والدي.....نهر الحب الخالد الذي أنهل منه ولا أرتوي ......المعطاء الذي جعل قلبه نسغاً حتى يراني في هذا اليوم....أحني هامتي ، وأقبّل يداً شريفة سقت من دمها وعرقها غرسة من الغراس ....
والدتي .....دعاؤك عوني.....ورضاك أمنيتي ......
وفاءً لهما، وبرّاً وتكفيراً عن تقصيري تجاههما، اللهم تقبله مني، واجعل ثوابه في ميزان حسناتهما.
رب ارحمهما كما ربياني صغيراً
عرفاناً بالجميل وأنا أتقدم بهذا العمل بعد أن منّ الله عليّ بإتمامه أن أذكر لأهل الفضل فضلهم عليّ فأشكرهم عليه إذ "من لا يشكر الناس لا يشكر الله "(1) .
أتوجه بالشكر الجزيل لمن رافقني في هذا البحث خطوة خطوة موجهاً ومرشداًومسدّداً أستاذي ومشرفي صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور: نصار نصارجزاه الله عني خيراً، وأجزل له الأجر والثواب .
ثم الشكر والدعاء لكل من كان له فضل علي في إتمام هذا العمل من أساتذة وأهل وأصدقاء، وأخص بالذكر منهم أخي وأستاذي عبدالله الطاهر أدامه الله، والأخ الأستاذ عدنان الخضر حفظه الله.
كما أشكر جامعة دمشق، وكلية الشريعة، والقائمين عليها من أساتذة وإداريين وأخص بالذكر منهم أستاذي في العلم والأدب ـــ عميد الكلية ـــ الأستاذ الدكتور: محمد الحسن البغا حفظه الله ورعاه، ومزيد خير وإحسان حباه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب:ما جاء قي الشكر لمن أحسن إليك، رقم(1954)، (4/339) من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعاً، وقال:هذا حديث حسن صحيح .
«اشتهروا بطول الأعمار ــ والتجربة مصدقة لذلك في سائر الأعصار ــ ودعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة والنضارة، وبشرهم بالجنة التي هي أجلّ بشارة وقيل فيهم: إنهم من أكثر الناس خيراًً ومالاًً، وأوفرهم رزقاً حلالاً .
وقد قيل : ـ وهو لأبي إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الرّياحي التونسي ـ(1/1)
أهل الحديث طويلة أعمارهم
ووجوههم بِدعا النبي منضّره
وسمعت من بعض المشايخ أنهم
أرزاقهم أيضاً به متكثّره
وإنهم ممن يُسْتَدْفَعُ بهم البلاء، وأقرب الناس منزلة يوم القيامة من خير الأنبياء وسيد الشفعاء، وإنهم هم العلماء على الحقيقة والتمام، ولا يُدعى باسم العالم غيرهم يوم القيام ».
الرسالة المستطرفة :(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
رب كما أنعمت فزد
الحمد لله على ما ألهم، وعلمنا ما لم نكن نعلم، وكان فضل الله علينا عظيماً وصلى الله على السّيّد الأكرم، المُعطى جوامع الكلم في الموقف الأعظم، وسلّم تسليماً، ورضي الله تعالى عن الآل والأصحاب أهل الفضل والكرم، وعن التابعين ومن تبعهم، وزاد الجميع تشريفاً وتعظيماً.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }.[آل عمران:102] .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }. [النساء:1] .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } . [الأحزاب: 70 ،71] .
أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله علينا ـ ونعمه لا تُعدّ ولا تُحصى ـ أنْ منّ علينا ببعثة سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ نبيه ومصطفاه وخيرته من خلقه أجمعين، فأكمل به هذا الدين، وأتم به النعمة. قال تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً }. [المائدة:3] .(1/2)
وقد تكفّل الله ـ جلّ في علاه ـ بحفظ ذلك الكتاب المبين الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام، وقيّض لسنّته المطهرة علماء أفذاذاً، ومحدثين نقّاداً يذبّون عنها، ويحافظون عليها .
وبذل هؤلاء الجهابذة قصارى جهدهم للحفاظ على هذا المعين الثَّرِّ، فقعّدوا القواعد، ووضعوا الموازين، وسنّوا القوانين التي تكفل حمايته من أن تَنْدَسَّ فيه أصابع اللئام وتُدْخل فيه ما ليس منه .
... كما اشتمل علم الحديث على كثير من القواعد التي تبحث في أحوال الرواة وتبين صحة الأحاديث التي وردت من طريقهم، وتكشف عما فيها من علل، مما يعرف بعلم الجرح والتعديل، أو علم نقد الرجال، حيث يُعَدَّ هذا العلم عصب علوم السنة .
ولمّا لم يكن هناك سبيل إلى معرفة سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام إلا من جهة النقل وجب أن نميز بين العدول الضابطين من الرواة، وبين أهل الوهم والغفلة، وسوء الحفظ، والكذب منهم .
وقد تعدّدت عبارات العلماء وتنوعت في تعديل الرواة وجرحهم، ومنها وصفهم للراوي بسوء الحفظ. ولما كان سوء الحفظ سبباً من أسباب الطعن في الراوي من جهة ضبطه، وكانت معرفة المقبول من الرواة متوقفة على معرفة الطعن وأسبابه، وأثر هذا في الحكم على الحديث، رأيت أن أتكلم عن سوء الحفظ وأثره في قبول الحديث؛ حيث تظهر فيه عظمة المحدثين، وعظمة منهجهم النقدي الدقيق الذي يسبر الأغوار، ويبلغ الأعماق، ويعطي لكل واحد ماله، ويبين ما عليه حتى عرفوا رحمهم الله الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط من النقلة والرواة .
سبب اختيار البحث: إنّ من أهم الدوافع التي أكدت رغبتي، وشجعتني على اختيار هذا الموضوع منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص .
فالدافع العام: تعلقي الكبير بالسنة النبوية الشريفة، وحبي العظيم لها، جعلني الله عزّ وجلّ من خدامها وأهلها علماً وعملاً . آمين .(1/3)
أما الدوافع الخاصة: فتتمثل في عدة أمور منها: أنني لم أعثر حسب اطلاعي وبحثي المتواضع على دراسة متكاملة مستقلة توفي هذا الموضوع حقه من البحث وتعنى بترتيب مفرداته، وصياغتها صياغة مناسبة لتسهيل الإفادة منها، إضافة إلى أهمية هذا البحث، وصلته الوثيقة العميقة بعلمين أساسيين مهمين هما:
1ــ علم العلل .
2ــ علم الجرح والتعديل .
ومن الضروري أيضاً إجراء دراسة تطبيقية تنزل ما قعّده النقاد من قواعد، وما أصّلوه من قوانين في الحكم على رواية سيء الحفظ منزلة التمثيل والتطبيق، أملاً في بلورة الموقف من روايته بشكل تفصيلي، حتى يكون هناك تكامل بين القواعد النظرية من جهة، والدراسة التطبيقية من جهة أخرى .
منهج البحث: إن عملي في هذا البحث سيكون ـ إن شاء الله تعالى ـ على النحو الآتي:
1ـ استخراج القواعد المتناثرة المتعلقة بموضوع البحث من بطون كتب علوم الحديث .
2ـ التعريف بها، وصياغتها بما يشكّل دراسة مستقلة .
3ـ تدعيم الدراسة بأمثلة تطبيقية للقواعد المستخرجة على الرواة .
4ـ بيان المفهوم اللغوي للمصطلحات التي تمت دراستها، ثم عرض تعريفات المحدثين لهذه المصطلحات .
5ـ التفصيل في بعض المسائل التي اختلفت فيها آراء المحدثين واجتهاداتهم كالاختلاف في تعريف سوء الحفظ، ومسألة الشاذ والمنكر، وغيرهما باذلاً جهدي في التوفيق بين هذه الآراء، أو بيان الرأي الراجح منها .
6ـ ضبط الكلمات المُشْكِلَة بالشكل حتى لا يلتبس الأمر على القارىء، وشرح الكلمات الغريبة .
7ـ عزوت الآيات القرآنية في متن الرسالة، ووضعتها بين قوسين مزهرين .(1/4)
8ـ تخريج الأحاديث الواردة في البحث من مصادرها، والاقتصار على الصحيحين، أو أحدهما إذا كان الحديث مخرجاً فيهما، وقد أُخرِّجه أحياناً من بعضِ المصادِرِ إضافةً لهما إذا كان هناك فائدةٌ مناسبة للسِّياقِ؛ كزيادة لفظةٍ أو جملةٍ ليست فيهما أو في أحدِهما، وإن لم يكن في أحدِ الصحيحينِ خرَّجتُه من السنَنِ الأربعةِ إن وُجِد، ولا أزيدُ عليها إلا حيث توجدُ فائدةٌ في لفظِ الحديثِ، أو في الحكمِ على سنَدِه أو نحو ِذلك، وإن لم يوجَدْ في الكتُبِ السِّتَةِ خرَّجتُه مما تيسر لي من مصادِر الحديث.
9ـ أما طريقة عزو الحديث: فأذكرُ اسمَ الكتابِ، ثم اسمَ البابِ، ونادراً ما أقتصر على ذكر اسم الباب، ثم رقم الحديثِ، والجزء والصفحة .
10ـ وأما بالنسبة للحُكم على الأحاديث والآثار: فإن حَكَم عليها إمامٌ من الأئمةِ المتقدمينَ اكتفيتُ به، وإن لم أجدْ من نصَّ على حُكمِه، تتبعت ما قاله علماءُ الجرْحِ والتعديلِ في إسناده .
11ـ أما بالنسبة للنقل من المصادرِ والمراجع، وهو إما أن يكون نقلاً حرفياً أو بالمعنى؛ فإن نقلتُ منها نصّاً حرفياً، ووضعتُه في متنِ الرِّسالةِ بين قوسينِ صغيرينِ، ذكرتُ اسم المصدر في الهامش مباشرةً دون قولي: (انظر)، وإن نقلتُه بالمعنى، ذكرت اسم المصدر في الهامشِ مسبوقاً بقولي:(انظر).
وقد آثرتُ عند تكرر النقل من المصدر أن أقول: المصدر السابق، أو الموضع السابق. وأحياناً ـ لتفادي التكرار ـ إذا كنت أنقل أقوالاً من مصدر واحد، أكتب الرقم ـ للعزو ـ عند آخر قول نقلته من المصدر نفسه .
12ـ بالنسبة للتعريف بالكتاب:
ذكرتُ في الهامش اسم الكتاب، ومؤلفه، والمحقق له، وطبعته، والدار الناشرة، وسنة النشر إن وُجِد ذلك.
13ـ بالنسبة للأعلام الذين مرّ ذكرهم في الرسالة:(1/5)
لم ألتزم ترجمة جميع الأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة؛ لأن ذلك كالمتعذِّر أو المتعسِّرِ؛ إذ لا تكادُ تخلو صفحةٌ من صَفَحاتِ البحثِ عن عدّة أعلام. وأحياناً أتوسع في ترجمة العلم في المتن والحاشية إذا كان ذلك العلم مثالاً تطبيقياً لقاعدةٍ أو مسألة وقد يُمثَّل ببعض الأعلام في أكثر من موضع .
14ـ بالنسبة إلى معاجِمِ اللغة: ذكرتُ اسمِ المصدَرِ، ورقمَ الجُزْءِ والصفحةِ إن كان ذا أجزاء، وإلا اكتفيت بذكرِ رقم الصفحة، ثم أتبعتُ ذلك باسم المادة التي نقلتُ منها النصَّ أو المعنى .
15 ـ بالنسبة لترتيب المصادر في الهامش: حاولت ـ قدر الإمكان ـ ترتيب المصادر التي نقلت منها على حسَبِ ترتيبها الزمني، الأقدم فالأقدم، إلا إذا كان النص المنقول في المتنِ من كتاب متأخر فإني أقدمه أولاً .
16ـ إعداد الفهارس:
صنعت فهارس متنوعة للبحث، وهي: فهرس الآيات القرآنية (مرتبة حسب السور) وفهرس الأحاديث النبوية والآثار، وفهرس الأعلام المترجمة، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات .
خطة البحث: أدرتُها على مقدمة، وخاتمة تنساب بينهما فصول، ومباحث :
أما المقدمة: فأجملت القول فيها عن أهمية البحث، وسبب اختياري له، ومنهجي فيه.
الفصل التمهيدي: مفهوم الضبط عند المحدثين، وتحدّثتُ فيه عن :
ـ تعريف الضبط، ودليل اشتراطه، وسبب اعتباره .
... ... ... ـ أقسام الضبط، وطرق معرفة ضبط الرواة .
... ... ... ـ فروع اختلال الضبط .
الفصل الأول: سوء الحفظ، وأهم المصطلحات المتصلة به، وفيه مبحثان :
المبحث الأول: مفهوم سوء الحفظ، وأثره في ضبط الراوي، وفيه مطلبان:
... المطلب الأول: تعريف سوء الحفظ لغة واصطلاحاً، وتحرير التعريف.
... ... المطلب الثاني: أثر سوء الحفظ في ضبط الراوي.
المبحث الثاني: دراسة أهم المصطلحات المتصلة بسوء الحفظ، وفيه المطالب الآتية:
... ... المطلب الأول: الوهم، والغلط .
... ... المطلب الثاني: الغفلة، والتساهل في سماع الحديث وإسماعه .(1/6)
... ... المطلب الثالث: مخالفة الثقات .
الفصل الثاني: أسباب سوء الحفظ، وفيه ثلاثة مباحث :
... المبحث الأول: الانشغال عن الحديث بغيره، وفيه خمسة مطالب:
... المطلب الأول: الاشتغال بالعبادة .
... المطلب الثاني: الاشتغال بعلم الفقه .
... المطلب الثالث: الاشتغال بالقراءات .
... المطلب الرابع: الاشتغال بالسيرة أو التاريخ .
... المطلب الخامس: الانشغال بمنصب القضاء .
... المبحث الثاني: ذهاب الكتب، وفيه أربعة مطالب:
... المطلب الأول: احتراق الكتب .
... المطلب الثاني: دفن الكتب .
... المطلب الثالث: غرق الكتب .
... المطلب الرابع: سرقة الكتب .
... المبحث الثالث: الأعراض الجسمية والنفسية العارضة للراوي، وفيه مطلبان:
... المطلب الأول: الأعراض الجسمية .
... المطلب الثاني: الأعراض النفسية .
الفصل الثالث: دلائل سوء حفظ الراوي، وقسمته إلى خمسة مباحث :
المبحث الأول: التفرد الذي لا يُحتَمَلُ من مثله .
المبحث الثاني: اضطراب الرواية، والجمع بين الرواة، وفيه مطلبان:
... المطلب الأول: الاضطراب في الرواية .
... المطلب الثاني: الجمع بين الرواة .
المبحث الثالث: القلب، والإدراج، والتصحيف، وفيه ثلاثة مطالب :
... المطلب الأول: قلب الأسانيد أوالمتون .
... المطلب الثاني: الإدراج، والزيادة في الأسانيد أوالمتون .
... المطلب الثالث: التصحيف والتحريف .
المبحث الرابع: رفع الموقوفات، ووصل المراسيل .
المبحث الخامس: قبول التلقين .
الفصل الرابع : أقسام سوء الحفظ. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: سوء الحفظ الملازم للراوي، وفيه ثلاثة مطالب :
... المطلب الأول: مفهوم الحديث الشاذ، وأقسامه .
... المطلب الثاني: العلاقة بين الشاذ، والمنكر .
... المطلب الثالث: علاقة سوء الحفظ بالنكارة، والشذوذ .
المبحث الثاني: الاختلاط، وفيه ثلاثة مطالب :
... المطلب الأول: تعريف الاختلاط، وفائدة معرفته، وما أُلّف فيه .
... المطلب الثاني: طرق معرفة اختلاط الراوي .
... المطلب الثالث: أصناف المختلطين .(1/7)
... المطلب الرابع: حكم رواية المختلط .
الفصل الخامس: القيمة العلمية لرواية سيء الحفظ، وقسمته إلى مبحثين:
المبحث الأول: تقوية حديث سيء الحفظ، وفيه ثلاثة مطالب:
... ... المطلب الأول: حديث سيء الحفظ قابل للاعتضاد .
... المطلب الثاني: شرط العاضد لحديث سيء الحفظ .
... المطلب الثالث: ارتقاء حديث سيء الحفظ إلى درجة الحسن لغيره .
المبحث الثاني: الأحوال التي تقبل فيها رواية سيء الحفظ، وفيه ثلاثة مطالب:
... ... المطلب الأول: رواية سيء الحفظ من كتابه .
... ... المطلب الثاني: رواية إمام حافظ حاذق عن سيء الحفظ .
... ... المطلب الثالث: رواية سيء الحفظ عمن عرف بضبطه لحديثه .
الفصل السادس: سيء الحفظ في ميزان الجرح والتعديل، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول: علم الجرح والتعديل عند المحدثين، وفيه ثلاثة مطالب:
... ... المطلب الأول: تعريف علم الجرح والتعديل، وبيان نشأته .
... ... المطلب الثاني: أدلة مشروعية الجرح والتعديل .
... ... المطلب الثالث: أهمية علم الجرح والتعديل .
المبحث الثاني: مراتب الجرح .
المبحث الثالث: الاعتبار برواية سيء الحفظ .
الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي تمّ التوصل إليها من خلال البحث، علماً بأنني قد ذكرتُ لكلّ فصل من فصول الرسالة خاتمة خاصة به، عدا عن الخاتمة العامة .
أهم المصادر والمراجع في كتابة هذا البحث :
1ـ كتاب المجروحين والمتروكين، لابن حبان .
2ـ علوم الحديث، لأبي عمرو ابن الصلاح .
3ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ المزي .
4ـ ميزان الاعتدال، للحافظ الذهبي .
5ـ شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي .
6ـ التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق على مقدمة ابن الصلاح، للحافظ العراقي.
7ـ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر .
8ـ تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني .
9ـ فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للحافظ السّخَاوي .
10ـ تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للإمام جلال الدين السيوطي.(1/8)
هذا هو المخطط العام للرسالة، وقد بذلت فيها جهدي على كثرة المشاغل والصوارف راجياً أن أكون قد أضفت لَبِنةً متواضعة، وقدّمتُ عملاً علمياً ـ على ما فيه من زلاّت وهنّات ـ يضاف إلى صرح السنة النبوية العامرة الزاخرة، وأن أكون قد وُفّقت إلى الحق والصواب إذ هو غاية القصد والرجاء .
وإن كانت الأخرى: فمن نفسي الضعيفة الأمارة بالسوء، وأستغفر الله، وأبرأ إليه من حولي وقوتي مستعيناً بحوله وقوته، وحسبي أني أدّيت ما قدرت عليه، وما أردتُّ إلا الخير، ولي في ذلك بأهل العلم أسوة .
وما أروع قول الحافظ عبد الرؤوف المناوي: « فإن عثرتَ منه علىهفوة أو هفوات، أو صَدَرْتَ فيه عن كَبْوةٍ أو كبوات، فما أنا بالمتحاشي عن الخلل، ولا بالمعصوم عن الزلل، ولا هو بأول قارورة كُسرَت، ولا شبهة مدفوعة زُبِرَت، ومن تفرّد في سلوك السبيل لا يأمن من أن يناله أمر وبيل، ومن توحّد بالذهاب في الشعاب والقفار فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار، وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك، ومدفوع إلى منهج مع خطر الخطأ مسلوك، ولا يسلم من الخطأ إلا من جُعِلَ التوفيقُ دليله في مفترقات السبل، وهم الأنبياء والرسل....»(1) .
اللهم أنت الموفق، وبك المستعان، عليك توكلت، وإليك أنبت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه الطالب
أحمد بكري الطاهر
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) _ فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي (1/2)، المكتبة التجارية، مصر
ط1 ـ 1356هـ .
الفصل التمهيدي
مفهوم الضبط عند المحدثين
تحدّثتُ فيه عن
ـ تعريف الضبط، ودليل اشتراطه، وسبب اعتباره
ـ أقسام الضبط، وطرق معرفة ضبط الرواة
ـ فروع اختلال الضبط
بما أن الحكم على الأحاديث بالصحة أو الحسن أو الضعف مبني على عدة(1/9)
أمورأهمها: عدالة الرواة، وضبطهم، أو الطعن في عدالتهم أو ضبطهم؛ تجرّد العلماء لتصنيف الكتب التي تُعنى ببيان العدالة والضبط منقولة عن الأئمة النقاد أصحاب الخبرة في التعديل والتجريح، وأُطلق على تلك الكتب عند المحدثين: كتب الجرح والتعديل(1) .
... وهذا العلم ـ أعني علم الجرح والتعديل ـ بما فيه، إنما يدور في فلك مفهومين اثنين كانا سبباً في ولادة هذا العلم؛ هما: العدالة والضبط .
والذي يعنينا في هذا البحث إنما هو المفهوم الثاني؛ لتعلق سوء الحفظ به، من جهة أن الوصف بسوء الحفظ جرح للراوي من ناحية حفظه وضبطه .
كما أن تفاوت الرواة في الضبط كان سبباً في تفاوت الحكم عليهم، وعلى مروياتهم؛ جرحاً وتعديلاً، قبولاً وردّاً .
لهذا كان لا بد من الكلام عن الضبط في مجال الرواية، وعما يتعلق به .
ـــــــــــــــــ
(1)- انظر: تيسير مصطلح الحديث، محمود الطحان، ط/2ـ1978م. (ص:149) .
تعريف الضبط، ودليل اشتراطه، وسبب اعتباره :
الضبط لغة: تدل كلمة الضبط في اللغة على عدة معان؛ فتأتي بمعنى: لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، فيقال: ضبط الشيء يضبطه من باب ضرب؛ أي لزمه لزوماً شديداً، لذا يقال: هو أضبط من الأعمى، وأضبط من نملة(1). والمعنى واضح الدلالة على شدة الملازمة، وعدم المفارقة .
وتأتي بمعنى آخر، فيقال: ضبط الشيء إذا حفظه بالحزم؛ أي حفظه حفظاً بليغاً ومنه قيل: ضبطت البلاد وغيرها، إذا قمت بأمرها قياماً ليس فيه نقص(2) .
ومن المجاز: هو ضابط للأمور، وفلان لا يضبط عمله: لا يقوم بما فُوِّض إليه، ولا يضبط قراءته: لا يحسنها(3). مما يدل على عدم الحفظ بالحزم والقوة .
وفي اصطلاح المحدثين: مَلَكَةٌ(4) تؤهل الراوي لأن يؤدي الحديث كما سمعه من غير زيادة ولا نقصان، وأول من بيّن الضبط خير بيان: الإمام الشافعي - رضي الله عنه - فقال: « أن يكون الراوي حافظاً إن حدث من حفظه، حافظاً لكتابه إن حدث منه......
ـــــــــــــــــ
((1/10)
1)- لسان العرب، محمد بن منظور المصري، دار صادر، بيروت، ط1.(7/340)، مادة ضبط. وانظر: أساس البلاغة، محمود بن عمر الزمخشري، ط/1979م، دار صادر، بيروت، ( ص:370 ) .
(2)– مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، تح: محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون ط/1995م، (1/403)، والمصباح المنير، أحمد بن علي الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت، (2/357). والقاموس المحيط للفيروزابادي، محمد بن يعقوب الشيرازي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3/1993م (ص:782).
(3) – أساس البلاغة: (ص:370) .
(4)- قلت: إن الضبط في أصله ملكة يهبها الله لمن يشاء من عباده، ولكن هذه الملكة لا تَنمى إلا بما يعين على تنميتها، من مدارسة للعلم، ومخالطة لأهله، ودوام مراجعة ومذاكرة للمتون والأسانيد.
يقول ابن رجب الحنبلي- طيب الله ثراه - :" ولا بدّ في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة فإذا عدم المُذاكَر به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين به، ........ فمن رُزِق مطالعة ذلك وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة صلَح له أن يتكلم فيه " .
انظر: شرح علل الترمذي، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تح: د.نور الدين عتر، دار الملاّح، ط1/1978م ، (2/469) .
عالماً بما يحيل معاني الحديث إن حدّث على المعنى(1)، إذا شَرِك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم »(2). وذكر ابن الأثير(3) في مقدمة الجامع: أن الضبط عبارة عن احتياط في باب العلم، وله طرفان: العلم عند السماع، والحفظ بعد العلم عند التكلم، فلو سمع ولم يعلم، أولم يفهم لم يكن ضابطاً، وكذا إذا شك في الحفظ بعد العلم أو السماع(4).
إذاً: فليس المقصود بالضبط والإتقان: سعة الحفظ وكثرة المحفوظات، وإنما المقصود به: التثبت، وأن لا يروي الراوي إلا ما حفظه، وأن يؤديه كما سمعه وأهل الضبط بهذا المعنى يتفاوتون .
ـــــــــــــــــ
((1/11)
1) – الرواية بالمعنى: هي أن يعمد الراوي إلى تأدية معاني الحديث بألفاظ من عنده . وقد اختلف العلماء في حكم رواية الحديث بالمعنى، والأكثر على أن ذلك جائز بشروط: أن يكون الراوي عالماً عارفاً بالألفاظ ومقاصدها، بصيراً بمقدار التفاوت بينها، عارفاً بالفقه واختلاف الأحكام، مميزاً لما يحيل المعنى وما لا يحيله، وأن يكون المعنى ظاهراً معلوماً، وأما إذا كان غامضاً محتملاً فإنه لا يجوز رواية الحديث على المعنى ويلزم إيراد اللفظ بعينه وسياقه على وجهه. وهذا الخلاف إنما كان قبل تدوين الحديث في المصنفات والكتب . انظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تح: د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، ط/1403هـ . (2/34) وعلوم الحديث، أبو عمرو عثمان الشهرزوري، تح: د.نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، إعادة ط3/1998م . (ص:213)، وتوجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر الجزائري الدمشقي، تح: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط1/1416هـ.(1/671)، والرواية بالمعنى في الحديث النبوي، وأثرها في الفقه الإسلامي، د.عبد المجيد بيرم، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة ط1/2004م. (ص:192)، والحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبه، د. محمد الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3/1977م. (ص:170) .
(2) ـ الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، تح: أحمد شاكر، القاهرة، ط/1939.(ص:370)، وانظر: شرح علل الترمذي (1/351)، وفتح المغيث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، دار الكتب العلمية لبنان، ط1/1403هـ. (1/289) .
(3)- المبارك بن محمد الجزري، مجد الدين، ابن الأثير، محدث كبير، ولغوي بارع، وأصولي، توفي سنة606هـ، له جامع الأصول، والنهاية في غريب الحديث، وغيرهما . سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، إشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1985م. (21/488) .
((1/12)
4)- جامع الأصول، ابن الأثير الجزري، تح: محمد حامد فقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط3/1983م . (1/35) .
دليل اشتراط الضبط
والأدلة على اشتراط صفة الضبط في الراوي كثيرة، منها: قول الله تعالى:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء :36]؛ أي:لا تقل رأيتُ ولم ترَ، وسمعتُ ولم تسمعْ وعلمتُ ولم تعلم(1). فالتحقق والضبط أولاً، ثم الأداء(2). وقوله تعالى في آية المداينة:{ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}.
[البقرة :282] ، فعلّة اعتبار العدد هنا: لأجل إن ضلّت إحداهما الشهادة؛ بأن نسيتها ذكّرتها الأخرى، وفي هذا إشعار بنقصان عقلهن، وقلة ضبطهن(2)، وإلا لم تكن شهادة امرأتين مقابل رجل واحد؛ لأن الرجل _ غالباً _ أقدر على ضبط الأمور وحفظها وتذكرها من المرأة . وقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر:(( نضَّر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه ))(3).
قلت: أي أدى الخبر كما سمعه، وهذا لا يتحقق إلا بكون الراوي واعياً ضابطاً لما يسمع حتى يؤدي ما تحمله بدقة وأمانة، « وكل دليل يوجب اشتراط العدالة يوجب اشتراط الضبط »(4). قلت: لأن العلة بينهما مشتركة، والنتيجة واحدة، وهي تحقيق الأداء السليم بعد التحمل .
ـــــــــــــ
(1)- جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، تح: الشيخ أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة ط1/2000م . (17/447) .
(2) ـ انظر: السنة المطهرة والتحديات، د.نور الدين عتر، دار المكتبي، ط1/1999م. (ص:18) .
(2)- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عبدالله بن عمر البيضاوي، دار صادر، بيروت. (1/270) .
((1/13)
3)- أخرجه الترمذي، محمد بن عيسى، في السنن، تح: أحمد شاكر، دار إحياء التراث، بيروت. كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، رقم (2657)، (5/34)، واللفظ له. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داوود، سليمان بن الأشعث السجستاني في سننه، تح: محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. كتاب العلم، باب فضل نشر العلم. رقم (3660)، (2/346)، وابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني في سننه، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر بيروت. باب من بلغ علماً. رقم (230)، (1/84) . والحديث متواتر ورد بألفاظ متعددة مما يدل على أنه قد روي بالمعنى،وما ذكرته أحد ألفاظه، وفي رواية أخرى عن الترمذي، وأبي داود: "فحفظه حتى يبلغه". والحفظ يشمل الحفظين معاً: حفظ الصدور والسطور .
(4)- أصول الجرح والتعديل، د.نور الدين عتر، دار الفرفور دمشق، ط/1420هـ .(ص:51) .
سبب اعتبار الضبط في الرواية
أما عن اشتراط الضبط إلى جانب العدالة، وعدم الاكتفاء بالعدالة وحدها لقبول رواية الراوي، أقول: من المصطلحات الدارجة، والكثيرة الاستعمال في علم مصطلح الحديث مصطلح الثقة؛ حيث نجد المحدثين يعبرون عن أحكامهم على بعض الرواة بأنهم ثقات، أو بأن فلاناً ثقة .
من أشهر معاني هذا المصطلح: أن الراوي الذي أطلق عليه المحدثون هذا الوصف؛ أي قالوا فيه: ثقة؛ يكون موصوفاً بوصفين: الوصف الأول: العدالة، والوصف الثاني: الضبط والإتقان(1)؛ لأن الرواية تحتاج إلى الأمرين معاً، فلا يقبل الخبر إلا ممن كان ديِّنَاً تقياً لا يتعمد الكذب ولا الإخبار بخلاف الواقع، مع التثبت في النقل للأخبار، فقد يكون غير متعمد للكذب، ولكنه ليس ممن يحفظ الحديث على وجهه فيخطئ عن غير قصد حال الأداء؛ لهذا اشترط المحدثون لقبول الحديث من الراوي أن يكون موصوفاً بهذين الوصفين .(1/14)
قال أبو الزناد(2): »أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله « (3) .
وقال مالك بن أنس:« لقد أدركت في هذا البلد ـ يعني المدينة المنورة ـ مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة يحدثون، ما سمعت من أحد منهم حديثاً قط ». قيل له: ولم يا أبا عبد الله ؟ قال: « لم يكونوا يعرفون ما يحدثون»(4).
ــــــــــــــــــــــ
(1)- قلت: ذكر ابن الصلاح- رحمه الله- أنه يشترط فيمن يحتج بحديثه: أن يكون عدلاً، ضابطاً لما يرويه. علوم الحديث(ص:104) .
(2)- عبدالله بن ذكوان القرشي، أبو عبد الرحمن المدني المعروف بأبي الزناد، ثقة فقيه، مات سنة ثلاثين ومائة، وقيل: بعدها.ع. تقريب التهذيب، أحمد بن حجر العسقلاني، تح: محمد فؤاد عبد الباقي دار الرشيد، سوريا، ط1/1986م، (ص:302) .
(3)- صحيح مسلم بشرح النووي، مسلم بن الحجاج القشيري، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت، بيان أن الإسناد من الدين: (1/12) .
(5)- الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، تح: أبو عبدالله السورقي، وإبراهيم حمدي المدني المكتبة العلمية، المدينة المنورة، (1/116) .
ولا يثبت الخبر إلا بضبط رواته له، والضبط غالباً عليه مدار التصحيح والتعليل، والجرح والتعديل؛ لأن صحة الحديث لا تحصل إلا بالعناية به من حين سماعه حتى أدائه، وهذا هو الضبط .
فالعدالة ليست هي العامل الوحيد لقبول الرواية، وإنما يجب أن تشفع بالحفظ والضبط والإتقان، وهذا أمر يختلف باختلاف المواهب والقدرات الشخصية للراوي.
أقسام الضبط :
قسم المحدثون النقاد ـ وهم أهل هذا الفن ومهرته ـ الضبط قسمين هما:
ضبط صدر، وضبط كتاب .
يقول الحافظ ابن حجر(1) مبيناً ذلك: « والضبط ضبط صدر(2) وهو أن يثبّت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب: وهو صيانته لديه منذ سمع فيه وصحّحه إلى أن يؤدي منه»(3) .(1/15)
فضبط الصدر: هو الحفظ؛ بأن يثبت الراوي ما سمعه في صدره، بحيث يبعد زواله عن القوة الحافظة، مع القدرة على استحضار المحفوظ إن حدث حفظاً. وشرطه: أن يكون الراوي حازم الفؤاد، يقظاً، غير مغفل لا يميز الصواب من الخطأ كالنائم، أو الساهي، إذ الموصوف بذلك لا يحصل الركون إليه، ولا تميل النفس إلى الاعتماد عليه(4) .
ـــــــــــــــ
(1)- أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المصري الشافعي، أبو الفضل، شهاب الدين أميرالمؤمنين في الحديث، درس ونبغ وبرع في التصنيف والتأليف، من أشهر كتبه: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، توفي سنة(852هـ) . انظر ترجمته في: الضوء اللامع في تراجم أهل القرن التاسع شمس الدين السخاوي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. (2/36ـ40)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديدة، بيروت. (3/270ـ273) .
(2)- يمكن أن نقول ضبط حفظ، أو ثبت حفظ. يقول يحيى بن معين:( هما ثبت حفظ، وثبت كتاب). الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. (2/38) .
(3)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، ابن حجر العسقلاني، تح: د. نور الدين عتر، دار الخير دمشق، ط2/1993م . (ص:55) .
(4)- انظر: فتح المغيث (1/289) .
وأكثر الرواة كانوا يعتمدون على هذا النوع في أداء الحديث، ولم يكونوا يكتبون، وقد صدرت منهم خوارق في ذلك قد يشك فيها من لم يجربها ولم يشاهد أصحابها، ورويت عنهم أخبار في قوة الحفظ يستغربها الإنسان في هذا العصر الذي انصرفت فيه النفوس عن الحفظ والاستحضار، واعتُمد فيه على الكتب والأسفار.
والحق أن تلك الروايات المتعلقة بالحفاظ وقدرتهم على الحفظ إنما هي وقائع وليست ضروباً من الظنون(1) .
ومن أعجب ما روي في ذلك: قصة الإمام البخاري عندما قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه.....والقصة مشهورة .(1/16)
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذه الحكاية: « قلت: هنا يخضع للبخاري! فما العجب من ردّه الخطأ إلى الصواب؛ فإنه كان حافظاً، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرّة واحدة »(2) .
وهذا الإمام الجِهبذ يحيى بن معين(3) يقول عن وكيع بن الجراح(4): « ما رأيت أحفظ من وكيع »(5) .
قلت: مَرَدُّ شيوع ظاهرة الحفظ وذيوعها إلى قوة الحافظة، وسيلان الأذهان واتّقاد الذواكر، وكثرة المذاكرة، ويضاف إلى ذلك: تقارب الإسناد(6) إذ يُؤمَن فيه من الخطأ، والوهم، والنسيان.
ــــــــــــــ
(1)- ضوابط الرواية عند المحدثين، بشير نصر، بحث ماجستير، منشورات كلية الدعوة الإسلامية الجماهيرية العظمى، ط1/1401هـ، (ص:124) .
(2)- هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، مراجعة: مصطفى الهواري، مكتبة القاهرة، ط:1978م ، (2/240) .
(3)- يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل، مات سنة(233هـ) في المدينة المنورة، وله بضع وسبعون سنة.ع. التقريب (ص:597) .
(4)- وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة، مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبعون سنة.ع. التقريب(ص:581) .
(5)- شرح علل الترمذي (1/201) .
(6)- قلت: لم يكن الإسناد طويلاً، ولم يكن قد مات الرواة، وإنما كان يمكن التأكد منهم بلا واسطة .
وأذكى هذه الحافظة ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام من أحاديث تنهى عن الكتابة(1)؛ كحديث: (( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه))(2).(1/17)
أما ضبط الكتاب: فهو صون كتابه عن تطرق الخلل والتزوير والتغيير إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدي منه(3)، مع مقابلته بأصل موثوق به كنسخة شيخه وأن لا يعِيره إلا لمن أمِنَ أنه لا يغير أو يبدل فيه شيئاً(4)، فإن لم يقابل كتابه، أو تهاون في المحافظة عليه، وروى من نسخ مستعارة أومُشتراة، فقد عرّض نفسه للطعن وعُدَّ في طبقات المجروحين(5) .
قلت: كان المحدثون مع سعة حفظهم، وشدة تحرّيهم وتثبتهم يكتبون، فالحفظ خوّان، والإنسان عُرْضَةٌ للخطأ والوهم، لا سيما مع بُعد عهد النبوة، وطول الأسانيد وتعددها، وكثرة متون الأحاديث وما يتبعها، كان لا بد أن يعمد المتأخرون إلى الكتابة؛ حفظاً للحديث، وصيانة للسنة أن يُدَسّ فيها ما هو دخيل عليها .
قيل ليحيى بن معين:أيهما أحب إليك ثبت حفظ أوثبت كتاب؟ قال: « ثبت كتاب»(6).
وقال علي بن المديني(7): « ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة» (8) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- دراسات في منهج النقد عند المحدثين، د.محمد علي العمري، دار النفائس الأردن، ط1/2000م (ص:314).
(2)- أخرجه مسلم في صحيحه من رواية أبي سعيد الخدري، كتاب الزهد والرقائق، باب: التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، رقم (3004)، (4/2298).
والنهي عن الكتابة؛ إنما كان لمن يوثق بحفظه، أو خشية الاختلاط بالقرآن .
(3)- فتح المغيث (1/289) .
(4)- انظر: علوم الحديث لابن الصلاح (ص:210) .
(5)- انظر: المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل، أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، تح: معتز الخطيب، دار الفيحاء، دمشق، ط1/2001م، (ص:109ـ110)، وعلوم الحديث(ص:209) .
(6)- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/38) .
((1/18)
7)- علي بن عبدالله بن جعفر بن نجيح السعدي، مولاهم، بصري ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين على الصحيح . خ ت س فق . التقريب (ص:403) .
(8)- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(2/12) .
قال الإمام أحمد: « حدثنا قوم من حفظهم، وقوم من كتبهم، فكان الذين حدّثونا من كتبهم أتقن » (1) .
قلت: من الحفاظ من كان يجمع بين ضبطي الصدر والكتاب، فإذا أتقن حفظ المكتوب، بيّض ما كتب؛ أي: محاه بعد أن جعله في خزانة صدره .
يقول الخطيب البغدادي(2): « وكان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه ويدرسه من كتابه، فإذا أتقنه محا الكتاب خوفاً من أن يتّكل القلب عليه، فيؤدي ذلك إلى نقصان الحفظ، وترك العناية بالمحفوظ »(3) .
والنوع الأول من الضبط يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان؛ لتعلقه بالمواهب والكفاءات الشخصية، والظروف والأحوال، أما النوع الثاني فلا يتصور فيه تفاوت ولا اختلاف، وشروط ضبط الكتاب(4) التي اشترطها المحدثون كافية في منع التفاوت، ومن هنا كان ضبط الكتاب أتقن كما أسلفنا عن الإمام أحمد .
ـــــــــــــــــــــ
(1)- تقييد العلم، الخطيب البغدادي، تح: يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية، ط2/1974م (ص:115) .
(2)- أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الحافظ الكبير، محدث الشام والعراق، صاحب التصانيف، رحل وبرع وصنف وجمع، وتقدم في عامة فنون الحديث. قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظاً وإتقاناً وضبطاً لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتفنناً في علله وأسانيده.....من مصنفاته: التاريخ، والجامع، والكفاية، مات سنة(463هـ).
انظر: تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (3/1135ـ1145)، وسير أعلام النبلاء (17/270) .
((1/19)
3)- تقييد العلم (ص:58). وقد ذكر الخطيب عدداً من الحفاظ الذين كانوا يفعلون ذلك:كمسروق، وابن شهاب الزهري، وخالد الحذّاء، وغيرهم .
(4)- انظر هذه الشروط في علوم الحديث في النوع الخامس والعشرين (كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده)، (ص: 181وما بعدها) .
يقول الشيخ علي القاري(1):« وأما ضبط الكتاب فالظاهر أن كله تام لا يتصور فيه نقصان، ولهذا لا يقسم الحديث باعتباره، وإن كان يختلف ضبط الكتاب باختلاف الكُتَّاب »(2).
معرفة ضبط الرواة
... ... استدعى صنيع المحدثين لمعرفة الراوي المحتج به، ثم المعتبر به، ثم الساقط وضع ميزان دقيق يبين أحوال الرواة تفصيلاً، وينقّر عنهم تنقيراً؛ للوصول إلى القول الفصل فيهم، ووضع الأوصاف الدقيقة لهم، وكان هذا الميزان هو المعارضة(3) لحديث الراوي.
قال ابن الصلاح(4): « يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أوموافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً، وإن وجدناه كثيرالمخالفة لهم، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه، والله أعلم»(5). ــــــــــــــــــــ
(1)- نور الدين علي بن السلطان محمد الهروي المعروف بالقاري المكي الحنفي، ولد بهراة، وقرأ العلم ببلاده، ثم رحل إلى مكة المكرمة، وأخذ بها من أبي الحسن البكري، وابن حجر الهيثمى وغيرهما، واشتهر ذكره، وطار صيته، وألف التآليف المفيدة. توفي سنة (1014هـ). انظر: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت، (1/445) وخلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، محمد المحبّي، دار صادر، بيروت، (3/185)، وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1992م،(2/1182) .
((1/20)
2)- شرح شرح النخبة، ملا علي القاري، تح: محمد نزار وهيثم تميم، دار الأرقم، بيروت (ص:249).
(3)- أي: جمع الروايات، ومقابلة بعضها ببعض؛ ليتميز صحيحها من سقيمها، وتتبين رواة ضعاف الأخبار من أضدادهم من الحفاظ . انظر: التمييز، مسلم بن الحجاج، تح: محمد مصطفى الأعظمي شركة الطباعة العربية، الرياض، ط2/1402هـ، (ص:209) .
(4)- تقي الدين، أبو عمرو، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري الشافعي، الإمام الحافظ المفتي، شيخ الإسلام، رحل وصنف وأفتى، له مشاركة في فنون عديدة، وتخرج به الأئمة. له: علوم الحديث وطبقات الشافعية، وغيرهما، توفي سنة(643هـ). انظر: تذكرة الحفاظ (4/1430). وطبقات الشافعية الكبرى، التاج السبكي، تح: د.محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، هجر، مصر، ط2/1992م (8/326) .
(5)- علوم الحديث(ص:106) .
ويُعدُّ الإمام الشافعي من أوائل من نصّ على اعتبار معارضة مرويات الراوي بروايات الثقات طريقاً لمعرفة الضبط، يقول: « إذا شرِك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم» (1) .
والموافقة المشترطة: هي الموافقة غالباً ولو من حيث المعنى لروايات المتقنين الضابطين، ولا تضر المخالفة النادرة، فإن كثرت فهي دليل على اختلال الضبط(2).
قلت: وهذا المنهج الدقيق هو الأكثر ممارسة في صنيع النقاد من الأولين والآخرين، وهو الوسيلة المثلى لمعرفة ضبط الراوي لحديثه، ومقدار الموافقة والمخالفة، وهي الطريقة الأكثر شهرة والأوسع انتشاراً.
أما الطريقة الثانية المتبعة في معرفة ضبط الرواة فهي: امتحان حفظ المحدث واختباره(3)؛ بأن تُلقى عليه أحاديث تُدخل ضمن رواياته ليُنظر: أيفطن لها أم يتلقنها؟ فإن تلقنها وحدث بها عرفوا غلطه ووهمه، وقد يكون حافظاً ضابطاً لا يقبل التلقين كما فعل يحيى بن معين في امتحانه للفضل بن دُكين.
