إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 0
أما بعد000
فإن اصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار0
00 فهذه مجالس نسأل الله تبارك وتعالى أن يتممها لنا بالخير في علم مصطلح الحديث، من كتاب الإمام الحافظ الناقد شمس الدين الذهبي المسمى بالموقظة في علم الحديث، وقبل الدخول في هذا الاصطلاح، لابد من تمهيد عن أهمية هذا العلم، وعن أفضل السبل إلى دراسته0
فإن هذا من أعظم الدوافع إلى متابعة هذا العلم بل إلى متابعة أي علم لان الإيمان بالشى لا يكون إلا بعد تصوره 0
فعلم الحديث يسميه اهل العلوم بأنه علم خادم، وبقية العلوم مخدومة، وهنا يظهر لك خطورة هذا العلم وأهميته 0 فالعلم الخادم كل العلوم تحتاج اليه وهو لا يحتاج اليها، فمثل الرجل المنعم الذي لا يستطيع أن يعمل كوبا من الشاي، فلو غاب عنه الخادم لا يستطيع أن يأكل ويشرب، إذن هذا هو الخادم، ووجود الخادم هو حياة الانسان0
كذلك كل العلوم تحتاج الى هذا العلم المبارك ولعل من أعظم أبواب الخلل التي دخلت منها الفوضى إلى المسلمين أنهم تنحوا عن هذا العلم، ولو يولوه الاهتمام الذي يليق به0
فكم من الآفات دخلت جميع الكتب على اختلاف أنواعها بسبب إهمالها لعلوم الحديث0(1/1)
فنجد مثلاً علم الفقه، والفقه أدلته معروفه، وأول دليلين من أدلة الفقه هما الكتاب والسنه0 فإذا كان الكتاب محفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى له بلفظه ومعناه، فإن السنة محفوظة أيضا لأن الوحي قران وسنه، كما عليه جماهير العلماء من المحققين، قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فالذكر قران وسنه، لكن الله تبارك وتعالى يصرف الرواية أحيانا بالرواية لمعنى، ولان حدود قبول الرواية حدود إجتهاديه، فما يصححه ذاك يضعفه غيره، فالسنة محفوظة في الجملة، بحيث لا نقول أنه ضاع على آلامه حكم شرعي لاتعرفه إلى قيام الساعة، ويكون هذا الحكم مما تحتاج إليه الامه في عقيدتها أو في عبادتها، فعلم الفقه لا يكون إلا بعد ما يتعلم السنه0
أي لا يكون إلا بعد العلم بصحة الراوي، فنحن لا نستطيع إن نحتج بحديث ضعيف في اى حكم شرعي كما عليه جماهير المسلمين، ولم يخالف في هذا احد-فيما اعلم-إلا ابن الهمام الحنفي رحمه الله صاحب(فتح القدير شرح العاجز الفقير ) في الفقه الحنفي، فقد صرح بقبول الحديث الضعيف في الأحكام الشرعيه، لكن كلامه له وجه0
فالعلماء متفقون على ان الحديث الضعيف لا يحتج به في شي من الأحكام الشرعية، إنما اختلفوا في فضائل الأعمال إلا هذا الامام0
وقد يمكننا أن نرد هذا القول ردا صريحا بإجماع العلماء، لكن العلماء قالوا ( حمل قول العالم على وجه مقبول أولى من رده) 0
فان استطعنا أن نحمل كلام ابن الهمام على وجه مقبول، لا يتنافى مع قول العلماء فهذا هو الأصل، مراعاة لعلم هذا العالم مع انه لا يتكلم بالجزاف0
أما إذا لم نجد وجه نحمل عليه قول هذا العالم فإننا حينئذ نرده ونقول أنه أصاب أجرا واحدا0(1/2)
وأما عن المحمل الذي نحمله لابن الهمام الحنفي عليه في قوله بان الحديث الضعيف يحتج به في الأحكام الشرعية، وكذلك من قال بقوله ممن أعلمهم أن مقصو دهم هو الحديث الضعيف الذي إشتف بالإجماع، فحينئذ يكون الاعتماد على الإجماع، اما ذكر الحديث الضعيف فيكون شكلا فقط0
ومثال ذلك ما رواه ابن ماجه وغيره بسند ضعيف جدا عن أبى أمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الماء طهور، إلا ما غلب على لونه أو طعمه اوريحه) هذا الحديث ضعيف جدا من جهة السند، وقال الأمام الشافعي لا اعلم أهل الحديث يثبتون مثله0
