختلاف في هذه الثانية، فهناك من ساوى بينهما فقال: لا فرق بين السماع وبين القراءة على الشيخ، وإلى هذا ذهب البخاري -رحمه الله- وهو رواية عن الإمام مالك.
، وهناك مَن قال: لا، بل هناك فرق فالسماع أعلى من العرض والقراءة على الشيخ، وهذا هو مذهب الجمهور، ومن جملتهم مسلم رحمه الله، وتلحظون الفرق واضح بين صحيح البخاري وصحيح مسلم في هذه الناحية، فمسلم -رحمه الله- يُعْنَى بصيغ التحمل والأداء عناية فائقة.
فنجده أحيانا يقول: حدثني فلان وفلان قال فلان حدثنا وقال فلان أخبرنا، لماذا؟ ينص مسلم -رحمه الله- على التفريق لأنه يفرق بين حدثنا وأخبرنا، فيرى أن حدثنا هذه لأي شيء للسماع، وهي أعلى أما الأخرى للقراءة، وهي أنزل، أما البخاري فلا يستخدم هذا إطلاقا؛ لأنه لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، فيمكن أن يستخدم واحدة مكان الأخرى ولا شك أن التفريق أدق.
أدق لماذا ؟ لأنه يرد أحيانا بعض الاختلاف في الأسانيد، فلو جاءنا حديثان نرجح لبعض المعلومات السابقة، ظاهرهما التعارض، وليكن التعارض واردا في السند مثلا، أحدهما مثلا زاد زيادة، والآخر لم يذكر هذه الزيادة، ويعني ما استطعنا التوفيق بينهما، إما أن نعتبره من المزيد المتصل الأسانيد على ما سبق، أو إذا أردنا مثلا أن نرجح بقرائن أخرى، أو اتجه أحدنا للترجيح، فيمكن أن نرجح مثلا الرواية التي أخذت بطريق السماع، لماذا؟ لأنه، كون الشيخ يحدث من كتابه، أو من حفظه حتى من لفظه، هو بلا شك أنه ادعى لعدم وجود الخطأ، فلو وضعنا نسبة مئوية لاحتمال الخطأ في السماع، وفي مسألة العرض، فبلا شك(1/498)
أن احتمال الخطأ في مسألة العرض أكثر منه في السماع لماذا؟ لنفرض أن التلميذ أخطأ، وزاغ بصره سواء في الإسناد، أو حتى في المتن، لنفرض أنه مثلا ما ضبط كلمة، لنأخذ من هذه الكلمة التي سألني عنها بعض الأخوة، زادك الله حرصا، ولا تعد.هه. لو وجدنا أن الخلاف جاء على شيخ معين، فنقول: يحتمل أن التلميذ حينما قرأ هذه اللفظة على ذلك الشيخ كان الشيخ ساهيا في هذه اللحظة، فلم يقوم لفظ ذاك التلميذ، فمشى التلميذ على هذا الخطأ، والذين سمعوا، ونسخوا مشوه على هذا الخطأ أيضا، فهنا تكمن الفائدة في التفريق بين هذين النوعين؛ ولذلك نعتبر أن السماع أعلى؛ لأن مظنه الخطأ فيه أقل.
القول الثالث: هو قول أبي حنيفة، وهو رواية عن الإمام مالك، فهم فضلوا القراءة على السماع، فيقولون: هذه الثانية نفضلها على السماع، ولكن هذا القول يعني: مرجوح، والصواب هو ما قلت لكم من قول الجمهور، وهو أن التفريق بينهما هو الأصل، وأن السماع أعلى من العرض، ومن القراءة، وهي تأتي بعده في المرحلة الثانية،
أما الثالثة فهي الإجازة.
الإجازة أيها الاخوة، صورتها أقل من الصورتين السابقتين، يعني: من حيث القوة، يأتي مثلا إنسان مستعجل من بلد بعيد، ولا يستطيع أن يقيم في هذه البلد حتى يسمع أحاديث هذا الشيخ كلها، فيقول للشيخ أجزني بمروياتك، فيدفع إليه كتابه، أو يكون ذلك التلميذ قد نسخ كتاب الشيخ، فيقول: هذا كتابك أريد أن تجزني به فيقول: أجزتك بكتابي فدقيقة، أو أقل من دقيقة يتحمَّل فيها جهد عام كامل، أو أقل، أو أكثر لو مكث في المجالس التي يمليها الشيخ، وهو يكتب وينسخ، فهذا بلا شك أنه سيستمر فترة طويلة، لكنه في لحظة واحدة استطاع أن يتحمَّل هذا كله، وهو ما يسمونه إجَازة.(1/499)
الإجازة: الشيخ أجاز هذا التلميذ في هذه الأحاديث، ولكنه لم يسمعها على ذلك الشيخ، وإنما دفع إليه كتابا فنسخه، أو نسخ تلك الأحاديث من التلميذ للشيخ، فالمهم أن الشيخ أجازه بتلك الأحاديث كلها، هذا ما يسمى إجازة.
ما الحكم فيه؟ مختلف فيه بين العلماء، ولكن الأرجح أنه بهذه الصورة، وله صور أخرىن ستأتي لكن بهذه الصورة يعتبر من أعلى الدرجات، لكنه يأتي بعد المرحلتين السابقتين، فهو تحمُّل صحيح.
هناك بعض التوسع في مسألة الإجازة، وهذا التوسع يحدث بعبارات شتى، فمن جملة ذلك أن يجيز مُعَيَّن لمجهول، يعني الأصل أن يجيز مُعَيَّن لمُعَيَّن، وهذا سبق أن ذكرناه، كأن يقول: أجزتك بصحيح البخاري، أن ترويه عني، فهذا يسمى إجازة معلوم: الذي هو ماذا صحيح البخاري لمعلوم هو هذا التلميذ المعروف، فهذا هو الأصل، وهو يعني يأتي في المرحلة الثالثة بعد العرض.
لكن إذا أجاز معلوم لمجهول، كأن يقول: أجزت صحيح البخاري لأهل البلد الفلاني، أو أجزت جميع المسلمين برواية صحيح البخاري عني، هذا يسمى ماذا؟ إجازة معلوم الذي هو صحيح البخاري لمجهول. وأحيانا تكون الإجازة إجازة مجهول لمجهول، كأن يكون هو مسلم يروي العديد من الكتب، فيقول أجزت جميع مروياتي لأهل البلد الفلاني، أو لجميع المسلمين، فهذا إجازة مجهول لمجهول يعني ما حدد شيئا معينا، أو يكون إجازة مجهول لمعلوم كأن يقول أجزتك بجميع مسموعاتي، ومروياتي.
يعني: يجيز فلانا من الناس بهذه المسموعات والمرويات، وأحيانا يكون فيه توسع أكثر من هذا، كأن يقول: أجزت صحيح البخاري لفلان، ومن سيولد له والذي يعني يشير إليه حتى الآن ما وُلد، أو يقول أجزت جميع مروياتي لفلان ولمَن سيولد له، فالأول إجازة معلوم لمعدوم، ما هو لمجهول لمعدوم، يعني حتى الآن ما وُجد، والثاني إجازة مجهول لمعدوم، أجزت جميع مروياتي لفلان، ومن سيولد له، وهكذا يعني في أنواع عديدة تجدونها.(1/500)
يعني إن أردتم التوسع فيها في كتاب "الإلماع" للقاضي عياض، فالمهم أن هذه الصيغ كلها رديئة، ولا تعتبر شيئا، والذي يعتبر فقط هو إجازة المعلوم
للمعلوم، وبعض يخالف في إجازة مجهول للمعلوم، كأن يقول لمحمد بن خالد: مثلا، أجزتك بجميع مروياتي، ومروياته محدودة، يروي مثلا الكتب الستة، وهكذا. هذه تسمى الإجازة يعني التي تكلمنا عنها، بماذا يعبر عنها حينما يأتي ليحدث إنسان جاء للشيخ الفلاني وأعطاه صحيح البخاري، وقال أجزتك أن تروي عن صحيح البخاري؟ هل يجوز له أن يقول حدثنا، أو يقول أخبرنا، أو يقول سمعت، أو ماذا؟ كل هذا يعني: الكلام فيه تفريق بين المتقدمين وبين المتأخرين، بعدما استقر الاصطلاح، ونقصد بالمتقدمين والمتأخرين يعني المتقدمين عصر الصحابة والتابعين -رضي الله تعالى عنهم ورحمهم- وبعد ذلك بخاصه في مثل طبقة الإمام مسلم، ومن بعد ذلك بدأ يستقر الاصطلاح ويتضح ويتجلى.
في السابق كانوا لا يفرقون بين السماع، وبين العرض، وبين الإجازة، فيجيزون في كل هذا أن يقول حدثنا، أو أخبرنا، أو أنبأنا، أو نحو ذلك، لكن بعدما استقر الاصطلاح، كما قلت لكم السماع قالوا حدثنا، أو سمعت.
والعرض: قرأت على فلان، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أو أخبرني.(2/1)
أخبرني هذه جعلها خاصة بالعرض، الإجازة حددوا لها لفظة معينة، وهي أنبأني، أو أنبأنا، إذا كانوا مجموعة، فهذا إذا كانت يعني: ما بين الإنسان، أنها إجازة بمجرد قوله: أنبأني، أو أنبأنا يعرف أنه أخذ هذا الحديث بالإجازة، لكن يجوز له أن يقول حدثنا، أو أخبرنا، أو سمعت، أو نحو هذه العبارات بشرط التقييد، يقول: أخبرنا فلان إجازةً، أو حدثنا فلان إجازةً، فبالتقييد يجوز، أما بعدم التقييد فيعتبرونه من أنواع التدليس؛ ولذلك يتكلمون في أبي نعيم صاحب الحلية؛ لأنه يُطْلق ولا يبين يقول حدثنا، أو أخبرنا للإجازة، وكأنه يوهم أنه سمع ذلك فعلا، فاعتبروه مدلّسَا بهذه الصورة، عند المتأخرين نوعًا ما صاروا -أيضا- حتى كلمة "عن" يستخدمونها في الإجازة، يعني ليس عند المتقدمين: نعرف أن صيغة "عن" عند المتقدمين هه محمولة على السماع عموما، اللهم إلا أن تكون صادرة من إنسان مدلّس، فيتوقف فيها لكن عند المتأخرين لا، ما عاد يستخدمون كلمة "عن" اختصارا، وإنما أصبحوا يصرحون بالتحديد، لكن إذا وردت صيغة "عن" مثلا في طبقة من بعد الخطيب البغدادي، وما بعد ذلك بخاصة في مثل أهل القرن السابع والثامن، فإنها تعني التحمل بالإجازة، هذه صيغة "عن" عند المتأخرين فيتنبه لها.
الذي يلي هذا: هو المناولة: المناولة، هي يعني من أنواع الإجازة، أو شبيهه بالإجازة، لكنهم حددوها بهذا التحديد؛ لأنها قد تكون إجازة، وقد لا تكون، فصفة المناولة أن يناول الشيخُ تلميذَه كتابَه إما هبة، أو إعارة لينسخه.(2/2)
المناولة: أن يناول الشيخُ تلميذَه كتابَه إما هبة يعني عطيَّةً، أو إعارةً لينسخه. خذ يا فلان ناوله الكتاب، طيب ناوله الكتاب فقط، وقال هذه مسموعاتي، هذه صيغة، وناوله الكتاب، وقال: هذا كتابي أجزتك بروايته، هذه صيغة أخرى اختلف العلماء فيها، قالوا: إن كان صرح بإجازته لهذه المسموعات، ناوله الكتاب وقال: يا فلان هذه مسموعاتي أجزتك بروايتها، فهذه تدخل في النوع السابق، وهي الإجازة.
لكن إن لم يصرح بإجازته إياها، فهنا حصل الاختلاف منهم من قبلها، ومنهم من ردها والجمهور والأكثر على ردها، قالوا: لأنه لم يصرح، أو لم يأذن له بالتحديث بها عنه، قد يكون ذلك لعله حين لم يأذن له، قد يكون يعرف أن في هذه المسموعات علة من العلل؛ ولذلك لم يأذن له بها، هناك من خالف، ومن جملتهم الظاهرية ابن حزم وغيره، بل تعتبر من المسموعات، وتعتبر يعني: من صيغ التحمل الجائز التحديث بها، ونقول زيادة على ذلك يعني هكذا، قالوا: نقول: زيادة على ذلك، لو قال له: لا أجيزك أن تحدث بها عني، يعني لو صرَّح فيجب عليه أن يحدث عنه، يعني من باب الإمعان. لو قال لا أجيزك، أو أحظر عليك أن تحدث بهذا عني، لوجب عليه أن يحدث عنه، لماذا قالوا: لأنه كان يعني بمنزله التحديث في السابق، حينما دفعها إليه انتهى.
عرفنا أن هذه مسموعاته، أما كونه لا يجيزه بعد ذلك، هذا ليس إليه، هذا علم تُحمّل عنه، ولم يعد يملكه إن كان صادقا، يعني هناك علة في المسألة، فليبينها فليقل أنا لا أريدك أن تحدث بهذا عني؛ لأني مثلا في تحملي له ضعف، أو غير ذلك من العبارات، أما ما دام لم يبين، فهذا لا يملكه، فالعلم لا يُكْتَم، ولا يملكه أحد، هذه وجهة نظرهم. هذا بالنسبة للمناولة.
ما هي الصيغ التي يحدث بها حينما يتحمَّل بهذه الصورة؟(2/3)
يقول: إن كان أجازه الشيخ، فبإمكانه أن يقول: أنبأني إجازة، أو غير ذلك من الصيغ التي تكلمنا عنها سابقا أما حدثنا إجازة، أو أخبرنا إجازة، أو أنبأني؛ لأنها أصبحت الآن إجازة، لكن إذا لم يحدثه، فيقول: ناولني، فإذا قال: ناولني، عرفنا أنه تحمل هذا الحديث بطريق المناولة، التي لم يجزه الشيخ بها، فإذًا الناظر في هذا الحديث إما أن يكون من الناس الذين يقبلونه، فيقبل هذا الحديث، أو يكون من الذين يردونه فيردون ذلك الحديث، فهذا من قبيل الأمانة والدقَّة في النقل، ينبغي له أن يبين كيف تَحَمَّل هذا الحديث.
بعد ذلك الصيغة الآتية، وهي شافهني. المشافهة: هي نفس العملية السابقة، إذا كان دفع إليه مروياته، أو ما إلى ذلك، المهم أن يقول له: أجزتك بمروياتي فيقول: إنه شافهني بمعنى أجازني مشافهة، هذه إنما نصُّوا عليها لتختلف عن الآتية بعدها، وهي الكتابة. فالكتابة غير المشافهة، فالمشافهة تُعْتَبر أقوى قال: ثم كتب إليَّ.
المكاتبة: تكون بأحد أمرين، إما أن يكون أحدهما في بلد، والآخر في بلد آخر فيرسل التلميذ إلى الشيخ رسالةً، مثلا يسأله عن مسألة معينة، أو يطلب منه أن يكتب له بحديث سمعه، أو بأحاديث سمعها، فعلى أي الوجوه كان تجد الشيخ يكتب للتلميذ، فيقول له: سألتني عن كذا، الجواب كذا، والدليل ما حدثني فلان، ثم يسوق إسنادا لحديث معين، فهذا يُسَمَّى ماذا؟ يُسَمَّى مكاتبة، كتب إلى تلميذه في بلد آخر، أو جواب لمطلب التلميذ، يقول الشيخ: هذه الأحاديث التي طلبت مني أن أكتب بها إليك، فيكتبها، ويرسلها إلى التلميذ هذه صورة.
الصورة الثانية: أن يدفع الشيخ كتابه إلى التلميذ، ولا يجيزه به التي هي سبق الكلام عنها، وهي أيش المناولة، يدفع إليه الكتاب، ولا يجيزه به، فهل يجوز لهذا التلميذ بهذه الصورة أن يحدث بهذا الكتاب عن الشيخ، بمعنى أنه تحمله إجازة، هذان القسمان مختلفان، ولعلكم تجدون توقف الحافظ ابن حجر في التفريق بينهما.(2/4)
نعم يقول: في مائة وثلاثة وسبعين، ويقول: ولم يظهر لي فرق قوي بين مناولة الشيخ الكتاب من يده للطالب، وبين إرساله إليه بالكتاب من موضع إلى آخر، إذا خلا كل منهم عن الإذن.
الآن ابن حجر يتوقف في هذه المسألة، وجه التوقف -أيها الإخوة- أنه إذا كان الشيخ في بلد والتلميذ في بلد آخَر، وسواء بطلب من التلميذ، أو بغير طلب المهم أن الشيخ كتب إلى التلميذ في هذا البلد بأحاديثه، أو كتب إليه كتاب يعظه فيه، أو يفتيه فيه بفتوًى معينة، وفيه يستدل ببعض الأحاديث التي يسوقها بسنده، فهل يجوز لذلك التلميذ أن يروي هذه الأحاديث عن هذا الشيخ؟ الجمهور قالوا: يجوز، ويعتبر هذا يعني، تحملا صحيحا لكن بشرط أن ينص على ذلك فيقول: كتب إليَّ فلان، أو أخبرنا فلان مكاتبة، أو نحو ذلك من الصيغ التي تدل على أنه لم يأخذه منه مشافهة، وإنما أخذه منه كاتبة، فبهذه الصورة أجازها للجمهور أما الصورة الثانية، وهي أن يدفع الشيخ إلى التلميذ كتابا، ولا يجيزه به، وإنما يقول هذا مسموع عني، فالجمهور على رد هذا النوع، الحافظ ابن حجر يعني يقول: أن ما يتضح لي لماذا قبلوا ذاك؟ ولماذا ردوا ذاك؟ والأمر سيان بينهما، وكلاهما لم يأذن الشيخ للتلميذ بتحمله، أما لو كانت المكاتبة، يعني نص فيها الشيخ، وقال: هذه أحاديثي، ومسموعاتي أجيزك أن ترويها، وتحدث بها عني لأصبح هذا فيه مساغ، ولكن إذا كانت الصورة التي ذكرناها، فيقول: ما فيه فرق، لكن أنا الذي يظهر لي أنه هناك فرق.
الفرق يتضح في كون الشيخ، مثلا أجاب التلميذ جوابا، أو التلميذ كتب إلى الشيخ يطلب منه أحاديث، فبهذه الصورة، فالفرق واضح، لكن صح قد لا يكون الفرق واضحا وضوحا جليًّا؛ حينما(2/5)
يكتب الشيخ من تلقاء نفسه كتابا، ثم يرسله إلى التلميذ أحاديث، يقول فيها: حدثنا أخبرنا، فهذا فعلا كما قال الحافظ ابن حجر شبيه بالمناولة، التي لا يصحبها إذن بالتحديث، فلعَّل -إن شاء الله- الفرقَ واضح، وهو يعني ليس كبير الأهمية، لكنه موجود في بعض الأحاديث، التي ترد عندنا بهذه الصورة يعني كأني ألحظ التعب والإعياء على الوجوه، طيب نتوقف عند هذا إن شاء، ونكمل بعد صلاة العشاء.
صيغة التحديث قلت: يعني صيغة التحديث أن يقول: كتب إلي فلان، أو يمكن أن يقول: أخبرنا فلان كتابة، أو مكاتبة، أو حدثنا فلان مكاتبة كل هذه للمكاتبة، نعم أيه المكاتبة بهذه الصورة، هي الأكثر على العمل به.
يقول أحد الإخوة: أشكل علي اليوم المُبْهم مع المُهْمل.
صحيح اللفظ متقارب لكن الفرق واضح، فالمبهم لا يذكر اسمه مطلقا، كأن يقول حدثني رجل، أو أتانا رجل هذا يقال له: مبهم، أما إذا قال: محمد، أو محمد بن خالد، وهناك أكثر من محمد بن خالد، فهذا يقال له: المهمل يعني أُهْمل نَسَبُه، بحيث لا يُسْتَطاع تميزه عن غيره.
أحدُ الأخوة: يسأل عن رسالتي في الماجستير والدكتوراه.
الماجستير مطبوعة، وموجودة في الأسواق، وهي "مختصر تلخيص الذهبي لمستدرك أبي عبد الله الحاكم" والأخرى سنن سعيد بن منصور، وتخرج -إن شاء الله- بعد أيام.
أحد الإخوة يقول: لو يكون يوم الخميس للمراجعة.
نقول لعلنا -إن شاء الله- تنتهي بكرة، ثم نحدد بإذن الله.
يعني أنا في الحقيقة قديم عهدٍ به، لكن الذي يظهر لي أن ذلك الحديث المسلسل بالأولية، هو أول حديث يسمعه من ذلك الشيخ، فكل واحد من الرواة أول حديث سمعه من ذلك الشيخ، هو هذا الحديث فيتسلسل وسمي الحديث المسلسل بالأولية هذا الذي يظهر لي، وسأتأكد إن شاء الله.
وما رأيك بحاشية الصنعاني على إحكام الأحكام؟(2/6)
ما أعرف للصنعاني حاشية على إحكام الأحكام، وقد يكون هذا يعني من جراء تقصيري. إحكام الأحكام كانت لابن حزم فالذي له حاشية، عليها هو الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.
وما الفرق بين الحديث الموضوع والباطل، والذي لا أصل له؟
أقول: الفرق واضح، الحديث الموضوع، هو الذي يكون في إسناده راوٍ موصوفا بالكذب، ووضع الحديث. أما الحديث الباطل، فلا تجد في الإسناد يعني من يمكن أن يحمل هذه التبعة بهذه الصورة، بحيث أن يكون مصرحا فيه بأن يضع الحديث، أو يكذب، ولكن يكون فيه راوا ضعيف، أو ضعيف جدا، أو متروك.
والمتن مستنكر، أو الطريق نفسه مستنكر، كأن يأتينا إنسان ويروي حديث إنما الأعمال بالنيات بإسناد غير الإسناد المعروف، فهذا تستنكره القلوب؛ لأن هذا الحديث لا يعرف إلا من هذا الطريق، فيقال هذا حديث باطل؛ لأنه جاء بخلاف الأمر المشهور، والمعتاد، ويُحَمَّل الراوي الضعيف، أو الذي هو مَظنَّة وقوع الخطأ منه هذه التبعة، فالمهم الحكم على هذا الحديث، يقال: هذا الحديث باطل.
أما الذي لا أصل، فهو الذي ليس له إسناد، لا يوجد له إسناد مثل: " حب الوطن من الإيمان " ليس له إسناد مثل هذا يقال له حديث لا أصل له.
يقول: ما أهم كتاب مطوَّل في مصطلح الحديث وأحسن الطبعات?
أقول: لو كان كتاب "توضيح الأفكار" مطبوع طبعة جيدة، لكان في نظري هو يمكن أشمل الكتب لأنه متأخر، وعادة المتأخر يستفيد من المتقدم، لكن الذي يريد التوسع أنا أنصحه بثلاثة كتب:
"النُّكَت" على ابن الصلاح للحافظ ابن حجر ، و"فتح المُغيث" للسخاوي و"تدريب الراوي" هذه الكتب الثلاثة -إن شاء الله- فيها غنى عن سواها.
يقول: إذا كان الشيخ هو الذي يقرأ الكتاب، فهل في هذه الحالة تفضل صيغة السماع عن القراءة أم لا؟
أقول: إذا كان الشيخ هو الذي يقرأ بلفظه، فهذا من السماع، وليس قراءة، وهذا تكلمت عنه قبل قليل.
يقول: هل تجوز كلمة سمعتُ في الإجازة؟(2/7)
هي في الحقيقة مستبشعة، لكن يجوز أنهم سهلوا فيها، مادام أنه نص على أنها إجازة، فهي بمنزلة السماع؛ لأنه شافهه، حينما قال: هذه مروياتي أجزتك بروايتها، قالوا: مشافهة كأنه يعني تجوزوا، فسمع.
يقول: من صيغ التحمل الإعلام هل هو بالنون أم بالميم. لتقارب الحروف؟
أقول: لا هو بالميم الإعلام، وسيأتي إن شاء الله الليلة.
يقول: ما رأيك في زيادة الترمذي في سننه على حديث ابن عمر بقوله: " اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين "
أقول: إن الذي أعرفه أن هذه الزيادة زيادة مقبولة، لكن كون هناك يعني اختلاف، فأنا الآن لا يحضرني؛ لأنني في الحقيقة على غير تتبع، وبحث دقيق لهذه الزيادة.
فليعذرني الأخ السائل.
يقول: وما رأيك في نُعَيم بن حمَّاد الخزاعي؟
رأيي في نعيم بن حماد، أنه إمام من أئمة أهل السنة، وهو يعني متحمس للسنة، وأحيانا يعبرون بكلمة متعصب للسنة. ومن جرَّاء ذلك اشتدت الوطأة بينه وبين الحنفية، فشدَّ وطأته على الحنفية؛ ولذلك يعني يقولون: كلام نُعَيم بن حمَّاد في الحنفية لا يُقبل؛ لأنه شديد الوطأة عليهم، والسبب أن الذين تبنَّوا الاعتزال وفتنة خَلْق القرآن معظمهم من الحنفية، فكرههم أئمة أهل السنة لهذا السبب، فاشتدت وطأة نعيم بن حمَّاد لصلابته في السُنَّة عليهم لهذا السبب، لكن الذي يهمنا فيه ما حكم مروياته؟
نقول: هو في حفظه شيء، وتكلم العلماء في حفظه؛ ولذلك مروياته لا بد أن يكون هناك متابعة لها، وإلا لو انفرد بحديث اعتبر الحديث ضعيفا، والله أعلم، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/8)
كنا نتكلم عن بعض صيغ التحمل، وآخرها يعني: آخر ما تكلمنا عنه المكاتبة، وقلت: إن المكاتبة صورتها: أن يكتب الشيخ إلى تلميذ له في مكان آخر بأحاديث من مسموعاته، وقد تكون هذه الأحاديث قصد الشيخ البعث بها إليه بإسماعه إياها، وقد تكون جاءت عرضا في ضمن فتوى، أو موعظة، أو غير ذلك، فالمهم أن تلك الأحاديث التي يسوقها الشيخ بسنده من مسموعاته، من مسموعات ذلك الشيخ، فيقولون حق للتلميذ أن يأخذها عن شيخه، ويقول حدثني فلان، أو أخبرني فلان كتابة، أو مكاتبة، أو كتب إلي فلان بكذا، وقد كانت هذه المكاتبة موجودة في عصر الصحابة وفي عصر التابعين. يعني متقدمة، فمن ذلك: أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كتب للمغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - يسأله عن بعض الأمور، فأجابه، وكذلك أيضا كان التابعون كإبراهيم النخعي والحسن البصري وغيرهم -رحمهم الله- يكتب بعضهم لبعض بفتاوى وغير ذلك.
ومن جملة ذلك أحاديث يروونها بأسانيدهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت لكم: إن هذا النوع من أنواع التحمل اعتبره العلماء صحيحا، لكن اشترطوا في ذلك شروطا، من هذه الشروط: أن يكون التلميذ يعرف خط الشيخ أما إذا كان لا يعرفه، أو يتوهم، فمعنى ذلك أن في تحمله شيئا من الضعف، كذلك أيضا ما سألني عنه أحد الإخوة حينما انتهينا من درس العصر قال: إذا كان حامل الكتاب ما بين الشيخ والتلميذ غير ثقة، فإذا كان حامل الكتاب غير ثقة، فمعنى ذلك أن هذا أيضا مما يقدح في صحة الكتاب، لكن إذا كان التلميذ يعرف خط الشيخ وميزه جيدا، فهنا لا معنى لقولنا: إن كان غير ثقة.
قد يقول قائل: ألا يمكن تزييف خط الشيخ، أقول: هذه دعوى من اعترض على صحة هذا النوع من أنواع التحمل، فالمسألة خلافية ليست مجمعا عليها، هناك من خالف.(2/9)
وحجتهم قالوا: إنه يمكن تزييف وتقليد خط الشيخ، فبالتالي كيف نعتبرها نوعا من أنواع التحمل الصحيح؟ فأجيب عن ذلك بأن هذا محتمل، واحتماله ضعيف، فلا يرد اليقين بالشك.