ـــــــــــــــــ
(1) الرسالة (ص:370) .
((1/21)
2)- تدريب الراوي، الحافظ السيوطي، تح: عرفان العشا، دار الفكر، بيروت، ط/1414هـ (ص:200) .
(3)- فتح المغيث(1/273) .
قال أحمد بن منصور الرمادي(1) : « خرجت مع أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق الصنعاني(2) خادماً لهما، فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى لأحمد بن حنبل: أريد أن أختبر أبا نعيم(3) ، فقال له أحمد بن حنبل: لا تزيد الرجل إلا ثقة. فقال يحيى: لا بُدّ لي . فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثاً من حديث أبي نعيم، وجعل على...
ــــــــــــــــــــ
(1)- أحمد بن منصور بن سيار البغدادي الرمادي أبو بكر ثقة حافظ، طعن فيه أبو داود لمذهبه في الوقف في القرآن، من الحادية عشرة مات سنة(65) وله ثلاث وثمانون. ق. التقريب(ص:85).
(2)- عبد الرزاق بن همام، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره فتغير وكان يتشيع، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، وله خمس وثمانون .ع. التقريب (ص:354) .
((1/22)
3)- الفضل بن دُكين الكوفي، واسم دُكين: عمرو بن حماد بن زهير التيمي، أبو نعيم الملائي بضم الميم، مشهور بكنيته، مولاهم الأحول، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل تسع عشرة وكان مولده سنة ثلاثين، وهو من كبار شيوخ البخاري. ع. التقريب (ص:446) . رأس كل عشرة منها حديثاً ليس من حديثه، ثم جاءا إلى أبي نعيم فدقّا عليه الباب فخرج، فجلس على باب دكان، وأخذ أحمد بن حنبل فأجلسه عن يمينه، وأخذ يحيى بن معين فأجلسه عن يساره، ثم جلستُ أسفل الدكان، فأخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة أحاديث، وأبو نعيم ساكت، ثم قرأ الحادي عشر، فقال له أبو نعيم: هذا ليس من حديثي فاضرب عليه، ثم قرأ العشر الثانية، وأبو نعيم ساكت، فقرأ الحديث الثاني، فقال أبو نعيم: ليس من حديثي فاضرب عليه، ثم قرأ العشر الثالثة، وقرأ الحديث الثالث، فتغير أبو نعيم، وانقلبت عيناه، ثم أقبل على يحيى ـ وذراع أحمد في يده ـ فقال: أما هذا فأورع من أن يعمل مثل هذا، وأما هذا يريدني ـ الرمادي ـ فأقلّ من أن يفعل مثل هذا، ولكن هذا من فعلك يا فاعل، ثم أخرج رجله فرفس يحيى فرمى به من الدكان، وقام فدخل داره، فقال أحمد ليحيى: ألم أمنعك من الرجل وأقل لك: إنه ثبت، قال: والله لَرَفْسَتُهُ لي أحبّ إلي من سفري» (1) .
وقد يكون اختبار حفظ الراوي بقلب الأسانيد عليه؛ وذلك بتركيبها على غير متونها، فإن وافق على القلب فغير حافظ، وإن خالف فضابط، نحو امتحان المحدثين ببغداد لإمام الفن وشيخ الصنعة: الإمام البخاري(2).
عمد محدثو بغداد إلى مائة حديث فقلبوا أسانيدها ومتونها، وانتخبوا عشرة من الرجال، ودفعوا لكل واحد منهم عشرة، فلما حضروا المجلس ألقى كل واحد من الرجال العشرة ما عنده من الأحاديث المقلوبة، فلما انتهوا منها جميعاً قام فردّ كل متن إلى إسناده، وكلّ إسناد إلى متنه، فأقرّ الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل(3).
ـــــــــــــــ
((1/23)
1)- تاريخ بغداد، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، (12/353) .
(2)- انظر: فتح المغيث (1/273) .
(3)- انظر: تاريخ بغداد(2/20) ، وهدي الساري مقدمة فتح الباري (2/240) .
واختُلِفَ في أنه: هل يجوز امتحان حفظ الشيخ بقلب حديثه عليه، أم لا؟ أجيب: بأنه لا يجوز؛ لأنه قد يستمر على روايته له على تلك الحالة؛ لظنه ذلك صواباً لا سيّما إن كان يعتقد أن من قَلَبَه عليه من أهل المعرفة، ولأنه كذب، وليس هذا من المَواطِن التي يباح فيها الكذب(1) .
قال الحافظ ابن حجر: « وشرطه: أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة(2)، ومصلحته أكثر من مفسدته » (3) .
قلت: مفهوم كلام الحافظ جواز ذلك ما لم يكن هناك استمرار على قلبه، أما إن استمر على ذلك فلا يجوز؛ لأنه جُوّزَ لحاجة ومصلحة، وهي: التأكد من حفظ الراوي فينتهي بانتهائها .
كما يمكن معرفة ضبط الراوي من خلال مقارنة حفظه بكتابه، أو مطالبة المحدث الذي يشك في حديثه بأصوله، وغير ذلك من أنواع امتحان الراوي(4) .
ــــــــــــــــــ
(1)- العالي الرتبة في شرح نظم النخبة، تقي الدين أحمد الشُمُنِي، تح: معتزالخطيب، مؤسسة الرسالة ناشرون، ط1/2004م ، (ص:217) .
(2)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر(ص:93). وممن فعل ذلك شعبة، وحماد بن سلمة وأهل الحديث. انظر: تدريب الراوي (ص:193) .
قلت: كما فعله غير مرة ـ إمام الجرح والتعديل ـ يحيى بن معين في اختباره لحفظ الرواة .
(3)- النكت على ابن الصلاح، ابن حجرالعسقلاني، دار الكتب العلمية، ط1/1994م،(ص:372).
(4) _ جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف، د.محمد طاهر الجوابي، ط: مؤسسة عبد الكريم بن عبدالله، تونس. (ص:183) .
فروع اختلال الضبط(1/24)
إن مظاهر اختلال الضبط كثيرة، بيَّنها المحدثون النقاد، وأطلقوا على أساسها الأوصاف على الرواة؛ لأنه من الطبيعي أن يتفاوت الرواة في الحفظ والضبط، إذ الضبط أمر نسبي؛ بمعنى أن بعضهم إذا بلغ أعلى درجات الضبط والإتقان، فإن غيره ليس كذلك، فقد يخف ضبطه عنه درجة أو درجات، وقد يضبط في بعض الأحوال دون بعض، ومن الرواة من انعدم ضبطه بالكلية .
وقد عقد الخطيب البغدادي باباً مستقلاً لكل مسألة تُخِلّ بالضبط، مع ذكر التعليقات الفريدة، والنقول السديدة عن مهرة هذا الفن وروّاده .
وتجنباً للتكرار، اكتفيت بذكرها تعداداً فقط؛ لأنني سوف أقوم بشرحها تفصيلاً في الفصول القادمة من الرسالة في مواضعها .
وأهم مظاهر اختلال الضبط
1ـ الاختلاط والتّغيّر(1) على تفصيل في ذلك؛ بين من سمع من الراوي قبل الاختلاط، أو بعده، أو أشكل أمره: هل أخذ عنه قبل الاختلاط أم بعده؟ .
2ـ غلبة الشواذ على رواية الراوي، ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث. قال شعبة : «لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ» (2) .
وعند ابن الصلاح(3)، وغيره ممن تابعه(4) : « من كثرت الشواذ والمناكير».
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين عتر: « وهو أولى من قول الخطيب في الكفاية: بمن غلب على حديثه » .
ونصّ المحدثون على أن علة الضعف هنا؛ أنه يخرم الثقة بالراوي، وبضبطه(5) .
ــــــــــــــــــــــ
(1)- انظر: الكفاية في علم الرواية (1/135) .
(2)- انظر: المرجع السابق (1/140ـ141) .
(3)- علوم الحديث (ص:119) .
(4)- المقنع في علوم الحديث، عمر بن علي البقاعي، تح: عبدالله بن يوسف الجديع، دار فواز للنشر، السعودية، ط1/1413هـ ، (ص:280)، والمنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي محمد بن إبراهيم بن جماعة، تح: محيي الدين رمضان، دار الفكر، دمشق، ط2/1406هـ .(ص:66).
(5)- علوم الحديث (ص:119) .(1/25)
3ـ كثرة الغلط وغلبة الوهم على رواية الراوي(1)، وهنا يجب التمييز بين من كثر غلطه ووهمه ولم يغلب على رواياته، وبين من كان الوهم والغلط غالباً عليه(2).
4ـ غفلة الراوي(3)، ويُلحق به من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع، وكمن لا يحدث من أصل مقابل صحيح(4) .
5ـ قبول التلقين، مع التمييز بين من كان التلقين حادثاً في حفظه، وبين من عُرِف به قديماً في رواياته(5) .
6ـ من لم يكن من أهل الضبط والدراية، وإن عرف بالصلاح والعبادة(6)، وقد حذّر المحدثون النقاد من رواية هؤلاء الضعفاء، وإن كانوا أهل زهد وعبادة، فهذا العلم دين ولا يؤخذ إلا عن أهله .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: الكفاية (ص:143 ـ 144) .
(2) ـ انظر: أصول الجرح والتعديل (ص:117) .
(3) ـ انظر: الكفاية (ص:148) .
(4) ـ علوم الحديث (ص:119) .
(5) ـ انظر: الكفاية (ص:149) .
(6) ـ انظر: المرجع السابق (ص:158) .
يقول الإمام مالك: « إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين عند هذه الأساطين، وأشار إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أخذت عنهم شيئاً، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أميناً إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدُم علينا محمد ابن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب(1) وهو شاب فنزدحم على بابه »(2) .
وهكذا قام المحدثون النقاد بتتبع أحوال الرواة بكل موضوعية وإنصاف، وميزوا بين الضابط منهم، وبين من اختل ضبطه، لسبب أو لآخر؛ صوناً لهذا الدين، وحفظاً لسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم(3) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ محمد بن مسلم بن شهاب القرشي الزهري، أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125هـ)، وقيل قبل ذلك.ع.التقريب(ص:506) .
((1/26)
2) ـ ذكر قول الإمام مالك، الخطيب في الكفاية (ص:159) .
(3) ـ هناك بحث بعنوان: الضبط عند المحدثين وأثره في الراوي والمروي، للدكتور: زياد عواد أبو حماد. والبحث منشور في مجلة جامعة دمشق ـ المجلد الثامن عشر ـ العدد الثاني ـ 2002م ـ من الصفحة (341 ـ 365) .
خاتمة الفصل
بعد الانتهاء من دراسة هذا الفصل تمّ التوصل إلى النتائج الآتية:
1 ـ إن الضبط شرط أساسي لقبول رواية الراوي؛ لأن العدالة وحدها لا تكفي إن لم تُشفَع بالضبط، وهو غالباً سبب في تباين مراتب الرواة في مراتب الجرح والتعديل وعلى حسب توفر الكفاءة العلمية، والقدرة الذهنية أطلق المحدثون النقاد الأوصاف على الرواة، والتي تصف الراوي بما يستحقه .
2ـ من الرواة من كان يعتمد على الحفظ في الذاكرة مع الوعي والتيقظ، ومنهم من كان يكتب ويحافظ على كتابه ولا يخرجه من يده، وكانت أوهامهم أقل من أهل القسم الأول إلا من أهمل أو قصّر، والشروط الموضوعة لكل منهما تظهر دقة منهج المحدثين، وما أحرزوه من سبق في مجال التوثيق والتحقيق .
3ـ إن الحكم على الرواة يتطلب دقة وموضوعية، وجهداً كبيراً في تتبع المرويات ومقارنتها بروايات الثقات لمعرفة مقدار الموافقة والمخالفة، واختبار حفظ الرواة بقلب الأسانيد والمتون عليهم، وقد تحمل المحدثون عناء هذا، فجاءت أحكامهم في منتهى الدقة والأمانة والنزاهة .
4ـ ذِكْرُ المحدثين للأحوال التي تُرَد فيها روايةُ الراوي: من اختلاط، وغلط ووهم، وغفلة، وغيرها دليلٌ على عبقريتهم، ومدى اهتمامهم بمسألة الضبط، ورصد كل التغيرات التي تطرأ عليها بدقة ومنهجية، وهذا ردّ على كل من يدّعي أن الضبط شرط لا يمكن تحقيقه؛ لعدم وجود معيار يضبطه .
ا.هـ
الفصل الأول
سوء الحفظ، وأهم المصطلحات المتصلة به
فيه مبحثان
المبحث الأول: مفهوم سوء الحفظ، وأثره في ضبط الراوي
المبحث الثاني: دراسة أهم المصطلحات المتصلة بسوء الحفظ
المبحث الأول(1/27)
مفهوم سوء الحفظ، وأثره في ضبط الراوي
فيه مطلبان
المطلب الأول: تعريف سوء الحفظ، وتحرير التعريف
المطلب الثاني: أثر سوء الحفظ في ضبط الراوي
مفهوم سوء الحفظ، وأثره في ضبط الراوي
المطلب الأول: تعريف سوء الحفظ، وتحرير التعريف
... سوء الحفظ لغة: قال ابن سيده(1): (الحِفْظ : نقيض النِّسيان)، وهو التَّعاهدُ وقلّة الغَفْلة(2)، والحَفيظ: المُوَكَّل بالشيء يحفَظُه، والتَحَفُّظ: قِلّة الغَفْلة حَذَراً من السَّقْطة في الكلام والأمور(3). وحَفِظَ الشيء بالكسر حفظاً: حرسه، وحفظه أيضاً: استظهره، وتَحَفَّظَ الكتاب: استظهره شيئا بعد شيء(4)، ورجلٌ حافظ، وقومٌ حُفاظ وهم الذين رزقوا حفظ ما سمعوا، وقلّما ينسون شيئاً يَعُونَه(5).
ويطلق الحفظ على ضبط الصور المدرَكة أو هو تأكد المعقول واستحكامه في العقل ويقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه التفهم، وتارة لضبط الشيء في النفس ويضاده النسيان، وتارة لاستعمال تلك القوة فيقال حفظت كذا حفظاً، ثم استعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية(6) .
قلت: والمراد به هنا: ما يقابل النسيان وهو ضبط الشيء في النفس. وسوء الحفظ: قلّته ورداءته.
ـــــــــــــــــــ
(1)- علي بن إسماعيل، أبو الحسن المرسي اللغوي، المعروف بابن سيده، إمام في اللغة وآدابها. ولد بمرسية (في شرق الأندلس) وانتقل إلى دانية فتوفي بها، وكان ضريراً، وكذلك أبوه، له المحكم في اللغة، والمخصص وغيرهما، مات سنة(458هـ) .
الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، ط5/1980م. (4/263ـ 264) .
(2)- لسان العرب ( 7/440) . مادة: حفظ
(3)- كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، (3/198)، ومعجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا ط/1970م، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. (2/87) .
(4)- مختار الصحاح (1/167) .
(5)- لسان العرب (7/440) .
((1/28)
6) ـ التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، ت: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر, دار الفكر، بيروت, دمشق، ط1/1410هـ . (ص:185) .
وأما في اصطلاح المحدثين: ذكر تعريفه الحافظ ابن حجر فقال: والمراد به:
« من لم يَرْجُحْ جانب إصابته على جانب خطئه » (1) .
وفُهم مِنْ: (مَنْ لم يرجح)؛ إما بأن يرجح جانب خطئه، أو استويا(2). فالمعوّل عليه كما يقول الشيخ عبد الحق الدِِهْلَوي(4): « صوابه وإتقانه وكثرتهما »(5) .
قلت: وهذا التعريف مشكل إذا ما قورن بالتعريف الآخر الذي عرف به ابن حجر سوء الحفظ، وهو: « عبارة عمن يكون غلطه أقلّ من إصابته » (6) .
فهذا التعريف لا يتفق من حيث المعنى مع التعريف الأول؛ لأنه يستحيل أن لا يخطىء الإنسان مهما كان حافظاً، فهل يقال: إذا صدر منه خطأ أو أخطاء يسيرة بجانب سعة حفظه: إنه سيء الحفظ ؟ هذا ما لم يقله أحد من المحدّثين النقّاد .
وقد أجاب الشيخ علي القاري ـ رحمه الله ـ: بأن هذا الخطأ من اختلاف النسخ والنسخة الصحيحة المعتمدة فيها زيادة (لا) في التعريف الثاني، فصار التعريف: عبارة عن أن لا يكون غلطه أقل من إصابته، هكذا بالنفي، وهو المطابق للتعريف الأول من حيث......
ــــــــــــــــ
(1)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر(ص:101) .
(2)- شرح شرح النخبة لعلي القاري ( ص:533) .
(3)- المرجع السابق (ص:534) .
(4)- الإمام المحدث المشهور عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدِهلوي، ولد سنة (958هـ)، رحل إلى الحجاز وأخذ العلم ونقله إلى الهند، واتخذ دار الملك دلهي مركزاً له. نشر العلوم وترجم كتاب المشكاة بالفارسي، وكتب شرحاً على سفر السعادات، وبلغت تصانيفه مائة . توفي سنة(1050هـ) .(1/29)
انظر: أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، صديق بن حسن القنوجي، تح: عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1978م، (3/228)، ونظرات في الحديث، أبو الحسن علي الحسني الندوي، دار ابن كثير، دمشق، ط1/1999م، (ص:184) .
(5)-مقدمة في أصول الحديث، عبد الحق الدهلوي، تعليق: سلمان الحسيني الندوي، دار ابن كثير دمشق، ط1/2005م. (ص:79) .
(6)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص:86) .
المعنى، ويدل على أنه إذا كان غلطه أقلّ من إصابته، أو قليلاً بالنسبة إليها فهو مقبول(1).
قلت: وممن رجّح النسخة التي فيها زيادة(لا) أيضاً: الشيخ برهان الدين البقاعي(2) ليحصل التوافق بين التعريفين، بينما رجح الكمال بن أبي شريف(3) ما في نسخة أخرى؛ فيها: عبارة عمن يستوي غلطه وإصابته(4)، ثم قال: « وهو المعتمد...
ــــــــــــــ
(1)- انظر: شرح شرح النخبة (ص:534) .
(2)- إبراهيم بن عمر بن علي بن أبي بكر البقاعي الشافعي، برهان الدين أبو الحسن، العلامة المحدث الحافظ. ولد سنة (809هـ) تقريباً . ومهر وبرع في الفنون، وأخذ الحديث عن ابن حجر، ورحل وسمع من خلق كثير ذكرهم في معجمه، وله تصانيف كثيرة؛ منها: كتاب النكت على شرح ألفية العراقي، وعنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران، وغير ذلك. مات سنة(885هـ) في دمشق .
انظر: شذرات الذهب لابن العماد (7/339ـ340) .
(3)- كمال الدين محمد بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي، ولد سنة(822هـ) بالقدس، ونشأ وتعلم وحفظ وسمع، ورحل إلى القاهرة، وأخذ عن ابن حجر، وكتب له إجازة وصفه فيها: بالفاضل البارع الأوحد، كما سمع بالمدينة ومكة أثناء الحج، وتولى في بيت المقدس عدة مدارس، وانتفع به أهلها، من مصنفاته: الفرائد في حل شرح العقائد، والمسامرة بشرح المسايرة، وغيرهما. توفي سنة (906هـ) . شذرات الذهب (8/29ـ30) .
((1/30)
4)- اليواقيت والدرر في شرح شرح نخبة الفكر، محمد عبد الرؤوف المناوي، تح: د.المرتضى الزين أحمد، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1999م، (2/34ـ35) .
الموافق لقوله ـ أي لقول الحافظ ابن حجرـ فيما بعد في تفصيل أسباب الطعن، ثم سوء الحفظ، والمراد به من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه »(1)، وكذلك الشيخ قاسم بن قُطْلوبُغا(2) يرى بأن التعريف الثاني ينافي الأول، قال: « وقد أصلحته بلفظ: نحواً.........
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ حاشية الكمال بن أبى شريف على نزهة النظر،كمال الدين محمد بن محمد بن أبى شريف، رقم النسخة: 317525، عدد الأوراق: 19ورقة، مصدر المخطوط: موقع مخطوطات الأزهر الشريف مصر. ( الورقة: 12) .
(2) ـ العلامة الفقيه المحدث قاسم بن قطلوبغا بن عبدالله الجمال المصري، المولود سنة(802هـ) في القاهرة، نشأ وحفظ القرآن، وسمع الحديث على ابن حجر وابن الجزري وغيرهما، ورحل إلى الشام وسمع من علمائها، وذاع صيته، وصنف التصانيف المفيدة؛ كتخريج أحاديث الاختيار، وأحاديث البزدوي في الأصول وغيرهما كثير، وبالجملة فهو من حسنات دهره، توفي في ربيع الآخر سنة(879هـ) .
انظر: الضوء اللامع( 6/184ـ190)، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2/45).
من إصابته، والله أعلم، وقال المصنف ـ الشيخ ملا علي القاري ـ: وفُهم مما لم يرجح؛ إما بأن يرجح جانب خطئه أو استويا. قلت: وهذا يؤيد أن قوله ـ أي الحافظ ابن حجرـ فيما تقدم في حدّ سوء الحفظ: "وهو عبارة عمن يكون خطؤه كإصابته" من النسخ الصحيحة بخلاف "أقل من إصابته" فإنها مخالفة لما هنا، وليست بصحيحة من جهة المعنى؛ لأن الإنسان ليس بمعصوم من الخطأ، فلا يقال فيمن وقع له الخطأ مرة أو مرتين أنه سيئ الحفظ وإن كان يصدق عليه أن خطأه أقلّ من إصابته؛ لأنه لم يصدق عليه أنه لم ترجح إصابته »(1) .
أما عن سبب إعادة ابن حجر لتعريف سوء الحفظ ـ مرة أخرى ـ فإنما هو لطول الفصل(2) .(1/31)
قلت: عرّفه عند تعداد أسباب الطعن في الراوي من جهة العدالة والضبط وتحدث عنها بتوسع، حتى وصل إلى سوء الحفظ، فأعاد تعريفه، ثم أخذ في الحديث عنه، وهذا من نباهته وفطنته ـ رحمه الله ـ ربطاً للاّحق بالسّابق.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ـ القول المبتكر على شرح نخبة الفكر، قاسم بن قُطلوبغا، نسخة مكتبة سليمانية، قسم حاجي بشير آغا، (رقم: 81 )، (ص:17 ـ 18) .
(2)- شرح شرح نخبة الفكر (ص:533) .
المطلب الثاني: أثر سوء الحفظ في ضبط الراوي
بعد أن فرغ الحافظ ابن حجر من الحديث عن أنواع الحديث المقبول، انتقل إلى بيان الحديث المردود، ولخص أسباب الرد في أمرين اثنين، فقال: « وموجب الرّدّ إما أن يكون لسقط من إسناد، أو طعن في راو على اختلاف وجوه الطعن، أعم من أن يكون لأمر يرجع إلى ديانة الراوي أو إلى ضبطه»(1) .
فموجب الرد، وهو بعينه موجب الضعف؛ إما سقوط راوٍ من الرواة من سند الحديث، أو وجود أمر في الراوي يوجب طعناً فيه(2) .
والأمور التي يوجب كل واحد منها الطعن في الراوي ـ إن في العدالة أو الضبط ـ ذكرها الحافظ ابن حجر(3)، وبعضها أشدّ في القدح من بعض، وهي: الكذب ـ كذب الراوي في الحديث النبوي ـ، والتهمة به، وفحش الغلط، والغفلة والوهم، والمخالفة، والفسق، والجهالة، والبدعة، وسوء الحفظ(4) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص:77) .
(2)- توجيه النظر إلى أصول الأثر (2/554) .
(3)- والطعن معناه: جرح الراوي بما يخل بعدالته، أو بضبطه. يقول أستاذنا د.عماد الدين الرشيد: «يشكل الطعن في الراوي العمود الفقري لعلم الجرح والتعديل؛ لأن معرفة المقبول من الرواة متوقفة على معرفة الطعن وأسبابه». نظرية نقد الرجال، د.عماد الدين الرشيد، دار الشهاب، أطروحة دكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية، ط/1999م . (ص:74) .
(4)- نزهة النظر (ص:84ـ86) .(1/32)
قلت: سوء الحفظ واحد من جملة الأمور التي توجب الطعن في الراوي من جهة ضبطه فقط، مع أنه قد يكون عدلاً ديّناً في نفسه؛ لأن سوء الحفظ لا ينافي العدالة .
وقد أمرنا الله بقبول نذارة من تفقه فيما سمع، ومن ساء حفظه لم يتفقه، إذ التفقه إنما هو الفهم والتدبر فيما حمله من الأمر الشرعي، وضبطه، والتيقّن منه(1) .
وقد ذكره الحافظ ابن حجر في آخر أسباب الطعن؛ لأنه أخفها، فقال: ثم سوء الحفظ وهو السبب العاشر من أسباب الطعن(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- انظر: النبذة الكافية في أصول الدين، علي بن حزم الظاهري، ت: محمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1405هـ. (ص:33) .
(2) ـ نزهة النظر (ص:101) .
فمن وُصِف من الرواة بسوء الحفظ أو رداءته، فحديثه مردود؛ لأنه فاقد لأحد شروط الحديث المقبول التي نصّ عليها المحدثون(1) .
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين عتر: « وهنا يتضح لنا احتياط المحدثين في شروطهم لقبول الحديث، حيث جعلوا مجرد فقد الدليل كافياً لرد الحديث والحكم عليه بالضعف، وفقد الدليل ليس دليلاً محتماً على الخطأ أو الكذب في رواية الحديث، مثل ضعف الحديث بسبب سوء حفظ الراوي، وغلطه مع صدقه وأمانته، بل يحتمل أن يكون قد أصاب، لكن لما طرأ هذا التخوف القوي من وقوع الخطأ فيه حكمنا عليه بالرد »(2) .
قلت: وليس معنى ردّ حديث سيئ الحفظ عدم قبوله مطلقاً، أخطأ فيه أم لم يخطئ، وإنما هو في الحقيقة نوع من التوقف المؤقت عن العمل به، خشية أن يكون الراوي سيئ الحفظ قد أخطأ فيه. والطعن بسوء الحفظ طال عدداً كبيراً من الرواة وشغل مساحة واسعة في مجال النقد الحديثي حيث يوصف الراوي بكونه: سيئ الحفظ، أو ساء حفظه، أو رديء الحفظ(3) .
ـــــــــــــــــــ
(1)- وصفات القبول الستة هي: اتصال السند، والعدالة، والضبط، ونفي الشذوذ، ونفي العلة القادحة والعاضد عند الاحتياج إليه. فتح المغيث (1/98) .
((1/33)
2)- منهج النقد في علوم الحديث، د.نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، ط3/1997م. (ص:286ـ287).
(3)- من الرواة الذين وصفوا بسوء الحفظ: إسماعيل بن خليفة العبسي أبو إسرائيل الملائي الكوفي. قال النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم: حسن الحديث، جيد اللقاء، وله أغاليط، لا يحتج بحديثه، ويكتب حديثه وهو سيئ الحفظ. وقال عبدالله بن المبارك: لقد منّ الله على المسلمين بسوء حفظ أبي إسرائيل. مات سنة(169هـ). ت.ق . تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف بن عبد الرحمن المزي، تح: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1980م. (3/80 ـ 81) .
ومنهم: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، مولى جهينة. قال ابن معين: صالح ليس به بأس، وقال أبو زرعة: سيىء الحفظ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطىء. من الثامنة، مات سنة(187هـ).ع. الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1/1952م. (5/395)، والتقريب (ص:358) .
سيأتي المزيد من الأمثلة التطبيقية التوضيحية فيما بعد في فصول الرسالة .
المبحث الثاني
دراسة أهم المصطلحات المتصلة بسوء الحفظ
فيه المطالب الآتية
المطلب الأول: الوهم، والغلط
المطلب الثاني: الغفلة، والتساهل في سماع الحديث وإسماعه
المطلب الثالث: مخالفة الثقات
دراسة أهم المصطلحات المتصلة بسوء الحفظ
ذكرنا في المبحث السابق أسباب الطعن في الراوي، دون التعرض للتعريف بها، إلا ما كان من تعريف بسوء الحفظ، ولم يميز الحافظ ابن حجرـ رحمه الله ـ بين أسباب الطعن المتعلقة بالعدالة، والمتعلقة بالضبط، بل جعلها تتداخل؛ لمصلحة وفائدة علمية دعت إلى ذلك. يقول الحافظ ابن حجر: « ترتيبها على الأشدّ فالأشدّ في موجب الرد على سبيل التدلّي »(1) .
ومعنى هذا الكلام : « التنزّل من الأعلى في الشدة إلى الأدنى، دون الترقي من الأدنى إلى الأعلى»(2) . لذلك جعل الكذب أول أسباب الطعن، وسوء الحفظ آخرها.(1/34)
وما سنقوم بدراسته هنا: القوادح المتعلقة بضبط الراوي، تبعاً لما ذكره ابن حجر وهي أربعة عدا سوء الحفظ الذي سبق الكلام عنه؛ لصلتها الوثيقة بسوء الحفظ إضافة إلى تساهل الراوي في السماع والإسماع(3) .
ــــــــــــــــ
(1)- نزهة النظر (ص:84) .
(2)- إمعان النظر شرح شرح نخبة الفكر، محمد أكرم بن عبد الرحمن السندي النصربوري، طباعة حيدري بريس، حيدر آباد، ط/1970م، (ص:115) .
وكفى لهذا الكتاب مدحاً، قول الشيخ عبد الحي اللكنوي عنه:((أحسن شروح شرح النخبة)) . ذكره الشيخ عبد الفتاح أبو غدة تعليقاً في كتاب اللكنوي:الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، دار البشائر الإسلامية، بيروت،ط8/2004م، (ص:97) .
(3) ـ كما أن قبول الراوي للتلقين من جملة المصطلحات ذات الصلة بسوء الحفظ؛ لأن الراوي إذا كان سيء الحفظ، فإنه يتلقن ما يُلقى عليه من غير تمييز، وقبول التلقين، وتساهل الراوي في السماع والإسماع ذكرهما الشيخ ابن الصلاح . انظر: علوم الحديث(ص:119) .
قلت: ومن الجدير بالذكر أن هذا التقسيم الذي سار عليه الحافظ ابن حجر إنما هو منهج خاص به،وإلا فقد زاد غيره عليه من المحدثين مصطلحات أخرى، وخالفه في التقسيم والترتيب، فقد زاد الحافظ السخاوي(1) رحمه الله تعالى مصطلح الاختلاط،ـ وإن كان الحافظ ابن حجر قد ذكره ضمناً في سوء الحفظ؛ لأنه سوء حفظ عارض للراوي أو طارىء عليه ـ فقال: « وفقدُ الضبط يشمل كثرة الغلط والغفلة، والوهم، وسوء الحفظ، والاختلاط، والمخالفة »(2).
ــــــــــــــــــ
(1)- شمس الدين السخاوي محمد بن عبد الرحمن القاهري الشافعي، ولد سنة(831)هـ، بالقاهرة، بلغ عدد شيوخه ألفاً ومائتي شيخ، من أوسع أهل عصره رواية وسماعاً، لازم ابن حجر، وارتحل إلى بلدان كثيرة، وحج وجاور وانتُفع به، وأكثر من التأليف والتصنيف، من أشهر كتبه: فتح المغيث، والمقاصد الحسنة، وغيرهما. توفي سنة(902هـ) .(1/35)
انظر: الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، نجم الدين الغزي، تح: جبرائيل سليمان جبور ط2/1979م، دار الآفاق الجديدة، بيروت . (1/53)، والبدر الطالع(2/184).
(2)- فتح المغيث (1/98) .
المطلب الأول: الوهم والغلط
أولاً: الوهم
تعريف الوهم لغةً: يقال : وهِم ـ بكسر الهاء ـ غلِط، وفي الشيءِ كَوَعَدَ: ذَهَبَ وَهْمُه إليه، وقد توهّم الشيء تخيّله، وتمثّله، سواء كان في الوجود أو لم يكن والوهْم من خطرات القلب، أو مرجوح طرفي المترَدَّدِ فيه، والجمع أوهام، ووَهَمَ في الصلاة وَهْماً، ووهِِمَ كلاهما سَهَا، ووَهِمْتُ في الصلاة سَهَوْتُ، وأَوْهَمَ: أسقط(1) .
فالوهم: سبق القلب إلى الشيء مع إرادة غيره .
واصطلاحاً: هو رواية الحديث على سبيل التوهم(2)؛ أي بناء على الطرف المرجوح من الشك(3). وتعريف ابن حجر هذا فيه دور، والأولى أن يقال في تعريفه:رجحان جانب الخطأ، فهو دون الظن والشك، وهو لا يرتقي إلى تكوين اشتباه. والوهم تارة يكون في الضبط، وتارة يكون في القول، وتارة يكون في الكتابة(4). والحديث الذي وقع فيه الوهم يقال له المعلَّل(5) .
ــــــــــــــــــــ
(1)- انظر: لسان العرب(12/643) ، والقاموس المحيط (1/1507) مادة: وهم .
(2)- نزهة النظر(ص:85) .
(3)- شرح شرح النخبة(ص:433) .
وبيان ذلك أن المعلوم إما أن يستقر في الذهن من غير تردد، أو بتردُّد، فالأول: يسمى العلم، والثاني: إما أن يكون راجحاً، أو مرجوحاً، أو مساوياً، فالراجح هو الظن، والمرجوح هو الوهم، والمساوي هو الشك . انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث، بيروت، (2/250)، والحدود الأنيقة، والتعريفات الدقيقة، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، تح: الدكتور مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1/1411هـ. (1/68) .
(4)- اليواقيت والدرر في شرح شرح نخبة ابن حجر. (2/64) .
(5)- شرح شرح النخبة(ص:458) .(1/36)
قال العلامة المناوي(1): قال بعض من لقيناه: ليس المعلَّل هو الوهم الذي اطلع عليه بالقرائن، وإنما هو الخبر الذي وقع فيه ذلك، فالعلة حصلت بسبب الوهم(2) .
وأكثر ما يقع الوهم في إسناد الحديث، كما يقع أيضاً في المتن، ويُستدل عليه بوصل حديث مرسل أو منقطع، أو إدخال حديث في حديث، أو غير ذلك من الأشياء الأخرى القادحة، ثم ما يقع في الإسناد قد يكون قادحاً في صحة الإسناد والمتن، وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن(3) .
ــــــــــــــــــــ
(1)- هو عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن نور الدين علي بن زين العابدين الحدادي المناوي القاهري الشافعي، ولد سنة: 952هـ، من كبار العلماء بالدين والفنون، الحجة الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وكان إماماً فاضلاً زاهداً، له أكثر من مائة مصنف. من كتبه: فيض القدير، واليواقيت والدرر توفي سنة: 1031 هـ . انظر: الأعلام (6/204) .
(2)- اليواقيت والدرر(2/65) .
(3)- ومثاله ما رواه يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((البيّعان بالخيار .......)) . فالإسناد متصل، لكنه غير صحيح، أما المتن فصحيح، والعلة في قوله: (عن عمرو بن دينار) وإنما هو عن عبدالله بن دينار، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه، فوهم يعلى، وقال: عمرو بن دينار بدل عبدالله، وكلاهما ثقة .
انظر: علوم الحديث(ص:91) ، وشرح شرح النخبة(ص:457).
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه تح: د.مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت ط3/1987م، كتاب البيوع، باب(إذا بيَّن البيّعان، ولم يكتما ونصحا)، (2/732)، رقم(1973). ومسلم في البيوع أيضاً، باب(الصدق في البيع والبيان)، ( 3/1164)، رقم(1532) .
قلت: الذي حصل في هذا المثال: إبدال راو ثقة براو ثقة، وهذا نوع من القلب،والقلب نوع من المعلّ؛لأن راويه الثقة قد وهم فيه في هذا المثال .(1/37)
وإنما اكتفيت بذكر مثال واحد عن وقوع العلة في الإسناد، لكثرة العلل الواقعة فيه، وللاستزادة من الأمثلة عن العلل الواقعة في السند والمتن، وفيهما معاً، وهل هي قادحة، أم غير قادحة، يراجع كتاب أستاذنا الدكتور نور الدين عتر: لمحات موجزة في أصول علم العلل، ط: جامعة دمشق، ط1/2003م (ص:155ـ170) .
أما طريق معرفة الوهم: فإنما يكون بكثرة التتبع؛ أي النظر في رجال الأسانيد واختلافات المتون وجمع الطرق؛ أي الأسانيد المشتملة على المتون،والنظر في اختلاف رواة كل حديث وضبطهم، وإتقانهم، ورواية غيرهم على سبيل التوهم .
روى الخطيب البغدادي عن علي بن المديني قال: « الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه »(1) .
وليس كل وهم ترد به الرواية، إذ لا يسلم من ذلك أحد(2)، وإنما ذكر النقادُ الثقاتِ الذين لهم أوهام يسيرة في جنب الكثرة التي رووها؛ ليعلم أن غيرهم أرجح، أو أوثق منهم إذا عارضهم أو خالفهم(3) .
ــــــــــــــــــ
(1)- انظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(2/295)، ونزهة النظر(ص:89)، وشرح شرح نخبة الفكر(ص:458) .
(2)- قلت: ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله قول عبدالله بن المبارك: « من ذا سلم من الوهم »، وقول يحيى بن معين: « لست أعجب ممن يحدث فيخطىء، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب ». لسان الميزان أحمد بن علي بن حجر العسقلاني،تح: دائرة المعارف النظامية، الهند، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط3/1986م .(1/17) .
(3)- انظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي،تح: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان . (3/141) .
وقد ردّ الحافظ الذهبي على العُقَيلي لإدخاله علي بن عبدالله المديني في الضعفاء، وشدّد عليه النكير بقوله: أفما لك عقل يا عُقيلي؟ أتدري فيمن تتكلم؟ ...... المصدر السابق (3/140) .(1/38)
والوهم الذي تُرَدّ به الرواية: هو الوهم الغالب على حديث الراوي، قال عبد الرحمن بن مهدي : « الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يُختلف فيه، وآخر يَهِمُ والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يُترك حديثه، وآخر يَهِمُ والغالب على حديثه الوهم فهذا يُترك حديثه »، ويقول أيضاً: « ثلاثة لا يؤخذ عنهم: المتهم بالكذب وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته، والرجل الغالب عليه الوهم والغلط » (1).
ـــــــــــــــــــــ
(1)- الكفاية في علم الرواية (ص:143)، وشرح علل الترمذي (1/109ـ110) .
ومن أمثلة من غلب عليه الوهم: عبد الملك بن مهران، حدث عن عمرو بن دينار، وسهيل بن أبي صالح، وقيل: روى أيضا عن أبي صالح ذكوان. قال العقيلي: صاحب مناكير، غلب عليه الوهم، لا يقيم شيئا من الحديث. الضعفاء الكبير، أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى العقيلي، تح: عبد المعطي قلعجي، دار المكتبة العلمية، بيروت، ط1/1984م،(3/34)، ولسان الميزان(4/69) .
ومنهم: خالد بن عثمان العثماني، من أهل المدينة، يروي عن مالك الأشياء المقلوبات، ويحدث عنه بالأشياء الملزَقات، فلما كثر منه ما وصفت بطل الاحتجاج بخبره فيما وافق الثقات؛ لغلبة الوهم والخطأ عليه. المجروحين، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، تح: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب (1/283)، ولسان الميزان(2/380) .
والوهم سواء أكان ناشئاً من نقل الراوي، أم من نظره إنما هو إيهام منه لصحة سقيم، أو لسقم صحيح، أو لاتصال منقطع، أو لانقطاع متصل، أو لرفع موقوف، أو لوقف مرفوع، أو لثقة ضعيف، أو لضعف ثقة، أو لتيقن مشكوك، أو لتشكك فيما هو مستيقن (1) .(1/39)
قلت: فغلبة الوهم مدعاة إلى ترك الرواية، وإن كان الراوي عدلاً في نفسه؛ لأن الوهم من خوارم الضبط والحفظ، وكم من راوٍ ساءَ حفظه، فكان يَهِمُ إذا روى وينفرد بالمناكير، ويأتي بما لا يتابع عليه، يَقلب، ويُدرج ويُرسل، ويَزيد ويُنقص ويُخالف، ولا يُمَيِّز فاستحق ترك الاحتجاج به، ومجانبة حديثه .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، علي بن محمد (ابن القطان الفاسي)، دار طيبة، الرياض . (1/11ـ 15)، وعلم علل الحديث من خلال كتاب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، إبراهيم بن الصدّيق، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب. (1/336) . ثانياً: الغلط
تعريفه: يقال: غلط في منطقه غلطاً، أخطأ وجه الصواب، وغلَّطته أنا قلت له: غلطت أو نسبته إلى الغلط، وأغلطته إغلاطاً: أوقعته في الغلط، ويجمع على أغلاط، ورجل غلطان كسكران، وكتاب مغلوط قد غلط فيه(1) .
وفحش الغلط: كثرته، وكل شيء جاوز حدّه فهو فاحش(2) ؛ وذلك بأن يغلب غلط الراوي على صوابه، أما إذا كان الغلط قليلاً فإنه لا يؤثر؛ إذ لم يسلم من الغلط والخطأ كبير أحد من الأئمة مع حفظهم(3) .
ـــــــــــــــــ
(1)- المصباح المنير(1/450)، وانظر: الصحاح( تاج اللغة وصحاح العربية)، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، دار العلم للملايين، بيروت، ط4/1990م، (1/284) . مادة: غلط .
(2)- مختار الصحاح(1/517) مادة: فحش .
(3)- شرح علل الترمذي(1/159) .
يقول الشيخ عبد العزيز عبد اللطيف: والمراد بفحش الغلط: أن يزيد خطأ الراوي على صوابه زيادة فاحشة يخرج بها عن الاعتبار في المتابعة فلا يقوي غيره، ولا يتقوى بغيره، ويُعدّ ما تفرّد به منكراً كما هو الحال في رواية ظاهر الفسق، وشديد الغفلة . ضوابط الجرح والتعديل، عبد العزيز عبد اللطيف، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة . (ص:117) .(1/40)
روى الخطيب البغدادي بسنده عن سفيان الثوري(1) أنه قال: « ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ، فهو حافظ وإن غلط، وإن كان الغالب عليه الغلط ترك »(2) .
وقال الإمام الشافعي: « ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم تقبل شهادته » (3) .
قلت: وهنا يجب التمييز بين من كثر منه الغلط لكنه لم يغلب عليه(4)، وبين من كان الغلط غالباً على حديثه؛ فالأول لا يترك حديثه، وإنما يكون ضعيفاً، ويصلح للتقوية بوروده من طريق آخر؛ أي يبقى ضمن دائرة الاعتبار بحديثه ....
ــــــــــــــــــــ
(1)- سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبدالله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة.ع. التقريب(ص:244) .
(2)- الكفاية في علم الرواية(1/144) .
(3)- الرسالة(ص:382) .
(4)- قال ابن حبان: « الكثرة اسم يشتمل على معان شتى، ولا يستحق الإنسان ترك روايته حتى يكون منه من الخطأ ما يغلب على صوابه، فإذا فحش ذلك منه، وغلب على صوابه، استحق مجانبة روايته، وأما من كثر خطؤه ولم يغلب على صوابه، فهو مقبول الرواية فيما لم يخطئ فيه، واستحق مجانبة ما أخطأ فيه فقط، مثل شريك وهشيم .....» . صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان أبو حاتم البستي، تح: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1993م . (1/153ـ154) .
أما الثاني ـ من غلب عليه الغلط ـ: فإنه يكون متروك الحديث، ولا يعتبر به(1) . سئل الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ : متى يترك حديث الرجل؟ قال: « إذا كان الغالب عليه الخطأ » (2) .
وقد نقل الخطيب البغدادي رحمه الله عن ابن مهدي(3) أثراً في مقدار الغلط الذي يُحتمل للراوي : .....
ـــــــــــــــــــ
((1/41)
1)- انظر تفصيل كثرة وغلبة الغلط، وأقوال الأئمة في ذلك، في شرح علل الترمذي(1/114) وما بعدها. وهناك تعليقات مهمة لأستاذنا الدكتور نور الدين عتر حفظه الله .