لكن نحن نعلم أن الفقهاء يشترطون في الماء المطلق الذي يصح التطهر به أن لا يتغير احد أوصافه الثلاثة من اللون والطعم والرائحة، فالاحتجاج بهذا إنما مستنده الإجماع وليس مستنده الحديث، فالاعتماد على الحديث إنما هو شكلي محض0
فقد اعتمدنا في إثبات الحكم على إجماع العلماء، وهو أن الماء طهور إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه, وعلى هذا حمل كلام ابن الهمام الحنفي رحمه الله تعالى0
وعلى هذا فان الحديث الضعيف لا يحتج به في الأحكام الشرعيه0
وكذلك حديث على ابن أبى طالب الذي رواه الحارث الأعور عنه- وهو واهن- أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قضى بالدين قبل الوصية)
وإجماع العلماء أن يقضى دين الميت قبل توزيع التركة، لان هذا المال أحق أن ينتفع به الميت، فكيف يقسم هذا المال على الورثة ثم يعذب هو به، بل يجب أن يقضى دينه أولا لأنه هو الذي جمعه فهو أحق من ينتفع به، فيكفى إجماع العلماء على قضاء دين الميت قبل توزيع التركة على اصحابها0
فهذا الحديث وإن كان ضعيفا جدا إلا أن الإجماع جرى على مقتضاه، وعلى ذلك فيكون حقيقة الإجماع على المقتضى وليس على الحديث الضعيف0
فإذا علمنا هذا فانه لا يصح الاحتجاج بحكم إلا بعد ثبوت هذا الكلام عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم0(1/3)
ومعرفة صحة الحديث من ضعفه يلزم الدخول على علوم الرواية، وذلك بالمرور على المحدثين فإن اثبتوا ان الحديث صحيح حينئذ يبدأ دور الفقه، أي أن دور الفقه لا يكون الأبعد دور المحدث الذي يعلم أصول الحديث0
إذا لابد من مصطلح الحديث أولا، فعلم الفقه يحتاج إلى علم أصول الحديث وعلى هذا فان علم أصول الحديث خادم ولم الفقه مخدوم، وكذلك التفسير، فهناك أحاديث فسر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات تفسيرا مباشرا، وهناك بعض الأحاديث ورد فيها تفسير لكلمة وردت في بعض الآيات، لكن لم ينزل هذا الحديث على الايه، بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذا الحديث ليفسر الايه، فقد ذكر مثلا ( الران) بأنه شي يضرب على القلب، فإذا تلونا قوله تبارك وتعالى .
( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) نعرف من الران الذي كان في الحديث أننا نستطيع أن نفسر كلام الله تبارك وتعالى بما ورد في الحديث0الا إذا كان هذا الحديث قيل لخصوص هذه الايه0
وهناك تفسيرات عن الصحابة والتابعين، فإذا كنا نعتبر ان قول الصحابة حجه إذا لم يخالفوا فيه، اواذا وافق عليه الصحابة نحو ما هو مفسر في أصول الفقه، وأننا نلتزم بأقوال هؤلاء الصحابة الذين كانوا أشد الناس وأحسن الناس فهما وأن قولهم أولى من قول كثير من المتاخرين00
حينئذ يجب ان نعلم ثبوت ذلك عن الصحابي الذي يصير كلامه حجة بعد ذلك أم لا0
ولا يكون هذا إلا بالنظر في الأسانيد التي هي من اختصاص المحدث، دون غيره0
فكم من أقوال واهية ساقطة نسبت إلى ابن عباس رضي الله عنهما، والسند اليه لا يصح، فهناك صحيفة عريضة نسبت إلى بن عباس رضي الله عنه ولم يقل منها حرف واحد، فهي منسوبه إلى ابن عباس0(1/4)
وجل هذه الصحيفة منشوره، بل كلها منشوره في كتب المفسرين، ويقولون قال ابن عباس كذا وكذا ولم يقله ابن عباس رضي الله عنه، فكثير من الناس يحتج به على أساس انه قول بن عباس وهو ترجمان القران وان النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، ولكنه لم يصح عنه، وعلى هذا فلا نستطيع أن نقول: قال بن عباس رضي الله عنه كذا، إذن لابد من النظر في الأسانيد هل هذا قاله ابن عباس أم لا ؟
ولذلك لابد من المرور على مصطلح الحديث، وكذلك الكتب التي صنفها المؤلفون فإننا لا نستطيع ان نثبتها لأصحابها إلا بالنظر في الاسانيد0