هذا أمر مشكوك فيه، ولو أننا رددنا هذا النوع لرددنا جملة من الأحاديث الصحيحة، بل لخطأنا من سلف ممن اعتبر ذلك تحملا صحيحا، وكون أحد الناس يستطيع أن يقلد خط الآخر تقليدا حرفيا مائة بالمائة هذا يعني يكاد يكون في حكم النادر، أو المستحيل وبخاصة في الزمن الماضي، والذي يتعامل مع المخطوطات يجد أن خطوط السابقين كانت متميزة، ليست كخطوط المتأخرين، المتأخرون الآن في هذه الأزمان بحكم تنوع الخطوط والدراسات وإتقان هذه الخطوط، أصبح بالإمكان أن يخط الواحد خطا يشابه خط الآخر؛ لأنهم -مثلا- يخطون خطا معينا إما نسخا، أو رقعة، أو ما إلى ذلك، فرسم الحروف تجده متفقا عليه عند هذا وعند هذا، بحكم أنهم درسوا في مدارس، أو في معاهد تعنى بجودة الخط، أما السابقون، فلم يكن هذا عندهم، بل كان خطهم أشبه ما يكون بمسألة التوقيع، الآن تعرفون أن التوقيع يصعب تقليده فكذلك أيضا في السابق كان الخط يصعب تقليده، وأكبر دليل على هذا مطالعة المخطوطات الموجودة، تجد أن خط فلان يتميز عن خط فلان، وأن طريقتهم في الخط يعني تعطيك فعلا شعورا بأنه يصعب تقليد هذه الخطوط.(2/10)
قلت: إن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يعني اعتبر مناولة الشيخ كتابا له لتلميذه، يعتبر مثل المكاتبة التي أشرنا إليها قبل قليل، وإن بعض العلماء أجازوا هذا النوع، والجمهور ردوه، فالحافظ ابن حجر يتساءل ويقول: يعني لم يتضح لي الفرق بين هذا النوع من أنواع التحمل وبين المكاتبة، يقول: كلها يعني تعتبر مكاتبة، بل يعني: تعتبر المناولة أقرب إلى الصحة من المكاتبة التي من بعيد فيقول: إذا كان هناك شيخ في بلد يكتب إلى تلميذ له في بلد آخر، فهنا من اعترض فيه على هذا النوع من إمكانية تقليد الخط، قد يرد ولو بنسبة ضعيفة، لكن إذا كان الشيخ دفع كتابه إلى تلميذه، وقلنا: إن كان دفع الكتاب إلى التلميذ وصرح فقال: هذا مسموعي قد أجزتك بروايته، أو هذه روايتي أجزتك بروايتها، فحدث بها عني فهنا لا إشكال هذا هو النوع الأجود من أنواع الإجازة، وهو في المرحلة الثالثة بعد العرض.(2/11)
لكن المسألة تأتي فيما إذا لم يأذن الشيخ، فهذا هو الإشكال الذي ذكره الحافظ ابن حجر، أنا قلت: إن هذا الإشكال يرتفع في بعض المواقف، فإذا كان الشيخ الذي كتب إلى التلميذ من بعيد، كتب بناء على طلب التلميذ الإجابة على مسألة وقعت، أو حدث حدث، وأجابه الشيخ يعني أفتاه، واستشهد لذلك بحديث يرويه فمعنى ذلك أن الشيخ احتج بالحديث، وأنه كتب للتلميذ كتابة حتى ولو لم يكن الإذن فيه صراحة، لكن الإذن جاء ضمنا حينما يكتب للتلميذ ، ويستدل بهذا الحديث ، ويقول إن فلانا حدثني، فهو أشبه ما يكون، الشيخ أجاب التلميذ، وهو حاضر على المسألة تماما، اللهم إلا إن هذه جاءت بواسطة الكتاب، وقال: إن فلانا حدثني فسمعه التلميذ وحدث، فهذه تختلف عن مسألة المناولة، كذلك أيضا حينما يطلب التلميذ من الشيخ فيكتب له كتابا، ويقول: اكتب لي بحديثك الفلاني، أو بأحاديثك الفلانية، أحاديثك -مثلا- عن جابر، أو نحو ذلك، فيجيب الشيخ طلبه، ويكتب له، فهذا إذن ضمني حتى ولو لم يكن صراحة لكنه جاء ضمنا، فهذه تختلف بلا شك عن صورة المناولة التي لا يصحبها إذن، لكن الإشكال الذي ذكره الحافظ نعم يتوجه في مسألة معينة، وهي إذا لم يكن التلميذ طلب من الشيخ طلبا أي طلب، بل الشيخ ابتداء هو الذي كتب إلى التلميذ أحاديث، ويقول هذه الأحاديث رويتها عن فلان فقط، ويرسل هذا الكتاب إلى التلميذ.(2/12)
هنا يعني موضع الإشكال الذي ذكره الحافظ وأنا عندي أيضا أن هذا يختلف؛ لأن هذا الشيخ الذي تكبد تعب الإرسال بالبريد والبريد في وقته كان فيه شيء من الصعوبة، ويرسل هذا الكتاب إلى تلميذ في مكان آخر، ما مقصوده من هذه الأحاديث التي يرسلها؟ لولا أنه أذن له إذنا ضمنيا لما أرسل هذه الأحاديث، يتساءل الإنسان، ويقول: ما فائدة إذن إرساله هذه الأحاديث، فهنا فيه يعني نوع تفرقة بين هذه وبين مناولة الشيخ للتلميذ كتابه، قد تكون تلك المناولة لا يقصد منها الإذن، وإنما يقصد -مثلا- إخباره بذلك، أو يقصد -مثلا- إذا وجدت هذا الكتاب -مثلا- عند أحد من الناس، فهو فعلا كتابي، أو يعني غير ذلك من المقاصد التي يعني فيها فروقا دقيقة، قد يتنبه لها بعضنا، وقد تخفى على بعضنا الآخر، وعلى كل حال يعني مهما كان الأمر، فحتى لو قيل بجواز هذا النوع الذي هو المناولة دون أن يصحبها إذن، فهي يعني من أردأ أنواع التحمل، يعني بحيث لو صار في حديثه علة، أو تفرد، أو ما إلى ذلك يمكن أن يطعن في الحديث من خلال هذه الصيغة من صيغ التحمل، فهذا بالنسبة للمناولة والكتابة. بقي علينا مسألة الإعلام والوصية والوجادة .(2/13)
أما الإعلام: فأمره سهل كما تجدونه في صفحة مائة وأربع وسبعين، يعني كل ما في الأمر أن يعلم الشيخ التلميذ بأن هذا الكتاب، أو هذه الأحاديث من مروياته مجرد إعلام فقط، لا يصحبه إذن، لو صحبه إذن لأصبح ذلك من أنواع الإجازة، لكن أما إذا لم يصحبه إذن، فهذا يقال له إعلام وهو أيضا من الأنواع التي لا يجيز للعلماء، يعني التحديث بها على أنها من صيغ التحمل المقبولة، قد يقول قائل: ما الفرق بين الإعلام وبين المناولة ؟ هل يستطيع أحد أن يفرق بين الإعلام والمناولة بناء على هذا الذي ذكرنا ؟ ............بمعني أنه يعطيك كتابا ...... أحسنت بارك الله فيك، هذا صحيح يعني المناولة يكون هناك كتاب معين، ناوله الشيخ للتلميذ، ولكن لم يأذن له به، أو أذن على التفصيل التي ذكرناه، لكن أما الإعلام فليس هناك كتاب الشيخ، لا يعطي التلميذ كتابا، ولكنه يقول الكتاب الفلاني من مسموعاتي، يعلمه بأن الكتاب الفلاني من مسموعاته.
فيقول -مثلا- : إن صحيح البخاري أنا أرويه بسندي عن فلان، عن فلان، عن فلان ،وهو ما معه صحيح البخاري ما أعطاه للتلميذ، ولكن صحيح البخاري موجود ومشهور ومتداول في أيدي الطلبة، فيعلمه بأنه يروي صحيح البخاري، عن شيخه فلان، عن فلان وهكذا إلى آخر أسانيده إلى أن يصل إلى البخاري، هذا إعلام يقول: إذا صاحب الإعلام إذن بالرواية، فهذا يعتبر تحملا صحيحا، أما إذا لم يصاحبه إذن بالرواية، فهذا يعتبر تحملا مردودا. كيف؟ يعني يمكن أن يعطي الشيخ، أو كيف يمكن أن يجيز الشيخ التلميذ بالكتاب وهو لم يعطه إياه؟(2/14)
نقول: الكتاب معروف ومتداول ومشهور، فيقول: اذهب فاحصل على أي نسخة من صحيح البخاري، المعهود المشهور الذي لا يختلف أحد في أن عدد أحاديثه مثلا كذا وأن نسخه كلها تعود إلى الراوي الفلاني وهكذا، فيقول هذا الكتاب أنا أرويه بإسنادي الفلاني، فاذهب، فاحصل عليه، فقد أجزتك بروايته، فهذا يسمى ماذا؟ يسمى إعلاما يعني هو ما أعطاه الكتاب، ولكن أعلمه بأن الكتاب الفلاني يرويه، فيأذن له بروايته، فإذا أذن، فهو تحمل صحيح، وإذا لم يأذن فهو تحمل غير صحيح، وهو دون المناولة بهذه الصورة يعني الإعلام دون المناولة؛ لأن المناولة تمتاز على الإعلام بأي شيء؟ بإعطاء الكتاب، وهذه ليس فيها إعطاء كتاب.
صيغة التحمل أن يقول: أعلمني فلان، أو أخبرني فلان إعلاما، أو كلمني إعلاما وكلها يعني: تدخل في أنواع الإجازة ...... لا، المناولة غير داخلة في الإعلام، المناولة أن يناوله الكتاب مباشرة، لكن الإعلام يخبره فقط مجرد إخبار اعرف إن ذلك الكتاب من مروياتي، فاذهب فاروه يعني كله، تفريق بسيط، لكن يظهر الفرق واضحا حينما يكون فيه إذن، بلا شك إن المناولة أعلى من الإعلام.
بقي مسألة: الوصايا، الوصية والوجادة :
الوصية: -أيها الإخوة- يعني تتمثل في شخص يفارق أهله وذويه، إما بسفر، أو بقرب وفاة؛ فيوصي مثل ما يوصي الإنسان الذي يعني عنده ورع، وتقوى وخشية من الله -جل وعلا- لحديث: " لا يبيت " كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ليلة، أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " فمثل هذا الشخص -أيضا- كذلك حينما يشعر بمفارقة الأهل والوطن، ويخشى ألا يعود، أو يشعر بقرب الوفاة يوصي بكتابه لإنسان معين، أو لغير معين، وقد يوصي بمعين، وقد يوصي بشيء غير معين فمثلا ، وهي نفس الأنواع التي ذكرناها سابقا، قد يقول مثلا في وصيته، هذه مروياتي أجزت جميع المسلمين بروايتها، فهذا يسمى إجازة عامة.
نعم.(2/15)
طيب: حينما يقول: يوصي بإجازة رواية صحيح البخاري لجميع المسلمين يسمى ماذا ؟ معلوم لمجهول، وحينما يجيز مثلا مسموعاته كلها لمحمد بن خالد الدمشقي إجازة مجهول لمعلوم، وحينما يقول: أجزت محمد بن خالد الدمشقي برواية صحيح البخاري معلوم لمعلوم، فهكذا يعني الوصية يوصي بشيء معين من مروياته، من مسموعاته، من أحاديثه من أي شيء إما لمعين، أو لغير معين، وقد يكون يوصي بغير معين -أيضا- كما ذكرت. هذه الوصية، يعني هي -أيضا- من أردأ الأنواع، لكن بعضهم يعتبرها تحملا صحيحا، إذا صاحبها إذن إذا كان مثلا قال: أوصي برواية صحيح البخاري لمحمد بن خالد الدمشقي مثلا وهو موجود يعني في الوجود، لكنه غير حاضر في ذلك المجلس، كأن يكون مثلا في البلد الفلاني، أو لم يكن حاضرا في نفس البيت الذي أوصى فيه، فيقول له الحاضرون: - يقولون لمحمد بن خالد الدمشقي - ويقولون: إن هذا الشيخ حينما أدركته الوفاة أوصى لك بأن تروي صحيح البخاري مثلا فهذا يعني مع وجود الخلاف، لكن يعني كثير من العلماء يعتبر ذلك تحملا صحيحا؛ لأنه يشابه ما سبق أن تكلمنا عنه، مع الفارق وهو عدم الحضور، لكنه يعني فيه وجه شبه بينه وبين الكتابة من بعد.
الوجادة: هي من الأنواع أيضا المتأخرة في هذه المسألة، الوجادة: كأن يجد التلميذ أحاديث بخط شيخه، وهو يعرفه معرفة جيدة، فهذه الأحاديث تجد التلميذ يذهب فيحدث بها، لكن إن كان الشيخ قد أجاز ذلك التلميذ برواية هذه الأحاديث، فهذا يعتبره بعضهم تحملا صحيحا، وإذا لم يجزه، فهو والوصية والإعلام والمناولة كل هذه في عدم الإجازة يعتبر ذلك تحملا غير صحيح، ما عدا عند طائفة من العلماء، لكن يعني: نحن كما قلت -الآن- نتابع الحافظ ابن حجر و أيضا أنا يميل قلبي إلى هذه المسألة الآن، والخلاف بلا شك أنه خلاف معتبر، هذا بالنسبة لهذه الأنواع من أنواع ومن صيغ التحمل والأداء ...............(2/16)
نعم هذا الحديث، يعني هو حديث أظنه مرويا من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أشاد بذكر من يأتون فيما بعد، ولم يروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وظن الصحابة أنه يمتدحهم فقال: لا، بل قوم يأتون من بعدي يجدون الكتاب المعلق. كما قلت هذا أذكر أنه من رواية عمر بن الخطاب، لكنه حديث ضعيف لا يصح؛ ولذلك لا يستدل به، قال الحافظ هنا في صفحة مائة وأربع وسبعين: وإلا فلا عبرة بذلك، يقول: إن صاحبه يعني ،إن صاحب هذه الأنواع إذن، وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة، معنى ذلك أن الإجازة العامة وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك، ماذا تعتبر؟
مردودة، فإذن هذه الأنواع الإجازة العامة وللمجهول وللمعدوم تعتبر مردودة شبيهة بالإعلام والوصية والإجادة والمناولة، إذا لم يصحبها إذن هذا معنى كلامه رحمه الله.
طيب: قبل أن ننتقل للمبحث الآخر، هل هناك تساءل حول صيغ التحمل هذه؟
يعني -مثلا- لو كتب للتلميذ أحاديث، وسرقت يقول الأخ: يعني لو سرق الكتاب الذي كتب فيه الشيخ أحاديثه للتلميذ، أو الكتاب الذي ناول الشيخ التلميذ إياه نقول: هذا يدخل في مسألة الضبط، تذكرون حينما قلنا الضبط ينقسم إلى كم؟ إلى قسمين: ضبط ماذا؟ ضبط صدر، وضبط كتاب: فضبط الكتاب يدخل في هذه المسألة معنى ذلك أنه اختل طبعا، ليس المقصود بضبط الكتاب أن يكون التلميذ، أو صاحب الكتاب فرط قد يكون بغير تفريط، كما ضربنا مثالا بقصة عبد الله بن صالح، كاتب الليث لا دخل له في المسألة: رجل صان كتبه، لكن له جار سوء ينسخ الأحاديث بخط يشبه خطه، ويكتبها في بيته، فيحدث بها على أنها من أحاديثه، فمثل هذا الحدث لا دخل لعبد الله بن صالح فيه، لكن العلماء اعتبروا ذلك قدحا في روايته، حتى ولو لم يكن له يعني دخل في المسألة، فكذلك أيضا لو سرق الكتاب، أو تلف، أو عبثت به الأيدي، أو ما إلى ذلك.(2/17)
خلاص يعتبر هذا الإنسان تحمل تحملا غير صحيح ...............يعني أنا قصدي ألا نفارق هذا الموضوع، حتى نعرفه، وننتقل إلى المسألة التي تليها.
لكن لا تتوسعون في الأسئلة التي ليست خاصة في نفس الموضوع.
س: يقول الأخ: ما الفرق بين الإجازة والإعلام مع وجود الإذن في الإعلام؟
ج: نقول: الإعلام يكون نوعا من أنواع الإجازة، لكنه من أردأ أنواعها؛ لأن أعلى أنواعها أن يدفع الشيخ كتابه إلى تلميذه إما هبة له، أو إعارة لينسخ منها الأحاديث، ويشافهه فيقول: هذه أحاديثي وهذه مسموعاتي فاذهب فاروها عني، فقد أجزتك بالتحديث بها، واضح أن هذا يختلف عن كون الشيخ يقول: إن صحيح البخاري أنا أرويه، فاذهب، فاحصل على أي نسخة قد أجزتك بروايته، ألا يتضح الفرق؟واضح الفرق، لكنها تدخل في أنواع الإجازة، ويعني من فصل إنما هو من قبيل التقسيم الفني لا غير، يعني من جعل الإعلام نوعا مستقلا فهو على أنه نوع مستقل، لكنه هو من أنواع الإجازة في حقيقة الأمر، كما ترون صنيع الحافظ ابن حجر في النكت.
س: يقول الأخ: إذا أرسل الشيخ إلى تلميذه كتابا فيه أحاديث، وكان الحامل لهذا الكتاب غير أمين، فهل تقبل هذه الأحاديث، أو لا ؟ من يجيب واحد، يجيب ما أجبت قبل قليل على هذا .............أجب عن السؤال نفسه.
ج: قد يقبل إذا كان التلميذ واثقا تماما من أن هذا هو خط الشيخ لا يمكن تقليده إطلاقا، أما إذا كان في المسألة ما يدعو للشك، فهذا يعتبر قدحا في هذا النوع من أنواع التحمل ........................(2/18)
نعم هذه وجه نظر يعني: من جعل هذا النوع، وقلت لكم: هذا هو مذهب ابن حزم وغيره أيضا قالوا إنه ما قال هذا مسموعاتي، حتى ولو لم يأذن له، المهم كأنه يعني جلس، فحدث بهذا الحديث، وقال: اسمع أنا أحدث بهذا الحديث، لكن ما أجيزه لك تحدث بهذا الحديث، فلا عبرة بكلامه إطلاقا ما دام أننا تأكدنا من أن هذا الحديث يرويه هو بهذا الإسناد، وهو ثقة في نفسه، فلا عبرة بما سوى ذلك، هذه وجه نظر، لكن الآخرون قالوا: إنه حينما لم يأذن له إذنا صريحا يحتمل أن يكون لذلك الحديث علة، لم يبينها، ولم يرد أن يحدث بهذا الحديث عنه، كل له وجة نظر.
س: يقول الأخ: لو أعدت الكلام باختصار عن المسألة التي توقف فيها الحافظ ابن حجر؟
ج: أقول: المسألة كلها عبارة عن أحاديث مكتوبة من الشيخ، يعطيها التلميذ مع الاختلاف في الطريقة، فإحداها: التلميذ في مكان بعيد، والشيخ بعث بهذه الأحاديث التي كتبها للتلميذ إلى ذلك التلميذ في بلده، واضحة الصورة أم لا؟
النوع الثاني: التلميذ هو الذي أخذ الكتاب من الشيخ مباشرة، دون واسطة البريد، دون واسطة أحد، الشيخ دفع الكتاب للتلميذ يقول في الصيغة الأولى: المكاتبة من بعيد، الشيخ لم ينص، يعني العلماء حينما أجازوا هذا النوع ما قالوا: يشترط إذن الشيخ في الكتابة، بل أجازوه على الإطلاق، يقول: فلماذا لم يجيزوا هذا النوع؟ لأن ابن حجر رأى الجمهور أجازوا النوع الأول ومنعوا النوع الثاني، يقول: فلماذا يجيزون النوع الأول، ويمنعون النوع الثاني، وكلها عبارة عن مكاتبة ومع العلم أن هنا التلميذ هو الذي أخذ الكتاب بيده دون واسطة أحد؟ فهذا السبب هو الذي دعا الحافظ ابن حجر للتوقف والجواب ذكرناه ...(2/19)
لكن أجازه، أو لم يجزه ...هذا يعتبر تحملا غير صحيح، إذا لم يجزه لكنهم اشترطوا أن يكون أجازه مثال ماذا؟ مثل عبد الله بن الإمام أحمد في بعض الأحاديث في مسند الإمام أحمد، تجدون عبد الله بن الإمام أحمد يقول: وجدت بخط أبي، ولو ذهبتم إلى كتاب القول المسدد للحافظ ابن حجر، ووجدتم رد الحافظ ابن حجر على من ادعى أن في مسند الإمام أحمد أحاديث موضوعة، لوجدتموه ينقد الأحاديث من هذا الباب كيف؟ يعني من جملة ما جابوا يعني كلاما طويلا في المسألة، لا أريد يعني أن يستولي على وقتنا، لكن موضع الشاهد من جملة ما ردوا به على من ادعى أن في مسند الإمام أحمد أحاديث موضوعة، يقول الحافظ ابن حجر: إن هذه الأحاديث الموضوعة إما أن تكون من الزيادات التي زادها عبد الله ابن الإمام أحمد؛ لأنه هو الراوي لكتاب أبيه، فهي أحاديث ليست من رواية عبد الله عن أبيه، ولكنها من رواية عبد الله عن شيوخه، فهي أحاديث زائدة يعني ليست من المسند، أو تكون أحاديث زادها أبو جعفر القطيي الذي هو الراوي عن عبد الله بن الإمام أحمد، الراوي للمسند عن عبد الله بن الإمام أحمد، فالقطيعي أحيانا يروي أحاديث من راويته هو عن شيوخ له، ليست لا عن عبد الله ولا عن الإمام أحمد، فهذه الأحاديث لو حذفناها لذهب جملة من الأحاديث التي قيل عنها إنها موضوعة.(2/20)
يبقى هناك جملة باقية يقول: هذه الأحاديث الباقية من جملتها أحاديث عبد الله بن الإمام أحمد هو الذي اجتهد، فأدخلها في المسند وإلا الإمام أحمد كان ضرب عليها وأبعدها من المسند، وعبد الله يقول فيها: وجدت بخط أبي، فأدخلها في المسند بحكم أنها من روايات الإمام أحمد، والإمام أحمد -رحمه الله- حينما ألف المسند انتقى الأحاديث انتقاء بمعنى أنه أخذ الصحيح والحسن والضعيف، والذي ضعفه ضعف منجبر ، ولكنه لم يدخل الموضوع، والموضوع إنما دخل من هذه الأبواب المذكورة فقط، فانظروا كيف أن الحافظ ابن حجر نقد هذه الأحاديث من منطلق ماذا؟ من منطلق الوجادة. فقال: هذه الأحاديث وجدها عبد الله، وقد يكون الإمام أحمد رحمه الله قصدا ما أودعها في الكتاب لأن فيها عللا.
أحد الأخوة يقول: لو سمحت أعد شرح الوجادة ؟ ما يزال مصرا ......
يعني الوجادة يا سادة: مثل حينما أجد كتاب في مكتبة العالم الفلاني، وليكن مثلا الشيخ محمد بن إبراهيم، أو عبد الله بن حميد رحمه الله، أو غيرهما، وهذا الكتاب نظرت وإذا به فيه أحاديثن ووجدت هذه الأحاديث بخط أنا أعرف خط هذا الشيخ وجدت أن هذه الأحاديث بخطه، فهل يجوز لي أن أروي هذه الأحاديث عن ذلك الشيخ بحكم أني وجدتها في كتابه؟(2/21)
قالوا: لا أنت لم تسمع هذه الأحاديث منه، ولم يأذن لك بروايتها فكيف يجوز لك أن تحدث بها وهو لم يأذن لك بروايتها؟ إن كان أذن لك لا بأس وأما إذا لم يأذن، فلا تحدث بها على أنها من مسموعك لا بأس أن تقول: وجدت في كتاب فلان، فإذا صرحت بهذا، معنى ذلك أنك أوضحت الصورة أمام الناس وجدت بخط فلان، طبعا هذا كله -أيها الإخوة- في الزمن الماضي حينما كان هناك رواية بالإسناد أما ما بعد ذلك، فالمسألة اختلفت فجميع الآن كتب السنة الموجودة عندنا تعتبر ماذا؟ تعتبر وجادة صحيح البخاري يعتبر وجادة، صحيح مسلم يعتبر وجادة يعني نحن وجدناه، ولو لم يكن لا بخط البخاري ولا بخط مسلم وإنما بخطوط تنوقلت بعد ذلك، لكن الآن كل الكتب هذه تعتبر وجادة، لكن الآن كل الكتب هذه تعتبر وجادة، وتعتبر صحيحة ولا يسوغ بحال من الأحوال أن يتوقف الإنسان عنها، خاصة الكتب المشهورة، نعم قد يكون هناك بعض الأجزاء الحديثية، أو الكتب غير المشهورة، فلا بد من توثيق صحة نسبتها إلى مؤلفيها، وهذه لها طرق علمية -إن شاء الله- تصلون إليها فيما بعد ............
س: يقول: هل هذه الأنواع الأخيرة لا تصح إلا بعد التدوين أم تصح قبله؟
ج: أقول: لا أدري ماذا يقصد الأخ بالتدوين؟ يعني هل يقصد بداية التدوين؟ بداية التدوين كانت من وقت مبكر، فالتدوين الرسمي بدأ في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- وإن كان يقصد يعني بعد انقطاع الرواية بالإسناد، فتكلمت عنها الآن بما يعني -إن شاء الله- أظن أنه واضح، فإن كان مقصده أثناء الرواية بالإسناد، فنعم كل الكلام هذا ينطبق على أثناء الرواية في الإسناد أما ما بعد ذلك، فالكتب كما قلت تعتبر كلها وجادة.
س: يقول: ألا تعتبر إجازة معلوم إلى معدوم عند الإسناد، يعتبر انقطاعا في السند ؟(2/22)
ج: نقول: نعم؛ ولذلك قلنا: إن هذا يعني مردودا حينما -مثلا- يقول الشيخ: أجزت رواية صحيح البخاري لمن سيولد لفلان، هذه إجازة لمن ؟ لمعدوم حتى الآن ما ولد، الله أعلم هل يولد له أم لا؟ فهذه تعتبر يعني مردودة، ويعتبر من أنواع الانقطاع في الإسناد.
س: يقول: هل كتاب من "حدث ونسي " للحافظ الخطيب البغدادي -رحمه الله - هل هو مطبوع، وإن كان كذلك فما رأيكم فيه؟
ج: أقول: لا ليس مطبوعا، والكتاب فيما أذكر للدار قطني ليس للخطيب البغدادي للدار قطني، لكن المطبوع هو تذكرة المؤتسي ... للسيوطي.
قال الحافظ بعد ذلك :
المتفق والمفترق والمؤتلف والمُختلفُ والمتشابه
ثمَّ الرُّواة إن اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم فصاعدًا، واختلفت أشخاصهم: فهو المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطًا ، واختلفت نطقًا : فهو المؤتلف والمُختلفُ. وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء ، أو بالعكس : فهو المتشابهُ ، وكذا إن وقع ذلك الاتفاقُ في الاسم واسم الأب ، والاختلافُ في النسبة. ويتركب منه وممَّا قبله أنواع : منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين. أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك.(2/23)
هذه -أيها الإخوة- الأنواع الآتية كلها مباحث سهلة، المقصود منها ماذا؟ أن تكون -يا طالب علم الحديث- حينما يواجهك إسناد من الأسانيد تعرف كيف تتصرف، فأحيانا يأتيك في ثنايا الإسناد مثلا حدثنا عمر بن الخطاب، وهذا في طبقة من الإمام أحمد فما تغتر، وتذهب، ، وتقول: إن عمر بن الخطاب هذا هو الصحابي الجليل ثاني الخلفاء الراشدين إلى آخر ما هنالك، لو قلت هذا يضحك عليك الصبيان، أو لا؟ يضحكون، وأضرب لك مثالا على ذلك هنا أحد الكتب التي تطفل بعض الناس على تحقيقها، وهو ليس له فيها معرفة، إنسان متخصص في التفسير، والتفسير أيضا معروف كيف يدرسونه، ليس هناك دراسة حقيقية له، فالمهم أنه حقق كتابا للداراقطني في الرجال، وكنت في الحقيقة حينما رأيت الكتاب فرحت به؛ لأنه أول مرة يطبع فاقتنيته، وأثناء عملي في الأسانيد والبحث والمطالعة رأيت العجب العجاب، يعني الرجل مسخ الكتاب مسخا، ومن العجائب التي أذكرها لكم في هذه المناسبة الإمام مالك -رحمه الله- متوفى في سنة مائة وتسع وسبعين، ألف كتاب الموطأ وحينما ألف كتاب الموطأ حدث به تلاميذه عدة مرات.
وروى هذا الكتاب عن الإمام مالك عدد جم، وجم غفير من الرواة: الشافعي، عبد الله بن وهب، عبد الله بن مسلم القعنبي، يحيى بن بكير، يعني جمع كبير من الرواة.(2/24)
فالدارقطني -رحمه الله- يسأله تلميذه هذا أبو عبد الرحمن السلمي، فيقول: من أوثق الناس في الموطأ؟ فقال: ابن وهب وبكير، المهم إلى أن قال: ومعن، فحينما قال: ومعن، طبعا هو هذا بحكم يريد يخدم الكتاب كل رجل من هؤلاء يترجم له في الحاشية، فمعن وضع رقما، وقال: معن هذا هو معن بن يزيد صحابي، وأبوه صحابي تضحكون طبعا؛ لأنه جعل الصحابي يروي عن الإمام مالك، الإمام مالك يعني ما رأى ولا واحدا من الصحابة، فكيف يأتي صحابي، ويروي عن الإمام مالك، فهذا يدل على جهله الفاضح بطبقات الرواة، التي سيأتي -إن شاء الله- الكلام عن أهميتها، فالسبب ما هو حينما قال: معن، فتح كتب الرجال ومسك أي معن من أطراف معن، هات، نعم هو معن بن يزيد، معن بن يزيد تذكرون قصته الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " لك ما نويت يا معن ولك ما أخذت يا يزيد "
فمعن هذا في الحقيقة اسمه: معن بن عيسى القزاز، أحد رواة الموطأ ، وهو من الرواة الثقات في موطأ الإمام مالك .
