الدرس الأول - مقدمة في أصول التخريج
فضيلة الشيخ / د. بدران بن محمد العياري
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - الدرس الأول - مقدمة في أصول التخريج
اسم المادة:
علوم الحديث - المستوى الثالث
عدد الدروس:
24
اسم الدرس:
الدرس الأول - مقدمة في أصول التخريج
javascript:OpenDisplayWindow('Library_Files/media/Academy-Lessons/3rd-Year/1st-Class/3olom-Hadeeth-3rd-Level/AHS103-231007.rm');| http://media.islamacademy.net/Library_Files/media/Academy-Lessons/3rd-Year/1st-Class/3olom-Hadeeth-3rd-Level/AHS103-231007.rm| http://www.islamacademy.net/droos/
الدرس السابقالدرس الأول
مادة علوم الحديث
المستوى الثالث
الدرس الأول
مقدمة في أصول التخريج
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد.
يتجدد لقاؤنا معكم في برنامج الأكاديمية العلمية، وهذه الدورة المباركة بإذن الله -تبارك وتعالى- نستضيف فيها فضيلة الشيخ الدكتور/ بدران العيَّاري الأستاذ المساعد بقسم الحديث وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر.
يقوم فضيلته بشرح كتاب" أصول التخريج ودراسة الأسانيد" لفضيلة الشيخ الدكتور محمود الطحان -رحمه الله تعالى-
حيى الله فضيلة الشيخ عبد الرحمن، وأهلا وسهلا، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يسددنا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى في هذه الدورة المباركة إن شاء الله.
وحيى الله الإخوة الحضور، وحيى الله المشاهدين، و-إن شاء الله تعالى- نحن على موعد مع مادة أصول التخريج ودراسة الأسانيد، من كتابٍ للشيخ الدكتور محمود الطحان -رحمه الله تعالى-.(1/1)
هذه المادة؛ مادة التخريج ودراسة الأسانيد هي - في الحقيقة – مادة شيقة وعملية، وفيها دربة وممارسة، وتعوُّدٌ على فتح كتب التراث، والتعامل معها مباشرة بلا واسطة، ومادة التخريج إذا تعامل معها الإنسان بهذه الطريقة، وبذل لها، وصبر عليها؛ فإنه يسعد، ويحصل على كم هائل من المعلومات التي لم تكن على باله حين البحث وحين المشاركة.
نبدأ بإذن الله اليوم تقدمة عن تعريف هذا العلم، وموضوعه، وفائدته، ولمحة تاريخية عنه، ونشير إلى طرق التخريج الإجمالية، ثم بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- في مستقبل الحلقات يكون لنا دورٌ في الانتقال من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي العملي؛ حيث التعامل مع الكتاب مباشرة بإذن الله -سبحانه وتعالى-.
يبدأ الكتاب بذكر التعاريف كمدخل لهذه المادة، ويبدأ معنا الأخ الشيخ عبد الرحمن بقراءة التعريف من صفحة سبعة -إن شاء الله-.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
المقدمة
وتشتمل على :
أولا: تعريف التخريج.
ثانيا: أهميته وفائدته ووجه الحاجة إليه.
أولا: تعريف التخريج:
سأذكر تعريف التخريج في اللغة، ثم أبين معاني التخريج عند المحدثين، ثم أذكر تعريف التخريج في الاصطلاح.
أ تعريف التخريج لغة:
التخريج في أصل اللغة يطلق على عدة معان أشهرها الاستنباط؛ قال في القاموس والاستخراج والاختراج؛ أي: الاستنباط )
إذن؛ عندنا كلمة التخريج تطلق على عدة معانٍ؛ منها الاستنباط؛ تقول: (استخرجت كذا من الكتاب؛ أي؛ استنبطته) أو على معنى التدريب أي يتدرب الطالب على فتح الكتاب، وعلى استخراج المعلومة، وعلى النظر في طبيعة هذا الإسناد، وحال رواته، ومن خرج هذا الحديث إلى غير ذلك من الأمور، فيطلق التخريج على معنى الاستنباط، وعلى معنى التوجيه؛ بأن تذكر للمسألة وجها؛ فهذا أيضا يقال له: تخريج.
(التدريب قال في القاموس: خرَّجه في الأدب فتخرَّج وهو خِرِّيج.(1/2)
التوجيه: تقول: خرج المسألة: وجهها؛ أي بين لها وجها، والمَخْرَج: موضع الخروج؛ يقال: خرج مخرجا حسنا، وهذا مخرجه.
قلت: ومنه قول المحدثين: ((هذا حديث عُرف مخرجه))؛ أي: موضع خروجه، ورواة إسناده الذين خرج الحديث من طريقهم.
والخروج نقيض الدخول وقد أخرجه وخرج به فيكون الإخراج معناه الإبراز والإظهار، ومنه قوله تعالى ? كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ? [الفتح: 29].
قلت: ومنه قول المحدثين عن الحديث: ((أخرجه البخاري)) أي: أبرزه للناس وأظهره لهم ببيان مخرجه وذلك بذكر رجال إسناده اللذين خرج الحديث من طريقهم).
العلماء يقولون: هذا الحديث معروف المخرج؛ أي: معروف الرواة وهذا الحديث لا يعرف له مخرج؛ أي: لا يعرف له راوٍ، ولا يعرف له موضع في كتاب.
هذه الإطلاقات اللغوية لا نستطرد في الكلام عليها؛ لأنها مجرد تعريف لغوي، ومجرد بيان وسنتكلم بسعة أكثر في الكلام على التخريج عند المحدثين.
التخريج عند المحدثين يطلق على عدة معان منها:
- إبراز الحديث للناس؛ فأنا الآن مطالب بتخريج حديث، وكما سنذكر -إن شاء الله تعالى- في طرق التخريج أعمد إلى الوسيلة التي سأخرج بها هذا الحديث؛ فتدلني على موضع الحديث من الكتاب الأصلي.
ـ بداية ـ مادة التخريج ـ كما ذكرت في المقدمة ـ هي مادة تطبيق عملي؛ بمعنى أن الطالب لا بد أن يفتح معي الكتاب. وهذا الكتاب وسيلة، وواسطة بين هذا الكتاب النظري الذي نتولى بيان معانيه وبين مصادر الحديث الأصلية التي هي أماكن ورود الأحاديث في كتب السنة.
والواسطة بين الكلام النظري وبين هذا التطبيق العملي هي الطرق التي سنستخرج بها الأحاديث من بطون الكتب.(1/3)
فقل ـ مثلاًـ: أنا محتاج إلى "المعجم المفهرس" أو محتاج إلى كتاب "تحفة الأشراف"، فلن أجد الحديث كاملا برجال إسناده ومتنه الكامل في "تحفة الأشراف" أو في "المعجم المفهرس" وإنما هو يشير إلى أن الحديث في البخاري -مثلاً- في كتاب الصلاة باب 31 فأرجع إلى البخاري كتاب الصلاة باب 31 سأجد الحديث بغيتي بإسناده عند البخاري، وبمتنه الكامل الذي أريد الوصول إليه فهذا هو معنى التخريج؛ أي: إبراز الحديث من مصادره الأصلية التي هي وعاء علوم حديث النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-.
فالإخوة في الغد –إن شاء الله- يصطحبون معهم حين نتكلم عن أول طريقة من طرق التخريج الكتاب، وفيه نمط معين سنختار الأيسر على المشاهد وعلى الطلبة الحضور، والتخريج كما سيأتي الكلام بعد على أول لفظة في الحديث هو الأيسر.
سنتدرب ونخرج بشيء ثم ندخل على الأصعب حتى نصل إلى عمق الكلام في الأسانيد فنأخذ من السهل إلى الصعب.
فغدا -إن شاء الله- يكون معنا كتاب «الجامع الصغير» وأيضا الكلام موجه للسادة المشاهدين.
( ب- التخريج عند المحدثين:
يطلق التخريج عند المحدثين على عدة معان:
- يطلق على معنى إخراج الحديث.
- يطلق على أنه مرادف للإخراج؛ أي: إبراز الحديث للناس بذكر مخرجه؛ أي: رجال إسناده اللذين خرج الحديث من طريقهم.
-ويطلق على معنى إخراج الأحاديث من بطون الكتب وروايتها.
قال السخاوي في "فتح المغيث" (( والتخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء، والمشيخات، والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك)).
هذا نوع خاص بعضَ الشيء من أنواع التخريج التي تعتبر في مرحلة تالية.(1/4)
التخريج من كتب الفوائد والأجزاء الحديثية والمشيخات هذه المرحلة تكون تالية، وإنما كلامنا في بداية هذه الدورة المباركة -إن شاء الله تعالى- في التعامل مع الكتب الأصلية للسنة وهي كما سيتبين فيما بعد -إن شاء الله وتعالى- أن الطلبة المشاركين معنا ومن يريد التعلم لا بد كمرحلة أولية أن يملك النصاب الأدنى من كتب العلم التي تكون بيد الطالب وهو يتعلم التخريج مثل الكتب التسعة التي هي الصحيحان، وكتب السنن الأربعة، ومسند الإمام أحمد، وموطأ مالك، وسنن الدارمي. هذا هو الحد الأدنى للطالب لكي يقول: درست علم التخريج أو طالعت كتب السنة وهذا لكي يتدرب ويتمرس ويتعود على إمكانية وصوله للحديث في مصدره الأصلي؛ فمسألة المشيخات وكتب الفوائد مرحلة تلي المرحلة التي نحن فيها وتأتي فيما بعد -إن شاء الله-.
( - ويطلق على معنى الدلالة؛ أي: الدلالة على مصادر الحديث الأصلية وعزوه إليها، وذلك بذكر من رواه من المؤلفين.
قلت: والمعنى الثالث هو الذي شاع واشتهر بين المحدثين، وكثر استعمال هذا اللفظ فيه لاسيما في القرون المتأخرة بعد أن بدأ العلماء بتخريج الأحاديث المبثوثة في بطون بعض الكتب؛ لحاجة الناس إلى ذلك وهذا المعنى هو الذي سنبحث فيه أيض).
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن أئمتنا -رضي الله تعالى عنهم- في العصور الأولى عصور الرواية ما كانوا يحتاجون إلى هذا العلم والتصنيف في علم التخريج.(1/5)
قد يقال: إن الدكتور الطحان -رحمه الله تعالى- أول من صنف في هذا الباب وتوالت التصنيفات والكتابات ما بين مستدرك عليه, ومضيف إليه، إلى غير ذلك من الأمور ولكن قبل ذلك فإن العلماء -رضي الله عنهم- ما كانوا يحتاجون إلى وسائط للوصول للكتب، وإنما كانوا يتعاملون مع الكتب مباشرة وكانوا يحفظونها. وهذه كانت طريقة التعليم في القرون الأولى؛ فالطالب يبدأ منذ الصغر بحفظ القرآن الكريم فإذا حفظ؛ لزم شيخا من شيوخ بلده، ويحفظ الحديث فيبدأ بالبخاري باعتباره أصحَّ الكتب بعد كتاب الله, ثم مسلم, ثم يحصِّل الكتب الستة وهو ما وصل بعد إلى سن العاشرة وأحاديث الكتب الستة في ذهنه وعلى طرف لسانه يروح ويجيء على الكتب وعلى الأسانيد وعلى المتون لا يحتاج إلى فتح كتاب ليستحضر معلومة أو ليذكر اسم شيخ أو نحو ذلك.
وكان هذا هو السائدَ في العصور الأولى إلى أن جاءت العصور المتأخرة جدًّا وبدأ هذا الانحدار الشديد في علاقة طلبة العلم ـ ولا أقول عوام المسلمين ـ بكتب الحديث الشريف فاحتاج العلماء إلى الاجتهاد في تيسير الأمر بتأليف كتب وإخراج مذكرات لتأخذ بيد الطالب لتعرفه كيف يصل إلى الحديث في مكانه المباشر فلو أنَّا رجعنا بذهننا إلى الماضي وحصل عندنا نوع من الطفرة أو الاهتمام بعلوم الرواية وحصل تحفيظ للطالب منذ الصغر لما احتجنا إلى دراسة هذه المادة لأنها ستكون في رأسه.
هذه لمحة عن هذا العلم إلا أنهم في القديم ما كانوا يحتاجون إلى دراسته وإنما الحاجة صارت ماسة إليه لبعد الناس عن كتب الحديث وكتب السنة.
(وبناء على هذا المعنى الثالث يمكننا أن نُعرِّف التخريج اصطلاحا بما يلي:
- تعريف التخريج اصطلاحا:
التخريج :هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة).
هذا التخريج الأصوب أن نسميه استخراجا؛ لأن هذا العلم الذي ندرسه ليس تخريجا.(1/6)
التخريج مرحلة تالية، وقد تكون هي المرحلة الثانية بعد التي نحن فيها اليوم، وقد تكون مرحلة ثالثة؛ فالذي نحن فيه لا يقال عنه: تخريج بالمعنى الاصطلاحي؛ لأن النقاد المهتمين بالنقد الحديثي أو الأئمة المعاصرين الذين يفقهون هذا العلم ليسوا على هذا.
هذا الذي سنفعله ليس تخريجا، وإنما هو استخراج.
ما معنى الاستخراج؟
معناه: طلب التخريج، وأن أدلك على موضع الحديث في موطنه الأصلي. أما التخريج فباب آخر.
التخريج بالمعنى الاصطلاحي الذي يذكره العلماء والذي ويتربى عليه طالب العلم المتخصص في دراسة السنة: أن يجمع طرق الحديث من بطون الكتب كلها، ويجري بين هذه الأسانيد مقارنات فيقارن بين المتون ثم يدرس موطن العلة ومدى الاتفاق والاختلاف، ومواضع التفرد ومواضع النكارة، ثم يترجم للرواة وينظر في حال المختلف فيهم.
أعني أن كلمة تخريج: مضمونها واسع وكبير وتحتاج إلى جهود طويلة؛ فمثلا إذا كنا نستخرج في ساعة مثلاً للوصول إلى مصادر الحديث في مواطنها الأصلية في الكتب، إذا كان في ساعة تستطيع الوصول إلى عشرة أحاديث فالتخريج في الحديث الواحد قد يأخذ من الباحث المتمكن ثلاثة أو أربعة أيام، واضعا أمامه على الطاولة عشرين أو ثلاثين كتابا من كتب السنة، يظل ينقل الأسانيد ويقارن بينها ويُجري بينها دراسة ويدرس مواضع التفرد ومواضع النكارة، ومواضع الاتفاق ويعرف موطن العلة ويترجم للرواة وغير ذلك.
فالذي نحن فيه استخراج وليس تخريجا، وهو بدايات هذا العلم؛ لأننا لا زلنا نحبو للوصول إلى ترقي درج هذا العلم فهذا استخراج وليس تخريجا.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
ـ أهميته وفائدته ووجه الحاجة إليه(1/7)
لا شك أن معرفة فن التخريج من أهم ما يجب على كل مشتغل بالعلوم الشرعية أن يعرفه ويتعلم قواعده وطرقه ليعرف كيف يتوصل إلى الحديث في مواضعه الأصلية، كما أن فوائده كبيرة لا تنكر لاسيما للمشتغلين بالحديث وعلومه؛ لأن بواسطته يهتدي الشخص إلى مواضع الحديث في مصادره الأصلية الأولى التي صنفها الأئمة).
عادة كل أهل فن يعتبرون أن فنهم هو أهم علوم الشريعة، وأن أول ما يجب على كل مشتغل العلوم الشريعة أن يعلمها.
لا شك ـ وإن كان هذا استطرادا وليس في موضوعنا ـ أن يُبدأ بالعقائد وتحقيق المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لا يمكن أبدًا دراسة الشريعة ومعرفة الأحكام وغير ذلك إلا بمعرفة أدلتها.
نعم؛ دراسة السنة من أهم العلوم التي ينبغي الاشتغال بها خاصة لدارس علوم الشريعة وكانوا يقولون: الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة.
يأتي المريض فيكشف عليه الطبيب ويشخص الداء ويكتب الدواء ثم يعطيه قائمة العلاج ليذهب إلى الصيدلي ليعطيه هذا الدواء.
فهذا الفقيه لا يستطيع أن يقرر الحكم الشرعي من غير المرور على الصيدلي، يقول للمحدث هذا الحديث صحيح أعتمده أم غير صحيح فلا أعتمده؟!
فلا يستطيع الفقيه أو الأصولي أن ينطلق لإصدار حكم أو بيان حكم إلا بعد النظر إلى صحة الحديث وضعفه، فمن هذه الحيثية كان دراسة التخريج ومعرفة الأحاديث صحتها وضعفها إلى غير ذلك من أهم العلوم، وإلا وقع الإنسان في الكذب على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي دراسة الحديث الشريف كذلك عصمة للإنسان .. لماذا؟ لأن الله -سبحانه وتعالى- أنزل القرآن هدى للناس ببيان محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى فمهما وصفت أيها الداعية! أو أيها المصلح! من داء لأدواء الأمة فلن يكون ذلك إلا من خلال كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- .(1/8)
فإذا ذكرت كلاما غير صحيح؛ فقد أخطأت في تشخيص الداء، وأخطأت في وصف الدواء؛ لذلك كان الاهتمام بكلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ومعرفة صحيحه من ضعيفه، وألا يتكلم الإنسان داعية أو خطيبا أو مصلحا أو موجها إلا بعد النظر في صحة ما يقول وصحة نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أمرًا في غاية الأهمية، وغيابه عن الساحة أوقع الناس في حرج شديد.
(والحاجة إليه ماسة من حيث إنه لا يسوغ لطالب العلم أن يستشهد بأي حديث أو يرويه إلا بعد معرفة من رواه من العلماء المصنفين في كتابه مسندا، ولهذا فإن فن التخريج يحتاجه كل باحث أو مشتغل بالعلوم الشرعية وما يتعلق به).
هناك فوائد أخرى كثيرة يذكرها أهل العلم فيما يتعلق ببحثنا ودرسنا ويمكن تلخيص ذلك في نقاط على وجه السرعة:
- أن تعرف موضع الحديث في مصدره الأصلي.
وهذا مهم عند المحاججة، فقد أحتج على رجل في مسألة معينة، فيقول لي: من أين أتيت بهذا الكلام؟ فأقول له: والله الحديث في البخاري. فيقول: في أي موضع عند البخاري؟ فأقول له: في كتاب الصلاة... في كتاب النكاح ... في كتاب الرقاق..
فالدلالة على موضع الحديث من مصدره الأصلي مهم.
وـ أيضا ـ هذا الحديث لم يضعه البخاري في كتابه بغير وسائط.
ما معنى الوسائط؟
معناها شيوخه الذين روى عنهم، وشيوخه رووا عن شيوخهم، وشيوخ شيوخهم رووا عن التابعين ثم عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
- فمن مقاصد دراسة هذا العلم الشريف معرفة نقلة العلم الشرعي الذين نقلوا هذه الأحاديث عبر الأجيال؛ أسمائهم وما يتعلق من مذكور في هذه المصادر.
و ـ أيضا ـ الأسانيد التي رَوَتْ، فإذا أردتُ أن أجمع طرق الحديث من مصادر كثيرة فيكون عندي أسانيد هذا الحديث من أكثر من مصدر.(1/9)
و ـ أيضا ـ إنما أدرس التخريج وأدرس الأسانيد للوصول إلى هدف أساسي في هذه الدراسة هو معرفة صحة الحديث من ضعفه وهذا من أعظم المقاصد؛ التوصل من خلال هذه الدراسة إلى الحكم على الأحاديث، كذلك هؤلاء الوسائط الذين يروون الحديث لا بد من معرفة هل كل شيخ لقي من روى عنه؟! - ومعرفة مسألة الاتصال والانقطاع مهمة لأن علم التخريج ودراسة الأسانيد، وعلم السنة -عموما- مفخرة هذه الأمة. وكان المستشرق المجري اليهودي "مارجيليوس" يقول: "ليفتخرْ المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم".
وكان محمد بن سيرين –قديما- يقول: "لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". وكَلَّم رجلٌ محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله الزهريَّ بحديث؛ فقال: أين إسناده؟ قال: يعني سكت. فقال: قاتلك الله! أترقى السطح بلا سلم؟!
فكانوا يطالبون بالإسناد؛ فأي أحد يتكلم بأي كلام كانوا يطالبونه. من أين لك هذا؟ عمَّن رويت؟ ومن رويت عنه عمَّن روى؟ ومن روى عمن رويت عنه عمن روى؟ وهكذا إلى أن يصل الكلام إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فمهم جدًّا ـ في معرفة دراسة هذا العلم ـ معرفة الاتصال، وهل حصل لقاء بين الراوي أي التلميذ وشيخه؟ وشيخه هل حصل لقاء بينه وبين شيخه؟ وهكذا إلى أن يصل الكلام إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا وصل إلى الصحابة فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله -سبحانه وتعالى- لهم كما سنعلم فيما بعد.
- أيضا من فوائد هذه الدراسة أنك عندما تجمع طرق الحديث قد يأتي الراوي في الإسناد مبهما؛ يقول: حدثنا محمد وأنت لا تدري من محمد. هناك مائة ألف محمد، فتأتي رواية أخرى في كتاب آخر تقول ـ مثلا - : محمد بن بشار.
إذن عرفنا محمدا المبهم في رواية مسلم هو محمد بن بشار في رواية أبي داود؛ فمن فوائد دراسة هذا العلم والوقوف على الأسانيد في مظانها من مصادرها الأصلية معرفة الراوي المبهم الذي ذكر باسمه فقط دون اسم أبيه.(1/10)
كذلك كما سنعلم -إن شاء الله تعالى- فيما بعد زيادات الألفاظ.
ما معنى زيادات الألفاظ؟
البخاري -رحمه الله تعالى- في إيراده للأحاديث كان من منهجه أنه يورد الحديث بحسب المناسبة.
ما معنى "بحسب المناسبة"؟
معناه أنه – مثلاً - يريد أن يستشهد لحكم معين؛ فيورد من النص ما يشهد له دون سائر الحديث وهذا مشهور جدا في البخاري؛ تجد مثلاً حديث: (إنما الأعمال بالنيات) مذكورا في ستة أو سبعة مواضع في الصحيح.
ولذلك تجد في "فتح الباري" أن الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي -رحمه الله- عمل شيئا أسماه "أطرف الحديث" يرد الحديث في البخاري فيقول: أطرافه في رقم كذا وكذا يعني أن هذا الحديث المذكور في هذه الصفحة هو موجود في أربعة أو خمسة مواضع إليك مواضعَها وأرقامَها، فكان البخاري -رحمه الله تعالى- يورد الحديث بحسب المناسبة، فيورد جزءا واحدا أو يورد محل الشاهد من الحديث.
أما مسلم -رحمه الله تعالى- فصنف كتابه في بلده وبين مكتبته ومشايخه فكان -رحمه الله تعالى- يُنَمِّقُ ويتحرَّى في اختيار الألفاظ ويورد الحديث بجميع ألفاظه في موضع واحد وفي مكان واحد، ولا يُقَطِّع كما يفعل البخاري، فإذا خَرَّجْتَ الحديث من البخاري بدت لك قصة الحديث قصيرة، فإذا أوردتها من مسلم أتى لك بالرواية وسببها وملابساتها إلى غير ذلك من الأمور.
فجمْعُ طرق الحديث وتخريجُهُ من أكثر من كتاب يعطيك تصورا كافيا عن القصة من أولها إلى آخرها، واستخراج هذه الزيادات تعتبر من فوائد التخريج التي تعطي انطباعا وافرا عن ملابسات القصة. وما من حديث إلا وتجد له في الأعم الغالب قصة أو سبب ورود أو نحو ذلك.
هذه بعض الفوائد الإضافية التي أردت ذكرها، ومن أراد الزيادة فليراجعْ مثلًا "التأصيل" للشيخ "بكر أبو زيد" من ص 68 إلى ص 80 فقد أتى بِكَمٍّ وافرٍ من الفوائد، وأهمية دراسة التخريج ومدى الحاجة إليه.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
( خطة العمل في تخريج الحديث:(1/11)
طرق التخريج:
أولا: التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة.
ثانيا: التخريج عن طريق معرفة أول لفظ من متن الحديث عن طريق معرفة لفظ بارز، أو لفظ لا يكثر دورانه في أي جزء من متن الحديث.
ثالثا: التخريج عن طريق معرفة لفظ بارز أو لا يكثر دورانه في أي جزء من متن الحديث.
رابعا: التخريج عن طريق معرفة موضوع الحديث أو موضوع من موضوعاته إن كان يشتمل على عدد من الموضوعات.
خامسا: التخريج عن طريق النظر في صفات خاصة في سند الحديث أو متنه).
هذه تعتبر طرق الاستخراج على وجه الإجمال، ونحن اليوم لن يتيسر لنا فتح الكتب أو الوقوف على السبورة، وإنما هذه محاضرة تمهيدية فنذكر هذا الكلام على وجه الإجمال من باب التنبيه على ما سيحصل -إن شاء الله- فيما بعد، ثم نشرع -إن شاء الله- في محاضرة الغد في التدريس العملي والتعامل مع الكتاب مباشرة، وسيكون معنا كتاب «الجامع الصغير»، والحد الأدنى الكتب التسعة؛ لأننا بعد ما نفتح الكتاب سنعلم أن «الجامع الصغير» يشير إلى كتب، فالكتب لا بد أن تكون متوفرة معنا.
هو يقول في الطريقة الأولى من طريق الاستخراج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة .
الاستخراج عن طريق معرفة راوي الحديث:
معنى ذلك أننا سنعتمد على كتب صنفت الأحاديث أساسا على أسماء الصحابة.... ولنذكر مثالا لذلك في مسند الإمام أحمد وهو أشهر شيء في هذا الباب ويعتبر أجمع المسانيد وأكثر من حيث عدد الأحاديث. نعم؛ مسند «مسند بقي بن مَخْلد»أكبر منه، وهو تلميذ الإمام أحمد، لكن مسند بقي مفقود إلى الآن، نسأل الله تعالى أن يهيئ لإخراجه إن كان موجودا.
إلام عمد الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- حين صنف المسند؟(1/12)
جَمَع روايات كل صحابي على حدة، وبدأ المسند بمرويات مُقَدَّمِ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الخليفة الصديق -رضي الله عنه- فجمع أحاديث أبي بكر، ثم أحاديث عمر كلها -رضي الله عنه-، ثم أحاديث عثمان – رضي الله عنه – كلها، ثم أحاديث علي -رضي الله عنه- كلها، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم أخذ يرتب الكتاب ترتيبا آخر كما سندرس بالتفصيل -إن شاء الله تعالى- فيما يلي.
أنا الآن أريد أن أخرّج حديثا لأبي بكر -رضي الله عنه- ماذا أفعل؟ أعمد إلى مسند الإمام أحمد الحديث فلو كنت سأستخرج الحديث بالقراءة أقرأ مسند أبي بكر. نعم؛ هناك فهارس وهذا الأمر سنتكلم عنه لاحقا -إن شاء الله- فترجع إلى أول لفظة في الحديث في فهرس مسند أحمد، أو للفهرس الذي أعده الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- في آخر المسند، فيحيلك على موضع أحاديث هذا الصحابي فتقرأه فتجد الحديث بغيتك.
هذه طريقة من طرق الاستخراج وهي الطريقة التي تعتمد على معرفة راوي الحديث من الصحابة .
أما إذا كان الحديث الذي تريد البحث عنه ليس فيه اسم الصحابي فهذه الطريقة لا تصلح؛ فتبحث بطريقة أخرى.
الطريقة الثانية وهي التخريج - وهذا الكلام إجمالي، وسنفصل إن شاء الله الكلام فيما بعد - تخدم الطريقة الأولى مع "مسند أحمد" و"معجم الطبراني الكبير" و"معرفة الصحابة" لأبي نعيم وغير ذلك من الكتب التي ألفت على المسانيد، وأعظمها على الإطلاق فيما يخدم قضية التخريج "تحفة الأشراف" للحافظ المزي، وهذه الطريقة أوسعها وأكثرها عمقا، وأكثرها إفادة للطالب.
سنبدأ درس الغد -إن شاء الله تعالى- بالتخريج عن طريق معرفة أول لفظ من متن الحديث.(1/13)
فمعنى ذلك إذا كان عندك حديث تريد الكشف عنه في كتب الاستخراج وليس معك أوله، بل معك جزء في أي موضع منه فهذه الطريقة لا تصلح، فلا بد أن يكون معك أول لفظة من الحديث، وهذه اللفظة تبدأ بحرف الباء أو الجيم أو الدال ... بأي حرف ترجع إلى الكتب المصنفة في هذا الفن على هذه الطريقة والخدمات التي أحاطت بهذا الكتاب مثل صحيح الجامع، وضعيف الجامع، وشروح "الجامع الصغير" مثل "فيض القدير" للمناوي ... إلى غير ذلك من الأمور مما شابه هذه الطريقة في طرق التخريج، وأوسعها على الإطلاق في العصر الحاضر "موسوعة أبي هاجر محمد بسيوني سعيد زغلول" والموسوعة كما هي مشهورة ومتداولة بين أيدي الطلبة تخدم في هذا التخريج عن طريق معرفة أول لفظة في الحديث، لكنها متوسعة جدا، وعسى أن يكون لنا -إن شاء الله تعالى- وقفة طويلة مع التخريج عن طريق هذه الموسوعة.
إذن عندنا عدة طرق:
طريقة تعتمد على معرفة اسم الصحابي، وإن لم يكن معنا اسم الصحابي نعتمد في الاستخراج على معرفة أول لفظة في الحديث، وإن لم يكن معنا لا أول لفظة ولا اسم الصحابي؛ نعمد إلى لفظة بارزة في الحديث الذي معنا وليكن مثلاً: ( إن الله تعالى يكره جعظري كل جواظ، صخاب بالأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة ) فآتي على أبرز لفظة في الحديث "جعظري" و"جواظ" وماذا نفعل؟
"جواظ" أجردها من الزوائد أي: مادة "جوظ" وأعمد إلى كتاب متخصص في هذه الطريقة وليكن "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي" الذي يعتبر عمدة وليس هناك غيره في هذا الباب، والذي صنعه مجموعة من المستشرقين، وإن كانت هناك إشارات من بعض أهل العلم إلى أن هذا الكتاب في الأصل وضعه أحد طلبة الدكتوراه من الجزائر، وكان يحصل على الدكتوراه من أوروبا واغتيلت فكرته وأُخذ هذا الجهد ونسب إلى من قام به من المشرفين على رسالته العلمية-.(1/14)
فهذه الطريقة الثالثة؛ حيث لا يوجد معي اسم الصحابي ولا طرف الحديث آتي اللفظ البارز من الحديث وأجرده من الزوائد وأبحث عن هذا المادة = مادة "جوظ" أولها حرف الجيم آتي على المعجم المفهرس وأنظر في حرف الجيم مع الواو جوظ، وأقرأ فأجد الحديث معي يقول جوظ بخاري مثلاً كذا أبو داود كذا نسائي ...
ثم يعطيك في هذه المادة اسم الكتاب الذي خرج الحديث والكتاب الداخلي؛ لأن البخاري قسم كتابه إلى كتب، وأبا داود قسم كتابه إلى كتب، وكذلك الترمذي والنسائي، وابن ماجه باستثناء المسند فيعطيك الجزء والصفحة، والدارمي كذلك يعطيك إما الجزء والصفحة لو كان في المسند أو في الدارمي، أو يعطيك الكتاب ورقم الباب داخل الكتاب يقول لك: صلاة واحد وثلاثون صلاة خمسة عشر صلاة عشرون، فترجع إلى هذا الموضع في الكتاب تأتي على كتاب الصلاة من البخاري، وتأتي إلى الباب العشرين تجد الحديث الذي قصدت البحث عنه.
فهذه طرق استخراج الحديث إجمالًا:
- التخريج عن طريق معرفة اسم الصحابي الذي روى الحديث.
- التخريج عن طريق معرفة أول لفظة في الحديث، وقلنا: نستخدم فيها الجامع الصغير والخدمات التي قدمت له إضافة إلى "موسوعة سعيد زغلول" والتي تعنى بالتخريج عن طريق معرفة لفظة بارزة في الحديث وهي موسوعة " المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي".
وهذه الكتب التي هي الوسائط بين الطالب وبين المصادر الأصلية لا بد أن تكون عند الطالب؛ لأنه لو قيل –مثلا- الحديث خرجه "خط " أي الخطيب البغدادي في التاريخ لكي تقف على الحديث لا بد أن ترجع إلى تاريخ الخطيب وهكذا ...(1/15)
فإذا أراد الطالب أن ينتقل من المرحلة النظرية إلى المرحلة التطبيقية العملية فلا بد أن تكون المصادر متوفرة عنده؛ لأن علم التخريج علم معملي لا تصلح فيه القراءة النظرية، وإنما الفائدة الحقيقية في هذا العلم هي دخول المكتبة؛ بمعنى أن تطالع الكتب وتخطئ مرة واثنتين وثلاثة وعشرة إلى أن تستفيد وتتعلم كيف تقف على الحديث من مصادره الأصلية .
الطريقة التي بعد ذلك هي التخريج عن معرفة موضوع الحديث:
هذه الطريقة - قبل أن نعول عليها كثيرًا؛ لأنها باتت قديمة جدا لكن كنوع من التدريب والتأهيل للطالب - سندرسها لكن لن نستغرق في وصفها.
الحديث مثلاً موضوعه النكاح فترجع للكتاب المختص بهذه الطريقة، وتأتي على كتاب النكاح وتبحث في المواد التي فيها حديثك إذا كان في موضوع الحدود، أو إذا كان في موضع الديات تأتي إلى موضوع الديات وتستخرج هذا الحديث إلى غير ذلك من الموضوع.
وهناك المصنفات وهي الكتب المصنفة على الموضوعات الفقهية وتهتم بإيراد أقوال الصحابة والتابعين مثل: "مصنف ابن أبي شيبة"، " مصنف عبد الرزاق" فهذه الكتب تعتبر الوعاء الكبير للتصنيف على الموضوعات، وإن كان الكتاب الذي صنف ابتداء لهذه الطريقة لم يعرج على كتاب ابن أبي شيبة ولا كتاب عبد الرزاق، وإنما عرج على الكتب الستة، وطبقات ابن سعد، وسيرة ابن إسحاق وأشياء لا تخدم فن التخريج بالطريقة المباشرة.
وبقيت عندنا الطريقة الخامسة؛ وهي باب التخريج عن طريق النظر في صفات خاصة في سند الحديث أو متنه، وهذه -إن شاء الله- سيكون لنا معها وقفة طويلة؛ لأنه كلما تقدمنا في الشرح دخلنا في العمق؛ لأن الصفات الخاصة بالأسانيد والمتون موضوع -كما قلنا في البداية التخريج عن طريق المشيخات وكتب الفوائد والتخاريج الخاصة بالأئمة المصنفين- مسألة نستغرق فيها وقتا طويلا لعل الله -سبحانه وتعالى- يبارك لنا في وقتنا حتى نصل إلى مغازي هذه الدراسة بإذن الله -سبحانه وتعالى-.(1/16)
أحسن الله إليك فضيلة الشيخ
يقول: بارك الله فيكم وحفظكم ونفع بكم! ذكرتم فضيلتكم كلاما عن المصادر الأصلية ونود التفريق بين المصدر الأصلي، والمصدر غير الأصلي لتوضيح المسألة؟.
تقرأ -مثلا- في رياض الصالحين فهذا مصدر أصلي للتخريج أم مصدر فرعي؟
هذا مصدر فرعي .
ماذا يقول الإمام النووي بعد إيراد الحديث؟
يورد حديث (إنما الأعمال بالنيات) فيقول :خرجه في الصحيح يعني البخاري ومسلم معنى ذلك أن هذا الكتاب "رياض الصالحين" أو "الترغيب والترهيب" أو "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر أو "عمدة الأحكام" فهذه كتب تخريج فرعية؛ لأنها تحيل على المصادر الأصلية؛ وهي الكتب المدونة في عصور الرواية والتي كانت تعتمد على المشافهة مثل صحيحي البخاري ومسلم والسنن الأربعة، والمسانيد كمسند أبي يعلى ومسند البزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة الصغير والأوسط والكبير ... إلى غير ذلك من الكتب المسندة المصنفة في عصور الرواية.
إيراد الأسانيد داخل كتب مثل تهذيب اللغة للأزهري؛ فقد أورد بعض الأحاديث بالأسانيد، وتاريخ الأمم للطبري كذلك أورد فيه بعض الأحاديث بالأسانيد، فهل تعتبر هي أيضا مصادر أصلية لتخريج الأحاديث؟
ليست كتبا للسنة، بل هي كتب تاريخ، ولا يحتاج إليها الباحث إلا حين يضطر إلى الوقوف على الحديث الذي هو مبتغاه في كتب تعتبر أيضا كتبَ تخريج، لكنها فرعية وليست من كتب أصول الرواية؛ فمثلا: إذا وجدتَ في تاريخ الطبري حديثا -وقد أغرب الطبري في أسانيده بكثرة- فإنك تقع في حرج شديد وأنت تترجم للإسناد.
كذلك بعض كتب اللغة فيها إشارات خاصة إلى الأحاديث التي تحتوي على ألفاظ غريبة، وقد تبحث عن الحديث في كتبه الأصلية فلا تجده، فإذا قصدته في معجم من معاجم اللغة وقفت عليه في سهولة ويسر، لكنه يقول: أخرجه فلان وفلان ونحو ذلك، فهذه أيضا مصادر فرعية وليست أصلية.
بالنسبة للموسوعات التي صدرت حديثا للتخريج على الكومبيوتر؟(1/17)
هذا كلام يطول؛ فلا أعرج عليه.
ما يؤخذ منها وما يترك يا شيخ؟
بداية الطالب المبتدئ في دراسة السنة، والذي يريد أن يستفيد يُنَحِّي البحث عن الحاسب مؤقتا، ولا شك أن الموسوعات العلمية والطفرة التي حدثت في الحاسب خدمت السنة بشكل قوي جدًا، خاصة في مجال الاستقراء والبحث، لكن الإشكالية في الكل لا أقصد برنامج بعينه أن العزو غير دقيق، فعندما تخرج الحديث يعطيك ثلاثين مصدرا، وإذا اعتمدت على هذا فقد خدعت نفسك، ولا بد لك من مراجعة هذا العزو الذي أعطاكه الحاسب عن المصادر الأصلية، فإذا كنت ستتعامل مع المصادر الأصلية، فكن معها من البداية.
وهذا كلام لعل في آخر الدورة -إن شاء الله- نعرج على التخريج عن طريق الحاسب، وهو مثمر ومفيد وموفر لأوقات الباحثين بشكل رائع جدًا، لكن له مخاطر وله مزالق نسأل الله العفو والعافية في الدنيا الآخر ...
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
عرف التخريج لغة واصطلاحا. ثم اذكر لمحة مختصرة عن تاريخ التخريج.
والسؤال الثاني:
اذكر طرق التخريج إجمالا. وما فائدة دراسة هذا العلم؟(1/18)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثاني
استخراج الأحاديث
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذه هي الحلقة الثانية من حلقات برنامجنا في دراسة هذا الكتاب، وهذه المادة -أصول تخريج ودراسة الأسانيد-. وكنا قد وعدنا بالأمس أننا في لقاء الليلة -إن شاء الله تعالى- سنبدأ في الطريقة العملية في استخراج الأحاديث وسنبدأ -إن شاء الله تعالى- بالطريقة الثانية في ترتيب الكتاب في صفحة ( 59 ) الطريقة الأولى: طريقة المسانيد، والطريقة الثانية، التي تعتمد على الكشف عن أول لفظة في الحديث.
لماذا هذا التقديم وهذا التأخير؟
لأن هذه الطريقة التي سنبدأ بها الليلة يتدرب – فيها - الطالب على فتح الكتاب، ويحفظ الرموز، ويتعود على لغة أهل العلم وطريقتهم، فإذا حصّل رصيدا علميّا؛ استطاع الدخول به إلى الطريقة التي تليها؛ لأنها أعمق في الجانب العلمي.
فهذه -إن شاء الله- هي الطريقة الثانية في ترتيب الكتاب هي الأولى في ترتيبه.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
الطريقة الثانية
التخريج عن طريق معرفة أول لفظ من متن الحديث:
متى يُلجأ إليها هذه الطريقة؟
يلجأ إليها عندما نتأكد من معرفة أول كلمة من متن الحديث؛ لأن عدم التأكد من معرفة أول كلمة في الحديث يُسبب لنا ضياعا للجهد بدون فائدة).
هذا هو الشرط الأساس للنجاح باستخدام هذه الطريقة بالكشف عن هذه الأحاديث المروية؛ فلابد أن يكون معك أول لفظ في الحديث وإذا فُقد هذا الدليل الذي يقودكإلى معرفة موطن الحديث من كتب السنة؛ فلن تهتدي.
(
المصنفات المساعدة فيه
يساعدنا- عند اللجوء إلى هذه الطريقة - ثلاثة أنواع من المصنفات وهي:
أولا: الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة.
ثانيا: الكتب التي رُتبت الأحاديث فيها على ترتيب حروف المعجم.
ثالثا: المفاتيح والفهارس التي صنفها العلماء لكتب مخصوصة.).(1/1)
يقول الشيخ -رحمه الله تعالى- : إنه يعتمد على ثلاثة أنواع من المصنفات:
الأولى: الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة.
ويقصد المشتهرة على الألسنة وليس المقصودُ بالشهرة الشهرةَ الاصطلاحية؛ لأنه كما نعلم من قواعد علم الحديث باعتبار وروده إلينا الذي عدد رواته ينقسم إلى: متواتر وآحاد؛ والمتواتر ينقسم إلى: متواتر لفظي، ومتواتر معنوي والآحاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: المشهور، والعزيز، والغريب.
المشهور: ما كان عدد رواته ثلاثة فأكثر إلى أقلِّ عدد من المتواتر.
فهو لا يقصد -هنا- الشهرة الاصطلاحية التي عند علماء الحديث وإنما يقصد الشهرة؛ أي: الحديث المشهور على ألسنة الناس أعمُّه أن يكون صحيحا أو ضعيفا، وهذه - كما سنرى في الصفحة التالية - ذِكرَ الشيخِ منازلَ وأنواعا لكتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة. وسنرجئها ونبدأ بـ "الجامع الصغير" وهي النوع الثاني من المصنفات التي يعتمد عليها الشيخ؛ لأنه قال: ويساعدنا عند اللجوء إلى هذه الطريقة ثلاثة أنواع من الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة فنرجئ الكتب التي رُتبت الأحاديث فيها على ترتيب حروف المعجم وهذه التي سنبدأ بها الآن وهو كتاب "الجامع الصغير" .
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
( - الكتب التي رَتبت الأحاديثَ على ترتيب حروف المعجم؛ فلا أعلم كتابا من الكتب الأصول التي جمعت الأحاديث بأسانيدها استقلالا رُتب كذلك).
يقصد أن الكتب التي جمعت الأحاديث بأسانيدها استقلالا؛ أي: الكتب المصنفة في أزمنة الرجال؛ فلا يقصد البخاري ولا مسلما ولا أصحاب السنن الأربعة ولا أصحاب المسانيد؛ الحميدي، وأبا يعلى ولا الطبراني ولا أيًّا من هؤلاء اعتمد في تصنيف كتابه أن يرتبها على حروف المعجم؛ هذا ما حدث.
((1/2)
وإنما عمد إلى هذه الطريقة في ترتيب الكتب المتأخرون، وجمعوا الأحاديث من مصنفات شتى، وحذفوا أسانيدها ورتبوها على حروف المعجم تسهيلا على المراجعين؛ فمن هذه المصنفات: "الجامع الصغير من حديث البشير النذير" صنفه جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي وجمع فيه حوالي عشرة آلاف حديث وعلى وجه التحديد في النسخة المطبوعة المرقمة أحاديثُها (10031) عشرة آلاف وواحد وثلاثون حديثا انتقاها من كتابه "جمع الجوامع" ورتبها على حروف المعجم مراعيا أول الحديث)
الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى- قصد أن يجمع السنة كلها في كتاب، واحد وهذا رغبة ملحة عند أئمة الحديث في القديم والحديث؛ فالحافظ ابن حجر رام ذلك ولم يحدث والسيوطي قصد هذا ولم يتم له. وكان الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى- عنده رغبة ملحة أن يجمع السنة كلها؛ القولية والفعلية في كتاب واحد سماه "جمع الجوامع" ومات -رحمه الله تعالى- ولم يتم له المراد فانتقى من "جمع الجوامع" الأحاديث القولية وأخذ الأحاديث القولية القصيرة التي تتكلم على الحلال والحرام باختصار ووضعها في كتاب "الجامع الصغير".
(انتقاها من كتابه "جمع الجوامع" وربتها على حروف المعجم مراعيا أولَّ الحديث فما بعده ليسهل على المراجع الكشفُ عن الحديث بأسرع وقت، واقتصر في إيراد الأحاديث فيه على الأحاديث الوجيزة ولم يكثر فيه من أحاديث الأحكام ولم يورد فيه - بحسَب رأيه - ما تفرد به وضاع أو كذاب؛ بل أورد فيه الصحيح والحسن والضعيف بأنواعه.
وطريقته في إيراد الحديث أنه يذكر متن الحديث بدون ذكر سنده ولا الصحابي الذي رواه، ثم يذكر في آخره رمز من أخرجه من أصحاب المصنفات في الحديث مع ذكر اسم الصحابي الذي رواه صاحب ذلك المصنف من طريقه، ثم يشير بالرموز إلى رتبة الحديث ودرجته من الصحة وغيره)(1/3)
الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى- قصد جمع الأحاديث القصيرة؛ أحاديث لا يكاد يصل كلماته إلى سطر ويورد الحديث فقط بدون ذكر الصحابي، ثم بعد الانتهاء من متن الحديث يذكر من أخرجه من أصحاب السنن بحرف؛ فيرمز إلى الكتاب الذي أخرجه بحرف فيقول "خ" أي: البخاري، "م" أي: مسلم، "د"، أي: أبو داود، "هـ" أي: ابن ماجه، "ق" أي: أن البخاري ومسلم اتفقا عليه.
فيذكر هذا الرمز "خ" مثلاً أو "د" عن أبي هريرة يعني في الكتاب الذي ذكر رمزه "د" أبو هريرة يعني هو في أبي داود عن أبي هريرة ويذكر بجواره "صح" أو "ح" أو "ض" "صح" يعني صحيح و"ح" يعني حسن و"ض" يعني ضعيف كما سنرى من النماذج التي سنتدرب عليها بإذن الله -سبحانه وتعالى- ولنقرأ مقدمة السيوطي في كتابه.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
المقدمة
الحمد لله الذي بعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، وأقام في كل عصر من يحوط هذه الملة بتشييد أركانها، وتأييد سننها وتبينها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يزيح ظلامَ الشكوك صبحُ يقينها وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث لرفع كلمة الإسلام وتشييدها وخفض كلمة الكفر و توهينها صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ليوث الغابة وأسد عرينها.
هذا كتاب أودعت فيه من الكلم النبوي ألوفا، ومن الحكم المصطفوية صنوفا )
يقصد أنه وضع في هذا الكتاب ألوف الأحاديث المختصرة القصيرة ومن الحكم المصطفوية نسبة إلى المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فيقول اختصرت فيه على الأحاديث الوجيزة ولخصت فيه من معاجم الأثر إبريزا يعني خلاصة الآثار النبوية لخصتها في هذا المصنف.
(اختصرت فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخصت فيه من معادن الأثر إبريزا وبالغت في تحرير التخريج فتركت القشر وأخذت اللباب وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع كالفائق والشهاب وحوى من نفائس الصناعة الحديثية)(1/4)
الفائق هو كتاب "الفائق في اللفظ الرائق" لابن غنام لأن بعض المطلعين قد يظن أن الفائق –هنا- كتاب "الفائق" للزمخشري وليس كذلك؛ لأن كتاب الزمخشري كتاب لغة، أما الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى- يقصد أنه صنف هذا الكتاب فساق به كتاب "الفائق في اللفظ الرائق" لابن غنام وفاق كتاب مسند الشهابي القضاعي أبو عبد الله محمد بن سلامة.
(وحوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يُودع قبله في كتاب.)
هذا كلام واسع جدا أن السيوطي -رحمه الله تعالى- وضع في هذا الكتاب من الصناعة الحديثية مالم يودع قبله في كتاب - دعوى عريضة جدا والكتاب في خدمة قضية تخريج وتدريب المبتدئين، وليس فيه من الصناعة الحديثية إلا الحكم على الأحاديث بالصحة والضعف.
وكما سنرى جهود العلماء التي تعقب السيوطي بتضعيف ما صححه أو تضعيف ما حسنه؛ فالخدمة المتعلقة بالصناعة الحديثية هي الحكم على الحديث، أما كصنعة؛ كالعلل، والتخريج الواسع، والنفس الطويل في الكلام على الرواة، والترجيح بين المتعارضات؛ فليس هذا ما حدث وهذه دعوى عريضة من الحافظ -رحمه الله تعالى- أي: خلا منها الكتاب تماما إلا في قضية التصحيح والتضعيف.
ولا نقصد بهذا الكلام الحطَّ من شأن إمام عظيم كالإمام السيوطي -رحمه الله- و إلا؛ فهو تلميذ الحافظ ابن حجر؛ لأن أبا السيوطي -رحمه الله تعالى- أحضره مجالس الحافظ ابن حجر وله من العمر ثلاث سنوات. وهذه مسألة تلفت النظر إلى اهتمامات الأمة في القرون المتقدمة إلى مدى عنايتهم بالسنة النبوية وعنايتهم بإحضار أولادهم مجالسَ العلماء فلو توفي –مثلاً- الحافظ ابن حجر؛ فيكون الولد حضر للحافظ ابن حجر وأخذ إجازة بهذا الحضور فيكون مبكرا جدا في سماع إمام دارت عليه علوم الحديث في زمانه هو الحافظ ابن حجر -رحمه الله رحمة واسعة-.(1/5)
وكان السيوطي والسخاوي من أخص تلامذة الحافظ ابن حجر، إلا أن الإمام السيوطي إمام متفنن في علوم كثيرة؛ فلا ترى فنا من فنون الإسلام ولا ثقافة من الثقافات إلا وللسيوطي -رحمه الله تعالى- فيها مصنفٌ؛ حتى إنه كتب عن الأهرامات، وعجائب الخلق ... إلى غير ذلك من الأمور التي يتوسع فيها حتى في اللغة العربية؛ "الأشباه و النظائر" في النحو، والقواعد الشرعية؛ "الأشباه والنظائر"، فضلا عن تبحره في علوم السنة والمصنفات الواسعة وكتب المصطلح.
ومعلوم أن الإنسان إذا كان ذا فنون فإنه لا يتقن؛ لأن المتفنن لا يتقن فنا؛ شأنه شأن الحافظ ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-؛ فابن الجوزي كان واسع الثقافة والمعرفة، وله مصنفات في فنون كثيرة؛ فإذا جئنا في علم الحديث –كتخصص-؛ تجد السخاوي -وهو تلميذ الحافظ ابن حجر ممن لازمه زمانا طويلا- أعلمَ بالصناعة الحديثية، وأمهرَ وأتقن من السيوطي لماذا؟
لأن السخاوي تخصص؛ فتجد تحريرات السيوطي في "تدريب الراوي" يذكر في أول الفصل نقولا وينقضها بنقول أخرى في آخره وهذه نماذج كثيرة جدا موجودة في الكتب.
أما تحريرات السخاوي في "فتح المغيث شرح ألفية علوم الحديث" للحافظ العراقي تراها محررة جدا، وكلام السخاوي على الأحاديث في "المقاصد الحسنة" -كما سنرى- مختصر ولكنه محرر وبالغ الأهمية فكلامنا لا نقصد به الحطَّ على الإمام -رحمه الله تعالى- لكن هذه طبيعة الحال الذي يتوسع في فنون كثيرة لا يتقن فنا بعينه بخلاف المتخصص الذي شغل همه وزمانه بشيء واحد.
والحافظ ابن حجر –وهو خاتمة حفاظ الدنيا على الإطلاق ولم يأت بعده مثله إلى اليوم- لما كانت عنايته بالحديث أكثر؛ برز فيه وصار خاتمة حفاظ الديار، بخلاف قرينه وهو العينيُّ -رحمه الله تعالى- إمام واسع الثقافة والمعرفة، لكن لما كان اطلاعه على علوم كثيرة؛ جعل الحافظ ابن حجر متقدما عليه في هذه الصنعة بسبب الاختصاص.
((1/6)
ورتبتُه على حروف المعجم مراعيا أول الحديث فما بعده؛ تسهيلا على الطلاب وسميته "الجامع الصغير من حديث البشير النذير"؛ لأنه مقتضب من الكتاب الكبير الذي سميته "جمع الجوامع" وقصدت فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها وهذه رموزه)
وضع الحافظ السيوطي -رحمه الله- هذا الكتاب أحاديثه منتقاة من ( 31 )كتابا من كتب السنة؛ هي: البخاري، ومسلم، وكتب السنن الأربعة، ومسند أحمد، وبعد ذلك صحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، ومعاجم الطبراني الثلاثة، و سنن سعيد بن منصور، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، ومسند أبي يعلى، وحلية أبي نعيم، وسنن البيهقي الكبرى، وشعب الإيمان له، والضعفاء للعقيلي، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، والكامل لابن عدي، ومسند الفردوس للديلمي ... وغيرها؛ فرّغ مقاصدها السيوطي في هذا المصنف؛ فخدم السنة وعمومَ المسلمين في هذا الشكل الجميل السهل اليسير.
("صح" أي: صحيح "قد" للبخاري في الأدب "ح").
عندما تجد بعد ذلك حديثا يقول: (إن المرأة تنكح لدينها ومالها وجمالها فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وكتب بجانبها "حم" وبعدها "م" وبعدها "ت" وبعدها "ن"؛ فمعنى الكلام "حم": مسند أحمد و"م": مسلم و"ت": الترمذي و"ن": النسائي.
فهو قدم خدمة عظيمة جدا لطلبة الحديث وقاصدي علوم السنة بهذا الكتاب الرائع الجديد.
("ح" أي: حسن "تخ" أي: للبخاري في التاريخ، "ض" أي: ضعيف "حب" لابن حبان في صحيحه "خ" للبخاري "م" أي: لمسلم "ق" أي: لهما "د" لأبي داود "ت" أي: للترمذي "ن" أي: للنسائي "هـ" أي: لابن ماجه "أربعة" أي: لأبي داود وللنسائي والترمذي وابن ماجه "حم" أي: لأحمد في مسنده "ثلاثة" أي: لأبي داود والنسائي والترمذي فقط)
يقصد الأربعة مع حذف ابن ماجه؛ لأنه قال "أربعة" من أصحاب السنن الأربعة و"ثلاثة"؛ أي: للأربعة غير ابن ماجه.
("عم" أي لابنه عبد الله في زوائده "ك" للحاكم فإن كان في مستدركه أَطْلَق وإلا بَيَّن)(1/7)
لأن للحاكم كتب أخرى يعول عليها غير المستدرك؛ مثل "معرفة علوم الحديث" وهو إن كان كتابا في المصطلح؛ إلا أنه يورد أحاديث بالأسانيد؛ فإذا كان الحديث في كتاب غير "المستدرك"؛ قال: للحاكم في علوم الحديثن وإن كان في المستدرك؛ قال: للحاكم. وهذه قرينة أنه إذا أطلق كان المرادُ كتابَ المستدرك.
("وط" أي: للطبراني في الكبير "طس" أي: للطبراني في الأوسط "طص" أي: للطبراني في الصغير "ص" أي: لسعيد بن منصور في سننه " ش" أي: لابن أبي شيبة "عب" أي: لعبد الرزاق في الجامع، "ع" أي: لأبي يعلى في مسنده "قط" أي: للدارقطني فإذا كانت السنن أٌُطلقت وإلا؛ بَين)
لأن الدارقطني إمام موسوعي؛ فله مصنفات كثيرة جدا في علوم الحديث؛ "العلل" وكتب في المؤتلف والمختلف... وغيرها.
فإذا كان في السنن؛ قال: الدارقطني فهذه قرينة أنه يقصد السنن، أما إذا كانت في غير السنن؛ بين.
("حل" أي: لأبي نعيم في الحلية "طر" أي: للديلمي في مسند الفردوس "هق" أي: للبيهقي في السنن "هب" أي: للبيهقي في شعب الإيمان "عق" للعقيلي في الضعفاء "عد" أي: لابن عدي في الكامل "خط" للخطيب فإن كان في التاريخ أطلق وإلا بين.)
كما نعلم أيضا للإمام الخطيب البغدادي أحمد بن ثابت -رحمه الله- المتوفى سنة 463هـ له كتابات كثيرة جدا في علوم الحديث؛ حتى قال الحافظ ابن نقطة -كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة النخبة-: كل ما أنصف علم أن المحدثين بعد البغدادي عيالٌ عليه. فهو موسوعي جدا و له بصمات عظيمة جدا ومحطات في خدمة علوم السنة كما سندري ونعلم بعد -إن شاء الله-.
هذه هي بعض الرموز الموجودة معنا في السبورة، نأخذ نماذج تدريبية من الكتاب ونحاول ونحن نختار النماذج لن نقتصر على النماذج التي فيها كمّ أكبر من الرموز؛ حتى يتسنى لنا مع التمرين والممارسة والدربة.
هات مثلاً الحديث رقم 65 صفحة 13، ولتقرأ.
((1/8)
عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم ! لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع، ابن آدم! إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك؛ فعلى الدنيا العفاء) عد، هب أي: ابن عدي وهب البيهقي في الشعب
ابن عدي في كتابه الكامل، البيهقي في كتاب شعب الإيمان.
عن ابن عمر صح، هو ذكر مخرج الحديث و أن هذا الحديث مروي في كتاب "الكامل في الضعفاء" لابن عدي وفي كتاب "شعب الإيمان" للبيهقي.
أشير إلى فائدة: إذا رأيت الحديث في كتاب الكامل لابن عدي فهذا مُشعر بالضعف؛ لأن هناك كتباعندما تُذكر تعني أن لحديث صحيح؛ مثل أحاديث البخاري ومسلم، وإذا قال السنن الأربعة فيحتمل ويحتمل وهي إلى الصحة أقرب.
فمثلا لو قال: "حل" الذي هو رمز حلية أبي نعيم معناه أن الحديث ضعيف أو إلى الضعف أقرب؛ لأن هذه الكتب مصنفة في الغرائب.
(ابن أخت القوم منهم)(1/9)
هذا جزء من حديث طويل جدا في قصة "حنين" لما انهزم المسلمون في أول الأمر ونزل النبي -صلى الله عليه وسلم- من على فرسه و قال: (أنا النبي لا كذب أن ابن عبد المطلب)، قال الراوي: ونادى ندائين لم يخلط بينهما؛ قال: (يا معشر الأنصار)؛ فقالوا: لبيك وسعديك! ثم التفت عن يساره، وقال: (يا معشر الأنصار!)؛ فقالوا: لبيك وسعديك! حتى نصرهم الله -عزّ وجلّ-، ثم كثرت المغانم جدا في حنين فأعطى الأقرع بن حابس، وأعطى عيينة بن حصن، وأعطى المؤلفة قلوبهم، وكان يعطي الوادي الواسع من الغنم -صلى الله عليه وآله وسلم- تأليفا لقلوب الناس إلى دخول الإسلام؛ فقال شباب الأنصار: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فبلغت الكلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعهم في قبة وقال: (لا يكن معكم أحد من غيركم)، فإذا دخل قال: ( معكم أحد ؟ )، فقالوا: نعم إلا ابن أخت لنا فقال: (ابن الأخت القوم منهم)، ثم نصح الأنصار وقال: يرجع الناس بالشاة والدرهم وترجعون أنتم برسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- لولا الهجرة؛ لكنت امرأ من الأنصار والرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما تأثر جدا من هذا الحديث لأن الأنصار لهم من المواقف والإجلال والإكرام ما يجب أن يظل باقيا على مدار التاريخ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نصحهم وعظهم، وقال: (يرجع الناس بالشاة والدرهم وترجعون أنتم برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فرضوا وسكتوا وفرحوا بكلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فكان حديث (ابن أخت القوم منهم) اقرأ الرموز:
"حم" أي: في مسند أحمد، "ق" أي: للبخاري ومسلم، "ت" للترمذي، "ن" للنسائي عن أنس "د" سنن أبي داود عن أبي موسى(1/10)
إذن؛ رواه الإمام أحمد في المسند والبخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي في السنن والنسائي في السنن؛كلهم عن أنس ورواه أبو داود عن أبي موسى والطبراني الذي هو "طب" في المعجم الكبير عن جبير بن مطعم وعن ابن عباس وعن أبي مالك الأشعري وذكر بجواره "صح".
الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى- تعالى يجتهد وبعض أهل العلم ممن جاء بعده كتلميذه الحافظ المناوي -كما سنرى- في "فيض القدير" له عليه استدراكات كثيرة في التصحيح، ونسيت أن أنبه على أن الحديث الماضي (يا ابن أدم! عندك ما يكفيك) حديثٌ موضوع، وهذا من باب التنبيه على أن السيوطي وقع له أشياء؛ لأن كتابه يشتمل على عشرة آلاف وواحد وثلاثين حديثا، ووقوع الخطإ بعد الخطإ من الإمام لا يعتبر شيئا؛ فهذا من باب الفائدة.
(أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين).
"حم" رواه أحمد "ت" رواه الترمذي "هـ" رواه ابن ماجه عن أبي جحيفة "ع" لأبي يعلى بن موسى في مسنده والضياء في المختار عن أنس "طب" أي: الطبراني الصغير وعن جابر وعن أبي سعيد.
(إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك؛ فأنت مؤمن).
"حم" يعني أحمد في المسند "حب" ابن حبان "طب" الطبراني في الكبير "ك" الحاكم في المستدرك "هب" البيهقي في شعب الإيمان، الضياء عن أبي أمامة
الكتب التي استخدمها السيوطي بعد ذلك ولم يأت بها في أول الكتاب في الرموز؛ فهذه من الزيادات التي لن تتكرر كثيرًا ولكنه ينص عليها بأسمائها، وكتاب المقدسي كتاب مطبوع لكن لم يتم طبعه كاملا إلا قرابة تسع مجلدات.
"صح" حديث صحيح
خرجه أحمد وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان و الضياء المقدسي في المختارة كلهم عن أبي أمامة الباهلي و الحديث صحيح.(1/11)
رأينا كيف يفعل الإمام السيوطي في الحديث؛ الأحاديث المختصرة في سطر ويذكر من أخرجه من أصحاب السنن ويقول: حديث ولا ضعيف كل هذا في سطر واحد؛ فقرب جدا وخدم خدمات عظيمة جدا في علوم.
(إذا سرق المملوك وتبعه ولو بنش).
"حم" عند أحمد في مسنده "خب" عند البخاري في الأدب المفرد "د" عند أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- و"ح" يعني حسن.
نش: عملة حقيرة جدا مثل المليم في الزمن الماضي.
(إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما بها من الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها أو يُلعقها فإنه لا يدري في أي طعامه البركة).
هذا حديث من الآداب النبوية المتعلقة بآداب الآكل والشرب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يشير -والحديث صحيح –إلى أن اللقمة إذا سقطت من يد أحدنا فليمط عنها الأذى ولا يتركها للشيطان ويأكلها ويلعق أصابعه بعض الطعام؛ فهذه كلها من السنن المتعلقة بآداب الأكل والشرب.
قال: أخرجه "حم" أي لأحمد في مسنده "م" أي لمسلم "ن" للنسائي "هـ" لابن ماجه.
عن جابر ولم يرمز له
الإمام السيوطي في بعض الآحايين يأتي في بعض الأحاديث ويذكر من خرجه ويعتمد على القرينة.
هو يقول "حم" ح و م ماذا تعني؟
فلا يحتاج أن يقول: إن الحديث في صحيح مسلم ولا يحتاج إلى أن يقول إنه صحيح في بعض المواضع الحافظ السيوطي -رحمه الله- يترك بعض الأحاديث دون رمز لها بصحة.
ولنقرأ أحاديث أخرى للتدريب.
(إن الله تعالى إذا أطعم نبيا فهي للذي يقوم من بعده).
"د" أي أبو داود عن أبي بكر "ض" ضعيف
(إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول سبحانك ما أعظمك فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف بي كاذب). أبو الشيخ في العظمة
هذا الكتاب لم يرمز إليه في الأول فسماه باسمه كتاب "العظمة" لأبي الشيخ الأصفهاني.
"طس" الطبراني في الأوسط "ك" الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة "صح" صحيح، تابعه الألباني على التصحيح.
((1/12)
إن الله تعالى استخلص هذا الدين لنفسه، ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق، ألا فزينوا دينكم بهم).
"طب" أي الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين "ض" أي ضعيف.
(إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
"م" أي: رواه مسلم و"ت" أي الترمذي عن واثلة "صح" أي صحيح.
(إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
"ت" الترمذي عن واثلة.
(إن الله -تعالى- أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم؛ علي منهم، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان).
"ت" الترمذي "هـ" ابن ماجه "ك" الحاكم في المستدرك عن بريدة وأشار إليه بالصحة قال "صح" صحيح.
(إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي).
"طب" الطبراني في الكبير عن ابن مسعود،"ح" أشار إلى أنه حسن.
(إن الله أمرني؛ أن أسمي المدينة طَيْبة).
"طب" الطبراني في الكبير عن جابر بن سمرة "ض" أشار إلى أنه ضعيف.
(إن الله –تعالى- أوحى إلىَّ؛ أن تواضعوا، ولا يبغي بعضكم على بعض).
"خب" أي عند البخاري في الأدب المفرد "هـ" وعند ابن ماجة عن أنس وأشار إليه أنه صحيح.
(إن الله -تعالى- أيدني وزراء؛ اثنين من أهل السماء؛ جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض؛ أبي بكر وعمر).
"طب" عند الطبراني في الكبير "حل" أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس "ض" أشار إليه أنه ضعيف.
(إن الله –تعالى- بنى الفردوس بيده، وحظرها عن كل مشرك، وعن كل مدمن خمر سكير).
"هب" بيهقي شعب الإيمان ، وابن عساكر عن أنس وأشار إليه بالضعف.
(إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).
"حم" أي: أحمد في المسند "ت" الترمذي في سننه عن ابن عمر "حم" مسند أحمد و"د" سنن أبي داود "ك" الحاكم في المستدرك عن أبي ذر "ع" أبي يعلى في المسند.(1/13)
نكتفي بهذا القدر من التدريب و-إن شاء الله- سأوزع عليكم في نهاية الحلقة عشرة أحاديث لكل فرد يأتي بها في الحلقة القادمة يجيب عليها في كراسته.
لنا بعض بقايا من كتاب الشيخ الطحان وهي الخدمات التي على الكتاب والاستدراكات التي عليه.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
- الخدمات التي على الجامع الصغير:
- أولا :في حكم السيوطي على مرتبة الحديث بعض التساؤل؛ ولذلك تعقبه المناوي في شرحه المسمى "فيض القدير شرح الجامع الصغير" في بعضالأحاديث وخالفه في الحكم عليها مع بيان وجه ما ذهب إليه.
فجزى الله الاثنين عن المسلمين أفضل الجزاء. والكتاب جيد مفيد مرتب ترتيبا حسنا وهو مشهور بين أهل العلم يتداولونه فيما بينهم ويرجعون إليه في الكشف عن كثير من الأحاديث التي تعرض لهم وقد بذل السيوطي في تحريره وترتيبه وحسن تنسيقه والحمد لله رب العالمين.
- ثانيا: ومنها كذلك كتابه الجامع الكبير للسيوطي أيضا.
- ثالثا: ومنها كذلك الزيادة على كتاب الجامع الصغير وهي عبارة عن أحاديث انتقاها السيوطي زيادة على الجامع الصغير.
- رابعا: وقد قام الشيخ يوسف النبهاني بضم هذه الزيادة إلى أحاديث الجامع الصغير وجعلها مؤلفا واحدا سماه "الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير" و رتب الأحاديث على حروف المعجم لكنه حذف الرموز التي فيها بيان مرتبة الأحاديث فما أدري ما السبب ويا ليته أبقاه)
ثم في العصر الحديث الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- وهو رجل له جهوده المشكورة وأياديه البيضاء على السنة النبوية؛ فجرد كتاب الجامع الصغير في كتابين هما "صحيح الجامع" و"ضعيف الجامع"؛ فجرد الصحيح عن الضعيف.
والحمد لله رب لعالمين.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
عرف التخريج لغة واصطلاحا ثم اذكر لمحة مختصرة عن تاريخ التخريج؟(1/14)
وكانت الإجابة: التخريج لغة يطلق على عدة معاني من أشهرها الاستنباط أو على معنى التدريب أو التوجيه.
أما اصطلاحا: فهو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده ثم بيان مرتبته عند الحاجة.
أما تعريف التخريج: لم يكن الأئمة في العصور الأولى إلى معرفة أو دراسة قواعد أصول التخريج لأنهم كانت لديهم صلة وثيقة بمصادر الحديث وكانوا على علم بطريقة تأليف المصنفات فكانت لهم قدرة ومعرفة لمصدر الأحاديث وكانوا يتعاملون مع الكتب مباشرة وأيضا كان يعرف عنهم أنهم من الحفاظ القرآن الكريم منذ الصغر ثم بعد ذلك يتجهون إلى حفظ الأحاديث ويبقى راسخا في أذهانهم بحيث يرجعون إليه بسرعة.
ما تعليقكم على هذا؟
جيد.
والسؤال الثاني: اذكر طريقة تخريج إجمالا، وما فائدة دراسة هذا التخريج؟
وكانت الإجابة:
طريقة تخريج الحديث إجمالا ثلاثة:
- أولا: تخريج الحديث عن طريق معرفة الراوي الأعلى للحديث.
- ثانيا: تخريج الحديث عن طريق معرفة أول لفظ في متنه.
- ثالثا: تخريج الحديث بحسب لفظة من ألفاظه البارزة.
فائدة دراسة هذا التخريج:
- أولا: بالتخريج نعرف موضع الحديث من المصادر الأصلية.
- ثانيا: بالتخريج نعرف كلام الأئمة على الحديث صحة وضعفا.
- ثالثا: بالتخريج يتعين الراوي المبهم في الحديث.
- رابعا: زيادات الألفاظ.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟
السؤال الأول:
درست كتاب "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" صف الكتاب وبين طريقة التخريج فيه واذكر أهم الخدمات المبذولة عليه وبعض الملاحظات.
السؤال الثاني:
إلام تشير الرموز التالية "خ" "م" "ق" "د" "عم" "عب" "هب" "حل" "ط" ؟(1/15)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثالث
الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله، وصحبه، وسلم.
تكلمنا – سابقا - على الطريقة الأولى من طرق استخراج الأحاديث النبوية؛ وهي الطريقة التي تعتمد على التخريج عن طريق معرفة اللفظ الأول من الحديث، وأخذنا لها كتاب "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" للإمام جلال الدين السيوطي -رحمه الله تعالى-.
تدربنا – سابقا - على كيفية فتح الكتاب، وتعرفنا على معالم منهج الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب؛ فإنه يورد - كما رأينا - الحديث القصير اللفظ ثم يذكر بعد ذلك من أخرجه من أصحاب الكتب المصنفة في القرون الأولى المسندة ثم يذكر صحابيه ثم يذكر الحكم عليه بحرف واحد "ص" ممدودة؛ أي: حديث صحيح أو "ح" ؛ أي: حديث حسن أو "ض" ؛ أي: حديث ضعيف.
ما ضابط الفرق بين الحسن والصحيح؟
مقدار ضبط الراوي.
عندنا الأحاديث المحتج بها؛ إما أن تكون صحيحة بنوعيها؛ أي: صحيحا لذاته، أو صحيحا لغيره، وإما أن يكون حسنا لذاته أو حسنا لغيره, هذا التفاوت في مراتب الحديث المقبول أو المحتج به إنما يرجع إلى ضبط الراوي؛ لأن ضبط الراوي شرط من شروط صحة الحديث الصحيح؛ اتصال سنده، وضبط راويه، وعدالته. والعدالة لا تتجزأ؛ أي إن الراوي إما عدل وإما غير عدل؛ فلا تتجزأ، أما الضبط فيتجزأ؛ راوٍ يحفظ بنسبة مائة في المائة، وآخر بنسبة سبعين في المائة، وثالث بنسبة 50 في المائة، ورابع بنسبة 45 في المائة ويأخذ درجات الرأفة ليُقبل؛ وهو الضعيف الذي يتقوى بشواهده فالسيوطي -رحمه الله تعالى- يفرق بين هذين النوعين في مراتب الاحتجاج ويذكر الصحيح ويذكر الحسن ويذكر الضعيف، كذلك الضعيف نفسه أنواع كثيرة.(1/1)
إنما نذكر موضوع الدرس الماضي للتذكرة وأن السيوطي -رحمه الله تعالى- يذكر الحديث ويذكر من أخرجه وصحابيه ويشير إليه بإشارة قصيرة جدًّا حرف واحد ليبين درجته، وتكلمنا عن الخدمات التي بُذلت على هذا الكتاب؛ "فيض القدير" للمناوي؛ في شرحه والكلام على علله، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- جرد الكتاب وقسمه إلى قسمين: "صحيح الجامع" و"ضعيف الجامع"... وغير ذلك من الجهود
وبقي على الطالب أن يمرن نفسه على التعليم لابد فيه من مخالطة وملازمة، وهذا أصل في التعلم ومما نُسِب إلى أبي المعالي الجويني:
"أخي لنْ تنالَ العلمَ إلا بستةٍ سأُنْبيك عنْ تفصيلِها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ وصحبةُ أستاذٍ وطولُ زمانِ"
وخاصة علم التخريج ودراسة الأسانيد والعلل؛ فهذا علم معملي يحتاج إلى ورشة عمل وإلى ملازمة وكل خطوة تتدرب عليها ثم تتمرن تتعلمها نظريا وتتمرن عليها ثم تأخذ تدريبا وتخطيء فيه وتُقَوَّمُ إلى أن يستوي عودك في هذه الجزئية. فإذا استويت؛ انتقلت إلى المرحلة التي تليها... وهكذا.
قلنا – سابقا -: إن هذه الطريقة؛ وهي التخريج عن طريق معرفة أول لفظة في الحديث يستخدم العلماء لها ثلاث أنواع من المصنفات؛ تركنا نوعا ودرسنا النوع الثاني وهو الكتب التي رتبت الأحاديث على أول لفظة. واليوم نأخذ ما كان أولا؛ أي: في صفحة 59 من الكتاب: المصنفات المساعدة في هذه الطريقة والكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة ثم الكتب التي رتبت الأحاديث فيها على ترتيب حروف المعجم.
نحن درسنا الثانية ونرجع اليوم للأولى لماذا؟(1/2)
لأني أريد التأسيس؛ فأبدأ مع الطالب بالسهل، ثم أرتقي معه في الأصعب وهكذا حتى يشتد عوده فينطلق بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- في الفهم والممارسة وكما قلت: إن كل ما سنفعله إلى أن ننتهي من طرق الاستخراج؛ هذه كلها مراحل، ثم ندخل بعد ذلك في مرحلة تالية؛ وهي مسألة جمع الطرق، وتفتيش الأسانيد، والمقارنة بينها، والوقوف على مواطن العلة، ومواطن التفرد، ومواطن الاتفاق، فهذه مرحلة تالية تأتي بعد تسع حلقات من الآن... وهكذا في التدرج في معرفة هذا العلم. نسأل الله تعالى أن يعلمنا، وأن يفقهنا، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل !
الآن سنبدأ في النوع الثاني من المصنفات المساعدة في هذه الطريقة وهي الكتب التي جمعت الأحاديث المشتهرة على الألسنة.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
- كلمة في الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس.
المراد بالأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس: ما يدور على ألسنتهم ويتناقلونه بينهم من الأقوال منسوبةً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد يكون بعض هذه الأحاديث صحيحا أو حسنا ولكن الكثير منها ضعيف، أو موضوع، أو لا أصل له، وربما أن انتشار مثل هذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة واشتهارها بين عامة المسلمين يفسد على المسلمين دينهم)
نعلم أن الواضعين والكذابين كانت لهم أغراض مختلفة في بث الأحاديث المكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛منها:
- ما كان القصد منها التكسب.
- ومنها ما كان المقصود منها التقرب إلى الولاة.
- ومنها أغراض سياسية.
- ومنها مذهبية في نصرة مذهب على مذهب، أو طائفة من طوائف المسلمين على غيرها.(1/3)
فكانت هناك جملة من الأغراض التي اندفع لها سيل جرار من الكذابين والوضاعين؛ لأن - وكما هو معلوم - أعداء هذا الدين حاولوا النيل من الكتاب المنزل؛ فلم يستطيعوا؛ لتحدي القرآن الكريم لهم؛ فقالوا: نعمد للأحاديث فنضع الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محاولة منهم لإفساد هذا الدين، وإدخال ما ليس منه فيه، ولكن الله -سبحانه وتعالى- كما تولى حفظ القرآن تولى حفظ السنة؛ قيل لعبد الله بن المبارك هذه الأحاديث المكذوبة؛ فقال: يعيش لها الجهابذة: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9].
فأخرج الله -تعالى- هؤلاء الأئمة الأعلام الذين بذلوا المُهَجَ والأرواح في خدمة حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والذب عنه. وهذا يحيى بن معين سيد المحدثين في زمانه وقرين الإمام أحمد في رحلة الطلب وكان يحيى ينهى عن سماع حديث أبان عن أنس؛ لأنه كذاب وكان ينهى الناس عنها، ثم دخل عليه أحمد في مسجد بغداد نائما على ظهره وهو يحفظ نسخة أبان عن أنس؛ أكثر من ألف حديث؛ فقال له الإمام أحمد:
يغفر الله لك يا أبا زكريا !!! تنهى الناس عن نسخة أبان عن أنس وأنت تحفظها؟!
قال: نعم؛ أنا أحفظها حتى إذا ما جاء كذاب، فجعل ما كان ثابتا أبان؛ قلت له: كذبت.
ثابت بن أسلم البناني ابن أخت أنس بن مالك الصحابي، وهو أثبت الناس فيه، وحامل راية مدرسته وهو راويته؛ فمعظم أحاديث أنس يرويها عنه ثابت بن أسلم البناني ابن أخته؛ فإذا جاء كذاب وأبدل مكان ثابت وجعلها أبان؛ فإن ابن معين يقول له: كذبت؛ ليست هذه ثابت عن أنس وإنما هي أبان عن أنس.(1/4)
فكانوا يهتمون بحفظ الموضوع كما يهتمون بحفظ الصحيح وأخرج الله تعالى من هؤلاء الأعلام: شعبة، والأعمش، وابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، والبخاري، ومسلما، وهذا الجيل المبارك في جيل الرواية هم الذين حفظ الله بهم هذا الدين؛ فكان من جهود العلماء أنهم ينبهون على هذه الأحاديث ثم جاء الأئمة بعد ذلك في القرون المتأخرة فجمعوا الأحاديث الموضوعة وجعلوها في مصنفات مستقلة، ومنهم من جمع - كما سنرى - الأحاديث المشتهرة على الألسنة فجمعوها جمعا عاما بقصد خدمة المسلمين والتنبيه على ما قد يسمعه المرء من داعية إلى الله لا يُمَيِّز؛ فيعلم صحيحه من سقيمه وإلا كذب على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
( وانتشار مثل هذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة واشتهارها بين عامة المسلمين يفسد على المسلمين دينهم؛ لاعتقادهم أنها مروية عن نبيهم؛ وبالتالي عملهم بمقتضاها وزعهمهم أنه لا يصلح سواها؛ لذا قام كثير من العلماء المتخصصين بالحديث في أعصار متعاقبة بتصنيف كتب جمعوا فيها الأحاديث المشتهرة على الألسنة في تلك العصور وبينوا صحيحها من سقيمها وبينوا من رواها وخرجها من أصحاب المصنفات إن كان لها أصل وذلك تحذيرا للناس من العلم بها والتأدب بأدبها إن كانت مكذوبة أو لا أصل له)
لذا ننبه بشدة إخواننا الذين يتصدرون في الدعوة إلى الله –تعالى- ويصعدون المنابر ويخطبون في الناس على أصل عظيم من أصول نجاح الداعية ألا ينسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثا لا يثبت، وإذا تكلم؛ فلله الحمد في الصحيح والحسن ما يُغني عن الضعيف.(1/5)
هات أيَّ حديث ضعيف أو موضوع؛ آتيك بما ينوب عنه من الصحيح؛ فالله تعالى جعل لنا في الصحيح والحسن مندوحة عن استخدام الحديث الضعيف أو المكذوب وشيخنا الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف -حفظه الله تعالى- له مشروع "البدائل المستحسنة" طبع منه جزآن صغيران؛ فنسأل الله أن ييسر له إكماله. وطريقته أنه يأتي بالحديث الضعيف أو الموضوع ويبين ضعفه وعلته ومداره على مَنْ مِنَ الضعفاء، ثم يقول: ينوب عنه من الصحيح كذا وكذا... فلله الحمد.
أنت كداعية أو كخطيب لست مضطرا –أبدًا- لأن تذكر على المنبر أو بين الناس حديثا لا تصح نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلا كذبت عليه.
فعندك من الصحيح والحسن ما يغني. فنقول لإخواننا: لابد وأنت تعرف أنك ستخطب الجمعة، ستدرس، ستتكلم في حديث كذا وكذا لابد لك أن تتحرى من أين لك هذا الحديث وإلا أثمت إن لم تَتَحَرَّ في نسبة الكلام إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لأنه لا يليق بخطيب أو بداعية أو بطالب العلم أن يتصدر في الناس خطيبا، أو مدرسا، أو معلما، فيذكر أحاديث لا يعرف لها زمام ولا خطام.
فمهم جدا أن ينتبه إخواننا المتصدرون في الناس لهذه القضية الخطيرة الحساسة التي فيها مسؤولية عظيمة جدًّا وهي أن ينسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لا يصح نسبته إليه.
(والشهرة في هذه الأحاديث ليست هي الشهرةَ الاصطلاحية التي معناها: أن يُروى الحديث من ثلاث طرق أو أكثر، وإنما المراد بها الشهرةُ اللغويةُ؛ أي: انتشارُ هذه الأحاديث على ألسنة الناس ومعرفتها لدى عامتهم. وأكثر هذه المصنفات مرتب على نسق حروف المعجم ومن هذه المصنفات:
1- "التذكرة في الأحاديث المشتهرة" لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (874ه).
2- "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911هـ ).
3- "اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة مما ألفه الطبع وليس له أصل في الشرع" لابن حجر (852 ه)(1/6)
مسألة التواريخ ووفيات الأئمة وإن ظن البعض أنها لا فائدة من ذكرها لكنها في علم الحديث غاية في الأهمية قد يُدَّعى -كما سنعرف إن شاء الله من خلال دراسة مصطلح الحديث- أن فلانا يدعي السماع من فلان؛ فيقال له: متى سمعت؟
يقول مثلاً سمعت سنة 350هـ وهو مات سنة 348هـ؛ فينقطع وهذا الأمر يستخدمه العلماء كثيرًا في الكشف عن الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-. إذا سُئِل الراوي: متى سمعت فلانا وهو لم ينزل هذا البلد؛ فيقال له: هو مات قبل ذلك؛ فيُعلم أنه يكذب.
وأخونا الدكتور مِلْفِي بن حسن الشِّهْري له كتاب "التأريخ وأثره في معرفة علل الحديث"؛ فمهم جدًّا معرفة وفيات العلماء والأئمة، ومهمة جدًا في النقد الحديثي ويتنبه له إذا كانت مذكورة في الكتب من باب التكملة.
(
4- "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (902ه).
5- "تمييز الطيب من الخبيث مما يدور على ألسنة الناس من الحديث" لعبد الرحمن بن علي بن الديبع الشيباني (944ه).
"إتقان ما يحسن من الأحاديث الدائرة على الألسن" لنجم الدين محمد بن محمد الغزي (985ه)، جمع فيه بين كتاب الزركشي وكتاب السيوطي وكتاب السخاوي وزيادات حسنة عليها.
6- "كشف الخفاء ومويل الإلباس عن ما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" لإسماعيل بن محمد العجلوني (1162ه).
1- "المقاصد الحسنة لبيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة"
هو كتاب جامع لكثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة؛ إذ بلغت أحاديثه في النسخة المطبوعة المرقمة أحاديثها 1356 حديثا، وفيه من الصناعة الحديثية ما ليس في غيره مع التحرير والإتقان كما قال اللكنوي. قال ابن العماد الحنبلي: وهو أجمع من كتاب السيوطي المسمى بالدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة وفي كل منها ما ليس في الآخر)(1/7)
يقال: إن كتاب "المقاصد الحسنة" للحافظ السخاوي -رحمه الله- يعتبر من ناحية الصناعة الحديثية هو أقوى كتاب في الكلام على الأحاديث حتى إن العجلوني -كما سنعلم- يقول: إنه جمع مقاصد كلام السخاوي.
كلام السخاوي في المقاصد يعتبر أقوى كلام من جهة الصنعة الحديثية وتطويل النَّفَس في الكلام على علة الحديث، ومخرجه، وصحته، وضعفه... وغير ذلك. فكتاب المقاصد -على صغر حجمه- ليس فيه من الأحاديث إلا هذا القدر اليسير 1356 بالنظر إلى ما في "كشف الخفاء" يعتبر أقل من النصف لكنه من حيث التحرير، والصناعة الحديثية، والدقة، والإتقان في النقد، وبيان علة الحديث، ومدار الضعف، وغير ذلك يعتبر كتاب المقاصد أفضلَ هذه الكتب على الإطلاق.
(ولذلك اعتنى العلماء به؛ فتناولوه بالدرس، والاختصار؛ فاختصره تلميذه عبد الرحمن بن علي بن الديبع الشيباني في كتابه "تمييز الطيب من الخبيث"، كما اختصره علي بن محمد المنوفي في كتابه "الرسائل السنية"، وقد رتب السخاوي أحاديث الكتاب على نسق حروف المعجم؛ فسَهُلَ على المراجع فيه الكشفُ بسرعة عن الحديث الذي يريده، وبعد ذكره للحديث يذكر من خرجه إن كان له أصل، وبين مرتبته والكلام عليه ما قاله العلماء فيه بشكل يَشفي الغليل وإن لم يكن للحديث أصل؛ أي: سند، وليس في كتاب من كتب الحديث بين ذلك وقال: لا أصل له. وإن توقف وخشي أن يكون له أصل قال: لا أعرفه.
والكتاب قيم في بابه نفيس في موضوعه؛ لذا كان ولا يزال وسيبقى عمدة العلماء في كشف اللثام عن الأحاديث المشتهرة على الألسنة)(1/8)
الذي نريده أن يعلم الطالب إذا رام الكشف عن حديث من الأحاديث المشتهرة على الألسنة -ولا أقول المشتهر من ناحية الصناعة الحديثية-؛ فعليه أن يعمد إلى مجموعة هذه الكتب، وكما قلنا: إن "المقاصد الحسنة" وكتاب نجم الدين الغزي "إتقان ما يحسن"، وكتاب "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"؛ ففيها ما ليس في غيرها، وحوت وجمعت كل هذا الباب من الأحاديث بحيث ننتقل بعد ذلك إلى مسألة أخرى.
ونصيحتي للإخوة هي أن علم التخريج يحتاج إلى مكتبة وإلى فتح الكتب وإذا ما وقع في يدك كتاب فعليك أن تبدأ بقراءة مقدمته وفهرسه ودونك بطاقة أو ورقة تسجل فيها كل ما يند أو تستفيد في ورقة صغيرة تسجل اسم الكتاب، واسم المحقق، ودار النشر التي طبعته، ومحتواه، ومقصده، والفائدة التي ستخرج بها من هذا الكتاب بعد نهاية الدراسة، وتجمع هذه البطاقات؛ فيكون عندك رصيد معرفي جيد تستطيع أن تواصل فيه الدرس والبحث بإذن الله -سبحانه وتعالى-.
(
2- "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمَّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس"
هذا الكتابُ كتابٌ نافع جيد، حوى كثيرًا من الأحاديث المشتهرة، والظاهر أنه أكبر كتاب في هذا الباب وأجمعه على للأحاديث المشتهرة على الألسنة. وهو مرتب على حروف المعجم.(1/9)
وقد لخص فيه مؤلفه "كتاب المقاصد الحسنة" للسخاوي مُقتصِرًا في كل حديث على بيان مخرجه، وصحابيه، وبعض الفوائد مما يستطاب أو يستحسن عند أئمة الحديث. لكنه لم يقتصر على أحاديث "المقاصد الحسنة" بل ضم إليها أحاديث من كتب الأئمة الذين سبقوه في هذا الباب؛ مثل" اللآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة" لابن حجر، وكتاب "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" للسيوطي وغيرهما من الكتب. ويذكر في كل حديث من أخرجه من أصحاب المصنفات ويذكر رتبته على الغالب أو يذكر أقوال العلماء فيه. وإذا لم يكن للحديث أصل؛ بينه وإذا لم يكن بحديث؛ بين ذلك بقوله: ليس بحديث وربما قال: إنه من الحكم المأثورة، أو من كلام الصحابة، أو أحد العلماء.
وقد اشتمل الكتاب على 3254 حديث كما هو مبين في النسخة المطبوعة المرقمة؛ فتكون أحاديثه أكثرَ من ضعفي ما في كتاب المقاصد الحسنة فهو أكبر مصنف في هذا الباب والله علم.)
هذا هو الكتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للإمام العجلوني -رحمه الله تعالى- وأصله من دمشق.
نحاول أن نتعرف تعرفا مباشرا على الكتاب وعلى طريقة مؤلف فيه فنأخذ قدرا من النماذج بحيث يستطيع الطالب أن يتفهم طبيعة الكتاب.
(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)
هذا أول حديث في الكتاب، والعجلوني تَبِع في ذلك الأئمة الذين بدؤوا كتبهم ومصنفاتهم بحديث إنما الأعمال بالنيات رجاء الإخلاص والبركة.
(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلا ما هاجر إليه)(1/10)
هذا الحديث أول حديث أخرجه البخاري في "الجامع الصحيح"، واعتبره كالخطبة لكتابه؛ فإن البخاري -رحمه الله- لم يذكر مقدمة وإنما قال: بسم الله الرحمن الرحيم باب: ? إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ? [النساء: 163]. وذكر بعض الآيات في الوحي، ثم ذكر حديث (إنما الأعمال بالنيات)؛ فقال العلماء: جعل الحديث كالخطبة للكتاب.
حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، أصل عظيم جدا من أصول هذا الدين حتى قال بعضهم كما في الكتاب هنا:
عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعملن بنية
وهذا الحديث العظيم القدر جدا، لا تصح روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أحد من الصحابة إلا عن عمر، ولم تصح روايته عن عمر من التابعين إلا علقمة بن وقاص الليثي؛ أي: انفرد عمر من جملة الصحابة برواية هذا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يروه عن عمر من التابعين إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم يروه عن علقمة من أواسط التابعين إلا محمد بن إبراهيم التيمي ولم يروه عن محمد بن إبراهيم من صغار التابعين إلا يحيى بن سعيد الأنصاري.
التفرد في أربع طبقات؛ طبقة الصحابة: عمر، وطبقة كبار التابعين: علقمة بن وقاص الليثي، وأواسط التابعين: محمد بن إبراهيم التيمي، وصغار التابعين: يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم اشتهر بعد يحيى؛ فرواه كما يقول الحافظ الذهبي وغيره عن يحيى ثلاثمائة نفس.
وفي ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري في "سير أعلام النبلاء" عدَّ الحافظ الذهبي من روى هذا الحديث عن يحيى فذكر 192 راويا مرتبين على حروف الهجاء.(1/11)
هذا حديث عجيب جدا؛ في أوله تراه بهذا التفرد، ثم من عند يحيى يملأ الآفاق؛ فالعلماء يقولون: هذا حيث غريب باعتبار أوله مشهور باعتبار آخره؛ أي: أوله فيه غرابة فيه تفرد ثم اشتهر بعد يحيى بن سعيد الأنصاري -رحمه الله تعالى- ولا يعرف الحديث في دواوين الإسلام إلا من طريق يحيى عن محمد بن إبراهيم عن علقمة عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الحديث رقم 3: (آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر).
سَلِّمْ يا رب !!!
هذا كلام يصلح أن يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! والأيام لله تعالى الذي خلقها وخلق ما يكون فيها من أحداث فيقول: (آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر) !!!.
رواه ابن مروديه في تفسيره عن ابن عباس والخطيب لكن بلفظ من الشهر. .
تفسير ابن مردويه مفقود، والعلماء لهم جهود على تجميع مرويات ابن مردويه من كتب التفسير؛ كتفسير ابن كثير؛ لأنه كثير النقل عنه جدًّا في تفسيره؛ فيقول قال ابن مردويه ويذكر الأحاديث وأظن في الجامعة الإسلامية كمٌّ هائل من الرسائل في الاجتهاد في جمع مرويات ابن مردويه من بطون الكتب وتدوينها وأظن أن وعاء مرويات ابن مردويه "المختارة" للضياء المقدسي.
وقال السيوطي في "الجامع الكبير": رواه وكيع في "الغُرَر" وابن مردويه في تفسيره عن ابن عباس وفيه مسلمة بن الصلت متروك وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"..
إذا جاء حديث مثل هذه الأحاديث؛ فلك أن تقول: هذا حديث لا يصح، وهو في كتاب "كشف الخفاء" للعجلوني وارجع إلى الكتاب، وانظر كلام أهل العلم هناك عليه.
لكن إذا قلتَ: هذا حديث لا يصح نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في إسناده مسلمة بن الصلت وهو متروك.ما معنى متروك ؟
متروك؛ أي: متهم بالكذب.
شرُّ الحديثِ الحديثُ الموضوع وهو ما كان راويه كذابا، والذي يليه في الشر ما كان راويه متروكا.
ما الفرق بين متهم بالكذب وبين كذاب؟(1/12)
أن الكذاب ثبتت عليه التهمة، وأن المتروك هو الذي يكذب في حديث الناس، ولم يُتَيَقَّنْ أنه يكذب في حديث رسول الله.
ورواه الطيوري من وجه آخر عن ابن عباس موقوفا أهـ. وقال ابن رجب: لا يصح..
الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- من الأئمة المتأخرين، لكنَّ نَفَسَهُ عالٍ جدًّا في باب العلل والنقد الحديثي ويتضح ذلك جليا في شرحه لعلل الترمذي المُسَمَّى بالعلل الصغير المطبوع في آخر السنن؛ فالعلل الصغير هذا قام بشرحه الإمام الجِهْبِذُ الحافظُ البارع ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-،وهذا كتاب أوصي به كل من له اهتمام بعلم الحديث؛ فهذا كتاب مفيد جدا.
وقال ابن رجب: لا يصح، ورواه الطبراني بسند ضعّفه بلفظ (يوم الأربعاء يوم نحس مستمر)
طبعا هذا كلام جاءت الشريعة بنفيه النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فنهى عن التطير وقال: (الطِّيَرة شرك)، وقال ابن مسعود: "ما منا إلا... ولكن الله يذهبه بالتوكل"؛ فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديث أن التطير شرك والتطير: التشاؤم.
الحديث رقم 9: (ائتدموا بالزيت، وادهنوا به؛ فإنه يخرج من شجرة مباركة)، رواه الترمذي في العلل وقال: مرسل
إذا روى إمام ما من الأئمة في كتاب علل؛ فالعلل وعاء لعلة الحديث، وإذا روى الترمذي في كتاب العلل حديثا؛ فهذا مُشْعِر بأن الحديث معلول. بخلاف الدارقطني -رحمه الله-؛ فإيراد الإمام الدارقطني للحديث ليس معناه أنه ضعيف، وإنما يتكلم على طريقِ بعينه؛ فقد يكون الحديث في الصحيحين ويورده الدارقطني في العلل وهذا كثير جدا في كتابه؛ فليس معنى إيراد الحديث في علل الدارقطني أنه حديث ضعيف؛ فلْيُتَنَبَّهْ لهذا؛ فإنها مزلة أقدام.(1/13)
رواه الترمذي في العلل، وقال: مرسل، وابن ماجة والحاكم وقال: على شرطهما، والبيهقي والدارقطني في "الأفراد"، وأبو يعلى وعبدُ بن حميد عن ابن عمر، ورواه الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس بلفظ: (ائتدموا من هذه الشجرة -؛ أي: الزيت- ومن عُرِضَ عليه طيبٌ؛ فليصب منه) وقد رمز السيوطي في جامعه لضعفه.
هذا الحديث رمز له الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" بالضعف.
الحديث رقم 134: (احترسوا من الناس بسوء الظن)، قال في الأصل: رواه أحمد في الزهد والبيهقي وغيرهما من قول مُطَرِّفِ بن الشِّخِّير أحدِ التابعين. زاد البيهقي وكذا الطبراني في "الأوسط" والعسكري أنه روى عن أنس مرفوعا، وأخرجه تمام في "فوائده" عن ابن عباس رفعه بلفظ: (من حسن ظنه بالناس؛ كثرت ندامته) ورواه الديلمي عن علي من قوله بلفظ: (الحزم: سوء الظن)، وجميع طرقه ضعيفة يتقوى بعضها ببعض.
مسألة تقوية الطرق ببعضها ببعض تحتاج إلى الوقوف على الأسانيد وهذا الذي سوف نتعلمه -إن شاء الله- في النصف الأخير من الدورة وهذه أيضا مسألة من المسائل المهمات التي يطول فيها البحث؛ أعني مسألة تقوية الأحاديث الضعيفة بعضها ببعض؛ فالشيخ يقول: جميع طرقه ضعيفة يتقوى بعضها ببعض، وهذه مسألة تحتاج إلى دراسة.
ثم قال: وقد أفردته في جزء أوردت فيه الجمع بينها وبين قوله –تعالى-: ?اجتنبوا كثيرًا من الظن? وما أشبهها بما في الحديث..
الحديث رقم 138: (احذروا صُفْر الوجوه؛ فإنه إن لم يكن من علة أو سهر؛ فإنه من غل في قلوبهم للمسلمين).(1/14)
فأي إنسان وجهه أصفر؛ يُعلم من ذلك أنه إن لم يكن عنده كبد، أو فيروس كبدي وبائي، أو عنده فشل كلوي؛ فهذا حاسد. هذا خطأ محض، والاعتماد على هذه الصفات بأحاديثَ تُنسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- خطأ؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء ليبني أمة وما كان عنده وقت ليفصل: الذي وجهه أصفر: إن لم يكن مريضا؛ فيكون حاسدا. ومثل هذا الكلام يعتبر هراء, وما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجله وإنما جاء ليبني النفوس ويصلح المجتمعات بكلام قليل يخرج ليُغير حال الناس في علاقتهم بربهم -سبحانه وتعالى-.
قال في الأصل: رواه الديلمي بسنده إلى ابن عباس مرفوعا, ثم قال: وأورده هو وأبوه بلا سند عن أنس مرفوعا بلفظ: (إذا رأيتم أصفر الوجه من غير مرض ولا عبادة؛ فذلك من غش للإسلام في قلبه)، ورواه في "الدرر" بلفظ: (احذروا صفر الوجوه من غير علة), ورواه أبو نعيم في "الطب" من حديث حماد ابن المبارك عن أنس مرفوعا بمثل هذا, وقال الحافظ ابن حجر: لم أقف له على أصل عنه وإن ذكر ابن القيم في "الطب النبوي"؛ فإنه بلا سند..
أنا أقصد أن ننتقي من الضعاف مما هو من هذا القبيل وغيره طبعا فالكتاب مجلدان كبيران، وفيه الصحيح والصحيح له نور كنور النهار أو كنور القمر تعرفه، وللحديث المنكر ظلمة كظلمة الليل تنكره.
فكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه نور إذا ذكرته انفتح له الصدر وانشرح له الصدر واطمئنت له النفس، أما مثل هذا الكلام فلا زمام له ولا خطام.
الحديث رقم 150: (أحيى أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى آمَنَا به)، أورده العسكري عن عائشة وقال في "التمييز" تبعا للمقاصد: أورده الخطيب في "السابق واللاحق" وكذا السهيلي عن عائشة وقال: في إسناده مجاهيل، وقال ابن كثير: إنه منكر جدًا وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى ولكن ثبت في الصحيح ما يعارضه أهـ..
إسناد الحديث إذا كان فيه راوٍ لا يعرف هذا كافٍ لرده.(1/15)
في المحاضرة الماضية كان السؤال الأول: درست في كتاب "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" فصف الكتاب وبين طريقة التخريج فيه.
وكانت الإجابة:
وصف الكتاب وطريقة التخريج فيه:
أولا: يذكر في الكتاب متن الحديث بدون ذكر سنده ولا الصحابي الذي روى الحديث.
ثانيا: يذكر في آخره رمز من أخرجه من أصحاب المصنفات.
ثالثا: يذكر الصحابي الذي رواه عنه صاحب ذلك المصنف من طريقه.
رابعا: يشير بالرموز إلى رتبة الحديث ودرجته من الصحة وغيرها.
خامسا: الكتاب فيه أحاديث انتقاها المصنف من كتابه "جمع الجوامع" وهذه الأحاديث التي في الجامع الصغير انتقيت من 31 كتابا من كتب السنن والأطراف والأجزاء.
- أهم الخدمات على هذا الكتاب:
أولا: كتاب "الزيادة على الجامع الصغير" وهو عبارة عن أحاديث انتقاها السيوطي زيادة على الجامع الصغير.
ثانيا: "الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير" للشيخ يوسف النبهاني، ضم فيه أحاديث الجامع الصغير مع زيادته ورتب الأحاديث على حروف المعجم ولكنه حذف الرموز التي فيها بيان مرتبة الحديث.
ثالثا: "فيض القدير" للمناوي قام فيه بشرح أحاديث الفتح الكبير.
رابعا: "صحيح الجامع الصغير وزيادته" وضعيف الجامع الصغير وزيادته" للشيخ الألباني -رحمه الله تعالى-.
زهذا كلام ممتاز جدًا وبقى علينا الممارسة العملية في مسألة فتح الكتاب وتعلم المباشر منه.
وكان السؤال الثاني: عرف المصطلحات الآتية.
خ: البخاري، م: مسلم، ق: البخاري ومسلم، د: أبي داود في سننه، عم: زيادات عبد الله بن أحمد في المسند، عب: مصنف عبد الرزاق، هب: شعب الإيمان للبيهقي، حل: الحلية لأبي نعيم، طس: الطبراني في الأوسط
أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
اذكر -على وجه الإجمال- المصنفات المساعدة في التخريج على أول لفظة في الحديث.
السؤال الثاني:
درست كتاب "كشف الخفاء ومزيل الإلباس مما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس". صف الكتاب، واذكر مزاياه(1/16)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الرابع
النوع الثالث (الفهارس)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
موعدنا الليلة -بإذن الله- مع دراسة النوع الثالث من المصنفات المساعدة في الطريقة الأولى من طرق الاستخراج وهي: التخريج عن طريق معرفة أول لفظ في الحديث. وتكلمنا بفضل الله –تعالى- في الحلقة قبل الماضية عن كتاب "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" للحافظ الإمام السيوطي -رحمه الله- وتكلمنا في حلقة أمس عن النوع الثاني من المصنفات المساعدة في هذه الطريقة وهي: الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة وقرأنا نماذج من كتاب "كشف الخفاء ومزيل الإلباس" للإمام العجلوني. والليلة -إن شاء الله وتعالى- موعدنا مع النوع الثالث مع المصنفات المساعدة في الطريقة الأولى وهي: فهارس الأحاديث.
موضوع الفهارس موضوعٌ يطول لأن في الصيحة الإسلامية المعاصرة، وما تنتجه المطابع كل يوم لا يكاد الكتاب يكون مقبولا إلا إذا كانت له فهرسة نوعية متعددة؛ تشمل الآيات، والأحاديث، والآثار، والبلدان، والقواعد -إن كان الكتاب في القواعد- ... إلى غير ذلك.
وصار هذا سمة من سمات البحوث المعاصرة وشرطا من شروط الأبحاث الأكاديمية؛ أن الطالب لابد أن يُعِدَّ في بحثه فهرسا توصيفيا يُبين ما غَمض في طوايا بحثه. وليس هناك كتاب من كتب السنة إلا -ولله الحمد- وله فهرس لكن الطالب إذا اعتمد على أن ينظر في فهرس كل كتاب من كتب السنة؛ فمعنى ذلك أنه يحتاج إلى النظر في أكثر من سبعين كتابا مطبوعا على الحد الوسط؛ الكتب التسعة، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء الحديثية... إلى غير ذلك.(1/1)
فالحمد لله رب العالمين قبل 15 سنة تقريبا طبعت "موسوعة أطراف الحديث النبوي" لأخينا الفاضل أبي هاجر محمد السعيد زغلول وهذه الموسوعة تقع في أحد عشر مجلدا كما سنصف الليلة بإذن الله -سبحانه وتعالى- و"المعجم المفهرس لأطراف الحديث النبوي" الذي عمله مجموعة من المستشرقين حين طبع؛ أثار ضجة في الأوساط العلمية خاصة طالبي علم الحديث والسنة. وهو -في الحقيقة- يخدم تسعة كتب؛ لأنه عبارة عن فهرس للكتب الستة، وموطإ مالك، والدارمي، ومسند الإمام أحمد.
هذه الموسوعة -ولله الحمد- تخدم 150 كتابا من كتب السنة، وفي صفحة 16 من المجلد الأول إلى صفحة 21 منه رموز الكتب المستخدمة في هذه الموسوعة، وهي مرتبة على حروف المعجم؛ فتجد –مثلا- إتحاف؛ أي: "إتحاف السادة المتقين"، إتحافات؛ أي: "الإتحافات السنية"، أخلاق؛ أي: "أخلاق النبوة"، أذكار؛ أي: "الأذكار النبوية"، أذكياء؛ أي: "كتاب الأذكياء" لابن الجوزي... وهكذا إلى أن يأتي إلى الكتب المتخصصة؛ مثل "مسند الحميدي" رمز له بـ: حميدي، "مسند أبي حنيفة" رمز له بـ: حنيفة، والرموز المشهورة التي سبق الكلام عليها في "الجامع الصغير" هي هي؛ البخاري: خ، ومسلم: م، والنسائي: ن؛ فنفس الرموز المستخدمة في "الجامع الصغير" لم يُخِلّ بها؛ لأن هذا هو الواجب؛ فإذا كان الأئمة في القديم استخدموا رموزا معينة وهي الدائرة على لسان أهل العلم؛ فمن يأتي بعدهم ليصنف في الموسوعات ينبغي أن يتبع نفس المنهج ونفس الطريقة ويستخدم نفس الرموز، فإذا زاد؛ فلا مانع أن يأتي برموز من عنده. لكن الذي استُخْدِم قبل ذلك على لسان أهل العلم في كتب الأقدمين ينبغي أن لا يخل بها، وألا يغير فيها.
أقول: إن المعجم المفهرس حين طبع؛ أثار ضجة في الأوساط العلمية؛ لأنه سهل الوقوف على مصادر السنة, فالآن الموسوعة -بفضل الله- تخدم قرابة 150 كتابا من كتب السنة ولو أنها ظهرت إبّان ظهور المعجم المفهرس؛ لكان لها شأن آخر.(1/2)
ثم جاء الحاسب الآلي بعد ذلك فغطى على جهد "الموسوعة"؛ لكنّها -على أية حال- عملٌ مبارك، ولا ينبغي أن يُغفل عنها ولا أن نَترك الاستفادة منها خاصة للذين لا يستخدمون الحاسب الآلي في الاستقراء والبحث، أو أن الباحث إذا أراد أن يعمل بيده وهذا هو الأفضل؛ أعني أن مسألة الرجوع إلى المصادر هي الباقية وهي المثمرة وهي التي يَشبع منها طالبُ العلم ويرى جهد نفسه؛ فمثلا وأنا أعمل بيدي فتأتيني الإحالات فأرجع للمصادر الأصلية فتأتيني فوائد ما كنت أقصدها، ولكني أقصد البحث عن حديث بعينه، وعندي كراس أُدَوِّن كل الفوائد التي تقابلني وهو البحث الغير مقصود؛ فيخرج الباحث أو طالب العلم بفوائد جمّة وغزيرة قد حصلها في كراسه الخاصة بهذه الفوائد، ثم ينظر في بُغْيَته من البحث الذي هو بصدده.
كما قلت إن الموسوعة تخدم قرابة 150 كتابا من كتب السنة، وفيها عدة مزايا ليست في غيرها من الكتب، كما أن فيها عيوبا –سنذكرها- وهذا لا يخلو منه عمل بشري.
وهذه الموسوعة لها قصة طويلة، وواضع حجر الأساس فيها رجلٌ له منّةٌ على أهل العلم في مصر، وفي غيرها؛ الشيخ حامد مصطفى -رحمه الله تعالى- صاحب "مكتبة المصطفى"، وهي مكتبة عامرة نسأل الله أن يزيد من بركتها!! ولا يوجد طالب تخرج في جامعة الأزهر إلا وللشيخ حامد -رحمه الله تعالى- منّة في عنقه؛ لأننا –جميعا- تخرجنا من هذه المكتبة. لا تريد كتابا إلا -ولله الحمد- وتجد نسخته هناك؛ فكان الشيخ حامد هو الذي وضع أساس هذه الموسوعة، وكانت موجودة في المكتبة بخط يده، وأعطاه لأخينا أبي هاجر -حفظه الله- وهو الذي قام –مشكورا- بتكملة الفهرسة، والإعداد, والإخراج... إلى غير ذلك، لكن كان فيها في البداية بصمة جهد والدنا المبارك الشيخ حامد مصطفى -رحمه الله- صاحب "مكتبة المصطفى" وتعتبر من أكبر المكتبات التي تخدم الباحث الشرعي في مصر.(1/3)
واستطرادا في الحديث أقول: إن الشيخ حامد -رحمه الله تعالى- ترك في مكتبته موسوعة للرجال تقع في 56مجلدا، وجعل للصحابة قرابة 8 مجلدات ولنساء الصحابة مجلدين؛ فمجموع ما في الموسوعة 56 مجلدا للبحث عن الرجال؛ فهذه موسوعة في أطراف الأحاديث والأخرى موسوعة في الرجال، ولكنها -وللأسف الشديد- رغم الأموال التي تُنْفق شرقا وغربا في العالم الإسلامي ما طُبعت موسوعة الرجال التي أعدها الشيخ حامد بخط يده، والباحث الذي يُتعبه البحث عن رجل يذهب للموسوعة ولن يَعدم خيرا ولن يرجع دون الوقوف على ما يريد خاصة في الأسانيد النازلة؛ أي: الكتب المصنفة في الأزمنة المتأخرة؛ كأسانيد الحافظ ابن حجر؛ فله "العُشاريات"، وله معجم شيوخه، وله مصنفات كثيرة يرويها بالإسناد، وكذلك الحافظ العراقي وهذه الطبقة وما فوقها يكون الإسناد فيه 25 رجلا من عند البخاري وقبل البخاري بقرنين وبعد البخاري؛ فالوقوف فيها على الرواة أمر ميسور ولكن كلما نزلت إلى القرن السادس، والسابع، والثامن؛ تَعَسّر الوقوف على الرواة فمثل هذه الموسوعة إذا يسر الله –تعالى- من أهل المال من يقوم بطبعها؛ فلاشك أنها ستنفع كثيرًا من الباحثين.
تتميز "موسوعة أطراف الحديث النبوي" لأبي هاجر محمد سعيد زغلول بالشمولية والاستيعاب؛ لأنها تستوعب جُلَّ الأحاديث النبوية؛ قولية وفعلية، فإذا كان السيوطي -رحمه الله تعالى- في "الجامع الصغير" جعل كتابه وقفا على الأحاديث القولية؛ فالموسوعة ذكرت القولية والفعلية.
- وصف الموسوعة:
"موسوعة أطراف الحديث النبوي" تقع في أحد عشر مجلدا، وعلى كل مجلد أحرف الأطراف؛ فمثلا المجلد الأول فيه حرف الألف، ولو فتحنا المجلد الأول نجد نهايته حرف الألف مع الظاء؛ فإذا أردنا أيَّ حديث يبدأ بحرف الألف مع الباء مع التاء مع الثاء إلى الظاء؛ فهو في المجلد الأول.(1/4)
بعد ذلك المجلد الثاني نجده يبدأ من الألف مع الظاء إلى الألف مع النون، والمجلد الثالث في حرف "إنَّ"؛ لأن "إن" الأحاديث فيها كثيرة جدًّا؛ (إن الله لم ينسخ شيئا؛ فيدع له نسلا)، (إن الله لما خلق آدم؛ قبض)، (إن هذه النخلة إنما حنّت شوقا لرسول الله لما فارقها)، (إني رأيت الجنة وقد عُرضت عليّ)، (إنما الماء من الماء)، (إنما الناس كإبل مائة)، (إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)؛ فهذا كله في حرف "إن" وملحقاتها في المجلد الثالث من الموسوعة.
المجلد الرابع منها مكتوب عليه " إلى آخر حرف "أل"، وذكر الألف مع الهاء؛ (أها هنا أحد؟)، و الهمزة مع "اللام ألف"؛ (ألا آذنتموني بهذا؟!)، (إلا آل فلان)، (ألا آمرك بكلمات؟!)، (ألا أبشرك برضوان الله الأكبر؟!)... إلى غير ذلك، ثم حرف الباء والتاء إلى تقريبا آخر المجلد الرابع ينتهي مع حرف الخاء.
والخامس من الدال إلى القاف، والسادس الكاف واللام، والسابع لام ألف والثامن والتاسع في حرف الميم، والعاشر من النون إلى الواو، والحادي عشر في حرف الياء.
فهذا وصف موجز للموسوعة وهذه أجزاؤها؛ فما عليك يا طالب العلم إذا أردت البحث عن حديث يبدأ بحرف الباء مثلا إلا أن تبحث عن الجزء الذي فيه حرف الباء وتبحث عنه وكما سنبين الآن طريقة البحث؛ فمثلا عندك حديث (يا معشر الشباب!) يبدأ بحرف الياء والألف؛ فيكون في المجلد الحادي عشر؛ فتأتي به وتبحث فتقف عما تريده من الأحاديث.
فأول ميزة من ميزات "الموسوعة" أنها تشمل كمًّا هائلا من الأحاديث النبوية الشريفة، ومن هذه الميزات أنه قطّع الأحاديث في أكثر من موضع.
كيف ذلك؟(1/5)
أنا –مثلاً- أريد أن أستخرج من الموسوعة حديث: (يا معشر الشباب!! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج)؛ فأذهب إلى حديث: (يا معشر الشباب!!)، وهو يقع في الجزء الحادي عشر صفحة 241، وأجده أعطاني إحالات على كتب السنة كما يلي: (يا معشر الشباب!!) الإحالات: البخاري خ (7/ 3) ؛أي: البخاري الجزء السابع طبعة دار الشعب، وهو في المجلد الأول يذكر الطبعات التي يستخدمها في الموسوعة؛ فمثلا يقول:
"إتحاف السادة المتقين" للزَّبيدي، الطبعة: تصوير بيروت.
"الإتحافات السنية"، الطبعة: الكليات الأزهرية.
"أخلاق النبوة"، الطبعة: النهضة المصرية.
"الأذكار النووية"، الطبعة: عيسى الحلبي.
فيذكر مع كل كتاب الطبعة الذي يستخدمها في الإحالة عليه، فهنا يقول (يا معشر الشباب!!) في الجزء الحادي عشر صفحة 241: خ (7/ 3)، م نكاح 1، 2 ؛أي: مسلم كتاب النكاح الحديث الأول والثاني ، ن: رمز النسائي (4/ 169) و(4/ 171) و (6/ 58)، ابن ماجه رقم 1845 ، مسند أحمد المجلد الأول صفحة 387 و 424 , 425 و 432، سنن البيهقي المجلد الرابع صفحة 296.
و هذا التخريج لا يكفي؛ لأن حديث (يا معشر الشباب!!) من الأحاديث المشهورة؛ فمعنى ذلك أنه موجود في كتب كثيرة من كتب السنة؛ فأعيد النظر وأفكر... (يا معشر الشباب!!) ما الذي بعده؟ (مَنْ استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج)؛ فأذهب إلى (من استطاع...)؛ فأجده في المجلد الثامن من الموسوعة صفحة 76 إحالات أخرى لمواضع أخرى غير التي ذكرها.
(8/ 76) سأجد في هذه الصفحة كل حديث يبدأ بـ (مَنْ استطاع)، (من استطاع أن تكون له خبيئة من عمل صالح؛ فليفعل)، (من استطاع ألا يأكل إلا طيبا؛ فليفعل)، (من استطاع ألا ينام يوما..)، (من استطاع أن يتقي النار..)، (من استطاع أن يطيل..)... إلى أن قال: (من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج) الذي هو موضوع بحثي.
ما هي الإحالات التي أتى بها؟(1/6)
أعطاني: خ 34 ؛ أي: موضع آخر فأكتب مرة أخرى، وأقول هنا:(3/ 43) في نفس الموضع الذي ذكر فيه البخاري، وم نكاح 1 ، وهذا مكرر؛ لأنه ذكره قبل ذلك وهذا من عيوب الموسوعة التي سننبه عليها ومنها إمكانية أن تُخْتصر من أحد عشر مجلدا إلى ستة مجلدات إذا حذفنا المكررات. فهو هنا قال: مسلم كتاب النكاح 1 فكرّر هنا ولم يذكر أبا داود وذكر البخاري، ومسلما، والنسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، وسنن البيهقي؛ فأين أبو داود؟
ذكره في الموضع الثاني؛ فقال: أبو داود النكاح باب 1 ، ثم أتى بـ "مصنف عبد الرزاق"، و"مصنف ابن أبي شيبة"، و"الطبراني الكبير"، و"سنن البغوي"، و"الدر المنثور"، و"إرواء الغليل" للشيخ الألباني، وابن كثير، و"أمالي الشجري"؛ فيذكر في الموضع الثاني إحالات لم يذكرها في الموضع الأول الذي ذكر فيه (يا معشر الشباب!!) فأعطاني بهذا الشكل ست إحالات على ستة كتب؛ فهنا أعطاني إحالات جديدة؛ أكثر من ثمان إحالات زيادة على ما ذكر في المرة الأولى.
فأنا بحثت هنا مرة في (يا معشر الشباب!!)، والمرة الثانية بحثت في (من استطاع)؛ فهل يمكن مع التأمل في متن الحديث أن نقف على موضع آخر لنستخرج منه فوائد أخرى؟
نعم، أنا وجدت (ومن لم يستطع) في المجلد الثامن من الموسوعة صفحة 574 أعطاني في: (من لم يستطع فعليه بالصوم)... وهكذا في كل مرة إذا بحثت في (يا معشر الشباب!!)، ثم (من استطاع منكم الباءة)، ثم (ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم)، ثم (فإنه له وجاء)؛ ففي كل مقطع من مقاطع الحديث أستطيع الرجوع لموضعه وأجدها مرتبة على حروف الهجاء، فأستخرج الموضع والإحالات، وأنتقل إلى موضع آخر حتى أنتهي من الحديث، ثم بعد ذلك أرجع إلى الكتب الأصلية المسندة؛ النسائي، أبي داود... وغيرها من الكتب؛ فأستخرج مواضع الحديث ثم أبدأ المرحلة العملية في التخريج وهي مقارنة الأسانيد والبحث عن مواطن العلة كما سنعرف -إن شاء الله تعالى- في المحاضرات القادمة.(1/7)
ولنأخذ حديثا آخر، وليكن –مثلاً- حديث: (تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك)، هذا حديث من الأحاديث المنتقاة بلا سابق إعداد فننظر في فقرات هذا الحديث.