فكم من كتب تكلم فيها أهل العلم ونفى إثباتها إلى أصحابها
ككتاب " الصلاة " لأحمد بن حنبل فلإمام الذهبي رحمه الله يقول احسبه موضوعا على الإمام 0
وككتاب " الرد على الزنادقة والجهميه " فلإمام الذهبي يجزم انه موضوع وما قاله الإمام إنما ألفه مؤلف ونسبه إلى الإمام احمد رحمه الله تعالى0
وكذلك كتاب الحيدة لابن الكنانى، فقد تكلم الذهبي فيه وقال احسبه موضوع والحقيقة اننى اطلعت على نسخه في الجامعة الإسلامية في المرة الماضية وقد وجدت المحقق الدكتور على ناصر الفقهيى وجد سند أخر 0
والعجيب ان المناظرة ممتازة لكن لماذا قال الذهبي رحمه الله أنها موضوعه؟
لأنه تفرد ينقل هذا الكتاب رجل كذاب، متروك، فإذا كانت قصه مثل هذه تتوافر الهمم والدواعي على نشرها لأنها ما أجرا ما يمكن ان يقراه الإنسان في مثل هذه الفتنه الصماء العمياء التي ما ثبت فيها إلا قلائل، لاسيما انه في نفس ألقصه ان عبد العزيز الكنانى أقام الحجة على المأمون وعلى بن داود ووافق المأمون واقتنع بر اى عبد العزيز، آذن لماذا لم يرجع المأمون عن قوله إذا كان يقول له صدقت ياعبدالعزيز، صدقت ياعبدالعزيز0(1/5)
أضف إلى ذلك ان الذين جلدوا في فتنه خلق القران الكريم كثره، ونعرف أسماء لها مصنفات وليس لها رواية، مالها إلا أنها جلدت في هذه الفتنه مثل محمد بن نوح الشاب الذي مات في الحديد فإذا حفظ لنا اسمه محمد بن نوح مع انه لم يفعل شيئا سوى انه مات في الحديد، وليس له مصنفات يعرفه المسلمون بها0
فكيف بهذه المناظرة التي وقف عبد العزيز بالمسجد وحصلت المناظرة آفلا تطير بالأسانيد المتواترة، لاسيما وقد افلح عالم من علماء ألسنه في إقامة الحج على المأمون وأبى داود، فكيف يتطرد بهذا الأمر العظيم رجل كذاب 0
فمن المعروف عند العلماء ان الأمر إذا كان مشتهرا، تتوافر الهمم والدواعي على نقله لم ينقله إلا واحد لاسيما إذا ا كان مسروق فان هذا من أعظم القوادح فيه0
فقد وجد المحقق الفاضل لهذه النسخة –وأتمنى ان تكون صحيحة إلى مؤلفها – إسناد أخر عند ابن بطه لهذه المناظر لكن ابن بطه ما ساق الكتاب كله، إنما ساق بعض الكتاب، حينئذ لا نحكم لكل مؤلف للكتاب بهذا الإسناد الذي روى بعض الكتاب، وهذه تسمى عند المحدثين شهادة قاصره0
فإننا نحتاج إلى متابعه تامة، لان هذه المتابعة تعتبر قاصوه، ولذلك فإن الإسناد هو احد الأشياء التي نثبت بها صحة الكتاب0
فلذلك لما جاء د0 ذكر مبارك عندنا في مصر ونفى نسبه كتاب ألام إلى الإمام الشافعي رحمه الله ليس له مؤلف اسمه ألام حاجوه بالأسانيد، وأثبتوا خطأ مقالته بالأسانيد والسماعات الكثيرة على كتاب الأم للإمام الشافعي رحمه الله تعالى0
آذا حتى علم الحديث يتدخل في إثبات الكتب إلى أصحابها، ولذلك يتشكك العلماء إذا وجدوا كتابا يطبع لأول مره وليس له إسناد، ولم يقره الجامعون لكتب العلماء مثلا، مثل كتاب كشف الظنون، وهذه الكتب التي تعنى بذكر الكتب المخطوطة أو كل عالم وماله من الكتب0(1/6)
فإذا وجدنا ان بعض الكتب منسوبه لبعض العلماء، ففتشنا في كتب الفهارس فلم نجد لهذا الكتاب ذكرا تحت اسم مصنفه، ولم نجد له إسناد على لوحه الكتاب، فالإنسان يحيك في صدره من ناحية هذا الكتاب، هل يا ترى ينسبه إلى مؤلفه أم لا؟
ولذلك كانت العناية بالإسناد عناية عظيمة جدا، وكان مبدأ العناية بالإسناد لما حصلت الفتنه الكبرى بافتراق الامه بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وبد المسلمون يتمزقون مزقا، ويتفرقون فرقا0
وكانت كل فرقه تبحث في كلام النبي صلى الله عليه وسلم عما يؤيد دعواها، وأنها على الحق وبعض الفرق لم تكن تستطيع ان تستخرج من الأحاديث ما يؤيد بيعتها فكانت تفتري الكذب . . .