هنا تكمن أهمية هذا العلم، فينبغي لطالب العلم أن يتنبه حينما يأتيه راو من الرواة رجل في الإسناد ينظر هل هذا الراوي في هذه الطبقة؟ والراوي الذي طالعه في الكتاب يمكن أن يكونا في زمن واحد أم لا؟ إن كانت المسألة واضحة كأن يأتيه -مثلا- رجل يروي -مثلا- عن الإمام مالك، واسمه عمر بن الخطاب، فهو تمام إذا، فتح كتب التراجم على عمر بن الخطاب، بيقين لن يذهب إلى عمر بن الخطاب الصحابي؛ لأنه لا يمكن أن يروي عمر بن الخطاب عن الإمام مالك، والسبب أن المسألة واضحة من خلال الزمن يستطيع التفريق، لكن يكمن الإشكال في ماذا ؟(2/25)
يكمن الإشكال حينما يكون جميع هؤلاء الرواة في سن متقاربة، في طبقة واحدة، فهنا يقع الإشكال ينبغي له ألا يتعجل -أيضا- ولكن ينظر في الشيوخ والتلاميذ، ويحدد من هو الرجل الذي يقال له عمر بن الخطاب بالضبط الموجود في هذا السند، فإذا حدده، فالحمد لله، وإذا لم يحدده، فعلية أن يستعين بالكتب التي ألفت في هذا الشأن، وحتى لو أراد أن يستريح من عناء المشوار وطوله فبإمكانه أن يعمد إلى الكتب التي ألفت في هذا ؛ ولذلك أفرد هذا المبحث من علوم الإسناد لأجل التسهيل على طالب العلم، فيقول: انتبه إذا جاءك مجموعة من الأسانيد، أو إسناد معين، وأردت أن تبحث في راو، فوجدت هناك رواة يشتركون معه في الاسم واسم الأب ومن فوقهم -أيضا- قد يكون، فعليك أن تتنبه، وتحذر لا تتعجل، فارجع للكتب التي ألفت في هذا، ما هي الكتب التي ألفت في هذا؟ قال: هذا النوع بهذه الصورة إذا وجدت اسمه اسم الراوي واسم أبيه، فما فوقه يعني على الأقل يكون اسمه واسم أبيه هذا أقل الدرجات، وقد يتسلسل الأمر قد يكون اسم جده أيضا، وقد تكون نسبته أيضا فلا بأس، لكن إذا كان فقط اسمه هو، فلا يعتبر من هذا النوع الذي نذكره الآن، هذا سيأتي إن شاء الله، فأقل ما هنالك أن يكون اسمه واسم أبيه متفقين، فهذا النوع يسمى المتفق والمختلف يعني اتفقوا في الاسم واسم الأب، وما بعد ذلك وافترقوا في شخصياتهم، فهذا الراوي غير ذاك الراوي، فانتبه لا تجعل راويين، أو أكثر راويا واحدا، فإنك إذا فعلت هذا تقع في اللبس، واللبس يظهر أكثر حينما يكون بعض هؤلاء ثقة، وبعضهم ضعيفا، فحين ذاك قد تصحح الضعيف، وقد تضعف الصحيح فهنا تكمن أهمية هذا العلم .(2/26)
في هذا مؤلف جيد ورائع للغاية، لكنه ما طبع حتى الآن وهو كتاب: "المتفق والمفترق" للخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- وهو كتاب رائع، وأذكر لكم من روعته أنني حينما كنت أترجم لسعيد بن منصور، ليكون مقدمة لكتابه السنن، واجهني في أثناء بحثي أنني وجدت هناك أناسا متأخرين، يقال: له فلان بن فلان بن سعيد بن منصور، فقلت: لعل هؤلاء يكونوا من ذرية هذا الإمام العظيم، فتكون ذرية طيبة بعضها من بعض؛ لأنهم يعني: محدثون، وفيهم من الزهد والصلاح ما فيهم، فقلت: لا أتعجل لأنظر هل هناك من يقال له سعيد بن منصور غير صاحبي هذا، أو لا؟
فذهبت إلى كتاب "المتفق والمفترق" للخطيب البغدادي، فوجدته يذكر أربعة كلهم يقال له: سعيد بن منصور، فلا أستطيع أن أجزم أن جد هؤلاء هو الرجل الذي أترجم له، فهنا تكمن فائدة هذا الكتاب يعني أنت لا تظن أن ما في الدنيا غير سعيد بن منصور هذا، هناك يعني: أناس آخرون فكذلك -أيضا- لو بحثت في الإسناد، فوجدت أن هناك بعض الرواة الذين يقال له: فلان بن فلان، فانتبه فقد لا يكون هو الرجل الذي تريد.(2/27)
قلت: إن هذا النوع يقال له: المتفق والمفترق، بشرط الاسم واسم الأب على الأقل، لكن إذا اتفقت الأسماء خطا، واختلفت نطقا، فهذا يقال له ماذا؟ يقال له المؤتلف والمختلف، يعني هم يفرقون بحسب الوجود الذي فيه الاسم، أو اسم الأب، وهل يمكن أن يكون جميعا، أو بعضهما وهكذا، فإذا وجدنا مثلا على كل حال لا أرى أنه مثل بمثال، لكن ممكن أن أمثل لكم ببعض الأمثلة في هذا إذا وجدنا مثلا محمد بن عَقيل، ومحمد بن عُقيل الآن بهذه الصورة لو لم تشكل أحد يستطيع يفرق بين الاثنين؟ ما أحد يستطيع أن يفرق قد يقرأها أحد الناس محمد بن عقيل كلها، لكن في حال الضبط يتبين أن أحدهما أول اسم والده مضموم، وهو محمد بن عُقيل، فمحمد بن عُقيل غير محمد بن عَقيل هذا راو وهذا راو، هذا له شيوخ وهذا له شيوخ، هذا من بلد وهذا من بلد آخر، فهذا هو مقصوده بقوله: إن اتفقت الأسماء خطا واختلفت ماذا؟ نطقا يعني تجدون الاسم واحدا، فهذا يقال له المختلف والمؤتلف، نعم مثل عبيده، لكن عبيده إن وجد من يشابهه في اسم الأب، ويختلف فهذا نعم، حتى لو كان (عكسها) الآن نص عليه قال: وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء، أو بالعكس فهو المتشابه.
دعونا نرجع قليلا إلى النوع السابق، قال: وإن اتفقت الأسماء خطا واختلفت نطقا هذا اسم مَن اسم الراوي نفسه، مثل بَشير وبُشير، فهذا نسميه ماذا؟ نسميه المؤتلف والمختلف.
وأما المتشابه، فهو المثال الذي مثلت به قبل قليل وهو محمد بن عَقيل ومحمد بن عُقِيل، تجدونه في صفة مائة، وتسع وسبعين، قال: إن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء، أو بالعكس وهو المتشابه هذا جواب على سؤالك يا أخي.(2/28)
ومن أمثلته أيضا شُريح بن النعمان وسُريج بن النعمان، فهذا أيضا يقال له المتشابه، على كل حال: كل هذه الأنواع مما ألف فيه العلماء خدمة لطلاب العلم، فالنوع الأول، وهو النوع السابق وهو "المؤتلف والمختلف" هناك كتاب نافع وجيد جدا للحافظ الدارقطني -رحمه الله تعالى- وهو مطبوع وموجود في الأسواق، يقع في أربع مجلدات والخامس هو الفهارس، كتاب "المؤتلف والمختلف" للدارقطني هناك أيضا من ذيل عليه كالخطيب البغدادي، المهم إلى أن جاء ابن ماكولا -رحمه الله تعالى- فأخذ ما في هذا الكتاب وما في الذيول والاستدراكات عليه، وزاد عليه في كتاب سماه "الإكمال" والإكمال هذا أيضا مطبوع في سبع مجلدات، طبع قديما بتحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي -رحمه الله تعالى- وذيل عليه نفسه ابن ماكولا، يعني استدرك على نفسه أشياء فاتته، ثم جاء بعده ابن نقطة فذيل عليه، وهكذا مازال التذييل عليه جاريا حتى فترة متأخرة، يعني هي تقريبا وقت الحافظ ابن حجر، ومثله ويقاربه المتشابه.
المتشابه ألف فيه الذي هو يعني محمد بن عَقيل ومحمد بن عُقِيل، ألف فيه الخطيب البغدادي -رحمه الله- كتابا نافعا عظيما مطبوع في مجلدين أيضا اسمه "تلخيص المتشابه" وتجدون أن الدارقطني والخطيب البغدادي وابن ماكولا وغيرهم يأتون للرجل الذي يقال له -مثلا- بريد بن أبي مريم، ويزيد بن أبي مريم، فيقول: من اسمه بريد ومن اسمه يزيد؛ لأن في السابق ما كانت المخطوطات تنقط كما قلت لكم سابقا في الكثير من الأحيان، فرسم هذا الاسم يتشابه تماما مع رسم الاسم الآخر، ما عدا نقطة من تحت، ونقطة من فوق، فإذا لم تكن هناك نقط، فمعنى ذلك أن الاسم فعلا يتشابه ومثله أبو الجوزاء وأبو الحوراء، كلهم رواة بهذه الصورة أبو جمرة وأبو حمزة، وهكذا تجدون أن هذه الكتب تنفع طلاب العلم في هذا، فيقول: انتبه بريد بن أبي مريم يختلف عن يزيد بن أبي مريم.(2/29)
بريد بن أبي مريم يروي عن فلان وفلان وفلان، وهو -مثلا- كوفي يزيد بن أبي مريم يروي عن فلان وفلان وفلان، وهو -مثلا- جزري، وهكذا يفرقون بين هذا الراوي، وبين ذاك الراوي خدمة لطلاب العلم.
من المتشابه أيضا: إذا وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة فهذا أيضا من أنواع المتشابه، فمثلا محمد بن خالد الدمشقي، ومحمد بن خالد النيسابوري، كلاهما يقال له: محمد بن خالد، لكن هذا نسبته إلى نيسابور، وهذا نسبته دمشقي، ففرق بين هذا وبين ذاك، لكن مثل هذا الذي عده الحافظ ابن حجر من أنواع المتشابه، يعني أنا يترجح لي أنه هو إلى المتفق والمفترق أقرب؛ لأن التشابه وقع في اسمه واسم أبيه؛ ولأنني وجدت في تفريق الخطيب البغدادي في من اسمه سعيد بن منصور، أنه أودعهم في المتفق والمفترق، مع العلم أن كل واحد منهم يختلف عن الآخر، فبعضهم سعيد بن منصور خراساني، وبعضهم -مثلا- مكي وبعضهم مدني، وهكذا فيختلف هذا عن هذا، ومع ذلك عدهم في المتفق والمفترق.
وعلى كل حال كل هذه الأنواع فيه نوع تشابه بينها، ولكن المقصود أنه حينما يحصل لنا أي نوع من هذه الأنواع من التشابه، نرجع إلى هذه الكتب المؤلفة المؤتلف والمختلف، المتفق والمختلف المتشابه، فنستطيع أن نميز -إن شاء الله- بين هؤلاء الرواة.(2/30)
يقول الحافظ: ويترتب منه يعني من هذا النوع، ومما قبله الذي هو المتشابه والمؤتلف والمختلف أنواع من هذه الأنواع، أن يحصل الاتفاق، أو الاشتباه يعني في اسم الراوي واسم أبيه ما عدا حرف، أو حرفين، ويمثل له بمحمد بن سنان ومحمد بن سيار، لاحظوا -أيها الإخوة- نرجع إلى ما قلت لكم في المخطوطات أنها لا تنقط، لو وجدتم محمد بن سيار ومحمد بن سنان مع حذف النقط، تجدون أنه فعلا هناك تشابه بين الاسمين لأن النون أحيانا، قد لا يتمها صاحبها، لا يتم زاويتها الأخيرة، فتصبح تشبه ماذا؟ تشبه الراء، فيحصل فعلا اللبس بهذه الصورة مثله -أيضا- محمد بن حنين ومحمد بن جبير، إذا لم يكن هناك نقط بلا شك، إن الشبه قريب جدا؛ لأن النون قد لا يتم زاويتها أيضا الكاتب، فتصبح كأنها جبير؛ لأن النقط التي تميز لم يكونوا يستعملونها إلا في الأخير، فهذه من هذه الأقسام.
من أمثلة ذلك أيضا يعني من الأنواع في هذا: الاتفاق في الاسم، والشبه في اسم الأب، ما عدا زيادة حرف، ونقصان حرف مثل عبد الله بن زيد، وعبد الله بن يزيد فعلا يحصل تشابه كثير جدا بين هذين النوعين، ومثله أيضا عبيد الله بن زيد وعبد الله بن زيد، تجد يعني أن زيادة الياء في عبيد الله على عبد الله مظنة أيضا للاشتباه، والذي يتعامل مع الأسانيد يجد فعلا أن هذه المشاكل تواجهه في كثير من الأسانيد، يعني إلى هنا ينتهي الكلام في هذه الأنواع، وأختمها بقولي: إن بعضكم الآن قد لا يدرك أهمية هذه الأنواع المذكورة، التي نص عليها الحافظ ابن حجر، لكن إن أمدَّ الله في أعماركم، وواصلتم المشوار، وخضتم غمار الأسانيد والتعامل مع المخطوطات، وتحقيقها ستجدون فعلا أن الواحد أحيانا تكتنفه بعض العقبات، التي -أحيانا- لا يستطيع أن يحلها إلا أن يشاء الله، ويفتح عليه ببعض الفتوحات.(2/31)
فأذكر لكم من جملة ما عانيته، حتى تعرفوا عن أهمية هذا العلم أنني صادفني أحد الأسانيد في سنن سعيد بن منصور، نقط ما في نقط ، وجاءني يعني بالحرف الدقيق اسم يمكن يكون: عتبة، ويمكن يكون عقبة؛ لأن -أيضا- الحرف ما كان تميز فيه التاء من القاف، يعني ليست الضمة واضحة، فالتاء مشتبهة مع القاف تماما، وما بعده جاء رسم الكلمة رسما غريبا، حاولت أن أقلبه على جميع الوجوه؛ لأنني يعني أدرك هذه الأمور فقلت: هو مظنة التصحيف، مظنة القلب، مظنة أن يكون يعني كل هذا موجود، فقلبتها على جميع الوجوه سفيان، سفين، كل هذه الأشياء، المهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، جردت بعض كتب الرجال في من اسمه عقبة وعتبة ما وجدت. ويشهد الله، يعني أن هذا كان في أوائل الثمانينيات وأخذت مني أكثر من أربع سنوات شغل، ومع ذلك كل فترة وأنا أرجع إليه مرة ثانية، وأبحث، ويعني عجزت تماما، فلما حصلت المناقشة، ويمكن بعض الإخوة كان حضر الشيخ الفاضل عاصم القريوسي، أفاده -سبحان الله- فتح الله عليه أنه يرجع إلى "الإكمال" لابن ماكولا، وبدأ يقلب فيه، وفي تبصير المنتبه للحافظ ابن حجر، فوجد أن اسمه عقبة بن صُعير، فتصحفت عندي قليلا......تشبه صفين، أو كذا، وكان بإمكاني أن أعثر عليه لو كان لهذا الرجل ترجمة؛ لأني جربت -كما قلت لكم- كل هذه الأسماء في كتب الرجال، ما وجدت إلا أنني ما رجعت للإكمال، هذا على اعتبار أن هناك ما هو أوسع منه في كتب الرجال.(2/32)
ففعلا هذا الرجل ما ذكر لا في التاريخ الكبير للبخاري، ولا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ولا في رجال الكتب الستة، ولا في رجال الأئمة الأربعة، ولا في الثقات لابن حبان، ولا في من بعدهم ولا في من قبلهم كطبقات ابن سعد، ولا شيء إطلاقا ما ذكر فيها مطلقا، فهنا تكمن أهمية هذا العلم، وفعلا كنت توقفت واحترت فيه، ووضعت الاحتمال، وقلت: إنني عجزت عن فك هذا الإشكال، لكنه -أثابه الله- أفادني هذه الفائدة التي فرحت بها فرحا شديدا، ويمكن يعني ما تدركون أهمية هذا، لكن ما تتصورون تلك الساعة، حينما أخبرني مدي فرحتي بالعثور على هذا الرجل.
وإن مد الله في أعماركم، ستجدون من هذا أمثلة وأمثلة كثيرة، على كل حال الساعة، اقتربت من العاشرة، ووصلنا إلى قول الحافظ.. الخاتمة
ومن المهم معرفة طبقات الرواة، وكل هذا -إن شاء الله- سنأخذه في يوم غد، إن استطعنا، وإن بقي شيء يبقى لليوم بعد غد، لكن أرجو أن أنهيه في يوم غد، إن شاء الله.
س: أحد الإخوة يقول: كيف نستطيع التفريق بين الأسماء عند البحث في الإسناد؟
ج: أقول: تستطيع التفريق بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، هذا أولا وبالاستعانة بالكتب التي ذكرتها، قبل قليل ثانيا، مثل المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، والمتشابه، وكل هذه .
س: أحد الإخوة يقول: يأمل منا الدعاء لأخ من الإخوة، مصاب بكسور عندما رجع من رحلته إلى الحج.
ج: نقول: نسأل الله -جل وعلا- أن يعافيه مما أصابه.
س: أحد الإخوة يسأل عن سنن سعيد بن منصور، متى ستخرج ؟
ج: نقول: إن شاء الله، يعني نتوقع بعد حدود شهر، إن شاء الله.
س: يقول: أليس معروفا عندهم -مثلا- إذا كان الحرف باء يقوله: الباء الموحدة ؟
ج: أقول: هذا جاء عند المتأخرين كالحافظ ابن حجر، ويمكن الأخ يقرأ في تقريب التهذيب، لكن المتقدمين يعني حينما يكتبون، ما كانوا يقولون هذا الكلام.
س: يقول: الأخ هلا أعدتم متى تكون صور التحمل صحيحة؟ ومتى تكون غير صحيحة؟(2/33)
ج: أقول: هذا يلزم إعادة كل صيغ التحمل، لكن الأنواع الأولى التي هي السماع والعرض والإجازة الصحيحة، التي ذكرناها، وهي الإذن بالإجازة هذه تعتبر من أنواع التحمل الصحيحة، أما العشرة التي لا يصاحبها إذن فهذه فيها ما فيها، ما عدا المكاتبة، فالجمهور على اعتبارها تحملا صحيحا.
س: يقول: كثيرا ما يرد اسم رجل واسم أبيه سلام، وسلام متى نفرق بينهما؟
ج: أقول: تفرق بينهما بكتب الرجال التي تحدثنا عنها مثل: "تلخيص المتشابه" للخطيب البغدادي، و"المؤتلف والمختلف".
س: يقول: هل أستطيع البحث عن حديث تسمية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الوضوء، حديث جابر - رضي الله عنه - في كتاب "فردوس الأخبار" أرجو الإرشاد، وتوضيح طريقة الكتاب ؟
ج: أقول: طريقة هذا الكتاب عسرة، هو مرتب على الحروف ..كتاب "فردوس الأخبار" .. لكنه ترتيب غير دقيق؛ ولذلك يتعب الذي يريد أن يبحث فيه، وأما بالنسبة لحديث جابر، فأظن أن الإشكال -إن شاء الله- قد حل؛ لأن الذي قلت لكم: إنه ذكر أنه من حديث جابر إما أن يكون أخطأ، أو يكون فعلا ورد أيضا من حديث جابر؛ لأن أحد الإخوة جاءني به من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - وسأطالع فيه إن شاء الله.
س: يقول: في آخر الكتاب النسخة المحققة فهرس لأسماء الكتب الواردة في النزهة، هل ينبغي لطالب هذا العلم أن يحصل على المطبوع منها، أم هناك تفصيل؟
ج: أقول: بلا شك أنه إذا استطاع أن يحصل على المطبوع منها، فهذا من باب الكمال، أما إذا كان مثلا لا يستطيع إما لظروف مالية، أو غير ذلك، فعليه أن يأخذ بالجوامع منها.(2/34)
س: يقول: بعض الإخوان، بل الكثير منهم يتهاون في أمر السترة، فترى بعضهم يصلي إلى غير سترة، وليس بينه وبينها إلا سنتيمترات بسيطة، أو خطوات معدودة، وهذا خلاف السنة والأولى؛ ولأني لاحظت هذا ولاحظه غيري، وفي نفس الوقت لم نلاحظ تنبيها عليه، أو إنكارا له، فلو أرشدتم الشباب إلى ذلك الأمر، ولكم أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، إن شاء الله ؟
ج: أقول: جزاك الله خيرا -يا أخي- وفعلا نحث الإخوة الذين يتساهل الواحد منهم، فلا يصلي إلى سترة، أن يصلي إلى سترة؛ حتى لا يقطع عليه أحد صلاته، وهذا أمر مسنون، بل هناك من خالف، يعني من اعتبر ذلك أمرا واجبا، وإن كنا نخالفه في ذلك، لكن أقل الأحوال أن هذا أمر مندوب ومسنون.
س: يقول: هل حدث أن شيخا أجاز لأحد تلاميذه برواية حديث، أو أحاديث، ولكنه يعني الشيخ امتنع عن الإجازة لتلميذ آخر، وإذا كان حدث هل تكون تحملا صحيحا من التلميذ، الذي لم يجز له بالرواية ؟
ج: أقول: والله أنا ما أذكر الآن شيئا، لكن ليس ببعيد يعني قد يكون بعض المشايخ مثلا عسرا في الرواية، ويمتنع من التحديث لبعض التلاميذ، هذا يعني موجود، يعني لو طالعتم في بعض كتب التراجم تجدون يصفون بعض الشيوخ بأنه عسر في الرواية .... يعني إذا عرف أن هذا الشيخ حدث بهذا الحديث، يختلف الأمر إن كان الحديث، وجد أن الشيخ دفعه لتلميذ كتابة، وأذن لهذا التلميذ، ولم يأذن له، فهذا لا يعتبر تحمله تحملا صحيحا، لكن إذا كان الشيخ قال مثلا لهذا التلميذ شوف أنا أحدثك، لكن ما آذن لفلان أن يحدث به عني، أحدثك أن فلانا حدثني بكذا وكذا وكذا، ثم ذكر الحديث فهذا هو متنه من لفظه، فهنا يجوز للطرف الآخر أن يحدث به، حتى ولو كان لا يرضى بذلك.
س: أحد الإخوة يقترح أن يكون آخر درس درسا عاما في فضل علم الحديث ومكانته، والحث على طلبه، وطرق تدريسه ودراسته.
ج: أقول: أرجو أن يتسع الوقت لذلك إن شاء الله.(2/35)
س: يقول: هل من يريد تحقيق أحد الكتب، يرجع إلى المخطوطة الأصلية؟
ج: أقول: بلا شك يعني الآن ينبغي أن لا تكون الأسئلة بهذه الصورة، يعني البيت الذي يريد الإنسان أن يصعد إلي سطحه، لا بد أن يمر بالدرج ما يستطيع أن يقفز قفزة واحدة، وهو في السطح، فمرحلة تحقيق المخطوطات مرحلة يعني ليست من السهولة بمكان، والذين يتساهلون في تحقيق المخطوطات تجد أنهم يقعون في أمور مستشنعة من التصحيف والتحريف والتلاعب، ويعتبر هذا من التلاعب بدين الله -جل وعلا- يعني لو مثلا ذكرت أن فلانا المذكور في هذا الكتاب، هو فلان بن فلان وأخطأت، فمعنى ذلك أنك غششت طالب العلم الواقف عليه، ولو صحفت في حديث من الأحاديث مثلا معنى ذلك أنك صحفت في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل هذه من الأمور التي لا ينبغي التساهل بها، فطالب العلم عليه أن يؤصل، يكون نفسه أولا، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة الإنتاج.
س: يقول: لدي رغبة شديدة في إنشاء مكتبة حديثية متكاملة، فأرجو بيان جميع الكتب، التي احتاج إليها في البحث والتخريج وغيرها، ونرجو إجابة مطولة ؟
ج: بسم الله، أقول: أما بالنسبة للكتب، فأنا أجيبك إجابة في الحقيقة مطولة يصعب هذا، إذا أردت إجابة مطولة، فيمكنك أن ترجع لبعض الكتب التي تتحدث عن أدب الطلب، مثل حلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله- فإنه ذكر الكتب التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، لكن أقول لك على الإجمال الكتب الستة، وهي معروفة الصحيحان والسنن الأربع، ومسند الإمام أحمد، وصحيح ابن خزيمة، وابن حبان ومستدرك الحاكم، ومسند أبي يعلى، وهكذا غير ذلك من الكتب الحديثية، لكن هذه تقريبا هي أجمعها.(2/36)
كذلك -أيضا- يحتاج الأمر أن تكون لك كتبا من كتب الرجال، فاهتم بثلاثة كتب، يعني في البداية وهي: تهذيب الكمال للمزي، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، وتقريب التهذيب، كذلك إذا أضفت إليها مثل: لسان الميزان وميزان الاعتدال، وتعجيل المنفعة فهذه أيضا تعتبر من باب التكميل إذا أردت أن تستوعب أكثر، فهناك أيضا سير أعلام النبلاء، هذا مع أن هذه الكتب لا يستغنى بها عن كتب الأصول، ككتاب التاريخ الكبير للبخاري وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وكتاب الثقات لابن حبان، فكل هذه من كتب الرجال المهمة.
.... نحاول إن شاء الله.
س: أحد الإخوة يقول: إنني قفزت قول الحافظ، وعنعنت بن عاصم، محمولة على السماع إن لم يدلس إلى آخره.
ج: فأقول: صحيح يعني أنا كان المفروض أنني أنبه عليها، لكن على كل حال هي سبق الكلام عنها سابقا، حينما ذكرت لكم الخلاف بين البخاري ومسلم في مسألة اللقي والمعاصرة، فهذا يعتبر تكرارا، لكن -إن شاء الله- أنبه عليها يوم غد، بإذن الله جل وعلا.
وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك، ونتوب إليك.
طبقات الرواة
ومن المهم معرفة طبقات الرواة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وقفنا البارحة على الخاتمة التي ختم بها الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- كتابه العظيم النافع "نخبة الفكر" فقال -رحمه الله- خاتما:
ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم: تعديلا وتجريحا وجهالة .(2/37)
ابتدأ -رحمه الله- بالتنصيص على أهمية معرفة طبقات الرواة، وهذه المسألة تكررت معنا، فيما مضى من الشرح، فالطبقة: -كما نص عليها الحافظ -رحمه الله تعالى- في شرحه- هي عبارة عن جماعة من الرواة اشتركوا في السن تقريبا يعني وليس تحديدا، كما ذكرته سابقا- وفي لقاء المشايخ، وليس المراد في كل شيخ، ولكن يشتركون في بعض الشيوخ. وهذه السن -لعلكم تذكرون- أننا في الليلة البارحة ذكرنا لهم وصفا، فما هو الوصف الذي قلناه عن هذا النوع من الرواة؟ أحسنت.
هؤلاء يقال لهم: الأقران، الذين يشتركون في بعض الشيوخ، وسنهم متقاربة، يقال لهم: الأقران، لكن لا يلزم من كل طبقة أن يكونوا أقرانا. ففي الغالب أن القرين يوصف بهذا الوصف إذا ظهرت منه بعض الأشياء، التي يمكن أن يوصف بهذا الوصف بسببها، وقد يتوسع في الإطلاق، فيقال لكل أهل الطبقة بهذه الصفة يشتركون في بعض الشيوخ، وفي السن: إنهم أقران، لكن إذا أطلقت في الغالب، فإنها تطلق على من أريد التنصيص عليه بسبب ما يحدث بين الأقران غالبا، من بعض الخلافات التي لا تخفى عليكم.
الطبقة: -أيها الأخوة أيضا قد تحدد أكثر من هذا التحديد، فمثلا يطلق أحيانا على المحدثين الذين بهذه الصفة أنهم طبقة، ويطلق أحيانا على القراء، وأحيانا على الفقهاء؛ ولذلك تجدون هناك بعض المصنفات التي بهذه الصفة، فمثلا "طبقات المحدثين" بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني -رحمه الله تعالى- رتب كتابه هذا على الطبقات، فلا يلزم من هذا أن كل طبقة يذكرهم يشتركون -تماما- في بعض الشيوخ، أو يكونون فعلا -يعني- في سن متقاربة، ولكن الفترة الزمنية التي تجمعهم، حتى ولو اختلف شيوخهم، فهؤلاء قد يسمون طبقة، وإن كان في الغالب -وبخاصة إذا ما كانوا في بلد واحد كأصبهان- أنهم يشتركون في بعض الشيوخ.(2/38)
لكن قد نجد من وضع في طبقة واحدة، هو وإنسان آخر، ولا نجد أنهما اشتركا في بعض الشيوخ. كذلك أيضا هناك طبقات القراء الكبار للحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- فهو أفرد أهل صفة معينة، وهم القراء فقط، أفردهم بالتصنيف كما أن أبا الشيخ أفرد المحدثين -فقط- بالتصنيف.