قلت: أنكر المحدثون على عدد من الرواة كثرة الغلط؛ لسوء حفظهم واشتباه الأمر عليهم. من هؤلاء: علي بن عاصم بن صهيب، من أهل واسط، سكن بغداد وحدّث بها. قال يعقوب بن شيبة: « سمعت علي بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه: منهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه ولجاجته فيه وثباته على الخطأ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ماحدث به من سوء ضبطه، وتوانيه عن تصحيح ما كتب الورّاقون له، ومنهم....... ». وقال علي بن عبدالله المديني: « كان يغلط في الحديث، وكان يروي أحاديث منكرة». مات سنة(201هـ) . تهذيب الكمال(20/507) وما بعدها .
وممن كثر خطؤه أيضاً: أبو بكر بن عبدالله النّهْشَلي، من أهل الكوفة. قال ابن حبان: « وأبو بكر النهشلي وإن كان فاضلاً، فهو ممن كثر خطؤه فبطل الاحتجاج به إذا انفرد، وإن اعتبر معتبر بما وافق الثقات لم يجرح في فعله » . من السابعة مات سنة ست وستين . المجروحين (3/146) والتقريب(ص:625) .
كما أن هناك مجموعة من الرواة فحش خطؤهم، فاستحقوا الترك. مثل: الحارث بن نبهان الجَرْمي أبو محمد البصري. قال أبو حاتم والنسائي: متروك الحديث. وقال ابن معين: لا يُكتب حديثه. وقال ابن حبان: كان من الصالحين الذين غلب عليهم الوهم حتى فحش خطؤه، وخرج عن حدّ الاحتجاج به. من الثامنة، مات بعد الستين. ت.ق . تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت ط1/1984م. (2/138)، والتقريب(ص:148) .
(2)- شرح علل الترمذي(1/113) .
((1/42)
3)-عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري، مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، مات سنة(198هـ).ع. التقريب(ص:351) . قال سليمان بن أحمد الدمشقي(1) لعبد الرحمن بن مهدي: « أكتب عمن يغلط في عشرة؟ قال نعم، قيل له: يغلط في عشرين؟ قال: نعم، قلت: فثلاثين ؟ قال: نعم قلت: فخمسين؟ قال: نعم» (2) . وسئل ابن مهدي: « أكتب عمن يغلط في مائة؟ قال: لا، مائة كثير. يعني مائة حديث » (3) .
قلت: وسمّى الحافظ ابن حجر حديث من فحش غلطه منكراً(4)، وقيّده بقوله: على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة(5)؛ أي أنّ ما يكون الطعن فيه بسبب كثرة الغلط لا يكون منكراً على ذلك الراوي إلا على رأي من لا يشترط في المنكر مخالفة الثقة للضعيف وأما من يشترط فيه ذلك فلا(6) .
ـــــــــــــــــــــ
(1)- سليمان بن أحمد الجُرَشي الواسطي الدمشقي، صاحب الوليد بن مسلم، كذبه يحيى، وضعفه النسائي، قال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي وأحمد ويحيى، ثم تغير، وأخذ في الشرب والمعازف فترك. انظر: الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن أبو الفرج ابن الجوزي، تح: عبدالله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1406هـ. (2/14) .
(2)- الجرح والتعديل(2/28)، والكفاية في علم الرواية(1/147) .
(3)- الجرح والتعديل(2/33) .
(4)- للمنكر استعمالان عند المحدثين :
الأول: ما رواه الضعيف مخالفاً لمن هو أقوى منه، وهذا يكون في مقابلة الحديث المعروف .
الثاني: ما تفرد به راويه خالف أو لم يخالف، ولو كان ثقة؛ أي مطلق التفرد، دون اشتراط المخالفة.(1/43)
انظر تفصيل المنكر في: علوم الحديث(ص:80ـ82)، وإرشاد طلاب الحقائق، يحيى بن شرف النووي، تح: د.نور الدين عتر، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط2/1991م، (ص:96)، والموقظة في علم مصطلح الحديث، محمد بن أحمد الذهبي، تح: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية ط8/1425هـ، (ص:42)، و(ص:77) ، وفتح المغيث(1/201) وما بعدها، وتدريب الراوي(ص:154ـ156).
(5)- نزهة النظر(ص:89) .
(6)- شرح شرح النخبة(ص:454).
وكثرة أخطاء الراوي وقلتها تتفاوت بقدر إكثار الراوي من الحديث وإقلاله، فمن ندر خطؤه، أو قلّ في جنب الكثرة التي رواها، فهذا لا يضره، ولا يؤثر على مروياته الأخرى. قال الخطيب البغدادي: « كان أبو داود يحدث من حفظه، والحفظ خوّان، فكان يغلط مع أن غلطه يسير في جنب ما روى على الصحة والسلامة»(1) .
وقال الذهبي(2): « فمن يروي مائة ألف حديث، ويندر المنكر في سعة ما روى، فإليه المنتهى من الإتقان » (3). وقد عقد الخطيب رحمه الله باباً: فيمن رجع عن حديث غلط فيه وكان الغالب على حديثه الصحة أن ذلك لا يضره(4) .
قلت: ذكر في هذا الباب جماعة من الأئمة الثقات، المعروفين بالحفظ والإتقان، غلطوا في أشياء حدثوا بها، ثم رجعوا عنها إلى الصواب عندما بُيّن لهم ذلك، وهذا دأب المنصف الذي يبتغي بعمله وجه الله، لا الشهرة والجاه(5) .
ــــــــــــــــــ
(1)- تاريخ بغداد(9/26) .
(2)- محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبدالله، الحافظ، محدث العصر، المؤرخ ولد سنة(673هـ)، طلب الحديث، وسمع وعني ورحل، إلى أن رسخت فيه قدمه، وصنف التصانيف الكثيرة، منها سير أعلام النبلاء وتذكرة الحفاظ ، توفي سنة(748هـ).انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، تح: محمد سيد جاد الحق، مطبعة أم القرى، القاهرة . (3/426ـ427) .
(3)- سير أعلام النبلاء(9/228) .
(4)- الكفاية في علم الرواية(ص:144ـ147) .
((1/44)
5)- من هؤلاء: يزيد بن هارون. قال موسى بن هارون: سمعت أبى يقول: كان يزيد بن هارون يقول في مجلسه الأعظم غير مرة: حديث كذا وكذا أخطأت فيه. ومنهم: سفيان بن عيينة. قال العلاء بن الحسين: ثنا سفيان بن عيينة حديثاً في القرآن، فقال له عبدالله بن يزيد: ليس هو كما حدثت يا أبا محمد. قال: وما علمك يا قصير. قال: فسكت عنه هنية ثم قام إلى سفيان فقال: يا أبا محمد أنت معلمنا وسيدنا فإن كنتُ أوهمتُ فلا تؤاخذني. قال: فسكت سفيان هنية، ثم قال: يا أبا عبد الرحمن: قال: لبيك وسعديك. قال: الحديث كما حدثتَ أنتَ، وأنا أوهمت . الكفاية (ص:146) .
وكلما كثر الغلط من الراوي، كان ذلك دليلاً على سوء حفظه؛ إذ لا يقع الراوي في الخطأ الكثير المتكرر إلا إذا كان رديء الحفظ، وبالتالي تكثر منه المخالفة للحفاظ ويقع في الكذب من غير تعمد منه، والخبر يرجح بضبط راويه وحفظه وقلة غلطه لأن الظن يقوى بذلك. قال عبد الرحمن بن مهدي: « إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ » (1) .
وقد اتفق العلماء على أن من غلط في رواية حديث وبُيّن له غلطه فلم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت رواياته، ولم يُكتب عنه، وإن هو رجع قُبل منه، وجازت روايته، ولكن لا يكفيه في الرجوع أن يُمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل فحسب، بل يجب عليه أن يُظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه، وقد قام بالرجوع عنه(2) .
والمصرّ على الغلط عناداً كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل، وإن كان إصراره عن جهل فأولى بالسقوط؛ لأنه ضمّ إلى جهله إنكار الحق(3) .
ــــــــــــــــــ
(1)- الكفاية:(ص:435) .
(2) ـ انظر: الكفاية (ص:145)، وعلوم الحديث (ص:120) . وقيّد ابن الصلاح ردّ رواية من بُيّن له الغلط ولم يرجع عنه بقوله: (( وهو غير مستنكَر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد، أو نحو ذلك والله أعلم )) .
((1/45)
3) ـ النكت على مقدمة ابن الصلاح، بدر الدين محمد بن جمال الزركشي، ت: زين العابدين بلافريج، مكتبة أضواء السلف، الرياض، ط1/1998م . (3/426) ، وتوضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، محمد بن إسماعيل الصنعاني، ت: محيي الدين عبد الحميد، المكتبة السلفية، المدينة المنورة (2/258) .
المطلب الثاني: الغفلة، والتساهل في سماع الحديث وإسماعه
أولاً: الغفلة
تعريفها: يقال: غَفَلَ الرجل عن الشيء يغفُلُ غُفُولاً فهو غافل، إذا تركه ساهياً، وأغفله إذا تركه على ذُكْرٍ منه، وغَفَلْتُ الشيءَ تغفيلاً إذا كتمتُه وسترتُه(1) ورجل مُغفَّل على لفظ اسم المفعول من التغفيل؛ وهو الذي لا فطْنة له، وبه سُمّي والدُ عبد الله بن المُغفَّل(2) من الصحابة(3). وفلان غُفْلٌ لم تَسِمْه التجارب(4) .
فالغفلة: غيبة الشيء عن بال الإنسان، وعدم تذكُّره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالاً وإعراضاً(5). وعرّفها الشيخ ملا علي القاري بأنها: الذهول عن الحفظ والإيقان(6) .
وغفلة المحدث: هي ما يطرأ عليه من سهو يُخلّ بضبطه مع أنه عدل، وبقدر تأثيرها في الضبط، وحسب كيفية الأداء تكون درجة الحديث(7) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1)- جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، تح: رمزي بعلبكي،دار العلم للملايين، بيروت ط1/1987م،(2/958) ، ومعجم مقاييس اللغة (4/187) . مادة: غفل .
(2)- عبدالله بن المغفل بن عبد غنم، ويقال: ابن عبد نَهم، يكنى أبا سعيد، كان من أصحاب الشجرة سكن المدينة ثم تحول عنها إلى البصرة، روى عنه جماعة من التابعين، توفي بالبصرة سنة ستين .
انظر ترجمته في: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر، تح: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1/1412هـ، (3/996) ، والإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تح: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1/1412هـ، (4/242) .
((1/46)
3)- المغرب في ترتيب المعرب، أبو الفتح ناصر الدين بن علي بن المطرز، تح: محمود فاخوري مكتبة أسامة بن زيد، حلب، ط1/1979م، (2/106) ، وانظر: لسان العرب(11/497) .
(4)- الفائق في غريب الحديث، محمود بن عمر الزمخشري، ت: علي البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت، ط2. ( 3/77) .
(5)-المصباح المنير(2/449) .
(6) ـ شرح شرح النخبة (ص:432) .
(7) ـ الجرح والتعديل بين المتشددين والمتساهلين، د. الجوابي، الدار العربية، تونس . (ص:385) .
وقد تكون لتقصير من الراوي في ضبط مرويّه، أو لكون ذلك طبيعة فيه. حاشية جامعة على الفريدة في علم المصطلح، يوسف بن كسّاب الغزّي، ت: فهد بن عامر العجمي، الرشد ناشرون، الرياض ط1/2006م،(ص:192) . ولا بدّ من تقييد الغفلة بالكثرة؛ لأن الظاهر أن مجرّد الغفلة ليس سبباً للطعن في الراوي؛ لقلة من يعافيه الله منها(1).
ويدلّ على هذا قول الحافظ ابن حجر فيما بعد:« أو كثرت غفلته » (2) .
أما أسباب السهو والغفلة فهي كما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية(3):
ـ الاشتغال عن هذا الشأن بغيره، ككثير من أهل الزهد والعبادة.
ـ الخلو عن معرفة هذا الشأن.
ـ التحديث من الحفظ، فليس كل أحد يضبط ذلك.
ـ أن يُدخَل في حديثه ما ليس منه، ويزوَّر عليه.
ـ أن يركن إلى الطلبة، فيحدث بما يظن أنه من حديثه.
ـ الإرسال، وربما كان الراوي له غير مرضي.
ـ التحديث من كتاب؛ لإمكان اختلافه.
ثم قال رحمه الله: فلهذه الأسباب وغيرها اشترط أن يكون الراوي حافظاً ضابطاً معه من الشرائط ما يُؤمَن معه كذبُه من حيث لا يشعر...، وربما كان مغفَّلاً واقترن بحديثه ما يصححه، كقرائن تبين أنه حفظ ما حدث به، وأنه لم يخلط في الجميع(4).
ـــــــــــــــــ
(1)- شرح شرح النخبة(ص:432) .
(2)- نزهة النظر(ص:89) .
((1/47)
3)- أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ولد سنة(661هـ) ، سمع وقرأ وصنف ودرس وأفتى وفاق الأقران، ولعل تواليفه وفتاويه تبلغ (300) مجلدة، وانفرد بمسائل فنيل من عرضه لأجلها، وهو بشر له ذنوب وخطأ ومع هذا فوالله ما مقلت عيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه، توفي معتقلاً بقلعة دمشق سنة(728هـ) .
انظر ترجمته في: معجم المحدثين، شمس الدين الذهبي، تح: د.محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق الطائف، ط1/1408هـ، (1/25،26)، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة . (1/154ـ170) . حيث ترجم له الحافظ ترجمة طويلة حافلة تشهد بنبله وفضله .
(4)- مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تح: أنور الجزار، وعامر الباز، دار الوفاء ط3/2005م، (18/46) .
وهناك تقارب بين الغفلة، والغلط؛ إذ الغفلة في السماع وتحمل الحديث، والغلط في إسماع الحديث وأدائه(1) .
قلت: فلذلك اشترط في الراوي أن يكون يقظًا فطناً عند التّحمّل، غير مغفّل وغير مشغول البال بأمر آخر وقت السّماع في مجلس الشّيخ حتى لا يفوت شيئاً، أو يتحمل غلطاً .
ولا بد من ضابط للغفلة التي يُرَدّ بها حديث الراوي، ولا يكتب عنه، وقد ذكر هذا الضابطَ الخطيبُ البغداديُّ في باب: رد حديث أهل الغفلة، نقلاً عن أحد أئمة هذا الفن، وهو عبدالله بن الزبير الحُمَيدي(2) قال: فما الغفلة التي يرد بها حديث الرضا الذي لا يعرف يكذب؟ قلت: «هو أن يكون في كتابه غلط، فيُقال له في ذلك، فيَترك ما في كتابه، ويُحدث بما قالوا أو يُغيِّرُه في كتابه بقولهم، لا يعقل فرق ما بين ذلك أو يصحف ذلك تصحيفاً فاحشاً يقلب المعنى لا يعقل ذلك، فيُكَفُّ عنه»(3) .
ثم ساق مثالاً على ذلك عن أبي علي صالح بن محمد(3) قال: محمد بن خالد بن عبد الله الطحان(4) صدوق، غير أنه مغفَّل. سئل يحيى بن معين عنه فقال:.......
ـــــــــــــــــــ
((1/48)
1)- مقدمة في أصول الحديث للدهلوي(ص:77) .
(2)- عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحميدي المكي، أبو بكر ثقة حافظ فقيه، أجلّ أصحاب بن عيينة، من العاشرة، مات بمكة سنة تسع عشرة، وقيل بعدها. قال الحاكم: كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غيره .خ م د ت س فق. تقريب التهذيب (ص:303) .
(2)- الكفاية في علم الرواية(1/148) .
(3)- جَزَرَة، الحافظ العلامة الثبت شيخ ما وراء النهر أبو علي صالح بن محمد الأسدي، مولاهم البغدادي، نزيل بخارى، ولد سنة خمس ومائتين ببغداد، سمع من كبار المحدثين كأحمد ويحيى، وسمع منه خلق كثير. قال الدارقطني: كان ثقة حافظاً عارفاً، مات في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين .
انظر:تذكرة الحفاظ(2/641ـ642) .
(4)- محمد بن خالد بن عبدالله الطحان عن أبيه، وعنه ابن ماجه وأبو يعلى، كذبه ابن معين، وضعفه أبو زرعة وغيره، وأما أبو حاتم الرازي فقال: هو على يدي عدل، وأنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه عن الأعمش، ثم له مناكير غير ذلك، عاش تسعين سنة . انظر: المغني في الضعفاء، محمد بن أحمد الذهبي، تح: د.نور الدين عتر، والكاشف، شمس الدين الذهبي، تح: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة، جدة، ط1/1992م، (2/167) .
صدوق. قال أبوعلي: « كان أبوه خالد كتب أحاديث يسمَعُها(1) فلم يسمَعْه،فجعل ابنه هذا ـ محمد ـ يحدث بتلك الأحاديث، حتى قيل له: إن هذه أحاديث لم يسمعها أبوك»(2).
قلت: في هذا المثال، بلغت الغفلة بهذا الراوي حداً حجبته به عن التمييز بين النسخة المسموعة وغير المسموعة، ومن كان هذا حاله، وأمثاله، فلا يعتد بحديثهم إذ الغفلة الكثيرة، ورداءة الحفظ المؤدي إلى فحش الغلط سببان في ردّ الحديث .
« والغفلة إما أن تكون مقرونة بسوء الحفظ مهما تفاوتت درجاته، واختلفت أسبابه؛ لأنها ناشئة عنه، وسببها سوء الحفظ، وقلة الضبط، أو مجردة عنه، وسببها عدم فقه الراوي لما يحفظ »(3) .(1/49)
فغفلة الراوي قد تكون مطلقة؛ بأن يكون الراوي مغفلاً لا يميز بين الصواب والخطأ فحديثه مردود، وقد تكون مقيدة بأحوال خاصة سواء في حالتي التحمل أو الأداء؛ كالنوم في مجلس السماع سواء أكان ذلك من الراوي، أم من الشيخ(3) وسوف يأتي الكلام عن هذا مفصّلاً في التساهل في سماع الحديث وإسماعه .
ــــــــــــــــــــ
(1)- أي في المستقبل، لأجل أن يسمعها، لكنه لم يسمعها .
(2)- الكفاية في علم الرواية (1/148) .
(3) ـ اليقين بمعرفة من رمي من المحدثين بقبول التلقين، محمد بن عبدالله حيّاني، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض، ط1/2007م . (ص:61) .
(4) ـ انظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح للبدر الزركشي (3/423 ـ 425)، وفتح المغيث (1/355)، وتوضيح الأفكار للصنعاني (2/258) .
ثانياً: التساهل في سماع الحديث وإسماعه
التعريف لغة: يقال: سَمِعَه سَمْعاً وسِمْعاً وسَماعاً وسَماعةً وسَماعِيةً، خلا له فلم يشتغل بغيره(1)، وسَمِعْتُ له سَمْعًا، وتَسَمَّعْتُ، واسْتَمَعْتُ، كلها يتعدّى بنفسه وبالحرف بمعنى والسَّمَاعُ اسم منه، ويقال لما سمعته من الحديث: هو سماعي وأَسْمَعْتُ زيداً أبلغته فهو سَمِيعٌ، وسَمِعْتُ كلامه؛ أي فهمت معنى لفظه، فإن لم تفهمه لبعدٍ، أو لغطٍ فهو سماع صوت لا كلام، فإن الكلام ما دلّ على معنى تتم به الفائدة وهو لم يسمع(2) .
وفي الاصطلاح: يقصد بالسماع هنا مطلق التحمل. كما أنه نوع من أنواع الأخذ والتحمّل وأصول الرواية وهو ما كان من لفظ الشيخ، سواء من حفظه، أو القراءة من كتبه. وينقسم إلى إملاء وتحديث من غير إملاء، وهذا أرفع طرق التحمل عند الجماهير(3)؛ وروايته وتبليغه؛.....
ــــــــــــــــــ
(1)- لسان العرب(8/162) .
(2)- المصباح المنير(1/289)، والفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بِقُم المشرَّفة، ط1/1412هـ، (ص:49) .
((1/50)
3)- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، القاضي عياض بن موسى اليحصبي، تح: أحمد صقر، الناشر: دارالتراث، المكتبة العتيقة، القاهرة، تونس، ط1/1970م، (ص:69)، وعلوم الحديث(ص:132) . قال الخطيب في باب: ما جاء في عبارة الرواية عما سمع من المحدث لفظاً: وأرفع هذه العبارات: سمعت، وربما اتصل ذلك بحميع رجال الإسناد في حديث واحد، فيسميه أصحاب الحديث: المسلسل . الكفاية في علم الرواية(ص:284) . والمسلسل هو: عبارة عن تتابع رجال الإسناد وتواردهم فيه واحداً بعد واحد على صفة أو حالة واحدة ، وينقسم إلى ما يكون صفة للرواية والتحمل وإلى ما يكون صفة للرواة أو حالة لهم. ومثال ما يكون صفة للرواية والتحمل: ما يتسلسل بـ (سمعت فلاناً قال: سمعت فلاناً) إلى آخر الإسناد . علوم الحديث(ص:275) .
لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر الناس ابتداء وأسمعهم ما جاء به، والتحديث مع الإملاء أعلى لما يلزم منه من تحرير الشيخ والطالب، إذ الشيخ مشتغل بالتحديث، والطالب بالكتابة عنه فهما لذلك أبعد عن الغفلة وأقرب إلى التحقيق وتبيين الألفاظ مع جريان العادة بالمقابلة بعده، وإن حصل اشتراكه مع غيره من أنواع التحديث في أصل العلو(1). أما الإسماع: فهو إسماع الشيخ، أو الحديث للغير(2)؛ أي أداء مسموعه .
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله صفة سماع الطالب، أو سماع الحديث وصفة إسماعه، فقال: « وصفة سماعه بأن لا يتشاغل بما يخلّ به من نسخٍ أو حديث أو نُعاس، وصفة إسماعه كذلك، وأن يكون ذلك من أصله الذي سمع منه، أو من فرع قوبل على أصله، فإن تعذر فليجْبُرْهُ بالإجازة لما خالفَ إن خالف » (3) .
ـــــــــــــــ
(1)- العالي الرتبة في شرح نظم النخبة(ص:280) ، وفتح المغيث(2/19) .
(2)- شرح شرح النخبة(ص:807) .
(3)- نزهة النظر(ص:143ـ144) .(1/51)
وجرى خلاف بين المحدثين في صحة سماع من يكتب وقت القراءة، فأجاز بعضهم ذلك كموسى بن هارون الحمَّال(1)، وعبدالله بن المبارك؛ فقد قُرىء عليه وهو ينسخ شيئاً آخر غير ما يُقرأ. ولم يصححه بعضهم، كإبراهيم الحربي(2) والحافظ ابن عدي(3)، وغيرهما(4). ولا فرق بين النسخ من السامع، والنسخ من المُسْمِع(5) .
وقد فصّل ابن الصلاح في مسألة النسخ وقت السماع فقال: «لا يصحُّ السَّماع إذا كان بحيث يمتنع معه فهم الناسخ لما يُقرأ حتى يكون الواصل إلى سمعه كأنه صوتٌ غُفْلٌ ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه الفهم »(6) .
فإذا منعت الكتابة من الفهم، وانشغل القلب عن ضبط المقروء بها، فالسماع غير صحيح أما إذا لم تكن مانعاً من الفهم لما يُقرأ فالسماع صحيح(7).
ــــــــــــــــــ
(1)- موسى بن هارون بن عبدالله الحمال، ثقة حافظ كبير بغدادي، من صغار الحادية عشرة. مات سنة أربع وتسعين ومائتين . التقريب (ص:554) .
(2)- إبراهيم بن إسحاق الحربي أبوإسحاق، من أهل بغداد يروي عن أبى نعيم وأهل العراق، وروى عنه خلق كثير، وعن أبي الحسن الدارقطني قال: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي إمام مصنف عالم بكل شيء، بارع في كل علم، صدوق، مات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين .
انظر: تاريخ بغداد(6/39) .
(3)- عبدالله بن عدي الجرجاني، الإمام الحافظ المتقن، وأشهر كتبه الكامل، لكنه توسع فأورد في الكامل كل من تكلم فيه بحق وبغير حق، لكنه منصف في حق من ذكرهم. ولد في سنة(277هـ) وأول سماعه كان في سنة تسعين، وارتحاله في سنة سبع وتسعين، وطال عمره وعلا إسناده، وجرح وعدل وصحح وعلل، توفي سنة(365هـ) . سير أعلام النبلاء (16/154) .
(4)- الكفاية في علم الرواية: باب ما جاء في سماع من كان ينسخ وقت القراءة (ص:66ـ68) .
(5) ـ علوم الحديث(ص:145) .
(6)- المصدر السابق .
(7)- انظر الكفاية(ص:67).(1/52)
ومن الأمثلة على ذلك: قصة الإمام الدَّارَقُطْني(1) عندما حضر مجلس إسماعيل الصّفّار(2)، وأخذ ينسخ جزءاً كان معه، فقال له بعضهم: لا يصح سماعك وأنت تنسخ. فقال: فهمي للإملاء خلافُ فهمك، ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديثٍ إلى الآن؟ فقال الدَّارقطني: أملى ثمانية عشر حديثاً، فوُجِدَت كما قال، ثم قال: الحديث الأول منها عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها، فتعجّب النّاس منه، والله أعلم(3) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1)- أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الدارقطني، الإمام الحافظ الشهير صاحب السنن انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال، مع التقدم في القراءات والفقه والاختلاف والمغازي وغيرها، له مصنفات كثيرة منها: السنن، والعلل الواردة في الأحاديث النبوية، توفي سنة(385هـ) . تذكرة الحفاظ(3/991)، وسير أعلام النبلاء(16/449) .
(2)- إسماعيل بن محمد الصفار الثقة الإمام النحوي المشهور، حدث عن الحسن بن عرفة وأحمد بن منصور الرمادي والكبار، وانتهى إليه علو الإسناد، روى عنه الدارقطني وابن منده والحاكم ووثّقوه. قال الدارقطني: صام أربعة وثمانين رمضاناً، وكان قد صحب المبرِّد، واشتهر بالأخذ عنه، وكان له نظم مقبول رحمه الله، مات سنة(341هـ) . لسان الميزان(1/432) .
(3)- انظر: علوم الحديث(ص:146)، وتذكرة الحفاظ(3/992) .(1/53)
ومن الأمور التي تخلُّ بالسماع والإسماع أيضاً: التكلّم بكلام ما ممَّا يمتنع معه الفهم، كذلك النُّعاس، ولا بأس بأدنى نعاس لا يختل معه فهم الكلام، لا سيما من الفَطِن، وكان بعضهم إذا كتب طبقة السماع كتب: وفلان وهو ينعس، وفلان وهو يكتب(1)، وكان الحافظ أبو الحَجّاج المِزّي(2) ـ تغمده الله برحمته ـ يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويردّ على القارئ رداً جيداً بيناً واضحاً بحيث يتعجب القارئ من نفسه، أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعس وهو أنبه منه! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء(3) .
ـــــــــــــــــــــ
(1)- انظر:المقنع في علوم الحديث(1/280)، والمنهل الروي(1/66)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي(3/423)، وفتح المغيث(1/353)، وشرح شرح النخبة(ص:807) .
قلت: هذا في شأن النعاس الذي لا يختل معه الفهم، أما من كان لا يبالي بالنوم في مجلس السماع فإنه لا تقبل روايته، كما ذكر ذلك ابن الصلاح .علوم الحديث(ص:119) . وممن كان ينام والقارىء يقرأ: عبدالله بن وهب، وقد وصفه ابن المديني وغيره بأنه كان رديء الأخذ، وقول عثمان بن أبي شيبة أنه رآه وأخوه أبو بكر وغيرهما من الحفاظ وهو نائم في حال كونه يُقرأ له على ابن عينية، وأن عثمان قال للقارىء: أنت تقرأ وصاحبك نائم، فضحك ابن عيينة. قال عثمان: فتركنا ابن وهب إلى يومنا هذا فقيل له: ولهذا تركتموه؟ قال: نعم، أتريد أكثر من هذا؟ الكفاية(ص:151) .
وقد اعتُذر عن ابن وهب بأنه كان ماشياً على مذهب أهل بلده في تجويز الإجازة، وأن يُقال فيها: حدثني . فتح المغيث(1/353).
((1/54)
2) ـ الإمام العالم الحافظ محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي الدمشقي الشافعي، حفظ القرآن وتفقه قليلاً ثم أقبل على هذا الشأن، ونظر في اللغة ومهر فيها، وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها، عمل كتاب تهذيب الكمال وأملى مجالس، وأوضح معضلات في علم الحديث والرجال لم يُسبق إليها، وكان ثقة حجة كثير العلم، مات سنة(742هـ). تذكرة الحفاظ(4/1498) .
(3) ـ الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، إبراهيم بن موسى الأبناسي، ت: صلاح فتحي هلل، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1998م . (1/290) .
ويقول الحافظ السخاوي: « وكذا شاهدت شيخنا- ابن حجر- غير مرة بل كان بعض العلماء الراسخين في العربية يُقرِأُ شرح ألفية النحو وهو ناعس»(1) .
ويشترط في الإسماع أيضاً: أن يكون من أصل الشيخ الذي سمع فيه الطالب أو من فرع مقابَل عليه مقابلة ثقة، وليس له أن يحدث من أصل شيخه الذي لم يسمع فيه أو من نسخة كتبت من نسخة شيخه ولو اطمأنت نفسه لذلك؛ لاحتمال وجود زيادات ليست موجودة في نسخة سماعه، إلا أن تكون له إجازة من الشيخ، فإن تعذر وجود الأصل والفرع المقابَل به بإعارةٍ للكتاب، أو ضياع، أو سرقة، أو نحو ذلك فلا بد حينئذ من الإجازة؛ لجواز المخالفة والتغيير فيه، إذ الإجازة جابرة للنقصان من الطالب(2) .
وسبب ردِّ المحدثين روايةَ من عُرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه؛أنّ َ هذا يفقد الثقة بمن اتصف بذلك من ناحية ضبطه وحفظه(3)؛ لأن المناكير والمخالفات تكثر منه فيستحق مجانبة حديثه.
ـــــــــــــــــــ
(1)- انظر: فتح المغيث (1/353)، وشرح شرح النخبة (ص:808) .
قلت: كان بعض العلماء يمتنع من التحديث عمن سمع منه، لمجرد الشك في كونه: هل نعس وقت السماع أم لا؟ كما فعل الإمام التقي ابن دقيق العيد؛ حيث امتنع من التحديث عن ابن المقَيّر مع صحة سماعه منه وهذا من باب الورع، فإنه كان من الورع بمكان .انظر:فتح المغيث(الموضع السابق) .
((1/55)
2) ـ انظر: الإلماع للقاضي عياض (ص:154)، والكفاية (ص:237ـ239)، وعلوم الحديث:(ص:192)، و(ص:211ـ212)، والتقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير، يحيى بن شرف النووي، تعليق: د. مصطفى البغا، دار العلوم الإنسانية، دمشق، ط1/1997م، (ص:43ـ44) وفتح المغيث(2/187)، وشرح شرح النخبة(ص:808) .
(3)- علوم الحديث(ص:119) .
وهناك عدد من الرواة المتساهلين منهم: عبدالله بن لَهِيعَة(1). تُرِكَ الاحتجاجُ بروايته مع جلالته لتساهله(2).
عن يحيى بن حسان(3) قال: « جاء قوم ومعهم جزء، فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة فنظرت فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة فجئت إلى ابن لهيعة فقلت: هذا الذي حدثت به ليس فيه حديث من حديثك، ولا سَمِعْتَها أنت قط، فقال: ما أصنع؟ يجيؤوني بكتاب، ويقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به » .
قلت ـ الخطيب البغدادي ـ : « وكان عبد الله بن لهيعة سيءَ الحفظ واحترقت كتبه وكان يتساهل في الأخذ، وأيَّ كتاب جاؤوا به حدَّث منه، فمن هناك كثرت المناكير في حديثه »(4).
ــــــــــــــــ
(1)- عبد الله بن لَهِيعَة أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق،من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه ورواية بن المبارك، وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون.مات سنة أربع وسبعين ومائة، وقد ناف على الثمانين. م د ت ق. التقريب(ص:319) .
(2)- علوم الحديث(ص:209) .
(3)- يحيى بن حسان التنيسي بكسر المثناة والنون الثقيلة وسكون التحتانية ثم مهملة. أصله من البصرة روى عنه الشافعي وقال: أنا الثقة يحيى بن حسان، وقال عنه ابن حنبل: ثقة ثقة رجل صالح. من التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين أو نحوها، وله أربع وستون .خ م د ت س.(1/56)
العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل، تح: وصي الله بن محمد عباس، المكتب الإسلامي، دار الخاني بيروت، الرياض، ط1/1988م، (3/253)، وتاريخ أسماء الثقات، ابن شاهين: عمر بن أحمد أبو حفص، تح: صبحي السامرائي، الدار السلفية، الكويت، ط1/1984م ،(3/263)، والتقريب(ص:589).
(4)- الكفاية(ص:152) .
المطلب الثالث: مخالفة الثقات
الثقة في اللغة: مصدر قولك وثقت به فأنا أثق به ثقة، وأنا واثق به، ويقال: فلان ثقة، وهي ثقة، وهم ثقة، وقد تُجمع، فيقال: ثقات في جماعة الرجال والنساء(1). ووثق به ثقة ووثوقاً ائتمنه(2)، ووَثَّقْتُ فلاناً، إذا قلت إنَّه ثِقَةٌ(3) .
وفي الاصطلاح: هو من جمع بين صفتي العدالة والضبط(4). فإن وافق الراوي الثقات، وندرت مخالفته لهم فهو حافظ ضابط، وإن خالفهم فيما رواه غالباً لم يكن حافظاً؛ إذ اختلال الضبط يوجد لمخالفة الثقات غالباً(5) .
ـــــــــــــــ
(1)- لسان العرب(10/371) . مادة : وثق .
(2)- المغرب في ترتيب المعرب (2/341) .
(3)- الصحاح للجوهري(1/249) .
(4)- انظر: تدريب الراوي (ص:31)، وتوجيه النظر إلى أصول الأثر(1/105) .
(5)- علوم الحديث(ص:106)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح (1/102).
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة ثابت بن عجلان الأنصاري(1): قال العقيلي(2): «لا يتابع على حديثه »(3) .
وتعقب ذلك أبو الحسن ابن القطان(4) بأن ذلك لا يضره إلا إذا كثرت منه رواية المناكير ومخالفة الثقات، وهو كما قال(5).
وتقع المخالفة من قبل الراوي لغيره في إسناد الحديث ومتنه، وقد بيَّن لنا ذلك خيرَ بيانٍ الإمام مسلم رحمه الله فقال:« اعلم أرشدك الله أن الَّذِيْ يدور بِهِ مَعْرِفَة الخطأ في رِوَايَة ناقل الْحَدِيْث ـ إذا هم اختلفوا فِيْهِ ـ من جهتين :(1/57)
أحدهما: أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته الَّتِيْ هِيَ نسبته، أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ ذَلِكَ غَيْر خفيٍّ عَلَى أهل العلم حين يرد عليهم .
ــــــــــــــــــ
(1)- ثابت بن عجلان الأنصاري، أبو عبدالله الحمصي، نزل بأرمينية، صدوق من الخامسة،خ د س ق. تقريب التهذيب(ص:132) .
(2)- الحافظ الامام أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي صاحب كتاب الضعفاء الكبير. قال مسلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر، عظيم الخطر، ما رأيت مثله، وكان كثير التصانيف، من أحفظ الناس، توفي سنة(322هـ) . تذكرة الحفاظ (3/833ـ834) .
(3)- الضعفاء الكبير(1/175) .
(4)- علي بن محمد بن عبد الملك، أبو الحسن الفاسي الشهير بابن القطان، الحافظ الناقد، قاضي الجماعة، كان معروفاً بالحفظ والإتقان، له كتاب الوهم والإيهام ، وهو متعنت في أحوال الرجال، كما يقول الذهبي، توفي سنة(628هـ). انظر: تذكرة الحفاظ (4/1407)، وسير أعلام النبلاء(22/306) .
(5)- هدي الساري مقدمة فتح الباري(2/148) .
والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد، ومتن واحد مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة(1)، وسفيان بن عيينة(2) ، ويحيى بن سعيد(3)، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من أئمة أهل العلم »(4) .(1/58)
قلت: فالمخالفة ليست على إطلاقها، كما أنها ليست دائماً دليلاً على وهم الراوي وخطئه، إلا إذا خالفت الواقع، والأمر الثابت، كما أن نسبة المخالفة للآخرين تتوقف على مقدار تيقظ الرواة وضبطهم ودقتهم، إضافة إلى عوارض أخرى قد تعرض لهم .....
ـــــــــــــــــــ
(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العََتكي، أبو بِسطام، ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وكان عابداً، من السابعة مات سنة ستين .ع. التقريب(ص:266) .
(2)- سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بأخَرَة، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار مات في رجب سنة ثمان وتسعين، وله إحدى وتسعون سنة .ع. التقريب(ص:245) .
(3)- يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ التميمي أبو سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ إمام قدوة، قال أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين، وله ثمان وسبعون .ع. تذكرة الحفاظ(1/298)، والتقريب(ص:591) .
(4)- التمييز(ص:124ـ126) .
توقعهم في مخالفة غيرهم، فأحياناً تبلغ المخالفة بالراوي درجة تخرجه عن حد الاحتجاج به، وأحياناً لا تؤثر عليه ولا تضره إذا كانت يسيرة(1) .
ومخالفة الثقات في الإسناد والمتن، يكون على أنحاء متعددة، تكون موجبة للشذوذ(2).
قلت: ويندرج تحت المخالفة أنواع متعددة من علوم الحديث، ذكرها الحافظ ابن حجر(3): « أن يخالف الراوي في تغيير سياق الإسناد أو المتن، فيسمى: المدرج.
أن يخالف الراوي بتقديم المتأخر، وتأخير المتقدم في الإسناد أوالمتن، فيسمى: مقلوباً .
ــــــــــــــــــ
(1)- فالمخالفة للثقات تكون على قسمين: الأول: مخالفة الراوي الضعيف للثقة، فهذا حديثه منكر، مثل من فحش غلطه، أو كثرت أوهامه كما سبق.(1/59)
الثاني: مخالفة الثقة لمن هو أحفظ منه وأضبط، و لجماعة وإن كان كلٌ منهم دونه .
انظر: شرح شرح النخبة (ص:330، 454)، واهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً، د. محمد لقمان السلفي، دار الداعي، الهند، ط2/2000م . (ص:240) .
ومن أمثلة من خالف الثقات الحفاظ فيما رواه: أحمد بن أوفى يحدث عنه أهل الأهواز يخالف الثقات في روايته عن شعبة، وقد حدث عن غير شعبة بأحاديث مستقيمة. حدثنا سهل بن سنان حدثنا أحمد بن أوفى، حدثنا شعبة عن محمد بن خليفة، ومُحِل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، أو بكلمة طيبة. قال الشيخ: ولم يرو هذا الحديث عن شعبة عن محمد بن خليفة أحد غير أحمد بن أوفى هذا، والحديث عن محل بن خليفة مشهور. ومحمد بن خليفة لا يعرف، وقد جمع أحمد بن أوفى بينهما.
الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي أبو أحمد الجرجاني، تح: يحيى غزاوي،دار الفكر، بيروت ط3/1998م، (1/170) .
والحديث متفق عليه: أخرجه البخاري في الزكاة، باب الصدقة قبل الرد،(2/512)، رقم(1347) ومسلم في الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة (2/703)، رقم(1016).
ومنهم: يزيد بن عبد الرحمن، أبو خالد الدالاني، كان كثير الخطأ فاحش الوهم يخالف الثقات في الروايات، حتى إذا سمعها المبتدىء في هذه الصناعة علم أنها معمولة، أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات .المجروحين لابن حبان(3/105).
(2)- مقدمة في أصول الحديث(ص:77) .
(3)- نزهة النظر(ص:90ـ94) .
أن يزيد راوٍ في الإسناد لم يزده الآخرون فيسمى: المزيد في متصل الأسانيد(1).
أن يخالف بإبدال راو بآخر، ولا مرجّح، فهذا هو المضطرب(2) .
أن يخالف بتغيير حرف أو أكثرـ مع بقاء السياق ـ ، أو شكل: فالمصحَّف والمحرَّف»(3).(1/60)
وجَعْلُ المخالفة من وجوه الطعن المتعلقة بالضبط من جهة أن الباعث على مخالفة الثقات إنما هو: عدم الضبط والحفظ، وعدم الصيانة عن التغيُّر والتبديل(4).
ـــــــــــــــــــ
(1)- وهو أن يزيد راو في الإسناد المتصل رجلاً لم يذكره غيره، وشرطه: أن يقع التصريح بالسماع في رواية من لم يزدها، وإلا فمتى كان الإسناد معنعناً ترجحت الزيادة، وعُلِم أن حديث الثقة كان منقطعاً، وإن كان محتملاً قبل هذه الزيادة . ومثاله: حديث جرير بن حزم عن ابن إسحاق عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن المتعة يوم الفتح . وهذا حديث خطأ، والصحيح بدون ذكر عمر بن عبد العزيز، وإنما أتى الخطأ من جرير بن حازم. انظر: شرح شرح النخبة(ص:479ـ480)، ومنهج النقد في علوم الحديث، د. نور الدين عتر،(ص:364ـ365).
والحديث أخرجه مسلم في النكاح، باب نكاح المتعة (2/1023)، رقم)1406) .
(2)- سيأتي التعريف به في دلائل سوء الحفظ .
(3) ـ يقع التصحيف في السند والمتن . ومثال المصحف: حديث: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال ....)) . أخرجه مسلم في الصوم، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعاً لرمضان (2/82) رقم(1164) . صحّفه أبو بكر الصّولي فقال: شيئاً . ومثال المحرف: حديث جابر:(( رمي أُبَيّ يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله )).أخرجه مسلم في السلام، باب: لكل داء دواء،(4/1730) . صحفه غندر، فقال: أَبِي؛ بالإضافة، وإنما هو أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه .
انظر: علوم الحديث(ص:280)، وشرح شرح النخبة(ص:489ـ490)، ومنهج النقد(ص:444ـ446).
(4) ـ مقدمة في أصول الحديث(ص:77) .
خاتمة الفصل
نستخلص من دراسة هذا الفصل النتائج التالية:(1/61)
1ـ براعة المحدثين ودقتهم التي أوصلتهم إلى التمييز بين من يجب الاحتجاج بخبره من الرواة، ومن لا يحتج بحديثه إلا إذا عضده غيره، ومن يُعتمد عليه في بعض الأحوال دون بعض، ومن لا يحتجّ به .
كما صنفوا الأخبار حسب درجاتها من القوة والضعف، وأطلقوا عليها المسميات اللائقة بها ومكانها من حيث القبول أو الرد، ويظهر هذا جلياً في ترتيب أوجه الطعن في الراوي من الأعلى إلى الأدنى .
2ـ الطعن في الراوي من جهة ضبطه سبب في ردّ حديثه، لذلك لم يقبل النقاد حديث من عرف بسوء الحفظ، أو التلقين، وهو من عرض عليه الحديث فلم يدرِ أهو من حديثه أم لا؟ وكذا من كثُر الخطأ والوهم في حديثه، ومن عرف بكثرة المخالفات ورواية المناكير والغفلة، والتساهل في سماع الحديث أو إسماعه، والقاسم المشترك بين هذه المصطلحات التي تمّت دراستها مع سوء الحفظ أنها كلها موجبات للطعن في ضبط الراوي، وإن كانت كثرة الغلط ، والوهم، والمخالفة، والغفلة من نتائج سوء حفظ الراوي .
3ـ يندرج تحت أسباب الطعن في الراوي من ناحية ضبطه، أنواع من علوم الحديث بيَّنها المحدثون؛ كالمنكر والشاذ، والمعلَّل ـ وهو أغمض أنواع علوم الحديث وأجلُّها، ويُتَوَصّل إلى معرفته بالقرائن ـ والمدرج، والمقلوب، وغيرها .