وكما قال بن عباس رضي الله عنهما: كان الواحد إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدت اليه أعناقنا، وأصغت اليه آذاننا، فلما وقعت الفتنة، وكثر الكذب قلنا لهم سموا لنا رجالكم0
فبدا الاهتمام بالإسناد منذ هذه الفترة المبكرة في حياة المسلمين، وصارت هذه سنه حتى ان الرجل إذا أراد ان يتسول افترى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى بإسناد لكلامه، لمعرفته ان الإسناد مهم جدا0
فكان الرجل إذا قال حدثنا فلان عن فلان كان يبدى مهابة، ولذلك يذكرون ان رجلا كان يتسول المال من الناس، فلم يعطوه، فلما لم يعطوه قال حدثني يزيد بن هارون عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سال سائل ولم يعطه الناس فكبر عليهم ثلاثة) فلما سمع الناس هذا الكلام أعطوه المال، فأخذه وانصرف، وإذا بيزيد بن هارون آت فاستوقفوه وقالوا له: حديث حدثه رجل عنك عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كذا وكذا، فقال كذب عدو الله ما سمعت بهذا، فهذا لرجل كان يعرف، أن الأسانيد مهمة لذلك كان يفترى 0(1/7)
وكذلك القصة التي ذكرها ابن الجو زى وان كان بعض العلماء انكرها كالذهبي وغيره، أن احمد بن حنبل ويحيى بن معين رحمهم الله دخلا مسجد من مساجد الكوفة ودخلا في الصلاة، فإذا برجل قاص يقص على الناس وكان عادة القصاص إنهم يأتون بالأسانيد، وكانوا يوهمون الناس بهذه الكلمة التي يقولون فيها روينا من غير وجه، فيظن الجالس أن عند وجوه كثيرة لكنه اختصرها بهذه الكلمة، قال الرجل حدثني احمد بن حنبل وبن معين قالا حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال لا اله إلا الله خلق الله له بكل كلمه طائرا، له سبعين ألف راس، ولكل راس سبعين ألف منقار، في كل منقار سبعين ألف لسان، كل لسان يستغفر الله لهذا الرجل بسبعين ألف لغة0
وكان بعد أن ينتهي من الدرس، يأخذ الأموال التي قد جمعها له الناس وينصرف، وكان يحيى بن معين رحمه الله جرئيا، ما يخاف في الحق لومة لائم، وكان يواجه الناس بما يكرهون، ( ولذلك كما قال أبى زرعه لا ينتفع بابن معين في الرواية لكلامه في الناس) ولذلك لا تجد بن معين كثيرا في الأسانيد، لأنه ما من راوي إلا وله فيه كلام، فمن كثرة كلامه في الناس يكرهونه فكانوا لاياخذون عنه الحديث 0
فلما سمع بن معين القاص يقول أن احمد بن حنبل ويحيى بن معين حدثوني تعجل في صلاته وناداه فجاءه الرجل متوهما أنه سيعطيه مالا فقال له يحيى بن معين من حدثك بهذا الحديث؟ فقال حدثني احمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال هذا احمد بن حنبل وأنا يحيى بن معين وما سمعنا بهذا ! فقال الرجل كنت أسمع ان يحيى بن معين أحمق ، أو تظن أن في الدنيا لا يوجد احمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما، لقد كتبت عن سبعة عشر احمد بن حنبل وبن معين فوضع احمد يده في كمه يكتم ضحكه، فنظر اليه الرجل، وقال احمد له دعة يقوم فقام كالمستهزى بهما0(1/8)
وقد كان يشددون على هذه الأسانيد حتى ان الزهري سمع مره أن بن أبى فروة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر إسناد –فقال الزهري: قاتلك الله بابن أبى فروه تحدثنا بأحاديث لاخطام لها ولا ذمام، أين الخطام ؟ أين الزمام؟ الإسناد بالنسبة للمتن كالخيطان بالنسبة للبعير، فيوشك البعير الذي لاخطام له أن يتوه منك ولا تقدر عليه0
وهذا نفس كلام ابن المبارك رحمه الله الذي قال: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء لولا ان يعلم أننا سنقول له سمي لنا ويعلم انه يكشف لكان كل الناس افترى وتكلم 0
وكان الناس يحرصون على الأسانيد وكانوا يقدمون لها بالأسانيد، ويحكون ان رجلا كان يسمى العتابى، وكان محدث قاص ببلاد الشام رآه راء يأكل على قارعة الطريق فقال له إلا تحتشم إلا تستتر من الناس وهم يمرون عليك؟ فقال له أرأيت إن كان في بيتك بقرا كنت أن تحتشم أن تأكل أمامها؟ قال: لا
قال انتظر حتى اثبت لك أنهم بقر، ودخل المسجد وأخذ يقص عليهم ويقول: روينا من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بلغ لسانه أرنبه أنفه دخل الجنة فما من واحد إلا وقد اخرج لسانه يريد ان يمس به أرنبة انفه0 فقال: أولم أخبرك أنهم بقر!!!!
وقد كان بعض الذين يتقربون إلى الخلفاء أو إلى الولاة، وقد كان الولاة يحرصون على ذكر الأحاديث بالاسانيد0
فقد كان بعضهم إذا أراد أن يتقرب إلى الوالي كان يفترى بحديث بسنده0
فكما يحكى عن إبراهيم بن عثمان أنه قيل له إلا تنظر إلى المعلمين كيف يضربون الأولاد وبينما رجل يكلمه حتى دخل ابن إبراهيم هذا عليهما وهو يبكى، فقال له مالك يا بنى، قال: ضربني الأستاذ!!! قال هكذا0
حدثني عكرمة عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان شراركم معلموكم اقلهم رحمة على اليتيم، وبعضهم أغلظهم على المسكين0(1/9)
فهذا الرجل ألف حديثا عن عكرمة عن بن عباس لأجل هذا الذي حدث لولده فنظرا لمثل هذه الافتراءات التي دخلت على الأحاديث، علماء الحديث نصبوا أنفسهم في الذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم0
فكم تعبوا في التفتيش عن أحوال الرواة، وكم ركبوا الليل والنهار في البحث عن ترجمة راو أوعن كلام العلماء فيه، وهذا الكلام مدون ألان في اسفار0
فأنت لا تدرى مثلا كيف قال بن معين في الراوي ثقة!!