ما هي مظان البحث عن هذا الحديث في الموسوعة؟
يكون البحث بادي النظر في أول الحديث عن فقرة (تنكح المرأة لأربع)، وأبحث في حرف اللام (لجماله)، و(لحسبه)، و(لدينه).
هذه كلها موارد بحث قد أجد وقد لا أجد، لكن أنا -كطالب حريص على تحصيل الفائدة ينبغي أن أبجث عن كل ما يظن أنه ذكر لي إحالات، ثم الفقرات الأكبر يكون فيها عزو أكثر غالبا.
(تنكح المرأة لأربع) بهذا اللفظ فقط "خ": 7/ 9، و"م" باب الرضاع 53، و"هق" ؛ أي: البيهقي في السنن الكبرى 7/ 79، "غليل"؛ أي: "إرواء الغليل" للألباني.
وهذه من مزايا الموسوعة؛ أنه استوعب -على مدار الزمان- كتب السنة حتى كتب المعاصرين.
أقول: هذا عيب أم ميزة؟
ميزة في مواطن وعيب في مواطن؛ أما كونه ميزة؛ فإنه يأتيني بجهود المعاصرين والمتأخرين على كتب السنة ويأتيني بكلام الأئمة؛ مثل "التلخيص الحبير"، و"نصب الراية"، و"الدراية"... وغيرها من الكتب التي تعتني بنقل كلام النقاد على الأحاديث وهذا الذي يحتاجه طالب العلم في المرحلة الثانية = مرحلة التخريج؛ لأن همّه هو البحث عن التصحيح والتضعيف.
لكن يعاب عليه -كما سنذكر في المآخذ بعد ذلك- أنه يعزو إلى "تفسير القرطبي"؛ فما الفائدة والقرطبي يقول: أخرجه ابن ماجه؛ فهذا عزو لا فائدة من ورائه.
ولنرجع مرة أخرة لبحثنا:
غليل؛ أي: "إرواء الغليل" للشيخ الألباني 6/ 194، ومنصور؛ أي: "سنن سعيد بن منصور" 506، وفتح؛ أي: "فتح الباري" 9/ 132.(1/8)
إتحاف؛ أي: "إتحاف السادة المتقين لشرح إحياء علوم الدين" للزبيدي 5/ 340، مشكاة؛ أي: "مشكاة المصابيح" 4082، كنز؛ أي: "كنز العمال" للمُتقي الهندي 44552، منثور؛ أي: "الدر المنثور" للسيوطي 1/ 257، البغوي؛ أي: "شرح السنة" للبغوي 1/ 220، كحال 2/ 18، 27 ، حلية؛ أي: الحلية لأبي نعيم 8/ 383، ترغيب؛ أي: "الترغيب والترهيب" 3/ 45، مطالب؛ أي: "المطالب العالية" 1570، كثير؛ أي: ابن كثير 1/ 377، قرطبي؛ أي: "تفسير القرطبي"4/ 37، 4/ 16، 347، عر؛ أي: "المغني عن حمل الأسفار" للحافظ العراقي الذي هو تخريج الإحياء 2/ 39، قط؛ أي: الدارقطني 3/ 303.
وإذا احتجت إلى أن أوسع الدائرة أكثر؛ آتى بالموسوعة، ثم أنظر مرة أخرى في ما يُظن أنه مورد لعزو جديد؛ فأنظر –مثلاً- (اظفر بذات الدين) في المجلد الأول صفحة 575 من الموسوعة أعطاني أيضا.
(اظفر بذات الدين): خ البخاري 4/ 117، ومسلم في الرضاعة 53، البيهقي 7/ 79، حم مسند أحمد 2/ 428، كمال " الأحكام النبوية في الصناعة الطبية " للكحال 2/ 31.
ولنذكر فقرة أخرى في الحديث؛ (تربت يداك)؛ فلو أتيت على حرف التاء؛ سأجد -لا محالة- في الموسوعة وعندي حرف التاء فأستطيع أن أرجع إلى المجلد الرابع من الموسوعة وحرف التاء منها؛ تاء مع راء: (تربت يداك) مسلم في الرضاع 4/8، "التمهيد" لابن عبد البر وهذا موضع جديد ويفيد في أشياء كثيرة؛ لأن ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- يسوق في كتابه مذاهب السلف، ويذكر أقوال الصحابة مسندة سواء في "التمهيد" أو في "الاستذكار"؛ فأستفيد فائدة جديد أني أجد كلام الصحابة في المسألة. فذكر "التمهيد" 8/ 336، و"إتحاف السادة المتقين" 10/387.(1/9)
لو أتينا إلى حديث (خلوف فم الصائم...)، مسلم كتاب الصيام باب 30 رقم 161، ترمذي 764، ن كتاب الصيام باب 40، ابن ماجه 1638، إتحاف المجلد الأول 61، فتح المجلد العاشر 369، ترغيب المجلد الثاني 80، غليل المجلد الأول 106، شج أمالي الشجري المجلد الأول 281والمجلد الثاني 31، 39، 92،آمالي الشجري، خط الخطيب المجلد السابع 213.
بحثنا في الموسوعة ممتد ولعلنا -إن شاء الله- نكمل في الحلقة القادمة -إن شاء الله-.
- أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
ماذا تعرف عن موسوعة أطراف الحديث النبوي؟
والسؤال الثاني:
تكلم عن ثلاثة من مزايا الموسوعة بالتفصيل واذكر بعض المآخذ عليها؟
السؤال الثالث:
كيف تخرج الحديث الآتي من موسوعة أطرف الحديث النبوي:
أ- (إياكم وخضراء الدمن. قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الجميلة في المنبت السوء).
ب- (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
جـ_ (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه!! لا تؤذوا المسلمين).(1/10)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الخامس
تفصيل القول في المآخذ على "موسوعة أطراف الحديث النبوي"
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.
في المحاضرة الماضية بدأنا الكلام على "موسوعة أطراف الحديث النبوي" باعتبارها أكبرَ فهرس للأحاديث النبوية، وتكلمنا على طريقة التخريج في هذه الموسوعة، ووضعنا على السبورة بعض النماذج، وتكلمنا على عدة أحاديث.
وقلنا إن الموسوعة تخدم قرابة 150 كتابا من كتب السنة، وهذه الشمولية ليست متوفرة في غيرها -على الإطلاق- من كتب التخريج، أو الاستخراج، أو الفهارس التي بين أيدينا؛ لا المعجم المفهرس، ولا غيره كما سنعلم -إن شاء الله وتعالى- فيما بعد.
والموسوعة كما أنها تتسم بالشمولية وتُخرج منها من حوالي 150 كتابا، فكذلك من فوائدها أنها تُحيل على مصادر السنة مباشرة؛ بمعنى إنك إذا رجعت إلى كتب مثل: "كشف الخفاء" للعجلوني، و"المقاصد الحسنة" السخاوي، و"الجامع الصغير" للسيوطي... وغيرها من الكتب. فهو يرشدك إلى أن هذا الحديث مُخَرّج في هذه الكتب.
أما "الموسوعة"؛ فهي -كما قلت في المحاضرة الماضية- تُعطيك مكان الحديث في المصدر الأصلي؛ يقول -مثلاً النسائي 5/ 120، ابن ماجه حديث رقم 1420 إلى غير ذلك من العزو المباشر إلى كتب السنة. فتوفر عليك مسألة الرجوع إلى الفهارس؛ فترجع إلى موضع الحديث في الكتاب مباشرة، ويبقى عليك أن تعد لنفسك أوراق العمل؛ لتضع كل إسناد في ورقة، أو كل جملة أسانيد في ورقة؛ لتُجريَ بينها المقارنات وتعرف مواطن الالتقاء في الأسانيد، ومواطن التفرد، والتركيز على الرواة المدارات كما سنعرف -إن شاء الله- في المرحلة التالية من مراحل دراستنا؛ لأن من المهمات الوقوفَ على مدار الحديث؛ أي الراوي الذي التقت جميع الطرق عنده؛ فالموسوعة توفر الوقت في هذا الباب توفيرا جيدا.(1/1)
ولكنْ أبى الله إلا أن تكون العصمة لكتابه؛ فلا يوجد كتاب إلا وفيه ميزات كثيرة وفيه بعض الأخطاء. ومن ذلك أن "الموسوعة" تُكرّر العزو في الحديث الواحد أكثر من مرة في الصفحة الواحدة. وسأقرأ مثالي –الآن-، ثم نقوم على السبورة لشرحه وتبيينه.
- المثال الأول:
في أول صفحة من الموسوعة -بعد المقدمة التي شغلت 70 صفحة من الكتاب- حديث هو أول مثال لنا: (آئبون -إن شاء الله- تائبون) عب؛ أي: عبد الرزاق 9243، وبعدها (آئبون تائبون) أصبهان، وبعده (آئبون تائبون -إن شاء الله- عابدون)، وبعده (آئبون تائبون عابدون حامدون)، وبعده (آئبون تائبون حامدون)، وبعده (آئبون تائبون عابدون -إن شاء الله- لربنا حامدون)، وبعده (آئبون تائبون عابدون ساجدون)، وذكر بعدها خمسة مواضع كما ترونه في أول صفحة.
لماذا التكرار والحديث واحد؟
هو حديث العودة من السفر؛ فإذا رجع الإنسان إلى بيته؛ قال: (آيبون تائبون عابدون حامدون لربنا ساجدون)، وفي حديث آخر في سنن أبي داود: (توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر علينا حوبا)، هذا حديث جاء: (آئبون -إن شاء الله- تائبون)، (آئبون تائبون)؛ فسواء قدّم أو أخر، ذكر (لربنا حامدون) أو لم يذكر؛ فهذا –كله- حديث واحد؛ فما المانع لمن أراد أن يختصر هذا الجهد أن يضع مرة واحدة ويذكر جميع العزو تحته بدلا من تكرار الحديث في أحد عشر موضعا، وهذا ما سنراه الآن على السبورة -إن شاء الله-.
هذا من الأخطاء التي وقعت فيها الموسوعة ويمكن لطالب العلم أن يستدرك، ويجتهد في توفير الجهد، والطاقة، والأوراق على نفسه؛ فيذكر الحديث مرة واحدة ويذكر تحت هذا الحديث جميع مواطن العزو الواردة مع حذف المكررات؛ فأقول:(1/2)
عب: عبد الرزاق 9242، أصفهان: تاريخ أصفهان 2/367، سني: "عمل اليوم والليلة"، ش: "مصنف بن أبي شيبة" 12/ 520، هق: البيهقي في السنن 259، طب: الطبراني في الكبير 12/ 369، وذكر في الموضع السادس سنن البيهقي مرة أخرى وهذا تكرار، ثم ذكر عبد الرزاق مرة ثانية 9240 وذاك 9242؛ فهذا موضع إضافي، سعد: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/1/ 57، و8/89، ش: ابن أبي شيبة 12/ 519؛ فهذا موضع آخر لابن أبي شيبة، ثم ذكر بعد ذلك سني: "عمل اليوم والليلة" لابن السني صفحة 525، 520؛
فذكر الحديث 11 مرة وفي كل مرة يذكر العزو إلى كتاب، أو كتابين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة. فلماذا أذكر الحديث 11 مرة بينما من الممكن أن أذكره مرة واحدة. ففي مسألة متون الأحاديث لابد لي من النظر في المصادر الأصلية، وأميز بين رواية ابن السني، ورواية تاريخ أصفهان، ورواية عبد الرزاق، ورواية ابن سعد في الطبقات، ورواية ابن أبي شيبة، ورواية الطبراني. وأنا مهمتي في المتون هي النظر في الألفاظ؛ فلان رواه بلفظ كذا، وفلان رواه بلفظ كذا.
فهذا هو المأخذ الأول من مآخذ الموسوعة أنه يكرر الحديث بألفاظه وفي كل مرة يأتي بعزو، أو اثنين، أو ثلاثة.
- المثال الثاني:(1/3)
حديث: (المختلعات هن المنافقات)، وتجده في: (إن المختلعات هن المنافقات)؛ فذكره مرة في: (إن المختلعات...)، ومرة في: (المختلعات هن...) المحلى بـ"أل"؛ فكان تخريج الحديث في موضع واحد هو الأولى من التكرار، والعزو في أكثر من مكان ولا يكاد يوجد حديث في الموسوعة إلا وقطّعه في خمسة أو ستة مواضع؛ فمن أراد أن يستفيد فلابد -قبل الدخول على المصادر الأصلية- أن يُسمك بالموسوعة ويقرأ مظان الحديث في جميع الأجزاء التي يمكن أن يكون الحديث موجودا فيها؛ فتقرأ الحديث، وتقطعه على فقرات، وتقرأ، وتُسجل العزو في أوراقك، وبعد أن تنتهي من البحث في الموسوعة في خمسة مواضع، أو ستة مواضع ترجع للكتب الأصلية. فتوفيرا للجهد وتوفيرا للطالب على نفسه هذا الوقت الطويل وخاصة لأن العزو يتكرر أحيانا في مواضع هي هي.(1/4)
ومن المآخذ التي أشرت إليها في المحاضرة الماضية أنه لابد للطالب وهو يبحث أن يعرف حاجته؛ بمعنى أني الآن أبحث عن أسانيد؛ فما فائدة الرجوع إلى كتب لا أسانيد لها؛ ككتاب "الأذكار" للنووي، و"رياض الصالحين"، و"تفسير القرطبي"، وتفسير "الدر المنثور" للسيوطي؛ فلو أتينا –مثلاً- لصفحة 16 إلى 21 المذكور بها رموز الموسوعة؛ ستجده يعزو إلى 150 كتابا ومن الممكن أن نستغني عن 40 كتابا منها؛ مثل: "الإتحافات السنية"، و"عقد الدرر بأخبار المنتظر"، و"الأذكار" للنووي، و"الأذكياء" لابن الجوزي، و"الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة" لملا علي القاري، و"الاستذكار" لابن عبد البر، و"طبقات علماء إفريقيا" لأبي العرب، و"الانتقاء في مناقب الأئمة الثلاثة الفقهاء" لابن عبد البر، و"تجريد التمهيد" لابن عبد البر، و"جامع التحصيل" للعلائي، و"تذكرة الموضوعات" للفتني، و"الترغيب والترهيب" للمنذري، و"تغليق التعليق" للحافظ ابن حجر العسقلاني، و"تلبيس إبليس" لابن الجوزي، و"تنزيه الشريعة" لابن عراق، وكتب السيوطي؛ مثل: "جامع الجوامع"، و"الحاوي للفتاوي"، و"الحبائك في أخبار الملائك"، و"مسند الربيع بن حبيب"، و"الفتاوى الحديثية" لابن حجر الهيثمي، و"الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، و"إصلاح خطإ المحدثين" للخطابي، و"تحذير الخواص من أحاديث القصاص" للسيوطي، و"فهرسة ابن خير"، و"الطب النبوي" لابن القيم، و"رياض الصالحين"، و"شرح السنة" للبغوي، و"بدائع المنن" للساعاتي، و"تبيين العجب بما ورد في شهر رجب" للحافظ ابن حجر، ، و"تذكرة الموضوعات" لابن القيصراني، و"تفسير ابن كثير"، و"الأحكام النبوية في الصناعة الطبية" للكحال، و"تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر" لابن بدران، و"لسان الميزان" للحافظ ابن حجر، و"مختصر العلو للذهبي" للألباني، و"منحة المعبود" للساعاتي، و"مناهل الصفا"، و"أسباب النزول" للواحدي؛ فهذه الكتب لا حاجة إليها عند التخريج من الموسوعة(1/5)
فتحذف توفيرا للجهد بلا طائل من ورائه. فهذه المسألة الثانية وهي حذف العزو للمصادر الفرعية التي لم تنص على أسانيد أو على كلام لأهل العلم.
وقد يقول قائل: أنت ذكرت كتب الألباني –كلها- وهو معاصر وجميع كتبه لم تَحْذف شيئا منها؛ فما الداعي لـ: "إرواء الغليل"، و"التوسل"، و"آداب الزفاف"... وغيرها؟!
الجواب: لأن الشيخ ينقل كلام أهل العلم النقاد على الأحاديث صحة وضعفا؛ فطالب العلم في أمَسِّ الحاجة إلى هذه الفائدة، وخاصة أن الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- كان واقفا على تراث الأمة كله في المكتبة الظاهرية -مكتبة الأسد حاليا-، ووقف على مخطوطات لم يقف عليها غيره. والشيخ –رحمه الله تعالى- في كتبه؛ كالإرواء والسلسلة الصحيحة، والسلسلة الضعيفة كثيرًا ما يُخرّج من هذه الكتب المخطوطة. فطلبة العلم في الوقت الحاضر استفادوا كثيرًا من إحالات الشيخ على مخطوطات ما سمعوا بها من آبائهم الأولين؛ فهذه فوائد تعدمها في غيرها من الكتب.
وكذلك "نصب الراية"، و"التلخيص الحبير"، وغيرها من الكتب التي تنص على كلام أهل العلم النقاد في الحكم على الأحاديث صحة وضعفا مع كتب المعاصرين التي تخدم في هذا الباب؛ ككتب الشيخ الألباني أبقيناها في البحث لمهمة عظيمة وهي كلام أهل النقل على الأحاديث صحة وضعفا وهذه مسألة تعتبر الباب الأعظم في مهمتنا وهي الكلام على الأحاديث صحة وضعفا.
وهذا الكلام ليس معناه هدمَ الموسوعة، ولا إهدارَ قيمتها، وإنما نريد لمن أراد خدمة الحديث النبوي أن يصنع هذا الصنيع؛ حذف المكررات، وجمع العزو للحديث في موضع واحد، وحذف المصادر الفرعية التي لا تذكر الأسانيد، ولا تذكر كلام أهل العلم النقاد.
سؤال:
ألا يمكن أن يكون تقطيع الحديث في أكثر من موضع تمّ عن طريق أن الشيخ أخذه عن طريق البحث في موضوعات الحديث وليس أول لفظ من الحديث فقط؟
الجواب:(1/6)
الشيخ -عند العمل في هذه الموسوعة- كان يفرغ فهارس الكتب في بطاقات، ويوزع كل جملة أحاديث في أماكنها؛ فحصل هذا التكرار. لكن أقول إن هذا قد يكون مثمرا في بعض المواضع؛ لكن -كما قلت- هذا الكم الهائل من المجلدات والأمر الآخر أن الطالب ليس في كل وقت بهذا النشاط، وقد يفوته بعض توقعات وجود الحديث، وهذا حدث كثيرًا جدًّا أن تتوقع أن الحديث يكون في مواضع معينة، وتجد عزوه لموضع واحد، أو موضعين لكتب فرعية ليس فيها أسانيد، وأنت لم تجتهد مع أن الحديث موجود في مواضع أخرى العزو إلى خمسة عشر موضعا كلها من الأسانيد العالية، ومن الكتب المصنفة في مراحل التدوين. فهي كانت مفهرسة، ووُضعت بهذا الشكل؛ فلابد من إعادة النظر كنوع من أنواع الخدمة لحديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
بهذا نكون قد انتهينا من الطريقة الأولى من طرق الاستخراج، وهي تخريج الحديث بناء على أول لفظة فيه؛ فدرسنا كتاب "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" للإمام السيوطي، وثَنَّيْنا بالأحاديث المشهورة على الألسنة؛ مثل "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"، و"المقاصد الحسنة" للسخاوي، ثم قلنا إن الفهارس التي تخدم الكتب كثيرة جدًّا؛ فمثلا الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي وحده -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- رجل خدم السنة خدمة عظيمة، وله مِنَّةٌ في أعناق المشتغلين بالحديث النبوي، ولا يوجد كتاب من كتب السنة إلا وفهرسها؛ مثل: صحيح مسلم، و سنن ابن ماجه، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود.. وغيرها.
بارك الله فيكم فضيلة بالنسبة لأسئلة الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
ماذا تعرف عن "موسوعة أطراف الحديث النبوي"؟(1/7)
وكانت الإجابة: "موسوعة أطراف الحديث النبوي" موسوعة تخدم مائة وخمسين كتابا من السنة، فيها رموز للكتب المستخدمة مرتبة على ترتيب المعجم، وتستعمل نفس الرموز المستعملة في المعجم المفهرس. وواضع حجر الأساس لهذه الموسوعة الشيخ حامد مصطفى وتقع في 11 مجلدا كل مجلد عليه الحرف الذي يدل على الأحاديث المتبدأة بهذا الحرف إلى حرف آخر؛ مثلاً: المجلد الأول عليه حرف الألف إذن فيه أحاديث من حرف الألف وهكذا بالنسبة للـ11 مجلدا.
والسؤال الثاني: تكلم عن ثلاث من مزايا الموسوعة بالتفصيل، واذكر بعض المآخذ عليها.
وكانت الإجابة: تتميز الموسوعة بالشمولية؛ لأنها تستوعب جل الأحاديث النبوية ومن مميزاتها كذلك أنها تقطع الأحاديث إلى أكثر من موضع. والأخ لم يذكر المآخذ
كان الإشارة سريعة للعيوب في المحاضرة الماضية طبعا إن مسألة ذكر عيوب الكتب ليس معناها نقدَ أحدٍ، وإنما مجرد نصيحة لطالب العلم ومحاولة لاستدراك وخروج بالشيء إلى أحسن صورة فيه -إن شاء الله-.
السؤال الثالث: كيف نخرج الحديث في موسوعة أطراف الحديث النبوي؟
تقريبا فضيلتك يعني ذكرت ثلاثة أحاديث فلم يخرج الأخ إلا حديثا واحدا. ولعلهم لا يملكون الموسوعة لكن الأخ خرج حديث: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، قال المجلد الخامس 6370 حم وق ود وت عن ابن عمر صح
هو خرجه من الجامع الصغير. لا حرج -إن شاء الله- لعله معذور في عدم وجود الموسوعة تحت يده.
أسئلة المحاضرة:
السؤال الأول:
فصّل القول في المآخذ على "موسوعة أطراف الأحاديث النبوية" بمثال عملي مما تختاره أنت.
السؤال الثاني:
إلى أي الكتب تشير الرموز الآتية؟
طخ، خفا، عر، فق، مد
السؤال الثالث:
بناء على ما درست في التخريج على أول لفظة في الحديث استخرج النصوص الآتية:
- (رب أشعث أغبر ذي تمرين لو أقسم على الله لأبره).
- (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب).
- (أفعمياوان أنتما؟! ألستما تبصرانه؟!).(1/8)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس السابع عشر
دراسة الأسانيد
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهينا في المحاضرات السابقة من الكلام على طرق الاستخراج الخمسة، وكان قد بقي لنا بعض التتمات التي لم يُسعفنا الوقت في استدراكها، وهي التخريج عن طريق استخدام الحاسب الآلي لكن لعل هذا في وقت لاحق -إن شاء الله تعالى-.
ولضيق الوقت سنبدأ في أول هذه الحلقات في الكلام على دراسة الأسانيد، الأسانيد باعتبارها المكملة والمتممة لهذا الطرح. فدراسة الأسانيد لا أقول: لا تَقِلُّ قيمةً بل هي العامود الفقري أو الأساس في الحكم على الحديث فإنك أيها الطالب بعد أن تستخرج الحديث من مواطنه من الكتب الأصلية؛ فإنك ترجع إلى الكتاب الأصلي وتسجل في مدونتك في كراستك في الكروت التي تعمل فيها تسجل أسانيد هذه الأحاديث بمتونها.
أنت استخرجت يعني جمعت من الموارد الحديث الذي تريد البحث فيه فبعد أن وضعت الحديث أمامك كل حديث من الكتاب بطريق مستقل قد يشتركون في بعض الطرق وقد لا يشتركون، لكن أمامك حديث مخرج من خمسة كتب أو عشرة كتب أو تقل أو تكثر؛ فما هي المرحلة التالية بعد أن استخرجت الحديث من الكتاب الأصلي؟
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما؛ فإنه محكوم بصحته عند عامة أهل العلم، وإذا كان الحديث المخرج من صحيح ابن خزيمة أو من صحيح ابن حبان؛ فإنهم شرطوا الصحة فلا يخرجون إلا الصحيح مع تفاوت في مقدار هذه الصحة قلةً وكثرةً. والترمذي -رحمه الله تعالى- لا يترك حديثا في الغالب إلا ويُعقب عليه بحكم؛ صحةً أو حسنًا أو ضعفًا أو تعارضًا في الوصل والإرسال أو الرفع والوقف إلى غير ذلك مما تراه في كل صفحة من صفحات سنن الترمذي.(1/1)
فمن هذه الكتب تستطيع أن تحكم على الحديث: الصحيحان، صحيح ابن حبان، صحيح ابن خزيمة، مستدرك الحاكم، سنن الترمذي. لكن إذا كان الحديث في غير هذه الكتب ولم يصرح الإمام المصنف صاحب الكتاب بمنهج مسند أحمد مثلاً تستخرج منه وأنت لا تدري هذا الحديث صحيح أم ضعيف أنت لا تدري تخرج الحديث من سنن أبي داود تخرج الحديث من سنن النسائي من مسند أبي يعلى. ما درجة هذا الحديث من حيث الاحتجاج ومن حيث العمل؟ فلن تستطيع الوصول إلى الحكم على الحديث إلا بدراسة إسناده وهذا الذي نريد أن نلقي عليه الضوء الآن كيف أستطيع الوصول إلى الحكم على الإسناد الذي هو طريق مُوصِل إلى المتن؟ الطريق الموصل إلى المتن هو الإسناد هذا الإسناد لا بد له من حكم وهذا الإسناد مركب على الحدِّ الأدنى جدًا ثلاثة رواة في الثُّلاثيات وهذا نادر وقليل، ثلاثة عشر حديثا في البخاري كله، الرباعيات كثيرة خماسيات يعني عدد رواة الإسناد الموصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يكون خمسة رجال بالصَّحابي أو خمسة غير الصحابي يقل أو يكثر.
هؤلاء الرواة مُدَوَّنون في مُصنفات أهل العلمِ كُلّ راوٍ في كتب السنة الأصلية إلى عصر التدوين القرن الثالث لا يوجد راوٍ إلا وله حكاية وكلام أهل العلم عليه؛ هل هو مقبول أم مردود؟ صحيحٌ حديثُه أم ضعيف؟ اعتراضات الأئمة عليه قد يكون ثقة وعنده بعض الأخطاء يُبَيِّنُون هذه الأخطاء. فلا يوجد رجل من رجال هذا الإسناد إلا وللعلماء عليه كلام وسيرته مدونة في أكثر من كتاب من كتب الرجال التي سنتعرض عليها في محاضرتنا.(1/2)
ولذلك كان هذا العلم وهو علم الأسانيد منقبةً ومفخرةً عظيمةً وشرفًا عظيمًا لهذه الأمة؛ لأن أنبياء الأمم السابقة حصل انفصالٌ تاريخيٌّ بين الأنبياءِ وبين أتباعهم فتجد بين عيسى -عليه السلام- وبين الروايات التي تُحكى مئات السنين. أما نحن بفضل الله -سبحانه وتعالى- من مفخرة هذا الأمة وهذه يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء كلمة المستشرق اليهودي المجري "مارجليوث": "ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم".
وكان للسلف من التابعين لَمَّا وقعت الفتن وحصلت المعارك في "صفين" و"الجمل" وغير ذلك من الفتن وظهرت البدع تطل بقرونها على الأمة من تشيع وخوارج ونواصب وغير ذلك؛ قالوا: "سموا لنا رجالكم" فلا يقبلون من أحد قولا إلا بتسمية عمن يروي، و"لولا الإسناد؛ لقال من شاء ما شاء". إنما مَنْ يروي حديثا أو ينقل خبرا يقول له: عَمَّنْ سمعت؟ فإن قال: عن فلان؛ يُنْظَرُ هل بينه وبين فلان إمكانية لقاء أم لا يمكن أن يلتقيا؟ وإن لم يذكر إسنادا؛ فكلامه مطروح لا يقبل. ولذلك كان هذا العلم = علم الإسناد هو الذي حفظ على الأمة دينها؛ لأنه لا يمكن حفظ السنة إلا من خلال حفظ الأسانيد، ولا يمكن فهم القرآن إلا بالسنة. فهذا هو الأصل العظيم الذي مَنَّ الله –تعالى- به على هذه الأمة، ولما كثر الكذابون في زمن ابن المبارك؛ قيل له هذه الأحاديث الموضوعة؟! قال: "تعيش لها الجهابذة"، ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر: 9].
فمِنْ مِنَّةِ الله على هذه الأمة بقاءُ هذا العلم يُدَرَّسُ ويُتَلَقَّى ويجب أن تَتَضَافَر الجهود وتُشْحَذُ الهممُ لإشاعة هذا العلم الشريف بين عوامِّ الأمة لا أقول بين خواصها؛ لأنه من أعظم أسباب حفظ الدين ومن أعظم حفظ الروايات علم الأسانيد.(1/3)
الكتاب هنا ذكر تمهيدا في بيان المقصود من دراسة الأسانيد هذا الكلام الذي ذكرته وأن الحديث ينقسم إلى سند وإلى متن. السند هو: الطريق الموصل، والمتن هو: كلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-. وعرف المتن لغةً واصطلاحًا، وهذا كلام نظريٌّ تقرؤونه ثم ما يحتاج إليه من علم الجرح والتعديل وتراجم الرواة سنتكلم على الراوي. هذا الراوي ما هي الضوابط لقبول روايته؟ هذا الراوي الذي نريد أن ندرس سيرته، وأن نتعرف على موطنه من الصحة والضعف أو القوة أو غير ذلك ما هي الضوابط والأصول التي سنتعملها في الحكم على الرواة؟ وكيف نعرف عدالة الراوي؟ كيف نعرف ضبطها؟ بما تثبت العدالة؟ بما يثبت الضبط؟ هل يقدم الجرح على التعديل أم يُقدم التعديل على الجرح؟ هل يُكتفى بقول واحد في الجرح والتعديل أم لا يكتفى بقول واحد كما في الشهادة لا بد من اشتراط اثنين في الشهادة؟
هذا الذي نريد أن نقرأه اليوم ثم نأخذ مراتب الجرح والتعديل وهذه تُعتبر مقدماتٍ لدراسة الأسانيد تكون في ذهن الطالب كقواعدَ أساسية نستصحبها عند الحكم على الرواة فنقرأ هذه المقدمة.
نأخذ شروط قبول الراوي في صفحة 140.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
- شروط قبول الراوي:
أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يُشترط فيمن يحتج بروايته شرطان أساسيان: هما:
أولا: العدالة.
ويعنون بها أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق سليما من خوارم المروءة.
ثانيا: الضبط.
ويعنون به أن يكون الراوي غير سيء الحفظ ولا فاحش الغلط ولا مخالفا للثقات ولا كثير الأوهام ولا مغفلا.)
هذان السطران من الممكن أن نقضي فيهما حلقة اليوم. لكن أنا أعرف ضيق الوقت والكلام الباقي كثير؛ فنشير مجرد إشارة سريعة؛ لأن هذه أصول للتعامل مع الرواة الموجودين في الكتب.
الراوي لكي يُقبل حديثه لا بد أن يكون عدلا ضابطا. ما هي العدالة؟(1/4)
العدالة: هي ملكة تعين صاحبها على فعل المأمورات واجتناب المنهيَّات واجتناب خوارم المروءة. لكي يكون الراوي عدلا لا بد أن يكون فاعلا للمأمورات مجتنبا للمنهيات سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
تقول لي: أتريد راويا معصوما من الخطإ؟!
أقول: لا، ولكنَّ الميزانَ عند أهلِ العلمِ من غلبت حسناته على سيئاته ولا يكون مُصِرًّا على ذنب. فمن غلبت حسناته على سيئاته؛ فهو المقبول فالراوي يُشْتَرَطُ فيه أن يكون عدلا عدلا؛ أي مسلما. بالغا في الأداء وليس في التَحَمُّلِ؛ لأنه يجوز تحمل الصغير كما قلت قبل ذلك إن ابن داسة سمع سنن أبي داود وعنده خمس سنوات، والسيوطي أبوه أحضره مجلس الحافظ ابن حجر وله ثلاث سنوات، والراجح في قول أهل العلم أنه يصح تحمل الصغير؛ ابن خمس سنوات يتحمل.
واستدلوا على ذلك بحديث محمود بن الربيع؛ قال: "عقلت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً مَجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو". فيشترط في الراوي الإسلامُ والبلوغُ. والبلوغ للأداء؛ أي لا يؤدي إلا إذا بلغ. أما التحمل؛ فيجوز إذا تحمل الصغير مسلما بالغا عاقلا وهذا أساسٌ لضبط المرويات. سالما من أسباب الفسق وخورام المروءة.
أسباب الفسق كثيرة لا تنحصر، كُلُّ ما يفسق وتُطرح به شهادة المرء؛ فهذا من باب أولى أن لا تقبل روايته. تنخرم العدالة بعدة أشياء يعني الأسباب التي بسببها لا يكون الراوي عدلا أنه يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون كذابا، أو يكون متهما بالكذب، قالوا: يكذب في حديث الناس وإن لم يكذب في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-. يكون كذابا متهما بالكذب.
مبتدعا: على تفصيل بين أهل العلم في حال البدعة هل هي مكفرة أم غير مكفرة؟ وهل هو داعية إلى البدعة أم لا؟
إذن الكذب، والتهمة بالكذب، والبدعة والفسق والجهالة.
الجهالة ما معناها؟
أي أن الراوي لا يروي عنه إلا واحد؛ فهذه جهالة عين، وهذه مسألة سنعرفها الآن.(1/5)
إذن تنخرم عدالة الراوي بواحد من خمسة أشياء: أن يكون كذابا أو متهما بالكذب أو فاسقا أو مجهولا أو مبتدعا. واضح هذا الكلام؟
إذن عرفنا العدالة؛ تعريفها ومعناها: أن الراوي يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق، وخوارم المروءة.
وقلنا: تطرح عدالة الراوي بارتكاب واحد من خمسة أشياء مع تفاوت في هذه الخوارم = خوارم العدالة؛ لأن مثلاً من كان مجهولا ليس كمن يكذب، ومن كان مثلاً مبتدعا في بدعة هو غير داعية لها ليس كمن يُتَّهم بالكذب في حديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أو ثبت كذبه في كلام الناس هذا فيما يتعلق بالعدالة والكلام في ذلك يطول جدًا.
أما الضبط؛ فيكون الراوي –كما قال هنا- غير سيئِ الحفظ ولا فاحش الغلط ولا مخالفًا للثقات ولا كثير الأوهام ولا مغفلا.
فباختصار نكتب بيانا:
هذا الضبط وهم يقولون: الضبط ضبطان: ضبط صدر، وضبط كتاب.
صدر: أي يحفظ بحيث إذا طُلب منه الأداء؛ يكون حاضرا. هذا ضبط الصدر.
ضبط الكتاب: أن يكون معتمدا على كتابه في الرواية فيصون كتابه من أن يدخل فيه ما ليس منه. ويستحضر كتابه ويفتحه وكان مالك -رحمه الله تعالى- لا يروي إلا من الكتاب، وكان الطلبة يقرؤون عليه ويعرضون عليه الموطأ . هذا فيما يتعلق بالضبط.
الراوي إذا كان تامَّ الضبط؛ فهذا حديثه حديثٌ صحيح. وإذا كان الراوي خفيف الضبط؛ أي وسطا في ضبطه، خفيف الضبط؛ فهذا حديثه حديث حسن، ويعبر عنه بالحديث الحسن.
ما هي أسباب انعدام الضبط؟
ما الذي يجعل الراوي غيرَ ضابطٍ؟
هي خمسة أسباب:
1- فحش الغلط؛ أي كثير الغلط.
2- سوء الحفظ.
3- الوهم.
4- الغفلة.
5- المخالفة للثقات.
نأتي على المخالفة للثقات ينشأ عنها من أسباب الضعف خمسة أشياء؛ أي ما الذي يجعل الراوي يُحكم عليه بأنه مخالف للثقات؟
1- إما التصحيف والتحريف.
2- المزيد في متصل الأسانيد.
3- المدرج.
4- المضطرب.
5- المقلوب.(1/6)
يعني ينشأ من كون الراوي مخالفا للثقات خمسة أنواع من أنواع الأحاديث الضعيفة، وهي الأحاديث المصحفة والمحرفة وفيها كتب مصنفة أحسنها كتاب أبي أحمد العسكري، والمزيد في متصل الأسانيد، وللخطيب البغدادي فيها كتاب والمدرج وله فيها أيضا كتاب في مجلدين اسمه "الفصل للوصل المدرج في النقل" للخطيب البغدادي، والمضطرب وله أيضا فيه كتاب للحافظ ابن حجر. والمقلوب هذه أنواع الأحاديث الضعيفة التي تنشأ من مخالفة الراوي للثقات.
فأنا يُشترط عندي في الراوي أن يكون فيه وصفان أساسيان لقبول روايته: أن يكون عدلا، وأن يكون ضابطا.
عدل؛ أي مسلم بالغ عاقل سالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
والضبط؛ أي أن لا يكون فاحش الغلط أو سيء الحفظ، وأن لا يكون عنده وهم أو غفلة، وأن لا يكون مخالفا للثقات.
هذه إشارة سريعة وإن كان الكلام في ذلك مما يطول جدًا. لكن مجرد تصوير عام للمسألة.
(بم تثبت العدالة؟
تثبت العدالة بأحد أمرين:
الأول: إما بتنصيص مُعَدِّلَيْن عليها..)؛ أي الأئمة الذين يعدلون اسم فاعل.
(أي أن ينص علماءُ الجرحِ والتعديلِ أو أحدهم عليها في كتب الجرح والتعديل.
ثانيا: أو بالاستفاضة والشهرة؛ أي باستفاضة عدالة الرواة واشتهارهم بالصدق واستقامة الأمر، ونباهة الذكر؛ مثل: مالك بن أنس، والسُّفْيَانَيْن، والأوزاعي، والليث بن سعد.. وغيرهم. فهؤلاء وأمثالهم لا يُحتاج تعديلُهم إلى سؤال أئمة الجرح والتعديل عنهم.)
إذن عندنا الراوي لكي يكون عدلا كيف نثبت عدالته؟(1/7)
قالوا: تثبت عدالة الراوي بأن يَنُصُّ اثنان من أهل هذا الشأن من أئمة الجرح والتعديل على أن هذا الراوي عدل، أو أن يكون للراوي من الشهرة والاستفاضة بين أهل العلم، والثقل ما يُغني عن السؤال عنه. لَمَّا يُسأل الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان، أو يُسأل يحيى القطان عن الإمام أحمد باعتبار أن يحيى شيخ والإمام أحمد من تلامذته أو من تلاميذ تلاميذه. فإذا سئل مثلاً عن أحمد؛ يقول: أحمد يسأل عنه؟! أبو عبيدة يسأل عنه؟! مالك يسأل عنه؟!
هؤلاء يُسألون عن الناس فيكون عند الراوي من الشهرة والاستفاضة ما يُغني عن السؤال عنهم.
إذن تثبت العدالة بتنصيص اثنيْن من أئمة الجرح والتعديل على أن هذا الراوي عدلٌ أو باستفاضة الراوي وشهرته بحيث لا يحتاج إلى السؤال عنه.
(مذهب ابن عبد البر في ثبوت العدالة:
رأيُ ابنِ عبد البر حافظِ المغرب أن كلَّ حاملِ علمٍ معروف العناية به محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه، ولا نحتاج إلى أن نسأل عن عدالته، واحتج بحديث: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)، وقوله هذا غير مَرْضيٍّ عند العلماء؛ لأن الحديث لم يصحَّ، وعلى فرض صحته فيكون معناه ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، بدليل أنه يوجد من يحمل هذا العلم وهو غير عدل لا سيما في هذه الأزمان.)
يقول: هذا مذهب تفرد به الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن كل واحد حامل علم معروف العناية به؛ فهو عدل والعلماء، والعلماء لم يرتضوا هذا منه.
قال العراقي -رحمه الله تعالى- في الألفية: "
ولابن عبد البر كل من عنى بحمله العلم ولم يوهن
فإنه عدل بقول المصطفى يحمل هذا العلم لكن خولف"
يعني كل واحد منسوب للعلم حامل له معروف العناية به؛ فهو عدل بدليل هذا الحديث، لكن الحديث ضعيف وجماهير أهل العلم على خلاف هذا القول.
إذن استقر عندنا أنه تثبت عدالة الراوي بواحد من أمرين:(1/8)
أنه ينص اثنان من أئمة الجرح والتعديل على عدالته. أو يكون لديه من رصيد الثقة عند طلبة العلم ما يُغني عن السؤال عنه.
(كيف يُعرف ضبط الراوي؟
يعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات المتقنين في الرواية. فإن وافقهم في روايته؛ فهو ضابط، ولا تضر مخالفته النادرة لهم. فإذا كثرت مخالفته لهم؛ اختل ضبطه، ولم يُحتجَّ به.)
كيف أعرف ضبط الراوي؟
ما هو الطريق المميز لأقول هذا ضابط وهذا غير ضابط هذا يخطئ كثيرًا وهذا يخطئ قليلا أو هذا لا يخطئ أو هذا فاحش الغلط أو واهم أو غير ذلك من أسباب انعدام الضبط؟
يؤتى على هذا الراوي، وننظر في مروياته له كم رواية؟ سبعمائة رواية، خمسمائة رواية، مائة رواية، يؤخذ عيناتٌ من مرويات هذا الراوي وتعرض على مرويات الثقات؛ لأن هذا الذي رواه غيره من الثقات رواه، فنأتي على مرويات هذا الراوي وتعرض على مرويات غيره من الكبار، فإن وافق الكبار في روايتهم؛ فهو حافظ، وإن خالفهم؛ يُنظر في مقدار المخالفة؛ هل هذه المخالفة مما يُتغاضى عنه؟ لأن الثقات مراتب. الطالب قد يأتي مثلاً في الامتحان في آخر العام بمائة درجة من مائة؛ فهذا في الدرجة العليا من الضبط والإتقان. ماذا لو أتى بتسعين في المائة؟ هذا تقديره امتياز أيضا. الذي تقديره مائة من مائة امتياز والذي تقديره تسعين من مائة امتياز.
لكن هل بينهما قدر من التفاوت أم ليس بينهما قدر من التفاوت والذي حصل على تسعين من مائة مقبول أم غير مقبول؟
هذا مقبول.
فالثقات يتفاوتون، فتعرض مرويات الراوي على مرويات الثقات، فإن وافقتها؛ فهو حافظ، وإن لم توافقها؛ يُنظر في مقدار الموافقة والمخالفة: إن كثرت المخالفة؛ فإذن هذا غير ضابط.(1/9)
والمخالفة القليلة مما يُحتمل للراوي. وعندنا إلى النصف يعني إذا كان الراوي يحفظ إلى خمسين في المائة إلى أقل من خمسين بقليل ينجح بدرجات الرأفة. فهذا مما يقبل من الراوي مع تفاوت أيضا في درجات القبول: قد يكون مقبول الرواية، وقد يكون صدوقا؛ أي وسطا، وقد يكون ثقة، وقد يكون ثقة ثَبْتًا كما سنعرف من المراتب الجرح والتعديل.
(هل يقبل الجرح والتعديل من غير بيان الأسباب؟
أما التعديل؛ فيقبل من غير بيان سببه على المذهب الصحيح المشهور؛ لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها؛ إذ يحتاج المعدل أن يقول مثلاً: لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، أو يقول: هو يفعل كذا ويفعل كذا، فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جدًا.
وأما الجرح؛ فلا يُقبل إلا مفسرا مُبَيَّنَ السببِ؛ لأنه لا يصعب ذكر سببه، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح. فقد يُجرِح أحدُهم بما ليس بجارح.)
قيل لشعبة: لم تركت حديث فلان؟
قال: رأيته يركض على برذون.
البرذون هو جيد الخيل. فالبرذون يعتبر من أرقاها وأقواها، فيركض الفرس إذا مشى؛ رقص به. فهل ركوب البرذون الذي يركض أو الذي يرقص وهو يمشي أو يتبختر في مشيته سبب من أسباب جرح الراوي؟!
هذا ليس بسبب من أسباب جرح الراوي.
أو يقال مثلاً لناقض: لم تركت حديث فلان؟!
قال: مررت ببيته فسمعت صوت طنبور؛ أي أحد آلات الموسيقى.
قد يكون من بيت الجيران، قد يكون الفاعل له مثلاً ليس في بيته.
فلا بد أن لا يقبل جرح الجارح في الراوي إلا مُفَسَّرًا. وأما التعديل؛ فيقبل التعديل مجملا؛ لأنه محتاج إلى أن يقول: هو يصلي الصلوات الخمس في جماعة، وهو يزكي ماله، وهو يحج عند القدرة، وهو حافظ للسانه، محافظ على عورات جيرانه ونحو ذلك. فيظل يذكر أسباب العدالة ويقول هو ليس بكاذب، ليس بغشاش فيذكر أسباب نفي العدالة، وهذا مما يطول فقالوا: يُكتفى في ذكر العدالة على وجه الإجمال لكن لا يُقبل الجرحُ إلا مفسرا.
لماذا؟(1/10)
لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح؛ فما تراه أنت جارحا هو ليس بجارح عندي. فالناس يختلفون في هذا، ولكن عندهم ضوابط عامة. هناك أسباب عامة للجرح متفق عليها بين أهل العلم؛ فلذلك قالوا: يقبل التعديل بدون ذكر أسبابه، وأما الجرح؛ فلا بد من بيان ذكر السبب.
(قال ابن الصلاح: وهذا ظاهر مُقَرَّرٌ في الفقه وأصوله، وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده؛ مثل: البخاري ومسلم وغيرهما، ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم؛ كعكرمة مولى ابن عباس -رضي الله عنهما-، وكإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق وغيرهم، واحتجَّ مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم، وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دالٌّ على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه. )
هذا الكلام كلام عام مجمل، ووضع طريقة البخاري في انتقاء بجوار طريقة مسلم بينهما بون شاسع فالبخاري -رحمه الله تعالى- وإن خَرَّج لعكرمة مولى ابن عباس ولإسماعيل بن أبي أويس وعاصم وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن ثبت الجرح فيهم؛ فالبخاري -رحمه الله تعالى- ينتقي من صحيح مروياتهم كما بينا قبل ذلك، وأما سويد؛ فسويد لا يُنتقى من مروياته؛ لأن سويدا ضعيف عند الجمهور، وابن معين شديد الرأي فيه؛ قال: كذاب، لو كان لي فرس ورمح؛ لغزوته.(1/11)
ولكن لما عاب أبو حاتم الرازي على مسلم إخراجَ حديثِ سويد بن سعيد وجماعة في مثل درجته؛ احتج مسلم بشيء مقبول، وهو أن هذه الأحاديث التي رواها عن سويد بن سعيد وغيره هي عنده لكن بنزول؛ أي هي ثبتت صحتها من طريق إثبات الثقات عند مسلم، وإنما خرجها من حديث سويد؛ لأن الإسناد = إسناد سويد عالٍ. فالحديث ثابت عنده من طريق رواة آخرين نازلين؛ أي عدد رواة الإسناد للنبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر؛ فاحتُمِلَ لمسلم هذا الكلامُ. أما البخاري -رحمه الله-؛ فمن خرج لهم وإن كان فيهم كلام لبعض أهل العلم لكن البخاري -رحمه الله تعالى- ينتقي من صحيح مروياتهم ولا يخرج لهم في الأحكام؛ كفليح بن سليمان وغيره من الرواة. فهذا الكلام وإن كان فيه بعض الإجمال الذي يحتاج إلى تفصيل.
(هل يثبت الجرح والتعديل بقولِ واحدٍ؟)
أي لا يوجد في الراوي إلا كلام واحد فقط من أهل العلم؛ فهل نثبت جرحه أو تعديله بكلام هذا الواحد أم لا بد من اشتراط جماعة؟!
(الصحيح أنه يثبت الجرح بقول واحد من أهل الجرح والتعديل ولو كان عبدا أو امرأة، وقيل: لا بد من اثنين؛ كالشهادة، وهذا القول ضعيف غير معتمد.)
قال العراقي:
"وصحح اكتفاءهم بالواحد جرحا وتعديلا خلاف الشهيد"
أي صحح اعتماد أهل العلم قبولَ الواحد في الجر والتعديل خلافا للقول في الشهادة؛ لأن الشهادة تختلف عن الرواية من أوجه كثيرة جدًا ولا يتسع الوقت لذكر بعضها. لكن أهل العلم متفقون على أنه يقبل قول الواحد في جرح الراوي أو في تعديله إذا كان من المعتمدين في هذا الشأن.
(اجتماع الجرح والتعديل في راوٍ واحد:
إذا اجتمع في راو واحد الجرح والتعديل؛ فالمعتمد أنه يُقدَّم الجرحُ على التعديل إذا كان الجرح مفسرا، وإن كان الجرح مبهما غير مفسر؛ قُدِّمَ التعديلُ.)(1/12)
معنى هذا الكلام أني تعارض عندي في راوٍ الجرح والتعديل، واحد يُعدل والآخر يُجرح، وهذا ستراه خاصة في الرواة المختلف فيهم ستجد هذا المعنى كثيرًا جدًا. فمثلا قال فلان: قال: فلانٌ عدل ثقة، وجاء ابن معين فقال: كذاب. نقول إذا كان الجرح مفسر فنقبل كلام الجارح. لماذا؟
لأنه اطلع على ما عند المعدل وعنده زيادة علم، يقول: نعم أنا أعرف أنك تُعدله من أجل كذا وكذا لكني اطلعت على ما لم تطلع أنت عليه من أسباب الجرح وهي كذا وكذا.
فمن أجل ذلك يقدمون الجرح المفسر على التعديل. أما إذا كان الجرح مبهما؛ فنقول: هذه أعراض، وأعراض المسلمين حفرة من نار وقف على شفيرها الحكامُ والمحدثون. هذه أعراض؛ فلا ينبغي أن يقال في راوٍ: إنه غير مقبول إلا ببينة واضحة حتى إذا ما لقي الله يوم الدين؛ يقول: نعم، إنه مجروح بسبب كذا وكذا.
(وقيل: إن زاد عدد المعدلين على الجارحين؛ قدم التعديل لكن هذا القول غير معتمد)
يعني ليست كفة ميزان بمعنى إذا كان المعدلون عشرة والمجرحون اثنين؛ فنقبل كلام العشرة على الاثنين. لا، هذا العلم لا يمشي بهذا الشكل بل قد ينفرد الإمام الواحد بجرح راوٍ، وعند التحقيق يكون كلامه هو المقدَّم.
لماذا؟
لأنه يعرف، والأئمة هم المعول عليهم في الجرح والتعديل. فليس كل من تكلم -كما سنعرف بعد ذلك عند ذكر الكتب المعتمد عليها في هذا الباب- ليس من كل من تكلم في الرواة كلامه مقبول، ولكن هناك عماليق وهناك أئمة إليهم المرجعُ في الكلام على الرواة؛ كشعبة ويحيى القطان وابن مهدي والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة والبخاري ومسلم والإمام أحمد وابن معين. هؤلاء هم كبار هذا الشأن الذين إليهم المرجع في تحقيق القول في الرواة.
(ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما:(1/13)
لقد قسم أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل" كلا من ألفاظ الجرح والتعديل إلى أربع مراتب، وبين حكم كل مرتبة منها، ثم زاد الذهبي وبعده العراقي مرتبة على مراتب التعديل هي أعلى من المرتبة الأولى عند ابن أبي حاتم، وهي ما كرر فيه لفظ التوفيق؛ مثل: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، أو: ثقة حجة، ثم زاد الحافظ ابن حجر العسقلاني مرتبة أعلى من المرتبة التي زادها الحافظان الذهبي والعراقي وهي صيغة التفضيل؛ مثل: أوثق الناس، أو: أثبت الناس. فصارت مراتب التعديل ستًا. وكذلك زاد العلماء على ابن أبي حاتم في مراتب الجرح مرتبتين أخريين فصارت مراتب الجرح ستا أيضا، وإليك ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما وحكمهما فيما يلي: ..)
طيب أنا أستأذن تملي أكتب وأنت تقرأ لنختصر الوقت.
(مراتب ألفاظ التعديل:
أولا: ما دَلَّ على المبالغة في التوثيق، أو كان على وزن "أفعل"، وهي أرفع المراتب؛ مثل: فلان إليه المنتهى في التَثَبُّتِ، أو: لا أعرف له نظيرا في الدنيا.)
طبعا هذه ألفاظ إنما تقال في حق نفر قليل جدًا من أهل العلم الكبار؛ أمثال: الإمام أحمد ومالك وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري والزهري وغيرهم من هؤلاء الأعلام الكبار يقال: المنتهى في التثبت، لا أعرف له في الدنيا نظير أو نحو ذلك.
(أو: فلان أثبت الناس، أو: أوثق الخلق ونحو ذلك)
نأخذ المرتبة الثانية:
(ثم ما تأكد بصفة أو صفتين من صفات التوثيق؛ مثل: مادة ثقة بصفة أو صفتين من صفات التوثيق)
هذه زادها العراقي والحافظ الزهبي، فابن أبي حاتم كان أتى بمراتب أربع وهي: الثقة والصدوق ونحو ذلك كما سنرى الآن. العراقي زاد ما تأكد بصفة أو صفتين والحافظ ابن حجر زاد الصفة التي تدل المبالغة في التفضيل. إذن تأكدنا بصفة أو صفتين؛ كـ: ثقة، أو: ثقة ثقة.
( أو: ثقة ثبت)
(أو: ثبت حجة، أو: ثقة مأمون)
((1/14)
ثالثا: ما دل على التوثيق من غير تأكيد؛ كقولهم: ثقة أو حجة أو ثبت أو كأنه مصحف أو عدل ضابط.
رابعا: ثم ما دل على التعديل من دون إشعار بالضبط؛ مثل: صدوق)
دون إشعار بالضبط؛ أي الضبط الكامل. نحن قلنا قبل ذلك: إن الراوي إذا خف ضبطه؛ صار وسطا أي صدوقا أي يكون حديثه حسنا. فيقال: إذا كان ما دل على التوثيق من غير تأكيد يقال فيه ثقة؛ فهذا يقال فيه: إنه صدوق. صدوق أقل.
(أو محله الصدق، أو لا بأس به عند غير ابن معين.)
على أساس أن "لا بأس به" عند ابن معين تساوي الثقة عند غيرهم.
(ثم ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح؛ مثل: فلان شيخ، أو روى عنه الناس أو وسط أو شيخ وسط)
أخونا الشيخ مصطفى إسماعيل له كتاب اسمه "شفاء العليل في ألفاظ الجرح والتعديل" من أجمع وأقوى الكتب التي تكلمت على ألفاظ الجرح والتعديل؛ الألفاظ المشهورة أو الألفاظ المهملة عند أهل العلم أو النادرة في استخداماتها.
(ما أشعر بالقرب من التجريح؛ مثل: فلان صالح الحديث، أو يكتب حديثه، أو يعتبر به، أو يقارب الحديث، أو صالح)
فصار عندنا في مراتب التعديل كم مرتبة؟
ست مراتب:
1- ما دل على المبالغة في التوثيق: التي يكون فيها صيغة أفعل.
2- تكرار لفظ التوثيق.
3- ثقة.
4- الصدوق.
5- ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح؛ مثل: شيخ وروى عنه الناس.
6- ما أشعر بالقرب من التجريح.
هذه مراتب التعديل، والمرتبة الأولى والثانية لا كلام في قبول مروياتهم، وكذلك الثالثة التي هي: دل على التوثيق من غير تأكيد فهؤلاء أحاديثهم مقبولة باستمرار مع النظر في بعض المواقف؛ لأن الثقة قد يخطئ، والكاذب قد يصدق أحيانا. فهذه مسألة لها كلام كثير ذكره ابن رجب -رحمه الله تعالى- في "شرح العلل".(1/15)
أما هنا من أول هنا تبدأ تحذر وتعيد النظر، وتنظر في القرائن، وتجمع كلام أهل العلم؛ لأن من المرتبة الرابعة وأنت نازل هذا محل اجتهادات أهل العلم، ومحل نظر عند أهل العلم في الكلام على الرواة.
بعد ذلك تأتي مراتب الجرح مراتب التجريح هذا التعديل وهذا التجريح، هم بدؤوا من أعلى إلى أنزل؛ أي كلما نزلت كلما نزلت معك درجة الراوي في التوثيق. أليس كذلك؟!
سنكمل في الجرح يعني لن نأتي في الجرح من أعلى إلى أنزل مثل التعديل، ولكن نأخذ من أقرب درجة إلى أقل درجات التعديل أقل درجات التعديل نبدأ في أقل درجات الضعف، فنقول مثلاً: أقل درجة بعد هذه ..
(ما دل على التليين)
مثل؟
(فلان لين الحديث، أو فيه مقال، أو في حديثه ضعف أو ليس.. )
لين الحديث، فيه مقال.. نعم،
(أو في حديثه ضعف)
في حديثه ضعف؛ أي ليس كل حديثه ضعيفا. لكن في حديثه ضعف بينهما فرق في حديثه ضعف. فصار عندنا الكلام هنا: لين الحديث، وفيه مقال، وفي حديثه ضعف قريب من هذا الكلام: يعتبر به، صالح، يكتب حديثه، يلي ذلك من المراتب بعد التليين وسنعتبر هذه أول مرتبة من مراتب الجرح الثانية.
(ثانيا: ما صُرح بعدم الاحتجاج به مثل: فلان لا يحتج به، أو ضعيف، أو له مناكير، أو واهن، أو ضعفه )
هذه المرتبة الأولى والثانية من مراتب الجرح التي تعتبر من مراتب الجرح التي تعتبر أقرب شيء من أقل مراتب التعديل هي التي ينظر فيها أهل العلم للاعتبار، وما وراء ذلك من المراتب التي هي ثلاثة وأربعة وخمسة وستة هذه لا ينظر فيها ولا تراعى؛ مثل: الثالث؟
(الثالث: ما صرح بعدم كتابة حديثه؛ مثل: فلان لا يكتب حديثه، أو لا تحل الرواية عنه)
طيب إذا كان الراوي لا يكتب حديثه، ولا تحل الرواية عنه؛ فماذا نفعل به؟!
(أو ضعيف جدً)
الرابع؟
(الرابع: ما دل على اتهامه بالكذب أو نحوه )
دخلنا في دائرة المحظور الشديد. ما دل على اتهامه..
(بالكذب أو نحوه؛ مثل: فلان متهم بالكذب)(1/16)
لا يُنظر في حديث من كان بهذه الدرجة ولا التي قبلها لا تحل الرواية عنه، ولا يكتب حديثه هذا مطروح والمتهم بالكذب أشد طرحا، وبعد هذا الكذاب، وبعد هذا أكذب الناس.
هناك صيغة التفضيل "أفعل" هنا في الجرح في أشد مراتب الجرح "أفعل" تفضيل، هنا ثقة إذن هنا كذاب، وهكذا.
إذن عندنا ثلاث مراتب لا كلام في قبولها بالنسبة للتعديل، هذا كله مقبول لكن مع نظر أي لا بد من اعتبار القرائن، وجمع كلام أهل العلم؛ لأن ليس كل من قيل فيه صدوق سيقبل حديثه باطراد، ولكن هذا كلام مما يُتراجع وينظر فيه أهل العلم.
هذا وهذا في الاعتبار ينظر في حديثهم وكذلك هذا الأول والثاني من مراتب الجرح وهذه الأربعة لا تقبل بمرة. إذن عندنا مراتب التعديل ست، ومراتب الجرح ست. بدأنا من أعلى إلى أنزل، وبدأنا في الجرح من أنزل إلى أعلى، يعني هي مثل الخط البياني من أعلى إلى أنزل ثم صعدت مرة أخرى من أنزل إلى أعلى في بيان جرح الرواة.
(أما المراتب الثلاث الأولى؛ فيحتج بأهلها وإن كان بعضهم أقوى من بعض، وأما المرتبتان والرابعة والخامسة؛ فلا يحتج بأهلهما ولكن)
هذا في التعديل؟
نعم هذا في التعديل
(ولكن يكتب حديثهم)
مرة أخرى.
(أما المراتب الثلاث الأولى فيحتج بأهلها وإن كان بعضهم أقوى من بعض)
كما قلت إن الطالب حاصل على امتياز في المادة أو في التقدير العام وآخر حصل على جيد جدًا وثالث حصل على جيد كل هذا مقبول أم غير مقبول؟ هذا كله مقبول ولكن مع تفاوت، الكل ناجح لكن هناك تفاوت في درجات النجاح.
(وأما المرتبتان الرابعة والخامسة؛ فلا يحتج بأهلهما ولكن يكتب حديثهما ويختبر وإن كان أهل المرتبة الخامسة دون أهل المرتبة الرابعة)
اقرأ الهامش -الله يحفظك!-.
حاضر
((1/17)
أي: يختبر ضبطهم بعرض حديثهم على أحاديث الثقات المتقنين، فإن وافقهم؛ احتج بحديثهم، وإلا؛ فلا. وبناءً على هذا؛ فإن من قيل فيه صدوق؛ فإنه لا يحتج بحديثه قبل الاختبار، وقد وهم من قال: إن من قيل فيه صدوق؛ فحديثه حسن؛ لأن الحديث الحسن من نوع المحتج به وعلى ذلك أئمة الجرح والتعديل وحفاظ الحديث انظر في هذا "تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.)
على أية حال؛ علم الرواية ليس هو كالقواعد الرياضية بمعنى القاعدة الرياضية إذا كان كذا يساوي كذا، هذا ليس عندنا، وإنما حتى أحاديث الثقات قد يكون الراوي ثقة وحديثه في هذه الجزئية بالذات غير مقبول؛ ما الذي جعله غير مقبول؟!
القرائن، كلام أهل العلم، يعني أهل العلم لهم نظر، الإمام أحمد حين يتكلم مثلاً على حديث من الأحاديث يقول: لا يجيء حديث فلان عن فلان مثلاً: ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر في حديث الاستخارة لا يجيء هذه كلمة فاصلة من إمام يعرف ما يخرج من رأسه لا يتكلم بها.
فعلم الحديث ليس قواعد رياضية بمعنى إن الثقة حديثه صحيح، والصدوق حديثه حسن وهذا للأسف الشديد الحاصل في الدراسات الأكاديمية؛ أن الطالب يقول: أليس كل رواة الإسناد ثقات؟! إذن الإسناد صحيح.
أليسوا كلهم مثلاً صدوقين؟!
إذن الإسناد حسن، أو فيه راوٍ صدوق؛ إذن الإسناد حسن. ليس كذلك.
قد يكون الراوي صدوقا والحديث مطروح، وقد يكون ثقة وأيضا فيه كلام؛ لكون الراوي ثقة تَحَمَّل عن شيخه الثقة بعد الاختلاط أو لم يلقَ؛ أي فيه انقطاع وغير ذلك فأقصد في هذا التنبيه أن علم الحديث ليس قواعد رياضية وإنما كل حديث يحكم فيه بالقرائن.
(وأما أهل المرتبة السادسة؛ فلا يحتج بأهلها ولكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط دون الاختبار، وذلك؛ لظهور أمرهم في عدم الضبط)
((1/18)
أما بالنسبة لمراتب ألفاظ الجرح؛ فحكم هذه المراتب. أما أهل المرتبتين الأولى والثانية؛ فإنه لا يحتج بحدثهم طبعا لكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط، وإن كان أهل المرتبة الثانية دون أهل المرتبة الأولى، وأما أهل المراتب الأربع الأخيرة؛ أي الثالث والرابعة والخامسة والسادسة؛ فلا يحتج بحديثهم ولا يكتب ولا يعتبر به؛ لأنه لا يصلح أن يتقوى أو يقوي غيره)
فهذا فيما يتعلق بمسألة المراتب والكلام عليها.
نرى الإجابات.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: اشرح التخريج عن طريق النظر في متن الحديث؟
وكانت الإجابة:
النظر في حال المتن ويشمل:
أ - إذا ظهر على متن الحديث أمارات الوضع؛ فيرجع إلى الكتب المؤلفة في ذلك مع دراسة كل واحد منها بالتفصيل:
أولا: "الأباطيل والمناكير" للحافظ أبي عبد الله الحسين الجوزجاني.
ثانيا: كتاب "معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بالقيصراني.
ثالثا: "الموضوعات" لابن الجوزي.
رابعا: "الموضوعات" لأبي الفضائل الحسن بن محمد الصاغاني.
خامسا: "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن القيم.
سادسا: "اللالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي.
سابعا: "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني.
ثامنا: "الموضوعات الصغرى" لعلي القارئ الهروي.
ثانيا: أن يشتهر الحديث على الألسن؛ فيرجع لكتاب "المقاصد الحسنة" للسخاوي و"كشف الخفاء للعجلوني".
ثالثا: أن يكون للحديث سبب فيرجع إلى كتاب "اللمع في أسباب ورود الحديث" للسيوطي، "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" لإبراهيم بن محمد الشهير بابن حمزة الحسيني الحنفي.
انتهت إجابة السؤال الأول
السؤال الثاني: اشرح التخريج عن طريق النظر في الإسناد.
النظر في حالة السند ويشتمل على:
أ - أن يكون في السند لطيفة من لطائف الإسناد مثل:
أولا: كتاب "من روى عن أبيه عن جده".(1/19)
ثانيا: أن يكون السند مسلسلا فيرجع لكتاب "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة" لمحمد بن عبد الباقي الأيوبي.
ثانيا أن يكون الإسناد فيه إرسال فيرجع إلى كتب المراسيل: "المراسيل" لأبي داود، "المراسيل" لابن أبي حاتم، "جامع التحصيل".
هذه إجابة السؤال الثاني.
السؤال الثالث: اشرح التخريج عن طريق النظر في الاثنين معا.
وكانت الإجابة: النظر في حال المتن والسند معا:
أ - أن يكون الحديث فيه علة فيرجع إلى كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم "علل الحديث" للإمام الدارقطني، "العلل المتناهية" لابن الجوزي.
ب - أن يكون فيه إبهام فيرجع لكتاب "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي، "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" للعراقي، "الإشارات إلى بيان أسماء المبهمات" للنووي.
ج - أن يكون الحديث متواترا فيرجع إلى كتاب "قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة" للسيوطي، "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" لأبي الفيض محمد بن أبي جعفر الكتاني. انتهت إجابة السؤال الثالث
يقول: ذكرتم يا شيخنا أن العدالة تثبت بأمرين: بتنصيص
الاستفاضة والشهرة أو التنصيص..
نعم؛ فهل يا شيخ كثرة الملازمة تفيد في تعادل الاستفاضة كثرة الملازمة إنهم ذكروا مثلاً أن شعبة لازم الأعمش عشرين عاما فإن لم يرد الأمر الثاني الاستفاضة وذكروا كثرة الملازمة؟
هي استفاضة أيضا.
تعادل الاستفاضة
الزهري مثلاً لما نظروا في تلامذته قالوا الملازمون سفيان ومالك ويونس وعقيل وخالد الآيلي وغيرهم هؤلاء لازموا الشيخ عشر سنوات في الحضر والسفر فهي تقوم مقام الاستفاضة.
يقول: شيوخ مالك قالوا كلهم ثقات؛ لأن مالكا كان ينتقي؛ فهل هذه أيضا تفيد...؟
لا، ابن أبي المخارق وغيره في رجال مالك فيهم بعض الشيء، والشافعي نفس الكلام.
يقول: التحمل حال الكفر والأداء حال الإسلام أو الإيمان هل يقبل؟(1/20)
نعم مقبول في البخاري في كتاب بدء الوحي قصة هرقل مع أبي سفيان لما نزل تجار بالشام في المدة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها مادَّ قريشا وعلم هرقل بوجود تجار من قريش وأراد أن يسأل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان هرقل كان حذاءً ينظر في النجوم وكان عنده علم ورأى أن ملك الختان قد ظهر، فأتى بالشاهد يعني من القصة أتى بجماعة تجار قريش وأوقف أبا سفيان أمامهم وقال للترجمان: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني؛ فكذبوه وقعد يسأل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن أحواله وهل قال هذا القول قط قبله؟ وهل كان من أبائهم ملك؟ إلى غير ذلك.
هذه القصة برمتها قصة طويلة فيها أكثر من عشرين سؤالا وسفيان يجيب ولم يستطع إدخال كلمة واحدة إلا الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه يعني لم يدخل إلا هذه الكلمة، وكانت الإجابة بلا أو نعم هل كنت..؟ أبوه كان ملكا؟ لا، وهكذا إلا هذه الكلمة وخرج أبو سفيان وكان هو زعيم قومه في هذه الفترة فترة ما قبل فتح مكة، فلما أسلم أدى هذا الحوار الذي دار بين أبي سفيان وبين هرقل وهو ثالث أو رابع حديث من كتاب بدء الوحي من صحيح البخاري فيجوز للراوي أن يتحمل في حال كفر ويؤدي في حال الإسلام.
تقول: شيخ على مدار الدروس أعطانا تعريفات عن شيوخ كثيرة وأئمة؛ فهل نحن مطالبون أن نحفظ مكان الميلاد وسنة الميلاد والوفاة؟(1/21)
طبعا علم الحديث هو علم ممارسة يعني هو التخريج خاصة تخريج دراسة الأسانيد علم مكتبات يعني الطالب لا بد أن يمارس وينظر ويفتح الكتاب مرة واثنتين وثلاثا ويخطئ ويصوب. إذا حصل هذا من الطالب؛ فلا يحتاج إلى مذاكرة بمعنى إن على قدر الممارسة والنظر في الكتب هذه المعلومات تلصق في الذهن فلا ينساها سواء أسماء الكتب أو أسماء مؤلفيها أو طريقة المؤلفين في عرض مناهجهم في كتبهم، وأنا كنت نصحت أثناء المحاضرات قلت: إن أي كتاب يقع في أيدي الطالب أول مهمة عند النظر في هذا الكتاب يقرأ المقدمة ويقرأ الفهرس وهذا لا يستغرق في أي كتاب أكثر من نصف ساعة ويدون المعلومات التي ينشرح صدره لها، ويستفيد منها. لسنا مطالبين في الامتحانات بحفظ التواريخ المواليد والوفيات وأسماء الرواة ونحو ذلك. لكن الحد الأدنى الكتب الأصلية التي شرحنا في الاستخراج تكون معلومة للطالب كمعلومات نظرية. أنا أعرف هذا الكم الهائل من الكتب والمناهج والوفيات والمواليد وأسماء الرواة لن يستطيع الطالب في فصل دراسي أن يحصله لكن سددوا وقاربوا، وكما قلت الذي أوصي به كثرة الممارسة لهذا العلم والنظر في الكتب والذي يحصل خيرا بإذن الله.
يقول: قال بالنسبة لشرط العالم الذي يستخرج على حديث من أحاديث شروط الاستخراج على الأحاديث ما فهمت المسألة أنا اطلعت عليها؟
هل تقصد العالم الذي يستخرج على الحديث؟
الذي يستخرج في شرط أن يكون
تقصد يستدرك
لاستخراج سند فقط شروط القبول الاستخراج يعني ما فهمت فصلوها -الله يجازيكم خيرا!-.
على أية حال بإيجاز سريع:
المستخرجات: يعني ما فعله الأئمة؛ كأبي بكر الإسماعيليّ وغيره من أهل العلم أن يستخرج الإسماعيلي على مسلم غير المستدرك، المستدرك أن يأتي الحاكم أتى بأحاديث هي على شرط الشيخين في زعم الحاكم أو شرط أحدهما أحاديث صحيحة ليست فيه.(1/22)
أما المستخرج يأتي بنفس الأحاديث التي في الكتاب من طريق شيخه هو بإسناد آخر ويتفق مع البخاري مثلاً في شيخ البخاري أو في شيخ شيخ البخاري يعني مثلاً أنا الأخ عبد الرحمن يروي عن الأخ محمد فأنا آتي ومحمد في طبقة الأخ فآتى أنا أروى نفس الحديث الذي رواه عبد الرحمن عن فلان أنا أرويه عن الأخ ونلتقي في شيخ الاثنين ألتقي أنا وعبد الرحمن في شيخ الاثنين فهذا يسمى استخراجا لنفس الحديث المروي في البخاري أو في مسلم هذا باختصار شديد وأحيلك على كتاب الشيخ حمزة بن عبد الله المليباري له بحث في الاستخراج منشور في مجلة كلية الشريعة بالكويت.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
اذكر شروط قبول الراوي. وبم تثبت عدالة الراوي؟ وبم يثبت ضبطه؟
السؤال الثاني:
اذكر مراتب الجرح والتعديل مُرتبة من أعلى إلى أسفل في التعديل ومن أسفل إلى أعلى في الجرح.(1/23)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثامن
مراجعة على التخريج عن طريق المعجم المفهرس
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
في حلقة الأمس ونحن نتدارس –معا- كيفية التخريج العملي لألفاظ الحديث النبوي، نحتاج إلى مزيد من التوضيح، وإلى مزيد من التدريب. وإذا كان هذا حال الإخوة الذين معنا، وبين أيدينا احتاجوا إلى وقت طويل في الاستخراج؛ فلابد من مزيد تعزيز بنماذج أخرى من المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي؛ حتى يتدرب الناس بشكل أوسع خاصة وأن مواد البحث تحتاج إلى نوع من الدقة عند اختيار اللفظ؛ فمثلا إذا كان الحديث (إن أحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة).
فكلمة مجلس في مادة جلس؛ فجلس تجد فيها جالس وجلس ويجلس وجلوس ومجالس أو مجالس أو مجلس الكلمة التي معنا. أمس وجدنا بعض إخواننا يقرأ المادة من أولها إلى آخرها ليبحث عن بُغيته في الحديث الذي يريد الوصول إليه.
نأخذ معنا حديثا سهلا وميسورا -إن شاء الله تعالى- نبدأ بالأسهل إلى الأصعب: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله).
الجنة، أقرب، شراك، نعل
شرك
قرب
اكتب الإحالات مرة واحدة وتكلم وأنت تكتب.
البخاري كتاب الرقاق باب 29
حم 1/ 287
الجزء الأول صفحة 287، 412، 442.
جنن تجردها من الزوائد وتنظر في المواد وجنان وجنة وجنات.
(لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء).
حدد المواد أولا.
رجل، لعن، المخنث
خنث
البخاري كتاب اللباس باب 62، أيضا كتاب الحدود من البخاري أيضا باب 33 وت يعني الترمذي كتاب الأدب باب 34، د دارمي كتاب الاستئذان 31 حم مسند أحمد 1جزء 1 225 ، 227، 237 ، 354، 3/ 65، 91، 287، 298.
(لعن المخنثين من الرجال)(1/1)
البخاري نفس الكتاب والباب كتاب اللباس باب 62 وكتاب الحدود باب أيضا 33 وسنن أبي داود كتاب الأدب باب 59 الدارمي الاستئذان 31، مسند أحمد الجزء الأول 225، 227 ، 237 ، 254 ،339 ، 365 و2/ 91 ، 287.
عندنا حديث آخر إذا أردنا المزيد من التوضيح: (إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنُكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون. قالوا: يا رسول الله!! قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفهيقون؛ قال: المتكبرون).
تجد الحديث إذا كان ألفاظه كثيرة؛ فمعنى ذلك أن مواده ستكون كثيرة، وأن الإحالات عليه –أيضا- ستكون كثيرة.
(إن أحبكم إلي) أحب.
(أقربكم مني مجلس) مجلسا.
(أحاسنكم أخلاق).
(أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون)، وبعد ذلك المتكبرون.
كم مادة في الحديث؟
11 مادة. لأن الحديث ألفاظه كثيرة، ويمكن أن تأخذ منه ألفاظا كثيرة فتأخذ إحالات كثيرة، فيسهل عليك الرجوع إلى مواضع كثيرة لتحصل على المتون والأسانيد التي هي الغاية من دراسة هذا العلم.
أقربكم في 5/ 360.
ت
ترمذي
بر
كتاب البر
72
باب 72
حم
مسند أحمد
2/185
3/22.
فأعطاني هو في هذا الحديث إحالة على سنن الترمذي في كتاب البر الباب رقم 72، ومسند أحمد والوصول إلى مسند أحمد سهل ميسور ترجع إلى الطبعة الميمنية القديمة، فيوصلك بأقصى سرعة إلى الجزء والصفحة. أما الترمذي تحتاج إلى أن تعلم أين يوجد كتاب السير من سنن الترمذي فترجع وتقرأ الأبواب كلها = أبواب كتاب السير حتى كتاب البر 72 ويعتبر البر والصلة في منتصف الكتاب في أول المجلد الرابع التي هي تكملة فؤاد عبد الباقي؛ لأن الأول والثاني الشيخ شاكر وسع النفس جدا في الكلام على الأحاديث وضعفا فجملة ما شرحه الشيخ شاكر في تحقيقه على الترمذي 760 حديثا أو 765 حديثا تقريبا.(1/2)
هذا استغرق مجلدين من سنن الترمذي طبعة الشيخ شاكر ثم الذين جاؤوا بعده = الشيخ إبراهيم عطوة، ومحمد فؤاد عبد الباقي لما كملوا الكتاب؛ لم يعلقوا.
الشيخ شاكر -رحمه الله تعالى- كان محدثا وخاتمة محدثي الديار المصرية وتحقيق ونقش في حجر ونفسه طويل وعنده علم واسع. أما الذي جاء بعده أراد إكمال النسخة؛ فلم يذكر أكثر من العزو -إن عزا-.
وإن أبغضكم إلي أبعدكم إلي يوم القيامة الثرثارون الترمذي كتاب البر 70
أبعدكم مني الثرثارون المتشدقون المتفيهقون
الترمذي كتاب البر 71 مسند أحمد 3/269، 4/193، 194
شدق ستجد: متشدق، وشدياق، وحمراء الشدقين، ونحو ذلك.
مسند أحمد 3/269 ، 4/193،194
ليس هناك جديد.
بحث مضنٍ، ومتعب، وكتاب ثقيل.
حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات)
المواد فقط: (اجتنبوا السبع الموبقات) والموبقات: الشرك بالله، السحر، قتل النفس، أكل الربا، أكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
التولي
التولي يوم الزحف أحال على النسائي كتاب الوصايا باب 12.
البخاري كتاب الوصايا باب 23
مسلم كتاب الإيمان حديث 144، وسنن أبي داود
البخاري في الوصايا باب 23 الطب 48 الحدود 44، مسلم في الإيمان حديث 144 أبو داود في الوصايا 10 حديث رقم 10.
لعلنا نكون -إن شاء الله- استفدنا، وأكدنا معلوماتنا حول البحث في "المعجم المفهرس" حتى نغلق البحث في هذه الطريقة؛ لننتقل -إن شاء الله- للأهم من ذلك، وهو البحث على كتاب "تحفة الأشراف" أو طريقة الأطراف -إن شاء الله وتعالى- في المحاضرات القادمة.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
(نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال) الحديث كان المطلوب أن يخرج من المعجم المفهرس ومن موسوعة أطراف الحديث؟
مسألة التخريج من الكتابين إن الطالب الباحث يدرك الفرق بين كتاب سيحيله على كتب وأبواب ويحتاج إلى الرجوع إلى المصادر الأصلية، وبين كتاب يعطيه الرجوع إلى المصادر مباشرة.(1/3)
الحديث الأول: (نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال).
التخرج من المعجم المفهرس:
المواد وصل ونَهَي وطعم وسقى مسند الإمام أحمد 2/ 23، 112، 128، 135 إحالات تقرب على 30 إحالة، ثم البخاري الصوم 20، 48، 49، 59 كتاب الحدود 42، المحاربين 28 والتبني 8- 9 والاعتصام 5 مسلم في الصوم 55 -57- 58- 59 -60 -61 أبو داود في الصوم 24 - الترمذي الصوم 61 الدارمي الصوم 14 موطأ الإمام مالك 38
ما شاء الله هذا الباحث أتى بجميع الكتب التي يحيل عليها المعجم جزاه الله خير.
أما التخريج من موسوعة أطراف الحديث:
ش مسند ابن أبي شيبة 3/ 82، 8/ 144، وعب مصنف عبد الرزاق 7753- 7755 والحميدي 339، 1009 مسند أحمد أو حم 2/ 128 - 143 وأحال إحالات كثيرة في مسند الإمام أحمد تربو على العشرين إحالة أبي داود في الصيام 24 والحديث 2360, والترمذي في 778 وموطأ مالك في 301 والدارمي 2/ 8 والحلية 7/ 259 والطبري والبيهقي والخطيب البغدادي.
الحديث الثاني (لأن يجلس أحدكم على جمرة) الحديث أقول التخريج من المعجم المفهرس المواد جلس وجمر وحرق وقبض ثم خرج في مسند الإمام أحمد ثم يربو تقريبا على عشرين إحالة ثم يقول مسلم في الجنائز 96، وأبو داود في الجنائز 73 والنسائي في الجنائز 97، 105 في الجنائز وابن ماجة في الجنائز 45 أما التخريج من موسوعة أطراف الحديث مسلم الجنائز باب 96 أبو داود 3228 والنسائي في الجنائز 144 والبيهقي في 1566.
لا يوجد أسئلة في هذه الحلقة؛ لأنها كانت تطبيقا عمليا، ومن شاء أن يزيد من ذكر التخريج من المواد التي لم نذكرها؛ فلا حرج، ومن أراد من إخواننا أن يدرب نفسه، ويستخرج هذه الإحالات، ويحلها، ويراسلنا بها؛ فيكون مشكورا -إن شاء الله تعالى-.(1/4)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس التاسع
طريقة التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهينا في الفترة الماضية من طريقتين من طرق التخريج؛ الطريقة الأولى وهي: التخريج عن طريق معرفة أول لفظة في الحديث واستخدمنا قدرا لا بأس به من الكتب الخادمة لهذه الطريقة، ثم دخلنا على الطريقة الثانية وهي: التخريج عن طريق معرفة لفظة يقل دورانها على الحديث، واستخدمنا لها كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبويّ".
وكنا في أول حلقة بدأنا بالطريقة الثالثة من ترتيب الكتاب، وكانت هي الأولى، ثم عدنا إلى المعجم، ثم نرجع –الآن- إلى صفحة 39 من الكتاب. وهي الطريقة الأولى من طرق التخريج في كتاب الدكتور الطحان.
وإنما راعينا هذا التقديم وهذا التأخير؛ لمسألة فنية مهمة، وهي أن اليوم هو بداية الكلام على التَخَصّص؛ فالطريقتان الماضيتان تصلح لكل مثقف، ولكل باحث في العلوم الشرعية؛ فتخدمه في الوصول إلى الحديث بأيسر طريقة. والآن بدأنا ندخل على التخصص بشكل أدقّ، وهو الكلام على الأسانيد، والتخريج عن طريق الأسانيد، وهي طريقة الأطراف، وهي التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة.
قبل ذلك كنا نخرج عن طريقة المتون؛ إما أول لفظة في الحديث، وإما كلمة يقل دورانها على الألسنة من متن الحديث. ثم صار البحث في الأسانيد، والكلام صار فيه قدر من التخصص، ويحتاج قدرا من التأمل، والرصيد المعرفي إلى غير ذلك. فهذه الطريقة وهي البحث عن الحديث بمعرفة راويه، أو استخدام الإسناد سنبدؤها بمعرفة الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-؛ فإذا كان اسم الصحابي موجودا عندك؛ فما هي الطريقة المثلى للوصول إلى حديث ذلك الصحابي؟ وهو الذي سنتولى -إن شاء الله وتعالى- شرحه في هذه المحاضرة.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
الفصل الأول(1/1)
الطريقة الأولى: التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة
هذه الطريقة يُلجأ إليها عندما يكون اسم الصحابي مذكورا في الحديث الذي يُراد تخريجه. أما إذا لم يكن اسم الصحابي مذكورا في الحديث، ولم نتمكن من معرفة؛ فلا يمكن اللجوء إلى هذا الطريقة، وهو أمر واضح. فإذا كان اسم الصحابي مذكورا في الحديث أو عرفناه بطريقة ما، ثم قررنا سلوك طريقة تخريجه بناء على معرفة اسم راويه من الصحابة؛ فعلينا أن نستعين بثلاثة أنواع من المصنفات وهي:
المسانيد:
أما المسانيد فهي الكتب الحديثية التي صنفها مؤلفوها على مسانيد أسماء الصحابة؛ أي بمعنى أنهم جمعوا أحاديث كل صحابي على حدة. والمسانيد التي صنفها الأئمة المحدثون كثيرة)
إذن الكتاب المصنف على المسانيد كتاب جمع فيه مؤلفه كمّا هائلا من الأحاديث، أو كما قليلا؛ كما سنرى من عرض المسانيد. يُرتب هذه الأحاديث على أسماء الصحابة؛ فيقال مثلاً: كم حديث لأبي بكر -رضي الله عنه- رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ كذا؛ فيورد أحاديث أبي بكر –كلها-، ثم أحاديث عمر، ثم أحاديث عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة.. وهكذا حتى ينتهي من سرد الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ذاكرا لكلّ صحابي ماله من الأحاديث إذا قصد الاستيعاب؛ كما فعل الإمام أحمد وتلميذه بقي بن مخلد، أو أراد مجرد الانتقاء من أحاديث كل صحابي؛ كما حصل من الحميديّ وأبي داود الطيالسي -رحمهم الله رحمة واسعة-.
(والمسانيد التي صنفها الأئمة المحدّثون كثيرة، ربما تبلغ مائة مسند، أو تزيد. وقد ذكر الكِتّانيّ في "الرسالة المستطرفة" اثنين وثمانين مسندا منه)(1/2)
كتاب "الرسالة المستطرفة" للكتاني -رحمه الله تعالى- يُعْنَى بذكر المصنفات الموجودة في كتب السنة؛ فيتكلم –مثلا- عن الكتب الموجودة في علم المصطلح، والكتب المصنفة في المسانيد، والكتب المصنفة في "المعاجم"، والكتب المرتبة على الموضوعات؛ كالمصنفات "مصنف ابن أبي شيبة".. وغيرها؛ فهو -على صغر حجمه- نافع جدا لطالب الحديث.
(ثم قال: والمسانيد كثيرة سوى ما ذكرناه.
وأما ترتيب أسماء الصحابة داخل المسند؛ فقد يكون على نسق حروف المعجم، وقد يكون على السابقة في الإسلام، أو القبائل، أو البلدان، أو غير ذلك. لكنّ ترتيبَها على الحروف أسهلُ تناول).
معنى ذلك أن الإمام المصنف أتى بأحاديث كل صحابي من طريقه هو = بِمَرْوياته التي سمعها من شيوخه؛ فيقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيذكر اسم الصحابيّ الذي روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فكتب المسانيد التي سنتكلم عليها هي كتب مذكورة بالأسانيد. والأسانيد -كما نعلم- له طرفان؛ طرف أول من جهة الإمام المصنف؛ كالإمام أحمد، وطرف آخر وهو من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فالطرف من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الصحابي؛ فهذا تخريج على الأطراف؛ إن خرّج على جهة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكون مسند، وإن خرّج من جهة الراوي فيكون طريقة أخرى في التصنيف.(1/3)
لأن بعض الأئمة -كما سنرى- صنّف الكتاب، ورتبه على أسماء شيوخه؛ كما حصل من الطبرانيّ -رحمه الله-، أو يخرجون على المسانيد بصفة من صفات الإسناد؛ لأن الأسانيد لها صفات كثيرة جدا، وهو يعد ربع علم المصطلح الأخير في كتب المصطلح يسمونه لطائف الأسانيد؛ أي الصفات التي يذكرها الأئمة على الأسانيد؛ فمثلا وصف الإسناد بكونه مسلسلا بحالة من حالات الراوي؛ كأن يُحَدّث وهو قائم، كأن يحدث وهو مُشْبِكٌ أصابعه؛ كما شَبّكَ مصعب أصابعه، كأن يكون مسلسلا بالتبسم؛ أن يتبسم كل راوٍ بعد التحديث بالحديث، كأن يكون مسلسلا بالأولِيّة؛ مثل حديث: (الراحمون يرحمهم الرحمن)، فكلّ من نزل المدينة النبوية فأول حديث يسمعه فيها (الراحمون يرحمهم الرحمن)، فيقولون مسلسل بالأولية. أو يكون الإسناد مرسلا، أو يكون الإسناد له وصف معين.
(هذا هو المشهور في المسانيد، وترتيبها. وقد يُطلق المسند عند المحدثين على كتاب مُرتّب على الأبواب، أو الحروف لا على الصحابة، وذلك لأن أحاديثه مسندة، ومرفوعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ مثل مسند بقي بن مخلد الأندلسيّ المتوفى سنة 276 هـ؛ فإنه مرتب على أبواب الفقه.)
هذا كلام منقول بالواسطة؛ لأن الكتانيّ ما رأى مسند بقيّ؛ لأنه مفقود، وهو أكبر مسند في الدنيا، والذين حصروا مرويات الصحابة إنما حصروها اعتمادا على ما في مسند بقيّ. لما قالوا –مثلاً-: لأبي هريرة من الأحاديث 3470 حديثا؛ جاء هذا الحصر من مسند بقيّ؛ لأن هذا الكمّ من مرويات أبي هريرة ليست في مسند الإمام أحمد. فمسند بقيّ هو أكبر مسند في الدنيا وهو مفقود، وقد تُنُوقِلَتْ بعضُ الأخبار أنه موجود في ألمانيا الشرقية، ولكن لما سُئِل أهلُ الاختصاص؛ قالوا: إنه كلام عارٍ عن الصحة. ونرجو أن يكون هذا الكتاب موجودا ولو بُذِلت فيه المهج والأرواح والأموال؛ لأن مسند بقي يُعَدّ أكبر وعاء لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مفقود إلى الآن.
((1/4)
وإليك أسماءَ بعضِ المسانيد:
- مسند أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ.
- مسند أبي بكر عبد الله بن الزبير الحُميديّ المتوفى سنة 219هـ.
- مسند أبي داود سليمان بن داود الطيالسيّ المتوفى سنة 204 هـ.
- مسند أسد بن موسى الأموي المتوفى سنة 212 هـ.
- مسند مُسدَّد بن مُسَرْهد الأسْدي البصري المتوفى سنة 228 هـ.
- مسند نُعيم بن حماد.
- مسند عُبيد الله بن موسى العبسي.
- مسند أبي خيثمة زُهير بن حرب.
- مسند أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي المتوفى سنة 307 هـ.
- مسند عبد بن حميد المتوفى سنة 249 هـ.).
ذكر نماذج من المسانيد؛ فذكر عشرة مسانيد ولا أدري ما هو المنهج المتبع في ترتيبها. هل كثرة الروايات؟ فإن كان؛ فينبغي أن يكون الترتيب: مسند أحمد، ويليه مسند أبي يعلى الموصلي. ومسند أبي خيثمة زهير بن حرب، ومسند عبيد الله بن موسى العبسي، ومسند نعيم بن حماد، ومسند مسدد بن مسرهد، ومسند أسد بن موسى ليست مطبوعة؛ فلا نعرف خصائصها، ولا قدرها، ولا نعرف كم فيها من المرويات، ولا طريقة الترتيب فيها، وإن كانت طريقة الترتيب في المسانيد واحدة.
فهو –هنا- ذكر مسند أحمد، وذكر أصغر المسانيد بعده وهو مسند الحميدي، ثم ذكر بعدها مسند أبي داود الطيالسي، ومسند أبي داود ضعف أحاديث مسند الحميدي، ومسند الطيالسي من خصائصه أنه وعاء لمرويات شعبة بن الحجاج؛ فإن أبا داود -رحمه الله تعالى- الطيالسيّ سليمان بن داود روى نصف كتابه عن شعبة؛ فمن أراد الوقوف على أحاديث شعبة بن الحجاج؛ فأقرب طريق للوصول إلى مرويات شعبة هو هذا المسند.
والمطبوع من هذه المسانيد المذكورة: مسند أحمد، والحميدي، والطيالسي، وأبو يعلى الموصليّ الذي حققه حسين سليم أسد، ومسند عبد بن حميد منتقى يعني الشيخ مصطفى العدوي -حفظه الله- له "المنتخب من مسند عبد بن حميد"، أما المسند نفسه فغير موجود.
((1/5)
وسأتكلم عن اثنين من المسانيد، وهما: مسند الحميدي، ومسند أحمد، وذلك لشهرتهما، ولأنهما قد طُبعا؛ فتسهل المراجعة فيهما على كل مراجع. وأبدأ بمسند الحميدي؛ لتقدمه الزمنيّ على مسند أحمد.
- مسند الحميدي:
هذا المسند للحافظ الكبير أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي شيخ البخاري المتوفى سنة 219هـ.).
وأول حديث في صحيح البخاري ما هو؟
(إنما الأعمال بالنيات).
شيخ البخاري فيه الحميدي، ويقولون إن البخاريّ بدأ بشيوخه المكيين؛ لأن الوحي نزل بمكة، ثم ثَنَّى بأحاديث المدنيين. فالحميدي أكثر البخاري من الرواية عنه. ومسنده مسندٌ صغير متواضع. وجملة ما فيه من الأحاديث كما سنرى 1300 حديث. وهو ليس مصدرا واسعا للرواية.
(وهو مصنف ليس بالكبير، ويتألف من أحد عشر جزءا حديثيّا، وهو في النسخة المطبوعة في عشرة أجزاء حديثية. وسبب ذلك اختلاف النسخ في التجزئة. ويشتمل الكتاب على ألف وثلاثمائة حديث حَسَبَ الترقيم في النسخة المطبوعة. والكتاب مرتب على مسانيد الصحابة. إلا أن ترتيب أسماء الصحابة ليس على ترتيب حروف الهجاء، وإنما سلك المؤلف مسلكا آخر؛ فبدأ بمسند أبي بكر الصديق، ثم بباقي الخلفاء الراشدين على ترتيبهم التاريخي، ثم بمسانيد بقية العشرة إلا طلحة بن عبيد الله. والظاهر أنه لم يذكره لأنه لم يرو له من طريقه حديثا.).
وهذه السمة واضحة في التصنيف على المسانيد؛ أنهم يبدؤون بذكر العشرة؛ الخلفاء الأربعة، ويكملون بقية العشرة المبشرين بالجنة. وهذا منهج سائد في التصنيف على المسانيد، ثم إن كل مؤلف بعد ذلك يسلك مسلكا مُعَيّنا في الترتيب؛ إما القبائل، وإما البلدان، وإما السّبْق إلى الإسلام.. وغير ذلك من المسالك التي انتهجها أئمة العلم في تصنيف مؤلفاتهم.(1/6)
الإمام الحميدي -رحمه الله تعالى- شيخ البخاري يروي عن سفيان بن عيينة عن الزهري، هذه كما يقولون في الأسانيد من الآخر من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- مالك عن نافع عن ابن عمر، فمن عند الأئمة المصنفين كل إمام مصنف له شيوخ، ومروياته تدور عليهم، فستجد كثيرًا في البخاري وفي غيره الحميدي عن سفيان بن عيينة -وسفيان بن عيينة مكي- عن الزهري؛ لأن سفيان من خواص تلاميذ الزهري الملازمين له؛ كمالك. وسفيان بن عيينة ومالك كفرسيْ رِهان في الرواية عن الزهري. إلا أنهم يقدمون مالكا على سفيان؛ لأنهم حصروا مرويات الاثنين؛ فكان لمالك أربعة أخطاء في الزهري، وسفيان بن عيينة عشرون خطأ، فستجد هذا كثيرًا: الحميدي عن سفيان عن الزهري؛ فاحفظها لأن هذه ستخدمك في دراسة الأسانيد، وفي دراستك بعد ذلك -إن شاء الله-.
(وأما بقية الأسماء؛ فلم أهتدِ إلى طريقته في ترتيبهم. والظاهر أنه لاحظ أصحاب السابقة إلى الإسلام، ثم أحاديث أمهات المؤمنين، ثم باقي الصحابيات، ثم أحاديث رجال الأنصار، ثم باقي مسانيد الصحابة، ولم أستظهر لها ترتيبا خاصّا؛ فالله اعلم.(1/7)
وعدد أسماء الصحابة الذين أَسند عنهم الأحاديث في هذا المسند هو مائة وثمانون صحابيّا لم يروِ من طريق عدد كبير منهم إلا حديثا واحدا. وقد طبع الكتاب، ونشره المجلس العلميّ بالباكستان، وحققه وعلّق عليه فضيلة الأستاذ الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي -جزاه الله خيرا، ورحمه الله تعالى-، وقد عُني بتحقيقه، والتعليق عليه عناية جيدة. لكن ظهرت في الطبعة أغلاط، وسقطات كثيرة. وقد رقَّم الأحاديث وهو عمل جيد، ورتب أحاديثه على الأبواب بذكر طرف الحديث، والإشارة إلى رقمه في المسند، وهو عمل يشكر عليه. وحبذا لو رتّب أسماء الصحابة على حروف الهجاء؛ لَسَهَّل على المراجعين فيه، ووفَّر عليهم جهدا كبيرا. وقد طبع الكتاب في مجلدين متوسطيْ الحجم؛ طبع الأول سنة 1382 هـ، وطبع الثاني سنة 1383 هـ، ولم يطبع الكتاب طبعة أخرى والله أعلم.).
هذا كلام الشيخ الطحان في كون الكتاب لم يطبع، ولكنه طُبِع حديثا بتحقيق حسين سليم أسد الذي عمل مسند أبي يعلى الموصلي في مجلدين في طبع دار السَّقَّّا بدمشق. وحسين أسد من الباحثين الجيدين الذين لهم نفس طويل في التحقيق، والاهتمام بضبط النص إلى غير ذلك.
(وكيفية العثور على الحديث فيه أن تبحث عن اسم الصحابي المروي من طريقه ذلك الحديث، ثم تفتش عن الحديث داخلَ مسنده، فإن وجدته، وإلا؛ فيكون المصنِّف لم يخرجه فيه، فتلجأ إلى مصدر آخر.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل:
وهو كتاب كبير يشتمل على نحو أربعين ألف حديث..).
يعني بالمكررات والشيخ شاكر -رحمه الله تعالى- من أجلّ الخدمات في العصر الحديث على المسند الخدمة التي قام بها العلامة خاتمة محدثي الديار المصرية الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- فعمل حصرا على مرويات المسند فهي بغير المكررات 28.000، وبالمكررات 40.000حديث.
(..(1/8)
صنفه الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 241 هـ، ورتبه على مسانيد الصحابة؛ أي روى فيه أحاديث كل صحابي على حدة بغض النظر عن موضوع الحديث. فالجامع بين كل مجموعة من الأحاديث هو الصحابي الذي رواها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.).
هذه ميزة في المصنفات على المسانيد لا تعدلها ميزة أخرى. فاهتموا بهذا الكلام؛ لأنه مفيد من جهة أنك إذا أردت البحث على ترجمة الصحابة، وليكن مثلاً سمرة بن جندب، أبو ذرّ، حذيفة بن اليمان؛ فإنك تعمد إلى الكتب المصنفة في تراجم الصحابة، وأوسعها كتاب الإصابة للحافظ ابن حجر -كما سنعرف في دورة الأسانيد-.
أنا أريد شيئا معينا في ذلك الصحابي لم تأت به كتب التراجم، وهي علاقة هذا الصحابي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. هذه تحصل عليها من أين؟ وهي غير موجودة أساسا في كتب التراجم.
تلتقطها من بين السطور إذا قرأت مسند هذا الصحابيّ في مسند الإمام أحمد. ليكن مثلاً حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، وهو مُتَخَصِّص في مرويات الفتن. والنبي -صلى الله عليه وسلم- خَصَّه بأشياء لم يذكرها لغيره؛ كتسمية المنافقين، وكان صاحب سرِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكتب التراجم تذكر الأشياء الكثيرة عن حذيفة لكن إذا قرأت المسند؛ تلتقط من بين السطور خصائص لحذيفة -رضي الله عنه- لم تنصّ عليها كتب التراجم. وهذه لا تراها إلا في المسند باعتباره جمع مرويات ذلك الصحابي في موضع واحد. فيأتي لك بأحاديث أنس كلها، أحاديث ابن عمر كلها. وكلها مرويات ليس فيها مقاطيع، ولا معلقات، ولا مراسيل، ولا موقوفات. فكلها كلام مرفوع للنبي -صلى الله عليه وسلم-.(1/9)
فقراءة مسند الصحابي من مسند أحمد يعطيك انطباعا خاصّا عن علاقة ذلك الصحابي بالرسول -عليه الصلاة والسلام-. وهذه ميزة لا توجد في غير المسانيد؛ لأن الكتب الأخرى المصنفة على الموضوعات حديث عن ابن عمر والذي بعده عن أبي هريرة، والذي بعده عن أبي سعيد.. وهكذا. أما هذه المسانيد فأنت تعيش مع الصحابي تستخرج خصائصه الشخصية من خلال مروياته.
(لكنه لم يرتب أسماء الصحابة على نسق الحروف المعجم، وإنما راعى في ترتيب أسمائهم أمورا متعددة؛ منها أفضليتهم، ومنها مواقع بلدانهم التي نزلوها، ومنها قبائلهم.. وهكذا. وربما جعل أحاديث بعضهم في أكثر من موضع؛ لذلك فإن من يريد معرفة مسند صحابي ما؛ فإنه يحتاج إلى التفتيش عنه في فهارس الأجزاء كلها حتى يهتدي إلى موضعه.
وقد سهل ناشر المسند وهم أصحاب المكتب الإسلامي، ودار صادر ببيروت حينما صوروه سنة 1389 هـ الموافق 1969م عن الطبعة الميمنية بالقاهرة، فألحقوا بالطبعة المصورة فهرسا لأسماء الصحابة مرتبا على نسق حروف المعجم، وأمام اسم كل صحابي رقم الجزء والصفحة، وذكروا أن الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- كان قد أعدّ هذا الفهرس لنفسِه؛ لتسهل عليه المراجعة في المسند. وقد أثبتوا هذا الفهرس في أول الجزء الأول من المسند.).
هذه خدمة قام بها علامة زمانه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- وهو يستخدم المسند وجد الوقوف على أحاديث الصحابي فيه قدر من الإزعاج ويحتاج إلى أن يفتش المجلدات الستة للطبعة القديمة الميمنية الموجودة معنا هنا. فيحاج إلى أن ينظر في الستة ليعرف أين يوجد اسم الصحابي، فعمل فهرسا لنفسه؛ قال -مثلاً-: أبو بكر من صفحة 1 إلى صفحة 15، عمر من 15.. وهكذا حتى مرّ على المجلدات الستة، ورتب أسماء هؤلاء الصحابة على حروف ألف باء.(1/10)
فإذا أراد الرجوع إلى حديث سهل بن سعد، فيأتي بحرف السين: سهل بن سعد في الجزء الثالث صفحة كذا، فيرجع إليه بقدر من السهولة واليسر.
لكن المسند -بفضل الله تعالى- خُدم بعد ذلك خدمات فائقة ورائقة؛ منها: هذه الخدمة الجليلة التي قام بها الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في شرحه على المسند، ولم يتمه والشيخ شاكر -رحمه الله- راعى وهو يطبع الكتاب ألا يحرم القارئ -إن لم تكن عنده نسخته- بالرجوع إلى النسخة الأصل الست مجلدات؛ فتجد على هامش الكتاب الجزء والصفحة في الطبعة الأصلية، فتجد في اليسار ذكر –مثلاً- 1/20 يعني هذا الحديث الذي هو في صفحة 123 من المجلد الأول في نسخته موجود في صفحة عشرين من النسخة الأصلية التي هي النسخة الميمنية الستة مجلدات. وهذا تجده في كل الأجزاء التي شرحها الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-، وصدّر المسند بذكر ثلاثة كتب من الكتب التي لها عناية بمسند أحمد؛ منها: "خصائص" المسند لأبي موسى المديني، و"ذكر المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد" لابن الجزري المتوفى سنة 833 هـ، وذكر في مقدمة التحقيق ترجمة الإمام أحمد من "تاريخ الإسلام" للحافظ الذهبي؛ كمقدمات للكتاب ومات -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- ولم يكمل الكتاب.(1/11)
ثم جاء العلامة شعيب الأرناؤوط؛ فخرَّج المسند في طبعة رائقة في خمسين مجلدا. وقام بشرح المشكل، وخرج الأحاديث، وحكم عليها وتكلم على الغريب، وبين قدرا يسيرا من فقه الأحاديث في هذه الطبعة الرائقة. وتقام الآن -ولله الحمد- خدمة أخرى جليلة على المسند جمعية المكنز الإسلامي تطبعه طبع نصفه، والباقي يطبع قريبا -إن شاء الله-؛ لأنهم عثروا على مخطوطات، وفي إحدى المخطوطات ساقط من مسند أبي سعيد 276 حديثا، وكذلك في مسند أنس قرابة 16 حديثا في موضع واحد.. إلى غير ذلك من الخدمات الجليلة التي قيض الله تعالى لمسند الإمام أحمد. لأن الإمام -رحمه الله- قال لابنه عبد الله: يا عبد الله!! احتفظ بهذا المسند؛ فإنه سيكون للناس إماما. وحقق الله –تعالى- كلمة الإمام أحمد؛ فالمسند –الآن- أكبر وعاء لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة الكمّ الهائل من الروايات إذا استثنينا معجم الطبراني الكبير؛ لأن "المعجم الكبير" للطبراني فيه –أيضا- كمّ هائل قد تزيد عن مسند أحمد لكن الطبراني طريقة تصنيفه ومروياته المسند يُقَدَّم عليها من جهة الصحة.
أيضا الشيخ حمدي بن عبد المجيد السلفي -حفظه الله تعالى- له خدمة جيدة على المسند، وهي: فهرس في ثلاث مجلدات لمسند أحمد لكنه نادر، وغير موجود بوفرة. وهو من أجمل الخدمات من ناحية الفهرسة لمسند الإمام أحمد -رحمه الله-، وتوالت الخدمات على المسند بشكل جيد بفضل الله -سبحانه وتعالى- وتوفيقه لهذا الإمام الذي يعد إمام أهل السنة بلا منازع.
((1/12)
فمن أراد تخريج حديث عرف اسم الصحابي الذي رواه؛ فليراجع أولا هذا الفهرس المشار إليه؛ ليعرف بسرعة موضع مسند هذا الصحابي من الجزء والصفحة، ثم ليراجع في مسند هذا الصحابي حتى يعثر على الحديث إن كان قد رواه الإمام أحمد في المسند، وإلا؛ فليبحث عنه في مصدر آخر. هذا، وقد اشتمل المسند على 904 من مسانيد الصحابة منها مسانيد بلغت مئات الأحاديث؛ كمسند أبي هريرة، والمكثرين من الصحابة، ومنها مسانيد لا تشمل إلا حديثا واحدا، ومنها مسانيد بين ذلك. وقد ابتدأ المصنف بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة مقدما أبا بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليًّا.).
ولأبي بكر -رضي الله عنه- في مسند أحمد 81 حديثا، ولعمر -رضي الله عنه- 317، ولعثمان 162، ولعليّ 818. فهذه جملة أحاديث الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم-.
(.. ثم بقية العشرة -رضي الله عنهم-، ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، ثم ثلاثة أحاديث لثلاثة من الصحابة، ثم مسانيد أهل البيت فذكر أحاديثهم.. وهكذا حتى انتهى بحديث شداد بن الهاد -رضي الله عنه-، وقد طبع الكتاب في ستة مجلدات.).
وتوالت الخدمات، والطبعات على مسند الإمام -رحمه الله ورضي عنه-؛ فمهم جدا إذا أردت أن تستخرج حديثا من مسند أحمد؛ فعليك بالفهارس الخادمة. فنسخة شعيب فيها فهرس في الآخر خمسة مجلدات. وتدخل معها في نفس الإحالات نسخة الشيخ شاكر خدمها وقام بخدمة عليها الشيخ حمدي السلفي في الفهرس الذي أعده لأحاديث المسند.
(
المعاجم
- كلمة تعريفية:
المعاجم جمع معجم. والمعجم في اصطلاح المحدثين: الكتاب الذي تُرتّب فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة، أو الشيوخ، أو البلدان، أو غير ذلك.
والغالب أن يكون ترتيب الأسماء فيه على حروف المعجم، والذي يَعنينا –هنا- المعاجم المرتبة على مسانيد الصحابة فقط.
- أشهر المعاجم:
والمعاجم كثيرة وأشهرها ما يلي:(1/13)
-المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360 للهجرة. وهو على مسانيد الصحابة مرتبين على حروف
المعجم، عدا مسند أبي هريرة؛ فإنه أفرده في مصنف. ويقال: إن فيه ستين ألف حديث، وفيه يقول ابن دِحْيَةَ: هو أكبر معاجم الدنيا. وإذا أطلق في كلامهم المعجم؛ فهو المراد، وإذا أريد غيرُه؛ قُيِّدْ.).
الإمام الطبراني -رحمه الله تعالى- سليمان بن أحمد أبو القاسم -رحمه الله- صنف المعاجم الثلاثة: المعجم الكبير، والمعجم الأوسط، والمعجم الصغير. والطبراني -رحمه الله تعالى- من خمسة معدودين من كبار المحدّثين المعمِّرين، عاش مائة سنة، الهجيمي، والطبراني، وابن مندة، وجماعة من كبار المحدّثين كانت أعمارهم طويلة، ومعنى أن الإمام مُعَمِّرٌ أنه ستدور عليه أسانيد الدنيا؛ أي إذا عاش –مثلاً- مائة سنة، فمعنى ذلك أنه إذا سمعه طالبُ علم عنده عشر سنوات ويصح تحمل الصغير، يعني يقولون: ابن خمس يتحمل؛ استنادا إلى قصة محمود بن الربيع؛ قال: (عَقَلتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً مَجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو)؛ فيقولون: ابن خمس يتحمل ويؤدي إذا بلغ، فإذا قلنا: إن طالب علم عنده عشر سنوات، وكانوا موجودين بين المحدثين وجود كثرة ولا يُستنكر هذا، ولا يُستغرب أن الرجل يدفع بولده إلى حلقة من حلقات المحدثين الكبار؛ كشعبة، والأعمش، والطبراني وغيرهم من سادات الدنيا وأئمة الحديث، فيسمع وهو صغير.
فمعنى ذلك : أن وجود الطبراني حلقة وصل بينه وبين أكابر شيوخه. لو قلنا مثلاً : أن الطبراني سمع من رجل وله أيضاً من السن عشر سنوات، يعني الطبراني كان عنده عشر سنوات وسمع من محدث في آخر حياته ثم جاء الطبراني فعاش تسعين سنة، وجاء طالب علم عنده عشر سنين فسمع من شيخ الطبراني الكبير، فمعناه أن بين هذا التلميذ الذي عنده عشر سنوات وشيخ شيخ الطبراني فوق المائتين سنة.(1/14)
ما الذي اخترق هذه المساحة الزمنية في الرواية؟
كِبَرُ سِنّ الطبراني.
فالإمام الذي عَمَّر كان يُرحل إليه من آخر الدنيا مثل -في المتأخرين- أبي الطاهر السِّلَفي. فأبو الطاهر السلفي كان جاء من دمشق مارًّا بمصر ليسمع نسخة يحيى بن يحيى لرواية الموطإ = موطإ مالك برواية يحيى بن يحيى، فنزل بالإسكندرية، وحدّث بها، فأعجب به أهل الإسكندرية. وكانوا على دراية بمنزلة أهل العلم. فقالوا: قَيِّدُوا هذا الرجل، فزَوَّجُوه، فأقام فيهم وما رحل إلى تونس، ولا رجع إلى دمشق، ومات ودُفن بالإسكندرية. لكنه معمر عاش أيضا أكثر من مائة سنة.
فهؤلاء الأئمة كان وجودهم يُبحث عنه، ويُرحل إليه، وتجتمع الدنيا عليهم من أجل تحصيل مرويَّاتهم. لماذا؟
لأن إسناده عالٍ جدا. ومسألة العلو والنزول في الأسانيد كانت مسألة بالغة الأهمية عند المحدثين. ولذلك فالإمام مسلم -رحمه الله- تسامح بعض التسامح وبعض التساهل في أنه خرّج حديث –مثلاً- سُوَيْد بن سعيد، مع أن الإمام يحيى بن معين كَذَّبه، وقال: كذَّاب ولو كان لي سيف وفرس؛ لغزوته. ومع ذلك خرّج له مسلم. لماذا؟ وأبو حاتم وأبو ذرعة لَمّا عرض الإمام مسلم عليهما الصحيح لينظرا فيه كان من الأشياء التي عَلّموا عليها لمسلم كخطإٍ في كتاب كيف يخرج حديث سويد بن سعيد؟
فهو اعتذر وقال: هذا الحديث الذي رويته عن سويد عندي لكنه بنزول. مامعنى بنزول؟
أي عدد رواة إسناده أكثر. فإذا كان الإمام مُعمّر فمعناها أن الذي سيروي عنه سيكون إسناده عاليا؛ لأنه سيوفر له مساحة زمنية كبيرة.
فكان الطبراني من هؤلاء الأئمة المعدودين في العالم الذين تكثر الرحلة إليهم من أجل علو إسناده. لماذا؟ لأنه كان مُعمّراً.(1/15)
فصنف الإمام الطبراني رحمه الله معاجمه الثلاثة: المعجم الكبير وهو موجود عندنا في خمس وعشرين مجلدا، والمعجم الأوسط وهو روحُه كما كان يقول: هذا الكتاب روحي ، يعني خلاصة عمر وتجارب وخبرة الطبراني أودعها في المعجم الأوسط، ثم المعجم الصغير الذي هو عبارة عن جزأين في مجلد واحد.
رتب المعجم الكبير الذي هو خمسة وعشرون مجلدا وناقص، ولا يزال المعجم الكبير إلى اليوم غير مكتمل. وعلمت من بعض المهتمين بأن الشيخ حمدي السلفي -حفظه الله تعالى- جهَّز مجلدين من المفقود من المعجم الكبير للطبراني والعمل جارٍ على طباعتها. فوجود مثل هذا الشيء المفقود من كتاب ضخم يمثل أكبر وعاء للسنة منافساً لمسند الإمام أحمد -رحمه الله- يعد شيئا ضخما عظيما.
رتب الإمام الطبراني المعجم الكبير على أسماء الصحابة مثل الإمام أحمد. وأما المعجم الأوسط فإنه عَجَبٌ، فترتيب المعجم الأوسط للطبراني يدلك على إمامة عظيمة لهذا الرجل.
أتدري كيف رتب الكتاب؟
رتب الكتاب على مرويات شيوخه.
ما معنى مرويات شيوخه؟
هو له ألف شيخ مُرَتّبينَ على حروف ألف باء له في "الأحمدون" –مثلاً- عشرون شيخ اسمه أحمد. وله عن كل شيخ عشرة أحاديث أودعهم في هذا المعجم. فلما انتهى من حرف الألف أتى بأسماء الشيوخ الذين يبدؤون بحرف الباء، وحرف الثاء، وحرف الجيم.. وهكذا حتى وصل إلى حرف الياء. كل شيخ من هؤلاء له عنه رواية. فأسماء الرواة مرتبين على حروف ألف باء في كل اسم منهم مجموعة من الشيوخ ولكل شيخ جملة روايات. فأمر كالأسطورة ويدلك على إمامة وعبقرية في هذا العلم، ومكانة للإمام الطبراني -رحمه الله تعالى- لا تُبارى ولا تنافس.(1/16)
فتجد –مثلاً- في المعجم الأوسط يقول: "باب من اسمه أحمد" حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحُوطِي. وذكر حديث أبي سعيد: (أمتي أمة مرحومة) وهو أول حديث في الكتاب. هذا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة. ثم قال في الحديث الثاني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ثم بعده الحديث الثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر. هذا أول راو له عنه إلى الآن فذكر له من الروايات ثلاثين حديثا. والمعجم الأوسط –أساسا- صُنِّف للتفرّدات؛ أي غرائب، وأحاديث علل، فإعجاز إلى إعجاز إلى إعجاز؛ أن يُرَتِّب الكتاب على أسماء شيوخه له عن كل شيخ كمية روايات وهذه الروايات في أصل توصيفها أنها أحاديث أفراد، وأحاديث غرائب.
ولذلك في المعجم الأوسط الطبراني -رحمه الله تعالى- من براعته -وهذه مسألة سائدة في كل مرويات المعجم الأوسط-؛ إذا روى الحديث؛ يقول: لا يُروى هذا الحديث عن فلان إلا بهذا الإسناد، وتفرّدَ به فلان، وهذا في كل حديث.
فهذه براعة وإمامة من الطبراني -رحمه الله تعالى- لا تبارى في أئمة الدنيا، وأئمة الحديث. وكأنه حاسب آلي أو أكثر من الحاسب الآلي.
ثم اختصر هذا المعجم الذي هو عشر مجلدات في المعجم الأوسط؛ فأخذ من كل شيخ حديث واحد، يعني أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ذكر له حديث ثم الذي يليه ثم الذي يليه حتى انتهى من ذكر شيوخه كلهم لكن لكل شيخ حديث واحد وليس جملة مرويات أو كل ما رواه عنه الذين ذكرهم في الوعاء الأكبر وهو كتاب المعجم الأوسط.
(المعجم الأوسط له أيضا:
وهو مرتب على أسماء شيوخه وهم قريب من ألفي رجل).
شيوخه ألفان شيخ، وأنت إذا سألت الطالب اليوم عن شيوخه لا يكاد يذكر خمسة بالكاد.
(ويقال: إن فيه ثلاثين ألف حديث.
المعجم الصغير له أيضا:
خَرَّجَ فيه عن ألف شيخ من شيوخه يقتصر فيه غالباً على حديث واحد عن كل واحد من شيوخه.(1/17)
معجم الصحابة: لأحمد بن علي بن لال الهمداني المتوفى سنة 398 للهجرة.
معجم الصحابة: لأبي يعلى أحمد بن علي الموصليّ المتوفى سنة 307 للهجرة).
أيضاً معجم الصحابة لابن قانع وهو مطبوع في ثلاث مجلدات فهذه المعاجم أشهرها على الإطلاق وهو موضوع درسنا، وتجد وعاء أكبر لأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- "المعجم الكبير" للطبراني والأوسط له، ثم معجم ابن قانع. أما المعاجم؛ معجم ابن لال ومعجم الصحابة لأبي يعلى الموصلي ليست مطبوعة ولا نعرف عنها.
هنا في المعجم الكبير وهو خمسة وعشرون مجلدا، ومجلدان كبيران للمعجم بحيث إذا أردت أنت حديثا فالأحاديث مرتبة فيها على حروف ألف باء هذا كله في حرف الألف ومن الألف إلى الحاء الذي هو المجلد الثالث عشر والرابع عشر جزآن في مجلد، ثم الخامس عشر والسادس عشر من بقية حرف الحاء إلى آخر حرف الياء. وهذه خدمة جيدة أيضاً لكتاب المعجم الكبير لمن أراد الرجوع إلى أي حديث يظن أنه في المعجم، ونكتفي اليوم بهذا المقدار ونكمل -إن شاء الله تعالى- طريقة الأطراف في محاضرة الغد -إن شاء الله تعالى- والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
يقول: هل يوجد كتاب مصنف في الحديث مرتب على الصحة؟.
أحاديث مرتبة على الصحة في كتب التخريج؟
أي نعم.
إن كان فالسلسلة الصحيحة للشيخ الألباني -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-، وجرّدها الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان فاختصر السلسلة الصحيحة كلّها في مجلد واحد ويذكر الحديث، ثم موضعه من السلسلة الصحيحة لمن أراد أن يتوسع في ذكر العلل، أو أسباب الصحة، أو الكلام على الرواة. لكن الشيخ مشهور -حفظه الله تعالى- جرد السلسلة الصحيحة وذكر الحديث كاملاً، وموضعه من الأصل؛ ليكون سهلا لمن شاء أن يبحث عن حديث مرتب على الصحة. هذا الذي أعلمه من كتب الأحاديث المصنفة على الصحة، ولا أعلم إلا هذا الجهد الذي قام به الشيخ مشهور على السلسلة الصحيحة للألباني.(1/18)
يقول: تكلمتم عن مسند الإمام أحمد ثم تكلمتم عن معجم الطبراني الكبير. فما الفرق بينهما؟ الذي يظهر أنه لا فرق بينهما؟.