ا.هـ
الفصل الثاني
أسباب سوء الحفظ
فيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: الانشغال عن الحديث بغيره
المبحث الثاني: ذهاب الكتب
المبحث الثالث:الأعراض الجسمية والنفسية العارضة للراوي
المبحث الأول
الانشغال عن الحديث بغيره
فيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: الاشتغال بالعبادة
المطلب الثاني: الاشتغال بعلم الفقه
المطلب الثالث: الاشتغال بالقراءات
المطلب الرابع: الاشتغال بالسيرة أو التاريخ
المطلب الخامس: الانشغال بمنصب القضاء
الانشغال عن الحديث بغيره(1/62)
إذا أراد الإنسان لنفسه النجاح والتفوق في مجال العلم والدراسة، فعليه أن يتخصَّص في علم من العلوم، ويقصر نفسه عليه، وليكن عنده إلمام واطلاع على العلوم الأخرى. وخير علم يُحصِّله طالب العلم، وأنفع فنٍّ يشتغل به هو: علم الحديث فهو المورد الثاني للتشريع، والمنهل الأمثل لتبيين الأحكام وتفصيلها، ولا يفلح فيه إلا من كرّس جهده ووقته للاشتغال به، واستعان على ذلك بمذاكرته ومدارسته.
وقد حاول قوم لم يتمكنوا منه، ولم يتمرسوا فيه الخوض في بحاره واقتحام غماره فما استطاعوا؛ لأن من لم يكن ماهراً في فنّه جاء بالعجائب والغرائب، فوقع منهم الخلط والغلط، وظهر منهم الخلل والزلل .
وما أدقّ وأجلَّ كلام الشيخ ابن الصلاح – رحمه الله ـ الذي بيّن فيه فضل علم الحديث وأهله، فقال: « إنّ علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة، وأنفع الفنون النافعة يحبه ذكور الرجال وفحولتهم، ويُعْنى به محققو العلماء وكملتهم، ولا يكرهه من الناس إلا رُذَالتُهم وسَفِلَتُهم. وهو من أكثر العلوم تولُّجاً(1) في فنونها، لا سيّما الفقه الذي هو إنسان عيونها، ولذلك كَثُر غلطُ العاطلين منه من مصنِّفي الفقهاء وظهر الخللُ في كلام المخلِّين به من العلماء »(2).
وعن الإمام الزهري قال: « لا يطلب الحديث من الرجال إلا ذُكْرَانُها، ولا يزهد فيه إلا إناثُها ». وفى غير هذه الرواية : « الحديث ذَكَرٌ يحبّه ذكورُ الرّجال »(3).
ــــــــــــــــ
(1)- تولجاً: وَلَجَ يلج بالكسر وُلُوجاً؛ أي دخل، وأَوْلَجَه غيره: أدخله .
مختارالصحاح (ص:740). مادة: ولج، ومعنى التولُّج هنا: التداخل؛ لكثرة علومه وتشعُّبها.
(2)- علوم الحديث (ص:5) .
(3)- الإلماع (ص:25).(1/63)
ومعنى كلام الزهري هذا: أن الحديث أرفع العِلْم وأجلّه خَطَراً، كما أنَّ الذكور أفْضل من الإناث. فأَلِبَّاء الرجال وأهل التمييز منهم يُحبّونه، وليس كالرأْي السَّخيف الذي يُحَبّه سُخَفاء الرجال، فَضَربَ التذكير والتَّأْنيث لذلك مثَلاً(1) .
ويقول الشاعر في معنى كلام الزهري رحمه الله :
رحلت أطلب أصلَ العلم مجتهداً ... وزينةُ المرء في الدنيا الأحاديثُ
لا يطلب العلم إلا بازلٌ(2) ذكرٌ وليس يبغضه إلاّ المخانيثُ(3)
قلت: ومَن طَلَبَ علم الحديث فقد طلب أعلى الأمور وأدقَّها، فليدقّقْ فيما تعلّم وليحقّق فيما ينقل، ولا يشغل نفسه بغيره؛ لكي لا يُخِلّ أو يَزِلّ .
يقول الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ: « من تعلّم علماً فَلْيُدَقّقْ فيه؛ لئلا يُضيّعَ دقيقَ العلم »(4) .
والاشتغال عن الحديث إما أن يكون بالزهد، وصرف الهمة إلى العبادة، أو بالاشتغال بعلوم أخرى؛ كالفقه، والتفسير، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم، أو تولِّي مناصب وأعمال إدارية أخرى في الدولة .
ـــــــــــــــــــــ
(1)- غريب الحديث، عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِي، تح: د.عبدالله الجبوري، مطبعة العاني بغداد ط1/1397هـ، (2/229).
(2)- الرجل البازل: أي الكامل في عقله وتجربته. لسان العرب(11/52). مادة: بَزَلَ .
(3)- الرحلة في طلب الحديث(ص:96) . والأبيات لأبي الفضل العباس بن محمد الخراساني .
(4)- ذكر قولَ الشافعيّ البيهقيُّ في المدخل إلى السنن الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، تح: محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، ط/1404هـ. رقم:416، (1/285).
المطلب الأول: الاشتغال بالعبادة
ترك الأئمة النقاد الاحتجاج برواية من عرف بصلاحه وعبادته، ولم يكن ضابطاً لمروياته، وتعدّدت أقوال المحدثين محذّرةً من روايات هذا الصّنف من الرواة .
ومن الأقوال التي نقلها الخطيب البغدادي في ذلك:(1/64)
عن مالك بن أنس قال: « لا يُؤخَذُ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذلك: لا يؤخذ من رجل صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلِنٍ بالسّفَه، وإن كان مِن أروى الناس، ولا من رجل يَكذِبُ في أحاديث الناس وإن كنتَ لا تتّهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة لا يعرف ما يحدّث »(1) .
وقال يحيى بن سعيد – رحمه الله ـ: « ما رأيتُ الصّالحين في شيء أشدّ فتنة منهم في الحديث »(2) .
ــــــــــــــــــ
(1)- الكفاية في علم الرواية(ص:160) .
(2)- المصدر السابق(ص:158).
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: « فتنةُ الحديث أشدُّ من فتنة المال وفتنة الولد،لا تشبهُ فتنتُه فتنة، كم من رجل يُظنُّ به الخيرُ قد حمله فتنةُ الحديث على الكذب »(1) .
ومعنى هذا: أنّ مَن حدّث من الصالحين، ولم يكن ذا حفظ وإتقان، فإنما حمله على هذا حب الحديث والتشبه بالحفاظ، فوقع منه الكذب وهو لا يعلم، ولو تورّع واتّقى لسلم من ذلك(2)؛ أي سلم من الكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام .
قلت: وفي هذا إشارة إلى أنهم لا يتعمدون الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يجري على ألسنتهم(3)؛ أي من غير تعمّد منهم .
لذا فلا عجب إذا رأينا مجموعة من الأحاديث الباطلة الموضوعةـ وخصوصاً في فضائل الأعمال ـ، واتُّهِمَ الصالحون بوضعها؛ لأنهم يكتبون عن كلّ من يلقون ولا يميزون(4). مما دعا أئمة الحديث إلى الإضراب عن حديثهم، حتى قال الإمام ابن منده: « إذا رأيت في حديث ثنا فلان الزاهد فاغسل يدك منه»(5).(1/65)
وقد قام العلماء النقاد الأفذاذ بالتحذير من هؤلاء؛ لئلا يغتر الناس بمروياتهم ـ وخصوصاً العامة ـ حيث إن صلاحهم يلفت الأنظار إليهم، ويجذب الآخرين نحوهم، فعن عبدالله بن المبارك ـ رضي الله عنه ـ قال: « لو خُيِّرْتُ بين أن أدخل الجنة، وبين أن ألقى عبدالله بن محرَّر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بَعْرةٌ أحبّ إليَّ منه »(6) .
ـــــــــــــــ
(1)- حلية الأولياء، أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4/1405هـ (9/6) .
(2)- انظر شرح علل الترمذي (1/94) .
(3)- مقدمة صحيح مسلم (1/12) .
(4)- انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/448)، والكامل في الضعفاء (3/216) .
(5)- شرح علل الترمذي (1/95) .
(6)- عبد الله بن محرَّر قاضي الجزيرة، روى عن نافع والزهري، وعنه عبد الرزاق، وأبو نعيم متروك، من السابعة. قال البخاري: منكر الحديث. ق .التقريب(ص:320)، والكاشف (1/592).
(7)- مقدمة صحيح مسلم (1/12) .
وقسم الحافظ ابن رجب الحنبلي(1)ـ رحمه الله ـ المشتغلين بالتعبُّد، الذين يُترك حديثهم إلى قسمين:
منهم من شغلته العبادة عن الحفظ(2): فكثر الوهم في حديثه، فرفع الموقوف ووصل المرسل، مثل: أبَان بن أبي عيَّاش(3)، ويزيد الرّقَاشي(4). وكان شعبةـ رحمه الله ـ يقول في كل واحد منهما: « لأن أزنيَ أحبّ إليّ من أن أحدّث عنه » (5) .
ـــــــــــــــــ
(1)- عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن الشهير بابن رجب، الإمام العلامة الزاهد القدوة الحافظ العمدة الثقة الحجة الحنبلي المذهب. قدم إلى دمشق مع والده وهو صغير، سمع واشتغل بالحديث وحدّث حتى صار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق، ووعظ وذكَّرَ وصنَّف. من مصنفاته: شرح جامع الترمذي، وشرح أربعين النواوي. توفي سنة(795هـ)، ودفن في دمشق في الباب الصغير. انظر : الدرر الكامنة(2/429)، وشذرات الذهب(6/339ـ340)،
((1/66)
2)- قلت: وهؤلاء عند الحاكم في الطبقة السادسة من المجروحين، لم يتفرغوا إلى ضبط الحديث وحفظه والإتقان فيه، فاستخفوا بالرواية، فظهرت أحوالهم. المدخل (ص:105) .
(3)- واسم أبي عياش فيروز، وقيل دينار أبو إسماعيل، بصري، رجل صالح، سمع عن أنس بن مالك أحاديث وجالس الحسن فكان يسمع كلامه ويحفظه فإذا حدث ربما جعل كلام الحسن الذي سمعه من قوله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم، قال شعبة: لأن أشرب من بول حمار حتى أروى أحب إلي من حديث أبان بن أبي عياش، وقال أحمد وابن معين: أبان بن أبي عياش متروك الحديث، وقال أبو داوود: لا يُكتب حديثه. من الخامسة. مات سنة(138هـ). انظر: تاريخ ابن معين رواية الدوري، يحيى بن معين، تح: أحمد محمد نور سيف، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط1/1979م، (4/146)، وسؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داوود السجستاني، سليمان بن الأشعث، تح: محمد علي العمري، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط1/1979م،(ص:319) والكامل في الضعفاء(1/381)، والمجروحين(1/96) .
(4)- يزيد بن أبان الرّقَاشي أبو عمرو البصري القاصّ الزاهد عن أبيه وأنس، وعنه الأعمش وأبو الزناد من أقرانه. كان واعظاً بكّاءً كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، صاحب عبادة وفي حديثه صنعة، كان شعبة يتكلم فيه، وكان الإمام أحمد يضعفه، ويقول: هو فوق أبان بن أبي عياش، وقال النسائي: متروك بصري، وقال ابن حجر: زاهد ضعيف، مات قبل العشرين. بخ.ت.ق.
انظر: التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، تح: هاشم الندوي، دار الفكر، (8/320)، والجرح والتعديل(9/251)، ولسان الميزان(7/439)، وتقريب التهذيب (ص:599).
(5)- انظر: ضعفاء العقيلي (1/38)، والتعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح سليمان بن خلف الباجي، دار اللواء، الرياض، ط1/1986م، (1/293) .(1/67)
وممّا رواه أبان بن أبي عياش عن إبراهيم النخعي(1) عن علقمة بن قيس(2) عن عبد الله(3) قال: (( بتُّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنظرَ كيف يقنت في وتره فقنت قبل الركوع، ثم بعثتُ أمي أمّ عَبْد، فقلتُ: بيتي مع نسائه وانظري كيف يقنت في وتره، فأتتني فأخبرتني أنه قنت قبل الركوع)). أبان متروك(4).
ومن أمثلة ما رواه يزيد بن أبان الرّقاَشي عن أنس(5)ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يزالُ الجهادُ حلواً خَضِراً ما أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ، وسينشأ نشأ من قبلِ المشرقِ يقولون: لا جهاد ولا رباط، أولئك هم....
ــــــــــــــ
(1)- إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه عن خاله الأسود وعلقمة، ورأى عائشة، وعنه: الحكم ومنصور والأعمش. كان عجباً في الورع والخير، متوقياً للشهرة، رأساً في العلم مات سنة (96هـ) كهلاً.ع. الكاشف(1/227) .
(2)- علقمة بن قيس أبو شِبل الفقيه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله،وعنه: ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد، وابن أخته إبراهيم النخعي، وسلمة بن كهيل، وآخرون، قال أبو معمر: قوموا بنا إلى أشبه الناس بعبد الله هَدْياً ودَلاًّ وسَمْتاً، فقمنا إلى علقمة. مات سنة(62هـ).ع.الكاشف(2/34)
(3)- عبدالله بن مسعود بن غافل الهُذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، قال له النّبي: ((إنك لغلام مُعَلَّم)). أوّل مَن جهر بالقرآن، أمّره عمر على الكوفة، مات سنة(32هـ) أو بعدها بالمدينة. الإصابة في تمييز الصحابة (4/233/234) .
(4)- سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن، تح: عبدالله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت ط/1966م، (2/32) . وعند ابن أبي شيبة قال: حدثنا حفص عن ليث عن عبد الرحمن ابن الأسود عن أبيه أن عبد الله كان يوتر فيقنت قبل الركوع.(1/68)
المصنَّف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تح: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1409هـ، في القنوت قبل الركوع أوبعده (2/96) .
فالحديث الأول مرفوع، وهذا موقوف على ابن مسعود، والذي رفعه إنما هو أبان، والناس يقفونه على ابن مسعود، وربما وُقِفَ على إبراهيم. انظر: شرح علل الترمذي(1/98).
ومدار الحديث على أبان، وأبان متروك .
(5)- أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد المكثرين عنه، خدمه عشر سنين ودعا له، أقام بالمدينة، وشهد الفتوح، ثم قطن البصرة ومات بها قال علي بن المديني: كان آخر الصحابة موتاً بالبصرة، توفي سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة.ع. انظر: الإصابة(1/127)، والتقريب(ص: 115) .
وقودُ النارِ، بل رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من عتقِ ألفِ رقبةٍ، ومن صدقةِ أهلِ الأرضِ جميعاً ))(1) .
ومنهم من كان يتعمّد الوضع ويتعبّد بذلك(2)، كما ذكر الأئمة عن زكريّا بن يحيى الوَقَّار المصري(3) .
قلت: وغير هؤلاء كثير ممن عرفوا بالزهد والعبادة، وتركهم الأئمة النقاد؛ لأنهم لم يكونوا من أحلاس الحديث؛ بسبب سوء حفظهم للأسانيد، وروايتهم للموضوعات عن قوم ثقات، فوقعوا في الكذب من حيث لا يدرون. وقد قال الإمام يحيى بن سعيد القطان: « ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث»(4). فهؤلاء قد أدركتهم، أو أصابتهم ـ كما يقول المحدثون ـ غفلة الصالحين(5)، فوقع منهم الخلط والغلط .
ــــــــــــــــــ
(1)- أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، تح:علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1/1998م، (43/347). وفي سنده عبّاد بن كثير الثقفي البصري متروك. قال أحمد: روى أحاديث كذب. من السابعة، مات بعد الأربعين . د.ق. التقريب(ص:290).
ويزيد بن أبان الرّقاشي ضعّف عن أنس رضي الله عنه .
(2)- شرح علل الترمذي(1/96) .
((1/69)
3)- زكريا بن يحيى الوقّار المصري أبو يحيى، قال ابن عدي: سمعت مشايخ أهل مصر يثنون عليه في باب العبادة والاجتهاد والفضل، وحديثه كثير بعضه مستقيم، وبعضه ما ذكرت وغيرما ذكرت موضوعات، وكان يُتَّهم الوقّار بوضعها؛ لأنه يروي عن الثقات أحاديث موضوعة، وقال ابن عبد البَرّ: لم يكن من أهل الحديث، وقال ابن يونس: كان يحدث بمناكير، مات سنة(254هـ).
انظر: الكامل في الضعفاء(3/216)، والاستذكار، يوسف بن عبد الله النمري(ابن عبد البر)، تح: سالم عطا، ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/2000م. (8/448)، ولسان الميزان(2/487).
(4)- العلل ومعرفة الرجال(2/448) .
(5)- قلت: ومعنى غفلة الصالحين: أن الرجل إذا أكثر من الاشتغال بالزهد والعبادة حتى غلبت عليه لم يتفرغ لضبط المرويات، وحفظ الأسانيد والمتون كما ينبغي، فيكثر منه الخلل .
أو يحسن الظن بكل الناس، فيحمله حسن ظنه على الأخذ منهم من غير تمييز، حتى ولو كان هذا الذي أخذ عنه كذاباً أو ضعيفاً.
وممن أدركته غفلة الصالحين: رِشْدين بن سعد أبو الحجاج المصري، قال ابن يونس: كان صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث. التقريب(ص:209) .
المطلب الثاني: الاشتغال بالفقه
يمتاز الفقه الإسلامي بقوة البناء، وثبات الأركان، وسعة المصادر والأحكام وتعدد الآفاق، وصلاحيته لكل زمان ومكان، ومن يشتغل بهذا العلم يحتاج إلى سعة اطلاع وشدة متابعة، وقوة استنباط، وهذا يتطلب جهداً كبيراً وبحثاً متواصلاً، ووقتاً مديداً فالذي تعمق في دراسة الفقه، وجعله أكبر همَه، لم يبق عنده وقت لضبط مروياته ومراجعتها، ومعارضة أحاديثه ومذاكرتها، وكثير من الذين يتخصصّون في فرع من العلوم، ويستفرغون وقتهم وجهدهم فيه، يكون ذلك سبباً لتقصيرهم في بقية العلوم .(1/70)
وقد تكلم الأئمة النقّاد في بعض الرواة ـ من جهة مروياتهم ـ الذين كانوا أعلاماً في الفقه؛ كحمّاد بن أبي سليمان(1) من كبار الفقهاء، وشيخ الإمام أبي حنيفة(2)، ومع هذا قال عنه الإمام شعبة: « كان حمّاد بن أبي سليمان لا يحفظ »(3).
قال ابن أبي حاتم(4) موضحاً مقصود شعبة: « كان الغالب عليه الفقه، وإنه لم يُرزقْ حفظ الآثار » (5).
ــــــــــــــــ
(1)- حمَّاد بن أبي سليمان مسلم الأشعري مولاهم أبو إسماعيل الكوفي، روى عن أنس وابن المسيّب وإبراهيم. وعنه: ابنه إسماعيل وأبو حنيفة ومسعر وشعبة، ثقة، إمام، مجتهد، كريم، جواد، فقيه، صدوق له أوهام، قال أبو إسحاق الشيباني: هو أفقه من الشعبي، قلت: لكن الشعبي أثبت منه،من الخامسة. رمي بالإرجاء. مات سنة (120هـ) أو قبلها. بخ م4.
التقريب(ص:178)، والكاشف(1/349).
(2)- النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، فقيه أهل العراق، وإمام أصحاب الرأي، من أبناء فارس رأى أنساً ولم يثبت له شيء عن أحد من الصحابة، مات سنة(150هـ).ت.س .
انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر بن أبي الوفاء، تح: عبد الفتاح الحلو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1993م، (1/26)، والتقريب(ص:563) .
(3)- الجرح والتعديل(1/137) .
(4)- الإمام الحافظ الناقد، أبو محمد، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، ثقة حافظاً زاهداً، له الجرح والتعديل، والعلل، والتفسير. مات سنة(327هـ). انظر: تذكرة الحفاظ(3/829ـ831) .
(5)- الجرح والتعديل(1/137) .
وقال أبو حاتم(1): « هو صدوق ولا يحتج بحديثه، هو مستقيم في الفقه وإذا جاء الآثار شَوّش »(2) .(1/71)
قلت: قعَّد المحدثون قواعد ـ في منهج النقد ـ مفادها: أنّ الفقهاء يغلب عليهم إحكام حفظ المتون والأحكام، دون الأسانيد والأسماء، فإذا روى أحدهم خبراًـ وكان الغالب عليه الاشتغال بالفقه ـ لم يُقبل إلا من كتابه؛ لأنه قد يخطىء ويخالف.
قال ابن حبان(3): « الفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى دون حفظ الأسانيد وأسماء الْمُحَدِّثِيْن، فإذا رفع محدّثٌ خبراً، وَكَانَ الغالب عَلَيْهِ الفقه لَمْ أقبل رفعه إلا من كتابه؛ لأنه لا يعلم المسند من المرسل، ولا الموقوف من المنقطع، وإنما همّته إحكام الْمَتْن فَقَطْ »(4).
وجاء في شرح علل الترمذي: « الفقهاء المعتنون بالرأي حَتَّى يغلب عليهم الاشتغال بِهِ: لا يكادون يحفظون الْحَدِيْث كَمَا ينبغي، ولا يقيمون أسانيده ولا متونه ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً، ويروون المتون بالمعنى ... »(5) .
ــــــــــــــــ
(1)- محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي، الإمام الحافظ الكبير، ولد سنة(195هـ) كتب وسمع ورحل وحدّث، قال موسى بن إسحاق الأنصاري: ما رأيت أحفظ من أبي حاتم. مات سنة(277هـ).د.س.فق. تذكرة الحفاظ(2/567)، والتقريب(ص:467).
(2)- الجرح والتعديل(3/147) .
(3)- محمد بن حبان، أبو حاتم البُسْتي، صاحب التصانيف. قال الحاكم: كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال. صنف المسند الصحيح والتاريخ والضعفاء وفقَّه الناس بسمرقند. توفي سنة(354هـ). تذكرة الحفاظ (3/920ـ922) .
(4)- صحيح ابن حبان(1/159) .
((1/72)
5)- (2/711). وقد مثّل لذلك بحديث رواه شريك بن عبدالله النّخَعي عن أنس: (( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بِرِطْلَين من ماء )). أخرجه الترمذي في أواخر الصلاة(2/507)، قال أبو عيسى: (( هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك على هذا اللفظ )). والإمام أحمد في المسند(3/179) بلفظ: (( يجزىء في الوضوء رِطْلان من ماء )).
وهذا رواه بالمعنى الذي فهمه، أما لفظه: (( أنه كان يتوضأ بالمُد )). والمد: رِطْلان عند الكوفيين.
انظر: شرح العلل(2/714) . أخرج الحديث البخاري في الوضوء بالمُد(1/84) . ومسلم في باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة....(1/257).
المطلب الثالث: الاشتغال بالقراءات
إنّ القراءات علم من علوم القرآن الكريم، ولها أهميتها البالغة؛ لما جاءت به من فوائد في تنزيل القرآن، وحفظ لغات العرب ولهجاتها، ولزيادة الدّلالة على إعجاز القرآن، فإنها تؤيد بعضها بعضاً(1).
قلت: وفي العلماء من برع في القراءات وأصبح حجة فيها، إلا أن العلماء لم يحتجوا بهم في الرواية والأسانيد؛ لسوء حفظهم للحديث وشغلهم بغيره، فالقراءات فنّ، والحديث فنّ آخر .
وقد شهد أئمة القراءات لعاصم بن أبي النجود(2) بالإتقان، حيث احتج به في علم القراءات دون الأحاديث؛ لغلبة علم القرآن عليه؛ لأنه صرف كل عنايته واهتمامه إليه(3) .
ونقل الإمام الذهبي في ترجمة أبي عمر الدُوري(4) شيخ المقرئين عن الحافظ الدارقطني قوله: « أبو عمر الدوري، يقال له: الضرير، وهو ضعيف » (5).
فقال ـ الذهبي ـ معلّقاً على كلام الدَّارَقُطْني: « وقول الدار قطني: ضعيف؛ يُرِيد في ضبط الآثار، أمّا في القراءات فثبت إمام... » .
ــــــــــــــــــ
(1)- علوم القرآن الكريم، د. نور الدين عتر، مطبعة الصباح، ط6/1996م، (ص:154) .
((1/73)
2)- عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود الأسدي، وبهدلة اسم أبيه على الأصح. مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرىء. صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون. من السادسة، مات سنة (128هـ).ع. وقال الدارقطني: في حفظه شيء، وقال النسائي: لا بأس به. انظر: الجامع لأخلاق الراوي(2/79)، والتعديل والتجريح (3/994)، وتهذيب التهذيب(5/35)، والتقريب(ص:285) .
فالبخاري ومسلم لم يقبلا له رواية تفرد بها، وليس له متابع، أما إذا توبع فحديثه حسن، وإذا تفرّد فهو ضعيف .
(3)- الجامع لأخلاق الراوي(2/194) .
(4)- حفص بن عمر بن عبد العزيز أبو عمر الدوري، المقرىء، الضرير الأصغر، صاحب الكسائي. مقرىء العراق. كتب عنه أحمد. لا بأس به من العاشرة. مات سنة (246هـ). ق .
الكاشف للذهبي(1/342)، والتقريب (ص:173)
(5)- سير أعلام النبلاء(11/541) .
وتابع الذهبي قوله: « وكذلك جماعة من القرّاء أثبات في القراءة دون الحديث، نهضوا بأعباء الحروف وحرّروها، ولم يصنعوا ذلك في الحديث، كما أنّ طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث، ولم يُحْكِموا القراءة، وكذا شأن كلّ مَنْ بَرز في فنّ، ولم يَعْتَنِ بما عداه » (1).
قلت: وما قيل في علم القراءات يقال فيمن برع في التفسير، وكان حجة فيه ولم يحتج به الأئمة في الحديث .
قال الخطيب البغدادي: « إلا أن العلماء قد احتجوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مسند الأحاديث المتعلقة بالأحكام؛ وذلك لسوء حفظهم الحديث، وشغلهم بالتفسير فهم بمثابة عاصم بن أبي النجود؛ حيث احتج به في القراءات دون الأحاديث المسندات لغلبة علم القرآن عليه فصرف عنايته إليه »(2) .
قال يحيى بن سعيد: « تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث ثم ذكر ليث بن أبي سلم، وجويبر بن سعيد(3)، والضحاك(4)، ومحمد بن السائب(5) وقال: هؤلاء لا يُحمل حديثهم، ويُكتب التفسير عنهم »(6) .
ــــــــــــــــــــ
(1)- سير أعلام النبلاء(11/543) .
((1/74)
2) ـ الجامع لأخلاق الراوي (2/194) .
(3) ـ أبو القاسم البلخي، نزيل الكوفة، راوي التفسير، ضعيف جداً، من الخامسة، مات بعد الأربعين. خد ق. التقريب (ص:143) . قال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فجويبر كيف حديثه؟ قال: ضعيف. الكامل في الضعفاء (2/121) .
(4) ـ ابن مزاحم الهلالي أبو القاسم، أو أبو محمد الخراساني، صدوق كثيرالإرسال من الخامسة. مات بعد المائة . التقريب (ص:280)، لقي سعيد بن جبير بالري، وأخذ عنه التفسير، والضحاك عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس، وأبي هريرة، وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر، وإنما اشتهر بالتفسير. الكامل (4/96) .
(5) ـ الكلبي أبو النضر الكوفي، النسابة المفسر، متهم بالكذب، ورمي بالرفض، من السادسة مات سنة ست وأربعين . ت فق .التقريب (ص:479) .
وقال ابن عدي رحمه الله : ورضوه بالتفسير، وأما في الحديث فخاصة إذا روى عن أبي صالح عن ابن عباس ففيه مناكير، واشتهر به فيما بين الضعفاء، يكتب حديثه .
الكامل في الضعفاء (6/119) .
(6) ـ التهذيب (2/106) .
المطلب الرابع: الاشتغال بالسّيرة أو التّاريخ(1)
درج الأئمة النقاد على قبول أخبار الرواة فيما تخصّصوا فيه من المغازي(2) والسِّيرة(3)، والأخبار(4).
قلت: وهذا منهج معتبر عند العلماء المحققين، وإن لم يقبلوا روايتهم للحديث فقد تجد نفس الخبر مقبولاً عند أهل السيرة والأخبار مرفوضاً عند أهل الحديث، وقد تجد الرجل حجّة في المغازي والتاريخ غير محتج به في الحديث؛ لسوء حفظه واختلال ضبطه .
ـــــــــــــــــــ
((1/75)
1)- قلت: وحقيقة التاريخ: التعريف بالوقت التي تضبط به الأحوال في المواليد والوفيات، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع التي ينشأ عنها معان حسنة، مع تعديل وتجريح ونحو ذلك. وقال الصّولي: تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه زمنه. فتح المغيث(3/308) وانظر: شرح شرح النخبة(ص:154). قال الحافظ ابن حجر: ومن ثم احتيج إلى التاريخ لتضمنه تحرير مواليد الرواة ووفياتهم وأوقات طلبهم وارتحالهم. نزهة النظر(ص:81).
(2)- ما يتعلق بغزوات النبي عليه الصلاة والسلام وفتوحاته، وما جرى فيها من أمور وأحكام.
ويتعلق بمغازي النبي عليه الصلاة والسلام أحكام كثيرة، ومناقب عديدة، فيجب كتبها، والحفظ لها. عن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيدها علينا وسراياه، ويقول: يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها .
وعن علي بن الحسين قال: كنا نعلّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، وسراياه كما نعلّم السورة من القرآن. الجامع لأخلاق الراوي(2/195) .
(3)- السّيرة: تعدُّ السيرة النبوية من الفنون الأساسية التي لا يستغني عن دراستها عالم أو فقيه. وفي نظر الحافظ ابن كثير: فإن الأيام النبوية مشتملة على علوم جمة وفوائد مهمة لا يستغني عنها عالم. انظر: الفصول في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، إسماعيل بن عمر بن كثير، تح: محمد الخطراوي ومحيي الدين مستو، دمشق، دار الكلم الطيب، ط9/ 1420هـ،( ص79).
وموضوع السيرة الأساسي: هو تاريخ حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ومعرفة مراحل دعوته وجهاده وتعاليمه وهديه وأخلاقه .
(4)- يقال لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها ـ من أخبار أهل الكتاب من القصص وحكايات الملوك وغيرها ـ الإخباري. نزهة النظر مع شرحها لملا علي القاري(ص:154) .(1/76)
وهذا صنيع الأئمة من السابق، حفاظاً على حديث النبي عليه الصلاة والسلام وصيانة له؛ لأنّ هذا العلم دين فلا يُؤخذ، ولا يُكتب إلا عن أهله.
ومن المشتهرين بتصنيف المغازي، وصرْف العناية إليها: محمد بن إسحاق(1). وقد أكثر الأئمة الكلام فيه في الطرفين: الثناء والذم؛ فأما البخاري ومسلم فلم يحتجا به في صحيحيهما البتة، وإنما أخرج له مسلم أحاديث في المتابعات لا في الأصول
وكذلك البخاري أيضاً لم يخرج له شيئاً في الأصول البتة، وإنما ذكره في الاستشهاد جرياً على عادتهما فيمن لا يحتجان بحديثه(2) .
وقال عبدالله بن أحمد(3) ـ وقد سأله رجل عن ابن إسحاق ـ : « كان أبي يتتبّع حديثه، ويكتبه كثيراً بالعُلوّ والنّزول ويخرجه في المسند، وما رأيته أنفى حديثه قطّ قيل له: يُحتَجُّ به؟ قال: لم يكن يُحتَجُّ به في السُّنن »(4) .
وقال الزُّهري: « من أراد المغازي، فعليه بمولى قيس بن مَخرَمة هذا »(5) .
ومن الرواة الذين يُعتَمَد عليهم في التاريخ؛ لضبطهم لرواياتهم وعنايتهم بها...
ـــــــــــــــــ
(1)- محمد بن إسحاق: إمام المغازي، صدوق، مشهور بالتدليس، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما، رمي بالتشيع والقدر، من صغارالخامسة، مات سنة(150هـ)، ويقال بعدها، خت م عه. انظر: طبقات المدلسين، أحمد بن حجر العسقلاني، تح: عاصم القريوتي، مكتبة المنار، عمان ط1/1983م .( ص:51)، والتقريب(ص:467) . وكان أحمد بن حنبل لا يقبل حديث ابن إسحاق إذا تفرد، ويقول: إني رأيته يحّدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من ذا. تاريخ بغداد(1/230). وقال الخطيب: وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأسباب منها: أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، وأما الصدق فليس بمدفوع عنه. تاريخ بغداد(1/224).
(2)- رسالة في الجرح والتعديل، عبد العظيم المنذري، تح: عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة دار الأقصى، الكويت، ط1/1406هـ، (ص:42) .
((1/77)
3)- عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الرحمن، وَلَدُ الإمام، ثقة. وُلِدَ سنة(213هـ) ، وتوفي سنة(290هـ). س. انظر: الكاشف(1/538)، والتقريب(ص:295).
(4)- تهذيب الكمال(24/422) .
(5)- التاريخ الكبير(1/40) .
ولا يُحتج بهم في الحديث؛ بسبب ضعف ضبطهم لرواياتهم الحديثية: سيف بن عمر التميمي(1). ومما أسنده الحاكم ـ رحمه الله ـ عن سيف بن عمر، قال: كنت عند سعد بن طريف(2)، فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي، فقال: مالك؟ قال: ضربني المعلّم قال: لَأُخْزِيَنَّهُم اليوم. حدثني عكرمة(3) عن ابن عباس(4) مرفوعاً: (( معلِّمو صبيانكم شرارُكم، أقلُّهم رحمةً لليتيم، وأغلظُهم على المسكين ))(5) .
ــــــــــــــــ
(1)- سيف بن عمر التميمي صاحب كتاب الردة، يقال الضَّبِّي، ويقال غير ذلك، الكوفي، ضعيف الحديث، عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبان القول فيه، من الثامنة. مات في زمن الرشيد، ت. التقريب(ص:262) . قلت: أما إفحاش ابن حبان القول فيه، فإنه قد قال: اتهم بالزندقة. وقال: يروي الموضوعات عن الأثبات. المجروحين(1/345). ودعوى الاتهام بالزندقة لا دليل عليها. قال أستاذنا الدكتور نور الدين عتر في التعليق على المغني في الضعفاء لشمس الدين الذهبي(1/293): وليس ثمة دليل على زندقته، بل الروايات تدلّ على خلاف ذلك.
(2)- سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي الكوفي، متروك، ورماه ابن حبان بالوضع، وكان رافضياً. من السادسة ت ق .التقريب(ص:231) .
(3)- مولى ابن عباس، كان يُكنى: أبا عبدالله، عالم بالقرآن ومعانيه. مات سنة(105هـ).انظر: طبقات المفسرين، أحمد الأدنروي، تح: سليمان الخزي، مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة، ط1/1997م. (ص:12) .
((1/78)
4)- عبدالله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، دعا له النبي بالفهم في القرآن، فكان يُسمى البحر والحبر؛ لسعة علمه. مات سنة (68هـ) في الطائف، وهو أحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة.ع. انظر: الإصابة(4/141) .
(5)- أخرجه ابن عدي في الكامل(5/347)، وابن حبان في المجروحين(1/66) من طريق عبيد بن إسحاق به، والحاكم في المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل(ص:94)، رقم(141)، وابن الجوزي في الموضوعات بلفظ: (( شراركم معلّموكم...))، وقال ابن الجوزي عقبه: هذا حديث موضوع بلا شك وفيه جماعة مجروحون، وأشدهم في ذلك سيف وسعد فكلاهما متهم بوضع الحديث. وسعد هو في هذا الحديث أقوى تهمة. الموضوعات، عبد الرحمن بن الجوزي، تح: عبد الرحمن محمد عثمان ط1/1966م، (1/222ـ223)، وأورده السيوطي في تدريب الراوي(ص:182)، وقال: وهو بهذا الإسناد لا أعلم أحداً رواه غير عبيد بن إسحاق هذا .
المطلب الخامس: الانشغال بالقضاء
... إنّ منصب القضاء من المناصب المهمة، ومهمة القاضي من أصعب المهام وأكثرها حساسية؛ لما يترتب على أحكامه من مسؤولية دينية ودنيوية .
وهذه المهمة تحتاج خلفية علمية متمكنة في هذا المجال، كما تتطلب مزيداً من الوقت والتفرغ، وكثيراً من الجهد وحضور الذهن .
والحديث النبوي الشريف يحتاج كذلك إلى مثابرة ومذاكرة، وذاكرة حاضرة وقت التحمل والأداء؛ لضبط المرويات، وعدم الوقوع في الشذوذ أو المخالفات .
وبالتتبع والاستقراء لحال عدد من الرواة الذين شغلوا منصب القضاء نجد أنهم قد ساء حفظهم، واضطرب حديثهم ـ لانشغالهم بالقضايا والخصومات ـ، حتى جاءوا بالخبر على غير سننه، فجانب الأئمة النقاد حديثهم .(1/79)
ومن الرواة الذين ولّوا القضاء فساء حفظهم: شريك بن عبدالله النَّخَعِي القاضي(1)، وقد ساء حفظه بعد توليه القضاء في الكوفة، فمن سمع منه بواسط من المتقدمين كيزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق(2) فهو صحيح، ومن سمع منه من المتأخرين في الكوفة ففيه أوهام كثيرة(3) .
قال ابن عدي: « والغالب على حديثه الصحة والاستواء، والذي يقع في حديثه من النُّكْرَة إنما أُتِيَ فيه من سوء حفظه، لا أنه يتعمد في الحديث شيئاً مما يستحق أن يُنْسَب فيه إلى شيء من الضعف »(4) .
ــــــــــــــــــ
(1)- شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط ثم الكوفة، أبو عبد الله، صدوق، يخطىء كثيراً تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع. من الثامنة. مات سنة سبع أو ثمان وسبعين. خت م ع. التقريب(ص:266) .
(2)- إسحاق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي. ثقة من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين وله ثمان وسبعون. ع . التقريب(ص:104) .
(3)- الثقات لابن حبان(6/444) .
(4)- الكامل في الضعفاء(4/22) .
وكذلك ابن أبي ليلى(1). ضُعِّف حديثه من جهة سوء حفظه بعد تولِّيه قضاء الكوفة(2).
قال أبو حاتم: « محله الصدق، كان سيء الحفظ، شُغِل بالقضاء فساء حفظه لا يتهم بشيء من الكذب، إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به » (3)، وعن شعبة قال: « أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة »(4). وقال أيضاً: « ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً من ابن أبي ليلى » (5) .
ـــــــــــــــ
(1)- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو ليلى اسمه يسار، ويقال داوود، الأنصاري الكوفي القاضي، أبو عبد الرحمن، صدوق سيء الحفظ جداً. قال أحمد بن حنبل: ابن أبى ليلى كان سيء الحفظ مضطرب الحديث، وكان فقه ابن أبى ليلى أحب إلينا من حديثه. حديثه فيه اضطراب. مات سنة (148هـ). ع. الجرح والتعديل(7/322)، والتقريب(ص:493) .
((1/80)
2)- ثلاثة ولّوا القضاء فساء حفظهم بالاشتغال عن الحديث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريك، وقيس بن الربيع . نصب الراية لأحاديث الهداية، عبدالله بن يوسف الزيلعي، تح: محمد يوسف البنوري، دار الحديث، مصر، ط/1357هـ، (4/158) .
(3)- الجرح والتعديل(7/322) .
ومعنى لا يُحتج به: أي إذا انفرد بالشيء – ولم يتابع عليه - ، وأشد ما يكون في هذا إذا لم يحفظ الإسناد فزاد في الإسناد أو نقص، أو غيّر الإسناد، أو جاء بما يتغير فيه المعنى .
انظر: شرح علل الترمذي (1/130) .
(3)- التاريخ الكبير(1/162) .
(4)- الكامل في الضعفاء(6/183) .
ومن الأحاديث التي وهم فيها ابن أبي ليلى: أنبأ الشافعي أنبأ مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: (( يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلماً أو غير مستلم )).
قال البيهقي: وكذلك رواه ابن جريج وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفاً، ورواه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن عطاء فرفعه .
سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين، تح: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة ط/1994م . باب: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يفتتح الطواف، رقم (9193)، (5/104) .
ورواه أبو داوود في سننه عن ابن أبي ليلى مرفوعاً، باب: متى يقطع المعتمر التلبية.(1/564). ثم قال أبو داوود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفاً. كما رواه الشافعي في مسنده موقوفاً على ابن عباس . مسند الشافعي، محمد بن إدريس، دار الكتب العلمية بيروت (1/367) . فقد خالف عبدالله بن لهيعة، وتفرد برفعه، وهذا وهم يضعف الحديث لأجله .
المبحث الثاني
ذهاب الكتب
فيه أربعة مطالب
المطلب الأول: احتراق الكتب
المطلب الثاني: دفن الكتب
المطلب الثالث: غرق الكتب
المطلب الرابع: سرقة الكتب
ذهاب الكتب(1/81)
قد علمنا فيما مضى أن الضبط قسمان: ضبط صدر، وضبط كتاب، والمقصود بضبط الكتاب: حفظ الراوي لكتابه، وصونه عن التبديل والتغيير، وعدم إعارته إلا لمن يثق به، خشية أن يُزاد فيه، أو يُنقص منه .
ومن كان يرجع إلى كتابه، ويروي منه، فإنه يؤخذ حديثه، وإن لم يُرزق قوةً على الحفظ والمعرفة كما رُزِقَ غيره .
أما إن أهمل الراوي تعاهد كتبه حتى تطرّق إليها الخلل والتزوير، فإن هذا يخلّ بمروياته، ويفقدها قيمتها العلمية .
قلت: وبعض الرواة فقدوا كتبهم التي يعتمدون عليها، ويحدثون منها بعوامل ومؤثرات خارجة عن إرادتهم ـ وكان قد بقي في أذهانهم أشياء منها، فحدثوا بها فكان ذلك مدعاة لوقوعهم في الخطأ والوهم ـ ، وبعضهم كان سبباً في ذهاب كتبه .
والذين تلفت كتبهم بأنواع من التلف يأتون في الطبقة العاشرة من طبقات المجروحين(1) .
وذكر ابن الجوزي(2) أن من وقع في حديثه الموضوع، والكذب والقلب أنواع : منهم من غلب عليهم الزهد، فغفلوا عن الحفظ،أو
ـــــــــــــــ
(1)- قال أبو عبدالله الحاكم ـ رحمه الله ـ : قوم كتبوا الحديث، ورحلوا فيه، وعُرفوا به، فتلفت كتبهم بأنواع من التلف: الحرق، أو النهب، أو الهدم، أو الغرق، أو السرقة، فلما سئلوا عن الحديث حدّثوا بها من كتب غيرهم، أو من حفظهم على التخمين فسقطوا بذلك . المدخل إلى كتاب الإكليل(ص:112ـ113) .
(2)- الإمام العلامة الحافظ عالم العراق، وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن علي البغدادي الحنبلي الواعظ المفسر، صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم، وعرف جدهم بالجوزي بجوزة كانت في داره بواسط. ولد تقريباً سنة (510هـ) أو قبلها، سمع ووعظ، وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة، وله في كل علم مشاركة. من تصانيفه: زاد المسير والموضوعات. مات سنة(597هـ) .
انظر: تذكرة الحفاظ (4/1342ـ1347) .
ضاعت كتبه(1) فحدّث من حفظه فغلط ......(2) .(1/82)
وذهاب الكتب أو فقدانها بأي وسيلة سبب من أسباب سوء الحفظ ممن يعتمدون في الرواية على كتبهم، ومن الرواة الذين ذهبت كتبهم فساء حفظهم: عبد الحميد بن إبراهيم الحضرمي(3)، ومحمد بن جابر اليمامي(4) .