كم من الروايات قابلها بأحاديث الثقات حتى وصل إلى هذا الحكم0
وكان هؤلاء الرواة يرون مئات الألوف من الروايات التي يعرضها الراوي على أهل الطبقة حتى يصير عنده قناعة بالحكم قد تصل إلى عشرة ألاف من رواية0
فمثلا قول بن معين وغيره كالنسائي وأحمد وغيرهم في راو أنه ثقة لإانهم ما توصلوا إلى هذا الحكم إلا بجهد كبير في روايات هذا الراوى0
فهؤلاء العلماء تعبوا جدا في ضبط أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم 0
وهذا الخلل الذي نراه في شتى العلوم الإسلامية من فقه وتفسير وعقيدة، ونحو ذلك كله بسبب أحاديث ضعيفة أو موضوعة0
فهذا الرجل الذي أراد ان يصنف في الفقه لما استشكل عليه حديث موضوع يعارض حديث صحيح، فاضطر إلى ان يجمع بينهم وهو لا يدرى ان هذا الحديث موضوع، فكم من الصفحات سودها وكم من الوقت ضيعه هذا الرجل ليجمع بين الحديث الموضوع والحديث الآخر الصحيح، لاشك انه انفق وقت كثير0
ولعله يبطل دلالة الحديث الصحيح إذا كان الحديث الموضوع أخص في الدلالة منه (من الحديث الصحيح) يقول هذا الحديث تخصص بذاك، والمخصص ساقط لا قيمة له0 فلو علم هذا الرجل أن هذا الحديث موضوع لأرح نفسه من هذا البحث كله، وكم في كتب الفقه من أحكام ساقطة، أساسها الحديث الضعيف والموضوع0
فلو أن الذين يكتبون في الفقه كانت لهم عناية بالنظر في الحديث لوجدنا الفقه على الحنفية السمحة فلا يشعر الإنسان بمشقة أبدا وهو ينفذ هذا الحكم0(1/10)
هناك أناس يقولون نأخذ بالاحوط، ومعنى ذلك انه يأخذ بالأشد، فإذا ندبتك إلى الأخذ بالاحوط فالاحوط، إنما أندبك إلى الأخذ بالأشد فالأشد، وإذا بك تفاجآ في نهاية المطاف ان هذه ليست حنيفية سمحة، إذن أين اليسر؟
والله عز وجل يقول ( وما جعل عليكم في الدين من حرج)
وبن اليسر الذي اقرأه في قوله صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالحنفية السمحة) أو ( بعثت بالحنفية السمحة) إلى أخر هذه الأحاديث التي تدور في هذا الفلك، قد يدفعك إلى القول بالاحوط حديث ضعيف أو موضوع0
ولذلك كان إهمال هذا العلم جر وبال كثيرا جدا على المسلمين ولوسالنا بعض الناس وقلنا له عد لنا علماء الحديث في هذا العصر؟ تجد ما يستطيع أن يعد عشرة علماء راسخين في الفن، بل قد اجزم وأقول ما يستطيع ان يعد خمسه ( اقصد العلماء الراسخين) ولاشك أن المشتغلين بالفقه أكثر من المشتغلين بالحديث00 لماذا؟
لان الدولة الاسلاميه لما كانت تبنى مدرسه كانت تنصب عليها قاضيا أو فقهيا، فكان الناس يقبلون على دراسة الفقه تأميلا للوظيفة اما المحدثين لم يكن لهم فيها عمل لذلك لم يكن لهذا العلم عائدا كوظيفة، لذلك اعرض الناس عنه ولا يزال يعرضون عنه حتى صار كالعدم تقريبا0
وابن الجوزى رحمه الله المتوفى سنة خمسمائة تسعه وتسعين تكلم عن هؤلاء في آخر القرن السادس الهجري كان يقول كانوا إذا عدوا قليلا فقد صاروا اعز من القليل فما بالك بعصرنا !! . . . .
نسال الله تبارك وتعالى أن يعصمنا من هذه الفوضى التي دخلت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل كثير من الصغار، ولجوا من باب الكبار0
فلا يكاد الطالب يدرس كتابا مختصرا حتى يخرج من يخرج من تخريج الأحاديث ويتكلم عن التصحيح والتضعيف ويناطح الجبال الرواسخ0(1/11)
وأسهل شي عنده ان يقول لا نعلم دليلا، وكأنه قضى بالجهل على مخالفه وعلم الحديث لابد فيه من الملكة وهذه مهمة جدا وهى ما يسميها العلماء بالاستقراء، والاستقراء يكون من كثرة القراءة . . .
وانا اعرف رجل يعمل طبيبا، والطبيب من أفضل الناس دخلا ماديا ولما رأى أن تخريج الأحاديث أحسن من الطب، فترك الطب وعمل محققا!!
هناك رجلا من العلماء قال: لوددت لواني أدركت أبى حمزة الكاتب فقطعت يده!