وهناك طبقات الفقهاء للشيرازي هذا -يعني- أفرد الفقهاء -فقط بالتصنيف- ورتبهم على الطبقات، كذلك أيضا هناك طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي، فأحيانا تحدد الطبقة بمن يشترك في صفة معينة، إما كالحفظ، أو نقل الحديث، أو الاشتراك في القراءة، أو غير ذلك مما أشرت إليه، وبهذه المناسبة أيضا ننبه على كتاب "طبقات الحفاظ" أيضا للسيوطي، فهو أفرد الذين وصفوا بالحفظ، ورتبهم على الطبقات، وهذا يختلف عن كتاب الذهبي الذي هو تذكرة الحفاظ، وإن كان تذكرة الحفاظ مرتبا على الطبقات، لكن كتاب السيوطي -فعلا- أراد الحفاظ الذين عرفوا بحفظ الحديث، وأما كتاب الذهبي، فإنه قصد بالحفاظ ليسوا الحفاظ -فعلا- الذين عرفوا بقوة الحافظة للحديث، ولكنه نبه في المقدمة أنه قصد بالحفاظ الرجال الذين أثر عنهم الكلام في الرواة: جرحا وتعديلا، وفي الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، حتى وإن كان حفظهم ضعيفا.
فلعلكم تنتبهون لهذه المسألة حتى لا يظن ظان أن كل من ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ معني ذلك أنه حافظ محتج به.. لا ،فمثلا الذهبي ذكر ابن لهيعة في تذكرة الحفاظ هل هذا -يعني- أن ابن لهيعة حافظ؟ لا .معروف أن ابن لهيعة ليس بحافظ. كذلك ذكر أبا حنيفة، وأبو حنيفة متكلم في حفظه -أيضا- فهو ضعيف الحديث من جهة حفظه. وهكذا -يعني- غيرهم ممن ذكرهم من حديثهم يعتبر من نوع الحديث الضعيف، لكنه قصد أن هؤلاء حق عنهم الكلام في الرواة جرحا وتعديلا، فابن لهيعة تؤثر عنه بعض الأقوال على قلتها، وكذلك أبو حنيفة، رحم الله الجميع. طبقات الحفاظ للسيوطي: يقصد من وصفوا بالحفظ.(2/39)
طبقات المحدثين بأصبهان هذا لأبي الشيخ الأصبهاني، وأما طبقات الفقهاء فهذا لأبي إسحاق الشيرازي.
نعم، معرفة القراء الكبار هذا للذهبي، رتبه أيضا على طبقات. فإذا هذا هو تعريف الطبقة، فإذا يمكن أن نستوعب مفهوم الطبقة؛ حتى نتسلسل -يعني- في ما يبقى من الكلام.
فالطبقة إذا -يعني- مثلا إنسان ولد في سنة مائة للهجرة، وتوفي سنة مائة وسبعين، وإنسان آخر ولد في سنة مائة وخمس، وتوفي سنة مائة وخمس وسبعين، وآخر ولد في سنة مائة وعشر، وتوفي سنة مائة وثمانين، هؤلاء يعتبرونهم في ماذا ؟ في طبقة واحدة مثلا.
فالذهبي -رحمه الله- في كتابه "تاريخ الإسلام" يحدد الطبقة بعشر سنوات، ومنهم من يحددها بأكثر، ومنهم من يحددها بمفهوم آخر، فتحديد الطبقة ليس مصطلحا عليه تماما، بحيث تكون قاعدة يسار عليها عند الجميع، لا كل واحد ممن صنف على الطبقات، يحدد لنفسه مفهوما للطبقة، فكما أن الذهبي في "تاريخ الإسلام" حدد الطبقة بعشر سنوات، نجد أن غيره حدد الطبقة تحديدا آخر، كابن حبان في كتابه "الثقات" فهو جعل الصحابة عبارة عن طبقة، وجعل التابعين طبقة، وأتباع التابعين طبقة، وتبع الأتباع طبقة وهكذا، كما أن ابن سعد -رحمه الله- في كتابه "الطبقات" سلك(2/40)
مسلكا آخر، فهو راعى مسألتين: راعى البلدان، وراعى التقدم بالإسلام، كما أنه راعى أحيانا مسألة النسب، فنجده مثلا يأتي بالصحابة، فيجعل مثلا البدريين -أهل بدر- طبقة، وإذا جاء للبدريين يقسمهم أيضا إلى قسمين: المهاجرين، والأنصار؛ فيجعل هؤلاء طبقة، وهؤلاء طبقة، وجعل من أسلم قبل الفتح طبقة، ومن أسلم بعد ذلك طبقة، ثم كذلك أبواب الذين بعد ذلك جعل -مثلا- أهل الكوفة مرتبين على طبقات، وأهل مكة، فراعى أيضا البلدان في تقسميه لكتابه هذا؛ ولذلك قد يصعب على الذي يريد أن يعثر على ترجمة راو من الرواة في طبقات ابن سعد، قد يصعب عليه تحديد طبقة ذلك الراوي، حتى يعثر عليه، قد يأخذ البحث عن رجل واحد فترة زمنية طويلة، لولا أن الكتاب عرف عنه هذا القصور، فرتب على حروف المعجم.
فهناك فهرس وضعه بعض المهتمين بهذا الشأن، فهذا الفهرس -بلا شك- أنه يسهل على طلبة العلم. فهرس رتب الرواة على حسب حروف المعجم، وهذا -بلا شك- أولى وأحسن.(2/41)
كذلك أيضا قد يكون الشخص الواحد يأتي في طبقتين، فمثلا عند ابن سعد قد يأتي الشخص مثلا في أهل بدر، وقد يأتي في أهل الكوفة، مثل عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- لكنه يذكره في موضع، فيطيل في ترجمته، وفي الموضع الآخر تجده يختصر في ترجمته، وقد يطيل هنا، وقد يطيل هنا، ولكن هذا -يعني- نادر، فالغالب أنه في الموضع الثاني يختصر عن الموضع الأول، كما أن الأمر ليس موقوفا على ابن سعد، بل هناك أيضا من يراعي في الترتيب مسائل معينة، فأحيانا نجد ابن حبان يذكر الشخص في التابعين، ويذكره في أتباع التابعين والسبب -يعني- اضطرابه في تحديد طبقة هذا الراوي، فهناك ذكره في التابعين، لما تبين له أنه روى عن أحد الصحابة، وذكره في أتباع التابعين لما عثر على رواية أن هذا الراوي يروي عن التابعين أنفسهم، فظن أنه من أتباع التابعين؛ لأنه ليس عنده فهرس للرجال الذين يذكرهم، وإنما هو يرتبهم بحسب الأحاديث التي يعثر على أسمائهم فيها؛ فلذلك قد يخطئ العالم في ترتيبه؛ فيذكر هذا الرجل في طبقتين، كما أن الذهبي -رحمه الله- في كتابه "سير أعلام النبلاء". وهو مرتب على الطبقات، تجده أحيانا يكرر ترجمة الراوي؛ فيذكره في مجلد، ويذكره في مجلد آخر، ذكره في طبقة وذكره في طبقة أخرى.
والسبب أنه ليس عندهم حد فاصل دقيق تماما، مائة في المائة لمفهوم الطبقة، كما أن بعض الرواة الذين يختلف في تاريخ وفاتهم، تجده بناء على هذا التاريخ يذكره في موضع، وبناء على التاريخ الآخر يذكره في موضع آخر.(2/42)
كذلك أيضا: بعضهم قد لا يكون هذا ناشئا من الخطأ، ولكنه نشأ بسبب تحديده لمفهوم الطبقة، فمثلا الصحابة: منهم صحابة كبار، ومنهم صغار الصحابة، فمثلا بعضهم قد يذكر مثلا أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- على أنه من الصحابة، ولكن إذا تكلم عن صغار الصحابة الذين مثلا ما شاهدوا مثلا غزوة بدر، وما إلى ذلك قد ينحِي عنهم مثلا مثل أنس بن مالك، وهكذا، فعلى كل حال ما يهمنا -تماما- معرفة الطبقة ما هي.
قد نتساءل؛ فنقول: ما فائدة معرفة الطبقة؟ نقول: إن فائدة معرفة الطبقات تكمن في نقطتين اثنتين: الأولى: تمييز الرواة الذين يشتبهون في أسمائهم وأسماء آبائهم وأنسابهم. النقطة الثانية، هي الفائدة الثانية: من فوائد معرفة الطبقات معرفة الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمدلسة والمرسلة إرسالا خفيا. -يعني- نحتاج أن نبين بالمثال فائدة هاتين الفائدتين:
فالفائدة الأولى مثلا: إذا جاءنا -كما ذكرت لكم ليلة البارحة- عمر بن الخطاب، فوجدنا أن عمر بن الخطاب المذكور في السند هنا يروي عن الإمام مالك مثلا فهل نقول: إن عمر بن الخطاب هذا هو الصحابي الجليل؟ لا، إذا ميزنا الرواة، وهذه إذن فائدة معرفة الطبقات، فهذا يعتبر في طبقة، وذاك في طبقة، ذاك من الصحابة، وهذا من أتباع أتباع التابعين، أو من بعدهم أيضا، فإذن فوائد معرفة الطبقات تمييز الأسماء المتشابهة.(2/43)
تمييز الأسماء المتشابهة -أيها الإخوة- أحيانا يحدد بالطبقة، وأحيانا قد يحتاج الأمر إلى طول عناء، كما سبق أن بينا سابقا؛ فيضطر الباحث إلى أن يعرف الشيوخ والتلاميذ، وهذا إذا ما كان الراويان في طبقة واحدة، أو في طبقتين، لكنهما متقاربتان مثل سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، فنجد أنهما يشتركان في بعض الشيوخ، ويشتركان في بعض التلاميذ برغم أن سفيان بن الثوري توفي قبل ابن عيينة بفترة، فهو توفي -كما قلت لكم سابقا- سنة مائة وإحدى وستين، وابن عيينة متوفى في سنة مائة وثمان وتسعين، لكن -مثلا- كلاهما يروي عن ابن إسحاق السبيعي، وكلاهما يروي عن -مثلا- عبد الرزاق بن همام الصنعاني، صاحب المصنف، فمثلا لو جاءنا عبد الرزاق يقول: مثلا حدثنا سفيان عن أبي إسحاق إلى آخره، فهنا قد نحتار، فنقول من سفيان هذا؟
قد يقول قائل: لا يضر ما دام أن سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كلاهما ثقة.
نقول: صح هذا في الحكم على ذات الرجل، لكن أحيانا يكون الأمر مرتبطا بالشيخ الذي رويا عنه، فرواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي صحيحة، وأما رواية سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق السبيعي، ففيها كلام؛ لأنه روى عنه بعد الاختلاط، فهنا تكمن الأهمية في تمييز الأسماء المتشابهة.(2/44)
أما المسألة الأخرى: فهي واضحة جلية -يعني- بحسب ما أخذناه سابقا، فمثلا إذا عرفنا أن هذا الشخص من طبقة التابعين، وهو يروي حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقول: عن هذا الحديث ماذا؟ نقول عنه: إنه حديث مرسل، وإذا عرفنا أن هذا الشخص من طبقة التابعين، ولكنه لم يرو عن أحد من الصحابة، هو في نفس الطبقة، فيعتبر حديثه ماذا؟ ... لا هو في نفس الطبقة، في نفس طبقة التابعين، بمعني أنه عاصر بعض الصحابة، ولكنه لم يرو عن أحد منهم مرسل.. أيش؟ يعتبر مرسلا إرسالا خفيا، قلت -يعني- في نفس الطبقة، في نفس طبقة التابعين بمعني أنه عاصر بعض الصحابة، فإذا روى عن هؤلاء الصحابة يكون حديثه ماذا؟ مرسلا إرسالا خفيا؛ لأن المعاصرة موجودة، لكن اللقي غير موجود، وعلى هذا فقس.
كل هذا يتحدد بأي شيء؟ بمعرفة الطبقة.
كذلك إذا وجدنا -مثلا- واحدا يروي من طبقة -مثلا- سميناها الطبقة الثانية، يروي عنه واحد من الطبقة الحادية عشرة، مثل مالك والبخاري -مثلا- فنقول عن هذين الراويين: إن حديثهما متصل، أو ماذا نقول عنه ؟ إنه حديث منقطع؛ لأنه لا يمكن للذي من الطبقة الحادية عشرة أن يكون روى عن الذي من الطبقة الثامنة، أو السابعة وهكذا، فبمعرفة الطبقات نستطيع أن نعرف الإسناد المرسل، من المرسل الخفي، من المدلس، من المنقطع وهكذا. هذه فوائد معرفة الطبقات.
مواليد الرواة ووفياتهم وبلدانهم
ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم.(2/45)
كذلك أيضا -يعني- من المهم معرفة مواليد الرواة ووفياتهم؛ لأنه بمعرفة المواليد والوفيات يتضح اتصال السند من انقطاعه، ويتضح الصادق من الكاذب من الرواة، مثل ما مثلنا سابقا بمن؟ تذكرون اسمه؟ أبو حذيفة البخاري الذي زعم أنه لقي عبد الله بن طاووس، وقال له سفيان بن عيينة: سلوه متى ولد؟، فإذا به ولد بعد وفاة عبد الله بن طاووس بسنتين، فمن خلال معرفة مواليد الرواة ووفياتهم اتضح ماذا؟ اتضح أن هذا الراوي كذاب؛ لأنه يدعي السماع من إنسان توفي قبل ولادته -هو- بسنتين. فهذا من فوائد معرفة مواليد الرواة ووفياتهم.
كذلك أيضا -يعني- كل هذه الأمور ينبه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- إلى ضرورة معرفة المحدث بها، وليس المراد -يعني- أن يحفظها حفظا. بلا شك أنه كلما حفظ، وأتقن وضبط، فهذا يسهل له المهمة، فبمجرد ما ينظر هكذا في الإسناد على طول، تعطيه أي إسناد يقول: ضعيف صحيح، وهكذا. كله من خلال نظرة سريعة، لكن الذي -يعني- معلوماته من الكتب تجد أن هذه اللحظة التي أطلق عليها هذا المحدث.. التي أطلق فيها المحدث هذا الحكم قد تأخذ على إنسان آخر ساعات، حينما يبدأ يبحث في كتب التراجم، وهذا أين أجده، هذا الراوي أبحث في ترجمته، وهل يمكن أن يكون سمع من فلان، أو لا؟ ليكن، وهكذا يستغرق وقتا طويلا، فبلا شك أنه إذا حفظ، فهذا أضبط وأحسن، ولكن إذا لم يحفظ، فأقل الأحوال أن يكون مستحضرا هذه الأمور ومستحضرا الحاجة إليها، فيعرف كيف يبحث في الأسانيد، ويعرف صحيحها من سقيمها.(2/46)
لا، أنا قلت: ما اتفقوا على تحديد طبقة، فكل عالم تجده اصطلح لنفسه على طبقة -يعني- لو نظرت مثلا للحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه "تقريب التهذيب" وإذا به قسم الرواة في هذا الكتاب إلى كم طبقة؟ إلى اثنتي عشرة طبقة، ولكن هذه الطبقات الاثنتا عشرة تجد أنها عند الذهبي -يعني- تكون أكثر من هذا بكثير، قد تساوي -يعني- خمسة وعشرين طبقة، أو أكثر -يعني- لو نظرت للنسائي الذي هو في الطبقة الثانية عشرة، يمكن تجده عند الذهبي يأتي في الطبقة الخامسة والعشرين، أو ربما هو بعد ذلك، ففيه خلاف -يعني- كل واحد منهم بحسب ما اصطلح عليه، ونص عليه في مقدمته.
يعني: أنا كأني فهمت موضع الإشكال يكون -يعني- إذا كان مثلا هذا الراوي وضع في طبقة، ووضعه إمام آخر في طبقة هذا الاختلاف بين هذين الإمامين في تحديد طبقة هذا الراوي. الذي ينبني عليه أيضا الخلاف في أن هذا الإسناد الذي جاء فيه الراوي، قد يكون عند هذا الإمام متصلا، وعند الإمام الآخر منقطعا هكذا؟ ...لا، هذا لا يرد؛ لأنك إذا أردت أن تبحث في كتاب، فاعرف اصطلاح صاحب هذا الكتاب، فإنك ستجد مثلا أن هذا الراوي الذي وضعه مثلا الحافظ ابن حجر مثلا في الطبقة العاشرة، يروي عن راو وضعه الحافظ ابن حجر في الطبقة الثامنة، فهذا ممكن. الطبقة العاشرة، ممكن أن يسمع من الطبقة الثامنة.(2/47)
لكن لو أتيت للذهبي، فإذا به وضع الذي في الطبقة العاشرة في الطبقة العشرين، والذي في الطبقة الثامنة في الطبقة السادسة عشرة، فتنظر هل يمكن أن يكون سمع الذي في الطبقة العشرين من الذي في الطبقة السادسة عشرة ؟ نقول: نعم، بحسب اصطلاح الذهبي، وبحسب ما تعرف من الفروق في السنين بين كل طبقة وأخرى، لكن أن تأتي تخلط بين الكتابين، فتأتي بالذي ذكره الحافظ الذهبي في الطبقة العشرين، وتنقله لرجل آخر وضعه الحافظ ابن حجر -مثلا- في الطبقة الثانية عشرة، هنا يحصل الاختلال، لكنك خلطت بين منهجين مختلفين، فلا بد أن تتقيد بطريقة كل مصنف في كتابه.
كذلك أيضا من الأمور النافعة جدا، معرفة بلدان الرواة، ومعرفة بلدان الرواة أيضا الحافظ ابن حجر نص على فائدة منها، وأنا أقول: هناك فائدة أخرى غير ما ذكرها الحافظ ابن حجر، ذكر من فوائد معرفة بلدان الرواة وأوطانهم:
تمييز الأسماء المتشابهة والمتفقة، فإذا جاءك مثلا رجلان يقال لهما: محمد بن خالد، فقد يشتبه عليك الأمر، وتظن أنهما رجل واحد، لكن إذا عرفت أن هذا محمد بن خالد الدمشقي، والآخر محمد بن خالد الفرساني، هنا يحصل التفريق، وتعرف أن هذا الراوي غير ذلك الراوي، بلا شك هذه من فوائد معرفة بلدان الرواة، لكن أيضا من فوائد معرفة بلدان الرواة: معرفة الأسانيد المتصلة من الأسانيد التي انقطاعها انقطاع خفي، كالمرسل الخفي إرساله، وهذا سبق أن نبهتكم عليه قبل فترة.(2/48)
فقلت مثلا : إذا نظرنا في الخلاف بين البخاري ومسلم في مسألة المعاصرة، أو اشتراط اللقي، فهذه المسألة -بلا شك- أن فيها خلافا، والخلاف أيضا امتد إلى من بعدهم، فكل يدعي إلى أن هذا الرأي هو رأي الجمهور، فلو نظرتم في بعض الكتب هناك من يقول: إن مذهب مسلم هو رأي الجمهور بأن المعاصرة كافية، وهناك من يقول: إن مذهب البخاري هو مذهب الجمهور. وبالمناسبة نقطة -يعني- أثرنا ذكرها البارحة، وهي قول الحافظ ابن حجر -هنا في صفحة مائة وإحدى وسبعين "عندي"- قال: وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من المدلس، وقيل يشترط حدوث لقائهما، ولو مرة، وهو المختار.
هذا الكلام -يعني- كان أولى أن ننبه عليه، لكني نسيته البارحة، لكن هو نفس الكلام يعتبر تكرارا لكلام ذكرته -سابقا- في مسألة الخلاف بين البخاري ومسلم. فكما ترون الحافظ ابن حجر هنا رجح ما ذهب إليه البخاري من اشتراط اللقي، وادعى أن هذا منهج الجمهور، فكما قلت لكم -يعني- هذه المسألة فيها هذا الخلاف الدائم، ولست الآن -يعني- بصدد مثلا تخطئة فلان، أو تصويب علان، ولكن الخلاف فيها قوي جدا، وذكرت لكم أن -يعني- شرط البخاري -بلا شك- أنه أهوى، وهو مسألة اللقي.
لكن أقول: ممكن أن نوسع هذا الشرط قليلا، فنقول: اللقي وما يتنزل منزلة اللقي، وضربت لكم مثالا على ذلك بما إذا كان هناك راويان تعاصرا فترة كافية؛ لأن يسمع كل منهما من الآخر، وهما في بلد واحد كالكوفة، وهي بلد صغير، والمعروف أن العلماء وطلبة العلم يحتك بعضهم ببعض، فدواعي اللقاء موجودة -بلا شك- سنين طويلة تعاصراها، وأيضا البلد واحد -فبلا شك- أن -يعني- اللقاء محتمل جدا.(2/49)
فهذا من فوائد معرفة ماذا؟ بلدان الرواة إذا عرفنا البلد، فيمكن أن نعرف الإسناد المتصل من الإسناد المرسل إرسالا خفيا، أما لو عرفنا أن هذا مصري، والآخر خراساني، وعرفنا أن أحدهما لم يرحل للبلد الآخر، هنا -بلا شك- أنه يترجح مذهب البخاري ترجيحا متأكدا في هذه الحالة؛ لأن هناك غلبة ظن على أن أحدهما لم يسمع من الآخر.
وعلى كل حال مسلم -رحمه الله- أنا لا يحضرني الآن تحديد دقيق لمسألة المعاصرة، لكن الذي يظهر أنه يتوسع فيها، بحيث إنه يوسع المفهوم أيضا ولو اختلفت البلدان، ولم يكن هناك ما يدل على أن أحدهما رحل إلى بلد الآخر، أو أنهما اشتركا في فترة زمنية معينة في الذهاب إلى بلد معينة كمكة ،أو المدينة، فلا أعرف أن مسلم -رحمه الله -يعني- يشترط هذه الشروط، أو يحدد هذه الحدود، فالذي يظهر أنه توسع في مفهوم الشرط توسعا، بحيث إن هناك من ينتقد بعض الأحاديث التي عنده؛ لهذا السبب، فهناك - يعني- بعض الانقطاع أحيانا في بعض الأحاديث التي انتقدها عليه الدارقطني .
معرفة أحوال الرواة
وأحوالهم: تعديلا وتجريحا وجهالة.
من المهم أيضا معرفة أحوال الرواة وأحوال الرواة كما هو مذكور من حيث العدالة، أو الجرح، أو المرتبة الوسط وهي الجهالة فبلا شك أننا حينما نعرف أن هذا الراوي عادل حافظ، أو أنه مجروح سواء في عدالته، أو في حفظه، هذا ينبني عليه معرفة هذا السند، هل هو صحيح أم غير صحيح ؟ وإذا لم نعرف، ولم يتحدد هل هذا الرجل عدل أم مطعون فيه ؟ فحين ذاك هذا الراوي يقال له: إن هذا مجهول الحال على ما سبق تفصيله. هذا يعتبر -تقريبا- كالتكرار لبعض المسائل التي أخذناها سابقا في معرفة أسباب الطعون في الراوي .(2/50)
كذلك أيضا من الأمور المهمة لطالب العلم معرفة مراتب الجرح والتعديل، ومعرفة مراتب الجرح والتعديل هذه من الأهمية بمكان؛ لأن بها يستطيع أن يتحدد عند طالب العلم هل هذا الحديث من أعلى درجات الصحيح، أو من أوسط درجات الصحيح، أو من أنزل درجات الصحيح كما سبق أن مثلنا لذلك بأمثلة، فمثلا شعبة، عن أبي إسحاق، عن علقمة عن ابن مسعود هذا من أعلى درجات الصحيح، حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس من أوسط درجات الصحيح ، العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة هذا من أنزل درجات الصحيح، كذلك سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة هذا من أنزل درجات الصحيح.
كذلك أيضا معرفة الحديث هل هو صحيح، أو حسن؛ ولذلك تجدون -يعني- في تحديد مراتب الجرح والتعديل أن مراتب -مثلا- الحديث الصحيح تقع في ثلاث مراتب، والحديث الحسن يقع في المرتبة الرابعة ، فثلاث مراتب كلها أصحابهم حديثهم حديث صحيح، لكن بعضهم أعلى من بعض، وهكذا، وكذلك الذي ويليها، وهو الحديث الحسن فهو في مرتبة دون ذلك، ثم إذا نزلنا نجد مرتبتين أخريين ، وهما اللذان حديثهما يعتبر من الحديث الضعيف ، لكن ضعفه ضعف يسير، بحيث إذا انضاف له طريق آخر انجبر الضعف، وأصبح الحديث حسنا لغيره، كذلك -أيضا- إذا أتينا لمراتب الجرح، فنجد أعلاها ممن لا يؤبه لحديثهم إطلاقا، وهم أصحاب الحديث الموضوع، وكذلك التي تليها إما الحديث الموضوع، أو ما يقاربه، وهو المتروك، وكذلك التي تليها وهم الذين -أيضا- حديثهم الذي يقرب من أصحاب المرتبة السابقة، وهو الضعيف جدا، ويقال له: المتروك أيضا.(2/51)
وهناك مراتب تليها قد يكون هناك اختلاف بين بعض الناس، أو بين المجتهدين من العلماء في تحديد أصحاب كل مرتبة، فالمراتب الثلاث تليها مرتبتان، يمكن أن ينجبر حديثهما، وهم أصحاب الخامسة والسادسة بمعنى هذا الترقيم. أما الرابعة فقد يقبلها قوم في الشواهد والمتابعات، وقد يرفضها قوم آخرون، ومن أراد الاستزادة، فعليه بمراجعة المراتب التي ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه "تقريب التهذيب" فإنه قسم مراتب التعديل إلى ست مراتب، وقسم مراتب الجرح إلى ست مراتب، فمراتب التعديل: ثلاث منها أحاديث حديثها حديث صحيح، والرابعة حديثها حديث حسن، ومرتبتان حديثهما حديث ضعيف، لكنه ينجبر.
مراتب الجرح والتعديل
ومراتب الجرح: وأسوأها الوصف بأفعل، كأكذب الناس، ثمَّ دجَّال، أو وضَّاع، أو كذَّاب. وأسهلها: لين، أو سيئ الحفظ، أو فيه مقال. ومراتب التعديل: وأرفعها الوصفُ بأفعل: كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح: كشيخ.
مراتب الجرح بناء على هذا التنزل -يعني- من الأحسن إلى الأسوأ . المرتبة الأولى والثانية: حديثهما حديث ضعيف، ولكنه ينجبر. الثالثة: محل نظر كما قلت لكم. أما الثلاث الأخر: فحديثهم لا يقبل بالشواهد ولا المتابعات، حسب ما ذكرت لكم، بعضه موضوع، وبعضه قريب من الموضوع، وبعضه ضعيف جدا، وهذا الذي يشير إليه الآن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- حينما قال: وأسوأها -يعني أسوأ مراتب الجرح- الوصف بأفعل كأكذب الناس، أو مثل قولهم: ركن الكذب، أو نحو ذلك من العبارات التي تدل على المبالغة في الوصف بالكذب ووضع الحديث، ثم التي تليها، وهي دجال وضاع، أو كذاب هي -يعني- حكمها حكم سابقتها -يعني- حديثهم حديث ماذا؟ موضوع أيضا.
التي تليها: هي التي يقال لحديثهم المتروك، وهو المتهم بالوضع ومن كان قريبا منه.(2/52)
أسهلها: أسهل هذه المراتب -التي هي مراتب الجرح، كما قال الحافظ- لين، أو سيئ الحفظ، أو فيه مقال، بلا شك أن هذه العبارات تشير إلى أن هذا الراوي عدل في نفسه، لكن الطعن أين جاء؟ جاء في ضبطه وفي حفظه، وهذا -يعني- أمره أسهل. يقول: بين هذه المراتب مراتب .
فمن جملة هذه المراتب: مثل قولهم: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط إلى غير ذلك، بين التي هي الأسهل، وبين التي هي الأعلى كذلك أيضا مراتب التعديل، أرفعها الوصف بأفعل، مثل قولهم: أوثق الناس، أو فلان كأنه مصحف، أو فلان لا يسأل عنه، أو هو يسأل عن الناس، أو نحو هذه العبارات، التي تدل على المبالغة في التوثيق.
تليها درجة: وهي ما تأكد بصفة، أو صفتين، صفة: مثل قولهم: ثقة ثقة، صفتين كقولهم: ثقة حافظ -يعني- وصفه بالثقة وبالحفظ، فوصفه بالحفظ تأكيدا لمسألة الثقة.
تليها ما دل على التوثيق فقط، دون التأكيد، مثل قولهم: فلان ثقة، فلان حافظ، ونحو ذلك.