وذهاب كتب الرواة يكون بعدة أمور أُجْمِل أهمها فيما يلي:
ـــــــــــــــــ
(1)- من الرواة الذين ضاعت كتبهم فحدثوا من غير أصل: محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملي أبو بكر الورَّاق محدث بغداد، وصاحب الأمالي. قال الخطيب: سألت البرقاني عنه، فقال: ثقة. وقال ابن أبي الفوارس: ضاعت كتبه واستحدث نسخاً من كتب الناس، فيه تساهل، وقال عبيد الله الأزهري: حافظ، لكنه ليّن في الرواية يحدث من غير أصل. مات سنة (378هـ) . تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي، ت: د. عمرعبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1/1987م،(26/633) . وانظر: تذكرة الحفاظ(3/979).
لكن الإمام الذهبي –رحمه الله- يرى أنه لا مانع من التحديث من غير أصل؛ لأنه مذهب طائفة من العلماء، فضلاً عن أن التحديث من غير أصل قد عمَّ اليوم وطمّ فنرجو أن يكون واسعاً بانضمامه إلى الإجازة . انظر: تاريخ الإسلام(1/2786)، وسير أعلام النبلاء(16/389) . ومنهم: أحمد بن محمد بن حسكان أبو نصر النيسابوري الحذّاء الحنفي، سمع بعد الثلاثين وثلاثمائة من جماعة قبل الأصم. قال أبو صالح المؤذن: سمعت منه، وكان يغلط في حديثه ويأتي بما لا يتابع عليه. قال عبد الغفار: وضاعت كتبه فاقتصر على الرواية عن الأصم فمن بعده. توفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة . تاريخ الإسلام(1/2982) .
(2)- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، محمد بن علي الشوكاني، تح: عبد الرحمن يحيى المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3/1407هـ،(ص:426) .
((1/83)
3)- عبد الحميد بن إبراهيم الحضرمي أبو تقي بفتح المثناة ثم قاف مكسورة الحمصي. صدوق إلا أنه ذهبت كتبه فساء حفظه . من التاسعة . س .التقريب (ص:332).
(4)- محمد بن جابر بن سيّار بن طارق الحنفي اليمامي أبو عبد الله، أصله من الكوفة. صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه، وخلط كثيراً، وعمي فصار يُلقّن، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة.من السابعة . مات بعد السبعين. د ق. التقريب(ص:471) .
المطلب الأول: احتراق الكتب
هناك عدد من الرواة الذين كانوا يعتمدون على كتبهم فلما احترقت، ضُعِّفَتْ رواياتهم؛ لكثرة أخطائهم وأوهامهم بسبب سوء حفظهم .
منهم: الفقيه القاضي عبدالله بن لهيعة الحضرمي الذي كان حافظاً لكتبه متقناً لها وكان دائماً يرجع إليها فهي عونه وسنده .
قال الإمام أحمد بن حنبل:« ابن لهيعة أجود قِرَاءة لكتبه من ابن وهب »(1). وكان لا يرى الاحتجاج بحديث عبدالله بن لهيعة، ومع ذلك كان يكتب حديثه فلما قيل له في ذلك قال: « وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه بعضاً»(2).
أما تاريخ احتراق كتب ابن لهيعة: فقد كان سنة(169هـ)، أو(170هـ) . عن الإمام أحمد، عن إسحاق بن عيسى(3) قال: « احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين، ولقيته سنة أربع وستين، ومات سنة أربع وسبعين، أو ثلاث وسبعين »(4) .
وعن الإمام البخاري عَنْ يحيى بن بكير(5) قال: « احترق منْزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومئة »(6) .
ولم يكن مثل ابن لهيعة في مصر؛ من حيث كثرة الحديث وضبطه وإتقانه، ولكنه بعد احتراق كتبه أخذ يحدث من حفظه فخلط، وحدّث بالمناكير فخرج عن حدِّ الاحتجاج به، وسماع الرواة الذين سمعوا منه قديماً صحيح، ومنهم العبادلة(7) .
ــــــــــــــــــــ
(1)- تهذيب الكمال(15/495).
((1/84)
2)- المصدر السابق(15/493). قلت: كانت كتابة الحديث للاعتبار به أمراً شائعاً بين المحدثين . قال الثوري: إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به، ومنه ما أكتبه لأعرفه . الجامع لأخلاق الراوي(2/193) .
(3)- إسحاق بن عيسى بن نَجيح البغدادي أبو يعقوب بن الطبَّاع. سكن أَذَنَة. صدوق من التاسعة مات سنة أربع عشرة، وقيل بعدها بسنة. م ت س ق. التقريب (ص:102) .
(4)- انظر: الجرح والتعديل(5/146)، وتهذيب الكمال(15/493) .
(5)- يحيى بن عبدالله بن بُكَيْر المخزومي، مولاهم المصري. ثقة في الليث، وتكلموا في سماعه من مالك. من كبار العاشرة. مات سنة إحدى وثلاثين، وله سبع وسبعون .خ م ق . التقريب(ص:592) .
(6)- تهذيب الكمال(15/496) .
(7)- كان ابن المبارك، وابن وهب، يتتبعان أصول ابن لهيعة، ويكتبان منها.الجرح والتعديل(5/147).
قال أحمد بن حنبل: « سماع عبدالله بن المبارك وأقرانه الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل وفاته بعشرين سنة صحيح » (1) .
وروي عنه أنه قال: « سماع العبادلة من ابن لهيعة عندي صالح: عبدالله بن وهب، وعبدالله بن يزيد المقرىء، وعبدالله بن المبارك » (2) .
قلت: إن احتراق كتب ابن لهيعة كان بسبب خارج عن إرادته، فقد احترقت داره وكانت فيها كتبه فاحترقت وبقيت بعض أصولها. عن سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ قال: « عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع »(3) .
وكان بعض المحدثين يوصي بأن تُحرق كتبه بعد موته، أو تُغسَل، وبعضهم فعل ذلك في حياته؛ منهم شعبة بن الحجاج ـ أمير المؤمنين في الحديث ـ فقد قال ابنه سعد بن شعبة: « أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه، فغسلتها » .
قال الإمام الذهبي معلقاً على هذا: « وهذا قد فعله غير واحد: بالغسل، وبالحرق وبالدفن، خوفاً من أن تقع في يد إنسان واهٍ، يزيد فيها أو يغيّرها » (4) .
ــــــــــــــــــ
(1)- المدخل إلى كتاب الإكليل (ص:114) .
((1/85)
2)- شرح علل الترمذي (1/138) .
(3)- تهذيب الكمال(15/495) . وممن احترقت كتبه غير ابن لهيعة فتكلم فيه بعض الأئمة لذلك: الفضل بن الحباب أبو خليفة الجمحي. قال الخليلي في الإرشاد(2/526): احترقت كتبه منهم من وثقه ومنهم من تكلم فيه، وهو إلى التوثيق أقرب، والمتأخرون أخرجوه في الصحيح، وآخر من أكثر عنه أبو أحمد الغطريفي الجرجاني كتب إلي بأن أروي عنه .
وذكر الدارقطني في الغرائب حديثاً أخطأ في سنده فقال حدثنا محمد بن عمر ثنا أبو خليفة حدثنا محمد بن الحسن بن أخت القعنبي حدثنا عبد الله بن نافع عن مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة أنهم ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأوها بالشام.... الحديث. قال: تفرد به أبو خليفة، والمحفوظ عن مالك عن صالح بن كيسان عن عروة يعنى بغير هذا اللفظ . لسان الميزان (4/439) .
(4)- سير أعلام النبلاء(7/213). وأحرق عروة بن الزبير(94هـ) يوم الحَرَّة كتب فقه كانت له ثم ندم على ذلك. انظر: طبقات ابن سعد(5/178) .
ومنهم: أبو بكر الجِعَابي(1) فقد أوصى لما مات بأن تُحرق جميع كتبه فأُحرقت وكان فيها كتب كثيرة للناس؛ منها مائة وخمسون جزءاً لأبي الحسين بن البوّاب(2) فذهبت في جملة ما أحرق(3) .
وقال ابن كثير(4) ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر حادثة إحراق كتب الجِعَابي وكتب خلق آخرين معها: « فبئس ما عمل » (5) .
وبعض المحدثين أتت على كتبهم الأَرَضَة(6)، فلم ينشطوا لجمعها مرة أخرى(7) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1)- محمد بن عمر بن سَلْم البغدادي، الحافظ البارع، فريد زمانه، قاضي الموصل، جمع وصنف على الأبواب والشيوخ والتواريخ. قال أبو علي النيسابوري: ما رأيت في أصحابنا أحفظ من الجعابي. كان إماماً في معرفة العلل الرجال. ذكره الدارقطني وغيره بالتشيع. توفي في بغداد سنة(355هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (3/925ـ929)، ولسان الميزان(5/322) .
((1/86)
2)- عبيد الله بن أحمد بن يعقوب بن أحمد بن عبيد الله بن البواب المقرئ، أبو الحسين. قال العَتيقي: كان ثقة مأموناً. توفي في رمضان سنة(376هـ) .
تاريخ بغداد(10/362)، والإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى، علي بن هبة الله بن أبي نصر بن ماكولا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1411هـ، (1/563) .
(3)- انظر: تذكرة الحفاظ (3/926ـ927) .
(4)- عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، أبو الفداء البصروي الشافعي الإمام المحدث المفتي البارع. ولد بعد السبعمائة أو فيها. له عناية بالرجال والمتون والفقه، خرج وألّف وناظر وصنّف وفسّر. من مصنفاته: البداية والنهاية، والباعث الحثيث . مات سنة(774هـ) .
انظر: تذكرة الحفاظ(4/1500)، وشذرات الذهب(6/231) .
(5)- البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير، ط: مكتبة المعارف، بيروت، (11/262) .
(6)- الأرَضَةُ بفتحتين: دويبة تأكل الخشب. مختار الصحاح (ص:13). مادة: أرض .
(7)- منهم: علي بن المديني. قال: كنت صنفت المسند على الطرق مستقصى، وكتبته في قراطيس وصيّرته في قِمَطْر كبيرة، وخلفته في المنزل وغبت هذه الغيبة، فلما قدمت ذهبت يوماً لأطالع ما كنت كتبت، قال: فحركت القمطر فإذا هي ثقيلة رزينة بخلاف ما كانت، ففتحتها فإذا الأرضة قد خالطت الكتب، فصارت طيناً فلم أنشط بعد لجمعه. تاريخ بغداد(11/462) .
المطلب الثاني: دفن الكتب
قام عدد من المحدثين بدفن كتبهم حال حياتهم، بعد أن سمعوا كثيراً وكتبوا كثيراً، ثم أخذوا يحدثون فوهموا وأخطأؤا، وكثرت المناكير في رواياتهم فتُرك حديثهم لهذا المعنى .
من هؤلاء: محمد بن عبيد الله العَرْزَمي الفَزَارِي(1) كان قد سمع سماعاً كثيراً وكتب، ودفن كتبه، فلما كان بعد ذلك حدث فضَعّف الناس حديثه لهذا المعنى(2) .(1/87)
ومنهم: عطاء بن مسلم الخفاف(3). قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: « كان شيخاً صالحاً يشبه يوسف بن أسباط(4)، وكان دفن كتبه، وليس بقوي، فلا يثبت حديثه » (5) . وقال يحيى بن معين: « ليس به بأس، وأحاديثه منكرات »(6) .
ــــــــــــــــــ
(1)- محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العَرزَمي بفتح المهملة والزاي بينهما راء ساكنة الفَزاري،أبو عبد الرحمن الكوفي، متروك. مات سنة (155هـ). التقريب(ص:494) .
قال ابن حبان: كان صدوقاً إلا أن كتبه ذهبت، وكان رديء الحفظ، فجعل يحدث من حفظه ويهم فكثرت المناكير في روايته. تركه ابن المبارك، ويحيى القطان وابن مهدي، ويحيى بن معين . المجروحين(2/246) .
(2)- الطبقات الكبرى(6/368) .
(3)- عطاء بن مسلم الخفاف أبو مخلد الكوفي نزيل حلب، صدوق، يخطىء كثيراً. من الثامنة مات سنة تسعين، تم س ق . التقريب(ص:392) . قال ابن حبان: كان شيخاً صالحاً، دفن كتبه، ثم جعل يحدث، فكان يأتي بالشيء على التوهم، فيخطىء، فكثرت المناكير في أخباره وبطل الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات. المجروحين(2/131) .
(4)- يوسف بن أسباط الشيباني الزاهد الواعظ، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدي: ويوسف عندي من أهل الصدق، إلا أنه لما عدم كتبه كان يحمل على حفظه، فيغلط ويشتبه عليه ولا يتعمد الكذب، وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات. وعن عائذ بن شريح قال: مستقيم الحديث ربما أخطأ، وكان من خيار أهل زمانه، مات سنة (195)هـ. لسان الميزان(6/317) .
(5)- الجرح والتعديل(6/336) .
(6)- ضعفاء العقيلي(3/405) .
وذكر في ترجمة بشر بن الحارث(1) أنه دفن له ثمانية عشر ما بين قِمَطْر(2) وقَوْصَرَة(3) من الحديث .(1/88)
ونقل عنه قوله: « وإني لأدعو الله أن يذهب به من قلبي ـ أي الحديث ـ ويُذهب بحفظه من قلبي، وإن لي كتباً كثيرة قد ذهبت، وأُراها توطأ ويُرمى بها فما آخذها وإني لأهم بدفنها وأنا حي صحيح، وما أكره ترك ذاك من خير عندي، وما هو من سلاح الآخرة، ولا من عُدد الموت »"(4) .
ــــــــــــــــــ
(1)- بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المروزي، نزيل بغداد، أبو نصر الحافي الزاهد الجليل المشهور، ثقة قدوة ، من العاشرة . مات سنة سبع وعشرين، وله ست وسبعون . ل عس. التقريب(ص:122) .
(2)- القِمَطْرُ بوزن الهزبر. والقِمَطْرَةُ: ما تصان فيه الكتب. ولا يقال: قمّطر:بالتشديد. ويُنشد:
ليس بعلم ما يعي القمطر ما العلم إلا ما وعاه الصدر. مختار الصحاح(ص:560). مادة: قمطر.
(3)- القوصرَة: بالتخفيف والتشديد: وعاء من قصب للتمر. الفائق في غريب الحديث، محمود بن عمر الزمخشري، تح: علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، ط2، (3/181) .
(4)- تاريخ بغداد(7/71) . وانظر: سير أعلام النبلاء(10/474) .
وممن دفن كتبه أيضاً: سَلْم بن ميمون الخوّاص(1) ، والحسن بن رودبار(2). وقال أبو عبدالله الحاكم(3) : « إسحاق(4)، وابن المبارك(5) ومحمد بن يحيى(6)، هؤلاء دفنوا كتبهم ».
ـــــــــــــــــــــــ
(1)- سلم بن ميمون الخوّاص من عباد أهل الشام وقرائهم ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن حفظ الحديث وإتقانه، فربما ذكر الشيء بعد الشيء، ويقلبه توهماً لا تعمداً، فبطل الاحتجاج بما يروي إذا لم يوافق الثقات، قال محمد بن عوف الحمصي: كان سلم بن ميمون الخواص دفن كتبه، وكان يحدث من حفظه فيغلط . الجرح والتعديل(4/267) والمجروحين(1/345) .
(2)- الحسن بن رودبار: كوفي ثقة، دفن كتبه، وقال: لا يصلح قلبي على الحديث. تاريخ أسماء الثقات(1/294) .
((1/89)
3)- محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدُويَهْ، أبو عبدالله النيسابوري الشافعي، الإمام الحافظ الناقد صنَف، وخرّج، وجرّح، وعدّل، وصحّح، وعلَل، وكان من بحور العلم، تبلغ تصانيفه ألف جزء، منها: المستدرك، ومعرفة علوم الحديث، توفي سنة(405هـ) .
انظر: تاريخ بغداد(5/473)، والسير(17/162ـ177)، وطبقات الشافعية الكبرى(4/155) .
(4)- إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهويه المروزي، ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود: أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين، وله اثنتان وسبعون .خ م د ت س . التقريب(ص:99) .
(5)- عبدالله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة ثبت، فقيه عالم، جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة (181هـ) ، وله ثلاث وستون .ع .التقريب(ص:320) .
(6)- محمد بن يحيى بن حَبَّان، بفتح المهملة وتشديد الموحدة، بن منقذ الأنصاري المدني ثقة فقيه، من الرابعة، مات سنة (121هـ) وهو ابن أربع وسبعين سنة .ع. التقريب(ص:512).
قال الحافظ شمس الدين الذهبي: « هذا فعله عدّة من الأئمة، وهو دالّ أنهم لا يرون نقل العلم وجادة(1). فإن الخط قد يتصحف على الناقل، وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغيّر المعنى ونحو ذلك، وأما اليوم فقد اتسع الخَرْقُ، وقلَّ تحصيل العلم من أفواه الرجال، بل ومن الكتب غير المغلوطة، وبعضُ النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجّى »(2).
قلت: لو حقّق ودقّق من ينقل، وأمسك عن الكلام من لا يعلم، وترك الكتابة من ليس من أهلها، لما وقع الخلط والخبط في الكتب وفي النقل .
وقد كان القوم أهل حفظ وضبط، ومن لم يكن يحفظ كان يروي من أصول صحيحة، فإذا ذهبت كتبه، وأخذ يخلط ويغلط في الرواية، توقف الأئمة بشأن مروياته وأخضعوها لعملية السبر والاختبار؛ لمعرفة نسبة الموافقة، أو المخالفة لروايات الثقات من الحفاظ .(1/90)
ومن المعلوم أن دفن الكتب، أو ذهابها بأي سبب(3)، لا يؤثر على مرويات الراوي إلا إذا كان ممن يعتمد في الرواية عليها، ويُديم الرجوع إليها. أما من كان حافظاً متقناً، وقام بدفن كتبه، فلا يؤثر هذا على رواياته .
ــــــــــــــــــ
(1)- الوجادة: بكسر الواو، مصدر لـ: (وجد يجِد) مولَّد. وفي الاصطلاح: أن يجد بخط يعرف كاتبه فيقول: (( وجدت بخط فلان ))، ولا يسوغ فيه إطلاق أخبرني بمجرد ذلك، إلا إن كان له منه إذن بالرواية عنه، وأطلق قوم ذلك فغُلِّطوا. علوم الحديث(ص:178)، ونزهة النظر(ص:125).
ومعظم المحدثين والفقهاء من المالكية لا يرون العمل بها. وأجازها الشافعي وطائفة من نظار أصحابه وغيرهم من أرباب التحقيق. انظر: الإلماع للقاضي عياض: (ص:120).
(2)- سير أعلام النبلاء(11/377) .
(3)- قلت: مهما كان الباعث على دفن الكتب ـ عند من فعل ذلك ـ؛ من ترك للحديث بعد طلبه واشتغال بالزهد والعبادة، أو مخافة عدم الإخلاص في الطلب، أو أنها ليست من زاد الآخرة، أو ذهاب الفائدة منها بعد الاهتداء إلى الخالق، أو خشية العبث بها والتغيير فيها، وغير ذلك من القصود والبواعث التي دفعت بعض أصحاب الكتب إلى دفنها، فلا تأثير لهذا كله على أحاديث الراوي، إلا إذا حدّث ووقعت الأوهام والمناكير في حديثه؛ لسوء حفظه، وقلة ضبطه؛ لأن اعتماده كان على هذه الكتب أصلاً.
المطلب الثالث: غرق الكتب
طال الغرق كتب بعض المحدثين كلاًّ أو جزءاً، دون أن يكون لهم دخل في ذلك؛ فقد تُغمر المنطقة التي يسكنها المحدث بالماء، فيكون ذلك سبباً في ذهاب كتبه وقد تتعرض البلاد لغزو أو عدوان، فلا تسلم حتى الكتب من الإغراق والإحراق. فيحدِّث الراوي بعد ذهاب كتبه، فيقع منه الوهم والغلط، فيُغمز ويُلَيَّنُ لسوء ضبطه واختلاله .
وقد يرمي بعض العلماء كتبه في البحر لسبب أو لآخر، ويترك التحديث ويشتغل بالزهد والعبادة(1)، فلا يؤثر هذا عليه إلا إذا حدّث وخالف في ذلك الحفاظ .(1/91)
وممن غرقت بعض كتبه فنسخها من كتاب ليس فيه سماعه، وضُعِّفَ لأجل ذلك المسند المحدث: أبو بكر القَطِيعي(2) .
ــــــــــــــــــــ
(1)- وقد فعل ذلك: أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث التَّغْلِبِي، يكنى أبا الحسن بن أبي الحواري بفتح المهملة والواو الخفيفة وكسر الراء، ثقة زاهد، من العاشرة . مات سنة ست وأربعين. د ق. التقريب(ص:81) .
قال يوسف بن الحسين: طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة، ثم حمل كتبه كلها إلى البحر فغرَّقها، وقال: يا عِلْمُ، لم أفعل هذا تهاوناً بك، ولا استخفافاً بحقك، ولكن كنت أطلبك لأهتدي بك إلى ربي، فلما اهتديت بك إلى ربي استغنيت عنك. حلية الأولياء(10/60) .
(2)- أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي القطيعي الحنبلي، من قطيعة الدقيق. راوي مسند الإمام أحمد، والزهد، والفضائل، له. الشيخ العالم المحدث مسند الوقت، ولد في أول سنة(274هـ). رَحَلَ، وكتب، وخرّج، وله أُنْس بعلم الحديث، وقال السلمي: سألت الدارقطني عنه فقال: ثقة زاهد قديم، سمعت أنه مجاب الدعوة، وعن أبي الحسن بن الفرات قال: كان مستوراً، صاحب سنة كثير السماع إلا أنه خلط في آخر عمره، وكف بعده وخرف حتى كان لا يعرف شيئاً مما يُقرأ عليه. قال ابن حجر: وهذا القول غلو وإسراف، وقد كان أسند أهل زمانه. مات سنة (368هـ)، وله (95) سنة.
تاريخ بغداد (4/73)، وسير أعلام النبلاء(16/210ـ213)، والبداية والنهاية(11/293) .
قال محمد بن أبي الفوارس(1): « أبو بكر بن مالك كان مستوراً، صاحب سُنّة ولم يكن في الحديث بذاك، له في بعض المسند أصول فيها نظر، ذُكِرَ أنه كتبها بعد الغرق »(2) .
وقال الخطيب البغدادي: « كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نَسْخَها من كتاب لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس، إلا أنّا لم نرَ أحداً امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به »(3) .(1/92)
وقال أبو بكر البرقاني(4): « كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يشك في سماعه، وإنما كان فيه بَلَه، فلما غرقت القطيعة(5) ...
ـــــــــــــــــــــ
(1)- الحافظ المجود أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل البغدادي، ويعرف بابن أبي الفوارس، ولد سنة (338هـ)، وسمع، وارتحل، وجمع، وصنّف، قال الخطيب: كان ذا حفظ وأمانة مشهوراً بالصلاح، انتخب على المشايخ. حدث عنه أبو بكر البرقاني وأبو سعد الماليني، وقرأت عليه قطعة من حديثه، وكان يملي في جامع الرصافة. مات في ذي القعدة سنة (412هـ). تذكرة الحفاظ (3/1053)، والإكمال(7/91) .
(2 )- تاريخ بغداد(4/73) .
(3)- المصدر السابق(4/73) .
(4)- أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب، أبو بكرالبَرْقَاني، الإمام العلامة الفقيه، الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، صاحب التصانيف، ارتحل، وسمع ، وحدث. قال الخطيب: كان البرقاني ثقة ورعاً ثبتاً فهماً، لم نرَ في شيوخنا أثبت منه، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مسعر، وكان حريصاً على العلم، منصرف الهمة إليه. له (المستخرج على الصحيحين)، و(سؤالات البرقاني وأجوبة الدارقطني). مات في بغداد سنة(425هـ) .
انظر: تاريخ بغداد(4/373ـ375)، وتذكرة الحفاظ(3/1074ـ1075)، ولسان الميزان(1/145) .
(5)- بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وسكون الياء المنقوطة، وهي مواضع وقطائع في محالٍ متفرقة ببغداد. والمقصود هنا: قطيعة الدقيق قي بغداد، والتي ينسب إليها أبو بكرالقَطيعي.
انظر: الأنساب، عبد الكريم بن منصور السمعاني، تعليق: عبدالله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت ط1/1988م، (4/528)، ومعجم البلدان، ياقوت الحموي، دار الفكر، بيروت . (4/371) وما بعدها .(1/93)
بالماء الأسود، غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه، ولما اجتمعت مع الحاكم بن عبد الله بن البَيِّع بنيسابور، ذكرت ابن مالك ولينْتُه فأنكر عليّ، وقال: ذاك شيخي. وحسَّنَ حاله »(1) .
قلت: رحل أبو عبدالله الحاكم مرة ثانية، سنة سبع وستين، وسمع مسند الإمام أحمد من أبي بكر القطيعي(2) ؛ أي قبل موت القطيعي بسنة تقريباً .
وإن نَسْخَ ابن مالك لِمَا غرق من كتبه من نسخة ليس فيها سماعه، ليس موجباً لتليينه والطعن فيه، فقد تكون قرئت عليه، أو عورضت بالأصل(3) .
قال ابن كثيرـ رحمه الله ـ : « ولم يمتنع أحد من الرواية عنه، ولم يلتفتوا إلى ما طعن عليه بعضهم، وتكلم فيه بسبب غرق كتبه، حين غرقت القطيعة بالماء الأسود فاستحدث بعضها من نسخ أخرى، وهذا ليس بشيء؛ لأنها قد تكون معارضة على كتبه التي غرقت، والله أعلم » (4) .
وممن كان يُذكر أن أصوله غرقت: أحمد بن يوسف بن دوست(5) ....
ـــــــــــــــــ
(1)- تاريخ بغداد ( 4/73) .
(2)- انظر: تاريخ الإسلام(1/2730) .
(3)- انظر: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أبو الفرج، دار صادر بيروت، ط1/1358هـ، (7/93) .
(4)- البداية والنهاية (11/293) .
(5)- أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست العلاّف أبو عبد الله البزار، كان مكثراً من الحديث عارفاً به، حافظاً له. ولد في صفر سنة(323هـ) . كان عارفاً بالفقه على مذهب الإمام مالك. قال أبو بكر البرقاني: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه. وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء ويُتَرِّبُها ليظن أنها عتق. وكان يذاكر بحضرة الدارقطني، ويتكلم في علم الحديث، فتكلم فيه الدارقطني بذلك السبب. مات سنة (407هـ). ودفن حذاء منارة مسجد جامع المدينة .
انظر: تاريخ بغداد(5/124)، ولسان الميزان( 1/297) .
قال أبو القاسم الأزهري(1) : « ضعيف. رأيت كتبه كلها طَرِيَّة، وكان يُذكر أن أصوله غرقت، فاستدرك نسخها »(2) .(1/94)
قلت: هذا ليس بشيء، ولا يؤثر على مروياته، لأنه يجوز أن يكون قد قابل بالكتب الطرية نسخاً قرئت عليه. وبقي مدة يملي من حفظه، فلا يُستبعد أن يكون حافظاً لما غرق من كتبه .
وعندما سئل عن عدم إملائه من كتابه قال للسائل: « انظر فيما أمليت، فإن كان في ذلك خطأ لم أُمْلِ من حفظي، وإن كان جميعه صواباً، فما الحاجة إلى الكتاب »(3) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1)- عبيدالله بن أبي الفتح، واسمه: عبيدالله بن أحمد بن عثمان الأزهري البغدادي الصّيْرَفي ويُعرف بابن السّوَادي، ولد سنة(355هـ) . قال الخطيب: كان أحد المكثرين من الحديث كتابة وسماعاً، ومن المعنيين به والجامعين له، مع صدق، وأمانة، وصحة واستقامة... وسمعنا منه المصنفات الكبار والكتب الطوال. مات سنة(435هـ) . انظر: تاريخ بغداد(10/385)، وسير أعلام النبلاء(17/578) .
(2)- تاريخ بغداد(5/124) .
(3)- انظر: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (7/284) .
المطلب الرابع: سرقة الكتب
تعرضت كتب عدد من المحدثين للسرقة، أو النهب، من قبل اللصوص؛ في سفر، أو في حضر، لعدد قليل من الكتب، أو حِملٍ بأكمله. وسُرّاق الكتب كانوا في السابق، وما زالوا إلى الآن، وإن اختلفت وسائل السَّرقة وأدواتها.
وكثيراً ما نسمع عن سرقات علمية، واستغلال لجهد الآخرين، من قبل بعض الكتاب، أو دور النشر، على الرغم من التركيز على الأمانة العلمية، والدعوة للالتزام بها، وصدور قوانين تكفل حماية حقوق الطبع والفكر، وغير ذلك .(1/95)
وليست المشكلة بأكملها في السرقة، وإنما في آثارها السلبية الناجمة عنها، فقد نخسر تراثاً حديثياً، أو فقهياً، أو تاريخياً بسرقة الكتب؛ لأن من سرقها لا يعرف قيمتها، وقد يتلفها، أو يبيعها بأبخس الأثمان(1)، هذا عدا عن الأثر السيء الذي يتخطى إلى الراوي ـ سواء أكان مادياً أم معنوياً ـ وخصوصاً إذا كان هذا الراوي ممن يعتمد في الرواية على هذه الكتب فقد يحدّث بعد ذهابها ويقع في المخالفة والوهم؛ لرداءة حفظه، مما يؤدي إلى التوقف في قبول حديثه، أو مجانبته كلياً إذا فحش ذلك منه .
ـــــــــــــــــ
(1)- قلت: وما أكثر المكتبات العربية، والكتب، والمخطوطات النادرة التي ضاعت، أو سرقت ونهبت أو احترقت، أو نقلت إلى مكتبات أوربا، وما تزال إلى الآن، خلال فترات الضعف والانحطاط، وهجوم المغول والصليب، وعجز الدولة عن حماية تراث الإسلام، ونتاجه الفكري، وحسبي الله ونعم الوكيل .
وممن سرقت كتبه، فخلّط واضطرب، وأخذ يقلب الأخبار: عبد الرزاق بن عمر الدمشقي(1). روى عنه العراقيون وأهل بلده، كان ممن يقلب الأخبار من سوء حفظه وكثرة وهمه، فلما كثر ذلك في روايته، استحق الترك(2) .
وقال البخاري: « عبد الرزاق بن عمر أبو بكر الثقفي الدمشقي عن الزهري منكر الحديث. قال يحيى: ليس بشيء »(3) . وسبب ذهاب كتبه: أنه خرج إلى بيت المقدس، فجعل كتبه في خُرْجٍ(4) جديد وثيابه في خرج خَلِقٍ(5)، فجاء اللصوص فأخذوا الخُرْج الجديد، فذهبت كتبه. فكان بعدُ إذا سمع حديثاً للزهري قال: هذا مما سمعت(6) .
ــــــــــــــــ
((1/96)
1)- عبد الرزاق بن عمر الدمشقي أبو بكر الثقفي. متروك الحديث عن الزهري،لين في غيره. من الثامنة . التقريب(ص:354) . وعن أبي بكر البرقاني قال: وسألته-الدارقطني- عن عبد الرزاق بن عمر الدمشقي فقال: ضعيف. فقيل: من أي شيء ضعفه؟ فقال: قيل: إن كتابه عن الزهري ضاع. وقال مرة أخرى عنه: هو ضعيف يُعتبر به . سؤالات البرقاني للدارقطني، علي بن عمر، تح: د.عبد الرحيم القَشْقَري، الناشر: كتب خانة جميلي باكستان، ط1/1404هـ، (1/48) .
قال أبو مسهر: سمعت سعيداً يقول: ذهبت كتبه فخلط واضطرب. الكامل في الضعفاء(5/310) .
(2)- المجروحين(2/159) .
(3)- التاريخ الكبير(6/130) .
(4)- الخُرْجُ جمعه خِرَجَةٌ :وعاء ذو عِدْلين. مختار الصحاح(ص:196). مادة: خَرَجَ .
(5)- خَلُقَ الثوب: بلي، وبابه: سَهُلَ . مختار الصحاح (ص:196) . مادة: خلق .
(6)- تاريخ الإسلام(1/1391) .
وقال عبد الرحمن بن إبراهيم(1): كان قد كتب عن الزهري، فضاع كتابه فجمع حديث الزهري من ها هنا، وها هنا، وليس حديثه بشيء(2) .
ومما رواه عبد الرزاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: حديث: (( من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ))(3) .
وهذا، بهذا الإسناد عن الزهري عن سعيد لا يقول: "من أدرك من الجمعة ركعة " إلا ضعيف. والثقات يقولون: من أدرك من الصلاة ركعة(4) ........
ـــــــــــــــــ
(1)- عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو العثماني، مولاهم الدمشقي، أبو سعيد، لقبه دُحَيْم بن اليتيم. ثقة حافظ متقن، قال أبو داود: حجة، لم يكن في زمانه مثله. من العاشرة . مات سنة(245هـ)، وله خمس وسبعون .خ د س ق. الكاشف(1/619)، والتقريب(ص:335)
(2)- تهذيب الكمال(18/50) .
((1/97)
3)- رواه الدارقطني في سننه، أول كتاب الجمعة، باب: فيمن يدرك من الجمعة ركعة أو لم يدركها (2/10) . وفي سنن ابن ماجه، باب: ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة، عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى)). في الزوائد: وفي إسناده عمر بن حبيب متفق على ضعفه (1/356)، رقم(1121) .
(4)- الكامل في الضعفاء(5/310) .
قلت: رواه أبو داود في الصلاة، باب: من أدرك من الجمعة ركعة، بلفظ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، رقم (1121)، (1/361)، والترمذي في أبواب الجمعة، باب: فيمن أدرك من الجمعة ركعة. وقال: حسن صحيح. رقم(524)، (2/399)، وفي سنن ابن ماجه، باب: ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة، رقم(1122)، (1/356) كلهم عن أبي هريرة .
وعقد ابن حبان باباً في صحيحه قال فيه: ذكر الخبر الدال على أن الطرق المروية في خبر الزهري (من أدرك من الجمعة ركعة) كلها معللة ليس يصح منها شيء . (4/352) .
قال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن عمر عن الزهري غير حديث لا يتابع عليه، وقد روى عن معاوية بن يحيى عن الزهري ومعاوية ضعيف، وقد روى عن ابن عيينة عن الزهري وليس بالمحفوظ . الكامل(5/310) . وكل النقول السابقة تشير إلى خطأ عبد الرزاق، وضعف الحديث .
قلت: هذه بعض الأمور التي تكون سبباً في ضياع الكتب وذهابها كلاًّ أو جزءاً، وبالتالي تأثيرها على مرويات الراوي الذي يحدث، ويكثر منه الخطأ بعد فقدانها؛ لاعتماده في الرواية عليها.
لكن بعض الرواة لم يذهب شيء من كتبه، وإنما كانت تغيب عنه كتبه التي يحدث منها عند ارتحاله إلى بلد معين، فيحدث في ذلك البلد ـ وليست كتبه معه ـ ، فيقع في الخطأ، والوهم، والاضطراب .(1/98)
وقد ذكر الحافظ ابن رجب هذا الصنف في النوع الثاني: من ضُعِّفَ حديثه في بعض الأماكن دون بعض. ثم قال: « وهو على ثلاثة أضرب: أحدها من حدَّث في مكان لم يكن معه فيه كتابه فخلَّط، وحدّث في مكان آخر من كتبه فضبط ... »(1) . ومن هؤلاء: معمر بن راشد(2). فإن حديثه في البصرة فيه اضطراب كثير وحديثه باليمن جيّد(3) .
وقال أبو بكر الأثرم(4) عن أحمد بن حنبل: « حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إليّ من حديث هؤلاء البصريين، كان ـ يعني معمراًـ يتعاهد كتبه، وينظر فيهاـ يعني باليمن ـ وكان يحدّثهم حفظاً بالبصرة »(5) .
ــــــــــــــــــ
(1)- شرح علل الترمذي(2/602) .
(2)- معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين .ع . التقريب(ص:541) .
(3)- شرح علل الترمذي(2/602) .
(4)- أحمد بن محمد بن هانئ، أبو بكر الأثرم، ثقة حافظ، له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وسبعين. قاله ابن قانع .س . التقريب(ص:84)
(5)- تهذيب الكمال(18/57) .
قلت: ومعنى يتعاهد كتبه؛ أي يراجعها، وينظر فيها. وكان معمر يفعل ذلك عندما كان في اليمن، أما في البصرة، فإن كتبه لم تكن معه، فحدث من حفظه فأخطأ. فسوء حفظه ناتج عن عدم مراجعته لكتبه؛ لأنه لم يكن حافظاً حفظ صدر والرواة يتفاوتون في قوة الحفظ، فمنهم من كان يحفظ حفظ صدر، ومنهم من كان يعتمد على كتبه، ويحدث منها .
قال يعقوب بن شيبة(1): « سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب؛ لأن كتبه لم تكن معه »(2) .
وقال أبو حاتم: « ما حدّث معمر بالبصرة فيه أغاليط، وهو صالح الحديث »(3) .
ومنهم أيضاً: هشام بن عروة(4). قال أحمد في رواية الأثرم: « كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن، أو قال: أصح »(5) .
ــــــــــــــــــ
((1/99)
1)- يعقوب بن شيبة بن الصلت، الحافظ العلامة أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد صاحب المسند الكبير المعلل، ما صنف مسند أحسن منه، ولكنه ما أتمه، وثقه الخطيب وغيره وكان من كبار علماء الحديث، مات سنة (262هـ) . تذكرة الحفاظ (2/577ـ578) .
(2)- شرح علل الترمذي (2/602) .
(3)- تهذيب الكمال(28/308ـ309) .
ومما رواه معمر واختلف فيه باليمن والبصرة، حديث: (( أن النبي عليه الصلاة والسلام كوى أسعد بن زرارة من الشوكة )). رواه باليمن مرسلاً عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل، ورواه بالبصرة عن الزهري عن أنس، والصواب المرسل. انظر: شرح العلل(2/603) .
والحديث أخرجه الترمذي في الطب، ما جاء في الرخصة في ذلك-الكي-، رقم(2050)، (4/390). قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبيّ، وجابر، وهذا حديث حسن غريب .
والحديث المرسل أخرجه عبد الرزاق في المصنف، في كتاب: أهل الكتابين، باب الكي، رقم(19515) (10/407) ، عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف .
(4)- هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة فقيه، ربما دلس، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة، وله سبع وثمانون سنة .ع . التقريب(ص:573) .
(5)- شرح العلل(2/487) .
قال ابن خِرَاش(1): « بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرات؛ قدمة كان يقول: حدثني أبي قال سمعت عائشة، وقدم الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة »(2) .
وقال يعقوب بن شيبة: « ثبت ثقة لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يرى أن هشاماً يسهّل لأهل العراق، أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهّله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه »(3) .
ـــــــــــــــــ
((1/100)
1 )- الحافظ البارع الناقد أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي ثم البغدادي قال أبو نعيم بن عدي: ما رأيت أحفظ من ابن خراش. وقال ابن عدي: ذكر بشيء من التشيع وأرجو أنه لا يتعمد الكذب، وقال أبو زرعة: خرّج ابن خراش مثالب الشيخين، وكان رافضياً مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين . تذكرة الحفاظ (2/684ـ685) .
(2)- تاريخ بغداد(14/40) .
ومما رواه هشام بن عروة مرفوعاً حديث أم زرع. والحديث روي عن هشام عن عبدالله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: ....... أي روي موقوفاً. وفي نهايته، قالت عائشة: قال رسول الله: (( كنت لك كأبي زرع لأم زرع )). وهشام هنا لم يروه عن أبيه، وإنما رواه عن أخيه عن أبيه، زيادة في التثبت والتحري .
أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل (5/1988) رقم(4893)، ومسلم في: فضائل الصحابة، باب: ذكر حديث أم زرع (4/1896)، رقم(2448)،ورواه النسائي في الكبرى،أحمد بن شعيب النسائي، تح: عبد الغفار البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1991م، عن هشام عن أبيه مرفوعاً في باب: شكر المرأة لزوجها (5/358ـ359)، رقم(9139) .
قال ابن حجر: قلت: المرفوع منه في الصحيحين: كنت لك كأبي زرع لأم زرع . وباقيه من قول عائشة. وجاء خارج الصحيح مرفوعاً كله من رواية عباد بن منصور عند النسائي وساقه بسياق لا يقبل التأويل. فتح الباري (9/256) .
(3)- تهذيب الكمال(30/238) .
فالاختلاف الذي جاء عنه يسير غير فاحش، فإنه إذا كان متقناً للحديث أسنده وإذا وقع منه شك أرسل الحديث، من باب الاحتياط؛ والسبب في هذا الاختلاف أن كتبه لم تكن معه بالعراق ليرجع إليها(1) .
ـــــــــــــــــــ
(1)- انظر: شرح العلل(2/605) .(1/101)
قلت: وممن كان يحدث من كتابه عن قوم، ويحدث عن آخرين من حفظه، فوقعت المناكير في رواياته من سوء حفظه: العباس بن الفضل الأنصاري أبو الفضل، يروي عن أهل الكوفة وأهل البصرة. أتى عن أهل الكوفة بأشياء لا تشبه حديث الثقات، كأنه كان يحدث عن البصريين من كتابه، وعن الكوفيين من حفظه، فوقع المناكير فيها من سوء حفظه، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بأخباره. مات سنة(186هـ). ق. انظر: المجروحين(2/189)، والتهذيب(5/110).
كذلك زهير بن محمد التميمي العنبري أبو المنذر، قال أبو حاتم: كان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق؛ لسوء حفظه، فما حدث من كتبه فهو صالح، وما حدث من حفظه ففيه أغاليط، مات سنة(162هـ) .ع. المجروحين(3/589)، وتهذيب الكمال (9/417) .
المبحث الثالث
الأعراض الجسمية والنفسية العارضة للراوي
فيه مطلبان
المطلب الأول: الأعراض الجسمية
المطلب الثاني: الأعراض النفسية
إن العَرَضَ بالتحريك: ما يعرض للإنسان من مرض ونحوه، كالهموم والأشغال يُقَالُ: عَرَضَ لي يَعْرِضُ وعَرِضَ يَعْرَضُ كضَرَب وسَمِعَ لُغَتَان. وقيل: العَرَضُ: الأَمْرُ يَعْرِضُ للرَّجُلِ يُبْتَلَى به. وقيل: الآفة تعرض في الشيء وجمعه: أعراض(1) .
وتقسم العوارض إلى قسمين: عوارض سماوية، وعوارض مكتَسَبَة .
والعوارض السماوية: هي ما لا يكون لاختيار العبد فيه مدخل، على معنى أنه نازل من السماء، كالصغر، والجنون، والنوم .
أما العوارض المكتسبة: فهي التي يكون لكسب العباد مدخل فيها بمباشرة الأسباب كالسكر، أو بالتقاعد عن المزيد كالجهل(2) .
وما يعرض لراوي الحديث من العلل والآفات والابتلاءات الجسمية والنفسية، إنما هي من قبيل القسم الأول، إذ لا دخل له بجلبها أو دفعها؛ لأنها خارجة عن إرادته وقدرته. وهذه الأعراض التي تعرض للراوي تكون سبباً في سوء حفظه، واختلال ضبطه، وبالتالي: وقوع المناكير والمخالفات في رواياته.
ـــــــــــــــ
((1/102)
1)- تاج العروس(1/4657) . مادة: عَرَضَ .
(2)- التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتب العلمية، بيروت ط1/1405هـ، (1/205) .
المطلب الأول: الأعراض الجسمية
إن الأعراض الجسمية قد تكون طولاً في العمر وتقدماً في السنّ، وبالتالي ضعفاً في الذاكرة، واختلاطاً في العقل، وقد تكون فقداناً لنعمة البصر كلاًّ أو جزءاً أو إصابة بمرض مزمن، وداء عضال .
وممن تقدم في السن من الرواة، وذهب بصره: يزيد بن هارون .
قال أبو خيثمة(1): « كان يُعاب عليه أنه لما أُضِرَّ كان يأمر جارية له أن تُلَقِّنه الأحاديث من كتابه فيحدّث بها »(2) .
قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ : « قد وصف غير واحد من الأئمة حفظ يزيد ابن هارون لحديثه وضبطه له، ولعله ساء حفظه لما كُفّ بصره، وعلت سنه، فكان يستثبت جاريته فيما شكَّ فيه، ويأمرها بمطالعة كتابه »(3) .
ـــــــــــــــ
(1)- زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث. من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين .خ م د س ق. التقريب(ص:217) .
(2)- شرح علل الترمذي (2/577) .
قلت: لا عيب على يزيد في استثبات جاريته، ولا يقدح ذلك في حديثه؛ لأن الأئمة شهدوا له بأنه من أهل الحفظ والضبط، مع الاحتجاج به. قال الحافظ ابن حجر: كان المتقدمون يتحرزون عن الشيء اليسير من التساهل؛ لأن هذا يلزم منه اعتماده على جاريته وليس عندها من الإتقان ما يميز بعض الأجزاء من بعض، فمن هنا عابوا عليه هذا الفعل،وهذا في الحقيقة لا يلزم منه الضعف ولا التليين،وقد احتج به الجماعة كلهم. هدي الساري مقدمة فتح الباري، في بيان أسماء من طُعِن فيه من رجال هذا الكتاب(2/207) .
(3)- تاريخ بغداد (14/339) .
ومنهم أيضاً: إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة(1). فإنه عمي، واضطرب حديثه وربما قبل التلقين، وجاءت عنه الغرائب والمفاريد .(1/103)
قال أبو حاتم: « كان صدوقاً، ولكن ذهب بصره، فربما لُقِّن، وكتبه صحيحة. وقال مرَّة: مضطرب »(2) .
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: « يغرب ويتفرد»(3) .
ـــــــــــــــــ
(1)- إسحاق بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة الفروي المدني، مولاهم صدوق، كفَّ بصره فساء حفظه من العاشرة. مات سنة ست وعشرين .خ ت ق. التقريب(ص:102).
وقال له ابن شهاب الزهري ـ عندما جلس يحدث في مسجد المدينة، وأكثر من الحديث ـ : (( قاتلك الله يا بن أبى فروة ما أجرأك على الله، ألا تسند حديثك؟ إنك لَتُحَدِّثُ بأحاديث ليس لها خطم، ولا أََََزِمّة)) . ضعفاء العقيلي (1/102) .
قلت: وكذلك: إبراهيم بن إسحاق الحنيني، مدني سكن طرسوس، وكان من أصحاب الإمام مالك وكان مالك يكرمه، وهو صدوق، لكنه كبر وأضر فساء حفظه، وضعفه البخاري والنسائي وابن عدي، وقال: مع ضعفه يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ. من التاسعة مات سنة(216هـ). الأمالي المطلقة، أحمد بن حجر العسقلاني، تح: حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت ط1/1413هـ، (1/157) ، والتقريب(ص:99) .
(2)- تهذيب الكمال (2/472) .
((1/104)
3)- الثقات (8/115). قلت: من المناكير التي رواها إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (( لا يعجبنكم إسلام امرئ حتى تعلموا ما عقدة عقله )). أخرجه الشهاب في مسنده، محمد بن سلامة القضاعي، تح: حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1986م (2/88). وعبدالله بن محمد بن أبي الدنيا في العقل وفضله، تح: لطفي الصغير، دار الراية، بيروت ط1/1409هـ، (ص:26) بلفظ: حتى تعرفوا معقود عقله. كما أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء، وقال: وإسحاق بن أبي فروة هذا ما ذكرت ها هنا من أخباره بالأسانيد التي ذكرت فلا يتابعه أحد على أسانيده ولا على متونه، وسائر أحاديثه مما لم أذكره تشبه هذه الأخبار التي ذكرتها، وهو بَيّنُ الأمر في الضعفاء.(1/328)، والعقيلي في الضعفاء(4/192)، وابن حبان في المجروحين(1/132).
ومعناه: أن الإسلام ظاهر، وما عقده العقل باطن مستور عن الخلق، فمن اعتبر بما رأى من ظاهر الإسلام من نفسه أو من غيره فهو مغبون، حتى يعلم على أي شيء عقده العقل. الأمثال من الكتاب والسنة، محمد بن علي الحكيم الترمذي، تح: د.السيد الجميلي، دار ابن زيدون، بيروت، ط1/1985م (ص:247) . والنكارة ظاهرة على الحديث؛ لضعف إسحاق، وتفرده به .
وممن علت سنّه فحدّث، ووقع منه الوهم والخطأ: عبدالله بن محمد بن عقيل(1). قال مسعود السّجزي(2)عن الحاكم: « عُمِّرَ، فساء حفظه، فحدّث على التخمين ». وقال في موضع آخر: « مستقيم الحديث ». وقال الخطيب: « كان سيء الحفظ »(3). وعدّه ابن حبان من سادات المسلمين من فقهاء أهل البيت وقرائهم، إلا أنه كان رديء الحفظ؛ كان يحدث على التوهم، فيجيء بالخبر على غير سننه، فلما كثر ذلك في أخباره وجب مجانبتها، والاحتجاج بضدها(4) .
قلت: وذكره الحافظ ابن رجب في الرواة المختلف فيهم: هل هم ممن غلب على حديثهم الوهم والغلط أم لا؟ ثم قال: وقد صحّح الترمذي حديثه(5).(1/105)
وقال ابن معين وغيره: لا يُحتج به(5) .
ـــــــــــــــــــ
(1)- عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، أمه زينب بنت علي صدوق، في حديثه لين، ويقال: تغير بأَخَرَة. من الرابعة. مات بعد الأربعين. بخ د ت ق.
تقريب التهذيب(ص:321). قلت: وممن طعن في السن وساء حفظه أيضاً: حماد بن سلمة. قال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فلذا تركه البخاري، وأما مسلم: فاجتهد، وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر حديثاً أخرجها في الشواهد . تهذيب التهذيب (3/13) .
(2)- مسعود بن علي بن معاذ بن محمد الحافظ المفيد الإمام أبو سعيد السّجزي ثم النيسابوري تلميذ الحاكم، وله عنه سؤالات، وأكثر عنه جداً. روى شيئاً يسيراً ولم يطل عمره، روى عنه رفيقه مسعود بن ناصر السّجزي الرّكّاب، توفي سنة ثمان وثلاثين أو سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
تذكرة الحفاظ (3/1118) .
(3)- تهذيب التهذيب(6/13) .
(4)- انظر: المجروحين(2/3) .
(5)- حديثه الذي صحّحه الترمذي في أبواب الطهارة، باب: المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد عن حمنة بنت جحش. وأول الحديث: (( كنتُ أستحاض حيضة شديدة......)) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح . رقم (128)، (1/221) .
(6)- شرح العلل (1/328ـ329). قال أستاذنا الدكتور نور الدين: يمكن الجمع بين أقوال من جرحه ومن عدّله بأنه كان حافظاً صحيح الحديث، ثم تغير في آخر عمره، فساء حفظه، وضعّف. الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين، د.نور الدين عتر، مؤسسة الرسالة، ط2/1988م (ص254). قلت: ويؤيده ما سبق من كلام الحاكم، من أنه عمّر، فساء حفظه .
وبعض الرواة ابتلي بمرض قوي في جسمه ، وطال به هذا المرض فكان سبباً في التأثيرعلى حفظه وضبطه، وبالتالي وقوعه في الغلط والمخالفات .
ولنأخذ مثالاً على ذلك: الإصابة بداء الفالج(1) .(1/106)
من الرواة الحفاظ المتقنين الذين نزل بهم هذا المرض، فساء حفظهم: يحيى بن يمان العجلي(2) .
قال وكيع بن الجرّاح: « ما كان من أصحابنا أحفظ للحديث من يحيى بن يمان كان يحفظ في المجلس خمسمائة حديث، ثم نسي »(3) .
ــــــــــــــــــ
(1)- فُلِجَ الشخص فهو مفلوج، إذا أصابه الفالج. وهو مرض يحدث في أحد شقّي البدن طولًا فيبطل إحساسه وحركته، وربما كان في الشقين، ويحدث بغتة .
المصباح المنير (2/480). مادة: فلج .
(2)- يحيى بن يمان العجلي الكوفي، صدوق عابد، يخطىء كثيراً، وقد تغير. من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين. بخ م . التقريب (ص:598).
وقال الذهبي في كاشفه: فلج، فساء حفظه. الكاشف(2/379). وسأل الدارمي يحيى بن معين عنه فقال: أرجو أن يكون صدوقاً. قلت: فكيف هو في حديثه: قال: ليس بالقوي. تاريخ ابن معين رواية عثمان الدارمي، يحيى بن معين أبو زكريا، تح: أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث، دمشق ط/1400هـ، (ص:62) .
(3)- تاريخ بغداد(14/120) .
وقال ابن المديني: « صدوق فُلِجَ فتغير حفظه ». وذكر أحمد بن حنبل: بأنه ليس بحجة. وأجاب الذهبي: بأن مسلماً قد رضيه، وعدّ حديثه من قبيل الحسن(1) .
وقال أحمد بن حنبل: « حدّث عن الثوري بعجائب، لا أدري هل ترك لهذا، أو تغيّر لقيناه لم يزل الخطأ في كتبه »(2) .
وممن أصابه الفالج: خلف بن خليفة(3). قال ابن سعد(4): « كان ثقة، ثم...
ــــــــــــــــ
(1)- انظر: الثقات للعجلي( 2/360)، وسير أعلام النبلاء(8/356ـ357) .(1/107)
قلت: روى يحيى بن يمان عن الأعمش حديث جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( أمتي الغُرُّ المُحَجَّلُون من آثار الطهور)) . المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، تح: طارق بن عوض الله، دار الحرمين، القاهرة، ط/1415هـ. رقم(8222)، (8/144)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا يحيى بن يمان. كما أخرجه ابن عدي في الكامل مع عدة أحاديث ليحيى، وقال: ولابن يمان عن الأعمش غير هذا، وعامتها غير محفوظة.(7/236).
فيحيى تفرد بهذا الحديث من بين أصحاب الأعمش، وهذا خطأ واضح، ووهم فاضح موجب للضعف .
(2)- الكواكب النيرات فيمن اختلط من الرواة الثقات، محمد بن يوسف أبو البركات الذهبي الشافعي تح: حمدي السلفي، دار العلم، الكويت، (ص:86) .
(3)- خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي، مولاهم، أبو أحمد الكوفي، نزل واسط ثم بغداد، صدوق اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي، فأنكر عليه ذلك ابن عيينة، وأحمد. من الثامنة. مات سنة (181هـ) على الصحيح، بخ م 4 . التقريب (ص:194) .
قلت: أثبت البخاري رؤيته للصحابي عمرو بن حريث، نقلاً عن محمد بن مقاتل، وكان عُمْرُ خلف ست سنين. التاريخ الكبير(3/194) .
لكن هذه الرؤية لا اعتبار بها، ولا يدخل في التابعين بسببها؛ لأنه رأى عمرو بن حريث وهو صبي صغير، ولم يحفظ عنه شيئاً.
انظر: مشاهير علماء الأمصار، محمد بن حبان أبو حاتم البستي، تح: م. فلايشهمر، دار الكتب العلمية بيروت، ط/1959م. (ص:175)، والثقات لابن حبان(6/269) .
(4)- محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، مولاهم البصري، نزيل بغداد، كاتب الواقدي، صدوق، فاضل من العاشرة، مات سنة ثلاثين، وهو ابن اثنتين وستين. د . التقريب(ص:480) .
أصابه الفالج قبل أن يموت حتى ضعف، وتغيّر لونه، واختلط »(1) .(1/108)
وقال أحمد: « قد رأيت خلف بن خليفة وهو مفلوج سنة ثمان وسبعين ومائة، وقد حُمِل وكان لا يفهم، فمن كتب عنه قديماً فسماعه صحيح ». وقال الأثرم عن أحمد: « أتيته فلم أفهم عنه »(2).
وسئل عنه يحيى بن معين فقال: « ليس به بأس، صدوق »(3) .
ــــــــــــــــــ
(1)- الطبقات الكبرى لابن سعد (7/313) .
قلت: روى خلف بن خليفة عن محارب بن دِثار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( اللهم بارك لأمتي في بكورها، واجعله يوم الخميس )). لم يرو هذا الحديث عن محارب إلا خلف بن خليفة، تفرد به عنه عفان بن سيَّار الباهلي. المعجم الأوسط، رقم(4829)، (5/112) .
وقال ابن الجوزي عن أحاديث البكور: لا يثبت منها شيء.
وقال أبو حاتم: لا أعلم في: اللهم بارك لأمتي في بكورها حديثاً صحيحاً. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية عبد الرحمن بن الجوزي، تح: خليل الميس، دار الكتب العلمية،بيروت،ط1/1403هـ (1/322)، والتلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تح: عبدالله هاشم اليماني، المدينة المنورة، ط/1964م. (4/98) .
(2)- تهذيب الكمال (8/287) .
(3)- تاريخ بغداد (8/318) .
المطلب الثاني: أعراض نفسية
إن في الابتلاء حكماً عظيمة، وثمرات كبيرة اقتضت حكمة الله أن لا تحصل إلا به، وقد ابتلي بعض الرواة في حياتهم بفقد شخصٍ حبيبٍ إليهم، وغالٍ على قلوبهم، ولا أغلى من فلذات الأكباد، والإخوة، ونفسية الإنسان وإن استوعبت الحدث لكنها قد تصاب بصدمة نتيجة للحزن والأسى، أو كثرة التفكير بالمفقود مما يؤثر سلباً على الذاكرة، وقوة الحفظ.
وقد حصل هذا لعدد من رواة الأخبار، فنسوا كثيراً مما كانوا يذكرون وساءت أحوال حفظهم، وتغيّر ضبطهم من مضض الألم، فلم يعد كما كان من قبل حتى وقع من بعضهم الخلط بين المرويات والرواة، فاحتاط الأئمة النقاد، وتركوا الاحتجاج بحديثهم .(1/109)
من هؤلاء الرواة: الثّبت سهيل بن أبي صالح(1). قال ابن عدي:« سهيل عندي مقبول الأخبار، ثبت لا بأس به »(2). وعن يحيى قال: « هو صويلح، وفيه لين »(3). وقال البخاري: « كان لسهيل أخ فمات فوجد عليه فنسي كثيراً من الحديث » (4) .
وقال الحاكم ـ في باب: من عيب على مسلم إخراج حديثه ـ: « سهيل أحد أركان الحديث، وقد أكثر مسلم الرواية عنه في الأصول والشواهد، إلا أن غالبها في الشواهد، وقد روى عنه مالك، وهو الحكم في شيوخ أهل المدينة الناقد لهم، ثم قيل في حديثه بالعراق أنه نسي الكثير منه، وساء حفظه في آخر عمره »(5) .
قلت: ذكر الشيخ ملا علي القاري أن إخراج الإمام مسلم لحديث سهيل في الشواهد جاء مقروناً بغيره برجل من الحفاظ، لا منفرداً، فزال بذلك ما كنا نخشاه من سوء حفظه، أما الإمام البخاري فلم يخرج له في الأصول منفرداً، وإنما ذكره في .....
ــــــــــــــــــــــ
(1)- سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان، أبو يزيد المدني، صدوق تغير حفظه بأخرة. روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، من السادسة، مات في خلافة المنصور. ع . التقريب(259) .
(2)- الكامل في الضعفاء(3/449) .
(3)- ضعفاء العقيلي(2/155) .
(4)- فتح الباري(2/162) .
(5)- تهذيب التهذيب(4/231) .
الشواهد، وروى له مقروناً بغيره؛ لأنه ليس من شرطه، إذ قد يكون البخاري اطلع على علة فيه منعته من إخراج حديثه في كتابه الصحيح (1) .
وممن كان ثقة يحفظ الحديث فتوفي ولده، فحزن لفقده، وأصابه تغير في حفظه وضبطه: أبو جعفر الحافظ محمد بن الحسين بن الأعرابي.
قال الخطيب: « كان ثقة ». وذكر ابن المنادي(2) في تاريخه أنه تغير قبل موته بسبب موت ابنه، وكان يحفظ الحديث، ولم يزل حتى توفي سنة سبعين ومائتين(3) .
كما أن بعض الرواة ابتلي بسرقة بيته فأثّر هذا الحدث المفاجىء على نفسيته، وانعكس سلباً على شخصيته العلمية، مثلما حصل لابن أبي مريم(4) .
ومنهم من سرق ماله أيضاً كالمسعودي(5).(1/110)
عن أبي النضر هاشم بن القاسم قال: « إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي كنا عنده وهو يُعزّى في ابن له إذ جاءه إنسان فقال له: إن غلامك أخذ عشرة آلاف من مالك وهرب. ففزع، وقام ودخل إلى منزله، ثم خرج إلينا وقد اختلط، رأينا فيه الاختلاط »(6) .
ــــــــــــــــــــ
(1)- انظر: عمدة القاري(1/321). قلت: حدّث الأئمة الكبار عن سهيل بن أبي صالح، كالإمام مالك بن أنس، وسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج. ومن تكلّم في سهيل، إنما تكلم فيه من جهة حفظه في بعض مروياته. قال الترمذي: وقد تكلّم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح ومحمد بن إسحاق وحمّاد بن سلمة، ومحمّد بن عجلان، وأشباه هؤلاء من الأئمّة إنما تكلّموا فيهم من قبل حفظهم في بعض ما رووا، وقد حدّث عنهم الأئمة. شرح علل الترمذي(1/120) .
(2)- المحدث الحافظ المقرئ أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي، البغدادي المفيد، صاحب الكتب. صنف وجمع، وكان ثقة من كبار القراء. مات سنة(336هـ). تذكرة الحفاظ (3/849) .
(3)- لسان الميزان(5/143) .
(4) ـ أبو بكر بن عبدالله بن أبي مريم الغساني الشامي. قيل اسمه بكير، وقيل عبد السلام. ضعيف. وكان قد سرق بيته فاختلط. من السابعة. مات سنة ست وخمسين. د ت ق. التقريب (ص:623) .
(5) ـ عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، صدوق اختلط قبل موته. وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. من السابعة. مات سنة ستين، وقيل بعدها. التقريب (ص:344) .
(6) ـ الجرح والتعديل(5/250) .
خاتمة الفصل
بعد الانتهاء من دراسة هذا الفصل يمكن استخلاص النتائج الآتية:
1ـ إن علم الحديث من أشرف العلوم، وأرفعها، وأكثرها تداخلاً وأغزرها، فلا يشتغل به إلا الحاذق الفهِم، ولا يتمكن منه إلا من قصر نفسه عليه، وصرف وقته إليه، وقد حاول قوم أن يجرّبوا فيه ـ وهم ليسوا من أهله ـ فوقعوا في الأغلاط والأوهام، وخالفوا الأئمة الأعلام .(1/111)
2ـ دواعي الانشغال عن علم الحديث كثيرة، كالزهد والعبادة، أو الاشتغال بعلوم أخرى سوى الحديث، كالقراءات، والفقه، والسير والمغازي، أو الاشتغال بمنصب مهم، كتولّي القضاء. والاشتغال بهذه الأمور أحد أسباب سوء حفظ الراوي؛ لصعوبة التوفيق بينها وبين علم الحديث، الذي يحتاج إلى استفراغ الوسع، وبذل أقصى الجهد لمن أراد البلوغ والنبوغ فيه .
3ـ من أسباب سوء الحفظ ـ أيضاً ـ ذهاب كتب الرواة الذين يعتمدون في التحديث على كتبهم، ويديمون الرجوع إليها. وقد فقدت كتب كثير من الرواة؛ إما باحتراق أو بسرقة، أو غرق، أو دفنٍ في الأرض. كما أن بعض الرواة لم يصطحبوا كتبهم في أسفارهم، وارتحالهم إلى البلدان، فحدّثوا في البلد الذي رحلوا إليه من حفظهم، فاضطرب حديثهم، واختلفت الرواية عنهم .
4ـ ابتلي بعض الرواة بمرض قوي؛ كالإصابة بالفالج، ومنهم من تقدمت به السن وذهب بصره، كما أن بعضهم ألمّت مصيبة الموت بمن يعز عليه فراقه؛ كالولد والأخ، أو سرق بيته أو ماله فأثرت هذه الأعراض والمصائب على حافظتهم فضعفت ذاكرتهم، وساء حفظهم، بعد أن كانوا من أهل الحفظ والإتقان .
ا.هـ
الفصل الثالث
دلائل سوء حفظ الراوي
فيه المباحث الآتية
المبحث الأول: التفرد الذي لا يُحتَمَلُ من مثله
المبحث الثاني: اضطراب الرواية، والجمع بين الرواة
المبحث الثالث: القلب، والإدراج، والتصحيف
المبحث الرابع: رفع الموقوفات، ووصل المراسيل
المبحث الخامس: قبول التلقين
... إن سوء حفظ الراوي وما يتبعه من المسائل المتعلقة به، والتي لها أثر كبير في الحكم على الحديث قبولاً أو رداً قد شغل مساحة واسعة، وأخذ مجالاً كبيراً بين القواعد التي أصّلها الأئمة النقاد، والقوانين التي وضعوها، ودعّموا صنيعهم هذا بتطبيقات عملية على رواة الأحاديث، فكان المنهج متكاملاً من الجهتين لا لبس فيه ولا غموض .(1/112)
... هذا، وقد وضع الأئمة أمارات واضحة، وعلامات لائحة، وذكروا دلائل عديدة، وأشاروا إلى قرائن متنوعة محتفّة بالأخبار نستطيع من خلالها أن نتبيّن سوء حفظ الراوي، وأن نتمكّن من الكشف عن خطئه فيما يرويه .
ومن المهم أن نعلم أنه لا يمكن معرفة خطأ الراوي الضعيف عموماً، والذي ساء حفظه خصوصاً إلا من خلال القرائن المحتفّة به؛ لأنه ليس من المحتّم دائماً أن تكون رواية الضعيف خطأ أو وهماً، فقد يصيب، وقد يخطىء، ومعرفة الخطأ والصواب تتطلب معرفة بالقرائن، وتتبعاً للإشارات والدلائل .
ولا تزال هذه القرائن مبثوثة في كتب المحدثين في معرض كلامهم عن الرواة، أو حكمهم على الأحاديث .
ومن جملة الدلائل التي سبق الحديث عنها في الفصل الأول من هذه الرسالة ـ عند الكلام عن سوء الحفظ وأهم المصطلحات المتصلة به ـ كثرة الأخطاء والأوهام، والمخالفة للرواة الثقات؛ لأنه من الطبيعي إذا ساء حفظ الراوي أن يقع في الأخطاء والأوهام، وأن يخالف الثقات في الروايات .
وإذا كثرت أخطاء الراوي وأوهامه، وخالف أهل الحفظ والرضى كان مهجور الحديث، وكان ذلك دليلاً على سوء حفظه .
وسوف أبحث في هذا الفصل بقية الدلائل المساعدة في كشف النقاب عن رواية سيء الحفظ، وأنه أخطأ في حديثه الذي يرويه، مع تطبيقات عملية تُؤيدها من صنيع الأئمة النقاد .
وقد بدأت بالحديث عن التفرد؛ لأهميته ـ مع المخالفة ـ في الكشف عن العلة. يقول الشيخ ابن الصلاح: « ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه. وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجِد ذلك فيه »(1) .(1/113)
ويقول الدكتور حمزة المليباري: « وإذا كانت العلل غامضة ـ على اختلاف درجات الغموض ـ لكنها تدرك بالتفرد أوالمخالفة مع انضمام القرائن إليه، وهما من دلائل العلة، ومن هنا تبرز أهمية المعرفة بكل منهما لدى نقاد الحديث....ويمكن الوقوف على تفرد الراوي، ومخالفته لغيره بجمع طرق الحديث والمقارنة بينها مع الفهم والمعرفة، وبعبارة أخرى: باعتبار رواية كل راوٍ من رواة الإسناد »(2) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ علوم الحديث (ص:90) .
(2) ـ الحديث المعلول قواعد وضوابط، الدكتور حمزة المليباري،دار ابن حزم، بيروت،ط1/1996م. ص: (23)
التفرد الذي لا يحتمل من مثله
التفرد في اللغة: الفَرْدُ ما كانَ وحدَه، يقال: فَرَدَ يَفرُدُ، وانفَرَد انفِراداً. وأفرَدْتُه: جَعَلْتُه واحداً (1).
وتراكيب هذا الأصل واشتقاقاته تدل كلها على الوحدة؛ إذ: الفاء والراء والدال أصل صحيح يدل على وحدة. (2) .
يقال: اسْتَفْرَدْتُ الشيء إِذا أَخذته فَرْداً لا ثاني له ولا مِثْلَ (3) .
وفي الاصطلاح: أن يروي شخص من الرواة حديثاً، دون أن يشاركه الآخرون(4) .
والفرد: ما تفرد به راويه بأي وجه من وجوه التفرد(5).
وهو قسمان: فرد مطلق، وفرد نسبي.
فالفرد المطلق: ما ينفرد به واحد عن كل أحد.
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ كتاب العين ( 8/24) . مادة: فرد .
(2) ـ معجم مقاييس اللغة (5/400) .
(3) ـ لسان العرب (3/331) .
(4) ـ الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، الدكتورحمزة المليباري ط2/1422هـ . (ص:15) .
(5) ـ منهج النقد في علوم الحديث (ص:399) .
والفرد النسبي: ما هو فرد بالنسبة؛ فمثل ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة، ومثل ما يقال فيه: هذا حديث تفرّد به أهل مكة، أو أهل الشام،...أو لم يروه عن فلان غير فلان، وإن كان مروياً عنده من وجوه أخرى،أو تفرّد به البصريون عن المدنيين،أو الخراسانيون عن المكيين(1) .(1/114)
قلت: ليس كل تفرد ينفرد به الراوي عن غيره دليلاً على الخطأ والوهم،وإنما يُرجَعُ في ذلك إلى القرائن المحيطة بالتفرد، فالتفرد الذي دلّت القرينة على خطأ راويه، أو وهمه يكون علة في الحديث، وإلا فالتفرد بحد ذاته ليس بعلة .
يقول الشيخ طارق بن عوض الله: «... وإلا فإن الأئمة يعلون بالتفرد حيث ينضم إليه من القرائن ما يرجح أن هذه الرواية وقع فيها الخطأ، فضلاً عن التفرد المصحوب بالقرينة الدالة على الحفظ والإصابة، فإنه يكون أدعى لقبول الحديث وصحته » (2) .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ علوم الحديث لابن الصلاح (ص:88 ـ 89) .
للاطلاع على مزيد من التفصيل لقسمي التفرد، يُنظَر: معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري، النوع الخامس والعشرون: معرفة الأفراد من الأحاديث، ونزهة النظر (ص:52 وما بعدها). وغير ذلك من كتب المصطلح. وهناك رسالة ماجستير في جامعة دمشق، كلية الشريعة ، بعنوان: التفرد في رواية الحديث، ومنهج المحدثين في قبوله أو ردّه للباحث: عبد الجواد حمام بإشراف الدكتور عماد الدين الرشيد . وقد عني المحدثون بالحديث الفرد، وصنفوا فيه كتباً، من أهمها: كتاب(السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة) لأبي داوود السجستاني، وكتاب (الأفراد) للدارقطني.
الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة، محمد بن جعفر الكتاني، تح: محمد المنتصر الكتاني، دار البشائر، بيروت، ط4/1986م، (ص:114).
(2) ـ المدخل إلى علم الحديث، الدكتور طارق بن عوض الله، دار ابن القيم، الرياض، ط1/2003م. (ص:141) .(1/115)
قلت: من القرائن التي يعلّ بها الأئمة النقاد تفرد الراوي: أن يكون ممن لا يُحتَمل قبول تفرده؛ أي ليس فيه من الضبط والإتقان ما يجعله أهلاً لقبول حديثه، إذ ليس كل متفرّد تحتمل حالة تفرده، بل يترجح ضعفه إذا انضمت هذه القرينة إلى تفرده، لأنها دالة على ضعفه، وعدم ضبطه لمرويّه، ومن وصف بسوء الحفظ وتفرّد بحديث، فإنه لا قيمة لتفرده هذا، ويُحكم عليه بالخطأ والوهم فيما تفرّد به .
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: « إذا روى الحفاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد، وانفرد واحد منهم بإسناد آخر، فإن كان المنفرد ثقة حافظاً: فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة في الأسانيد أو في المتون... و يُقوي قبول قوله إذا كان المروي عنه واسع الحديث يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة، كالزهري، والثوري... فأما إن كان المنفرد عن الحفاظ سيء الحفظ فإنه لا يُعبأ بانفراده، ويحكم عليه بالوهم »(1).
يُفهم من كلام الحافظ هذا أنه إذا كان المتفرد إماماً حافظاً، معروفاً بالضبط والإتقان، تدور عليه كثير من السنن، فإن ما يتفرد به لا يطعن فيه لأجله، بل إن تفرده هذا هو الذي رفعه إلى مرتبة الإمامة في الحديث(2) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ شرح علل الترمذي (2/719 ـ 723) .
(2) ـ يقول محمد ضياء الرحمن الأعظمي: وأما إذا انفرد الثقات والحفاظ فهذا يرفع من شأنهم، ويعلي من مرتبتهم؛ لأنه يدلّ على اعتنائهم بعلم الآثار، وضبطهم دون غيرهم من الأقران .
دراسات في الجرح والتعديل، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار السلام للنشر والتوزيع ط1/1424هـ . (ص:156) .
وخير مثال على هذا: الإمام الزهري. فإنه قد تفرّد بسنن كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام لا تُصاب إلا عنده .(1/116)
عن ابن شهاب أخبرني حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من حلف منكم، فقال في حلفه: باللاّت فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعالَ أُقامِرْكَ، فليتصدّق)) .
قال الإمام مسلم: « هذا الحرف ( يعني قوله: تعال أقامرك فليتصدق ) لا يرويه أحد غير الزهري، قال: وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد »(1) .
والإمام الثوري لمّا انفرد بأحاديث، كان ذلك قاضياً بإمامته، وسعة مروياته واطلاعه، فقبل ما انفرد به، وكان أهلاً لتفرّده هذا .
قال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: « ما رأيت أحداً أحفظ من سفيان الثوري، ولو خالفه الناس جميعاً لكان القول ما قال سفيان »(2).
فقوله: « ولو خالفه الناس ... ». فحواه: قبول ما ينفرد به من باب أولى (3) .
أما إذا انفرد بالحديث ـ عن الحفاظ ـ راوٍ ضعيف لا يحتمل تفرده، فإن تفرده هذا يكون سبباً لردّ حديثه .
ومثال هذا: ما رواه أبو زُكَيْر يحيى بن محمد بن قيس(4) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( كلوا....
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ صحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب: من حلف باللات والعزّى، فليقل:لا إله إلا الله، رقم(1647) (3/1267) .
(2) ـ كتاب المجروحين (1/49) .
(3) ـ انظر: الحديث المنكر عند نقاد الحديث، عبد الرحمن بن فالح السلمي،مكتبة الرشد ناشرون ط1/2005م. (1/124) . والكتاب في أصله رسالة ماجستير .
(4) ـ صدوق يخطىء كثيرا من الثامنة. التقريب(1/596) . وعن يحيى بن معين أنه قال: أبو زكير ضعيف . الجرح والتعديل(9/184) .
البلح بالتمر، فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه، ويقول: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخِلق ))(1) .(1/117)
قلت: ذكر ابن الصلاح حديث أبي زكير هذا مثالاً على الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده، وقال عقِبَه: « تفرد به أبو زكير، وهو شيخ صالح، أخرج عنه مسلم في كتابه،غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده،والله أعلم »(2) .
إذاً: فالمحدثون النقاد تكلموا في أبي زكير من جهة حفظه، فإنه يخطىء كثيراً لسوء حفظه، ومثل هذا الراوي إذا تفرّد بحديث، ولم يُتابَع عليه، فحديثه منكر .
قال النسائي في حديث أبي زكير السابق: « هذا حديث منكر »(3) .
ومثال آخر أيضاً: حدثنا ابن عيينة قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد(4) بمكة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: (( رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم إذا افتتح الصلاة رفع يديه)). قال سفيان فلما قدم يزيد الكوفة سمعته يحدث ...
ـــــــــــــــــ
(1) ـ رواه النسائي في السنن الكبرى، باب: البلح بالتمر، رقم (6724)، (4/166)، ورواه ابن ماجه في كتاب الأطعمة، باب: أكل البلح بالتمر، رقم (3330)، (2/1105) .
قال ابن عدي: أحاديثه مستقيمة سوى أربعة أحاديث. الكامل في الضعفاء (7/243).
قال السندي: قلت: وقد عُدّ هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث. سنن ابن ماجه في الموضع السابق .
(2) ـ علوم الحديث(ص:82) .
قال زين الدين العراقي: ولم يخرج له مسلم احتجاجاً، وإنما أخرج له في المتابعات، وقد أطلق الأئمة عليه القول بالتضعيف. التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، زين الدين عبد الرحيم العراقي، تح: عبد الرحمن عثمان، دار الفكر، بيروت، ط1/1970م . (1/109) .
(3) ـ تدريب الراوي(ص:155) .
(4) ـ يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي، ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن،من الخامسة.مات سنة ست وثلاثين، خت م . تقريب (1/601) .(1/118)
وقع المناكير في حديثه من تلقين غيره إياه وإجابته فيما ليس من حديثه؛ لسوء حفظه، فسماع من سمع منه قبل دخوله الكوفة في أول عمره سماع صحيح؛ وسماع من سمع منه في آخر قدومه الكوفة بعد تغير حفظه وتلقنه ما يلقن سماع ليس بشيء . المجروحين(3/100) .
بهذا الحديث، وزاد فيه: ((ثم لم يَعُد))، فظننت أنهم لقنوه(1) .
فهذه الزيادة مما لُقِّنَه بعد دخوله الكوفة، وقد ساء حفظه وتغير، ولا يحتمل تفرده لسوء حفظه وتلقنه، فهذه الزيادة ليست بشيء. والدليل على هذا أنه كان يحدث بمكة قديماً بإسقاط هذه اللفظة كما قال سفيان بن عيينة(2) .
قلت: تأكد لدينا ـ مما سبق ـ أن الراوي المعروف بالضبط والإتقان إذا تفرّد بحديث لم يكن تفرّده علة.
وقد تفرّد الحفاظ الأثبات بسنن كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام استقر عليها العمل عند الأمة(3) .
ومن كان ضعيفاً متكلماً فيه من جهة حفظه لا يحتمل تفرّده، وانفرد عن الحفاظ بزيادة، أو حديث، ولم يتابع عليه فإنه لا قيمة لتفرده هذا، ويُحكم عليه بالخطأ والوهم، وهذا هو التفرد الذي يُعَلّ به الحديث .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ المجروحين (3/100) .
قلت: أخرج حديث يزيد هذا عن البراء: أبو داوود في سننه، بلفظ: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود )). كتاب الصلاة، باب: من لم يذكر الرفع عند الركوع، رقم (749)، (1/258) .
حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا سفيان عن يزيد نحو حديث شريك لم يقل: ( ثم لا يعود). قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعدُ: (ثم لا يعود).
قال أبو داود: وروى هذا الحديث هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد لم يذكروا ( ثم لا يعود).
سنن أبي داوود، الموضع السابق . فترجح أن هذه الزيادة وهم من يزيد .
(2) ـ المجروحين: الموضع السابق .(1/119)
قلت: وممن كان لا يحتمل تفرده لسوء حفظه: مرزوق بن أبي الهذيل. ينفرد عن الزهري بالمناكير التي لا أصول لها من حديث الزهري، كان الغالب عليه سوء الحفظ، فكثر وهمه فهو فيما انفرد به من الأخبار ساقط الاحتجاج به، وفيما وافق الثقات حجة إن شاء الله .
المجروحين (3/38) .
(3) ـ حاشية ابن القيّم على سنن أبي داود، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية بيروت، ط2/1415هـ، (6/330) .
المبحث الثاني
اضطراب الرواية، والجمع بين الرواة
فيه مطلبان
المطلب الأول: الاضطراب في الرواية
المطلب الثاني: الجمع بين الرواة
اضطراب الرواية، والجمع بين الرواة
المطلب الأول: اضطراب الرواية
إذا روي الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة، من قبل راوٍ واحد أو أكثر، ولا يمكن الترجيح بين هذه الروايات، كما لا يمكن التوفيق بينها لإزالة التعارض، فهذا ما نسميه بالاضطراب .
والاضطراب موجب لضعف الحديث؛ لأنه يشعر بعدم ضبط الراوي للحديث؛ إذ لو كان مستقراً في حفظه لما رواه تارة على وجه، وأخرى على وجه آخر(1) .
والاضطراب في الحديث من جملة الدلائل التي نستدل من خلالها على سوء حفظ الراوي؛ لأن اختلاف الروايات عنه دليل على ضعفه من جهة حفظه إذا كانت حاله لا تحتمل هذا الاختلاف، ولذا ينسب به إلى الاضطراب، وعدم الضبط .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: « فاختلاف الرجل الواحد في الإسناد: إن كان متهماً فإنه ينسب به إلى الكذب، وإن كان سيء الحفظ نسب به إلى الاضطراب، وعدم الضبط، إنما يُحتمل مثل ذلك ممن كثر حديثه، وقوي حفظه...»(2) .
ثنا جعفر بن سليمان عن صالح ـ وهو ابن حسان(3) ـ عن محمد بن كعب
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: علوم الحديث لابن الصلاح (ص:94)، ومنهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر (ص:433وما بعدها) .
(2) ـ شرح علل الترمذي (1/143ـ144) .(1/120)
قال أبو حاتم: كانوا قوماً لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطراباً ما شئت. الجرح والتعديل (2/132) .
(3) ـ أبو الحارث المدني، نزيل البصرة، متروك من السابعة. مد ت ق. التقريب(1/271) .
قال البخاري: صالح بن حسان عن محمد بن كعب منكر الحديث، وقال أحمد: ليس بشيء. الكامل في الضعفاء(4/51) .
القرظي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تكتبوا العلم إلا عمن تجوز شهادته ))(1).
فإن صالح بن حسان تفرد بروايته، وهو ممن اجتمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج به؛ لسوء حفظه وقلة ضبطه، وكان يروي هذا الحديث عن محمد بن كعب تارة متصلاً، وأخرى مرسلاً، ويرفعه تارة، ويوقفه أخرى .
وقد ساق الخطيب البغدادي رواياته له على اختلافها عنه، وقال في آخرها: « على أن هذا الحديث لو ثبت إسناده، وصح رفعه لكان محمولاً على أن المراد به: جواز الأمانة في الخبر بدليل الإجماع على أن خبر العبد العدل مقبول، والله أعلم»(2). وهذا يصلح مثالاً لاضطراب رواية سيء الحفظ .
وسئل الدارقطني عن حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل له: يرحمكم الله، وليقل هو: يهديكم الله، ويصلح بالكم ))(3) .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ ذكره أبو حاتم في المجروحين (1/259) بلفظ: إلا ممن تجيزون شهادته، وابن عدي في الكامل(2/390)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل(1/411) بلفظ:إلا عمن تجيزون شهادته.والخطيب في تاريخ بغداد(9/301). وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية، رقم(187)، (1/131) .
(2) ـ الكفاية في علم الرواية(1/94،95)، باب: ذكر ما يستوي فيه المحدث والشاهد من الصفات، وما يفترقان فيه .
(3) ـ أخرجه أحمد في المسند، رقم (972)، (1/120).(1/121)
وأخرج الترمذي حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، كتاب الأدب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام باب: ما جاء كيف تشميت العاطس، رقم (2741)، (5/83) .
قال الترمذي: وكان ابن أبي ليلى يضطرب في هذا الحديث يقول أحياناً: عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول أحياناً: عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن ماجه حديث علي - رضي الله عنه - ، كتاب الأدب، باب:تشميت العاطس، رقم(3715)، (2/1224). والحديث ضعيف لاضطراب ابن أبي ليلى، ويرقى إلى درجة الحسن لغيره بتعدد شواهده ورواياته .
فقال ـ الدارقطني ـ : « حدث به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف عنه: فرواه عنه يحيى القطان، وعلي بن مسهر، وحفص بن غياث، وحمزة الزيات ومنصور بن أبي الأسود، وأبو عوانة عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - ، وخالفهم شعبة بن الحجاج، وعدي بن عبد الرحمن أبو الهيثم فروياه عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، والاضطراب فيه من ابن أبي ليلى؛ لأنه كان سيء الحفظ »(1) .
وممن كان ضعيفاً في الحديث مضطربا ًفيه: حكيم بن جبير الأسدي.
قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال:« ضعيف الحديث، مضطرب الحديث». وسئل عنه يحيى بن معين، فقال: « كان ضعيفاً » (2) .
ومنهم: شريك بن عبدالله.
قال إبراهيم بن يعقوب الجَوزجاني: « سيء الحفظ، مضطرب الحديث، مائل ».
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ العلل الواردة في الأحاديث النبوية، علي بن عمر الدارقطني، ت: محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض، ط1/1985م . (3/276) .
(2) ـ العلل ومعرفة الرجال، رقم(798)، (1/396)، وضعفاء العقيلي(1/316) .
قال أبو علي صالح بن محمد: « شريك صدوق، ولما ولي القضاء اضطرب حفظه وقلّما يُحتاج إليه في الحديث الذي يحتج به »(1) .(1/122)
قلت: وهكذا، فمن روى الحديث على عدة أوجه، واختلف عليه فيه، وكان هذا الراوي ضعيفاً، فإنه يحكم عليه بالاضطراب في الرواية؛ لسوء حفظه، وعدم ضبطه لما روى،فاضطرابه مع ضعفه من جهة حفظه قرينة دالة على أنه سيء الحفظ، وأما إن كان من الحفاظ المتقنين الذين كثر حديثهم، وقوي حفظهم، وروى الحديث على وجوه متعددة، فإنه يقبل حديثه، ويُحمل فعله هذا على أن للحديث طرقاً أخرى قد سمعها عن عدد من الرواة .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ تاريخ بغداد (9/284 ـ 285) .) .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وممن يضطرب في حديثه أيضاً: شهر بن حوشب: يروي المتن بأسانيد متعددة، وليث بن أبي سليم، وعبد الملك بن عمير. قال أحمد: هو مضطرب الحديث جداّ وهو أشد اضطراباً من سماك، وأشد ما يكون الاضطراب إذا زاد أحدهم في الإسناد أو نقص، أو غيّرالإسناد، أو غيّر المتن تغييراً يتغيّر به المعنى . شرح علل الترمذي (1/140 ـ 141) . المطلب الثاني
الجمع بين الرواة .
ومعناه: جمع الرجال والأسانيد بمتن واحد على سياقة واحدة، وإحالة ألفاظ بعضهم على بعض، مع احتمال أن يكون هناك اختلاف فيما بينهم(1) .
قلت: بما أن القران بين الرواة يوهم اتفاقهم في ألفاظ الحديث، فلم يقبله الأئمة النقاد من كل راو؛ لأن من لم يكن من أهل الحفظ والإتقان، وجمع عدة مشايخ، فإنه يحتمل أن لا يكون أخذه إلا عن راو ضعيف، أو أن ألفاظهم فيها اختلاف، وجمع بينهم في سياق واحد. ولذا نجد كثيراً من الأئمة يطعنون في الرواة بسبب هذا الجمع.
قال أبو حاتم:« سمعت أبا نعيم قال: قال شعبة لليث بن أبي سُلَيم(2): أين اجتمع لك هؤلاء الثلاثة(عطاء وطاووس ومجاهد)؟ فقال: سَلْ عن هذا خفَّ أبيك !!
وقال محمد بن خلف التيمي عن قبيصة، قال شعبة لليث: أين اجتمع لك عطاء وطاووس ومجاهد؟ قال: إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه »(3).
قال قبيصة: « فقال رجل كان جالساً لسفيان: فما زال متقياً لليث مذ يومئذ .(1/123)
وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: سمعت يحيى ذكر ليث بن أبي سليم
فقال: « ضعيف الحديث عن طاووس، فإذا جمع طاووس وغيره، فالزيادة هو ضعيف». ووصفه أبو زرعة بالاضطراب في حديثه، وأنه لا تقوم به الحجة عند أهل العلم(4).