قالوا لماذا؟ قال لأنه انتقى أطايب الكتب فجمعها في كتاب واحد، فزهد الناس ان يطالعوا الكتب0
ولذلك فان هذه الفهارس العلمية التي خرجت بكثرة لعلوم السنة أحدثت من الشر في اعتقادي أكثر من المصلحة لأنها أدخلت غير المتخصصين في العلم، فقد تجد الآن بعض الطلبة الصغار تبجحون على المشايخ الكبار بكثرة عدد المصادر كأن يقول لك مثلا أن الشيخ الالبانى رحمه الله خرج هذا الحديث من عشرة مصادر فقط، اما أنا فقد خرجته من أربعين مصدرا0
طيب مالذى جئت به زيادة أربعين مصر من طريق الزهري عن عروة عن عائشة إذن أنت لم تضيف شيئا إلا ذكر المصدر، وهذا ليس له كبير قيمة إذ لم يكن في المصدر زيادة في المتن وزيادة في الإسناد سماع لمدلس أو متابعة لضعيف أو نحو ذلك لسهولة ---- كتب ألسنه لغير المتخصصين0
الشيخ احمد شاكر أبو الأشبال رحمه الله في مقدمة كتاب مفتاح كنوز السنة قال وهو في غاية الفرح بالكتاب لقد ظللت ابحث عن حديث في الترمذي خمس سنوات .
فإذا كان هذا رجل متخصص ويعذب عنه حديث في الترمذي وكتاب الترمذي هذا من الكتب التي قراها على والده، فما بالك بغيره ممن لم يقرا مثل هذه الكتب الأخرى وهذه الفهارس العلمية كانت غير موجودة إنما كان أصحاب الحديث يصنعونها لأنفسهم، والله ما دخل واحد في هذا العلم، لأنه علم صعب جدا يستعصى على احد لكثرة كتبه وجزئياته0
ونحن ألان عند نظرنا في حال من يمارسون علم الحديث الآن نجد إنهم كثرة ولكن لأملكه لأحد منهم .(1/12)
قلة قليلة جدا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود هم الذين يحسنون صنعة الحديث في هذا العصر والباقون عاله وسرا ق ونقله .
وينبغي على طالب العلم ان يعلم قدر العلماء وهيبتهم فقبل ان يقول فلان مخطى فينبغي ان يعرف حجم فلان هذا0
فأنت حينما تأتى على هؤلاء الصغار تجده يقول أن الإمام الترمذي متساهل!!!
هل يجوز لمقلد ان يحكم على مجتهد؟ الجواب:لا وما حجمك أنت بالنسبة للإمام الترمذى0
ان كان الإمام الذهبي رحمه الله قال: لا يجوز للعلماء ان يعتمدوا على تفسير الترمذي هذا لان الذهبي إمام مجتهد له مواصفات اختلط الحديث بلحمه وشحمه وصار له فيه أعظم ملكه فإذا ما قال هذه الكلمة في حق الترمذي رحمه الله تكون مقبولة اما أنت ان تأتى فترمى العلماء المجتهدين فهذا نوع من الجراءة على العلماء وابسط شي عنده هو ان يقول لا اعلم له دليلا وهذا القول يستطيع ان يقوله اى إنسان في الدنيا لأنه لا يعلم شي فعلا0
وعلى هذا فان الصحوة الموجودة ألان لها بعض البركات، وهى لفت النظر إلى، العلم كن فتحت باب خلل عظيم على كتب السنة، وطعنوا على العلماء وصار اى واحد غمر من هؤلاء يستطيع بمنتهى السهولة الجرأة على العلماء، وهذا بسبب عدم وضع ضوابط في أدب طلب العلم0
فينبغي ان يحجم طالب العلم، وليس عيبا ان يحجم، بل لابد ان يحجم0
وكم رأينا نماذج كثيرة من العلماء الذين كانوا يقسون على الطلبة ومع ذلك كان الطالب محب ومقبل على العلم0 لأنه يرى ان تجرع الذل ساعة في طلب العلم خير من تجرع الذل طول العمر في الجهل، لان تذل ساعة بين يدي المعلم ثم تصبح بعد ذلك عالم، خير من ان تعيش في ذل الجهل طول العمر0(1/13)
ونحن لا ننسى لما جاء رجل إلى يحيى بن معين وقال له يا ابازكريا أنا مستعجل حدثني بحديث أذكرك به ؟ فقال له اذكرني إذا طلبت منى حديث فلم افعل، وحرمه من الحديث، وهذا نوع من التأديب، لان بعض الناس يأتيك وهو يلبس ثياب الكبر، متصور انه أفضل منك0 ويستحضر وضعه الاجتماعي، وانه من الاسره الفلانية، وانه من القبيلة الفلانية، وانه من الاماره الفلانية، فيأتيك ويجلس وهو متقمص هذه الشخصيه0
لذلك لما طلب عبد الله بن ظاهر(الأمير) وطلب من الإمام البخاري رحمه الله أن ياتى قصره ويقرا على أولاده، فامتنع الإمام البخاري رحمه الله وقال لن آتيك فإذا أراد أولادك أن يحضروا مجلس العلم وألا فامنعني حتى يكون بيني وبينك الله حجة في المنع0
فقد كان بعض هؤلاء الناس يأنف ان يزاحم الفقراء، وأن يزاحم أولاد البقالين، والخبازين، والكناسين، كما ورد في بعض تراجم هؤلاء العلماء0
وكان بعضهم يستنكف أن يصلى الجماعة الأولى، ويقول أصلى معكم في مسجدكم حتى يزاحمني البقالون والخبازون 0
فمثل هذا إذا جاء إلى مجلس الشيخ بهذا الكبر فان الشيخ يؤدبه بطرده من المجلس .