أدناها -أدني مراتب التعديل- يقول: ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح. أسهل التجريح: ما هو؟ لين، أو سيئ الحفظ، أو به مقال، فالمرتبة التي تقارب هذه المرتبة هي التي يقال لهم شيخ، أو صالح الحديث، أو نحو هذه العبارات، كل هؤلاء من أصحاب هذه المرتبة التي هي الأدنى.
من يعتد بقوله في الجرح والتعديل
وتقبلُ التزكية من عارفٍ بأسبابها، ولو من واحدٍ على الأصح.
بعد ذلك يتطرق الحافظ -رحمه الله- إلى من يعتد بقوله في الجرح والتعديل، وما الحكم إذا ما تعارض الجرح والتعديل في راو من الرواة؟ فمن الذي يقبل منه الجرح والتعديل؟
قال: تقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح .
فالتزكية أحيانا نجد أن هناك من الناس من يكون سطحيا في أحكامه، مثل بعضهم حينما سئل عن راو من الرواة، قال: إنه ثقة؛ ألا ترى إلى طول لحيته وحمرتها، فحكم عليه بالثقة من جراء ماذا؟ من جراء أمر ظاهر، هذا يدل على أنه غير عارف بأسباب التزكية.(2/53)
أسباب التزكية: المراد عدالة الراوي نفسه، وضبطه أيضا، هذه هي أسباب التزكية التي ينبغي للمجرح والمعدل أن يعتني بها، قال: ولو من واحد على الأصح وهذا يختلف -يعني- يدل على الخلاف، الفرق بين التزكية وبين الشهادة، فمثلا لو جئت إلى القاضي برجل، فيقول لك: ائتني برجلين يزكيانه، يزكيان من ؟ هذا الشاهد؛ فالسبب أن المحدثين يربطون أحيانا بين الشهادة وبين الرواية، فيقولون: الشهادة كالرواية إلا أنها تختلف عنها في بعض الوجوه، ما هي هذه الوجوه التي تختلف فيها الشهادة عن الرواية؟
من جملتها: مسألة التزكية، قالوا: تختلف الشهادة عن الرواية في التزكية؛ لأن التزكية هنا كالحكم، والحكم لا يشترط أن يكون صادرا من اثنين، فالقاضي الذي يصدر حكما من الأحكام، هل يشترط أن يضاف إليه قاض آخر؟ لا. يكتفى بواحد، فقالوا: التزكية هنا كالحكم تماما.
من أيضا المسائل التي ينبغي التنبيه عليها: أن التزكية أيضا تقبل، ولو من عبد مملوك، بل ولو من امرأة؛ لأنكم تعلمون أن شهادة المرأة عبارة عن كم؟ عن نصف شهادة الرجل، وشهادة العبد غير مقبولة، العبد المملوك لا تقبل شهادته عند القضاة، لكنها في الرواية تختلف، فلا فرق لو جاء هؤلاء وزكوا راويا من الرواة، وهم من أهل التزكية، فيقبل حين ذاك، تقبل حين ذاك تزكيتهما.
يعني: ممن يعتد بقولهم في الجرح والتعديل، قد يقول قائل: كيف نعرف من يعتد بقولهم في الجرح والتعديل؟(2/54)
أقول: العلماء خدموكم ما خلوا لكم شيئا، -يعني- لو رجعتم -مثلا- لمقدمة كتاب "الكامل" لابن عدي، فإذا به ذكر في مقدمة كتابه: من هم الذين يرجع إليهم في التجريح والتعديل؟. ولو رجعتم إلى تذكره الحفاظ للذهبي التي أشرت إليها قبل قليل، هو نص على أن هؤلاء الذين ترجم لهم في تذكرة الحفاظ، هم الذين يعتد بقولهم في التجريح والتعديل. له -أيضا- رسالة مختصرة كأنها مختصرة لتذكرة الحفاظ، وعنوانها -ومطبوعة- عنوانها: "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" ، فإذا مثلا ذكرت بقول من الأقوال في راو من الرواة، وأنت لا تعرف -مثلا- هذا الرجل كأن يقول: لك -مثلا- الحافظ ابن حجر، وقال ابن البرقي: ضعيف. أنت لا تعرف ابن البرقي هذا، صحيح تعرف الإمام أحمد، وابن معين، وعلي بن المديني، وتعرف أن هؤلاء هم الذين يتكلمون في الرجال جرحا وتعديلا، لكن ابن البرقي لا تعرفه، فنقول لك: ارجع لرسالة الذهبي تلك "التي يعتمد قوله في الجرح والتعديل" فتجد أنه ذكر ابن البرقي من جملة من اعتمد قولهم، حينذاك تطمئن إلى هذا الحكم الصادر من هذا الرجل.
يعني عند الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرحه استطراد -يعني- إذا قرأتموه -إن شاء الله -يعني- هو مفيد لكن لا حاجة إلى ذكره، وهو الإشارة إلى مذهب النسائي وما إلى ذلك، فهذا -يعني- يكفيكم أن تقرؤوه في الشرح، فنتجاوزه إلى النقطة التي تليها.
قال:
متى يقدم الجرح على التعديل
والجرح مقدم على التعديل، إن صدر مبينا من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قُبل مجملًا على المُختار.
هذه مسألة -أيها الإخوة- من أعوص المسائل التي تكتنف طلاب العلم في حال بحثهم عن راو من الرواة، وعن الحكم عليه، فأحيانا إذا فتح الواحد منكم -مثلا- "تهذيب التهذيب" فيجد أن بعض الأئمة يقولون عن هذا الرجل: إنه ثقة، وبعضهم يقولون: إنه ضعيف، فيحتار، بقول من آخذ ؟
هذا يقول: ثقة، وهذا يقول: ضعيف، وكلهم أئمة كيف أستطيع أن أخرج من هذه الورطة؟(2/55)
فنقول: في هذا، بل قد تجد الحكم يصدر من إمام واحد، فقد يقول ابن معين مرة: ثقة، ومرة يقول: ضعيف، وهو نفسه واحد، فما الحكم في هذه الحال؟
نقول: أمامك أمران، فتنظر في هذا الذي جرح وعدل، هل هو من الذين يعرفون أسباب التزكية؟ فإن صدر هذا الحكم من إمام عارف، فحين ذاك هذا تطمئن إلى حكمه -يعني- في الجملة، لكن يبقي مسألة المعارضة، نظرت في الذي عارضه، وإذا به أيضا إمام آخر عارف أيضا مثله، ففي هذه الحال أنت تتجاوز إلى المسألة الأخرى: فتنظر فتقول: ما دام أنهما عارفان بأسباب التزكية وأسباب التجريح، فإذا أنا أعتمد قول من وثق، فأعتبره هو الأصوب، فأقول: هذا الراوي ثقة، ولا يتزحزح عن مرتبة الثقة إلى مرتبة الضعف إلا بحجة، فتنظر في قول الذي جرح هل جاء بجرح مفسر، أو لم يأت بجرح مفسر، فإن جاء بجرح مفسر، فالجرح المفسر مقدم على التعديل في هذه الحال، فلو قال مثلا أحد الأئمة العارفين: فلان ثقة، وقال الآخر: لا. بل فلان غير ثقة؛ لأني رأيته يشرب الخمر، أو لأن فلانا حدثني أنه رآه يشرب الخمر، فحين ذاك نحمل قول الذي قال ثقة على ماذا؟ نقول: إنه وثقه بحسب ماذا؟ بحسب ما ظهر له لكن هذا جاء بمزيد علم، فجاء بجرح مفسر، فنعذر ذاك لأجل توثيقه إياه.
ونقول: جرح هذا هو المقدم؛ لأنه ثقة؛ ولأنه أكبر عن أمر يطعن في عدالة ذلك الراوي، لكن هنا أيضا مسألة، قالوا: لا بد أيضا أن يكون عارفا بأسباب الجرح، وأسباب الجرح هنا -يعني- تحتاج إلى مزيد تنفيذ.(2/56)
يكفيكم أن تعرفوا -يعني- بهذا على الإطلاق، لكن لمزيد الفائدة أشير لكم إشارة فقط بهذه المناسبة أنه لو قال: إنه رآه يشرب الخمر، فهنا ينبغي أن نلتفت إلى أمور أخرى وما هي؟ هذه الخمر التي شربها هل هي الخمر التي ليس فيها خلاف؟ أم أنها من الأمور المختلف فيها؟ فمثلا أهل الكوفة يشربون النبيذ، وإن كان مسكرا، ويشربونه؛ لأنهم يرون أنه غير حرام، ويرون أن المحرم إنما هو ما كان من التمر والعنب، وما عدا ذلك هو غير حرام، حتى وإن أسكر، فيقصرون الحرمة على بعض الأشياء التي جاءت بها النصوص، ولا يعتمدون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما أسكر كثيره فقليله حرام " فتجدهم أحيانا يشربون النبيذ تدينا -يعني- كأنه يقول: أنا أرى هذا الرأي وزيادة عليه أؤكد، فأشربه؛ ولذلك قال العلماء:
إذا رأيت الكوفي يشرب النبيذ -حتى وإن أطلقت عليه اسم الخمر، أو المسكر- فلا تجرحه بهذا؛ لأنه يشربه تدينا، لكن إذا رأيت البصري يشربه، نفس الشراب، فيمكن أن تجرحه بذلك؛ لأن أهل البصرة يرون أنه حرام، فهذه من الأمور التي نقول: إنه ينبغي للجارح أن يعرف ماذا يجرح به.(2/57)
وبعضهم قد يكون -يعني- جرحه يبني على أمر ليس بالجارح، فأحدهم مثلا حينما جرحه جرير بن عبد الحميد، جرح سماق بن حرب فحينما قيل له: لماذا جرحته؟ قال: لأني رأيته يبول قائما. فهل بمجرد البول قائما يجرح الراوي؛ لأنه أخذ بحديث جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه ما عرف أسباب الخلاف، فهناك -أيضا- حديث آخر يعارض ظاهر هذا الحديث، وهو " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما " فإذا كان سماق بن حرب رأى أن هذا الأمر جائز، ففعل كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فجرحه جرير بن عبد الحميد بهذا السبب، فهذا أيضا هو الذي يدعوهم إلى أن يقولوا: لا بد أن يكون الجرح مفسرا، فلو أخذ بجرح جرير بن عبد الحميد على الإطلاق؛ لقدحت سماق بن حرب، لكن حينما سئل لماذا جرحته ؟ قال: لأني رأيته يفعل هذا -يعني- يبول قائما.
كذلك أيضا شعبة جرح المنهال بن عمرو، فحينما سئل لماذا جرحته ؟ قال: لأني مررت أمام بابه، فسمعت في بيته صوت طنبور، الطنبور: من الآلات الموسيقية، فقيل له: هلا سألته عن ذلك الصوت! قال: لا لم أسأله.
فالمزي -رحمه الله- حينما ذكر هذه المقولة، عقب -مع الفارق الزمني بينه وبين شعبة- قال: قلت: هلا سألته! لعله كان لا يعلم، قد يكون في بيته سفيه، وليس بشرط أن يكون هذا الصوت -يعني- صادرا عن إقرار من المنهال بن عمرو لهذا المنكر في بيته.
ويعتبرون سماع الآلات من الأمور المحرمة القادحة في عدالة الرواة، بالإضافة إلى أن هناك عين توجيه آخر بهذه المسألة، عندما أقول: بأنه ليس المقصود الحديث عن الجرح الذي صدر من شبعه للمنهال بن عمرو، وإنما المقصود التوضيح في هذه المسألة.(2/58)
يبقى أمر آخر -أيها الأخوة- وهو إذا ما استطعنا أن نميز، فوجدنا -يعني- عبارة صدرت من أبي حاتم الرازي في تضعيف راو، وهي تشعر بأن هذا التضعيف لأجل سوء حفظه كأن يقول: يكتب حديثه، ولا يحتج به، ثم معني ذلك أنه يرى أن هذا الراوي، ماذا يرى؟ أنه عادل، لكنه في حفظه شيء؛ ولذلك يكتب حديثه، ولكن لا يحتج به، ثم نجد هذا الراوي وثقه الحاكم وابن حبان، ثم نجد الإمام أحمد قال عن هذا الراوي: لا بأس به.
فالآن عندنا جاءت ثلاث مراتب، بعضهم وثقه، وبعضهم ضعفه وبعضهم جعله في مرتبة الوسط، وهي لا بأس به، فماذا نفعل في هذه الحال؟
هذا يعتمد على هذه المسألة التي سأل عنها أحد الإخوة، وهي اختلاف الأئمة في نقدهم الذي جاء، ومناهجهم في ذلك، فمنهم المتشدد، ومنهم المتساهل، ومنهم المعتدل، فإذا نظرنا لأبي حاتم الرازي -رحمه الله- فإذا به من المتشددين في الجرح، يجرح الراوي بأدنى سبب، وإذا نظرنا لابن حبان والحاكم، فإذا بهما من المتساهلين في التوثيق، وإذا نظرنا للإمام أحمد -رحمه الله- فإذا به من ماذا؟ من المعتدلين، فمثل هذا الراوي الذي صدرت له هذه الأحكام الثلاثة نقول: الوسط هو قول من؟ قول الإمام أحمد، وهو المعتبر لماذا؟ لأنه معتدل؛ ولأن في قوله ما يشعر بالفرق بين قول المجرح، وقول الموثق، فأبو حاتم الرازي نظر إلى جوانب الضعف في هذا الراوي، وابن حبان والحاكم نظرا إلى جوانب الإصابة في هذا الراوي، فكل منهما نظر إلى طرف من الأطراف فقط، ولم ينظر إلى العموم، فهذا حكم من هنا من هذه الزاوية، وذلك حكم من الزاوية الأخرى.
ولكن الإمام أحمد -رحمه الله- جاء في حكمه وسطا، فالأولى وهو الأصح في حق هذا الراوي أن يقال عنه: إنه لا بأس به، بمعنى أنه لم يرتق لدرجة الثقة الذي حديثه في عداد الحديث الصحيح، كما قال ابن حبان والحاكم، ولا ينزل للرجل الذي حديثه حديث ضعيف كما قال أبو حاتم الرازي، بل هو حديثه حديث حسن.(2/59)
هذا الكلام كله -أيها الأخوة- في حال تعارض الجرح مع التعديل، لكن إذا جاءنا تعديل فقط فماذا نفعل؟
نقبله إذا جاءنا تعديل، ولا يعلم له جرح، فنقبله، وإذا جاءنا جرح لا يعلم له تعديل ماذا نفعل؟ هنا نص عليه الحافظ ابن حجر قال: فإن خلا عن التعديل قبل مجملا على المختار ، فإنما قال: "على المختار" دل على أن هناك أيش؟ دل على أن هناك خلافا، والخلاف يكمن في هذا الرجل ما دام أن الجرح الذي ورد فيه جرح غير مفسر، فقالوا: قال بعضهم: الأصل فيه العدالة، وكيف نقبل جرحا غير مفسر، فقد يكون الحكم هنا كالحكم في حالة تعارض الجرح مع التعديل، لكن الأصوب والمختار أن الجرح المجمل في هذه الحال يقبل؛ لأن هذا الراوي لا يخلو من أحد أمرين: إما أن نقبل هذا الجرح المجمل فيه، أو يكون ماذا؟ أو يكون مجهولا، والمجهول حديثه ماذا؟ حديث ضعيف، ، فالضعف محيط بهذا الراوي، من هنا، ولا من هنا -يعني- طلع فوق ولا نزل تحت، الأمر واضح.
قال بعد ذلك:
الكنى والأسماء
فصل، ومن المهم معرفة كنى المسمين وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن كثرت كناه، أو نعوته ومن وافقت كنيته اسم أبيه، أو بالعكس، أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه ، أو إلى أمِّه ، أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم ، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجدِّه ، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدًا، ومن اتفق اسم شيخه والرَّاوي عنه.(2/60)
هذه المسائل كلها مهمة جدا للذي يريد أن يبحث عن الرواة، فلو جاء أحدكم إلى كتاب مثلا "تقريب التهذيب" وأمامه في الإسناد رجل يقال له مثلا : أبو الجوزاء، فأين يذهب؟ هذا الكتاب مرتب على حروف المعجم، يذهب إلى حرف الألف؛ لأنه يبدأ بأبي الجوزاء، يبدأ بماذا؟ بالألف. لو ذهب إلى حرف الألف، وتصفحه سطرا سطرا، لما وجد هذا الراوي. طيب، قد يقول قائل: نحذف كلمة "أبو"، ونذهب إلى الجوزاء، نأخذ حرف ماذا؟ حرف الجيم. أقول: لو ذهبت إلى حرف الجيم، وتصفحته سطرا سطرا لما وجدت لهذا الراوي ذكرا، فإذا كيف تعرف هذا الراوي إما أن تكون مستحضرا لاسمه، أو تستعين على ذلك بالكتب التي خدمتك في هذا، فهناك من العلماء من ألف في كنى الرواة؛ لأنها مهمة، فالبخاري جعل آخر تاريخه كتابا يقال له: الكنى، تجده يذكر كنية الراوي، ويقول: هو فلان ابن فلان، كذلك مسلم -رحمه الله- له كتاب الكنى، وكلاهما مطبوع -يعني- كتاب الكنى للبخاري، وكتاب الكنى لمسلم.(2/61)
الإمام أحمد -رحمه الله- له كتاب الكنى. الدولابي له كتاب الكنى، وغيرهم وغيرهم. كلهم عنوا بهذا الفن؛ لشعورهم بأهميته، فإذا ما جئت -مثلا- إلى كتاب "تقريب التهذيب" وأمامك راو ذكر في السند بالكنية، وليكن -مثلا- أبو إسحاق السبيعي، أنت لا تذهب لا لحرف الألف ولا لحرف السين، ولا شيء. تجد الحافظ ابن حجر -رحمه الله- جعل في آخر الكتاب بابا للكنى، ويرتبها بحسب الحروف مع حذفه لكلمة "أبو" فتجده يقول: أبو إسحاق، أين يضعه؟ في حرف الألف بعدها ماذا؟ بعدها السين، بعدها حاء -يعني- مثلا أبو إسرائيل، أيهما يقدم: أبا إسحاق، أو أبا إسرائيل؟ يقدم أبا إسحاق على أبي إسرائيل؛ لأن بعد السين ماذا؟ حاء، وبعد السين راء، ثم يقول لك: هو عمرو بن عبد الله الهمداني، فترجع إلى حرف أيش؟ إلى حرف العين بعدها ميم، بعدها راء، فتجد عمرو بن عبد الله الهمداني. أبو إسحاق السبيعي، ثم يذكر لك ترجمته، فهذه هي فائدة معرفة الكنى؛ لأنك تحتاج إلى معرفة هذا الراوي هل هو ثقة، أو غير ثقة، وأين تعثر على ترجمته؟ لا بد أن تهتدي لذلك بمفاتيح تعرفه.
وأسماء المكنين -يعني- الآن هنا المسمون. وإسناد المكنين، قد يأتيك الراوي مثلا مذكورا باسمه، وهو مشهور بكنيته، فأنت حين ذاك.. -مثل أبي هريرة، حين يجيء مثلا حدثني عبد الرحمن بن صخر، فتذهب مثلا إلى عبد الرحمن بن صخر في "تقريب التهذيب" ما تجده مثلا في حرف العين بعدها الباء بعدها الدال، لكن لو ذهبت إلى الكنى في آخر الكتاب، تجده يقول: أبو هريرة، ثم يترجم له في ذلك الموضع، ويقول: اختلف في اسمه فيقول: هو عبد الرحمن بن صخر، وقيل: كذا، وقيل: كذا، ويذكر الخلاف.(2/62)
فمعرفة أسماء المسمين، أو كنى المسمين، كلاهما مهم. ومن اسمه كنيته: بعض الرواة اسمه هو كنيته، مثل ما قيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قالوا: اسمه كنيته، هذا هو اسمه ما له اسم، ومن كثرت كناه، أو نعوته، مثل لذلك بابن جريج، فابن جريج قال: له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد، فأحيانا قد يرد عندك في الإسناد بأبي الوليد، وأحيانا بأبي خالد، فأنت حين ذاك تعرف أن ابن جرير يكنى بهاتين الكنيتن، أو نعوته ،يعني: صفاته، أو ألقابه، فبعضهم مثلا قد يقال له مثلا : فلان الخراساني البزار، أو البزاز، أو نحو ذلك، فخراساني وبزاز، وربما مثلا أضيف أيضا إليه صنعة من الصنعات، كقوله: الخياط البزاز إلى غير ذلك، فهذه النعوت والألقاب تفيدك، يعني: في حالة تعددها يبحث عنه هنا، وتبحث عنه هناك، وكل هذا مما ألف فيه العلماء، فمثلا لو جئت لكتاب "الأنساب" للسمعاني مثلا جاءك رجل يقال له: البزاز تذهب إلى حرف الباء في كتاب "الأنساب" للسمعاني بعده زاي، بعد الزاي ألف بعدها زاي أخرى، فتجده يقول: البزاز هذه النسبة إلى من يبيع البز، وهي الثياب، وممن اشتهر بهذه النسبة فلان وفلان وفلان، وهكذا يبدأ يعدد لك، فيبين لك من هذا الرجل الذي يقال له: البزاز، وهكذا .
قال: ومن وافقت كنيته اسم أبيه، ومثل لهذا بمثال واضح :-يعني- كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق النداهي.(2/63)
فائدة: هذا والذي بعده كذلك. قال: أو بالعكس يعني- من وافقت كنيته اسم أبيه، ومن وافق اسمه كنية أبيه كإسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. كل هذا مفيد جدا في معرفة الإسناد، إنه ليس فيه أدنى غلط، فبعض الناس مثلا لو جاءه إسحاق بن أبي إسحاق، ربما ظن أن في الإسناد غلطا، أو كإسحاق ابن إسحاق عن أبي إسحاق يظن أن في الإسناد غلطا بهذا التكرار، فإذا عرف أن هناك -فعلا- من الرواة من يقال له هكذا، أو يكنى بهذه الكنية، أو ما إلى ذلك، فحين ذاك لا يعتقد إطلاقا أن في الإسناد أدنى غلط، ويعرف أن هذا الإسناد على الصواب، ولكن عليه أن يعرف المفاتيح التي بواسطتها يعثر على ترجمة هذا الراوي في كتب التراجم.
قال: أو وافقت كنيته كنية زوجه كأبي أيوب الأنصاري وأم أيوب نجد أحيانا في بعض الأحاديث يأتي في الإسناد عن أم أيوب، عن أبي أيوب، وهناك أحاديث تروى هكذا بهذه الصورة، أذكر -يعني- من جملتها حديثا من طريق أم أيوب، عن أبي أيوب " في أن القرآن نزل على سبعة أحرف.. " هذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة، من جملتهم أبو أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- والراوي له بهذا الحديث، عن أبي أيوب، هي أم أيوب، فبلا شك أنه إذا عرف الإنسان أن هناك من تشبه كنيته كنية زوجته، فحين ذلك يعرف أن هذا الإسناد صواب، لكن لو جاء إنسان قليل المعرفة بهذا، ربما ظن أن في الإسناد غلطا، والأمر ليس كذلك.
وهكذا -أيها الأخوة- نجد أن كل هذه الأمور الآتية كلها تشبه -يعني- هذا الذي ذكرناه: من نسب إلى غير أبيه، مثل: قال: المقداد بن الأسود صوابه، أنه المقداد بن عمرو، ولكنه نسب إلى الأسود؛ لأن الأسود كان تبناه، قبل ذلك، فنسب إليه.(2/64)
قال: أو نسب إلى أمه مثل: إسماعيل بن علية علية: هي أمه، وأما هو فاسمه الحقيقي إسماعيل بن إبراهيم، فأبوه هو إبراهيم، ونجده كثيرا ما يقال: ابن علية إسماعيل بن علية، وقد كان يكره هذا، كما قال الحافظ، فهنا لو ذهبنا إلى إسماعيل بن علية في كتب التراجم: إسماعيل، واسم والده بحرف العين ما نجده، فعلينا أن نعرف من هو إسماعيل بن علية، نعرف أنه نسب إلى أمه، وأما الصواب: أن اسمه إسماعيل بن إبراهيم.
قال: أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم ومثل لذلك بخالد الحذاء، قد يظن بعض الناس أنه قيل له: الحذاء؛ لأنه يصنع الأحذية، والصواب أنه لم يكن صانعا للأحذية، ولكن اختلف في سبب نسبته هذه، فقيل: لأنه كان يجالس صانعي الأحذية. وقيل: لا، بل لأنه كان يقول في بعض الأحاديث: احذ حذو كذا، احذ حذو كذا -يعني- انسج على هذا المنوال، فقيل له: الحذاء؛ لكونه يردد هذه الكلمة، وهكذا، كذلك مثل -أيضا- بسليمان التيمي، قال: هو ليس من بني تيم، ولكنه نزل بينهم، فنسب إليهم؛ لهذا السبب .
كذلك أيضا من المهم معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده، ومثل لهذا بمثل الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، هذا نجده يكثر في أهل البيت؛ لأن أسماءهم تتكرر كثيرا هكذا بهذه الصورة، فالأب قد يتوفى مبكرا، كما حصل للحسن بن علي، والحسين بن علي، فيسمى ابنه الصغير الذي توفي أبوه وهو في بطن أمه باسم أبيه، وربما -أيضا- تكرر الأمر في نفس هذا الثاني؛ فيسمى ابنه أيضا باسمه، وهكذا، فهذا يقع في بعض الأحيان.
والسبب في تنصيصهم على ذلك؛ خشية أن يظن الإنسان أن في الإسناد خطأ، وهو جاء على الصواب في حقيقة الأمر.
قال: أو -يعني- من اتفق اسمه مع اسم شيخه، فصاعدا، مثل عمران عن عمران عن عمران، فقال: عمران الأول، هو عمران القصير، وعمران الثاني يقال له: أبو رجاء العطاردي، وعمران الثالث هو الصحابي المشهور، هو عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه-(2/65)
نجد أحيانا أن عمران القصير يروي عن عمران العطاردي هذا، والعطاردي يروي عن عمران بن الحصين، فلربما ظن الواحد أن في هذا الإسناد غلطا، وهو ليس فيه غلط.
قالوا: من اتفق اسم شيخه والراوي عنه ومثل لهذا بأمثلة عديدة، لكن من أهمها: أن ابن جريج يروي عنه هشام الدستوائي، آسف: يحيى بن أبي كثير يروي عنه هشام الدستوائي، وهو يروي عن هشام بن عروه، فلو جاءنا هشام، عن يحيى، عن هشام ربما ظننا أن في الإسناد غلطا، والأمر ليس كذلك، بل هشام الأول هو هشام الدستوائي، وشيخه هو يحيى بن أبي كثير، وشيخ يحيى هو هشام بن عروة.
من أيضا مظنة الوقوع في اللبس هنا ابن أبي ليلى، عبد الرحمن بن أبي ليلى من التابعين الأجلة، وله ابن اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فنجد أن محمدا هذا يقال له في بعض الأحيان ابن أبي ليلى، وأبوه يقال له: ابن أبي ليلى، فلو جاءنا مثلا في الإسناد: حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن ابن أبي ليلى، عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كذا، ربما ظننا أن في الإسناد غلطا؛ لكون ابن أبي ليلى.. بينما هو شيخ أصبح تلميذا، أو تلميذ أصبح شيخا، ولكن ليس في الإسناد أدني غلط؛ لأن ابن أبي ليلى الأول هو ابن ابن أبي ليلى الثاني، وبينهما الحكم بن عتيبة، كل هذا -يعني- من الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يتنبه لها.
لعل المناسب -يعني- أن نقف عند هذا؛ لأنه -يعني- الظاهر ما بأيدينا ننهي الكتاب الليلة. لكن -إن شاء الله- بجلسة يسيرة يوم غد الخميس -إن شاء الله- بعد العصر، ننتهي بإذن الله جل وعلا....
نصوب ماذا؟.. لحظة يا إخوان -يعني- بعض الأخوة يريد بعد الظهر، فنرى إن كان الأغلبية يريدون بعد الظهر، فما في بأس إن شاء الله.(2/66)
فمن يريد بعد الظهر؟.. طيب، من يريد بعد العصر؟ والله، العدد متقارب، لكن -نعم- من الذي صوت على بعد الظهر، وليس عنده مانع أن يكون بعد العصر؟.. والله، مشكلة؛ نعم كيف نجمع؟ والله، أنا بالنسبة عندي عادي بعد الظهر، أو بعد العصر، كلها سواء، عندي ترجيح خلاص، توافقونني.. خلاص بعد العصر الساعة 4:30 كالعادة. لكن -إن شاء الله- لا نطيل -يعني- ما بقي إلا القليل، وهو أيضا أمر يسيرن الباقي إن شاء الله.. نعم.
طيب، خلاص نجعله خمسة، يكون الدرس مبتدئا الساعة الخامسة إن شاء الله... والله، ما تخاف ممكن نسوي لهم درسا خاصا.