لا فرق، فالمعجم الكبير مرتب على أسماء الصحابة، وكذلك مسند الإمام أحمد مرتب على أسماء الصحابة، لا فرق بينهما في طريقة التصنيف.
لماذا سماه المعجم، ولم يسمه المسند؟.
المعجم لفظ أوسع من المسند، فقد يكون المعجم مرتب على على أسماء الصحابة، وقد يرتب على أسماء شيوخ الراوي، فهذا معجم وهذا معجم، أما إذا ذكر الإسناد فكلمة المسند استعمالها في الأعم الغالب على الأحاديث المرتبة على أسماء الصحابة.
أسئلة الدرس:
السؤال الأول: عرف بالمسانيد، واذكر أشهرها، ثم عرّف بمسند الإمام أحمد تعريفاً تفصيلياً.
السؤال الثاني: عرف بالمعاجم، واذكر وصفاً تفصيلياً لمعجمي الطبراني الكبير، والأوسط.
يقول: الإمام أحمد في ترتيبه للمسند عندما ذكر أحاديث الصحابي لم يراعِ ترتيبها الفقهي؛ أحاديث في الطلاق، ثم في الطهارة.
المسانيد لم ترتب أحاديث ذاك الصحابي على الموضوعات، إنما هو ترتيب كيفما اتفق.
الشيخ "الساعاتي" -رحمه الله تعالى- "أحمد بن عبد الرحمن" والد حسن البنا رتب "مسند أحمد" على الأبواب الفقهية؛ ليخدم الفقيه والكتاب مطبوع لكنه نادر الوجود. لكن الإمام أحمد في طريقة تصنيفه إنما راعى التصنيف على أسماء الصحابة، ولم يرتب داخل الكتاب ترتيباً فقهياً.
يقول: سمعنا أن الإمام أحمد هناك تكملة لابن عبد الله وتكملة للقطيعي.
هذا داخل المسند أفردها بالنشر أستاذنا الدكتور عامر حسن صبري. فصنع زيادات عبد الله بن أحمد على مسند أبيه. وهو كتاب مطبوع وموجود.
مفردة عن المسند؟.(1/19)
هي أُخذت من المسند، وهي قليلة ستة وثلاثون حديثا، أو أربعون حديثا وليست بالكثيرة، وهي الزيادات التي وجدها عبد الله بخط أبيه، أو الأحاديث التي رواها عبد الله بن أحمد عن غير أبيه، فهذا كله موجود. والدكتور عامر حسن صبري له عناية بهذه الجزئية من العلم؛ فينظر في كتابه.(1/20)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس العاشر
كتب الأطراف
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كنا في محاضرة الأمس بدأنا في الطريقة الثالثة من طرق الاستخراج، وهي التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة. وقلنا إن الكتب المساعدة في هذا الأمر كتب المسانيد والمعاجم والأطراف. وتكلمنا بالأمس على مسند الإمام أحمد، وطريقة ترتيبه واستخراج الحديث منه، والكتب المساعدة له من الفهارس وغيرها. وتكلمنا عن المعاجم، فذكرنا معاجم الطبراني الثلاثة؛ المعجم الكبير والأوسط والصغير. والليلة بمشيئة الله -سبحانه وتعالى- يكون كلامنا عن النوع الثالث من الكتب المساعدة وهي كتب الأطراف، ويقتصر كلامنا فيها -إن شاء الله تعالى- على وجه التفصيل على كتاب "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف". فنبدأ بذكر حقيقتها، وترتيبها إلى غير ذلك من الكلام النظري، ثم ندخل -إن شاء الله- بعد ذلك على التطبيق العملي، وهو التخريج من كتاب "تحفة الأشراف".
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
كتب الأطراف
حقيقتها:
كتب الأطراف هي نوع من المصنفات الحديثية اقتصر فيها مؤلفوها على ذكر طرف الحديث الذي يدل على بقيته، ثم ذكر أسانيده التي ورد من طريقها ذلك المتن، إما على سبيل الاستيعاب، أو بالنسبة لكتب مخصوصة. ثم إن بعض المصنفين ذكر أسانيد ذلك المتن بتمامها، وبعضهم اقتصر على ذكر شيخ المؤلف فقط).
إذن فهي لا تكون أطراف إلا بذكر طرف من الحديث، ثم إن المنصف صاحب الكتاب الذي خرّج الأحاديث على الأطراف يذكر طرفا من الحديث كإشارة إليه وجل تركيزه واجتهاده وسعيه على أسفل وهو الكلام على أسانيد ذلك المتن. إما من طريق كتاب بعينه، أو من أكثر من كتاب؛ كالكتب الستة، أو غيرها، أو العشرة كما سنعرف -إن شاء الله تعالى- فيما يأتي.
(ترتيبها:(1/1)
أمّا ترتيبها فالغالب أن مؤلفيها رتبوها على مسانيد الصحابة، مرتبين أسماءهم على حروف المعجم؛ أي يبدؤون بأحاديث الصحابي الذي أول اسمه ألف، ثم باء وهكذا. وربما رتبها بعضهم وهو قليل على الحروف بالنسبة لأول المتن؛ كما فعل أبو الفضل ابن طاهر في كتاب "أطراف الغرائب والأفراد" للدارقطني؛ فقد رتبه على حروف المعجم بالنسبة لأوائل المتن وكذلك فعل الحافظ محمد بن علي الحسينيّ في كتابه "الكشاف في معرفة الأطراف".
معنى الأطراف:
الأطراف جمع طرف، وطرف الحديث معناه الجزء من متنه الدَّال على بقيته، مثل قولنا حديث: (كلكم راع)، وحديث (بني الإسلام على خمس)، وحديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، وهكذا.
عددها:
وكتب الأطراف كثيرة، ومن أشهرها:
- "أطراف الصحيحين" لأبي مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقيّ المتوفى سنة 401هـ.
- "أطراف الصحيحين" لأبي محمد خلف بن محمد الواسطيّ المتوفى سنة 401 هـ أيضا.
- "الإشراف على معرفة الأطراف"؛ أي أطراف السنن الأربعة للحافظ أبي القاسم عليّ بن الحسن المشهور بابن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571ه).
هذه الثلاثة في حدود معرفتي لم تطبع إلى الآن؛ كتاب "الأشراف على معرفة الأطراف" للحافظ ابن عساكر لا يُعرف مطبوعا = لا يزال مخطوطا، وكذلك لا علم لي بـ "أطراف الصحيحين" لابن خلف الواسطي، ولأبي مسعود الدمشقي أيضا لا تزال -في حدود دائرة معلوماتي- في عداد المخطوطات. وبعد ذلك "تحفة الأشراف" و"إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر هذه مطبوعة ومتداولة، وكذلك كتاب البوصيري، وذخائر المواريث.
(
- "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"؛ أي أطراف الكتب الستة للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المِزِّيّ المتوفى سنة 742 هـ.
- "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" للحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ المتوفى سنة 852 هـ.
- "أطراف المسانيد العشرة" لأبي العباس أحمد بن محمد البوصيري المتوفى سنة 840 ه).(1/2)
كتاب "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" للحافظ ابن حجر، وكتاب "أطراف المسانيد العشرة" للبوصيري قد يظن الباحث أو الطالب أنهما كتاب واحد، أو يخدمان في اتجاه واحد لكن الحقيقة أن جملة ما في الكتابين من المصادر التي قاموا بخدمتها إحدى وعشرين كتابا. فكتاب الحافظ بن حجر "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" هذه العشرة هي: موطأ مالك، مسند الشافعي، مسند الإمام أحمد، مسند الدارمي، سنن الدارمي، صحيح ابن خزيمة، المنتقى لابن الجارود، صحيح ابن حبان، مستدرك الحاكم، مسند أبي عوانة، سنن الدارقطني، معاني الآثار للطحاوي، فهذه إحدى عشر كتابا. وهم ذكروا صحيح ابن خزيمة على أساس أنه كتاب لم يكتمل فالقدر المطبوع من صحيح ابن خزيمة أربعة مجلدات هذه تساوي –تقريبا- ربع الكتاب فقط لا غير. فلذلك ذُكِرَ تجاوزا، وإلا؛ فهو كتاب غير مكتمل.
وأما أطراف المسانيد العشرة للبوصيري؛ فجهده فيها منصب على أطراف مسند أبي داود الطيالسي، ومسند الحميدي، ومسند مسدد بن مسرهد، ومسند محمد بن يحيى العدني، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند أحمد بن منيع، ومسند عبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة، ومسند أبي يعلى الموصلي.(1/3)
ترى في جهد الإمام البوصيري أن جل الكتب التي قام بخدمتها وعمل عليها أطرافا في كتابه. هذه وعاء للكتب المفقودة. فالآن –مثلاً- مسند محمد بن يحيى العدني لا نعرفه. ومسند إسحاق وُجد منه جزء طبع في خمسة مجلدات وغير مكتمل. ومسند أحمد بن منيع، ومسند عبد بن حميد المنتقى الذي صنعه الشيخ مصطفى العدوي، الحارث بن أبي أسامة القدر الموجود منه أطراف للهيثمي، مسند مسدد بن مسرهد غير موجود وجود أطراف هذه الكتب، وكون البوصيري يقول إن هذا الحديث عند مسدد أو عند محمد بن يحيى العدني؛ فهذا وعاء مهم جدا جدا كمكان لأحاديث الكتب المفقودة. نفس الكلام عند الحافظ ابن حجر إلا أن الكتب التي عمل أطرافها كلها الحمد لله مطبوعة؛ فلا يقال إن هذا كتاب يُستغنى عنه خاصة كتاب البوصيري. لماذا؟
لأن جهده على كتب معظمها مفقود والكتابان لا غنى عنهما لطالب العلم الذي يبحث عن الأسانيد، ويبحث في السنة إلى غير ذلك.
مسند أبي بكر بن أبي شيبة في الأول ولا في الثاني؟
في الثاني مع..
البوصيري في المسانيد العشرة
مسند ابن أبي شيبة مطبوع لكن أقصد البوصيري الخدمة التي فعلها في الأطراف عمل جهدا على كتب ليست موجودة بأكملها، أو مفقود قدر كبير منها؛ كمسند مسدد، ومحمد بن يحيى العدني، وإسحاق، وأحمد بن منيع، وقدر من مسند عبد بن حميد، والحارث بن أسامة. فهذه أشياء معظمها مفقود، أو موجود منها قدر يسير، والباقي لا يعرف أين هو. فهذا يعتبر وعاء لشيء مفقود فمهم جدا تحصيل مثل ذلك لطالب الحديث.
(-"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضيع الحديث" لعبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 هـ.
فوائدها:
لكتب الأطراف فوائد متعددة أشهرها ما يلي:
- معرفة أسانيد الحديث المختلفة مجتمعة في مكان واحد. وبالتالي معرفة ما إذا كان الحديث غريبا، أو عزيزا، أو مشهورا.)(1/4)
يعني هي الفائدة التي في الأول التي هي معرفة الأسانيد الحديث المختلفة مجتمعة في مكان واحد. هذه فائدة لا يستهان بها؛ لأنك في الطريقتين الماضيتين أنت تستخدم المعجم المفهرس أو تستخدم ما قبل ذلك الجامع الصغير، أو موسوعة أطراف الحديث لزغلول يحيلك، وتقعد تكتب في الأسانيد، وتقارن بينها، وتوازن.
وفي التحفة -هنا كما سنرى- الأسانيد كلها أمام عينيك؛ فيقول: رواه فلان رواه البخاري –مثلاً- عن محمد عن مسدد عن محمد بن بشار عن شعبة وفلان عن فلان. فالأسانيد كلها أمام عينيك وتستطيع التأمل فيها والنظر بدلا من أن تأتي بالكتاب الأصلي، وتخرج منه. فتكتب ثم تأخذ في المقارنة.
نعم الكتب التي خدمت عدد ليس بالكثير لا يستوعب عادة يستفيد الباحث في جزئية معينة من الحديث الذي يريد تخريجه لكنه على أية حال جزء لا يُستهان به. وبالتالي الأسانيد إذا كانت أمام عينيك فيقول وبالتالي معرفة ما إذا كان الحديث غريبا أو عزيزا أو مشهورا تبين لك الطرق وتعرف المدارات وتعرف هذا الحديث فيه تفرد. هذا الحديث فيه كثرة. تعرف ما إذا كان الحديث مشهورا. إذا كان الحديث غريبا إلى غير ذلك من الفوائد الإسنادية التي نبدأ من اليوم -إن شاء الله- في التنبيه عليها ودراستها.
(
- معرفة من أخرج الحديث من أصحاب المصنفات الأصول في الحديث والباب الذي أخرجوه فيه.
- معرفة عدد أحاديث كل صحابيّ في الكتب التي عمل عليها كتاب الأطراف.
تنبيه: ينبغي أن يعلم أن كتب الأطراف لا تعطيك متن الحديث كاملا كما هو واضح. كما أنها لا تعطيك لفظ الحديث ذاته في الكتب التي يشملها كتاب الأطراف. وإنما تعطيك المعنى الموجود في تلك الكتب. وعلى المراجع الذي يريد متن الحديث كاملا باللفظ نفسه أن يرجع إلى المصادر التي أشارت إليها كتب الأطراف. فهي بمثابة دليل على مكان وجود تلك الأحاديث، وليست كالمسانيد التي تعطيك الحديث كاملا، ولا تحوجك للرجوع إلى مصدر آخر.)(1/5)
طبعا نحن ننبه في كل مرة أن كل كتاب له خصائص، وكل كتاب يستفاد منه فائدة ليست في غيره.
فاليوم كتب الأطراف ميزتها، وفائدتها الكبرى أنها تجمع لي الحديث بجميع طرقه من الكتب الستة، وخاصة تحفة الأشراف في مكان واحد. فهذا كشاف الباحث، أو المتمرس في دراسة الحديث يقع في قلبه انطباعات معينة عن الرواية بشكل سريع، ومثمر عند نظره في كتاب مثل :تحفة الأشراف". فنرى كتاب تحفة الإشراف، وكيفية البحث فيه.
(
"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"
مصنفه:
الحافظ جمال الدين أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرحمن المزيّ المتوفى سنة 742 ه)
المزي الحافظ يوسف بن عبد الرحمن -رحمه الله تعالى- من خواصّ تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية هو والحافظ ابن كثير. والاثنان دمشقيان من بلد واحدة. وكانت إليهما الرحلة من الآفاق لأخذ علم الحديث. والمزي -رحمه الله تعالى- ليس مُكثرا من التصنيف والمشهور أن للمزي كتابيْن؛ كتاب "تحفة الأشراف" وكتاب "تهذيب الكمال" الذي طبع بتحقيق بشار عواد معروف في 35 مجلدا. فليس له إلا هذان الكتابان من يوم صنفهما المزي إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة -إن شاء الله تعالى- حاجة طلبة العلم إليهما ماسة لا يُستغنى عنهما بحال من الأحوال. ومهما حصل تطور في دراسة السنة وعلم الحديث والإلكترونيات وغير ذلك إلا أنها بحال من الأحوال هذان الكتابان متصدران قائمة اهتمام طالب الحديث.
تهذيب الكمال هو كتاب الكمال لعبد الغني المقدسيّ في أسماء الرجال. فهذبه المزي وأضاف وزاد أشياء، وطبع بتحقيق بشار عواد في 35 مجلد. وقبل طبع هذا الكتاب وهو طبع تقريبا قبل 15سنة قبل طبع هذا الكتاب كان الباحثون في حيرة. لماذا؟(1/6)
لأنه لا يمكن تعيين الراوي إلا باستيعاب جميع تلامذته وشيوخه. وهذه مسألة -إن شاء الله- نتوسع في الكلام عليها عند دراسة الأسانيد. لكن أقول إن المزي -رحمه الله تعالى- صنف كتابين هما غرة في جبين الدهر؛ "تحفة الأشراف"، و"تهذيب الكمال بأسماء الرجال" وهم أسماء الرواة الذين لهم أحاديث في الكتب الستة.
فالمزي -رحمه الله تعالى- كان إماما بارعا في الرواية، ومعرفة العلل، والأسانيد حتى إنهم -كما في ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى في المجلد العاشر- يقول السبكي وهي شهادة من مثل السبكي -رحمه الله تعالى- كان بين المدرستين عداوة شرسة؛ مدرسة الأشاعرة، ومدرسة السلفية فكونه يصفه ويثني عليه ثناءً لا يكاد يوصف به المزي في كتاب آخر حتى ولو من مثل الحافظ الذهبي -رحمه الله-. يقول إن المزي كان يجلس من الصباح إلى العشاء يدرّس، ويسمع الطلبة، وكان الطلبة يقرؤون عليه، وتغمض عيايه، فينام فيخطئ الطالب فيستقيظ ويقول له هذا خطأ هذا ليس فلانا هذا فلان حصل تصحيف في الاسم أو خطأ في نطق كلمة أو شيء. فيستقيظ وينبهه.(1/7)
وكانت الأسانيد تضطرب، والعلل وغير ذلك. وهو يمر فيها كالسهم لا يكاد يقف، ولا يكاد يخطئ -رحمه الله تعالى ورضي عنه!-. فهذا الإمام البارع العَلَم التي انتهت إليه معرفة الرجال في عصره وكانوا يقولون انتهت معرفة الرجال وعلم الحديث إلى أربعة؛ المزي، والذهبي، والبرزالي، ورابع لا أذكره الآن. لكن كان المزي من هؤلاء الفرسان البارعين في ذلك الزمن. وكانت الرحلة من مصر وغيرها إلى الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- لتحصيل مروياته، وتحصيل ما عنده وتجد كثيرا من مرويات المزي في كتابه القيّم "تهذيب الكمال" في آخر كل ترجمة. كثيرًا ما يورد في ترجمة الراوي حديثا وقع له بإسناده هو إلى ذلك الراوي، فيورده. فهو –مثلاً- يترجم لسفيان بن عيينة، يترجم للأعمش، لشعبة، لأحد من هؤلاء الكبار، أو غيرهم من الرواة المغمورين بعد ما يورد كلام أهل العلم فيه؛ اسمه، ونسبه، ومولده، وشيوخه، وتلامذته، وكلام أهل العلم عليه، ووفاته. بعد ما ينتهي من الترجمة؛ يقول قد وقع عليه من حديثه عاليا حدثنا به فلان ويذكر إسناده إلى ذلك الراوي حتى ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولشيخنا الفاضل شيخنا أحمد شحاتة الألفي جهدٌ مشكور في تجميع مرويات المزي الموجودة في "تهذيب الكمال" أربعين حديثا بصفة معينة، ومائة حديث أخرى بصفة معينة موجودة على ملتقى أهل الحديث لمن شاء أن يطالعها.
(
- الغرض الأساسي من تصنيفه:
جمع أحاديث الكتب الستة وبعض ملحقاتها بطريق يسهل على القارئ معرفة أسانيدها المختلفة مجتمعة في موضع واحد.
- موضوعه:
ذكر أطراف الأحاديث التي في الكتب الستة، وبعض ملحقاتها وهي:
- مقدمة صحيح مسلم.
- كتاب المراسيل لأبي داود.)(1/8)
الإمام المزي -رحمه الله تعالى- أورد أحاديث الكتب الستة في التحفة، وأضاف إليها بعض الإضافات؛ منها الأحاديث الموجودة في مقدمة "صحيح مسلم" والأحاديث التي في مقدمة مسلم ليس لها حكم الصحيح. لكنها محذوفة الأسانيد وفيها بعض الموقوفات، أو بعض الأحاديث التي في أسانيدها كلام. فلا يحكم على الأحاديث التي في مقدمة مسلم ولا يقال إن مسلم رواها في الصحيح. وإنما تقول رواها في المقدمة فليس لها حكم الصحيح.
فجرد أيضا أحاديث المقدمة في التحفة وهو يشير إليها في أثناء التخريج، وكتاب المراسيل لأبي داود. ومعلوم أن كتاب المراسيل طبع أكثر من مرة. والطبعات الموجودة فيها محذوفة الأسانيد. وهذه لا تغني من الحق شيئا؛ لأن الطالب إنما يريد السند وحذف الإسناد يجعل الكتاب معدوم القيمة. ففي النسخة اللي حققها شعيب الأرناؤوط بأسانيدها هي التي يعول عليها عند العمل.
كذلك فرّغ أحاديث العلل الصغير التي في آخر الترمذي الذي تولى شرحه الحافظ الفذ ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي". فأحاديث مقدمة مسلم، ومراسيل أبي داود، والعلل الصغير للترمذي، والشمائل للترمذي، وعمل اليوم والليلة للنسائي هذه فرغها أيضا في التحفة وأشار إليها عند التخريج؛ فيقول –مثلاً-... ما رمز أبي داود؟
د فإذا روى للمراسيل؛ قال من د؛ أي أبي داود في المراسيل. النسائي في "عمل اليوم والليلة" يقول سي يعني ليس في السنن الكبرى، وإنما في عمل اليوم والليلة. وهكذا كما سنرى -إن شاء الله-.
( -كتاب العلل الصغير للترمذي وهو الذي في آخر كتابه الجامع)
لأن للترمذي علل كبير مرتب على أبواب الفقه ترتيب أبي طالب. وكتاب العلل الصغير وهو موجود في آخر السنن وشرحه العلامة الإمام ابن رجب الحنبلي.
(
-كتاب "الشمائل" للترمذي أيضا.
- كتاب "عمل اليوم والليلة" للنسائي.
رموزه:(1/9)
لقد رمز المزيّ لكل كتاب من الكتب التي جمع أطرافها برمز خاص به. وهذه الرموز هي: خ: للبخاري، خت: للبخاري تعليقا، م: لمسلم، د: لأبي داود، مد: لأبي داود في مراسيله، ت: للترمذي، تم: للترمذي في الشمائل، س: للنسائي، سي: للنسائي في عمل اليوم والليلة، ق: لابن ماجه، ز: لِمَا زاده المصنف من الكلام على الأحاديث، ك: لما استدركه المصنف على ابن عساكر، ع: لما رواه الستة.)
فإذا استطرادية وهو أن البخاري -رحمه الله تعالى- يذكر جملة من الأحاديث معلقة يعني محذوفة الأسانيد في كتابه الجامع الصحيح. وهو يذكرها كالدليل على صحة عنوانه فالبخاري -رحمه الله تعالى- كما يقولون فقهه في تراجمه. التراجم التي هي عناوين الأبواب. فهو يأتي -رحمه الله تعالى- بعنوان ثم يأتي بأحاديث محذوفة الأسانيد كلها أو بعضها ليدلل على صحة هذه العنونة، ثم يذكر بعد ذلك الحديث المسند. فالأحاديث التي في البخاري بين العنوان وبين الحديث المسند الذي يورده بإسناده هذه تسمى معلقة. فهذه يأتي لها الكلام عليها في مناسبة أخرى لكن هذا معنى البخاري تعليقا الأحاديث التي ذكرها البخاري في الصحيح وحذف أسانيدها ثم وصل الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وصل هذه الأسانيد كلها في كتاب سماه "تغليق التعليق" وهو مطبوع في خمسة مجلدات.
الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- بنى كتابه أساسا الذي هو تحفة الأشراف على كتاب ابن عساكر الذي جمع في أطراف الكتب الأربعة. فهو استدرك على ابن عساكر الذي جمع فيه أطراف الكتب الأربعة فهو استدرك على ابن عساكر أحاديث فإذا رأيت رمز ك فمعناه أنه مستدرك على ابن عساكر. وهو رمز إليه برمز كاف. وإذا رمز برمز ز فتعلم أنه ما زاده الإمام المزي -رحمه الله تعالى- من الكلام على الأحاديث.
(
- ترتيبه:(1/10)
الكتاب معجم مرتب على تراجم أسماء الصحابة الذين رووا الأحاديث التي اشتمل عليها الكتاب. فيبدأ الكتاب بترجمة مَنْ أول اسمه همزة مع ملاحظة الحرف الثاني منه. وهكذا مثل ترتيب الكلمات في المعجم. لذلك نرى أول مسند في هذا الكتاب هو مسند أبيض بن حَمَّال)
هذه هو كتاب التحفة وبداية الكلام على الرواة بعد المقدمة وغير ذلك. أول شيء فيه قال: حرف الألف في التحفة حرف الألف: أبيض بن حمال الحميري المأربي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول: 1 يعني هذا الحديث الأول لذلك الراوي وبين قوسين.
يقول: أبيض. هذا أبيض اسم راوٍ وليست صفة.
أبيض بن حمال الحميري عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ونحن قلنا هذه كتب أطراف يعني يذكر طرف الحديث، ويذكر بعد ذلك الأسانيد. فكلامنا كله –الآن- في الأسانيد وليس في المتون.
فالحافظ المزي -رحمه الله تعالى- وضع بين قوسين في الأول؛ قال: د ت س ق ما معنى هذا الكلام؟
هذا الكلام أن الحديث الآتي ذكره أخرجه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ثم يقول حديث يعني الحديث الذي سأذكره؛ أنه وَفَدَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقطعه الملح الذي... الحديث.
يعني هو لا يعتني أساسا بالمتون. وإنما الخدمة التي سيقدمها لنا: يقول: إن أبا داود روى الحديث عمَّنْ حتى وصل إلى الصحابي، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه كما سنعرف الآن في مسألة التقاء الطرق والأسانيد. فماذا يقول؟
في استقطاع الحديث. يعني العبرة والخدمة التي في الكتاب ليست خدمة متون. فهو لا يعتني بتكميل المتن، ولا بقصته. وإنما العبرة عنده بماذا؟
العبرة عنده بالأسانيد.
فيقول: د في الخراج؛ يعني أبا داود في كتاب الخراج. 36 يعني الباب رقم 36. عمّن؟ قتيبة. وأنا آثرت أن يكون المثال مشروحا من الكتاب الأصلي أفضل من النموذج التي أتى بها المؤلف -حفظه الله-. عن قتيبة ومحمد بن المتوكل العسقلاني.
قتيبة ومحمد بن يحيى بن قيس(1/11)
كلاهما يعني من ومن؟
قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل
من الآن فصاعدا كلامنا كله في الأسانيد والطرق والعلل ومواطن الالتقاء ومواطن الافتراق والحديث غريب أم عزيز وأم مشهور أم متواتر. الكلام القديم الذي أخذناه في الطريقتين الماضيتين إنما كنا ندرب الطلبة على فتح الكتب، واستخدامها إلى غير ذلك.
هنا بداية الكلام على التخصص؛ فلا تنزعجوا من سماع أسماء كثيرة جدا في الوقت الواحد أو في المحاضرة الواحدة التي لا نعرف عنها شيئا. لكن هذا إنما يأتي كما قال ابن عباس -رضي الله عنه- لا تأخذ العلم جملة؛ فيذهب عنك جملة، وإنما خذه مع الأيام والليالي. فالإنسان لو فتح كتاب مثل البخاري، وبدأ يقرأ مثلاً كل يوم عشرة أحاديث بأسانيدها، سيتدرب وهذه أزمة موجودة في الأمة الآن أن هذه الكتب هُجرت، وصار قراءة الأسانيد شيئا مستغربا كأنه علم هُجِر ما نعلم أن هذا المدون بذلت فيه مهج وأرواح كما سنرى ونسمع فيما يأتي -إن شاء الله-. فالحاصل إن الإنسان إذا قرأ عشرة أسانيد هذه الأسانيد تتكرر وأحيانا يتكرر الإسناد برمته يعني الإسناد يأتي كاملا كما هو في حديث آخر فمع التكرار يستفيد الإنسان، ويفهم ويعرف أسماء الرواة حبذا لو فتح كتاب من كتب الرجال وأخذ فكرة عن كل راو تتمثل في سطرين يدونهما على حاشية كتابه.
فهنا يقول: قتيبة ومحمد بن المتوكل العسقلاني كلاهما
عن محمد بن يحيى
عن محمد بن قيس المأربي.
عن أبيه
يكفينا هذا الآن.
محمد بن قيس عن أبيه عن ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس عن شمير بن عبد المدان عن أبيض بن حمال
يعني الإسناد نفسه الإسناد في أبي داود فيه كم راو؟
لو قلنا قتيبة ومحمد بن المتوكل العسقلاني في طبقة واحدة. فهذه طبقة عن محمد بن يحيى بن قيس 2 عن أبيه 3 عن ثمامة بن شراحيل 4 عن سمي بن قيس 5 عن شمير بن عبد المدان 6 عن أبيض بن حمال 7 .(1/12)
فهذا إسناد سباعي يعني أنه نازل جدا. وكلما كثر عدد الرواة؛ كلما كانت مشكلة؛ لأنك محتاج بعد ذلك كما سندرس في الأسانيد أنت تحتاج إلى معرفة حال كل راو. فكلما قل عدد الرواة؛ قل بحثك، خاصة الرواة المختلف فيهم. لكن أنت الآن محتاج أن تعرف حال ثمانية من الرواة؛ قتيبة، ومحمد بن المتوكل، ومحمد بن يحيى بن قيس المأربي ووالده الذي هو يحيى بن قيس، وثمامة بن شراحيل، وسمي بن قيس، وشمير بن عبد المدان، عن أبيض بن حمال.
هات ما عندك بعد أبي داود.
الترمذي في الأحكام عن قتيبة
رقم كام؟
لم يذكر رقم لعله ذكره في الكتاب الأصلي
والترمذي في الأحكام 39 يعني باب 39
عن قتيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمر عن قتيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمر
ابن أبي عمر غير محمد بن يحيى بن المتوكل العسقلاني هذا غير هذا محمد بن يحيى بن أبي عمر كلاهما
عن محمد بن يحيى بن قيس
عن محمد بن يحيى بن قيس
بإسناده وقال غريب
بإسناده يعني محمد بن يحيى بن قيس عن أبيه عن ثمامة عن سمي بن قيس عن شمير بن عبد المدان.
يعني هو غير فقط في أي شيء؟
في أنه قرن قتيبة هناك قرنه بين محمد المتوكل العسقلاني، وهنا قرنه بمحمد بن يحيى بن أبي عمر والاثنان رويا الحديث عن محمد بن قيس كما رواه أبو داود عن محمد بن قيس فهو نفس الإسناد يعني نفس إسناد الترمذي هو هو إسناد أبي داود إلا أن الترمذي قرن قتيبة بن سعيد بمحمد بن يحيى بن أبي عمر وأبو داود قرنه بمحمد المتوكل العسقلاني هذا الاختلاف الذي في إسناد الترمذي عن إسناد أبي داود والباقي كله متماثل.
طيب الترمذي قال ماذا؟ وهذي أعظم ميزة في كتاب المزي.
وقال غريب
هذا مهم جدا. لماذا؟(1/13)
لأن المزي -رحمه الله تعالى- توفر له من نسخ الكتب التي أخرجها؛ البخاري، ومسلم، والسنن الأربعة توفر له من الروايات ما لم يتوفر لغيره. وهناك روايات ليست موجودة؛ كرواية ابن العبد لسنن أبي داود هي ليست مطبوعة ليست بين أيدينا الموجود في الأمة الآن رواية ابن داسة. ورواية ابن الأعرابي لسنن أبي داود غير موجودة. روايات الترمذي كان عندي روايات كثيرة جدا نسخ. ولذلك إذا أراد الباحث أن يتأكد من أحكام الترمذي على الأحاديث النسخ مختلفة. نسخة الشيخ أحمد شاكر لتحقيق الترمذي قد يقول على الحديث: حسن غريب في نسخة شاكر مثلاً. في نسخة شعيب الأرناوؤط مثلاً تجد فيها مثلاً: حسن وما في غريب. وفي نسخة ثالثة مثلاً أي نسخة من النسخ التجارية الموجودة قد تجد: حسن غريب، فيقع اضطراب في نظر الباحث. كلام الترمذي على الحديث هو حسن غريب ولا حسن ولا حسن غريب. مثلاً تحت يدي نسخة المكتبة الوطنية بباريس، ونسخة السليمانية من الترمذي ونرجع للتأكد من أحكام الترمذي على الأحاديث.
فالفيصل في اختلاف النسخ في الحكم على الأحاديث هو التحفة. وهذه فائدة لم ينص عليها الشيخ الطحان في الفوائد لكنها عزيزة جدا ونادرة؛ لأن الإمام وقع له من النسخ والروايات ما لم يقع لغيره، وفيها ما هو مفقود غير موجود.
إذن عندنا إسناد أبي داود هو هو إسناد الترمذي إلا أن أبا داود قرن قتيبة بمحمد المتوكل العسقلاني، والترمذي قرن قتيبة بمحمد بن يحيى بن أبي عمر وبقية الإسناد سواء.
نكمل.
يقول: ق في الأحكام عن محمد بن يحيى بن أبي عمر
في الأحكام 78
عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن فرج بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمال عن عمِّه ثابت بن سعيد عن أبيه سعيد عن أبيه أبيض نحوه(1/14)
يعني هذا رواية الرجل عن أبيه عن جده عن جده الذي هو فرج بن سعيد عن عمه ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده وهذا جيد في الروايات. قال محمد بن يحيى بن أبي عمر الذي هو هنا في رواية الترمذي غير مقرون بقتيبة. ابن ماجه خرج الحديث غير مقرون بقتيبة؛ فقال........ عن فرج بن علقمة بن سعيد عن عمه ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده الذي هو أبيض وقال: ك استدراك حديث النسائي في رواية ابن الأحمر ولم يذكره أبو القاسم.
هذا نوع من مسألة الأطراف وإن المزي -رحمه الله تعالى- أوقف الناظر في كتابه على إسناد الحديث عند أبي داود، وعلى إسناد الحديث عند الترمذي، ونحن لم نكتب النسائي؛ لطوله لأنه يستغرق الوقت. وطرق الحديث عند ابن ماجه وعرّفك على مواطن الاختلاف، ومواطن الاتفاق. إسناد الترمذي وأبي داود متشابهان. الاختلاف فقط في شيخ الترمذي قرن قتيبة بمحمد بن يحيى بن أبي عمر وأبو داود قرنه بن المتوكل العسقلاني فالإسنادان تقريبا متشابهان. ابن ماجه اتفق مع الترمذي في محمد بن يحيى بن أبي عمر وحوَّل الإسناد تماما إلى طريق آخر. والنسائي تجده متوافقا في بعض الأشياء ومختلفا في بعض الأشياء. فأنت وقفت كأنك فتحت السنن الأربعة وقفت على إسناد كل حديث فيه. وهذه فائدة التحفة وهي تحفة في الحقيقة؛ لأنه يوفر على الباحث جهودا كثيرة في النظر في الطرق والأسانيد.
يقول: في أحياء الموات في الكبرى عن إبراهيم بن هارون عن محمد بن قيس به وعن سعيد بن عمرو عن بقية عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن قيس المأربي عن أبيض بن حمال به وعن سعيد بن عمرو عن بقية عن سفيان عمه معمر نحوه قال سفيان وحدثني ابن أبيض بن حمال عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله وعن عبد السلام بن عتيق عن محمد بن مالك عن إسماعيل بن عياش وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمر بن يحيى بن قيس المأربي عن أبيه عن أبيض بن حمال(1/15)
أنا أوصي المشاهدين والأخوة الحضور أن الكلام هذا لن يُفهم إلا بتفصيله يعني تقول النسائي في الكبرى في إحياء الموات رواه عن إبراهيم بن هارون عن محمد بن يحيى قيس إذن اختلف النسائي عن أبي داود والترمذي بأن شيخه في هذا الإسناد في هذا الحديث هو إبراهيم بن هارون وهكذا المسألة لا بد فيها من ماذا؟
لا بد فيها من توضيح وشرح.
إذا بقي وقت؛ رجعنا إلى إسناد النسائي وكتبناه.
(
هذا هو الترتيب العام للكتاب وقد بلغت مسانيد الصحابة فيه 905 مسندا، وبلغت مسانيد المراسيل المنسوبة إلى أئمة التابعين ومن بعدهم 400 مسندا، وبهذه الطريقة يُعرف عدد أحاديث كل صحابي على حدة. وإذا كان الصحابي مكثرا من الرواية؛ فإنه يقسم مروياته على جميع تراجم مَنْ يروي عنه من الصحابة أو التابعين، ويرتبهم على ترتيب حروف المعجم أيضا.)
يعني على سبيل المثال هنا في مسند أنس وأنس من المكثرين جدا يقول مثلاً أنس عبد الملك بن حبيب عنه. تمام؟
إذن الأحاديث التي رواها أنس رواها عنه عبد الملك بن حبيب هذه هي. تأتي بمسند أنس، وتقلب الصفحات إلى أن تصل إلى حرف العين الذي هو عبد الملك بن حبيب. وإذا كان الراوي عن أنس من المكثرين عنهم مثل ثابت البناني، ثابت أكثر جدا عن أنس. ستجد أنه قسّم أحاديث ثابت البناني على الرواة عن ثابت؛ فيقول حماد بن سلمة عن ثابت، حماد بن زيد عن ثابت إن كان حماد بن زيد رواه عن ثابت وهكذا. طيب إذا كان حماد بن سلمة مكثرا في الرواية عن ثابت عن أنس؛ فيقسم أحاديث حماد بن سلمة، فيقول فلان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، وفلان عن حماد عن ثابت عن أنس حتى ينتهي من أسانيد أنس بهذه الطريقة. ولعل هذا يتضح -إن شاء الله- بمثال نكتبه على السبورة.
((1/16)
وإذا كثرت مرويات أحد التابعين عن بعض الصحابة، وكثر عدد الآخذين عنه؛ فإنه يقسم مروياته على تراجم من يروي عنه من أتباع التابعين. وربما فعل هذا في تقسيم مرويات أتباع التابعين. وإذا كثر عدد الآخذين عنهم؛ فيقسم مروياتهم على تراجم أتباع أتباع التابعين فيترجم أحيانا هكذا: حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة)
الحديث حديث أبي هريرة الراوي عن أبي هريرة من؟ أبو سلمة بن عبد الرحمن. طيب أبو سلمة بن عبد الرحمن أكثر جدا في الرواية عن أبي هريرة. الطرق اختلفت يعني روى عن حماد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن أبي هريرة جمُّ غفير من التلامذة. فماذا يفعل؟
يقسم أحاديث أبي سلمة بن عبد الرحمن على الرواة عن أبي سلمة مرتبين على حروف ألف باء. فيقول مثلاً فلان حرف الألف عن أبي سلمة حرف الباء عن أبي سلمة حرف الحاء عن أبي سلمة حتى ينتهي من جميع الأحرف.
فإذا اتضح أن الراوي عن أبي سلمة عن أبي عبد الرحمن عن أبي هريرة مكثر عنه أيضا؛ فكيف يرتب أحاديثه؟
يرتب أحاديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة الرواة عن محمد بن عمرو أيضا مرتبين على حروف ألف باء. وهكذا حتى ينتهي. وهذا موجود في المكثرين من الرواية.
(تكرار الحديث وسببه:
لقد أورد المصنف بعض الأحاديث في مواضع متعددة. وسبب ذلك هو التزامه إيراد الأحاديث على أسماء الصحابة. ولما كانت بعض الأحاديث مروية من طريق عدد من الصحابة؛ اضطر أن يذكرها مرارا بعدد الصحابة الذين رَوَوْها في الكتب الستة وذلك حتى يجدها الباحث في أي موضع من مظانها حسب طريقة الكتاب. ولذلك بلغت عدة أحاديثه 19595 حديثا على حين بلغت أحاديث كتاب "ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث" 12302 حديثا.
- ترتيب سياق الحديث فيه:
يقدم المصنف في ذكر أحاديث كل ترجمة ما كثر عدد مخرجيه من أصحاب الكتب أولا، ثم ما يليها في الكثرة وهكذا؛ فما رواه الستة يقدم في الذكر على ما رواه الخمسة)(1/17)
يعني مسند أنس مثلاً يذكر أحاديث ثابت البناني عن أنس فيذكر منها ما اتفق الستة على إخراجه، ثم ما اتفق الخمسة، ثم ما اتفق الأربعة، ثم الثلاثة، ثم الاثنان، ثم ما انفرد به ابن ماجه مثلاً في رواية ثابت البناني عن أنس وهكذا. فيبدأ بمن كثر المخرجين الستة أو الخمسة أو الأربعة ثم ما يقل، ثم ما يقل حتى يصل إلى من أخرج الحديث اثنان أو واحد من الكتب الستة.
(وما رواه الخمسة يقدمه على ما رواه الأربعة وهكذا ويقدم في رواية الحديث الواحد إسناد البخاري، ثم مسلم، وينتهي بابن ماجه.
- الغاية من المراجعة فيه:
إن الغاية من المراجعة في هذا الكتاب هي معرفة أسانيد حديث من الأحاديث التي في الكتب الستة وملحقاتها المذكورة. أما معرفة متن الحديث بتمامه فلا بد فيه من الرجوع إلى المكان الذي أشار إليه صاحب الكتاب من الكتب الستة وملحقاتها.
- طريقة إيراد الحديث فيه:
يبدأ المصنف بذكر لفظ حديث عند أول كل حديث يريد إيراده، ويكتب فوق هذا اللفظ الرموز التي تشير إلى من أخرج هذا الحديث)
كما رأينا في النموذج الذي كتبناه على السبورة ذكر بين قوسين أبا داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. الأربعة هؤلاء أخرجوا حديث كذا، فيذكره، ثم يأخذ أسفل في الكلام على أسانيد كل كتاب.
( ثم يذكر طرفا من أول متن الحديث بقدر ما يدل على بقية لفظه. وهذا الجزء من الحديث الذي يذكره إما من قوله -صلى الله عليه وسلم- إن كان الحديث قوليا، أو من كلام الصحابي إن كان الحديث فعليا، أو يذكر جملة أشبه ما تكون بموضوع الحديث؛ فيقول مثلاً حديث العرنيين. ثم يقول في الغالب الحديث)(1/18)
حديث العرنيين قصة القوم الذين جاؤوا إلى المدينة، فأعلنوا إسلامهم وأقاموا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم إنهم اجتووا بالمدينة يعني أصيبوا بداء في البطن. وكانت المدينة وخيمة حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم بارك لنا فيها وانقل حماها إلى الجحفة)؛ لأنهم أصيبوا بالحمى، وكان الجو متغيرا عليهم أهل زرع بخلاف من تعود على بيئة الصحراء. فهؤلاء العرنيون اجتووا أصيبوا بداء في البطن قالوا استسقاء أو نحو ذلك. فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يخرجوا في إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها؛ فخرجوا مع الراعي أياما وشربوا ألبان الإبل وأبوالها حتى صحّت أجسادهم؛ فكان من رد جميلهم أن قتلوا الراعي واستاقوا الزود قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- خادمه. وكانت إبل الصدقة مع إبل الخمس التي للنبي -صلى الله عليه وسلم-. وكان يرعى فيها راع آخر فلما رأى ما فعلوا بذاك الراعي = راعي إبل الصدقة؛ خرج يصرخ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأرسل في أثرهم.
هم قتلوا الراعي وأخذوا الإبل ومشوْا بها، فقال: (اللهم اجعلها عليهم كأضيق من مسك جمل)؛ أي أضيق من جلد جمل، فضيق الله الطريق عليهم فأدركهم صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسرعهم العداء سلمة -رضي الله عنه-، فأخذوا هؤلاء القوم وجاؤوا بهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقتلهم شر قتلة؛ لأنهم لما قتلوا الراعي ماذا فعلوا؟
سمروا عينيه؛ أي كحلوا عينيه بمسامير محميّة. وهذا من الافتراء لم يكتفوا بقتله. ثم أخذوا الإبل، فرجعت إليه -صلى الله عليه وسلم- فقتلهم شر قتلة؛ تركهم في الشمس حتى ماتوا حتى إن الواحد منهم ليلحس الأرض بلسانه من شدة العطش. فهذا الذي أشار إليه في قصة هؤلاء العرنيين الذين اجتووا بالمدينة.
((1/19)
وبعد ذكره طرفا من متن الحديث يشرع في بيان الأسانيد التي روي بها الحديث في المصنفات التي ترمز إليها على ترتيب الرموز تماما فيبدأ بكتب أول تلك الرموز، ويتبعه باسم الكتاب الذي ورد فيه ذلك الحديث من ذلك المصنف، ثم يذكر الإسناد بتمامه منتهيا إلى اسم المترجم بقوله عنه به؛ أي بهذا الإسناد كما في الترجمة ثم يذكر بقية الرموز وأسانيدها بنفس الطريقة حتى يأتي عليها.
وإن تكرر الحديث في أكثر من كتاب من أصل المخرج؛ ذكر جميع تلك الكتب مع أسانيدها. فإن تعددت طرق حديث، واجتمع بعض رواة الحديث على شيخ مشترك بينهم؛ ساق الأسانيد إلى أولئك الرواة المشتركين فقط ثم قال الأخير ثلاثتهم، أو أربعتهم عن فلان؛ أي عن الشيخ المشترك. وكثيرا ما يجمع هكذا بين الرواة المشتركين في أصول شتى، ثم يختم أسانيدهم بشيخ مشترك بينهم.)
الكلام هذا لا بد من توضيحه بمثال.
حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر. ماذا قال؟
قال خ م د س؛ أي الحديث هذا أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر. طرف الحديث والباقي هو لا يهتم به. في قصة صفية وقال: وفيه قصة صفية لما رجع بها، وبنى بها في الطريق إلى غير من القصة الطويلة المشهورة.
قال خ في الصلاة أي البخاري في كتاب الصلاة 12 أي باب رقم 12 عن يعقوب وهذا المهم عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي. ومسلم في النكاح 14/1 يعني رقم 14 من كتاب النكاح الحديث الأول في الباب، وفي المغازي 45/ 1 عن زهير بن حرب.
إذن البخاري خرج الحديث عمن؟
عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي.
ومسلم؟
خرجه في موضعين؛ في النكاح وفي المغازي عمن؟
عن زهير بن حرب، وأبو داود في الخراج 24 الحديث الرابع عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، والنسائي في النكاح 79 في الوليمة في الكبرى السنن الكبرى غير المجتبى عن زياد بن أيوب، وفي التفسير عن إسحاق بن إبراهيم.(1/20)
أنت تعرف أن الأسانيد هذه ستلتقي كلها بعد الشيوخ الأوائل. يعني يعقوب بن إبراهيم، وزهير بن حرب. ويعقوب تكرر لا نذكره. وإسحاق بن إبراهيم وزياد بن أيوب الأربعة رووا الحديث عن فلان. يقول: أربعتهم وهذه طريقة اختصار للطرق كلها يعني يعقوب بن إبراهيم، وزياد، وزهير بن حرب، وإسحاق. الأربعة يقول: أربعتهم عنه به. والحديث حديث إسماعيل بن إبراهيم الذي هو إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس. عبد العزيز بن عبد الوارث إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس، فيقول إن البخاري روى الحديث عن يعقوب بن إبراهيم ومسلم في النكاح وفي المغازي روى الحديث عن زهير بن حرب، وأبو داود في الخراج عن يعقوب. والنسائي في الكبرى عن زياد بن أيوب. الأربعة يعني يعقوب بن إبراهيم وزياد بن أيوب وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم الأربعة عن إسماعيل بن عليّة عن عبد العزيز عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
لأن الأربعة التقوا في الرواية عن إسماعيل بن علية فهذه الطريقة يختصر بها الإمام المزي -رحمه الله تعالى- أسانيد الكتب بدلا من أن يقول: البخاري عن يعقوب عن إسماعيل عن عبد العزيز عن أنس، والنسائي عن زياد عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس، وزهير بن حرب عن إسماعيل عن عبد العزيز عن أنس؛ قال: الأربعة اشتركوا في الرواية عن إسماعيل بن عُليّة، واختصر الطريقة إلى إسماعيل بن علية -رحمه الله-.
بالنسبة لأسئلة الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
عرف المسانيد، واذكر أشهرها، ثم عرف بمسند الإمام أحمد تعريفا تفصيليا.
وكانت الإجابة:
المسانيد:
المسند كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حدة من غير النظر إلى الموضوع الذي يتعلق فيه الحديث مثل مسند الإمام أحمد بن حنبل، ومن أشهر تلك المسانيد مسند أبي داود سليمان بن داود الطيالسي
مسند أحمد بن حنبل أشهر حاجة المسانيد.
هو ذكر سبعة مسانيد
أشهرها هو مسند الإمام أحمد.
ويقول هو أول مسند صنف
ما هو؟(1/21)
مسند أبي داود.
سليمان بن داود الطيالسي توفي سنة 204. ومسند أبي بكر أحمد بن عمرو البزار المتوفي سنة 299 له مسندان: المسند الصغير، والمسند الكبير المعلل. مسند أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي المتوفى سنة 276 وقد روى فيه عن 1300 صحابي، ورتبه على أبواب الفقه. مسند أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي المتوفى سنة 280 وهو مسند كبير يقع في جزأين. مسند أبي محمد عبد بن حميد بن نصر توفي سنة 249 وله مسندان: كبير وصغير. مسند أبي محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي المتوفى سنة 282 للهجرة.
ومن أشهر تلك المسانيد مسند أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 241 للهجرة وأوله مسند العشرة المبشرين بالجنة وفيه زيادات ولده عبد الله ويسير من زيادات أبي بكر القطيعي الراوي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ويشتمل على 28464 حديثا وأشهر طبعات المسند الطبعة الميمنية في ستة مجلدات ولم يشترط الإمام أحمد في مسنده جمع الصحيح؛ ففيه الصحيح وغيره. وقد ألف الحافظ ابن حجر العسقلاني كتابه المسمى "القول المسدد في الذب عن المسند" ردّ فيه على من زعم أن فيه أحاديث موضوعة وهو مطبوع في جزء صغير عدة طبعات منها طبعة بتحقيق عبد الله محمد الدرويش بدار اليمامة دمشق
والسؤال الثاني:
عرف بالمعاجم، واذكر وصفا تفصيليا لمعجمي الطبراني الكبير والأوسط.
تعريف المعاجم:
هو المصنف الحديثي الذي رتبت في الأحاديث على مسانيد الصحابة أو الشيخ أو البلدان ويكون الترتيب فيها على حروف المعجم.
المعجم الكبير للطبراني:
وهو مرتب على مسانيد الصحابة مرتبين على حروف المعجم، وبدأ بأحاديث العشرة المبشرين بالجنة ثم رتب بقية الصحابة على حسب حروف المعجم وطريقته فيها أن يترجم للصحابي ترجمة موجزة ثم يسند بعض أحاديثه إن كان مكثرا، وإن كان مقلا؛ فهو قد حرص على استيعاب أحاديثه.(1/22)
وأما الصحابي الذي لا يعرف له رواية؛ فإنه أيضا يذكره ويترجم له باختصار أو يقتصر على ذكره فقط.
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" قال الجزء 16 صفحة 122 وهو معجم أسماء الصحابة، أو تراجمهم، وما رووه. لكن ليس فيه مسند أبي هريرة، ولا استوعب حديث الصحابة المكثرين في ثماني مجلدات.
أما المعجم الأوسط رتب الطبراني في هذا المعجم على أسماء شيوخه، ثم يذكر مروياته عن هؤلاء الشيوخ وهم قرابة ألف شيخ والله تعالى أعلم.
أسئلة المحاضرة:
السؤال الأول:
عرف بكتب الأطراف. وإلى أي طرق التخريج تنتمي؟ واذكر خمسة منها على وجه الإجمال. واذكر طريقة ترتيبها، وفوائدها.
السؤال الثاني:
عرف بكتاب "تحفة الأشراف"، وطريقة ترتيبه مسلطا الضوء على أهم مميزاته، وكيف تخرج الحديث منه؟(1/23)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الحادي عشر
تابع كتب الأطراف "ذخائر المواريث"
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، الحمد لله رب العالمين، في المحاضرة الماضية تكلمنا على "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، وهو في هذا تابع للطريقة التي ابتدأناها قبل فترة وهي التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة، فتكلمنا على المسانيد، ثم تكلمنا على الأطراف، واستوعبنا الكلام النظري وجزءا يسيرا من التطبيق العملي في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، نكمل -إن شاء الله تعالى- في محاضرة اليوم بقية المصنفات التي عُنِيت بالتخريج على هذه الطريقة، ثم لنا عَوْدٌ -إن شاء الله تعالى- في آخر المحاضرات فيما يتعلق بهذه الطريقة لنزيد الكلام ونوسعه في كتاب تحفة الأشراف من باب تتميم الفائدة وتكميلها.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
(
"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث"
مصنفه:
صنفه الشيخ عبد الغني النابلسي، كان مولده عام 1050 للهجرة، وتوفي سنة 1143 للهجرة الدمشقي الحنفي.
موضوعه:
جمع أطراف الكتب الستة وموطأ مالك.
ترتيبه: رتبه مصنفه على مسانيد الصحابة مُرَتِّبا ذكرهم على نسق حروف المعجم، مبتدئا بالهمزة منتهيا بالياء ).
هذا الكتاب مرتب على طريقة "تحفة الأشراف" تماما بتمام، ويعتبر مختصرًا له، وهو مطبوع أربعة أجزاء في مجلدين، كل ما فعله أنه قلل الاهتمام بالأسانيد؛ فلم يورد الطرق كما فعل الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- فهو أشبه بالاختصار لـ"تحفة الأشراف".
(تقسيمه:
لقد قَسَّمَ المصنف الكتاب إلى سبعة أبواب مرتبًا ما في كل باب على نسق حروف المعجم؛ تسهيلاً للاستخراج، وهذه الأبواب هي:
الباب الأول: في مسانيد الرجال من الصحابة.
الباب الثاني: في مسانيد من اشتهر منهم بالكُنية مرتبة على الحروف بالنسبة لأول حرف من الاسم المكنى به.(1/1)
الباب الثالث: في مسانيد المبهمين من الرجال حَسَبَ ما ذُكِرَ فيهم من الأقوال على ترتيب أسماء الرواة عنهم.
الباب الرابع: في مسانيد النساء الصحابيات).
هو ذكر أسماء الرجال مرتبة على حروف ألف باء ثم المشتهرين من الرجال بالكنى مرتبين أيضًا على الحرف الأول، ثم ذكر المبهمين.
ما معنى المبهمين؟
يعني يقول مثلاً في الإسناد: حدثنا محمد حدثنا سعيد، حدثنا إبراهيم، هذا مبهم يعني لم يُذكر اسم أبيه، ولا نسبه بحيث يُعرف من هو، فذكر الرجال ثم الكنى ثم المبهمين، وبعد ذلك ذكر مسانيد الصحابيات، وبعد ذلك الكنى من النساء والمبهمات من النساء ثم المراسيل، وهذا يمتاز عن التحفة في طريقة الترتيب؛ لأن التحفة راعى الترتيب على الحروف = لم يعزل الكنى عن الأسماء، ولم يعزل أيضًا حين ذكر عائشة في ترتيبها في الأحرف، لم يذكرها في آخر الكتاب بالنسبة لـ"تحفة الأشراف"، هنا هو فصل؛ جعل الرجال في ناحية بعد ذلك الكنى، بعد ذلك المبهمين، ثم النساء، ثم كنى النساء، ثم المبهمات من النساء.
(
الباب الخامس: في مسانيد من اشتهر منهن بالكنية.
الباب السادس: في مسانيد المبهمات من النساء الصحابيات مرتبة على ترتيب أسماء الرواة عنهن.
الباب السابع: في ذكر المراسيل من الأحاديث مرتبة على أسماء رجالها المرسلين.
وألحق بهذا الباب ثلاثة فصول في كنى المرسلين، وفي المبهمين منهم، وفي مراسيل النساء، وقسم بعض الأبواب السابقة إلى فصول فيما يتعلق بكنى بعض الأسماء وما شابه ذلك.
رموزه: خ: للبخاري، م: لمسلم، د: لأبي داود، ت: للترمذي، س: للنسائي، هـ: لابن ماجه، ط: للموط).
إذن هو زاد على التحفة كتاب "موطأ مالك" ونفس الرموز المستخدمة هي هي، التي في التحفة هي الموجودة في كتاب الإمام النابلسي -رحمه الله-.
(
- كيفية عرض المسانيد، وإيراد الأحاديث فيها.(1/2)
بدأ المؤلف الكتاب -كما مر قريبًا- بحرف الهمزة؛ فقال: حرف الهمزة، ثم قال: أبيض بن حمال الحميري المأربي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: حديث بخط كبير، ثم ذكر طرف الحديث، فقال: (أنه وفد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقطعه الملح الذي بمأرب، ثم قال: وفيه لا حمى في الأراك)).
الأراك الذي هو السواك ولا حمى فيه يعني أنه مباح مثل الماء والملح وغير ذلك فليس لأحد أن يتملك الأراك. الأراك نبات موجود في الصحراء فلكل أحد أن يأخذ ما يشاء، لا يقتطع لأحد (لا حمى في الأراك) يعني السواك.
(ثم كتب ما يلي:
د: في الخراج عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل، وعن محمد بن أحمد القرشي، ت: في الأحكام عن قتيبة، هـ: فيه عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، انتهى إيراد الحديث.
ثم ذكر بقية أحاديث هذا الصحابي بهذا الشكل).
رأينا في درس "تحفة الأشراف" حديث أبيض بن حمال مخرج من هذه الطرق، وقلنا: اتفق أبو داود والترمذي وابن ماجه في إيراد الحديث إلا أنهم اختلفوا في شيوخهم فقط.
هنا في كتاب "ذخائر المواريث" كل ما فعله أنه ذكر شيوخ الأئمة المصنفين فقط، ولم يذكر بقية الإسناد، بخلاف التحفة، فالتحفة الإمام المزي -رحمه الله تعالى- كان يورد بقية إسناد الحديث من كل كتاب، فكأنك في التحفة ترى كأنك خرجت الحديث من جميع الكتب، ترى أسانيدها وتقارن بين الرواة، وتعرف مواطن الالتقاء ومواطن الافتراق والتفرد إلى غير ذلك من الأمور، أما هنا فقد حذف هذا العمل كله واكتفى بذكر شيخ المصنف فقط، وهكذا في كل الكتاب ولذلك هو يجيء مثلاً في حجم ربع "تحفة الأشراف" تقريبًا أو أقل.
((1/3)
ويلاحظ أنه لا يذكر من الإسناد إلا شيخ المصنف الذي روى ذلك الحديث ويترك ذكر باقي رجال الإسناد اختصارًا كما صرح بذلك في مقدمة الكتاب، بخلاف كتاب "تحفة الأشراف" للمزي، وقد اعتبر المعنى أو بعضه دون اللفظ في جميع الروايات بحيث يذكر طرف الحديث بلفظه في بعض المصنفات، ويشير بعد ذلك بالرموز إلى ما يوافقها في المعنى دون الألفاظ، وإذا كان الحديث مرويًّا عن جملة من الصحابة يذكر الحديث في مسند واحد منهم خشية التكرار، بخلاف ما فعل المزي في "تحفة الأشراف" فإنه يذكر الحديث الواحد الذي رواه عدد من الصحابة في مسانيد جميع الصحابة الذين رووه، فتكررت في كتابه بعض الأحاديث، ولذلك جاءت عدة أحاديث ذخائر المواريث اثنين وثلاثمائة واثني عشر ألف حديث 12302 على حين بلغت عدة أحاديث "تحفة الأشراف" خمسة وتسعين وخمسمائة وتسعة عشر ألف حديث 19595، كما مر قريبً).
هذا إنما جاء من جهة هو أن الإمام النابلسي في "ذخائر المواريث" اختصر = لم يذكر الحديث الذي تكرر عن أكثر من صحابي لم يورده في كل موضع لذلك الصحابي، فمثلاً إذا كان حديث في الحدود، حديث في الديات، أحاديث يرد ذكرها عن –مثلاً- أربعة أو خمسة من الصحابة أو ستة من الصحابة أو أكثر أو أقل؛ فإنه يورده في أول ذكرٍ لهذا الصحابي في ترتيب حروف ألفباء ثم لا يذكر هذا الحديث في مرويات الصحابة الأُخَر، فلذلك قلَّ عدد الأحاديث فيه إلى الثلث تقريبًا يعني حوالي سبعة آلاف حديث فرق بين "التحفة" وبين "ذخائر المواريث" إلا أن هذا العمل لا يسعف طالب الحديث.(1/4)
وبحثك أيها الطالب في "تحفة الأشراف" هذه الطريقة أساسًا إنما تعتمد على الرواة، أبحث أصلاً عن حديث أنس، عن حديث ابن عمر، عن حديث جابر، عن حديث أبي سعيد الخدري، فإذن لا بد لي من تكرار الحديث في كل موضع لأعرف رواته، وهذا بحث الباحث إنما يريد الاستقصاء ويريد الوقوف على الطرق، ويريد الوقوف على الأسانيد، في الحقيقة أنا أعتبر "التحفة" كتاب لا يُستغنى عنه أما "ذخائر المواريث" فهو أراد تقريب ما في التحفة فالبحث فيه ليس بذاك يعني حتى تجد النفس غير منشرحة إنما هو جزء نظري أردنا تكملته؛ لأنه جزء من الكتاب، جزء من المنهج والمقرر، أما الفائدة المرجوّة من الكتاب ككتاب تخريج وطرق، وأسانيد فهذا عديم الفائدة، هو جمع متونا فقط، يعني لا يسعف الباحث ولا يشبع نهمته.
(
كيفية المراجعة فيه:
قال مصنفه في المقدمة: وإذا أردت الاستخراج منه؛ فتأمل في معنى الحديث الذي تريده في أي شيء هو، ولا تعتبر خصوص ألفاظه، ثم تأمل الصحابي الذي عنه رواية ذلك الحديث، فقد يكون في السند عن عمر أو أنس مثلاً، والرواية عن صحابي آخر مذكور في ذلك الحديث فصحح الصحابي المروي عنه، ثم اكشف عنه في محله؛ تجده إن شاء الله تعالى.
- الموازنة بينه وبين كتاب "تحفة الأشراف" للمزي:
لا شك أن لكل كتاب ميزةً يتميز بها عن الآخر، فكتاب المزي أجود لمن يريد الأسانيد، ويعتني بها ويريد الحكم على الحديث من كثرة طرقه واختلاف رجاله، كما أنه يمتاز بذكر الحديث الذي رواه عدد من الصحابة في مسانيدهم جميعًا وهي ميزة جيدة؛ لأن من عرف أي راوٍ لهذا الحديث من الصحابة فإنه يجده في مسنده. أما في "ذخائر المواريث" فقد لا يجد هذا الحديث في مسانيد بعض رواته من الصحابة، وهذا نقص في الكتاب، على أن كتاب "ذخائر المواريث" يمتاز بميزة الاختصار، فقد جاء حجمه بمقدار ربع حجم كتاب "المزي" وهذه ميزة مهمة لمن يريد الاستدلال على متن الحديث فقط).(1/5)
من أراد متن الحديث فليرجع إلى الكتب التي عُنِيت بالمتون، الطرق التي عُنِيت بالمتون كـ"المعجم المفهرس" أو "موسوعة زغلول" أو غيرها، أما هذه الطريقة التي نبحث فيها فإنها طريقة أطراف ورواة وأسانيد ونحو ذلك، فكتاب "ذخائر المواريث" بالنسبة للطريقة التي نعتمدها كتابٌ قليل الجدوى جدًّا، وإنما نذكره من باب أنه جزء نظري كما ذكرت أنفًا.
(ومعرفة من أخرجه من أصحاب المصنفات التي احتواها الكتاب، فإنه يحصل على بغيته من أقصر طريق وأيسر سبيل، ثم بإمكانه بعد معرفة موضعه أن يعرف تمام أسانيده هناك في تلك المصادر التي أحيل عليها، ويبني عليها ما شاء).
هذا يعتبر آخر شيء من الكتب فيما يتعلق بمنهج الكتاب الذي هو "أصول التخريج ودراسة الأسانيد".(1/6)
تكلمنا على المسند، وعلى المعاجم، وعلى كتب الأطراف، وشرحنا "تحفة الأشراف"، ثم قرأنا الكلام الموجود على "ذخائر المواريث". لا شك أن هذه الطريقة = طريقة التخريج على معرفة طرف راوي الحديث من الصحابة، أو الرواة عمومًا التخريج عن طريق معرفة الرواة، أيًّا ما كانوا، سواء كانوا الرواة في طرف الحديث الأعلى من جهة الصحابي أو من تلامذتهم كالتابعين أو من شيوخ المصنفين كما رأينا في المعجم الأوسط للطبراني أو أي راوٍ في إسناد الحديث فلذلك الكتاب -من وجهة نظري- غير مستوعب لبقية الكتب التي تخدم على هذه الطريقة، لذا سنقرأ -إن شاء الله تعالى- بكتاب من الكتب الجيدة التي عُنِيتْ بالبحث في الأطراف، وهو كتاب "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" للإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة أربعين وثمانمائة للهجرة 840هـ، هذا الكتاب مطبوع في أحد عشر مجلدا ومرتب على الأبواب الفقهية، أو الكتب كما سنرى الإيمان، والقدر، والعلم، والطهارة، والحيض، والصلاة، والمواقيت، والآذان.. وغيرها إلى آخر هذه الكتب، وأضاف مسانيد عشرة كتب على الصحيحين، وهي كما ذكرنا في المحاضرة الماضية مسند أبي داود الطيالسي، ومُسَدَّد بن مسرهد، والحُميدي، وابن أبي عمر، وإسحاق بن راهويه وأبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة، ومسند أبي يعلى الموصلي المسند الكبير.(1/7)
وهو بلا شك كتاب نافع جدا مغفول عنه في باب التخريج خاصة في زيادات هذه الكتب التي تعتبر من الكتب منها بعض المفقود وهذا يثمر ويفيد كثيرا خاصة وأن البوصيري -رحمه الله تعالى- يعقب على ذكر المرويات بالكلام على الصحة والضعف، فهذا لا يستغني عنه طالب الحديث، فنريد في حلقة اليوم بإذن الله تعالى التعريف بهذا الكتاب ثم لنا بقية بحث في التخريج من كتب المراسيل، موقوفات الصحابة، أوائل الأسانيد، الأجزاء الحديثية التي تعتني بالتخريج عن طريق معرفة الراوي أيًا ما كان هذا الراوي سواء كان في طرف الحديث الأعلى، أو في طرفه الذي من جهة المصنف، أو في المراسيل، أو في أي جزء من الأسانيد؛ لأن هذا -إن شاء الله تعالى- منذ بدأنا في هذه الطريقة ونحن نريد أن نتوغل شيئًا فشيئًا في حقيقة هذا العلم بعيدًا عن الأمور التوصيفية التي يشملها التخريج في مراحله الأولى حين تتعامل مع المبتدئين في هذا العلم، فنعرف -إن شاء الله- بهذا الكتاب اليوم ونقرأ منه بعض النماذج شحذًا للهمم، وتبصيرًا ببعض الكتب المهمة في هذا الباب.
المقدمة؟.
المقدمة والنماذج.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، يقول الفقير إلى مغفرة ربه الكريم أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم البوصيري -لطف الله به!-.
الحمد لله الذي لا تنفد خزائنه مع كثرة أفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة موحد صادق في مقاله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أوتي جوامع الكلم ومحاسن الشيم، صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه وآله. وبعد.(1/8)
فقد استخرجت الله الكريم الوهاب في إفراد زوائد مسانيد الأئمة الحفاظ الأعلام الأجلاء الأيقاظ أبي داود الطيالسي، ومسدد، والحميدي، وابن أبي عمر، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد، والحارث بن محمد بن أبي أسامة، وأبي يعلى الموصلي الكبير على الكتب الستة صحيحيْ البخاري ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي الصغرى، وابن ماجه رضي الله عنهم أجمعين).
النسائي الصغرى التي تسمى المجتبى، فإذا أطلق النسائي فإنما يريد الكبرى، التي هي مطبوعة الآن أظن في سبعة مجلدات بتحقيق سيد كسراوي، لكنها مليئة بالتصفيحات، والتحريفات الشديدة، لكن "المجتبى" هي المطبوعة في أربعة مجلدات طبعة دار الحديث وغيرها.
(فإن كان الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي واحد؛ لم أخرجه إلا أن يكون الحديث فيه زيادة عند أحد المسانيد المذكورة تدل على حكم فأخرجه بتمامه، ثم أقول في آخره: رَوَوْه أو بعضُهم باختصار، وربما بينت الزيادة مع ما أضمه إليه من مسندي أحمد بن حنبل، والبزار، وصحيح ابن حبان وغيرهم، كما سيرى -إن شاء الله تعالى-، وإن كان الحديث من طريق صحابيين فأكثر، وانفرد أحد المسانيد بإخراج طريق منها أخرجته وإن كان المتن واحدًا، وأنبه عقب الحديث أنه في الكتب الستة أو أحدها من طريق فلان مثلاً إن كان).
الإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- عمد إلى أن يأتي بأطراف المسانيد العشرة التي سبق ذكرها زيادة على ما في الكتب الستة، يعني حتى الحديث لو كان مخرجا في الكتب الستة وخرجه صاحب المسند فيه زيادة لفظة تدل على حكم زائد عما في الصحيحين أو في السنن الأربعة فإنه يورد هذه اللفظة ويذكر إسناد ذلك المصنف، فيعتبر الكتاب وعاء للكتب المفقودة أو التي فقد منها جزء كبير كمسند إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى بن أبي عمر والحارث بن أبي أسامة إلى غير ذلك.
((1/9)
لئلا يُظن أن ذلك وهم، فإن لم يكن الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي آخر ورأيته في غير الكتب الستة؛ نبهت عليه للفائدة، وليُعلم أن الحديث ليس بفرد، وإن كان الحديث في مسندين فأكثر من طريق صحابي واحد؛ أوردته بطرقه في موضع آخر إن اختلف الإسناد، وكذا إن اتحد الإسناد بأن رواه بعض أصحاب مسانيد).
سيتبين معنا هذا الكلام -إن شاء الله تعالى- عند قراءة النماذج. لن تتضح صورة طريقة التخريج والاستدراكات والزيادات إلا بقراءة النماذج إن شاء الله تعالى.
(وكذا إن اتحد الإسناد بأن رواه بعض أصحاب المسانيد مُعَنْعَنًا، وبعضهم صرح فيه بالتحديث، فإن اتفقت الأسانيد في إسناد واحد؛ ذكرت الأول منها ثم أحيل عليه، وإن كان الحديث في مسند بطريقين فأكثر؛ ذكرت اسم صاحب المسند في أول الإسناد، ولم أذكره في الثاني ولا ما بعده).
يعني هو يسوق الأسانيد كلها، لو أن الحديث مخرج مثلاً في مسند إسحاق بن راهويه أو في أبي يعلى الموصلي، أو في غيره طبعًا النسخة المطبوعة من مسند أبي يعلى الموصلي نسخة ناقصة فيها سقط في مواضع كثيرة وهذا الذي عُثِر عليه وهي محققة تحقيق جيد، إلا أنها نسخة ليست كاملة، كان هناك نسخ أخرى للمسند لم يُعثر عليها أثناء التحقيق، فستجد في هذا الكتاب أحاديث عزاها لمسند أبي يعلى ينبه المحققان على أن الحديث ليس في النسخة المطبوعة من مسند أبي يعلى، فهو يسوق الأسانيد، لو أن الحديث مخرج ثلاث مرات في مسند أبي يعلى فهو يقول: قال أبو يعلى ويذكر إسناده، ثم الإسناد الثاني، ثم الثالث وهكذا، فيستوعب الأسانيد كلها، فهو وعاء جيد لهذه الكتب المزيدة على الكتب الستة، أطراف الكتب العشرة.
((1/10)
بل أقول قال: ما لم يحصل اشتباه، هذا كله في الإسناد، وأما المتن فإن اتفقت المسانيد على متن بلفظ واحد؛ سقت متن المسند الأول فحسْب، ثم أحيل ما بعده عليه وإن اختلفت؛ ذكرت متن كل مسند، وإن اتفق بعض واختلف بعض؛ ذكرت المختلف فيه، ثم يقول في آخره، فذكره. وقد أوردت ما رواه البخاري تعليقًا، وأبو داود في المراسيل، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الكبرى وفي عمل اليوم والليلة.. وغير ذلك مما ليس في شيء من الكتب الستة ورتبته على مائة كتاب، أذكرها ليسهل الكشف عنها، وهي: ابتدأ بكتاب الإيمان وانتهى بكتاب صفة الجنة).
هو بدأ بالإيمان والقدر وبعض أبواب العقائد، ورتب بقية الكتاب على أبواب الفقه كلها، ثم ذكر آخر شيء كتاب الجنة.
(وسميته "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" وأنا سائلٌ أخًا ينتفع بشيء منه أن يدعو لي ولوالدي ومشايخي وسائر أحبائي والمسلمين أجمعين).
اقرأ لنا نموذج "بني الإسلام على خمس"، حديث: (بني الإسلام على خمس) من المشاهير الموجودة في دواوين الإسلام كلها، وإذا كان هذا متصورا في الذهن، فيكون الجهد الذي بذله البوصيري -رحمه الله تعالى- في استخراج الزوائد.. زوائد المسانيد سيكون مفهومًا -إن شاء الله تعالى- من أول وهلة.
(باب (بني الإسلام على خمس) قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا جرير بن عبد الحميد).
طبعًا هو ذكر أول ما ذكر في الزوائد ذكر مصنف ابن أبي شيبة، الزيادات الموجودة في المصنف على الكتب الستة.
(قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا جرير بن عبد الحميد).
جرير بن عبد الحميد الضبي من أوائل من صنف في العلم وَدَوَّنَ الحديث.
((1/11)
عن سالم بن أبي الجعد عن عطية مولى بني عامر عن زيد السكسكي قال: قدمت المدينة، فدخلت على عبد الله بن عمر، فأتاه رجل فقال: يا عبد الله بن عمر مالك تحج وتعتمر وقد تركت الغزو في سبيل الله؟! فقال: ويلك!! إن الإيمان بني على خمس: تعبد الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، كذلك حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم الجهاد بعد ذلك حسن، هذا إسناد ضعيف؛ لجهالة التابعي والراوي عنه).
هذا هو الجهد المشكور للإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث لو لم ينص البوصيري على ضعفه لكان متنه معلولاً بالقرائن لأنه هو قال: (ويلك!! إن الإيمان بني على خمس) فذكر أركان الإسلام، قال: (ثم الجهاد بعد ذلك حسن) فكأنه تزهيد من ابن عمر -رضي الله عنه- في منزلة الجهاد في سبيل الله، مع أنه إما أن يكون عينا وإما أن يكون كفاية، ثم البوصيري -رحمه الله تعالى- عَقَّبَ ببيان ضعف الرواية، اقرأ كلامه. شيء في غاية النفاسة.
(هذا إسناد ضعيف لجهالة التابعي والراوي عنه).
الذين هم من في الإسناد؟ الحديث برواية زيد السكسكي؟
نعم، زيد السكسكي، الذي قبله عطية مولى بني عامر.
طيب.. هذا ضعيف.
وزيد السكسكي.
نعم. عمَّن؟ هو ذكر القصة، فهؤلاء قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف.
قال: (هذا إسناد ضعيف لجهالة التابعي والراوي عنه، وأصله في الصحيحين والترمذي والنسائي بلفظه: (بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله...) إلى آخره دون باقيه).
فيذكر الحديث عند ابن أبي شيبة ويذكر علته إن كان في الإسناد علة ثم يقول: وقد رواه من أصحاب الكتب الستة فلان وفلان ويسوق طرفًا من المتن إلى آخر الحديث، وهكذا، فترى هذا التنصيص على أسباب ضعف الحديث ونحو ذلك من الفوائد العزيزة جدًا في هذا العلم الشريف.
((1/12)
قال أبو بكر بن أبي شيبة: وحدثنا عبيد الله أنبأنا داود الأودي عن الشعبي عن جرير، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (بني الإسلام على خمسة؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)).
فذكر طريقًا آخر لحديث: (بني الإسلام على خمس) من عند ابن أبي شيبة، وسيتكلم أيضًا على علة الإسناد.
قال: (وحدثنا معاوية عن شيبان).
من الذي قال؟
ابن أبي شيبة أيضًا، يعني ذكر الطريق الأول الذي فيه زيد السكسكي وعطية وهما ضعيفان، وذكر الإسناد الثاني الذي فيه داود الأودي ثم يذكر الآن الإسناد الثالث. فيستوعب كل طرق حديث (بني الإسلام على خمس) الموجودة في مصنف أبي بكر بن أبي شيبة رحمه الله تعالى.
قال: (وحدثنا معاوية عن شيبان عن جابر عن عامر فذكره، رواه أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة فذكره، رواه أحمد بن حنبل).
يعني يقول: إن أبا يعلى الموصلي أيضًا روى الحديث فرواه عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة، ثم ينص على أن هذا الحديث مخرجٌ عند الإمام أحمد في المسند، فلعله بهذا النموذج واختيارنا لحديث مشهور متداول موجود في دواوين الإسلام كلها = (بني الإسلام على خمس) قد أبان بهذا المثال عن طريقة الحافظ البوصيري -رحمه الله تعالى- في إيراد زوائد الكتب العشرة على الكتب الستة. أن يذكر الحديث المشهور ويقول: خرجه أبو بكر بن أبي شيبة ويسوق الأسانيد، الإسناد الأول والثاني والثالث ويبين علة كل إسناد، ويقول: خرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، ويشير إلى تخريج الإمام أحمد والطبراني والبزار الذين هم ليسوا مجال بحثه، يعني ليست من الكتب التي يخرج زوائدها على الكتب الستة، لكنه يحيل يذكر أحيانًا أن الحديث في المسند أو في الطبراني أو في البزار إلى غير ذلك.
((1/13)
رواه أحمد بن حنبل، حدثنا مكي حدثنا داود بن يزيد الأودي فذكره، قال: وحدثنا هشيم، حدثنا إسرائيل عن جابر فذكره، هذا حديث ضعيف من الطريقين).
أيضا. يقول: إن الطريق الأول التابعي والراوي عنه ضعيفان والطريقان الآخران يقول: إن الطريقين أيضًا ضعيفان، في الأول فلان وفي الثاني فلان.
(هذا حديث ضعيف من الطريقين، أما الطريق الأول: ففيها داود الأودي، وقد ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو داود، والنسائي، وأبو أحمد الحاكم، وابن عدي، والساجي، وغيرهم).
أئمة النقض الذين عليهم تدور كلمة النقد الحديثيّ ضعّفوا هذا الراوي.
(والطريق الثانية فيها جابر الجعفي، وإن وثقه الثوري وشعبة فقد كذبه الإمام أبو حنيفة والجوزقاني وابن عيينة ونسبه زائدة إلى الرفع وضعفه كثيرون).
متفق على ضعف جابر الجعفي وإن وثقه شعبة، في توثيق شعبة وإن كان شعبة أول من جَرَّحَ وعَدَّلَ وتكلم في الرجال، لكن الراوي العبرة في الجرح والتعديل أنه لا يُقبل الجرح إلا مفسرًا والمجرِّح معه زيادة علم على من عدَّل، يعني إذا كان الثوري وشعبة قد وثقا جابر الجعفي ففي تضعيف الأئمة تقديم لهذا التضعيف على توثيق الكبار وإن كان أمثال الثوري وشعبة. لماذا؟
إذا تعارض جرح وتعديل في الراوي حين يتعارض في الراوي -إن شاء الله- سندرسه بتوسع في درس الأسانيد، إذا تعارض جرح وتعديل في الراوي الواحد فالعلماء نصّوا على أن الجرح مُقدم.
لماذا الجرح يقدم؟
لأنه مطلع على حال من عَدَّلَ ومعه زيادة، فالذي عَدَّلَ يقول: هو ثقة، يقول: لا، هو عندي ضعيف لكذا وكذا وكذا، فإذا تعارض جرح وتعديل فالجرح يُقدم؛ لأن المُجَرِّح اطلع على كلام المعدل ومعه زيادة علم.(1/14)
حتى لا يأتي واحد يقول: إن شعبة وهو من هو في علم الرجال وأول من جَرَّحَ وعَدَّلَ وكذا وقد وثق جابرا فنقبل مروياته. نقول: لا. شعبة وإن كان هو الإمام المبجل في هذا العلم وهو رأس المحدثين، وأول من أسس علم الجرح والتعديل، وجاءت بعد ذلك مدرسته؛ كيحيى القطان، وبعد يحيى القطان ابن مهدي وابن المبارك وعلي بن المديني، وبعدهم البخاري ومسلم وأبو حاتم وابن معين وأبو ذرعة والإمام أحمد إلا أننا نقول: إذا تعارض جرح وتعديل..
المسألة ليست خاضعة للتشهّي ولا للهوى، وإنما هي خاضعة لموازين حساسة جدًا عند هؤلاء الأئمة أنهم قد يتكلم شعبة في الراوي بتعديل ويُجَرِّحُه آخر فيقدمون الجرح على التعديل؛ لهذه الموازين الحساسة التي وضعها أئمة النقد في القبول، قبول الراوي أو رفضه. نأخذ نموذجا آخر.
(كتاب الإيمان).
هذا أول حديث في "إتحاف الخيار".
(أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى الإيمان وأنه ينجي العبد من النار.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا الحسن بن موسى).
رأيت.. يعني هو خرج الحديث من عند ابن أبي شيبة أول شيء، إن كان الحديث في المسانيد كلها عند الحارث بن أبي أسامة عند أبي يعلى عند مثلاً إسحاق بن راهويه فيورد، فإذا لم يوردها فمعناها أنها ليست موجودة إلا عند هؤلاء.
واضح؟
يعني هو في حديث (بني الإسلام على خمس) خَرَّجَه من عند من؟
ابن أبي شيبة وأبي يعلى الموصلي، وأبو يعلى رواه عن شيخه ابن أبي شيبة، وقال: إنه في مسند أحمد وفي معجم الطبراني أو في مسند أحمد من طريقين، لكن لم يورد في حديث (بني الإسلام على خمس) إلا من كتابين فقط هما أبو يعلى وأبو بكر بن أبي شيبة من ثلاثة طرق، ويتكلم على كل طريق بما فيه من ضعف، فإذا لم يورد غير كتاب أو اثنين فمعناها أن هذا الحديث لا يوجد إلا في هذين الكتابين من جملة العشرة التي خَرَّجَ أطرافها.
((1/15)
حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثني الحارث بن يزيد بن الحضرمي، عن عليّ بن رباح أنه سمع جنادة بن أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله أي العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله وتصديق به، وجهاد في سبيله)، قال: أريد أهون من ذلك. قال: (السماحة والصبر)، قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله. قال: (لا تتهم الله في شيء قضاه لك) رواه أبو يعلى الموصلي).
وفي الأول قال: من أبو بكر أبي شيبة؟
حدثنا الحسن بن موسى.
لا.. من؟ خَرَّج من طريق من؟
ابن أبي شيبة.
طريق ابن أبي شيبة، فإذن هذا الحديث، وهو حديث مشهور في الصحيحين: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال الصلاة على وقتها..) إلى غير ذلك من اختلاف الروايات في هذا الباب.
فهنا لما خَرَّجَ الحديث من ابن أبي شيبة أتى بألفاظ ليست في الكتب المشهورة، وهو السماحة والصبر قال: أريد أهون من ذلك. قال: (ألَّا تتهم الله تعالى في قضاء قدره لك)، ويتكلم على أيضًا الطرق والأسانيد والتصحيح والتضعيف إلى غير ذلك.
(رواه أبو يعلى الموصلي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سويد يعني أبا حازم حدثني عياش عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح، عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال: (بينا أنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، وتصديق به، وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور، فلمَّا ولَّى الرجل قال: وأهون عليك من ذلك قال: إطعام الطعام، ولين الكلام، والسماحة، وحسن الخلق، قال: فلما ولَّى الرجل قال: وأهون عليك من ذلك قال: لا تتهم الله في شيء قضاه عليك)، قال: وحدثنا أبو عبد الله الدورقي).
من الذي قال: (وحدثنا أبو عبد الله الدورقي)؟
أبو يعلى(1/16)
هو خَرَّج من عند ابن أبي شيبة ثم قال: (ورواه أبو يعلى الموصلي) فساق الإسناد وذكر الزيادات التي ليست في الحديث في ألفاظ متون ليست في الحديث الأول، في الأول قال: (السماحة والصبر، وألا تتهم الله في شيء قدره عليك) هنا قال: (وحسن الخلق وإطعام الطعام ولين الكلام والسماحة) ثم ذكر (ألا تتهم الله في قدره).
قال: (وحدثنا أبو عبد الله الدورقي، حدثنا العلاء بن عبد الجبار العطار، حدثنا سويد أبو حاتم، حدثني عياش بن عباس فذكر نحوه. قلت: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، والطبراني في معجمه بإسنادين أحدهما حسن).
هذه مزيد فائدة يذكرها الإمام البوصيري -رحمه الله- أنه يُعَوِّل أحيانًا على طريق في مسند أحمد، طريق في معجم الطبراني الكبير أو الأوسط إلى غير ذلك من الزيادات النافعة.
اتضحت الطريقة أم فيها إشكال بالنسبة للإتحاف؟
نأخذ نموذجا ثالثا.
(قال أبو بكر بن أبي شيبة: وحدثنا شَبَّابة، حدثنا المسعودي، عن عبد الملك بن عمير عن رجل من آل أبي حفنة، عن الشفاء بنت عبد الرحمن، وكانت من المهاجرات الأُوَل، قالت: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئِل عن أفضل الأعمال، قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور)، رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة، حدثنا الحسن بن قتيبة).
قبل الحارث بن أبي أسامة الكلام لمن؟
ابن أبي شيبة.
وبعد ذلك الحارث بن أبي أسامة.
((1/17)
رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة، حدثنا الحسن بن قتيبة حدثنا المسعودي فذكره، ورواه أبو يعلى الموصلي، حدثنا سريج بن يونس، أبو الحارث، حدثنا عبيدة بن حميد عن عمارة بن غُزَيَّة، عن عثمان بن أبي حفنة، عن جدته الشفاء قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسأله رجل: أي الأعمال أفضل؟ فذكره، ورواه عبد بن حميد قال: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا المسعودي عن عبد الملك عن ابن أبي حفنة عن الشفاء بنت عبد الله وكانت من المهاجرين قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل العمل فذكره، قلت: المسعودي اختلط بأخره).
انظر.. يعني يذكر الحديث ومن أخرجه من أصحاب المسانيد الذين هم زيادة على الكتب الستة سواء كان ابن أبي شيبة أو أبو يعلى أو الحارث بن أبي أسامة أو عبد بن حميد كما هنا، ويذكر إسناد كل كتاب هذه الكتب فيها المفقود، فوجود مثل هذه الأسانيد في هذه الكتب كأن الكتاب بين يديك، وأنت تُخَرِّج إنما تعتمد في تخريجك كما سنرى -إن شاء الله- في المراحل المتقدمة من درسنا أن العبرة عندك بالأسانيد مسألة المتون وهذا الكلام ما أيسره، لكن المُخَرِّج أو الباحث إنما يُخَرِّج الحديث ليحكم عليه صحةً أو ضعفًا، فيريد الأسانيد، يريد أسماء الرواة، فهذا الوعاء الذي ضَمَّنَ لك وحوى لك كتبا ليست بين يديك هذه فائدة يُعَضُّ عليها بالنواجذ.
ثم بعدما انتهى من إيراد الحديث من عند ابن أبي شيبة وأبي يعلى، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة ماذا يقول؟
(ولكن المسعودي اختلط) اقرأ.
(قلت: المسعودي اختلط بأخرة).(1/18)
اختلط الراوي. قد يكون ثقة، ولكنه في آخر حياته مع كبر السن كما قال الله تعالى: ?يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا? [النحل: 70] فيذهب عقل هذا الراوي، ويحصل له هذا الاختلاط الذي هو مصاحب للكِبَر، كمثل سعيد بن أبي عروبة، سعيد ثبت ثقة من أجود الناس في قتادة، يعني قتادة بن دعامة السدوسي راوية أنس ودارت عليه أسانيد البصرة له ثلاثة من الفرسان فيه؛ شعبة، وهشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة.
فكان سعيد صاعقة في الحفظ، لكن لما وصل إلى الثالثة والثمانين من العمر اختلط، اختلط يعني صار يهذي يأتي بكلام فيقول: حدثنا فلان عن عيسى بن مريم كأن عيسى من رجال الإسناد -عليه السلام-، فهذا اختلاط، دخلوا عليه فقال: الأزد أزد عريضة ذبحوا شاة مريضة أطعموني فأبيت ضربوني فبكيت، فعلموا أن الشيخ قد ذهب عقله فقالوا: امنعوه من الرواية، فكان لا يمتنع وكان يحدث بعد الاختلاط، طيب معرفة السن الذي اختلط فيه مهم جدًا، ثم من حَدَّثَ عن هذا الشيخ بعد الاختلاط؟
فكل من روى عن سعيد بعد الاختلاط فحديثه مردود، الرجل خَرِف فما عاد عنده عقل يزن به الرواية ولا يعرف الأسانيد ولا يعرف ألفاظ المتون.
الترمذي -رحمه الله تعالى- خَرَّجَ لمحمد شيخه محمد بن إبراهيم بن أبي عدي عن سعيد قال ابن أبي عدي: الله تعالى يحب الحق ما سمعت من سعيد إلا بعد الاختلاط، مع أن الترمذي -رحمه الله تعالى- يقول في مرويات ابن أبي عدي عن سعيد حسن صحيح، ويصحح مرويات ابن أبي عدي عن سعيد الذي لم يرو عنه بصريح لفظه إلا بعد أن اختلط.
فالاختلاط آفة تجعل رواية المختلط مردودة، سواء كان الاختلاط بذهاب العقل أو ذهاب البصر، إذا كان الراوي أصلاً يعتمد على كتابه كعبد الرزاق الصنعاني الإمام الجهبذ شيخ الإمام أحمد وابن معين وإليه كانت الرحلة من الأقطار. ماذا حصل؟(1/19)
عبد الرزاق عمي سنة 203 وعاش بعدها ست سنوات أو سبع سنوات، على اختلاف بين المؤرخين في وفاة عبد الرزاق، فكل من روى عن عبد الرزاق بعد العمى حديثه مردود.
لماذا؟
لأن عبد الرزاق إنما كان يروي من كتاب، فلما عمي؛ صار يحدث من حفظه فوقع الخطأ في حديثه، فكل من روى بعد سنة 203 عن عبد الرزاق الصنعاني؛ فحديثه مردود.
كيف علمنا؟
الأئمة غربلوا هذه الروايات، وعرفوا من الذي سمع قبل العمى ومن الذي سمع بعد العمى وجردوا ذلك وأودعوه المدونات والمصنفات التي تكلمت على الاختلاط وعلى التغيُّر إلى غير ذلك.
فهو يقول بعد أن روى الحديث: (المسعودي اختلط بأخره) يعني في آخر حياته اختلط ومعنى أنه اختلط يعني رواياته غير مقبولة.
(قلت: المسعودي اختلط بأخرة وهاشم ابن القاسم روى عنه بعد الاختلاط وشبابة بن سوار، والحسن بن قتيبة لم يُدْرَ هل رويا عن المسعودي قبل الاختلاط أم بعده؟).
إذا كان راوٍ لا يُدرى هذا الراوي سمع من هذا الشيخ بعد اختلاطه أم قبل؛ يُتوقف في حديثه؛ احتياطًا للرواية لأن المسألة لا بالتشهي ولا بالهوى، وإنما هي قوانين صارمة لا تقبل المجاملة، فإذا روى واحد عن شيخ هذا الراوي لا يُعرف سمع قبل ولا بعد؟
يقول لك: يُتوقف في حديثه حتى نتأكد من ذلك.
فيقول هو: إن شَبَّابة بن سوار، والحسن بن قتيبة، لم يُدْرَ هل سمعا من المسعودي قبل الاختلاط أم بعده؛ فمعناه أنه أيضًا يتوقف في حديثه.
(لم يُدْرَ هل رويا عن المسعودي قبل الاختلاط أو بعده فاستحق الترك، وعثمان بن أبي حفنة مجهول لم أرَ من ذكره، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله وغيره، وسيأتي في كتاب الحج في باب الحج المبرور).(1/20)
ترى يعني هذه الفوائد من ساعة بدأنا في التخريج إلى اليوم وما رأينا هذا النوع من النقد الحديثي أن الإنسان بعد إيراد الرواية يتكلم على الصحة والضعف، يقول الراوي هذا اختلط، هذا مجهول، هذا لا يُدرى سمع قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط، الراوي هذا مجهول، الراوي هذا يرسل، إلى غير ذلك من أنواع العلة؛ لأن هذه الأسباب التي بها يُعَلّ الحديث ويكون الحديث مردودًا، مثل هذا الكلام هو غاية المقصد عند طالب الحديث، وهو معرفة الصحة والضعف وما أسبابها، وهذا بعد الانتهاء من الكلام على طرق التخريج نتكلم عن الأسانيد نتكلم على الرواة، وحال كل راوٍ في شيخه، هل هو ثبت فيه؟ هل سمع منه قبل الاختلاط؟ هل بعد الاختلاط؟ هل هو من أوثق الناس فيه؟ هل هو ممن لازمه؟ هل هو ممن روى عنه مرة واحدة؟ كيف تحمل العلة عنه؟ هل أخذه بالسماع؟ هل أخذه بالوجادة؟ هل أخذه بالإجازة؟ إلى غير ذلك من أسباب العلة في الروايات وهذا هو المرقاة التي ينبغي أن يصعد فيها طالب الحديث ليتعرف على علم العلل الذي هو المقصد من هذا العلم الشريف.
والله أعلم والحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
إجابات الحلقة الماضية.
السؤال الأول: عرف بكتب الأطراف. وإلى أي طريقة من طرق التخريج تنتمي؟ واذكر منها على وجه الإجمال طريقة ترتيبها، وما فوائدها؟
التعريف بكتب الأطراف:
الأطراف جمع طرف وهي جزء الحديث الدالّ على بقيته.
كتب الأطراف هي نوع من المصنفات الحديثية اقتصر فيها مؤلفوها على ذكر طرف الحديث الذي يدل على بقيته، ثم ذكروا الأسانيد التي ورد من طريقها هذا المتن، ويكون ذلك إما عن طريق الاستيعاب، أو على سبيل التقييد فتكون في كتب كثيرة، وتنتمي كتب الأطراف إلى طريقة التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث من الصحابة.
ومن كتب الأطراف على وجه الإجمال:
"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للحافظ المزي المتوفى سنة 742.(1/21)
"إتحاف المهرة العشرة" للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 للهجرة.
"أطراف المسانيد العشرة" لأبي العباس أحمد بن محمد البوصيري المتوفى سنة 840 للهجرة.
"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث" لعبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 للهجرة. وهذه هي الكتب المطبوعة.
طريقة ترتيب كتب الأطراف:
الغالب أن أصحابها رتبوها على مسانيد الصحابة مرتبين على نسق حروف المعجم وربما رتبها بعضهم على الحروف بالنسبة للمتن كما في كتاب "أطراف الغرائب والأفراد" رتبه أبو الفضل بن طاهر على حروف المعجم بالنسبة لأوائل المتون، وكذا فعل الحافظ محمد بن علي الحسيني في كتابه "الكشّاف في معرفة الأطراف".
فوائد كتب الأطراف:
أولاً: معرفة أسانيد الحديث المختلفة مجتمعة في موضع واحد.
ثانيًا: معرفة من أخرج الحديث من أصحاب المصنفات والباب الذي أخرجوه فيه.
ثالثًا: معرفة عدد أحاديث كل صحابي في الكتب التي عُمِلَ عليها كتاب الأطراف.
انتهت إجابة السؤال الأول.
جيد. ما شاء الله.
السؤال الثاني: تعريف بكتاب "تحفة الأشراف".
هو كتاب "تحفة الأشراف" للإمام الحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، جمع فيه أطراف أحاديث الكتب الستة، وبعض ملحقاتها؛ ما رواه البخاري تعليقًا، مقدمة صحيح مسلم، الشمائل للترمذي، النسائي في عمل اليوم والليلة بطريقة يسهل على القارئ معرفة أساليبها مجتمعة في مكان واحد، وقد بناه الحافظ المزي على كتاب ابن عساكر، ورمز لهذه الكتب برموز ولِمَا استدركه على ابن عساكر بالرمز "ك" ... المهم يعني ذكرت..
طريقة ترتيبه:
رتب الحافظ المزي كتاب "الأطراف" بحسب الراوي الأعلى على نسق ترتيب المعجم بذكر الصحابي وما له من أحاديث في الكتب الستة، وإذا كان صحابيا مُكْثِرا من الرواية يُرتب الرواة عنه على حروف المعجم أيضًا ويبدأ بالحديث الذي كَثُرَ مُخَرِّجُوه من أصحاب الكتب الستة، ثم الذي يليه في العدد وهكذا.(1/22)
من مميزات كتاب "تحفة الأشراف":
معرفة أسانيد الحديث المختلفة والمجتمعة في موضع واحد: وهذا له فوائد مهمة خاصة عند دراسة الأسانيد، تفيد في معرفة مدار الحديث ومعرفة التفرد النسبي والمطلق.
معرفة المُكْثِرين من الصحابة فـ"تحفة الأشراف" يبين ذلك.
معرفة من أَخْرَجَ الحديث من أصحاب الكتب الستة وملحقاتها: في الغالب يوضح الحافظ المزي المُهْمَلين في الرواية.
يُستفاد من "تحفة الأشراف" في معرفة أحكام الترمذي على الحديث حيث أنه قد توفر لديه أكثر من نسخة لهذا الكتاب لم تكن موجودة.
يُستفاد أيضًا من عناية الحافظ المزي بذكر نُسَخِ أبي داود والنسائي بخلاف ابن عساكر ومن فوائده أيضًا أنه يبين الرواة الذين اعتمدهم الإمام البخاري في صحيحه ويستفاد أيضًا من كلامه على الأسانيد كيفية إيراد الحديث فيه يورد رمز كتب من خَرَّجَ الحديث ثم يذكر طرفًا من أول متن الحديث ثم يشرع في بيان الأسانيد التي رُوِيَ بها الحديث في المصنفات التي رمز إليها على ترتيبها. يبدأ بكتب أول تلك الرموز ثم يتبعه باسم الكتاب الذي ورد فيه ذلك الحديث في ذلك المصنف ثم يذكر الإسناد بتمامه منتهيًا إلى اسم المترجم عنه بقوله: عنه به، أي: بهذا الإسناد كما في الترجمة، ثم يذكر باقي الرموز وأسانيدها بنفس الطريقة.
ممتاز..
أسئلة الدرس.
السؤال الأول:
صِفْ كتاب "ذخائر المواريث". وإلى أي طرق التخريج ينتمي؟ وبَيِّن طريقة البحث فيه، واذكر أهم فوائده.
السؤال الثاني:
اذكر الكتب التي خَرَّجَ الإمام البوصيري -رحمه الله- أطرافها في كتاب "إتحاف الخيرة المهرة"، واشرح طريقة ترتيبهم، وكيف تُخَرِّجُ الحديث منه؟(1/23)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثاني عشر
تابع كتب الأطراف "إتحاف المهرة"
بسم الله والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وآله وصحبه ومن اتبع هداه, وبعد.
الإخوة والأخوات: طلبة هذه الأكاديمية العلمية المباركة سلام الله عليكم, ورحمة الله تعالى وبركاته، أما بعد
في الحلقة الماضية أكملنا الكلام على جزء من الطريقة الثالثة من طرق التخريج وهي: التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث، فتكلمنا بالأمس عن "إتحاف الخيرة المهرة" للإمام البوصيري -رحمه الله تعالى-, ونحن الليلة -بإذن الله تعالى- مع التعريف بكتاب آخر من الكتب الخادمة في هذه الطريقة من طرق الاستخراج وهو كتاب: "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة" للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-.
وكنا بينا قبل أن الحافظ البوصيري -رحمه الله تعالى- عمل أطرافا لعشرة كتب غير الستة التي بنى عليها الحافظ المِزي كتابه "تحفة الأشراف", فرأينا أن الحافظ المزي بنى التحفة على الصحيحين, والسنن الأربعة, ثم جاء الإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- كما بينا بالأمس فبنى كتابه على عشرة كتب أيضا من المسانيد: مسند أبي يعلى, و ابن أبي شيبة, والحارث بن أبي أسامة, إلى غير ذلك من الكتب العشرة التي بينا حالها، وذكرنا بعض النماذج لها.(1/1)
ثم الليلة -بإذن الله تعالى- نبين جهد الحافظ -رحمه الله تعالى- خاتمة حفاظ الدنيا الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- في كتاب" إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة" والحافظ -رحمه الله- بنى هذا الكتاب على عشرة كتب أو قل أحد عشر كتابا هي: سنن الدارمي, وصحيح ابن خزيمة وهو لم يجد من ابن خزيمة إلا ربع العبادات فقط ومواضع متفرقة من الكتاب ولم تصلنا ما هو زيادة على العبادات, ومنتقى ابن الجارود, ومسند أبي عوانة, وصحيح ابن حبان, ومستدرك الحاكم, وشرح معاني الآثار للطحاوي, وسنن الدارقطني. ورمز -كما هو موجود على السبورة- برموز لهذه الكتب فرمز للدارمي بـ: مي, وابن خزيمة بـ: خز, وابن الجارود بـ: جا, ولأبي عوانة بـ: عه, ولابن حبان بـ: حب والحاكم بـ: كم, والطحاوي بـ: طح, والدارقطني بـ: قط، ثم إذا ذكر مسند أحمد, أو الشافعي, أو الموطأ, فإنه يسميها باسمها لا يرمز لها برموز.
سنرى مقدمة الحافظ -رحمه الله تعالى- لكتابه, وخطته فيه ومنهجه, والكتاب -بفضل الله تعالى ورحمته- من مطبوعات مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالاشتراك مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف, فخُدم كتابه خدمة عالية جدا من أبهى ما يكون العمل, ومن أحسن ما يكون الإخراج، وأنا أتمنى أن تكون المراكز العلمية على مستوى العالم لخدمة السنة بهذا المستوى الرائق اللائق بخدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
نعم استغرق وقتًا أكثر من اللازم, وتقريبا الكتاب لم يكتمل فخرج منه ثمانية عشر مجلدًا, ويخرج في عشرين فالعمل بطيء بعض الشيء؛ لكنه في الحقيقة متقن غاية الإتقان بما تقر به عيون أهل الحديث فلا تجد- بفضل الله تعالى- تصحيفًا, ولا تحريفًا, و الكتاب مخدوم بشكل غاية في الجودة بفضل الله تعالى ورحمته، والحمد لله على توفيقه؛ أن هيأ لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يقوم على خدمتها في هذا العصر بهذه الصورة.(1/2)
الحافظ -رحمه الله تعالى- ذكر مقدمة لكتابه يُبِيْن عن منهجه فيه, ثم نذكر بعض النماذج -كما ذكرنا بالأمس- في كتاب الإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- لنرى الفارق بين الكتابين، وأنا أتمنى أن ينشط الخادمون لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بضم هذه الكتب الثلاثة في مصنف واحد.
لو أن أهل الحديث ينشطون من طلاب الحديث شرقا وغربا لخدمة السنة في جمع "تحفة الأشراف" و"إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري، و"إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر في مصنف واحد؛ لجمعوا بهذا مقاصد "27" كتابًا من كتب السنة, ولا يند عنها -إن شاء الله تعالى- حديث صحيح .
فهذا العمل لو ينشط له العاشقون لسنة الرسول فأنا أرجو الله تعالى أن يهيئ من هذه الأمة من يقوم بهذه الخدمة, وهي ضم الكتب الثلاثة في مصنف واحد يخدم ويوفر على الناس كثيرًا من الجهود التي تبذل في الوقوف على الأحاديث.
سنقرأ مقدمة الحافظ, ونعرف منهجه في كتابه, ونأخذ بعض النماذج بعضها نظري, وبعضها مكتوب على السبورة ؛ لنعرف الفرق بينه, وبين كتاب البوصيري, والفرق بينه أيضا وبين تحفة الأشراف.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الذي لا يحيط العادّ لنعمائه بطرف, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرار من لاح له الهدى فعرف، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولهمنتهى الكرم والشرف -صلى الله عليه وآله وسلم-, ومن قفا أثرهم ومن بحار علمهم اغترف, أما بعد:
فقد أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الحاكم أن عمر بن حسين أخبرهم قال: أخبرنا أبو الفرج بن نصر قال: أخبرنا أبو طاهر ابن المعطوش قال: أخبرنا الحافظ أبو البركات ابن الأنماطي قال: أخبرنا أبو محمد الخطيب قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم الكتاني قال: حدثنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا أبو خيثمة في كتاب العلم له حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: لا بأس بكتابة الأطراف)(1/3)
الحافظ -رحمه الله تعالى- يريد أن يسوق خبر إبراهيم بن يزيد النخعي؛ بأنه لا بأس بذكر الأطراف التي هي أول شيء يسوقه في أول كتابه بعد المقدمة, فساق الكلام بالإسناد إلى إبراهيم النخعي, وهذه -الحمد لله- خصيصة لهذه الأمة في بقاء الإسناد لا أقول إلى وقت الحافظ ابن حجر، وإنما بقاؤه ولله الحمد إلى يوم الناس هذا, وإلى يوم القيامة؛ لأن هذه سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تولى الله حفظها كما تولى حفظ القرآن الكريم.
فهذه براعة من الحافظ -ولله الحمد- حفظ الله على الأمة علم الإسناد, وهذا من مواطن الشرف في هذه الأمة.
(وهذا الأثر إسناده صحيح, وهو موقوف على إبراهيم بن يزيد النخعي أحد فقهاء التابعين, وعنى بذلك ما كان السلف يصنعونه من كتابة أطراف الأحاديث ليذاكروا بها الشيوخ، فيحدثوهم به)
كان الطالب يذهب إلى الشيخ, ويريد أن يسمع منه مثلاً: مائة حديث فيكتب أطراف الأحاديث في ورقة يقول مثلاً: حديث (إنما الأعمال بالنيات)، حديث (البيعان بالخيار)، حديث (النكاح), حديث مثلاً (يا معشر الشباب)، حديث (تنكح المرأة) حديث كذا, فيكتب من كل حديث كلمة أو كلمتين. هذه هي الأطراف, ويريد أن يسمع هذه الأحاديث من الشيخ بإسناده؛ فتوفيرًا للوقت يأخذ معه الأطراف, وهو يسوق الأسانيد، والقصص، والحكايات في جواز استخدام ذلك.
(قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: كنت ألقى عبيدة وهو ابن عمرو السلماني بالأطراف. إسناده صحيح أيض)
كنت ألقاه بالأطراف؛ أي فلا ينكر عليّ كتابتها, وكأن الحافظ -رحمه الله تعالى- يريد أن يدلل على صحة صنيعه, وعلى جواز ذلك من الناحية الشرعية.
((1/4)
ثم صنف الأئمة في ذلك تصانيف قصدوا بها ترتيب الأحاديث, وتسهيلها على من يروم كيفية مخارجها. فمن أول من صنف في هذا: خلف الواسطي. جمع أطراف الصحيحين, وأبو مسعود الدمشقي جمعها أيض) تقدم هذا الكلام عند الكلام عند تحفة الأشراف.
(وعصرهما متقارب, وصنف الداني أطراف الموطإ, ثم جمع أبو الفضل ابن طاهر أطراف السنن وهي لأبي داود، والنسائي, والترمذي, وابن ماجه, وأضافها إلى أطراف الصحيحين. ثم تتبع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أوهامه في ذلك, وأفرد أطراف الأربعة, ثم جمع الستة أيضا المحدث قطب الدين القسطلاني, ثم الحافظ أبو الحجاج المزي، وقد كثر النفع به.)
يعني بكتاب الحافظ أبي الحجاج المزي -رحمه الله تعالى-.
(ثم إني نظرت فيما عندي من المرويات, فوجدت فيها عدة تصانيف قد التزم مصنفوها الصحة؛ فمنهم من تقيد بالشيخين كالحاكم, ومنهم من لم يتقيد كابن حبان, والحاجة ماسة إلى الاستفادة منها.
جمعت أطرافها على طريقة الحافظ أبي الحجاج المزي, وترتيبه إلا أني أسوق ألفاظ الصيغ في الإسناد غالبا؛ لتظهر فائدة ما يصرح به المدلس)
الحافظ أبو الحجاج المزي -رحمه الله تعالى- وهو يسوق الأسانيد كان لا يعتني بألفاظ التحمل, وكان يقول: عن فلان عن فلان, ويسوق الإسناد بالعنعنة.
أما الحافظ -رحمه الله تعالى-؛ فهو هنا يذكر صيغ التحمل يقول مثلاً: قال: فلان حدثنا قال: أخبرنا قال: أنبأنا يعني -روى السماع من لفظ الشيخ, أو روى بالقراءة على الشيخ للعرض عليه -الذي هو الإخبار-, أو أخذ ذلك بالإجازة, أو بالوصية, أو نحو ذلك من الطرق- التحمل-, والأصل أن هذا شرح قبل ذلك في دروس مصطلح الحديث فتراجعوا -إن شاء الله وتعالى- طرق التحمل والأداء.
لكنْ قصد الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- إلى أن يقول، وأن ينبه على أن الحافظ أبا الحجاج المزي ما كان يعتني بصيغ التحمل والأداء, وهذه مفيدة في شيء مهم جدًا وهو بيان تدليس الراوي.(1/5)
فإذا صرح الراوي بالتحديث؛ فقد زالت عنه تهمة التدليس فالدقة وصلت عنده إلى أن يحافظ على ألفاظ التحمل والأداء.
(ثم إن كان حديث التابعي كثيرًا رتبته على أسماء الرواة عنه غالبا, وكذا الصحابي المتوسط, وجعلت لها رُقوما أبينه)
يعني الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- كان إذا سرد مرويات المكثرين من الصحابة؛ كأنس, وابن عمر, وعبد الله بن عمرو, وعائشة, وأبي سعيد, وغيرهم.. ماذا يصنع؟
أحاديث مثلاً أنس كثيرة جدًا فيرتب أحاديث أنس على الرواة عنهم فيقول مثلاً: حديث ثابت عن أنس، حماد عن ثابت عن أنس, قتادة عن أنس, ومثلاً سعيد بن جبير عن أنس, إن كانت له عنه رواية ونحو ذلك.. فإذا انتهى من ذكر رواية التابعي عن الصحابي يرتب أيضا الأحاديث على الرواة عنهم فيقول مثلاً: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس, شعبة عن قتادة عن أنس, هشام عن قتادة عن أنس, حتى ينتهي من تلامذة قتادة, فإذا كان بقي في الحديث كثرة فيرتب أيضا الرواة عن هؤلاء الثلاثة: شعبة, وسعيد, وقتادة,وغيرهم.. فيقول مثلاً حديث مثلاً محمد بن بشار عن شعبة عن قتادة عن أنس, محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة عن أنس, وهكذا.. حتى ينتهي من ذكر الأحاديث التي لأنس -رضي الله عنه-.
فالحافظ ابن حجر تبع نفس الطريقة إذا كان الراوي مكثرًا فيرتب الأحاديث أحاديث الراوي عنه أحاديث التابعي على أسماء تلامذته مرتبين على حروف الهجاء -كما سنرى- في النماذج العملية الآن- بإذن الله تعالى-.
(فللدارمي, وقد أطلق عليه الحافظ المنذري اسم الصحيح فيما نقله الشيخ علاء الدين مُغَلْطَاي فيما رأيته بخطه)
هناك رسالة ماجستير لأحد الإخوة الباحثين في جامعة أم القرى -له رسالة في جهود الحافظ مُغَلْطَاي- في الحديث, وعلومه. النسخة عندي.
(للدارمي: مي ولابن خزيمة)
أين سبق معنا رمز الدارمي مي؟
في موسوعة سعيد زغلول
وماذا أيضا؟ الأهم
كتاب السيوطي
لا لم يذكر السيوطي: مي .(1/6)
نسيتم أنتم لا تذاكرون: الدارمي مي أين ذكر في غير موسوعة زغلول؟
قبل موسوعة زغلول.
أول ما ذكر كان في موسوعة زغلول.
باقي الكتب يا شيخ.
لا.. المعجم المفهرس.
أنتم لا تذاكرون المعجم ذكر في أسفل كل صفحة الرموز يذكر مسند أحمد ومنها الدارمي.
والبخاري كذلك.
أليس كذلك؟
بلى يا شيخ
(ولابن خزيمة: خز, ولم أقف منه إلا على ربع العبادات بكماله, ومواضع مفرقة من غيره)
هذا الكتاب إلى وقت الحافظ ابن حجر لا يوجد منه إلا ربع العبادات -التي هي الأربع مجلدات- التي حققها الشيخ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي -حفظه الله تعالى-.
(ولابن الجارود، وقد سماه ابن عبد البر, وغيره صحيحا جا, وهو في التحقيق مستخرج على صحيح ابن خزيمة باختصار)
مستخرج على صحيح ابن خزيمة كأن أحاديث ابن خزيمة باختصار، وهو الذي عمل عليه شيخنا الشيخ أبو إسحاق الحويني تخريجا الذي هو "غوث المكدود بتخريج أحاديث المنتقى لابن الجارود" في مجلدين مجلد كبير ومجلد صغير.
(ولأبي عوانة, وهو في الأصل كالمستخرج على مسلم؛ لكنه زاد فيه زيادات كثيرة جدًا من الطرق المفيدة, بل ومن الأحاديث المستقلة عه.)
رمز أبي عوانة عين هاء عه.
(ولابن حبان حب)
سبق أين؟
في الجامع الصغير, وفي موسوعة زغلول.
(وللحاكم أبي عبد الله في المستدرك: كم, ثم أضفت إلى هذه الكتب الستة أربعة كتب أخرى وهي: الموطأ لمالك, والمسند للشافعي, والمسند للإمام أحمد, وشرح معاني الآثار للطحاوي, لأني لم أجد)
كأن الحافظ -رحمه الله تعالى- أراد أن يذكر كتابا من كل مذهب فقهي فذكر في مذهب الشافعي مسند الشافعي, وفي الحنابلة مسند أحمد, وفي المالكية موطأ مالك, ثم أراد أن يأتي بجامع مسانيد أبي حنيفة فلم ير فيه شيئا يذكر من حيث العدد فأبدله برأس المحدثين في المذهب الحنفي, وهو الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى-.
((1/7)
وشرح معاني الآثار للطحاوي؛ لأني لم أجد عن أبي حنيفة مسندا يعتمد عليه, فلما صارت هذه عشرة كاملة؛ أردفتها بالسنن للدارقطني؛ جبرا لما فات من الوقوف على جميع صحيح ابن خزيمة, وجعلت للطحاوي طح, وللدارقطني قط, فإن أخرجه الثلاثة الأول؛ أفصحت بذكرهم أعني مالكًا والشافعي وأحمد)
وهو لم يرمز لا للشافعي, ولا لمالك، ولا لأحمد, وإنما يذكرهم بأسمائهم.
( وهذه المصنفات قلّ أن يشذ عنها شيء من الأحاديث الصحيحة –لاسيما- في الأحكام إذا ضم إليها أطرافُ المزي)
هذه شهادة من إمام مطلع لأن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- كان قد رام جمع السنة في مصنف واحد, وما تم له ذلك فقال إذا ضُمت هذه الكتب الإحدى عشر كتابا بما فيها صحيح ابن خزيمة الذي يعتبر ناقصا ليس فيه إلا ربعه, فكأن الحافظ -رحمه الله تعالى- إذا ضم هذه الكتب إلى أطراف المزي؛ فكأنه جمع السنة الصحيحة, وبالأخص في أحاديث الأحكام لا يشذ منها شيء صحيح.
هذه شهادة من إمام فهو فتح لك الباب لتعمل. يعني مشروع جمع السنة في وعاء واحد من خلال تحفة الأشراف، وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري, وإتحاف المهرة للحافظ ابن حجر, هذا يوفر على الأمة الكثير جدًا خاصة إذا ذكرت الأحاديث بمتونها, وأسانيدها.
(وقد ذكرت أسانيدي إلى أصحاب التصانيف المذكورين بتصانيفهم المذكورة)
لا يحتاج.. الحافظ يقول أما سنن مثلاً الدارمي فقد سمعته من فلان عن فلان, ويذكر شيوخه إلى الدارمي, وشيوخه إلى ابن خزيمة, وشيوخه إلى ابن الجارود, ونحن لا نحتاج إليه في درسنا لكن على أية حال أمانة علمية دقيقة.
(وسميت هذا الكتاب "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة", وهذا حين الشروع فيما إليه قصدت, والاعتماد فيما أردت من ذلك على من عليه اعتمدت, وهو الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب)
هذه مقدمة الحافظ لكتابه التي أبان فيها عن منهجه, والكتب التي جمع أطرافها في هذا الكتاب العظيم القدر جدًا.(1/8)
لا يقول قائل: إنه في كل حديث سيخرج الحديث من عشرة كتب إنما بحسب ما يقع له فقد يكون الحديث المذكور مثلاً في كتابين في الدارمي, وابن خزيمة, وابن الجارود، قد يكون في ابن حبان,و الحاكم, والطحاوي قد يكون في الدارقطني، ومسند أحمد, وموطأ مالك، أو يتوفر أن يكون الحديث في ستة كتب منها, أو في خمسة لا يكاد يجتمع أن يخرج حديثا واحدا من الكتب العشرة هذا ما رأيته في الكتاب, وأنا أتصفح الأحاديث فيه فهذا لا يلزمه كما لا يلزم البوصيري -رحمه الله تعالى- أن يخرج الحديث من كل الكتب؛ لأنه غير موجود فيها أصلا، فليس معنى أنه يجمع أطرافها أن يخرج الحديث الواحد من جميع الكتب؛ وإنما بحسب ما يقع له من الأحاديث في هذا الكتاب أو ذاك.
(وقد بدأ بمسند آبي اللحم الغفاري, ثم مسند أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس, ثم مسند أبان المحاربي, ثم مسند أبجر بن غالب)
هذا يفيدك على أنه رتب على حروف الهجاء كما فعل الحافظ أبو الحجاج المزي -رحمه الله تعالى-، أما البوصيري فرتب كتابه على ماذا؟
الإمام البوصيري الذي قرأنا بعض نماذجه؟
رتب على أبواب الفقه
رتب على أبواب الفقه بدأ بالإيمان والقدر, وبعض أبواب الرقاق, ثم ذكر أبواب الفقه, ثم ختم بأبواب الجنة, فلو أن البوصيري -رحمه الله تعالى- رتب كتابه على رواة الأحاديث على أسماء الصحابة كما فعل المزي وابن حجر؛ لكان خيرا كثيرًا فيحتاج الآن إلى إعادة صياغة الكلام, وإعادة ترتيبه على المسانيد.
جهد ليس بالسهل, ولا بالهين, ثم تضم الثلاثة إلى بعضها فنكون قد جمعنا السنة كما رام الحافظ وأكثر- بإذن الله تعالى- لكن هذا عمل موسوعي ضخم يحتاج إلى مؤسسات كبيرة تقوم بهذا المشروع العظيم.
نأخذ نموذجا.
(هذا من مسند أبي بن كعب حديث: (الرجل يجامع فلا ينزل ليس عليه غسل) طح في الطهارة)
نكتب؛ إنما تحقق الفائدة بتدوين ذلك على السبورة, تفضل يا شيخ.