وقد كان الإمام الأعمش رحمه الله يطرد الطلبة من بابه أحيانا وكان لا يمكنهم من أن يأخذوا ما يريدون، ومع ذلك كانوا يذهبون اليه، (لان المحب يديم طرق الباب) .
فهذا الذي يطلب الحديث فيمنع فهو بين أمرين، (اما أن يديم الطلب ) (اما ان يتولى ويعرض) ولذلك قال بعض العلماء من دوام قرع الباب ولج، فكلما أكثرت من طرق الباب كلما فتح لك0
فهذا العلم صعب جدا ولا يعرف هذه الحقيقة إلا المتمرسون، فأي علم يمكن الإنسان أن يحيط بأطرافه إلا علم الحديث!!!
لان علم الحديث قوامه على الأسانيد، والأسانيد تحط بمصنفات بعينها، بل هناك الألوف المؤلفة من المصنفات المليئة بالاسانيد0
فهل يستطيع رجل في الدنيا ان يحصل جميع الكتب والأجزاء ألحديثيه المسندة مهما أوتى من القوة والجهد بالعلم والمال؟(1/14)
ما يستطيع أبدا لذلك يظل هذا الرجل دائما مدينا بتقصيره، وكم من أحاديث قال عنها العلماء المتقدمون الذين يحفظون ألف قالوا تفرد بها فلان، فياتى المتأخر الذي لا يزن وزن هذا الرجل في الحفظ ولا في التثبت ولا في الرحلة فياتى ويستدرك عليه، ويبين انه لم يتفرد به، بل تابعه فلان وفلان وفلان، لان هذا العلم واسع جدا والتعقب في هذا العلم سهل للغاية 0
فمثلا أنا قرأت للحافظ بن حجر مره في حديث لقتادة عن انس في صحيح مسلم- قال أنا لم أره إلا من رواية قتادة عن انس ( بالعنعنة)
مع انه في صحيح مسلم قال قتادة حدثني أنس فمع ان صحيح مسلم قرأ أكثر من مره إلا انه يفوت على الإنسان
0
فهذا العلم علم ضخم جدا ولابد للإنسان القادم عليه ان يعلم ذلك، ولذلك كان العلماء ينبهون الطلبة ويخوفونهم من الإقدام على مثل هذه العلوم الكبيرة والمتشعبة حتى يشحن طالب العلم همته لذلك0
فلو تصور طالب العلم مثلا ان هناك جبل شامخ وفيه رمال، ومعلوم أن الإقدام تغوص في الرمال، حينئذ يشحذ همته وقوته وهو صاعد، لكن لو هناك رجل آخر ولا يعلم هذه الحقيقة وأراد الصعود، فهذا الرجل لا يستطيع ان يمشى مترا واحد إلا وسرعان ما يقع مع انه قد يكون عنده قوة أكثر من الذي مضى عليه سريعا لكنه لم يكن عنده خبر أن هذه رمال تغوص فيها الاقدام0
ولذلك لما جاء رجل إلى الفراء وقال له اشرح لي كتاب سيبويه (عمر بن عثمان) وهذا أمام نحوى مات وعمره اثنين وثلاثين سنه، ومع ذلك كتب كتابا في النحو اسمه الكتاب مازال العلماء حتى ألان لا يفهمون بعض عباراته المغلقه0
فجاء رجل إلى الفراء وقال أريد أن إقراء عليك كتاب سيبويه هذا فقال له بنى هل ركبت البحر؟
والبحر يعنى الهلاك، يعنى لوقرات قصة صديق حسن خان رحمه الله وهو خارج للحج بالمراكب وكانت بالشراع ظل ثمانية اشهر لان الريح كانت تقوم بإرجاعهم المسافة التي يقطعونها0(1/15)
فالبحر عند العرب يعنى الرعب، فكان ر كوب البحر رعب، لا يركبه إلا أناس لهم قلوب من حديد، فيقول له بنى هل ركبت البحر؟ يشير بذلك إلى عظم الكتاب، وأننا ليدخله فيه سوف نغرق0
فإذا علمت وأنت تريد دراسة هذا العلم انه بهذه الخطورة، وهذا العلو، إذن لابد أن تشحذ همتك وقوتك، ويكون من بركات شحذ الهمة الإقبال عليه، فإذا ما أقبلت عليه بكليتك أعطاك وبذل لك نفسه، كما يقول بعض العلماء إن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وبالأخص علم الحديث0
لذلك ونحن ندرس هذا العلم المتكتل في كتاب الإمام الذهبي رحمه الله الموقظة لا نستطيع بطبيعة الحال أن ناتى عليه كله، ولذلك سنذكر عدة أمثله لان الجانب العملي هو الذي يشعرك بلذة هذا العلم وحلاوته0
فمن الخطأ أن تأتى لطالب الحديث فتمرنه وهو لم يستوي بعد، ولم تظهر له علامة استواء فمن الخطأ أن تجرئه على العلماء لاسيما إذا انتقيت بعض الأحاديث التي وهن فيها العلماء0فمن المعروف عند العلماء ان دارس اى علم إذا أراد ان يفلح فيه لابد أن يبدأ بالمتفق عليه ثم يؤخر المختلف فيه، لأنه ليزال غض طرى ليس له قوة يدخل بها في وسط هؤلاء الكبار، لا يستطيع أن يناطح، لذلك إذا أدخلته في أول الطريق معه هؤلاء يضيع إذن لاينبغى للإنسان أن يدخل على الأمور المختلف فيها أولا لأنه ليس عنده ملكه يميز بها الأقوال وكيف يرجح قولا من هذه الأقوال وهو ليس عند الملكة على ذلك فهذا يكون مثل العامي إذا سال أكثر من مفتى عن سؤال واحد، ولذلك يقول العلماء لا يجوز للعامي ان يعدد السؤال على أكثر من مفتى إلا إذا حاك في صدره شي من فتوى الأول، لان العامي مأخوذ من العمى، فإذا كان مقلدا فالعلماء يقولون أن مذهب العامي مذهب مفتيه0(1/16)
فأنت إذا كنت لست من أهل العلم وليس لك نصيب من النظر في الادله الشرعية فينبغي عليك أن تبحث عن عالم ربانيا عاملا، ويكون هذا هو حجتك بينك وبين الله عز وجل إلا ان يخطى خطا جليا، كأن يخالف حديثا صحيحا ليس له معارض حينئذ تأخذ بالحديث وتترك قول العالم0
وكما يقول الإمام الشاطبى رحمه الله قول العالم بالنسبة المقلد كالدليل بالنسبة للمجتهد .