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: شرح علل الترمذي (2/676) .
(2) ـ واسم أبيه أيمن، وقيل أنس، وقيل غير ذلك. صدوق، اختلط جداً، ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة. مات سنة ثمان وأربعين خت م 4 . التقريب (1/464) .
(3) ـ قلت: سؤال شعبة ـ فيما سبق ـ لليث، لم يكن سؤال إقرار، وإنما كان سؤال إنكار، لجمعه للرواة مع ضعفه، فإنه كان ممن اختلط، واضطربت روايته، ووصف بسوء الحفظ .
(4) ـ الجرح والتعديل(1/151)، وتهذيب الكمال (24/285) .
وممن كان ينكر عليه جمع الأسانيد والرجال: محمد بن عمر الواقدي(1) . قلت: كان الإمام أحمد بن حنبل ينكر عليه فعله هذا، يقول: « ليس أنكر عليه شيئاً إلا جمعه الأسانيد، ومجيئه بمتن واحد على سياقة واحدة عن جماعة، وربما اختلفوا». وقال مَرّةً: « الواقدي يُركّب الأسانيد » (2) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل ـ كما عند العقيلي ـ : «... وكنا نرى أن عنده كتباً من كتب الزهري، فكان يُجْمِلُ ـ وربما قال يجمع ـ يقول فلان وفلان عن الزهري حديث نبهان عن معمر، والحديث لم يروه معمر إنما هو حديث يونس، رواه عبد الرزاق عن يونس، كان يجمل الحديث ليس هو من حديث معمر »(3) .
فالواقدي ليس من أهل الضبط والإتقان في الحديث، ولذا يُحمل جمعه للأسانيد على ضعفه، وسوء حفظه .
ومنهم أيضاً: أبو بكر بن أبي مريم. قال الإمام أحمد: « أبو بكر بن أبي مريم ضعيف، كان يجمع فلاناً وفلاناً، وكان عيسى لا يرضاه » .
وقال مَرة : « سمعت إسحاق بن راهويه، يروي عن عيسى بن يونس قال: لو أردت أبا بكر بن أبي مريم على أن يجمع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً لفعل؛ يعني يقول: عن راشد بن سعد، وضَمْرة، وحبيب بن عبيد لفعل »(4) .(1/124)
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي، نزيل بغداد، متروك مع سعة علمه. من التاسعة. مات سنة سبع ومائتين، وله ثمان وسبعون. ق . التقريب (1/498) .
(2) ـ تاريخ بغداد(3/16) .
(3) ـ ضعفاء العقيلي(4/107) .
(4) ـ المصدر السابق(3/310) .
وكذلك أنكر يحيى بن معين على عبد الرحمن بن عبدالله بن عمر العمري(1)
أنه كان يحدث عن أبيه وعمه، ويقول: « مثلاً بمثل، وسواء بسواء »، واستدل بذلك على ضعفه، وعدم ضبطه(2) .
قلت: أما إذا جمع الأسانيد حافظ متقن متبحّر، وساقها سياقة واحدة، فلا يضره هذا، بل يكون دليلاً على سعة علمه، وقوة حفظه .
قال أبو يعلى الخليلي: « ذاكرت يوماً بعض الحفاظ فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح، وهو زاهد ثقة؟! فقال: لأنه جمع بين جماعة من أصحاب أنس، فيقول: حدثنا قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، وربما يخالف في بعض ذلك! فقلت: أليس ابنُ وهب اتفقوا عليه، وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدثنا مالك، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، والأوزاعي، ويجمع بين جماعة غيرهم؟ !فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ له »(3) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ أبو القاسم المدني، العمري، نزيل بغداد، متروك، من التاسعة، مات سنة ست وثمانين ومائة.
ق. التقريب (1/344) .
(2) ـ شرح علل الترمذي (2/678) .
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين عتر معلقاً على قول عبد الرحمن: مثلاً بمثل ...؛ لأن أباه عبدالله بن عمر ضعيف، وعمه عبيدالله بن عمر من أئمة الحفظ في الدنيا، فكيف يتلازم حديثهما سواء بسواء ؟!
(3) ـ الإرشاد في معرفة علماء الحديث، الخليل بن أحمد الخليلي أبو يعلى، تح: محمد سعيد إدريس مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1409هـ . (1/417 ـ 418) .(1/125)
قال ابن رجب: « ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقة واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك(1)، وغيره »(2) .
قلت: وعلى هذا؛ فإذا روى راو حديثاً بأكثر من إسناد، وكان من الحفاظ المبرّزين، دلّ ذلك على كثرة مروياته، وسعة محفوظاته، كما سبق عن ابن وهب والزهري، وأما إذا فعل هذا من لم يبلغ درجة من الحفظ والإتقان يستطيع من خلالها التمييز بين الرجال والأسانيد، فإنه يحمل صنيعه هذا على الاضطراب، وعدم إقامته للأسانيد، لاسيما إذا كان ضعيفاً سيء الحفظ، عندها يكون هذا الجمع دليلاً على سوء حفظه، ولا يقوي بعض هذه الأسانيد بعضاً ـ كما سلف عن الزهري ـ وإنما ينقض بعضها بعضاً .
ـــــــــــــــ
(1) ـ صحيح البخاري، في تفسير سورة النور، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً رقم(2518) (2/942) . (...عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله منه). وأول الحديث: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً.....)) .
قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم أوعى من بعض، وأثبت له اقتصاصاً وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضاً .
قلت: ومن مثل الزهري في الحفظ والفهم، والتمييز والدقة .
(2) ـ شرح علل الترمذي(2/676) .
المبحث الثالث
القلب، والإدراج، والتصحيف
فيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: قلب الأسانيد أوالمتون
المطلب الثاني: الإدراج، والزيادة في الأسانيد أوالمتون
المطلب الثالث: التصحيف والتحريف .
القلب، والإدراج، والتصحيف
المطلب الأول: قلب الأسانيد أوالمتون(1/126)
المقلوب: هو الحديث الذي أبدل فيه راويه شيئاً بآخر في السند أو المتن، سهواً أو عمداً(1) .
والحامل للرواة على قلب الأسانيد والمتون عدة أمور(2):
1 ـ قصد الراوي الإغراب في الحديث لترغيب الناس فيه .
2 ـ امتحان حفظ المحدث واختباره، كما وقع للبخاري .
3 ـ خطأ الرَّاوِي ووهمه؛ بأن يقع القلب في حديثه من باب السهو لا العمد، وهذا وقع لكثير من الرواة حتى الثقات منهم دون أن يقصدوا إيقاعه؛ لكنه إذا كثر في حديث الراوي استحق ترك حديثه؛ لأنه عندئذ يكون ناشئاً عن اختلال في ضبط الراوي، وضعفه من جهة حفظه(3) .
قلت: والراوي الضعيف من جهة حفظه قد يقلب أحاديث سمعها من شيخ يجعلها عن شيخ آخر، ويركب إسناداً على غير متنه، ومتناً على غير إسناده، وقد يدخل حديثاً في حديث، ويضع لفظاً مكان آخر، وهكذا حتى يشتهر برواية المقلوبات، ومخالفة الأثبات .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ منهج النقد في علوم الحديث (ص:435 ـ 438) .
وانظر: حاشية لقط الدرر بشرح متن نخبة الفكر، عبدالله بن حسين خاطر السمين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1/1938م، (ص:92) .
وقد مثل الحافظ ابن حجر في النكت لأقسام القلب الثلاثة: في السند، وفي المتن، وفيهما معاً. وللخطيب فيه كتاب اسمه: رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب.
انظر في المقلوب: الإرشاد (1/266 ـ 272)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح لابن حجر (ص:371وما بعدها)، وفتح المغيث(1/272ـ281)، وشرح شرح النخبة(ص:475ـ477) .
(2) ـ انظر: فتح المغيث(1/273 ـ 277) .
(3) ـ انظر: منهج النقد في علوم الحديث(437) .
قال ابن عدي في ترجمة (ثابت بن حماد أبي زيد البصري)(1): ـ وذكر له عدة أحاديث ـ « له غير هذه الأحاديث أحاديث يخالف فيها، وفي أسانيدها الثقات
وأحاديثه مناكير ومقلوبات» .(1/127)
ومما أخرجه ابن عدي من طريقه، قال: عن سعيد ـ ابن أبي عروبة ـ عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لو يعلم الناس ما في الصف المقدّم، لكانت قرعة )) .
قال ابن عدي : « وهذا الحديث وهم فيه ثابت بن حماد، وإنما يرويه قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة » (2). وهنا قلب ثابت الحديث، وركّب إسناداً على غير متنه.
وممن كان يروي المقلوبات المنكرة: فرج بن فَضالة(3) .
قال عمرو بن علي الفلاّس: « كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عن فرج بن فضالة، ويقول: حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أحاديث مقلوبة منكرة » (4).
ــــــــــــــــ
(1) ـ تركه الأزدي وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف جداً، وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ وهو مجهول. لسان الميزان(2/75) .
(2) ـ الكامل في الضعفاء(2/78) .
قلت: أخرج حديث أبي هريرة مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة ....، رقم(131)، (1/326) .
(3) ـ ابن النعمان التنوخي الشامي، ضعيف، من الثامنة، مات سنة سبع وسبعين. د ت ق. تقريب التهذيب (1/444) .
(4) ـ الجرح والتعديل (7/85) .
ومن الرواة الذين كانوا يقلبون الأحاديث سنداً ومتناً لسوء حفظهم: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقد روى الكثير، وبلغ به سوء الحفظ حداً قال فيه البخاري: « صدوق، ولا أروي عنه؛ لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً »(1) .
وقال شعبة بن الحجاج : « أفادني ابن أبي ليلى أحاديث، فإذا هي مقلوبة »(2) .
وممن عرف بسوء الحفظ، وكان من علته قلب الأحاديث أيضاً: علي بن زيد ابن جدعان(3)، قال حماد بن زيد: « حدثنا علي بن زيد، وكان يقلب الأحاديث» (4).
وقال حماد بن زيد أيضاً: « كان علي بن زيد يحدث بالحديث، فيأتيه من الغد فيحدث به كأنه حديث آخر » (5) .(1/128)
قلت: لم يكن هؤلاء الرواة يتعمدون قلب الأحاديث سنداً أو متناً، أو سنداً ومتناً، وإنما كان القلب يقع لأحدهم نتيجة لسوء حفظه، وضعف تيقظه، ولما كثر ذلك منهم استحقوا مجانبة حديثهم .
ــــــــــــــــ
(1) ـ ذكر قول الإمام البخاري الحافظ الترمذي في سننه (2/198) .
(2) ـ ضعفاء العقيلي (4/98) .
(3) ـ ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين، وقيل قبلها بخ م 4. التقريب (1/401) .
(4) ـ ضعفاء العقيلي (3/230) .
(5) ـ المصدر السابق .
المطلب الثاني: الإدراج في الأسانيد أوالمتون
الإدراج: أن يخالف الراوي في تغيير سياق الإسناد، أو المتن؛ بأن يزيد ويجمع ويدرج في الأسانيد من دون أن يبين ذلك(2)، أو يذكر ضمن الحديث ألفاظاً متصلة بالمتن، لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث، ويدلّ دليل على أنها من لفظ أحد الرواة(3) .
ويعرف الإدراج بورود الحديث من طريق آخر ليست فيه هذه الزيادة، أو أن ينصّ الراوي على ذلك، أو أحد الأئمة المطلعين، أو باستحالة صدور ذلك من النبي عليه الصلاة والسلام(4) .
والحامل للرواة على الإدراج في الأسانيد والمتون عدة أمور(5):
1 ـ تفسير لفظ، أو ألفاظ غريبة واردة في متن الحديث .
ـــــــــــــــــــــــ
(2) ـ نزهة النظر(ص:90 ـ 91) .
(3) ـ انظر: الموقظة في علم مصطلح الحديث (ص:53 ـ 54) .
قلت: الإدراج على قسمين: مدرج المتن سواء كان الإدراج في أول الحديث، أو في آخره، أو في وسطه. ومدرج الإسناد: وهو على سبعة أوجه كما قسمه الخطيب البغدادي، وعلى ثلاثة أوجه عند ابن الصلاح، وفي النزهة على أربعة أوجه، مع التوضيح بالأمثلة .
انظر للاستزادة والتفصيل: الفصل للوصل المدرج في النقل، الخطيب البغدادي، تح: محمد مطر الزهراني، دار الهجرة، الرياض، ط1/1418هـ، (2/818)، وما بعدها، وعلوم الحديث لابن الصلاح (ص:95 98)، ونزهة النظر(ص:90 ـ 91) .
(4) ـ انظر: نزهة النظر(ص:91)، وفتح المغيث (1/246) ،.
((1/129)
5) ـ انظر: فتح المغيث(1/244)، وتدريب الراوي(ص:176)، ومنهج النقد(ص:443) .
2ـ استنباط حكم فهمه أحد الرواة من الحديث .
3ـ أن يقول الراوي كلاماً، ويستدل عليه بالمرفوع من دون فصل فيُتَوهم أن الكل حديث .
4ـ الاختصار من بعض الرواة؛ بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمجاً من غير تفصيل فيقع في ذلك(1) .
5ـ خطأ الراوي ووهمه؛ بأن يقع الإدراج من الراوي خطأ وسهواً من غير قصد(2)، وهذا لا يؤاخذ عليه الإنسان، وقد وقع هذا لكثير من الثقات، أما إذا كثر وقوع الإدراج من الراوي، فإنه يكون حينئذ جرحاً في ضبطه(3) .
قلت: قد وقع الإدراج لعدد من الرواة الذين تكلم فيهم الأئمة من جهة حفظهم وكُشف خطؤهم بمخالفتهم لغيرهم من الثقات الذين رووا الحديث من دون هذه الزيادة، ولما كثر ذلك منهم رُدّ حديثهم؛ لسوء حفظهم للحديث، وعدم تثبّتهم .
جاء في حديث: (( أَنَّ الصَّحَابَةَ انْفَضُّوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا اثْنَا عَشْرَ رَجُلًا، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا َوَتَرَكُوْكَ َقاْئِماً } .] الجمعة:11 [(4).
ـــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: النكت لابن حجر(ص:353) .
(2) ـ لأن تعمد الإدراج حرام بالإجماع . قال ابن السِّمعاني:من تعمّد الإدراج فهو ساقط العدالة، وممن يحرّف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين. تدريب الراوي(ص:179) .
(3) ـ انظر: منهج النقد في علوم الحديث (ص:443) .
(4) ـ الحديث متفق عليه من حديث جابر: رواه البخاري في البيوع، باب: (( وإذا رأو تجارة أو لهواً انفضوا إليها))، رقم(1958)، (2/728)، ومسلم في الجمعة، باب: (( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها ))، رقم (863)، (2/589ـ 590) .(1/130)
ورواه الحافظ الدارقطني بلفظ: ليس معه إلا أربعون رجلاً، وقال: لم يقل في هذا الإسناد: (( إلا أربعين رجلاً )) غير علي بن عاصم عن حصين، وخالفه أصحاب حصين، فقالوا: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً . سنن الدارقطني، أول كتاب الجمعة، باب: ذكر العدد في الجمعة(2/4).
وروى العقيلِيّ في ترجمة أسد بن عمرو الْبَجَلِيِّ(1) من حديث جابر أَيْضًا، وزاد فيه: (( وكان الباقين أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزّبير، وسعد وَسَعِيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الرحمن بن عوف، وبِلال، وابن مسعود وأَبو عبيدَة بن الجراح، أَوْ عَمَّار بن ياسر )). الشّكّ منْ أَسد بن عمرو. هكذا حدث أسد بهذا الحديث، ولم يبين هذا التفسير ممن هو، وجعله مدمجاً في الحديث، وقد رواه هشيم بن بشير، وخالد بن عبدالله عن حُصَيْن، ولم يذكرا هذا التفسير كلّه وهؤلاء القوم يتهاونون بالحديث، ولا يقومون به، ويصلونه بما ليس منه فيفسدون الرواية(2). قال ابن حجر: « وأشار العقيلي إلى أن هذا التعديد مدرج في الخبر»(3) .
وهذا ثابت بن موسى الزاهد(4) دخل على شريك بن عبدالله القاضي، والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر المتن، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال:(( من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ))(5) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ قاضي واسط. قال البخاري: ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: صدوق، وقال الدارقطني: يعتبر به. كان من أصحاب الرأي. مات سنة تسعين ومائة . لسان الميزان(1/383 ـ 384) .
(2) ـ ضعفاء العقيلي (1/24) .
(3) ـ تلخيص الحبير(2/57) .
(4) ـ ابن عبد الرحمن بن سلمة الضبي أبو يزيد الكوفي الضرير العابد، ضعيف الحديث من العاشرة. مات سنة تسع وعشرين. ق . التقريب (ص:133) .(1/131)
قلت: كان ثابت من أهل التقوى والصلاح، ولم يكن يتعمد الكذب في الحديث، وقد وقع منه هذا بدون قصده؛ لأنه لم يكن من أهل الحديث، وإنما كان مشغولاً بالزهد والعبادة، فساء حفظه وكثرت أخطاؤه وترك الأئمة الاحتجاج بأخباره التي لم يتابع عليها. المجروحين(1/207) .
(5) ـ أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الصلاة، باب: ما جاء في قيام الليل، رقم (1333) (1/422). قال السندي: وقد تواردت أقوال الأئمة على عدّ هذا الحديث في الموضوع على سبيل الغلط لا التعمد. قلت: عدّ ابن الصلاح هذا من شبه الوضع الذي يقع من غير تعمّد.
انظر:علوم الحديث: (ص:100). ومثّل به ابن حجر للمدرج في كتابه النكت (ص:356) .
وسماه ابن حبان مدرجاً. فعلى هذا هو من أقسام المدرج . فتح المغيث ( 1/267). والأولى أن يُعَدّ من المدرج؛ لأن معنى الإدراج فيه أظهر. منهج النقد في علوم الحديث (ص:442) .
وإنما أراد بذلك ثابت بن موسى لزهده وورعه، فظن ثابت بن موسى أنه روى الحديث مرفوعاً بهذا الإسناد، فكان ثابت يحدث به عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وليس لهذا الحديث أصل إلا من هذا الوجه، وعن قوم من المجروحين سرقوه من ثابت فرووه عن شريك(1) .
قلت: والزيادات الغريبة في الأسانيد والمتون، من قِبل الرواة الذين كثر الخطأ والوهم في حديثهم لضعفهم، وسوء حفظهم لا تقبل؛ لمخالفتهم للحفاظ، وإنما تقبل من أهل الضبط والإتقان فقط(2) .
ذكر مسلم في كتاب التمييز حديث أيمن بن نابل(3) عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في التشهد: ((باسم الله وبالله، والتحيات لله .......))(4) .
وذكر أن زيادة التسمية في التشهد تفرّد بها أيمن بن نابل. وزاد ـ أيمن ـ في آخر التشهد: (( وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار)).
وقد روى الحفاظ الحديث عن أبي الزبير عن طاووس عن ابن عباس بدون هاتين الزيادتين(5) .
ـــــــــــــــــــ
((1/132)
1) ـ المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل (ص:106 ـ 107) .
(2) ـ الراجح أن لا تقبل الزيادة إلا إذا كانت من حافظ يُعتمَد على حفظه، وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته . انظر: شرح علل الترمذي (1/419) .
(3) ـ بنون وموحدة، أبو عمران، ويقال أبو عمرو الحبشي المكي نزيل عسقلان، صدوق يهم من الخامسة. خ ت س ق. التقريب (1/117) . وقال الدارقطني: ليس بالقوي خالف الناس، ولو لم يكن إلا حديث التشهد. وقال أبو حاتم: كان يخطىء، وتفرد بما لا يتابع عليه. وكان يحيى بن معين حسن الرأي فيه. والذي عندي تنكّب حديثه عند الاحتجاج إلا ما وافق الثقات .
المجروحين(1/183)، وسؤالات الحاكم النيسابوري للداراقطني، تح: موفق بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، ط1/1984م. (1/187)،
(4) ـ أخرجه النسائي في سننه، كتاب التطبيق، باب: نوع آخر من التشهد، رقم(1175)، (2/243). وابن ماجه في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التشهد، رقم(902)،(1/292)، والحاكم في المستدرك رقم(982)، (1/399) . وقال الحاكم: فأما الزيادة في أول التشهد باسم الله و بالله فإنه صحيح من شرط البخاري، ووافقه الذهبي .
(5) ـ أخرجه مسلم في الصلاة، باب التشهد في الصلاة، رقم(403)، (1/302) .
قال الإمام مسلم: « فلما بان الوهم في حفظ أيمن لإسناد الحديث، بخلاف الليث وعبد الرحمن ـ بن حُميد الرؤاسي ـ إياه دخل الوهم أيضاً في زيادته في المتن فلا يثبت ما زاد فيه ... والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم »(1) .
وممن كان يزيد في الروايات، وتكلم فيه من جهة حفظه: سالم بن عبدالله الخياط(2)، قال ابن حبان فيه: « يقلب الأخبار، ويزيد فيها ما ليس منها...لا يحلّ الاحتجاج به »(3).(1/133)
ومنهم أيضاً: حجاج بن أرطأة(4). قال أحمد بن حنبل: « في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة ». وقال السّاجي(5): « كان مدلساّ صدوقاً سيء الحفظ، ليس بحجة في الفروع والأحكام »(6) .
كذلك: يزيد بن عطاء اليشكري. قال ابن حبان: « ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات، فلا يجوز الاحتجاج به»(7).
قلت: ولما جاء الراوي الضعيف بهذه الزيادة، ولم يأت بها غيره من الرواة الذين رووا الحديث عن شيخه دلّ ذلك على أنه لم يحفظ الحديث، لكونه جاء بزيادة مخالفة لما رواه الحفاظ. والإكثار من الإتيان بالزيادات المخالفة دليل على سوء حفظ الراوي، وعدم ضبطه للروايات.
ـــــــــــــــــ
(1) ـ التمييز (ص:189) .
(2) ـ سالم بن عبد الله الخياط البصري نزل مكة، وهو سالم مولى عكاشة، وقيل: هما اثنان. صدوق سيء الحفظ، من السادسة. ت ق . التقريب (ص:1/226) .
(3) ـ المجروحين (1/342) .
(4) ـ حجاج بن أرطاة ـ بفتح الهمزة ـ أبو أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء، صدوق، كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين. بخ م4 . التقريب(1/132) .
(5) ـ زكريا بن يحيى السّاجي البصري، ثقة فقيه من الثانية عشرة، مات سنة سبع وثلاثمائة .
التقريب(ص:1/216) .
(6) ـ تهذيب التهذيب(2/173 ـ 174) .
(7) ـ المجروحين (3/103). وقال يحيى بن معين: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بشيء.
تهذيب الكمال (32/212) .
المطلب الثالث: التصحيف في الأسانيد أوالمتون
إذا كانت المخالفة ـ للثقات ـ بتغيير حرف أو حروف، مع بقاء صورة الخط في السياق؛ فإن كان ذلك بالنسبة إلى النَّقط فالمصحّف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل ـ أعني حركة الحروف وسكونها ـ فالمحرّف(1) .(1/134)
قال ابن الصلاح: « هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ والدارقطني منهم »(2). وقد صنف فيه العسكري(3)، والدارقطني، وغيرهما، وأكثر ما يقع في المتون، وقد يقع في الأسماء التي في الأسانيد (4).
قلت: والسبب في وقوع التصحيف الأخذ للحديث من الصحف وبطون الكتب دون تلقي الحديث عن أهل الخبرة والاختصاص؛ لذلك حذّر الأئمة الأعلام من هذا الصنيع .
يقول ابن الصلاح: « وسبيل السلامة من التصحيف: الأخذ من أفواه أهل العلم والضبط، فإن من حرم ذلك، وكان أخذُه وتعلّمُه من بطون الكتب كان من شأنه التحريف، ولم يُفلِت من التبديل والتصحيف، والله أعلم » (5) .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ نزهة النظر (ص:94)، والعالي الرتبة في شرح نظم النخبة(ص:219) .
توسع المتقدمون في معنى المصحّف، فجعلوا كل تغيير في الكلمة، ولو كان طفيفاً؛ في الشكل أو المعنى من باب المصحّف. وهذا التوسع من باب المجاز. قال ابن الصلاح: وتسمية بعض ما ذكرناه تصحيفاً مجاز. انظر: معرفة علوم الحديث (ص:216 ـ 219)، وعلوم الحديث (ص:279 ـ 284) .
(2) ـ علوم الحديث(ص:279) .
(3) ـ الإمام أبو أحمد الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري الأديب، كان من الأئمة المذكورين في التصرف في أنواع العلوم، والتبحر في فنون الفهوم. المتوفى سنة(382هـ) وكتابه: تصحيفات المحدثين. الذي جمع فيه فأوعب. أبجد العلوم(ص:2/150)، والرسالة المستطرفة (ص:1/114) ومعجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف إليان سركيس، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي (2/1327) .
(4) ـ نزهة النظر(ص:94). كما ينقسم إلى تصحيف البصر، وتصحيف السمع، وتصحيف اللفظ وتصحيف يتعلق بالمعنى. ذكر هذا ابن الصلاح مع الأمثلة. علوم الحديث(ص:283) .
(5) ـ علوم الحديث (ص:218) .(1/135)
قلت: قد وقع التصحيف من الأئمة أهل الحفظ والإتقان، لكن شأنه شأن الوهم الذي لا يسلم منه أحد مهما كان حافظاً، ولم يقدح ذلك في ضبطهم. أما إذا كان الراوي من الضعفاء وتُكلّم فيه من جهة حفظه،وعدم ضبطه للأسانيد والمتون، وكثر منه التصحيف فإنه ـ بلا شك ـ يكون دليلاً على سوء حفظه .
ومن أمثلة العلل الواقعة بسبب التصحيف من الأئمة الثقات: ما وقع لعبد الرحمن بن مهدي من أوهام في أسماء الرجال مع إمامته، بيّن ذلك أبو زرعة الرازي فيما نقله عنه تلميذه البَرْذَعي(1) قال: « شهدتُ أبا زرعة ذكر عبد الرحمن بن مهدي ومدحه، وأطنب في مدحه، وقال: وهم في غير شيء. قال: عن شهاب بن شريفة، وإنما هو: شهاب بن شُرْنُفَة. وقال:عن سماك عن عبدالله بن ظالم، وإنما هو: مالك بن ظالم. وقال: عن هشام عن الحجاج عن عائد بن بَطّ، وإنما هو: ابن نضْلة ... وقال: عن قيس بن جُبير، وإنما هو: قيس بن حبْتَر ....» (2) .
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: قلت ليحيى: ـ بن معين ـ إن عبيدالله القواريريّ (3) حدثنا عن ابن مهدي عن جامع بن مطر عن أبي زَوِيّة: « رأيت على أبي سعيد الخدري عمامة سوداء ». فقال: أخطأ، هذا حدّثناه غيره عن جامع بن مطر، عن أبي رؤبة، وصحّف عبيدالله، لا يُعرف من أبو زويّة(4) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو الأزدي، وبرذعة بلد من أعمال أذربيجان رحل، وسمع أبا كريب، وعبدة بن عبد الله، وأبا سعيد الأشج، وخلائق، وصحب أبا زرعة وتخرج به. حدّث عنه حفص بن عمر الأردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وآخرون. قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين رحمه الله تعالى. تذكرة الحفاظ(2/743) .
(2) ـ سؤالات البرذعي، أبو زرعة الرازي، تحقيق: سعد الهاشمي. الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة ، ط1/1982م، (1/326 ـ 327) .
((1/136)
3) ـ عبيد الله بن عمر القواريري، أبو سعيد البصري، نزيل بغداد، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين على الأصح، وله خمس وثمانون سنة. خ م د س. التقريب(ص:373).
(4) ـ العلل ومعرفة الرجال (3/19)، رقم (3962) .
ومن أمثلة تصحيف الضعفاء الذين تُكُلّم فيهم من جهة حفظهم: ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده عن زيد بن ثابت: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد )) . قَالَ ابن الصَّلاَحِ: « إنما هُوَ بالراء: ((احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فِيْهَا )) (1) فصحفّه ابن لهيعة لكونه أخذه من كتاب بغير سماع »(2) .
وَقَالَ الإمام مُسْلِم : « هَذِهِ رِوَايَة فاسدة من كُلّ جهة، فاحشٌ خطؤها في الْمَتْن والإسناد، وابن لهيعة المصحّف في متنه، المغفّل في إسناده » (3).
وممن ضُعّف بالتصحيف: أبو حذيفة موسى بن مسعود(4). قال عبد الرحمن ـ ابن أبي حاتم ـ: « سئل أبي عن حذيفة فقال: صدوق مقرون بالثوري. كان الثوري نزل بالبصرة على رجل، وكان أبو حذيفة معهم، فكان سفيان يوجه أبا حذيفة في حوائجه، ولكن كان يصحّف ». وقال عبد الرحمن أيضاً: « وسئل أبي عن مؤمل بن إسماعيل(5)، وأبي حذيفة فقال: في كتبهما خطأ كثير، وأبو حذيفة أقلهما خطأ ». قال
أبو عبد الله ـ الحاكم ـ : « أبو حذيفة موسى بن مسعود كثير الوهم، سيء الحفظ غمزه عمرو بن علي، وغيره »(6) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ أخرجه البخاري في الصلاة ، باب: صلاة الليل، رقم (698)، (1/256)، وأخرجه أيضاً في الأدب، باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله، رقم (5762)، (5/2266)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد،رقم (214)، (1/539). ورواية ابن لهيعة أخرجها أحمد في المسند، رقم(21648)، (5/185) .
(2) ـ علوم الحديث (ص:280) .
(3) ـ التمييز (ص:187) .
((1/137)
4) ـ قال الترمذي: يضعف في الحديث، وقال الدارقطني: أخرج له البخاري، وهو كثير الوهم تكلموا فيه، وقال الساجي: كان يصحّف، وهو لين. مات سنة عشرين ومائتين. التهذيب(10/330) .
(5) ـ أبو عبد الرحمن نزيل مكة، صدوق سيء الحفظ، من صغار التاسعة، مات سنة ست ومائتين. خت قد ت س ق. التقريب (1/555) .
(6) ـ التعديل والتجريح لأبي الوليد الباجي (2/706) .
ومنهم: مصعب بن سعيد المِصّيصي. قال ابن عدي: « يحدث عن الثقات بالمناكير، ويصحّف عليهم ». وذكر له حديثاً صحّف فيه: ثنا مصعب بن سعيد ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله العمري عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت:(( أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بسَرَقَةِ حرير فيها صورة عائشة، فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة ))(1) .
قال الشيخ: وهذا حديث صحّف فيه مصعب هذا بعض أسامي إسناده فرواه عن عيسى عن عبيد الله العمري عن ابن أبي مليكة، وليس هذا من حديث عبيد الله. ورواه غيره عن عيسى، وعن غير عيسى بن يونس عن عبد الله بن عمرو بن علقمة عن ابن أبي حسين المكي عن ابن أبي مليكة عن عائشة بهذا(2) .
قلت: إذا وقع التصحيف من المحدث نادراً، فإنه لا عيب عليه فيه، ولا يطعن فيه بسببه، ولكن إذا كثر وقوعه منه كان ذلك دليلاً على ضعف ضبطه، وسوء حفظه، والرواية المخالفة التي وقع فيها التصحيف مردودة .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ أخرجه الترمذي في المناقب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، باب: فضل عائشة، رقم (3880)، (5/704). وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة. وقد روى عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد مرسلاّ، ولم يذكر فيه عن عائشة، وروى أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا.(1/138)
قلت: والذي يرويه هشام بن عروة وقع بعض منه في صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب نكاح الأبكار، رقم(4790)، (5/1953)، وورد ذكره عند ابن حبان في: ذكر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها، رقم (7093)، (16/5) . كما أخرج حديث ابن أبي مليكة عن عائشة في: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن عائشة زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الدنيا لا في الآخرة رقم(7094)، (16/6) . والسَّرَقَة : قطعة من جيد الحرير. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير الجزري، تح: طاهر الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت،1979م .(2/916) .
(2) ـ الكامل في الضعفاء(6/364) . قال ابن عدي بعد أن ساق له عدة أحاديث: وله غير ما ذكرت والضعف على حديثه بيّن. قال عبد الرحمن ـ بن أبي حاتم ـ : سئل أبى عنه، فقطّب وجهه وقال: عبد الله بن جعفر الرّقّي أحب إلي منه، وكان صدوقاً .الجرح والتعديل(8/309) .
وذكره ابن حجر في طبقات المدلسين: رقم(106)، (ص:46).
رفع الموقوف، ووصل المرسل .
قلت: إذا ساء حفظ الراوي كان عرضة لأن يخطىء في الأسانيد؛ فيرفع الموقوفات ويوصل المراسيل...، وقد يكثر ذلك منه، فيكون سبباً في مجانبة حديثه .
وقد كان الأئمة الكبار يحفظون الموقوفات والمراسيل كما يحفظون المسانيد كي لا يقعوا في الوهم، ولكنهم مع ذلك لم يسلموا من الوهم الذي لا يخلو منه بشر مهما بلغ في الحفظ والإتقان. قال أبو علي النَّيسابوري: « ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم؛ كان يحفظ الموقوفات والمراسيل، كما نحفظ نحن المسانيد»(1).
ويعتبر رفع الموقوف، ووصل المرسل زيادة في الأسانيد، ولكن هذه الزيادة لا تقبل إلا من الثقات المبرّزين في الحفظ. أما إذا كانت الزيادة من راوٍ ضعيف أو أكثر، وخالف فيها أهل الحفظ والإتقان فلا يُقبل ذلك منه، وتكون هذه الزيادة في الإسناد ـ رفعاً أو وصلاً ـ دليلاً على وهمه، وسوء حفظه .(1/139)
وحين ذكر الحاكم طبقات المجروحين قال في الطبقة الرابعة: « قوم عمدوا إلى أحاديث صحيحة عن الصحابة رفعوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»(2) . وقال في الطبقة الخامسة: « قوم عمدوا إلى أحاديث مروية عن التابعين أرسلوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادوا فيها رجلاً من الصحابة فوصلوها» (3).
ــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: تاريخ بغداد (10/428) .
قال ابن حجر في ترجمة أبي محمد عبدالله بن مظاهر الأصبهاني: كان آية في الحفظ بلغنا أنه حفظ المسندات كلها، ثم شرع في حفظ الموقوفات. مات شاباً لم يمتع بعلومه رحمه الله، توفي سنة أربع وثلاث مائة. تذكرة الحفاظ، رقم (855)، (3/889) .
(2) ـ المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل (ص:103) .
(3) ـ المصدر السابق (ص:104) .
ولما كان وصل المرسل، أو رفع الموقوف كثير الوقوع من الثقات والضعفاء لسهولة الانتقال إليهما على الألسنة كالجادة، بخلاف الإرسال والوقف، قالوا: ''كثر تعليل الوصل بالإرسال، وتعليل الرفع بالوقف'' (1) .
والموقوف: ما يُروى عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم، ولا يُتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يُستعمل مقيّداً في غير الصحابي، فيقال:(حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء، أو على طاووس، أو نحو هذا). والله أعلم(2) .
والمرسل: يقول ابن الصلاح:« وصورته التي لا خلاف فيها: حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم إذا قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام. والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم »(3) .
وقد يطلق المتقدمون المرسل بمعنى المنقطع .....وهو مذهب الفقهاء والأصوليين(4).
والحديث المرسل دائر بين احتمالي الصحة والضعف، فإذا احتف بقرائن تقويه ينبغي أن يُعمل به ويُحتج(5) .(1/140)
قلت: وجعل الموقوف على الصحابي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووصل المرسل من أنواع الوهم. فإذا وقع نادراً في بعض الأحاديث، فإنه لا يؤثر على الأحاديث الصحيحة الأخرى، وإنما يوجب ردّ ما وقع فيه الوهم، والثقة ليس بمعصوم من الخطأ.
وأجمع العلماء على أن الثقة لا يجرح بالخطأ إلا إذا كثر ذلك منه(6) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ الحديث المعلول قواعد وضوابط (ص:25) .
(2) ـ علوم الحديث (ص:46) .
(3) ـ المصدر السابق (ص:51) .
(4) ـ منهج النقد في علوم الحديث (ص:370) .
(5) ـ المصدر السابق (ص:372 ـ 373) .
(6) ـ الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير، اعتنى به: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع .(1/104) .
قلت: إذا كثر وقوع الرفع والوصل من الرواة الضعفاء فلا يرتاب عاقل في أن ذلك راجع إلى سوء حفظهم للأسانيد والمتون، وعدم ضبطهم لما يسمعون أو يروون، وفي هذا خرق لقاعدة مهمة، وهي: قاعدة التحمل والأداء .
وممن عرف برفع الموقوفات، وأكثر من ذلك: علي بن زيد بن جدعان(1) .
قال يحيى القطان: سمعت شعبة يقول: « حدثنا علي بن زيد، وكان رفّاعاً »(2) .
وكذلك: إبراهيم بن مسلم الهَجَري(3).
ضُعّف أيضاً من جهة أنه كان يرفع الموقوفات. قال ابن عيينة: « كان رفّاعاً»(4). ومن الرواة الذين عرفوا بالوصل والرفع أيضاً: محمد بن ثابت العبدي(5).
ــــــــــــــــــ
(1) ـ قال أحمد: ضعيف الحديث، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه، وقال الدارقطني: أنا أقف فيه لا يزال عندي فيه لين. روى له مسلم مقروناً. مات سنة(129هـ). التهذيب(7/284).
(2) ـ العلل ومعرفة الرجال، رقم(4879)، (3/225) .
(3) ـ لين الحديث، رفع موقوفات، من الخامسة. ق. تقريب التهذيب (ص:94) .
(4) ـ ضعفاء العقيلي (1/65) .(1/141)
قلت: جاء عن ابن معين هذه العبارة: (يرفع أشياء لا تُرفع). وقد قالها في عبدالله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف ليس حديثه بشيء . انظر: الكامل (4/157) .
(5) ـ أبو عبد الله البصري، صدوق، لين الحديث، من الثامنة. د ق. التقريب (ص:471) .
قال ابن حبان: « كان يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات توهماً من سوء حفظه، فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به، وهو الذي روى عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فقضى حاجته ثم كان من حديثه ـ يعني ابن عمرـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط أو بول، فسلّم عليه رجل فلم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى كاد أن يغيب في بيوت المدينة، ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه على الحائط فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بعده ضربة أخرى على الحائط فمسح بهما يديه وذراعيه، ثم سلّم عليه، ثم قال: (( إنه لم يمنعني أن أردّ عليه إلا أني كنت على غير وضوء ))(1) أخبرناه الحسن بن سفيان قال حدثنا عمر بن يزيد السّيّاري(2) عن محمد بن ثابت العبدي عن نافع، وإنما هو موقوف على ابن عمر »(3) .
وممن كان لسوء حفظه يصل المرسل: إبراهيم بن الحكم بن أبان(4) .
قال عباس بن عبد العظيم: « كانت هذه الأحاديث في كتبه مراسيل، ليس فيها ابن عباس، ولا أبو هريرة؛ يعني أحاديث أبيه عن عكرمة ». وقال ابن عدي: « وبلاؤه مما ذكروه أنه كان يوصل المراسيل عن أبيه، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه »(5) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ أخرجه أبو داود في الطهارة، باب التيمم في الحضر، رقم (330)، (1/142). قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم. قال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على " ضربتين " عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر .
كما أخرجه الدارقطني في سننه، باب: التيمم، رقم(7)، (1/177).(1/142)
وأخرجه مسلم: عن نافع عن ابن عمر موقوفاً:أن رجلاً مرّ ورسول الله يبول فسلم، فلم يردّ عليه.
كتاب الطهارة، باب التيمم، رقم (115)، (1/281) . وكذا أصحاب السنن .
(2) ـ صدوق، من العاشرة، مات سنة بضع وأربعين ومائتين. د. تقريب(ص:418)
(3) ـ المجروحين (2/251) .
(4) ـ ضعيف، وصل مراسيل، من التاسعة. فق . التقريب (ص:89) .
(5) ـ الكامل في الضعفاء (1/242) .
وقال ابن أبي حاتم: « سألت أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس عن الأحوص ابن حكيم عن راشد بن سعد(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا يُنجِسُ الماءَ إلا ما غلب على طعمه ولونه ))(2). فقال أبي: يوصله رشدين بن سعد يقول: عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورشدين ليس بقوي، والصحيح مرسل، والله أعلم »(3) .
قلت: وهناك أمثلة كثيرة عن مراسيل وصلها، وعن موقوفات رفعها قوم من الضعفاء الذين لم يضبطوا الحديث، فخالفوا غيرهم من الثقات الذين وقفوها، أو رووها مرسلة، فحكم الأئمة عليهم بالوهم، وكان هذا دليلاً على ضعفهم، وسوء حفظهم .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ راشد بن سعد المَقْرَئِي الحمصي، ثقة كثير الإرسال، من الثالثة. مات سنة ثمان، وقيل سنة ثلاث عشرة . بخ4. التقريب (ص:204) .
(2) ـ أخرجه مرسلاً: الدارقطني في السنن، كتاب الطهارة، باب: الماء المتغير، رقم (5)، (1/29
وقال الدارقطني: مرسل، ووقفه أبو أسامة على راشد .
وأخرجه عن راشد عن أبي أمامة ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب: الحياض، رقم (521) (1/174)، ولفظه عند ابن ماجه: (( أن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه)). في الزوائد إسناده ضعيف لضعف رشدين. قال السندي: الحديث بدون الاستثناء رواه النسائي، وأبو داود، والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري .
قلت: أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الماء لا ينجسه شيء، رقم (66)، (1/95). وقال: هذا حديث حسن .(1/143)
وأبو داود في الطهارة، باب ما جاء في بئر بُضاعة، رقم (66)، (1/64) .
والنسائي في الطهارة، باب ذكر بئر بُضاعة، رقم (326)، (1/174) .
كما أخرجه أيضاً موصولاً الطبراني في المعجم الكبير، رقم (7503)، (8/104)، وفي المعجم الأوسط، رقم (744)، (1/226) .
(3) ـ تعليقة على علل ابن أبي حاتم، محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، ت: سامي بن جاد الله أضواء السلف، الرياض، ط1/2003م.(1/14) .
قبول التَّلقين
التلقين لغة: لقِن الشيء يلقَنُه لقْناً، وكذلك الكلام. وتلقّنه: فهمه، وتلقّنتُه: أخذته لقانِية، والتلقين كالتفهيم، وقد لقَّنه كلاماً تلقيناً؛ أي فهَّمه منه مالم يفهم(1).
وفي الاصطلاح: أن يُلقى على الراوي حديث ليس مما عنده فيقبله، ويحدث به من دون أن يميزه، ويعلم أنه ليس من مروياته، وفي هذا دليل على المجازفة، وعدم التثبت، وفقدان الوثوق بمن اتصف بذلك، كما وقع لموسى بن دينار ونحوه(2). ومن كانت هذه حاله فهو فاقد لخصلة أساسية مهمة، ألا وهي خصلة التيقظ(3) .
ومن عرف بقبول التلقين قديماً تُرك حديثه، أمَّا من كان التلقين حادثاً في حديثه، فإنه يؤخذ عنه ما أتقن حفظه.
نقل الخطيب البغدادي عن الحميدي قوله: « ومن قبل التلقين ترك حديثه الذي لقن فيه، وأخذ عنه ما أتقن حفظه إذا علم ذلك التلقين حادثا في حفظه لا يعرف به قديماً وأما من عرف به قديماً في جميع حديثه فلا يقبل حديثه، ولا يؤمَنُ أن يكون ما حفظه مما لُقِّن »(4) .
ــــــــــــــــــــــ
(1)- انظر: مختار الصحاح (ص:612)، ولسان العرب(13/390)، والقاموس المحيط (1/1589). مادة: لَقَنَ .