س: يقول أحد الإخوة: يسألني عمن أخذت علم الحديث؟
ج: فأقول: أول ما طلبت علم الحديث، وأنا لم أكن -يعني- عارفا بأهميته إلى هذه الدرجة، لكن -يعني- سبحان الله! حبب إلى هكذا وإلا حتى لم يكن -يعني- هناك اهتمام من الناس بعلم الحديث، ولا يظهر هذا إطلاقا، وكان هذا في حدوث سنة 1393 فكنت كما أشرت إلى ذلك سابقا، حفظت في "قصب السكر" الذي هو معظم نخبة الفكر على الشيخ عبد الله الجبرين -حفظه الله- وكان يشرح لي، ولم أنه المنظومة، وبعد ذلك توقفت حتى دخلت الكلية، فحينما دخلت الكلية -يعني- وجدت أن هذا العلم -يعني- هو المحبب إلى قلبي، ففي سنوات الكلية -أيضا- تزودت من هذا، وجاءت مرحلة الدراسة للماجستير، ثم السنة التمهيدية، وكانت مرحلة دسمة جدا للمصطلح. وكان يشد على الطالب -يعني- إلى درجة هائلة، بخاصة في السنوات التي درسنا فيها، لا يرحم إطلاقا في أن يخطئ في شيء من الأشياء، أبدا، فكانت مفيدة لي غاية الإفادة جدا، ومنها انتفعت -بحمد الله -ثم جاء بعد ذلك مرحلة التطبيق في تخريج الأحاديث، وبخاصة في الرسائل، فكل هذا -يعني- توافر بعضها على بعض.
س: تقول: ما حكم الحديث الذي في سنده اضطراب، هل هو فلان عن فلان، مع أن كلا منهما ثقة، فهل يكون ضعيفا؟(2/67)
ج: أقول هذا سبق أن أشرنا إليه، إن كان يمكن الجمع بين الحديثين، كأن يكون هذا من قبيل المزيد المتصل الأسانيد -مثلا- فهذا أولى إن لم يمكن الجمع بين الحديثين، لجأنا إلى الترجيح، أي هذين الثقتين أرجح هذا، أو ذاك، فإن كانا في درجة واحدة، وليس عندنا مرجح آخر، من جهة أخرى، فحين ذاك يعد هذا من المضطرب، مضطرب الحديث، وهو من أنواع الحديث الضعيف.
س: يقول: هل صحيح أن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانا لا يقبلان الحديث إلا بشاهد، وأن علي بن أبي طالب كان يستحلف عند سماعه الحديث من محدثه، أنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوليس في هذا طعن للصحابة، وعدم الوثوق بهم؟(2/68)
ج: أقول: هذه المسألة في الحقيقة تحتاج إلى -يعني- تفصيل قليل، فهذه الأمور التي أشار إليها الأخ- من الأدلة التي يستدل بها من لا يرى حجية أحاديث الآحاد، فالجواب بكل يسر، وكل سهولة عليه، يقال له: أنت الآن -يعني- خلطت في المسألة، فهل إذا جاءك الحديث من طريقين، كما تزعم الآن عن أبي بكر وعمر وعن علي، أو جاءك أحد، واستحلفته، أو وجد أنه حلف، فحلف على ذلك الحديث ينتهي الأمر، وتقبله؟ فتجد أنه يقول: لا، لأنه ما يزال الحديث عنده بهذه الصورة، حديث ماذا؟ لا يزال عنده حديث آحاد، لكنه كالذي يصطاد في الماء العكر، فهو يريد -فقط- من هذه الأمور أن يطعن -فقط- لا أن يستدل بها، فنقول: إما خذ هذه الأحاديث برمتها، وإلا دعها برمتها، فليست من اختصاصك، أما الجواب عن هذه الأحاديث -يعني- على تفصيل قليل، فحديث أبي بكر - رضي الله عنه - أنه ما قبل حديث المغيرة بن شعبة في توريث الجدة، إلا بعد أن شهد معه محمد بن مسلمة الأنصاري، فهو حديث ضعيف، وأما حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي طلب فيه من أبي موسى الأشعري أن يأتيه بشاهد يشهد معه في حديث الاستئذان، فعمر - رضي الله عنه - كان واليا، وكان يريد أن يؤكد على الصحابة -وهذا منهج له معروف- أن يتحرزوا في رواية الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأيضا هو تعجب عجبا تاما، كيف أنه كان ملازما للنبي -صلى الله وعليه وسلم- كيف فاتته هذه السنة العملية طيلة هذه السنوات، ما حفظها، ولا عرفها، وهي مسألة الاستئذان؟ سنة عملية كيف فاتته؟ فأراد أن يتوثق، والدليل أنه في نهاية الحديث قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكني أحببت أن أتثبت.(2/69)
وإذا ما نظرنا لعمر بن الخطاب، هل هذا منهج موجود عنده في جميع الأحيان، وإذا به ليس منهجا موجودا عنده، فهو قبل حديث عبد الرحمن بن عوف -فقط- في الطاعون، وهو فرد، ولم يطلب منه شاهدا، ولا بينة، وقبل حديثه أيضا حديث عبد الرحمن بن عوف في مسألة فرض الجزية على المجوس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "
ولم يأته بهذا الحديث إلا عبد الرحمن بن عوف، وهكذا -يعني- في أحاديث كثيرة فيها أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل الحديث من بعض الصحابة، ولم يستحلفهم، ولم يطلب البينة.
وأما حديث علي بن أبي طالب، أنه كان يستحلف، فهذا الحديث بنفسه حجة على من ذكره؛ لأنه قال: حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، فما قال: حلفت أبا بكر في نفس الحديث، وأيضا الحديث في حد ذاته ضعيف، ويدل على ضعفه أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يقبل الحديث الواحد، ففي حديث المذي: " كنت امرءا مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم المذي؛ لمكان ابنته مني، قال: فأرسلت المقداد بن الأسود، فسأله، فأخبره بأن أغسل فخذي، وأنضح.. " وإلى غير ذلك، فهو إذن قبل حديث المقداد بن الأسود، ولم يستحلفه، ولم يشكك إطلاقا في قبول خبره. كل هذا -يعني- الجواب على هذه المسألة التي استفسر عنها الأخ.
س: الأخ يذكر -يعني- يقول: نرجو أن يكون هناك -يعني- تذكير بفضل علم الحديث.
ج: أقول: إن شاء الله -يعني- لا أنسى يوم غد، وأرجو التذكير.
س: أحد الأخوة يقول: يقترح أن يكون بداية الدرس في الخامسة والنصف، وينتهي عند أذان المغرب، حتى يبقي الإخوة؛ لحضور درس الشيخ عبد الرحمن البراك.
ج: أقول: لا. هناك من يصوم، وقد يشق هذا عليه.
س: يقول: قول التابعي عن الصحابي في لغة الحديث "يرفعه، أو ينميه" من الألقاب الصريحة لرفع الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف يجعلها ابن حجر مما تلحق بأنواع المرفوع حكما؟(2/70)
ج: أقول: هذه المسألة فصلنا فيها في شرح ألفية السيوطي؛ لأن فيها تفصيلا -يعني- طويلا نوعا ما، لكنه -يعني- هذه الألفاظ وردت في المرفوع حكما، لا لأجل أنه فعلا له حكم الرفع، ولكنه استطراد، فيما لم يصرح برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ومما يكون له حكم الرفع، إذا ما قال: "يرفعه"، فالمقصود بيرفعه ؟ أي يرفعه إلى من ؟ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يعتبر مرفوعا، وإذا ما قال "ينميه" أي ينميه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا، فهو ليس المقصود أنه لم ينقله الصحابي، أو يرسله الصحابي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لأن هذه العبارة قد تكون مشكلة، فنبهوا عليها فقط.
س: أحد الإخوة يستفسر عن بعض التسجيلات، أنها تكون مع كل عشرة أشرطة، هدية قيمة، يقول: هل يعتبر هذا من الميسر، أو ما إلى ذلك؟
ج: الحقيقة -يعني- أنا أعرف عن الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أن وضع الهدايا على بعض المشتريات؛ لأجل كسب الزبائن؛ وصرفهم عن تجار آخرين لا يجيز الشيخ هذا. فلعل الأخ يكتفي بهذا. أما -يعني- مثل قناعة هذه الفتوى من عدمها، فالحقيقة -يعني- أنا لم يتضح لي وجهة نظر الشيخ تماما. فأنا أرى أن هذه المسألة من المسائل الجائزة، والتي لا دليل على تحريمها، فكون هناك مثلا بعض الناس مثلا يرخص في السلعة الفلانية، فترخيصه في السلعة، يقابل تماما إعطاء هدية. لا فرق بين هذا وذاك، ولو رخص في السلعة عن تاجر آخر، أو عن تجار آخرين؛ ليكسب الزبائن إليه، لا يستطيع أحد أن يقول: إن هذا الأمر محرم، أو أنه فعل محرما، فكذلك أيضا إذا أعطى هدية، كأنه رخص له في السلعة، فما الفرق بين هذا وذاك؟ حتى الآن ما وضح لي وجهة نظر الشيخ، وعلى كل حال، هو شيخنا وأعلم -بلا شك- لكن التقليد لسنا من أهله.
س: يقول: بالنسبة لاختلاف الجرح والتعديل في تعديل راو، أو جرحه، فنريد وضع ضوابط معينة، أو هل هناك قواعد تضمن مثل هذه المسألة؟(2/71)
ج: أقول: -يعني- الذي ذكرته لكم، يعتبر كالقواعد، لكن أن يكون هناك بعض الإشكال في بعض الرواة لا شك؛ ولذلك تجد العلماء يختلفون في بعض الرواة، فبعضهم - وهذا الاختلاف ينعكس أيضا على الأحاديث - فبعضهم يصحح بعض الأحاديث، وبعضهم يضعفها بناء على هذا الأساس، بناء على اختلافهم في أحكامهم على الرواة، فليس هناك قواعد محددة مائة في المائة، ولكن هذا يخضع لاجتهاد المحدث نفسه.
س: الأخ يقول: ما رأيك في شريك بن عبد الله النخعي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد الله بن محمد بن عقيل؟ وما رأيك بقول من يقول: إن زيادة الثقة لا تقبل إلا بوجود القرائن، وينسبه إلى علي بن المديني؟
ج: أقول: إن شريك بن عبد الله النخعي القاضي، هو صدوق وهو إمام -أيضا- لكنه سيئ الحفظ، أو -يعني- يخطئ إذا حدث، فحديثه يحتاج إلى متابعة حتى ينجبر، أما عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فهذا الراوي صدوق حسن الحديث، وأما عبد الله بن محمد بن عقيل، فقد اختلف الأئمة فيه، فبعضهم يقول: إنه صدوق، ويحسن حديثه، وبعضهم: يضعف حديثه، والذي يترجح لي أن حديثه -أيضا- يحتاج إلى متابعة، فلا يحتج بحديثه على الانفراد.(2/72)
أما قول من يقول: إن زيادة الثقة لا تقبل إلا بوجود القرائن. فهذه المسألة في الحقيقة تحتاج إلى تفصيل، أنا ذكرت بعض التفصيل في موضعه من هذا الشرح، وأما التطويل، فهذا محله -إن شاء الله- في ألفية السيوطي؛ لأنه -يعني- يحتاج إلى ضرب أمثلة -يعني- بالأمثلة تتضح بعض هذه القرائن، وأنا أقول: إن هذا القول يكون له وجاهته، وقد يكون قائله يريد معنى آخر غير ما نفهم من ما يريد، فعليه أن يوضح ما يريد، هل -مثلا- إذا جاءنا حديث كالحديث الذي ذكرت لكم من رواية شعبة، وسفيان الثوري عن علقمة بن مرصد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، بزيادة سعد بن عبيدة التي زادها شعبة، هي زيادة ثقة، وخالفه سفيان الثوري؟ هل نقول: إن زيادة الثقة هذه غير مقبولة، ولا يعتبر هذا من المزيد في متصل الأسانيد؟ نريد أن نسأله هذا السؤال. فإن كان هذا مقصده، فنقول له: أخطأت، وأما إن كان مقصده مثلا أن الراوي الذي يروي حديثا لا بد، أن نتبين، ونزيد فيه زيادة، نجد بعض الرواة ما زاد هذه الزيارة، فلا بد أن نتبين هل هذا المجلس الذي نقل فيه ذلك الحديث، هو مجلس واحد، أو هذا الراوي سمع هذا الحديث من ذلك الشيخ في مجلس آخر، فتعتبر هذه قرينة على قبوله، وأما إذا اتحد المجلس، فتعتبر قرينة على رده، إن كان مقصده هذا، فنقول: هذا كلام له وجاهته، بلا شك. فعلي كل حال لا بد من مساءلته والتحديد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
معرفة الأسماء المجردة
ومعرفة الأسماء المجردة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
والذي لم يبق منه إلا ورقات يسيرة كلها، تضمنت بعض ما ينبغي لطالب علم الحديث أن يراعيه في أثناء الطلب، وكنا وقفنا ليلة البارحة على قول المصنف -رحمه الله تعالى- : ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة.
أليس كذلك؟ يقصد -رحمه الله تعالى- أنه ينبغي لطالب العلم أن يعرف الأسماء المجردة والمفردة.(2/73)
الأسماء المجردة: أي التي ليست بِكُنًى، ولا ألقاب، وليس شيئا مما تقدم ذكره من الأمور التي سبق التنبيه عليها، وإنما هي الأسماء التي تتكرر دائما يقال لها أسماء مجردة، مثل حينما نريد أن نعرف مثلا من هو سفيان بن سعيد الثوري، هذه الجملة سفيان بن سعيد الثوري، يقال هذا اسم ماذا؟ مجرد وهكذا، فالأسماء المجردة هي الغالبة، وهي التي تشكل معظم كتب الجَرْح والتعديل.
هذه الأسماء المجردة -أيها الأخوة- كما قلت لكم إنها تشكل معظم ما جاء في كتب الجَرْح والتعديل، ومِن أهمها "التاريخ الكبير" للبخاري و"الطبقات الكبرى" لابن سعد، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم و"الثقات" لابن حبان وغيرها من كتب الرجال التي رتبت التراجم فيها على ترتيب معين إما على الحروف، أو على الطبقات، كما صنع ابن سعد، ويمكن أن يقال لمثل التاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم أنها من كتب الرواة عامة وكذلك الطبقات لابن سعد من كتب الرواة عامة، لكنه رتب الرواة على الطبقات، فهذه الكتب الثلاثة الطبقات لابن سعد، والتاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، جمع فيها مصنفوها التراجم، أو الأسماء المجردة كما نص عليه ابن حجر هنا، دون أن يتقيدوا بصفة معينة لا بمسألة الثقة والحفظ والضبط، ولا بالرواة المطعون فيهم، ولا برواة كتب مخصوصة، ولا رواة بلدان مخصوصة، ولا غير ذلك.
وإنما تجد في هذه الكتب الثقات والضعفاء ورجال الكتب الستة وغيرها، ورجال البلدان بجميعها، كل هذا موجود في هذه الكتب الثلاثة.
هناك من أفرد الأسماء المجردة بصنف معين، أو بصفة معينة فمن جملتهم وأولهم: العجلي -رحمه الله تعالى- ويليه ابن حبان وابن شاهين -رحمهما الله تعالى- هؤلاء الثلاثة، بل وغيرهم أفردوا الثقات بخاصة بالتصنيف. كتاب العجلي مطبوع واسمه "تاريخ أسماء الثقات" وكتاب ابن حبان مطبوع بعنوان "الثقات" وكتاب ابن شاهين مطبوع بعنوان "أسماء الثقات".(2/74)
فكل هذه الكتب الثلاثة مطبوعة. هناك -أيضا- من أفرد الأسماء المجردة بالتصنيف بناء على صفة معينة، وهم من جرح من أصحاب الأسماء المجردة. وألَّف في هذا النوع -أيضا- عددا من الأئمة منهم العقيلي أحمد بن جعفر، ومنهم ابن حبان، ومنهم ابن عدي.
والجدير بالذكر -يعني- أن ابن حبان -رحمه الله- كان ألف تاريخا كبيرا، واختصر من هذا التاريخ الكبير هذين الكتابين: "الثقات" و"المجروحين" فجعل الثقات على حدة والمجروحين على حدة، وأيضا تراجمهم تعتبر مختصرة من ذلك التاريخ الكبير الذي عمله.
وكتاب ابن عدي يعتبر أفضل هذه الكتب، التي ألِّفت في الضعفاء خاصة على الإطلاق، وعليه اعتمد الذهبي -رحمه الله- في كتابه "ميزان الاعتدال". من المؤلفين -أيضا- من تقيد برجال كتب، أو جهة معينة فنجد هناك بعض المصنفين أفرد فقط رجال صحيح البخاري بالترجمة، وهذا حصل للكلاباذي -رحمه الله- في كتابه "رجال صحيح البخاري" والكتاب مطبوع وموجود في الأسواق. جاء بعده ابن منجويه فوجد الكلاباذي قد سبقه برجال البخاري، فترجم هو لرجال مسلم، ثم جاء بعد ذلك ابن طاهر المقدسي، فوجد أن الكلاباذي وابن منجويه كلا منهما أفرد لأحد الصحيحين -لرجال أحد الصحيحين- هذا الكتاب، فجمع بين الكتابين في كتاب سماه "الجمع بين رجال الصحيحين" وكل هذه الكتب الثلاثة مطبوعة.(2/75)
من الكتب المهمة، وإلا -يعني- الكتب كثيرة مما ألِّف في هذا، كما ترون رجال الترمذي ورجال أبي داود ورجال النسائي، لكنها يعني: غير موجودة الآن، ولا نعرف عنها شيئا، ولكن نتحدث عن الكتب المشهورة والتي خدمت طلاب العلم، فمن أهمها كتاب "الكمال" للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله، جمع رجال الكتب الستة في هذا الكتاب الذي هو كتاب "الكمال"، ثم جاء بعده الحافظ جمال الدين المزي، فوجد أن كتاب "الكمال" يحتاج إلى تهذيب، وليس معنى التهذيب الاختصار، ولكن قد يكون بحذف أشياء لا حاجة لها، وقد تكون أشياء أخطأ المصنف في ذكرها، ويضيف أشياء تدعو الحاجة إليها، ويرتب بعض الأشياء، التي يجد أن الكتاب أخلَّ بترتيبها، أو أنه رتبها ترتيبا مرجوحا.
وأن الأولى أن يرتب على صفة معينة، مثل أن عبد الغني المقدسي -رحمه الله- جعل كتابه قسمين، فالقسم الأول: ترجم فيه للصحابة فقط، والقسم الثاني: ترجم فيه للرجال من عدا الصحابة من التابعين فمَن بعدهم، ورتب الصحابة على حروف المعجم مبتدئا بالعشرة المبشرين بالجنة، ورتب باقي الرواة -أيضا- على المعجم مبتدئا بمن اسمه محمد وأحمد، وجعل النساء سواء من الصحابيات بعد الصحابة والنساء من باقي الرواة بعد الرواة، هذه طريقة عبد الغني المقدسي في ترتيب كتابه الكمال، لكن المِزِّي لحظ ملحظا جيدا في هذا الترتيب وقال: إن بعض الأحاديث يأتي فيها صحابي يروي عن صحابي آخر، فحينما ينظر الناظر في هذا الإسناد، ويجد أن الصحابي يروى عن صحابي، وهو لا يعرف أن الثاني صحابي، قد يظن أنه تابعي، فيذهب للقسم الثاني، فيبحث في ترجمته، هذا كأن يأتي مثلا ابن عباس يروى عن عمر بن الخطاب، أو ابن عمر يروي عن عمر، فيذهب فيبحث في القسم الثاني، فلا يجد فيظن أن هذا الرجل لا ترجمة له، والحقيقة أنه مترجم له في قسم مَن؟ في قسم الصحابة.(2/76)
والعكس كذلك قال: قد يأتينا حديث أرسله تابعي، بمعني أنه سقط من إسناده على الأقل مَن؟ الصحابي فيظن من لا خبرة له أن هذا التابعي صحابي؛ لأنه يروي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . فيذهب فيطلب هذه الترجمة في قسم الصحابة، فلا يجد؛ ولذلك كان الأولى أن تُدْمَجَ التراجم بحيث إذا بحث الإنسان عن ترجمة راو من الرواة، يجدها في موضعها بحسب الترتيب الأبجدي، فهذا -يعني- مثال على إخلاله بترتيب عبد الغني المقدسي وترتيبه لكتابه ترتيبا معينا.
فالشاهد أن كتاب المزي "تهذيب الكمال" يعتبر أروع ما ألف في كتب الرجال، وأتقنه المزي -رحمه الله- إتقانا -يعني- شهد له به القاصى والداني؛ ولذلك تجد أن حاجة العلماء وطلاب العلم ما زالت قائمة، منذ وقت المزي بل تنوقل واستخدم في وقته إلى وقتنا الحاضر.
وقد كنا بأحر الأشواق في انتظار خروج بقية الكتاب، حينما لم يخرج منه في الفترة الماضية سوى خمسة عشر مجلدا، ولما خرج طرنا به فرحا. ويدرك أهمية هذا الكتاب مَن عانى البحث في الأسانيد والعسر الذي يجده في معرفة اتصال الإسناد من عدمه، وبخاصة في معرفة الشيوخ والتلاميذ، يدرك فعلا أهمية هذا الكتاب، فرحم الله المزي رحمه واسعة ما أحسن إتقانه لهذا الكتاب.
معرف الأسماء المفردة
والمفردة.
من الأشياء المهمة -أيضا- معرفة الأسماء المفردة، تلك التي تحدثنا عنها الأسماء ماذا؟ المجردة، أما الآن، فهي الأسماء المفردة.
والمقصود بالأسماء المفردة: أي الأسماء التي لا تؤثر إلا عن رجل واحد، لا يشاركه في هذا الاسم أحد، مثل: بيهس، ومثل المقوس، وهكذا -يعني- أسماء لا يوجد في عالم الرجال، أو عالم رجال الحديث سوى ذلك الاسم فقط، فهذه يقال لها: الأسماء المفردة.(2/77)
مِن جملة مَن ألَّف في هذه الأسماء المفردة: أحمد بن هارون المعرف بالبرديجي -رحمه الله- وهو من علماء الحديث المشهورين، ألف كتابه "طبقات الأسماء المفردة"، والكتاب جزءٌ لطيف مطبوع بتحقيق سكينة الشهابي، وهو موجود في الأسواق، لكن يقول محقق النزهة هنا: إنه اكتشف أن هذا الكتاب الذي طبع هو عبارة عن مختصر للكتاب الأصلي، فأنا -يعني- لا أعرف عن هذا شيئا، وإنما أعرف الكتاب المطبوع.
يبين الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هنا أن البرديجي اعتنى بإفراد هذا النوع بالتصنيف، لكن هناك بعض الأخطاء التي وقع فيها مما لا يغض من قيمة الكتاب، ولا يؤثر على ذلك المصنف -رحمه الله- لأن هذا مبلغ علمه، حينما يذكر راويا على أنه لا يشارك في ذلك الاسم أحد، فهذا هو مبلغ علم البرديجي.
أما مَن اطلع على مزيد من ذلك، وعرف أن هناك راويا آخرا، فهذا لا ينقص مِن قدْر ذلك الكتاب. يضرب الحافظ ابن حجر مثالا على هذا بـ"سغدي بن سنان " الذي هو أحد الضعفاء يقول إن البرديجي ذكر أن " سغدي بن سنان" هذا من أصحاب الأسماء المفردة، بينما هناك راو آخر يقال له -أيضا- سغدى، فإذا لم ينفرد سغدى بن سنان بهذا الاسم بل شاركه غيره.
معرفة الكنى والألقاب
والكنى والألقاب
من المهم -أيضا- وإن كان فيه شيئا من التكرار لبعض ما سبق، لكنه جاء لأجل المناسبة بكون من المهم معرفة الكنى والألقاب، وتذكرون أننا تحدثنا عن الكنى سابقا، -يعني- من المهم معرفة كنى المسمين وأسماء المكنين، فهذا له علاقة بذاك. لكن هذه الكنى أحيانا تكون مفردة أيضا، فالمفروض في طالب العلم أن يعرف كل الكنى المجردة والمفردة، المجردة -يعني- أي العادية، والمفردة أي التي لا يشارك فيها ذلك الراوي أحد.(2/78)
والكنى المفردة -أيضا- هناك جملة منها، لكنني لا أذكر أن هناك من أفردها بالتصنيف، ولا أذكر -أيضا- أن البرديجي جعلها من الأسماء التي أوردها في كتابه؛ لأنه قد تكون الكنية مفردة، لكن اسم صاحبها ليس مفردا.
من الكنى التي يمكن أن نذكرها، يمكن أن تأتي مفردة: أبو المطوس مثلا أبو المطوس ممكن أن يكون -أيضا- من أصحاب الكنى المفردة.
ومن المهم -أيضا- معرفة الألقاب، ومعرفة الألقاب هذه أهميتها مثل أهمية معرفة الكُنى التي تحدثنا عنها سابقا، فأحيانا يأتينا في الإسناد الراوي بلقب، فإذا لم نكن عارفين بصاحب ذلك هذا اللقب، فإننا لا نستطيع أن نعرف موقع ترجمته إلا بواسطة الكتب التي لها مفاتيح، وهذه الكتب يحسن بنا أن نعرف كيف رُتِّبت، فمثلا حينما يأتينا الأعمش " الأعمش ماذا يسمى ؟ " لقب، الأعمش لقب، غندر لقب، بندار لقب، مطيب لقب، كل هذه تسمى ألقابا، عبدان لقب جاء معكم في الحديث المعلق، كل هذه تسمى ألقابا، فإما أن تعرف من هو صاحب ذلك اللقب وتكون معرفتك به -يعني- استحضارا، أو تعمد إلى بعض الكتب التي تعينك في هذا، فإذا كنت تستحضر مثلا، مرَّ عليك الأعمش عرفت أنه اسمه سليمان بن مهران، مر عليك غندر عرفت أنه اسمه محمد بن جعفر، مر عليك بندار عرفت أن اسمه محمد بن بشار، مر عليك الزَّمِن عرفت أن اسمه موسى بن هارون وهكذا، أو محمد بن موسى، أو محمد بن موسى الزمن.(2/79)
فمثل هذه الألقاب إذا استحضرت أسماء أصحابها، فعند ذاك تكون أرحت نفسك من عناء كثير، حينما تبحث عن رجال الإسناد، أما إذا كنت لا تعرف، فهناك بعض الكتب التي تعينك، فمثلا كتاب "تقريب التهذيب" تجد أنه بعد الكنى أتى بالألقاب والنسبة، وغير ذلك من الأبواب التي عقدها كمَن نُسِب إلى أبيه، أو إلى أمه، أو إلى جده، أو إلى خاله، أو إلى غير ذلك، فالمهم الذي يهمنا في هذا أن ابن حجر أفرد بابا في الألقاب، فمثلا إذا كنت لا تعرف اسم الأعمش، فاذهب إلى باب الألقاب هنا، وانظر حرف الألف بعدها ماذا؟ بعدها "ع"، بعدها "م"، بعدها "ش"، فتجده يقول لك: الأعمش هو سليمان بن مهران، " غندر" في حرف الغين، هو محمد بن جعفر، فترجع إلى سليمان بن مهران في حرف السين، وإلى محمد بن جعفر في حرف الميم، فتجد ترجمته، فتعثر على الكلام الذي تريده في ذلك الراوي.
اللقب: في الغالب يكون بسبب عاهة، أو بسبب حرفة. فمن العاهات: الأعمش، العمش هو نوع من المرض، يأتي في العينين فهذا نسبة على أي شيء؟ إلى عاهة في البدن، كذلك الأعرج هو نسبة إلى عاهة في الرِّجل، وهكذا غيرها من الألقاب التي بسبب عاهة.
أما الألقاب التي تكون بسبب حرفة، فهي -أيضا- تعتبر كثيرة مثل البزَّاز، أو البزَّار هذا يعتبر نسبة، ويعتبر لقبا في نفس الوقت، فإذا لم تجد هذا في باب الألقاب، فتذهب إلى باب النسبة؛ لأنه يكون مشتركا بين أن يكون لقبا وبين أن يكون نسبة. المهم أنه نسبة إلى حرفة، وهي إما بيع البَزِّ، وهي الثياب، وإما إلى بيع البِزْرِ وهو نوع من أنواع البذور وما إلى ذلك.
معرفة الأنساب
والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان، بلادًا، أو ضياعًا أو سككًا، أو مجاورة، وإلى الصَّنائع والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع ألقابًا. ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى، ومن أسفل، بالرِّق، أو بالحلف.(2/80)
مثله -أيضا- معرفة الأنساب، هذا مثل معرفة الألقاب، وكما قلت -يعني- البزار والبزاز تعتبر -أيضا- نسبة، والنسبة تقع إما إلى قبيلة، وإما إلى بلد، فمِن النسبة إلى القبيلة مثلا الهَمْدَاني نسبة إلى هَمْدان، وهم بطنٌ ، ما اسمهم الذين يسكنون الطائف؟ اسم ذكرني إيَّاه: هوازن، بطن من هوازن، فهذه النسبة إلى قبيلة، كذلك -أيضا- إذا قيل: فلان التيمي، التميمي إلى غير ذلك من أنواع النسب، كل هذا نسبة إلى قبائل.