(حديث الرجل )(1/9)
هذا حديث منسوخ, أليس كذلك من الناحية الفقهية؟
بلى
(الرجل يجامع فلا ينزل ليس عليه غسل)؛ لأن حديث عائشة: (إذا مس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل) ناسخ لهذا الحديث, وحديث عائشة متأخر.
نعم, تفضل من أخرجه؟
(طح في الطهارة)
هذا رمز الطحاوي في الطهارة.
(عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال, وعن يزيد عن موسى)
يزيد هذا شيخ الطحاوي, أم شيخ محمد بن خزيمة؟
حجاج عن يزيد عن موسى
قال في الطهارة عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال، وعن يزيد
نعم عن موسى
وعن يزيد, إذن هو شيخ الطحاوي.
(وعن يزيد عن موسى) قال:
(حدثنا حماد بن سلمة)
من الذي قال؟
يزيد وموسى
لا، حجاج بن منهال, وموسى؛ لأن هذا الإسناد الأول قال: (حدثنا محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال, وحدثنا يزيد عن موسى) إذن قال آخر اثنين الذين هما: الحجاج بن منهال، وموسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة.
(وعن حسين بن نصر)
يصير هذا إسنادا ثالثا.
(عن حسين بن نصر عن نعيم عن عبدة بن سليمان قال)
يصير حماد بن سلمة, وعبدة بن سليمان, نعم.
(حدثنا هشام عن أبيه عن أبي أيوب حدثني أبي بن كعب به)
هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه .نعم حدثني أبي بن كعب بالحديث.
(هذا في الطحاوي ثم يقول: حب )
هذا إسناد الطحاوي رواه عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال, وعن يزيد عن موسى, الاثنان حجاج بن منهال وموسى قالا حدثنا: حماد بن سلمة, ثم رواه عن حسين بن نصر عن نعيم عن عبدة بن سليمان قالا -أي عبدة وحماد-: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب؛ حدثني أبي بن كعب بالحديث. هذه أسانيد الطحاوي في شرح معاني الآثار، ثم ابن حبان:
(في السابع والخمسين من الثالث)(1/10)
هذا ابن حبان -رحمه الله تعالى- كان قسم كتابه على التقاسيم, والأنواع, رام ابن حبان أن يصنف كتاب في السنن لا يستطيع أحد البحث فيه؛ إنما من أراد أن يستفيد منه يحفظه، فأراد إلزام الناس بحفظ السنة فشق للغاية, والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- حقق منه قدرا يسيرا الذي هو: صحيح ابن حبان علي الترتيب الأصلي الذي تركه عليه مؤلفه، فجاء ابن بلبان -رحمه الله تعالى- في القرن الثامن فرتبه رتب صحيح ابن حبان سماه "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان", فرتبه على أبواب الفقه, فهنا يعزو للكتاب الأصلي الذي هو طريقة ابن حبان التي سماها التقاسيم والأنواع بحيث يلزم الناس بحفظ السنة. ولا نذكر هذه الرموز؛ لأن الكتاب غير موجود أصلاً.
(حب في السابع والخمسين من الثالث).
( يقول: أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا: أبو خيثمة قال حدثنا يحيى بن سعيد)
حدثا أبو خيثمة: زهير بن حرب
(قال حدثنا هشام به)
أي ساق الإسناد من طريق أبي يعلى عن أبي خيثمة: زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة.
إذن عن هشام به يعني: عن أبيه عن أبي أيوب عن أبي بن كعب به فجمع لك..
(وفي الثاني والثلاثين من الرابع)
موضع آخر لابن حبان.
(عن محمد بن أحمد بن أبي عون).
هذا شيخ ابن حبان محمد بن أحمد بن أبي عون.
(عن محمد بن عبد ربه عن عبدة بن سليمان به).
إذن عبدة عمَّن؟
عن عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب عن أبي بن كعب بالحديث.
هل هتاك إحالات أخرى؟
ثم ننتقل إلى رواية أحمد: ( رواه أحمد عن أبي معاوية ويحيى بن سعيد).
أبو معاوية: محمد بن خازم الضرير0
عن أبي معاوية ويحيى بن سعيد القطان.
(وعن محمد بن جعفر عن شعبة ثلاثتهم عن هشام).
من ثلاثتهم؟
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير, ويحيى بن سعيد القطان ليس الأنصاري، ومحمد بن جعفر غندر ربيب شعبة الثلاثة يروون الحديث عن شعبة عمَّن؟ عن شعبة عن هشام.
(ثلاثتهم عن هشام).(1/11)
الثلاثة أبو معاوية, ويحيى بن سعيد, لا..
هم أربعة.
لحظة, هشام, وعبدة, هذا طريق أبي يعلى، هذا طريق لابن حبان، وطريق آخر لابن حبان, وطريق للإمام أحمد.
أليس كذلك؟ .بلى.
ابن حبان روى الحديث عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يحيى القطان عن هشام, ورواه عن محمد بن أحمد بن أبي عون محمد بن عبد ربه عن عبدة بن سليمان, والإمام أحمد رواه عن أبي معاوية ويحيى بن سعيد.
إذن عبدة بن سليمان الذي هو طريق ابن حبان, ويحيى بن سعيد لأنه هو قرن الإمام أحمد قرن الحديث عن أبي معاوية ويحيى.
إذن الحديث عن عبدة بن سليمان, ويحيى بن سعيد وشعبة, الثلاثة عبدة ويحيى بن سعيد وشعبة عن هشام به.
(قال عبد الله بن أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر القواريريّ).
عبد الله بن أحمد؛ أي من زيادات عبد الله بن أحمد على مسند أبيه, قال حدثني: القواريري.
(حدثني عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام به, ورواه الشافعي عن غير واحد من ثقات أهل العلم عن هشام به).
من طرق عن هشام.
(عه) هو أبو عوانة
(في الطهارة قال حدثنا: العطاردي عن أبي معاوية)
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير.
(وعن أبي حميد المصيصي, واسمه عبد الله بن محمد مولى بني هاشم قال حدثنا حجاج عن هشام به)
أخرج الحديث الإمام ابن حجر -رحمه الله تعالى- من عند الطحاوي فذكر له ثلاث طرق وخرجه من عند ابن حبان.
أليس كذلك؟
بلي.(1/12)
ومن عند الإمام أحمد, وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند, والشافعي من طرق عن هشام عن غير واحد من ثقات أهل العلم ببلده, ومن طريق أبي عوانة فهذه خمسة كتب، أو ستة: مسند أحمد, وزوائد عبد الله اجعلها مسندًا أيضا، مسند أحمد، ومسند الشافعي, وابن حبان, والطحاوي, وأبي عوانة, خمسة مصادر غير الطرق. المصدر الواحد يأتي بطريقين, وبثلاثة, فإذا ضم هذا الكلام, والحديث يقينا موجود في تحفة الأشراف في المزي فانظر إلى كم من طرق الحديث الواحد, وأسانيده, تقف عليها من كتابين. هذا بلا شك خدمة للعلم وللسنة بشكل مشكور لهؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى-.
مثالاً آخر.
حديث: (بشر هذه الأمة بالثناء والنصر فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا؛ فليس له في الآخرة من نصيب). حب ابن حبان في التاسع والمائة من الثاني
لا تذكر هذه الأشياء في ابن حبان؛ لأن الكلام الأصلي غير موجود، لا يوجد إلا الجزء اليسير الذي خرجه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- من صحيح ابن حبان للتقاسيم والأنواع, ثم رتبه ابن بلبان, وهو الفاسي, وهو الذي عليه العمل الآن في الدنيا بالنسبة لصحيح ابن حبان.
نعم.
قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الدوري بالبصرة قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي قال حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه به
أبي العالية الرياحي عن أنس, الحديث حديث أنس؟
عن الربيع بن أنس.
الحديث حديث أنس بن مالك أم آبي اللحم؟
نحن في مسند أبي بن كعب
عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه به
أبي العالية الرياحي عن أبي بن كعب -رضي الله عنه-.
كَم أو كاف ميم
الحاكم في المستدرك المشهور الرمز للحاكم بكاف, والحافظ هنا استخدم النصف الأخير من اسم الحاكم.
قال حدثنا أبو علي الحسن بن محمد القاري قال حدثنا محمد بن أشرس قال حدثنا عبد الصمد بن حسان(1/13)
والناس قد تكون متعجبة ومستغربة غاية الاستغراب من أننا نقول: أسماء ما سمعنا بها في آبائنا الأولين، وهذا كتاب أسانيد.
ونحن من الطريقة الثالثة لما بدأنا في تحفة الأشراف قلنا إننا دخلنا في التخصص بمعنى نحن ليل نهار سنتكلم في الرواة والأسانيد, ونحو ذلك.
والمتون ليست هي المقصد في فن التخريج؛ إنما المراد الطرق والأسانيد, وهذه أزمة للأسف الشديد في الأمة أن هذا العلم غاب عن الساحة, وقد يتصور بعض الدعاة أو بعض المنسوبين للعلم أن هذا علم طُوِيَ بساطُه منذ أزمان, والأمة ليست في حاجة إليه, وأن الاشتغال بالرواية سخف من القول أو سخف من العقل, أو من الجهد المبذول هدرًا.
وهذا بلا شك نوع من المغالطة, وإهدار تراث أمة, لو طبعت كتب الحديث؛ لغطت الكرة الأرضة. هذا العلم العظيم جدًا نحتاج إلى إعادة وجوده في الناس؛ لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها, وأصلح الله الأمة بالكتاب والسنة، ولا سبيل أبدًا للاستغناء عن السنة في فهم القرآن, وكم من الأحكام جاءت مطلقة في القرآن الكريم ما فهمناها إلا بتقييد السنة لها وشرح السنة وتفسيرها؛ كأوقات الصلوات, وعدد ركعات الفرائض في كل صلاة, ومناسك الحج, ومقادير الزكاة, إلى غير ذلك من شرائع الإسلام المتفق عليها بين الناس ما علمنا الهدي فيها, ولا طريقة تعبد الله بها إلا من خلال حديث الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، بل ما عرفنا أن السنة استقلت بجملة من الأحكام لم يرد في الكتاب ذكر مثل الجمع بين المرأة وعمتها, والمرأة وخالتها, وتحريم لحوم الحمر الأهلية, والرجم, وغير ذلك من الأحكام الكثيرة جدًا التي لم يرد لها في القرآن ذكر، وإنما علم تحليلها أو تحريمها من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.(1/14)
وهؤلاء الصحب الكرام, وهم العرب الخلص الذي بلغتهم نزل القرآن لما قرأوا الآية آية: ? الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ ? [الأنعام: 82] أشكل عليهم فهم الآية قالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه فقال: (ليس الظلم الذي تعنون, إنما هو كما قال العبد الصالح: ? لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ?) ففسر الظلم بالشرك فلا يمكن أبدًا فهم نصوص الكتاب الكريم المنزل من الله –تعالى- إلا بتفهيم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبينه, ولا يمكن أبدًا الحفاظ على السنة إلا بحفظ الأسانيد, وإلا؛ لامتدت إليها أيدي التحريف.
وحين قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المكذوبة, وقد انتشر الوضع بكثرة في أيام ابن المبارك تبعا لاختلاف الفرق, والمذاهب, والأوضاع السياسية, والتعصب المذهبي، فقيل له: هذه الأحاديث المكذوبة؟! قال: تعيش لها الجهابذة: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ?.
وأقول: حاجة الأمة اليوم إلى الأسانيد, وإلى التمييز بين المرويات والمنقولات للأمة في أشد الحاجة إليها اليوم أكثر منها في الزمن الماضي؛ لأن الكذب كَثُرَ وانتشر بشيء إن لم يقف له أبطال السنة في هذا العصر؛ لضاع كل شيء.
ومابين يوم وآخر نسمع بدع القرآنيين الاكتفاء بالقرآن دون السنة, الطعن على البخاري, الطعن على جملة من الصحابة كالمكثرين من الرواة أبي سعيد, وأبي هريرة على رأسهم، إلى غير ذلك من الأباطيل التي نرى ونسمع؛ فلا يمكن أبدًا فهم هذا الكلام إلا بالسنة ولا يمكن فهم السنة إلا بفهم ومعرفة رجالها, وأحوالها, وأوضاعها.(1/15)
لذا كان هذا الجهد المشكور من الأكاديمية في دراسة التخريج والأسانيد والعلل والرجال إلى غير ذلك. فسامحونا في مسألة الإكثار من الرواة فلها سبب وهو أن هذا أمر مهم, وتأتي مع الدّربة والممارسة, فتجد هؤلاء الرواة خاصة في قرون التدوين من البخاري وأنت متجه إلى النبي –صلي الله عليه وسلم- إذا أكثرت من قراءة الكتب, وينبغي أنه كما في مساجدنا مقارئ للقرآن الكريم ينبغي أن تكون في مسجدنا مقارئ لكتب السنة, وهذه مسؤولية عظيمة أمام أهل الدين وأهل العلم لا بد من إحياء السنة بعمل مقارئ في المساجد لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالأسانيد حتى يألف الناس سماع الرواة, وسماع الأسانيد فيسهل عليهم ذلك, وأنت إذا كنت طالبا ممارسا تذهب وتغدو على كتب السنة, والأسانيد هؤلاء تحفظهم كما لو كانوا إخوانك في البيت الذي تعيش فيه.
الحاكم في الرقاق قال حدثنا: أبو علي الحسن بن محمد القاري قال حدثنا: محمد بن أشرس قال حدثنا: عبد الصمد بن حسان قال حدثنا: سفيان الثوري حدثني أبو سلمة الخراساني عن الربيع بن أنس به, وعن محمد بن يعقوب -هو الأصم- عن الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا سفيان الثوري عن المغيرة عن الربيع بن أنس به
هو يسوق الأسانيد أسانيد الحاكم من مواضع متفرقة من المستدرك يسوق أسانيد هذا الحديث إلى الربيع بن أنس, فإذا استوفى نقل إلى مصدر آخر. انتهى
بل بقي
من غير الحاكم؟
الإمام أحمد, وعبد الله في زياداته
كلام كثير
لا(1/16)
أنا أتمنى الآن أن نجري مقارنة بين كتابين: استخدما طريقة واحدة في التخريج, وهي طريقة أبي الحجاج المزي -رحمه الله تعالى- في تحفة الأشراف, وسنذكر حديثًا سبق ذكره؛ حتى لا يمل الناس من ذكر أسماء الرواة رواة الأسانيد فنذكر حديث أبيض بن حمال الذي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- (فاستقطعه الملح فأعطاه الملح الذي بمأرب) فنرى ماذا قال المزي -وقد سبق ذكره على السبورة هنا- وننظر ماذا قال الحافظ ابن حجر فيه؛ لتنظر كيف عمد الأئمة -رحمهم الله ورضي عنهم- إلى جمع السنة بهذا الشكل الخادم للحديث -إن شاء الله تعالى-.
الحديث من تحفة الأشراف: حديث مسند أبيض بن حمال الحميري المأربي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنه وفد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقطعه الملح الذي بمأرب)
أرى أن تملي عليّ الحديث من التحفة.
الحديث: (أنه وفد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقطعه الملح الذي بمأرب) د: أبي داود في الخراج 36 عن قتيبة بن سعيد, ومحمد بن المتوكل العسقلاني
سأختصر بعض الاختصار في سياقة الأسانيد.
كلاهما عن محمد بن يحيى بن قيس المأربي عن أبيه.
محمد بن يحيى بن قيس. نعم.
عن ثمامة بن شراحيل عن سُمي بن قيس عن شمير بن عبد المدان عن أبيض بن حمال به, ورواه الترمذي في الأحكام 39 عن قتيبة, ومحمد بن يحيى بن أبي عمر كلاهما عن محمد بن يحيى بن قيس بإسناده, وقال غريب ك س
ك هذه: زيادات الحافظ المزي، ولكن الاستدراك على ابن عساكر, وهو في النسائي.
وفي إحياء الموات في الكبرى عن إبراهيم بن هارون عن محمد بن يحيى بن قيس به, وعن سعيد بن عمرو
يكفينا؛ لأن الكتاب موجود مع الطلبة كتاب الشيخ الطحان، وفيه نفس المثال فليتابعوا معنا من كتاب الطحان.
آخر صفحة 53
ثم المقصد أن ننظر كيف يعرض المزي -رحمه الله تعالى- أحاديث كتابه, وأسانيدها, وارجع بنا إلى الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في إتحاف المهرة.
نعم يقول: مي: الدارمي في البيوع(1/17)
أعطني أولا إجمالي العزو.
العزو في الدارمي وفي ابن حبان, ثم قط: الدارقطني.
فترى الحديث ليس في الصحيحين حديث وفود أبيض بن حمال على النبي -صلى الله عليه وسلم-, واستقطاعه الملح موجود في السنن الأربعة: أبي داود, والترمذي والنسائي وهو موجود في ابن ماجه -كما كتبنا في المرة الماضية-، و ذكره الحافظ -رحمه الله تعالى- من الدارمي, وابن حبان, والدارقطني, وذكر الطرق والأسانيد, ثم البوصيري -رحمه الله- خرج الحديث عنده لكن ليس في الجزء الذي معنا؛ لأنه رتب كتابه على الأبواب الفقهية؛ فتجده إما في إحياء الموات, أو مثلاً في آخر أبواب المعاملات آخر كتب المعاملات بين المساقاة، والمزارعة, وإحياء الموات فغالبا في الإحياء. فستجد البوصيري -رحمه الله تعالى- عزا الحديث عنده إلى ثلاثة أو أربعة كتب, وهنا الحافظ ابن حجر عزاه لثلاثة كتب, والمزي عزاه للسنن الأربعة. فتوفر عندك كم عزوًا في الحديث الواحد؟
عشرة.
بكم إسناد؟.
الحد الأدنى عشرون إسنادًا.
وتجد البوصيري يتكلم على الرواة جرحا وتعديلا -كما رأينا بالأمس-, والحافظ -ابن حجر- لا يفوت ذلك في الغالب فجُمع لك عشرون إسنادًا من عشرة كتب, مع الكلام عليها صحة وضعفا.
هذه الخدمة الجليلة, وهذا السعي المشكور من أئمتنا -رضي الله عنهم- إنما هي محاولة لتقييد السنة بين يدي طالبيها.
نرى الدارمي.
يقول الدرامي في البيوع قال حدثنا: عبد الله بن الزمير الحميدي قال حدثنا: الفرج بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمال.
فرج بن سعيد يكفي.
الفرج بن سعيد بن علقمة سعيد بن أبيض بن حمال السبئي المأربي حدثني عمي ثابت بن سعيد بن أبيض أن أباه سعيد بن أبيض حدثه عن أبيض به.
عن جده الذي هو أبيض بن حمال, هذا إسناد الدارمي -رحمه الله تعالى- في السنن, ثم ابن حبان.
يكفينا طريق واحد, أعطني طريقا واحدًا ليس كل الطرق.(1/18)
أخبرنا أبو خليفة قال ثنا قيس بن حفص ثنا محمد بن يحيى بن قيس المأربي ثنا أبي عن ثمامة بن شراحيل, وسمي بن قيس.
ثمامة وسمي كيف, وهو هنا ثمامة يروي عن سمي؟
عن ثمامة بن شراحيل وسمي بن قيس.
جمع الاثنين في ابن حبان؟
نعم.
أظنه وَهْما -والله أعلم-.
قال عن شمير بن عبد المدان عن أبيض به
هذا أظنه -والله اعلم- يحتاج إلى تحرير ويحتاج إلى بحث؛ لأن كل الطرق -التي سبق ذكرها- للحديث إنما يروونه عن ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس عن شمير, فهو جَمَعَ سميَّ وثمامة في طبقة واحدة؛ فإما تصحيف من الكتاب, أو خطأ من المصنف.
ثم بعد ذلك ذكره الدارقطني في البيوع يقول حدثنا: أبو بكر النيسابوري قال حدثنا: أبو بكر محمد بن إدريس وراق الحميدي قال حدثنا الحميدي به.
الحميدي به أي من نفس الطريق الذي ذكره قبل ذلك الدارمي.
وذكره الدارقطني في موضع آخر في الأحكام
أردنا فقط أن نبين جهود أهل العلم في سياق الأسانيد, وسياق الطرق إلى غير ذلك من الأمور المهمة.
الطالب ماذا يفعل بعد ذلك؟
الذي يريد أن يفهم يختصر.
كيف يختصر؟
سيأتي بورق آخر, وهذا طريق محمد بن قيس المأربي، وهذا نفس الطريق أيضًا, وهذا نفس الطريق ويبدو أن الحديث مداره عليه, ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده هذا طريق آخر من رواية ثابت بن سعيد أن أباه حدثه عن جده بطريق الفرج بن سعيد, فهذا الحديث معظم طرقه مدارها على طريقين:
طريق محمد بن يحيى بن قيس المأربي عن أبيه عن ثمامة عن سميّ عن شمير بن عبد المدان عن أبيض.
الطريق الثاني: طريق الفرج بن سعيد قال عن عمي ثابت بن سعيد أن أباه حدثه الذي هو سعيد بن أبيض بن حمال عن أبيه به.(1/19)
فللحديث طريقان، وتعددت الطرق من رواة كثيرين؛ لكن مدارها في الآخر تؤول إلى طريقين اثنين فقط مع باقي دراسة الرواة, وهو كونهم ثقات أم غير ثقات, وهذا يعرف -إن شاء الله- في دورة الأسانيد من خلال كلام أهل العلم على الرجال يتبين لك صحة الرواية, أو عدم صحتها, وأسأل الله –تعالى- أن يوفق في مستقبل الأيام لتدارك ذلك.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
ف كتاب "ذخائر المواريث", وإلى أي طرق التخريج ينتمي؟ وبين طريقة البحث فيه, واذكر أهم خصائصها.
وكانت الإجابة:
"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث" من تصنيف الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 هـ الدمشقي الحنفي.
جمع فيه مؤلفه أطراف الكتب الستة, وموطإ الإمام مالك على طريقة ترتيب تحفة الأشراف.
وطريقة البحث فيه:
إذا أردت الاستخراج منه لمعنى الحديث الذي نريده, ولا نعتبر خصوص ألفاظه, ثم تأمل الصحابي الذي عنه رواية ذلك الحديث, وقد يكون في السند والرواية عن صحابي آخر مذكور في ذلك الحديث, فصحح الصحابي المروي عنه, ثم اكشف عنه في محله تجده.
ومن أهم خصائصه:
يمتاز بميزة الاختصار، لكنه امتاز بالتفنن في التصنيف حيث لاحظ التنوع في تراجم أسماء الصحابة؛ فقسم بحسب ذلك إلى سبعة أبواب مرتبا ما في كل باب على نسق حروف المعجم؛ تسهيلا للاستخراج مبتدئا بالهمزة منتهيا بالياء والله أعلم.
لكن الذي أجاب نقل الكتاب بما فيه, ولا نحتاج من الطلبة أن ينقلوا ما في الكتب, ويرسلونها، وهذا واضح من خلال ذخائر المواريث حقيقة قدر نظري لا مجال للكتاب، والبحث فيه, وإنما نريد فيما بعد ذلك أن يكون هناك نوع من التطبيق العملي.
والسؤال الثاني:
اذكر الكتب التي خرج الإمام البوصيري أطرافها في كتاب إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، واشرح طريقة ترتيبه, وكيف تخرج الحديث منه.
وكانت الإجابة:
زوائد عشرة مسانيد على الكتب الستة وهي:(1/20)
مسند الطيالسي, ومسند مسدد, والحميدي, وإسحاق بن راهويه, وابن أبي شيبة العدني, وعبد بن حميد, والحارث بن أبي أسامة, وأحمد بن منيع, وأبي يعلى الموصلي, على الكتب الستة: البخاري, ومسلم, وأبي داود, والنسائي الكبير, نعم رتب أحاديثها على كتب الأحكام, ورتبهم على حروف المعجم, ثم رتب الرواة عنهم, ومن فوائد كتاب إتحاف المهرة, وبيان علل الأسانيد, فكتاب إتحاف المهرة مليء بعلل أحاديث والله تعالى أعلم.
جيد-إن شاء الله-.
أسئلة المحاضرة:
السؤال الأول:
عرف بكتاب "إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر، واذكر طريقة عرضه للأحاديث وكيف تخرج الحديث منه.
السؤال الثاني:
خرج الحديث الآتي من كل من: "تحفة الأشراف", و"إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري, و"إتحاف المهرة" لابن حجر.
حديث: (كان أناس يتلاومون شر ثمارهم فأنزل الله تعالى: ? وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ?،) وهذا من مسند أبي أمامة بن أسعد بن سهل بن حنيف والله أعلم والحمد لله.(1/21)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثالث عشر
التخريج عن طريق معرفة موضوع الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وصلنا إلى آخر نقطة في الطريقة الثالثة من طرق الاستخراج، وهذه الجزئية التي معنا اليوم ليست موجودة في كتاب الدكتور الطحان وإنما استدركتها من كتب أخرى مصنفة في هذا الفن يصلح أن نُبين للمشاهد وللحاضر قيمتها العلمية ومكانة مؤلفيها هذا كتاب "الواضح في فن التخريج ودراسة الأسانيد" للجنة من علماء الأردن: الدكتور سلطان العكايلة، والدكتور ياسر الشمالي، ومحمد عيد الصاحب، والشيخ أبو صعيليك، وعمر مكحل هذه لجنة عكفت على تدوين هذا الكتاب وأتقنت صناعته بحمد الله تعالى وتوفيقه لهم فأستدرك من هذا الكتاب شيئا زائدا على ما كتبه شيخنا الدكتور محمود الطحان فيما يتعلق بطريقة تخريج الحديث عن طريقة معرفة الراوي، وهي الطريقة التي معنا = طريقة الأطراف.
قلنا فيما مضى إن التخريج على طريقة الأطراف إما أن تكون بمعرفة الراوي الأعلى الذي هو الصحابي أو الراوي الأول من الإسناد، ومثلنا للراوي الأول من الإسناد بكتب هل يذكرنا أحد؟ طرف الحديث من أوله من شيخ المصنف. أيُّ كتاب؟
كتب المسانيد مثل مسند أحمد
لا شيخ المصنف.
كتب المعاجم كمعجم الطبراني الأوسط والصغير
معجم الطبراني الأوسط والصغير.
قلنا إن الطبراني -رحمه الله تعالى- صنف المعجم الأوسط على ترتيب شيوخه فبدأ بحرف الهمزة وبحرف الباء وهكذا حتى انتهى. يأتي بالشيخ ويسرد جميع مروياته التي عنده فإذا انتهى منها انتقل إلى الشيخ الذي بعده بنفس الترتيب على حرف الألف حتى انتهى من حرف الألف ثم الباء إلى آخر ذلك.
ولما انتهى من المعجم الأوسط لَخّص المعجم الأوسط في المعجم الصغير فانتقى من كل شيخ رواية من مرويات كل شيخ رواية واحدة التي أودعها في المعجم الصغير.(1/1)
نحن اليوم في هذه الجزئية لا نتكلم على تخريج الحديث من حيث طرفه الأعلى الذي هو الصحابي كما رأينا في تحفة الأشراف ولا من حيث طرفه الأول الذي هو شيخ المصنف وإنما نريد وسط الإسناد وهي دقيقة مهمة نتنبه لها غاية التنبه، وأيضا طرف الحديث غير الصحابي الذي هو الراوي بعد الصحابي وهو فن المراسيل.
الإمام المزي -رحمه الله تعالى- في آخر التحفة بعدما انتهى من جميع مرويات النساء والكنى من النساء والألقاب من النساء أتى بملحق في الكتاب اسمه "كتاب المراسيل وما يجري مجراها" فأتى بمراسيل جميع التابعين وكلام أتباع التابعين المسطور في كتب أهل العلم التي ألف المزي -رحمه الله تعالى- تحفة الأشراف عليها والكتب الستة وملحقاتها، فرتب أيضا الأحاديث المرسلة على أسماء الرواة فيبدأ مثلاً بإبراهيم النخعي لو كان لإبراهيم النخعي رواية، أبان بن عثمان، إبراهيم بن محمد بن الحارث، أبو إسحاق الفزاري، إبراهيم بن برة الشامي، إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، إبراهيم يزيد النخعي، وهكذا حتى يأتي على حرف الباء بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده إلى أن ينتهي من حرف الياء ثم بقية الكنى أو الألقاب في الجزء الأخير من تحفة الأشراف.
وهو بعدما يخرج الحديث وأذكر لذلك مثالا يقول مثلاً: م عن إبراهيم أن الحارث اتهم فميم رمز لمسلم ومعنى ذلك أنه لم يخرجه في الصحيح وإنما أورده في مقدمة الجامع الصحيح فقال م في مقدمة كتابه عن حجاج بن الشاعر عن أحمد بن يونس عن زائدة عن منصور والمغيرة كلاهما عن إبراهيم به. نفس طريقة ترتيب الأحاديث المرفوعة في التحفة إلا أنه خرج هنا المراسيل.(1/2)
كتب المراسيل من الأهمية بمكان فالآن لو أن عندي حديثا يرويه مثلاً النخعي عن عائشة إبراهيم النخعي من التابعين ومع ذلك لم يدرك عائشة -رضي الله عنها- فمهمة المصنفين في المراسيل ومن أجودها كتاب العلائي "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" يعتبر أجمع وأشمل كتاب في مراسيل الرواة، فيقول مثلاً النخعي أرسل عن فلان وفلان وفلان وفلان وفلان وفلان فإذا لي جاء حديث ذُكر في إبراهيم النخعي عن هؤلاء الذين أرسل عنهم؛ فأنا بطبيعة الحال عند النظر في كتاب العلائي أعرف أن هذا الراوي لم يسمع من ذلك الشيخ الذي روى عنه وهذه كما قلنا ونكرر إن قوانين الرواية وفنون المصطلح ضُبطت على أعلى معايير الضبط التي عرفتها البشرية لم يتكلموا بأمزجتهم ولم يجازفوا بكلام وإنما كل كلمة خرجت من فم إمام ناقد خرجت بعلم. فلذلك دونوا هذه المدونات سواء في المختلطين سواء في المدلسين سواء في المرسلين كالذي يرسل يعني يروي عمن لم يرَ ولم يلق فيسمى الراوي بهذه الطريقة رجل يرسل.
فالعلائي -رحمه الله تعالى- في كتابه رتب أسماء الرواة على حروف ألف باء وأتى بالروايات التي أرسلها عن كل شيخ ممن وقعت له عنهم رواية.
جمع المزي -رحمه الله تعالى- كل هذه الروايات وأودعها كتابه بحيث إذا أردت أنت كلمة لواحد ممن يرسلون لا أقول رواية ولكن كلام لهؤلاء كلام لإبراهيم النخعي كلام للحسن كلام الحسن كله تجده هنا إذا كان في الكتب الستة أو في ملحقاتها كلام ابن سيرين، وغيرهم من الأئمة مدون في هذا القدر اليسير من تحفة الأشراف.(1/3)
فأنا الآن إذا أردت أن أخرج كلام الحسن أو كلام محمد بن سيرين أو كلام الزهري أو كلام مثلاً عروة بن الزبير أو كلام عمرة بنت عبد الرحمن التي تروي عن عائشة كلام هؤلاء كله الذي هو الراوي الذي تحت الصحابي سواء رجل امرأة فكلامهم الذي هو في كتب المراسيل صنفه الإمام المزي -رحمه الله تعالى- وأودعه في آخر الجزء الثالث عشر من تحفة الأشراف. هذه واحدة.
هناك فهارس جمعت كلام الراوي الذي تحت الصحابي؛ مثل فهارس موطأ مالك، وفهارس التمهيد لابن عبد البر، وفهارس مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، وهؤلاء لنا معهم كلام في الطريقة الرابعة وهو الاستخراج عن طريق معرفة الموضوعات وهذا الجزء النفيس الذي أودعه المزي -رحمه الله تعالى- في آخر التحفة.
هناك طريقة أخرى في التخريج عن طريق معرفة راوي الحديث لا هو من الصحابة ولا هو من الطبقة التي تليهم من التابعين ولا هو في أول الإسناد كما فعل الطبراني -رحمه الله تعالى- في معجميْه الأوسط والصغير، ولكن راوٍ من وسط الإسناد شعبة مثلاً عندي حديث لشعبة وشعبة رواه سواء رفع الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أم لم يرفعه يعني أسنده إلى شيخه أو شيخ شيخه وسكت فأنا أريد تخريج هذا الحديث فعندنا نوع من التصنيف في العلم اسمه الأجزاء الحديثية.(1/4)
والأجزاء الحديثية تنقسم إلى قسمين: إما أن الإمام المصنف لهذا الجزء الحديثي جمع مرويات موضوع بعينه كما حصل من الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في "القراءة خلف الإمام" واضح هذا الكلام، وكما فعل ابن أبي الدنيا -رحمه الله تعالى- في كل مصنفاته ترى ابن أبي الدنيا يكتب مثلاً "المرض والكفارات"، "الفرج بعد الشدة" مثلاً "آفات اللسان"، "التواضع والخمول" كل مصنفات ابن أبي الدنيا تمشي على هذا النسق أنه يأتي بمسألة معينة في جزئية معينة من جزئيات الدين في الأخلاق وغيرها فيصنف فيها فهو يأتي بكل شاردة وواردة صحيحة أو حسنة أو موضوعة أو موضوعة في هذا الباب فيوردها في هذا المصنف في مسألة معينة. فالأجزاء الحديثية إما أن تكون كتابا مصنفا في مسألة بعينها وإما أن تكون كتابا مصنفا كيفما اتفق مرويات راو جزء حديثي لمرويات شيخ من الشيوخ كما حصل مثلاً في مرويات علي بن الجعد المشهورة بـ"الجعديات" وهي مسند علي بن الجعد. وأنا قلت قبل ذلك إن مسند أبي داود الطيالسي فيه ميزة ليست في غيره من الكتب.
أيذكرها أحد؟
أنه اهتم بمرويات شعبة
أحسنت وأجملت.(1/5)
أنه وعاء لمرويات شعبة. الجعديات فيها ميزة تزيد على مسند أبي داود الطيالسي وهي أنه ذكر شيوخ شعبة مرتبين على حروف ألف باء فيأتي الحديث شعبة مثلاً شعبة عن أبي إسحاق السبيعي، شعبة عن أي حد من الطبقة العليا في شيوخه. فهو رتب شيوخ شعبة على حروف ألف باء وأودعهم في كتابه "الجعديات". فلو أردت أن تعرف شعبة وشيوخه وهذه مسألة زائدة على مسند الطيالسي فهذه موجودة في كتاب الجعديات لعلي بن الجعد -رحمه الله ورضي عنه-. وألفه الحافظ أبو القاسم البغوي، فالبغوي جمع مرويات علي بن الجعد عن شعبة عن شيوخه هذا تستطيع التخريج منه بهذه الطريقة فعندنا المراسيل التي هي كلام الطبقة التي تحت الصحابة من التابعين وهذه دونت في كتب المراسيل وصنف فيها المزي وأودعها آخر كتابه تحفة الأشراف، وإما الأجزاء الحديثية في موضوع معين أو كيفما اتفق في مرويات شيخ بعينه.
فهذه المسألة التي أردت أن ألفت الأنظار إليها فيما يتعلق بما تبقى من الطريقة الثالثة من طرق الاستخراج وهي الاستخراج عن طريق معرفة الراوي راوي الحديث إما من الصحابة أو من شيوخ المصنفين أو في وسط الإسناد أو من التابعين كما رأينا في كتب المراسيل.
هناك "المراسيل" للرازي ابن أبي حاتم الرازي والمسندة لأن المراسيل مراسيل أبي داود السجستاني ومراسيل ابن أبي حاتم الرازي هذه أيضا جمعت الأحاديث التي رواها التابعون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن ما هو المرسل؟
المرسل ما قال فيه التابعي قال رسول الله.
فيسقط الصحابي، نعم، وكما يقول البيقوني
ومرسل ما فيه صحابي سقط وقل غريب ما روى راوٍ فقط
فقول التابعي الكبير أو الصغير على ما استقر عليه أهل الاصطلاح قول التابعي صغيرا كان أو كبيرا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا يعد مرسلا عند جماهير المحدثين.(1/6)
فكلام التابعين كله وهي الأحاديث التي أرسلوها إما في مراسيل أبي داود وإما في مراسيل أبي حاتم الرازي وكتاب العلائي لم يجمع روايات وإنما أتى بشيوخ أرسلوا عمن؟ عن الرواة الذين يرسلون عنه فهو كتاب يعتبر من وسائل كشف المراسيل عند البحث عن علة الأحاديث.
هذا كان قدرا متبقيا من هذه الطريقة، ثم نكون بهذا القدر قد ختمنا الطريقة الثالثة من طرق الاستخراج ونبدأ -إن شاء الله وتعالى- في الطريقة الرابعة وهي: التخريج عن طريق معرفة موضوع الحديث. هذه الطريقة التي سنستخرج بها الحديث عن طريق معرفة الموضوع ترى المصنفين جعلوها في الآخر جعلوها في الطريقة الرابعة. لماذا؟
لأنها تحتاج إلى كم هائل من الرصيد المعرفي عند الطالب ولذلك لما بدأنا في الكتاب لم نأخذ طريقة الأطراف في الأول مع أنها هي الواردة في أول الكتاب جعلناها الطريقة الثالثة.
لماذا؟
لأن الطالب يحتاج إلى فتح الكتب والتعرف عليها وكيف يستخرج من المعجم المفهرس، من موسوعة زغلول، من الجامع الصغير، ثم نقلناه إلى طريقة الأسانيد التي فيها نوع مشقة زائدة عن الطريقتين الأوليين، والطريقة الرابعة تحتاج إلى رصيد أعلى، وتحتاج إلى طالب متفنن يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر حديثا، فقال (كان زكريا -عليه السلام- نَجَّار)، من أين آتي به؟ أين أجده؟
في الصناعات؟
ممكن. ابن ماجه خرجه في التجارات والصناعات.
أيضا ممكن يأتي ذكره في فضائل الأنبياء، وهكذا فالطالب يُعمل فكره في النص، ويستنتج بذهنه أين أجد هذا الحديث في كتب السنة. فإذا استنتج ورجع إلى الموضع الذي يظن أن الحديث فيه؛ قد يجد بغيته وقد لا يجدها، ولكن لا يلجأ إلى هذه الطريقة إلا إذا عدم عند البحث بالطرق الثلاثة السابقة لم يستطع الوصول إلى الحديث الذي يريد تخريجه.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
الفصل الرابع
الطريقة الرابعة
التخريج عن طريق معرفة موضوع الحديث
متى يُلجأ إلى هذه الطريقة؟(1/7)
يَلجأ إلى هذه الطريقة مَنْ رُزق الذوقَ العلميَّ الذي يمكنه من تحديد موضوع الحديث، أو موضوع من موضوعاته إن كان الحديث يتعلق بأكثر من موضوع، أو من عنده الاطلاع الواسع وكثرة الممارسة لمصنفات الحديث.
ولا يقوى على تحديد موضوع الحديث كل شخص لاسيما في بعض الأحاديث التي لا يبدو موضوعها لكل من سمعها ومع ذلك فلا بد أن يسلكها الباحث عند الحاجة إليها وعدم وجود طريقة أخرى أسهل منه)
إذا مثلاً كان معي حديث لا أستطيع استخراجه بالطرق الثلاثة التي درسنا، ولكنه يتكلم كلاما مباشرا في الجنائز، يتكلم كلاما مباشرا في صلاة العيدين، يتكلم كلاما مباشرا في النكاح؛ فهذا مظنته من بادئ النظر في متن الحديث أنه يتكلم إما في النكاح أو الجنائز.
لكن الإشكالية التي معنا أن الحديث لم تستطع الوقوف عليه من خلال الطرق الثلاثة الماضية ومعك موضوعه يعني تعرف في أي موضوع يمكن أن يكون فهذا موضع الإشكال أنت لا تعرف أين يكون هذا الحديث تحتاج إلى إعمال فكر وكما قلت رصيد واسع من الاطلاع على الكتب وعلى ترتيب موضوعاته.
(بماذا يستعان في هذه الطريقة؟
يستعان في تخريج الحديث بناءا على هذه الطريقة بالمصنفات الحديثية المرتبة على الأبواب والموضوعات، وهي كثيرة ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام وهي:
القسم الأول: المصنفات التي شملت أبوابها وموضوعاتها جميع أبواب الدين.
وهي أنواع، وأشهرها: الجوامع المستخرجات، والمستدركات على الجوامع، المجاميع، الزوائد، كتاب "مفتاح كنوز السنة".
القسم الثاني: المصنفات التي شملت أبوابها وموضوعاتها أكثر أبواب الدين.
وهي أنواع، وأشهرها: السنن، المصنفات، الموطآت، المستخرجات على السنن.
القسم الثالث: المصنفات المختصة بباب من أبواب الدين أو جانب من جوانبه.(1/8)
وهي أنواع كثيرة، وأشهرها: الأجزاء، الترغيب والترهيب، الزهد، والفضائل، والآداب، والأخلاق، الأحكام، موضوعات خاصة، كتب الفنون الأخرى، كتب التخريج، الشروح الحديثية والتعليقات عليها.)
إذن ما يتعلق بالأجزاء الحديثية هي تنقسم إلى قسمين: جزء حديثي مصنف في موضع معين؛ فهذا سنستخدمه في هذه الطريقة التي معنا، وجزء من الأجزاء الحديثية جمعت مصنفات شيخ بعينه، أو روايات إمام بعينه؛ فهذه تستخدم في طريقة الأطراف في أي موضع كان هذا الشيخ في إسناد الحديث. نرى القسم الأول:
(القسم الأول: وهو الذي شملت مصنفاته جميع أبواب الدين.
هذا النوع من المصنفات الحديثية التي جمعها أصحابها ورتبوها على الأبواب قد شملت أبوابها جميعَ أبواب الدين، فترى فيها أبواب الإيمان، وأبواب الطهارة، وأبواب العبادات والمعاملات، والأنكحة، والتاريخ والسير، والمناقب، والتفسير، والآداب، والمواعظ، وأخبار يوم القيامة، وصفات الجنة والنار، وأخبار الفتن والملاحم، وأشراط الساعة وغير ذلك.)
هذا النوع من المصنفات ليس ترتيبه على ترتيب أبواب الفقه فقط. هو استوعب أبواب الفقه يعني الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والأنكحة وتوابعها من الخلع والطلاق والعدة والاستبراء والنفقة كل هذا موجود، والمعاملات من بيع وشراء وإجارة ورهن وسلم وشفعة كل هذا موجود أيضا، والحدود ومتعلقاتها والجهاد والسير ومتعلقاته، وأحكام العبيد ثم يزيد على ذلك أشياء إضافية إلى أبواب الدين وهي: الأخلاق، العقائد، السير، فضائل الأنبياء، ومناقب الصحابة -رضي الله عنهم- إلى غير ذلك كما فعل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه.
فالجوامع جمعت كل أبواب الدين لا جلها يعني أكثرها ولكن كل أبواب الدين فيما يتعلق بالأخلاق والعقائد وفيما يتعلق بالأحكام الشرعية.
(وقد تعددت أسماء هذا القسم من المصنفات وأشهرها ما يلي:(1/9)
الجوامع، المستخرجات على الجوامع، المستدركات على الجوامع، المجاميع الزوائد، كتاب مفتاح كنوز السنة، وسأذكر على كل تسمية من هذه المسميات وطريقة كل منها.
أولا: الجوامع:
الجوامع جمع جامع، والجامع في اصطلاح المحدثين كل كتاب حديثي يوجد فيه من الحديث جميع الأنواع المحتاج إليها من العقائد والأحكام والرقاق وآداب الأكل والشرب والسفر والمقام وما يتعلق بالتفسير والتاريخ والسير والفتن والمناقب والمثالب وغير ذلك.
وأشهر الجوامع هي:
الجامع الصحيح للبخاري، الجامع الصحيح لمسلم، جامع عبد الرزاق، جامع الثوريّ، جامع ابن عيينة، جامع معمر، جامع الترمذي وغيرها.
وسأصف الجامع الصحيح للبخاري وأسرد كتبه ليكون مثالا لوصف الجوامع.)
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- سمى كتابه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه". والبخاري -رحمه الله تعالى- حين صنف لم يستوعب الصحيح، وإنما اختصر من جملة الصحيح الذي عنده هذا الكتاب الذي بين أيدي الناس واشتهر بين الطوائف بصحيح البخاري لكن التسمية الصحيحة أنه "الجامع المسند الصحيح" جامع يعني شمل كل أبواب الدين بدأً ببدء الوحي وانتهاءً بكتاب التوحيد كما سنرى في سرد أبواب البخاري -رحمه الله تعالى-.
لكن البخاري مثلما صنع مسلم ومثلما صنع الترمذي -رحمه الله-، أما عبد الرزاق؛ فجامعه هو غير المصنف الذي بين أيدينا فالجامع أكبر بكثير جدًا لكنه مفقود. لكن صنيع غير الأئمة الثلاثة غير مسلم والبخاري والترمذي الذين صنفوا كتبهم التي هي الجوامع راعوا فيها ذكر الأحاديث المرفوعة فقط وقد يذكرون المراسيل على وجه بيان العلة كما حصل عند مسلم وكما حصل عند الترمذي عندما يتعارض الحديث وصلا وإرسالا أو وقفا ورفعا فيذكر الموقوفات الذي هو كلام الصحابة، أو يذكر المراسيل من باب بيان التنبيه على العلة.(1/10)
لكن عبد الرازق وابن أبي شيبة -والمصنفات تعتبر جوامع- أتوا بفائدة ليست في هذا الكتب؛ لأن هذه الكتب اقتصرت في ذكر المرويات على المرفوع للنبي -صلى الله عليه وسلم-. أما الآخرون كابن شيبة وعبد الرزاق أوردوا كلام الصحابة وكلام التابعين في المسألة الواحدة؛ فيقول مثلاً يتكلم في أبواب الطهارة من أبواب الطهارة: نواقض الوضوء، فيذكر الأحاديث المرفوعة، وبعد كل حديث في المسألة الواحدة يأتي بكلام الصحابة ويأتي بكلام التابعين، وكلام الصحابة مهم جدًا للترجيح عند الاختلاف ولبيان إذا كان هذا عليه عمل أهل المدينة أو نحو ذلك من الأدلة المختلف فيها من علم الأصول أو غير ذلك من الأمور فأقصد أن عبد الرزاق وابن أبي شيبة -رحمهما الله- أضافا إلى الأحاديث المرفوعة كلام الصحابة والتابعين وهو من الأهمية بمكان.
( - الجامع الصحيح للبخاري:
- تسميته الكاملة:
الاسم الكامل لهذا الكتاب الذي سماه به مؤلفه هو: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه".
وقد رتبه مؤلفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري على الأبواب مُفتتحا إيَّاه بكتاب بدء الوحي ثم كتاب الإيمان ثم سرد كتب العلم والطهارة وغيرها حتى انتهى بكتاب التوحيد ومجموع تلك 97 كتابا كل كتاب منها مُجَزَّءٌ إلى أبواب، وتحت كل باب عدد من الأحاديث).(1/11)
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- صنف هذا الكتاب في 16 عاما وطاف الدنيا من أجله. والبخاري -رحمه الله تعالى- كان لا يضع حديثا في كتابه إلا واغتسل وصلى ركعتين يستخير الله -عز وجل- في وضع هذا الحديث أو في عدم وضعه. فمجيء هذا الكتاب مُمَثِّلا أصح كتب الرواية بعد كتاب الله -عز وجل- لم يجئْ من فراغ. فالبخاري إمام هذه الصنعة بلا منازع. ويكفيه فخرا اشتهاره وتلقي الأمة لهذا الكتاب بالقبول ومع ذلك فالبخاري -رحمه الله تعالى- لم يقصد عند تصنيفه للجامع الصحيح الاستيعاب، ما قصد جمع الصحيح، وإنما قال وضعت كتابي هذا من زهاء مائة ألف حديث. فهو اختصر أقصد مائة ألف بمعنى الأسانيد فإذا كان مثلاً حديث: (إنما الأعمال بالنيات). هو حديث لكن له كم من الطرق؟
البخاري -رحمه الله تعالى- رواه من حوالي خمسة طرق، ووضعه في سبع مواضع من صحيحه، وهكذا. فالحديث الواحد قد يكون له عند الإمام عشرة طرق خمسة عشر طريقا إلى غير ذلك. ويدل على مكانة هذا الإمام الجبل العظيم في الحفظ تلك القصة التي أوردها أهل العلم عند نزول البخاري بغداد وتلقي أهل بغداد له بالحفاوة والترحيب، وعقدوا له مجلس اختبار، وتوزيع المائة حديث التي قلبوا أسانيدها ومتونها والقصة جيدة في بيان منزلة البخاري وإن كان شيخنا الشيخ بكر أبو زيد قد أشار إلى انقطاعها في كتابه "التأصيل".
(وأرى من المناسب سرد أسماء جميع الكتب التي اشتمل عليها صحيح البخاري على الترتيب نفسه الذي رتبه البخاري، وذلك ليرى الباحث العادي كيف أن كتب الجوامع قد شملت جميع أبواب الدين وإن كان هذا السرد لا يحتاج إليه كثير من الباحثين، وابتدأ بكتاب بدء الوحي والإيمان وانتهى بكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ثم كتاب التوحيد.)
بدء الوحي والإيمان ليسا كتابا واحدا فكتاب بدء الوحي ثم كتاب الإيمان أحسنت وأجملت.
(ثانيا: المستخرجات على الجوامع)(1/12)
المستخرجات والمستدركات هذان فَنَّانِ من فنون علوم الحديث تدل على براعة الأئمة الذين كتبوا في هذه المسميات.
المستدرك معناه أن المصنف يأتي بأحاديث على شرط الكتاب الذي يستدرك عليه فيأتي بأحاديث ليست في هذا الكتاب المصنف؛ كما حصل من الإمام الحاكم حين صنف كتاب "المستدرك على الصحيحين" وهو يمشي في الأصل أن يمشي في تصنيف كتابه على شرط صاحبه شرط صاحبه البخاري -رحمه الله تعالى- اشترط شرطاً في مرويَّات كتابه وهو شرط اللقاء؛ أن الراوي لا بد أن يلتقي بشيخَه ولو مرة واحدة في العمر. ومسلم -رحمه الله تعالى- اكتفى بالمعاصرة مع براءة الراوي من التدليس وهذا مهم جدًا، وبصيغة تحتمل اللقاء أن يكون الرواية بصيغة تحتمل اللقاء؛ كـ"عن" و"قال"، وأن يكون الراوي الذي روى عمّن عاصره غير معروف بالتدليس، ولذلك يقولون شرط البخاري أقوى من شرط مسلم لماذا؟
لأن البخاري -رحمه الله تعالى- يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بالمعاصرة.
أيهما أثبت؟
اللقاء بلا شك.
فهذا شرط البخاري فحين نقول إن الحاكم خرج حديثا في المستدرك على شرط البخاري يعني أن رواة هذا الإسناد كل واحد منهم لاقى شيخه. وإذا كان على شرط مسلم معناه أنه اكتفى بكون كل راوٍ روى عن شيخ أنه كان معاصرا له هذا معنى شرط الشيخ في كتابه. وإن كان الحاكم -رحمه الله تعالى- مشهور جدًا بالتساهل كما سنرى، وأنه أتى بأشياء ليست على شرط البخاري وليست على شرط مسلم. وأحيانا يقول على شرط يقول على شرطهما وليس هو على شرط واحد منهما كما سنبين. هذا المستدرك بدأت به لوضوحه.
أما المستخرج فأنا مثلاً أتيت على كتاب كصحيح البخاري، فأردت أن أعمل عليه مستخرجا. ما معنى مستخرج؟
يعني أروي نفس أحاديث البخاري بأسانيد لي ألتقي فيها مع البخاري في شيخه أو في شيخ شيخه.
الفرق بين المستدرك والمستخرج: المستدرك يأتي بأحاديث زيادة عما أتى به البخاري فاستدرك عليه.(1/13)
أما استخرج عليه: يعني أتى بأحاديث هي هي الأحاديث التي في البخاري بأسانيد له ليس من طريق البخاري بل من طرق أخرى غير البخاري يلتقي مع البخاري في شيخه أو في شيخ شيخه أو في شيخ شيخ شيخه. هذا يسمى مستخرجا يعني المستخرجات لا تخرج المرويات التي فيها عن الكتاب الأصلي الذي استخرج عليه. أما المستدركات فالمرويات الموجودة في المستدرك هي غير الموجودة في الكتاب المستدرك عليه. ولذلك لا تجد في الحاكم إلا ما لم يأت به الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله -سبحانه وتعالى-.
(المستخرجات على الجوامع:
معنى المستخرج:
المستخرجات جمع مستخرج. والمستخرج عند المحدثين: هو أن يأتي المصنف المستخرِج إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو مَن فوقه ولو في الصحابي. وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة، وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد له بها سندا يرتضيه، وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب)
حين يعيي المستخرج وجود أسانيد لنفسه يستخرج بها على الكتاب الأصلي؛ فإما يأتي بإسناد المصنف، أو يسقط الأحاديث التي لم يجد له رواية من طريق آخر غير طريق المصنف إما أن يسقطها، وإما أن يورد كلام المصنف.
الحقيقة فن المستخرجات يتكلمون عليه كلاما يسيرا في كتب المصطلح كتدريب الراوي وشرح ألفية العراقي للسخاوي وللشيخ الناقد حمزة بن عبد الله المليباري جزء يسير كان نشر في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بالكويت من أنفس ما كُتب في هذا الموضوع موضوع المستخرجات.
(موافقة المستخرج للكتاب المخرج عليه في الترتيب والتبويب:(1/14)
بما أن المستخرج يتفق مع الكتاب المخرج عليه في الترتيب والأبواب لذا فإن موضوع المستخرجات على الجوامع هو موضوع الجوامع ذاتها من حيث الترتيب وعدد الكتب والأبواب وبالتالي فإن طريق المراجعة فيها هي طريقة المراجعة والبحث في الجوامع عينها.)
أعني أن المستخرج لم يرهق نفسه في ترتيب الكتاب هو أتى على أحاديث بدء الوحي إن كان له مرويات من شيوخ غير البخاري أتى بها والأحاديث التي أعياه الحصول على أسانيد من غير طريق البخاري يتفق معه في شيخه أو في شيخ شيخه إلى الصحابي فإما أن يذكرها من الصحيح، وإما أن يسقطها؛ فليس عنده أدنى اجتهاد في ترتيب الكتاب. البخاري كما هو: بدء الوحي، الإيمان، العلم، الطهارة، الصلاة، إلى غير ذلك.
(لكن ينبغي التنبه إلى أن المستخرجات على غير الجوامع كالمستخرجات على كتب السنن أو غيرها وذلك مثل مستخرج قاسم بن أصبغ على سنن أبي داود ومستخرج أبي نُعيم الأصفهاني على كتاب التوحيد لابن خزيمة ليست كالمستخرجات على الجوامع وإنما هي مثل الكتب المخرجة عليها من أنواع المصنفات الأخرى.)
للأسف الشديد مستخرج قاسم ومستخرج أبي نعيم على كتاب التوحيد لابن خزيمة إما في المخطوطات ولا نعلم مكان وجودها، وإما في المفقودات من تراث الأمة الذي ضاع منه الكثير والكثير.
(عدد المستخرجات على الصحيحين:
هناك مستخرجات كثيرة على عدد من أنواع المصنفات الحديثية لكن المستخرجات على الصحيحين معا أو على أحدهما كان لها النصيب الأكبر من تلك المستخرجات. فقد زاد عدد المستخرجات على كلٍّ من الصحيحين على عشرة مستخرجات. وهذا لمزيد العناية من علماء الحديث بالصحيحين ومن هذه المستخرجات على البخاري مستخرج الإسماعيلي المتوفى سنة 371 للهجرة، ومستخرج الغطريفي المتوفى سنة 377 للهجرة، ومستخرج ابن أبي ذهل المتوفى سنة 378 للهجرة)(1/15)
ترى المصنفات الثلاثة في عشر سنين 371، 77، 78 لكن لا يعلم منها إلا مستخرج الإسماعيلي والأخرى أيضا في عداد المفقودات.
(على مسلم مستخرج أبي عوانة الإسفرايني المتوفى سنة 310 للهجرة، ومستخرج الحيري المتوفى سنة 311 للهجرة، ومستخرج أبي حامد الهروي المتوفى سنة 355 للهجرة).
وهذه أيضا غير موجودة إلا قدر من مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم.
(عليهما معنا مستخرج أبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 للهجرة، مستخرج ابن الأخرم المتوفى سنة 344 للهجرة، ومستخرج أبي بكر البرقاني المتوفى سنة 425للهجرة)
هذه فكرة إجمالية عن موضوع المستخرجات وكما قلت الشيخ حمزة بن عبد الله المليباري له جزء جيد في حدود من 40 إلى 50 صفحة في هذا الموضوع تجدر العناية به من الباحثين والكتاب موجود على المواقع التي تخدم التراث عامة كتاب موجود وجيد ونافع في إعطاء تصور كاف عن موضوع المستخرجات وطريقة التصنيف فيه وكيفية الاستفادة من هذه المستخرجات.
ننظر في المستدركات.
(ثالثا: المستدركات على الجوامع:)
إذن عندنا جوامع ومستخرجات عليها ومستدركات أيضا عليها.
(ثالثا: المستدركات على الجوامع:
معنى المستدرك:
المستدركات جمع مستدرك، والمستدرك هو كل كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاته على شرطه. مثل: المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405 للهجرة)
يقول التي استدركها على كتاب آخر مما فاته. هو لم يفته. فالأئمة كان عندهم والبخاري -رحمه الله تعالى- سمى كتابه بالجامع الصحيح المختصر كانت عنده الأحاديث ولكن خشية التطويل انتقى من جملة ما عنده من المرويات هذا الكتاب الفذ الجامع الصحيح.
(ترتيب مستدرك الحاكم:
وقد رتب الحاكم مستدركه على الأبواب، واتبع في ذلك أصل الترتيب الذي اتبعه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وقد ذكر الحاكم في هذا المستدرك ثلاثة أنواع من الأحاديث وهي:(1/16)
أولا: الأحاديث الصحيحة التي على شرط الشيخين، أو على شرط أحدهما ولم يخرجاها.
ثانيا: الأحاديث الصحيحة عنده وإن لم تكن على شرطهما أو شرط واحد منهما وهي التي يعبر عنها بأنها صحيحة الإسناد.
ثالثا: وذكر أحاديث لم تصح عنده لكنه نبه عليها.)
الحاكم -رحمه الله تعالى- أتى بكم هائل من المرويات المستدرك فيه قرابة تسعة عشر ألف حديث، ورتب هذه الأحاديث على هذه الصنوف: صحيحة على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما ولم يخرجاه.
هنا ترى كما ليس قليلا من التلفيق في صنيع الحاكم -رحمه الله تعالى-؛ فمثلا على سبيل المثال:
مسلم -رحمه الله تعالى- كان سيئ الرأي في عكرمة مولى ابن عباس فلم يخرج له وهو جرحه جرحا شديدا ثم عدله بعد ذلك. لكن لا يوجد في صحيح مسلم حديث واحد لعكرمة. والبخاري -رحمه الله تعالى- لم يخرج لسماك بن حرب. إذن مسلم لم يخرج لعكرمة والبخاري لم يخرج لسماك. فهو يأتي بأحاديث من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس ويقول على شرط الشيخين.
كيف على شرط الشيخين وهي ليست على شرط واحد منهما؟(1/17)
فالبخاري لم يخرج لسماك ومسلم لم يخرج لعكرمة؛ فبهذا القدر من الجمع حصل في كتاب الحاكم كم هائل من المرويات التي انتقدها عليه الأئمة. ولذلك لا يُسَلَّم للحاكم -رحمه الله تعالى- بما صححه في هذا الكتاب حتى موافقات الذهبي. فالإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- كما سنرى عمل تلخيصا لكتاب المستدرك ويبدو أن الذهبي -رحمه الله تعالى- كان يكتب ذلك من رأس القلم ولم يكن كتابا مصنفا جلس عليه ليحرره، وإنما كأنه كان يذاكر في المستدرك، فيقول مثلاً: هو على شرطهما يعني أنه موافق للحاكم فيما ذهب إليه، وأحيانا يقول ليس على شرط واحد منهما بل فيه فلان، وهذا من الذاكرة. وإلا؛ فنفس الذهبي -رحمه الله تعالى- في النقد أوسع من ذلك بمراحل وهو الذي انتهت إليه صناعة النقد الحديثيّ في زمنه وفي أوانه وهو في النقد مقدم على كثير من أقرانه وعلى الجيل الذي بعده كالحافظ ابن حجر وغيره عند المقارنة في النقد.
النقد غير الرواية فتجد الذهبي ناقدا يعني من أهل الاستقراء التام وكلامه محسوب بالحرف كحال زماننا الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني والشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمهما الله سبحانه وتعالى-. فالألباني له جهود مشكورة وأيادٍ بيضاء على هذا العلم علم الحديث لكن عند النقد من تقدم كلماته في النقد الحديثي؟
كلام المعلمي لأنه ناقد فكذلك الذهبي -رحمه الله- فلا يقال كيف يعلق الذهبي على أحاديث في المستدرك يقول هي على شرطهما ويوافق، ثم يأتي أهل العلم بعد ذلك فيجرحون هذه المرويات بناءً على تجريح رواتها.
فالحاكم -رحمه الله تعالى- أتى بالأحاديث الصحيحة التي على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما، ثم التي صحت عنده وليست على شرط واحد منهما، ثم الأحاديث الضعيفة التي بين ضعفها ونبه عليها.
((1/18)
وهو متساهل في تصحيح الأحاديث؛ فينبغي التريث في اعتماد تصحيحه والبحث. ولكن الحافظ الذهبي تتبعه فأقره هو على تصحيح بعضها، وخالفه في البعض الآخر. لكنه سكت على أشياء منها؛ فهذه تحتاج إلى تتبع وبحث)
حتى التي وافقه على تصحيحها أيضا فيها نظر عند كثير من أهل العلم المهتمين بالنقد الحديثي.
(وقد طُبع الكتاب في الهند في 4 مجلدات كبيرة ومعه تعليقات الذهبي باسم تلخيص المستدرك. لكن الطبعة فيها من الأغلاط والسقط والتقديم والتأخير الشيء الكثير.)
حقيقة المستدرك إلى اليوم لا توجد طبعة في العالم الإسلامي خدمته الخدمةَ اللائقة به من حيث كم الروايات الهائلة التي أتى بها الحاكم -رحمه الله تعالى- وبعض أهل العلم يقول إن للحاكم في ذلك عذرا وإن الكتاب كان مسودة ثم بيضه إلى ثلاثة أرباعه ولم يبيض القدر المتبقي؛ فوقع هذا الوهم.
لكن يقال إن هذا الوهم موجود في أول الكتاب ولم يقع في ربع الكتاب الأخير حتى تصح هذه النظرية لكن الوهم موجود في أوله كما هو موجود في وسطه وفي آخره وفي كل حال فكتاب المستدرك يحتاج إلى عناية أهل العلم.
(رابعا: المجاميع.
المقصود بالمجاميع:
المجاميع جمع مجمع، والمقصود بالمجمع كل كتاب جمع فيه مؤلفه أحاديث عدة مصنفات ورتبه على ترتيب تلك المصنفات التي جمعها فيه.
أمثلة:
هناك كتب كثيرة جمعت بين عدد من المصنفات الحديثية، وأشهر هذه الكتب هي:
أولا: "الجمع بين الصحيحين" للصاغاني الحسن بن محمد والمتوفى سنة 650 للهجرة المسمى "مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية".
ثانيا: "الجمع بين الصحيحين" أيضا لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر الفتوح الحميدي المتوفى سنة 488 للهجرة)
طريقة أهل العلم في الجمع بين الصحيحين ليفروا على الطلبة حفظ الكتابين. فماذا يفعل؟(1/19)
يأتي بالأحاديث المتفق عليها بين الشيخين يعني الأحاديث التي خرجها البخاري وهذه الأحاديث أيضا خرجها مسلم وعلى شرطهما، فيقال هذا حديث متفق عليه. نحن نعلم من درس المصطلح هو أن أعلى درجات الصحة في الأحاديث ما اتفق عليها البخاري ومسلم أليس كذلك؟!
ثم ما انفرد بإخراجه البخاري، ثم ما انفرد بإخراجه مسلم، ثم ما كان على شرطهما، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان شرط مسلم، ثم ما كان على شرط غيرهما ولم يخرجاه.
فأعلى درجات الصحة على الإطلاق المتفق عليه بين الشيخين فهم يأتون بالمتفق عليه ثم يأتي بعد ذلك بأفراد البخاري ثم يأتي بأفراد مسلم. لماذا يفعل هذا؟
طبعا يحذف الأسانيد كما هو المعتاد في كتب الجمع ليقرب على الطالب متون أحاديث الصحيحين فيسهل عليه حفظها في وقت قصير وهذا يحتاج إليه المتفقه. أما طالب العلم الحديثي فنصيحتي له ألا يخرج عن الكتب الأصول إذا حفظ يحفظ في الكتب الأصول طالب الحديث. أما المهتم بباب العقائد، بالأخلاق، بالدعوة، مهتم بالفقه فيسعه أن يجمع متون الكتب الحديثية.
(ثالثا: "الجمع بين الأصول الستة" لأبي الحسن رزين بن معاوية الأندلسي المتوفى سنة 535 للهجرة، وهو المسمى بـ"التجريد للصحاح والسنن".
رابعا: "الجمع بين الأصول الستة" وهو المسمى "جامع الأصول من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-" لأبي السعادات المعروف بابن الأثير المتوفى سنة 606 للهجرة.
خامسا: "جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد" لمحمد بن محمد بن سليمان المغربي المتوفى سنة 1094 للهجرة. اشتمل هذا الكتاب على أحاديث أربعة عشر مُصنفا حديثيا، وهي: الصحيحان، والموطأ، والسنن الأربعة، ومسند الدارمي، ومسند أحمد، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة.
فهذه المصنفات وأمثالها مرتبة على الأبواب كترتيب الجوامع، وبإمكان المراجع فيها أن يحدد موضوع الحديث ثم ينظر في ذلك الموضوع من هذه الكتب)(1/20)
طبعا الجمع بين الصحيحين أو الجمع بين الكتب الستة هذه طريقته فيجمع المتفق عليه أفراد البخاري ثم أفراد مسلم ثم يأتي بزيادات أبي داود على الصحيحين يعني سيأتي بالأحاديث التي في سنن أبي داود ليست في الصحيحين، فتكون هذه زيادة أبي داود على الصحيحين ثم النسائي على الثلاثة والترمذي على الأربعة وابن ماجه على الخمسة فيكون بذلك جمع متون الكتب الستة في وعاء واحد والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
عرف بكتاب إتحاف المهرة للحافظ ابن حجر، واذكر طريقة عرضه للأحاديث، وكيف تخرج الحديث منه؟
التعريف بالكتاب:
كتاب إتحاف المهرة هو للحافظ ابن حجر العسقلاني بناه على أحد عشر كتابا: موطأ مالك، ومسند الإمام أحمد، ومسند الشافعي، وهؤلاء ذكرهم بأسمائهم، ولم يذكر لهم برموز وسنن الدارمي ورمز له بالرمز مي، مستدرك الحاكم ورمز له بالرمز كم، والمنتقى لابن الجارود رمز له بالرمز جا، ومستخرج أبي عوانة ورمز له بالرمز عه، وصحيح ابن حبان ورمز له بالرمز حب، وشرح معاني الآثار للطحاوي ورمز له بالرمز طح، وسنن الدارقطني ورمز له بالرمز قط، وصحيح ابن خزيمة ورمز له بالرمز خز، وهو غير كامل فليس فيه غير ربع العبادات فقط.
طريقة عرض الحافظ ابن حجر للأحاديث فيه:
رتب الحافظ الكتاب على مسانيد الصحابة مرتبة على نسق حروف المعجم يقول حديثا ثم يذكر طرف الحديث ثم يذكر من أخرجه من أصحاب المسانيد العشرة التي أوردها في كتابه يذكر رمز صاحب المسند ثم اسم الكتاب فيه ثم يذكر إسناد الحديث وهكذا يورد باقي من أخرج الحديث من أصحاب هذا المسانيد، ويتكلم على نقد الأخبار وبيان علل الأسانيد، ويتعقب الحاكم في المستدرك.(1/21)
وينقل الحافظ ابن حجر عن نسخ متعددة للكتاب الواحد وقد نص على ذلك في عدد من المواضع، وينقل عن كتب مفقودة ينقل عن كتاب السياسة والفتن وكتاب التوكل للإمام ابن خزيمة، ولم يقتصر الحافظ ابن حجر عن المصادر العشرة التي ذكرها في مقدمة كتابه فكثيرا ما ينقل عن غيرها مثل الأدب المفرد للبخاري والمعاجم الثلاثة للطبراني وغيرها وقد ينقل عن غير العشرة استقلالا وهذا خروج عما التزمه.
وهناك بعض المسانيد كثرت مرويات أصحابها ولم يرتبهم حسب الرواة عنهم قد وقع هذا وقد وقع، وهذا نادر؛ أنه رتب الأطراف على الأبواب الفقهية كما فعله عن مرويات عكرمة عن ابن عباس.
وقد ذكر الحافظ في المقدمة أنه عالج قضية العنعنة في كتابه وأنه سيذكر الإسناد بصيغة التحمل ولكنه لم يلتزم بعض الشيء، ويُعتذر للحافظ أنه مات قبل تحرير الكتاب وتهذيبه كما نقل ذلك تلميذه السخاوي.
كيفية تخريج الحديث منه:
وذلك عن طريق راوي الحديث من الصحابة، ثم البحث عنه في مسند ذلك الصحابي حيث أن الحافظ رتبه على أسماء الصحابة مرتبين على نسق حروف المعجم.
هناك بعض المداخلات الجيدة والاستدركات على صنيع الحافظ مما لم نقله في الحلقة فهذا مما يشكر المجيب عنه.
والسؤال الثاني: خرج الحديث الآتي من تحفة الأشراف وإتحاف المهرة وإتحاف الخيرة للبوصيري (أن أناسا كانوا يتلاومون شر ثمارهم فأنزل الله تعالى: ? وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ ?) [البقرة: 267]، مسند أبي أمامة بن أسعد بن سهل.(1/22)
التخريج من كتاب تحفة الأشراف: بحثت في الكنى في مسند أبي أمامة في المجلد التاسع صفحة 126 أحال إلى حرف الألف مسند أسعد فوجدته في حرف الألف المجلد الأول صفحة 67 ووجدت الحديث في مسند أسعد بن سهل بن حنيف أخرجه النسائي كتاب الزكاة الباب السابع والعشرين ذكر الإسناد وقال المزي في زياداته: رواه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير وأشار الرجوع إلى الحديث رقم 3658 وذكر في هذا الموضع أنه أخرجه الترمذي في كتاب الزكاة ثم ذكرت باقي...
جيد ما شاء الله.
وخرجت أيضا من كتاب إتحاف المهرة لابن حجر أيضا في مسند سهل بن حنيف وخرجت أيضا إتحاف المهرة البوصيري
تذكر أجزاء وصفحات؟
نعم
تذكر
نعم، تقول فوجدت في المجلد الأول بالنسبة لكتاب إتحاف المهرة لابن حجر تقول المجلد الأول صفحة 347 أما في كتاب إتحاف الخيرة الخيرة المهرة للبوصيري تقول نظرت في موضوع الحديث ثم بحثت عن الحديث في كتاب الزكاة فلم أجده ثم بحثت عنه في كتاب التفسير المهم لم تجده في البوصيري
أحسن الله إليها وجزاها الله خيرا.
يقول: ذكرتم المستخرجات على الجوامع. قد يقول قائل: ما الفائدة في المستخرج طالما أنه يأتي بنفس الأسانيد؟
الأسانيد هذه تفيد جدًا.
هو يبين ما أُبهم في الإسناد أو المتن
أنا قلت إنهم يذكرون المستخرجات في كتب المصطلح من باب بيان فوائدها ويذكرون ذلك على وجه الاختصار لكن لها فوائد كثيرة جدًا:
بيان المبهم، بيان السماعات، تحمل الأداء، المتابعات للإمام نفسه.(1/23)
بعض أهل العلم لما انتقد على البخاري تخريجه لحديث الغناء = حديث أبي مالك الأشعري: (يأتي على الناس زمان يستحلون...) أن البخاري أخذ الحديث من هشام في المذاكرة فوجدت للبخاري -رحمه الله تعالى- خمس أو ست متابعات رواة ثقات رووا الحديث من غير طريق هشام بن عمار أو منهم من صرح كالحسن المروزي في الطبراني الكبير وفي سنن البيهقي صرحوا بالسماع من هشام بن عمار؛ فانتفى ما انتقده الناقد على البخاري أنه سمع ذلك في المذاكرة.
فالمستخرجات لها فوائد كثيرة جدًا منها بيان المبهم، وصيغ التحمل، والأداء، السماعات، المتابعات لذلك الإمام نفسه؛ كالمستخرج مثلاً على سنن أبي داود، وقد يكون في شيوخ أبي داود من تكلم فيه بعض أهل العلم. فالمستخرج يأتي أسانيد من غير طريق شيوخ أبي داود فمعناه أنه أزاح عن أبي داود علة حديثه فلها فوائد عظيمة جدًا.
أسئلة المحاضرة:
السؤال الأول:
طبعا نحن لم نكمل بقية بعض المصطلحات فنذكر السؤال وسيرد الكلام عليها في المحاضرة القادمة.
عرف بمعاني المصطلحات التالية:
الجوامع، المستخرجات، المستدركات، المجاميع، الزوائد، مع التمثيل لكل مصطلح منها بأشمل كتاب فيها.
السؤال الثاني:
ما هي الطريقة الرابعة من طرق الاستخراج؟ ومتى يلجأ إليها وما ميدانها؟(1/24)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الرابع عشر
زوائد الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله في الحلقة الماضية تكلمنا عن الطريقة الرابعة من طرق الاستخراج، وهو الاستخراج عن طريق معرفة موضوع الحديث لا أول لفظة فيه ولا راوٍ من رواة الإسناد وإنما الاستخراج عن طريق معرفة موضوع الحديث. وقلنا إن هذا يحتاج إلى ثقافة واسعة ورصيد عالٍ وذوق حديثيّ وفهم عند الباحث كيف يصل إلى مظنة بحثه وحديثه في الكتب المتناثرة التي تملأ المكتبات. وقلنا يستعان في الاستخراج في هذه الطريقة عن طريق الجوامع والمستخرجات التي عليها وبينا معنى المستخرج وطريقة تصنيفه وكذلك المستدركات على الجوامع ومثلنا بمستدرك الحاكم، وذكرنا المجاميع ثم كلامنا الآن بإذن الله -سبحانه وتعالى- على فن "زوائد الأحاديث".
الزوائد: هي أن يعمد إمام مصنف إلى كتاب من الكتب فيستخرج زوائده على كتب معلومة لكتب السنة؛ كأن يخرج مثلاً زيادات أبي داود على الصحيحين أو النسائي على الصحيحين أو النسائي على الثلاثة الصحيحين وأبي داود، وكما فعل الإمام البوصيري -رحمه الله تعالى- صاحب "إتحاف المهرة" الذي سبق الكلام عليه. فقد خرج زوائد ابن ماجه على الكتب الخمسة التي هي: الصحيحان وأبو داود والنسائي والترمذي، وسمى كتابه -وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات- "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه".(1/1)
وأيضا له زوائد على سنن البيهقي وهو "الفوائد المنتقي لزوائد البيهقي" وهذا فن توسع المتأخرون فيه، المتأخرون يعني مَنْ بعد عصور الرواية والتدوين من القرن الرابع أو من الخامس على خلاف بين أهل العلم في تحديد الزمن التاريخي أو الفصْل التاريخي بين المتقدمين والمتأخرين لكن أعني علماء القرن السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر هم كانت لهم العناية الفائدة بفن الزوائد نوعا من التأليف العلمي لتوفير البحث وتقريب المتون على راغبيها من أهل الحديث.
فنقرأ كلام الشيخ في الكتاب ثم نعلق عليه بما يفتح الله -سبحانه وتعالى- به.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
- خامسا: الزوائد.
المقصود بالزوائد: هي المصنفات التي يجمع فيها مؤلفها الأحاديث الزائدة في بعض الكتب عن الأحاديث الموجودة في كتب أخرى)
فلو قلنا مثلاً الإمام نور الدين الهيثمي -رحمه الله تعالى- وهو من جل تلامذة الحافظ العراقي، وكان زوج ابنته، ولازمه سنين عديدة. وهو الذي كان يسمي له كتبه ألف "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" أتى بزيادات معاجم الطبراني الثلاثة ومسند أحمد وأبي يعلى وأبو بكر البزار على الكتب الستة. فكتاب ضخم وأنت إذا قارنت مجمع الزوائد مثلاً بالبزار أو مجمع الزوائد بالطبراني الكبير لا يصل إلى نصف حجم معجم الطبراني ترى معجم الطبراني عندنا 25 مجلدا ومجمع الزوائد بجواره 8 مجلدات.
فهو جرد الأحاديث من أسانيدها وأتى بالمتون فقط بدون تكرار الزائدة على الكتب الستة من هذه المصنفات التي هي مسند أحمد وأبو يعلى والبزار ومعاجم الطبراني الثلاثة. نوع من أنواع التقريب، وهي الحمد لله رب العالمين كانت أفكارا يعني تتوارد على أهل العلم يكتبون فيها ثم يقدر الله -سبحانه وتعالى- أن تضيع كثيرٌ من الكتب فتبقى هذه المجاميع وعاء للكتب المفقودة كما رأينا في "إتحاف الخيرة" و"إتحاف المهرة" للبوصيري وللحافظ ابن حجر -رحمهما الله تعالى- كما مر معنا.
((1/2)
وتوضيح ذلك أنه لو قلنا إن كتاب "زوائد ابن ماجه" على الأصول الخمسة؛ أي الكتاب الذي يشتمل على الأحاديث التي أخرجها ابن ماجه في سننه ولم يخرجها أصحاب الكتب الخمسة. أما الأحاديث التي شاركهم في إخراجها؛ فلا يذكرها كتاب الزوائد هذا.)
إذن إنما الزوائد يأتي بمفردات ابن ماجه الأحاديث التي انفرد بها ابن ماجه لم يخرجها واحد من أصحاب الكتب الخمسة وأهل العلم يقولون إن ابن ماجه لم ينفرد بحديث صحيح زوائد ابن ماجه على الكتب الأحاديث التي انفرد بها لا يصح فيها حديث أو معظمها أو كلها أحاديث ضعيفة.
(أمثلة لكتب الزوائد:
أولا: "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" لأبي العباس أحمد بن محمد البوصيري المتوفى سنة 840 للهجرة.
وهو كتاب يشتمل على زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة الأصول.
ثانيا: "فوائد المنتقي لزوائد البيهقي" للبوصيري أيضا.
وهي زوائد سنن البيهقي الكبرى على الكتب الستة.
لا أعلم أحدا أفرد هذا بالتصنيف إلى اليوم ولا حتى في الرسائل الأكاديمية في الجامعات، والكتاب موجود في دار الكتب المصرية مفقود أوله إلى كتاب الزكاة، وموجود منه مجلدان من أول الزكاة إلى آخر الكتاب التي هي زوائد البوصيري على زوائد السنن الكبرى للبيهقي على الكتب الستة. وهو كتاب نفيس جدًا لأن البيهقي واسع الرواية كتابه ضخم وخدم مذهب الشافعي خدمة جليلة في إيراد أدلة المسائل وغير ذلك من الأمور فالكتاب يحتاج إلى من يستعين الله تعالى على إخراجه.
(ثالثا: "إتحاف السادة المهرة الخيرة بزوائد المسانيد العشرة" للبوصيري أيض)
طبعا نحن أخذنا فيه محاضرة كاملة أو نصف محاضرة فلا نحتاج إلى تطويل الكلام عليه لأنه سبق الكلام ننقل على المطالب.
(رابعا: "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 للهجرة.(1/3)
وهي زوائد المسانيد العشرة السابقة ماعدا مسند أبي يعلى الموصلي، ومسند إسحاق بن راهويه على الكتب الستة، ومسند أحمد إلا أنه تتبع ما فات الهيثمي في مجمع الزوائد من زوائد أبي يعلى كما ذكر زوائد تصف مسند إسحاق بن راهويه الذي حصل عليه)
-إن شاء الله وتعالى- سنجعل للمطالب العالية في حلقة قادمة وقتا نستعرضه ونعرف به تعريفا دقيقا لعله يكون فيه المحاضرة القادمة بإذن الله حتى لا ننتهي من الطريقة ثم نضيف بعض الإضافات كما تعودنا في كل مرة.
(خامسا: "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة 807 للهجرة.
وهي زوائد مسند أحمد ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند أبي بكر البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير على الكتب الستة.)
هذه هي الكتب أو المصنفات التي يستعان بها في استخراج الأحاديث على الموضوعات كما قلنا في الجوامع والمستخرجات والمستدركات والمجامع وعلم الزوائد.
عندنا كتاب وفَّر كثيرًا من هذا العناء لما ظهر هذا الكتاب الذي سنتكلم عليه الآن حين ظهر في أوانه أثار ضجة ضخمة في الأوساط الإسلامية وتكلم وقدم له الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- بترجمة جيدة وقدَّم له أيضا الشيخ محمد رشيد رضا صاحب "المنار" وهو كتاب "مفتاح كنوز السنة".
الشيخ أحمد شاكر يقول: حين وقع هذا الكتاب في يدي قلت: لو وقفت على هذا الكتاب في مطلع حياتي؛ لوفَّر علي نصف عمري. هذا الكلام يقوله الشيخ أحمد شاكر الذي قرأ الكتب على أبيه وعلى مشايخه من السنوسية وغيرهم كلمة كلمة. يقول: كان عنده حديث في سنن الترمذي قرأ الترمذي خمس مرات ولم يهتدِ إلى الحديث.
فالشيخ أحمد شاكر يقول لو وقع هذا الكتاب الذي هو مجلد واحد في يده في أول حياته؛ لوفَّر عليه نصف عمره. فكيف وعندنا الآن من الفهارس وطرق الاستخراج والحاسب الآلي وغير ذلك ما يوفر على الطالب جهودا جبارة جدًا؟(1/4)
ومع ذلك يعني بالرغم من هذه الإمكانيات الهائلة لا يوجد طلبة علم إلا في النادر القليل جدًا. والاشتغال بعلم الحديث صار شيئا قد يستنكر من بعض المشايخ اشتغال الطلبة بالرواية والأسانيد إلى غير ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأقول إن الطالب لا ينبغ ولا يكون له شأن إلا بكثرة العناء والبحث والتفتيش والسهر والرحلة ولقاء أهل العلم. هذا هو السبيل لتكوين طالب علم جيد. نعم.. الحمد لله لسنا ضد التقنية المعاصرة ولا نعاديها ولكن هي لها أوقات وأشخاص معينون يحسنون الاستفادة منها. أما إن كل طالب في السنة يجري مباشرة على الحاسب ويستعلم ويستخرج؛ فهذا لن يكون طالب علم يوما من الدهر ولو عاش عمر نوح -عليه السلام-.
فلا بد من فتح الكتب وفهم طريقة أهل العلم في تصنيفها وسهر الليالي، وسؤال أهل العلم وتدوين ما يشكل إلى غير من الأمور نعم قد يكون عند الطالب ثورة معلوماتية في المسألة الواحدة لكن لا فقه عنده فيها إذا أشكل عليه الأمر لا يستطيع ترتيب معلوماته، يعني يستخرج معلومات كثيرة جدًا من الحاسب يَعْيَا في ترتيب المعلومات فأقول لإخواني من طلبة الحديث رويدا رويدا والكتب الكتب استعينوا بالله -عز وجل- ثم أتعبوا أنفسكم في فهم لغة أهل العلم والتعامل مع كلام أهل العلم.
(سادسا: كتاب "مفتاح كنوز السنة".
هذا الكتاب يعتبر فهرسا حديثيا مرتبا على الموضوعات. وإليك وصفا كاملا له وبيان طريقة تصنيفه:
هو كتاب صنفه ورتبه المستشرق الهولندي الدكتور: "أرنولد جان فينسنج" المتوفى سنة 1939 للميلاد. صنفه باللغة الإنجليزية ثم نقله إلى اللغة العربية مع تصحيح أخطائه ومقابلة نصوصه وتحقيقها ونشره الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وكان نشره باللغة العربية لأول مرة عام 1352 للهجرة الموافق سنة 1933 للميلاد.
وهذا الكتاب جعله مؤلفه فهرسا لأربعة عشر كتابا من مشاهير كتب السنة وأمهاتها ودليلا على ما في تلك الكتب من الأحاديث)(1/5)
الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- في تقدمته لمفتاح كنوز السنة هو يتكلم كثيرًا على طريقة المستشرقين وغيرهم في صنع الفهارس والشيخ يبرر إن علماء الأمة السابقين سلف هذه الأمة لم يقصروا في خدمة كتب السنة ولا أهملوا شيئا من هذه الخدمات، وإنما الأجيال المتلاحقة هي التي قصرت في استخدام المعلومات الكثيرة جدًا والتراث الذي خلفه لنا سلفنا الصالح -رضي الله عنهم-.
ونقله إلى العربية الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي وساعد في ذلك الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- استفادا منه في عصرهما فوائد عظيمة وقربت عليهم معلومات كثيرة، لكن كما سنقرأ في مقدمة الكتاب يقول نحن أسبق في وضع الفهارس علماء اللغة العربية في القرن الثالث مطلع القرن الرابع وضعوا معاجم اللغة العربية على حروف ألف باء على حروف المعجم قبل أن يظهر أول معجم باللغة اللاتيتنية تقريبا قبل ذلك بسبعة قرون أو بثلاثة قرون كما سنرى.
فالحاصل أن الشيخ شاكر -رحمه الله- يقول إن هذا الجهد الذي بذله عندنا أكثر منه لكن الأمة في فترات معينة فترات الاحتلال وما قبلها وما بعدها هي التي أدت بالأمة إلى هذه الغفلة الشديدة بحيث إذا أتى من الغرب عمل مثل هذا آثار ضجة في الناس ولفت أنظارهم بشكل قوي.
(وهذه الكتب هي: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، جامع الترمذي، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، موطأ مالك، مسند أحمد، مسند أبي داود الطيالسي، سنن الدارمي، مسند زيد بن علي، سيرة ابن هشام، مغازي الواقدي، طبقات ابن سعد، وقد بقي المستشرق المذكور وهو أستاذ اللغات السامية في جامعة "ليدن" في تأليفه وترتيبه عشر سنين كما أن المترجم له استغرق أربع سنوات في ترجمته وتصحيحه).(1/6)
لعلك تلاحظ أن الأستاذ المستشرق الذي عمل على صنع الكتاب اعتمد الكتب الستة وأضاف إليها موطأ مالك ومسند أحمد وأبي داود الطيالسي وسنن الدرامي وهذه كتب حديثية. أضاف إليها كتب لا علاقة بالتخريج ولا بالنقد الحديثي ولا بالأسانيد وهي مسند زيد بن علي راويه عن زيد بن علي متهم بالكذب كما سنبين، سيرة ابن هشام، مغازي الواقدي والواقدي متروك، طبقات ابن سعد وأسانيد طبقات ابن سعد أيضا فيها كلام.
فالحاصل وإن كان الكتاب تلقاه أهل العلم بالقبول رواته الحسين بن فهم وغيره من أهل العلم الأثبات لكنّ ابن سعد يروي عن شيخ أيضا يروي عن الواقدي فالحاصل إن هذه الكتب الأربعة الزائدة على الكتب العشرة إنما كانت تخدم أهدافا استشراقية في ذلك الزمان، وإلا؛ فهي لا علاقة لها أساسا بكتب الحديث لا من جهة التخريج ولا من جهة الأسانيد لأن أسانيدها تالفة كما هو واضح من راوي مسند زيد بن علي وابن سعد يروي عن الواقدي والواقدي وسيرة ابن هشام.
(أما طريقة ترتيب مواد الكتاب فقد بينها الأستاذ أحمد محمد شاكر في مقدمته التعريفية بالكتاب فقال:
"وقد رتب الأستاذ "وينسينج" كتابه على المعاني والمسائل العلمية والأعلام التاريخية، وقسم كل معنى أو ترجمة إلى الموضوعات التفصيلية المتعلقة بذلك ثم رتب عناوين الكتاب على حروف المعجم، واجتهد في جمع ما يتعلق بكل مسألة من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الكتاب)
هذا هو الكتاب رتب مواده على المعاني، وهذه المعاني أيضا مرتبة على حروف ألف باء فبدأ بآدم -عليه السلام-، وبعدما انتهى من ذكر آدم -عليه السلام- وما يتعلق به: آل محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم ذكر آمنة، وآمين، والآنية.(1/7)
ترى هذا التدرج في ترتيب المواد آدم، آل محمد -عليه الصلاة والسلام-، آمنة، آمين، الآنية وما يتعلق بها، كل ما تعلق بآحكام الآنية، الأئمة وما يتعلق بالإمارة وطاعة الأمير وطاعة الأئمة، والأئمة المضلون إلى غير ذلك من..، ثم الأب والأبدال وإبراهيم ونحو ذلك.
طيب هذه هي طريقة ترتيب المواد على حروف ألف باء ثم داخل كل مادة ما يتعلق بها من أحاديث ففي آدم ذكر حديث احتجاج آدم وموسى الحديث مشهور لما فقأ عين الملك قال فحاج آدم موسى، فذكر قال: احتجاج آدم وموسى "بخ" وهو يرمز للبخاري بـ"بخ" باء وخاء مثل بقية الكتب كتاب 60 لا يذكر اسم الكتاب كما حصل في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي وإنما يذكر رقم الحديث، ولذلك الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي -رحمه الله تعالى- لكي يعالج هذه الإشكالية عمل فهرسا في أول الكتاب ذكر الكتب فقال 1: بدء الوحي، 2: الإيمان، 3: العلم، وذكر جميع أبواب البخاري الـ 97، بحيث أنت هنا إذا قال لك البخاري كتاب 60 فترجع هنا إلى الصفحة الأولى ستجد 60 هذا هو كتاب الأنبياء وكذلك في بقية الكتب مثلاً: أبو داود والنسائي والترمذي هنا يذكر رقم الكتاب عليك ترجع إلى الصفحة الأولى فتترجم هذا المعنى.
فقال: بخ ك 60 باب 31، ك 65 فيكون كتاب 65 في البخاري هو 65 هو كتاب تفسير القرآن، ثم باب 20، ك 82 من البخاري، 82 عندنا هو كتاب القدر فيكون الحديث مذكورا في القدر ومذكور في الأنبياء ومذكور في كتاب التفسير إلى غير ذلك.
ثم قال م س صحيح مسلم يرمز له ما هو م مثل بقية أهل العلم وإنما رمز له بـ:م س، ك 46 يعني الكتاب رقم 46 ذكر هنا أيضا ترتيب كتب مسلم فيكون 46كتاب القدر، ومسلم يورد الأحاديث كلها في مكان واحد لا يقسمها كما يحصل من الإمام البخاري، فيذكر ما يتعلق بقصة احتجاج آدم وموسى من البخاري ومسلم وأبي داود ويرمز لأبي داود بالرمز: بد أبو داود، والترمذي وابن ماجه وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد.(1/8)
ثم قال آدم في السماء الأولى، كيف صنع له بطينته ما يتعلق بهذا الحديث، (في يوم الجمعة خلق آدم وأسكن الجنة وأهبط منه)، الكلام على طول قامة آدم، لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، خلقه في قبضة قبضها الله من جميع الأرض، هبة آدم لداود أربعين عاما، لا يوجد حديث بهذا اللفظ وإنما هي قصة ذكر لها عنوانا قال: موضوع هبة آدم أربعين عاما من عمره لولده داود تراها في الترمذي وتراها في أبي داود وفي مسند أحمد وفي الموطأ إلى غير ذلك فيذكر القصة لا يذكر لفظ الحديث وإنما يذكر المعنى الذي يراد فيه هذا الشأن.
تسليم آدم على الملائكة وتسليمهم عليه، هبوطه من الجنة، الشجرة التي أكل منها، بناؤه المحراب بمكة، وفاته ودفنه. فذكر في مادة آدم كل ما يتعلق بموضوعات آدم عليه السلام، ثم انتقل إلى آل محمد -صلى الله عليه وسلم- فذكر أصحاب الكساء إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة، والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله يعني آل البيت -رضي الله عنهم- إلى أن يذكر كل ما يتعلق بآل البيت من الأحاديث.(1/9)
وقس على هذا بقية مواد الكتاب فأنت مثلاً إذا أردت أن تبحث عن حديث في كل مسكر حرام في الخمر مثلاً ما عليك أن تأتي على مادة الخمر التي هي حرف الخاء هو آدم وبعد هذا الباء والتاء والثاء والجيم تمشي أنت إلى أن تصل إلى حرف الحاء الحيض حرف الحيوانات مثلاً خباب بن الأرت يذكر ما يتعلق بقصص خباب، ثم يذكر بعد ذلك الخمر فتجد في الخمر (الخمر مفتاح الشرور)، وتجد (من شرب الخمر في الدنيا فمات ولم يتب منها لم يشربها يوم القيامة)، (لعن الله الخمر شاربها وساقيها وبائعها)، إنها ليست بداء ولكنها دواء، كيف يعذب الله شارب الخمر يوم القيامة، الآثام المتولدة من شرب الخمر معانٍ وليست ألفاظ أحاديث وهكذا بطول الكتاب وعرضه يتكلم على الموضوعات ولا يتكلم على ألفاظ الأحاديث يعني إذا قصدت التخريج من هذا الكتاب لا تبحث عن أول الحديث ولا عن طرفه ولا عن راويه من الصحابة أو من شيوخ المصنفين وإنما الموضوع الذي يتكلم عنه فيتكلم في الصلاة في الزكاة في الحج في العتق في النكاح في المغنم في الفتن في الكفارات في الكعبة وغير ذلك من الأمور، تأتي إلى المادة التي فيها موضوع الحديث وتبحث وتقرأ الفقرات التي أتى بها في الموضوع فيخرج لك الحديث الذي تريد البحث عنه يحيلك ثم ترجع تترجم الإحالات وترجع إلى الكتب السنة.(1/10)
طبعا نحن ندرس هذا الكتاب لأنه وارد في الكتاب الأصلي وهو موجود في عامة كتب التخريج، وأنا أناشد الأكاديميين ومن يصنفون في علم التخريج أن يراعوا التطور الزماني بمعنى أن الناس يحتاجون إلى كتابة في الكتب التي طرأت المصنفات التي صارت ضخمة جدًا وتوفر جهودا أكثر لأن الكتاب الآن صار عديم الجدوى أنا الآن عندي مثلاً موسوعات واسعة وكتب كثيرة ولكن مشيا مع منهج الكتاب قرأناه وعلقنا عليه. ولكن من حيث الفائدة كسرعة إنجاز في بحث صار في مثل هذا الزمان قليل الجدوى أو قليل النفع ولكن كنوع من التدريب للطالب على التنويع في استخراج المسائل يكون جيدا -إن شاء الله- -سبحانه وتعالى-.
(فهذا الوصف لطريقة ترتيب الكتاب توضح أن طريقة ترتيب الكتاب وفهرسته إنما هي أولا على الموضوعات والمعاني وليست على الألفاظ والمباني، ثم يرتب تلك الموضوعات والمعاني على نسق حروف المعجم بالنسبة لألفاظها فهو إذن معجمٌ للموضوعات. وتحت تلك الموضوعات فقرات تفصيلية تتعلق بكل موضوع وتحت كل فقرة من فقرات الموضوع يجمع المؤلف ما يمكنه جمعه من الأحاديث والآثار التي تتعلق بتلك الفقرة مما هو موجود في الكتب الأربعة عشر المذكورة. وقال السيد محمد رشيد رضا -رحمه الله تعالى- في مقدمته التعريفية للكتاب في بيان موضوع الكتاب وطريقته ما يلي:
موضوع هذا الكتاب دلالة القارئ على ما أودع في كتب الصحاح والسنن والمسانيد والسير والطبقات والمغازي المبينة في أوله من الأحاديث والآثار والمناقب بالصفة التي شرحها فهو لا يدلك على مواضع الأحاديث التي تحفظها أو تحفظ أوائلها في تلك الكتب؛ كمفتاح أحاديث الصحيحين وإنما يدلك على ما ورد فيها من كل موضوع بمراجعة أخص كلمة به تدل على أصل الموضوع ثم ما يليها من فروعه.(1/11)
وترتيب الكتاب على هذه الطريقة؛ أي طريقة الموضوعات مفيد جدًا وميزة هذه الطريقة في الترتيب عن طريقة الترتيب على أول لفظ من ألفاظ الحديث أو أي لفظ من ألفاظه في أنها تدلك على الأحاديث الواردة في الموضوع الذي يريد البحث عنه ولو كنت لا تحفظها أو لا تحفظ شيئا من ألفاظه)
كما بينا الحديث الذي عندك مثلاً في موضوع الهجرة في موضوع مثلاً بدء الوحي أيّ موضوع من الموضوعات فتعالى على موضوع الحديث وأخرجه واقرأ مواده سترى حديثك وإن كنت لا تعرف لفظة بارزة فيه ولا تعرف أول الحديث ولا آخر الحديث، هو جيد في مسألة ترتيب الموضوعات.
(على حين أن طريقة الترتيب على لفظ من ألفاظ الحديث يحتاج أن يكون الباحث حافظا أول لفظ من الحديث أو أيَّ لفظ من ألفاظه وقد لا يكون حافظا شيئا من ألفاظه على أن لكل من الطريقتين ميزةً تتميز بها عن الأخرى.
أما طريقة الدلالة على مواضع الأحاديث في الكتب الأربعة عشر فهي كما يلي:
يذكر رقم الباب في كل من صحيح البخاري، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه والدارمي وذلك بعد ذكر الكتاب برمز ك وذكر الرقم المتسلسل لذلك الكتاب حسب وروده في ذلك المصنف)
قلنا إنه يقول البخاري كتاب 63 أو كتاب 65 أو كتاب 90 أو غير ذلك، فهذا رقم الكتاب في صحيح البخاري ثم يذكر رقم الباب هذا كله في البخاري أبي داود الترمذي النسائي ابن ماجه سنن الدارمي هذه كلها يذكر فيها الكتاب والباب، مسلم يذكر الكتاب ورقم الحديث وكذلك الموطأ.
(ثانيا: يذكر رقم الحديث في كل من صحيح مسلم وموطإ مالك ومسنديْ زيد بن علي وأبي داود الطيالسي بعد ذكر الكتاب بالنسبة لصحيح مسلم وموطإ مالك فقط.
ثالثا: يذكر رقم الصفحات في كل من مسند أحمد بن حنبل وطبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام ومغازي الواقديّ بعد ذكر رقم الجزء كتابة بالنسبة لمسند أحمد وذكر الجزء ورقمه والقسم بالنسبة لطبقات ابن سعد.(1/12)
أما الرموز التي استعملها المؤلف في الكتاب فهي ثلاثة وعشرون رمزا وهذه هي تلك الرموز وبيان المراد منها كما جاء في صفحة أ من مقدمة الكتاب.)
وهي التي معنا على السبورة البخاري يرمز له: بخ ومسلم مس وأبو داود بد والترمذي تر وابن ماجه مج والنسائي نس والدارمي مشهور مي وموطأ مالك مأ ومسند زيد بن علي زا وطبقات ابن سعد عد ومسند أحمد حم.
(يقول وهذا نموذج من الكتاب ثم حل رموز هذا النموذج:
جاء في صفحة 46 العامود الثاني مادة الأصابع ثم جاء تحت هذا العنوان الفقرة الآتية وهي الإشارة بالإصبع في الصلاة ثم جاء تحت الفقرة ما يلي:
أولا: يا شيخ أقرأ الرمز ثم التفسير، أم ..؟)
الرمز ثم التفسير.
(م س - ك 15 ح 147)
صحيح مسلم الكتاب الخامس عشر الذي هو كتاب الحج الحديث رقم 147.
(ثانيا: ب د)
الذي هو سنن أبي داود - هذا كتاب رقم 11 الذي يمثل كتاب المناسك في سنن أبي داود الباب رقم 56.
(ت ر ك 45 ب 104)
الترمذي كتاب 45 الذي هو كتاب الدعوات كما هو موضح هنا الباب 104.
(ن س ك )
وهكذا إلى آخره.
(أما معرفة أسماء الكتب من خلال الأرقام؛ فقد عمل المترجم مفتاحا للكتاب في أوله ذكر فيه أسماء الكتب الموجودة في الكتب الستة وسنن الدارمي وموطأ مالك مع ذكر رقم كل كتاب بجانبه مع بيان عدد أبواب كل كتاب منها إلا في صحيح مسلم وموطإ مالك فإنه بيَّن عدد أحاديث كل باب أو كل كتاب فعليك بالرجوع إلى هذا المفتاح لمعرفة اسم الكتاب الذي يشير المؤلف إلى رقمه)(1/13)
وهو موجود في المقدمة من صفحة ب إلى صفحة م على طريقة أبجد هوز، أ ب ت ث، فذكر صحيح البخاري يذكر رقم الكتاب واسمه وعدد أبوابه فيقول 1 بدء الوحي، اسمه بدء الوحي وفيه ستة أبواب، 2 كتاب الإيمان فيه 42، العلم فيه 53، الوضوء 75، يعني عدد أبواب كل كتاب يذكر الرقم وترجمته إن هذا الرقم يمثل كتاب كذا من صحيح البخاري فلما انتهى من البخاري ذكر بعده أبا داود ثم ذكر مسلما ثم أبا داود السجستاني ثم الترمذي ثم بعد ذلك النسائي ثم ابن ماجه والدارمي وموطأ الإمام مالك وهو في غير هذه الكتب يذكر بالأجزاء والصفحات كما في مسند أحمد وفي طبقات ابن سعد وفي سيرة ابن هشام ومغازي الواقدي.
(وأما الطبعات التي اعتمدها المؤلف في الكتب الأربعة عشر فهي:)
لا هذه مسائل كلها اندثرت كل الطبعات طبعة بولاق للسنن وصحيح مسلم وأبو داود طبعة القاهرة ودلهي في الدارمي وطبعة حيدر آباد في الطيالسي هذا كلام كله كان هو يتكلم الآن في قرابة مائة سنة أو ثمانين سنة كل هذه الطبعات لا تكاد الآن تعتبر في نظر الباحثين مخطوطات. لماذا؟(1/14)
لأن هذه الكتب كان يقوم عليها ويقوم على تصحيحها لجان من العلماء تخيل مثلاً واحدا مثل الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني كان في حيدر آباد في لجنة العلماء في الهند كان هو القائم على تصحيح سنن البيهقي والأنساب لابن ماكولا والجرح والتعديل لابن أبي حاتم والتاريخ الكبير للبخاري فكان يقوم على تصحيح هذه الكتب أئمة أعلام أما الآن فالمطابع كل يوم تضخ كتبا مصحفة وفيها من المشاكل ما لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- أنا أخاف على التراث بعد 15 سنة تجد كلاما غير الموجود في الكتب الأصلية فصارت هذه الكتب لندرتها وجودة العمل الذي كان موجودا فيها كان يجلس علماء في المطابع يراجعون تجارب التصحيح فصارت هذه الطبعات لو أنها موجودة اليوم بمثابة المخطوطات من الجودة وإتقان جهود أهل العلم فيها. فهذا كله الآن صار أثرا يحكى كما نحكي الآن.
طبعا ليس هذا ليس معناه إنه لا يوجد من يتقن من أهل العلم التحقيق لا يخلي الله تعالى الأرض من قائم له بحججه، وهذا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصطفي الله له من يخرج عن دائرة الزمان والاستعجال في إخراج العلم ويتقنون ولله الحمد وله المنة -سبحانه وتعالى- في بقاء هذا النوع من البشر الذين يتقنون صنعة العلم.
(وأكثر هذه الطبعات نادرة الآن بل في حكم المفقودة لذلك أحيل القارئ إلى طبعات الكتب التسعة الأولى التي هي موضوع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي والتي بينتها هناك عند الكلام على المعجم المذكور وبيان طبعات الكتب التي توافقه فإنها كذلك توافق فهرسة مفتاح كنوز السنة الذي نحن بصدد الكلام عليه الآن)
نعم كان في مقدمة الكتاب كلام نفيس جدًا للشيخ أحمد شاكر أرغب في قراءته وتوجيه الناس إليه من باب تحصيل الفائدة طالما أنَّا نقرأ في طريقة الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- قدم كتابها وبين كلامها.
أقرأ من المقدمة؟
مقدمة الشيخ شاكر لصفحة ع.
مقدمة طويلة(1/15)
من حاجتنا إلى هذا الكتاب.
نعم
(يقول الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى-:
إن حاجتنا إلى هذا الكتاب وما في معناه في هذا العصر لا يدل على تقصير علماء السنة السابقين أو تفريطهم في شيء من خدمتها فإنهم -أحسن الله إليهم ونضر وجوههم! - قد قاموا بكل ما يجب ويندب ويستحب من رواية الحديث وحفظه وتدوينه في المسانيد والجوامع والسنن الجامعة والخاصة بالعقائد والأحكام وإفراد الصحاح منها وإتمامها بالمستخرجات والمستدركات عليه)
يريد الشيخ إلى أن ينبه إلى أن علماء السلف رحمهم ورضي عنهم ونضر وجوههم فعلوا كل شيء وإنما التقصير إنما جاء من الأجيال المتلاحقة التي لم تحفظ لهذا التراث حقه ولم تقم بخدمتها على الوجه المطلوب المرجو منها.
(ووضعوا المعاجم لمفرادتها ولأوائلها لتسهيل المراجعة دع ما سبقوا إليه جميع الأمم من وضع التواريخ لرواتها ثم لغيرهم من العلماء)
مسألة التأريخ والأسانيد ووفيات الرواة ومواليدهم ونحو ذلك شيء اختص الله به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فتجد العلماء صنفوا كتب مستقلة في وفيات العلماء يدون فلان مات سنة كم. وهذه مسائل ينبني عليها ثبوت السماع من عدمه في لقاء الراوي بشيخه ونحو ذلك من أصول الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف فهذه ميزة لم تكن لأحد غير هذه الأمة.
((1/16)
ومن ترتيب بعضها على حروف المعجم وبعضها على الطبقات ومن نصب ميزان الجرح والتعديل المستقيم لهم لتمحيص المقبول والمردود من مروياتهم، ومن وضع كتب الأطراف المبينة لروايات كل صحابي في كل موضوع وترتيبها على الحروف، وغير ذلك من الكماليات التي لا محل لذكرها هنا فقد تركوا لنا ثروة واسعة في ضبط سنن نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهديه وشمائله وسيرته لم يوفق لمثلها ولا لما يقرب منها أحد من أتباع الأنبياء والمرسلين ولا غيرهم من الحكماء والمشترعين يسرت لمن بعدهم سبيل التفقه فيها، والاستنباط منها في كل زمان يحتاج إليه أهله، ويكون به المتأخر مكملا لما سبقه إليه من قبله، ويكون الارتقاء في العلم متسلسلا مضطردا سواء منه علم الدراية والرواية الذي جعلوه علما مستقلا مدونا وعلوم العقائد والفقه والأدب والتصوف وغيره)
الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- كان عنده حس أصيل وغيرة على علوم هذه الأمة وكان يستهجن يرى أن ما يأتي من الغرب عندنا مثله وأضعاف وأفضل منه بفضل الله -سبحانه وتعالى- وكان يخاف على الأجيال من الانبهار بالحضارة الغربية أو ما يؤتى من عندهم من كتب خادمة لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقرب هذه المعنى ويؤكد عليه أن عندنا ولله الحمد ما عندهم وأكثر منهم.
(وهذا الكتاب في فن دقيق عويص لم تنشر فيه كتب كثيرة ولذلك نرى المؤلف يمكث في تأليفه نحو عشر سنين)
هذه كانت بواكير الإنتاج في علم التخريج والموسوعات التي تحفظ وترتب حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فلذلك كانت تستغرق هذه المسافات والأوقات والجهود الكثيرة التي كانت تبذل آنذاك.
(فإن فن الفهارس عموما والفهارس لكتب الحديث على الخصوص لم تثبت قواعده إلى الآن)(1/17)
هذا كان في زمانهم أما الآن ولله الحمد صارت ثورة ضخمة جدًا في باب الفهارس والموسوعات وغيرها من الأمور الخادمة بحيث إن أي باحث يستطيع أن يقف في دقائق معدودات على أي حديث في الدنيا أي حديث عندك من الموسوعات والفهارس وطرق البحث ما توقفك على الحديث في أقل من دقائق يعني خمس دقائق بالكثير حتى إذا كان الباحث يستخدم يده في البحث في الكتب لا يرجع إلى الحاسب الآلي.
(وإن كان أئمتنا المتقدمون -رضوان الله عليهم- جاهدوا في سبيله جهادا كبيرا فاخترعوا لمفردات اللغة العربية ترتيب معاجمها على الحروف الهجائية، وسبقوا إلى ذلك سائر الأمم فإن كتاب "الجمهرة" لابن دريد معجم لغوي مرتب على الحروف وهو مطبوع في حيدر آباد. وابن دريد مات في الثامن عشر من شعبان سنة 321 للهجرة الموافق أغسطس سنة 933 للميلاد فقد ألف كتابه -إذن- قبل أول مجموعة كلمات إنجليزية هجائية بنحو سبعة قرون)
ابن دريد -رحمه الله تعالى- صنف معجمه اللغوي قبل ظهور أي معجم انجليزي بسبعة قرون بـ 700 سنة. هذه أمة سابقة وعندها من الخير الكثير لكن تحتاج إلى نشاط أهلها للتنقيب في هذا التراث وإخراج كنوزه والنفع به.
(وقبل أول معجم لاتيني ظهر في أوروبا بأكثر من ثلاثة قرون)
نبه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- على أن الكتاب المنسوب لزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة 122 للهجرة، قال هذا الكتاب عمدة في الفقه عند علماء الزيدية من الشيعة، ولو صحت نسبته إلى الإمام زيد؛ لكان أقدم كتاب موجود من كتب الأئمة المتقدمين إلا أن الراوي له عن زيد رجل لا يوثق بشيء من روايته عند الأئمة هو أبو خالد عمرو بن خالد الواسطيّ رماه العلماء بالكذب. وقال الإمام أحمد: كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة، فمن باب لزوم التنبيه ووجوب لفت الأنظار إلى أن مسند زيد راويه عن زيد رجل كذاب.
(يقول الشيخ الدكتور محمود الطحان:(1/18)
وأما بالنسبة للكتب الخمسة الباقية فإن تيسر له طبعة من الطبعات المذكورة التي اعتمدها المؤلف؛ فبها ونعمت، وإن لم يتيسر؛ فعليه بطبعة مقاربة لتلك الطبعات ومع كثرة المراجعة يمكن أن يصل إلى مطلوبه في المكان على وجه التقريب.
ملاحظة:
كُتب في نهاية المفتاح الذي عمله الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في أول كتاب مفتاح كنوز السنة ما يلي:
تنبيه:
إذا لم يجد الباحث طِلْبَتَه في الباب المدلول عليه بالعدّ فليتقدمه باب أو بابين أو ليتأخر عنه بباب أو بابين فإنه لا بد ظافر بالذي يريد. ومنشأ ذلك اختلاف عدد الأبواب باختلاف الطبعات اللهم إلا في صحيح البخاري إذا ما رُقّمَتْ نسخته طبق النسخة المطبوعة في "ليدن" فإنها معدودة الكتب والأبواب.
هذا وقد ذكر الأستاذ أحمد شاكر -رحمه الله- في مقدمته التعريفية بالكتاب أن المؤلف لم يفهرس الآراء الفقهية التي لمالك وغيره في الموطأ وإنما اقتصر على فهرسة الأحاديث فقط كما أنه لم يرقم الأسانيد المكررة التي يذكرها مسلم في صحيحه لتقوية الحديث الأول في الباب الذي يورده كامل)
كما نعلم من صنيع مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه أنه يصدر الباب بأصح رواية ثم يذكر بقية الروايات التي هي أقل في الصحة من التي صدر بها إلى أن يذكر في آخر الباب أحيانا أحاديث ينبه بها على علة فيها يذكر حديثا معلولا في الباب.
لكن للأسف الشديد صحيح مسلم لا توجد منه نسخ على الترتيب الأصلي للكتاب يعني حصل قدر كبير جدًا من التداخل في هذا الترتيب. كان مسلم -رحمه الله تعالى- كما هو موجود في النسخة التونسية المخطوطة يفصل بين الكتب بعدة نجوم ثلاث أو أكثر. أنا رأيت هذه النسخة كان يفصل بينها بعدة نجوم.(1/19)
وعند الطباعة حصل نوع من الترحيل لهذه النجوم التي كانت تفصل بين الكتب فستجد أحاديث عند مسلم وهذا قد يعيب بعض المشتغلين بالعلم على مسلم -رحمه الله- وهو يعني لا يدري من أين أوتي، فتجد أحاديث قفزت مما هو في آخر الباب فصارت في أول الباب الذي يليه وأحاديث صدر بها الباب قفزت وصارت آخر حديث في الباب الذي قبله.
ومسلم -رحمه الله- يصدر الباب بأصح شيء فيه كما نص على ذلك في مقدمة صحيحه ويبدأ يتدرج في الأقل فالأقل من حيث الصحة إلى أن يصل في الآخر أضعف شيء أو قد يأتي بحديث يكون معلولا لينبه على علته هو يقصد مسلم -رحمه الله- هو يقصد إيراد مثل هذا الحديث في صحيحه ولا يقال في مسلم حديث معلول لأنه الذي أورده وهو الذي نبه لم ينبه لفظا وإنما كما هي طريقة العلماء -رحمهم الله- في إيراد الأحاديث.
ترى مثلاً البخاري -رحمه الله- خرج في كتاب التوحيد حديثا من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بالعنعنة عنه ومعروف أن الوليد يدلس تدليس التسوية ومعروف أن تدليس التسوية لا بد أن يصرح الراوي بالسماع في جميع طبقات الإسناد التي فوقه ليس في شيخه فقط إلى الصحابي ثم البخاري -رحمه الله تعالى- بعد أن أورد هذا الرواية حديث (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه..)، قال: وقال الوليد: حدثني ابن جابر عن فلان عن فلان وساق الإسناد فما كان يخشى من تدليس الوليد في الرواية الأولى صرّح به في المتابعة التي أتى بها البخاري -رحمه الله- ولكن لا يفهم من لا علم عنده قد يطلع مثلاً على كلام أبي علي الجياني أو على الإلزامات والتتبع لمسلم وهذه كتب تنقد طريقة الشيخين، وتنبه على أخطاء في الصحيحين بما ورد أو بحسب ما يرى العالم المتخصص الناقد كأبي علي الجياني والدارقطني وهم أئمة كبار فحول لهم أن يتكلموا في هذا.(1/20)
فغير المطلع يأتي لكلام هؤلاء فيأخذه وهو لا يفهم طريقة عرض الكتاب عند الإمام المصنف، فالبخاري -رحمه الله تعالى- حين يخرج حديثا إذا أورد متابعة للحديث بعده فتعرف أن هذا الحديث فيه إشكال. قطعا هو لا يورد المتابعات بعد الرواية الأمّ التي في الباب إلا لإشكال في الحديث كما ترى مثلاً في حديث فليح بن سليمان فالبخاري خرج حديث فليح في أول كتاب العلم لما جاء أعرابي إلى البني -صلى الله عليه وسلم- فسأله: (قال متى الساعة فقال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) قال: تابعه فلان عن فلان هذه الشفرة البخاري -رحمه الله- إمام أستاذ علل يتكلم بالشفرة يعني يحتاج إلى من يفهم كلامه ليحل به الإشكالات فكأن البخاري بإيراده المتابعة بعد رواية فليح يريد أن يقول أعلم أن في فليح كلاما، وأن بعض أهل العلم تكلم في حفظ فليح وهذه المتابعة تنفي ما قد يُظن في فليح من الضعف. فكذلك مسلم -رحمه الله- يورد أصح شيء في الباب ثم يتدرج إلى أن يصل إلى أن يذكر هو بنفسه حديثا ينبه على علته في هذا الباب فحصل نوع من التقديم والتأخير في الفواصل التي كانت بين الكتب والأبواب وهذا الذي يقوله الشيخ هنا أنه يورد أصل الباب والأسانيد التي بعد ذلك سبعة أو خمسة أو ستة بحسب ما يورد مسلم -رحمه الله- لم ينبه على شيء منها وإنما يذكر الذي في الأول.
(وهذا العمل منه في هذا الكتاب هو الذي اتبعه أيضا في فهرسة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي لكن نبه على ذلك هناك صراحة. وأخيرا فإن الكتاب مفيد للمشتغل بالحديث جدًا إذ يوفر عليه من الوقت ما لا يخطر بالبال ولا يقدر هذا الكتاب قدره إلا من عرفه واستفاد منه في البحث عن مواضع الأحاديث لاسيما للباحثين الذين يعدون بحوثا علمية كرسائل التخصص الماجستير والدكتوراه في موضع من الموضوعات التي لها صلة بالحديث الشريف وعلومه)(1/21)
قلت إن هذا الكلام كان في زمانهم الكتاب له قيمة عظيمة جدًا طارت الناس به وفرحت قلوبهم بوجوده وأما الآن فللمتفنن فقط أما أن يستفيد منه يعني جمع معلومات كثيرة عن حديثه أو مادته هذا مسألة يعني ليست كما حصل في الآونة المتأخرة.
(فإنه يفيدهم فائدة جليلة ويجمع لهم ما يتعلق بموضوعهم من الأحاديث بشكل ليس له نظير في كتاب آخر بل يعطيهم فقرات الموضوع وما ورد في تلك الفقرات من الأحاديث والآثار فهو على صغر حجمه أكثر فائدة في الدلالة على مواضع الأحاديث في الموضوع الواحد من كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي على كبر حجمه وثقل حمله. وإن كان لهذا الأخير ميزة عن الأول من نواح أخرى.
هذا ويمتاز هذا الكتاب أيضا عن كتاب المعجم المفهرس بذكره للأعلام وما ورد فيهم من الأحاديث والآثار وبيان سيرتهم في الكتب التي تولى فهرسته)
كما رأينا قبل ذلك في ذكر آدم -عليه السلام- وفي ذكر إبراهيم -عليه السلام- وفي ذكر آل البيت وغير ذلك من.. أم سليم مثلاً أم عمارة إلى غير ذلك من الأعلام الذين ورد ذكرهم في مرويات وفي أحاديث وقصص تحتاج إلى جمع وترتيب.
(وهذه ميزة مهمة يتميز بها هذا الكتاب. انظر على سبيل المثال ما يتعلق بترجمة عمر بن الخطاب من صفحة 357 إلى صفحة 361 لترى الفقرات الكثيرة وما تحتها من الأحاديث والآثار والأخبار التي تتعلق بسيرته بحيث يستطيع من يريد إعداد بحث متكامل عن سيدنا عمر أن يأخذ مادته العلمية من دلالة هذه الصفحات القلائل. وقد أثنى على الكتاب وقدره عالمان من كبار علماء هذا العصر وهما الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ أحمد محمد شاكر -رحمهما الله تعالى- ولا يعني هذا أن الكتاب ليس فيه نقص أو ليس فيه ملاحظات ولكنه جهد يمكن الاستفادة منه بشكل جيد والله أعلم)
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: عرف بمعاني المصطلحات التالية:
الجوامع – المستخرجات - المستدركات - المجاميع – الزوائد. مع التمثيل لكل مصطلح منها.(1/22)
وكانت الإجابة:
الجوامع: جمع الجامع وفي اصطلاح المحدثين: هي كل كتاب حديثي يوجد فيه من الحديث جميع الأنواع المحتاج إليها من العقائد والأحكام والرقاق وآداب السفر والمقام وما يتعلق بالتفسير والتأريخ والسير والفتن والمناقب.