فكما انه لا يجوز للمجتهد ان يخالف الدليل إلا بعذر، فلا يجوز للعامي أن يخالف قول العالم إلا بعذر0
فكما ان العامي في الفتاوى الشرعية، والأحكام الشرعية إنما يسال مفتى واحد فأنت كذلك لتتردد على أكثر من عالم، لاسيما في مسائل الخلاف حتى لا تخرج بنتيجة سيئة، فمن الخطأ على طالب العالم ان يبدأ بقرءاة المختلف فيه0
فالعلم هذا طويل جدا ولو تعجل الإنسان فيه لقسم ظهره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه رفق ولا يشاد الدين أحدا إلا غلبه . . .
ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله إذا تصدر الحدث فآته من العلم الكثير فالعلم طويل جدا فابدأ بالأهم فالمهم، فيكون كالتاجر الفاشل الذي يأكل من راس ماله0
فالمسالة تحتاج إلى شي من الهدوء ثم تحديد الغاية التي هي أهم شي في التحصيل فقد تجد كثيرا من الناس الذين بداوا الالتزام والقراءة منذ عشرين سنه ومع ذلك لا يظهر عليهم اثر القراءة لماذا؟
لأنه لم يحدد الهدف، فلو نظر إلى اجتهاده في الحديث، وعلم انه فيما بعد ان شاء الله قد يتصدر ويتعرض لعلم الحديث0
أذا لابد من الحفظ، فهو يستعد لذلك ويشحذ ذاكرته من اجل الحفظ، بخلاف من لا هدف له0
فهذا الذي لا هدف له لماذا يحفظ، ونحن نعلم ان الإنسان إنما يعمل ليؤجر على ذلك فإذا علم انه لا يؤجر ولا يثاب فتر عزمه، ولذلك ذكر الله عز وجل الجنة والنار كنوع من الثوب أو العقوبة على العمل0(1/17)
ولذلك يقول المعرى: قال المنجم والطبيب كلاهما:لا تبعث الأموات! قلت إليكما ان صح قولكما فلست بخاسر، ولو صح قولي فالخسار عليكما0
فالله عز وجل عندما يذكر العمل الصالح يحط له الجنة كثواب، وحينما يذكر العمل الفاسد يحط له النار كعقاب0
فالإنسان يعمل ويصبر على مشقة عمله في الصالحات من اجل الجنة، ولذلك كان عمل الصحابة رضوان الله عليهم0
فهذا هو الصحابي الجليل الذي كان يأكل التمرات في الحرب قال النبي صلى الله عليه وسلم مالي ان قتلت في سبيل الله ؟ قال لك الجنة!!
فقال إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات فقاتل حتى قتل0
فهذا علم ان غاية المنى هي دخول الجنة ولا يحجزه عنها إلا الموت فأقدم على الموت وهذه المسالة تبدو بتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيله فليغرزها) .
وإنا أعرف رجلا طبيبا متزوج بامرأة هي ابنة خاله وكان يحبها جدا لكنه لم ينجب منها وكان غنيا جدا وكان عنده عده عمارات وعيادات وذهب لإجراء عمليات في جميع بلاد العالم وأنفق عشرات الألوف من اجل ان ينجب من هذه المرآة التي يحبها وقد انفق في أجراء عملية واحده خمسين إلف جنيه، وقد كان بامكانه أن يتزوج بخمس هذا المبلغ فقط0
لكنه يريد أن يرزق الولد من هذه المراة التي يحبها، لذلك هو يمضى قدما في سبيل ان يمن الله تبارك وتعالى على هذه المراة بولد0
فلما يأس من ذلك فوجي به يبيع العمارات، ويسحب رصيده من البنوك وبدا يتمتع بحياته فلما سئل عن ذلك ؟ قال ولمن أتركها ؟
و للحديث بقية إن شاء الله(1/18)