النسبة -أحيانا- أيضا تأتي إلى الأوطان والبلدان، فمثلا يقال: فلان الدِّمَشقي، فلان الرَّقي، فلان الخُراساني، النَّيْسَابوري إلى غير ذلك من أنواع البلدان، التي ينسب إليها الرواة، فإذا ما جاءك راو منسوب إلى قبيلة، أو إلى بلد، فهناك -أيضا- العلماء ألَّفوا كتبا تخدم طالب العلم في هذا، فإن كان يريد فقط معرفة الاسم والنسبة المشهورة، فيمكن أن يرجع إلى باب الأنساب في "تقريب التهذيب"، فمثلا يأتي إلى الأبَّار فيجد أن اسم الأبار مثلا أحمد بن جعفر، فيرجع لأحمد بن جعفر، فيعرف أنه صاحب هذه النسبة. إذا لم يعرف -مثلا- هل هو وجد هناك أكثر من واحد فيمكن، أو ما وجده في "تقريب التهذيب" فيمكن أن يرجع إلى كتاب أطول من هذا وهو كتاب "الأنساب" للسَّمْعَاني فيجد أنه رتب الأنساب سواء على القبائل، أو على الأوطان، رتبها على الحروف، الحرف الأول والثاني والثالث وهكذا.
فيرجع مثلا إلى الهَمْداني في حرف الهاء بعدها ميم بعدها دال، فيقول الهمداني نسبة إلى قبيلة همدان وهم بطن من هوازن إلى غير ذلك، ثم يبدأ يعدد من الذي ينسب إلى هذه النسبة، فيقول: وينسب إليها، فلان وفلان وفلان وفلان، وهكذا يبدأ يعد.(2/81)
أحيانا: تكون النسبة مشتركة بين -مثلا- بلدين، أو بين قبيلتين، فتجد السَّمْعَاني -رحمه الله- أيضا يُعْنى بهذا، فيقول: هذه النسبة إلى كذا، أو إلى كذا، فأما النسبة إلى كذا، فيبدأ يتكلم عنها إن كان يحضره كلام- مثلا- إن كانت نسبة إلى قبيلة، يقول: هؤلاء ينسبون إلى، فلان بن فلان بن فلان، ويذكر نسبه ربما إلى إسماعيل الذي هو أبو العرب، وأحيانا، يعني: قد تكون النسبة إلى بلد؛ فيبين أن هذه البلد في المكان الفلاني، ثم يبدأ يعدِّد مَن الذي ينسب إلى هذه القبيلة، أو إلى ذلك البلد فيقول: من ينسب لهذا، فلان وفلان، وهكذا إذا كان أمامك راو معين تجد اسمه هاهنا، وقد تستطيع تمييزه -أيضا- بواسطة الشيوخ والتلاميذ، فإن السمعاني في كثير، في معظم الأحيان يبدأ يذكر يقول: فلان، وهو يروى عن، فلان وفلان وفلان، وربما تكلم عنه جرحا وتعديلا، فكتاب الأنساب للسمعاني مما لا يستغني عنه طالب العلم لهذا السبب.
يقول: إن النسبة قد تقع -أحيانا- إلى القبائل والأوطان، والأوطان إما بلد، أو ضياع يعني: ملك الرجل، وهو -يعني- ما هو بستان، أو مزرعة، أو سككا والسكك من مثل تقول: البلوك في الحارة، وهكذا، أو مجاورة للجوار إلى ذلك البلد، أو القبيلة نفسها. وأحيانا تكون النسبة إلى الصنائع والحِرَف مثل الخياط والحنَّاط، فالخياط نسبة إلى الخياطة، والحناط نسبة إلى بيع الحنوط، والحِرَف مثل البزاز، أو البزار وما إلى ذلك.
يقول: ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء تماما. قد تجد راويين، أو أكثر كلاهما يشترك في نسبة معينة، فعند ذلك تحتاج إلى مزيد تمحيص؛ لتحديد ذلك الرجل الذي وقع عندك في ذلك الإسناد، فاعرف هذا وعُضَّ عليه بناجذيك.
يقول: وقد تقع الأنساب ألقابا، -يعني- كما سبق ما بيناه ومثل ذلك بخالد بن مخلد القطواني. القطواني: نسبة، وهي -أيضا- اسم لهذا الراوي، وذكر أنه كان يغضب منها.(2/82)
من المهم -أيضا- معرفة أسباب هذه النسب؛ لأنك إذا عرفت أسبابها، ربما -يعني- استطعت أن تفرق أكثر وأكثر، فيعني أضرب لكم مثالا على ذلك: فربما جاءنا في بعض الأحيان الرجل في سَنَد يُنْسب إلى قبيلة، وفي سند آخر يُنْسب إلى قبيلة فيشتبه علينا الأمر، هل هذا الراوي غير ذاك الراوي؟ ولكن إذا ما رجعت إلى كتب الأنساب مثل "الأنساب" للسمعاني، ونظرت في هذه النسبة إلى تلك القبيلة، فتعرف -مثلا- أن هذه النسبة ينسب بها الراوة إلى القبيلة الفلانية، وإلى القبيلة الفلانية، والصحيح أن النسبة للقبيلة الفلانية هي المشهورة مثلا، لكن -أيضا- تقع النسبة إلى القبيلة الفلانية، فإذا ما نظرت إلى السند الآخر الذي في نسبة أخرى، فتجد أن النسبة الأخرى عبارة عن فخذ من أفخاذ هذه القبيلة الثانية، فيلتقي عندك الأمر. فتعرف أن الراوي ينسب إلى القبيلة الفلانية التي فيها النسبة الأخرى، فتجد أنها فخذ منها، كلاهما نسبة إلى قبيلة واحدة ولكنه نسب إلى الجد الأعلى، أو إلى النسبة العليا، وفي السند الثاني نسب إلى النسبة الدنيا، وهي فخذ من تلك القبيلة.
فإذا عرفت أسباب هذه النسب، ينجلي عندك بعض الإشكال -أحيانا- وتسلم من ما قد يجتنبك من مظنة أن هذا الرجل رجلان، أو أن الإسناد به خطأ.
ومن -أيضا- مهمات معرفة الأسباب، مثل ما ذكرنا في خالد الحذَّاء، قلنا إنه ينسب هذه النسبة لا لأجل كان يصنع الأحذية، ولكن أنه كان ماذا؟ إما يجالس الحذائين، وإما أنه كان يقول: أحذو حذو كذا، -يعني- في الحديث فسمي الحذَّاء.
كذلك -أيضا- مما هو شبيه بالأمر السابق معرفة الموالي، نجد -أحيانا- سواء في "تقريب التهذيب" أو غيره "سير أعلام النبلاء" وغيرهما يقول لك: فلان بن فلان بن فلان الفلاني، مولاهم -مثلا- القرشي مولاهم، التيمي مولاهم، فما معني هذا الكلام؟(2/83)
معني هذا الكلام: أنه ليس من صلب بني تيم، وليس من صلب قريش، إنما هو مولًى لهم، والمولى تعرفون أنه كان عبدا مملوكا، فأعتق، فأصبح ولاؤه لهذه القبيلة، فهو ليس من صلبها، ولكنه بالولاء ينسب إليها، فقد يقال -مثلا-: إن فلانا مولى لفلان، وكلمة مولى هذه تحتمل أن يكون الأعلى، وقد يكون الأسفل، كلاهما يقال لهم مولى، يعني العبد المملوك إذا أعتق يكون مولًى لمن؟ لسيده الذي أعتقه ومولى له.
وفي بعض الأحيان تجدهم يقولون: فلان مولى فلان يعني: سيد فلان، ألا تجدون هذا على الكتب ألا تقرؤونها؟ -يعني- هذا موجود بكثرة، فيطلق على السيد وعلى العبد المملوك الذي أعتق، كلاهما يقال له مولى؛ ولذلك قال: ومعرفة الموالي مِن أعلى الذي هو مَن؟ السيد ومِن أسفل الذي هو مَن؟ المملوك الذي عتق بالرق، أو بالحلف؛ لأن كلمه مولاهم هذه تكون بالرق، وهو الغالب كأن يكون عتق ذلك العبد؛ فيكون مولى لهم بالرق، أو بالحِلْف كأن يكون حَالَف هذه القبيلة، والحِلْف هذا كان معروفا عند العرب، وأسبابه كثيرة، أسباب الحِلْف كثيرة من جملة ذلك -مثلا- أن يكون هذا الإنسان قتل قتيلا في جهة من الجهات، فهرب خشية ماذا؟ أن يُظْفر به فيُقْتَل، فتجده يهرب إلى مكان لا يعرف فيه، فيلجأ إلى قبيلة من القبائل، فيحالفهم؛ فيكون منهم بهذه الصورة.
معرفة الإخوة والأخوات
ومعرفة الإخوة والأخوات.
ومن المهم -أيضا- معرفة الإخوة والأخوات، مثل ما قلنا -سابقا- من المهم معرفة عن من روى عن جده، ومعرفة ما نسب عن أبيه، كذلك -أيضا- معرفة الإخوة والأخوات، فأحيانا يأتينا في بعض الأسانيد، فلان أخو فلان، أو حدثنا أخو فلان، أو أخت فلان وهكذا، فإذا عرف هذا الفن فهو -أيضا- يستطيع به طالب العلم أن يزيح الإشكال الذي يعترضه في بعض الأسانيد.(2/84)
من جملة ما صنف من ذلك كما قلنا الحافظ على بن المديني وكتابه طبع، حققه الشيخ باسم الجوابرة، وهو موجود في الأسواق بحسب علمي، إلا أن تكون قد نفدت طباعته.
معرفة آداب الشيخ والطالب
معرفة آداب الشيخ والطالب
الآن يأتينا مبحث آخر، وهو من المباحث المهمة في مصطلح الحديث، لا لأنه ينبني عليه تصحيح، أو تضعيف إلى ما ذلك، لكنه مهم لطالب العلم نفسه، وهو معرفة آداب المحدث وآداب طالب الحديث، ويقال آداب الشيخ والطالب.
والحافظ هنا اختصره اختصارا، وإلا كتب الحديث أفاضت.. كتب مصطلح الحديث أفاضت هنا نوع إفاضة طويلة، وهناك كتب ألِّفت بها كلها تتحدث عن هذا النوع من أنواع الحديث مثل "الجامع لأخلاق الراوي" و"آداب السامع" للخطيب البغدادي، هو فقط كلها تأتي في مجلدين، كلا منهما من أنواع علم الحديث. وهناك -أيضا- كتاب للزرنوجي، أو كذا بعنوان "تذكرة الطالب والمعلِّم" رسالة مهمة -أيضا- لطلبة العلم، ينبغي أن يتدارسونها، وكان العلماء السابقون يحثون تلاميذهم على قراءة مثل هذه الرسالة، لكن من الرسائل الجيدة في هذا العصر، وتعتبر مختصرة ومركزة "حلْية طالب العلم" للشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله- وأنصحُ طالب العلم بقرائتها، فهي لا تأخذ منه سوى دقائق معدودة؛ لأنها مختصرة، ولكنها مركزة ومهمة.
هذا النوع من أنواع الحديث، أو هذا التبويب مهم؛ لأنه يدل طالب العلم على الآداب التي ينبغي أن يراعيها في مجلس شيخه، وأيضا تدل الشيخ على الآداب التي ينبغي أن يراعيها في مجالسه مع طلابه ومعاملاته معهم، فهي مفيدة لهذا ولذاك، ونجد أن هذه الآداب منها آداب مشتركة بين الطالب وبين الشيخ، ومنها آداب مختصة بالشيخ، ومنها آداب مختصة بالطالب نفسه.
فمن الآداب المشتركة بينهما:(2/85)
تصحيح النية والتطهر، أو التطهير من أعراض الدنيا وحُسْن الخُلُق، هذه آداب مشتركة بالنسبة للأول والثاني، كلاهما يدوران على محور واحد، وهو الإخلاص لله -جل وعلا- في الطلب وفي التبليغ، أمَّا الإخلاص لله -جل وعلا- في الطلب فهو مهم جدّا لطالب علم الحديث، ينبغي له أن يراجع حساباته قبل أن يبدأ بالطلب: ماذا أردْتُ بهذا السبيل ؟ وماذا قصَدْتُ ؟ هل يطلب هذا العلم لكي ينافس به فلانا وعِلَّانا ؟ هل يطلب هذا العلم لكي يبرز أمام الناس، ويشار إليه بالأصابع؟ هل يطلب هذا العلم لكي يحظى بالمنصب الفلاني والوظيفة الفلانية؟ إن كانت هذه وأماثلها هي مقاصده، فخاب وخسر حينذاك، أمَّا إن كان يطلب هذا العلم لأهداف عليا ومقاصدَ سامية كمثل أن يستغلَّ هذا العلم للدعوة إلى الله -جل وعلا- واقتياد الناس للمناهج الصحيحة السليمة البعيدة عن التخبط في متاهات الظُّلَم؛ فهذا مقصد سامي.
إن كان يقصد بهذا العلم تقويم اعوجاج نفسه وأن تكون عباداته ومعاملاته، كلها متفقة مع ما جاء عن الله وصح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذا أمر -أيضا- حسن، إن كان يقصد بهذا العلم حفظ الدين على الأمة، مثل بعض العلماء الذين تجد الواحد فيهم يعنى بالحفظ والتدوين، فحفظوا لنا هذه الثروة الحديثية التي أصبحت منارا للسائرين ممن جاء بعدهم.
هذه وأمثالها، كلها مقاصد سامية إن كان هو هذا المقصد لطالب العلم، فهي مقاصد نبيلة بلا شك، هذا هو المراد بتصحيح النية والتطهُّر من أعراض الدنيا بمعني أن يكون يريد الله -جل وعلا- والدار الآخرة بهذا الطلب، وأن يكون مُعْرِضا عن سفاسف الأمور والدنيء من أعراض الدنيا.(2/86)
من الآداب المشتركة بينهما -أيضا- تحسين الخُلُق؛ الشيخ ينبغي أن يكون حسن الخُلُق مع تلاميذه، والطالب -أيضا- ينبغي أن يكون حسن الخلق مع شيخه، ومع أقرانه أيضا. فهذا العلم -أيها الأخوة- ينبغي أن يظهر أثره على السلوك، ونحن نعرف أن دين الإسلام حثَّ على محاسن الأخلاق، فأكثرُ ما يُدْخِل الناس الجنةَ تقوى الله وحُسْن الخُلُق، فلا شك أن حسن الخلق من الأمور التي حثت عليها النصوص الشرعية الكثيرة.
وطالب العلم ينبغي أن يكون عاملا بعلمه: والعمل بالعلم أن يحسن أخلاقه، مع مشايخه، ومع أقرانه، ومع الناس أجمعين، بحيث يكون مثالا رائعا مثالا جيدا لمن يحمل هذا العلم الشريف من الكتاب وعلم سنه النبي " - صلى الله عليه وسلم - "، لكن لو كان بالعكس، فلا شك أن الناس ينفرون ممن يحملون من العلم نتيجة ماذا؟ نتيجة سوء الخلق الذي ظهر على سلوكه ومعاملته مع الناس.
هناك أمور ينفرد بها الشيخ من جملتها: قال: أن يُسْمِع إلى ما احتيج إليه، بمعنى أن وجد الحاجة داعية إلى أن يُسْمِع الناس، فيجب عليه أن يُسْمِع لأنه إذا لم يُسْمِع، فسيكون كاتما لهذا العلم، والله -جل وعلا- أخذ الميثاق علينا ألا نكتم هذا العلم: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } (1) " ومَن سُئل عن علْم، فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار "
فلو كانت الحاجة داعية أن يحدث هذا المحدث عنه، أو يدعو إلى إنسان مؤهل للدعوة، ويبين للناس الطرق السوية، فأعرض عن ذلك، فمعنى ذلك أنه آثم بصنيعه ذلك.
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 187.(2/87)
ومِن الأمور التي ينبغي أن يراعيها الشيخ: وهي مربوطة بسابقتها أن لا يُحَدِّث ببلد فيه مَن هو أولى منه، -يعني- إذا كان هناك بلدٌ فيها عالِمٌ متصدِّر لإفتاء الناس وتعليمهم، وإرشادهم، فالذي هو أقل منزلة منه إذا لم تكن الحاجة داعية إليه، فعليه إذا جاءه أحد يطلب منه أن يحدثه، أو أن يلازمه أن يرشده لذلك العالِم الأكبر، وفي هذا فوائد من جملتها: أن هذا أمر التواضع، وإرشاد الناس ونصحهم؛ لأنه إذا أرشد لذلك الرجل، فمعنى ذلك أنه نصح لمن جاءه يقول: يا أخي ذاك أعلم مني، فأنت إن لازمتني فوَّت على نفسِكَ فرصة ثمينة من حياتك قد لا تعوض، وقد يفوتك السماعُ من ذلك الشيخ، لكن اذهب الآن ولازمه، وأنا يمكن أن تأتيني فيما بعد ذلك. فهذا من النصح، وهذا -أيضا- في حد ذاته يعتبر تواضعا، أيضا في هذا إغلاق لباب التنافس الذي يقع في بعض الأحيان، فلربما كان هذا تلميذا لذلك الشيخ، لكن حينما يرى هذا الشيخ أن الناس انصرفوا إلى تلميذه، ربما دخل عليه الشيطان مِن مداخل، وأوغر صدره على ذلك التلميذ.
فمن الأدب الذي ينبغي أن يكون عند هذا التلميذ: أن يرشد الناس إلى ذلك الشيخ، ثم إذا احتيج إليه لا بأس، والحاجة إما أن تكون بعد وفاة ذلك الشيخ، أو حتى في حال حياته ككون هذا الشيخ ليس مستعدّا للتصدي مثلا للتعليم، أو التدريس في كل الأوقات، بل لا يستطيع إلا بعد المغرب والناس في حاجة إلى دروس في الصباح، فيمكن لهذا التلميذ أن يتولى التدريس في ذلك الصباح؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، أو كان ذلك الشيخ -مثلا- له سَفْرات في بعض الأحيان تلقى البلد خاوية، والحاجة ماسَّة لهذا التلميذ لا بأس حينذاك، وهكذا من دواعي الحاجة التي تتكرر في كثير من الأحيان.(2/88)
قال: ولا يترك إسماع أحد لنية فاسدة. يعني من الأمور التي -أيضا- ينبغي للشيخ أن يراعيها أنه -أحيانا- قد ينفر مِن طالب علْم ما إما لكون القلوب مثلا، أو الأرواح جنود مجندة، وروحه لم تتفق مع روح ذلك التلميذ، أو لكونه مثلا ظهرت من ذلك التلميذ في حقه غلطة، أو ما إلى ذلك، فلا ينبغي له في هذه الحال أن يترك إسماع ذلك التلميذ لأجْلِ هذه النية الفاسدة، لأن مدار كل هذا على ماذا؟ على أمور شخصية نفسية، فلا ينبغي في هذه الحال أن يمتنع من إسماعه، ويجب أن يستحضر النية لأنه لو امتنع كان في هذا كتمانا للعلم.
يقابل هذه الآداب: آداب عند طالب العلم سيأتي بيانها؛ لأنها -يعني- لأن المحدثين راعوا كلا الجانبين، وجهوا الكلام للشيخ ووجهوا الكلام للتلميذ؛ حتى يستوي الطرفان، قال: وأن يتطهر، ويجلس في وقار. الحقيقة هذه المسألة؛ لأن معظم الدروس التي تقام في السابق كانت تقام في ماذا؟ في المساجد؛ ولذلك ينبغي للشيخ والتلميذ على حد سواء إذا جاء إلى المسجد أن يكون الواحد منهما متطهرا أولا هي ماذا؟ يؤدي تحية المسجد، وأيضا المسجد إذا كان جالسا فيه، فيجب أن يكون على طهارة، وإما تكون فرصة لأداء نافلة، أو لقراءة قرآن، أو لغير ذلك من الأمور، لكن إذا لم يكن الدرس في مسجد، فهذا لا يعتبر عبادة، يعني كون نقول للناس : لا ينبغي لأحد أن يحضر في مجلس الطلب للشيخ، ولا التلميذ إلا أن يكون متطهرا هذه عبادة، وتحتاج إلى ماذا؟ تحتاج إلى دليل، وأنا لا أذكر دليلا يدل على هذا ومجرد الاستحسان هذا لا يكفي.
فنحن نفرق بين ما إذا كان الدرس في المسجد، أو إذا ما كان في غير المسجد، إذا كان في غير مسجد، فلا نملك الدليل اللهم إلا أن يكون هناك أمر آخر يُقْرَن به كأن يكون الشيخ يفسر كتاب الله -جل وعلا- فهو يمسك القرآن ويفسر، ففي هذا الحال يقال له: نعم ينبغي ألا يأتي وهو ماذا؟ إلا وهو متطهر وهكذا.(2/89)
مِن الآداب قال: لا يحدث قائما، ولا عَجِلا، ولا في الطريق إلا إن اضطر إلى ذلك قالوا: إن حديث الرسول " - صلى الله عليه وسلم - " ينبغي أن يكون هناك اعتناء به، وأن لا يؤخذ الأخذ العجل، الذي يدل على الاستخفاف بمثل هذا العلم، بل ينبغي له أن لا يحدث إلا وهو -يعني- متهيئ للتحديث مستعد له، والنفوس -أيضا- مستعدة أما هكذا على عَجَل، فلا ينبغي، لكن إذا اضطر إلى ذلك كأن يلقاه إنسان في الطريق محتاج إلى فتوى، فلا بأس بأن يفتيه، ويستدل على الفتوى بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
من الأمور التي يراعيها الشيخ -أيضا-: أن يمسك عن التحديث إذا خشي التغير، أو النسيان لمرض، أو هَرَم، وتعرف أن هذا يسمي ماذا؟ الاختلاط، فإذا شعر من نفسه بنوع تغير، فينبغي له أن يمسك عن التحديث حتى تسلم له أحاديثه، وهذا في الزمن الماضي.
في الزمن الحاضر: إذا كان الشيخ لربما -مثلا- أفتى فتوى غير منضبطة بسبب ما حصل له من اختلال في حفيظته، وما إلى ذلك فينبغي له -أيضا- أن يمسك عن الفتوى وعن التعليم، الذي قد يكون من جرائه تعليم الناس أمورا خاطئة، بخلاف ما هو الصواب.
كل هذا مما ينبغي أن يراعيه الشيخ، أحيانا نجد بعض المحدثين لا يتنبَّه هو بنفسه إلى الاختلاط، لكن إذا لم يتنبه، على من كان وليّا له من أولاد، أو أخ، أو ما إلى ذلك أن يمنع الناس من السماع منه في هذه الحالة؛ لتسلم له أحاديثه التي رواها سابقا، فتكون صحيحة. قال: وإذا اتخذ مجلسا للإملاء، أن يكون له مستمل يقظٌ، سبق أن بينت لكم مَن هو المستملي.(2/90)
قلت لكم إذا كانت الحلقة كبيرة وصوت الشيخ -مثلا- يصل إلى عشرة أمتار، وما بعد العشرة يبدأ الصوت يضعف، يكون في بعد عشرة أمتار واحد يقال له المستملي، ويفضل أن يكون جهوري الصوت؛ فيسمع الحديث من الشيخ، فيرفع به صوته؛ ليسمعه مَن بعده، وربما احتاج المجلس إلى عدة مستملين ينقل بعضهم عن بعض، فقد كانت بعض المجالس، وأظنه ليزيد بن هارون كان يحضر فيه مائة ألف، فمثل هذا يحتاج إلى العديد من المستملين؛ لأن ما كان في أوقاتهم مكبرات الصوت هذه، لكن إذا اتخذ مستمليا، أي مستمل يصلح؟ قالوا لا، ينبغي أن يتخذ مستمليا يقظا عارفا فاهما. قالوا: ولا يكون يعني: مثلوا لذلك بمثال، ولا يكون كمستملي يزيد بن هارون، ما باله مستملي يزيد بن هارون؟ قالوا: لأنه حينما سئل مرة عن حديث من الأحاديث، قال: هذا الحديث حدثنا به عدة، ومستملي يسمع فقال: يا أبا فلان ما أدري يا أبا سعيد وماذا؟ عدة ابن مَن؟ كأنه يظن أنه راو اسمه عدة، فقال: عدة ابن مَن؟ فقال: عدة بن فقدتك، يعني: ما تعرف ما المقصود بهذا؟ حدثنا به عدة، يعني: عدة من الرواة.
فهكذا قالوا: لا ينبغي أن يكون مستمليا مثل مستملي يزيد بن هارون. من الأمور التي ينفرد بها الطالب عن الشيخ:
-يعني- من الآداب التي ينبغي أن يراعيها: أن يوقِّر الشيخَ، ولا يُضْجِرَه، ونحن نعرف -أيها الأخوة- أن الشيوخ بشر لهم نفوس تسأم وتملُّ، ويعني -أيضا- لا يتقبل الواحد منهم الإهانة، أو الإغراق بالقول أو ما إلى ذلك، فينبغي لطالب العلم أن يراعي هذه الأمور، فمثلا إذا وجد أن شيخه قد طال به المجلس، وربما كان مشغولا، أو له حاجة يقضيها، أو ما إلى ذلك، فلا ينبغي له أن يلح في هذه الأثناء، بل يدع المسألة، أو يدع الاستفتاء، أو يدع طلب التحديث في وقت آخر خشية ماذا ؟ خشية أن يُضْجرَ الشيخ فيمله الشيخ، ويكره مجالسته، أو مجالسة هؤلاء الطلبة وهذه المجالس.(2/91)
كذلك -أيضا-: ينبغي أن يوقِّر الشيخ، ويحترمه، لكن في حدود السنة؛ لأننا نعرف أن هذه المسألة بولغ فيها عند طوائف من الناس كالشيعة، كالصوفية، وكالحزبيين، فنحن نرفض هذا وذاك، فالتوقير للمشايخ ينبغي أن يكون في حدود المعقول، مثلما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يوقرون النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أقل؛ لأن توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه مقدار زائد في بعض الأحيان. كذلك -أيضا- مثل ما كان العلماء السابقون يوقِّرون شيوخهم، فمثلا نجد أنه إذا .. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان جالسا في أصحابه لا يكون له فضل عليهم، حتى إن الداخل لا يعرف مَن هو محمد بن عبد الله إذا لم يكن يعرفه سابقا، فهل كان الصحابة -رضي الله تعالى- عنهم يأتون، ويعظمون النبي - صلى الله عليه وسلم - تعظيما زائدا؟ لا، بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهاهم عن ذلك، ويقول: " لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم " ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو، فما المقصود هنا؟ أن يكون التوقير والاحترام في حدود المعقول .
قالوا أيضا: من الآداب أن يُرْشِد الطالب غيره، يعني: من أقرانه وزملائه لما سمعه، ولا ينبغي أن يكون الحسد جاريا بينهم؛ لأن هذا من أسباب حرمان العلم، ومن أسباب محق بركة العلم، فالطلاب الذين لا ينفع بعضهم بعضا، هم ممحوقو البركة، لو فتحتم في الكتب لو جدتم عبارات كثيرة للعلماء، كلها تركز على هذه الناحية، فيقول: ينبغي للطالب أن ينفع زملاءه وأقرانه، وأن لا يبخل عليهم بشيء مثل ماذا في السابق؟ مثل أن يكون الواحد يتابع الشيخ، ويكتب، لكنه فاتته لفظة، أو ما سمعها جيدا، فيلتفت إلى زميله، ويقول: هذه اللفظة هل صوابها كذا؟ ويستفسر عنها، إذا كان ذاك حجب عنه الكتاب، ولم يسمح له بالمطالعة هذا يعتبر من ماذا ؟ من الامتناع عن الإفادة، وهذه من الأخلاق التي لا ينبغي أن تكون عند طلبة علم الحديث.(2/92)
وأيضا: لا ينبغي له أن يدع الاستفادة لحياء، أو تَكَبُّر، أحيانا بعض الناس تجده يمتنع من الاستفادة، ربما كان عنده سؤال، فلا يسأل، ربما أشكل عليه أمر، فلا يسأل، ربما أملى الشيخ كلاما، فلا تجده يسأل، بل ربما كتب على التوهم، أو ما إلى ذلك، وربما -أيضا- حُرِمَ من كثير من العلم كله بسبب إما الحياء، وإما التكبر، فكلاهما خلقان مذمومان في هذه الحالة، ولا يعتبر الحياء في هذه الحال محمودا، وقد علق البخاري في صحيحه عن مجاهد جزما، وسنده صحيح إلى مجاهد جاء عند غير البخاري أنه قال: " لا ينال العلم مُسْتَح، ولا مُسْتَكْبرٌ " ولعلكم تذكرون حديثا عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- حينما امتدحت نساء الأنصار، بأنه لم يكن يمنعهن الحياء في التفقه في دين الله جل وعلا، فاعتبرت هذه خصلة محمودة، ولعلكم يعني: قرأتم على الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله- -يعني- مجيء أم سليم -رضي الله عنها- وتسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة إذا احتلمت، وقالت: -يعني- إن الحياء لا ينبغي أن يكون في هذه الحال، أو كما قالت رضي الله عنها. فأرشدها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة عليها الغسل إذا رأت الماء ، وهذا من أحاديث عمدة الأحكام كما تعلمون، فهو حديث متفق على صحته.(2/93)
قال: ويكتب ما سمعه تامّا، ويعتني بالتقييد والضبط كل هذه من الآداب التي ذكروها لأجل يعني: ضبط الكتاب وضبط الحفظ، فينبغي له إذا سمع شيئا أن يكتبه تامّا ، بحيث لا يعتمد على -مثلا- كتب الأطراف، بل ينبغي أن يكتبه تامّا، ولا بأس بعد ذلك إذا ما حفظه أن يتخذ لنفسه كتابا للأطراف، لأطراف الأحاديث؛ لأن الأطراف دائما تستخدم لأجل ماذا ؟ الاستذكار؛ لكونها أخف، ويعتني بالتقييد والضبط، يعني: بتقييد الحديث تقييدا جيدا، وضبطه -أيضا- ضبطا يبعد عن الإشكال، وحينما نقول: يضبطه، لأنه أحيانا يقع الإشكال بسبب قلة الضبط، فلربما -مثلا- كانت الكلمة حمالة أوجه بسبب ضبط يسير، فإذا ضبطها على وجه أصبح معناها كذا، وإذا ضبطها على وجه آخر، أصبح معناها معنًى مغايرا لذلك المعنى، فعليه في هذه الحالة أن يعنى بضبط الألفاظ على الأقل المشكلة، وإن ضبط الجميع فهذا أحسن وأولى.