المستخرجات: جمع مستخرج وهو أن يأتي المصنف المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجمع معه شيخه أو فوقه ولا في الصحابي. وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى لا يفقد سندا يوصله إلى الأقرب.
المستدركات: جمع مستدرك وهو كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاته على شرطه.
المجاميع: جمع مجمع والمقصود بالمجمع هو كل كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث لأحاديث عدة مصنفات ورتبه على ترتيب تلك المصنفات التي جمعها منها الجمع بين الصحيحين للصاغاني المسمى مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية، جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد لمحمد بن محمد سليمان المغربي، الجمع بين الأصول الستة.
الزوائد: هي مصنفات التي يجمع مؤلفها الأحاديث الزائدة في بعض الكتب عن الأحاديث الموجودة في كتب أخرى أي الكتب التي لم يخرجها أصحاب الكتب الخمسة أمثلتهم: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه.
انتهت إجابة السؤال الأول .
السؤال الثاني:
ما هي الطريقة الرابعة من طرق استخراج الحديث؟ ومتى يلجأ إليها؟ وما هي مميزاتها؟ الجواب:
الطريقة الرابعة وهي التخريج عن طريقة معرفة موضوع الحديث، ويلجأ إليها في تحديد موضوع الحديث أو موضوع من موضوعاته إن كان الحديث يتعلق بأكثر من موضوع. ومميزاتها أنها يستعان بها في تخريج الحديث بالمصنفات الحديثية على الأبواب والموضوعات والله أعلم
أسئلة المحاضرة:
السؤال الأول:
درست كتاب "مفتاح كنوز السنة"؛ فصف الكتاب، واذكر ميادينه. أقصد الكتب التي يخرج منها. وبين كيف تخرج الحديث منه.
السؤال الثاني:(1/23)
كيف تخرج الأحاديث الآتية من كتاب مفتاح كنوز السنة:
الحديث الأول: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم).. الحديث.
الحديث الثاني: (إن النار لا يعذب بها إلا الله -عز وجل-).(1/24)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الخامس عشر
السنن والمصنفات والموطآت والمستدركات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بدأنا في آخر حلقة في الطريقة الرابعة من طرق الاستخراج وهي: الاستخراج عن طريق موضوع الحديث، فتكلمنا وقلنا إن المصادر المساعدة في هذا الموضوع مقسمة إلى ثلاثة أقسام:
النوع الأول مصنفات شملت جميع أبواب الدين، وهي: المستخرجات، والمستدركات، والجوامع، والمجاميع، والزوائد، وكتاب "مفتاح كنوز السنة" الذي تكلمنا عنه في آخر حلقتنا. وهو مفيد في باب مهم وهو أنك إذا قصدت البحث في موضوع معين؛ كجمع مثلاً أحاديث الخمر أو أحاديث اليتيم، أو أحاديث الكبائر أو نحو ذلك؛ فإنه قد جمع منفردات هذا الباب في مكان وفي موضع واحد.
النوع الثاني من المصنفات المساعدة في هذه الطريقة وهي الكتب التي شملت معظم أبوب الدين، وهي: السنن والمصنفات، والموطآت، والمستدركات على الموطآت وهي موضوع حلقة اليوم، ثم بعد ذلك المصنفات المختصة بباب معين من أبواب الدين مثل الأجزاء الحديثية أو الكتب التي اختصت بتخريج أحاديث الأحكام مثل "نصب الراية" للزيلعي، "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر، وهي التي أوردها المصنف الدكتور محمود الطحان في أول الكتاب في صفحة 17، وأجلنا الكلام عليها في أول الكتاب وموضوعها اليوم، يعني عند الكلام على كتب الأحكام سيكون الكلام منصبا على "نصب الراية" وعلى "التلخيص الحبير" وأضاف إليها "كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ أبي الفضل زين الدين العراقي -رحمه الله تعالى-.
فنبدأ في الكلام على القسم الثاني من المصنفات المساعدة في التخريج على الموضوعات وهي: السنن والمصنفات والموطآت.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
القسم الثاني(1/1)
هذا القسم من المصنفات المرتبة على الأبواب، لكن أبوابها وموضوعاتها لم تشمل جميع أبواب الدين، وإنما شملت أكثر الموضوعات لاسيما الموضوعات الفقهية، فالغالب عليها ترتيبها على الأبواب الفقهية، فتراها تبدأ بكتاب الطهارة ثم الصلاة، ثم بقية العبادات، ثم المعاملات، وهكذا بقية الأبواب المتعلقة بالأحكام والفقه، وقد يذكر فيها ما يتعلق بغير ذلك ككتاب الإيمان، أو الآداب وما إلى ذلك.
وأشهر أسماء هذا القسم من المصنفات الحديثية هو: السنن، المصنفات، الموطآت، المستخرجات عليها، وسأذكر نبذة عن كل مسمى من هذه المسميات، وطريقة كل منها:
أولا: السنن:
تعريف السنن:
السنن في اصطلاح المحدثين: هي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية، وتشتمل على الأحاديث المرفوعة فقط، وليس فيها شيء من الموقوف أو المقطوع؛ لأن الموقوف والمقطوع لا يسمى سنة في اصطلاحهم ويسمى حديثًا، قال الكتاني في "الرسالة المستطرفة": "ومنها كتب تعرف بالسنن، وهي في اصطلاحهم: الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية؛ من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها، وليس فيها شيء من الموقوف؛ لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة، ويسمى حديثًا".
قلتُ: يوجد في بعض السنن غير الأحاديث المرفوعة لكنه قليل جدًا بالنسبة للمصنفات والموطآت).(1/2)
عندنا هنا السنن، هناك سنة وسنن وحديث، فالسنة هي الطريقة المسلوكة، وفي اصطلاحهم: ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية، أو خلقية على ما هو المستقر عند أهل الحديث، هذا إذا أطلق لفظ السنة. أما الجمع الذي هو لفظ السنن فالمراد به الكتب المصنفة على الأبواب الفقهية وأوضح أمثلة لذلك: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فإنها رتبت على الأبواب الفقهية، نعم قد يذكر فيها كتب الآداب، قد يذكر فيها كتب الإيمان ونحو ذلك، لكن السمة الغالبة والصفة السائدة في هذه الكتب أنها مرتبة على الأبواب والكتب الفقهية.
هناك بعض الكتب شملت كلام الصحابة وكلام التابعين على وجه الندور كما يفعل أبو عيسى الترمذيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه "السنن" فإنه يذكر مذاهب الفقهاء من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ويذكر بعض الأحاديث الموقوفة على الصحابة من باب بيان تعارض الموقوف مع المرفوع، والترمذي -رحمه الله تعالى- أحيانًا يورد في كتابه حديثًا مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعقبه بإسناد عن نفس الصحابي من كلامه، الذي هو الموقوف لبيان أن هذا الحديث مختلف في رفعه ووقفه، وكأن الراجح عند الترمذي من خلال هذا الإيراد أن الحديث موقوف وليس بمرفوع.
فالمقصود بالسنن هنا : الأحاديث المرتبة على الكتب والأبواب الفقهية. كما قلت: السنن الأربعة، والبيهقي، والدارقطني، والدارمي، وذكر الشيخ هنا أسماء الكتب في سنن أبي داود كنموذج لسرد الأبواب والكتب الفقهية، فبدأ أبو داود كتابه بالطهارة، ثم الصلاة، ثم صلاة الاستسقاء، ثم صلاة المسافرين، صلاة التطوع، شهر رمضان، السجود، الوتر، الزكاة، اللقطة، المناسك، النكاح، الطلاق، الصيام، الجهاد.(1/3)
ترى كل هذه أبواب ليس فيها شيء من الأخلاق، ولا من السير، ولا من المغازي، وإنما كلها -كما نرى- مرتبة ترتيبا فقهيا، حتى الخراج، والإمارة، والفيء، الجنائز، الأيمان والنذور، البيوع، قد يكون هناك اختلاف في الترتيب بينه وبين مثلاً البخاريّ، أو بينه وبين الترمذيّ في أنه يذكر مثلاً اللقطة قبل المناسك، مع أن اللقطة عادة يوردها الفقهاء في أبواب المعاملات مع إحياء الموات والغرس والمزارعة ونحو ذلك، فهذا أمر خاص بالإمام أبي داود -رحمه الله-، ذكر الطلاق قبل الصيام، وهذا خاص به أيضًا، هم يذكرون العبادات من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج ثم يذكرون الأنكحة ومتعلقاتها، والمعاملات ومتعلقاتها، إلا أن أبا داود -رحمه الله تعالى- يذكر مثلاً أحكام النكاح بعد المناسك، ثم يذكر الطلاق ويذكر الصوم، ويذكر بعده الجهاد، والأضاحي ثم الوصايا، والفرائض، ويذكر الخراج، والإمارة والفيء مع أنها من متعلقات الجهاد، فهذا ترتيب خاص بأبي داود -رحمه الله تعالى- إلى آخر كتابه رحمه الله ورضي عنه.
هذا نموذج الشيخ أورده كنوع يدل به على ما وراءه في كتب السنن الأخرى في ترتيب أبوابها وكتبها، النسائي، وابن ماجه، والدارقطني، والدرامي، والبيهقي وغيرها رحم الله الجميع. فهذا الكلام على السنن، ثم يأتي دور الكلام على المصنفات.
(ثانيًا: المصنفات:
تعريف المصنف:
المصنف في اصطلاح المحدثين: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، والمشتمل على الأحاديث المرفوعة، والموقوفة، والمقطوعة).(1/4)
بخلاف السنن -كما قلنا- السنن ليس فيها إلا المرفوع الصرف، وأحيانًا يرد الموقوف على وجه الندور، أو المقطوع الذي هو كلام التابعي يأتي على وجه الندور كنوع من التمثيل، أما المصنف؛ فأبرز ميزة في كتب المصنفات -كما بينا مرارًا وتكرارًا قبل- أن المصنف أبرز ميزة فيه: إيراده لأقوال الصحابة والتابعين في المسألة الواحدة بعد الأحاديث المرفوعة، فإنه يورد كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في المسألة، حديثين أو ثلاثة أو أربعة، ثم يعقب ذلك بكلام الصحابة حتى ولو كان الباب مما تتعارض فيه وجهات النظر، أو تتضارب فيه الأقوال، أنه يحشد كل كلام للصحابة في هذه المسألة، فهو أكبر وعاء ، المصنفات أكبر وعاء لكلام الصحابة -رضي الله عنهم- في المسائل الفقهية.
(أي: فيه الأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وفتاوى أتباع التابعين أحيانًا.
الفرق بين المصنف والسنن:
والفرق بين المصنف والسنن أن المصنف يشتمل على الأحاديث المرفوعة، والموقوفة، والمقطوعة على حين أن السنن لا تشتمل على غير الأحاديث المرفوعة إلا نادرًا؛ لأن الأحاديث الموقوفة والمقطوعة لا تسمى في اصطلاحهم سننًا، وما عدا هذا الفارق؛ فإن المصنف والسنن متشابهان كل التشابه).(1/5)
متشابهان في كونهما يوردان الكتب مرتبة على الأبواب الفقهية، ومستوعِبة لمعظم أبواب الدين والفارق بينهما -كما ذكرت- هو اختصاص المصنف بإيراد أقوال الصحابة والتابعين في المسألة، وهذا أمر مهم غاية في الأهمية؛ لأنك تحتاج إلى أقوال الصحابة كتفسير لكلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لبيان الراجح من المرجوح، لبيان ما عليه أغلب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسألة الواحدة أحيانًا يرجحون في المرسل بقول الصحابي، فتاوى أكثر التابعين، أحيانًا يكون حديثٌ مرسلٌ يعضده أن تكون عليه فتوى الصحابة، أو يكون عليه عمل أهل المدينة، أو عليه فتوى أكثر التابعين ونحو ذلك، فهذا يقوي الأحاديث المرسلة فضلاً عن عمل الفقيه في كونه يستدل على مثلاً الاجتهاد بكون كلمة الصحابة -رضي الله عنهم- مُجْمِعة في هذه المسألة على القول الفلانيّ ونحو ذلك من الأمور.
أمثلة أم الموطآت؟.(1/6)
لا.. الموطآت. وطبعًا المطبوع من المصنفات، هو ذكر هنا ابن أبي شيبة، وهو أوعبُ وأشملُ من مصنف عبد الرزاق، وهما المطبوعان، مصنف ابن أبي شيبة طبع ولله الحمد في الفترة الأخيرة طبعتان خُدم فيهم المصنف خدمةً جليلةً، طبعة الرشد التي طبعت في تسعة عشر مجلدًا، والطبعة التي طبعتها مؤسسة الرسالة في أربعة وعشرين مجلد، تحقيق الشيخ محمد عوامة -حفظه الله- فالنسختان فرسا رهان في بيان قيمة الكتاب وجودته وخلوّ الكتاب من التصحيفات التي ملئت بها الطبعة القديمة التي كان حققها حبيب الرحمن الأعظمي، فهذا ولله المنة والحمد في الأزمنة الأخيرة أن المصنف خدم هذه الخدمة وبقي مصنف عبد الرزاق يحتاج إلى من يقوم له، أيضًا لأن الكتاب مليء بالتصحيفات سواء في الأسانيد أو في المتون. فهو ذكر هنا خمسة نماذج من المصنفات، لكن لم يطبع منها إلا مصنفي عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، ولا شك أن مصنف ابن أبي شيبة أوعب وأوسع من مصنف عبد الرزاق، يتميزان طبعًا بعلو الإسناد جدًا أبو بكر بن أبي شيبة من شيوخ البخاري ومسلم، وعبد الرزاق شيخ شيخ البخاري، يعني من شيوخ الإمام أحمد ويحيى بن معين، فهي معظم أسانيد المصنفين ثلاثية، ويسهل فيها الحفظ جدًا، فضلاً كما قلت: عن إيراد أقوال الصحابة والتابعين وأتباع التابعين على وجه العموم.
(ثالثًا: الموطآت:
الموطآت جمع موطأ، والموطأ لغة المسهّل المهيأ، قال في القاموس: ووطأه: هيأه ودمثه، وسهله كوطأه، ورجل موطأ الأكناف كمعظم سهل دمث كريم مضياف.
والموطأ في اصطلاح المحدثين: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، ويشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو كالمصنف تمامًا وإن اختلفت التسمية.
سبب تسميته:(1/7)
والسبب في تسمية هذا النوع من المؤلفات الحديثية بالموطأ أن مؤلفه وطأه للناس، أي سهله وهيأه لهم، وقيل: إن السبب في تسمية مالك كتابه بالموطأ: ما روي عنه أنه قال: "عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة فكلهم واطأني عليه، فسميته الموطأ").
الموطأ مثل المصنف في إيراده الأحاديث المرفوعة، وأقوال الصحابة والتابعين، إلا أن الموطأ يختلف عن المصنف في كونه يورد رأي الإمام المصنف، يعني مالك -رحمه الله تعالى- يقول: "والذي عليه العمل ببلدنا، ورأيت عليه عمل أهل العمل من بلدنا كذا وكذا.." ففيه هناك بلاغات، وهناك آراء لمالك -رحمه الله تعالى- في كتابه، أما المصنفات فإنها تخلو من آراء مؤلفيها، وأيضًا صغر حجم الموطأ، الموطأ يقع في جزأين في مجلد، بخلاف المصنف فإنه ضخم جدًا كما نرى في مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق.
الحاصل هو أن الموطآت أيام مالك -رحمه الله تعالى- كانت كثيرة جدًا، حتى قيل لمالك: لم تصنف الموطأ وقد صنف الناس قبلك؟ ابن أبي زئب، وعبدان المروزي وغيره أكثر من عشرين مؤلفا للموطآت في زمن مالك، فلما قيل له ذلك؛ قال: "ما كان لله بقي"، وتقريبًا اندثرت كل الموطآت فلم يبق في الدنيا إلا موطأ مالك -رحمه الله تعالى- وذلك لجلالة قدر هذا الإمام وإخلاصه لله رب العالمين وليس معنى هذا الطعن على الأئمة الذين صنفوا قبله في الموطآت، ولكنَّ مالكا -رحمه الله تعالى- لرسوخ قدمه في الدين واهتمامه بنصرة السنة فأبقى الله -تعالى- كتابه دون سائر الكتب.
وكان ولاة الأمر في زمانه أرادوا حمل الناس على كتابه، بحيث يكون هو المرجع الوحيد فقال: وما يدريكم أن الناس اختلفوا وأبى هذه الفكرة من الخليفة في زمانه.(1/8)
المستخرجات على الموطآت: لا يوجد أحد من المصنفين عمل مستخرجًا على الموطأ، فهذه نعتبرها كأنها ليست موجودة، فهذا هو القسم الثاني من أقسام المصنفات المساعدة في الاستخراج على الموضوعات، وهي الكتب المصنفة على الأبواب الفقهية وشملت معظم أبواب الدين مثل السنن، والمصنفات، والموطآت، معنا القسم الثالث من الأقسام المساعدة في الاستخراج على الموضوعات وهي الأجزاء الحديثية.
(القسم الثالث: وهو المصنفات المشتملة على الأحاديث المتعلقة في جانب من جوانب الدين، أو باب من أبوابه وهي كثيرة، وأذكر أشهرها فمنها:
أولاً: الأجزاء.
ما هو الجزء؟
الأجزاء جمع جزء، والجزء الحديثي في اصطلاح المحدثين: يعني كتابًا صغيرًا يشتمل على أحد أمرين:
الأول: إما جمع الأحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم مثل: جزء ما رواه أبو حنيفة عن الصحابة، للأستاذ أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المتوفى سنة ثمانية وسبعين ومائة للهجرة.
ثانيًا: وإما جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد على سبيل البسط والاستقصاء، مثل: جزء رفع اليدين في الصلاة للبخاري، وجزء القراءة خلف الإمام له أيضًا.
متى يُبحث فيه؟
ترجع للجزء وتبحث فيه إذا كنت تريد حديثًا مرويًا من طريق صحابي ما، أو من طريق أحد مشاهير الرواة ممن يُجمع حديثه، أو إذا كنت تريد حديثًا يتعلق بموضوع الجزء الذي بين يديك).(1/9)
موضوع الأجزاء الحديثية، أولاً: الأجزاء الحديثية باب لا نهاية له، بمعنى أن الكتب المصنفة في السنن أو في المستدركات أو المستخرجات أو الموطآت أو الجوامع أو المجاميع مسألة يمكن حصرها، فلو قلت لي مثلاً كتب الزوائد أشملها على وجه الإطلاق "مجمع الزوائد" للهيثمي، نعم قبله البوصيري عمل زوائد ابن ماجه على الكتب الخمسة وزوائد البيهقي وغيره، إلا أنك تستطيع ببحث يسير أن تحصر الكتب المصنفة في المجاميع، أو في السنن، أو في المستدركات، خمس كتب ست كتب في كل فن، أما الأجزاء الحديثية؛ فهذا باب واسع جدًا، ولذلك يقولون في توصيف المحدث يقولون: من سمع الأجزاء من حصل ألف جزء حديثيّ وسمع المشيخات والطبقات وعرف الرواة، وعرف تجريحهم وتعديلهم إلى غير ذلك فضموا إلى حفظه لمثلاً مائة ألف حديث، أو خمسين ألف حديث، أو عشرة آلاف حديث وهذه مسألة تختلف باختلاف الأزمان بحسب وفرة المشايخ وتوفر الطلبة على الطلب إلى غير ذلك، فيجعلون من سمات المحدث أن يحفظ أو يعرف ألف جزء حديثي، فالأجزاء الحديثية باب متناثر جدًا، يعني مسألة لو جلست أنت تدرس مثلاً الأجزاء الحديثية الموجودة في القرن الثالث وحدها، هذا باب لا يمكن حصره، ولذلك يشكر لأخينا الفاضل نبيل جرار على ملتقى أهل الحديث أنه عمل "زوائد الأجزاء الحديثية على الكتب الستة"، وهذا جهد مشكور جدًا، يعني إذا جلست تستوعب الأجزاء في كل قرن فهذا أمر يشق، في كل قرن فقط، القرن الثالث الأجزاء الحديثية في القرن الرابع، الأجزاء في القرن الخامس، القرن السادس، ونحو ذلك، فهذا أمر يصعب استدراكه أو فهمه أو تعلمه والأجزاء الحديثية تحتوي على روايات قد لا توجد في السنن أو لا توجد في المنصفات أو لا توجد في الكتب الكبار، قد ينفرد الإمام بإسناد لا يوجد إلا في هذا الجزء، وكان العلامة الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- يكثر التخريج وهذا مما أثرى كتب الشيخ أنه يحيل في تخريجاته على أجزاء حديثية(1/10)
ليست موجودة في أيدي الناس هي في عالم المخطوطات وأكثرها قد يكون مفقودًا، فباب الأجزاء باب من الصعوبة بمكان وحصره على الطالب صعب؛ لأنها متناثرة في أركان الدنيا، في المكتبات سواء كانت هذه الأجزاء مطبوعة أو كانت مخطوطة.
(ثانيًا: الترغيب والترهيب).
عندنا المصنفات المشتملة على الأحاديث المتعلقة في جانب واحد من جوانب الدين، فعندنا أجزاء حديثية، هذه الأجزاء إما أن تكون جزءا من حديث راوٍ بعينه، كمرويات مثلاً سعيد بن أبي مريم عن سفيان الثوري الجزء الذي خرجه الشيخ عامر حسن صبري، أو رواية الدارقطني مثلاً عن ابن صاعد أو انتخابات أبي الطاهر السلفي أو غير ذلك من الأجزاء المنثورة التي هي روايات راوي بعينه عن شيخ بعينه أو روايات صحابي بعينه، وإما أن تكون جزءا في موضوع كما بينا في الحلقات الماضية أنه قد يكون مثلاً موضوع التوكل، موضوع الصمت، حفظ اللسان، موضوع مثلاً حب الدنيا، أو ذم الدنيا، ذم الملاهي، ذم الكبر، الفرج بعد الشدة، وغير ذلك من الأجزاء التي تفنن في الكتابة فيها الإمام ابن أبي الدنيا -رحمه الله تعالى كما بينا قبل ذلك.
النوع الثاني من الأجزاء المصنفة في باب بعينه: قلنا الأجزاء ثم بعد ذلك أبواب الترغيب والترهيب ثم أبواب الزهد والآداب والأخلاق ثم الأحكام.
نرى الآن الكلام في الترغيب والترهيب، أشهرها -كما هو معلوم- كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ زكي الدين المنذري.
(ثانيًا: الترغيب والترهيب:
كلمة في هذه المصنفات:
كتب الترغيب والترهيب هي الكتب الحديثية المرتبة على أساس جمع الأحاديث الواردة في الترغيب بأمر من الأمور المطلوبة، أو الترهيب من أمر من الأمور المنهيّ عنها، وذلك كالترغيب ببر الوالدين، والترهيب من عقوقهما، وقد صنف في هذا النوع عدد من المصنفات، منها مصنفات صنفها مؤلفوها بأسانيدها استقلالاً، ومنها كتب مجردة من الأسانيد ومنتقاة من مصنفات أخرى.
أمثلة:(1/11)
"الترغيب والترهيب" لزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة للهجرة، وهو من الكتب المنتقاة والمجردة عن الأسانيد مع ذكر تخريجها ومرتبته).
يعني ليس الكتاب بأسانيد المنذري إلى شيوخه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتبًا على أبواب الترغيب والترهيب، وإنما هو جملة أحاديث منتقاة في كل باب كما فعل النووي في "رياض الصالحين" وجردها من الأسانيد، وحكم عليها عزاها إلى أصحابها من المصنفات فيقول: هذا خرجه أبو داود، وهذا خرجه النسائي، وهذا مخرج في البخاري إلى غير ذلك، ويذكر مرتبتها من الصحة أو الحسن.
النوع الثاني: "الترغيب والترهيب" لابن شاهين وهو ألفه استقلالاً، يعني يذكر أسانيده من شيوخه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(ثالثًا: الزهد والفضائل والآداب والأخلاق:
هناك مصنفات كثيرة أفردت لهذا النوع من الموضوعات، فجمعت أكبر عدد من الأحاديث والآثار المتعلقة بالموضوع، وهي كتب نفيسة تشبع الموضوع حقه، وتحتوي على ثروة خصبة من الأحاديث والآثار، فمن أراد أن يعرف حديثًا من الأحاديث متعلقًا بهذه الموضوعات أو أراد كتابة بحث أو مقالة علمية في بعض هذه الموضوعات واحتاج إلى الأحاديث والآثار ليستشهد بها وليدعم أقواله؛ فعليه أن يرجع إلى هذه الكتب ويبحث فيها فإنه يجد فيها طلبته، فمن هذه المصنفات: كتاب "ذم الغِيبة").
يقال: اغتاب غيبة، وغاب غيبة، فغيبة مصدر غاب، وغيبة مصدر اغتاب.
(كتاب "ذم الحسد"، كتاب "ذم الدنيا" الثلاث).(1/12)
الثلاث كتب يعني ذم الغيبة، وذم الحسد، وذم الدنيا ثلاثتهم لابن أبي الدنيا، هو متخصص طبعًا ابن أبي الدنيا في مثل هذه الأجزاء الماتعة النافعة، وإن كان ابن أبي الدنيا يسوق ويحشد كل ما يتعلق بالحسد، كل ما يتعلق بالغيبة، كل ما يتعلق بذم الدنيا من كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أو كلام الصحابة أو كلام التابعين أو أتباع التابعين أو القصة التي تحصل للصالحين في هذا المضمار بغض النظر عن كونها صحيحة أو حسنة أو ضعيفة فتحتاج إلى تأمل وحظر؛ لأن الإنسان ينقل كل ما يقرؤه في كتب ابن أبي الدنيا على أنه من المسلمات، فلا بد من التحري والنظر في كلام المحققين الذين يحكمون على أسانيد ابن أبي الدنيا سواء بالصحة أو الحسن أو الضعف.
("كتاب أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-" لأبي الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني المتوفى سنة تسع وستين وثلاثمائة للهجرة، "كتاب الزهد" للإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة واحد وأربعين ومائتين للهجرة، "كتاب الزهد" لعبد الله بن المبارك المتوفى سنة واحد وثمانين ومائة للهجرة، "كتاب الذكر والدعاء" لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الكوفي صاحب أبي حنيفة المتوفى سنة اثنين وثمانين ومائة للهجرة).
في الزهد أيضًا هناك الزهد لهناد بن السري، وهناد شيخ البخاري، وأيضًا الزهد للإمام البيهقي، وغير ذلك من المصنفات في هذه الأبواب، فالحاصل هو أن من أراد أن يقف على كتاب مثلاً في ذم الدنيا، أو في ذم الحسد، أو في ذم الغيبة، أو في كتب الأخلاق أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو في كتب الزهد؛ فعليه بالمصنفات في هذا الموضوع الواحد، فيجد فيها ما يبتغيه خاصة وأن لهذه الكتب فهارس خادمة بشكل جيد.
((1/13)
كتاب "فضائل القرآن" للإمام الشافعي، كتاب "فضائل الصحابة" لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة ثلاثين وأربعمائة للهجرة، كتاب "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين" لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة للهجرة.
رابعًا: الأحكام:
كتب الأحكام هي الكتب التي اشتملت على أحاديث الأحكام فقط، وهي أحاديث انتقاها مؤلفو هذه الكتب من المصنفات الحديثية الأصول، ورتبوها على أبواب الفقه، ومنها: الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير، وهي كثيرة وأشهرها:
"الأحكام الكبرى" لأبي محمد عبد الحق بن الرحمن الإشبيلي المتوفى سنة واحد وثمانين وخمسمائة للهجرة).
أبو محمد عبد بن عبد الرحمن الإشبيلي له الأحكام الكبرى والوسطى والصغرى.
(الأحكام الصغرى له أيضًا، الأحكام لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة ستمائة للهجرة، "عمدة الأحكام عن سيد الأنام" له أيضًا، "الإمام في أحاديث الأحكام" لمحمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد المتوفى سنة اثنين وسبعمائة للهجرة، "الإلمام بأحاديث الأحكام" له أيضًا فقد اختصره من كتاب الإمام. "المنتقى في الأحكام" لعبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني المتوفى سنة اثنين وخمسين وستمائة للهجرة. "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة للهجرة).(1/14)
سنرجع إلى صفحة سبعة عشر من أول الكتاب بعد المقدمة التعريفية التي عرف فيها الشيخ التخريج لغةً واصطلاحًا وأهميته وفائدته ووجه الحاجة إليه، ولمحة عن تاريخ التخريج ذكر في صفحة خمسة عشر أشهر كتب التخريج والتعريف ببعضها، وفي صفحة 17 شرح لبعض هذه الكتب التي انتقاها من المجموع، وهي "نصب الراية من أحاديث الهداية" و"التلخيص الحبير" وكتاب "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار" للحافظ العراقي، فهذا موضوعه من صفحة 17 إلى 34 تقريبًا متعلق بهذه النقطة في التخريج على الموضوعات، فيما يتعلق بكتب الأحكام... نعم.. نأخذ نصب الراية صفحة 17.
("نصب الراية لأحاديث الهداية" هو من أشهر ما وصلنا من كتب التخاريج الحديثية، وقد صنفه الحافظ جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي الحنفي المتوفى سنة اثنين وستين وسبعمائة للهجرة، وهو كتاب خرج فيه مؤلفه الأحاديث التي استشهد بها العلامة علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة للهجرة، في كتابه "الهداية في الفقه الحنفي").
مشهور جدًا عند الحنفية أصل وعمدة عندهم مثل "كفاية الأخيار" عند الشافعية و"مغني المحتاج" وغيرها، فهو من الكتب العمدة في المذهب الحنفي، وخرج الزيلعي أحاديث الهداية في كتاب "نصب الراية".
(وهو من أجود كتب التخريج، إن لم يكن أجودها، وأنفعها، وأشملها ذكرًا لطرق الحديث، وبيان مواضعه في كتب السنة الكثيرة، مع ذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل في رجال إسناد الحديث بشكل شافٍ وافٍ لم يسبق إليه فيما أعلم.(1/15)
وقد استمد من طريقته ومعلوماته هذه من جاء بعده من أصحاب كتب التخاريج لاسيما الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهذا الكتاب يدل على تبحر الزيلعي في الحديث وعلومه، وسعة اطلاعه على مصادره الكثيرة، وقدرته على استخراج ما فيها، قال العلامة السيد محمد بن جعفر الكتاني في "الرسالة المستطرفة" عن هذا الكتاب: وهو تخريج نافع جدًا، به استمد من جاء بعده من شراح الهداية، بل منه استمد كثيرًا الحافظ ابن حجر في تخاريجه، وهو شاهد على تبحره في فن الحديث وأسماء الرجال وسعة نظره في فروع الحديث إلى الكمال، وطريقة تخريجه في هذا الكتاب أنه يذكر نص الحديث الذي أورده صاحب كتاب الهداية، ثم يذكر من أخرجه من أصحاب كتب الحديث وغيرها مستقصيًا طرقه ومواضعه، ثم يذكر الأحاديث التي تدعم وتشهد لمعنى الحديث الذي ذكره صاحب الهداية، ويذكر من أخرجه أيضًا، ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الباب، ثم إن كانت المسألة خلافية يذكر الأحاديث التي استشهد بها العلماء والأئمة المخالفون لما ذهب إليه الأحناف، ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الخصوم، ويذكر من أخرجها أيضًا، يفعل كل ذلك بمنتهى النزاهة وكمال الإنصاف من غير أن يميل به عن الحق تعصب مذهبي أو سواه).
يعني هو يذكر الحديث الذي ذكره صاحب الهداية ويذكر من أخرجه من أصحاب الكتب ويذكر الصحة والضعف، ويسوق الطرق والأسانيد ثم يذكر من نفس أحاديث الباب أحاديث أخرى متعارضة يقول يعني أحاديث الخصوم، إلى غير ذلك، وقد ذكر الشيخ الطحان ذكر نموذجا من الكتاب فليمل عليَّ أكتبه ونشرح طريقة عرض الشيخ لهذا الكتاب بإذن الله تعالى.
يقول: (إليك نموذجًا من التخريج في هذا الكتاب وهو تخريج حديث يتعلق بكيفية تطهير المني من الثوب قال -رحمه الله تعالى-: الحديث الثالث: روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال لعائشة في المني: (فاغسليه إن كان رطبًا وافركيه إن كان يابسً)، قلت: غريب، وروى الدارقطني).
غريب يعني ماذا؟(1/16)
رتبة الحديث أو حكمه على الحديث.
غريب يعني ليس له إلا طريق واحد، والغرابة مظنة الضعف غالبًا.
يقول: (وروى الدارقطني في سننه من حديث عبد الله بن الزبير قال: حدثنا بشر بن بكر).
عن طريق عبد الله بن الزبير؟
نعم.
عبد الله بن الزبير ليس الصحابي، وإنما هذا الحميدي، الحميدي صاحب الشيخ البخاري له كتاب "المسند".. من حديث عبد الله بن الزبير.
قال: (حدثنا بشر بن بكر، قال حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت).
يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن.
(عن عائشة قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا كان يابسًا، وأغسله إذا كان رطبًا) انتهى. ورواه البزار في مسنده، وقال: (لا يُعلم من أسنده عن عائشة إلا عبد الله بن الزبير هذا) ورواه غيره عن عمرة مرسلا).
ورواه غير الحميدي، (ورواه غيره عن عمرة مرسلا) يعني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أليس كذلك؟ عمرة مرسل يعني أسقط الصحابي. نعم..
(انتهى.. قال ابن الجوزي في التحقيق: "والحنفية يحتجون على نجاسة المني بحديث رووه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعائشة: (اغسليه إن كان رطبًا وافركيه إن كان يابسًا) قال:..).
يعني الحنفية يحتجون بهذا الحديث على نجاسة المني؟
نعم.
قال: (وهذا حديث لا يُعرف، وإنما روي نحوه من كلام عائشة ثم ذكر حديث الدارقطني المذكور، والله أعلم، يقول: ومن الناس من حمل فرك الثوب على غير الثوب الذي يصلي فيه، وهذا ينتقد بما وقع في مسلم: (كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيصلي فيه) وعند أبي داود: (ثم يصلي فيه) والفاء ترفع احتمال غسله بعد الفرك، وحمله بعض المالكية على الفرك بالماء، وهذا ينتقص بما في مسلم أيضًا: (لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يابسًا بظفري) والله أعلم).(1/17)
فالحاصل أن الإمام الزيلعي -رحمه الله تعالى- أورد المسألة التي يستدل بها الحنفية وهو حنفي مثلهم، ومع ذلك لم يحمله تعصبه للمذهب على الانتصار له، بل أورد حديثا من طريق خرجه الدارقطني من طريق عبد الله بن الزبير، وفيه أنه كانت تفرك المني من ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يابسًا، وتغسله إذا كان رطبًا، وأخرجه من طريق البزار قال: مرسل، ثم ذكر كلام ابن الجوزي أن الحنفية يستدلون به على نجاسة الثوب، وذكر متون الأحاديث، ألفاظ للأحاديث في سنن أبي داود وفي سنن النسائي وفي غيرها أنها كانت تغسله أو تفركه من الثوب الذي يصلي فيه، دليل على عدم النجاسة، إلى غير ذلك من الطرق التي يورد بها الإمام الزيلعي -رحمه الله تعالى- المسائل الخلافية وإما منتصرًا لمذهبه وإما منتصرًا لغيره من غير تعصب ولا إجحاف في المسألة، كتاب "نصب الراية" من الكتب المشهورة، وآمل أن يكون للإخوة الحضور كل واحد يجتهد في تخريج خمس أحاديث ينظر في نصب الراية وينتقي الأحاديث التي أكثر من ذكر طرقها والكلام على علل رجالها والكلام على الصحة والضعف إلى غير ذلك حتى تحصل -إن شاء الله تعالى- الاستفادة ونعرضها بإذن الله -تعالى- في حلقة الغد إن شاء الله رب العالمين.
يقول: (أحاديث الباب: روى البخاري ومسلم من حديث عائشة: (أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيخرج فيصلي فيه، وأنا أنظر إلى بقع الماء في ثوبه) انتهى، قال البيهقي: وهذا لا منافاة بينه وبين قولها: (كنت أفرك من ثوبه ثم يصلي فيه) كما لا منافاة بين غسله قدميه ومسحه على الخفين.. انتهى. وقال ابن الجوزي: ليس في هذا الحديث حجة؛ لأن غسله كان للاستقذار لا للنجاسة).
ليس فيه حجة على التنجيس يعني.
((1/18)
حديث آخر: (إنما يُغسل الثوب من خمس) سيأتي قريبًا، الآثار روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حسين بن علي بن جعفر بن برقان عن خالد بن أبي عزة قال: (سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: إني احتلمت على طنفثة فقال: إن كان رطبًا فاغسله، وإن كان يابسًا فاحككه، وإن خفي عليك فارششه بالماء) انتهى.
أحاديث الخصوم: روى أحمد في مسنده قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: أنبأنا عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، ويحته يابسًا ثم يصلي فيه) انتهى).
يعني إما يدفعه بشيء أشبه بالمنديل "الكلينيكس" أو شيء، يعني يدفع هذا الأذى ثم يصلي، وإن كان يابسًا فركه ثم صلى، فهذا دليل على الطهارة، وليس على النجاسة.
(حديث آخر: أخرجه الدارقطني في سننه والطبراني في معجمه عن إسحاق بن يوسف بن الأزرق عن شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال: (سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المني يصيب الثوب، قال: إنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق، وقال: إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة) انتهى. قال الدارقطني: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك انتهى، قال ابن الجوزي في التحقيق: وإسحاق إمام مخرج له في الصحيحين ورفعه زيادة وهي من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ.. انتهى. ورواه البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا وقال: هذا هو الصحيح موقوفًا، وقد روي عن شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعًا ولا يثبت.. انتهى).(1/19)
لا يثبت؛ لأن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيء الحفظ، والراوي عنه شريك أيضًا في حفظه كلام، لكن هذه ميزة الكتاب أنه إذا دخل في الأسانيد وتكلم على الرجال والعلل والترجيح ووجوه الترجيحات ووجوه الترجيحات والكلام المتعارض في الروايات ونحو ذلك فهذا من الفائدة بمكان.
بقي لنا الكلام في "تلخيص الحبير" ؛ لأنه مهم جدًا.
يقول: بالنسبة لأطراف مسند أحمد للحافظ ابن حجر كنت سألت حضرتك عنها وما الفائدة منها؟.
نجعلها -إن شاء الله-، أطراف.. يعني كانت هذه ملتحقة بالطريقة الثالثة، هذه ستحتاج إلى بسط بعض الشيء، فلعلنا -إن شاء الله- نأتي بالكتاب غدًا كمستدرك على شرحنا في الطريقة الثالثة ليعم النفع بها إن شاء الله تعالى.
يقول: بالنسبة لكتاب ابن حبان الذي هو التقاسيم في صحيح ابن حبان، كيفية طريقة تقسيم ابن حبان لهذا الكتاب فهي طريقة انفرد بها ابن حبان أم مختلفة؟.
ابن حبان -رحمه الله تعالى- كان قد قصد إلى أن يصنف السنة بطريقة لا تسمح باستخراج من الكتاب، يعني أن من أراد أن يستفيد من كتابه يحفظه، فكان يريد حمل الناس على حفظ السنة، فصنف كتابا عجيبا في ترتيبه وتقسيمه ويوجد منه جزء محقق بعناية الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- لكن الشيخ لم يتمه؛ لأنه وعر يعني، طريقة البحث فيه والاستخراج منه صعبة وعسيرة، ثم جاء ابن بلبان فرتبه وهو الترتيب الموجود اليوم، الذي هو "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان"، رتبه على الأبواب الفقهية، والتقاسيم التي قسمها ابن حبان قديمًا لا يوجد منه إلا قدر يسير محقق بعناية الشيخ أحمد شاكر والبحث فيه لن يستطيع الطالب الوقوف على الحديث فيه إلا إذا حفظ الكتاب مثل المصحف تمامًا بتمام، يعني غير الحافظ لا يستطيع أن يستخرج أيًا من سورة، إلا أن يوقفه غيره عليها، أنا مثلاً أريد أن أقرأ آية في مثلاً: ?إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ? [التوبة: 111]
،(1/20)
لولا أني أحفظ المصحف وأعرف أن هذا في آخر التوبة في ربع ?إِنَّ اللهَ اشْتَرَى? أعمد بسرعة إلى الآية من موضعها وأستخرجها في غمضة العين، أما غير الحافظ يحتاج إلى قراءة السورة من أولها إلى آخرها، فإن لم يكن حافظًا للسورة؛ فلن يستطيع استخراج الآية، كذلك أراد ابن حبان أن يحمل الناس على حفظ سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الطريقة الغريبة التي قسم بها كتابه، وهي تحتاج إلى نوع من البسط والشرح، لا يحتمله الوقت.
إجابة أسئلة الحلقة الماضية.
السؤال الأول: درست كتاب "مفتاح كنوز السنة" صف الكتاب. واذكر ميادينه. وبين كيف تخرج الحديث منه.
وكانت الإجابة:
كتاب "مفتاح كنوز السنة" ألفه المستشرق الهولندي "أرنولد جان" وجعله فهرسًا لأربعة عشر كتابًا.
ميادين الكتاب: الكتب التسعة، ومسلم الطيالسي، ومسند زيد بن علي وسيرة ابن هشام، ومغازي الواقدي، وطبقات ابن سعد، وهذه الأربعة الأخيرة لا علاقة لها بالتخريج إنما كانت تخدم أهدافًا استشراقية.
ترتيبه: رتبه المصنف على المعاني لا على لفظ الحديث، ثم يرتب تلك المعاني على نسق حروف المعجم بالنسبة لألفاظها، وتحت تلك الموضوعات فقرات تفصيلية تتعلق بكل موضوع، وتحت كل فقرة من الفقرات يجمع الأحاديث والآثار التي تتعلق بتلك الفقرة مما هو موجود في الكتب التي فهرس لها، وقد استخدم لهذه الكتب رموزًا.
طريقة الدلالة على موضوع الحديث فيه:
أولاً: يذكر رمز صاحب الكتاب ثم رقم الكتاب في ذلك المصنف الذي رمز له.
ثانيًا: يذكر رقم الباب إذا كان الحديث في البخاري، أو أبي داود، أو الترمذي، أو النسائي، أو ابن ماجه، وسنن الدارمي، وإذا كان الحديث في مسلم أو موطأ مالك يذكر رقم الحديث بعد ذكر رقم الكتاب، وإذا كان الحديث في مسند الطيالسي أو زيد بن علي، يذكر رقم الحديث مباشرة بعد رمز صاحب الكتاب وإذا كان في مسند أحمد يكتب رقم الجزء كتابة ثم رقم الصفحة في ذلك الجزء.(1/21)
معرفة أسماء الكتب من خلال الأرقام التي ذكرها مؤلف كتاب مفتاح السنة، قد خدم هذا الباب الأستاذ فؤاد عبد الباقي -رحمه الله تعالى- فعمل مفتاحًا للكتاب في أوله، ذكر فيه أسماء الكتب الموجودة في الكتب الستة، وموطأ مالك، والدارمي، وسنن الدارمي، وذكر رقم كل كتاب بجانبه وعلى الباحث الرجوع إلى ذلك الفهرس لمعرفة اسم الكتاب الذي يشير إلى رقمه.
طريقة التخريج منه: أن يُعمل الباحث ذهنه وفكره في النص، ثم يستنتج أين يجد هذا المعنى في أبواب الدين، ثم ينظر في الفقرات التفصيلية وما جمع تحتها من الأحاديث والآثار التي تتعلق بالموضوعات الذي يريد البحث فيه، انتهت إجابة السؤال الأول.
مستوعبة ما شاء الله.
السؤال الثاني: كيف نخرج الأحاديث الآتية من كتاب "مفتاح كنوز السنة"؟ الحديث الأول:
(أبغض الناس ثلاثة: ملحد في الحرم...) الحديث خ: البخاري، كتاب: سبعة وثمانين باب: تسعة، أي أخرجه البخاري كتاب الديات باب: من طلب دم امرئ بغير حق.
الحديث الثاني: (إن النار لا يعذب بها إلا الله -عز وجل-).
تقول: البخاري كتاب: ستة وخمسين، باب: مائة وتسعة وأربعين، أي: أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير، باب: لا يعذب بعذاب الله.
بد: أي أبي داود، الكتاب التاسع، باب: مائة واثنين وعشرين، أي أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب: كراهة حرق العدو بالنار.
جيد ما شاء الله.
الترمذي كتاب: اثنين وعشرين، باب: عشرين، أي: أخرجه الترمذي كتاب السير باب عشرين.. انتهى التخريج.
أسئلة الدرس.
السؤال الأول: عرف بالمصطلحات الآتية:
السنن – المصنفات – الموطآت - الأجزاء الحديثية.
السؤال الثاني: عرف بالمصادر الآتية وبين كيف تخرج الحديث منها:
نصب الراية لأحاديث الهداية - والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير
وهذا كلامنا سيكون عنه في الغد إن شاء الله والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/22)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس السادس عشر
التخريج عن طريق النظر في حال الحديث متنًا وسند
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لا زلنا في الطريقة الرابعة من طرق الاستخراج وهي الاستخراج عن طريق معرفة موضوع الحديث، ووصلنا إلى المصنفات النوع الثالث من المصنفات المساعدة في الاستخراج على هذه الطريقة، وهي المصنفات المشتملة على الأحاديث المتعلقة بجانب من جوانب الدين فذكرنا الأجزاء الحديثية، وكتب الترغيب والترهيب، وكتب الزهد والفضائل والأخلاق، وذكرنا كتب الأحكام، ثم رجعنا إلى مقدمة الكتاب فتكلمنا على "نصب الراية من أحاديث الهداية"، وبقي لنا في الكلام على كتب الأحكام "التلخيص الحبير تخريج أحاديث الرافعي الكبير"، وكتاب تخريج إحياء علوم الدين وإن كان ليس في الأحكام خاصة؛ لأن الإحياء لم يصنف في الأحكام وإنما صنف في الأخلاق أساسا وإن تكلم الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- استطرادا في مسائل الفقه خاصة في باب العبادات لكن الشيخ الطحان هنا ذكر الأحكام، وموضوعات خاصة، وكتب الفنون الأخرى، وكتب التخريج فنعتبر أن الكلام على "نصب الراية" وعلى "التلخيص الحبير" وعلى "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار وتخريج ما في الإحياء من الأخبار" ضمن النقطة السابعة من نقاط الكتب المساعدة النوع الثالث من الكتب المساعدة في الاستخراج على الموضوعات فتكون تابعة للتخريج وليست تابعة للأحكام.(1/1)
وقرأنا الكلام على "نصب الراية" ونتكلم الآن -إن شاء الله وتعالى- على "التلخيص الحبير" ثم نعول في كلمات كثيرة على طريقة الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار ثم ننتقل -إن شاء الله وتعالى- إلى الطريقة الأخيرة من طرق الاستخراج وهي الاستخراج عن طريق صفة في المتن أو صفة في السند أو صفة في المتن والإسناد جميعا؛ لأني أؤمل أن تكون هذه المحاضرة هي آخر محاضرة في طرق الاستخراج ثم بعد العيد -إن شاء الله تعالى أعاده علينا وعليكم بالخير والبركات!- نرجع إلى درسنا الأول في دراسة الأسانيد ثم إن تبقى وقت -إن شاء الله تعالى- في آخر الحلقات فيكون مراجعة على ما مر منا من كتب لم نتكلم عليها أو أسئلة معينة أو توسع في شيء معين. المهم من ذلك هو أن نلم شتات هذه المادة المتفرقة.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: ("التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الوجيز الكبير" هذا الكتاب كتاب نافع جيد، لخص فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 للهجرة كتاب "البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير")(1/2)
كتاب البدر المنير طبع حديثا في دار الفلاح أظنه في عشر مجلدات وهو كتاب نافع جدًا لكن ابن الملقن -رحمه الله تعالى- واسع الخطو جدًا في الكلام على الأحاديث، فلخص ذلك كله الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- من "البدر" ووضعه في "التلخيص الحبير" والكتاب أصله يعني التلخيص الحبير والبدر المنير كلاهما تخريج لأحاديث "الشرح الكبير" نعرف أن الغزالي -رحمه الله تعالى- أبا حامد المتوفى سنة 55 للهجرة له "الوجيز في الفقه"، والوجيز شرحه الإمام الرافعي في "العزيز بشرح الوجيز" مطبوع طبعتين إحداهما في 19 مجلدا وهذا الكتاب يعني طبع أظنه قبل سبع سنوات أو ثماني سنوات، وقبلها كانت فروع الشافعية يعني مشتتة وإن كان النووي -رحمه الله تعالى- قد جمعها في الكتاب الذي هو الملخص لشرح الرافعي الكبير. فكتاب الشرح الكبير شرح الرافعي الكبير على الوجيز خرج أحاديث الشرح الكبير الإمام ابن الملقن في البدر المنير، واختصر البدر المنير الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير وهو هذا الكتاب أربعة أجزاء في مجلدين.
("كتاب البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير" لسراج الدين عمر بن علي بن الملقن المتوفى سنة 804 للهجرة وكتاب الشرح الكبير هو كتاب في الفقه الشافعي لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 للهجرة شرح فيه كتاب الوجيز لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة 505 للهجرة.(1/3)
ومما تجدر الإشارة إليه أن كتاب الشرح الكبير قد اعتنى بتخريج أحاديثه عدد من العلماء؛ منهم خمسة قبل الحافظ ابن حجر، وهم: سراج الدين ابن الملقن المتوفى سنة 408 للهجرة، وعز الدين ابن جماعة المتوفى سنة 767 للهجرة، وحفيده بدر الدين ابن جماعة المتوفى سنة 819 للهجرة، وأبو أُمامة محمد بن عبد الرحمن بن النقاش المتوفى سنة 845 للهجرة، وبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي المتوفى سنة 747 للهجرة، وواحد بعده وهو السيوطي المتوفى سنة 911 للهجرة، وسمى كتابه "نشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير")
وهذه التخاريج كلها تعتبر مفقودة لا يوجد منها إلا كتاب البد المنير الذي طُبع قبل سنة فقط تقريبا سنة أو سنتين ومختصره هو "التلخيص الحبير للحافظ" ابن حجر. وأما بقية هذه التخريجات للعز ابن جماعة والبدر ابن جماعة والزركشي والسيوطي؛ فكلها في عداد إما المخطوطات وإما المفقودات.
(كما تجدر الإشارة إلى أن سراج الدين ابن الملقن قد صنف كتابه "البدر المنير" في سبعة مجلدات ثم لخصه في أربعة مجلدات وسماه "خلاصة البدر المنير" ثم انتقاه في جزء وسماه "منتقى خلاصة البدر المنير". وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا لكنه لم يذكر تلخيص ابن الملقن الأول المسمى بخلاصة البدر المنير فما أدري ما السبب.)
على أية حال البدر المنير الأصلي موجود وهو أصل لهذه الكتب كلها.
(وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة المذكور أن أوسع الكتب التي خرجت أحاديث الشرح الكبير وأخلصها إشارة هو كتاب ابن الملقن لكنه قال: إنه أطاله بالتكرار، وأما تلخيصه يعني ويعني به منتقى خلاصة البدر المنير فقال عنه: "إنه أخل فيه بكثير من مقاصد الأصل لذا رأي تلخيصه في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده". وأشار إلى أنه تتبع الفوائد الزوائد في كتب التخاريج المذكورة آنفا، وكذلك في كتاب نصب الراية للزيلعي.(1/4)
وعلل استفادته من كتاب الزيلعي الحنفي في تخريج أحاديث كتاب في الفقه الشافعي بأن الزيلعي ينبه في كتابه المذكور على ما يحتج به مخالفوه من أصحاب المذاهب الأخرى ورجا الله تعالى أن يكون كتابه هذا حاويا لجل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع)
ليس عيبا أن يصنف إمام كتابا في تخريج أحاديث لمذهب معين ويستفيد منه آخر مذهب مخالف. هذا ليس بعيب؛ لأن علم الحديث لا يعرف التقيد بمذهب، وإنما هو علم وقف للأمة كلها. فإذا خرج مثلاً الزيلعي كتاب "الهداية" في فروع الفقه الحنفي وأردت أن أخرج مثلاً أحاديث "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني لم تخرج فأردت أن أخرج الأحاديث الواردة في مغني المحتاج للخطيب الشربيني، وهو في فروع الشافعية المتأخرين؛ فلا حرج أن أستفيد من كتاب صُنف في مذهب حنفي أو "إرواء الغليل" الذي خرجه الشيخ الألباني في تخريج أحاديث منار السبيل وهو في فقه الحنبلي، وهذا لا حرج فيه؛ لأن علم الحديث لا يتقيد بمذهب معين.
((1/5)
وإليك نصَّ المقدمة كاملة؛ لتكون على بينة من التفصيلات المذكورة فيها. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "أما بعد. فقد وقفت على تخريج أحاديث الشرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي -شكر الله سعيه- لجماعة من المتأخرين منهم القاضي عز الدين ابن جماعة، والإمام أبو أمامة بن النقاش، والعلامة سراج الدين عمر بن علي الأنصاري، والمفتي بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر من الفوائد والزوائد، وأوسعها عبارة وأخلصها إشارة كتاب شيخنا سراج الدين إلا أنه أطاله بالتكرار فجاء في سبع مجلدات ثم رأيته لخصه في مجلدة لطيفة أخلَّ فيها بكثير من مقاصد المطول وتنبيهاته؛ فرأيت تلخيصه في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده فمَنَّ الله بذلك، ثم تتبعت عليه الفوائد الزوائد من تخاريج المذكورين معه، ومن تخريج أحاديث الهداية في فقه الحنفية للإمام جمال الدين الزيلعي؛ لأنه ينبه فيه على ما يحتج به مخالفوه وأرجو الله إن تم هذا التتبع أن يكون حاويا لجل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع وهذا مقصد جليل.
قلت: قد تم هذا التتبع بحمد الله تعالى وقد حوى –فعلاً- جل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم، لذا؛ يعتبر هذا الكتاب مصدرا مهما من مصادر التخريج لأحاديث الأحكام التي يستدل بها الفقهاء من شتى المذاهب)
هذا هو كتاب التلخيص الحبير ونأخذ بعض النماذج من واقع الكتاب بدون انتقاء، ولكن حسبما تقع عليه العين من الأحاديث؛ لننظر طريقة الحافظ -رحمه الله تعالى- في إيراد الأحاديث والتعليل لها والكلام عليها صحة وضعفا.
هو يا سيدنا أورد هنا مثالا أم..(1/6)
هو أورد مثالا لكن أرى أن نأخذ الأمثلة من واقع الكتاب الحيّ بدلا من القراءة. لأن الكتاب في يد الطالب فيقرؤه في أي وقت فمثلا عندنا في الحديث الثامن عشر بعد المائتين في صفحة 159 من الجزء الأول حديث المغيرة: (قال أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله) قال: أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وابن الجارود.
يعني هذا الحديث مخرج في هذه الكتب: المسند، والسنن الثلاثة: أبي داود والترمذي وابن ماجه أربعة النسائي والدارقطني والبيهقي وابن الجارود من طريق ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة. وفي رواية ابن ماجه عن وراد كاتب المغيرة. قال الأثرم عن أحمد إنه كان يضعفه.
من يضعف من؟
يضعف كاتب المغيرة الإمام أحمد بن حنبل عن الأثرم تلميذه وراويته عن أحمد أنه كان يضعفه، ويقول: ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حُدِّثت عن رجاء يعني كان يدلس في الإسناد، عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة. يعني الأصل أنه مرسل. قال أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور فقلت له إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك؛ فيقول حُدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إليَّ كتابه القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث.
طبعا هذا كلام باقي أكثر من نصف صفحة يطول في الكلام على علل الحديث. وأنا أردت فقط أن أبين أن الحافظ -رحمه الله تعالى- وهذا كتاب ملخص للبدر النير لسراج الدين ابن الملقن فمعنى هذا أن الحافظ -رحمه الله تعالى- يتكلم في صفحتين ونصف في الكلام على علل حديث في المسح على أعلى الخف وأسفله.(1/7)
طبعا المشهور أن المسح على أعلى الخف دون الأسفل فهذا حديث معلول وهو يبين علة الحديث إما بالإرسال أحيانا وإما الإدخال على صاحب الكتاب؛ لأن الإمام الحافظ يقول: إن نعيم بن حماد حدث بالحديث عن الوليد عن ثور، فقلت له إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك؛ فيقول: حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة، فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه؛ أي هذا حديثي وأنا أدرى بحديثي من غيري، فأتى بالدُّرْج الذي فيه الكتب وأخرج الحديث فإذا مكتوب بين السطرين يعني واحد من الطلبة أدخل عليه بخط مخالف غير الخط القديم كلاما يسند الحديث ولا يرسله وهذا علة، ومن مداخل العلل عن النقاد أن يُدْخَلَ على الشيخ، وهذا كلام في التحمل والأداء سنعرفه عند الكلام على الجريح والتعديل إذا أُدْخِلَ على الشيخ في حديث؛ فقد صار هذا الحديث بعينه حديثا معلولا فأدخلوا عليه يعني صار الحديث موصولا وهو مرسل، فصار يحدث الناس بعد ذلك ويقول: اضربوا عليه هذا الحديث خطأ.
ثم استطرد الحافظ -رحمه الله تعالى- في قرابة صفحتين ونصف كما ذكرت في بيان علل الحديث إذا كان هذا مختصرا من كلام البدر وهذا كلام نفيس جدًا وغاية في الأهمية، ولذلك ونحن نتكلم على المصادر = مصادر الاستخراج الأصلية قلنا هناك كتب محذوفة الأسانيد في كتب المتأخرين أو في كتب المعاصرين إلا أنها مهمة جدًا في الاستخراج.
لماذا؟
لأنها تُعنى بنقل كلام أهل العلم على الروايات وهي أسباب الصحة والضعف أو أسباب التعليل وهذا كلام نفيس جدًا بل غاية في النفاسة يرحل المرء من أجل تحصيله.(1/8)
فمثل التلخيص الحبير ونصب الراية وإرواء الغليل للشيخ الألباني –رحمه الله- وغيرها من الكتب كتبٌ مهمة جدًا؛ لِمَا تضمنته من الكلام على أسباب الصحة والضعف وعلى طرق تعليل المرويات من أين لنا من أن نتعرف على كيفية التعليل إلا بهذه الطريقة؟! فهذه مسائل كان يهتم بها العلماء والطالب يستخرجها بالمنقاش من بين السطور، فهذه مسالك تعليل يعني طريقة أهل العلم في نقد الروايات. وهذا كلام في غاية النفاسة والأهمية، ونحن لا نعتني فقط كما قلت إن الاستخراج ليس معناه .. الحافظ أشار قال إن الحديث خرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وابن الجارود، هذا استخراج يعني هذا دلالة على مواضع الأحاديث في الكتب وهذا لا يهمني لأني أستطيع الحصول عليه ببادئ النظر من أي كتاب، وإنما الأهم في ذلك كله هذا الكلام الذي بعد ذلك الكلام على أسباب الضعف من أين جاء الضعف على الرواية؟ هذا حديث معلول يبين بجواز المسح على أعلى الخف وأسفله.
فاستخراج العلة وطريقة كشفها وإن الأئمة يناقش بعضهم بعضا ويقول أحدهم: هذا الحديث لا يذكر في المغيرة، ويأتي بالكتاب فيجد –فعلاً- الكلام مُدخلا عليه وأصل الحديث أنه مرسل ولا يذكر فيه الصحابي هذا هو الكلام الذي يُسْعى إلى تعلمه وهذا هو المفقود في هذه الأزمنة.
طريقة الاستخراج ما أسهل الوقوف على أي حديث في أي مكان! بالأمس كنت أراجع تخريج مختصر الإحياء لملا علي القاري وهو "لباب الإحياء" فأحد الإخوة المخرجين وأنا أراجع وراءه يقول: قال العراقي: لم أقف عليه وقد وقفنا عليه والحمد لله.(1/9)
أنت وقفت عليه بضغطة زر على حاسب آلي لم يكن عند الحافظ العراقي حاسب آلي ولا عنده موسوعات يستخرج منها؛ لأن هذا كان معظم اجتهادهم واعتمادهم على الملكات، وعلى القدرات العلمية والمحفوظات إلى غير ذلك. هذه لا تقدم ولا تؤخر في العلم إنما هذا هو العلم = كيفية الوقوف على علة حديث واستنباط طرق التضعيف أو التصحيح أو غيره هذا هو العلم الحقيقي فيما يتعلق بحديث رسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
نرجع إلى الكتاب.
(وطريقته في تصنيف هذا الكتاب تشبه طريقة تصنيف كتابه "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" إلى حدّ كبير، وإيراد الأحاديث فيه مرتبة على ترتيب أبواب الفقه، وإليك نموذجا من تخريج بعض الأحاديث في هذا الكتاب:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: حديث علي أن العباس سأل رسول -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخّص له. أخرجه أحمد وأصحاب السنن والحاكم والدارقطني والبيهقي)
إلى هنا انتهى الاستخراج أليس كذلك؟! وهو الإحالة على مواضع الأحاديث في كتب السنة، ودونك الفهارس انظر أصحاب السنن في أي جزء وفي أي صفحة. وهذا حديث في الصدقة يعني سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته يعني قبل أن تحل يعني هذا في كتاب الزكاة معروف أن كتاب الزكاة في الترمذي في الجزء الثالث، في ابن ماجه في الأول، أبي داود في الثاني غالبا، ونحو ذلك.
فمسألة الوقوف على مكان الحديث أظن هذه المسألة صارت سهلة وميسورة، وانتهينا منها في المحاضرات الأولى. أما الذي نعنيه هو الكلام الآتي وهو الكلام على مسالك التعليل.
((1/10)
من حديث الحجاج بن دينار عن الحكم عن حجية بن عدي عن علي، ورواه الترمذي من رواية إسرائيل عن الحكم عن حجر العدوي عن علي وذكر الدراقطني الاختلاف فيه على الحكم ورجح رواية منصور عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مرسلا، وكذا رجحه أبو داود وقال البيهقي: قال الشافعي: رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه تَسَلَّفَ صدقة مال العباس قبل أن تحل ولا أدري أثبت أم لا؟! قال البيهقي: عنى بذلك هذا الحديث، ويعضده حديث أبي البختري عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين) رجاله ثقات. إلا إن فيه انقطاعا وفي بعض ألفاظه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر (إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام أول) رواه أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع)
فهذا الذي يعنينا من تنكيت الحافظ أو تلخيص الحافظ لكلام البدر المنير هو ما يتعلق بكون الحديث مرسلا أو متصلا أو يأتي بعاضد يعني بشاهد من حديث آخر يرجح به حجية الحديث الأول وكونه ثابتا أو غير ثابت ونحو ذلك من هذه الطرق وهذا هو المعنيّ بالتخريج من الدرجة الأولى يعني الكلام على الأحاديث صحة وضعفا.
هذه مجرد إشارة فقط إلى كتاب "التلخيص الحبير" وأنه كتاب نافع جدًا في تخريج الفروع الفقهية من كتب المذاهب كلها بضميمة كتاب نصب الراية إليه فإن الطالب يجمع بذلك رصيدا جيدا في كلام أهل العلم على الأحاديث صحة وضعفا.(1/11)
عندنا نوع ثالث من الكتب وهو تخريج الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- لأحاديث الأحياء فإن "إحياء علوم الدين" –كما هو معلوم- الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- لم يكن له ذاك الباع في علم حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان أكثر اشتغال الغزالي في مقتبل حياته إلى وقت متأخر من عمره بالفلسفة والكلام والجدل والفقه طبعا لأنه نظارة من كبار الأئمة الشافعية في الفقه، وله كتبه الكثيرة؛ الوسيط والوجيز وغيرها من الكتب ثم إن الغزالي -رحمه الله تعالى- اعتزل كل ذلك في آخر حياته وندم على الاشتغال بعلم الكلام وسطر في ذلك كلاما غاليا نفيسا ذكره أبو العز الحنفي في شرحه للطحاوية في إن الغزالي لما سئل عن علم الكلام؛ قال: لو سمعت هذا الكلام من حشوي أو من مشبه؛ لتعجبت فخذه من خبير به وظل يقول: إن الاشتغال بعلم الكلام لا فائدة من ورائه، وإنه -رحمه الله تعالى- ترك كل ذلك ورجع إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومات وكتاب البخاري على صدره. هذا في آخر حياة الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- فلما ألف الإحياء؛ شحن الإحياء بكثير من الأكاذيب والبواطيل والأحاديث التي لا أصل لها والموضوعات. فالكتاب مخزن للغرائب والأحاديث التي لا أصل لها والألفاظ كذلك التي لا أصل لها ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فجاء الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين -رحمه الله تعالى- الإمام العراقي المتوفى سنة 806 هجريا، فألف تخريجا موسعا جدًا لأحاديث الإحياء ثم اختصره في كتاب وسط سماه "إخبار الأحياء بأخبار الأحياء" ثم اختصر هذا الوسط في هذا التخريج اليسير الذي هو عبارة عن سطر يتكلم على الحديث في سطر؛ حديث فلان رواه عن أبي هريرة مثلاً بإسناد ضعيف أو لا أصل له أو حديث موضوع أو غير ذلك من العبارات التي سنراها الآن لا تزيد عن سطر واحد.(1/12)
أما الكتاب الوسط الذي هو "إخبار الأحياء بأخبار الإحياء"؛ ففُقِد وغير موجود، وأما الكتاب الكبير فقد ضمنه شارح الإحياء الذي هو "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" للإمام الزَّبيدي وكان عنده النسخة الأصلية وفرغ جل هذا الكتاب الكتاب الأصلي في شرحه على إحياء علوم الدين "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" تجد في الإتحاف إتحاف السادة المتقين كلام العراقي على الأحاديث في المصدر الأصلي الذي هو الكتاب الأصلي لتخريج الإحياء مع كلامه أيضا على شرح سنن الترمذي. نحن نعرف أن العراقي -رحمه الله تعالى- له شرح على سنن الترمذي شرح بديع لا مثيل له في شروح الترمذي وواسع الخطو في الكلام على الروايات. الترمذي -رحمه الله تعالى- حين يروي يقول وفي الباب عن فلان وفلان فالعراقي -رحمه الله تعالى- حين يخرج يقول الكلام عليه من وجوه يعني على كلام الترمذي الأول فيخرج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي في الباب الترمذي يقول: وفي الباب عن فلان وفلان فهو يخرج هذه الروايات، ثم يقول: وفي الباب غير ما ذكره الترمذي عن فلان وفلان ويسرد أحيانا عشرا أو اثني عشر نفسا من الصحابة ويخرج أحاديثهم في هذا الباب فيعتبر شرح العراقي إذا خرج جامعا لرويات الباب كله في الموضع واحد حتى إنه لا يأتي بالأحاديث الضعيفة وأحيانا يأتي بالأحاديث المنكرة ويأتي أحيانا بالأحاديث الموضوعة في هذا الباب بقصد أن يستوعب كل ما في الباب في هذا الموضع.(1/13)
فالزبيدي -رحمه الله تعالى- كان عنده شرح العراقي على الترمذي وكان عنده التخريج الأصلي للإحياء التخريج الكبير فضمنه في شرحه فكتاب إتحاف السادة المتقين وإن كان كتابا مغفولا عنه لا يتلفت إليه كثير من الطلبة إلا أن فيه هذه الدرر. عنده التخريج الأصلي للإحياء وعنده كلام العراقي على شروح الأحكام. طبعا لم يفرغ كل شروح الترمذي؛ لأن شرح الترمذي شرح فقهيّ ما يتعلق بالأبواب الموجودة في الإحياء من الترمذي وضعها في هذا الكتاب فاختصر الحافظ العراقي لما رأى أن التخريج طويل اختصر هذا كله في كلام يسير فترى مثلاً الأحاديث الواردة في الإحياء فيقول مثلاً حديث كذا أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمرو وأبو منصور الديلمي من حديث أبي رافع بسند ضعيف. لو فتحنا أي موضع في الإحياء وتقرأ في الأصل وهو يتكلم تجد في الهامش تحت كلام في سطر واحد يقول مثلاً حديث وجوب صدقة الفطر على كل مسلم: أخرجاه يعني الشيخين من حديث ابن عمر قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان.." الحديث.
يليه هذا كله في سطر (أدوا زكاة الفطر عما تمونون -يعني ممن تلزمكم مؤنتهم-) أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر (أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) قال البيهقي: إسناده غير قوي وهكذا.
فالعراقي -رحمه الله تعالى- اختصر تخريجه الوسط وهو "إخبار الأحياء بأخبار الإحياء" فوضعه في هامش إحياء علوم الدين من باب تبصير الناس بحقيقة ما في الإحياء من أخبار. فهذا الكتاب إحياء علوم الدين والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية تعتبر أيضا كتب مساعدة في الاستخراج على موضوع الاستخراج عن طريق موضوع الحديث.(1/14)
نحن قلنا في الاستخراج عن طريق موضوع الحديث هناك مصادر مساعدة منها المصنفات التي شملت كل أبواب الدين مثل المستخرجات والمستدركات والمجاميع والجوامع والزوائد ومصنفات شملت معظم أبواب الدين لم تشمله كله وإنما معظمه مثل السنن والموطآت والمصنفات وكتب مصنفة في موضوعات خاصة؛ كالأجزاء الحديثية، وكتب الفضائل، والترغيب والترهيب والأحكام رجعنا إلى أول الكتاب فأخذنا التلخيص وأخذنا نصب الراية والإحياء ثم نرجع إلى موضعنا من الكتاب مرة أخرى لنرى بقية المصادر المساعدة في الاستخراج وهي الموضوعات الخاصة وكتب الفنون الأخرى وشروح الأحاديث والتعليق عليها في صفحة 125 من كتاب الطحان.
("المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار": هذا الكتاب خرج فيه مؤلفه الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806 للهجرة الأحاديث التي في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي المتوفى سنة 505 للهجرة وقد طبع هذا التخريج بذيل كتاب إحياء علوم الدين وهو تخريج نفيس مفيد جدًا، يدل على رسوخ قدم العراقي في علوم الحديث وطول باعه فيه، وطريقته في التخريج أنه إن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما؛ اكتفى بعزوه إليه، وإذا لم يكن في الصحيحين أو أحدهما؛ ذكر من أخرجه من بقية أصحاب الكتب الستة، وإذا كان في أحد الكتب الستة؛ لم يعزه إلى غيرها إلا لغرض مفيد كأن يكون من أخرجه ممن التزم الصحة في كتابه أو كان لفظه أقرب إلى لفظه الذي في الإحياء، وإذا لم يكن الحديث في أحد الكتب الستة؛ ذكر مواضعه في غيرها من كتب الحديث المشهورة الكثيرة، وإذا تكرر الحديث في الإحياء فإن تكرر في باب واحد؛ ذكر تخريجه أول مرة غالبا. وقد يكرر تخريجه لغرض أو لذهول عن كونه تقدم تخريجه، وإن كان التكرار في باب آخر؛ خرجه في جميع المواضع ونبه على أنه تقدم وربما ذهل عن التنبيه.(1/15)
وطريقته في عرض التخريج أنه يذكر طرف الحديث الذي في الإحياء وصحابيه ومخرجه ثم يبين صحته أو حسنه أو ضعفه، وإذا لم يكن للحديث أصل في كتب السنة؛ بين ذلك بقوله: لا أصل له وأحيانا يقول: لا أعرفه؛ أي لا يعرفه حديثا في كتب السنة في حدود اطلاعه وهذا دقة منه في التعبير -رحمه الله-.
ثم إن هذا التخريج المطبوع هو التخريج المختصر من التخريج الكبير الموسع وقد أشار العراقيُّ إلى ذلك في مقدمته فقال: وبعد فلما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث إحياء علوم الدين في سنة إحدى وخمسين)
يعني وسبعمائة يعني العراقي مات سنة 806 فهو انتهى من الكلام على التخريج سنة 751. واستطرادا فإن شيخنا فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم كانت رسالة الدكتوراه له في شخصية الحافظ العراقي، وطبعت هذه الرسالة في خمس مجلدات لم تكتمل إلى الآن بقي المجلد الأخير الذي فيه منهج العراقي -رحمه الله تعالى- في شرح سنن الترمذي.
(تعذر الوقوف على بعض أحاديثه فأخّرت تبْيضه إلى سنة ستين فظفرتُ بكثير مما غرب عني علمه، ثم شرعت في تبيضه في مصنف متوسط حجمه، وأنا مع ذلك متباطئ في إكماله غير متعرض لتركه وإهماله إلى أن ظفرت بأكثر ما كنت لم أقف عليه وتكرر السؤال من جماعة في إكماله وأجبت وبادرت إليه، ولكني اختصرته في غاية الاختصار؛ ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار، فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة.)
يعني إن تطريق الحديث يعني ذكر طرق الحديث والكلام على الرواة بالتفصيل الشديد أمر لا يحتاج إليه الباحث عن معرفة صحة الحديث أو ضعفه بدلا من التطويل في ذكر الطرق هو يقول إن الحديث خرجه فلان عن فلان من الصحابة وهو حديث صحيح أو حسن أو ضعيف بعبارة مختصرة تفي بالمقصود ولا تخل بالمقصد من التصحيح والتضعيف.
((1/16)
وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسئول!)
أصول يعني من أصول كتب السنة ليس المقصود أصول الفقه.
(وهذا التخريج ضروريّ ومهم جدًا؛ لأن كتاب إحياء علوم الدين يشتمل على كثير من الأحاديث الضعيفة والواهية بل والموضوعة فتولى هذا التخريج بيانها وميز صحيحها من سقيمها بشكل مختصر وبعبارة سهلة واضحة؛ فجزى الله الحافظ العراقيّ وبقية علماء المسلمين الذين خدموا السنة النبوية بتصنيفاتهم النافعة أفضل الجزاء! وإليك نموذجا من هذا التخريج:
قال العراقي -رحمه الله تعالى-: حديث: (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه)، أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف وقد رواه بدون الاستثناء أبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي سعيد وصححه أبو داود وغيره)
يعني يكتفي بإيراد طرف الحديث والكلام على من أخرجه والكلام فإذا كان هناك لفظ آخر؛ فيبينه ويتكلم أيضا على تصحيحه وعلى تضعيفه فرحم الله تعالى الحافظ العراقي رحمة واسعة!. نرجع إلى تكميل الاستخراج عن طريق معرفة موضوع الحديث ونحن كنا تركنا في أول الشرح في ثاني محاضرة من محاضرات التخريج كنا نؤجل الكلام على التلخيص الحبير وعلى نصب الراية وعلى المغني عن حمل الأسفار إلى وقتها فكان هو وقتها فنرجع إلى تكميل الكلام في صفحة 125.
(سادسا: كتب الفنون الأخرى)
يقصد مثلاً كتب التفاسير المسندة، وكتب التاريخ، تفسير الطبري مثلاً، وهو ليس كتاب في الحديث تفسير الطبري كتاب في التفسير، والطبري -رحمه الله تعالى- يورد الأحاديث والآثار بإسناده، الطبري متقدم وتوفي سنة 310هـ -رحمه الله-، وله كتاب التاريخ أيضا يحكي الأحداث بأسانيده فمثل هذا الجهد الضخم من الرواية لا يضيع على طالب العلم.(1/17)
هناك أيضا تفسير ابن أبي حاتم كتاب تفسير ليس كتاب رواية ليس كتاب حديث، تفسير الصنعاني، تفسير سفيان الثوري هذه التفاسير المسندة لأئمة متقدمين في القرن الثاني والثالث والرابع مثل هذه التفاسير أو كتب التواريخ لا تغفل ولا يهمل ما فيها من كم هائل من الروايات. الطبري فيه عشرة آلاف إسناد تفسير الطبري فهذه فنون أخرى غير الحديث وفيها خدمة جيدة للتخريج قد لا تجد الأثر أو قد لا تجد الحديث إلا في هذا الكتاب بعينه فمثل هذا أيضا من الكتب لا ينبغي إهمالها عند طالب الحديث والأثر.
(كتب الفنون الأخرى: وأقصد بكتب الفنون الأخرى الكتب المصنفة في الأصل في غير الحديث النبوي؛ ككتب التفسير والفقه التاريخ وغيرها التي صنفت في موضوعاتها لكن أوردَتْ كثيرًا من الأحاديث النبوية بين ثناياها حَسَبَ مقتضيات المقام. لكن الذي يعنينا من هذه المصنفات التي تورد الأحاديث نوعان فقط وهما:
أولا: المصنفات التي تروي الحديث بالسند أصالة لا أخذا من كتاب آخر.
ثانيا: المصنفات التي تورد الحديث مجردا عن السند ثم تذكر من أخرجه من أصحاب الكتب الحديثية.
أما التي تورد الحديث بدون سند ولا تذكر من أخرجه؛ فلا تفيدنا في هذا الباب. والكتب التي يتوفر فيها أحد الشرطين السابقين كثيرة والحمد لله في سائر العلوم والفنون الشرعية والعربية؛ فمنها: تفسير الطبري المسمى "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" لأبي جعفر بن محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 للهجرة، تفسير ابن كثير)
ابن كثير لا يورد الأحاديث وإنما يقول: وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند؛ فقال حدثنا جرير حدثنا منصور فيورد إسناد الإمام أحمد فهذا نافع في بابه وإن كان ليس كمثل الكتاب الأصلي الذي يورد الحديث بسنده هو؛ كالطبري أو عبد الرزاق الصنعاني أو سفيان أو غيره.
(تفسير ابن كثير لأبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ، "الدر المنثور في تفسير الكتاب العزيز بالمأثور")(1/18)
والسيوطيّ أيضا في الدر المنثور شأنه شأن الحافظ ابن كثير في كتابه التفسير يذكر الحديث ويذكر من أخرجه ويوجد لكتاب الدر المنثور للسيوطي أصله كتاب مسند لا يزال مخطوطا فلو توفر هذا؛ لصار شيئا.. يعني لو طبع أو حصلنا عليه؛ لصار شيئا جيدا؛ لأن السيوطي واسع جدًا في النقل في "الدر المنثور" وينقل عن كتب مفقودة كتفسير ابن مردويه وغيره من الكتب.
("المجموع في شرح المهذب" في الفقه الشافعي للنووي، "المغني" في الفقه الحنبلي لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 620 هـ )
أولى من ذلك طبعا من المغني والمجموع كتب ابن المنذر في "الأوسط" و"الإجماع" وغيره من كتبه كتب فقهية ولكنه يسوق ذلك بالأسانيد وابن المنذر عال فهذا أولى من التمثيل بالمغنى لابن قدامة والمجموع للنووي وإن كان فيهما استيعاب وكلام على الروايات نقل على من أخرج الحديث من أصحاب الكتب لكن ابن المنذر يسوق بالأسانيد فيمثل به أيضا.
(تاريخ الطبري لأبي جعفر الطبري المذكور.
سابعا: كتب التخريج)
كتب التخريج هذه ذكرنا منها التلخيص الحبير ونصب الراية والإحياء فنكتفي بها وننتقل إلى الشروح الحديثية.
(ثامنا: الشروح الحديثية والتعليقات عليها.)
الشروح الحديثية يأتي مثلاً الحافظ بن حجر -رحمه الله تعالى- له جهود مشكورة في الكلام على الأحاديث التي يريدها في الشرح يعني هو يشرح حديث البخاري وأثناء ذلك يأتي بروايات كثيرة يدعم بها أو يوضح أو يذكر ويتكلم على هذه الأحاديث صحة وضعفا فمثل هذه الجهود الموجودة في كتب الشروح أيضا مما لا ينبغي إغفاله في الاستخراج والكلام على الأحاديث صحة وضعفا.
(هناك شروح لبعض الكتب العلمية اعتنى مصنفوها الذين لهم معرفة وعناية بالحديث بإيراد الأحاديث الكثيرة مع بيان مخارجها في تلك الشروح لذا تعتبر تلك الشروح مصدرا خصبا من مصادر التخريج، وهي كثيرة فمنها:
"فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني.(1/19)
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لقاضي القضاة أبي محمد محمود أحمد العيني المتوفى سنة 855 هـ.
"شرح الإحياء" لأبي الفيض محمد مرتضى الزبيدي.
"فتح القدير شرح الهداية" في فقه الحنفية لكمال الدين محمد عبد الواحد الشهير ابن الهمام المتوفى سنة 861 هـ.
هذا وإن التعليقات التي يضعها بعض العلماء الذين لهم عناية بالحديث وعلومه في هذا العصر أثناء تحقيقهم لبعض الكتب المشتملة على أحاديث غير معروفة المخرج يمكن الاستفادة منها لمعرفة مخارج تلك الأحاديث ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال:
الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- وأخوه الشيخ محمود شاكر، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمهم الله جميعا وغيرهم جزى الله الكل أفضل جزاء وأجزل مثوبتهم!)
يعتبر بهذا الكلام على الشروح الحديثية والتعليق عليها انتهينا من الطريقة الرابعة من طرق الاستخراج وهو الاستخراج عن طريق موضوع الحديث. والطريقة الخامسة ما هي إلا تطبيق عملي لما سبق من الطرق الأربعة، وهي تحتاج إلى اطلاع واسع من الطالب وفهم وذوق بمعنى إن يقول التخريج عن طريق النظر في حال الحديث متنا وسندا فأنا يأتيني مثلاً متن حديث يبدو عليه على هذا المتن مظلم يعني ليس من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالذي يتبادر إلى ذهني أن هذا الكلام أجده في الكتب الموضوعة، فأذهب مطلقا إلى الموضوعات لابن الجوزي، أو غيره من الكتب المصنفة في هذا الباب فأجد الحديث الذي لم أقتنع أن مثل هذا لا يقوله الرسول -صلى الله عليه وسلم- وله أمارات منها ركاكة اللفظ ركاكة المعنى استحالة أن يقول هذا الكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى غير ذلك فينقدح في قلب الطالب أن هذا الكلام موضوع، فيرجع إلى كتب الموضوعات.(1/20)
كذلك إذا كان الحديث سأنظر إلى إسناده يعني أنا نظرت في الإسناد فوجدته يقول قال مسلم -رحمه الله- حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده قال حدثنا قتيبة عن أبي الخير اليزني عن عقبة بن عامر فهذا حديث من أوله مسلسل برواية الآباء عن الأبناء أو الحديث في الآخر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أو الفضل بن العباس عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى غير ذلك فهذه صفة في الإسناد، وأن الحديث مروي من رواية الرجل عن أبيه عن جده فهناك كتب مصنفة في هذا النوع؛ في من روى عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وكتاب "الوشي المعلم لمن روى عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-" لقاسم بن قطلوبغا الحنفي فهذه صفة في السند وقبل ذلك كانت صفة في المتن وهي نكارة المتن وإنه حديث موضوع.
أحيانا تكون هناك صفة جامعة بين الإسناد والمتن كأن يكون مثلاً في الإسناد رواة مبهمون أو في المتن قصة لراو مبهم لم يذكر باسمه فأيضا هناك كتب مصنفة في هذا الموضوع فيرجع إليها، فيستفيد الطالب من موضع الحديث.
والشاهد أن التخريج بهذه الطريقة تعتمد على الملكة وعلى الحسِّ والذوق الحديثيّ إن الطالب إلى أين يذهب هل يذهب إلى كتب مصنفة في الموضوعات، كتب مصنفة في رواية الرجل عن أبيه عن جده، كتب مصنفة في الحديث المسلسل كأن يكون مسلسلا بالأولية، مسلسلا بالابتسامة، مسلسلا بأخذ اليد، أو حديث يبدو عليه أنه لا هو في الموضوعات ولا هو في الصحاح في كتب العلل فيرجع إلى علل الدارقطني أو غير ذلك من طرق الكشف عن الأحاديث فنقرأ هذا الموضوع الذي يعتبر آخر طريقة من طرق الاستخراج.
(الطريقة الخامسة: التخريج عن طريق النظر في حال الحديث متنا وسندا.(1/21)
المقصود بهذه الطريقة؛ أي إمعان النظر في أحوال الحديث وصفاته التي تكون في متن ذلك الحديث أو سنده ثم البحث عن مخرج ذلك الحديث عن طريق معرفة تلك الحالة أو الصفة في المصنفات التي أفرضت لجمع الأحاديث التي فيها تلك الصفة في المتن أو السند.
والأمثلة على ذلك كثيرة نجتزئ ببعضها؛ ليقاس عليها غيرها، وأبدأ بالصفات أو الأحوال التي في المتن ثم التي في السند ثم التي فيها جميعا.
أولا: المتن:
إذا ظهرت على متن الحديث أمارات الوضع وذلك إما لركاكة ألفاظه، أو فساد معناه، أو مخالفته لصريح القرآن أو.. إلخ. فأقرب طريق لمعرفة مخرجه هو النظر في كتب الموضوعات فغالبا ما تجده مع تخريجه الكلام عليه وبيان واضعه.)
ترى مثلاً ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه اليسير كتاب "المنار المنيف في بيان الموضوع والضعيف" يقول مثلاً: كل أحاديث العقل واهية أن الله تعالى لما خلق العقل قال له أقبل، فقال: بك عرفت ونحو ذلك، فيقول: كل أحاديث العقل ضعيفة، الأحاديث بقى الواردة في الباذنجان، والعدس وبعض الأشياء إن العدس قدس على لسان سبعين نبيا، والباذنجان لما أكل له، وهذا الشر المستطير الذي يملأ الكتب فيقول ابن القيم كل الأحاديث الواردة في المأكولات والمشروبات فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما جاء لمثل هذا وإنما جاء بالهداية. فكل ما يتعرض بهذا والهريسة تشد الظهر والكلام هذا كله في الموضوعات.
مثلاً الأحاديث الوارد فيها ذكر الحميراء ذكر عائشة يا حميراء أو نحو ذلك فيقول هذا كله ضعيف فابن القيم -رحمه الله- وضع جملة من القواعد التي يستبين بها الطالب وضع الحديث وإن لم يكن اطلع على سنده أو كلام أهل العلم عليه بالجملة أشياء بالجملة.
(ثم إن كتب الموضوعات منها ما هو مرتب على الحروف ومنها ما هو مرتب على الأبواب وهي كثيرة فمن الكتب المرتبة على الحروف:(1/22)
"المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" وهو المسمى "الموضوعات الصغرى" للشيخ علي القاري الهروي المتوفى سنة 1014 هـ.
ومن الكتب المرتبة على الأبواب كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" تأليف أبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى سنة 963 هـ.
ثانيا: إذا كان من الأحاديث القدسية.)
أنا مثلاً وأنا أقرأ فوجدت يقول الله تعالى: عبدي كذا كذا إذا كان الكلام من الله -عز وجل- فمعنى أنه حديث قدسي فأرجع تلقائيا إلى الأحاديث القدسية فأعرف مصدر الحديث.
(إذا كان من الأحاديث القدسية فأقرب مصدر للبحث عنه هو الكتب التي أفردت لجمع الأحاديث القدسية فإنها تذكر الحديث وتذكر من أخرجه.
ثانيا: السند:
إذا كان في السند لطيفة من لطائف الإسناد مثل أن يوجد أب يروي الحديث عن ابنه فأقرب مصدر لتخريجه هو الكتب التي أفردت لجمع الأحاديث التي فيها رواية الآباء عن الأبناء مثل كتاب "رواية الآباء عن الأبناء" لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 63)
روى للعباس بن المطلب عن ابنه الفضل حديث (لبيك حقاً حقاً تعبدا ورقا) فهذا منقبة للفضل أن أباه يروي عنه وهذا موجود كثير وألف فيه الخطيب، الخطيب -رحمه الله تعالى- ما ترك بابا من أبواب المصطلح إلا وصنف فيه كتابا مستقلا.
(ثانيا: أو يكون الإسناد مسلسلا فيستعان بالكتب التي جمعت الأحاديث المسلسلة مثل كتاب المسلسلات الكبرى للسيوطي وقد جمع فيه خمسا وثمانين حديثا ومثل كتاب المناهج السلسلة في الأحاديث المسلسلة لمحمد بن عبد الباقي الأيوبي المتوفى سنة 1364هـ، وقد جمع فيه اثني عشر ومائتين حديث.
ثالثا: أو يكون الإسناد مرسلا فيستعان بكتب المراسيل التي جمعت كثيرًا منها.)(1/23)
ذكرنا قبل ذلك كتب المراسيل منها كتاب أبي داود، وكتاب ابن أبي حاتم، ننظر إلى النقطة الثالثة المتن والسند معا. إذن الصفة إما الصفة في المتن كأن يكون الحديث مثلاً من الموضوعات أو من الأحاديث القدسية أو صفة في السند كأن يكون الحديث مسلسلا أو من رواية الآباء عن الأبناء، أو الابن عن أبيه عن جده وكتاب الوشي المعلم الذي مثلنا به أو تكون صفة في السند والمتن معا كعلل ابن أبي حاتم.
(المتن والسند معا:
هناك صفات وأحوال تكون أحيانا في المتن وأحيانا السند وذلك كالعلة والإبهام فالأحاديث التي يوجد فيها شيء من هذا يبحث عنها في كتب أفردها العلماء للكلام عليها فمن هذه الكتب: علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي وهو كتاب مرتب على الأبواب يذكر تحت كل باب الأحاديث المعلولة ويبين علتها بشكل جيد.
الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة للخطيب البغدادي وموضوعه إيراد الأحاديث التي تشتمل متونها على أسماء مبهمة ثم بيان الاسم المبهم بإيراد الحديث من طريق آخر فيه ذكر اسم هذا المبهم صريحا.)
يأتي مثلاً يعلى بن مُنَي يقول آجرت رجلا في حج فعضني فبدر ثنيتي فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال (يقضم أحدكم يد أخيه كما يقضمها الفحل لا دية لك) تأتي. ... تقول الرجل الذي آجره يعلى بن منية كذا هو فلان بن فلان ونحو ذلك فالمبهم في رواية يأتي مبينا في رواية و أشمل كتاب في هذا كتاب الولي العراقي أحمد بن عبد الرحيم هو "المستفاد في مبهمات المتن والإسناد" وحققه الدكتور الفاضل عبد الرحمن البر في ثلاثة مجلدات في مطبوعات دار الوفاة.
("المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" لأبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 826 هـ وهو مرتب على الأبواب الفقهية وهو من أجمع الكتب في هذا الباب وأنفعه)(1/24)
انتهينا من مادة التخريج يعتبر الحمد لله رب العالمين الشيخ عبد الرحمن كان مسرعا جدًا يريد أن يقضي على التخريج في محاضرة اليوم. فإن شاء الله تعالى موعدنا بعد العيد في الكلام على دراسة الأسانيد ونسأله الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا إلى تقديم شيء مثمر بإذن الله تعالى.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: عرف المصطلحات الآتية السنن المصنفات الموطآت الأجزاء الحديثية.
وكانت الإجابة:، السنن: هي الكتب التي رتبها مؤلفوها على الأبواب الفقهية واشتملت على الأحاديث المرفوعة فقط، ولا يذكر أصحابها المراسيل إلا على وجه بيان العلة وورود الموقوف والمقطوع فيها قليل جدا، المصنفات هي كتب رتبها مؤلفوها على أبواب الفقه أيضا لكنها تختلف عن السنن في أنها اشتملت على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة وقد أضافوا إلى الأحاديث المرفوعة كلام الصحابة والتابعين والمصنفات هي أكبر وعاء لأقوال الصحابة.
الموطآت هي كتب رتبها مؤلفوها على الأبواب الفقهية أيضا وهي تشتمل على الأحاديث المرفوعة المقطوعة وقد اشتملت على البلاغات وآراء المصنف.
الأجزاء الحديثية:
تنقسم إلى قسمين:
الأول: كتاب جمع فيه مؤلفه مرويات موضوع معين كما فعل البخاري في جزء القراءة خلف الإمام وجزء رفع اليدين وغيرها، وكذلك في مصنفات ابن أبي الدنيا.
الثاني: كتاب جمع مرويات شيخ من الشيوخ كمسند علي بن الجعد المشهور بالجعديات ومسند الطيالسي ويمتاز بأنه وعاء لمرويات شعبة بن الحجاج
طيب لأن التمثيل بأبي زياد الطيالسي ليس في بابه أبو داود مسنِد يوضع في كتب المسانيد ليس في كتب الأجزاء الحديثية.
والسؤال الثاني: عرف بالمصطلحات الآية وبين كيف تخرج الحديث منها؟
نصب الراية، تلخيص الحديث(1/25)
نصب الراية هو الإمام الحافظ جمال الدين الزيلعي الحنفي خرج فيه أحاديث كتاب الهداية للعلامة علي بن أبي بكر المرغيناني يخرج الحديث ويبين موضعه في كتب السنة، ويذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل في إسناد الحديث.
يذكر نص الحديث الذي أورده صاحب كتاب الهداية ثم يذكر من خرجه من أصحاب كتب الحديث مستقصيا في ذلك ثم يذكر الأحاديث التي تشهد لمعنى ذلك الحديث ويخرج من أخرجها أيضا ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الباب وإن كانت المسألة خلافية يذكر الأحاديث التي استشهد بها العلماء والأئمة المخالفون لما ذهب إليه الأحناف، ويرمز لهذه الأحاديث بأحاديث الخصوم ويذكر من أخرجها أيضا.
تلخيص الحبير هو تلخيص لكتاب البدر المنير لابن الملقن قام بتلخيصه الحافظ ابن حجر العسقلاني وقد حوى هذا الكتاب جل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع وهو مصدر من مصادر التخريج لأحاديث الأحكام التي يستدل بها الفقهاء يورد الحديث ثم يذكر من أخرجه من أصحاب السنن مع ذكر أسانيد الحديث
هناك ملحوظة أتت لفضيلتكم من التوجيه بالمدينة في السعودية تقول تحدثت وفضيلة الشيخ في أحد الدروس السابقة عن كتاب فوائد المنتقى لزوائد البيهقي لمؤلفه البوصيري -رحمه الله تعالى- الجميع وذكرتم أنه لا يوجد تحقيق لهذا الكتاب حتى الآن أحببت فقط إفادتكم أن الكتاب الآن قيد التحقيق وقد انتهى توزيعه بين الطلبة في رسائل علمية في قسم الحديث وعلومه في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وقد انتهى بعضهم من التحقيق في السنوات الأخيرة نسأل الله أن يسير إتمامه وطباعته!
أسئلة المحاضرة:
السؤال الأول:
اشرح التخريج عن طريق النظر في المتن.
السؤال الثاني:
اشرح طريقة التخريج عن طريق النظر في الإسناد.
السؤال الثالث:
اشرح طريقة التخريج عن طريق النظر في الإسناد والمتن معا.(1/26)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس السابع عشر
دراسة الأسانيد
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهينا في المحاضرات السابقة من الكلام على طرق الاستخراج الخمسة، وكان قد بقي لنا بعض التتمات التي لم يُسعفنا الوقت في استدراكها، وهي التخريج عن طريق استخدام الحاسب الآلي لكن لعل هذا في وقت لاحق -إن شاء الله تعالى-.
ولضيق الوقت سنبدأ في أول هذه الحلقات في الكلام على دراسة الأسانيد، الأسانيد باعتبارها المكملة والمتممة لهذا الطرح. فدراسة الأسانيد لا أقول: لا تَقِلُّ قيمةً بل هي العامود الفقري أو الأساس في الحكم على الحديث فإنك أيها الطالب بعد أن تستخرج الحديث من مواطنه من الكتب الأصلية؛ فإنك ترجع إلى الكتاب الأصلي وتسجل في مدونتك في كراستك في الكروت التي تعمل فيها تسجل أسانيد هذه الأحاديث بمتونها.
أنت استخرجت يعني جمعت من الموارد الحديث الذي تريد البحث فيه فبعد أن وضعت الحديث أمامك كل حديث من الكتاب بطريق مستقل قد يشتركون في بعض الطرق وقد لا يشتركون، لكن أمامك حديث مخرج من خمسة كتب أو عشرة كتب أو تقل أو تكثر؛ فما هي المرحلة التالية بعد أن استخرجت الحديث من الكتاب الأصلي؟
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما؛ فإنه محكوم بصحته عند عامة أهل العلم، وإذا كان الحديث المخرج من صحيح ابن خزيمة أو من صحيح ابن حبان؛ فإنهم شرطوا الصحة فلا يخرجون إلا الصحيح مع تفاوت في مقدار هذه الصحة قلةً وكثرةً. والترمذي -رحمه الله تعالى- لا يترك حديثا في الغالب إلا ويُعقب عليه بحكم؛ صحةً أو حسنًا أو ضعفًا أو تعارضًا في الوصل والإرسال أو الرفع والوقف إلى غير ذلك مما تراه في كل صفحة من صفحات سنن الترمذي.(1/1)
فمن هذه الكتب تستطيع أن تحكم على الحديث: الصحيحان، صحيح ابن حبان، صحيح ابن خزيمة، مستدرك الحاكم، سنن الترمذي. لكن إذا كان الحديث في غير هذه الكتب ولم يصرح الإمام المصنف صاحب الكتاب بمنهج مسند أحمد مثلاً تستخرج منه وأنت لا تدري هذا الحديث صحيح أم ضعيف أنت لا تدري تخرج الحديث من سنن أبي داود تخرج الحديث من سنن النسائي من مسند أبي يعلى. ما درجة هذا الحديث من حيث الاحتجاج ومن حيث العمل؟ فلن تستطيع الوصول إلى الحكم على الحديث إلا بدراسة إسناده وهذا الذي نريد أن نلقي عليه الضوء الآن كيف أستطيع الوصول إلى الحكم على الإسناد الذي هو طريق مُوصِل إلى المتن؟ الطريق الموصل إلى المتن هو الإسناد هذا الإسناد لا بد له من حكم وهذا الإسناد مركب على الحدِّ الأدنى جدًا ثلاثة رواة في الثُّلاثيات وهذا نادر وقليل، ثلاثة عشر حديثا في البخاري كله، الرباعيات كثيرة خماسيات يعني عدد رواة الإسناد الموصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يكون خمسة رجال بالصَّحابي أو خمسة غير الصحابي يقل أو يكثر.
هؤلاء الرواة مُدَوَّنون في مُصنفات أهل العلمِ كُلّ راوٍ في كتب السنة الأصلية إلى عصر التدوين القرن الثالث لا يوجد راوٍ إلا وله حكاية وكلام أهل العلم عليه؛ هل هو مقبول أم مردود؟ صحيحٌ حديثُه أم ضعيف؟ اعتراضات الأئمة عليه قد يكون ثقة وعنده بعض الأخطاء يُبَيِّنُون هذه الأخطاء. فلا يوجد رجل من رجال هذا الإسناد إلا وللعلماء عليه كلام وسيرته مدونة في أكثر من كتاب من كتب الرجال التي سنتعرض عليها في محاضرتنا.(1/2)
ولذلك كان هذا العلم وهو علم الأسانيد منقبةً ومفخرةً عظيمةً وشرفًا عظيمًا لهذه الأمة؛ لأن أنبياء الأمم السابقة حصل انفصالٌ تاريخيٌّ بين الأنبياءِ وبين أتباعهم فتجد بين عيسى -عليه السلام- وبين الروايات التي تُحكى مئات السنين. أما نحن بفضل الله -سبحانه وتعالى- من مفخرة هذا الأمة وهذه يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء كلمة المستشرق اليهودي المجري "مارجليوث": "ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم".
وكان للسلف من التابعين لَمَّا وقعت الفتن وحصلت المعارك في "صفين" و"الجمل" وغير ذلك من الفتن وظهرت البدع تطل بقرونها على الأمة من تشيع وخوارج ونواصب وغير ذلك؛ قالوا: "سموا لنا رجالكم" فلا يقبلون من أحد قولا إلا بتسمية عمن يروي، و"لولا الإسناد؛ لقال من شاء ما شاء". إنما مَنْ يروي حديثا أو ينقل خبرا يقول له: عَمَّنْ سمعت؟ فإن قال: عن فلان؛ يُنْظَرُ هل بينه وبين فلان إمكانية لقاء أم لا يمكن أن يلتقيا؟ وإن لم يذكر إسنادا؛ فكلامه مطروح لا يقبل. ولذلك كان هذا العلم = علم الإسناد هو الذي حفظ على الأمة دينها؛ لأنه لا يمكن حفظ السنة إلا من خلال حفظ الأسانيد، ولا يمكن فهم القرآن إلا بالسنة. فهذا هو الأصل العظيم الذي مَنَّ الله –تعالى- به على هذه الأمة، ولما كثر الكذابون في زمن ابن المبارك؛ قيل له هذه الأحاديث الموضوعة؟! قال: "تعيش لها الجهابذة"، ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر: 9].
فمِنْ مِنَّةِ الله على هذه الأمة بقاءُ هذا العلم يُدَرَّسُ ويُتَلَقَّى ويجب أن تَتَضَافَر الجهود وتُشْحَذُ الهممُ لإشاعة هذا العلم الشريف بين عوامِّ الأمة لا أقول بين خواصها؛ لأنه من أعظم أسباب حفظ الدين ومن أعظم حفظ الروايات علم الأسانيد.(1/3)
الكتاب هنا ذكر تمهيدا في بيان المقصود من دراسة الأسانيد هذا الكلام الذي ذكرته وأن الحديث ينقسم إلى سند وإلى متن. السند هو: الطريق الموصل، والمتن هو: كلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-. وعرف المتن لغةً واصطلاحًا، وهذا كلام نظريٌّ تقرؤونه ثم ما يحتاج إليه من علم الجرح والتعديل وتراجم الرواة سنتكلم على الراوي. هذا الراوي ما هي الضوابط لقبول روايته؟ هذا الراوي الذي نريد أن ندرس سيرته، وأن نتعرف على موطنه من الصحة والضعف أو القوة أو غير ذلك ما هي الضوابط والأصول التي سنتعملها في الحكم على الرواة؟ وكيف نعرف عدالة الراوي؟ كيف نعرف ضبطها؟ بما تثبت العدالة؟ بما يثبت الضبط؟ هل يقدم الجرح على التعديل أم يُقدم التعديل على الجرح؟ هل يُكتفى بقول واحد في الجرح والتعديل أم لا يكتفى بقول واحد كما في الشهادة لا بد من اشتراط اثنين في الشهادة؟
هذا الذي نريد أن نقرأه اليوم ثم نأخذ مراتب الجرح والتعديل وهذه تُعتبر مقدماتٍ لدراسة الأسانيد تكون في ذهن الطالب كقواعدَ أساسية نستصحبها عند الحكم على الرواة فنقرأ هذه المقدمة.
نأخذ شروط قبول الراوي في صفحة 140.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
- شروط قبول الراوي:
أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يُشترط فيمن يحتج بروايته شرطان أساسيان: هما:
أولا: العدالة.
ويعنون بها أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق سليما من خوارم المروءة.
ثانيا: الضبط.
ويعنون به أن يكون الراوي غير سيء الحفظ ولا فاحش الغلط ولا مخالفا للثقات ولا كثير الأوهام ولا مغفلا.)
هذان السطران من الممكن أن نقضي فيهما حلقة اليوم. لكن أنا أعرف ضيق الوقت والكلام الباقي كثير؛ فنشير مجرد إشارة سريعة؛ لأن هذه أصول للتعامل مع الرواة الموجودين في الكتب.
الراوي لكي يُقبل حديثه لا بد أن يكون عدلا ضابطا. ما هي العدالة؟(1/4)
العدالة: هي ملكة تعين صاحبها على فعل المأمورات واجتناب المنهيَّات واجتناب خوارم المروءة. لكي يكون الراوي عدلا لا بد أن يكون فاعلا للمأمورات مجتنبا للمنهيات سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
تقول لي: أتريد راويا معصوما من الخطإ؟!
أقول: لا، ولكنَّ الميزانَ عند أهلِ العلمِ من غلبت حسناته على سيئاته ولا يكون مُصِرًّا على ذنب. فمن غلبت حسناته على سيئاته؛ فهو المقبول فالراوي يُشْتَرَطُ فيه أن يكون عدلا عدلا؛ أي مسلما. بالغا في الأداء وليس في التَحَمُّلِ؛ لأنه يجوز تحمل الصغير كما قلت قبل ذلك إن ابن داسة سمع سنن أبي داود وعنده خمس سنوات، والسيوطي أبوه أحضره مجلس الحافظ ابن حجر وله ثلاث سنوات، والراجح في قول أهل العلم أنه يصح تحمل الصغير؛ ابن خمس سنوات يتحمل.
واستدلوا على ذلك بحديث محمود بن الربيع؛ قال: "عقلت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً مَجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو". فيشترط في الراوي الإسلامُ والبلوغُ. والبلوغ للأداء؛ أي لا يؤدي إلا إذا بلغ. أما التحمل؛ فيجوز إذا تحمل الصغير مسلما بالغا عاقلا وهذا أساسٌ لضبط المرويات. سالما من أسباب الفسق وخورام المروءة.
أسباب الفسق كثيرة لا تنحصر، كُلُّ ما يفسق وتُطرح به شهادة المرء؛ فهذا من باب أولى أن لا تقبل روايته. تنخرم العدالة بعدة أشياء يعني الأسباب التي بسببها لا يكون الراوي عدلا أنه يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون كذابا، أو يكون متهما بالكذب، قالوا: يكذب في حديث الناس وإن لم يكذب في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-. يكون كذابا متهما بالكذب.
مبتدعا: على تفصيل بين أهل العلم في حال البدعة هل هي مكفرة أم غير مكفرة؟ وهل هو داعية إلى البدعة أم لا؟
إذن الكذب، والتهمة بالكذب، والبدعة والفسق والجهالة.
الجهالة ما معناها؟
أي أن الراوي لا يروي عنه إلا واحد؛ فهذه جهالة عين، وهذه مسألة سنعرفها الآن.(1/5)
إذن تنخرم عدالة الراوي بواحد من خمسة أشياء: أن يكون كذابا أو متهما بالكذب أو فاسقا أو مجهولا أو مبتدعا. واضح هذا الكلام؟
إذن عرفنا العدالة؛ تعريفها ومعناها: أن الراوي يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق، وخوارم المروءة.
وقلنا: تطرح عدالة الراوي بارتكاب واحد من خمسة أشياء مع تفاوت في هذه الخوارم = خوارم العدالة؛ لأن مثلاً من كان مجهولا ليس كمن يكذب، ومن كان مثلاً مبتدعا في بدعة هو غير داعية لها ليس كمن يُتَّهم بالكذب في حديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أو ثبت كذبه في كلام الناس هذا فيما يتعلق بالعدالة والكلام في ذلك يطول جدًا.
أما الضبط؛ فيكون الراوي –كما قال هنا- غير سيئِ الحفظ ولا فاحش الغلط ولا مخالفًا للثقات ولا كثير الأوهام ولا مغفلا.
فباختصار نكتب بيانا:
هذا الضبط وهم يقولون: الضبط ضبطان: ضبط صدر، وضبط كتاب.
صدر: أي يحفظ بحيث إذا طُلب منه الأداء؛ يكون حاضرا. هذا ضبط الصدر.
ضبط الكتاب: أن يكون معتمدا على كتابه في الرواية فيصون كتابه من أن يدخل فيه ما ليس منه. ويستحضر كتابه ويفتحه وكان مالك -رحمه الله تعالى- لا يروي إلا من الكتاب، وكان الطلبة يقرؤون عليه ويعرضون عليه الموطأ . هذا فيما يتعلق بالضبط.
الراوي إذا كان تامَّ الضبط؛ فهذا حديثه حديثٌ صحيح. وإذا كان الراوي خفيف الضبط؛ أي وسطا في ضبطه، خفيف الضبط؛ فهذا حديثه حديث حسن، ويعبر عنه بالحديث الحسن.
ما هي أسباب انعدام الضبط؟
ما الذي يجعل الراوي غيرَ ضابطٍ؟
هي خمسة أسباب:
1- فحش الغلط؛ أي كثير الغلط.
2- سوء الحفظ.
3- الوهم.
4- الغفلة.
5- المخالفة للثقات.
نأتي على المخالفة للثقات ينشأ عنها من أسباب الضعف خمسة أشياء؛ أي ما الذي يجعل الراوي يُحكم عليه بأنه مخالف للثقات؟
1- إما التصحيف والتحريف.
2- المزيد في متصل الأسانيد.
3- المدرج.
4- المضطرب.
5- المقلوب.(1/6)
يعني ينشأ من كون الراوي مخالفا للثقات خمسة أنواع من أنواع الأحاديث الضعيفة، وهي الأحاديث المصحفة والمحرفة وفيها كتب مصنفة أحسنها كتاب أبي أحمد العسكري، والمزيد في متصل الأسانيد، وللخطيب البغدادي فيها كتاب والمدرج وله فيها أيضا كتاب في مجلدين اسمه "الفصل للوصل المدرج في النقل" للخطيب البغدادي، والمضطرب وله أيضا فيه كتاب للحافظ ابن حجر. والمقلوب هذه أنواع الأحاديث الضعيفة التي تنشأ من مخالفة الراوي للثقات.
فأنا يُشترط عندي في الراوي أن يكون فيه وصفان أساسيان لقبول روايته: أن يكون عدلا، وأن يكون ضابطا.
عدل؛ أي مسلم بالغ عاقل سالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
والضبط؛ أي أن لا يكون فاحش الغلط أو سيء الحفظ، وأن لا يكون عنده وهم أو غفلة، وأن لا يكون مخالفا للثقات.
هذه إشارة سريعة وإن كان الكلام في ذلك مما يطول جدًا. لكن مجرد تصوير عام للمسألة.
(بم تثبت العدالة؟
تثبت العدالة بأحد أمرين:
الأول: إما بتنصيص مُعَدِّلَيْن عليها..)؛ أي الأئمة الذين يعدلون اسم فاعل.
(أي أن ينص علماءُ الجرحِ والتعديلِ أو أحدهم عليها في كتب الجرح والتعديل.
ثانيا: أو بالاستفاضة والشهرة؛ أي باستفاضة عدالة الرواة واشتهارهم بالصدق واستقامة الأمر، ونباهة الذكر؛ مثل: مالك بن أنس، والسُّفْيَانَيْن، والأوزاعي، والليث بن سعد.. وغيرهم. فهؤلاء وأمثالهم لا يُحتاج تعديلُهم إلى سؤال أئمة الجرح والتعديل عنهم.)
إذن عندنا الراوي لكي يكون عدلا كيف نثبت عدالته؟(1/7)
قالوا: تثبت عدالة الراوي بأن يَنُصُّ اثنان من أهل هذا الشأن من أئمة الجرح والتعديل على أن هذا الراوي عدل، أو أن يكون للراوي من الشهرة والاستفاضة بين أهل العلم، والثقل ما يُغني عن السؤال عنه. لَمَّا يُسأل الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان، أو يُسأل يحيى القطان عن الإمام أحمد باعتبار أن يحيى شيخ والإمام أحمد من تلامذته أو من تلاميذ تلاميذه. فإذا سئل مثلاً عن أحمد؛ يقول: أحمد يسأل عنه؟! أبو عبيدة يسأل عنه؟! مالك يسأل عنه؟!
هؤلاء يُسألون عن الناس فيكون عند الراوي من الشهرة والاستفاضة ما يُغني عن السؤال عنهم.
إذن تثبت العدالة بتنصيص اثنيْن من أئمة الجرح والتعديل على أن هذا الراوي عدلٌ أو باستفاضة الراوي وشهرته بحيث لا يحتاج إلى السؤال عنه.
(مذهب ابن عبد البر في ثبوت العدالة:
رأيُ ابنِ عبد البر حافظِ المغرب أن كلَّ حاملِ علمٍ معروف العناية به محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه، ولا نحتاج إلى أن نسأل عن عدالته، واحتج بحديث: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)، وقوله هذا غير مَرْضيٍّ عند العلماء؛ لأن الحديث لم يصحَّ، وعلى فرض صحته فيكون معناه ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، بدليل أنه يوجد من يحمل هذا العلم وهو غير عدل لا سيما في هذه الأزمان.)
يقول: هذا مذهب تفرد به الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن كل واحد حامل علم معروف العناية به؛ فهو عدل والعلماء، والعلماء لم يرتضوا هذا منه.
قال العراقي -رحمه الله تعالى- في الألفية: "
ولابن عبد البر كل من عنى بحمله العلم ولم يوهن
فإنه عدل بقول المصطفى يحمل هذا العلم لكن خولف"
يعني كل واحد منسوب للعلم حامل له معروف العناية به؛ فهو عدل بدليل هذا الحديث، لكن الحديث ضعيف وجماهير أهل العلم على خلاف هذا القول.
إذن استقر عندنا أنه تثبت عدالة الراوي بواحد من أمرين:(1/8)
أنه ينص اثنان من أئمة الجرح والتعديل على عدالته. أو يكون لديه من رصيد الثقة عند طلبة العلم ما يُغني عن السؤال عنه.
(كيف يُعرف ضبط الراوي؟
يعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات المتقنين في الرواية. فإن وافقهم في روايته؛ فهو ضابط، ولا تضر مخالفته النادرة لهم. فإذا كثرت مخالفته لهم؛ اختل ضبطه، ولم يُحتجَّ به.)
كيف أعرف ضبط الراوي؟
ما هو الطريق المميز لأقول هذا ضابط وهذا غير ضابط هذا يخطئ كثيرًا وهذا يخطئ قليلا أو هذا لا يخطئ أو هذا فاحش الغلط أو واهم أو غير ذلك من أسباب انعدام الضبط؟
يؤتى على هذا الراوي، وننظر في مروياته له كم رواية؟ سبعمائة رواية، خمسمائة رواية، مائة رواية، يؤخذ عيناتٌ من مرويات هذا الراوي وتعرض على مرويات الثقات؛ لأن هذا الذي رواه غيره من الثقات رواه، فنأتي على مرويات هذا الراوي وتعرض على مرويات غيره من الكبار، فإن وافق الكبار في روايتهم؛ فهو حافظ، وإن خالفهم؛ يُنظر في مقدار المخالفة؛ هل هذه المخالفة مما يُتغاضى عنه؟ لأن الثقات مراتب. الطالب قد يأتي مثلاً في الامتحان في آخر العام بمائة درجة من مائة؛ فهذا في الدرجة العليا من الضبط والإتقان. ماذا لو أتى بتسعين في المائة؟ هذا تقديره امتياز أيضا. الذي تقديره مائة من مائة امتياز والذي تقديره تسعين من مائة امتياز.
لكن هل بينهما قدر من التفاوت أم ليس بينهما قدر من التفاوت والذي حصل على تسعين من مائة مقبول أم غير مقبول؟
هذا مقبول.
فالثقات يتفاوتون، فتعرض مرويات الراوي على مرويات الثقات، فإن وافقتها؛ فهو حافظ، وإن لم توافقها؛ يُنظر في مقدار الموافقة والمخالفة: إن كثرت المخالفة؛ فإذن هذا غير ضابط.(1/9)
والمخالفة القليلة مما يُحتمل للراوي. وعندنا إلى النصف يعني إذا كان الراوي يحفظ إلى خمسين في المائة إلى أقل من خمسين بقليل ينجح بدرجات الرأفة. فهذا مما يقبل من الراوي مع تفاوت أيضا في درجات القبول: قد يكون مقبول الرواية، وقد يكون صدوقا؛ أي وسطا، وقد يكون ثقة، وقد يكون ثقة ثَبْتًا كما سنعرف من المراتب الجرح والتعديل.
(هل يقبل الجرح والتعديل من غير بيان الأسباب؟
أما التعديل؛ فيقبل من غير بيان سببه على المذهب الصحيح المشهور؛ لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها؛ إذ يحتاج المعدل أن يقول مثلاً: لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، أو يقول: هو يفعل كذا ويفعل كذا، فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جدًا.
وأما الجرح؛ فلا يُقبل إلا مفسرا مُبَيَّنَ السببِ؛ لأنه لا يصعب ذكر سببه، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح. فقد يُجرِح أحدُهم بما ليس بجارح.)
قيل لشعبة: لم تركت حديث فلان؟
قال: رأيته يركض على برذون.
البرذون هو جيد الخيل. فالبرذون يعتبر من أرقاها وأقواها، فيركض الفرس إذا مشى؛ رقص به. فهل ركوب البرذون الذي يركض أو الذي يرقص وهو يمشي أو يتبختر في مشيته سبب من أسباب جرح الراوي؟!
هذا ليس بسبب من أسباب جرح الراوي.
أو يقال مثلاً لناقض: لم تركت حديث فلان؟!
قال: مررت ببيته فسمعت صوت طنبور؛ أي أحد آلات الموسيقى.
قد يكون من بيت الجيران، قد يكون الفاعل له مثلاً ليس في بيته.
فلا بد أن لا يقبل جرح الجارح في الراوي إلا مُفَسَّرًا. وأما التعديل؛ فيقبل التعديل مجملا؛ لأنه محتاج إلى أن يقول: هو يصلي الصلوات الخمس في جماعة، وهو يزكي ماله، وهو يحج عند القدرة، وهو حافظ للسانه، محافظ على عورات جيرانه ونحو ذلك. فيظل يذكر أسباب العدالة ويقول هو ليس بكاذب، ليس بغشاش فيذكر أسباب نفي العدالة، وهذا مما يطول فقالوا: يُكتفى في ذكر العدالة على وجه الإجمال لكن لا يُقبل الجرحُ إلا مفسرا.
لماذا؟(1/10)
لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح؛ فما تراه أنت جارحا هو ليس بجارح عندي. فالناس يختلفون في هذا، ولكن عندهم ضوابط عامة. هناك أسباب عامة للجرح متفق عليها بين أهل العلم؛ فلذلك قالوا: يقبل التعديل بدون ذكر أسبابه، وأما الجرح؛ فلا بد من بيان ذكر السبب.
(قال ابن الصلاح: وهذا ظاهر مُقَرَّرٌ في الفقه وأصوله، وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده؛ مثل: البخاري ومسلم وغيرهما، ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم؛ كعكرمة مولى ابن عباس -رضي الله عنهما-، وكإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق وغيرهم، واحتجَّ مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم، وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دالٌّ على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه. )
هذا الكلام كلام عام مجمل، ووضع طريقة البخاري في انتقاء بجوار طريقة مسلم بينهما بون شاسع فالبخاري -رحمه الله تعالى- وإن خَرَّج لعكرمة مولى ابن عباس ولإسماعيل بن أبي أويس وعاصم وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن ثبت الجرح فيهم؛ فالبخاري -رحمه الله تعالى- ينتقي من صحيح مروياتهم كما بينا قبل ذلك، وأما سويد؛ فسويد لا يُنتقى من مروياته؛ لأن سويدا ضعيف عند الجمهور، وابن معين شديد الرأي فيه؛ قال: كذاب، لو كان لي فرس ورمح؛ لغزوته.(1/11)
ولكن لما عاب أبو حاتم الرازي على مسلم إخراجَ حديثِ سويد بن سعيد وجماعة في مثل درجته؛ احتج مسلم بشيء مقبول، وهو أن هذه الأحاديث التي رواها عن سويد بن سعيد وغيره هي عنده لكن بنزول؛ أي هي ثبتت صحتها من طريق إثبات الثقات عند مسلم، وإنما خرجها من حديث سويد؛ لأن الإسناد = إسناد سويد عالٍ. فالحديث ثابت عنده من طريق رواة آخرين نازلين؛ أي عدد رواة الإسناد للنبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر؛ فاحتُمِلَ لمسلم هذا الكلامُ. أما البخاري -رحمه الله-؛ فمن خرج لهم وإن كان فيهم كلام لبعض أهل العلم لكن البخاري -رحمه الله تعالى- ينتقي من صحيح مروياتهم ولا يخرج لهم في الأحكام؛ كفليح بن سليمان وغيره من الرواة. فهذا الكلام وإن كان فيه بعض الإجمال الذي يحتاج إلى تفصيل.
(هل يثبت الجرح والتعديل بقولِ واحدٍ؟)
أي لا يوجد في الراوي إلا كلام واحد فقط من أهل العلم؛ فهل نثبت جرحه أو تعديله بكلام هذا الواحد أم لا بد من اشتراط جماعة؟!
(الصحيح أنه يثبت الجرح بقول واحد من أهل الجرح والتعديل ولو كان عبدا أو امرأة، وقيل: لا بد من اثنين؛ كالشهادة، وهذا القول ضعيف غير معتمد.)
قال العراقي:
"وصحح اكتفاءهم بالواحد جرحا وتعديلا خلاف الشهيد"
أي صحح اعتماد أهل العلم قبولَ الواحد في الجر والتعديل خلافا للقول في الشهادة؛ لأن الشهادة تختلف عن الرواية من أوجه كثيرة جدًا ولا يتسع الوقت لذكر بعضها. لكن أهل العلم متفقون على أنه يقبل قول الواحد في جرح الراوي أو في تعديله إذا كان من المعتمدين في هذا الشأن.
(اجتماع الجرح والتعديل في راوٍ واحد:
إذا اجتمع في راو واحد الجرح والتعديل؛ فالمعتمد أنه يُقدَّم الجرحُ على التعديل إذا كان الجرح مفسرا، وإن كان الجرح مبهما غير مفسر؛ قُدِّمَ التعديلُ.)(1/12)
معنى هذا الكلام أني تعارض عندي في راوٍ الجرح والتعديل، واحد يُعدل والآخر يُجرح، وهذا ستراه خاصة في الرواة المختلف فيهم ستجد هذا المعنى كثيرًا جدًا. فمثلا قال فلان: قال: فلانٌ عدل ثقة، وجاء ابن معين فقال: كذاب. نقول إذا كان الجرح مفسر فنقبل كلام الجارح. لماذا؟
لأنه اطلع على ما عند المعدل وعنده زيادة علم، يقول: نعم أنا أعرف أنك تُعدله من أجل كذا وكذا لكني اطلعت على ما لم تطلع أنت عليه من أسباب الجرح وهي كذا وكذا.
فمن أجل ذلك يقدمون الجرح المفسر على التعديل. أما إذا كان الجرح مبهما؛ فنقول: هذه أعراض، وأعراض المسلمين حفرة من نار وقف على شفيرها الحكامُ والمحدثون. هذه أعراض؛ فلا ينبغي أن يقال في راوٍ: إنه غير مقبول إلا ببينة واضحة حتى إذا ما لقي الله يوم الدين؛ يقول: نعم، إنه مجروح بسبب كذا وكذا.
(وقيل: إن زاد عدد المعدلين على الجارحين؛ قدم التعديل لكن هذا القول غير معتمد)
يعني ليست كفة ميزان بمعنى إذا كان المعدلون عشرة والمجرحون اثنين؛ فنقبل كلام العشرة على الاثنين. لا، هذا العلم لا يمشي بهذا الشكل بل قد ينفرد الإمام الواحد بجرح راوٍ، وعند التحقيق يكون كلامه هو المقدَّم.
لماذا؟
لأنه يعرف، والأئمة هم المعول عليهم في الجرح والتعديل. فليس كل من تكلم -كما سنعرف بعد ذلك عند ذكر الكتب المعتمد عليها في هذا الباب- ليس من كل من تكلم في الرواة كلامه مقبول، ولكن هناك عماليق وهناك أئمة إليهم المرجعُ في الكلام على الرواة؛ كشعبة ويحيى القطان وابن مهدي والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة والبخاري ومسلم والإمام أحمد وابن معين. هؤلاء هم كبار هذا الشأن الذين إليهم المرجع في تحقيق القول في الرواة.
(ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما:(1/13)
لقد قسم أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل" كلا من ألفاظ الجرح والتعديل إلى أربع مراتب، وبين حكم كل مرتبة منها، ثم زاد الذهبي وبعده العراقي مرتبة على مراتب التعديل هي أعلى من المرتبة الأولى عند ابن أبي حاتم، وهي ما كرر فيه لفظ التوفيق؛ مثل: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، أو: ثقة حجة، ثم زاد الحافظ ابن حجر العسقلاني مرتبة أعلى من المرتبة التي زادها الحافظان الذهبي والعراقي وهي صيغة التفضيل؛ مثل: أوثق الناس، أو: أثبت الناس. فصارت مراتب التعديل ستًا. وكذلك زاد العلماء على ابن أبي حاتم في مراتب الجرح مرتبتين أخريين فصارت مراتب الجرح ستا أيضا، وإليك ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما وحكمهما فيما يلي: ..)
طيب أنا أستأذن تملي أكتب وأنت تقرأ لنختصر الوقت.
(مراتب ألفاظ التعديل:
أولا: ما دَلَّ على المبالغة في التوثيق، أو كان على وزن "أفعل"، وهي أرفع المراتب؛ مثل: فلان إليه المنتهى في التَثَبُّتِ، أو: لا أعرف له نظيرا في الدنيا.)
طبعا هذه ألفاظ إنما تقال في حق نفر قليل جدًا من أهل العلم الكبار؛ أمثال: الإمام أحمد ومالك وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري والزهري وغيرهم من هؤلاء الأعلام الكبار يقال: المنتهى في التثبت، لا أعرف له في الدنيا نظير أو نحو ذلك.
(أو: فلان أثبت الناس، أو: أوثق الخلق ونحو ذلك)
نأخذ المرتبة الثانية:
(ثم ما تأكد بصفة أو صفتين من صفات التوثيق؛ مثل: مادة ثقة بصفة أو صفتين من صفات التوثيق)
هذه زادها العراقي والحافظ الزهبي، فابن أبي حاتم كان أتى بمراتب أربع وهي: الثقة والصدوق ونحو ذلك كما سنرى الآن. العراقي زاد ما تأكد بصفة أو صفتين والحافظ ابن حجر زاد الصفة التي تدل المبالغة في التفضيل. إذن تأكدنا بصفة أو صفتين؛ كـ: ثقة، أو: ثقة ثقة.
( أو: ثقة ثبت)
(أو: ثبت حجة، أو: ثقة مأمون)
((1/14)
ثالثا: ما دل على التوثيق من غير تأكيد؛ كقولهم: ثقة أو حجة أو ثبت أو كأنه مصحف أو عدل ضابط.
رابعا: ثم ما دل على التعديل من دون إشعار بالضبط؛ مثل: صدوق)
دون إشعار بالضبط؛ أي الضبط الكامل. نحن قلنا قبل ذلك: إن الراوي إذا خف ضبطه؛ صار وسطا أي صدوقا أي يكون حديثه حسنا. فيقال: إذا كان ما دل على التوثيق من غير تأكيد يقال فيه ثقة؛ فهذا يقال فيه: إنه صدوق. صدوق أقل.
(أو محله الصدق، أو لا بأس به عند غير ابن معين.)
على أساس أن "لا بأس به" عند ابن معين تساوي الثقة عند غيرهم.
(ثم ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح؛ مثل: فلان شيخ، أو روى عنه الناس أو وسط أو شيخ وسط)
أخونا الشيخ مصطفى إسماعيل له كتاب اسمه "شفاء العليل في ألفاظ الجرح والتعديل" من أجمع وأقوى الكتب التي تكلمت على ألفاظ الجرح والتعديل؛ الألفاظ المشهورة أو الألفاظ المهملة عند أهل العلم أو النادرة في استخداماتها.
(ما أشعر بالقرب من التجريح؛ مثل: فلان صالح الحديث، أو يكتب حديثه، أو يعتبر به، أو يقارب الحديث، أو صالح)
فصار عندنا في مراتب التعديل كم مرتبة؟
ست مراتب:
1- ما دل على المبالغة في التوثيق: التي يكون فيها صيغة أفعل.
2- تكرار لفظ التوثيق.
3- ثقة.
4- الصدوق.
5- ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح؛ مثل: شيخ وروى عنه الناس.
6- ما أشعر بالقرب من التجريح.
هذه مراتب التعديل، والمرتبة الأولى والثانية لا كلام في قبول مروياتهم، وكذلك الثالثة التي هي: دل على التوثيق من غير تأكيد فهؤلاء أحاديثهم مقبولة باستمرار مع النظر في بعض المواقف؛ لأن الثقة قد يخطئ، والكاذب قد يصدق أحيانا. فهذه مسألة لها كلام كثير ذكره ابن رجب -رحمه الله تعالى- في "شرح العلل".(1/15)
أما هنا من أول هنا تبدأ تحذر وتعيد النظر، وتنظر في القرائن، وتجمع كلام أهل العلم؛ لأن من المرتبة الرابعة وأنت نازل هذا محل اجتهادات أهل العلم، ومحل نظر عند أهل العلم في الكلام على الرواة.
بعد ذلك تأتي مراتب الجرح مراتب التجريح هذا التعديل وهذا التجريح، هم بدؤوا من أعلى إلى أنزل؛ أي كلما نزلت كلما نزلت معك درجة الراوي في التوثيق. أليس كذلك؟!
سنكمل في الجرح يعني لن نأتي في الجرح من أعلى إلى أنزل مثل التعديل، ولكن نأخذ من أقرب درجة إلى أقل درجات التعديل أقل درجات التعديل نبدأ في أقل درجات الضعف، فنقول مثلاً: أقل درجة بعد هذه ..
(ما دل على التليين)
مثل؟
(فلان لين الحديث، أو فيه مقال، أو في حديثه ضعف أو ليس.. )
لين الحديث، فيه مقال.. نعم،
(أو في حديثه ضعف)
في حديثه ضعف؛ أي ليس كل حديثه ضعيفا. لكن في حديثه ضعف بينهما فرق في حديثه ضعف. فصار عندنا الكلام هنا: لين الحديث، وفيه مقال، وفي حديثه ضعف قريب من هذا الكلام: يعتبر به، صالح، يكتب حديثه، يلي ذلك من المراتب بعد التليين وسنعتبر هذه أول مرتبة من مراتب الجرح الثانية.
(ثانيا: ما صُرح بعدم الاحتجاج به مثل: فلان لا يحتج به، أو ضعيف، أو له مناكير، أو واهن، أو ضعفه )
هذه المرتبة الأولى والثانية من مراتب الجرح التي تعتبر من مراتب الجرح التي تعتبر أقرب شيء من أقل مراتب التعديل هي التي ينظر فيها أهل العلم للاعتبار، وما وراء ذلك من المراتب التي هي ثلاثة وأربعة وخمسة وستة هذه لا ينظر فيها ولا تراعى؛ مثل: الثالث؟
(الثالث: ما صرح بعدم كتابة حديثه؛ مثل: فلان لا يكتب حديثه، أو لا تحل الرواية عنه)
طيب إذا كان الراوي لا يكتب حديثه، ولا تحل الرواية عنه؛ فماذا نفعل به؟!
(أو ضعيف جدً)
الرابع؟
(الرابع: ما دل على اتهامه بالكذب أو نحوه )
دخلنا في دائرة المحظور الشديد. ما دل على اتهامه..
(بالكذب أو نحوه؛ مثل: فلان متهم بالكذب)(1/16)
لا يُنظر في حديث من كان بهذه الدرجة ولا التي قبلها لا تحل الرواية عنه، ولا يكتب حديثه هذا مطروح والمتهم بالكذب أشد طرحا، وبعد هذا الكذاب، وبعد هذا أكذب الناس.
هناك صيغة التفضيل "أفعل" هنا في الجرح في أشد مراتب الجرح "أفعل" تفضيل، هنا ثقة إذن هنا كذاب، وهكذا.
إذن عندنا ثلاث مراتب لا كلام في قبولها بالنسبة للتعديل، هذا كله مقبول لكن مع نظر أي لا بد من اعتبار القرائن، وجمع كلام أهل العلم؛ لأن ليس كل من قيل فيه صدوق سيقبل حديثه باطراد، ولكن هذا كلام مما يُتراجع وينظر فيه أهل العلم.
هذا وهذا في الاعتبار ينظر في حديثهم وكذلك هذا الأول والثاني من مراتب الجرح وهذه الأربعة لا تقبل بمرة. إذن عندنا مراتب التعديل ست، ومراتب الجرح ست. بدأنا من أعلى إلى أنزل، وبدأنا في الجرح من أنزل إلى أعلى، يعني هي مثل الخط البياني من أعلى إلى أنزل ثم صعدت مرة أخرى من أنزل إلى أعلى في بيان جرح الرواة.
(أما المراتب الثلاث الأولى؛ فيحتج بأهلها وإن كان بعضهم أقوى من بعض، وأما المرتبتان والرابعة والخامسة؛ فلا يحتج بأهلهما ولكن)
هذا في التعديل؟
نعم هذا في التعديل
(ولكن يكتب حديثهم)
مرة أخرى.
(أما المراتب الثلاث الأولى فيحتج بأهلها وإن كان بعضهم أقوى من بعض)
كما قلت إن الطالب حاصل على امتياز في المادة أو في التقدير العام وآخر حصل على جيد جدًا وثالث حصل على جيد كل هذا مقبول أم غير مقبول؟ هذا كله مقبول ولكن مع تفاوت، الكل ناجح لكن هناك تفاوت في درجات النجاح.
(وأما المرتبتان الرابعة والخامسة؛ فلا يحتج بأهلهما ولكن يكتب حديثهما ويختبر وإن كان أهل المرتبة الخامسة دون أهل المرتبة الرابعة)
اقرأ الهامش -الله يحفظك!-.
حاضر
((1/17)
أي: يختبر ضبطهم بعرض حديثهم على أحاديث الثقات المتقنين، فإن وافقهم؛ احتج بحديثهم، وإلا؛ فلا. وبناءً على هذا؛ فإن من قيل فيه صدوق؛ فإنه لا يحتج بحديثه قبل الاختبار، وقد وهم من قال: إن من قيل فيه صدوق؛ فحديثه حسن؛ لأن الحديث الحسن من نوع المحتج به وعلى ذلك أئمة الجرح والتعديل وحفاظ الحديث انظر في هذا "تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.)
على أية حال؛ علم الرواية ليس هو كالقواعد الرياضية بمعنى القاعدة الرياضية إذا كان كذا يساوي كذا، هذا ليس عندنا، وإنما حتى أحاديث الثقات قد يكون الراوي ثقة وحديثه في هذه الجزئية بالذات غير مقبول؛ ما الذي جعله غير مقبول؟!
القرائن، كلام أهل العلم، يعني أهل العلم لهم نظر، الإمام أحمد حين يتكلم مثلاً على حديث من الأحاديث يقول: لا يجيء حديث فلان عن فلان مثلاً: ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر في حديث الاستخارة لا يجيء هذه كلمة فاصلة من إمام يعرف ما يخرج من رأسه لا يتكلم بها.
فعلم الحديث ليس قواعد رياضية بمعنى إن الثقة حديثه صحيح، والصدوق حديثه حسن وهذا للأسف الشديد الحاصل في الدراسات الأكاديمية؛ أن الطالب يقول: أليس كل رواة الإسناد ثقات؟! إذن الإسناد صحيح.
أليسوا كلهم مثلاً صدوقين؟!
إذن الإسناد حسن، أو فيه راوٍ صدوق؛ إذن الإسناد حسن. ليس كذلك.
قد يكون الراوي صدوقا والحديث مطروح، وقد يكون ثقة وأيضا فيه كلام؛ لكون الراوي ثقة تَحَمَّل عن شيخه الثقة بعد الاختلاط أو لم يلقَ؛ أي فيه انقطاع وغير ذلك فأقصد في هذا التنبيه أن علم الحديث ليس قواعد رياضية وإنما كل حديث يحكم فيه بالقرائن.
(وأما أهل المرتبة السادسة؛ فلا يحتج بأهلها ولكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط دون الاختبار، وذلك؛ لظهور أمرهم في عدم الضبط)
((1/18)
أما بالنسبة لمراتب ألفاظ الجرح؛ فحكم هذه المراتب. أما أهل المرتبتين الأولى والثانية؛ فإنه لا يحتج بحدثهم طبعا لكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط، وإن كان أهل المرتبة الثانية دون أهل المرتبة الأولى، وأما أهل المراتب الأربع الأخيرة؛ أي الثالث والرابعة والخامسة والسادسة؛ فلا يحتج بحديثهم ولا يكتب ولا يعتبر به؛ لأنه لا يصلح أن يتقوى أو يقوي غيره)
فهذا فيما يتعلق بمسألة المراتب والكلام عليها.
نرى الإجابات.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: اشرح التخريج عن طريق النظر في متن الحديث؟
وكانت الإجابة:
النظر في حال المتن ويشمل:
أ - إذا ظهر على متن الحديث أمارات الوضع؛ فيرجع إلى الكتب المؤلفة في ذلك مع دراسة كل واحد منها بالتفصيل:
أولا: "الأباطيل والمناكير" للحافظ أبي عبد الله الحسين الجوزجاني.
ثانيا: كتاب "معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بالقيصراني.
ثالثا: "الموضوعات" لابن الجوزي.
رابعا: "الموضوعات" لأبي الفضائل الحسن بن محمد الصاغاني.
خامسا: "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن القيم.
سادسا: "اللالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي.
سابعا: "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني.
ثامنا: "الموضوعات الصغرى" لعلي القارئ الهروي.
ثانيا: أن يشتهر الحديث على الألسن؛ فيرجع لكتاب "المقاصد الحسنة" للسخاوي و"كشف الخفاء للعجلوني".
ثالثا: أن يكون للحديث سبب فيرجع إلى كتاب "اللمع في أسباب ورود الحديث" للسيوطي، "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" لإبراهيم بن محمد الشهير بابن حمزة الحسيني الحنفي.
انتهت إجابة السؤال الأول
السؤال الثاني: اشرح التخريج عن طريق النظر في الإسناد.
النظر في حالة السند ويشتمل على:
أ - أن يكون في السند لطيفة من لطائف الإسناد مثل:
أولا: كتاب "من روى عن أبيه عن جده".(1/19)
ثانيا: أن يكون السند مسلسلا فيرجع لكتاب "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة" لمحمد بن عبد الباقي الأيوبي.
ثانيا أن يكون الإسناد فيه إرسال فيرجع إلى كتب المراسيل: "المراسيل" لأبي داود، "المراسيل" لابن أبي حاتم، "جامع التحصيل".
هذه إجابة السؤال الثاني.
السؤال الثالث: اشرح التخريج عن طريق النظر في الاثنين معا.
وكانت الإجابة: النظر في حال المتن والسند معا:
أ - أن يكون الحديث فيه علة فيرجع إلى كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم "علل الحديث" للإمام الدارقطني، "العلل المتناهية" لابن الجوزي.
ب - أن يكون فيه إبهام فيرجع لكتاب "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي، "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" للعراقي، "الإشارات إلى بيان أسماء المبهمات" للنووي.
ج - أن يكون الحديث متواترا فيرجع إلى كتاب "قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة" للسيوطي، "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" لأبي الفيض محمد بن أبي جعفر الكتاني. انتهت إجابة السؤال الثالث
يقول: ذكرتم يا شيخنا أن العدالة تثبت بأمرين: بتنصيص
الاستفاضة والشهرة أو التنصيص..
نعم؛ فهل يا شيخ كثرة الملازمة تفيد في تعادل الاستفاضة كثرة الملازمة إنهم ذكروا مثلاً أن شعبة لازم الأعمش عشرين عاما فإن لم يرد الأمر الثاني الاستفاضة وذكروا كثرة الملازمة؟
هي استفاضة أيضا.
تعادل الاستفاضة
الزهري مثلاً لما نظروا في تلامذته قالوا الملازمون سفيان ومالك ويونس وعقيل وخالد الآيلي وغيرهم هؤلاء لازموا الشيخ عشر سنوات في الحضر والسفر فهي تقوم مقام الاستفاضة.
يقول: شيوخ مالك قالوا كلهم ثقات؛ لأن مالكا كان ينتقي؛ فهل هذه أيضا تفيد...؟
لا، ابن أبي المخارق وغيره في رجال مالك فيهم بعض الشيء، والشافعي نفس الكلام.
يقول: التحمل حال الكفر والأداء حال الإسلام أو الإيمان هل يقبل؟(1/20)
نعم مقبول في البخاري في كتاب بدء الوحي قصة هرقل مع أبي سفيان لما نزل تجار بالشام في المدة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها مادَّ قريشا وعلم هرقل بوجود تجار من قريش وأراد أن يسأل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان هرقل كان حذاءً ينظر في النجوم وكان عنده علم ورأى أن ملك الختان قد ظهر، فأتى بالشاهد يعني من القصة أتى بجماعة تجار قريش وأوقف أبا سفيان أمامهم وقال للترجمان: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني؛ فكذبوه وقعد يسأل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن أحواله وهل قال هذا القول قط قبله؟ وهل كان من أبائهم ملك؟ إلى غير ذلك.
هذه القصة برمتها قصة طويلة فيها أكثر من عشرين سؤالا وسفيان يجيب ولم يستطع إدخال كلمة واحدة إلا الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه يعني لم يدخل إلا هذه الكلمة، وكانت الإجابة بلا أو نعم هل كنت..؟ أبوه كان ملكا؟ لا، وهكذا إلا هذه الكلمة وخرج أبو سفيان وكان هو زعيم قومه في هذه الفترة فترة ما قبل فتح مكة، فلما أسلم أدى هذا الحوار الذي دار بين أبي سفيان وبين هرقل وهو ثالث أو رابع حديث من كتاب بدء الوحي من صحيح البخاري فيجوز للراوي أن يتحمل في حال كفر ويؤدي في حال الإسلام.
تقول: شيخ على مدار الدروس أعطانا تعريفات عن شيوخ كثيرة وأئمة؛ فهل نحن مطالبون أن نحفظ مكان الميلاد وسنة الميلاد والوفاة؟(1/21)
طبعا علم الحديث هو علم ممارسة يعني هو التخريج خاصة تخريج دراسة الأسانيد علم مكتبات يعني الطالب لا بد أن يمارس وينظر ويفتح الكتاب مرة واثنتين وثلاثا ويخطئ ويصوب. إذا حصل هذا من الطالب؛ فلا يحتاج إلى مذاكرة بمعنى إن على قدر الممارسة والنظر في الكتب هذه المعلومات تلصق في الذهن فلا ينساها سواء أسماء الكتب أو أسماء مؤلفيها أو طريقة المؤلفين في عرض مناهجهم في كتبهم، وأنا كنت نصحت أثناء المحاضرات قلت: إن أي كتاب يقع في أيدي الطالب أول مهمة عند النظر في هذا الكتاب يقرأ المقدمة ويقرأ الفهرس وهذا لا يستغرق في أي كتاب أكثر من نصف ساعة ويدون المعلومات التي ينشرح صدره لها، ويستفيد منها. لسنا مطالبين في الامتحانات بحفظ التواريخ المواليد والوفيات وأسماء الرواة ونحو ذلك. لكن الحد الأدنى الكتب الأصلية التي شرحنا في الاستخراج تكون معلومة للطالب كمعلومات نظرية. أنا أعرف هذا الكم الهائل من الكتب والمناهج والوفيات والمواليد وأسماء الرواة لن يستطيع الطالب في فصل دراسي أن يحصله لكن سددوا وقاربوا، وكما قلت الذي أوصي به كثرة الممارسة لهذا العلم والنظر في الكتب والذي يحصل خيرا بإذن الله.
يقول: قال بالنسبة لشرط العالم الذي يستخرج على حديث من أحاديث شروط الاستخراج على الأحاديث ما فهمت المسألة أنا اطلعت عليها؟
هل تقصد العالم الذي يستخرج على الحديث؟
الذي يستخرج في شرط أن يكون
تقصد يستدرك
لاستخراج سند فقط شروط القبول الاستخراج يعني ما فهمت فصلوها -الله يجازيكم خيرا!-.
على أية حال بإيجاز سريع:
المستخرجات: يعني ما فعله الأئمة؛ كأبي بكر الإسماعيليّ وغيره من أهل العلم أن يستخرج الإسماعيلي على مسلم غير المستدرك، المستدرك أن يأتي الحاكم أتى بأحاديث هي على شرط الشيخين في زعم الحاكم أو شرط أحدهما أحاديث صحيحة ليست فيه.(1/22)
أما المستخرج يأتي بنفس الأحاديث التي في الكتاب من طريق شيخه هو بإسناد آخر ويتفق مع البخاري مثلاً في شيخ البخاري أو في شيخ شيخ البخاري يعني مثلاً أنا الأخ عبد الرحمن يروي عن الأخ محمد فأنا آتي ومحمد في طبقة الأخ فآتى أنا أروى نفس الحديث الذي رواه عبد الرحمن عن فلان أنا أرويه عن الأخ ونلتقي في شيخ الاثنين ألتقي أنا وعبد الرحمن في شيخ الاثنين فهذا يسمى استخراجا لنفس الحديث المروي في البخاري أو في مسلم هذا باختصار شديد وأحيلك على كتاب الشيخ حمزة بن عبد الله المليباري له بحث في الاستخراج منشور في مجلة كلية الشريعة بالكويت.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
اذكر شروط قبول الراوي. وبم تثبت عدالة الراوي؟ وبم يثبت ضبطه؟
السؤال الثاني:
اذكر مراتب الجرح والتعديل مُرتبة من أعلى إلى أسفل في التعديل ومن أسفل إلى أعلى في الجرح.(1/23)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثامن عشر
الكتب المصنفة في علم الرجال
أحمد الله تعالى، وأصلي وأسلم على خير خلقه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، الحمد لله في محاضرة الأمس تكلمنا على بداية فرع دراسة الأسانيد؛ فذكرنا جملة من قواعد الجرح والتعديل التي يحتاج إليها الطالب عند النظر في كتب الرجال للتأمل في حكم أهل العلم على هؤلاء الرواة الذين هم في سلسلة الإسناد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الشيخ ذكر هنا جملة من القواعد فذكر شروط قبول الراوي، وتكلم على -كما ذكرنا بالأمس- بم تثبت العدالة؟، وبم يثبت الضبط؟، وهل يُقبل الجرح والتعديل من غير بيان الأسباب؟، وهل يُكتفى بواحد في قبول الجرح والتعديل؟، وإذا اجتمع جرح وتعديل في رجل واحد، ثم ذكرنا ألفاظ الجرح والتعديل.(1/1)
أقول: هذه المقدمة لتقع في ثلاث أو في أربع صفحات تعتبر قدراً يسيراً جداً، وأبين هنا في هذه اللحظة مدى الارتباط الوثيق بين فروع علوم الحديث. فعلوم الحديث ليس التخريج في ناحية والأسانيد في ناحية، والقواعد الضابطة للرواية قواعد علوم الحديث قواعد المصطلح التي وضعت على أدق وأسد المناهج في مناهج البحث العلمي عامة، وعلم العلل وكلام النقاد كل هذه مسائل مرتبطة ببعضها غايةَ الارتباط، فالدارس للتخريج ودراسة الأسانيد تعلم كيف يستخرج، ثم نحن نتعلم الآن كيف ندرس حال الراوي من خلال وصف الكتب التي يُعتمد عليها في بيان حال هؤلاء الرواة. طيب إذا كان الراوي عندي كيف وأنا أقرأ كلام أهل العلم، ما هي الضوابط التي تحكم هذا الكلام؟ فلا بد معك وأنت تدرس الأسانيد أن تكون مصطحباً في ذهنك قواعد علوم الحديث، فالذي لم يدرس مسائل المصطلح، وراح وجاء عليها وسمعها وتعلمها وهضمها وعرف يميز بين القواعد التي لها علاقة قوية بالجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، وبين مسائل الرواية التي هي توصيف للأسانيد مثل الإخوة والأخوات ورواية الواحد عن أبيه عن جده، والمسلسل ونحو ذلك مما يمثل الربع الأخير من كتب المصطلح، تجد الربع الأخير من كتب المصطلح في الغالب هو عبارة عن توصيف للأسانيد، يعني مسائل لا علاقة لها بالجرح والتعديل والتضعيف والتصحيح إلا في النادر مثل باب المتفق والمفترق، والمتشابه والمؤتلف والمختلف، أما هناك جملة من الأبواب تصل إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة أو أكثر، والعلماء المتأخرون كالسيوطي زاد أشياء، والحافظ ابن حجر كان وعد بأشياء ولم يوفِّ بها؛ لأنه لم يكمل كتابه الذي هو "النكت على علوم الحديث" لابن الصلاح.(1/2)
أقول: إن الطالب لا بد أن يكون مُميزاً دارساً فاهماً عارفاً ما له علاقة بالجرح والتعديل وما هو وصف للأسانيد، هذه القواعد التي تمثل علوم الحديث والمصطلح لا بد أن يكون الطالب دارساً لها واعياً فاهماً لقضاياها حتى يستطيع أن يفهم كلام أهل العلم على الرواة، فليس مجرد صفحتين ثلاثة في قضايا الجرح والتعديل هي التي ستمكن الطالب من فهم كلام أهل العلم، لكن هذا باب واسع يحتاج الطالب إلى دراسة القواعد للجرح والتعديل بشكل دقيق مع غيره من مسائل المصطلح؛ مثل: قضايا الاتصال والانقطاع، الإرسال والتدليس، والانقطاع والإعضال، والتعليق، قضايا مثلاً ما يتعلق بالضبط كما ذكرنا بالأمس في مسائل مخالفة الثقات، قضايا متعلقة بالبدعة والجهالة وأحوال الرواة في جانب العدالة، وغير ذلك الشذوذ والعلة، وهذا باب متلاطم الأمواج = الكلام في النكارة والشذوذ والعلة بحر متلاطم الأمواج صعب جداً يعني المسألة تحتاج إلى تقعيد جيد من الطالب قبل الدخول في الممارسة العملية، فنحن من باب التسديد والمقاربة نُعرف من خلال دراستنا التي سنبدأ فيها اليوم -إن شاء الله تعالى- في بيان أنواع الكتب المؤلفة في الرجال ونقسمها إلى أنواع، سنبدأ عادة الحديث الإسناد يبدأ بالمصنف ثم شيخ المصنف إلى أن يصل إلى الصحابي ثم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأول طبقة في الإسناد من أعلى هي طبقة الصحابة، فكلامنا اليوم عن الكتب المصنفة في الصحابة وطريقة سيرها لنتعرف عليها، فنقرأ -إن شاء الله- من صفحة 148.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (وسأذكر أشهر أنواع المصنفات في علم الرجال التي تهمنا في فن التخريج، ثم أذكر من كل نوع أسماء أشهر المصنفات لا سيما المطبوع منها؛ لأنه هو الذي يمكن الاستفادة منه في التخريج بالنسبة لأكثر الباحثين، ثم أعرف بأهم هذه المصنفات وأبين قيمتها ومنهج مؤلفيها فيها بإيجاز إن شاء الله تعالى.(1/3)
أشهر أنواع المصنفات في الرجال: المصنفات في معرفة الصحابة، المصنفات في الطبقات، المصنفات في رواة الحديث عامة).
( - المصنفات في معرفة الصحابة:
لا شك أن التصنيف في معرفة تراجم الصحابة أمر مهم مفيد من نواح كثيرة، لكنَّ أهمَ هذه الفوائد هو معرفة الحديث المرسل من الحديث الموصول؛ لأن من لا يعرف الشخص الذي يُضيف الكلام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في منتهى الإسناد أهو صحابي أم تابعي لا يستطيع معرفة ذلك الحديث أهو موصول أم مرسل).
قد يقول قائل: إذا كنا متفقين على عدالة الصحابة، أن الصحابة لا يسأل عنها، الصحابة معدلون بتعديل الله -عز وجل- لهم، قال الله تعالى: ?وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ? [التوبة: 100] فهذه تزكية الله تعالى لأصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال تعالى: ?مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... ? [الفتح: 29] إلى آخر الآية، وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تُعدل أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تستثني واحداً منهم، فإذا كنا لا نسأل عن عدالتهم؛ فما الداعي لدراسة أحوالهم؟ أقصد أن يكون شرطاً في الدراسة التعرف على هؤلاء الصحب الكرام -رضي الله عنهم-.(1/4)
نقول: إن دراسة الصحابة -رضي الله عنهم- لا من أجل كونهم عدولا أو غير عدول ولكن من جهة الاتصال والانقطاع، بمعنى إذا قلنا هذا الحديث رواه التابعيُّ، وليكن كبار التابعين الذين لازموا الصحابة عمراً مديداً؛ أمثال عطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن المسيب مع أبي هريرة، وعروة بن الزبير مع خالته عائشة، كل صحابي كان له تلامذة يحملون لواء مدرسته، عبد الله بن مسعود عنده علقمة، إلى غير ذلك من المدارس العلمية التي كانت متناثرة في أرجاء الأرض بعد الفتح الإسلامي وبعد توسع الفتوح ونزول الصحابة ببلاد الشام ومصر واليمن وغير ذلك من البلدان.
فإذا كان هذه الطبقة الكبار أمثال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح وغيرهم هم الذين يروون، ما الذي يضمن لي أن هذا التابعي روى الحديث عن تابعي مثله؟ هذا وارد أم غير وارد؟
وارد أن يروي التابعي عن تابعي مثله، والتابعي الذي روى عنه يكون أيضاً قد روى عن تابعي وحصر الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- أكثر ما يوجد من رواية التابعين بعضهم عن بعض ست أنفس، ست أنفس يروون بعضهم عن بعض في حديث واحد، فلذلك قال العلماء: إن معرفة الصحابي شرط في دراسة الإسناد لماذا؟
لأن قد يكون هذا الراوي الذي هو التابعي الكبير المفترض أن يروي الحديث عن الصحابي لم يروه عن صحابي، وإنما رواه عن تابعي. طيب هذا التابعي الذي روى عنه مجهول غير مذكور عندي في الإسناد، أنا لا أعرف إذا كان عدلا أم غير عدل، يعني إذا مررنا طبقة الصحابة لا نسأل عنهم؛ فمن بعد الصحابة لا بد من السؤال.
حتى ولو كانوا تابعين؟
حتى ولو كانوا تابعين.(1/5)
طيب، نفترض أن طبقة التابعين الكبار كان الكذب فيهم قليلا، والديانة فيهم عالية؟ نعم كان الكذب فيهم قليلا، والديانة فيهم عالية، إلا أن هذه قواعد لا مجاملة فيها، فلا بد من معرفة عمَّن روى التابعي، فإذا كان روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة ولم يذكر الصحابي، هذا يسمى حديثا مرسلا، يعني الحديث منقطع ليس فيه الاتصال، وهذه علة تسقط الحديث وتضعفه؛ فلأجل ذلك اشترط أهل العلم المعرفة بالصحابي، هذا التابعي عمَّن روى من الصحابة، لو أن التابعي أبهم الصحابي.
أبهم يعني ماذا؟
قال سعيد مثلاً عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، طالما أنه قال هذه الكلمة لا يعنينا من هو الصحابي، طالما أنه عزا الحديث وأسنده إلى رجل من الصحابة مبهم؛ نقول له: لا يعنينا؛ لأن الصحابة كلهم عدول، كان الصحابي أبا ذر أو أبا هريرة أو غيره؛ فهذا لا يعنينا في الكلام.
فلذلك اشترط العلماء دراسة الصحابة ومعرفة أحوالهم وطبقاتهم؛ لأنهم موزعون طبقات؛ فيهم السابقون الأولون ومن جاء بعدهم ومن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مجرد رؤيا أو جالسه مرة أو ثبت له شرف الصحبة لكن لم يلازمه طويلاً على قول جمهور أهل العلم في اشتراط الصحبة.
(والمصنفات المفردة في تراجم الصحابة كثيرة أشهرها:
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر الأندلسي: هذا الكتاب من أَجلِّ كتب معرفة الصحابة، ويلاحظ على مؤلفه أنه كدره بإيراده كثيراً مما شجر بين الصحابة، وسماه بـ: "الاستيعاب"؛ لظنه أنه استوعب الأصحاب، مع أنه فاته شيء كثير).(1/6)
قاعدة أهل السنة في التعامل مع ما جرى بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلاف في "الجمل" وفي "صفين": أن هذه أعراض صاننا الله -عز وجل- عنها، ودماء لم نشارك فيها؛ فلا نلغ فيها بألسنتنا، وعقيدة أهل السنة السكوت عما وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- وأن لمصيبهم أجرين، ولمخطئهم أجرا، وكانوا كلهم مجتهدين يبتغون الوصول إلى الحق، فالتعرض لمثل هذا لا يستفيد الطالب منه كثيراً إلا تشويش ذهنه، وتكدر قلبه، وقد سئل ابن المبارك قيل له: معاوية أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل من ألف مثل عمر بن عبد العزيز، صلى معاوية خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي يقول: (سمع الله لمن حمده) ومعاوية يقول: ربنا ولك الحمد.
هذا المحضر وهذا المشهد الذي هو الصلاة خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والوجود معه لا يوازيه عمل على وجه الأرض فيمن جاء بعد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمما يعيب كتاب الاستيعاب أنه تعرض كثيراً لما وقع بين الصحابة من خلاف.
(وعدد تراجم الصحابة التي أوردها فيه بلغت ثلاثة آلاف وخمسمائة ترجمة، وقد رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من الاسم، لكنه لم يهتم بعد ذلك بباقي الحروف، ثم ذكر بعد الانتهاء من الأسماء من اشتهر بكنيته، ورتب الكنى على الحروف أيضاً، ثم ذكر أسماء الصحابيَّات، ثم من اشتهرت منهن بكنيته).(1/7)
هذا منهج سائد ومطرد في معظم كتب الرجال، أنهم يرتبون الكتب على حروف ألف باء فيذكر حرف الألف ثم الباء إلى آخر حرف "الياء" ثم يأتي بالكنى، من اشتهر بكنيته كأبي هريرة وغيره وأبي زر، ثم يذكر الألقاب والأنساب، ثم يبدأ بذكر النساء ومن اشتهرت منهن بكنيتها كأم سلمة -رضي الله عنها- وغيرها، ثم يختم الكتاب، فهذا منهج سائد يعني سنصطحبه في جل الكتب التي سنبحث فيها باستثناء كتب الطبقات؛ لأن الطبقات يعني الأزمنة أو التدرج الزماني، فمعظم الكتب غير كتب الطبقات والتاريخ الكبير للبخاري وبعض الكتب لها ترتيب بشكل معين، أما عامة كتب الرجال؛ فالبحث فيها إنما يعتمد على الترتيب الألفبائي فنستصحب هذا الأصل معنا طوال دراسة الأسانيد.
( الكتاب الثاني: "أسد الغابة في معرفة الصحابة" ) .
يعني هذا من باب المعرفة فقط وعامة اهتمام الباحثين عادة يعني في الرجوع إلى الكتب المستوعبة التي جمعت فأوعت، وأفضلها على وجه الإطلاق هو كتاب الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" الذي سنعرض له الآن، فنقرأ في الإصابة.
( - الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 للهجرة:
هذا الكتاب هو أجمع كتاب في أسماء الصحابة وأشمله، وقد اطلع مؤلفه على كتب من تقدمه في هذا النوع من التصنيف واستفاد منها، فهذبها ورتبها، وتجنب ما فيها من أوهام وزاد عليها زيادات رآها في بعض طرق الحديث أو المصنفات الأخرى، فجاء كتاباً حافلاً نافعاً، وقد رتبه ترتيباً دقيقاً على حروف المعجم كما فعل ابن الأثير، ورتب الأسماء ثم الكنى للرجال، ثم أسماء النساء، ثم كناهن، إلا أنه أتى بتقسيم جديد لكل حرف في الاسم أو الكنية زيادة على الترتيب على حروف المعجم فقسم كل حرف إلى أربعة أقسام وهي:
القسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان.(1/8)
القسم الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض الصحابة ممن مات -صلى الله عليه وسلم- وهو في دون سن التمييز.
القسم الثالث: فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عن زمن الحافظ ابن حجر من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا رأوه، وهؤلاء ليسوا صحابة بالاتفاق، وإنما ذكروا؛ لمقاربتهم لطبقة الصحابة.
القسم الرابع: فيمن ذُكر في الكتب المتقدمة في أسماء الصحابة على سبيل الوهم والغلط، مع بيان ذلك الوهم والغلط).
طبعاً الأئمة -رضي الله عنهم- ذكروا في كتب القواعد في كتب المصطلح الأسس أو الأشياء التي يُعرف بها الصحابي من غيره، وهذا مدون في عامة كتب المصطلح، فلهم في ذلك مذاهب؛ بعضهم يقول: إن من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤية ولو مرة واحدة وهذا قول الجمهور أنه صحابي، من رآه حال كونه مسلماً؛ فقد ثبت له شرف الصحبة، ولو جالسه برهة، أو سمع منه حديثا، أو سلم عليه، لكن تشرف بهذا الشرف العظيم ورؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حالة كونه مسلماً؛ فهو صحابي.
وبعض أهل العلم يقول: يُشترط لذلك طول الصحبة، يشترط لذلك أن يغزو معه غزوة، أن يلازمه في سفر أو يجلس معه فترة من الزمن أو غير ذلك، لكن هذا خلاف قول الجمهور.
وبعضهم اشترط العام واشترط الغزوة، وهذا منسوب لسعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى-.
إذن من هو الصحابي؟
هو من رآه -صلى الله عليه وسلم- حالة كونه مسلماً ويدخل في هذا الأعمى؛ كابن أم مكتوم فله شرف الصحبة وإن لم يره، هذه واحدة.
بم تعرف الصحبة؟(1/9)
تعرف الصحبة بالاشتهار، وهذا الأول، يعني أمثال السابقين الأولين الذين لهم شرف السبْق إلى الإسلام؛ كأبي بكر وعمر وعلي وعثمان وفاطمة وخديجة -رضي الله عنهم- هؤلاء الكبار الذين امتن الله تعالى علينا نحن لأن لهم في أعناقنا منة وجميلا لا يكافئهم عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن لولاهم ما وصل الإسلام إلينا.
فتعرف الصحبة بالاشتهار في هؤلاء القدامى المشاهير، أو بالتواتر، أن يتواتر نقل الجيل عن الجيل عن الجيل أن هذا كان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إذن تعرف بالاشتهار أو بالتواتر أو قول صاحب، يعني يقول مثلاً وطلع علينا رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه كذا، فثبتت الصحبة لهذا الراوي بقول صحابي آخر، إذن تثبت بالشهرة والاستفاضة، أو التواتر أو قول صحابي وفيه أن الصحابي يدعي ذلك، أنه لا تثبت الصحبة إلا من طريقه، أن يروي حديثا وينسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في جو الحديث وسياقه أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذه مما يختلف فيها أهل العلم.
لماذا؟
لأنه سيكون فيها نوع من الدور والتسلسل؛ لأن الصحبة لكي تثبت؛ فلا بد أن تثبت بخبر صحابيٍّ، وهو لا تثبت له الصحبة إلا بخبره هو، ففيها نوع من... وصنف في ذلك العلائي كتاباً بديعاً اسمه "تحقيق منيف الرتبة لمن له شرف الصحبة" هذا من أَجلِّ الكتب المدونة في الصحابة.
فالحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- لما رتب الكتاب؛ جاء على حرف الألف فذكر الصحابة المشاهير كما ذكر هنا: (من صحت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان)(1/10)
النوع الثاني: الصحابة الذين ولدوا في الإسلام ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم دون سن التمييز؛ كمثل محمد بن أبي بكر، أسماء بنت عميس ولدته وهي في طريق الحج، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مات بعد الحج بثلاثة أشهر أو بمائة يوم، فيكون محمد قد مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وله من السن أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر ونصف؛ فهل هذا صحابي أم لا؟ هذا معدود في الصحابة.
ثم ذكر المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام وهم مسلمون ولم يثبت من طريق أنهم نالوا شرف رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم أدركوا زمن النبوة وزمن ما قبل النبوة يعني عاشوا في الجاهلية وعاشوا في الإسلام ولم يثبت من طريق صحيح ولا ضعيف أن هؤلاء نالوا شرف لقاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهم المخضرمون، هم تابعون بإجماع أهل العلم.
ثم مَن ذُكِرَ على سبيل التوهم أنه صحابي، هذا يذكره في كل حرف، فيبدأ الحرف = حرف الألف بهؤلاء الذي ثبتت لهم الصحبة يستقصيهم ثم يذكر الصغار، ثم يذكر المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ثم يذكر بعد ذلك من ادعي أنه صحابي ولم يثبت ذلك من طريق صحيح، فهذا يُراعى؛ لأن مثلاً أنت تبحث عن أنس بن مالك أو تبحث عن أي صحابي من المشاهير فعادة والكتاب مرتب على حروف ألفباء تقول مثلاً: حمزة بن عبد المطلب في حرف الحاء، تأتي بحرف الحاء فيقع نصيبك على أول حرف الحاء في القسم الثاني، فلا تجد حمزة، فتذكر القسم الثالث والقسم الرابع، ثم تقول: أنا مررت على حرف الحاء كله لا أجد الصحابي أين يوجد في الإصابة؟
نقول له في القسم الأول، هذه طريقة الحافظ -رحمه الله تعالى- فيتنبه لها عند البحث فيها؛ لأنه قد تقع عينك على الحرف من أوله، هو فعلاً أول حرف الحاء لكن لا يوجد فيه ذلك الصحابي لماذا؟
لأنه تقدم في القسم الأول، فيتنبه لمثل هذا الفارق، وهذا مما يوقع في بعض الربكة عند البحث والنظر في كتاب الإصابة.
((1/11)
فينبغي التنبه إلى كل قسم عند البحث عن اسم صحابي؛ ليعرف الباحث أن هذا الشخص صحابي أم ليس بصحابي، وينبغي أن يُعلم أن القسم الأول هو أكبر الأقسام بكثير.
هذا، وقد بلغ عدد التراجم في هذا الكتاب اثني عشر ألفاً ومائتين وسبعاً وستين ترجمة، منها تسعة آلاف وأربعمائة وسبعاً وسبعين ترجمة لمن عُرفوا بأسمائهم من الرجال، ومنها ألف ومائتين وثمان وستين ترجمة لمن عُرفوا بكناهم، ومنها ألف وخمسمائة واثنين وعشرين ترجمة لأسماء وكنى النساء).
يعني هذا الكتاب يعتبر أربع أضعاف كتاب ابن عبد البر، إذا كان كتاب ابن عبد البر فيه ثلاثة آلاف ونيف يعني نصف مثلاً ثلاثة آلاف وأربعمائة أو شيء، فكتاب الحافظ بلغ أربع أضعاف هذا الكتاب، فلا شك أنه استقصى واطلع الحافظ -رحمه الله تعالى- على كتب الصحابة لأبي نعيم وابن منده وابن الأثير وابن عبد البر والذيول التي صُنفت على كتاب ابن عبد البر؛ كذيل أبي موسى المديني على الاستيعاب وغيره من الكتب الكثيرة فجمع كل هذا في هذا الوعاء الضخم الذي هو كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" فهو كتاب جليل القدر جداً، لا يعرفه إلا من مارس.
(ثانياً: كتب الطبقات).
يعني قصة كتب الطبقات، نحن قلنا إن الصحابة لكي تريح نفسك يعني إن كنت ستطلع على كتاب ابن الأثير أو كتاب ابن عبد البر، فمن باب معرفة طريقة الكتاب في العرض ومشاممة أنفاس أهل العلم؛ لأن كل عالم وكل إمام له منهج وله طريقة في عرض كلامه وعرض المرويات والتطبيق عليها إلى غير ذلك.
لكن أوفر عليك الجهد والبحث أجمع كتاب على الإطلاق لنسهل الطريق هو كتاب الحافظ ابن حجر الذي هو "الإصابة"، طيب ما هي قصة كتب الطبقات؟(1/12)
الطبقات كتب صنفت على الترتيب الزماني، يذكر الرواة فيها ليس على حروف ألفباء وإنما على طريقة أن يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويذكر سيرته، ثم يذكر الخلفاء الراشدين، ويذكر السابقين الأولين من الإسلام، فيذكر المهاجرين، ثم يذكر أهل بدر، وهكذا من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعد الفتح، وغير ذلك يرتب الكتاب بهذا الشكل، فأنت إذا أردت البحث في كتاب الطبقات؛ فلا بد أن يكون معك في الطبقات لما نأتي نبحث في كتب الطبقات فالشرط الأساسي عند البحث معرفة أول الاسم أم أن هذا لا يجدي؟ هذا لا يجدي، إنما تبحث في السنين، يعني مثلاً الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- له كتابان أو ثلاثة كتب رتبت على الطبقات: "سير أعلام النبلاء"، وكتاب "تاريخ الإسلام" وكتاب "تذكرة الحفاظ" هذه الكتب الثلاثة مرتبة على الطبقات، فأنا عندي لو مثلاً عندي إسناد يرويه مثلاً مسلم أو البخاري عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي مثلاً عن ابن المسيب عن أبي هريرة مثلاً، هذه إسناد أنا إذا أردت الترجمة إذا أردت النظر في "سير أعلام النبلاء" طبعاً الفهارس وفرت كل هذا، يعني تجعل الجزء الأخير الخامس والعشرين من سير أعلام النبلاء الكتاب يقع في خمس وعشرين مجلد، وهذه أدق وأحسن الطبعات، طبعة مؤسسة الرسالة، فتأتي على المجلد الأخير من السير والتراجم فيه مرتبة على حروف ألفباء يحيلك على الجزء والصفحة التي فيها ترجمة الراوي، لكن بدون الفهارس، الطالب الذي يريد أن يربي ملكات يفعل ماذا؟ أنا أعرف مثلاً البخاري 256، إذن شيوخه مثلاً في 220 تقريباً، شيوخ شيوخه يكونون قبل المائتين، التابعي الصغير يكون مثلاً في المائة وهكذا، فأنا حين النظر في كتاب "سير أعلام النبلاء" أعتبر أن مثلاً الثلاث مجلدات الأول للصحابة، التابعون أخذوا من الرابع مثلاً إلى الثامن، أتباع التابعين أخذوا من الثامن للثاني عشر، وأتباع أتباع التابعين أخذوا من اثني عشر(1/13)
إلى ستة عشر مثلاً، وبعد ذلك ما جاء بعد قرون التدوين بعد القرن الثالث، فأنت وأنت تبحث في كتاب مثل "السير" أو "تاريخ الإسلام" أو "تذكرة الحفاظ" أو "طبقات ابن سعد" باعتباره من الكتب المتقدمة في التصنيف على الطبقات، وطبعا مسلم -رحمه الله تعالى- له كتاب مصنف في مجلدين الطبقات لمسلم بن الحجاج، فأنت تراعي حين البحث في الطبقات سِنِيِّ الوفاة، هذه قصة كتب الطبقات وطريقة التصنيف فيها لا تعتمد على أول الحرف ولا الترتيب الهجائي الألف باء ولا شيء من هذا، إنما تراعي سني الوفاة، نأخذ فكرة عنها اليوم.
( ثانياً: كتب الطبقات:
هذا النوع من الكتب يشتمل على تراجم الشيوخ طبقة بعد طبقة، وعصراً بعد عصر إلى زمن المؤلف، ومنها في طبقات الرجال عامة، ومنها في طبقات أناس مخصوصين كطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء لأبي عمرو).(1/14)
طبقات الحفاظ هو التذكرة، تذكرة الحفاظ للذهبي؛ لأنه هو جمع فيه المشهورين بالحفظ الأئمة الحفاظ، نعرف الحفاظ لقب من ألقاب المشتغلين بعلم الحديث، فهناك محدث وهناك مسنِد الذي يروي الحديث بإسناد هذه أول مرتبة مثل المعيد في الجامعة، الذي هو من يروي الحديث بإسناده يُقال له مسند، يعني لا يروي الحديث إلا بإسناد، ثم إذا حَصَّلَ جملة من الأسانيد، وحفظ أسماء مثلاً عشرة آلاف راوٍ وعرف طبقاتهم وأسماءهم وأحوالهم لا تتعجب يعني هذا كان ونحن في القرن الرابع عشر يعني قبل قيام الساعة بقليل نعجب من هذا الكلام هذا كان على ألسنتهم مثل قراءة الفاتحة، تذكر الراوي يقول لك: نعم فلان النيسابوري الذي راح وجاء وله سبعمائة حديث، وروى عن فلان وجاء عن فلان.. الرواية كان التشجيع عليها وكان اهتمام الأمة بها اهتماما بالغا جداً في القرون الأولى، فكان إذا حفظ مائة ألف حديث وعرف أسماء عشرة آلاف راوٍ وحَصَّل الكتب التسعة وحوالي مثلاً ألف جزء حديثي وغير ذلك حفظاً ما هو اقتناءً في المكتبة هذا يُقال له محدث، يعني لا يكون في زماننا محدثا حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط هذا الكلام قاله الإمام السيوطي في القرن التاسع، ونحن عندما نسمي مثلاً هذا من باب حسن الظن بالعلماء ومراعاة أحوال الزمن، فإذا حَصَّلَ هذا القدر يُقال له محدث، طيب والحافظ؟(1/15)
الحافظ هذا مسألة أعلى من ذلك بكثير، إلى أن تصل الحجة وفيه كلام على مرتبة الحجة أو الحاكم عند النقاد ثم أمير المؤمنين في الحديث، وهي مرتبة البخاري وأحمد بن حنبل وابن معين وابن مهدي.. وهؤلاء، الذين هم الذروة في معرفة هذا العلم بحيث أنا أجزم بأنه ما مر حديث بعد القرن الثالث إلا ولهؤلاء الكبار لهم عليه كلام، أنت تعجب يعني طبعاً بسبب ضعف الملكات، ونحن ما تعلمنا أساساً، المسائل كلها اجتهادية، ونظر في الكتب، إنما ما رأينا محدثين ولا رأينا سمت المحدثين إلا أن يشاء الله -سبحانه وتعالى- والأمة أمة ولادة فيها الخير لكن أقصد أننا في آخر الزمن وليس هذا تيئيساً وإنما أقول إن الأمور قديما كان لها اعتبار قوي جداً، ومسألة اهتمامات الأمة فيها عالية، فتجد العلماء الذين هم أمراء المؤمنين في الحديث هؤلاء الكبار الطبقة التي فيها أحمد وابن معين وابن مهدي وهؤلاء لا يكاد يمر حديث من كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلا ولهم عليه كلام، إما بالتصريح وإما بالإشارة؛ لأن ألغازا كثيرة في كلامهم، كانوا يفهمونها.
البخاري -رحمه الله تعالى- من أكثر أئمة العلم يلغز في يعني يذكر ألغازا في التعليل، يقول: حديث فلان عن فلان مرسل، هذه علة، وهذه طريقته كتاب عشر مجلدات يعلل بهذه الطريقة، فإذا وصل الواحد إلى مرتبة أمير المؤمنين في الحديث، معناه أنه لا يوجد في السنة حديث ولا راوٍ في الغالب إلا وله به دراية وله به علم.
(وطبقات القراء لأبي عمر الداني، وطبقات الشافعية للسبكي وغيرها، وسأذكر أشهر كتب الطبقات في الرجال عامة، وفي الحديث خاصة؛ لأنها هي التي تهمنا في مجال البحث في أسانيد الرواة أكثر من غيره).
نقول: هذا الكلام أننا نحتاج إلى ممارسة ونظر؛ لأن -إن شاء الله- نجتهد في المحاضرات الباقية أننا نأخذ نماذج على السبورة في معرفة كيف ندرس الراوي، يعني سنظل نتكلم وما الفائدة؟!(1/16)
الكلام في الكتاب من السهل تحصيله وقراءته، فالعبرة بالممارسة، إذا خرجت من دروس الأكاديمية بأنك تستطيع أن تفتح موسوعة لتستخرج حديثا وتفتح كتابا من كتب الرجال لتصل إلى راوٍ؛ فقد نجحنا في هذا نجاحاً عظيماً، ونسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لذلك، وإلا؛ فالقراءة النظرية هذه في الغالب غير مثمرة بالشكل المطلوب، وأن الطالب لا بد أن يتدرب ولا بد أن يجلس في المكتبة ويفتح الكتاب مرة واثنين وثلاثا ويعرف خط سيره وكيفية البحث فيه بحيث حتى تصير عنده بعد ذلك ملكات أنه بمنتهى اليسر والسهولة يصل إلى بغيته من البحث.
((1/17)
الطبقات الكبرى لأبي عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي، المتوفى سنة 230 للهجرة، جمع المؤلف في هذا الكتاب تراجم الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى زمنه، فأجاد وأفاد، وقد طُبِع الكتاب في ثمانية مجلدات، خصص المجلد الأول للسيرة النبوية الشريفة، وخصص المجلد الثاني لغزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر مرض موته ووفاته، ثم ذكر من كان يفتي بالمدينة ومن جمع القرآن من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عهده وبعده، ثم ذكر من كان يفتي بالمدينة بعد أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، وخصص المجلد الثالث لتراجم البدريين من المهاجرين والأنصار، وخصص المجلد الرابع لتراجم المهاجرين والأنصار ممن لم يشهدوا بدراً ولهم إسلام قديم، وللصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة، وخصص المجلد الخامس لذكر التابعين من أهل المدينة، والصحابة الذين نزلوا مكة والطائف واليمن واليمامة والبحرين ثم من كان بعد هؤلاء الصحابة في تلك المدن من التابعين فمن بعدهم، وخصص المجلد السادس للكوفيين من الصحابة، ثم من كان في الكوفة بعدهم من التابعين فمن بعدهم من أهل الفقه والعلم إلى زمنه، وخصص المجلد السابع لمن نزل أصقاعاً وبلاداً كثيرة من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم إلى زمنه لكنه أكثر ذكر من نزل البصرة والشام ومصر وأما باقي البلاد فذكر منها عدداً قليلاً، وخصص المجلد الثامن للنساء الصحابيات فقط).(1/18)
كأن كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد في أوله يمشي على الطبقات في مجلدين لحياة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والثالث للبدريين من المهاجرين والأنصار، والرابع للبدريين ممن لم يشهد بدراً من المهاجرين والأنصار ولهم إسلام قديم، والذين أسلموا قبل فتح مكة، بعد المجلد الرابع يعتبر كتاب بلدان؛ لأنه بدأ بمن نزل المدينة من الصحابة ثم التابعين وأتباع التابعين، المدينة ومكة والطائف وما حولها من اليمن واليمامة، طبعاً اليمن قديماً كانت بعد الطائف مباشرة، كانت ما بعد الطائف بقليل، يعني مثلاً قل مائة كيلو من مكة كان هذا يمنا قديماً فذكر المدينة ومكة وما جاورها من البلدان المتاخمة لها التي تعتبر لاصقة فيها.
ثم ذكر بعد ذلك الكوفيين والبصريين ومن نزل الشام ومصر وغيرها من أصقاف فيعتبر كتاب بلدان مع كونه كتاب طبقات، بمعنى مدرسة ابن مسعود كانت في الكوفة، فإذا أردت الترجمة لمدرسة ابن مسعود وأنت نازل علقمة وتلامذة علقمة إبراهيم النخعي والأعمش تلميذ النخعي ومنصور بن المعتمر وجماعة أصحاب الأعمش الكثر الذين يملؤون سمع الدنيا وبصرها فإذا أردت تراجم الكوفيين من تلامذة الأعمش وشيخهم وشيخ الأعمش إبراهيم النخعي وعلقمة والطبقات هذه في كل طبقة كم هائل من الرواة فإذا أردت الكوفيين ستنظر مباشرة في المجلد السادس، لماذا؟ لأنه خص السادس بالكوفيين ممن نزل الكوفة من الصحابة ثم التابعين وأتباع التابعين إلى بعد ذلك.(1/19)
كذلك إذا أردت أن تنظر مثلاً الصحابة الذين نزلوا مصر عقبة بن عامر -رضي الله عنه- وغيرهم -رضي الله عنهم- وعمرو بن العاص وولده عبد الله بن عمرو كان ملازما لأبيه، وهؤلاء الذين نشروا علم الحديث في مصر فهؤلاء إذا أردت التراجم لهم مباشرة تنظر في المجلد السابع فتجد الصحابة الذين نزلوا مصر ومدرستهم وتلاميذ تلاميذهم إلى الليث بن سعد، الذي يعتبر في طبقة شيوخ شيوخ مسلم وهكذا، فهو كتاب يعتبر من بداية المجلد الخامس كتاب طبقات مع كونه كتاب بلدان، الكوفة والبصرة والشام ومصر وغير ذلك من البلاد.
(هذا وقد اعتبر العلماء كلام ابن سعد في الجرح والتعديل مقبولاً لذا يعتبر كتابه هذا مصدراً معتمداً من مصادر تراجم رجال الحديث).(1/20)
نعم.. يعني هذه مسائل سنعرفها بعد ذلك بالتدريب والتدريج نعم، ابن سعد إمام ثقة له كلام في الجرح والتعديل، لكن ليس ممن يُعَوَّل عليه، يعني ليس حكماً، يعني هناك أناس تتكلم في الجرح والتعديل وهناك حكام في الجرح والتعديل؛ أي ناس يُعَوَّل عليها في الجرح، فأحياناً يتعارض كلام هؤلاء المتكلمين مثلاً ابن حبان وابن سعد والعجلي وابن عدي وغيرهم من الترمذي يجرحون ويعدلون ويتكلمون في الرواة عامة، ثم كلام هؤلاء إذا تعارض مثلاً مع كلام أحمد، ابن معين تنقلب الكفة، يعني الموضوع ينتهي، إذا تعارض مثلاً مع كلام عبد الرحمن بن مهدي وأبي حاتم وأبي زرعة هؤلاء الطبقة التي على اليسار هذه هؤلاء نقاد، يعني كلمتهم تمشي على كلام غيرهم، فيعتبر هذا؛ لأن الذي اشتهر على ألسنة الطلبة أن يقول: أبو حاتم هذا الراوي وثقه ابن سعد مثلاً وذكره ابن حبان في الثقات، وجرحه ابن معين، وابن معين متشدد، فيرد كلام ابن معين وصنفه للأسف الشديد هنا هذا الأمر يحتاج إلى بحث قوي، مسألة وصف الأئمة بأن هذا متساهل وهذا متوسط وهذا متشدد، فمعناه أن المتشدد متشدد سيطرح كلامه أرضاً، مع أن هؤلاء المتشددين فيهم النقاد، أو لا تطلق كلمة متشدد إلا على النقاد أبي حاتم وأبي زرعة وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد وابن معين والنسائي والبخاري ومسلم مع أن كلامهم هو الذي يجري على كلام غيرهم عند التعارض، هذا أصل عظيم جداً في درس الأسانيد وفي النظر في التصحيح والتضعيف ينبغي أن يُهتم بهذا الأمر والطالب يكون عنده وعي وبعد عند النظر في كتب التراجم.
(ثانياً: تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ثمانٍ وأربعين وسبعمائة للهجرة، هذا الكتاب خصصه مؤلفه لطبقات حفاظ الحديث فقط، فترجم للحفاظ ومن يرجع إليهم في التوثيق والتضعيف فقال -رحمه الله- في مقدمته:(1/21)
"هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوي ومن يُرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف".
وقد ذكر في هذا الكتاب مشاهير حملة السنة وأصحاب الاجتهاد في الجرح والتعديل من طبقة الصحابة إلى طبقة شيوخه، وقسمهم إلى إحدى وعشرين طبقة، وبلغ عدد التراجم في هذا الكتاب ست وسبعين ومائة وألف ترجمة، هذا وهذا الكتاب مفيد جداً في معرفة مشاهير حملة السنة في كل طبقة من عصر الصحابة إلى عصر الذهبي؛ أي: إلى منتصف القرن الثامن، وقد ذَيَّل على هذا الكتاب تتميماً للفائدة ثلاثة من العلماء الكبار وهم: الحسيني المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة للهجرة، وابن فهد المكي المتوفى سنة واحد وسبعين وثمانمائة للهجرة، وجلال الدين السيوطي المتوفى سنة أحد عشر وتسعمائة للهجرة، فَجُمِعَ في هذا الكتاب مع ذيوله الثلاثة تراجم مشاهير حملة السنة وحفاظها من القرن الأول إلى أوائل القرن العاشر).
وكما قلت: إن الذهبي -رحمه الله تعالى- طبعاً إمام ناقد، الذهبي ليس مجرد حافظ أو راوية، وإنما الذهبي -رحمه الله تعالى- كلامه نقش في حجر، ويفصل في قضايا كثيرة، وله أسلوبه البديع في التعليق على حملة السنة ترى هذا واضحاً في السير أكثر من تذكرة الحفاظ، أنا كنت أتمنى أن يكون الكلام على السير وليس على الطبقات؛ لأن الطبقات كتاب صغير، يعني لم يستوعب ألف ومائة وستة وسبعين صحابيا، يعني هذا عدد الحفاظ، لكن السير ترى نفس الذهبي فيه أكثر بكثير من كتابه "التذكرة".(1/22)
هنا الكلام بعد ذلك على كتب رواة الحديث عامة، لأنه تكلم على التاريخ الكبير في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وبعد ذلك المصنفات في كتب مخصوصة إلى أن يتكلم على الكتاب الذي هو عمدة الباحثين في السنة النبوية وكتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي وأصله وفروعه، هذا كتاب محطة، يعني جل البحث أو النظر في الأسانيد إنما يبدأ بهذا الكتاب، أظن أن الوقت قد باغتنا، فنؤجل الكلام للمحاضرات القادمة -إن شاء الله- في الكلام على الجرح والتعديل والتاريخ الكبير لجلالة قدرهما، وجلالة مصنفيهما الإمام البخاري وابن أبي حاتم، ثم نقف وقفة طويلة عند كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي وفروعه التي هي مختصراته؛ لأن هذا سيكون فيه فائدة عظيمة جداً، ونسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لصالح القول والعمل والحمد لله رب العالمين.
السؤال الأول: ما هي شروط قبول الراوي؟
وكانت الإجابة:
يشترط في الراوي العدالة والضبط:
العدالة: وهي ملكة تعين صاحبها على فعل المأمورات واجتناب المنهيات والسلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة، والضبط: ضبط صدر وضبط كتاب.
تثبت العدالة بأمرين:
أولاً: إما بتنصيص معدلين عليها، أو بنص علماء الجرح والتعديل أو أحدهم عليها في كتب الجرح والتعديل.
ثانياً: أو بالاستفاضة والشهرة، أي باستفاضة عدالة الرواة، واشتهارهم بالصدق، واستقامة الأمر، ونباهة الذكر مثل: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، هكذا انتهت إجابة السؤال الأول.
ماشي الحال..
السؤال الثاني: ما هي مراتب الجرح والتعديل؟
كانت الإجابة:
مراتب التعديل:
أولاً: ما دل على المبالغة في التوثيق، أو ما كان على وزن "أفعل" وهي أرفع المراتب مثل: فلان إليه المنتهى في التثبت، أو لا أعرف له نظيراً في الدنيا.
ثانياً: ما تأكد بصفة أو صفتين من صفات التوثيق مثل: ثقة ثقة، وثقة ثبت، أو كأنه مصحف، أو عدل ضبط.(1/23)
ثالثاً: ما دل على التوثيق من غير تأكيد مثل: ثقة، أو حجة، أو ثبت، أو مصحف، أو ضابط.
رابعاً: ما دل على التعديل من دون إشعار بالضبط مثل: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به.
خامساً: ثم ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح مثل: فلان شيخ أو روى عنه الناس.
سادساً: ثم ما أشعر بالقرب من التجريح مثل: فلان صالح الحديث، أو يُكتب حديثه.
أما المراتب الثلاثة الأولى فيحتج بأهلها وإن كان بعضهم أقوى من بعض، أما المرتبتان الرابعة والخامسة؛ فلا يحتج بأهلها ولكن يُكتب حديثهم، والمرتبة السادسة لا يُحتج بحديثهم إنما يُكتب للاعتبار.
أما مراتب الجرح:
فأولاً: ما دل على التليين، وهي أسهل مراتب الجرح مثل: فلان لين الحديث أو فيه مقال.
ثانياً: ما صُرِّحَ بعدم الاهتمام به، مثل: فلان لا يُحتج به، أو ضعيف.
ثالثاً: ما صُرِّحَ بعدم كتابة حديثه ونحوه مثل: فلان متهم بالكذب.
لا.. المتهم بعد ذلك. ما لا يُكتب حديثه أو ضعيف جداً.
رابعاً: ما دل على اتهامه بالكذب مثل: فلان متهم بالكذب، أو متهم بالوضع، أو يسرق الحديث.
خامساً: ما دل على وصفه بالكذب أو نحوه، مثل: فلان كذاب، أو وضَّاع، أو دجال.
سادساً: ما دل على المبالغة بالكذب ونحوه مثل: إليه المنتهى في الكذب، أو أكذب الناس.
أما أهل المرتبتين الأولى والثانية فلا يُحتج بحديثهم إنما يُكتب للاعتبار، وأهل المرتبة الثانية دون المرتبة الأولى، أما أهل المراتب الأربعة الأخيرة فلا يُحتج بحديثهم، ولا يُكتب ولا يُعتبر به، ولا يصلح لأن يتقوى أو يقوي غيره.
هناك سؤال عن مصطلح الاعتبار، يعني ما معنى يُكتب حديثهم للاعتبار؟.(1/24)
أهل العلم عندهم قواعد في غاية الضبط وفي غاية القوة، أنا عندي رواة مقبولون باتفاق، ورواة مرفوضون باتفاق، وبينهما طبقة من الرواة، هذه الطبقة يتردد فيها نظر الباحث، هل هذا الراوي ممن يُقبل حديثهم؟ أم لا يُقبل حديثهم؟ فأهل العلم يأتون بمرويات هذا الراوي الذي يُقال إنه ممن يُعتبر بحديثه ويعرضون مروياته على مرويات غيره من أهل العلم الثقات فَيُنظر في مدى الموافقة والمخالفة -كما قلنا هذا في الأمس-، معنى هذا الكلام أن أهل العلم لا يهملون هذا القدر الغامض من أحوال الرواة الذين هم ليسوا مقبولين باتفاق ولا مرفوضين باتفاق، وإنما يحتاجون إلى تحرير حالهم، يعني كل راو يُنظر في حاله على حدة، هذا الراوي قد يكون أصاب مثلاً في خمسة أحاديث وأخطأ في الباقي، فلا تُهْمل هذه الخمس، والكلام في هذا يطول جداً، وأخونا الفاضل الشيخ "طارق عوض الله" له كتاب من أجود الكتب التي تكلمت في هذه القضية، الذي هو كتاب.
فقه الإسناد.
لا.. مش فقه الإسناد، كتاب في الشواهد والمتابعات اسمه؟
..
لا.. له اسم له مصطلح، اسم الكتاب العنوان البارز فيه، المهم أنه مجلد من مطبوعات ابن تيمية في الاعتبار والمتابعات والشواهد إلى غير ذلك، فليس كل راو يعتبر به، ولا كل راو بمعنى..
الإرشاد في معرفة الشواهد والمتابعات.
الإرشادات في معرفة الشواهد والمتابعات، أحسنت..(1/25)
فأقول إن المسألة فيها نوع من التفصيل الشديد، ومسألة الاعتبار هذه المسألة تعتبر مسألة اللب في مسائل التصحيح والتضعيف، يعني من أُتي من أهل العلم واتهم بالتساهل فإنما أُتي من هذه الجزئية مسألة أن الراوي لا يُعتبر وجعله معتبرا به، تجد أهل العلم يجد حديثا مثلاً وهذا الحديث مداره على راوٍ مثلاً ضعيف ضعفا شديدا، فيقول: إنه وجد هذا الحديث له طريقا من رواية راوٍ آخر ضعيف ضعفا شديدا، فليس كل راو يصلح في المتابعة، وليس كل راو يصلح في الاعتبار، ولعل هذا يُفرد له مجال أوسع في محاضرة قادمة بإذن الله سبحانه وتعالى.
أسئلة الحلقة.
السؤال الأول: عرف بكتاب الإصابة في معرفة الصحابة، وكتاب الطبقات لابن سعد.
السؤال الثاني: اذكر وصفاً تفصيلياً لكتاب "تهذيب الكمال" للمزي.
هذا سؤال سابق لأوانه.(1/26)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس التاسع عشر
كتاب "التاريخ الكبير" وكتاب "الجرح والتعديل"
أحمد الله -تعالى- وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد وآله وصحبه.
الحمد لله بدأنا في دراسة الأسانيد فتكلمنا في الفصل الأول عن بعض القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل من جهة العدالة والضبط وكيفية معرفة العدالة والضبط، وبم تثبت العدالة والجرح، وهل يُكتفى بواحد في الجرح والتعديل أم لا، وهل يقبل الجرح مفسرًا أم لا، وغير ذلك من المسائل والضوابط التي أشرت إليها في المرة الماضية أنها تحتاج إلى بحث أوسع ودراسة متأنية من الطالب؛ حتى يلم بجُلّ قواعد الجرح والتعديل التي تضبط الكلام على الرواة.
وفي المحاضرة الماضية بدأنا الكلام على الكتب التي تخدم الطالب عند النظر في دراسة الأسانيد فتكلمنا على كتب الصحابة وكتب الطبقات، واليومَ بمشيئة الله -تعالى- نتكلم في هذا الدرس عن كتابين مُهِمَّيْنِ من أهمّ وأجلّ كتب الجرح والتعديل، فالكتاب الأول هو كتاب "التاريخ الكبير" للإمام العَلَمِ الجبل محمد بن إسماعيل البخاريّ -رحمه الله تعالى- والكتاب الثاني لنظيره وقرينه الإمام أبي حاتم الرازيّ محمد بن إدريس -رحمه الله تعالى- سميِّ الشافعيِّ، فنبدأ الكلام في "التاريخ الكبير".
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (
- كتب رواة الحديث عامة:
هذه الكتب اشتملت على تراجم رواة الحديث عامة؛ أي لم تختص بتراجم رجال كتب خاصة، كما أنها لم تختص بتراجم الثقات وحدَهم أو الضعفاء وحدَهم، وإنما كانت عامة في تراجم رواة الحديث).(1/1)
يعني عندنا في كتب التراجم سترى كتبَ تراجمَ مختصةً برجالِ الكتب الستة كما سنرى، أو مختصة برجال البخاري، أو برجال مسلم، أو برجال الصحيحيْن، فهذان الكتابان: "التاريخ الكبير" و"الجرح والتعديل" كتابا رواةٍ عامَّة؛ فيهما الثقات، وفيهما الوسط، وفيهما الضعفاء، وفيهما الكذابون والمجروحون إلى غير ذلك مما تناولتْه الأسانيد الصحيحة أو الضعيفة أو الموضوعة.
لكن بعد ذلك سنرى أن هناك كتبا تخدم في جزئية معينة كما رأينا كتاب "الإصابة" يخدم في معرفة الصحابة، سنعرف بعد ذلك "تهذيب الكمال" يخدم في رجال الكتب الستة، وكذلك أصوله وفروعه من الكتب.
(وأشهر هذه الكتب المطبوعة هي:
أولاً: "التاريخ الكبير" للإمام البخاري المتوفى سنة ست وخمسين ومئتين للهجرة:
هذا الكتاب كبير فعلاً، فقد اشتمل على خمسة عشر وثلاثمائة واثني عشر ألف ترجمة، كما في النسخة المطبوعة المرقَّمة، وقد رتبه البخاري -رحمه الله تعالى- على حروف المعجم لكن بالنسبة للحرف الأول من الاسم والحرف الأول من اسم الأب، لكنه بدأ الكتاب بأسماء المحمدين؛ لشرف اسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أنه قَدَّمَ في كل اسم أسماء الصحابة أولاً بدون النظر إلى أسماء آبائهم، ثم ذكر بعد ذلك بقية الأسماء ملاحِظًا ترتيب أسماء آبائهم. وإليك ما قاله البخاري -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه هذا).(1/2)
البخاري -رحمه الله تعالى- له ثلاث تواريخ: له "التاريخ الصغير"، وله "التاريخ الأوسط" الذي طُبِعَ باسم "التاريخ الصغير" يعني الصغير الموجود للبخاري المطبوع هو الأوسط والأوسط غير موجود، ثم "التاريخ الكبير" هذا، كتاب "التاريخ الكبير" للبخاري هو كتاب في الأصل يُدرج ضمن كتب العلل؛ لأن الطالب المبتدئ لا يصلح له النظر أساسًا في كتاب "التاريخ الكبير" لأنه لن يفهمه؛ لأن الطالب المبتدئ في دراسة الأسانيد إنما يحتاج إلى كلام كثير صريح عن الراوي، والبخاري -رحمه الله تعالى- لا يُكْثِر ولا يُصَرِّح يأتي بالترجمة في سطرين أو ثلاثة على الأكثر ويُلغز، كلامه عبارة عن ألغاز.
هذه الألغاز التي يذكرها البخاريّ والإشارات التي يُنَبِّه بها على ما وراءها هي علل يعرفها الراسخون في العلم، أو الذين تجاوزوا مرحلة البداية والوسط. لكن المبتدئ يحتاج إلى كلام كثير، يحتاج إلى اسم الراوي، وكنيته، ولقبه، ومن يشتبه به من الأسماء الأخرى، ويحتاج إلى كلام صريح أن الراوي مجروح أم مُعَدَّل؟ ثقة أم صدوق أم ضعيف؟
البخاري لا يفعل هذا؛ تراه يقول: "فيه نظر" هذا النظر إلى أي مدى؟ هذا جرح شديد عند البخاري، يقول: "روى عن فلان مرسل" "روى عن فلان فأوقف الحديث"، هذه كلها إشارات تفيد بأن الحديث مُعَلٌّ وليس له إلا هذا، ليس معنى ذلك أن الراوي إذا رأيت حديثه الذي أرسله الذي قال عنه البخاري يُرسل، إذا رأيته موصولا مع موصول في مكان آخر معنى هذا أن الحديث صحيح. لا، معناها أن الحديث يعني الكلام الفصل فيه هو ما قاله البخاري في "التاريخ الكبير".(1/3)
فالبخاري -رحمه الله تعالى- صَنَّفَ هذا الكتاب بهذه الطريقة، وكان له يومئذ من السن ثمانية عشر عامًا، في اثني عشرة ألف ترجمة يعني تأمل معي أن طالبا سنه ثمانية عشر عامًا يكتب على ضوء القمر عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر ألف ترجمة، ولا يوجد راوٍ من رواة كتاب "التاريخ الكبير" إلا وله قصة عند البخاري، يعني لو أراد أن يستقصي في حال الراوي، لو أراد البخاري -رحمه الله تعالى- أن يذكر كلامًا كثيرًا عن الراوي؛ لذكر، لأنه ما ذكر السطرين ولا الثلاثة من باب قلة المعلومات أو الشحّ بها، ولكن عنده في أحوال الرواة كلام كثير جدًّا فاختصر الكتاب ليخرج في هذه العشر مجلدات، تأمل وسنه ثمانية عشر عامًا.
ورتب الكتاب كما سنرى على حروف "ألفباء" مقدمًا المحمدين؛ إعظامًا وإجلالاً لاسم النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن في بداية كل حرف يقِّدم الصحابة الذين تبتدئ أسماؤهم بهذا الحرف، فيراعي الحرف الأول من الاسم، والحرف الأول من اسم الأب، يعني الدقة ليس كـ"المعجم العربي"، ليس كـ"تهذيب الكمال، كـ"تقريب التهذيب" هناك دقة شديدة في ترتيب الأسماء. لكن البخاري -رحمه الله تعالى- كان يعتمد الحرف الأول من الاسم والحرف الأول من اسم الأب، ثم يتجاوز فيما وراء ذلك، فيحتاج إلى نوع من الصبر في البحث فيه.
(هذه الأسماء وضعت على "أ, ب، ت، ث" وإنما بُدِئَ بـ"محمد" من بين حروف "ألفباء" لحال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن اسمه "محمد" -صلى الله عليه وسلم-.(1/4)
فإذا فُرِغَ من المحمدين؛ ابتُدِئَ في الألف، ثم الباء، ثم التاء، ثم الثاء، ثم ينتهي بها إلى آخر حروف الألف والباء، وهي: "الياء والميم" تجيؤك فيموضعها ثم هؤلاء المحمدون على "ألفباء" على أسماء آبائهم؛ لأنها قد كثرت إلا نحوًا من عشرة أسماء؛ فإنها ليست على "ألف باء"؛ لأنهم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويذكر البخاري ألفاظ الجرح والتعديل، لكنه يستعمل عبارات لطيفة في الجرح فيقول مثلاً: "فيه نظر").
هذا الكلام يقوله: (يستعمل عبارات لطيفة) ليس معناها هو أن الكلام يسير في الراوي، العبارات اللطيفة هذه ليس معناها أن الجرح الذي في الراوي لطيف مثلها، لكنها عبارات لطيفة والجرح شديد، فيقول مثلاً: "فيه نظر" أو: "سكتوا عنه" يعني هذا مطروح بمرة، فليس معنى لطف العبارة عند البخاري أن الجرح لطيف في الراوي لكنه شديد فسكتوا عنه والذي فيه نظر ونحو ذلك هذا كلام إنما يكون شديدًا جدًّا في الراوي.
(فيقول مثلاً: "فيه نظر" أو: "سكتوا عنه" وأشد ما يقوله من العبارات في الجرح: "منكر الحديث" واصطلاح البخاري في هذه العبارات هو أنه يقول: "فلان فيه نظر" أو: "فلان سكتوا عنه فيمن تركوا حديثه").
تركوا حديثه يعني المتروك الحديث معناه الذي لا يصلح في المتابعات ولا يُتابع، الراوي المتروك إذا قلنا إن عندنا حديثا ضعيفا ضعفا يُحتمل يحتاج إلى تقوية يعني الراوي من أهل الاعتبار يعتبر بحديثه، لكن لن يتقوى حديث هذا الراوي إلا بمتابعة، فلو وجدت متابعة لحديث الراوي الضعيف الذي يُحتاج إلى هذه المتابعة لينجبر وليرتقي إلى الاحتجاج من قالوا فيه: تركوا حديثه؛ فهذا لا يصلح في التقوية، ولا هو نفسه يُقَوَّى إذا كان عندي راوٍ متروك الحديث لا يصلح بحال من الأحوال أن آتي بمتابعات له لأقويه؛ لأنه مطروح.
لا يُستخبر عنه.(1/5)
لا يُستخبر، لا يعتبر بحاله ولا يتقوى حديثه ولا يُقَوِّي حديث الآخرين؛ لأن هذا مزلة أقدام، موضوع المتابعات والشواهد هذا مزلة أقدام، إنما رُمِيَ مَنْ رُمِيَ مِنْ أهل العلم بالتساهل من هذه الجزئية = مسألة الاعتبار والمتابعات الشواهد؛ أنه يأتي على راوٍ لا يُتابع فيأتي له بمتابعات، أو يأتي بمتابعات لا تصلح لتقوية حال الراوي، هو لا يدري هي المحك الشديد عند أهل النقد في مسألة التصحيح والتضعيف؛ لأن الصحيح الظاهر لا كلام فيه، والضعيف الظاهر لا كلام فيه؛ فمن أين يأتي الاعتراض أو من أين يأتي الاختلاف بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف؟!
من هذه الحيثية = حيثية أن الراوي الذي جاء به ليتابع بحديثه لا يصلح، أو الراوي نفسه الذي سيتابع لا يصلح.
(وأما إذا قال: "فلانٌ منكرُ الحديث" فلا تحل الرواية عنه، وكثيرًا ما يسكت عن الرجل فلا يذكر فيه توثيقًا ولا تجريحًا، ومعنى ذلك توثيقٌ له).
هذا كلام يُخالف فيه الشيخ؛ لأن المسكوت عنهم في "التاريخ الكبير" أن البخاري وَثَّقَهُم هذا كلام يأباه الدرس الحديثي النقدي المتأني؛ فالبخاري -رحمه الله تعالى- سكت عن رواة مشهورين بالضعف، فهذا كلام يأباه البحث العلمي، بل إن الشيخ شاكرًا -رحمه الله تعالى- الذي يعتبر خاتمة مُحَدِّثِي الديار المصرية كان قد اعتبر قاعدة عنده في عمله: "أن الرواة المسكوت عنهم في "التاريخ الكبير" مع ذكر ابن حبان لهم في الثقات؛ يعتبرون ثقاتٍ"، هذا الكلام الناس شبعت كلاما على الشيخ أحمد شاكر بهذه القاعدة.
أن الراوي إذا سكت البخاري عنه ووثقه ابن حبان، هذا أيضًا لا يُعَدُّ توثيقًا. سكوت البخاري عن الراوي لا يعتبر توثيقًا أبدًا، وهناك رسائل أظن "عداب الحمش العراقي" له بحث في "المسكوت عنهم في التاريخ الكبير" وأبحاث أخرى في هذه القضية.
(ثانيًا: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم المتوفى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة للهجرة:(1/6)
هذا الكتاب اقتص فيه مؤلفه أثر البخاري في "التاريخ الكبير"، وقد أجاد فيه كل الإجادة، وذلك؛ لأنه اعتنى بذكر ما قيل في كل راوٍ من "الجرح والتعديل"، وَلَخَّصَ تلك الأقوال وبَيَّنَ ما أدى إليه اجتهاده في كثير منها، والكتاب يعتبر بحق كتابَ جرحٍ وتعديلٍ كما سماه به مؤلفه).
هو يقول: (كتاب جرح وتعديل بحق)؛ لأنهم يقارنون صنيع أبي حاتم في الكتاب مع صنيع البخاري؛ لأن عادة في الأعم الغالب لا يُذكر راوٍ في "الجرح والتعديل" إلا مقرونًا ببيان حاله، إلا ببيان مثلاً: صدوق، ثقة، ضعيف ونحو ذلك من الاعتبارات.
فالحاصل أنه يقول: (كتاب جرح وتعديل بحق) لماذا؟
لأنه ينص في الراوي ينص بكلام على حال الراوي، بخلاف البخاري الذي يشير مجرد إشارات.
(وهو كتاب كبير طُبِعَ في ثمانية مجلدات مع مقدمته، وتراجمه قصيرة غالبًا؛ إذ تتراوح بين السطر والخمسة أسطر، وقد رتبه مؤلفه على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول ثم من الاسم واسم الأب).
يعني من الحرف الأول فقط من الاسم، واسم الأب.
(بالنسبة للحرف الأول فقط من الاسم واسم الأب، لكنه يقدم أسماء الصحابة أولاً داخل الحرف الواحد، وكذلك يقدم الاسم الذي يتكرر كثيرًا، ويذكر في كل ترجمة اسم الراوي واسم أبيه وكنيته ونسبته، وأشهر شيوخه وتلاميذه وقليلاً ما يُورد حديثًا من مرويات صاحب الترجمة، ويذكر بلد الراوي ورحلاته والبلد الذي نزل فيه واستقر، كما يذكر شيئًا عن عقيدته إن كانت مخالفة لعقيدة أهل السنة، ويذكر بعض مصنفاته إن كانت له مصنفات وهكذا).(1/7)
ابن أبي حاتم توسع كثيرًا، وهم يقولون: إن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ أتى بكتاب البخاريّ وسأل أباه وأبا زرعة الرازييْنِ -ابنا عمّ- عن الرواة الذين ذكرهم البخاري فهم رفعوا كلام البخاري الذي فيه إلغاز وذكروا هم كلمات فيها نص على حال الراوي لكن هذا كلام غير معتبر عند أهل العلم، وهذا كتاب مصنف تصنيفًا مستقلا تمامًا، والرواة في الغالب يتكررون، يعني الذي في "التاريخ الكبير" هو الذي في "الجرح والتعديل" مع زيادات ونقص هنا أو هنا، لكن هذا تصنيف مستقلٌّ تمامًا، نَفَسُ أبي حاتم وأبي زرعة واضح فيه وجليّ وظاهر بخلاف البخاريّ هذا وجه وطريقة في التصنيف ومنهج وكلام أبي حاتم وأبي زرعة في الكتاب هذا وجه ومنهج.
والكتاب طبعا باسم ابن أبي حاتم الذي هو عبد الرحمن، وهو يسأل أباه وأبا زرعة، يقول: "سألت أبي عن فلان فقال: كذا، وسألت أبا زرعة عن فلان فقال: كذا" فالكتاب مدونة جيدة لكلام أبي حاتم وأبي زرعة الرازييْن في الرواة.
(ويشير أحيانًا إلى سنة وفاته، وقد قَدَّمَ للكتاب بمقدمة نفيسة كبيرة هي "تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل").
مجلد كامل مُقدِّمة للكلام على مشاهير الرواة الذين دارت عليهم الأسانيد؛ كالسفيانيْن والزهريّ ومالك وأحمد، وغيرهم من الأئمة الكبار.
(وهي عبارة عن مدخل للكتاب ذكر فيها أبحاثًا مهمة، فيما يتعلق بالجرح والتعديل.
رابعًا: المصنفات في رجال كتب مخصوصة:
هناك بعض المصنفات عَمَدَ مؤلفوها إلى تراجم رواة في كتب مخصوصة، فترجموا رواة ذلك الكتاب أو تلك الكتب فقط، ولم يتعرضوا لغيرها، ولهذه الكتب مَزِيَّةٌ على غيرها في كونها اشتملت على تراجم جميع الرواة في ذلك الكتاب أو تلك الكتب المعينة).(1/8)
قلنا في الكلام على أبي حاتم وكتاب أبي حاتم وكتاب البخاري: إنها كتب صنفت في رواة الحديث عامة، وما قبلها كان في الصحابة وكان في الطبقات يعني طبقات الحفاظ كما صنع الذهبي -رحمه الله تعالى- في كتابه "التذكرة".
هنا الكلام على كتب صُنِّفَتْ في تراجمِ رواةِ كتابٍ بعينه. البخاري مثلاً أورد في كتابه ألوفا من الرواة، فجاء الأئمة؛ منهم من ترجم في هذا الكتاب رواة صحيح البخاري، ومنهم من ترجم لرواة صحيح مسلم، ومنهم من جمع بين رواة الكتابيْن.
هنا رجال في البخاري هُم هُم في صحيح مسلم، فأتى بهم، وأتى بالزيادات الرواة الذين خرج لهم البخاري، زادهم والرواة الذين خَرَّجَ لهم مسلم وجمعهم في كتاب واحد كما سنرى، فهذا النوع من المصنفات في ترجمةِ رواةِ كتبٍ بعينها، أما إذا كان الحديثُ مُخَرَّجا عندي في الصحيحيْن، وأريد الوصول إلى تراجم رواة البخاري ومسلم من أقصر طريق؛ فهذه الكتب تخدم في هذه القضية.
(فيستطيع الباحث العثور على ترجمة أي راوٍ يريده من رواة ذلك الكتاب، كما أن لها مَزِيَّةَ حصرِ التراجم في رواة ذلك الكتاب بعينه، وعدم التطويل بالتعرّض لترجمة أيِّ راوٍ من رواة الحديث، وفي هذا تسهيل على الباحث الذي يريد رواةً في كتب مخصوصة، ومن أشهر هذه المصنفات لا سيما المطبوع منها:
أولاً: "الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد" لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي المتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة للهجرة، وهذا الكتاب خاص برجال صحيح البخاري.
ثانيًا: "رجال صحيح مسلم" لأبي بكر أحمد بن علي الأصفهاني المعروف بابن منجويه المتوفى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة للهجرة.(1/9)
ثالثًا: "الجمع بين رجال الصحيحين" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القَيْسراني، المتوفى سنة سبع وخمسمائة للهجرة، وقد جمع في هذا الكتاب بين كتابيْ الكلاباذي وابن منجويه المذكورَيْنِ آنفًا، واستدرك ما أغفلاه وحذف بعض الاستطرادات وما يمكن الاستغناء عنه، والكتاب مرتب على حروف المعجم، وقد ذكر المؤلف طريقته في مقدمة الكتاب، فبين أنه جمع بين رجال صحيحيْ البخاري ومسلم، وأشار إلى ما انفرد به كل واحد منهما، وقد طُبِعَ الكتاب في الهند، وتولت طباعته دائرة المعارف العثمانية سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة).
هذا الكتاب وإن كان حصر رجال الصحيحيْن بشكل جيد لم يفته واحدٌ منهما، إلا أنَّ الطالب –حقيقةً- وهو يدرس ويتعلم ويحتاج إلى نَفَسٍ طويل في بيان حال الراوي، ويجمع كلام أئمة العلم عليه، فلا يُشبع نهمة الطالب إلا إن وقف على الراوي، لما فتح كتاب ابن القيسراني وهو أوسع من الكتابيْنِ السابقيْنِ فيكون قد وقف على الراوي الذي له رواية في البخاري.
أما ما يتعلق بحال الراوي جرحًا وتعديلاً؛ لأن هناك بعض الرواة في الصحيحين مُختلف فيهم، بعض أهل العلم لهم عليهم كلامٌ ووسَّعَ العلماء دائرة الكلام عليهم مرتبين حتى على الزمان، فالطالب الذي يدرس يحتاج إلى كلام صريح في الراوي، ويحتاج إلى معلومات أوفر وأوسع في الراوي، فعادة الباحث أو الطالب المبتدئ أو غير المبتدئ حين يريد البحث عن رجل من رجال البخاري أو مسلم أو كليْهما فإنه يعمد إلى الموسوعة الأم وهي "تهذيب الكمال" للمزي كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
(رابعًا: "التعريف برجال الموطإ" لمحمد بن يحيى الحَذَّاء التميمي، المتوفى سنة ستة عشر وأربعمائة للهجرة.
خامسًا: كتب التراجم الخاصة برجال الكتب السُّنَّة ...(1/10)
لا.. هي الصواب أنها السِّتَّة؛ لأنه ذكر في الهامش (أي الصحيحين والسنن الأربعة) ولو أنها السنة؛ لقلنا: "برجال كتب السنة" غيرَ مُعَرَّفَةٍ، فطالما عَرَّفَ الكتب؛ فالمقصود إذن بذلك "الستة" فنصحح.. نعم. (كتب التراجم الخاصة برجال الكتب الستة).
(وبعض مصنفات لمؤلفيها:
لقد صَنَّفَ العلماء عددًا من الكتب جمعوا فيها تراجمَ رجالِ الكتب الستة مع تراجمَ لرجال بعض مصنفات صغيرة ألَّفها أصحاب الكتب الستة).
كما رأينا في الكلام على التخريج قلنا إن المزي -رحمه الله تعالى- لَمَّا جمع في كتابه "تحفة الأشراف" كان يذكر سنن أبي داود ومعها "المراسيل" ويذكر مسلما ويذكر معه كتاب "التمييز" لمسلم، أليس كذلك؟! ويذكر السنن للنسائي ومعه "خصائص عليّ" أليس كذلك؟! فهو يذكر مع أصحاب الكتب الستة بعض المؤلفات الصغيرة لهم؛ كـ:"مراسيل أبي داود" و"خصائص عليّ" للنسائي و"التمييز" لمسلم إلى آخره، و"العلل الصغير" للترمذي ونحو ذلك.
(ومن هذه الكتب:
- كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي:
وبما أن هذا الكتاب أشهر الكتب التي جمعت تراجم رجال الكتب الستة، وبما أنه لقي عناية من العلماء لم يلقها غيرُه من التهذيب والتعليق والاختصار لذا؛ سأتكلم عنه وعن تهذيباته ومختصراته بشيء من التفصيل، وقبل الكلام على الكتاب وتهذيباته ومختصراته إليك أشهرَ أسماء العلماء الذين هذَّبوا هذا الكتاب أو استدركوا عليه، أو اختصروه مع أسماء مؤلفاتهم على..).
الترتيب الزمني.. أنا سأرسم رسما على السبورة من باب التنبيه والتبيين.(1/11)
كتاب "الكمال" لعبد الغني المقدسي هو أصل الكتب التي تكلمت على رواة الكتب الستة، "الكمال في أسماء الرجال" لعبد الغني المقدسي الكتاب واسع جدًّا وفيه بعض الإشكاليات، وفيه بعض الاستدراكات، وبعض القصور، فجاء الإمام المزيُّ -رحمه الله تعالى- ونحن أيام ما تكلمنا على كتاب المزي في التخريج الذي هو "تحفة الأشراف" قلنا: إن المزي -رحمه الله تعالى- غيرُ مُكْثِرٍ من التصنيف، المشهور أن المزي ليس له إلا كتابان: "تحفة الأشراف" في أحاديث الكتب الستة" و"تهذيب الكمال" في رجال الكتب الستة فاختصر "الكمال" في كتاب سماه "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للحافظ المزي، والحق يُقال: إن قبل طباعة "تهذيب الكمال" للمزي كان الباحثون في حيرة شديدة، لماذا؟
لأنني مثلاً إذا أردت البحث في إسناد يقول البخاري مثلاً: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر -هو محمد بن جعفر-، حدثنا شعبة مثلاً عن أبي إسحاق عن عقبة بن عامر مثلاً، هذا إسناد. وإنا أريد دراسة الإسناد، الطالب وهو يبحث عن محمد بن بشار، أو يبحث عن محمد بن جعفر. أنت تأتي باسم محمد بن جعفر وترجع إلى الكتاب، كيف تستدل على محمد بن جعفر؟ أنت عندك مثلاً ثلاثة أو أربعة في "تهذيب الكمال" اسمهم محمد بن جعفر، فأبحث بالشيخ والتلميذ، الشيخ والتلميذ يعني ماذا؟(1/12)
يعني أبحث عمَّن اسمه محمد بن جعفر أرى في شيوخه شعبة وفي تلاميذه محمد بن بشار، فالمزي -رحمه الله تعالى- طريقة التصنيف في هذه الكتب يقول مثلاً: محمد بن جعفر ويذكر بقية الاسم والنسب والكنية والقبيلة إلى غير ذلك إلى آخر الاسم ثم يقول شيوخه، فيأتي بجميع شيوخ الراوي مرتبين على حروف "ألفباء" في هذه المنطقة، ثم بعد ذلك يقول تلاميذه، فيأتي بجميع تلاميذ الراوي مرتبين على حروف "ألفباء" في هذه النقطة، فأنا وأنا أبحث عن محمد بن جعفر أتى في شيوخه حرف "الشين" إن وجدت شعبة؛ إذن هذا هو محمد بن جعفر الذي أبحث عنه، أتأكد أكثر متى؟ حين أجد في التلاميذ محمد بن بشار، هذا كلام أغلبيٌّ يمثل ثمانين بالمائة من أحوال التراجم.
قد يأتي لك راوٍ اسمه محمد بن جعفر وشيخه شعبة وتلميذه محمد بن بشار تجد اثنين بهذا الوصف، فتحتاج إلى الترجيح، كيف ترجح أن محمد بن جعفر هذا الذي هو غندر هُوَ هُوَ المراد عندي في الإسناد؟
بقرائن، لكن ثمانين بالمائة من التراجم إنما يُبحث عنها بالشيوخ والتلاميذ، فقبل ما يُطبع كتاب "تهذيب الكمال" لا يمكن لك الوقوف على حال الراوي إلا بوجود الشيوخ والتلاميذ معك، فكنا نرجع إلى المخطوطات، فالآن صار الأمر سهلا.
فـ"تهذيب الكمال" كتاب لا يُستغنى عنه أبدًا في مكتبة طالب الحديث، لا يستطيع الطالب أن يكون طالبَ حديث من غير النظر في "تهذيب الكمال" عرفتم هذا؟ فالمزي -رحمه الله تعالى- أتى فاختصر "الكمال" لعبد الغني هذبه، الكتاب مطبوع في خمسة وثلاثين مجلدا بتحقيق بشار عواد.(1/13)
ثم لطول الكتاب وكِبَر حجْمه جاء حافظان من الحفاظ الكبار الأسْبق في الزمان الحافظ المزيّ ويليه الحافظ الذهبيّ، ويليه في الترتيب الزمانيّ الحافظ ابن حجر، فجاء الذهبيّ -رحمه الله تعالى- اختصر "تهذيب الكمال" في كتاب سَمَّاه "تذهيب التهذيب" وهو كتاب غير مفيد، وليس فيه نفس الذهبي، وليس هذا الذهبي الذي نعرفه؛ فهو كتابٌ أعاد طباعة "تهذيب الكمال" مع حذف بعض الشيوخ وبعض التلاميذ، وأقول ليس هذا هو الحافظ الذهبيَّ الذي نعرفه في "تذهيب التهذيب" والكتاب مطبوع، طُبِعَ قبل سنتين أو ثلاثة، وكنا نَظُنُّ أن فيه شيئًا يضيف إضافات جيدة في رجال الكتب الستة؛ فإذا هو خِلْوٌ من هذه الفوائد التي كنا نتوقع.
إذن هذا الذهبي "تهذيب الكمال" نقول هنا الذهبي، وهنا الحافظ ابن حجر، ليس هذا تعصبا، لئلا تفهموا أن المصريين يتعصبون لشيوخهم.. أبدًا والله.
ثم اختصر "تذهيب التهذيب" في "الكاشف" الكاشف في أسماء الرجال، في ثلاثة مجلدات. والحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- اختصر "تهذيب الكمال" في "تهذيب التهذيب" بين التسمية هذه وهذه حرف، هذا "تذهيب" وهذا "تهذيب" اسمه "تهذيب التهذيب" مطبوع في اثني عشر مجلدا من غير الفهارس، مطبوع قديمًا.
ماذا فعل الحافظ ابن حجر؟
الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- اقتصر على مشاهير شيوخ الراوي وتلاميذه، يعني المزي هنا يأتي بكل الرواة الذين رَوَى عنهم الراوي، وكل التلاميذ الذين رَوَوْا عنه. جاء الحافظ ابن حجر هنا فاختصر في مسألة الشيوخ والتلاميذ هذه رفع من كل راوٍ النصف أو الثلثين، وأبقى الثلث من..(1/14)
أو يذكر سبعة ثمانية رواة من الذين تدور عليهم أحاديث الراوي، والمزي -رحمه الله تعالى- زاد على "الكمال" وهو يصنف كتابه "التهذيب" أنه بعدما يورد ترجمة الراوي يأتي بحديث من مروياته هو، مرويات المزي في القرن الثامن، يقول: حدثنا فلان عن فلان إلى أن يذكر هذا الشيخ الذي يترجم له، يعني مثلاً يترجم لشعبة في ترجمة شعبة بن الحجاج، بعدما ينتهي من الكلام على ترجمة شعبة يقول: وقد وقع لي من حديثه عاليًا: حدثنا فلان عن فلان عن فلان إلى أن يأتي على شعبة ويذكر ما فوق شعبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويذكر حديثا أو حديثيْنِ أو ثلاثة أحيانًا، فزاد حجم الكتاب جدًّا.
ومرويات المزيّ في "تهذيب الكمال" تمثل تقريبًا من ربع إلى ثلث الكتاب، فالحافظ ابن حجر رفع هذا من الكتاب التي هي مرويات المزي التي ساقها بأسانيده عَقِبَ ترجمة كل راوٍ أو معظم الرواة؛ لأن هناك رواة لم يذكر لهم أحاديث، وزاد الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- على كلام المزي في "التهذيب" كلام المغاربة على الرواة، علماء المغرب لهم كتب، علماء الأندلس فجاء بكلام المغاربة كلامٍ في الجرح والتعديل زيادة على ما أتى به المزي -رحمه الله تعالى- لكن يبقى للمزي مَزِيَّةٌ ليست لغيره، وهي: أن المزي -رحمه الله تعالى- يورد جميع تلاميذ الراوي وشيوخه، أنا إن لم أنظر في "تهذيب الكمال"؛ لن أستطيع تعيين الراوي، تعيينه يعني هذا من؟ أنا عندي راوٍ مُشْكَل قد تجد راويا اسمه متشابهٌ مع سبعة رواة في اسم الأب والجد؛ فمن الذي يفصل لك في تعيين الراوي أن هذا فلانٌ بعينه؟
"تهذيب الكمال" وليس "تهذيب التهذيب" رغم الاختصار، ورغم الإتيان بكلام هو كلام في الحقيقة لا يَفْصل، لا يقدم ولا يؤخر في حال الراوي؛ لأنه كلام متأخرين والعمدة في الجرح والتعديل على كلام المتقدمين.(1/15)
جاء الحافظ ابن حجر فاختصر "تهذيب التهذيب" في "تقريب التهذيب"، و"تقريب التهذيب" طُبِعَ في مجلدين طبعة قديمة بعناية الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، ثم هناك نسخة لصلاح عبد الموجود، ونسخة لواحد أفغاني أو باكستاني اسمه شغيف أحمد وقدَّم لها الشيخ بكر أبو زيد وهي تعتبر أتقنَ النسخ.
و"تقريب التهذيب" يضع يدك على حال الراوي في جملة واحدة، يعني بعد أن يذكر اسم الراوي، ومثلاً الطبقة أنه في الطبقة الثانية في التابعين أم في أتباع التابعين أم كما سنبين عند الكلام عليه يقول لفظا واحدا: ثقة، صدوق، ضعيف، صدوق يهم، صدوق له أوهام، كذاب، فيأتي في حال الراوي يفصل فيه بكلمة واحدة، وقَلَّ أن تجد راويًا من رواة التقريب سكت عنه الحافظ لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
فهذا تقريبًا كلام تقريبي لبيان الجهود المبذولة على كتاب "الكمال" لعبد الغني المقدسي، المزي اختصر في "التهذيب" = "تهذيب الكمال"، وجاء الذهبي -رحمه الله تعالى- فاختصر في "التذهيب" ثم اختصر "التذهيب" في "الكاشف"، وجاء الحافظ ابن حجر فاختصر "تهذيب الكمال" في "تهذيب التهذيب" واختصر "التهذيب" في "تقريب التهذيب". هذا كلام تقريبي لبيان منزلة الكتاب.
(كُتُب التراجم الخاصة برجال الكتب الستة وتوابعُها:
أولاً: "الكمال في أسماء الرجال":
إن من أقدم ما وصلنا من كتب التراجم الخاصة برجال الكتب الستة كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسيّ الْجُمَّاعِيليّ الحنبليّ المتوفى سنة ستمائة للهجرة. ويعتبر هذا الكتاب أصلاً لمن جاء بعده في هذا الباب، غير أنه أطال فيه مع أنه يحتاج إلى استدراك لبعض التراجم، وتحرير لبعض المسائل، وتهذيب لكثير من الأقوال والأمثلة، وهو مع ذلك -كما قال الحافظ ابن حجر- من أَجَلِّ المصنفات في معرفة حملة الآثار وَضْعًا، وأعظم المؤلفات في بصائر ذوي الألباب وَقْعًا.
ثانيًا: "تهذيب الكمال":(1/16)
وحيث إن الكتاب يحتاج إلى تهذيب وإكمال وتحرير؛ فقد قام الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزيّ المتوفى سنة اثنين وأربعين وسبعمائة للهجرة بتهذيبه وإكماله في كتاب سَمَّاه "تهذيب الكمال" وقد أجاد في هذا الكتاب وأحسن، كما وصفه الحافظ ابن حجر، لكنه أطال فيه أيضًا، ويقول ابن السبكي في وصفه: أُجْمِعَ على أنه لم يُصَنَّف مثله ولا يُستطاع.
ثالثًا: "إكمال تهذيب الكمال":
وذَيَّل على كتاب المزي وأكمله الحافظ علاء الدين مُغْلطاي المتوفى سنة اثنين وستين وسبعمائة للهجرة، وسَمَّى تذييله هذا "إكمال تهذيب الكمال" وهو كتاب كبير جليل نافع، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه انتفع بكتاب مغلطاي هذ).
طُبِعَ كتاب مغلطاي في قرابة اثني عشر مجلدًا قبل ثلاث أو أربع سنوات في مطبعة الفاروق بتحقيق الشيخ عادل محمد -حفظه الله تعالى-.
(وقد سار المزيّ في كتابه "تهذيب الكمال" على النحو التالي:
أولاً: ترجم لرجال الكتب الستة، ولرجال المصنفات التي صَنَّفَهَا أصحاب الكتب الستة إلا أنه ترك مصنفاتهم المتعلقة بالتواريخ؛ لأن الأحاديث التي تَرِدُ فيها غير مقصودة بالاحتجاج).
فهذا يبين –الآن- منهج المزي -رحمه الله تعالى- في إيراد تراجم كتابه في "تهذيب الكمال" يعني الكلام الآن على "تهذيب الكمال" وليس على كتاب مغلطاي.
(ثانيًا: رَمَزَ في كل ترجمة رموزًا تدل على المصنفات التي روت أحاديثَ من طريق صاحب الترجمة).(1/17)
يعني المزي -رحمه الله تعالى- حين يورد الترجمة يقول مثلاً: ترجمة الإمام أحمد مثلاً، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ويسوق طبعًا النسب والمولد ونحو ذلك قبل أن يورد الاسم يقول مثلاً "ع" إذا قال "ع" معناها أنه أخرج له الجماعة، وإذا قال مثلاً "خم" معناه أنه أخرج له البخاري ومسلم كما صنع تمامًا بتمام في كتاب "تحفة الأشراف" يقول مثلاً إذا ذكر أنه خَرَّجَ له أبو داود والنسائي فيذكر "دس" أو يذكر ابن ماجه "هـ" مثلاً و"ت" للترمذي وهكذا في كل راوٍ مع بداية الكلام على اسم الراوي يذكر من خَرَّجَ له من أصحاب السنن، إذا كان السنن الأربعة فيذكر رقم أربعة، وهكذا إلى آخر الكتاب، فيذكر أولاً من خَرَّجَ له من أصحاب الكتب الستة إما مجتمعين أو متفرقين.
(ثالثًا: ذكر في ترجمة كل راوٍ شيوخه وتلاميذه على الاستيعاب قَدْرَ ما تيسر له، وقد حصل).
من الشيء المبدع أن المزي -رحمه الله تعالى- الشيء الغريب الذي يدل على عبقرية فذة، وكأن عقل المزي -رحمه الله تعالى- حاسبٌ آليٌّ أنه يذكر داخل الشيوخ والتلاميذ كأنه لا يكتفي بذكر أن هذا الراوي الذي يترجم له مُخَرَّج له في الصحيحين أو في الكتب الستة أو في السنن الأربعة أو في بعضها لا، هو يأتي في الشيوخ ويقول مثلاً: محمد بن جعفر، الذي هو غندر في ترجمة غندر، يقول: خَرَّجَ له شعبة، وبجانب شعبة مثلاً الكتب التي خَرَّجت لمحمد بن جعفر عن شعبة، واضحة هذه؟!(1/18)
يأتي مثلاً خَرَّجَ لمثلا محمد بن جعفر روى عن الأعمش يذكر بجوار الأعمش مسلما مثلاً، أو السنن الأربعة أو غير ذلك، فيذكر في الشيوخ والتلاميذ أحاديث الراوي المترجم له عن ذلك الشيخ في أيِّ كتاب، وأحاديث الراوي المترجم له روى عنه تلميذه في أي كتاب، وهذه عبقرية فذَّة، نعم هو اقتصر على الكتب الستة، وذكر رواة كثيرين ليسوا في الكتب الستة، روى عنهم الشيخ أو رووا عنه، ويمكن الاستدراك بذكر مثلاً أين توجد رواية هذا الراوي عن ذلك الشيخ إذا كانت خارج الكتب الستة، لكن كونه يذكر هذا كونه يذكر أن الراوي روى عن شيخه في أي كتاب والتلميذ روى شيخه في أي كتاب فهذه تدل على براعة ودقة وإتقان من المزي قَلَّ أن توجد في غيره من المصنفين -رحمه الله تعالى ورحم الله جميع علمائنا!-.
(وقد حصل من ذلك على الأكثر منهم؛ لأنه يتعذر أو يتعسر استيعابهم تمامًا.
رابعًا: رتب كلا من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه على حروف المعجم).
عندما يذكر مثلاً كما قلنا هنا يذكر في ترجمة غندر محمد بن جعفر، يذكر شيوخه عند ذكر الشيوخ يرتبهم على حروف "ألفباء" وعند ذكر التلاميذ يرتب التلاميذ على حروف "ألفباء".
(خامسًا: ذكر سنة وفاة الرجل، وذكر الخلاف وأقوال العلماء فيها تفصيل).
بالنسبة للوفيات في "تهذيب الكمال" المتفق على سنة وفاتهم يذكره، الراوي المختلف في سنة وفاته هو يذكر الخلاف، فيقول مثلاً البخاري قال في "التاريخ الكبير" إنه مات سنة كذا، وذكر الواقديُّ أنه مات سنة كذا، وذكر ابن سعد وذكر غيره، فيذكر كلام أهل العلم بالأسانيد في الوفيات، وهذا مما يحتاج إلى تحرير أيضًا في "تهذيب الكمال".
((1/19)
سادسًا: ذكر عددًا من التراجم ولم يُعَرِّف بأحوالهم، ولم يزد على قوله: روى عن فلان، أو روى عنه فلان، أخرج له فلان، والظاهر أنه لم يعرف شيئًا من أحوالهم، وليس ذلك بغريب، فالإحاطة بأحوال آلاف من الرواة ليس بالأمر الهيِّنِ، ومع ذلك؛ فعدد من لم يُعَرِّف بأحوالهم قليل جدًّا بالنسبة للأعداد الكثيرة جدًّا في هذا الكتاب).
يعني نأخذ قرينة من القرائن التي يعتبرها أهل العلم عند النظر في حال الراوي: هو أن المزي -رحمه الله تعالى- إذا لم يذكر شيئًا في الراوي؛ فمعناه أن الكلام فيه قليل، ليس معناه أن المزي هو الذي قَصَّرَ في إيراد الكلام على الراوي، وهنا يقول: (والظاهر أنه لم يعرف شيئًا من أحوالهم) هو لم يعرف وغيره أيضًا لم يعرف؛ لأنك ستجد الرواة الذين في "تهذيب الكمال" المزي لم يذكر عنهم شيئًا غيره أيضًا ما ذكر عنهم إلا القليل.
يعني معنى ذلك أن الراوي المذكور في "تهذيب الكمال" ليس فيه كلام في "الجرح والتعديل" معنى ذلك أن الكلام عليه قليلٌ، وأن الراوي هذا مجهول، أو قريب من الجهالة، وأنت إذا وَسَّعْتَ دائرة البحث؛ لن تجد كلاما يشفي غليلك؛ لأن المزي إنما صَنَّفَ وهو في أواسط القرن الثامن الهجري، والأمور استوت تمامًا والمصنفات كثيرة جدًّا، والوقوف على كلام الأئمة كان سهلاً ميسورًا بخلاف أزمنتنا، فالحاصل هو أن الرواة الذين الكلام عليهم قليل في "تهذيب الكمال" سيكون عليهم قليلا أيضًا في كتب غيره من أئمة الجرح والتعديل، فلن تجد مثلاً أن هناك راويا والمزي أغفل الكلام عليه، وأنت ذهبت وأتيت بصفحة مليئة بالكلام عليه جرحا وتعديلا؛ فهذا لن تراه، إن أتيت بسطرين من كلام غيره كالدارقطني أو غيره من الزوايا المخفية ولن تجد هذا إلا بصعوبة في البحث، فليس معنى أن المزي ترك الكلام أنه لم يعرف، لا.. الراوي أساسًا الكلام عليه قليل.
((1/20)
سابعًا: أطال الكتاب بإيراده كثيرًا من الأحاديث التي يُخَرِّجُهَا من مروياته العالية من الموافقات والأبدال وغير ذلك من أنواع العلوم).
هذا الكلام قلنا إن المزي إمام بارع واسع الرواية جدًّا، قَلَّ أن يأتي راوٍ من المشاهير أو من الوسط ويمرر ترجمته من غير أن يستعرض -رحمه الله تعالى- فيقول: وقد وقع لي من حديثه بدلاً عاليًا وقد وافقته في كذا، ويذكر الإسناد طويلا مثلاً، يعني المزي عندما يروي بإسناده وهو في منتصف القرن الثامن قل مثلاً يعني الحد الأدنى من الرواة المذكورين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر راويًا، وهذا من محفوظاته.
(وَتُقَدَّرُ هذه الأحاديث من حيث الحجم بنحو ثلث حجم الكتاب.
ثامنًا: رَتَّبَ أسماء التراجم على أَحرف المعجم، بما فيها أسماء الصحابة مخلوطةً مع أسماء غيرهم خلافًا لصاحب "الكمال" الذي ترجم لأسماء الصحابة وحدهم غير مخلوطين بغيرهم، إلا أنه ابتدأ في حرف "الهمزة" بمن اسمه أحمد، وفي حرف الميم بمن اسمه محمد).
إذن المزي -رحمه الله تعالى- حين تبحث عن ترجمة مثلاً لعبد الله بن عمرو، أو عبد الله بن عباس، أو حذيفة أو غيره تأتي إلى حرف "الحاء" وتجده في ترتيبه الطبيعي، يعني لم يُصَدِّر حرف "الحاء" بالصحابة، فلما انتهى منهم أتى على غيرهم، لا.. حرف الحاء مع الألف الحاء مع الباء مع التاء مع الثاء إلى أن تصل إلى حرف الحاء مع الذال فتجد ترجمة حذيفة في موضعها الطبيعي من الكتاب.
(تاسعًا: نَسَبَ بعض الأقوال في الجرح والتعديل إلى قائليها من أئمة الجرح والتعديل بالسند، وذَكَرَ بعض تلك الأقوال بدون سند، وقال: "وما في كتابنا هذا مما لم نذكر له إسنادًا؛ فما كان بصيغة الجزم؛ فهو مما لا نعلم بإسناده إلى قائله المَحْكِيِّ عنه بأسًا، وما كان بصيغة التمريض؛ فربما كان في إسناده نظر).
اقرأ لي تاسعًا مرة أخرى.
((1/21)
تاسعًا: نَسَبَ بعض الأقوال في الجرح والتعديل إلى قائليها من أئمة الجرح والتعديل بالسند).
يعني حين يذكر كلام أبي حاتم أو كلام يحيى بن معين، أو كلام يحيى القطان، أو كلام شعبة، أو كلام الطبقة التي أنزل منها؛ كابن مهدي وابن المديني وغيره يأتي بالإسناد، فيذكر مثلاً تواريخ ابن معين كثيرة، يعني ابن معين روى عنه تلامذته سألوه كثيرًا مثلاً تاريخ ابن معين برواية عباس الدوري أربعة مجلدات بتحقيق الدكتور أحمد سيف، رواية الدقاق، رواية ابن طهمان، رواية ابن الجنيد هذه كلها تلامذة ابن معين سألوه في رواة فأجاب عنهم، فيقول مثلاً يأتي المزي فيقول: وقال ابن معين في رواية الدقاق أو قال في رواية ابن طهمان، أو في رواية الدوري أو غيره، فيذكر السؤال بإسناده، وهذا يعتبر وعاءً كبيرا لأسانيد كتب الجرح والتعديل.
(وذكر بعض تلك الأقوال بدون سند، وقال: وما في كتابنا هذا مما لم نذكر له إسنادًا؛ فما كان بصيغة الجزم فهو مما لا نعلم بإسناده إلى قائله المَحْكِيِّ عنه بأسً).
إذا حذف الإسناد وقال: قال أبو حاتم كذا، معناه أن إسناده صحيح، إذا قال: ويقال فيه كذا، إذن إسناد كلام أبي حاتم فيه نظر.
(وما كان بصيغة التمريض فربما كان في إسناده نظر.