من -أيضا- الآداب التي ينبغي أن يراعيها: أن يذاكر فيما حفظه من الأحاديث، والمذاكرة تكون مع أقرانه وزملائه، فيأتي على طريق السرعة ماذا تحفظ في الباب الفلاني؟ والله أحفظ حديث: كذا وكذا وكذا، وأنا أحفظ حديث كذا وكذا، وهكذا؛ لأن هذا مدعاة لماذا؟ مدعاة للحفظ والاستذكار، وترسيخ الحفظ في الذهن، لم يذكر الحافظ هنا مسألةَ العملِ بالحديث، وهي من الأمور التي نصوا عليها في آداب طالب الحديث، قالوا: ينبغي أن يعمل بالحديث الذي يسمعه -مثلا- إذا عرف أن في صحيح البخاري حديث: " كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم "
فقالوا: من دواعي الحفظ العمل بهذا الحديث، فإذا أصبح يكرر: سبحان الله، وبحمده، سبحان الله العظيم، فلا شك أنه سيستحضر على طول تلقائيا ماذا؟ يستحضر هذا الحديث الذي رواه البخاري، فقالوا: من دواعي الحفظ العمل بالحديث، فهو أسهل للحفظ.
سن التحمل والأداء(2/94)
وسنّ التحمل والأداء، وصفة كتابة الحديث وعرضه ، وسماعه ، وإسماعه.
من المهم -أيضا- معرفة سن التحمل وسن الأداء، وهذه مسألة سبق أن تكلمنا عنها. سن التحمل، يعني: متى يبدأ تحمل الطالب؟ هل له سن معينة؟
قلت لكم سابقا: إن الراجح في هذا أن يكون الطالب ماذا؟ أحسنت.. أن يكون الطالب مميزا، قلنا: ينبغي أن يكون الطالب مميزا فقط، وأما تحديد السن، فليس هناك سن في الحقيقة يعني: راجح تحديدها وتعيينها، بل اضطربت أقوالهم، فمنهم من قال بخمس سنين، ومنهم من قال سبع، ومنهم من قال خمسة عشر عاما وهكذا، لكن الصحيح في هذا أنه متى ما ميز الطالب، فإنه يصح تحمله حينذاك، وهذا فقط من أجل ماذا؟ التحمُّل، لكن الأداء سنتحدث عنه أيضا.
يقول الحافظ: وقد جرت عادة المحدثين بإحضارهم الأطفال مجالس الحديث، ويكتبون لهم أنهم حضروا ما معني هذا الكلام؟ إذا كان مثلا جرت عادة المحدثين، وبخاصة من المتأخرين أنهم إذا حضر الشاب الصغير في الحلقة سأله عن كم عمره، فإن كان عمره خمس سنوات فما فوق، ففي هذه الحال يكتبون له سماعا؛ لأنه -مثلا- حينما يُسَمِّعُون جزءا حديثيّا من الأجزاء على الشيخ، كل واحد يريد أن يكون هذا الجزء من مسموعاته يرويه هو بسنده، وبعض المحدثين يحرص على هذا الشيخ الذي ربما مات، وابنه ما زال صغيرا، فيريد أن يظفر بعلو الإسناد لابنه، فيأتي بابنه هذا لمجلس الشيخ، فحينذاك يسألون هذا المحدث كم عمر ابنك؟ قال: خمس سنوات. قال اكتبوا له سماعا، -يعني- أنه صحَّ له سماع من هذا الشيخ، فيجيزه في هذه الرواية، أو بذلك الجزء الحديثي، لكن إذا كان أقل من خمس سنوات، قالوا: لا اكتبوا له حضورا.(2/95)
وفرقوا بين الحضور وبين السماع، فالسماع يعتبر سماعا صحيحا، والحضور يعتبرونه حضورا فقط بمعنى أن سماعه غير صحيح، في هذه الحال ولعلكم -يعني- الذي يريد مثالا حيّا على هذا. أذكر في مسند ابن أبي أوفى -كنتُ حققت جزءا صغيًرا، موجود في الأسواق، في آخره الحافظ العراقي -رحمه الله- ممن سمع هذا الجزء على أحد مشايخه، فجاء بابنيه وهو -رحمه الله- من محبته للحديث وأهله كنى ابنيه وسماهما -أيضا- لعل الاسم يختلف، لكنه كناهما بكنيتي إمامين من أئمة الحديث، فالأكبر كناهُ أبا زُرعة، والأصغر كناه أبا حاتم، فهذان الابنان أحضرهما العراقي لأجل سماع مسند ابن أبي أوفى هذا في مجلس ذلك الشيخ، فأذكر أنه -يعني- جاءني في السماع: ممن حضر زين الدين عبد الرحيم العراقي، وابناه أبو زُرْعة أحمد وأبو حاتم محمد، حاضران في الرابعة يعني: حاضران ولهما كم ؟ أربع سنوات ؟ يعني قصدك أنه يصح تحمله ؟ لا هو لا يصح تحمله في هذه الحالة، لكن لو فاته ذلك الشيخ، يمكن -مثلا- أن يتحصل على الحديث بالنزول إما من شيخ آخر فيذكر هذا، ويذكر أنه كان حاضرا في ذلك المجلس، يعني فيه نوع سماع وإن لم يكن سماعا كاملا.
قال: والأصح في سن الطالب بنفسه أن يتأهل لذلك .
يعني يقصد أن يكون مميزان هذا هو الأصح .
قال: ويصح تحمل الكافر -أيضا- إذا أداه بعد إسلامه، وكنا ضربنا لهذا مثالا برسول، برسول ماذا؟ برسول كسرى. وكذا الفاسق من باب أولى، إذا أداه بعد توبته وثبوت عدالته، يعني يقاس على هذا، بل هو من باب أولى .(2/96)
قال: وأمَّا الأداء فتقدم أنه لا اختصاص له بزمن معين، يقيد بالاحتياج والتأهل إلى ذلك هذا يعني ماذا؟ في آداب الشيخ، يعني: يقال مَن يحدث؟ متى؟ ما احتيج إليه، فهذا هو الأداء، لكن هل يشترط في حال الأداء أن يكون هناك سن معينة لا يؤدي قبلها؟ هنا اختلاف -أيضا- بين المحدثين، فكما ترون أنه نقل عن ابن خلاد الرامهرمزي، وهذا الكلام موجود في كتابه المطبوع "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" فيقول ابن خلاد: إنه لا ينبغي له أن يحدث قبل الخمسين، وإن حدَّث في الأربعين، فلا بأس. كأنه أدنى حدّ للتحديث بمعنى الذي قبل سن الأربعين، لا ينبغي له أن يحدث، بلا شك أن هذا الكلام يعني غير صحيح؛ لأنه هناك الكثير من الأئمة، بل من الصحابة مَن حدَّث قبل هذه السن بكثير.
فالإمام مالك على سبيل المثال، قالوا: إنه حدث وهو نيفٌ وعشرون سنة، بل قيل إن له سبعةَ عشرَ عاما، عندما حدث، وكذلك -أيضا- الشافعي وغيرهما.
نعم؟ وشيخُ الإسلام ابن تيمية؟ .. كثر، لكن هؤلاء في أيام الإسناد، فكل هؤلاء حدثوا وهم في مقتبل العمر، لكن يقيد هذا بحال الاحتياج إليه، وإن لم يحتج إليه، ولكن ينبغي له أن يركز في هذه السنوات الأولى على الطلب.(2/97)
من المهم -أيضا-: معرفة صفة كتابه الحديث هذه -أيضا- من الآداب التي ينبغي إلى الطالب يراعيها كيف يكتب الحديث؟ وكيف يعرضه؟ وكيف يسمعه وما إلى ذلك. المهم يعني: جعلوا ضوابط كتابة الحديث، فيقولون: إذا كتب الحديث ينبغي له أن يحسن الخط، وأن يجوده وأن يضبط الْمُشْكِل، ولهم في هذا في الحقيقة يعني متون، ولكن أخذت العبارة التي وردت من الحافظ ابن حجر هنا أشير إليها والمسائل الأخرى في الحقيقة، يعني لا يستوعب الوقت الآن للإطالة فيها، وإلا مسائل دقيقة وجيده وشيقة -أيضا- في نفس الوقت وتدلكم على دقة المحدثين رحمهم الله في هذه الأمور، فمثال على ذلك يقول الحافظ هنا:، ويكتب الساقط في الحاشية اليمنى ما دامت في السطر بقية، وإلا ففي اليسرى.(2/98)
ما معني هذا الكلام؟ هذا يسمونه اللحق يعني جعلوا أدبا في اللحق كيف يكون؟ يقولون إذا كان الآن يقابل يعني انتهي من نسخ الكتاب وجاء دور المقابلة وهم يقولون ينبغي أن يقابل كتاب لا يعتمد فقط على النسخ، ويترك الكتاب لماذا؟ قالوا لأنهم مَظِنَّة التصحيف والسقط، فالإنسان وهو ينسخ قد تسقط عليه كلمة قد يسقط منه جملة، أو كلمة على الأقل وهكذا فينبغي له إذا ما انتهى أن يعود فيقابل كتابه الأولى على أن يقابل الكتاب على مَن؟ على شيخه، أو على الأقل على كتاب شيخه، ويكون هناك زميل له ثقة يقابل، أو يقوم بنفسه، هو نفسه يقابل، وإن كان ذلك متعبا ففي حال المقابلة قد لا يرى أن هناك سقطا، فإذا وجد سقطا مثلا هو بادئ في السطر بدأ من الجهة اليمني فوجد بعد كلمتين أن هنا عبارة يجب أن تدخل فقالوا يضع خطّا هكذا قائما، ثم يحنيه إلى جهة اليمين قليلا، ويكتب في هذه الحال في الجهة اليمني لا يكتب في اليسرى لماذا؟ قالوا لاحتمال أن يكون هناك سقط في نفس السطر بعده بمسافة، فلو كان السطر بعد مسافة هناك وصارت الجهة اليسرى ملآنة، فإنه في هذه الحال سيضطر أن يكتب في الجهة اليمني فيتلاقى السطران، أو الإشارتان، في هذه الحال قد يظن ظان أن هذه الإشارة ملغاة وتلك الإشارة ملغاة، أو أن هناك تداخلا، فلا يدري هنا الإلحاق في هذا المكان، أو في ذاك المكان.(2/99)
المهم أنهم وضعوا آدابا دقيقة في الأول يكتب في الحاشية اليمني إذا امتلأت يكتب في الحاشية اليسرى بل دققوا في هذا قالوا ينبغي أن تكون كتاباته من أسفل إلى أعلى لماذا؟ قالوا لأن حتى لو جاء بعد ذلك لحق في الأسفل يجد له خانة ومكان وهكذا لو طالعتم أنا أحثكم على مطالعة تدريب الراوي وفتح المغيث تجدون آدابا دقيقة جدّا في هذه الإلحاق، وإذا انتهي في الإلحاق فتجدوه صح ليبين أن هذا اللحق صحيح وهو أثبته هو وأحيانا يكتبون هي فقط، ولكن لا يحبون كتابه " ص " فقط لأنها تشبه ما يسمي بعلاقة التضبيط أن يضع فوق الكلمة المشكلة على صورة ص ضبه أن هذه الكلمة تشكله فانتبه لها، فلا يفضلون وضع "ص " فقط بل يفضلون أن يكون هناك صح أيضا. قالوا تكتب كلمة صح هذه فوق الكلمة التي يظن أن فيها إشكالا وهي صحيحة جاءت هكذا مثلا كأن نقول كأن يرد في الإسناد عن أبو هريرة والصواب يقال أبي هريرة وهي جاءت في الأصل على هكذا، أو هي مثبتة على الأصل ينبغي أن يضع عليها " صح" بمعني أنني كتبت هذه الكلمة " صح " فانتبه أن هذا ليس تصحيفا مني، وإنما هكذا تلقيتها وهكذا يعني .
قال وصفة عرضه عن وصفة إسماعه قالوا ينبغي من يسمع الحديث يسمع من أصله هو الذي كتبه عن ذلك الشيخ، فإن لم يكن له مثلا أصل، فلا بأس، أو كان أصله ناقصا، فلا بأس أن يستعين بأصل آخر، لكن بشرط أن يكون أخذ بشكله على الأقل بالإجازة.
الرحلة في طلب الحديث
والرِّحلة فيه.
كذلك -أيضا- تحدثوا عن الرحلة في طلب الحديث فقالوا ينبغي في الطلب أن يسمع من أهل بلده، فإذا حصل ما عندهم بعد ذلك ينبغي له أن يرحل. وكان المحدثون في السابق يعني: على الأقل يحملون في نفوسهم على الذي لم يرحل، فعندهم مَن رحل، فهذا له مكانة أعلى ممن لم يرحل.(2/100)
فالرحلة عندهم من الأمور التي ينبغي أن يعتني بها طالب العلم، لكنهم ينبهون على أنه ينبغي له في حال الرحلة وفي حال تحصيل الشيوخ: أن لا يكون قصده قصدا سيئا، مثل التكثر بالشيوخ ومنافسة الأقران بأن عندي وعندي كذا شيخ، أو أنا سمعت الشيوخ الفلانية وأنت لم تسمع منهم، بل ينبغي له أن يكون هدفه هدفا سليما، كأن يكون يريد العناية بالأسانيد الصحيحة ولقي الشيوخ الذين عندهم أسانيد صحيحة، وهكذا يعني: من الأمور السليمة في حد ذاتها.
صفة تصنيف الحديث
وتصنيفه، إمَّا على المسانيد، أو الأبواب، أو العلل، أو الأطراف.
كذلك -أيضا- صفة تصنيف الحديث قالوا: إما على الأسانيد والأبواب، أو العلل، أو الأطراف. المسانيد باختصار هي الكتب التي تؤلف، لكنها مرتبة بحسب الصحابة يأتون مثلا بأبي هريرة، فيأتون بكل أحاديثه وراء بعض، ويأتون مثلا لابن عمر بكل أحاديثه وراء بعض، ولا تكون هذه الأحاديث في الغالب مرتبة، فقد يأتي حديث في الطهارة، وبعده حديث في التفسير، بعده حديث في النكاح بعدها حديث في الزكاة وهكذا. فمن سلبيات كتب المسانيد أنها غير مرتبة الأحاديث، ولكنهم يكتبون أحاديث الصحابي كلها، ويجمعونها على حِدَة، لكن كيف يُرَتَّب هؤلاء الصحابة؟
للعلماء طرق في الترتيب: فمنهم من يرتب بحسب الأنساب، ومنهم بحسب الأفضلية وهكذا، فنجد أن غالب من رتب على مسانيد يبتدئ بالعشرة المبشرين بالجنة، ثم بعد ذلك له طرق: إما أن يراعِيَ الأنساب أحيانا، أو بالبلدان كما صنع الإمام أحمد، فإنه بعد العشرة المبشرين بالجنة راعى مسانيد أهل البيت، وبعد ذلك جعل الصحابة من أهل الشام على حِدَة والحجازيين على حدة وهكذا، ولكن الأولى والأفضل أن يرتبهم على حروف المعجم، كما صنع الطبراني في كتابه: "المعجم الكبير" هذا أولى وأحسن تيسيرا لطالب العلم، هذا بالنسبة للأسانيد.(2/101)
الأبواب: المقصود بها أن يرتب الكتاب على الأبواب الفقهية، فيبتدئ مثلا بكتاب الطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، فالحج، وهكذا إلى آخره. هذا هو الترتيب على الأبواب، أو العِلَل، قالوا : يمكن أن تكون الكتب المؤلفة تعتني بعلل الأحاديث، فيرتب كتابه على العِلَل يعني: يذكر الأحاديث المعلولة، وينبغي له -أيضا- أن يرتب الأحاديث على الأبواب الفقهية؛ تيسيرا لطالب العلم، أو الأطراف، المقصود بالأطراف: أن يأتي بطرف الحديث الذي يدل على بقيته، ولكنه يعتني بالأسانيد مثل "تحفة الأشراف" للمِزِّيِّ تجدون المزي، الأسانيد لا يغفل شيئا منها، يذكرها بتمامها، ولكن المتن لا يأخذ إلا طرفا منه، فلقد كانت عنايتهم سابقا بالأطراف شديدة، فقد كانوا يقولون: المحدث الذي ليس له أطراف ليس له أطراف، أو كالذي ليس له أطراف، بمعنى كالرجل الذي قطعت أطرافه، ليس له يدان، ولا رجلان، ولا أي شيء. فالأطراف هذه تعين على الحفظ وعلى استذكار الحديث.
معرفة أسباب ورود الحديث
ومعرفة سبب الحديث ، وقد صنَّف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفرَّاء ، وصنَّفوا في غالب هذه الأنواع ، وهي نقلٌ محض ظاهرة التعريف ، مستغنية عن التمثيل ، وحصرها متعسر ، فلتراجع لها مبسوطاتها.
والله الموفقُ والهادي ، لا إله إلا هُو.
ومن المهم -أيضا- معرفة الحديث، يعني: أسباب ورود الحديث، فإذا كان للحديث سبب، سبب وروده -بلا شك- فإنه يعين على معرفة فقه الحديث، بل قد يكون مبينا لأمر ما كمعرفة الناسخ والمنسوخ، أو كتقييد المطلق وما إلى ذلك.
يقول: وقد صنف فيه بعض الشيوخ كأبي يعلى الفراء .
هناك بعض المصنفات التي صنفت في هذا، ومنها ما هو مطبوع اسمه "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" لابن أبي حمزة .
قال: وصنفوا في غالب هذه الأنواع.
يعني: كل هذه الأمور التي سبقت الآن إشارة إليها، مما صنف فيه العلماء بعض المصنفات.(2/102)
قال: وهي نقل محض ظاهره التعريف، أو ظاهره التعريف مستغنية عن التمثيل وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها.
يعني: يقول الحافظ -رحمه الله- : إن هذه الأمور التي سبق الكلام عنها، يعني: أمور معروفة، وليس هناك ما يدعو إلى التمثيل لها؛ لأنكم ترون أنه أهمل التمثيل لكثير منها. يقول: يعني السبب في إهماله التمثيل لها، أنها معروفة ومشهورة، والذي يريد يعني أن يرى الأمثلة، وما إلى ذلك يراجع الكتب التي بسطت، فهذا الكتاب ما هو إلا كتابا مختصرا لا غير، وليس كتابا همه البسط، وحصرها وجمعها متعسر؛ لأن فيها كثرة.
والله الموفق والهادي، لا إله إلا هو، وصلى الله علي نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
الحقيقة يعني: الدروس التي في الإجازة ليست دروسا عامة مثل كذا، وإنما كما أشرت لكم سابقا بعض الأخوة يأتيني في المسجد، ونجلس يعني: جلسة خفيفة وبعض الأحيان -أيضا- حتى لا يجد الواحد في نفسه، بعض الأحيان أقول لهم: أنا مشغول الآن فيرجعون، فليس هناك يعني: أدني تكلف إطلاقا.
س: أحد الأخوة يسأل يقول: ورد في الحديث " ما يموت لأحد المسلمين ثلاث من الولد ، فتمسه النار إلا تحلة القسم "
ج: يا أخوان الأخ يسأل عن معنى هذا الحديث: هناك أحاديث الوعد والوعيد ينبغي أن تفهم فهما صحيحا سليما؛ لأن الذين حاولوا أن يخوضوا في تأويلها وقعوا في الشطط، فما حدث الإرجاء، ولا حدث الخروج إلا بسبب الخوض في تأويل تلك الأحاديث، فالمرجئة أخذوا بأحاديث الوعد، والخوارج والمعتزلة أخذوا بأحاديث الوعيد، فوقعوا في الخطأ، ولكن الصواب أن تُمَرَّ هذه الأحاديث كما جاءت، فلا يخاض في تأويلها، ولا تنزل على معين.(2/103)
فمثلا إنسان من الناس مات له ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو عشرة، أو مائة من الولد نقول: خلاص هذا الرجل من أهل الجنة؟ لا.. لا يجوز في هذه الحالة يتَّكِل على هذا الأمر الذي حدث له، فلا يعمل لا يصلي لا يزكي لا يصوم لا يحج، ويفعل المعاصي؟ لا. نقول هذا فيه بشارة لمن حصل له هذا الأمر، فرضي بما قسم الله -جل وعلا- له وواظب على الأعمال الصالحة، فأتى بالطاعات واجتنب المعاصي، فيرجى له -إن شاء الله- أن يكون داخلا في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا مجرد ماذا؟ مجرد رجاء وأمنية، أمَّا أن يحكم له بذلك، فلا.
س: أحد الأخوة يعني: غيره - أثابه الله وجزاه خيرا يذكر - أنه يعني: رأى في بعض سيارات الليموزين خيوطا في آخر السيارة، وحينما سأل صاحب السيارة عن سبب تعليقه لهذه الأشياء، يعني: ذكر إنها تقيه من الصدمة، فيقول -يعني-: من المؤسف أن تقع الشركيات والأمور هذه في هذا البلد.
ج: نقول: على كل حال هذا البلد ليس مبرءا من الوقوع في مثل هذه الأمور، ولكن هذه مهمة طلبة العلم، فعليهم أن ينشطوا، ويعرفوا أن الأمة بأشد الحاجة إليهم، وأن أكبر حاجة تحتاجها الأمة تصحيح العقيدة، هي -والله- أولى من محاربة الأعداء، وأولى من إقامة الدولة، وأولى من كل شيء؛ لأنها هي دعوة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فكل هذه الأمور التي قد ينشغل بها بعض الدعاة، قد يطول عليها الأمد، وقد لا تتحصل إلا أن يشاء الله، لكن هذه الأمور يمكن تحصيلها، فلو أننا عُنِينا بدعوة الناس وتعليمهم وحثهم على المنهج الصحيح السليم، وإبعاد البدع والخرافات والشركيات، لصلح الناس، وصلح مَن هو فوق الناس بطريق الأولى.(2/104)
س: أحد الأخوة: يقول إنه يعني: حضر في هذه الدورة، وحضر دروس العقيدة الموجودة في هذه الدورة بدون إعداد، وكذلك -أيضا- قرأ في كتب شيخ الإسلام، وقرأ في فتح المجيد وغير ذلك من كتب العقيدة، ويذكر أن بجواره أناسا محتاجين لتعليم العقيدة، فهل يُقيم لهم درسا؟
ج: نقول: لا بأس أن تقيم لهم درسا، لكن اتَّق الله -جل وعلا- فإذا جهلت مسألة من المسائل، فلا تأخذك العزة بالإثم وتجيب بجهل، ولكن اطلب منهم التروي، وأنك ستبحث المسألة وتجيب، ثم اتصل بمن ترى من المشايخ وطلبة العلم، واقرأ حتى تكون على نور وبينة من ربك، جل وعلا.
س: ذكر أحد الأخوة أني سأتحدث عن فضل أهل الحديث
ج: لعلَّ هذا -إن شاء الله- يكون يعني: الليلة؛ لأنَّ الوقت الآن قد ضاق.
س: أحدُ الأخوة يسأل عن حديث " أن النبي -صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة، ويمصُّ لسانها " ويذكر أنه أخرجه أبو داود وغيره، وبسنده محمد بن دينار الأسدي سيئ الحفظ، وشيخه سعد بن أوس العبدي له أغاليط.
السؤال: هل هذا الحديث ضعيف أم لا؟ وهل يؤخذ به؟
ج: أقول: لا يحضرني أن للحديث طرقا، ولكن بهذا العرض، نعم يكون الحديث ضعيفا إلا أن يكون له طرقا يتقوى بها.
س: يقول: ما حكم حديث " مَن تعلَّم لغة قوم أمِنَ شرَّهم ".
ج: أقول: هذا الحديث ليس له أصل.
س: أقول: في بعض الكليات الطلاب يعتمدون على أحدهم في الكتابة خلف مدرس، والبقية لا يكتبون معتمدين على هذا الذي سيخرج مذكرات في آخر الفصل، فما حكم هذا ؟
ج: على كل حال، يعني: هذه الظاهر أنها من طلب العلم للدنيا، وإلا لو كان طلبهم للدين لما اعتمدوا على هذا الطالب .
س: أحد الأخوة يقول: إنه عرض هذه الأسئلة سبع مرات قبل كده.
ج: أقول: إنها -والله- إنها ما جاءتني.
س: يقول: ما الفرق بين مختصر صحيح البخاري والصحيح نفسه ؟(2/105)
ج: أقول: واضح المختصر يعني: يحذف المكرر، ويكتفي بموضع واحد، ويحذف الأسانيد هذا هو المراد بالمختصر، أما الصحيح نفسه، فيذكر الأسانيد، وقد يذكر الأحاديث في مواضع متعددة جدّا، وكذلك مسلم أقول: نفس الشيء صحيح مسلم الذي اختصره حذف الروايات المكررة، وحذف الأسانيد.
س: ما الفرق بين معاجم الطبراني: الصغير، والكبير، والأوسط؟
ج: أقول: الكبير مرتب على الصحابة، يأتي بالصحابي، ويذكر بعض صفاته ومناقبه وما إلى ذلك، ثم يرد بعض أحاديثه، أما الصغير والأوسط، فهو مرتب على شيوخ الطبراني أنفسهم لا على الصحابي، فيأتي بشيخ الطبراني، ويأتي الطبراني بشيخه ويذكر كل الأحاديث التي رواها من طريق ذلك الشيخ، فقد يكون الحديث الأول عن أبي هريرة، والحديث الثاني عن ابن عمر وهكذا، وقد يكون الحديث الأول في الصلاة، والثاني في التفسير، والثالث في النكاح وهكذا، فليست مرتبة.، وأما الترتيب بحسب الشيخ نفسه، لكن ما الفرق -إذا - بين الصغير والأوسط؟
نقول: الصغير في الغالب أنه لا يخرج إلا في ترجمة شيخه إلا حديثا واحدا، أو حديثين، وأما في الأوسط، فهو يحاول أن يستوعب، ويركز على الأحاديث والغرائب هذا في إخراجه للأحاديث.
س: قالوا: وبماذا تنصح الطالب المبتدئ في الطلب؟ أن يبدأ في الحفظ في كتب الحديث أهو "العمدة" أم "بلوغ المرام"؟
ج: أقول: والله إذا حفظ بلوغ المرام، فهو أولى؛ لأنه يشمل العمدة وزيادة، فبلوغ المرام أوسع من العمدة.
س: وبماذا تنصح في هذه الدورة من الاستفادة من الوقت؟
ج: أقول: أنصح بالمثابرة على طلب العلم، وعلى تتبع المشايخ والاستفادة، وعلى الإكثار من القراءة والبحث والمطالعة.
س: يقول : أيهما أفْضَلُ علم الحديث، أو علم أصول الفقه؟ وهل يمكن أن يُستغنى بأحدهما عن الآخر؟(2/106)
ج: أقول: إذا كان الإنسان يستطيع أن يلم بهذين العلمين، وبغيرهما من العلوم النافعة، فهذا -بلا شك- أنه أولى وأحسن، لكن إذا كان طالب العلم يتعارض معه هذا مع ذاك، فالأولى أن يبدأ بمصطلح الحديث؛ لأنه يهيئ لما بعده.
وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد.(2/107)