عاشرًا: نَبَّهَ على ترتيبات بعض الأسماء المبهمة أو المكنية، وما أشبه ذلك فقال:
"فإذا كان في أصحاب الكنى من اسمه معروف من غير خلاف فيه؛ ذكرناه في الأسماء، ثم نبهنا عليه في الكنى، وإن كان فيهم مِنْ لا يُعرف اسمُه، أو اخْتُلِفَ فيه؛ ذكرناه في الكنى ونبهنا على ما في اسمه من الاختلاف، ثم النساء كذلك..).(1/22)
يعني المزي -رحمه الله تعالى- إذا أورد اسم راوٍ مشهورٍ بكنيته لكنْ له اسمٌ لم يُختلف فيه فيذكره باسمه في ترتيبه في الكتاب، طيب إذا كان الراوي معروفا بكنيته هو ترجم لأبي هريرة أين وضعه؟ في عبد الرحمن بن صخر؟ لا.. وضعه في الكنى، لماذا؟ لأنه مُخْتَلَف في اسم أبي هريرة اختلافًا كثيرًا، فيذكره في الكنى وحين يذكره في الكنى ينبه على الاختلاف الوارد في الاسم.
(..وربما كان بعض الأسماء يدخل في ترجمتيْن فأكثر، فنذكره في أولى التراجم به ثم ننبه عليه في الترجمة الأخرى، وبعد ذلك فصول فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جده، أو أمه أو عمه أو نحو ذلك وفيمن اشتهر بالنسبة إلى قبيلة أو بلدة أو صناعة، وفيمن اشتهر بلقب أو نحوه وفيمن أُبْهِمَ مثل: فلان عن أبيه أو عن جده أو أمه أو عمه أو خاله أو عن رجل أو امرأة ونحو ذلك، مع التنبيه على اسم مع عُرِفَ اسمه منهم والنساء كذلك").
على أية حال عند التدريب العمليِّ على مسائل استخراج الرواة سنتعرف على طبيعة الكتاب بشكل أفضل -إن شاء الله سبحانه وتعالى- والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إجابة أسئلة الحلقة السابقة:
السؤال الأول:
عَرِّف بكتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" وكتاب "الطبقات" لابن سعد.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
- كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة":
الكتاب مؤلف للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة من الهجرة، وأجمع فيه المؤلف في الكتاب أسماء الصحابة وأشمله، وقد رتبه مؤلفه ترتيبًا دقيقًا على حروف المعجم، ورتب الأسماء ثم الكنى للرجال، ثم أسماء النساء ثم كناهن، وقد قسم كل حرف إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريقة الرواية عنه، أو عن غيره، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريقة كانت.(1/23)
القسم الثاني: في من ذُكِرَ من الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
والقسم الثالث: فيمن ذُكِرَ في الكتب المتقدمة عن زمن الحافظ ابن حجر العسقلاني، والمخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام.
وفيمن ذُكِرَ في الكتب المتقدمة في أسماء الصحابة على سبيل الوهم والغلط، وقد بلغ عدد التراجم سبعًا وستين واثنين واثنى عشر ألفًا؛ أي اثنى عشر ألفًا ومائتين وسبعين ترجمة من المترجمين عنهم.
- كتاب "الطبقات" لأبي عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي المتوفى سنة ثلاثين ومائتين للهجرة: جمع فيه المؤلف تراجم الصحابة والتابعين فيمن بعدهم إلى زمنه.
الكلام مبتور بعض الشيء في الكلام عن "الطبقات" نحن قلنا ذكر المجلد الأول في النبي -صلى الله عليه وسلم- في السيرة النبوية، مجلد في شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد ذلك السابقين الأولين من المهاجرين من أهل بدر ومن أسلم قبل الفتح، بعد ذلك ذكر الصحابة الذين نزلوا البلدان فذكر مكة والمدينة واليمن وبعد ذلك ذكر من نزل البصرة والكوفة ونزل مصر والشام إلى غير ذلك مرتبين على ترتيب الزمان.
أسئلة الدرس.
- عَرِّف بكتاب "التاريخ الكبير" للبخاري، وبَيِّن منهج البخاري -رحمه الله- فيه.(1/24)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس العشرون
خصائص كتاب المزي
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
في المحاضرة الماضية تكلمنا على كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزيّ -رحمه الله تعالى- وقلنا إن هذا الكتاب لا غنى له بحال من الأحوال لطالب علم السنة؛ لأنك -أيها الطالب!- إذا قصدت الوقوف على شيخٍ أو على راوٍ؛ فطريقة الحصول على أو تعيين هذا الراوي لا تكون من الدرجة الأولى إلا بمعرفة شيوخه وتلاميذه والخصيصة التي تَمَيَّزَ بها كتاب المزي على غيره أنه استوعب شيوخ الراوي، وتلاميذه.
فهذه هو النقطة الأساسية أو المرحلة الأولى عند دراسة الأسانيد هي تعيين الراوي؛ أي تمييزه عن غيره، وهي التي تُسمى عند علماء الحديث بالترجمة المعرفية. تراجم الرواة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ترجمة معرفية، وترجمة منقبية، وترجمة نقدية.
الترجمة المعرفة: هي التي تُميز الراوي بذكر اسمه، واسم أبيه، وجده، ونسبه، ولقبه، وكنيته إلى غير ذلك من الخصائص التي تميز الراوي عن غيره، هذه تسمى ترجمة معرفية.
وكلمة ترجمة -على أية حالة- عربية صريحة، وليست منقولة من لغات الأخرى.
ثم هناك ترجمة، وهي الترجمة المنقبية: هي التي تذكر الصفات الخاصة بالراوي فيما يتعلق بتزكيته وتعديله.
ثم بعد ذلك هناك تَرْجَمَة تسمى الترجمة النقدية وهي التي تُعنى بكلام أهل العلم في الراوي جرحا وتعديلا، وتمييزا لها عن غيرها. وهذه يُستفاد بها عند الترجيح بين الروايات المتعارضة، وهذه يُراعى فيها عدةُ أشياء ليس هذا محل الكلام عليها.(1/1)
فكتاب المزي -رحمه الله تعالى- اعتنى بهذه الجوانب الثلاثة: في تمييز الراوي من غيره، وذكر كلام أقرانه، وشيوخه، وتلاميذه، والطبقات التي بعده في بيان حسناته، ومزاياه، ثم بعد ذلك كلام أهل العلم في الجرح والتعديل. وقرأنا في المحاضرة الماضية قدرًا من خصائص كتاب المزي ووقفنا عند النقطة الثانية عشرة تقريبا أم الحادية عشرة؟
الحادية عشرة
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: الحادي عشر
الحادي عشر؛ أي من خصائص كتاب المزي -رحمه الله-.
(ذكر ثلاثة فصول أحدها في شروط الأئمة الستة، والثاني في الحث على الرواية عن الثقات، والثالث في الترجمة النبوية)
المزي -رحمه الله تعالى- بدأ كتابه أولا: بذكر شروط الأئمة؛ البخاري ما شرطه في كتابه؟ مسلم ما شرطه في كتابه؟ أصحاب السنن الأربعة ما شرط كل واحد في الكتاب؟ منهجه الذي أبان عنه في ذكر رواة الأحاديث وهم رجال الإسناد، وفي ذكر الأحاديث نفسها.
وصنف في شروط الأئمة ابنُ طاهر المقدسيُّ صاحب كتاب "الجمع بين رجال الصحيحيْن" الذي هو ابن القيسراني، وصنف فيها أيضا الإمام الحازميّ، أحدهم ذكر شروط الأئمة الخمسة، والآخر ذكر شروط الأئمة الستة، وكلاهما مفيد لطالب العلم.
ثم بعد أن ذكر المزي شروط الأئمة؛ أي منهجه في كتابه ذكر فصلا في الحثِّ على الرواية عن الثقات، وترك الرواية عن الضعفاء والمطروحين، ثم ذكر فصلا كاملا يزيد عن مائتي صفحة تقريبا أو مائة وخمسين صفحة في الكلام على ترجمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وذكر مناقبه، وفضائله، ومعجزاته إلى غير من الأشياء الجيدة الجميلة التي طَرَّزَ بها المزيّ وزيَّن بها كتابه.
(الثاني عشر: حذف عدة تراجم من أصل "الكمال" ممن ترجم لهم صاحب الكمال؛ بناءً على أن بعض الستة أخرج لهم. لكنه لم يقف –هو- على روايتهم في شيء من الكتب الستة، وهذه الرموز التي ذكرها المزيّ في كتابه، وعددها سبعة وعشرون رمزا:
ع: للستة)(1/2)
مما يُعْتبر أننا في مسألة الرموز ونحن يعتبر في النصف الثاني من الجزء الثاني من دورة الأكاديمية، مررنا بهذه الرموز كثيرًا عند الكلام على الاستخراج، فصارت بالنسبة لنا مسألةً مطروقةً وسهلةً -إن شاء الله تعالى- أن يذكر ع للستة، و 4 لأصحاب السنن، و خ للبخاري ون لمسلم؛ فلا داعي لذكر الكلام عليها.
(هذا ولم يطبع الكتاب ولا أصله الكمال حتى الآن)
طبعا هذا الكلام قبل تقريبا سنة 90 أو قبل سنة 90 ميلادي يعني قبل 17 أو 18 سنة؛ لأن "تهذيب الكمال" سنة 93 كان طبع منه أربعة مجلدات دفعة واحدة الأول والثاني والثالث والرابع، ثم نزل الكتاب مرة واحدة بعدها بأشهر بعد مثلا ثمانية أشهر أو سنة أو شيء فهو موجود تقريبا كاملا من سنة 94، فالكتاب هذا صنف قبل ذلك بسنوات يعني سبع سنوات أو أكثر من ذلك حوالي عشر سنوات، وأما "الكمال"؛ فأنا لا أعرف أنه مطبوع كتاب الكمال لعبد الغني لا أعرف أنه طبع إلى الآن.
(رابعا: "تهذيب التهذيب": ثم جاء الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 للهجرة)
تخيل أن الذهبيّ والمزيّ الاثنين كانا في عصر واحد بينهم في الوفاة ست سنوات، فتخيل أن إمامين والاثنين في دمشق؛ أن الذهبي كان في دمشق، وأيضا كان المزي -رحمه الله تعالى- كان في دمشق. فتخيل بلدا فيها اثنان مثل المزي والذهبي كيف يكون حال أهلها في علم الرواية؟! وهذا مما نفتقده لا أقول في بلد ولكن في العالم بأسره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(فصنف على كتاب شيخه المزي كتابين: كبيرا سماه "تذهيب التهذيب"، وصغيرا سماه "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة"، ويقول الحافظ ابن حجر عن "تذهيب التهذيب": إنه أطال فيه العبارة، ولم يُعَدِّ ما في التهذيب غالبا، وإن زاد؛ ففي بعض الأحايين وفيات بالظن)
ولم يُعَدِّ ما في التهذيب غالبا؛ أي لم يأتي بجديد.
هو هنا مشكولة بـ: يَعُدْ؛ فلا أدري..(1/3)
هو يقصد الحافظ ابن حجر أن الحافظ الذهبيَّ في "التذهيب" لم يأت بجديد، لم يأت بزائد على ما في "تهذيب الكمال" فهو اختصر، وحذف من الشيوخ والرواة والتلاميذ، واختصر في كلام الجرح والتعديل على بعض كلام المزي فلم تكن فيه تلك الفائدة المرجوة والمنتظرة كما ذكرت في المحاضرة الماضية.
(وإن زاد؛ ففي بعض الأحايين وَفَيَاتٍ بالظن والتخمين أو مناقب لبعض المترجمين مع إهمال كثير من التوثيق والتجريح الذين عليهما مدار التضعيف والتصحيح وقد زاد الذهبي بعض التراجم التي استدركها على شيخه المزي وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر: وقد ألحقت في هذا المختصر ما التقطه من "تذهيب التهذيب" للحافظ الذهبي فإنه زاد قليلا)
كل الفوائد التي أتى بها الذهبي -رحمه الله تعالى- في مختصره "التذهيب" التقطها كُلُّها وأخذها الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ووضعها في "تهذيب التهذيب"، الكتاب الثاني هذا الكتاب الكبير الكتاب الثاني أكثر نفعًا، وأكثر تداولا، وهو كتاب "الكاشف".
(خامسا: "الكاشف":
أما الكاشف؛ فهو كتابٌ مختصرٌ من كتاب "تهذيب الكمال" للمزي اقتصر فيه مصنفه في كل ترجمة على اسم الراوي، واسم أبيه، وجده أحيانا، وكنيته، ونسبته، وأشهر شيوخه، وأشهر تلاميذه اثنين أو ثلاثة غالبا في كلٍّ من الشيوخ والتلاميذ، وذكر كلمة أو جملة لَخَّصَ فيها حال الراوي من حيث التوثيق أو التجريح، ثم ذكر سنة وفاته، وذكر فوق اسم صاحب الترجمة الرموز؛ إشارةً إلى من روى له من أصحاب الكتب الستة)
هو والحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" كما سنذكر بعدُ إذا بدأت ترجمة؛ صَدَّرَها بالرمز الذي يَدُلُّ على مَنْ أَخْرَجَ لهذا الراوي، فإذا كان في البخاري فقط؛ يقول "خ" في البخاري ومسلم يقول "خم"، في الكتب الستة يقول "ع" أي الجماعة إذا كان في السنن الأربعة يقول رقم "4"، هذه إشارة إلى أن هذا الراوي مُخَرَّج له في هذه الكتب التي رمز بها.
((1/4)
وقد اختصر على تراجمِ رجالِ الكتب الستة دون غيرهم، ورتب الأسماء على حروف المعجم لكنه ابتدأ حرف الهمزة بمن اسمه أحمد، كما ابتدأ حرف الميم بمن اسمه محمد، وقد قال الذهبيُّ في مقدمة الكتاب: "هذا مختصرٌ نافعٌ في رجال الكتب الستة: الصحيحين، والسنن الأربعة، مُقْتَضَبٌ مِنْ "تهذيب الكمال" لشيخنا الحافظ أبي الحجاج المزيِّ، اقتصرت فيه على ذِكْرِ مَنْ له روايةٌ في الكتب الستة دون باقي تلك التواليف التي في "التهذيب" ودون مَنْ ذُكِرَ للتمييز أو كُرِّرَ للتنبيه")
الحافظ المزي أحيانا يذكر راويا ويكتب بجواره "تمييز" أي أن هذا الراوي يحتاج إلى بحث، وهذا متشابه مع غيره من الرواة. فالذهبي -رحمه الله تعالى- وهو يختصر الكتاب حَذَفَ الرموز التي خَرَّجَ المزيُّ لأصحابها غير الكتب الستة كما ذكرنا في المحاضرة الماضية؛ كالتخريج من مراسيل أبي داود، أو "خصائص علي" للنسائي أو غيرها من الكتب.
(ثم ذكر رموز الكتاب ثم قال: وهذا نموذج من الكتاب: "د" يقصد أبا داود، أحمد بن إبراهيم الموصلي، أبو علي عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهم)
ما معنى عن شريك وحماد بن زيد وطبقتهما؟ أي هذا الراوي الذي هو أحمد بن إبراهيم الموصلي يروي عن شريك وحماد بن زيد وهذه الطبقة حماد بن سلمة وغيرها وعنه "د" أي في أبي داود يروي عنه يعني أبي داود والبغوي صاحب "شرح السنة" أم غيره؟ وأبو يعلى وخلقٌ من الرواة ويقول وُثِّقَ مات سنة 236.
(ويلاحظ من هذا النموذج أن الترجمة تعطي صورة واضحة عن صاحبها وإن كانت مقتضبة؛ فقول الحافظ بن حجر -رحمه الله تعالى-: "وجدت تراجم "الكاشف" إنما هي كالعنوان" فيه نظر، ولا يقال إن النفوس تتشوق إلى ال.الاطلاع على ما ورائه؛ لأن من أراد النهاية في البحث؛ فعليه بالمطولات، ومن أراد العجالة؛ ففي هذا في الكتاب ما يكفي)(1/5)
يعني الراوي أحيانا يكون عندك بعض الأسانيد تريد النظر في حال رجالها من باب التأكد فقط؛ فلماذا ستذهب إلى المطولات وأنت ما تريد إلا التأكد؟! أما البحثُ، والتحريرُ، والتنبيهُ على الأخطاء، والكلام في المتعارضات، والخلاف الطويل في تعيين الراوي إذا كان الراوي مُشْكِلا إشكالا شديدا؛ فلا بد فيه من النظر في المطولات. فالكلام المختصر في "التقريب" أو في "الكاشف" أو غيرها لمن أراد المراجعة السريعة لكن لا يعتمد عليه في المسائل البحثية الطويلة؛ فيرجع إلى الأصول.
(ومع ذلك؛ فكتاب "الكاشف" هذا أوسعُ في عرضِ التراجم، وأكثر معلوماتٍ من كتاب "تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر. فإن جاز أن يُنْتقدَ أحدُ الكتابين لكون تراجمه كالعنوان؛ فكتاب "تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر أَوْلَى بهذا النقدِ والله أعلم.)
كتاب "الكاشف" طبع في ثلاثة مجلدات، و"التقريب" مطبوع في مجلدين في بعض الطبعات؛ كطبعة عبد الوهاب عبد اللطيف، وبعض الطبعات موجود في مجلد واحد فهذه قرينة سريعة للكلام في أن كلام "الكاشف" أوسع نسبيًّا؛ لأن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- "في التقريب" لا يذكرُ شيخًا من شيوخ الراوي ولا تلاميذه. الذهبي التزم في كل ترجمة أن يذكر أشهر شيوخ الراوي، وأشهر تلاميذه؛ اثنين أو ثلاثة، أما ابن حجر؛ فلا يذكر شيئا من ذلك في "تقريب التهذيب".
(سادسا: "تهذيب التهذيب":
ثم جاء الحافظ ابن حجر فعمل على اختصار وتهذيب كتاب "تهذيب الكمال" للمزي في كتاب سماه "تهذيب التهذيب"، وقد كان اختصاره للكتاب وتهذيبه له على الوجه التالي:
الأول: اقتصر على ما يُفيد الجرح والتعديل.
الثاني: حذف ما أطال الكتاب من الأحاديث التي يخرجها الذهبي ..)
لا المزي: حذف ما أطال الكتاب من التي يخرجها المزي. صححوا هذا الخطأ.
(الثاني: حذف ما أطال الكتاب من الأحاديث التي يخرجها المزي في مروياته العالية وهو حوالي ثلث حجم الكتاب)(1/6)
اقتصر على ما يفيد الجرح والتعديل لماذا؟
لأن الحافظ المزيَّ -رحمه الله تعالى- في "تهذيب الكمال" يُورد في الراوي كلاما كثيرا من التراجم المنقبية. نحن قلنا: إن التراجم منها تراجمُ معرفية تُمَيِّزُ الراوي من غيره، وهناك تراجم منقبية تذكر عبادة الراوي، وحسن خلقه، وتواضعه، وأدبه مع شيوخه ومع تلاميذه، وعبادته وصدقه، وتصدقه وجوده، وجهاده في سبيل الله إلى غير ذلك من هذه الأشياء التي تُبين مناقب الراوي، ولذلك قلنا ترجمة منقبية.
جاء الحافظ ابن حجر وهو يختصر الكتاب رفع كل هذا ما يتعلق بأخلاق الراوي، وعبادته، والقصص والحكايات التي داخل الترجمة حذف هذا الكلام، وأبقى الكلام في الجرح والتعديل؛ لأنه الْمُعَوَّلُ عليه، وأنا عند النظر في حال الراوي لا يعنيني عبادته، ولا جهاده، ولا زكاته، ولا جوده بقدر ما يعنيني ماذا؟
الكلام عليه في الجرح والتعديل.
فهذا المقصد وهذا هو المهم، والباحث إنما ينظر من أجله فرفع كلَّ هذا الكلام. مرويات المزي يأتي المزي فيذكر مرويات في آخر كل ترجمة فحذفها، وحذف الكلام المتعلق بالمناقب وأبقى الكلام في الجرح والتعديل وحرر الوَفَيَات.
(الثالث: حذف كثيرًا من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه الذين قصد المزيُّ استيعابهم، واقتصر على الأشهر والأحفظ والمعروف منهم إذا كان الراوي مُكْثرًا)(1/7)
هذا كلام جميل، لكن كما قلت الفائدة عند البحث في النظر في الشيوخ نحن نتمنى مَنْ يأتي بشيوخ أكثر غير الذي ذكرهم المزي في "تهذيب الكمال". بعد طبع "تهذيب الكمال" صار "تهذيب التهذيب" لا فائدة منه كبيرة كالتي تُرجى من "تهذيب الكمال" يعني أنا الآن لو في مكتبتي لو عندي بحث في أحوال الرواة، وأمامي "تهذيب الكمال" وأمامي "تهذيب التهذيب" فأنا لا أنظر في "تهذيب التهذيب" إنما تمتد يدي على التهذيب؛ لأن الكلام فيه طبعا فيه كلام واسع، كلام في المناقب، كلام في الفضائل، وأنا بالقرائن أفهم يعني ترجح عندي أشياء بالقرائن؛ فليت الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- أبقى الكلام على أبقى الشيوخ والتلاميذ كما هم لم يحذفهم.
هذه أكبر منقبة في "تهذيب الكمال" الكلام على الجرح والتعديل طبعا من الدرجة الأولى، وأولى منه في تعيين الرواة بقاء الشيوخ والتلاميذ. فلو أن باحثا ينشط الآن وأنا أدعو الباحثين وأهل العلم لو أن أحدا اختصر "تهذيب الكمال" مع إبقاء الشيوخ والتلاميذ ويحذف المناقب، ويحرر الوفيات، ويحذف الكلام الكثير الذي في النسب، ويحذف مرويات المزيِّ الموجودة في الكتاب؛ لصار "اختصار تهذيب الكمال" مع الإبقاء على الشيوخ والتلاميذ يقع في ثمانية عشر مجلدا، فيختصر الكتاب إلى النصف مع إبقاء الميزة التي من أجلها ينظر الباحث في "تهذيب الكمال" وهي بقاء الشيوخ والتلاميذ.
(الرابع: لم يحذف شيئا من التراجم القصيرة في الغالب.
الخامس: لم يرتب شيوخ وتلاميذ صاحب الترجمة على الحروف، وإنما رتبهم على التقدم في السن، والحفظ، والإسناد، والقرابة، وما إلى ذلك)(1/8)
سنقرأ -إن شاء الله- بعد قليل قدرا من تراجم "تهذيب التهذيب". الحافظ المزي وهو يورد الشيوخ والتلاميذ رتبهم على حروف ألفباء؛ لأنه يعلم أن الذي سيأتي بعده يبحث في كتابه إنما يريد تعيين الراوي، تعيين الراوي يعني أنا أريد حرف "الشين" حرف "القاف" حرف "الجيم"؛ فلن أقرأ كل الشيوخ والتلاميذ، وأحيانا في بعض الرواة مثلا كالمكثرين مثل: شيوخ أبي إسحاق السبيعيّ وهو مكثر جدًّا، شيوخ شعبة، شيوخ الأعمش، شيوخ الإمام أحمد، وتلاميذه أممٌ لا يُحْصَوْن، ويقتصر على بعضهم فيذكر بعد الاقتصار 200 راويًا فأنا لو أبحث عن راوٍ وهو غير مُرَتَّبٍ على ألفباء فمعناه أني سأقرأ عشرين صفحة أو عشر صفحات كلها أسماء وقد أقع في الخطإ؛ فأقول إن الراوي غيرُ موجود، لكن إذا كانت مرتبةً على ألفباء؛ فيكون البحث محصورا في الحرف الذي فيه اسم الراوي.
الحافظ ابن حجر لما اختصر لم يرتب؛ لأنه لم يذكر إلا ستة أو سبعة من الشيوخ فقراءتهم أمرٌ سهلٌ، فذكر الأحفظ، الأكثر ملازمة للراوي، الأقرب من حيث النسب وغير ذلك من الاعتبارات التي سنراها عند قراءة النموذج.
(السادس: حذف كلاما كثيرًا أثناء بعض التراجم؛ لأنه لا يدل على توثيق ولا تجريح.
السابع: زاد في الترجمة ما ظفر به من أقوال الأئمة في التجريح والتوثيق من خارج الكتاب)
نعم، زاد في الترجمة ما ظفر به من أقوال الأئمة غير الذين ذكرهم المزيُّ كان هناك علماء الأندلس وغيرهم لهم كتب وهي المكتبة الأندلسيّة المطبوعة في خمس مجلدات في دار الكتب المصرية مطبوعة قديما، فهناك فأئمة لهم كلام على الرواة فأتى بكلام المغاربة على الرواة وذكره أيضا في "تهذيب التهذيب".
(الثامن: أورد في بعض المواطن بعض كلام الأصل بالمعنى مع استيفاء المقاصد، وقد يزيد بعض الألفاظ اليسيرة للمصلحة.
التاسع: حذف كثيرًا من الخلاف في وفاة الرجل إلا في مواضعَ تقتضي المصلحةُ عدمَ حذف ذلك)(1/9)
نعلم أن التواريخَ مدخلٌ من مداخل العلل؛ فبعض الرواة يكون مُخْتَلَفًا فيه في تاريخ الوفاة، ولا يستطيع المختصِرُ للكتاب أن يحذف بعض هذه الأقوال؛ لأنها لم تتحرر ولم يُفصل في تاريخ الوفاة؛ فيبقى الخلاف على حاله.
(العاشر: لم يحذف من تراجم "تهذيب الكمال" أحدا.
الحادي عشر: زاد بعض التراجم التي رأى أنها على شرطه، وميز التراجم التي زادها على الأصل بأن كتب اسم صاحب الترجمة، واسم أبيه بالأحمر.
الثاني عشر: زاد في أثناء بعض التراجم كلاما ليس في الأصل لكن صدره بقوله: قلت؛ فليتنبه القارئ إلى أنَّ جميعَ ما بعد كلمة "قلت"؛ فهو من زيادة ابن حجر إلى آخر الترجمة.
الثالث عشر: التزم الرموز الذي ذكرها المزي لكنه حذف منها ثلاثة وهي: "مق" و"سي" و"ص". كما التزم إيراد التراجم في الكتاب على الترتيب ذاته الذي التزامه المزيُّ في تهذيبه.
الرابع عشر: حذف الفصول الثلاثة التي ذكرها المزيُّ في أول كتابه، وهي ما يتعلق بشروط الأئمة الستة، والحث على الرواية عن الثقات، والترجمة النبوية؛ أي السيرة النبوية.
الخامس عشر: زاد بعض الزيادات التي التقطها من كتاب "تذهيب التهذيب" للذهبي، وكتاب "إكمال تهذيب الكمال" لعلاء الدين مغلطاي.(1/10)
قلت: وقد لخصتُ طريقة اختصار الحافظ ابن حجر لكتاب "تهذيب الكمال" من مقدمته التي قدم بها لكتاب "تهذيب التهذيب"؛ فليراجعها من له شَوْقٌ لقراءة كلام الأئمة؛ ففيها فوائدُ كثيرةٌ. هذا، وقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمته المذكورة للكتاب؛ تبريرا لتصنيفه له بعد أن قام الحافظ الذهبيُّ –قبله- بتصنيف كتابيْن في تذهيب واختصار كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي قال: "إن كتاب الكاشف مختصرٌ جدًّا؛ فتراجمه إنما هي كالعنوان، وأما كتاب "تذهيب التهذيب"؛ فقد أطال الذهبي العبارة فيه، ولم يَزِدْ على ما في التهذيب غالبا" إلى آخر ما قال، وهذا نص ما قاله: "ولما نظرت في هذه الكتب؛ وجدت تراجم "الكاشف" إنما هي كالعنوان تتشوق النفوس إلى الاطلاع على ما وراءه، ثم رأيت للذهبيِّ كتابا سماه "تذهيب التهذيب" أطال فيه العبارة ولم يَعْدُ ما في التهذيب غالبا، وإن زاد؛ ففي بعض الأحايين وَفَيَات بالظن والتخمين، ومناقب لبعض المترجمين مع إهمال كثير من التوثيق والتجريح الذيْن عليهما مدارُ التضعيف والتصحيح).
هذا كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- نعرض إلى ولو نموذج واحد من طريقة عرض الكتاب؛ فمثلا في ترجمة أسامة لا أسامة صحابي أسامة بن زيد صحابي، إنما مثلا أسامة بن زيد الليثيّ؛ فقال في أول الترجمة "خت" رمز لأي كتاب عادة "خت"؟
البخاري في التاريخ.
الدورة أوشكت على الانتهاء ولا زلنا نخطئ في "خب" "وخت" !! ماذا لو كان الكلام على تحرير الأسانيد، والكلام على الجرح والتعديل؟!!
و "4" لأصحاب السنن.
و"خت" و "4" "وميم" يعني خرج له البخاري في "التاريخ"، والأربعة، ومسلم. أسامة بن زيد الليثيِّ مولاهم أبو زيد المدني. هذه ترجمة معرفية؛ أي لن يشترك واحد مع أسامة بن زيد الليثي في هذا القدر من الاسم واسم الأب والنسبة أنه ليثيّ، وأنه مولى أبي زيد المدني.(1/11)
هو طبعا في طبقة طبعة أتباع التابعين في طبقة مالك يعني أسامة بن زيد الليثي في طبقة مالك فيقول: روى عن الزهري ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن المنكدر، وصالح بن كيسان، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة، وعمرو بن شعيب وجماعة.
هؤلاء الذين جل مرويات أسامة بن زيد الليثي مدارها على هؤلاء الشيوخ يعني معظم مروياته تدور حول هؤلاء الشيوخ. فالذهبي -رحمه الله تعالى- ترى في "تهذيب الكمال" أنه يأتي بشيوخ الراوي مُرَتَّبين على حروف ألفباء، هو هنا لم يفعل هذا. الزهري ونافع مولى ابن عمر، نافع في حرف "النون"، وعطاء في حرف "ع" فلم يرتب، وقال: وروى عنه من تلامذته: يحيى القطان، فيحيى القطان حرف "الياء" ومع ذلك قدمه، يحيى القطان وابن المبارك والثوري، وعبد الله بن وهب، والأوزاعيّ، و عبد الرحمن بن عمرو، الدراوردي، وكيع، وأبو نعيمٍ، وغيرهم. فذكر مثلا سبعة ثمانية من مشاهير الرواة الذين تدور غالب مرويات أسامة بن زيد الليثيّ عليهم، واقتصر على هذا، ثم قال: قال أحمد: تركه القطان بأُخَرَةٍ. الإمام أحمد يقول: إن يحيى القطان تركه في الآخر يعني، وقال الأثرم عن أحمد: ليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: روى عن نافع أحاديثَ مناكيرَ، فقلت له: أراه حسنَ الحديث، قال: إن تدبرت حديثه؛ فستعرف فيه النّكرة، وقال ابن معين في رواية أبي بكر بن أبي خيثمة: كان يحيى بن سعيد يُضَعِّفُه يعني القطان، وقال أبو يعلى..(1/12)
معظم كلام أهل العلم إذا نقلوا الكلام في الجرح والتعديل وقالوا يحيى بن سعيد فالمراد به القطان ليس الأنصاريّ؛ لأنَّ الأنصاريّ من صغار التابعين، وليس له كلام في الجرح والتعديل، وقال أبو يعلى الموصلي عنه: ثقة صالح، وقال عثمان الدارمي عنه: ليس به بأس، وقال الدوريّ وغيره عنه يعني عن ابن معين يعني عثمان الدارمي عنه يعني ابن معين: ليس به بأس، وقال الدوري وغيره: ثقة زاد غيرُه حجةً، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو أحمد بن عدي: يَرْوي عنه الثوريّ وجماعة من الثقات، فستجد هنا أن الحافظ ابن حجر لما ذكر الجرح والتعديل؛ رتب الكلام؛ فيذكر كلام الجرح، ثم يذكر بعد ذلك كلام التعديل.
فهو نقل كلام يحيى القطان، وكلام الإمام أحمد في روايتين: مرة رواية عبد الله ابنه، ومرة رواية الأثرم، ثم يذكر بعد ذلك كلام مَنْ عَدَّلَ فذكر كلام أبي يعلى وكلام ابن معين في رواية الدارميّ، وكلام ابن معين في رواية الدوريّ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو أحمد بن عدي: يروي عنه الثوري وجماعة من الثقات، ويروي عنه ابن وهب نسخةً صالحةً، وهو كما قال ابن معين: ليس بحديثه بأس، وهو خير من أسامة بن زيد بن أسلم يعني العدوي.
قلت: ..
هذا بداية كلام مَنْ؟
الحافظ ابن حجر
الحافظ ابن حجر يذكر بقية هذا الكلام إلى آخره هو كلام الحافظ ابن حجر، قال:(1/13)
قلت: وقال البرقي عن ابن معين: أنكروا عليه أحاديث، وقال ابن نُمَيْر: مَدَنيّ مشهور، وقال العجلي: ثقة، وقال الآجريُّ عن أبي داود: صالح إلا أن يحيى -يعني ابن سعيد- أمسك عنه بأخرة، وذكره ابن المديني في الطبقة الخامسة من أصحاب نافع، وقال الدار قطني لما سمع يحيى القطان أنه حدث عن عطاء عن جابر رفعه: "أيام منى كلها نحر" قال: اشهدوا أني قد تركت حديثا، قال الدارقطنيّ: فمن أجل هذا تركه البخاريّ، وقال الحاكم في "المدخل": روى له مسلم، واستدللت بكثرة روايته له على أنه –عنده- صحيحُ الكتاب، على أن أكثر تلك الأحاديث مُسْتَشْهَدٌ بها أو هو مقرون في الإسناد".
على آية حال الكلام يطول بعض الشيء، وذكر سنة الوفاء وذكر كلام أئمة آخرين من أئمة الجرح والتعديل.
هذه طريقة عرض الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- لترجمة مثل ترجمة أسامة بن زيد الليثي، وهو راوٍ مختلفٌ فيه، ويحتاج الفصل فيه إلى تحرير حاله يعني إلى جمع مرويات، وعرض مروياته على مرويات الثقات. على أن أمثال الإمام أحمد –كقرينة- كأمثال الإمام أحمد ويحيى القطان لا يَتركون حديث الراوي إلا إذا استرابوا منه.
(والحقيقة التي لا مِرْيَةَ فيها أن كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر كتاب قَيِّمٌ مُحَرَّرٌ مفيدٌ، وقد بذل الحافظ ابن حجر فيه جهدا كبيرا واضحا، وقد اختصرَ ما يستحق الاختصار، وزاد ما يستحق الزيادة)
هذا الصحيح، فالكلام مُكرر قال: وقد اختصر ما يستحق الاختصار وزاد ما يستحق الزيادة، فهناك كلام كثير ثلاث كلمات زيدت؛ فتُحذف.
(وحَرَّر وهَذَّبَ واستعان -مع اطلاعه الواسع- بعددٍ من المصنفاتِ في إخراج هذا الكتاب بشكل مرضيٍّ؛ فجزاه الله خيرا على صنيعه هذا، وأجزل مثوبته!!)(1/14)
لكن على أية حال الكتاب إلى الآن لم يخدم "تهذيب التهذيب" أعني هذه الطبعة الهندية التي طبعت في الهند بتصحيح بعض الفضلاء؛ كالشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني -رحمه الله- وغيره لا تزال النسخة فيها تصحيفاتٌ كثيرة جدا، وفيها أغلاط، وأعرف أن شيخنا فضيلة الشيخ أحمد معبد -حفظه الله تعالى- له جهد مشكور على تحقيق الكتاب لكن لم يخرج إلى الآن فسيكون -إن شاء الله تعالى- عملا نفيسًا بإذن الله تعالى.
(وهو أجودُ الكتبِ وأدقُّها بين الكتب التي عَملت على اختصار وتهذيب كتاب الحافظ المزي، وعلى وجه الخصوص هو أجود من كتاب "تذهيب التهذيب" للذهبي؛ للميزات الكثيرة التي تُميزه عنه التي أشار إليها ابن حجر في مقدمة كتابه "تهذيب التهذيب".
وما قاله الحافظ عن كتاب "الكاشف"؛ فقد ذكرت ما فيه قبل قليل، وأما ما يقوله البعض في هذه الأيام من أن الحافظ ابن حجر قد اختصر كتاب المزيِّ فأخل بكثير من مقاصده بل ربما بالغ بعضهم؛ فقال: لقد نَسَخَ ابنُ حجر كتابَ المزيّ وأفسده محتجين بأن الحافظ ابن حجر قد حذف كثيرًا من شيوخ وتلاميذ كثيرٍ من المترجَمين وأنَّ ذِكْرَ هؤلاء الشيوخ والتلاميذ له فائدة كبيرة لا تخفى على المشتغلين بالحديث وعلم الرجال.
فالجواب: أننا لا ننكر فائدة ذكر هؤلاء الشيوخ والتلاميذ، لكن يقال: إن موضوع الاختصار والتهذيب هو هذا وليس كل مراجع يستفيد من معرفة كل هؤلاء الشيوخ والتلاميذ، ومن أراد التوسع أو احتاج إلى معرفة بعضهم؛ فليرجع إلى الأصل؛ إذ من المعروف أنه لا تغني المختصرات عن أصولها في كل شيء.
ومن جهة ثانية؛ فليس في الكتاب ما يُنْتَقَدُ إلا هذا، مع أن في اختصار كثير من الشيوخ والتلاميذ لبعض المترجمين وجهةَ نظر وليست خطأً وقع فيه ابن حجر.(1/15)
وأخيراً؛ فلو أنصف المرء فذكر حسنات الكتاب الكثيرة لا سيما حذفه كثيرًا من الأحاديث العوالي التي أوردها المزي من روايته؛ لأَقَرَّ بأن عمل الحافظ ابن حجر في هذا الكتاب عملٌ نافعٌ مشكورٌ، وأن الكتاب من خيرة الكتب في معرفة تراجم رجال الكتب الستة والله أعلم).
يعني الكتاب لا شك فيه نفعٌ، وفيه فوائد وتحريرات جيدة، وخاصة في تحرير وَفَيَات الراوي، لكن نقول إن الأصل موجود، يعني "تهذيب الكمال" مطبوع وموجود ومتداول، ومن أراد الرجوع للأصل؛ فله هذا.
لكن بقي الكلام -كما ذكرت- إن كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر لا يصلح في تعيين الرواة، وتعيين الرواة المحطة الأولى في دراسة الأسانيد، كيف يتدرب الراوي على معرفة المشتبهين؟! ويأتي مثلاً إذا نظرت في كتاب "المشتبه في تبصير المنتبه" أو غيره من الكتب أو "المتفق والمفترق" أو غيره من هذه الأشياء المتشابكة المتلاحمة لا يمكن كتاب "تهذيب التهذيب" ينفع في هذه المسألة، والطالب الذي يدرس أسانيد المرحلة الأولى من هذه الدراسة -يا إخواننا!- هي الوقوف على حقيقة الراوي التي هي الترجمة المعرفية.
أنت تأتيك في الإسناد أناس مثلاً إذا قال في إسناد: سفيان ولم يبين أهو الثوري أم ابن عيينة؟! وهم في طبقة واحدة، إذا قال: حماد أهو ابن زيد أم ابن سلمة؟! والاثنان في طبقة واحدة، كيف لك بالتمييز أو الجزم بأن هذا الثوري أم ابن عيينة إلا بالرجوع للشيوخ والتلاميذ، وأنت بادئ لا تدري. فمن عندهم ملكات، ولهم قدم راسخة في هذا العلم بالنظر في الإسناد يستطيع تعيينَ الراوي، يقول: هذا الثوري؛ لأن فلانا مختصٌّ به، وهذا ابن عيينه، هذا مالك مختص مثلاً بالزهري أو نحو ذلك من الاعتبارات.(1/16)
أما الطالب المبتدئ المسكين لا يدري؛ فلا بد له من الرجوع لكتاب يوقفه على حقيقة من هو الراوي المقصود في هذا الإسناد بعينه. فصار الكلام -كما قلت- إن "تهذيب التهذيب" على جلالة قدر مصنفه، وفائدة الكتاب العظيمة في تحرير بعض الوفيات، وزيادات في الجرح والتعديل ونحو ذلك إلا أن الطالب الذي يبحث عن تعيين راوٍ لا يمكن له أبداً استخدام "تهذيب التهذيب"، ولو استخدمه؛ سيضل ولا يصل إلى الحقيقة بحال من الأحوال.
(سابعًا: "تقريب التهذيب":
هو كتاب مختصر جدًّا، اختصر فيه الحافظ ابن حجر كتابه "تهذيب التهذيب" في نحو سدس حجمه، وذكر في مقدمته أن الداعي لتصنيف هذا الكتاب هو طلب بعض إخوانه منه أن يجرد له أسماء الأشخاص المترجمين في كتابه "تهذيب التهذيب" خاصة، وأنه لم يجبه إلى طلبه أولاً، ثم رأى إجابته على وجه يحصل مقصودُه بالإفادة، ثم ذكر طريقته في عرض ترجمة كل راو، وإليك ما قاله الحافظ نفسُه؛ لتقف على وصف الكتاب من تعبير مصنفه، قال -رحمه الله- بعد أن ذكر أنه لما فرغ من تصنيف كتابه "تهذيب التهذيب" وأنه وقع من طلبة الفن").
(من طلبة الفن) يعني من طلبة الحديث.
(وأنه وقع من طلبة الفن موقعاً حسناً، وأنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل والثلث كثير ما يلي:(1/17)
"فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة؛ فلم أوثر ذلك لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته على وجه يحصل مقصوده بالإفادة، ويتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة، وهي أني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وَأَعْدَلَ ما وصف به بألخص عبارة وأخلص إشارة بحيث لا تزيد كل ترجمته على سطرٍ واحدٍ غالباً، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يُشْكل من ذلك بالحروف ثم صفته التي يَخْتص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسُه، وقد مشى في كتابه هذا على النحو التالي).(1/18)
كتاب "تقريب التهذيب" الحافظ ابن حجر اختصره، وكان كالمذكرة، الطالب يذاكر ثم يختصر ما ذاكره في شيء يسير، فكتاب "التقريب" للأسف الشديد كثير من طلبة الدراسات العليا وبعض الباحثين يعمد إلى جعل كتاب "تقريب التهذيب" حكمًا وفصلا نهائيًّا في حال الراوي، نعم في المشاهير مشاهير الثقات ومشاهير الضعفاء هو كذلك، أما في المراتب التي هي مواطن الخلاف؛ كصدوق يهم، أو صدوق له أوهام، أو نحو ذلك التي هي -كما ذكرنا- في مراتب الجرح والتعديل فتكون الخامسة والسادسة من مراتب التعديل والأولى والثانية من مراتب التجريح، هذه المنطقة منطقة تُسَبِّبُ حرجا شديدا، وتحتاج إلى بحثٍ جيدٍ وتحرير وجهدٍ يُبذل فجاء الحافظ -رحمه الله- في مثل هذا الجوِّ الذي يحتاج إلى بحث اختصر الكلام بعبارة واحدة، فلا شك أن حصل –هنا- كلامٌ كثيرٌ من الأخذ والرد، ويأتي الباحثون المعاصرون فيعتبرون اعتبارات ليست من التأصيل العلميّ في شيء، فكلّ ما قال فيه: صدوق؛ فحديثه حسن، وكل ما قال فيه: ثقة؛ فحديثه صحيح، هذه اعتبارات ليست بصحيحة، وإنما الأمر يحتاج عند الحكم على الراوي كحكم نهائي إلى اعتبار كلام أئمة الجرح والتعديل، واعتبار القرائن إلى غير ذلك.
تجد مثلاً في ترجمة بكار بن عبد العزيز الثقفي، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "صدوق يهم". عندما يقول: "صدوق يهم" معنى ذلك أن الراوي مثلاً له سبعون ثمانون حديثا ويخطئ فيهم، في حين أن ابن معين -رحمه الله تعالى- قال في بكار بن عبد العزيز الثقفي: ليس بشيء، "ليس بشيء" عند ابن معين معناها أن الراوي قليلُ الرواية لا يستحق الاهتمامَ به.
عرفت؟ فجملة ما لهذا الراوي = بكار بن عبد العزيز الثقفي ليس له في الكتب إلا حديثان موصولان وحديث معلق، هذا جل ما له. فعندما يأتي الحافظ ابن حجر يقول: "صدوق يهم" يهم في ماذا وكل ما له من روايات حديثان؟! يهم في ماذا ويخطئ في ماذا؟(1/19)
خذ من هذا كثيرا كلمة "صدوق يهم" في راو ليس له إلا حديثن أو ثلاثة هذا كلام كثير، فهذه المنطقة التي تُعتبر الخامسة والسادسة من مراتب التعديل، والأولى والثانية من مراتب الجرح، هذه من المواطن التي لا يَصْلُحُ الاعتماد على كلمة الحافظ ككلامٍ نهائيٍّ في الراوي، وإنما لا بد من الرجوع إلى كلام أئمة الجرح والتعديل واعتبار حال الراوي، والنظر في القرائن. ومن هنا يأتي الخلطُ لكثيرٍ من المصنفين في العصر الحديث، أو من المتكلمين في هذا العلم الشريف، يأتي عندهم الأوهام والأخطاء والتساهلات إلى غير ذلك من الأمور.
أولاً: ذكر جميع التراجم التي في "تهذيب التهذيب" ولم يقتصر على تراجم رواة الكتب الستة كما فعل الذهبي في "الكاشف"، كما رَتَّبَ التراجم على الترتيبِ نفسه الذي مشى عليه في "التهذيب".
ثانيًا: رَمَزَ بالرموز التي ذكرها في "تهذيب التهذيب" نفسها، إلا أنه غَيَّرَ رمزَ السنن الأربعة إذا كانت مجتمعةً، فقد رمز إليها في "التهذيب" بـ "4"، وفي هذا الكتاب بـ"عم"، كما أنه زاد رمزًا لم يكن في "التهذيب" وهو كلمة "تمييز"، وهي إشارةٌ إلى من ليست له رواية في المصنفات التي هي موضوع الكتاب.
ثالثًا: ذكر مراتب الرواة في المقدمة، وجعلهم محصورين في اثنتي عشرة مرتبة، وذكر ألفاظ الجرح والتعديل المقابلة لكل مرتبة. فعلى المراجع في هذا الكتاب أن ينتبه إلى هذه المراتب، وما يقابلها من الألفاظ حتى لا يقع في لبس أو خطإ؛ لأنه ربما اصطلح في بعضها اصطلاحًا خاصًّا به في هذا الكتاب.
رابعًا: ذكر في مقدمة الكتاب أيضًا طبقات الرواة المترجمين، وجعلهم اثنتي عشرة طبقة أيضًا، وينبغي لزامًا معرفةُ تلك الطبقات قبل المراجعة في الكتاب حتى يعرف المراجع ذلك الاصطلاح الخاص لابن حجر في هذا الكتاب).(1/20)
الحافظ -رحمه الله تعالى- قال: اصطلح على أن الرواة المذكورين في "التقريب" قبل المائة الأولى هم أصحاب الطبقة الأولى والثانية، فيقول مثلاً في ترجمة أي صحابي فهذا من الطبقة الأولى، تابعيّ من الطبقة، إلى الذي مات قبل المائة هو في الطبقة الأولى والثانية، ويقول مات سنة مثلاً ثمانية وثمانين، سنة ثمانية وتسعين ونحو ذلك.
من الثالثة إلى الثامنة بعد المائة، كل ما كان بعد المائة الأولى من الهجرة فيكون هو من الثالثة إلى الثامنة، فيقول مثلاً من الرابعة، من الخامسة، من السادسة ويقول مثلاً: من السادسة مات سنة ثمانية وثمانين، هل يكون الذي في السادسة الذي مات سنة ثمانية وثمانين مثل الذي في الثانية الذي مات سنة ثمانية وثمانين أم بينهما فرق؟! بينهما فرق، الذي في ثمانية وثمانين في الأولى والثانية يعني ثمانية وثمانين هجريًّا وثمانية وثمانين بعد الثانية معناها يعني مائة وثمانية وثمانين، والذي بعد الثامنة إلى الثانية عشر يبقى مات بعد المائتين، فهذه الثلاث مراحل العمرية التي يذكرها الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في كتاب "تقريب التهذيب".
(خامسًا: زاد على "التهذيب" فصلاً في آخر الكتاب يتعلق بِبَيَان المبهمات من النسوة على ترتيب من روى عنهن رجالاً ونساءً، والكتابُ جيد مفيد كافٍ لطلبة العلم المبتدئين في الفن).
لا يكفي ولا حاجة، الطالب المبتدئ يذهب إلى المطولات ليعرف كيف يعين الراوي، إنما هو لن يفهم، يعني إذا قرأ في "تقريب التهذيب" كيف يُحَصِّل من ورائه تأصيلا علميًّا وبناء لطالب علم، هذا كلام يحتاج إليه الممارس، لا يحتاج إليه المبتدئ.
((1/21)
لا سيما في موضوع الحكم على الشخص من حيث الجرحُ والتعديلُ، فإنه يعطي المراجع عصارة الأقوال فيه، لكنه مضغوط جدًّا، ويُلاحَظ عليه بشكل خاصّ عدمُ ذكره أي شيخ أو تلميذ للمترجم لهم في جميع الكتاب، ولذلك يتميز كتاب "الكاشف" للذهبي، وكتاب "الخلاصة" للخزرجي على كتاب "التقريب" هذا، والله أعلم.
وهذا نموذج من التراجم:
عبد الله بن عاصم الحِمَّاني بكسر المهملة وتشديد الميم، أبو سعيد البصري، صدوق من العاشر ق).
(صدوق من العاشرة)، هذا خطأ الطبقة العاشرة.
و(ق).
و(ق) يعني خَرَّجَ له ابن ماجه.
(القاسم بن الليث بن مسرور الرسعني، أبو صالح نزيل تِنِّيس، ثقة من الثانية عشرة، مات سنة أربع وثلاثمائة).
معنى هذا أنه مات سنة كم لما يقول (من الثانية عشرة، مات سنة أربعة وثلاثمائة) معناها مات سنة كم؟
الطبقة الثانية عشر.
نعم.. يعني أربعة وثلاثمائة. ثلاثمائة بعيد؛ لأن شيوخ الأئمة آخرهم زمنًا ثلاثمائة وثلاثة أصحاب الكتب الستة آخرهم زمنًا ثلاثمائة وثلاثة، فكيف يروي عن شيخ مات سنة ثلاثمائة وأربعة؟! تحتاج إلى نظر وتحرير على أية حال.. هو إذا قال في الطبقة الأولى والثانية يعني في المائة الأولى من الثالثة إلى الثامنة يعني بعد المائة الأولى، يعني مائة وعشرة إلى مائة وتسعة وتسعين، من مائتين وبعدها فيقول مثلاً من التاسعة من العاشرة من الحادية عشر من الثانية عشرة معناها أن هذا بعد المائتين، بعد المائتين هل تصل إلى أربعة وثلاثمائة؟ قد يكون هذا يحتاج إلى نظر وتحرير.
إجابة أسئلة الحلقة السابقة.
السؤال الأول: عرف بكتاب "التاريخ الكبير" للبخاري، وبين منهج البخاري -رحمه الله تعالى- فيه.
وكانت الإجابة: "التاريخ الكبير" للإمام البخاري -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة:(1/22)
وهو كتاب كبير اشتمل على اثتني عشر ألفا وثلاثمائة وخمسة عشر ترجمة كما في النسخة المطبوعة المرقمة وقد رتبه البخاري -رحمه الله تعالى- على حروف المعجم. لكن بالنسبة للحرف الأول من الاسم والحرف الأول من اسم الأب، لكنه بدأ الكتاب بأسماء المحمدين؛ لشرف اسم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أنه قدم في كل اسم أسماء الصحابة أولاً بدون النظر إلى أسماء آبائهم، ثم ذكر بعد ذلك بقية الأسماء ملاحظًا ترتيب أسماء آبائهم، ويذكر البخاريُّ ألفاظ الجرح والتعديل لكنه يستعمل عبارات لطيفة في الجرح؛ فيقول مثلاً: فيه نظر، أو: سكتوا عنه، وأشد ما يقوله من العبارات في الجرح: منكر الحديث.
واصطلاح البخاري في هذه العبارات هو أنه يقول: فلان فيه نظر، أو فلان سكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، وأما إذا قال: فلان منكر الحديث؛ فلا تحل الرواية عنه، وكثيرًا ما يسكت عن الرجل فلا يذكر فيه توثيقًا ولا تجريحًا، ومعنى ذلك أنه لا يوثقه ولا يجرحه.
.. النص من الكتاب المدروس، لكن لا بأس إن شاء الله تعالى.
يقول: حضرتك قلت يا شيخ: عند المعاصرين يأتي في الطبقة الخامسة والسادسة من التعديل، والأولى والثانية في الجرح فيكون فيه لبس.
هذه منطقة خطرة جدًّا، يعني أكثر ما يقع الوهم بسبب ذلك، يعني من خمسة وستة.
فهل لطالب العلم أن يأخذ بكلام المتأخرين ويترك كلام المعاصرين في الأخذ من هذا....
طالب العلم المبتدئ هذا مُقلد، يعني لن يستطيع الاستقلال بكلام في راوٍ، هو مقلد يعني يتعلم، يعتبر كلام أهل العلم الموجود في المدونات الكبيرة في الجرح والتعديل، وهذا علم يحتاج إلى توقيف، بمعنى ماذا؟ بمعنى يحتاج إلى جلوس تحت يد شيخ، مسألة الاستقلال بالتصحيح والتضعيف بقيت "موضة"، وكثر الشباب المتهجمون على قضايا التصحيح والتضعيف بشكل زائد جدًّا جدًّا فصارت أزمة في درس الحديث.(1/23)
أنا أقصد لو وصل لهذا الطالب أخيرًا أن الراوي هذا ضعفه الإمام أحمد، وجاء أحد المعاصرين مثلاً وأخذ عنه الحديث وحسنه، فهل يرجع الطالب لكلام المتأخر ويترك كلام المعاصر هل هذا ينفع؟.
يعني نحن عندنا كمراحل زمنية في هذا العلم عندنا متقدمون إلى آخر عصور التدوين القرن الرابع مثلاً أو الخامس وهناك متأخرون إلى عصر السيوطي مثلاً وما بعده بقليل، وهناك معاصرون، فصار هناك معاصرون ومتأخرون ومتقدمون، المتقدمون حكم على من وراءهم، فالذي يريد أن يتمسك بشيء يتمسك بكلام الأئمة الكبار الذين من عندهم خرج هذا العلم، إليهم الرد وعليهم المعول في التجريح والتعديل والتصحيح والتضعيف؛ لأن المدارس طبعًا علم الحديث كلما نزلت كلما تقل الملكات وتقل الخبرات عمَّا وراء ذلك الأئمة القدامى الذين هم في القرون الثاني والثالث والرابع ونحو ذلك كانوا أئمة موسوعيين وكانوا يحفظون مئات الألوف من الأسانيد والمتون، وهم الحُكَّام في هذا العلم على من وراءهم، فالمتأخر والمعاصر يجب عليه الرجوع لكلام الإمام المتقدم.
أسئلة الحلقة.
عندنا سؤال واحد: عَرِّف بكتاب "تهذيب التهذيب" وبَيِّن طريقته فيه، وما الفرق بينه وبين أصله "تهذيب الكمال"؟
والله أعلم والحمد لله، وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(1/24)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الحادي والعشرون
تابع مختصرات "تذهيب التهذيب"
أحمد الله تعالى، وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد وآله وصحبه.
الحمد لله في الحلقات الماضية تكلمنا على كتابٍ جليلٍ من كتب هذا الفن وهو دراسة الأسانيد كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزيّ، والجهود المبذولة عليه من الاختصارات المتنوعة والمتعددة، مع تنوع مناهجها وطريقة أصحابها، فذكرنا اختصار الحافظ الذهبي في كتابه "تذهيب التهذيب" واختصاره الآخر الذي هو "الكاشف في معرفة الرجال وأحوالها" في ثلاثة مجلدات، وذكرنا أيضا جهود الحافظ ابن حجر -رحمه الله- تلك الجهود المشكورة على هذا الكتاب، وهو أنه اختصره في "تهذيب التهذيب"، وأبدع في هذا الاختصار وأجاد وأفاد -رحمه الله تعالى- ومختصره الآخر الذي هو أصغر منه كتاب "تقريب التهذيب".
في هذه الحلقة بإذن الله -تعالى- نتعرض للكلام على مختصر آخر من مختصرات "تذهيب التهذيب" للحافظ ابن حجر، وهو كتاب الإمام الخزرجي صفيِّ الدين أحمد بن عبد الله، وبعد أن ننتهي منه ننتقل إلى بقية الكتب التي تخدم، وتعين على تَفَهُّمِ هذا الدرس، وهو الكلام على كتب الثقات، والكلام على كتب الضعفاء، ثم بعدها ننتقل -إن شاء الله تعالى- إلى الجزء العمليِّ من هذه الدراسة، والفصل الثالث وهو كيفية دراسة الأسانيد.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
(ثامنًا: "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال":
ثم جاء الحافظ صفيُّ الدين أحمد بن عبد الله الخزرجيّ الأنصاريّ الساعديّ المولود سنة تسعمائة للهجرة، فاختصر كتاب "تذهيب التهذيب" للذهبي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة للهجرة في كتاب "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال").(1/1)
وكان له من السن في هذا الوقت ثلاث وعشرون سنة، الخزرجي عند اختصاره لهذا الكتاب، طبعا هو تَأَهَّلَ قَبْلَ ذلك، لم يفتح عينيه على تلخيص كتاب الذهبي، وإنما هو دَرَسَ وتَأَهَّل ولما تمكن من التصنيف؛ اختصر الكتاب، وله من السن ثلاث وعشرون سنة.
(في مجلد كبير طُبع سنة واحد وثلاثمائة وألف للهجرة بالمطبعة الميرية بالقاهرة، وقد قال مصنفه في مقدمته الصغيرة:
"وبعد؛ فهذا مختصر في أسماء الرجال اختصرته من "تذهيب تهذيب الكمال"، وضَبَطْتُ ما يحتاج إلى ضبطه في غالب الأحوال، وزدت فيه زياداتٍ مفيدةً، وَوَفَيَاتٍ عديدةً من الكتب المعتمدة، والنقول المسندة أسأل الله -تعالى-التوفيق، والهدى إلى سواء الطريق بمنه وكرمه! آمين".
وقد مشى المصنف في هذا الكتاب على النحو التالي:
أولا: ترجم للرواة المخرج لهم في الكتب الستة، وأشهرِ مصنفات أصحابها التي ترجم الذهبيّ في "تذهيبه" لرجالها، ومجموع تلك المصنفات مع الكتب الستة الأصول خمسة وعشرون، وهي المصنفاتُ التي ذكرها المزيّ في "تهذيبه" نفسها.
ثانيا: ذكر رموز تلك المصنفات في المقدمة، وعددها سبعة وعشرون رمزا، وهي الرموز التي ذكرها المزي، ثم الذهبي في "تذهيبه" لكنه زاد عليها رمزا آخر، وهو كلمة "تمييز"، وتُذكر مع الراوي الذي ليس له روايةٌ في المصنفات المترجم لرواتها في هذا الكتاب.
ثالثا: قَسَّمَ الكتاب إلى كتابين:
الكتاب الأول: وخصصه لتراجمِ الرجال.
والكتاب الثاني: وخَصَّصَه لتراجمِ النساء.
وقَسَّمَ كتابَ الرجال إلى قسمين وخاتمة؛ فالقسم الأول جعله في ترتيبهم على الأسماء، والقسم الثاني جعله في ترتيبهم على الكُنَى وجعله نوعين.).
على أية حال كتاب الخزرجي كتاب يقع في مجلد كبير ضخم اختصر فيه كتاب "التذهيب" للحافظ الذهبيِّ -رحمه الله-.(1/2)
كتاب "الكاشف" للذهبيِّ أرقى منه خدمةً بحيث امتاز الذهبيُّ -رحمه الله- بذكر ثلاثة أو اثنين من مشاهير شيوخ الراوي وتلاميذه مع تحقيقات الذهبي النفيسة، وكلامه المختصر المفيد في هذه المسألة؛ فلا نطيل الكلام –حقيقة- في الكلام على كتاب الخزرجي؛ لأنه من حيث الفائدة، ومن حيث الجدوى الرجوع إليه قليلٌ في دراسة الأسانيد.
أنا أرى أن نُهملَ بقيةَ الكلامِ هذا في كتاب الخزرجي، ونقرأ نموذج منه في صفحة 171 لننتقل بعدها للكلام على المصنفات في الثقات والضعفاء.
صفحة 171
في آخرها: وهذه نماذج من الكتاب.
(وهذه نماذجُ مِنَ الكتابِ:
أولا: "خ" "عم" يقصد البخاري)، "وعم" هذه يا شيخ ماذا يقصد بها؟
السنن الأربعة.
(زيد بن أخزم –بِمُعْجَمَتَيْنِ- الطائي أبو طالب البصري الحافظ، عن يحيى القطان، وسَلَم بن قتيبة، ومعاذ بن هشام، وعنه البخاري، والأربعة. وثقه أبو حاتم، قتله الزِّنج بالبصرة سنة 257.
ثانيا: الترمذيّ والنسائيّ زيد بن ظبيان الكوفي عن أبي ذر وعنه ربعي بن خراش)
هذا هو في كثير من التراجم حذف كلام الذهبي المنقول في كتاب "الكاشف" والكتابِ الأصليِّ؛ لأن الذهبي وإن ذَكَرَ..، وهذا الكتاب أَشَدُّ شيءٍ فيه من العيوب المأخوذة عليه أنه حذف الكلام في الجرح والتعديل، فيقول مثلا في زيد بن ظبيان الكوفي عن أبي ذر وعنه ربعي بن خراش.
(ثالثا: الأربعة عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي، عن علي وعنه حبيب بن أبي ثابت والحكم بن عتيبة، وثقه ابن المديني وابن معين، وتكلم فيه غيرهما، قال خليفة: مات ستة 174.
رابعا: أبو داود عبد الرحمن بن قيس العتكي –بِمُثَنَّاة- أبو روح البصري عن يحيى بن يعمر وعنه يحيى القطان)
هنا انتهى الكلام على كتاب الحافظ الخزرجي -رحمه الله تعالى- الذي اختصر "تذهيب تهذيب للحافظ الذهبيِّ" وبدأ الكلام هنا بكتاب آخر، وهو كتاب الحسين الدمشقي اسمه "التذكرة برجال العشرة".(1/3)
نكمل من "كتاب التذكرة برجال العشرة للحسيني"، أول صفحة 172 بعد الأمثلة التي ذكرها من كتاب الخزرجي.
("التذكرة برجال العشرة":
لأبي عبد الله محمد بن علي الحسيني الدمشقي المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة للهجرة. هذا الكتاب يشتمل على تراجم رواةِ عشرةٍ من كتب السنة، وهي الكتب الستة التي هي موضوع كتاب "تهذيب الكمال" للمزي بالإضافة إلى أربعة كتب لأصحاب أئمة المذاهب الأربعة، وهي: "الموطأ" "ومسند الشافعي"، و"مسند أحمد" "والمسند الذي خَرَّجه الحسين بن محمد بن خُسْرو من حديث أبي حنيفة".
لكنه لم يذكر رجال بعض المصنفات التي لأصحاب الكتب الستة، كما فعل شيخه المزي، وإنما اقتصر على رجال الكتب الستة فقط بالإضافة إلى رجال الكتب الأربعة المذكورة ورمز لمالك "ك"، وللشافعي "فع"، ولأبي حنيفة "فه"، ولأحمد "أ"، ولمن أخرج له عبد الله بن أحمد عن غير عن أبيه "عب"، وترك رموز الستة على حالها كما رمز لها المزي).
لم يضف ما أضافه المزي من زيادات كتب لأصحاب الكتب الستة؛ كـ: "مقدمة مسلم"، "والتمييز" لمسلم، "وخصائص عليّ" للنسائي، "وعلل الترمذي"، لم يذكر هذه، وإنما اقتصر على الكتب الستة فقط، وكتب أصحاب المذاهب الأربعة: "موطأ مالك"، و"مسند الشافعي"، و"مسند أبي حنيفة"، و"مسند أحمد" -رحمهم الله-.
(وغايته من هذا التصنيف أن يجمع أشهر الرواة في القرون الثلاثة الفاضلة الذين اعتمدهم أصحاب المصنفات الستة المشهورة وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة.
وهو كتاب جيد نافع توجد منه نسخ مخطوطة كاملة لكنه..)
يريد أن يقول: "لكنه لم يطبع" هناك سقط في الكلام، ويقصد لكنه لم يطبع، لكن طبع بعد ذلك كتاب الحسيني وهو موجود منتشر.
( ز- "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة" للحافظ ابن حجر العسقلانيّ:(1/4)
هذا الكتاب أفرده الحافظ ابن حجر للرجال الموجودين في المصنفات الحديثيّة المشهورة التي لأصحاب المذاهب الأربعة ممن لم يترجم لهم المزي في "تهذيبه".
وقد اطلع مؤلفه على كتاب "التذكرة" للحسيني، واستفاد منه، والتقط منه تراجم الرجال الذين لم يترجم لهم المزي في "تهذيبه". لكنه تعقبه في بعض أوهامه، وزاد عليه تراجم تتبعها من كتاب "الغرائب عن مالك" الذي جمعه الدارقطني، وكتاب "معرفة السنن والآثار للبيهقي"، وكتاب "الزهد" لأحمد، وكتاب "الآثار" لمحمد بن الحسن) يقصد الشيباني يا شيخ؟
نعم.
("وكتاب الآثار" لمحمد بن الحسن، والتي ليست في كتب أصحاب المذاهب الأربعة التي ذكرها الحسينيّ، وترك الرموز للأئمة الأربعة على ما اختاره الشريف الحسيني في كتابه "التذكرة"، وزاد رمزا واحدا، وهو "هب" وهو رمز لكل راوٍ استدركه نور الدين الهيثمي على الحسيني في كتابه "الإكمال عن من في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في "تهذيب الكمال".
وقد قال مؤلفه في مقدمته: " ... وبانضمام هذه المذكورات يصير "تعجيل المنفعة" إذا انضمَّ إلى رجال التهذيب حاويًا -إن شاء الله تعالى- لغالب رواة الحديث في القرون الفاضلة إلى رأس الثلاثمائة" وهو كما قال رحمه الله وأثابه والحافظ الحسيني وأمثالهما من علماء المسلمين!)
يعني إذا ضَمَّ إلى "تهذيب الكمال" كتابَ "تعجيل المنفعة لزوائد الأربعة" للحافظ ابن حجر؛ فقد ضَمَّ ذلك جُلَّ رواة الحديث في القرون الثلاثة التي عليها شأن علم الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف.
بعد ذلك الكلام على المصنفات في الثقات فقط، وليس معنى هذا أن الثقات بمعنى أنك لا تنظر في حال الراوي بعد ذلك، وإنما هم جمعوا حَسَبَ ما يَرَوْنَ.
الإمام ابن حبان -رحمه الله تعالى- والإمام العجلي كُلٌّ منهما جمع في كتابه ما يظن أنه من ثقات الرواة، وإن تُكُلِّمَ على منهج ابن حبان، وعلى منهج العجليِّ بأنهما متساهلان في التصحيح والتضعيف، والجرح والتعديل.
((1/5)
خامسا: المصنفات في الثقات خاصة:
والمصنفات في النوع متعددة أشهرها:
أ- "كتاب الثقات" لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي المتوفى سنة 261 للهجرة.
ب- "كتاب الثقات" لمحمد بن أحمد بن حبان البُسْتِيّ المتوفى سنة 354 للهجرة.
وقد رتبه مؤلفه على الطبقات، ثم رتب أسماء كل طبقة على حروف المعجم داخل تلك الطبقة، وقد جعله من ثلاثة أجزاء. جعل الجزء الأول لطبقة الصحابة، والجزء الثاني لطبقة التابعين، والجزء الثالث لطبقة أتباع التابعين.
هذا وينبغي التنبه إلى أن توثيقَ ابن حبان من أدنى درجات التوثيق، قال العلامة الكِتَّانِيُّ عن هذا الكتاب: "إلا أنه ذكر فيه عددا كثيرًا، وخلقا عظيما من المجهولين الذين لا يعرف هؤلاء غيرُه أحوالهم، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح، وإن كان مجهولا لم يُعْرَفْ حالُه.)
قلنا في الفصل الأول من فصول دراسة الأسانيد، وهو الكلام على الجرح والتعديل إن الراوي لكي ترتفع عنه الجهالة لا بد من رواية اثنين عنه، وأن ينص واحدٌ على الأقل من أهل العلم بأن هذا الراوي ثقة أو مجروح، المهم يُعرف حال الراوي برواية اثنين عنهم مع تنصيص أحد من أهل العلم على حال هذا الراوي على تعديله.
فابن حبان -رحمه الله تعالى- يأتي برواة كثيرين في كتابه "الثقات" يقول: فلان بن فلان لا أدري من هو، ولا من أبوه مجرد أن اسمه وقع في الأسانيد، مجرد أن اسمه وقع في أسانيد المتون، فيأتي بالراوي باسمه واسم أبيه، ويقول: لا أعرف من هو ولا من أبوه، وهذا كثير جدا في الرواة، وهؤلاء مجهولون ويعتبرون مجهولين جهالةَ عين؛ أي يُرَدُّ الحديثُ بأمثال وأشباه هؤلاء.
إذا ذكر ابن حبان راويا وسكت عنه؛ أي لم يقل فيه جرحا ولا تعديلا؛ فبعض أهل العلم؛ كالشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- ينتهج منهجا وهو أن المسكوت عنهم الذين سكت عنهم ابن حبان في كتابه "الثقات" مع إيراد البخاري لهم في "التاريخ الكبير" يعتبر أن هذا توثيقا للراوي.(1/6)
وهذا كلام فيه من التساهل ما فيه؛ فكتاب ابن حبان كتابٌ جَمَعَ لكن ليس فيه ذاك التحرير الذي يعتمد عليه في النقد الحديثيّ، أو في الجرح والتعديل.
(فينبغي أن يُتنبهَ لهذا ويُعرف أن توثيقه للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق، وقد قال هو في أثناء كلامه: "والعدل من لم يُعرف منه الجرح؛ إذ الجرح ضد العدل، فمن لم يُعرف بجرح؛ فهو عدل حتى يُتبين ضده" ا.ه)
الأصل فيمَنْ لم يُعرف عنه جرحٌ ولا تعديلٌ أن يُسكتَ عنه، أن يُتوقفَ فيه؛ حتى يستبين حاله، أما أن الراوي..، يقول: العدل من لم يُعرفْ منه الجرحُ؛ لا، العدلُ مَنْ نَصَّ الأئمة على تعديله ولو واحد، أو اشتهر بذلك كما ذكرنا في أول درس الأسانيد أن الأئمة قالوا: يُكتفى بالواحد، وقال العراقي:
وَصَحَّ اكتفاؤهم بِالْوَاحِدِ جَرْحًا وَتَعْدِيلا خِلافَ الشَّاهِدِ
فمنْ نَصَّ إمامٌ من الأئمةِ المعتبرين على تعديله؛ فهو عدل، أما أن الراوي يُعَدَّلُ لمجرد أنه لا يُعرفُ فيه جرحٌ، الذي لا يُعرف فيه جرحٌ يُتوقفُ فيه، الراوي الذي لم يَتَكَلَّمْ فيه أحدٌ بجرحٍ ليس معناه أنه مقبول، وإنما معناه أن يُتَوَقَّفُ في حاله حتى يتبين الناسُ حالَه.
(هذه طريقته في التفرقة بين العدل وغيره، ووافقه عليها بعضُهم، وخالفه الأكثرون.
"تاريخ أسماء الثقات ممن نُقل عنهم العلمُ" لعمر بن أحمد بن شاهين المتوفى سنة 385 للهجرة.
قد رتبه مؤلفه على حروف المعجم، واقتصر في الترجمة على اسم الشخص واسم أبيه، ونَقَلَ أقوالَ أئمةِ الجرحِ والتعديلِ فيه، وربما ذَكَرَ بَعْضَ شيوخِ وتلاميذِ صاحبِ الترجمة.
سادسا: المصنفات في الضعفاء خاصة)(1/7)
ستلاحظ أن المصنف ذكر في الأصل ذكر المصنفات في الثقات خاصة أنها متعددة، فذكر "الثقات" للعجلي، و"الثقات" لابن حبان، وتكلم عن ثقات ابن حبان، ولما انتهى الكلام على ثقات ابن حبان؛؛ تكلم على "تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين، ولم يتكلم عن كتابِ العجليِّ؛ لأنه لم يكن طُبِعَ وَقْتَ تصنيفه للكتاب، لكن كتاب العجلي موجود في مجلدين، ومتداول من أزمنة طويلة.
(سادسا: المصنفات في الضعفاء خاصة:
هذا النوع من التصنيف في تراجم الرواة أفرده مؤلفوه للضعفاء خاصة، وقد كان عدد المصنفات فيه أكثر بكثير من المصنفات في تراجم الثقات خاصة؛ وذلك لأن كثيرًا من المصنفات في الضعفاء قد اشتملت على كل من تُكلم فيه، وإن لم يكن ضعيفا حَقًّا، وما أكثر ما تُكلم فيه، ومن هذه المصنفات:
1- "الضعفاء الكبير" للبخاري.
2- "الضعفاء الصغير" للبخاري أيضا، وهو مُرَتَّبٌ على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من الاسم فقط)
"الضعفاء الصغير" مطبوع، وأما "الضعفاء الكبير" هذا؛ فلا نعرف عنه شيئا.
(3- "الضعفاء والمتركون" للنسائي، وهو مُرتَّب على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من الاسم فقط.
هذا، ويُعَدُّ النسائيُّ من المتشددين في جرح الرجال.)
قلنا في محاضرة سابقة إن مسألة تصنيف أئمة الجرح والتعديل إلى متشدد، ومتوسط، ومتساهل هذا كلامٌ يحتاجُ إلى نظرٍ شديدٍ؛ لأن هذا العلم له رجال كما أن كُلَّ تخصُّصٍ من التخصصاتِ الشرعيَّةِ لها رجالها الْمُعَوَّلُ عليهم في هذا التخصص.(1/8)
وهذا مما يَدْفَعُ بعضَ الطلابِ إلى طَرْحِ كلامِ الأئمةِ الكبار أمثال الإمام أحمد، وابن معين، ويحيى القطان، وشعبة، وابن المدينيِّ، و عبد الرحمن بن مهدي بحجة أنهم متشددون، وهذا كلامٌ لا وزنَ له، ولا قيمةَ له، هذا العلم = علم الجرح والتعديل أولُ مَنْ أَسَّسَ وتَكَلَّمَ فيه وجَرَّحَ وعَدَّلَ هو الإمام العَلَمُ شُعْبَةُ بنُ الحجَّاجِ -رحمه الله تعالى-، ثم حمل لواء الجرح والتعديل بعد شعبة يحيى بنُ سعيد القطان.
نكتب هذا الكلام؛ لأنه كلامٌ في غايةِ النَّفَاسةِ، وكلامٌ مُهِمٌّ جدًّا؛ ليعرف الطَّالبُ طريقَه في الدَّرس الحديثيِّ لكن يتعارض كلامُ العجليِّ مثلا مع كلام الإمام أحمد؛ فنقول الإمام أحمد مُتَشَدِّدٌ والعجليُّ كلامه هو الذي يُؤْخَذُ ويُعْتَدُّ به!! هذه موازنةٌ غيرُ مقبولةٍ.
نقول هذا الكلام، عندنا شعبة على رأس القائمة أول من جَرَّح وعَدَّل، وتَكَلَّمَ في الرجال شعبة بن الحجاج غير مسلم بن الحجاج، شعبة غيرُ مسلمٍ صاحبِ الصحيح، وأما هذا؛ فغيره.
أخذ عن شعبة وحَمَلَ لواءَ مدرستِه في الجرح والتعديل تلميذُه يحيى بن سعيد القطان، وعن يحيى أخذ هؤلاء الأئمة؛ عبد الرحمن بن مَهْدي، وعليُّ بن المدينيّ، وعبد الله بن المبارك، وعن هذه الطبقة أخذ الإمامُ أحمدُ وابن معين، وعن هذه الطبقة أخذ البخاريُّ، ومسلمٌ، والنسائيُّ، وبعدهم أخذ أبو حاتمٍ الرازيُّ وأبو زُرعةَ الرازيُّ.
في العادة هؤلاء الأئمة شعبة، ويحيى القطان، وابن مهدي، وابن المديني، وابن معين، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو حاتم، وأبو زرعة هؤلاء النفر هم الذين يُعَوَّلُ عليهم وكلمتهم مسموعةٌ، وإذا تعارضت كلمتهم مع كلمة غيرهم؛ فكلام هؤلاء أو أحدهم يُقَدَّمُ على كلام غيره خاصةً إذا اجتمعوا، إذا اجتمع الاثنان منهم أو الثلاثة على راوٍ؛ فقد طرحوه أرضًا.(1/9)
وبعد ذلك بزمانٍ كان الإمام الدارقطني كإمام من أئمة النقد، وإليه المرجع في هذا العلم، ثم بعد الدارقطني بزمان طويلٍ الحافظ الذهبي، ولم يأتِ بعد الذهبيّ في النقد الحديثيِّ مثل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني.
والشيخ عبد الرحمن مات منذ أربعين أو خمسين سنة؛ فهو من المعاصرين.
فهؤلاء هم الأئمة الذين لهم عناية فائقة بالنقد الحديثي، ويأتي بعد ذلك أئمة كُثُرٌ تكلموا في الجرح والتعديل يسدون عين الشمس، كثيرون جدًّا، عندنا الأئمة مثلا على سبيل الذكر لا الحصر عندنا الترمذيّ له كلام كثير في الجرح والتعديل، ابن حبان، ابن خزيمة، وغير ذلك كثير، العجلي، ابن شاهين، ابن عدي، وتمتلئ كتب الجرح والتعديل بكلام الأئمة جرحا وتعديلا.
فهذا إذا تعارض كلام الترمذي، وابن حبان، وابن خزيمة، والعجلي، وابن شاهين، وابن عدي هؤلاء جميعا إذا اتفقوا على راوٍ بأنه ثقة، وتعارض كلام هؤلاء مع أحمد وابن معين أن أطرح كلام أحمد وابن معين وآخذ بكلام هؤلاء؟!
هذا بحجة إن أحمد وابن معين وهؤلاء متساهلون أو متوسطون؟!
علم الحديث لا يمشي بهذا الشكل؛ لأننا قلنا في قواعد الجرح التعديل إن الْمُجَرِّحَ معه زيادة علم لم يطلع عليه الْمُعَدِّلُ، فإذا قالها أئمة ورعون صان الله بهم علم الحديث أمثال أحمد، وابن مهدي، والقطان، وشعبة، والنسائي، وهؤلاء إذا قالوا في راو؛ فهؤلاء الذين يرجع إليهم في كلمة الجرح والتعديل بخلاف غيرهم.
فالمسألة أرجو أن تخرج هذه الفكرة القديمة من أذهان وعقول الطلبة الدارسين أن يُصنفوا الأئمة على أن هؤلاء متشددون وهؤلاء متساهلون؛ فَيُرَدُّ كلامُ هؤلاء؛ لأنهم متشددون، هذا كلام لا وزنَ له في النقد ولا في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، هذا الكلام نظرية يجب أن تزول من أذهان الدارسين.
(رابعا: "كتاب الضعفاء" لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المتوفى سنة 323 للهجرة.(1/10)
وهو كتاب كبير ترجم فيه مؤلفه لأنواع كثيرة من الضعفاء، والمنسوبين إلى الكذب والوضع)
حُقِّقَ في أربعة مجلدات بتحقيق قلعجي، ثم طبع حديثا في أربعة مجلدات بتحقيق فضيلة الشيخ حمدي السلفي حفظه الله.
(خامسا: "معرفة المجروحين من المحدثين" لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البُسْتِيّ المتوفى سنة 354 للهجرة.
وهو مرتب على حروف المعجم، وقد قَدَّمَ له مؤلفه بمقدمة نفيسة، وذكر أهمية معرفة الضعفاء، وجواز الجرح وما يتعلق بذلك، كما بين طريقته في تصنيف كتابه، ويعتبر ابن حبان من المتشددين في الجرح أيضا)
هو متساهل في التوثيق ومتشدد في الجرح، المعادلة صعبة عند ابن حبان، هو شديد في الجرح ومتساهل في التوثيق، أقصد أنه متشدد في الجرح ليس بمعنى أنه يتعارض كلامه مع كلام غيره؛ لا، هو يعني يأتي على رواةٍ الأئمة احتملوا حديثهم، وهو إذا قيل في الراوي ضعيف هو يجعله متروكا، ضعيف عند جماهير المحدثين النقاد.
(سادسا: "الكامل في ضعفاء الرجال" لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني المتوفى سنة 365 للهجرة.
وهو كتاب كبير واسع، ذكر فيه مؤلفه كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فيه وإن كان الكلام فيه مردودا، وقدم للكتاب بمقدمة طويلة جيدة، ورتب التراجم على حروف المعجم.)
كتاب الكامل من أنفع الكتب، وإن كان نَفَسُ ابنِ عدي ليس كَنَفَسِ النقاد لكن تَمَيَّزَ بميزة ليست في غيره؛ أنه يحصر مرويات الراوي التي اتُّخذت عليه؛ أي يأتي بالراوي، ويذكر كلام أهل العلم فيه جرحا وتعديلا، ويقول: مما انتقد عليه من الروايات ..، فيسرد خمسة أحاديث أو ستة أحاديث أو غيرها.
وقد خُدِمَ هذا الكتابُ خدمةً جليلةً أظن في جامعة الإمام في رسائل انتهى هناك خدمة الطلبة له في رسائل الماجستير والدكتوراه. الطلبة كُلّ واحد أخذ قدرا من الرواة ثلاثمائة راوٍ أكثر أو أقل انتهوا منه من فترة سنتين أو ثلاث سنوات.
(سابعا: "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي.(1/11)
هذا الكتاب من أجمع الكتب في تراجم المجروحين كما قال الحافظ ابن حجر.. )
كان ينبغي هنا من عند الكامل يذكر أن هذه المصنفات جمعت بين الضعفاء والثقات، من بداية "الكامل" و"ميزان الاعتدال" و"اللسان" هذه ليست كتبا مصنفةً على وجه الاستقلال خاصة من "الميزان" و"اللسان"، وإنما فيهم من الرواة عددٌ ليس بالقليل ثقات تُكُلِّمَ فيهم بما لا يجرح.
فليس معنى هذا أن "الميزان" كتابُ ضعفاء؛ ففيه تراجم كثيرة جدا، هو أتى بكل مَنْ تَكَلَّمَ فيه الناس بجرحٍ ودافع عنهم سواء لو كان الراوي ثقة، أما إذا كان الراوي ضعيفا؛ فهو يبقى ضعيفا على حاله.
(فقد اشتمل على ثلاث وخمسين وأحد عشر ألف ترجمة كما هو في النسخة المطبوعة التي رُقِّمَتْ تراجمها، وإن كُرِّرَتْ بعضُ التراجم كما إذا ذكر الشخصُ في فصل الأنساب، وهو مذكورٌ في الأسماء، وهو كتابٌ يشبه إلى حَدٍّ ما كتاب "الكامل" لابن عدي من حيث المنهج؛ فقد ذكر فيه الذهبي كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فيه، وإن كان ثقة؛ فإنما يذكر مثل هؤلاء للدفاع عنهم، وردّ الكلام الموجه إليهم.
وقد قدم للكتاب بمقدمة بَيَّنَ فيها منهجه، وذكر بأنه صنفه بعد كتابه "المغني في الضعفاء"، وأنه طول فيه العبارة، وزاد فيه عِدَّةَ أسماء على "المغني"، ثم ذكر أنواع الرجال المتكلم فيهم ممن احتواهم هذا الكتاب إلى آخر ما فيها.
وقد رتب كتابه على حروف المعجم بالنسبة للاسم واسم الأب، وَرَمَزَ على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة برموزهم المشهورة. فإن اجتمعوا على إخراج رجل؛ فالرمز له "ع"، وإن اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز "عو"، وقد سرد أسماء الرجال والنساء على حروف المعجم، ثم كُنى الرجال، ثم من عُرِفَ بأبيه، ثم من عُرِفَ بالنسبة أو اللقب، ثم مجاهيل الأسماء، ثم مجاهيل الاسم، ثم في النسوة المجهولات، ثم كُنى النسوة، ثم فيمن لم تُسَمَّ.(1/12)
والكتاب مفيد جدا وهو من أجود الكتب والمصادر في معرفة الرواة المتكلم فيهم)
نعم؛ لأن الحافظ الذهبيَّ -رحمه الله تعالى- يفصل بشكلٍ جيد في حال الراوي المتكلَّم فيه.
يقول في أول ترجمة في الكتاب ترجمة أبان بن تغلب، يقول: "شيعيٌّ جَلْد، لكنه صدوق؛ فلنا صدقه، وعليه بدعته".
أيضا من هذا الفصل في حال الرواة المختلف فيهم أن ليس كُلُّ مبتدِعٍ تُرَدُّ روايته ونحو ذلك من الأشياء. هذا الكتاب فيه علمٌ غزيرٌ جدا وإن كان لا يزيد الكلام على الراوي عن ثلاث كلمات أو أربع كلمات لكنه غاية في النفاسة والمكانة العلمية.
(ثامنا: "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني.
هذا الكتاب التقط فيه مؤلفه من كتاب "ميزان الاعتدال" التراجمَ التي ليست في كتاب "تهذيب الكمال" وزاد عليها جملةً كثيرةً من التراجمِ المتكلَّم فيها، فما زادهم من التراجم؛ جعل أمامه رمز "ز"، وما زاده من ذيل الحافظ العراقيِّ على "الميزان" رَمَزَ له "ذ" إشارة إلى أنه من ذيل شيخه العراقيّ.
ثم إن ما زاده من التنبيهات والتحريرات في أثناء بعض التراجم التي التقطها من "ميزان الاعتدال" للذهبي ختم كلام الذهبي بقوله: انتهى، وما بعدها؛ فهو كلامه.
ثم إن المؤلف عاد فجرد الأسماء التي حذفها من الميزان، ثم سردها في فصل ألحقه في آخر الكتاب؛ ليكون الكتاب مستوعِبًا لجميع الأسماء التي في الميزان كما قال.
وقد قال المؤلف -رحمه الله- في أول هذا الفصل:
فصل في تجريد الأسماء التي حذفتها من الميزان اكتفاء بذكرها في "تهذيب الكمال"
وقد جعلت لها علاماتها في التهذيب، ومَنْ كتبت قبالتَه "صح" فهو من تكلم فيه بلا حجة، أو صورة "مخ" فهو مختلف فيه، والعمل على توثيقه بين كذا ذلك.
فضعيف على اختلاف مراتب الضعف، ومن كان منهم زائدا على من اقتصر عليه الذهبي في "الكاشف" ذكرت له ترجمة مختصرة؛ لينتفع بذلك مَنْ لم يحصل له "تهذيب الكمال" وبالله التوفيق.(1/13)
ثم قال -رحمه الله- في آخر هذا الفصل:
آخر التجريد، وفائدته أمران:
الأول: الإحاطة بجميع من ذكرهم المؤلف في الأصلي.
والثاني: الإعانة لمن أراد الكشفَ عنِ الراوي فإن رآه في أصلنا؛ فذاك، وإن رآه في هذا الفصل؛ فهو إما ثقة، وإما مختلف فيه، وإما ضعيف، فإن أراد زيادةَ بَسْطِ النظرِ في مختصر التهذيب؛ نظر في مختصر التهذيب الذي جمعتُه ففيه كل ما في "تهذيب الكمال" للمزي من شرحِ حالِ الرواةِ وزيادة عليه، فإن لم يحصل له نسخة منه؛ فتذهيب التهذيب للذهبي؛ فإنه حسنٌ في بابه، فإن لم يجده لا هنا ولا هنا؛ فهو إما ثقة أو مستور.
هذا وقد رتب التراجمَ على حروفِ المعجم، ثم بعد انتهاء الأسماء؛ ذكر الكُنَى ورتبها على الحروف أيضا، ثم المبهمات وقد قسمهم إلى ثلاثة فصول:
الأول: المنسوب.
والثاني: من اشتهر بقبيلة أو صنعة.
والثالث: من ذُكِرَ بالإضافة.
وقد طبع الكتاب في ستة أجزاء فطبعته دائرة المعارف العثمانية في الهند سنة 1329 للهجرة.)
هذا الفصل من أوله إلى آخره فصلٌ مفيدٌ جدًّا للطالب، وإذا كنا قبل ذلك تكلمنا على رواة الكتب الستة التي في "تهذيب الكمال" وأصوله وفروعه، والكلام على الكتاب التي في الثقات خاصةً؛ فالكلام هنا في هذا الفصل –كلِّه- في الكلام على الرواة الضعفاء.
سنرى -إن شاء الله تعالى- في الحلقة القادمة أو التي بعدها نماذجَ تطبيقيةً، ونأتي ببعض الأسانيد إسنادٌ يكون رواته ثقاتٍ، وإسناد يكون فيه بعض الضعفاء، ونرى كيف لنا أن نكشف عن حال هذا الراوي من هذه الكتب الأصلية التي ذكرها الشيخ هنا.
الأئمة -رحمهم الله- اعتنوْا عنايةً فائقةً بتدوين الرواة وتصنيفهم والكلام عليهم، فجعلوا الثقات في ناحية والضعفاء في ناحية، والكتب التي جمعت بين الثقات وبين الضعفاء كما في "تهذيب الكمال للمزي" -رحمه الله-.(1/14)
وترى مثلا كتاب مثل كتاب النسائي حجمه صغيرٌ جدًّا وكتاب البخاري "الضعفاء" كتابٌ صغير الحجم، و"الضعفاء" للذهبي، وغيرها من الكتب التي تستطيع أن تقرأها في جلسة أو في جلستين تعطيك معلومات سريعة عن الرواة مرتبة على حروف الهجاء بأقصر طريق، وأقصر وقت.
هذا بلا شك يُعطي للطالب بعد فترة من النظر نوعا من الممارسة والدّربة والتعرف على أحوال الثقات، والتعرف على أحوال الضعفاء فيُحَصِّل بذلك مَلَكَةً تعينه -إن شاء الله تعالى- على الدرس الحديثي فيما وراء ذلك بإذن الله.
الكلام بعد ذلك على كتب الرجال المصنفة في بلاد مخصوصة. الأئمة -رحمهم الله تعالى- من فرط عنايتهم بالسنة، وشدة رعايتهم لها أن كلَّ إمام في بلده يُصَنِّفُ في علماء بلده أو ينزل في بلد فيصنف في علماء هذا البلد، فتجد مثلا من أوسع ذلك على الإطلاق كتاب "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر كتاب مطبوع في سبعين مجلدا، كتاب مثلا "تاريخ بغداد" للحافظ الخطيب البغدادي يذكر كُلَّ علماء بغداد ومَنْ نزل بها من العلماء. والكتاب بذيوله يقع في ثمانية عشر مجلدا.
فهذه عناية العلماء ببلاد الرواية وغيرها "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم الأصبهاني، "تاريخ جرجان" للسهمي هو كتاب في مجلد ضخم، "تاريخ الرقة"، "تاريخ داريا"، "مختصر طبقات علماء أفريقيا وتونس"، "تاريخ واسط" وهكذا تجد "تاريخ مصر" لابن يونس أَلَّفَ في علماء مصر الذين كانت لهم رواية واهتمام بالحديث، فتجد هذا الاهتمام البالغ من العلماء لخدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد يوجد الراوي الذي ذكره الإمام في تاريخ بلده كتاريخ بغداد موجود مثلا بعضهم موجود في تراجم الكتب الستة، في تراجم الضعفاء، في تراجم الثقات لكنه أراد مزيدَ فائدةٍ.(1/15)
لو أني أبحث في الإسناد فرأيت راويا منسوبا إلى البلد يقول: الحافظ فلان البغداديّ، أو الحافظ فلان الكوفيّ، أو الحافظ فلان الدمشقيّ، وهذا الراوي لم أجد له ترجمة في رجال الكتب الستة لا أصول ولا فروع، ولا في كتب الضعفاء، ولا في كتب الثقات؛ ماذا أفعل؟
مباشرةً إلى تاريخ البلد؛ فتجد هذا الراوي المنسوب إلى بلد بعينها موجودا في الكتاب الذي اعتنى بترجمة علماء ذلك البلد. فهذا من تفنن أهل العلم، واجتهادهم، وخدمتهم لحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، نقرأ هذا الدرس.
(سابعا: المصنفات في رجال بلاد مخصوصة.
هذا النوع من المصنفات التزم فيه مؤلفوه ترجمةَ رجالِ العلمِ والفكرِ، ومشاهيرِ الرجالِ من الشعراءِ والأدباءِ والرياضيين وغيرهم في بلدة أو مدينة بعينها، سواء من كان من أهلها الأصليين، أو من وفد إليها وأقام بها، ووجهوا عنايتهم بالدرجة الأولى لتراجم رجال الحديث؛ فكان لتراجم المحدثين ورجال الحديث في هذه الكتب الحظُّ الأكبرُ؛ لذا تُعتبر مرجعًا من المراجع في تاريخ الرجال، ومعرفة المقبول منهم أو الضعيف، وقد صُنِّفَتْ كتبٌ كثيرةٌ في هذا، وسأقتصر على ذكر ما طُبع منها باختصار:
أولا: "تاريخ واسط" لأبي الحسن أسلم بن سهل المشهور بِبَحْشَل الواسطيّ المتوفى سنة 288 للهجرة.
ثانيا: "مختصر طبقات علماء أفريقيا وتونس" صاحب "الأصل" أبو العرب محمد بن أحمد القيرواني المتوفى سنة 333 للهجرة، وقد اختصره أبو عمر أحمد بن محمد المعافري الطلمنكي المتوفى سنة 426 للهجرة.
ثالثا: "تاريخ الرَّقَّة" لمحمد بن سعيد القشيري)
هذه بلاد لولا ما تركه الأئمة المصنفون في أسمائها؛ ما سمعنا بها ولا درينا عنها.
داريا يقول لك: "الروضة الريَّة لمن نزل بداريَّا" فتفنن من أهل العلم، وهذه قرى كان مُنزوية في أعماق الأرض لا تكاد ترى لها موضعا على الخريطة، ولولا ذكر هؤلاء العلماء لأسماء هذه البلاد؛ ما علمنا بها، ولا درينا عنها.
((1/16)
رابعا: "داريا" لأبي عبد الله عبد الجبار بن عبد الله الخولاني الداراني المتوفى سنة 370 للهجرة.
خامسا: "ذكر أخبار أصبهان" لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيّ المتوفى سنة 430 للهجرة.
سادسا: "تاريخ جرجان" لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهميّ المتوفى سنة 427 للهجرة.
سابعا: "تاريخ بغداد" لأحمد بن علي ثابت الخطيب البغداديّ المتوفى سنة 463 للهجرة.
وأكثر هذه الكتب مرتب على حروف المعجم.)
طبعا أعظمها على وجه الإطلاق..، وهولم يذكر هنا "تاريخ دمشق"؛ لأنه لم يكن مطبوعا في هذه الفترة التي كان يصنف فيها الكتابُ؛ والكتاب طبع قريبا يعني قبل مثلا سبع سنوات أو شيء وهو مطبوع في سبعين مجلدا "تاريخ دمشق" لابن عساكر، فأعظمها على الإطلاق "تاريخ دمشق"، و"تاريخ بغداد"، ويعتبر تاريخ ابن يونس؛ لأن له عنايةً بالكلام على علل الأحاديث التي يرويها هؤلاء الرواة وغيرهم.
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل لنا من هذا العلم نصيبا، وأن يُعيننَا على تفهمه، وعلى ممارسته، والصبر عليه! فإن علم الحديث علمٌ يحتاج إلى جهدٍ طويل.
هذا هو نهاية الفصل الثاني، وهو الكلام على الكتب التي تَرْجَمَتْ لهؤلاء الرواة الذين سندرس أسانيدهم. إذن عندنا فصلٌ في القواعد للجرح والتعديل، وفصلٌ في الكتب التي صُنِّفَتْ في علماء الحديث في الرواة كتب الجرح والتعديل سواء كانوا ثقات، أو ضعفاء، أو كتب جمعت بين الثقات والضعفاء، أو تواريخ بلدان كما رأينا في هذا الفصل الأخير.(1/17)
وفي الفصل الثالث المراحلُ التي يمرُّ بها الطالب في دراسة الأسانيد. طبعا هذا الجزء الذي مضى هذا جزءٌ نظريٌّ يعني الكلام على القواعد وهي موجودة في كتب المصطلح، وينبغي أن يكون الطالب مُلِمًّا بها الكلام على الكتب نفسها، وأرى منها عدة أصول ينبغي العناية بها لتجمع لك شَتَاتَ هذا الأمر أن تكون لك عنايةٌ فائقةٌ به؛ لأنه مفيدٌ في بابه جدًّا، ولا تَسْتَغْنِي عنه أبدا في مراحلِ دراستِك سواء كنت طالبا مبتدئا، أو متوسطا، أو منتهيا حتى لو كنت من العلماء المتمكنين من هذا العلم لا تستغني عن كتاب "تهذيب الكمال".
عندك "الميزان" وفرعه "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر كتابان لا غنى لك عنهما أبدا بحال من الأحوال، وعندك كتاب "الكامل في الضعفاء" لابن عدي هذا أيضا من الكتب التي لا يُسْتَغْنَى عنها بحال من الأحوال. واضح هذا الكلام؟
إذن عندنا كتاب "تهذيب الكمال" مفيدٌ جدا في البحث والدرس، "ميزان الاعتدال" و"لسان الميزان"، كتاب "الكامل في الضعفاء" للعُقَيْليّ، وقبل ذلك من كتب الصحابة كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" للحافظ ابن حجر، ثم تصطحب كتابا من المختصرات تدلك على الكلام على الراوي بعبارة مختصرة إذا كنت لا تحتاج تعيينه ولا تحرير حاله مثل كتاب "تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر.
هذه تعتبر كتبا مهمة جدا، وأصلية لا يَستغني عنها الطالبُ بحال من الأحوال، ويصطحبها في جميع درسه الحديثي، وهذا لمن أراد التفهم، والتبصر، والطلب الأوليّ، أما من أراد التوسع، وزيادة النظر، وكذا؛ فعليه بالرجوع إلى الكتب المصنفة بأسانيدها يرجع على "الجرح والتعديل" وعلى "تاريخ البخاري" وعلى سؤالات الأئمة؛ "سؤالات حمزة السهمي للدارقطني"، و"سؤالات الحاكم"، و"سؤالات ابن معين" وغيرها من الكتب التي جَمَعَتْ كلام الأئمة الكبار بأسانيدها.(1/18)
لكن أقول: هذا الذي رشحته من الكتب؛ كـ: "تهذيب الكمال"، و"تقريب التهذيب"، و"الميزان"، و"اللسان"، وكتاب "الإصابة"، و"الضعفاء" للعقيلي، أو "الكامل" لابن عدي هذه أشياء أساسية هي ألف باء في الكلام على تراجم الرواة، ولا يستطيع الطالب أن يستغني عنها، ولا أن يزهد فيها.
الحد الأدنى الآن أنك تقرأ مقدمة هذه الكتب، وتقرأ فهارسها، وتنظر طريقة تأليفها، وكيف تسير، ثم تمارس كما سنرى -إن شاء الله- في المحاضرة التي بعد القادمة كيف لنا بدراسة الإسناد، سنأتي بإسناد على السبورة ومعنا الكتب التي سنحتاج إليها في هذا الدرس، وندرب الطالب على كيفية استخراج الترجمة من الكتب الأصلية، وإلا؛ صارت الدراسة النظرية هذه دراسةً لا جدوى من ورائها، ولا منفعة منها، لا بد من التمرين، وعمل واجبات كثيرة مرةً واثنتين وثلاثة وأربعة وأكثر؛ حتى يتمرن الطالب من هذه الكتب والاستفادة منها كما فعلنا في درس الاستخراج.
بالنسبة لأسئلة الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
عرف بكتاب "تهذيب التهذيب" وبيان طريقته فيه، وما الفرق بينه وبين أصله "تهذيب الكمال"؟
يقول: أما كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر؛ فقد اختصره من كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي، وكان عمله فيه كالآتي: أنه اقتصر على ما يفيد الجرح والتعديل، ثم حذف ما أطال الكتاب من الأحاديث التي يخرجها المزي من مروياته العالية، وهو حوالي ثلث حجم الكتاب، ثم حذف كثيرًا من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه الذين قصد المزي استيعابهم، واقتصر على الأشهر والأحفظ والمعروف منهم إذا كان الراوي مكثرا، ثم حذف كثيرًا من الخلاف في وفاة الرجل إلا مواضع تقتضي المصلحة عدمَ حذف ذلك.
والفرق بينه وبين أصله أنه حذف منه بعض شيوخ الراوي، وتلاميذه، والمناقب، وامتاز ابن حجر بتحرير الوَفَيَات والزيادات التي أتى بها في الجرح والتعديل.
سؤال هذه المحاضرة:(1/19)
اذكر أهم المصنفات في الثقات خاصة، وتناول أكبرها بالوصف والتحليل.(1/20)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثاني والعشرون
التدريب على استخراج الترجمة من كتب الرجال
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
في الحلقات الماضية فيما يتعلق بدراسة الأسانيد، تكلمنا عن الكتب التي تساعد الطالب على معرفة رجال الإسناد، وهذه الحلقة -إن شاء الله سبحانه وتعالى- سنحاول التدريبَ العمليَّ والتمرينَ على كيفيَّة استخراجِ الترجمةِ من كتبِ الرجالِ، ومحاولة الحكم على رجال الإسناد؛ للتوصل من هذه الدراسة إلى الحكم على الحديث صحةً أو ضعفا.
وقدم الشيخ –هنا- في التخريج ودراسة الأسانيد بمقدمة قبلَ التطبيقِ العمليِّ، وهي الكلام على الصحيحين ومنزلتهما بين كتب السنة. فإذا كان الحديث الذي أريد البحث فيه في البخاريِّ أو في مسلمٍ أو في كليْهما؛ أي من قبيل المتفق عليه؛ فإن الأمر يكون سهلا. لماذا يكون سهلا؟!
لأن الأئمة متفقون على تلقِّي هذين الكتابين بالقبول، اتفقت كلمة أهل العلم في القديم والحديث على أن أصحَّ الكتب بعد كتاب الله –تعالى- هو "صحيح الإمام البخاري" ثم يليه في الصحة كتاب الإمام مسلم بن الحجاج رحمهما الله.
نعم هناك انتقادات وُجِّهَتْ إلى الصحيحين؛ كالإلزامات والتتبع كتاب "الإلزامات والتتبع" للإمام الدارقطني وكتاب أبي علي الجيانيِّ، وهي كتبٌ اختصت بنقدِ الصحيحيْن.
لكن أقول: هناك فرقٌ بين الانتقاد وبين الضعف، قد يُنتقد الإنسانُ في شيء ولا يثبت عليه النقد ويكون مجرد انتقاد. فكون الإمام الدارقطني أو الإمام أبي علي الجيانيِّ لهما كلام على أحاديث الصحيحين؛ فنقول:(1/1)
بدايةً ليست العصمةُ إلا لكتاب ربنا -سبحانه وتعالى- وإذا كان في مسلم أو في البخاري بعضُ الأحاديث تَكَلَّمَ عليها أهلُ العلم؛ فهذا مقتضى البشرية، البخاري لما يُخرِّجُ في كتابه سبعة آلاف وأربعمائة حديث بالْمُكَرَّرَات تصفو من غير المكررات أربعة آلاف حديث يتكلم الأئمة النقاد الذين لهم قدمٌ راسخةٌ في هذا العلم يتكلمون على خمسة أحاديث أو ستة أحاديث؛ فهذا يعتبر من جمال البخاري ومَيزاته أنه ليس بمعصوم، ويأبى الله –تعالى- إلا أن تكون العصمة لكتابه.
فكون بعض أهل العلم يتكلم على بعض أحاديث البخاري، أو بعض أحاديث مسلم ليس معناه ثبوت هذا النقد، وفي الوقت نفسه البخاري ليس بمعصوم، فقد يكون هناك بعض الأشياء التي يتكلم عليها أهل العلم، وتوالت الردود والدفاعات عن الصحيحين من قِبَلِ علماء المشرق والمغرب، ولعلك واجدٌ في "مقدمة فتح الباري" مجلد كامل في الدفاع عن رجال البخاري، والدفاع عن الأحاديث التي انتُقِدَت عليهما، ولا يوجد حديثٌ تكلم عليه الأئمة بالنقد؛ إلا وتوالت الردودُ من العلماء قديما وحديثا.
لأن الآن الموجه عالية جدًّا والصيحات تتعالى، والمحاربون للسنن كُثر، ويريدون هَدْمَ البخاريِّ بأي طريقة، ولا يقصدون من ذلك إلا هدمَ الدين نفسه؛ لأنه إذا هُدم البخاري؛ ماذا بقي للأمة؟! في كتاب تلقته الأمة عَبْرَ الأجيال اثني عشر قرنا من الزمان، والكتاب مُتَلَقًّى بالتسليم والقبول، فكون طائفةِ من المبتدعةِ، أو الغلاةِ، أو المعادين لهذا الدين يحاولون النَّيْلَ من البخاري أو من مسلم، فيأبى الله –تعالى- إلا أن يردَّ كيدهم في نحورهم، والعلماء في القديم والحديث لهم بالمرصاد.
خرجت في الآونة الأخيرة قبل ثلاثين سنة كتب؛ "أضواء على السنة المحمدية" لأبي رية، وغيرها من الكتب لكن العلماء -ولله الحمد- رَدُّوا الكيلَ مكياليْن، والصاع صاعيْن.(1/2)
فرد مصطفى السباعي في "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" والشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في "أضواء على السنة المحمدية" والشيخ أبو شهبة في "دفاع عن السنة" وتوالت الردود شرقا وغربا في الدفاع عن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
هذه المقدمةَ؛ لنقول: إن هناك كتبا هي أصحُّ الصحيح فالبحث في رجال أسانيدها لا أقول يُغلق، ولكنَّ الخطبَ فيها سهلٌ؛ لأنَّ رجالها ممن تلقتهم الأمة -أيضا- بالقبول، وإن كان وُجِدَ في بعضِ رجالِ البخاريِّ، أو بعض رجال مسلمٍ ممن تُكُلِّمَ عليه في ضبطه، أو في بدعته، أو في الكلام في الاتصال، أو نحو ذلك من الأمور التي تُدْرَسُ في غرفٍ مغلقةٍ بين أهلِ العلمِ المتمكنين، لا تكون بين الناشئة، وبين الشباب المبتدئ في دراسة الحديث؛ حتى لا يتطاول ولا يَبْدأَ في تجريح الأئمة من غير أن يكون فاهما للقضية التي يتكلم فيها.
فهناك البخاري ومسلم، وهناك كتبٌ التزمت الصحةَ؛ كالمستخرجات على الصحيحين، أيضا نفس الأحاديث التي في المستخرجات هي هي الأحاديث التي في الصحيحين كما بينا في الكلام على المستخرجات. لكنْ هناك كتبٌ لا تخلو من كلامٍ عليها؛ لتساهل أصحابها في شرط التصحيح والتضعيف؛ كـ: "صحيح ابن خزيمة" و"مستدرك الحاكم" و"صحيح ابن حبان" وأَشَدُّها تساهلا صحيح ابن حبان -رحمه الله- ثم الحاكم ثم ابن خزيمة.
هؤلاء الأئمة وَسَمُوا كتابهم بالصحيح: "صحيح ابن خزيمة"، "صحيح ابن حبان"، "مستدرك الحاكم" لأنه مستدرك على الصحيحين؛ أي لزِم شرطهما في التصحيح والتضعيف، ووقعت في هذه الكتب جملةٌ من الأحاديثِ التي تحتاج إلى فحص ودرس، وإن التزم أصحابها الصحة؛ لكن قلنا فيها ما لم نقله في البخاري ومسلم؛ لأن أصحابها خَفَّفُوا في شروط العدالة، وخففوا في شروط الضبط فوقعت جملةٌ من الأوهام في هذه الكتب الثلاثة.(1/3)
هناك كتب لم يلتزم أصحابُها الصحةَ ليست موسومةً باسم الصحة، ولكن يتكلم مصنفوها على أحاديثها حديثًا حديثًا. لو أخذنا مثلا الترمذي، الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- لا يكادُ يتركُ حديثًا في جامعه إلا ويتكلم عليه، ونادًرا ما يسكت عن حديث، لكن الترمذيَّ عادته أنه إذا روى الحديث؛ قال: هذا حديث حسن صحيح، هذا حديث حسن، هذا حديث حسن غريب، هذا حديث غريب، إلى غير ذلك من الأحكام التي يُعَقِّب بها الترمذيُّ -رحمه الله- على الأحاديث بعد روايته، ثم يقول: وفي الباب عن فلان وفلان من الصحابة؛ أي في رواية هذا الحديث بعينه.
الإمام أبو داود -رحمه الله تعالى- له –أيضا- منهجٌ؛ يقول: إن ما سكت عنه؛ فهو صالح، وما فيه ضعف شديد؛ بَيَّنَه، وإن كان أهل العلم يتجادلون وبينهم أخذٌ وردٌّ في المسكوت عنه في "سنن أبي داود" هل هو قابل للاحتجاج أم يحتاج إلى دراسة؟! هذه مسألة أخرى.
الذي أريد أن أقوله إن هناك كتبا اختصت بأصحِّ الصحيح؛ كالبخاري ومسلم، وكتب التزم مصنفوها الصحة؛ كابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وكتب أصحابها يتكلمون على مروياتها؛ كالترمذي، أو على أغلبها وعلى أكثرها؛ كما حدث من أبي داود -رحمه الله تعالى- في كتابه السنن.
فكلام الأئمة هذا على الأحاديث صحةً وضعفًا أو التزام الصحة أو غير ذلك مما يقرب المسافةَ في الدرس الحديثيِّ أو في النقد الحديثيِّ.
فإذا جئنا بعد ذلك إلى كتب ككتاب النسائي، أو كتاب ابن ماجة، أو مسند أبي يعلى، أو مسند الإمام أحمد، أو غير ذلك من الكتب التي لم يَعْمَدْ أصحابها إلى الكلام على الأحاديث؛ فهذه التي تحتاج إلى دراسة أشد تأنِّيًا.
لماذا؟
لأن الكتب الأخرى ما بين صحيح صرف، أو أصحابها التزموا الصحة، وهناك بعض الْهَناتِ في أسانيدها تحتاج إلى كلام، أو أصحابها يتكلمون عليها وإن أخذَ العلماء ورَدُّوا في كون مثلا الترمذي متساهلا أو نحو ذلك من الأمور.(1/4)
نريد أن نذكر الآن بأن الحديث الصحيح له شروط خمسة نستصحبها عند درسنا؛ لأنها هي الأساس في الدرس؛ فالحديث الصحيح يُشترط له شروطٌ خمسةٌ:
1- اتِّصَالُ الإِسْنَادِ.
2- عَدَالَةُ الرُّوَاةِ.
3- ضَبْطُ الرُّوَاةِ.
4- عَدَمُ الشُّذُوذِ.
5- عَدَمُ العِلَّةِ.
أيّ إسنادٍ تَدْرسه لا بد وأنْ تُجريَ عليه هذه الشروط الخمسة، هل تحققت عدالة الراوي؟ هل تحقق ضبطه؟ هل اتصل الإسناد أم أنَّ هناك سقطًا في الإسناد بأي نوعٍ من أنواع السقط؟
ونحن نشير فقط إشارةً سريعة إلى أن السقط في الإسناد يكون بواحد من الخمسة:
إما الإرسال، أو التدليس، أو الانقطاع، أو الإعضال، أو التعليق. نكتبها من باب مزيد الفائدة.
إذا جئنا إلى العدالة كنا تكلمنا عليها في أول الكلام على الجرح والتعديل، وقلنا إن الراوي تسقط عدالته بواحد من خمسة: الكذب، أو التهمة بالكذب، أو الفسق، أو البدعة، أو الجهالة، ويسقط ضبطُ الراوي: بالوهم، والغفلة، وسوء الحفظ، وفحش الغلط، والمخالفة للثقات.
اتصال السند:
يكون السند غيرَ متصل بواحد من خمسة أسباب:
الإرسال: والحديث الذي فيه إرسال يسمى حديثا مرسلا.
والتدليس: والحديث الذي فيه تدليس يسمى حديثا مدلسا.
والإعضال: وما ينتج عنه يسمى حديثا مُعْضَلا.
والانقطاع، والتعليق.
هذه هي الأسباب الخمسة التي تجعل الحديث غير متصل السند. فالناظر في دراسة الأسانيد لا بد أن يتأكدَ من عدالة الرواة، وضبط الرواة، واتصال السند.(1/5)
العدالة والضبط تعرف من كتب الجرح والتعديل، هذه يُرجع إليها في كتب الجرح والتعديل، وهذه تحتاج إلى نظر في أشياء أخرى، فهناك كتب في المراسيل مثل مراسيل العلائي، وهو من أجمع الكتب المدونة في المراسيل، والتدليس هناك "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر تُبين الراوي في أي مرتبة يكون؛ لأن التدليس خمس مراتب؛ مرتبة أولى وثانية معفيٌّ عنهما مع تفاوت بين الأولى والثانية، ومن الثالثة للخامسة فيهم قيود، والثالثة لا بد من تصريح الراوي بالسماع في جميع طبقات الإسناد وهو تدليس التسوية، والرابعة والخامسة يَنْضَمُّ إلى التدليس آفاتٌ أخرى في الراوي.
إذن المرتبة الأولى والثانية مقبولتان، والثالثة بقيود، والرابعة والخامسة مطروحتان في طبقات المدلسين.
والإعضال يُعرف أيضا من كتب المراسيل، وكذلك الانقطاع والتعليق.
فلو أن عندي إسنادا سأدرسه فلكي أَتَيَّقَنَّ أن هذا الإسناد صحيحٌ؛ لا بد من المرور على هذه الشروط الخمسة قبل الدخول في الكلام على المتن، أتأكد من عدالة الراوي وضبطه، واتصاله، وانتفاء الشذوذ، وانتفاء العلة.
نريد أن نأخذ مثالا يعني لن أقرأ كلمة كلمة اليوم، وإنما نأخذ نماذجَ تطبيقيةً.
عندك نموذج نقله الشيخ في كتابه من "سنن النسائي" تراه في صفحة 190 وهو مثال لدراسة الإسناد عمليًّا.
( ونمثل لذلك بمثال هذا المثال هو إخراج التراجم لرجال إسنادٍ من "سنن النسائيّ" عمليا وهو:
قال النسائي: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد بن الحارس، قال: حدثنا حسين المعلّم، عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو قال: لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكةَ؛ قامَ خطيبا فقال في خطبته: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها))(1/6)
هو لم يخطب بهذا فقط، وإنما تكلم على الديات، والعقل، وغيرهما من الأحكام الشرعية لكنَّ النسائيَّ اقتصر –هنا- في هذه الرواية على مسألةٍ أن المرأة لا تُعطي عطية أي هدية لأحد إلا بإذن زوجها، هذا لا يعنينا الآن، وإنما الذي يعنينا هو النظر في حال هذا الإسناد. كيف نستطيع التعرف على رواة هذا الإسناد من خلال دراستنا التي مضت في الكلام على كتب الرجال؟!
الحديث أساسا من أي الكتب؟
من النسائي.
النسائي أحد الستة أم أحد العشرة؟
أحد رواة الكتب الستة، أليس كذلك؟!
معنى هذا الكلام أن رجال هذا الإسناد كلَّهم في "تهذيب الكمال" وأصوله وفروعه؛ أي هم في كتاب "الكمال" لعبد الغني المقدسي، وموجودون في "تهذيب الكمال" في "تذهيب التهذيب" و"الكاشف" كلاهما للذهبي، و"تقريب التهذيب" "وكتاب الخزرجي" هؤلاء الرواة موجودون في كل هذه الكتب إما على وجه الاختصار، أو على وجه التوسط، أو على وجه التوسع جدًّا.
إذا أردنا استخراج ترجمة إسماعيل بن مسعود؟
نذهب إلى كتاب "تهذيب الكمال" أو أحد الكتب التي تكلمنا عليها حرف الألف مع السين من اسمه إسماعيل ستجد عندك تقريبا ستة اسمهم إسماعيل، لكن ليس كلهم إسماعيل بن مسعود، ويتبقى عندنا اثنان إسماعيل بن مسعود.
إذا كان عندي اثنان إسماعيل بن مسعود؛ فالراوي الذي أمامي أيهما الْمُراد؟!
أحدهما إسماعيل بن مسعود الجحدري، والآخر إسماعيل بن مسعود الزُّرقي تمام، ما هي القرائن من خلال الدراسة التي ترشح الراوي الذي أمامك في الإسناد؟
سيألك شخص ما ويقول: ما حالهما جرحا وتعديلا؟
تقول له: كلاهما ثقة.
يقول لك: اختر واحدا منهما. لكن هذا علم مبنيٌّ على أسس وعلى قواعد.
وكان بعض المعلمين يقول: طالما الرواة كلهم ثقات اختر أحدهما، وهذا لا يصلح؛ لأن تعيين الرواة مبنيٌّ على دقَّةٍ متناهية عند أهل العلم.(1/7)
فعندما نقرأ ستجد بجانب الكلام على الراوي رمزا، وهذا الرمز أشار به المزي إلى من أخرج لهذا الراوي من أصحاب الكتب، ستجد رمز "س" بجانب الجحدري، و "ع س" بجانب الزرقي، و"س" أي أخرج له النسائي، و"ع س" أي أخرج له في "خصائص علي"
إذن الراوي هو الجحدري أم الزرقي؟
الجحدري.
بأي بقرينة؟!
بقرينة إخراج النسائي له، وأما الزرقيُّ لم يخرج له النسائي في السنن، وإنما خرج له في "خصائص علي".
القرينة الثانية أن الزرقي من الخامسة أي من التابعين، والجحدري من العاشرة؛ أي بعد سنة مائتين، وهذا بعد سنة مائة، الخامسة بعد المائة، والعاشرة بعد المائتين.
والنسائي؟
النسائي سنة 302 تقريبا أو في أواخر القرن الثالث، فأيهما يُحتمل أن يروي عنه النسائي الأول أم الثاني؟!
لو الثاني الذي في الطبقة الخامسة؛ أي في طبقة أتباع التابعين، والنسائي لم يدرك طبقة أتباع التابعين، فهاتان القرينتان كون الراوي من الطبقة العاشرة أي قريبا إلى زمن النسائي، وخرج له النسائي في الكتاب هاتان قرينتان تُرجح أن الراوي الذي عندي هو إسماعيل بن مسعود الجحدري وليس الزرقي.
الراوي الثاني: خالد بن الحارث:
لا يوجد في رواة الكتب الستة من اسمه خالد بن الحارث إلا هذا الراوي.
هناك خالد بن إياس ليس هو، لا يوجد خالد بن الحارث في رجال الكتب الستة الذي هو الهجيمي لا يوجد في رواة الستة خالد بن الحارث إلا خالد بن الحارث الهجيمي، فهذا سهل إذا كان لا يوجد إلا واحد فقط في الكتب الستة اسمه خالد بن الحارث؛ فقد هَوَّنَ عليَّ الطريق، واختصر لِيَ المسافات، وإنما يحصل التعب إذا كان هناك أكثر من راوٍ اثنين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل مشتركين في نفس اسم الراوي واسم أبيه.
الراوي الثالث: حسين المعلم:(1/8)
قال: حسين بن ذكوان المعلم، المعلم هذه قرينة في اسم الراوي لا توجد في رواةٍ كثيرين، فيكون حسين بن ذكوان المعلم قرينة تؤكد أنه هو الراوي؛ لأن لا يوجد حسين المعلم في الستة إلا هذا.
وإسماعيل بن مسعود ثقة، وخالد بن الحارث ثقة، والعلماء نصوا على هذا، وعندما تفتح كتاب "التقريب" تجده يقول: ثقة، وفي "الكاشف" يقول: ثقة، وفي كتاب الخزرجي يقول: ثقة، وفي "تهذيب الكمال" نَقَلَ كلام أهل العلم الكثيرين على توثيق الراوي شيخ النسائي.
نفس الكلام في خالد بن الحارث، ونفس الكلام في حسين بن ذكوان المعلم.
هذا الكلام في الجرح والتعديل، تعيين اسم الراوي بحيث لا يُشكِل، ولا يختلفُ بغيره، هذا لا يوجد غيره بهذا الاسم، وهذا لا يوجد غيره بهذا الاسم، والاثنان ثقتان، وإسماعيل بن مسعود ثقة، وصيغ التحمل نفسها تدل على اتصال الإسناد؛ والنسائي قال: أخبرنا؛ أي سمع من شيخه بالعرض عليه، والعرض؛ أي كانوا يقرؤون على الشيخ، والشيخ لا يحدث.
نحن قلنا: التحمل والأداة، وطرق التحمل: السماع من لفظ الشيخ، أو القراءة على الشيخ، السماع من لفظ الشيخ يقول: حدثنا إذا كان في جماعة، والقراءة على الشيخ يقول: أخبرنا.
فالنسائي يقول: أخبرنا، معنى أن النسائي سمع من إسماعيل بن مسعود الجحدري مع جماعة من التلامذة قرؤوا على الشيخ، كان واحد يفتح الكتاب، والشيخ يسمع، وهم في أيديهم النسخ التي لهم، والشيخ يصحح لهم، ويجيب على أسئلتهم، وهذه الطريقة تسمى القراءة على العالم، أو العرض على العالم، ويُعبر عنها بـ: أخبرنا، فهذه صيغة سماع متصلة صحيحة.
إذن تأكدنا أن النسائيَّ سمع من شيخه إسماعيل بن مسعود، وإسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد بن الحارث، وهذه صيغة تحمل تدل على السماع مع جماعة من لفظ الشيخ، فهذه صيغة اتصال صحيحة، ومن أعلى صيغ التحمل.(1/9)
خالد بن الحارث قال: حدثنا حسين المعلم، هذه أيضا صيغة تدل على أرقى صيغ التحمل، وهي السماع من لفظ الشيخ مع جماعة: حدثنا.
ثم قال حسين المعلم: عن عمرو بن شعيب، وهنا يبدأ الكلام الشديد:
العنعنة عندما تجد "عن" في الإسناد، فـ: "عن" هذه قرينةُ على التدليس. والأئمة لما صنفوا في المدلسين، وجمعوا أسماء المدلسين؛ عمدوا إلى الأسانيد فكل راوٍ يُعنعن؛ قال لك: نَحِّه جانبًا، وجمعوا هذه العنعنات.
إذن أي راوٍ يقول: "عن" فهي قرينة على أنه يدلس، ثم نظروا بعد ذلك هل هؤلاء الذين عنعنوا كلهم يدلسون؟
وجدوا مالكا، وسفيان، والثوري، وابن عيينة، وحماد بن زيد، والأئمة الأعلام الكبار هؤلاء غير متهمين بالتدليس، فوضعوا هذه الأسماء في الطبقات الأولى، الطبقة الأولى التي تدليسهم لا يُعَدُّ تدليسًا.
ثم إذا كانت هذه العنعنة دليلا على التدليس؛ فهل حسين المعلم مذكورٌ في طبقات المدلسين أم غير مذكور؟ أي هل عُرف بتدليس أم لم يُعرف بتدليس؟
إذا نظرنا في "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر لن نجد لحسين المعلم ذكرا، فمعناها أن الراوي بريءٌ من وصمة التدليس.
إذن من أين أتت العنعنة؟!
جاءت لأن الراوي مكثرٌ، ويجلس طوال اليوم يحدث، فبعد ما يقعد يحدث له مثلا ثلاث أو أربع ساعات فيمل، وكانت مجالس التحديث تُعقد من الفجر للعصر فيتساهل في الأداء، فبدلا من أن يقول: حدثنا، حدثنا يعنن، ويسهل في طريقة الأداة.
فحسين المعلم ليس له ذكر في كتب المدلسين، وهو ثابت السماع في طرق في أسانيد أخرى عن عمرو بن شعيب. إذن انتفت هنا وصمة التدليس عن حسين المعلم، وهو راوٍ ثقة أو الحد الأدنى له أنه صدوق.(1/10)
نأتي إلى سلسلة "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده"، في الحقيقة هنا قاعدة ذكرها الإمام الذهبي -رحمه الله- في السير في المجلد الخامس في ترجمة عمرو قَسَّم الرواة عن عمرو بن شعيب إلى ثلاث طبقات: «المتقنون، والمتوسطون، والضعفاء»، ذكر هنا حسين المعلم، وأظن محمد بن عمرو، وذكر هنا أبا أسامة حماد بن أسامة، وهنا محمد بن إسحاق، وهنا ابن لهيعة، المثنى بنَ الصباح وغيرهم من الضعفاء.
قسم الكلام: عمرو صدوق، وشعيب أبوه صدوق.
هنا يوجد إشكاليتان:
إشكالية الرواة عن عمرو من جهة، أول أمرٍ: إشكالية الرواة عن عمرو، وتقسيمهم إلى طبقات كما فعل الذهبي.
والإشكالية الثانية: سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو؛ لأن اسمه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، فعندما يقول عمرو: حدثني أبي عن جدي؛ فجدُّه –هنا- هل هو عبد الله بن عمرو أم أن جدَّه محمدٌ؟
ظاهر الحال أنه محمد، لكنَّ الصواب أن محمدًا مات في حياة عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمرو كفل شعيبًا ورباه، وشعيبٌ ثابت السماع من عبد الله بن عمرو في "مستدرك الحاكم" وفي "سنن أبي داود".
إذن عندنا عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده الأعلى عبد الله بن عمرو، وهو ثابت السماع منه، وعمرو صدوق، وشعيب صدوق، وشعيب ثابت السماع من جده عبد الله بن عمرو؛ فالإسناد "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" إذا صح الإسناد إليه؛ فهو حسنٌ، وهذا قيد يذكره العلماء، فليس كلُّ أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسنةً، وإنما العبرةُ بحال الرواة؛ أي إذا صح الإسناد إلى عمرو؛ فالحديث حسن.
فالذهبي -رحمه الله تعالى- قسَّم الرواة عن عمرو إلى ثلاثة أقسام: فذكر المتقنين، والمتوسطين، والضعفاء.(1/11)
إذا روى أحد من الضعفاء وهم كثر حوالي خمسة: ابن لهيعة، والمثنى بن الصباح، أو غيرهما إذا رووا عن عمرو؛ فالحديث ضعيف، وإذا روى المتوسطون أمثال محمد بن إسحاق، وغيره -وراجعوا هذا الكلام في المجلد الخامس من السير في ترجمة عمرو- إذا رَوَى المتوسطون؛ فالحديث فيه تَرَدُّدٌ، وهو إلى الضعف أقرب.
أما إذا روى المتقنون أمثال حسين المعلم، ومحمد بن عمرو، وحماد بن أسامة؛ فالحديث صحيح، والحديث هنا من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
إذن عندنا إسماعيل بن مسعود ثقة، والنسائي ثابت السماع منه؛ أي أن الإسناد متصل؛ لكي نحقق شرط الاتصال، والراوي ثَبَتَ ضبطُه، وثبتت عدالته. إذن تحقق من شروط الصحيح: اتصال السند، عدالة الراوي، وضبط الراوي.
وخالد بن الحارث ثقة، وإسماعيل بن مسعود ثابت السماع بلفظٍ صريحٍ كالشمسِ، وهذه أرقى درجات التَّحَمُّلِ التصريحُ بالتحديث، إذن خالد بن الحارث، إسماعيل بن مسعود ثابت السماع؛ فتحقق شرط الاتصال، وخالد ثقة؛ أي ثبتت عدالته، وثبت ضبطه.
نفس الكلام: خالد ثابت السماع من حسين المعلم؛ فمتصل، وحسين الحدُّ الأدنى أنه صدوق؛ أي حديثه حسن.
بعد ذلك قلنا: إن العنعنة –هنا- حسين لم يثبتْ عنه تدليسٌ؛ فكأنه متصل، ثم عمرو بن شعيب صدوقٌ ووالده شعيب صدوقٌ، وشعيب ثابتُ السماع من عبد الله بن عمرو؛ فقد تحقق لنا في الإسناد ثلاثةُ شروط في جميع الطبقات: اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبط الرواة إلا أن عَمْرًا وشعيبًا ضبطهما ليس ضبطًا تامًّا، لأن الصحيح هو الذي ضبطه تام، فإذا خَفَّ ضبطُ الراوي نَزَلَ درجةً من الصحيح إلى الحسن.
اقرأ من صفحة 191 الكلام على إسماعيل بن مسعود:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (ولنأخذْ كتاب "تقريب التهذيب" ولنبدأ بإخراج الراوي الأول وهو:
أولا: إسماعيل بن مسعود:(1/12)
نفتش عمن اسمه إسماعيل في حرف الهمزة فنجد أول شخص اسمه إسماعيل في المجلد الأول صفحة 65، لكن اسمه إسماعيل بن أبان، إذن نقلب عدة أوراق لنرى من اسم أبيه مسعود فنجده في المجلد الأول صفحة 74 اثنين كل منهما اسمه إسماعيل بن مسعود، وهما: إسماعيل بن مسعود الزرقي، وإسماعيل بن مسعود الجحدري، لكن نستطيع أن نميز إسماعيل بن مسعود الذي هو شيخ النسائي بأنه الجحدري من أمرين:
أولهما: أن المؤلف رمز بحرف "س" للجحدري، ومعنى هذا الرمز أنه أخرج له النسائي في سننه، على حين أنه رمز للزُّرقي بحرف "ع س" ومعناه أنه أخرج له النسائي في "مسند علي" فقط.
وثانيهما: أنه قال عن الزرقي: إنه من الطبقة الخامسة، وهي طبقة صغار التابعين، ولا يمكن للنسائي أن يروي عنه بلفظ حدثنا وهو من طبقة صغار الآخذين عن .. )
يعني النسائي من صغار الآخذين عن تابع الأتباع.
(وقال عن الجحدري: إنه من الطبقة العاشرة، وهو الذي يمكن أن يروى عنه النسائي.
ثانيا: خالد بن الحارث:
نفتش عمن اسمه خالد في حرف الخاء، فنجد أول من اسمه خالد في المجلد الأول صفحة 211 إلا أنه خالد بن إياس، فنجول بنظرنا بَعْدَه بِعِدَّةِ تراجم فنراه بعد أربع تراجم في آخر الصفحة ذاتها، وهو خالد بن الحارث الهجيمي، ولا يوجد من اسمه خالد بن الحارث غيره في رجال الكتب الستة.
ثالثا: حسين المعلم:
نبحث عمن اسمه حسين في حرف "الحاء" فنجده في المجلد الأول صفحة 173 هذا العنوان: "ذكر من اسمه الحسين" وبما أن الشخص الذي نبحث عن ترجمته لم يُذكر اسم أبيه في الإسناد؛ لذلك ينبغي علينا استعراض من اسمهم حسين كلهم؛ حتى نعثر عليه، وباستعراض من اسمهم حسين نعثر على حسين المعلم في المجلد الأول صفحة 175 واسمه حسين بن ذكوان المعلم، وكلمة المعلم تقال لمن يعلم الصبيان.
رابعا: عمرو بن شعيب:(1/13)
نبحث عمن اسمه عمرو في حرف "العين" فنجد في المجلد الثاني صفحة 65 هذا العنوان: "ذكر من اسمه عَمرو بفتح أوله" فنبحث عن اسم أبيه شعيب فنجده في المجلد الثاني صفحة 72 وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمر و بن العاص.
خامسا: شعيب والد عمرو:
نبحث عنه في حرف "الشين" فنجد أول من اسمه شعيب في المجلد الأول صفحة 351 وبما أننا عرفنا اسم أبيه وهو محمد عندما كنا نبحث عن ترجمة ابنه عمرو؛ إذن نبحث عن اسم أبيه محمد فنجد في المجلد الأول صفحة 353 قال عنه المؤلف: "شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوقٌ، ثَبَتَ سماعُه من جده.
سادسا: عبد الله بن عمرو:
أي ابن العاص نبحث عن اسمه عبد الله في حرف العين فنجده في المجلد الأول ..)
هذا صحابي ولا يحتاج إلى تعريف.
هذا هو الكلام عن طريقة الكشف عن الرواة، والكشف عن الرواة بَقِيَ النظر في حالهم، والنظر في حالهم؛ أي الكلام عليهم جرحًا وتعديلا مع الكلام على اتصال الإسناد، أما اتصال الإسناد؛ فقلناه من خلال صيغة التحمل كلها إما إخبار، وإما تصريح بالتحديث، وعنعنة في رواية حُسين المعلم، وحسين ليس معروفا بالتدليس، وليس مذكورا في طبقات المدلسين.
( - البحث عن عدالة الرواة وضبطهم:
بعد أن أخرجنا تراجم رجال الإسناد، وعرفنا مكانها في كتب التراجم؛ ننتقل إلى مرحلة ثانية، ألا وهي: مرحلة البحث عن عدالة هؤلاء الرجال وضبطهم، وذلك بقراءة ما قاله علماء الجرح والتعديل عن كل راوٍ خلال ترجمته، ولنأخذ الإسناد السابق نفسَه مثالا لذلك، ولنبدأ بإسماعيل بن مسعود:
أولا: إسماعيل بن مسعود:
قال عنه في التقريب المجلد الأول صفحة 74: ثقة، وقال عنه في "الكاشف" في المجلد الأول صفحة 128: ثقة، وقال عنه في "الخلاصة" صفحة 36: قال أبو حاتم: صدوق، وفي الحاشية وقال: النسائي ثقة)(1/14)
طبعا هذا عند النظر في الكتب المختصَرة، وإلا؛ فأنت إذا رجعت إلى "تهذيب الكمال" لن تجد كلمةً واحدةً، ولكن ستجد كلاما كثيرا لأهل العلم في إسماعيل بن يوسف الجحدري، ونَقَلَ كلامَ ابنِ معين، وكلام أحمد، وابن المديني، وغيره من أئمة العلم، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والعجليّ، وغيرهم من أهل العلم كلاما كثيرا جدًّا عن الراوي، فلو أن إسماعيل بن مسعود له أخطاء ستذكر أنَّ المزيَّ يشير إلى أخطائه، وأن بعض أهل العلم تكلم فيه بشيء، أو روايته عن فلان من الناس فيها شيء، هذا كله يتوسع أئمة الجرح والتعديل في ذكر حال الراوي بالتفصيل الشديد، أما الكتب المختصرة؛ كالتقريب، والكاشف، والخزرجي التي هي خلاصة "تهذيب الكمال" فإنما يذكر كلمةً واحدةً تُبين حال الراوي. لكن عند الرجوع للمصادر والكتب الواسعة مثل "تهذيب الكمال" ستجد كلاما واسعا جدًّا عن هذا الراوي، وإن كان خلاصة هذا الكلام في آخر البحث أنه ثقة، لكن تجد كلاما كثيرا جدًّا لأهل الجرح والتعديل في هذا الراوي.
ونفس الكلام يُقال فيمن وراءَه؛ خالد بن الحارث، وحسين المعلم.
وأشير إلى أن أبا حاتم إذا قال: صدوق؛ فليس معناه أن ضبط الراوي وسطٌ، هذا ذكرٌ لعدالةِ الراوي وليست بشكلٍ مُطَّرِد، فمصطلحاتُ أبي حاتم الرازي –خاضةً- مصطلحاتٌ لا تُقاس على ما في "تقريب التهذيب" لأن "تقريب التهذيب" إذا قال: صدوق؛ فمعناها أن حفظه وسطٌ، وأن ضبطه خفيفٌ، ليس كمن يقول فيه ثقة. أما أبو حاتم؛ فقد قال في الإمام مسلم -رحمه الله-: إنه صدوق؛ فهل معنى "صدوق" عند أبي حاتم في مسلمٍ أنَّ مسلما حفظُه وسطٌ؟! فمن يكون قوي الحفظ؟! إذا كان مسلم وسطا؛ فمن القوي؟! فهذه مسألةٌ يقول فيها بعضُ أهل العلم: إن قولَ أبي حاتم في الراوي: صدوق ذكرٌ لعدالته، وليس ذكرا لحفظه، على أن مصطلحات أبي حاتم في الجرح والتعديل تحتاج إلى نظرٍ خاص؛ أي مصطلحات خاصة بأبي حاتم -رحمه الله-.
(ثانيا: خالد بن الحارث:(1/15)
قال عنه في التقريب في المجلد الأول في الصفحة 211، 212: ثقة ثبت)
ثقة ثبت، وهذه أعلى من مجرد كون الراوي ثقةُ؛ لأنه إذا كَرَّرَ لفظ التوثيق؛ فهذه معناها أن الراوي في درجة أعلى من مجرد كونِه ثقةً.
(وقال عنه في "الكاشف" في المجلد الأول صفحة 266، 267: قال أحمد: إليه المنتهى في التثبُّت)
هذه درجة من الإمام أحمد عالية جدًّا، لما يقول: إليه المنتهى في التثبت في البصرة، ويحيى القطان كان لا يجامل، القطان كان إذا اختلف شعبة الذي هو شيخه مع غيره من أقرانه في الكلام على راوٍ؛ كانوا يحكمون القطان، وكان أحيانا يُخَطِّئ شيخَه فيقول له: رضينا بحكمك يا أحول، كان القطان أعور، يقول له رضينا بحكمك يا أحول، وكان سنه صغيرة، ومع ذلك يكون حكما في اختلاف شعبة مع أقرانه من أهل العلم.
(وقال في "الخلاصة" صفحة 99 ثم صفحة 100: قال النسائي: ثقة ثبت، قال القطان: ما رأيت خيرا منه ومن سفيان)
رَجلٌ موثق إلى أعلى درجات التوثيق، يقول فيه القطان، وأحمد، والأئمة الْمُعَوَّل عليهم في الجرح والتعديل هذا الكلام معناه أن هذا الراوي ما بعد ذلك من كلام، يجتمع في راوٍ كلمة أحمد ويحيى القطان بهذا الشكل؛ فهو راوٍ سعيد الحظ، الذي يقول فيه أحمد والقطان كلاهما، ويُضاف إليهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي؛ فهذا رجل محظوظ أن يتكلموا فيه بهذه الصورة.
(ثالثا: حسين المعلم:
قال عنه في "التقريب" في المجلد الأول صفحة 175، 176: ثقة ربما وَهِمَ)
ربما وهم؛ أي ستجد له أخطاء في بعض الروايات على بعض الشيوخ، وإذا رجعت إلى الكتب الطويلة مثل "تهذيب الكمال" أو غيرها من الكتب التي تتبعت مرويات حسين المعلم، فتجد أن الأئمة قد جرحوه بشيء وما تركوه هكذا.
وإذا توسعنا في البحث في الكتب الأصلية الواسعة وقرأنا كلام .. ولعلنا نفعل هذا -إن شاء الله- في المحاضرة القادمة، إذا أتينا بكلامهم ستجد لهم انتقادات على المعلم في بعض المواطن.
((1/16)
وقال عنه في "الكاشف": الحسين بن ذكوان المعلم البصري الثقة، وقال عنه في "الخلاصة": وثقه ابن معين، وأبو حاتم)
يعني ليس كلمة إجماع كخالد بن الحارث، أو أقل قليلا من إسماعيل بن مسعود، لكن هو أقل قليلا من إسماعيل بن مسعود الذي قالوا فيه: ثقة، ثقة لكن فيه كلام مثل الطالب الناجح بتقدير جيد.
(رابعا: عمرو بن شعيب:
قال عنه في "التقريب" في المجلد الثاني صفحة 72: صدوق)
اصْطُلِحَ على أن الصدوق عند الحافظ ابن حجر أي أن حفظه وسط، وحديثه -في الجملة- حديثٌ حسن، وإن كانت هذه -كما قلت مرارا وتكرار في الحلقات السابقة- ليست قاعدةً مطردةً؛ فالصدوق في بعض الأحاديث قد تكون روايته مثل رواية الثقات، وبعض الأحاديث -ويقولون عنه: صدوق- تكون روايته مثل رواية الضعفاء. فليست هي قواعد رياضية تُطَبَّقُ أن الصدوق حديثه حسن، لا ليس كذلك في هذا العلم، ليست نظريةً رياضيَّةً، وإنما النظر فيها بالقرائن.
(وقال عنه في "الكاشف" في المجلد الثاني صفحة 332: قال القطان: إذا روى عنه ثقة؛ فهو حجة، وقال أحمد: ربما احتججنا به)
ربما للتكثير أم للتقليل؟
نعم، لهم كلام طويل فيها.
(وقال البخاري: رأيت أحمد، وعليًّا، وإسحاق، وأبا عُبَيْدٍ، وعامة أصحابنا يحتجون به، وقال أبو داود: ليس بحجة)
رأيت أبا داود يقول: ليس بحجة، والقطان يشترط فيقول: يُشترط في حاله كما ذكرت هنا، أن الذهبي قَسَّمَ الرواة عن عمرو، قال: عمرو حجة، لكن العبرة بالراوي عنه، فإذا صح الإسناد إلى عمرو؛ فالحديث حجة، لم يصح الإسناد إلى عمرو ..، فالخلاف ليس في عمرو نفسه وإنما في الراوي عنه؛ لأن الرواة عنه مقسمون إلى طبقات: واحدةٌ هي المقبولة، والوسط إلى الضعف أقرب، والضعفاء هم ضعفاء.
((1/17)
وقال عنه في "الخلاصة" في الصفحة 290: قال القطان: إذا روى عن الثقات؛ فهو ثقة يُحتج به، وفي رواية عن ابن معين: إذا حدث عن غير أبيه؛ فهو ثقة، وقال أبو داود: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ليس بحجةٍ، وقال أبو إسحاق: هو كأيوب عن نافع عن ابن عمر، ووثقه النسائي، وقال الحافظ أبو بكر بن زياد: صح سماع عمرو من أبيه، وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، وقال البخاري: سمع شعيب من جده عبد الله بن عمرو)
أنا قلت: إن محمدا والده مات صغيرا، فشعيبٌ كفله جده عبد الله بن عمرو، وتربى في أحضانه، وثبت سماعه منه في غير ما حديث عند ابن حبان، والحاكم، وغيرهم من أهل الحديث. فالنظر في حال عمرو أنه نظر ولا بد من النظر في حال الرواة عنه.
(خامسا: شعيب بن محمد والد عمرو:
قال عنه في "التقريب" في المجلد الأول صفحة 353: صدوق، وقال عنه في "الكاشف" في المجلد الثاني صفحة 13، و14: صدوق، وقال عنه في "الخلاصة" صفحة 167: وثقه ابن حبان.
سادسا: عبد الله بن عمرو بن العاص)
الصحابة لا يُبحث عن عدالتهم ولا عن ضبطهم.
(خلاصة البحث في عدالة الرواة وضبطهم:
بعد استعراض ما قاله علماء الجرح والتعديل في رجال الإسناد الستة تبين لنا:
أولا: أن الثلاثة الأول، وهم: إسماعيل بن مسعود، وخالد بن الحارث، وحسين المعلم كلهم عدول ضابطون؛ لأن أئمة الجرح والتعديل وثقوهم، ولم يجرحوا عدالتهم، ولا ضبطهم، ومعلوم لدينا أن الثقة هو العدل الضابط.
ثانيا: وأن السادس، وهو عبد الله بن عمرو صحابي؛ فهو ثقة.
ثالثا: أن الرابع، وهو عمرو بن شعيب مختلف في توثيقه، لكن من لم يوثقه لم يَعْزُ ذلك إلى جرح في عدالته أو ضبطه، وإنما عزا ذلك إلى أمر خارج عن العدالة والضبط، وهذا الأمر هو في روايته عن أبيه هل سمع من أبيه؟! وإذا كان سمع من أبيه؛ فهل كل ما روى عن أبيه سمعه منه؟!(1/18)
لذلك نرى كثيرًا من أئمة الجرح والتعديل يقولون: إذا حَدَّثَ عن غير أبيه؛ فهو ثقة، والخلاصة أن عَمْرًا ثقةٌ في نفسه، فإذا صرح بالتحديث عن أبيه؛ فحديثه حجة ليس فيه شيء والله أعلم.
رابعا: وأن الخامس ..)
هنا ماذا قال: عنعن عن أبيه أم صرح بالسماع من أبيه في الإسناد الذي معنا هنا على السبورة؟
عنعن
لا؛ لأنه صرح بالسماع حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه، فهذا ثابت السماع.
تحمل الأداة مهم جدًّا في بيان الاتصال من عدمه، وإنما يُدرك بدَرْسِ التَّحملِ والأداء، وهذا باب واسع جدًّا وكبير في كتب مصطلح الحديث، وصنف فيه القاضي عياض كتابا مستقلا اسمه "الإلماع الجامع بين فَنِّيْ الرواية والسماع" بتحقيق العلامة الشيخ السيد صقر.
(رابعا: وأن الخامس وهو شعيب بن محمد أمره يشبه أمرَ ابنه عمرو؛ فهو في نفسه ثقة، وإنما الخوف في روايته عن جده عبد الله بن عمرو، فهو وإن صح سماعه منه على الراجح لكن سماعه منه ليس بكثير؛ فيُخشى أن لا يكون سمع منه كلَّ ما روى عنه، وإنما هي صحيفة لعبد الله بن عمرو رواها شعيبٌ وِجَادَةً)
الوجادة أحد وسائل التحمل الضعيفة، فهناك السماع من لفظ الشيخ، والإخبار، والإجازة، والوصية = الرواية بالوصية بالكتاب، ومنها الوجادة: أن التلميذ يجد كتابا بخط شيخه فيه مروياته كما فعل عبد الله بن أحمد يقول: وجدت في كتاب أبي. فالوجادات هذه أحد وسائل التحمل الضعيفة، فشعيب سمع من جده بعضَ الأحاديث والبعض الآخر وجده بخط جده؛ فهذا نوع من أنواع النقد، والجرح للراوي إذا حدَّث بالوجادة ليس بالتصريح، ولا الإخبار، ولا الإجازة، ولا الوصية، وإنما حَدَّثَ بالوجادة، فهذه طريقة ضعيفة من طرق التحمل.
(رواها شعيبٌ وجادةً ولم يسمعها، وإن كان المقصود بجده محمد بن عبد الله بن عمرو؛ فليس لمحمد صحبة، فيكون الحديث مرسلا.
البحث في اتصال الإسناد:(1/19)
هذا، وبعد أن انتهينا من بحث شرطيْ العدالة والضبط في رجال الإسناد نبدأ ببحث الشرط الثالث من شروط صحة الحديث، وهو اتصال السند، أو اتصال الإسناد فنقول:
أما النسائي؛ فقال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وأما إسماعيل بن مسعود؛ فقال: حدثنا خالد بن الحارث، وأما خالد بن الحارث؛ فقال: حدثنا حسين المعلم.
فهذه العبارات، والصيغ في الأداء يستعملها المحدثون في القراءة والسماع من الشيخ، إذن؛ فالسند إلى هنا متصل.
أما حسين المعلم؛ فقال: عن عمر بن شعيب، وعنعنته هذه محمولةٌ على الاتصال؛ لأن حسينًا ليس بمدلس أولا، ويمكن لقاؤه بعمرو بن شعيب والمعروف في التراجم بالأخذ عنه، ومذكور في تلاميذه.
وأما عمرو بن شعيب؛ فقد صرح بأن أباه حدثه، فالإسناد لا زال متصلا.
وأما شعيب بن محمد بن عبد الله؛ فقال: عن عبد الله بن عمرو، وهنا الإشكال؛ لأن شعيبًا وُصِفَ بالتدليس لكن الحافظ ابن حجر ذكره في الطبقة الثانية من المدلسين، وهي الطبقة التي قال عن أولها: إنهم من احتمل الأئمة تدليسهم، وخرجوا لهم في الصحيحين لإمامتهم، وقلة تدليسهم في جنبِ مَا رَوَوْا).
الحافظ ابن حجر له رسالة صغيرة جدًّا اسمها "طبقات المدلسين" لكنها مهمة جدًّا للطالب وهو يدرس اتصال الأسانيد، إذن عندنا كتاب العلائي "جامع التحصيل" مفيد جدًّا في معرفة الإرسال، كتاب الحافظ ابن حجر مفيد جدًّا في معرفة التدليس، فلو نظرت في الكتاب؛ ستجد فيه طبقةً أولى فيها: مالك، والسفيانان، وفيها جماعة من الأثبات الكبار هؤلاء تَحَمَّلَ الأئمةُ تدليسَهم؛ لقلة التدليس، ولعظمتهم، وجلالتهم في هذا الشأن.
وفي الطبقة الثانية التي أيضا يقول: (احتمل الأئمة تدليسهم، وخرجوا لهم في الصحيحين لإمامتهم وقلة تدليسهم في جنب ما رووا) فعندنا شعيب في هذه الطبقة الثانية التي مررها الأئمة؛ كقتادة وغيره ممن وصفوا بالتدليس وهم أئمة كبار.
((1/20)
لذلك فإننا نحتمل تدليسه هنا، ونحمل العنعنةَ على السماع؛ لقلة تدليسه، ولأنه ثبت سماعه من جده عبد الله، فالإسناد متصل إن شاء الله).
إذن عندنا كم شرطا تَحَقَّقَ إلى الآن في الإسناد؟
عدالة، ضبط، اتصال إسناد، وبقي الكلام على الشذوذ وعلى العلة، وطبعا هذا بحر لا ساحل له، يعني الطالب المبتدئ أو نحو ذلك مسألة الشذوذ والعلة مسألة تحتاج إلى إمامٍ جِهْبِذ هو الذي يفصل في هذه القضية.
سؤال الحلقة السابقة: اذكر أهم المصنفات في الثقات خاصة، ثم تناول أكبرها بالتفصيل.
أهم المصنفات في الثقات:
- "الثقات" لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي" المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين من الهجرة.
- "الثقات" لمحمد بن أحمد بن حبان البستي المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة من الهجرة.
- "تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم" لعمر بن أحمد بن شاهين المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة من الهجرة.
- أهمها وأكبرها لمحمد بن أحمد بن حبان البستي المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة من الهجرة.
توثيق ابن حبان من أدنى درجات التوثيق، قال العلامة الكتاني عن هذا الكتاب: "إلا أنه ذكر فيه عددا كثيرا وخلقا عظيما من المجهولين، الذين لا يَعرف هؤلاء غيرُه أحوالَهم، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولا لم يُعرف حاله فينبغي أن يتنبه لهذا، ويعرف أن توثيقه للرجال بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق، وقد قال هو في أثناء كلامه: "فمن لم يُعرف بجرح؛ فهو عدل حتى يتبين ضد ذلك" هذه طريقته في التفرقة بين العدل وغيره، ووافقه عليها بعضهم وخالفه الأكثرون"..
جزاك الله خيرا! وبارك الله فيك!.
سؤال الدرس:
اذكر أهم الخطوات التي يجب أن تتبعها لدراسة الإسناد.
سؤال طويل ويحتاج إلى جهد كبير.(1/21)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الثالث والعشرون
الشذوذ والعلة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
في المحاضرة الماضية نحن بدأنا تطبيقًا عمليًّا في كشف الرواة وطريقة البحث عنهم، وذكرنا حديثًا من عند الإمام النسائي، وهو الحديث الذي قال فيه النسائي: "أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام خطيبًا في حجة الوداع" وذكر الحديث.
وعرفنا كيف نبحث عن الراوي وكيف نتوصل إليه في موطنه من الكتاب، فعرفنا أن شيخ النسائي إسماعيل بن مسعود هو الجحدري وأنه ثقة، وأن خالد بن الحارث ثقة ثبت أثنى عليه الأئمة ثناءً عطرًا كأحمد ويحيى القطان، وأن حسين المعلم أيضًا صدوق، يعني ثقة له أوهام، أو نحو ذلك، ثقة ربما وَهِمَ على كلام الحافظ في "تقريب التهذيب" وقلنا: إن عمرو بن شعيب صدوق وهو ثابت السماع من أبيه، عمرو ثابت السماع من أبيه، وأن العبرة في الكلام على أسانيد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هي بحال الرواة عن عمرو، وهناك -كما قلت- الذهبي -رحمه الله تعالى- قسم الرواة عن عمرو إلى ثلاثة طبقات: المتقنون، والمتوسطون، والضعفاء أمثال ابن لهيعة والمثنى بن الصباح والحجاج بن أرطاة وغيرهم، فالضعفاء لا تقبل روايتهم، والمتوسطون حصل فيهم تردد وهم إلى الترك أقرب، أما المتقنون كحسين المعلم وغيره، حماد بن أسامة، هؤلاء مقبولون ورواياتهم صحيحة.(1/1)
ثم إن عمرو بن شعيب سمع صَبَحَ بالسماع من أبيه، وأبوه شعيب ثابت السماع من جده عبد الله بن عمرو، وتكلمنا على قواعد البحث في الإسناد وهي الاتصال، والعدالة، والضبط، وبقي الكلام على الشذوذ والعلة، فنقرأ الكلام النظري ثم نأخذ نموذجًا آخر من خارج الكتب الستة، من سنن الدارقطني كما ذكر الشيخ هنا، ثم نذكر بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- مثالاً تطبيقيًّا واسعًا على التخريج وعلى دراسة الأسانيد ليكون -إن شاء الله تعالى- نموذجًا يُحتذى في البحث والدراسة، نكمل -إن شاء الله تعالى- يا شيخ في الكلام على الشذوذ والعلة من صفحة 197.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (البحث عن الشذوذ والعلة وصعوبته: أما البحث عن الشذوذ والعلة فهو أمر أصعب بكثير من البحث في عدالة الرواة وضبطهم، واتصال السند؛ لأن الكشف على الشذوذ والعلة إثباتًا أو نفيًا أمر لا يقوى عليه إلا صاحب الاطلاع الواسع جدًّا على متون الأحاديث وأسانيدها، حتى يمكنه معرفة اتفاق أسانيد هذا الحديث في جميع الطرق التي ورد بها الحديث أو عدم اتفاقها، وقد ذكر علماء المصطلح أن العلة تطرق إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر).(1/2)
أشرح هذه الكلمة بشيء من التفصيل، هو طبعًا المنهج الذي اتبعناه في الأكاديمية في مادة "التخريج ودراسة الأسانيد" إنما هو خطاب للمبتدئين في دراسة هذا العلم، فهذه المرحلة لو خرج منها الدارس بتعلم كيفية استخراج الأحاديث من بطون الكتب وكيفية استخراج التراجم من كتب التراجم، فقد نجحنا في هذا نجاحًا عظيمًا، المرحلة التي تلي ذلك، هي مسألة جمع الطرق، يعني معرفة أماكن الحديث في جميع الكتب، ومقارنة هذه الأسانيد بعضها لبعض، ومعرفة مواطن الالتقاء التي هي تسمى عند علماء الحديث بالمدار، يعني هذا الحديث مداره على مَن مِنَ الرواة، ثم معرفة مواطن الخلاف على الراوي، ثم الكشف عن العلة التي هي آخر مرحلة في مراحل البحث، والتي تحتاج إلى تمكن وإلى دربة وإلى ممارسة, وإلى تطبيق عملي يصل إلى مرحلة أن يكون الطالب حافظًا لمناهج الأئمة في كتبهم؛ يعني يقول مثلاً وهو يدرس قد عرف تسلسل كتب البخاري، البخاري مثلاً يبدأ بكتاب الوحي ويثني بالإيمان وبعد ذلك العلم، وبعد ذلك الوضوء والطهارة ونحو ذلك والصلاة، فهو يعرف خط سير الكتب، ويروح ويجيء عليها كثيرًا، وإذا قابله إسناد في كتاب يستطيع بهذه الملكة أن يعرف هذا إسناد لمن، ونحو ذلك من الممارسات الطويلة التي ترشح الطالب بعد ذلك لأن ينظر في كشف العلة، وأن يتمرس عليها وأن يتدرب عليها، فالكلام على الشذوذ والعلة هذا يعتبر في آخر مراحل الطلب، فيما يتعلق بقضية التخريج ودراسة الأسانيد، لكن نحن نشير مجرد إشارة إلى أن مسألة العلة تحتاج إلى طالب أولاً انتهى من دراسة الجانب النظري؛ بمعنى أنه درس قواعد المصطلح بشكل جيد على أيدي شيوخه، يعني قرأ مثلاً النخبة وشرحها، قرأ مقدمة ابن الصلاح، حفظ ألفية من ألفيات السيوطي أو العراقي وقرأ شرحها، التبصرة والتذكرة مثلاً فيكون الجانب النظري عنده مهضوم ومستوعب، ويدري في المسائل المتشابهة في قضايا المصطلح يفرق بين هذا وذاك، هذه واحدة، ثم يمارس(1/3)
الاستخراج بشكل واسع، والكلام على الرواة والأسانيد بشكل واسع، فإذا قضى هذا القدر من التأهيل العلمي استطاع أن يتكلم أو أن يفهم لا أقول يتكلم أن يفهم الكلام في مسألة العلل.
الأئمة متفقون على أن الحديث لن يستطيع الطالب أن يتفهمه إلا بجمع طرقه، ومقارنة هذه الطرق بعضها ببعض، هذه الجزئية من البحث هي المنتهى في دراسة علم الحديث.
وكانوا يقولون: إن علم الحديث إلهام، يعني ينقدح في قلب الناقد أن هذا الحديث فيه علة ولا يستطيع أن يذكر مبررًا لهذا التعليل، وضربت قبل ذلك مثالاً بحال محمد بن الحسن الشيباني، وهو مقدَّم الحنفية في الفقه وتلميذ أبي حنيفة، وهو أخذ جملة من الأحاديث وذهب بها إلى أبي حاتم وسأله عنها فقال أبو حاتم: هذا باطل، وهذا منكر وهذا ضعيف وهذا صالح، فقال: أين الدليل؟ قال: علم عُلِّمْنَاه، يعني شيء انقدح في قلوبنا، ولكن خذ هذه الأحاديث واذهب بها إلى أبي زرعة، فإن اتفقت كلمتنا فذلك علم، وإلا فإن كل واحد تكلم بما في رأسه، فأخذ الأحاديث وذهب إلى أبي زرعة فالذي قال فيه أبو حاتم ضعيف قال فيه ضعيف، والذي قال فيه منكر قال باطل، والباطل والمنكر قريب والذي قال فيه موضوع قال موضوع، والذي قال صالح الاحتجاج قال صالح الاحتجاج، ثم ذهب إلى محمد بن مسلم بن وارة وقال نفس الكلام، فعلم أن هؤلاء القوم إنما صدروا عن علم لم يصدروا عن هوى.(1/4)
طبعًا الوصول إلى هذا المستوى من النظر هذه إنما ينظر فيها إن قلنا مَن في العالم الإسلامي اليوم يستطيع أن ينظر وأن يكتشف علل الأحاديث لا تكاد تحصي أصابع اليد الواحدة عند المبالغة على مستوى العالم الإسلامي الذي يتخطى المليار ونصف، لماذا؟ لأن هذه مسألة تحتاج إلى عمر طويل عشرين سنة ثلاثين سنة من الممارسات والدربة والأخذ والرد والمراجعات، وغير ذلك، وأنا أرى أن الذي يُرشح لمثل هذا الكلام في مصر هو شيخنا الشيخ "محمد عمرو عبد اللطيف" هذا يعتبر أعلى كعب في هذه القضية؛ قضية النظر في علل الأحاديث، ولا أزكيه على الله -عز وجل- حتى إن الشيخ كثيرًا ما يرجع.. الكتب القديمة لا يسمح بطباعتها، لماذا؟ لأنه استبان له أن كثيرًا من الكلام فيها كان ببادئ النظر. والعلماء لهم كلام في مسألة الحكم على الظاهر، يعني إن الحكم على الأسانيد من ظاهرها هذا خطأ، يعني كون الراوي ثقة والذي بعده ثقة، والذي بعده ثقة، والذي بعده ثقة، والذي بعده الصحابي يبقى الحديث صحيح؟ هذا الكلام ببادئ النظر؛ لأنه قد يكون الثقة يروي عن ثقة وفي الحديث علة، إن الراوي سمع من شيخه بعد الاختلاط، أنه لم يسمع منه هذا الحديث بعينه، أنه لما سمع هذا الحديث منه ضاعت أوراقه فحدث من حفظه فحصل الوهم في حديثه، هذه مسائل لها اعتبارات وقرائن، وكل حديث له قصة وحده، يعني ليست هناك قاعدة مضطردة مثل القواعد الرياضية للحكم بها على علل الأحاديث، وإنما الحديث تجمع طرقه وتظل تتأمل فيها وتقارن وتنظر في المدار ومواطن الاتفاق، ومواطن الالتقاء، ومواطن الاختلاف حتى يهديك الله -عز وجل- إلى معرفة مواطن العلة بعد استفراغ الجهد والنظر في كلام أهل العلم.(1/5)
الطالب الذي بدأ والذي درس قواعد المصطلح بشكل جيد وهضمها، وتعرف على كيفية استخراج الأحاديث من بطون الكتب، واستخراج الكلام على الرجال يحتاج إلى ذلك أن يكون عنده نظر في كتب النقد الحديثي، سواء للقدامى كما في علل ابن أبي حاتم وعلل الدارقطني وهي مليئة.. يعني مثلاً يأتي بأحاديث ظاهرها الصحة جدًّا ويتكلم على تعليلها ويبين أن فيها علل سواء الاختلاف في الوصل والإرسال، اختلاف في الوقف والرفع، ونحو ذلك من مواطن العلة، فيقرأ الطالب، يبدأ يقرأ في علل ابن أبي حاتم مثلاً أو في علل الدارقطني أو غيرها من الكتب بعد قراءة الجانب النظري في العلل، وأرشح لذلك أميز كتاب في الأمة وهو كتاب "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي، الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- أتى بدرر غوالي في هذا الكتاب، الترمذي -كما نعلم- ختم كتابه الذي هو "السنن" بكتاب "العلل" الذي هو "العلل الصغير" فجاء ابن رجب -رحمه الله تعالى- شرح هذا القدر، وأضاف عليه مثله، يعني شرح القدر اليسير من كتاب "العلل" للترمذي يقع في حوالي تسعة وخمسين صفحة، شرحهم في مجلد وأضاف مجلدًا آخر في الكلام على أصول العلل، هذا الكتاب الطالب يحفظه كما يحفظ الفاتحة، لماذا؟(1/6)
لأنه في الجزء الثاني من الكتاب ذكر الثقات الذين يخطئون في رواة معينين، هو الراوي ثقة، لكن فيه فلان بعينه من المشايخ يغلط، والثقات الذين يخطئون في بلاد معينة، يقول لك مثلاً: فلان إذا روى عن أهل بلده فهو ثقة، وإذا روى عن غير أهل بلده فلا يحتج به، فيبقى فيه راوي يغلط إذا خرج من بلده، قالوا مثلاً هشام بن عروة لما نزل العراق وكان ينزل للتجارة، فكان يجتمع عليه طلبة الحديث وأبوه عروة، وعروة يروي عن خالته عائشة، يعني سند عالي جدًّا غاية في المهارة، يعني تشرئب إليه أنظار وأعناق طلبة العلم، فكانوا يطلبون من هشام أن يحدثهم إذا نزل بالعراق، وكان يحدث من حفظه، الرجل ذاهب ليتاجر ما هو ذاهب ليحدث، فكل ما حدث به هشام في العراق فيه نظر، هذه قواعد يذكرها أهل العلم.
عبد الرزاق مثلاً إمام أهل اليمن، وهو شيخ أحمد وابن معين ودارت عليه أسانيد اليمن، يعني آل علم اليمن كله إلى عبد الرزاق، ومع ذلك فعبد الرزاق عَمِيَ سنة مائتين، وكان يعتمد على الكتابة، فإذا حدث من حفظه بعد العمى فقد وقعت الأوهام في روايته، فلا يعتد بمرويات عبد الرزاق بعد العمى، وإن كان الراوي عن عبد الرزاق جبلا في الحفظ، ولو كان الإمام أحمد، ولم يحصل أن أحمد روى عن عبد الرزاق بعد العمى، لكن حتى ولو كان الإمام أحمد... وأحمد جبل في الحفظ، وإمام إليه المنتهى في التثبت، وعبد الرزاق إمام ثقة ثبت، ومع ذلك الذي روى عن عبد الرزاق وهو بهذه المثابة والمنزلة بعد العمى فحديثه لا يقبل، فيقولون هناك أخطاء للثقات، كأن يخطئ في راوي بعينه في بلد بعينه، في وقت بعينه، كأن يصيبه عمى، يصيبه اختلاط أو غير ذلك، فهذه من مداخل العلة، هذه من مداخل العلل ومن مواطن التعليل.(1/7)
أيضًا الثقات يتفاوتون، مراتب الثقات تتفاوت، فمثلاً نحن قلنا في الدرس الماضي: إن عندنا إسماعيل بن مسعود ثقة، وخالد بن الحارث ثقة، فهل بينهما تفاوت كما رأينا؟ نعم، خالد بن الحارث قال فيه أحمد ويحيى بن سعيد القطان: إليه المنتهى في التثبت في البصرة، طيب يعني حديثه مقبول في الدرجة العليا من القبول، وإسماعيل بن مسعود الجحدري أيضًا حديثه مقبول، ومع ذلك الاثنين ثقات لكن بين خالد بن الحارث وبين إسماعيل بن مسعود أيضًا تفاوت في درجة التوثق؟(1/8)
فباب العلل هذا بحر متلاطم الأمواج لا يدخل فيه إلا من تأهل، تأهل يعني انتهى من دراسة القواعد النظرية، كتب المصطلح لا غنى أبدًا عن أن الإنسان يدرس كتب المتأخرين كالنخبة وشروحها، ومقدمة ابن الصلاح وشروحها، والنكت عليها ونظمها وشروح النظم، هذه جهود علماء ما ينبغي أن تهدر ولا يلتفت إلى من يقول إن هذه الكتب طولت الطريق على الدارسين، نعم ليست هي الغاية في الدرس الحديثي، لكن لا بد منها في التأصيل والتأسيس لبناء طالب علم، فإذا انتهى من هذه الدرجة -درجة البناء- فليدخل على التطبيق، يدخل على التطبيق يهتدي بكلام الأئمة، أئمة العلل، فيدرس وينظر في كتب العلل التي للأقدمين وينظر في الدراسات النقدية التي للمعاصرين، مع نوع من الاحتياط ونوع من عدم التعصب، فعندنا بفضل الله -تعالى- في الأمة والله تعالى لا يُخَلِّ الأرض من قائم له بحجة، عندنا ولله الحمد قدر من العلماء وطلبة العلم والمشايخ الذين لهم عناية بعلم العلل في العالم الإسلامي فعندنا مثلاً في مصر الشيخ محمد عمرو، وأخونا الشيخ طارق عوض الله -حفظه الله- والشيخ أبو إسحاق له اهتمام بهذا الجانب لكن غير موجود كتصنيف، أو كدروس منشورة لا يوجد شيء من ذلك مع عناية الشيخ بهذا الباب وله شرح على علل ابن أبي حاتم، لم يطبع منه شيء إلى الآن، وعندنا الشيخ الشريف حاتم العوني صاحب "المنهج المقترح لدرس المصطلح" ودراسته الماجستير التي هي "التدليس وعلاقته بالإرسال الخفي"، الشيخ عبد الله السعد، سليمان العلوان، الْمِلِباري طبعًا من هؤلاء المشاهير الذين لهم دراية ودربة وتمرس ونوع من معرفة النقد الحديثي، مثل هذه الجهود التي هي موجودة لعلماء العصر ولهم بها عناية ولهم بها تمرس ولهم كتابات موجودة، تقرأ هذه الكتابات، مع نوع من التحفظ في بعض الكتب التي صدرت فيها لهجة قوية قاسية على كتابات المتأخرين، فكما قلت إن كلام المتأخرين كلام لا يستغنى عنه في بناء الطالب من(1/9)
الناحية النظرية، فإذا انتهى الطالب من هذه المرحلة لا يقف عندها، يجب أن يرجع وأن ينظر في مناهج أئمة العلم في العلل، وينظر في كتابات المعاصرين التي تعتبر كالكشاف إلى هدايته إلى معرفة أنفاس المتقدمين في النظر لعلم الحديث، هذه هي الطريقة التي يمكن أن يرتقي بها الطالب في دراسته لهذا العلم الشريف.
ننظر في صفحة 202 في الكتب التي يستعان بها في كشف العلة والشذوذ.
(الكتب التي يُستعان بها في كشف العلة والشذوذ: هناك كتب صنفها العلماء لبيان علل الحديث، وتعرف هذه الكتب بكتب العلل، وطريقة كتب العلل هي ذكر الأحاديث المعلولة مع بيان عللها، وذلك بذكر طرقها وكشف العلة من خلال جمع الطرق واستعراضها).
(جمع الطرق واستعراضه) كلمة ثلاثة أسطر، أما ما وراءها من جهد، فهذا أمر تبذل فيه الأوقات والمهج والأرواح؛ لأن هذا أمر ليس بالسهل، (جمع الطرق) يعني لن تترك الحديث في كتاب من كتب السنة إلا وأسانيده أمامك، هذا الحديث منثور في عشرات الكتب، منثور في الأجزاء الحديثية، في كتب التفاسير والتواريخ وغيرها، في كتب التراجم كتب السؤالات كتب العلل، تستخرج هذا كله وتضعه أمامك على الطاولة لتنظر في مسألة كشف العلة.
(وذلك مثل كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم، وهو مرتب على الأبواب، وكتاب "العلل" للدارقطني، وهو مرتب على المسانيد).(1/10)
من العجب العجاب الذي لا ينقضي عجبك وأنت تسمع، أن الدارقطني -رحمه الله تعالى- لم يؤلف كتاب "العلل" ما ألفه، إنما أملاه على طلابه، كان تلامذة الدارقطني يسألون وهو يجيب، سبحان الله العظيم، إذا فتحت أي مسند من مسانيد الصحابة ترى كلام الدارقطني الحد الأدنى من الطرق التي يوردها في الحديث الواحد ثمانية طرق، الحد الأدنى أن يأتي بثمانية طرق من حفظه لا تضطرب عليه الأسانيد ولا يذكر راوي مكان راوي، ولا يختلف عليه الأمر، ولا يتشابه عليه المسائل، وإضافة إلى ذلك كلامه على الطرق، أن هذا ورد مرسلا، وهذا ورد متصلا، وهذا ورد موقوفا، وهذا ورد مرفوعا، والراجح كذا، وترجيحه كذا... هذا الكلام يدل على إمامة عالية ما جاء بعد الدارقطني في هذا الباب مثله، يعني أغلق هذا الباب على من جاء بعده.
(وقد يَنهَج بعض المؤلفين في العلل نهجًا آخر، فتراه يذكر أن فلانًا لم يسمع من فلان، أو أن حديث فلان عن فلان منقطع؛ لأنه لم يلقه، وذلك كالإمام أحمد في كتابه "العلل ومعرفة الرجال" فهذه الكتب يمكن الاستعانة بها في كشف علل الحديث، لكن هل صنف العلماء كتبًا خاصة في معرفة الأحاديث الشاذة؟ والجواب عن ذلك: أن العلماء لم يصنفوا مثل هذه المؤلفات، والله أعلم).(1/11)
الشذوذ نوع من العلة، الشذوذ ماذا يعني؟ الشذوذ معناه أن الراوي ثقة وقد خالف من هو أوثق منه، فالثقة إذا خالف الثقات.. يعني مثلاً حديث (فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط، أو صاعا من شعير على كل ذكر أو حر، عبد أو أنثى من المسلمين) لفظة (من المسلمين) زادها مالك، وعامة أصحاب الزهري الذين رووا عنه هذا الحديث لم يأتوا بهذه الزيادة، ففريق من أهل العلم يقول: إن مالك -رحمه الله تعالى- خولف وكلام الجماعة يترجح عليه، طيب كلام الجماعة يترجح عليه، هل الترجيح إذا خالف الراوي بالغلبة يعني بالكثرة، من أجل أن مالك وحده والمخالفون له خمسة أو ستة من تلامذة الزهري، يكون بالكثرة، يعني ستة على واحد يعني، أم أن المسألة تخضع لعوامل ومرجحات عند أهل العلم؟ لا.. تخضع لعوامل ومرجحات؛ لأن الفريق المخالف فيهم سفيان ابن عيينة، وسفيان ابن عيينة ومالك في حديث الزهري فرسا رهان؛ بمعنى: أنهما مختلفان، عندما يختلف مالك وسفيان في الزهري كلام من الذي يقدم؟ بلا شك أن مالكا يقدم؛ لأنهم حصروا أخطاء مالك على الزهري فوجدوها أربعة، وحصروا أخطاء سفيان بن عيينة على الزهري فوجدوا عشرين خطأ، فمالك مقدم، لكن على أية حال لا يزال سفيان بن عيينة موجودا، يعني أيضًا فارس من فرسان حديث الزهري، فإذا انضم إلى سفيان بن عيينة أمثال عقيل وخالد الأيلي ويونس وغيرهم من الذين لازموا الزهري مثل ملازمة مالك، إذا اختلفوا فتقدم رواية الجماعة على رواية مالك، ويقال: إن مالك شذ في زيادة (من المسلمين) وإن كان الحافظ العراقي في النكت على ابن الصلاح يرى أن مالكا لم ينفرد بهذه الزيادة، وتابعه فيها غيره.
فالمقصود من ذلك أن الثقة إذا خالف الثقات يبقى حديثه أو زيادته شاذة، واضح؟ فيقال كما قال العراقي -رحمه الله تعالى- في الألفية:
"وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ** فيه الملا فالشافعي حققه"(1/12)
يعني الثقة إذا خالف الملأ أو الجماعة من تلامذة الشيخ الذي أخطأ عليه، فتقدم رواية الجماعة على رواية الفرد، هذا معنى الشذوذ، فالشذوذ أحد مواطن العلة، نوع من أنواع العلة، وإن جعله العلماء نوعًا مستقلاً من شروط الحديث الصحيح.
(لكن الشذوذ قبل ظهوره هو نوع من العلل، ولذلك كثيرًا ما يعلل الأئمة بعض الأحاديث بأن فلانًا روى الحديث على وجه مخالف للأول، وهو أثبت وأوثق منه، والحقيقة أن المعلَّلَ أعم من الشاذ، فالشذوذ نوع من العلل كالاضطراب والقلب والله أعلم.
وهذه أشهر المصنفات في العلل: أولاً: "علل الحديث" لابن أبي حاتم).
ولابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية شرح كان بدأه على علل الحديث ولم يتمه، طبع منه مجلد واحد فقط.
(ثانيًا: "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل.
ثالثًا: "العلل لابن المديني").
القدر الموجود من علل ابن المديني قطعة لا تزيد على مثلاً خمسة وعشرين لوحا التي حققها القلعجي قديمًا، والشيخ محمد مصطفى الأعظمي، الذي هو القدر الموجود من العلل ومعرفة الرجال لابن المديني هذا لا يمثل واحدا على عشرين أو ثلاثين من الكتاب الأصلي، هذا القدر الذي وجد.(1/13)
طبعًا ضف إلى ذلك مثلاً كتاب "التمييز" لمسلم، كتاب "التمييز" للإمام مسلم كتاب علل من الدرجة الأولى، وأضف مثلاً "علل الترمذي" الصغير والكبير، الترمذي له عللين: صغير، وكبير، الذي هو ترتيب أبو طالب، وأكبرها على الإطلاق هو كتاب العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني، ومما يفيد في الكلام كتب العلل المعاصرة خاصة رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإسلامية خاصة جامعة الأردن، قاموا بجهد مشكور ولهم اهتمام بالدراسات النقدية، فطبع منها: "منهج البخاري في التعليل" لأبو بكر كافي بإشراف المليباري، الدكتور حمزة بن عبد الله، و"الوهم في رواية مختلف الأمصار" لعبد الكريم الوريكات، وهذه الدراسات المعاصرة التي أسهمت بنوع جيد في طرق كشف العلة، وبيان العلل ونوعها، وإبراهيم بن الصديق له مجلدان كبيران على العلل الواقعين في كتابي "الوهم والإيهام" لابن القطان، الكتاب مطبوع في مجلدين، و"أجناس العلة" لمصطفى باجو، كتاب في مجلد جيد له جهد مشكور في جمع مسالك العلة عند الأئمة النقاد، والكتب التي تكلمت على الصحيحين ككتب الدارقطني وأبو علي الجياني، وغيرها من الكتب، هذه مما تسهم أيضًا وتضيف إضافات جيدة، إضافة إلى كل كتب الشيخ حمزة بن عبد الله المليباري، التي هي الحديث المعلول، وله أيضًا خمسة أو ستة كتب التصحيح عند ابن الصلاح ، وأيضًا له كتاب في علوم الحديث في ضوء تطبيقات الأئمة النقاد وغيره من الكتب الموجودة للشيخ حمزة وهي كثيرة، كتب -كما قلت- الشيخ العوني، حاتم العوني أيضًا كتاباته جيدة، ولها إسهام جيد في كشف العلة وبيانها، وتُوقِف الطالب على طريق الطلب بشكل جيد ورائع، كل هذه الأمور، الإرشادات لطارق عوض الله من أجل مسألة المتابعات والشواهد، كل هذه القضايا والمسائل تسهم في بناء الطالب في التذوق، تنقله نقلة من الجانب النظري الذي يعمل فيه منذ سنين، إلى نوع من الممارسة والتطبيق وغيره من المسائل.(1/14)
بعد الكلام على الشذوذ والعلة نرجع لكلامنا مرة أخرى على كلام الشيخ الطحان على الحديث الذي ذكرناه، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
صفحة كم يا شيخ؟.
نرجع إلى 198.
(الحكم على هذا الحديث).
الذي هو حديث النسائي الذي هو من رواية إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. نعم.
(الحكم على هذا الحديث، المقصود بالحكم على الحديث: بيان مرتبته من الصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع، وذلك بعد دراسة إسناده على الوجه الذي سبق آنفًا، أما بالنسبة للحكم على هذا الحديث الذي درسنا إسناده فهو كما يلي:
أولاً: أن رجال الإسناد الستة كلهم ثقات، أي عدول ضابطون، يعني أن رجال الإسناد رجال الصحيح، وإن كان بعضهم وهما "عمرو بن شعيب" وأبوه "شعيب" ليسا من أعلا رجال الصحيح بل هما من أدنى رجال الصحيح.
ثانيًا: إن سند الحديث متصل وإن كان فيه شوب انقطاع في عنعنة شعيب عن جده عبد الله بن عمرو).
ذلك لأن شعيب مذكور في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، هو ثابت السماع نعم، شعيب كفله جده، وتربى في حجره؛ لأن أباه محمد مات وهو صغير وهو ثابت السماع من جده في "مستدرك الحاكم" وفي "سنن أبي داود" وغيرهما، لكن سماعه منه قليل يعني الأحاديث التي رواها شعيب عن جده عبد الله بن عمرو ليست بالكثرة التي ترشح لقبول مروياته إذا عنعن، وهو هنا قد عنعن، أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(ثالثًا: لم يظهر لي في حدود اطلاعي شذوذ أو علة في سند هذا الحديث أو متنه.
مما تقدم أقول: إن الحديث صحيح لكن ليس في قمة أنواع الصحيح، وإنما هو من أدنى مراتب الصحيح أو هو من أعلى مراتب الحسن، والله أعلم.
هذا: وقد روى الحديث غير النسائي الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه وسكت عنه، ومعلوم أن ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاحتجاج على المعتزلة).(1/15)
هذه أيضًا فيها نظر (ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاحتجاج) لا بالعكس فيه أبحاث خرجت وكلام لكثير من أهل العلم أن المسكوت عنه عند أبي داود فيه ضعيف كثير.
(وقد قال الذهبي: الحسن أيضًا على مراتب فأعلى مراتبه. بهز بن حكيم عن أبيه عن جده).
هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده. وهذا الكلام ذكره الذهبي -رحمه الله تعالى- في "الموقظة" هذه المراتب يعني يذكر يقول: الصحيح مراتب فأعلاها فلان عن فلان عن فلان، والحسن مراتب أعلاها بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وابن إسحاق عن التيمي وأمثال ذلك مما قيل منه صحيح.
(وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وابن إسحاق عن التيمي، وأمثال ذلك مما قيل إنه صحيح وهو من أدنى مراتب الصحيح.
استحسان اكتفاء الباحث في الإسناد بقوله: صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد، أو ضعيف الإسناد، مر بنا أن كشف العلة والشذوذ في الحديث نفيًا أو إثباتًا أمر صعب جدًّا لا يقوى عليه كل باحث أو مشتغل بالحديث، لكن يستحسن في حق الباحث في الأسانيد أن يقول في نهاية بحثه عن مرتبة الحديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد، أو ضعيف الإسناد، ولا يتعجل فيقول: صحيح أو حسن أو ضعيف).(1/16)
يعني نحن في الأزمنة المتأخرة هذه الأزمنة التي نعيش فيها التي بينها وبين السلف الذين كانت لهم عناية فائقة بدرس الحديث، مسألة الاستقلال بالتصحيح والتضعيف ابن الصلاح له عليها كلام أن يغلق باب التصحيح والتضعيف في الأعصار المتأخرة وابن الصلاح أين؟ في ستمائة وأربعين، يعني في القرن السابع، فإذا كنا في هذا الزمان نحن نجتهد في أن نفهم؛ لأن معظم الدراسات الحديثية الموجودة في الجامعات الغالب أعم الغالب في الدراسات الحديثية أن الطالب يخرج الحديث على اللفظ، يعني تخريجه في رسالته العلمية سواء ماجستير أو دكتوراه ما هو إلا عزو لمواضع الحديث في الكتب، وهذا لا يسمى استخراجًا ولا يسمى تخريجًا ولا بحثًا علميًّا، ولا يصل الطالب إلى التمكن ولو عاش عمر نوح -عليه السلام- فإن نصيحتي للطالب إذا خَرَّجَ الحديث، إذا خَرَّجَ ليكون مخرجًّا لا يكون إلا باحثًا عن الطرق فالناس تُخَرِّج على طرق الحديث، وليس على ألفاظه، لماذا؟ لأن على الألفاظ معناه أنه مهتم بهذه اللفظة فقط من خَرَّجَها، كون الإسناد فيه حيات وعقارب هذه مسألة لا تعني، إنما المراد في الدرس الحديثي هو النظر في أحوال الأسانيد وأحوال الرواة الذين ذكروا في هذا الإسناد، فمسألة التخريج على اللفظ لا قيمة لها في الزمن الحاضر، خاصة عند وجود الحاسب الآلي، أنا بضغطة زر أستطيع أن أُخَرِّج لفظة حديث من عشرين ثلاثين كتاب، ماذا بقي على الطالب المتخصص الذي هو في قسم السنة في قسم الحديث، بقي عليه أن يجمع هذه الطرق، وينظر في مواطن الالتقاء ومواطن الاختلاف وكشف العلة ونحو ذلك حتى يفهم، يعني الذي نبغيه الآن في الجامعات لا أن يحكم الطالب على الحديث بل أن يفهم كلام أهل العلم، لأن مسألة أن يستقل بحكم وما هو داري عن شيء أساسًا، معظم طلبة الماجستير -إلا من رحم- لا يستطيع أن يستقل بالحكم على حديث، فغايته أن يفهم، إن فهم يكون هذا شيئًا جيدًا؛ لأن المقصود في الرسائل أنها(1/17)
تمرين للطالب، يعني أنا لن آخذ كلام طالب في ماجستير ودكتوراه لأعمل به في الحكم على حديث صحةً أو ضعفًا، هذا محتاج يجلس عشرين سنة يُخَرِّج وينظر في الطرق والأسانيد، ويقرأ في علل، ويشمم أنفاس أهل العلم حتى يستقل بالحكم، إنما الذي نريد أن يكون الطالب المتخرج الذي حمل رسالة دكتوراه في قسم الحديث يكون أهلا للفهم؛ لأن الطالب غاية همه أنه ما أن يسجل إلا ويريد أن يناقش، في سنة ماجستير وفي سنتين دكتوراه، فمشغول بإعداد البحث، ويرى نفسه باحثا، ويفوته وتقع منه مسائل كثيرة جدًّا فيتخرج وما فهم شيئًا، فلم الاستعجال، تفرغ سنة أو سنتين وتدرب وانظر، لن تستطيع مسك الكتاب بعد التخرج، يعني بعد الدكتوراه هذه والانشغالات والتدريس شمالا ويمينا، هذه هي مرحلتك التي تدرس فيها هي التي تستطيع أن تتعلم وأنت متفرغ للبحث، فلا تتعجل، انظر تعلم؛ لأن كثيرا من المتخرجين لا يفهمون شيئا، وتقعد تتكلم في باب العلل كأنك تتكلم في ألف ليلة وليلة، يعني تتكلم في قصة مختلفة تماما لا تجد من يفهمك فضلاً عن أن يتجاوب معك في قضية الدرس الحديثي فيما يتعلق بباب العلل، فنصيحة لإخواننا الدارسين في مراحل الماجستير والدكتوراه أو الطلبة المتفرغين لا يتعجلوا، يصبر ويشمم أنفاس أهل العلم حتى يتأهل لذلك.
(لأنه بالنسبة لقوله عن الحديث صحيح أو حسن، ربما يوجد حديث آخر يعارضه في معناه، وسنده أقوى فيكون الحديث الذي حكم عليه بالصحة شاذًا، أو ربما اكتشف في الحديث علة غامضة، لم يستطع الباحث اكتشافه).(1/18)
أقول هذا الكلام يعني تقوية قلوب إخوانا الدارسين أنت فقط عليك أن تفهم كلام أهل العلم، وأنا أجزم جزمًا يقينيًّا أنه ما من حديث في كتب السنة إلا وللأئمة عليه كلام، إما مباشرة، وإما بالكلام على رواة هذا الحديث، لكن هذا إنما يُكتشف مع الصبر، لن تعدم فائدة وكلامًا لأهل العلم إلا بالصبر فالذي يعلل الآن ويصل إلى كشف علة في الحديث، كيف يكتشفها؟ في المنام أو بالتخمين؟!! هو بالقرائن الموجودة في كلام أهل العلم، فأنت اصبر في البحث، ولن تعدم كلامًا لأهل العلم الكبار في القرن الثاني والثالث، الذين ذكرناهم على السبورة أكثر من مرة، لن تعدم لأحدهم كلامًا على الحديث، إما مباشرة بتصحيحه أو تضعيفه، وإما على الراوي الذي روى هذا الحديث بتجريحه أو بتوثيقه، فانقل كلام أهل العلم لكن بتأني.
(وبالنسبة لقوله عن الحديث ضعيف ربما وجد له تابع أو شاهد يقويه، ويجبره فيرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره.
فالأولى في حق الباحث إذن أن يقول في نهاية بحثه عن الحديث: صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد، أو ضعيف الإسناد).(1/19)
نعم.. الموضة الموجودة الآن في الكتب التي حدث فيها طفرة قوية جدًّا في الصحوة المعاصرة، أن كثير من الطلبة يكونون في سن الطلب يعني سنه ثلاثين سنة مثلاً، ويعمل على تخريج أحاديث كتاب أو جزء حديثي أو نحو ذلك، من أول وهلة ومن أول مؤلف يقول: صحيح، حسن، ضعيف، صحيح لغيره، حسن لغيره، ويظل يسجل أحكاما لماذا؟ فالشيخ يقول هنا تأن ولا تحكم ولا تستقل بالحكم على الحديث، ولكن قل صحيح الإسناد، ضعيف الإسناد، حسن الإسناد؛ لماذا؟ لعلك بعد فترة من الزمن تعيد النظر في كتابك فتجد للحديث طرقًا لم تقف عليها أثناء بحثك، أو تكتشف في الحديث علة، أو كنت ضعفت الحديث فوجدت له بعد ذلك تابعًا قويًّا فيقوي الحديث أو شاهد يقويه، إلى غير ذلك من وسائل المراجعات التي يرجع فيها أهل العلم أخذًا ونظرًا خاصة وأن هذا علم لا تجد من يوقفك على وسائل تعلمه مرحلة مرحلة، فالشيخ هنا يقول: إن الطالب لا يجزم بتصحيح أو تضعيف بل يقول: صحيح الإسناد، حسن الإسناد، ضعيف الإسناد ونحو ذلك، حتى يتسنى له الرجوع بعد ذلك فيحكم على الحديث قطعيًّا بالصحة أو بالضعف، لكن الموجود في هوامش الكتب هذا فيه من الخطأ الكثير جدًّا.
(وقد فعل هذا كثير من الأئمة السابقين منهم: الحاكم أبو عبد الله، والحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" وغيرهما، والظاهر أن الوقت لم يسعفهم ليكملوا النظر في كشف الشذوذ والعلة، فتحرجوا من القول بأنه صحيح أو حسن).(1/20)
الذي نعرفه أن الحافظ الهيثمي كان زوج بنت الحافظ العراقي، ولازمه أكثر من عشر سنوات، وهو الذي سافر بالولي العراقي أحمد الذي هو أبو زرعة بن الحافظ العراقي سافر به إلى دمشق ليسمع من الْمِزِّي وعلماء الشام في ذلك الزمان، فتخيل مثلاً الهيثمي كان ملازما عشر سنوات أو أكثر وهو زوج بنته، يعني ظل يدخل ويخرج عليه في كل وقت بلا تحرج، ومع ذلك كان يسعه أن يقول: صحيح، نعم الهيثمي عنده تساهلات كثيرة في الحكم على الأسانيد، لماذا؟ لأن الجهد الذي بذله الهيثمي في "مجمع الزوائد" جهد جبار، يعني عشرة مجلدات فيه ما يزيد على العشرة آلاف رواية، فلا بد أن يقع الوهم وإن كان هذه المدرسة وهذه الفترة الزمنية، الفترة التي كان فيها الهيثمي ومن قبله بقرن أو قرنين وما بعدهم ليس فيها مبرزين، يعني في علم العلل في ذلك الزمان، إذا استثنينا مثلاً الحافظ ابن حجر والسخاوي لأن لهم اهتماما بهذا الباب، والحافظ ابن رجب، لكن على أية حال الاحتياط واجب، والطالب لا يتجاسر على الحكم على الأحاديث صحة وضعفًا، وهو بعد لم يتأهل، كثير من المعاصرين الذين ألفوا ندموا على أنهم أخرجوا كتبهم قبل تحريرها، هو يحتاج إلى أن يرجع، ويحتاج إلى أن يعيد النظر، إذا سألت الشيخ عن ما قاله على حديث كذا في كتاب كذا.. يقول هذا والله هذا أنا راجع عنه، يعني أحتاج إلى إعادة نظر في الكتاب كله، لماذا؟ لأنه كان ساعتها الشيخ أخرج هذا الكتاب وله من السن ثلاثين سنة أو أقل أو أكثر، وبعد عشرين سنة من النظر والتأمل رأى أن هذا الكلام ما كان ينبغي أن يخرج أصلاً، ولا أقول هذا الكلام من باب أن الناس تكف عن الدرس.. لا، ولكن مع التأني والصبر وعدم التعجل.
(وقد قال علماء المصطلح: إن المحدث إذا قال عن حديث إنه صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد دون قوله صحيح أو حسن، قال ابن الصلاح: قولهم: هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد دون قولهم: هذا حديث صحيح، أو حديث حسن).
((1/21)
صحيح أو حسن) معناه أنه فصل في القضية، أما (صحيح الإسناد) يعني الإسناد الذي أمامي أو الأسانيد التي وقفت عليها، يعني لو قلت صحيح معناها أنك فحصت جميع الأسانيد، ونظرت في جميع الرواة، ونظرت في مواطن العلة فلم تجد علة، وكل ما يطرأ على ذهنك من احتمال التعليل أنت دفعته بشيء في الأسانيد التي أمامك، فإذا قلت: صحيح معناها أنك أغلقت الباب، يعني نظرت واستوعبت البحث ولم تجد شيئًا تعلل به الحديث.
(لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذًّا أو معللاً، غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة، ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر، والله أعلم).
هذا مما تتجاذب فيه أقوال أهل العلم في مسألة أن العلة والقادح عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر، هذه مسألة فيها أخذ ورد بين أهل العلم.
(مثال آخر ليس في الكتب الستة: هذا مثال آخر لدراسة الإسناد، اخترته من غير الكتب الستة، ليتدرب الباحث على إخراج بعض التراجم من الكتب التي لم تترجم لرجال الكتب الستة، هذا المثال من سنن الدارقطني وهو: قال الدارقطني: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال قال: حدثنا هاشم بن الجنيد، أبو صالح، قال: حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد قال: حدثنا مروان بن سالم عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين حدث فيهم المولَّدون أبناء سبايا الأمم، فوضعوا الرأي فضلوا)).(1/22)
يقول: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين حدث فيهم المولدون أبناء سبابا الأمم، فوضعوا الرأي فضلوا) معنى الحديث على وجه الإجمال: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين حدث فيهم المولدون أبناء السبايا) السبايا الذين هم أسيرات الحرب، وصاروا ملك يمين، وأنجبوا منهم أولادا كثيرة، فضلت بني إسرائيل حين كثر فيهم هذا، فوضعوا الرأي يعني عملوا برأيهم وتركوا الشريعة المنزلة، فضلوا.
نكتب الإسناد وننظر في كيفية النظر لكن اقرأ لي فقط الخمسة أسطر هذه التي قبل الكلام على الأسانيد، ثم نرجع إلى السبورة -إن شاء الله- (كيفية إخراج التراجم).(1/23)
يريد أن يقول مثلاً الدارقطني أنزل يعني الإمام الدارقطني -رحمه الله تعالى- توفي سنة ثلاثمائة وخمسة وثمانين هجريًّا، وأصحاب الكتب الستة بينهم وبين الدارقطني قرابة خمسة وثمانين سنة، ففيه هنا مرحلة زمنية فيها رواة ليسوا في رجال الكتب الستة، يعني ليسوا في "تهذيب الكمال" ولا في أصوله، ولا في فروعه، فالذي يترجم للشيخ الدارقطني الذي هو عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال هذا ليس موجودا لا في "تقريب التهذيب" ولا في "الكاشف" ولا في "تهذيب الكمال" ولا في متعلقات الكتب الستة، فلا بد من النظر في شيء آخر، فيقول: (حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال) طب الجَمَّال هذا الدارقطني عراقي، كان من دار القطن، وهي محلة في بغداد، وعادة أن شيخه حدثه في الأعم الغالب، يعني أنت تستخدم القرائن، تنظر الأول مثلاً للدارقطني عراقي بغدادي فمن الممكن أن يكون الشيخ هذا أيضًا بغداديًّا وله ترجمة في تاريخ بغداد، طيب إذا لم أجد الحديث في تاريخ بغداد؟ نقول مثلاً الدارقطني رحل وسمع الحديث من شيخ دمشقي فننظر في تاريخ دمشق، فتبدأ تنظر في كتب أخرى تستخدم القرائن لتعيين الكتاب الذي ستنظر فيه لترجمة الراوي، فتقول مثلاً: ننظر في تاريخ بغداد فتنظر في فهرس الكتاب فتجد الراوي، أو في تاريخ دمشق فتنظر فتجد الراوي، وهكذا، أقصد يعني أن هذا المثال الموجود معنا رواته من تحت، يعني من عند الإمام المصنف ليسوا في الكتب الستة، فعند التخريج لهم، عند الترجمة لهم لن نرجع إلى الكتب المشهورة التي هي في رواة الكتب الستة، وإنما سننظر في طرق أخرى للوقوف على هذه التراجم.
((1/24)
كيفية إخراج التراجم لهذا الإسناد: ننظر أولاً إلى مؤلف السنن، وهو الدارقطني فنرى أنه ولد سنة ست وثلاثمائة للهجرة، وتوفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة للهجرة، إذن هو متأخر في الزمن، فليس في شيوخه المباشرين راو من رجال الكتب الستة، فعلينا أن نبحث عن مصدر آخر للتراجم فننظر إلى منطقة الدارقطني فنرى أنه من محلة في بغداد تسمى دار القطن، فهو بغدادي إذن، فيغلب على الظن أن يكون شيخه المباشر من بغداد، ونحن نعلم أن للخطيب البغدادي كتابًا كبيرًا في تراجم محدثي بغداد وعلمائها وأعيانها، وهو تاريخ بغداد فنتناوله، ونراجع فيه في حرف العين فيمن اسمه عبد الله لنرى عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال فنجده في المجلد العاشر صفحة مائة وعشرين.
أولاً: عبد الله بن محمد بن سعيد الجَمَّال، قال الخطيب أبو محمد المقرئ المعروف بابن الجَمَّال، وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني ذكر أبا محمد بن الجَمَّال فقال: كان من الثقات، ثم روى أنه مات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة للهجرة).
الدارقطني -رحمه الله تعالى- روى عن الجَمَّال ووثقه، فالخطيب نقل عن محمد بن علي بن الفتح قال: سمعت أبا الحسن الذي هو عمر بن علي الدارقطني -رحمه الله- ذكر هذا الراوي الذي هو عبد الله بن محمد بن الجَمَّال فقال: كان من الثقات، وأنه مات سنة كذا، أضاف عليه سنة الوفاة، فهذا راوي ثقة.
أستأذنكم يا شيخ أن نكمل في الحلقة القادمة.
بالنسبة لسؤال الحلقة السابقة كان: اذكر أهم الخطوات التي يجب أن نتتبعها لدراسة الإسناد؟
بسم الله الرحمن الرحيم، من أهم الخطوات التي يجب أن نتتبعها لدراسة الإسناد أولاً: تعيين الرواة، أي من هو الراوي بالضبط، ثم نبحث في تراجم رجال الإسناد لمعرفة ما قاله علماء الجرح والتعديل، فإن كان من رجال الكتب الستة فنبحث عنه في كتاب الكمال لأسماء الرجال للحافظ الْمَقْدِسِيّ.(1/25)
دعك من "الكمال" فإنه غير مطبوع، اعتن بـ"تهذيب الكمال" دائما.
في "تهذيب الكمال" للحافظ المزي، أو "تذهيب التهذيب" أو "الكاشف" وكلاهما للحافظ الذهبي، أو "تهذيب التهذيب" أو "تقريب التهذيب" وكلاهما للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى.
ثم إن كان البحث عن اتصال السند وذلك بالنظر إلى صيغ التحمل، وهي أخبرنا أو حدثنا، وهما من أعلى صيغ التحمل، ثم ننظر إن كان الحديث فيه عنعنة فننظر إلى حال الراوي فإن كان مدلسًا فلا يُقبل حديثه، وإن كان ثقة فنقبل حديثه.
رجال التدليس قلنا: إن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- جعلهم طبقات، فقبل الأئمة رواة الطبقة الأولى والثانية، من عند الثالثة لهم فيها شرط إن تحقق يقبل، إن لم يتحقق لا يقبل، الرابعة والخامسة تترك، فتكون الأولى والثانية مقبولة، والرابعة والخامسة مرفوضة، والثالث بشرط، إن تحقق قبل الذي هو إن الراوي، إن الوليد بن مسلم مثلاً يدلس تدليس التسوية، فإذا صرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد التي فوق؛ يعني الأوزاعي وفوق الأوزاعي إلى الصحابي، إذا صرح بالتحديث في جميع الطبقات فنقبل حديثه، طبقة فيها عنعنة يعني حتى وإن كانت في غير شيخه، هذا لا يقبل.
بعد أن نظرنا إلى الراوي إن كان في الكتب الستة فنذهب إلى الكتب التي ذكرناها، فإن لم يكن من رجال كتب الستة فننظر إلى كتب التراجم العامة، وهي مثل "التاريخ الكبير" للإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ثم ننظر بعد ذلك إلى الشذوذ والعلة وحضرتك -حفظك الله- تكلمت في الشذوذ والعلة، وجزاكم الله خيرً.
أسئلة هذه المحاضرة.
تكلم عن الشذوذ والعلة؟ واذكر أهم مصنفات العلل؟ وطريقة الاستفادة منها؟(1/26)
علوم الحديث - المستوى الثالث
الدرس الرابع والعشرون والأخير
تابع التدريب على الشذوذ والعلة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
في هذه المحاضرة، والتي تعتبر الأخيرةَ لدرسنا، والحمد لله الذي وَفَّقَ وأعان إلى أن وصلنا إلى هذه النقطة سندرس إسنادا كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية من سنن الدارقطني، ونأخذ نموذجا آخر من سنن أبي داود للتمرن على الكشف عن أحوال الرواة، وكلام أهل العلم عليهم جرحا وتعديلا بشكل مختصر؛ لنكمل ما تبقى من آخر صفحتين في الكتاب لننتهي من دراسة هذه المادة.
على أنها، لا أقول إننا استوعبنا؛ ولكن هي نقطة في طريقٍ طويلٍ هذه هي بدايته لمن شاء أن يكمل، وأن يستعين الله -عز وجل- في الدخول في هذا المعترك الصعب، والبحر المتلاطم الأمواج؛ لأنها تحتاج إلى أعمارٍ وأعمارٍ وأعمارٍ.
نكتب الإسناد الذي بدأناه المرة الماضية، وننظر في كلام أهل العلم ثم نكمل الكلام إن شاء الله.
قال الدارقطني: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الجمَّال، قال: حدثنا هاشم بن الجنيد أبو صالح، قال: حدثنا عبد المجيد بن أبي رَوَّاد، قال: حدثنا مرْوان بن سالم عن الكلبي، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين حَدَثَ فيهم المولَّدون أبناءُ سبايا الأمم فوضعوا الرأي فضلوا).
ما عدد الرواة؟(1/1)
الدارقطني -رحمه الله تعالى- قال: حدثنا عبد الله، أول راوٍ عبد الله بن محمد بن سعيد الجمال، طبعا كلما زاد عدد الرواة في الإسناد؛ يقال: هذا إسناد نازل، وكلما قلَّ عددُ الرواة؛ يقال: هذا إسناد عالٍ، ولذلك كانت اهتمامات الأئمة في القديم بالأسانيد العالية لماذا؟ لأن الإسناد العالي يُوفر عليه الجهدَ. أنا الآن سأبحث في سبعة رواة أم أن البحث في أربعة رواة؟ البحث في أربعة رواة تقل فيه الأخطاء، وكلما قل عدد الرواة؛ كلما قلت الأخطاء؛ فلذلك كانت مسألة علو الإسناد عند السلف كانت مسألة لها اهتمام عالٍ جدًّا.
فقلنا في المرة الماضية: إن الدارقطني -رحمه الله تعالى- هو الذي وثقه أليس كذلك؟! هذا وثقه الدارقطني.
الثاني: هاشم بن الجنيد.
أبو صالح عن عبد المجيد بن أبي رواد
هاشم هذا الشيخ يقول: إنه بحث؛ فلم يجد له ترجمة. الراوي إذا لم توجد له ترجمة، أو وُجد اسمه في الكتب لكن لم يَرْوِ عنه إلا واحدٌ؛ فيكون هذا الراوي مجهولا جهالةَ عينٍ لا جهالةَ حالٍ. لم يَرْوِ عنه أحدٌ هو أساسا لا توجد له ترجمة.
إذا وُجدت له ترجمة وروى عنه واحد فقط؛ فيكون مجهولا جهالة عين، ولا يخرج الراوي عن حيز جهالة العين إلا برواية اثنين عنه، وهو في هذه الحالة عندما يروي عنه اثنان تظل به جهالة ولكن جهالة حال.
فعندنا الجهالة نوعان: جهالة عين، وجهالة حال.
جهالة العين: من لم يروِ عنه إلا واحد.
جهالة الحال: من روى عنه اثنان، ولم يُوَثَّقْ، لم ينص أحد من أهل الجرح والتعديل على أن هذا الراوي موثقٌ.
وقسمة الجهالة بعضهم يجعلها ثنائية: جهالة عين وجهالة حال، وبعضهم يجعلها ثلاثية؛ فيضيف المستور؛ فتكون: جهالة عين، وجهالة حال، والمستور.
فالراوي هنا أصلا لا توجد له ترجمة في الكتب فماذا يكون؟
فيكون راويا مجهولا جهالةَ عينٍ.(1/2)
طيب، لو موجود مثلما يوجد في أول حديث من كتاب "الديات" من سنن الترمذي الذي هو: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دية الخطإ اثني عشر ألفا" يرويه زيد بن جبير بن حرمل الطائيّ عن خشف بن مالك الطائي عن عبد الله بن مسعود حديث جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- دية الخطإ أخماسا عشرين ابن لبون، وعشرين بنت لبون، وعشرين ابن مخاض، وعشرين جذعة، وعشرين حقة، إلى غير ذلك.
فخِشْف بن مالك الطائيّ هذا لم يرو عنه إلا زيدٌ؛ فهذا مجهول جهالةَ عين، أما هذا الراوي الذي معنا هاشم بن الجنيد؛ فهذا مطروحٌ بمرة؛ لأنه لا توجد له ترجمة فهو مجهول جهالة عين.
طيب، الذي بعده عبد المجيد بن عبد العزيز، هكذا نحن قفزنا وصعدنا درجة أعلى، أليس كذلك؟!
الراوي هذا الذي هو الجمال الذي مات سنة 323، وهاشم بن الجنيد، إذن نحن قفزنا للقرن الثاني، يعني صرنا عند عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد صرنا مثلا في الطبقة الثامنة التي يقول عنها الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب"، فممكن من الآن نجد ترجمة لابن أبي رواد في "التهذيب" وفروعه. فلو أتينا على مثلا معي "الكاشف" ومعي "تقريب التهذيب"، فلو أتينا على "التقريب" وسننظر في الاثنين معا؛ لأن "الكاشف" قد يأتينا بزيادة ليست في "التقريب" وهي أنه يذكر اثنين أو ثلاثة من شيوخ وتلاميذ الراوي، فمن الممكن أن ينصّ ونحن نبحث عن ترجمة عبد العزيز بن أبي رواد على مرْوان بن سالم، أو على أحد من التلامذة أو الشيوخ. فلو نظرنا في حرف "العين" من عبد المجيد، حرف "العين" وبحثنا عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، سنجد: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد صدوق يخطئ، وكان مرجئا".
عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، قال الحافظ في "التقريب" رقم 4160 من "التقريب": صدوق يخطئ وكان مرجئا؛ أي بدعة من البدع، الإرجاء بدعة من البدع، لكن هل تُرد الرواية بها أم لا ترد؟!(1/3)
أكثر أهل العلم على قبول المرجئة في الأعمِّ الغالب، وهي بدعة خفيفة وليست كالخوارج، أو كالرفض والغلو في التشيع. فهي تعتبر أقل البدع من حيث القبولُ والردُّ عند أهل العلم بالحديث.
لكنَّ كلامنا ليس في البدعة، فبدعة الإرجاء قد تُحتمل، وإنما الكلام في أنه صدوق، صدوق؛ أي حفظه وَسَط، ومع كون حفظه وسطا يُخطئ؛ أي أن هناك إشكاليتيْن. "صدوق" هذه ليست وصفا جيدا في الراوي؛ لتكونوا علم بهذا، صدوق معناها أنه خفيف الضبط، فمن الممكن أن نقول إن حديثه حسنٌ أو قريب من الحسن. لكنْ كونه يخطئ مع أنه صدوق ويخطئ هذه مشكلة. فكونه يخطئ؛ هل هذا الحديث الذي معنا مما أخطأ فيه أم مما لم يخطئْ فيه؟! وهذا من مداخل العلة. إذا كان الراوي في "التقريب": صدوق يخطئ، ثقة له أوهام؛ فهل هذه الأوهام مما هي في الإسناد الذي معي أم في أسانيدَ أخرى؟!
هذه هي مواطن كشف العلة التي نقول عنها للطلبة: لا تتعجلوا في الحكم على الأحاديث إلا بعد بذل الجهد والصبر سنين طويلة مع هذا العلم الشريف؛ حتى لا يتكلم ثم يأتي فينقض ما بناه منذ أزمنة.
وجدنا ترجمة لعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد في "تقريب التهذيب".
لو أتينا على مرْوان بن سالم، نحاول البحث. هلاَّ نظرنا في عبد المجيد في "الكاشف". خذْ يا شريف، أَعْطِه يبحث عن مرْوان بن سالم؛ حتى أنتهي أنا من البحث عن عبد المجيد من "الكاشف"، ننظر مثلا في المجد الثاني؛ فنجد عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه وابن جريج وأيمن بن نابل؛ أي يروي عن هؤلاء الثلاثة، وعنه كثير بن عبيد، والزبير بن بكار. قال أحمد: "ثقة، يغلو في الإرجاء" فليس مرجئا فقط، بل عنده غلوٌّ، استفدناها من كلمة الإمام أحمد، "كان مرجئا غاليًا" فنُضيف هذه، قال الإمام أحمد: "ثقة يغلو في الإرجاء"، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي". إذن هذا الراوي هناك تَرَدُّدٌ في حاله أم لا؟(1/4)
هناك تردد، ولذلك نقول: بعض أهل العلم جَرَّح، وبعضهم عدل ويحتاج إلى جمع كلام أهل العلم عليه، والوصول فيه إلى قولٍ فصلٍ.
ماذا بعد ذلك؟
عندنا مرْوان بن سالم، وجدت شيئا يا شريف؟ وصلت لشيء؟!
الغفاري؟
لا أدري.
لا، الجزري
نبحث عن مرْوان في "الكاشف".
لا يا شيخ، الموجود مرْوان بن سالم الغفاري، وبعده مرْوان بن سوَّار
إذن ليس من رجال الكتب الستة. ماذا قال الشيخ في الكتاب؟! ماذا عندك يا شيخ عبد الرحمن؟
هو ترجم لهما من "ميزان الاعتدال"
ماذا قال في "الميزان"؟
عن مرْوان بن سالم، قال عنه الذهبي في "الميزان"، قال أحمد وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك
هذا مرْوان بن سالم الجزري.
قال الذهبي في "الميزان" قال أحمد وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك
متروك، الله يعوض علينا في هذا الإسناد! راوٍ مجهول كنا نبحث له عن راوٍ آخر يُعَضِّدُه؛ أي عن طريق آخر يُزيل هذه الجهالة، كيف ذلك؟!
نجمع طرق الحديث، وننظر هل روى عبد الله بن محمد بن سعيد الجمال هذا الحديث عن أحد غير هاشم بن الجنيد الذي هو المجهول أم لا؟
كان ممكنا لو وجدنا طريقا آخر يُزيل هذه الجهالة بالطريق الآخر؛ كان يُحتمل. فإذا جئنا بعد ذلك فرأينا مرْوان بن سالم هذا فيه مثل هذا الكلام.. .
بَقِيَ معنا الكلبيّ، والكلبي فيه إشكالات ضخمة. ماذا يقول في الكلبي؟
يقول في الكلبي: محمد بن السائب أبو النضر الكوفيّ النسَّابة المفسر. قال عنه الذهبي في "الميزان": عن ابن معين: ليس بثقة، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقد لخص أمره ابن حجر في "التقريب"؛ فقال: متهم بالكذب، ورُمِيَ بالرفض.
طيب متهم بالكذب ورُمي بالرفض؛ أي بَلِيَّتَيْنِ لا علاجَ لهما. فمعنى ذلك أن "متهم بالكذب" هذا لا يَحِلُّ النظرَ في روايته أساسا، ولا تُحكى أحاديثه إلا لبيان كذبِها. "متهم بالكذب" أي الدرجة قبل الأخيرة في درجات الجرح؛ فهذا حديثٌ مطروحٌ.(1/5)
فالعلة الأولى جهالة هاشم بن الجنيد هذا لم نجد له ترجمة، صاحبنا مرْوان بن سالم متروك، الكلبي متروك؛ فمعناها أنك لا تُكمل البحث.
الأحاديث –حقيقةً- التي فيها رواة ليس فيهم اختلاف؛ أي مشهورون بالثقة، أو مشهورون بالكذب يُرِيْحُوْنَ البال؛ لأن الكلام فيهم ينتهي سريعا. إنما الإشكالية -كلها كما قلت- في المرتبة الخامسة والسادسة من مراتب التعديل، والأولى والثانية من مراتب الجرح إذا كان الرواة من هذه الطبقات فهذه هي التي تُضني الباحث وتُتعبه؛ فيحتاج إلى جمع طرق، ونظر في المتابعات والشواهد، وكلام أهل العلم، وهل ينجبر أم لا ينجبر، هذا موضوع مما يطول جدًّا.
أنا -في الحقيقة- اخترت ببادئ النظر حديثا من سنن أبي داود لننظر؛ كنوع من التدريب في تراجم الإسناد.
نكمل كلام الشيخ النظريَّ للحديث.
صفحة 201.
ثانيا: هاشم بن الجنيد أبو صالح:
لم أجد ترجمته فيما اطلعت عليه في كتب التراجم بعد البحث والتحري الكثير والاستعانة ببعض المشايخ والإخوان؛ فعسى أن نعثر عليه في المستقبل إن شاء الله تعالى.
ثالثا: عبد المجيد بن أبي رواد:
قال عنه الذهبي في "الميزان": صدوق مرجئ كأبيه، وثقه الإمام يحيى بن معين وغيره، وقال أبو داود: ثقة داعية إلى الإرجاء، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يُكتب حديثه، وقال الدارقطني: لا يُحتج به ويعتبر به ..
حتى ابن أبي رواد أيضا فيه كلام فالمسألة ليست كما في مرْوان بن سالم، حتى عبد المجيد بن عبد العزيز أيضا فيه كلام في الجرح والتعديل.
وقال الدارقطني: لا يُحتج به، ويعتبر به مات سنة 206 للهجرة.
رابعا: مرْوان بن سالم الجزري:
قال عنه الذهبي في "الميزان": قال أحمد وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك، وقال البخاري ومسلم وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو عروبة الحراني: يضع الحديث، وقال ابن عدي: عامة أحاديث لا يتابعه الثقات عليها.
خامسا: الكلبي محمد بن السائب أبو النضر الكوفي النسابة المفسر:(1/6)
قال عنه الذهبي في "الميزان": عن ابن معين: ليس بثقة، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقد لخص أمره ابن حجر في "التقريب"؛ فقال: متهم بالكذب، ورُمي بالرفض.
سادسا: أبو صالح باذام مولى ابن أم هانئ:
تابعي قال عنه الذهبي في "الميزان": ضعّفه البخاري، وقال النسائي: باذام ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس به بأس.
وكيفية الاهتداء لاسمه هو مراجعته في باب الكنى أولا؛ فتجده في "الميزان" في المجلد الرابع صفحة 538، وقد لخص الحافظ في "التقريب" القول فيه؛ فقال: ضعيف مدلِّس.
سابعا: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي: صحابي مشهور.
الحكم على هذا الحديث:
أما الراوي الأول؛ فهو ثقة. وأما الثاني؛ فلم نجده. وأما الثالث؛ فهو صدوق داعية إلى الإرجاء. وأما الرابع؛ فمتروك الحديث متهم بالوضع. وأما الخامس؛ فمتهم بالكذب ورُمي بالرفض. وأما السادس؛ فضعيف مدلس.
مما تقدم يتبين أن إسناد الحديث من نوع المتروك؛ لأن في إسناده متروكيْن، ومن اتهم بالكذب، والمتروك من أسوإ أنواع الضعيف.
ننظر في المثال الذي معنا من سنن أبي داود.
قال الإمام أبو داود -رحمه الله تعالى-: حدثنا حيوة بن شريح
هذا سهل.
لماذا؟
لأن أبا داود هو الْمُخَرِّج، ومعنى أن أبا داود هو المخرج أن تراجم هذا الإسناد –كلهم- موجودون في "التهذيب" وأصوله وفروعه.
حدثنا حيوة بن شريح، أخبرنا بقية، حدثني بحير عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود.
أملِ عليَّ يا شيح عبد الرحمن.
((1/7)
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي بَحِيرٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ؛ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلا حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ)
الذي يعنينا ليس الكلام في المتن، والكلام في أحاديث الدجال تملأ الكتب في أشراط الساعة. وإنما نحتاج إلى الكلام على حيوة، أَعْطِني "تقريب التهذيب".
حرف "الحاء" مع "الياء" لنستخرج ترجمة حيوة بن شريح.
الشيخ الطحان –هنا- ترجم لبعض..
لا نريد أن نترجم، وإنما نريد أن نستخرج بأنفسنا. إنما نريد نستفيد ونفيد المشاهدين بحيث يكون هناك نوع من التمرن. فالمحاضرات ستُحفظ، والطالب سيقرؤها كثيرا ويتعلم إن شاء الله تعالى.
نرى حرف الحاء مع الياء؛ لنصل إلى ترجمة حيوة بن شريح بن صفوان التّجيبي أبو زرعة المصري ثقة ثبت، فقيه زاهد من السابعة مات سنة ثماني وقيل تسع وخمسين.
لما يقول من السابعة ماذا يعني هذا؟
في المائة الأولى.
الطبقة السابعة
في الطبقة السابعة في المائة الأولى قبل الثامنة من اثنين لثمانية بعد المائة، هو مات سنة 58 أو 59 على خلاف بين أهل العلم.
أملِ عليَّ يا شيخ عبد الرحمن حيوة بن شريح هذا.
حيوة.
ما عدد رواة الإسناد؟ حيوة، وبقية، وبحير، وخالد، وعمرو بن الأسود، وجنادة ستة رواة والصحابي.
يقول: ثقة ثبت فقيه زاهد
حيوة بن شريح ثقة ثبت فقيه زاهد.(1/8)
ترى معي أن الرواة التوثيق فيهم عالٍ؛ أي كرر لفظ التوثيق فالبحث فيه مُريح فتصرف النظر عنه إلى البحث في غيره؛ ثقة ثبت فقيه زاهد.
من السابعة
مات سنة 158 أو ..؟
ثمان وقيل 59
159 لأنه سبعة؛ أي بعد المائة، هناك شيء آخر؛ أخرج له الجماعة؟!
لا يا سيدنا
لا يوجد حرف عين عندك ولا ..؟!
حيوة بن شريح
قبل الحرف؟
"ع" هذه معناها أنه قد أخرج له الجماعة؛ أي أصحاب الكتب الستة.
بقية:
إذا بحثنا في حرف الباء مع القاف هو بقية بن الوليد، والعلماء يقولون: "أحاديث بقية ليست نقيَّة؛ فكن منها على تقية".
لماذا؟
لأن بقية يدلس تدليس التسوية.
ننظر في بقية ستجد أبرز صفة في بقية كثرة التدليس.
وهناك قَبْلَه بصرة بن أبي بصرة الغفاري، وتحته بَعجة بن عبد الله الجهني، وبقية بن الوليد، وبكار بن عبد العزيز؛ فليس في رواة الكتب الستة من اسمه بقية غيره؛ كي تريح نفسك.
إذن عندنا بقية ثاني راوٍ، بقية بن الوليد الكلاعي، ماذا قال فيه الحافظ؟ يقول: صدوق كثير التدليس. ويا ليته يُدلس عن الثقات وإنما يدلس عمن؟! يدلس عن الضعفاء؛ فهذه مشكلة الإسناد إلى الآن أن فيه بقية.
ولا يغرنَّك أنه صرَّح بالتحديث، تدليس التسوية يا إخواننا شرّ أنواع التدليس.
ماذا يصنع؟ مثلا أنا أروي عن عبد الرحمن، وعبد الرحمن يروي عن شيخ ضعيف، والشيخ الضعيف يروي عن ثقة. فيسقط عبد الرحمن الراوي الضعيف، ويُعنعن ويصل للثقة، وهكذا فعل المدلسين يُسقط الشيوخ الضعفاء الذين بينه وبين شيخه الثقة. هو لم يسمع الحديث من شيخه الثقة، وإنما سمعه من ضعيف عن الشيخ الثقة؛ فيُسقط الضعفاء. والوقوف على مثل هذا صعب.
فكان الوليد بن مسلم يفعل هذا من الأوزاعي؛ يُدلس أي يُسقط الوسائط الضعفاء بينه وبين الأوزاعي، ويصرح بالتحديث، فقيل له في هذا؛ فقال: أنا أُنْبِلُ الأوزاعي أن يروي عن هؤلاء الذين في شيوخ الأوزاعي يسقط الرواة الضعفاء في الإسناد من فوق شيخه.(1/9)
فالتدليس حرفة شديدة، ويفعلها المخضرمون في الرواية، ومما يُقال في الاستطرادات: هل التدليس طعن في العدالة أم طعن في الضبط؟
التدليس طعن في العدالة؟!
شعبة كان يقول: التدليس أخو الكذب.
العدالة
هناك كثير من المدلسين وهم أثبات ثقات، وفيهم من دلَّس تدليسا شديدا ومع ذلك هو إمام ثقة.
هو ليس طعنا في العدالة، وليس طعنا في الضبط، هي شقاوة من الراوي.
التدليس ليس طعنا في العدالة ولا في الضبط؛ لأن معناه أنك ستطرح أئمة كبارا. والذي قال: التدليس أخو الكذب، وقال: لأن أزني أحبّ إليَّ من أن أدلس ضبطوه مدلسا. وعمر بن حفص بن غياث حفص أبوه من أصدق الناس في الأعمش، الحفص بن غياث قال عن نفسه: كفيتكم تدليس الأعمش.
وكان الأئمة وهم في مجالس المذاكرة يقول: سأدلس عليكم اليوم، فيقْعُد ويدلس عليهم حتى الصباح ولا أحد يكتشف التدليس، ويقول لهم: ما رأيكم في المرويات؟ يقولون: مرويات مستقيمة، يقول لهم: دلست في رواية فلان، ودلست في رواية فلان؛ فلا يفعلها إلا المحترفون من الرواة؛ فبقية خطير، وهذه الكلمة التي قالها الأئمة ما قالوها من فراغ.
سنقول مثلا: بحير عن خالد:
نرى ترجمة بحير بن سعد لا يوجد أيضا في رواة الكتب الستة من اسمه وغيره الذي هو بحير بن سعد السحولي.
بحير بن سعيد
أنا عندي هنا ابن سعد.
عندي ابن سعيد
يسيرة وتُحرر -إن شاء الله- والأمر ليس بعيدا، والمهم أنه ليس راويا آخر.
أبو خالد الحمصي ثقة ثبت من السادسة. إذن هذا كلام عالٍ جدًّا في الراوي، ولو أتينا على خالد بن معدان؛ تلاحظ إن هذا في حرف الحاء، وهذا في حرف الباء، وبحير في حرف الباء، وخالد فكلهم في الأول ولا يوجد إيغالٌ في البحث.
نرى خالد بن معدان، والأسانيد الكثيرة النازلة التي فيها عدد رواة كثيرين تكون مُرْهِقة، ومن أجل هذا كانوا يبحثون عن علوِّ الإسناد.
حفص، حنظلة، خلف..
خالد(1/10)
نرى خالد بن معدان، خالد بن الوليد، خالد بن نزار، خالد بن مهران، خالد بن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد.
عندنا حيوة في أعلى درجات التوثيق، وبقية إشكاليته في كثرة التدليس عن الضعفاء، عندنا بحير ماذا قالوا فيه؟ ثقة ثبت، خالد بن معدان ثقة عابد، بعد هذا عمرو بن الأسود، وجنادة بن أبي أمية.
نرى الكلام على عمرو بن الأسود، وطبعا يا إخواننا من الإنصاف والحق أن الكشف عن أحوال الرواة لا يكون في "تقريب التهذيب"، وإنما الذي دفعنا إلى هذا ضيقُ الوقت ومحاولة تقريب المسألة عمليا، وإنما الأصل الرجوع مباشرة إلى "تهذيب الكمال" وتقرأ كلام أهل العلم –كلهم- في الراوي، وتنظر في كلام غيرهم، ويُستحسن الرجوع للمصادر الأعلى، وكلام الأئمة النقاد؛ كابن معين والإمام أحمد وغيرهم في كتبهم الأصلية، وفي السؤالات وغيرها من كتب البحث. أما الذين ظاهرةٌ أمورهم مثل مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وابن عيينة وحماد بن زيد، وهؤلاء؛ فلا يحتاجون إلى كبير نظر؛ لأنهم مشاهير، واستفاضت عدالتهم وشهرتهم بحيث تُغني عن النظر وعن البحث. لكن الكلام في أمثال بقية تحتار بعد ذلك؛ هل يُقبل الحديث أم لا؟ إلى الآن لا يوجد في الإسناد من فيه كلام إلا بقية؛ فهل ينجبر أم لا ينجبر؟! هذا هو موطن الإشكال.
نروى الكلام على عمرو بن الأسود.
عمرو بن أبي عمرو نرجع عمرو بن صريح، عمرو بن خالد، عمرو بن أمية، عمرو بن المثنى.
نعم عمرو بن الأسود العنسي لا يوجد –أيضا- في رواة الكتب الستة من اسمه عمرو بن الأسود غيره عمرو بن الأسود العنسي، وقد يُصَغَّرُ، يكنى أبا عياض، حمصيٌّ، سكن داريا، مخضرم ثقة عابد.
إذن عندنا عمرو بن الأسود هذا الذي نحتاجه ثقة عابد مخضرم.
ما معنى مخضرم؟!
أدرك الجاهلية والإسلام، وكان مُعمرا.
بعد ذلك جنادة بن أبي أمية يَروي عن عبادة بن الصامت. جنادة بن أبي أمية.(1/11)
"ج": عندنا جعفر، جويرية. حرف الحاء: حاتم، لا نرجع شيئا ما. اسمه جنادة بن أبي أمية الأزدي أبو عبد الله الشاميّ، ويقال: اسم أبيه كبير مختلف في صحبته؛ قال العجلي: "تابعي ثقة، والحق أنهما اثنان: صحابي وتابعي متفقانِ في الاسم وكنية الأب، وقد بينت ذلك في كتابي في الصحابة، ورواية جنادة الأزدي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنن النسائي، ورواية جنادة بن أبي امية عن عبادة بن الصامت في الكتب الستة".
فجنادة هذا مختلف في صحبته؛ بعضهم يقول: هو صحابي، وبعضهم يقول: ليس بصحابي، وروايته في الكتب الستة معناها أنه ثقة، والكتب الستة؛ أي خرج له البخاري ومسلم، وهذا توثيق له.
صار عندنا هذا الإسناد كما نرى وهو مركب من سبعة رواة، حال الجميع جيد، وكلهم في درجات التوثيق: حيوة بن شريح في الدرجة العليا، وبحير ثقة ثبت، وخالد بن معدان ثقة عابد، وعمرو بن الأسود ثقة عابد مخضرم، وجنادة بن أبي أمية روايته في الكتب الستة مختلف في صحبته، وعبادة صحابي لا يُسأل عن عدالته؛ فاتضح لنا من هذا الإسناد أن إشكاليته في بقية بن الوليد.
طيب هل نرد الحديث بكونه من رواية بقية بن الوليد؟!
هذه مسألة لا يُجزم بها بهذه الطريقة، لكن لا بد من جمع طرق الحديث؛ لننظر هل روى حيوة بن شريح عن غير بقية؛ أي ممكن إذا جمعنا طرق الحديث من كتب السنة غير أبي داود ننظر في غيرها من الكتب، أعطني كتابا بعد إذنك.
أولا: هناك قرائن، وتكلمنا في المحاضرة قبل الماضية أن هناك كتب التزم أصحابها الصحة؛ كالصحيحين، وكتب التزمت الصحة؛ كابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء المقدسي في "المختارة"، وهناك أئمة لا يتركون الكلام على المرويات؛ كالترمذي، وهناك أحكام أغلبية.
ما معنى أغلبية؟
أبو داود روى هذا الحديث وسكت عنه؛ قال: عمرو بن الأسود ولي القضاء.(1/12)
هل هذا جرح؟! هذا ليس بجرح؛ فليس كل من ولي القضاء متروكا أو فيه طعن، أو في عدالته كلام؛ فالحديث يحتاج لكي تحكم عليه حكما صائبا إلى ماذا؟
إلى جمع طرق الحديث، والنظر في كلام أهل العلم على الحديث نفسه؛ لأنك ستجد كلاما للعلماء من المتقدمين ومن المتأخرين ومن المعاصرين يعني شيخ الألباني له جهود على سنن أبي داود فصل الصحيح عن الضعيف، والكتاب الأصلي الذي هو "صحيح وضعيف أبي داود" في عشرة مجلدات استقصى الكلام عليه، وتنظر في كلام النقاد هل في الحديث علة؟! هل إشارة أبي داود إلى أن عمرو بن الأسود ولي القضاء هذا جرح أم ليس بجرح أم مجرد بطاقة تعريفية بالراوي؟! هذا كله يحتاج منك -كما قلت- إننا في "ألفباء" نُعرِّف بالرواة، وعرفنا كيف نستخرج الحديث، يحتاج هذا كله إلى جمع طرق الحديث، والنظر في مواطن الإسناد؛ هل هناك مَن روى الحديث شريح روى الحديث عن غير بقية أم لا؟ لو وُجد حيوة بن شريح يروي الحديث عن غير بقية؛ فمعناه أن بقية متابَع، وأن له متابعة.
وبهذه الطريقة يستطيع -إن شاء الله- مع الأيام والليالي والبحث والدرس والقعود تحت أيدي العلماء الولوج في هذا المعترك، ولعل الله -سبحانه وتعالى- أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا دارسين ودارسات؛ لأن هذا الدرس الحديثي من مواطن الجهاد في سبيل الله درس الحديث من مواطن الجهاد في سبيل الله.
لماذا؟
لأن الأمة إنما أُتيت في مقتلٍ حين حصل انفصامٌ بينها وبين مصادر عزها الكتاب والسنة، ولا يمكن أبدًا فهم الكتاب إلا بفهم السنة، ولا يمكن فهم السنة إلا بما نحن فيه، ونحن نعتبر في المرحلة الأولى أو في فصل دراسي أول في محاولة فهم الأسانيد والمتون.
نكمل الكلام على الجانب النظريّ حتى لا يتبقى شيء من الكتاب في درسنا.
خلاصة الكلام في دراسة الإسناد صفحة 203.
خلاصة المراحل في دراسة الإسناد:
أولا: إخراج التراجم لرواة الإسناد من كتب التراجم.(1/13)
طبعا نحن في هذا الدرس كل ما حققناه في دراسة الأسانيد كم محاضرة ست محاضرات تقريبا أم ثمانية؟
ثماني محاضرات. طبعا نحن نُعرف مجرد تعريف، والوقت ضاق بنا جدًّا. لكن المسألة كانت تحتاج إلى دربة وتمرين أكثر وأكثر. فمسألة إخراج التراجم لرواة الإسناد من كتب التراجم هذه كانت تحتاج إلى تمرينات، وتعاقُب بحيث نقف على مشاكل ونتعرف كيف نعالج هذه المشاكل عند وقوفنا عليها.
ثانيا: يُنتبه بشكل خاص لكشف اتصال السند أو انقطاعه إلى ما يلي:
يعني هذه الخطوات التي بها تستطيع أن تكشف اتصال السند من عدمه.
أ- مواليد الرواة ووَفَيَاتهم داخل التراجم، كذلك بلدانهم ورحلاتهم.
ب- تراجم المدلسين لا سيما إذا عنعنوا ولم يصرحوا بالسمع.
ج- أقوال الأئمة في سماع بعض الرواة من بعض أو عدم سماعهم؛ مثل: أن فلانا سمع من فلان، أو أن فلانا لم يسمع من فلان.
هذه يكفيك إياها الإمام العلائي بشكل لا أقول وافٍ، ولكن بشكل إجمالي في كتاب "جامع التحصيل من أحكام المراسيل" جامع التحصيل يرتب هو الرواة على حروف "ألفباء" ويقول لك مثلا: إبراهيم النخعي لم يسمع من ابن مسعود، أو أبو عبيدة ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، وهكذا فيأتي في ترجمة كل راوٍ بمن لم يسمع منه وهذا يختصر لك الطريق بشكل جيد.
ثالثا: يلاحظ بالنسبة لعدالة الرواة وضبطهم ما يلي:
أ- ألفاظ الجرح والتعديل في كل ترجمة سواء ما يتعلق منها بالعدالة أو بالضبط، وتوضع هذه الألفاظ في مراتبها.
ب- تعارض الجرح والتعديل في راوٍ واحد، وكيفية العمل بهذا التعارض.
هذا أكثر ما يوجد تعارض للجرح والتعديل في راوٍ واحد هذه موجودة بكثرة، أن يحدث تعارض بين أئمة الحديث في الكلام على الراوي.
بعضهم -كما رأينا ونحن نعرض الكلام- يقول في أحد الرواة: وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يُحتج به. فتجد هناك تعارضات، وهذه مسألة يُحكم فيها إما بالكثرة أو بحال الناقد.(1/14)
فلو أن المتكلم بالجرح مثلا إمامٌ ممن دارت عليه كلمة الجرح والتعديل؛ كأحمد وابن معين وابن مهدي وغيرهم؛ فكلام هؤلاء يُقدم على كلام غيرهم، أو الكثرة أو اعتبار القرائن عند توسيع دائرة البحث في هذا الموضوع.
إنما الإشكالية التي تعترضنا أثناء البحث أن يُختلف في الراوي في قول الإمام الواحد؛ مثلا يأتي الإمام ابن معين فيتكلم في راوٍ في رواية يوثقه وفي رواية يجرحه، هذا هو الإشكال. ليس الإشكال في أن العلماء أنفسهم يختلفون في الراوي فهذا موجود كثير هذا في كل ترجمة تقريبا، باستثناء المشاهير من الضعفاء أو المشاهير من الثقات.
ج- قائل ألفاظ الجرح والتعديل، وهل له اصطلاح خاص فيها.
د- المتشددون والمتساهلون في الجرح والتعديل من الأئمة.
هذا الكلام أنا هدمته المرة الماضية، وقلت إن اعتبار هذا الكلام لا وزنَ له في ميدان الجرح والتعديل هناك أئمة، كل صنعة ولها كبارها، وكل علم له أعلامه المعول عليهم فيه. فأنا لا أخرج مصطلحات لا أدري أين نشأت هذه المصطلحات، وإذا تكلم أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وابن المديني وهم المعول عليهم في هذا الباب فيقال إنهم متشددون، ونأخذ مثلا بكلام الترمذي وابن حبان وغيرهما؛ هذا الكلام لا وزنَ له في ميدان الجرح والتعديل.
هـ- أقوال الأقران في بعضهما.
رابعا: أن لا يحكم على الحديث قبل النظر في كتب العلل لكشف العلة الشذوذ أو عدمها.
خامسا: استحسان الاكتفاء في الحكم على الحديث بقول الباحث: صحيح الإسناد أو حسن الإسناد أو ضعيف الإسناد.
خاتمة:
هذا ما يسر الله –تعالى- تحريره في موضوع التخريج ودراسة الأسانيد، وأسأل الله تعالى على أن أكون قد وُفِّقْت لسد حاجة الباحثين في هذا الموضوع، كما أسأله –تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلبة العلم عامة والمشتغلين بالحديث خاصة إنه سميع مجيب.(1/15)
وقد كان الفراغ من تبييض الكتاب وكتابة مقدمته في الروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وذلك بين المغرب والعشاء من يوم السبت الموافق للثامن عشر من شهر ربيع الأول من سنة 1398 هـ على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية -صلى الله عليه وسلم- اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وصلى الله على سيدنا نبينا محمد آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرً.
ونحن نحمد الله -سبحانه وتعالى- أن أَلهمنا ووَفقنا وسددنا وأعاننا على إتمام شرح هذا الكتاب، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله في ميزان حسناتنا، وهي كلمة أخيرة أوجهها لطلبة الحديث إخواننا الموجودين وإخواننا المشاهدين على مستوى العالم بأسره:
الأمر الأول: أنتم يا طلبة الحديث! في ميدان عظيم من ميادين الجهاد في سبيل الله، فأنا أنصح إخواننا أن يفرغوا جهودهم وطاقاتهم لخدمة هذا العلم الشريف، ولا تدفعهم شواغل الزمان ومتطلبات العصر للاشتغال عمَّا هم فيه من نصرة حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأن نحافظ على أوقاتنا قدرَ الطاقة، وندفع الشواغل عن أنفسنا قدر المستطاع.
الأمر الثاني: إخلاص النية لله رب العالمين؛ فإن الإخلاص يحمل صاحبه على الوصول إلى مقاصده، وقلَّ أن يتعثر من يخلص.
الأمر الثالث: أن نصبر وأن نتأنى وأن لا نتعجل؛ فإن هذا الباب باب عظيم جدًّا، وصاحبه في ميدان الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله قد يكون بالسنان وقد يكون باللسان، ولا يقل جهاد العلماء في ميدان العلم عن المجاهدين في سبيل الله -سبحانه وتعالى-.
إنما تُخترق الأمم وتُصاب بالبلاء العظيم عند غياب كلمة الشريعة فيها؛ بيوتا ومجتمعات. فهذا الباب الذي نحن فيه من أبواب خدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أعظم ميادين الجهاد في سبيل الله؛ فلنصبر ولنحتسب.(1/16)
هذه كلمتي لإخواني الطلاب المهتمين بدراسة الحديث، وأخيرا أشكر جميع العاملين في قناة المجد العلمية؛ مشرفها ومديرها ومقدمي برامجها والعاملين فيها.
وأخص بالذكر الأستاذ أشرف فكري الجندي المجهول من وراء إكمال هذه المشاريع، وأشكر أخانا الفاضل الشيخ عبد الرحمن نبيل على جهده المشكور في تقديم هذه البرامج النافعة، ونسأل الله –تعالى- أن يُثقل بها موازينهم أجمعين، وأن يتقبل سعيهم، وأن ينفع بهم في الدنيا والآخرة، والحمد لله وصلي اللهم وسلمْ وباركْ على نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.
بالنسبة لسؤالي الحلقة السابقة كان السؤال الأول:
تكلم عن الشذوذ والعلة، واذكر أهم مصنفات العلم.
يقول: البحث عن الشذوذ والعلة هو أمر أصعب بكثير من البحث في عدالة ورواة وضبطهم اتصال السند؛ لأنه لا يقوى عليه إلا الباحث صاحب الاطلاع الواسع جدًّا على متون الأحاديث وأسانيدها؛ حتى يتسنى له جمعُ الأسانيد من جميع الطرق، ومعرفة اتفاقها من عدمه.
والعلة تلحق بالحديث الجامع لشروط الصحة من حيث الظاهرُ كما يكون سنده مكونا من رجال ثقات، وغالبا ما تقع العلة في سند الحديث أكثر من متنه. وأشهر المصنفات في كتب العلل:
- "علل الحديث" لابن أبي حاتم.
- "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل.
- "العلل" للمديني.
- "العلل" لابن المديني.
- "العلل الكبير" و"العلل الصغير" للترمذي.
- "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني.
أما عن كتب المعاصرين؛ فهناك كتب المعلِّمي لابن يحيى، و كتب المليباري، والإرشادات ولغة المحدث للشيخ طارق عوض الله
هذه تفتح المجال على الطالب للولوج في باب العلل فهي كتب مساعدة لتفهم النقد الحديثي والذوق الحديثي.
وكتب الشيخ سعد الحميد، وعبد الله سعد، إبراهيم اللاحم(1/17)
لا، الشيخ إبراهيم اللاحم أستاذنا الكبير الشيخ إبراهيم اللاحم له كتابان في الاتصال والانقطاع، والجرح والتعديل من أبرز وأمتن وأجلِّ الكتب المصنفة في العصر في الحديث في هذا العلم الجرح والتعديل والاتصال والانقطاع.
عبد الله السعد، وإبراهيم اللاحم، وسليمان العلواني
أحسنت الله يبارك فيك!(1/18)