(2)- انظر:تدريب الراوي(ص:224)، وتوضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار(2/258) .(1/144)
وكان موسى هذا شيخاً مغفلاً لا يبالي ما يلقن فيتلقن، وكل شيء يسأل فيجيب، ويحدث بما ليس من سماعه، فاستحق الترك. وقال يحيى القطان: دخلت على موسى بن دينار أنا وحفص، فجعلت لا أريده على شئ إلا لقيته. المجروحين (2/237)، وميزان الاعتدال (4/204).
وقال أبو حاتم في ترجمة عثمان بن الهيثم بن جهم المؤذن، أبو عمرو البصري العبدي، مؤذن مسجد جامع البصرة: كان صدوقاً، غير أنه بأخرة كان يتلقن ما يلقن . مات سنة (220هـ) . قال الذهبي: يعني أنه كان يحدثهم بالحديث فيتوقف فيه ويتغلط، فيردون عليه فيقول، ومثل هذا غضٌّ عن رتبة الحفظ لجواز أنَّ فيما رُدَّ عليه زيادة، أو تغييراً يسيراً. والله أعلم.
الجرح والتعديل(6/172)، وميزان الاعتدال(10/210) .
(3)- أصول الجرح والتعديل (ص:119) .
(4) ـ الكفاية في علم الرواية (1/149) .
يقول أستاذنا د. نور الدين عتر: « وهذا عمل بقاعدة من اختلط من الثقات »(1).
وعن علي بن عبد الله بن المديني قال: قال يحيى بن سعيد: « إذا كان الشيخ إذا لقنته قبل فذاك بلاء، وإذا ثبت على شيء واحد فذاك ليس به بأس »(2) .
قلت: وممن ساء حفظه من الرواة وأخذ يتلقن ما لقن : يزيد بن أبي زياد .
قال ابن حبان: « كان يزيد صدوقاً، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، فكان يتلقن ما لقن، فوقع المناكير في حديثه من تلقين غيره إياه وإجابته فيما ليس من حديثه لسوء حفظه.... »(3) .
ومن الرواة من ابتلي بابن سوء، فأخذ يدخل عليه في حديثه، وهو يجيب لثقته بابنه، كما حصل لقيس بن الربيع. قال الإمام أبو حاتم: « قد سبَرْت أخبار قيس بن الربيع من رواية القدماء والمتأخرين وتتبعتها، فرأيته صدوقاً مأموناً حيث كان شاباً فلما كبرَ ساء حفظه، وامتحن بابن سوء، فكان يدخل عليه الحديث، فيجيب فيه ثقة منه بابنه، فلما غلب المناكير على صحيح حديثه ولم يتميز استحق مجانبته عند الاحتجاج »(4) .
ـــــــــــــــــــ
((1/145)
1) ـ أصول الجرح والتعديل (ص:120) . حيث إنه يؤخذ عن المختلط ما سمعه قبل اختلاطه، أما ما أشكل أمره، أو سمعه بعد الاختلاط، فإنه يُترك ولا يُحتج به، وسوف يأتي الكلام عن ذلك تفصيلاً .
(2) ـ الكفاية(1/149) .
(3) ـ المجروحين (3/100) .
وممن كان يتلقن أيضاً: محمد بن جابر اليمامي. وهو صدوق كثير الوهم، اختلط عليه حديثه. ساء حفظه بعد ذهاب كتبه، فأخذ يتلقن ما لقن . انظر: الجرح والتعديل (7/219) .
(4) ـ المجروحين (2/218) .
كما ابتلي بعض الرواة بورّاق سوء، فأخذ يدخل عليه في حديثه، وهو يجيب ثقة منه بهذا الوراق، كما وقع لسفيان بن وكيع بن الجراح. قال ابن حبان: وكان شيخا فاضلاً صدوقاً إلا أنه ابتلي بوراق سوء كان يدخل عليه الحديث، وكان يثق به، فيجيب فيما يقرأ عليه، وقيل له بعد ذلك في أشياء منها فلم يرجع، فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك . المجروحين (1/359) .
وبعض الرواة ابتلي بفقد بصره بعد تقدمه في السن، فكان يُلقَّن الأحاديث الباطلة فيتلقن، وأسندت عنه أحاديث لم تكن في كتبه، وإنما لُقِّنها بعد ذهاب البصر.
منهم الإمام الحافظ المصنف عبد الرزاق الصنعاني.
قال الإمام أحمد:« عبد الرزاق لا يُعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره كان يُلقن أحاديث باطلة، وقد حدث عن الزهري أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر، جاؤوا بخلافها»(1) .
وعدم قبول أهل الحديث رواية من عُرف بقبول التلقين، لا يعني ترك حديثه مطلقاً؛ لأنّ التلقين ليس من باب الكذب، أو الاتهام به، وإنما هو ضعف في الحفظ والضبط. لذلك عدَّه الشيخ ابن الصلاح من جملة الأمور التي تَخْرِمُ الثقة بالراوي وبضبطه (2) .
فإذا وافق الراوي على حديثه من هو مثله، أو أقوى منه قبلت روايته، وعُلم أنَّ هذا من أحاديثه التي أقامها ولم يختل ضبطه لها .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ شرح علل الترمذي(2/577 ـ 578 ) .(1/146)
وانظر تعليق أستاذنا د.نور الدين، وردَّه على من تكلم على أحاديث الجامع للإمام الصنعاني، بدعوى اختلاطه، وقبوله للتلقين، بعدما أضرَّ في آخر عمره .
(2) ـ علوم الحديث (ص:119) .
إذاً :« فالتلقين في الجملة جرح مرحلي ـ ناشئ عن سوء الحفظ، أو الغفلة ـ لا يؤثر على ما كان قبله من حديث مستقيم، إلا إذا امتزج الحديث المستقيم بالملقَّن، أو كان الشيخ عامداً قبول التلقين، فترد جميع المرويات حينئذ، ويكون التلقين جارحاً لذات الراوي »(1) .
كما أن قبول الراوي للتلقين دلالة على أن هذا الراوي قد اختل ضبطه، وساء حفظه وقد اتبعه بعض المحدثين طريقة من طرق اختبار حفظ الراوي(2) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ اليقين بمعرفة من رمي من المحدثين بقبول التلقين.(ص:111) .
(2) ـ مثل ما حكاه أبو المنذر يحيى بن المنذر الكوفي قال: كنا بمكة، فقدم علينا عطاء بن عجلان البصري، فأخذ في الطواف، فجاء غياث بن إبراهيم وكدام بن مسعر وآخر قد سماه، فجعلوا يكتبون حديث عطاء، فإذا مروا بعشرة أحاديث أدخلوا حديثاً من غير حديثه، حتى كتبوا أحاديث وهو يطوف فقال لهم حفص بن غياث: ويلكم؛ اتقوا الله، فانتهروه وصاحوا به، فلما فرغ كلموه أن يحدثهم، فأخذ الكتاب فجعل يقرأ، حتى انتهى إلى حديث فمر فيه فقرأه، قال: فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قرأ حتى انتهى إلى الثالث، فانتبه الشيخ واستضحكوا، قال :فقال لهم: إن كنتم أردتم شيني فعل الله بكم وفعل .
ضعفاء العقيلي (3/402) في ترجمة عطاء بن عجلان العطار .
خاتمة الفصل
من المفيد أن أذكر أهم النتائج التي تم التوصل إليها بعد الانتهاء من دراسة هذا الفصل:(1/147)
1ـ أهمية الدلائل، والقرائن في الكشف عن سوء حفظ الراوي، وتبيين خطئه ووهمه؛ لأن خطأ الراوي الضعيف لا يمكن الجزم به إلا من خلال دراسة وتتبع القرائن والدلائل المحتفة بالخبر، فقد يصيب هذا الراوي في روايته، وقد يجانب الصواب، ويخالف الثقات، وهنا يبرز دور المحدثين، وتظهر عظمة منهجهم ـ الذي لا يجور ولا يحور ـ في اتباع سبيل الإنصاف، والبعد عن الظلم والإجحاف .
2ـ هناك الكثير من الدلائل التي يمكن من خلالها معرفة سوء حفظ الراوي، والحكم عليه بالوهم والخطأ فيما يرويه، وترجع عموماً إلى التفرد والمخالفة؛ لأن أحوال الراوي قوة وضعفاً، إنما تعرف بموافقة أهل الحفظ والإتقان، أو مخالفتهم، كما تُعرف بتفرد الراوي؛ إن كان قد تفرّد بما هو مقبول، أو بما لا أصل له من الأخبار.
3ـ من القرائن التي يمكن من خلالها التوصل إلى معرفة سوء حفظ الراوي والكشف عن وهمه فيما يرويه: التفرد الذي لا يُحتمل من مثله، والاضطراب في الرواية، وجمع الأسانيد والرجال، إضافة إلى القلب والإدراج والتصحيف في الأسانيد والمتون، مع رفع الموقوفات، ووصل المراسيل، وقبول الراوي للتلقين ممن يلقنه، والغفلة عما يُدخل عليه في حديثه من قبل بعض الرواة .
ا .هـ
الفصل الرابع
أقسام سوء الحفظ
فيه مبحثان
المبحث الأول: سوء الحفظ الملازم للراوي
المبحث الثاني: الاختلاط
المبحث الأول
سوء الحفظ الملازم للراوي
فيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: مفهوم الحديث الشاذ، وأقسامه
المطلب الثاني: العلاقة بين الشاذ والمنكر
المطلب الثالث: علاقة سوء الحفظ بالنكارة والشذوذ
سوء الحفظ الملازم للراوي
قسم الأئمة النقاد أهلُ العلم بالحديث رواةَ الأخبار من جهة قَبول مروياتهم وردّها إلى أربعة أقسام:
ـ فمنهم: من يُتّهم بالكذب .
ـ ومنهم: من غلب على حديثه المناكير لغفلته، وسوء حفظه .(1/148)
ـ وقسم ثالث: أهل صدق وحفظ، ويندر الخطأ والوهم في حديثهم أو يقلّ، وهؤلاء هم الثقات المتفق على الاحتجاج بهم .
ـ وقسم رابع: وهم أيضاً أهل صدق وحفظ، ولكن يقع الوهم في حديثهم كثيراً، لكن ليس هو الغالب عليهم(1) .
والرواة الذين ضعفوا لسوء حفظهم يدخلون في القسم الرابع، وما ضعّفهم الأئمة إلا لكثرة الأخطاء والأوهام التي وقعت منهم، فقد كانوا يحدثون فيضطربون في الرواية، ويقع الاختلاف في حديثهم نتيجة لعدم ضبطهم لمروياتهم، ولم يترك الأئمة حديث هؤلاء؛ لأن الغلط والوهم لم يكن غالباً عليهم، وإنما كانوا يحدثون فمرة يضبطون، وأخرى يخطئون .
وأهل هذا القسم أنفسهم لم يكونوا على درجة واحدة من ضعف التيقظ وسوء الحفظ، وإنما كانوا يتفاوتون في ذلك: فمنهم من كان سوء الحفظ أصلياً فيه ملازماً له، ومنهم من طرأ عليه سوء الحفظ ـ بعد أن كان من أهل الضبط والإتقان ـ لسبب أو لآخر(2) .
وسوف أتناول في المبحث الأول ـ من هذا الفصل ـ : سوء الحفظ الملازم للراوي، وفي المبحث الثاني: سوء الحفظ العارض للراوي ـ إن شاء الله ـ .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ شرح علل الترمذي (1/105) .
كما ذكر الإمام مسلم أيضاً أقسام الرواة في مقدمة صحيحه، واستطرد في ذلك . (1/4) .
(2) ـ سبقت دراسة أسباب سوء الحفظ في فصل مستقل من هذه الرسالة .
المطلب الأول: مفهوم الحديث الشاذ، وأقسامه
تعريف الشاذ لغة: شذّ عنه يشِذّ ويشُذّ ـ بالكسر والضم ـ انفرد عن الجمهور، فهو شاذ. قال الليث:« شذّ الرجل: إِذا انفرد عن أَصحابه، وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ »(1) .
وفي اصطلاح المحدثين: تعددت تعريفات الشاذ عند أئمة الحديث:
1ـ تعريف الشافعي: عرّفه الإمام الشافعي ـ كما يرويه عنه الحاكم النيسابوري بسنده ـ بأنه: « ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، وإنما الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث»(2).(1/149)
هذه رواية الحاكم. وجاء عند الخطيب البغدادي: « إنما الشاذ من الحديث أن يروي الثقات حديثا فيشذ عنهم واحد فيخالفهم » (3) .
قلت: نقل الإمام أبو يعلى الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز القول به(4) .
2ـ تعريف الحاكم النيسابوري للشاذ: عرّفه بأنه: « حديث يتفرّد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة » (5) .
قال الإمام النووي عن تعريف الحاكم: « إنه مذهب جماعات من أهل الحديث. قال: وهذا ضعيف » (6) .
ــــــــــــــ
(1) ـ الصحاح للجوهري (1/127)، ولسان العرب (3/494). مادة: شذذ .
(2) ـ معرفة علوم الحديث (ص:183) في النوع: الثامن والعشرين: معرفة الشاذ من الروايات. قال ابن رجب الحنبلي: وكذا قال أبو بكر الأثرم. شرح علل الترمذي(1/457) .
(3) ـ الكفاية في علم الرواية (1/141). باب ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث .
(4) ـ أي القول بما عرف به الإمام الشافعي الشاذ، في كتابه: الإرشاد في معرفة علماء الحديث. معرفة الشواذ (1/176) .
(5) ـ معرفة علوم الحديث (ص:183). ومعنى متابع: أي أصل موافق ومعاضد. مقدمة في أصول الحديث (ص:55) .
(6) ـ فتح المغيث (1/198) .
3ـ تعريف أبي يعلى الخليلي: « عرّف الشاذ بقوله: الذي عليه حفاظ الحديث أنّ الشاذ: ما ليس له إلا إسناد واحد يشذّ بذلك شيخ؛ ثقة كان أو غير ثقة. فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يُتوَقّفُ فيه، ولا يُحتَجّ به » (1) .
من خلال التعريفات السابقة للشاذ نجد أن الإمام الشافعي قد اشترط لإطلاق الوصف بالشذوذ: أن تكون هناك مخالفة من قبل الثقة. أما الحاكم فقد قيده بقيد الثقة من دون اشتراط المخالفة في تعريفه، فيلزم على قوله هذا أن يكون في الصحيح: الشاذ، وغير الشاذ كما قال الحافظ ابن حجر(2) .(1/150)
قال السخاوي: « بل اعتمد ـ أي الحاكم ـ ذلك في صنيعه(3) حيث ذكر في أمثلة الشاذ حديثاً أخرجه البخاري في صحيحه من الوجه الذي حكم عليه بالشذوذ » (4) .
وأما بالنسبة لتعريف الخليلي: فواضح منه أنه اعتبر فيه مطلق التفرد، ولم يقيده بالمخالفة، فسوّى بين الفرد المطلق والشاذ. ويلزمه ـ ما لزم الحاكم ـ أن يكون في الشاذ الصحيح، وغير الصحيح(5) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/176) .
(2) ـ النكت على ابن الصلاح (ص:653) .
(3) ـ قلت: قد سجّل الحافظ ابن حجر على الحاكم انتقاداً، كما انتقد ابن الصلاح من بعده، فقال: مثّل الحاكم للشاذ بمثال يتجه عليه من الاعتراض أشدّ مما اعترض به على المصنف، فإنه أخرج من طريق محمد بن عبدالله الأنصاري قال: حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس قال: (( كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير. يعني ينظر في أموره )).
وحدثنا جماعة من مشايخنا عن أبي بكر محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو عمرو محمد بن خزيمة البصري بمصر ـ وكان ثقة ـ فذكر الحديث بنحوه. النكت(ص:670)
قال أبو عبدالله: وهذا الحديث شاذ بمرة. فإن رواته ثقات، وليس له أصل عن أنس، ولا عن غيره من الصحابة بإسناد آخر. معرفة علوم الحديث (ص:183). قلت: والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في الأحكام، باب: الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه، رقم (6736) (6/2616). والحاكم موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذاً، ولا مشاحة في التسمية . فتح المغيث (1/198) .
(4) ـ فتح المغيث (1/198) .
(5) ـ النكت على ابن الصلاح (ص:652)، وفتح المغيث (1/198) .(1/151)
انتقاد ابن الصلاح للحاكم، وأبي يعلى الخليلي: انتقد ابن الصلاح رأي الحاكم والخليلي الذي يتوسع في الحديث الشاذ بالأحاديث الغرائب، والأفراد الصحيحة. فقد تم الاتفاق بين العلماء على تصحيح عدد من الأحاديث الغرائب والأفراد الصحيحة فقال: « أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره ـ الحاكم والخليلي ـ فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث: (( إنما الأعمال بالنيات ))(1). فإنه حديث فرد تفرّد به عمر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرّد به عن عمر علقمة بن وقّاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم،ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث »(2).
ثم ساق مثالاً آخر من حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته ))(3). تفرد به عبدالله بن دينار.
وحديث مالك عن الزهري عن أنس: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المِغفَر ))(4) تفرد به مالك عن الزهري .
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر هذه الأمثلة: « فكل هذه مخرّجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرّد به ثقة. وفي غرائب الصحيحين
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ متفق عليه: أخرجه البخاري في مطلع صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (1/1)، رقم (1)، وفي مواضع أخرى. ومسلم في الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنية )، رقم (155)، (3/1515) .
(2) ـ علوم الحديث (ص:77) .
(3) ـ أخرجه البخاري في العتق، باب: بيع الولاء وهبته، رقم (2398)، (2/896)، ومسلم في العتق باب: النهي عن بيع الولاء وهبته، رقم (16)،(2/1145). وقال مسلم: الناس كلهم عيال على عبدالله بن دينار في هذا الحديث .
((1/152)
4) ـ أخرجه البخاري في الحج، باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام، رقم(1749)، (2/655) ومسلم في الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام، رقم(1357)، (2/989) .
والترمذي في كتاب: الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب:ما جاء في المغفر، رقم(1693) (4/202). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا يُعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري . قال ابن حجر: (فقوله كثير يشير إلى أنه توبع في الجملة) . فتح الباري (8/183) .
أشباه لذلك غير قليلة... فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم ... »(1) .
قلت: بعد أن أصّل الشيخ ابن الصلاح، واستدلّ، وانتقد، خلص إلى نتيجة حول ما يتعلق بالشاذ وهي: « أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرّد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم »(2) .
قلت: لم يسلم اعتراض ابن الصلاح، وانتقاده للحاكم والخليلي من الانتقاد أيضاً كما لم يُسلّم له استشهاده بالأمثلة التي ذكرها(3) ولا أطيل بذكر الردود والانتقادات ولكن ما يهمنا هو أن ابن الصلاح قد أحسن وأجاد فيما يتعلق بتفصيله للشاذ. وقد استحسن صنيعه هذا جماعة من العلماء(4) .
والخلاصة أن ما ذهب إليه الشافعي في تعريف الشاذ هو الذي اعتمده، وسار عليه المحققون من الأئمة في مصنفاتهم الحديثية؛ لأن العدد أولى بالحفظ من المنفرد. وقد نصّ الإمام الشافعي نفسه على هذا فقال: « إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه، أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد وهو منفرد... » (5) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ (2) ـ علوم الحديث (ص:78 ـ 79) .
((1/153)
3) ـ انظر: النكت على ابن الصلاح لأبي عبدالله الزركشي (2/152 ـ 153)، والنكت للحافظ ابن حجر (ص:654 وما بعدها)، وفتح المغيث (1/199 ـ 200) .
(4) ـ منهم: القاضي ابن جماعة ـ رحمه الله ـ قال: وهذا التفصيل حسن، ولكنه أخلّ في القسمة الحاصرة بأحد الأقسام، وهو حكم الثقة الذي خالفه ثقة مثله، فإنه ما بيّن حكمه .
المنهل الروي ( ص:51). وقد أجاب الإمام الطيبي عن ابن الصلاح فقال: قوله: أحفظ منه وأضبط على صيغة التفضيل، يدلّ على أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردوداً .
الخلاصة في أصول الحديث، شرف الدين حسن بن محمد الطيبي، ت: صبحي السامرائي، دار إحياء التراث، الأوقاف العراقية، ط/1971م. (ص:70) .
(5) ـ اختلاف الحديث، محمد بن إدريس الشافعي، ت: عامر حيدر، مؤسسة الثقافة، بيروت ط1/1985م . (ص:563) .
وقد اختار الحافظ ابن حجر تعريف الشافعي ـ رحمه الله ـ ، فقال: « فإن خولف ـ أي الراوي ـ بأرجح منه، لمزيد ضبط، أو كثرة عدد(1)، أوغير ذلك من وجوه الترجيحات فالراجح يقال له المحفوظ، ومقابله: وهو المرجوح يقال له: الشاذ » (2) .
العلاقة بين الشاذ والمعلّل: فرّق بينهما الحاكم النيسابوري، فقال: « الشاذّ من الروايات، وهو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راو، أو أرسله واحد فوصله واهم، أما الشاذّ فإنه حديث يتفرد به ثقة ... »(3) .
ــــــــــــــــ
(1) ـ العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد؛ لأن تطرق السهو أقرب من تطرقه إلى العدد الكثير. وحينئذ فَرَدّ قول الجماعة بقول الواحد بعيد . فتح المغيث (1/18) .
(2) ـ نزهة النظر (ص:68) . وجاء في (ص:56) من النزهة: والشاذ: ما يخالف فيه الراوي من هو أرجح منه.
قلت: تعقّب الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحافظ ابنَ حجر، فقال: ليس بجيد إذ يدخل فيه المنكر .(1/154)
اليواقيت والدرر (2/476). وقد خرج الحافظ بنتيجة حول الشاذ يقول فيها: وعُرف من هذا التقرير أن الشاذ: ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه، وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح. النزهة (ص:69) .
قلت: جاء في تعريف الشافعي للشاذ أنه: ما رواه الثقة، وفي تعريف الحافظ ابن حجر أنه: ما رواه المقبول. فقد وضع ـ ابن حجر ـ صفة القبول هنا محلّ صفة التوثيق.
والمراد بالمقبول هنا: أعمّ من أن يكون ثقة، أو صدوقاً....وههنا إنما جعل راوي الشاذ أي الزائد على الحسن أو الصحيح بسبب المخالفة لمن هو أوثق منه مقبولاً، ولا يلزم من مقبولية الراوي مقبولية المروي . شرح شرح النخبة ( ص:336) .
قال الكمال بن أبي شريف: فالثقة في قول الإمام الشافعي بمعنى المقبول الشامل للعدل الضابط والصدوق القريب من درجة الضبط والإتقان، أو يكون ذكر الثقة للاحتراز عن الضعيف لا عن الصدوق، بل لإفهام أن مخالفة الصدوق المذكور أولى باسم الشذوذ )) .انظر: حاشية الكمال بن أبي شريف على نزهة النظر (مخطوط)، (ص:9 ـ 10) .
(3) ـ معرفة علوم الحديث (ص:183) .
وقد بيّن ـ الحاكم ـ كلامه السابق بمثال، ثم قال: « هذا حديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن لا نعرف له علة نعلله بها، ولو كان الحديث عند الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد بن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولاً، ثم نظرنا فلم نجد لـ يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أصحاب أبي الطفيل، ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل فقلنا: الحديث شاذ » (1) .(1/155)
فالمعلّل ما وقف على علته، أما الشاذ فإنه لم يوقف له على علة؛ أي معينة وهذا يشعر باشتراك هذا مع ذاك في كونه ينقدح في نفس الناقد أنه غلط، وقد تقصر عبارته عن إقامة الحجة على دعواه، وأنه من أغمض الأنواع وأدقها ولا يقوم به إلا من رزقه الله الفهم الثاقب، والحفظ الواسع، والمعرفة التامة بمراتب الرواة، والملكة القوية بالأسانيد والمتون، وهو كذلك، بل الشاذ كما نسب لشيخنا أدقّ من المعلل بكثير(2) .
قلت: فالشذوذ نوع من أنواع إعلال الحديث، ويشترك مع المعلل في أن كليهما ظاهره الصحة، ثم تتبين علة ما تقدح في صحة الحديث .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ معرفة علوم الحديث (ص:183) .
(2) ـ فتح المغيث (1/198) . قال السيوطي: ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف .
تدريب الراوي (ص:151) .
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين: وهذا النوع دقيق جداً؛ لأنه يشتبه كثيراً بزيادة الثقة في السند أو المتن ويحتاج إلى نظر دقيق للفصل بينهما . منهج النقد في علوم الحديث (ص:429).
حيث إن الحديث الذي وقع فيه الاختلاف بسبب زيادة أحدهم في سنده أو متنه ينطوي عليه مفهوم الشاذ إذا كانت الزيادة خطأ أو وهماً. زيادة الثقة في كتب مصطلح الحديث، دراسة موضوعية نقدية، بحث مقبول للنشر في مجلة الشريعة بجامعة الكويت، ومفهرس للشاملة للدكتور حمزة المليباري. وعنوان البحث: الشاذ والمنكر، وصلتهما بزيادة الثقة . (ص:8) .
قلت: هناك رسالة ماجستير من جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، قسم الشريعة الإسلامية بعنوان: الشاذ من الحديث، وأثره في الأحكام الفقهية، للباحث: محمد زكي عبد الدايم عام:1422هـ .عقد فيها فصلاً كاملاً، تأصيلاً وتطبيقاً تحدث فيه عن الفرق بين الشاذ وزيادة الثقة . من (101 ـ 154) .
قسما الحديث الشاذ: ينقسم الشاذ بحسب موضعه في الحديث قسمين:
شاذ في السند، وشاذ في المتن .(1/156)
ومثاله: ما أخرجه الدارقطني ثنا عمرو بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصُر في السفر ويُتمُّ، ويفطر ويصوم )). قال: « وهذا إسناد صحيح »(1) .
قلت: حُكْم الدارقطني بتصحيح إسناده، إنما هو بحسب الظاهر، ورجال إسناده
كلهم ثقات، ولكن الشذوذ قائم في السند والمتن؛ أما السند فلأنه خالف ما اتفق عليه الثقات من وقفه على السيدة عائشة، وأما المتن: فلأن الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم المواظبة على قصر الصلاة في السفر؛ لذلك قال الحافظ ابن حجر: «والمحفوظ عن عائشة من فعلها »(2) . أي رواية ذلك موقوفاً عليها .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ سنن الدارقطني، كتاب الصيام، باب: القبلة للصائم، رقم (44)، (2/189) .
(2) ـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام (مع سبل السلام)، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، باب صلاة المسافر والمريض، (2/37 ـ 38)، وأخرج البيهقي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها : كانت تصلي في السفر أربعاّ، فقلت لها: لو صليت ركعتين. فقالت: يا بن أختي إنه لا يشقّ عليّ. سنن البيهقي الكبرى، باب: من ترك القصر في السفر غير رغبة عن السنة، رقم (5215) (3/143) . ومعنى لا يشق: أي لا يصعب عليّ إتمام الصلاة في السفر.
ومن أمثلة الشذوذ في المتن: ما رواه شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضُّحى ـ مسلم بن صُبَيْح ـ عن ابن عباس أنه قال: { اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ } . [الطلاق:12]. قال:((سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى )). قال أبو عبدالله الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. المستدرك، تفسير سورة الطلاق، رقم(3822)، (2/535).(1/157)
قلت: أخرجه البيهقي (أبو بكر أحمد بن الحسين) في الأسماء والصفات، ت: عبدالله بن محمد الحاشدي مكتبة السوادي، جدة، ط1، رقم(832)، (2/268). وقال: إسناد هذا عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاً، والله أعلم. وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح وقال: إسناده صحيح. (6/293) .
وللشيخ اللكنوي رسالة: (زجر الناس عن إنكار أثر ابن عباس) حكم فيها بأن هذا الحديث في حكم المرفوع. الرفع والتكميل (ص:188) .
كذلك أخرج الحاكم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ثلاثة يهلكون عند الحساب: جواد، وشجاع، وعالم)) .
قال أبو عبدالله :« هذا حديث صحيح الإسناد على شرطهما، وهو غريب شاذ...».
ووافقه الذهبي(1) .
قلت: تبين مما تقدم أن الشاذ غير مقبول، كما أنه غير مرغوب فيه؛ لأن راويه وإن كان ثقة، لكنه لما خالف من هو أقوى علمنا أنه لم يضبط هذا الحديث، فيكون مردوداً (2). وقد تتالت أقوال الأئمة في التحذير منه(3) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المستدرك، كتاب العلم، رقم (365)، (1/189) .
(2) ـ منهج النقد في علوم الحديث (ص:428) .
(3) ـ قال إبراهيم بن أبي عبلة: من حمل شاذ العلم حمل شراً كثيراً. وعن أبي عبدالله أحمد بن حنبل قال: شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها، ولا يُعتمد عليها. وعنه أيضاً: تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب، ما أقلّ الفقه فيهم .
الكفاية في علم الرواية (ص:140 ـ 141) .
المطلب الثاني: العلاقة بين الشاذ والمنكر
لا بدّ من بيان العلاقة العميقة، والصلة الوثيقة بين المنكر والشاذ من الحديث قبل بيان صلة سوء الحفظ بكل منهما، من جهة أن حديث سيء الحفظ ـ الذي كان سوء الحفظ ملازماً له ـ: هل هو من قبيل المنكر، أم الشاذ ؟.(1/158)
أما عن العلاقة بين المنكر والشاذ: فقد سوّى ابن الصلاح بينهما، واعتبر معناهما واحداً. قال: « المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه »(1) .
والتحقيق أن الشاذ غير المنكر، وأن بينهما ـ كما يقول الحافظ ابن حجرـ:
« عموماً وخصوصاً من وجه(2)؛ لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة، وافتراقاً في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق، والمنكر رواية ضعيف، وقد غفل من سوّى بينهما، والله تعالى أعلم » (3) .
قلت: قال الشيخ ملاّ علي القاري: « أراد الحافظ ابن حجر في قوله: وقد غفل من سوّى بينهما ـ المنكر والشاذ ـ ابنَ الصلاح » (4).
ولكن: هل غفل ابن الصلاح ـ فعلاً ـ عندما سوّى بين الشاذ، والمنكر ؟.
ــــــــــــــــ
(1) ـ والقسم الأول: المنفرد المخالف لما رواه الثقات. أما القسم الثاني: فهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده. علوم الحديث (ص:80 ـ 82) .
قال السيوطي: ....وهو أنه يرى أن الشاذ والمنكر اسمان لمسمى واحد. التدريب(ص:35) .
قلت: وعلى هذا فالشاذ المردود يعد قسماً من أقسام المنكر. وممن أشار إلى ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ عندما عقد فصلاً في الحديث الغريب، وأنواع الحديث من حيث تفرد الراوي به، قال: ومن جملة الغرائب المنكرة الأحاديث الشاذة المطّرَحة، وهي نوعان: ما هو شاذ الإسناد، وما هو شاذ المتن؛ كالأحاديث التي صحّت الأحاديث بخلافها، أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها. شرح علل الترمذي (1/406 ـ 410) .
(2) ـ أن يكون هناك اجتماع بين دليلين أو لفظين في صورة، وينفرد كل منهما عن الآخر في صورة. انظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، عبد الرحيم الإسنوي، ت: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1400هـ، (ص:507). فيعتبر في كليهما مخالفة الأرجح، وفي الشاذ مقبولية الراوي، وفي المنكر ضعفه. شرح شرح النخبة (ص:340) .
(3) ـ نزهة النظر (ص:70) .
((1/159)
4) ـ انظر: شرح شرح النخبة (ص:342) .
وقد تابع الحافظَ ابن حجر على قوله مَن جاء بعده من علماء الحديث، ونقلوا كلامه في مصنفاتهم، وبقيت هذه الغفلة ملازمة للشيخ ابن الصلاح منذ ذلك الوقت وإلى الآن .
وبالتحقيق والتدقيق في كلام الأئمة المتقدمين نجد أن الشيخ ابن الصلاح لم يغفل بل قد عَقَلَ ـ وما غفل ـ عندما جعل الشاذ بمعنى المنكر، ولم يأت ببِدْعٍ من القول وإنما هو شيءٌ سُبق إليه، والأئمة المتقدمون على عدم التفريق بينهما وقد جاء هذا صريحاً في كلامهم، ومأخوذاً من صنيعهم .
ومن أوائل من بيّن هذا: صالح بن محمد الحافظ (صالح جَزَرَة) عندما سئل عن الشاذّ فقال: « الشاذّ: الحديث المنكر الذي لا يُعرف »(1) .
ويقول ابن قطلوبغا ردّاً على كلام الحافظ ابن حجر: « قلت: قد أطلقوا في غير موضع النكارة على رواية الثقة مخالفاً لغيره ... »(2) .
وفي حديث همام بن يحيى(3) عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )). قال أبو داوود: « هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه))، والوهم فيه من همّام ولم يروه إلا همّام » (4) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الكفاية في علم الرواية (1/141) .
(2) ـ القول المبتكر على شرح نخبة الفكر، (ص:12) .
(3) ـ العَوْذِي، أبو عبد الله، أو أبو بكر البصري، ثقة ربما وهم. من السابعة. مات سنة أربع أو خمس وستين. ع . التقريب (ص:574) .
((1/160)
4) ـ سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب: الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء، رقم (19)، (1/52)، والترمذي في اللباس، باب: ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، رقم (1746) (4/229). وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، والنسائي في الزينة، باب: نزع الخاتم عند دخول الخلاء، رقم (5213)، (8/178)، وابن ماجه في الطهارة وسننها، باب: ذكر الله عزّ وجلّ على الخلاء والخاتم في الخلاء، رقم (303)، (1/110) .
قلت: همام من الثقات، وقد أخرج له الشيخان، ومع ذلك اعتبر أبو داوود مخالفته هنا للثقات من قبيل المنكر. وقد عدّ الحافظ العراقي هذا مثالاً صالحاً للمنكر(1) إلا أن الحافظ ابن حجر قال معقّباً عليه: فإنه شاذ في الحقيقة، إذ المنفرد به من شرط الصحيح »(2) .
ومنه أيضاً ما رواه أبو الأحوص عن سِماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن بردة بن نِيار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( اشربوا في الظروف ولا تسكروا )). قال أبو عبد الرحمن ـ النسائي ـ: « وهذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلاّم بن سُليم، لا نعلم أن أحداً تابعه عليه من أصحاب سِماك بن حرب وسماك ليس بالقوي، وكان يقبل التلقين. قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يخطىء في هذا الحديث. خالفه شريك في إسناده وفي لفظه »(3) .
وسلاّم بن سُلَيْم قال عنه الحافظ ابن حجر: « ثقة متقن، صاحب حديث»(4).
ومع ذلك حكم الإمام النسائي بنكارة هذا الحديث لما خالف فيه سلاّم، ولم يُتابع عليه، وهذا الحديث في اصطلاح المتأخرين من جملة الشاذ .
وغير ما ذكرت من الأمثلة كثير. مما يدلّ على أن أئمة النقد المتقدمين كانوا يطلقون النكارة على الشذوذ، ولا يفرقون بينهما، كما ذكر الشيخ ابن الصلاح(5) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ التقييد والإيضاح (1/108) .
(2) ـ النكت على ابن الصلاح (ص:677) .
(3) ـ النسائي في الكبرى، ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر، رقم (5187) (3/231) .
((1/161)
4) ـ التقريب (ص:261) .
(5) ـ ولو تتبعنا وتصفحنا في كتب المتقدمين لما وجدنا كلمة شاذ، وإن وجدت فهي قليلة أو نادرة أما كلمة منكر فهي كثيرة جداً. فمثلاً: كتاب العلل لابن أبي حاتم. يقول الدكتور إبراهيم اللاحم: وأما كلمة "منكر" ففيه وصف الأحاديث بالنكارة في أكثر من أربعمائة موضع، منها عن الضعفاء كثير، ومنها عن متوسطي الحفظ، ومنها عن الثقات أيضاً، ومنها عن الثقات مما تفرد به الثقات، ومنها مما تفرد به الضعفاء، ومنها مما تفرد به غيرهم أيضاً ... " . شرح اختصار علوم الحديث، موقع جامع شيخ الإسلام ابن تيمية. الكتاب مرقم آلياً وهو مجموعة أشرطة مفرغة، (1/184) .
قلت: والمتأمل في كلام الشيخ ابن الصلاح يجد أنه قد أشار في ثنايا كلامه عن النكارة والشذوذ إلى معنى دقيق عندما جعل النكارة نتيجة من نتائج الشذوذ وأثراً من آثاره؛ بمعنى أن الراوي إذا شذّ في حديث ما كان ذلك موجباً للحكم بالنكارة. قال: «... لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم»(1).
ويبقى السؤال قائماً: ما هو مستند الحافظ ابن حجر في تفصيله السابق، الذي فرّق فيه بين المنكر والشاذ، وحكم بتغفيل من سوى بينهما(2)، علماً بأنه قد جاءت أقوال وأمثلة كثيرة دالة على التسوية بينهما؟.
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ علوم الحديث (ص:79). وقد كان بعض المتقدمين يطلقون النكارة والشذوذ على ما تفرّد به الثقات، ولو لم تكن هناك مخالفة. قال ابن الصلاح: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث . علوم الحديث (ص:80) .
وقال الإمام أحمد في أفلح بن حُمَيْد: روى أفلح حديثين منكرين ... ، وأفلح ثقة كثير الحديث . تهذيب التهذيب (1/320) .(1/162)
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين: فقد كان هذا اصطلاحاً ـ أي إطلاق المنكر على ما تفرد به الثقة ولو كان صحيحاً ـ درج عليه كثير من المتقدمين، وليس حكماً بردّ ما قالوا فيه منكر... ثم استقر الاصطلاح عند المتأخرين على إطلاق المنكر على الحديث الذي رواه الضعيف مخالفاً لمن هو أولى منه . شرح علل الترمذي تعليقاً (1/456 ـ 457) .
والخلاصة: أن تفرد الثقات ليس بعلة، ولا يحكم على تفردهم بالنكارة أو الشذوذ إلا عند بعض الأئمة: كالإمام أحمد وغيره، أما الإمام البخاري ومسلم والأكثرون فإنهم لا يعدونه منكراً وعلى هذا استقر الأمر. قال الإمام مسلم: وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها. صحيح مسلم (1/4). يقول الإمام النووي: " فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث، وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطاً متقناً ". شرح النووي على صحيح مسلم (1/57). وللتوسع في هذا الموضوع ينظر: شرح علل الترمذي (1/448ـ 462) .
(2) ـ لعلّه الاستقراء والتتبع من قبل الحافظ ابن حجر رحمه الله، ولكن.......!!
ما قاله ابن حجر هو ما درج عليه المتأخرون من التفريق بينهما. وما ذكره الشيخ ابن الصلاح هو ما سار عليه المتقدمون. والذي أراه أن الأمر واسع، ولا مشاحة في الاصطلاح حين يُفهم المعنى، وتُوضع الأمور على وجهها، والمهم أن لا نحاكم أحداً لاصطلاح غيره .
يقول الدكتور عبد القادر المحمدي : « وأصبح مفهوم الشاذ والمنكر، وفصلهما عن بعضهما كما قرّره الحافظ ابن حجر العسقلاني قاعدة سار عليها كل من جاء بعده فمن يقرأ تعريف المنكر أو الشاذ في تقريب النووي مثلاً يجده خلاف ما يقرؤه في فتح المغيث، أو تدريب الراوي، أو توضيح الأفكار، أو أي كتاب آخر إلى يومنا هذا»(1) .(1/163)
والجدير بالذكر أن اهتمام الأئمة المتقدمين لم يكن منصباً على تمييز المصطلحات وحدّها، أو التأصيل النظري الموسّع للأمور، وإنما كان اهتمامهم منصرفاً إلى الواقع العملي، والتطبيق المثالي في مجال قبول الأخبار وردها. فقد يختلف المتقدمون ـ أهل الفضل السابق على اللاحق ـ في إطلاق مصطلح ما على علة معينة، وتتعدد تسمياتهم في ذلك، ولكن بالتدقيق في صنيعهم، والنظر في تطبيقاتهم نجد أنهم مجمعون مثلاً على أن هذا الخبر فيه علّة، وإن تعددت المصطلحات المطلقة على هذه العلة .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، موازنة بين المتقدمين والمتأخرين، الدكتور: عبد القادر مصطفى المحمدي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط1/2005م .(ص:134) .
المطلب الثالث: علاقة سوء الحفظ بالنكارة والشذوذ
بعد أن تبينت العلاقة بين الشاذ والمنكر، وأن من الأئمة من قال بالتسوية بينهما ومنهم من قال بالفصل مع وجود وجه اشتراك.
بقي بيان موقع سوء الحفظ من كلٍّ منهما. بمعنى أن الراوي الذي كان سوء الحفظ ملازماً له في جميع حالاته غير منفك عنه، ولا يوجد له سبب: أأطلق الأئمة النقاد على حديثه لفظ منكر أم شاذ ؟ .
قال الحافظ ابن حجر: « وهو ـ أي سوء الحفظ ـ على قسمين: إن كان لازماً للراوي في جميع حالاته، فهو الشاذ على رأي بعض أهل الحديث »(1) .
فتلخّص من هذا الكلام أن الشاذ عند بعض أهل الحديث هو: ما يكون سوء الحفظ لازماً لراويه في جميع حالاته(2) .
قلت: ولعلّ هذا الاصطلاح ـ الذي نقله الحافظ ابن حجر ـ إنما هو على رأي من يرى التسوية بين الشاذ والمنكر، كالشيخ ابن الصلاح(1) ـ تبعاً لمن سبقه من الأئمة ـ كما أن من المتقدمين من كان يطلق الشذوذ على مطلق الفرد سواء أكان من ضعيف أم ثقة ـ كما سبق بيانه ـ فعلى هذين الرأيين يكون حديث من كان سوء الحفظ ملازماً له: شاذاً .(1/164)
يقول الشيخ ابن الصلاح: « إذا انفردَ الراوي بشيءٍ نُظِرَ فيهِ، فإنْ كانَ مخالفاً لما رواهُ مَنْ هوَ أولى منهُ بالحفظِ لذلكَ، وأضبطُ، كانَ ما انفردَ بهِ شاذّاً مردوداً وإنْ لَمْ يكنْ فيهِ مخالفةٌ لما رواهُ غيرُهُ، وإنّما هوَ أمرٌ رواهُ هوَ ولَمْ يَرْوِهِ غيرُهُ فيُنْظَرُ في هذا الراوي المنفردِ، فإنْ كانَ عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانهِ وضبطِهِ قُبِلَ ما انفردَ بهِ ولَمْ يقدحِ الانفرادُ فيهِ ....، وإنْ لَمْ يكنْ ممَّنْ يُوثَقُ بحفظهِ وإتقانِهِ لذلكَ الذي انفرد بهِ كانَ انفرادُهُ بهِ خارِماً لهُ مُزَحزِحاً لهُ عنْ حيِّزِ الصحيحِ، ثمَّ هوَ بعدَ ذلكَ دائرٌ بينَ مراتبَ متفاوتةٍ بحسبِ الحالِ فيهِ، فإنْ كانَ المنفردُ بهِ غيرَ بعيدٍ من درجةِ الحافظِ الضابطِ المقبولِ تفرّده، استحسنا حديثَهُ ذلكَ، ولَمْ نحطّهُ إلى ....
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ـ نزهة النظر (ص:101 ـ 102) .
(2) ـ شرح شرح النخبة (ص:253) .
(3) ـ انظر: شرح نخبة الفكر، سعد آل حميد، دار علوم السنة، الرياض، ط1/1999م. (ص:139).
قبيلِ الحديثِ الضعيفِ، وإنْ كانَ بعيداً من ذلكَ ردَدْنَا ما انفردَ بهِ، وكانَ من قبيلِ الشَّاذِّ المنكرِ » (1) .
قلت: قال الشيخ علي القاري: « وكأنهم أرادوا بالشاذ المنفرد بصفة »(2). ولعلّ المقصود بالتفرد بصفة هنا: هو مطلق التفرد سواء أكان في السند، أم في المتن .
قال الحافظ ابن حجر عن حديث ابن عباس في صلاة التسبيح: « وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ؛ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقاً صالحاً فلا يحتمل منه هذا التفرد »(3) .(1/165)
والأقرب: ـ والله أعلم ـ أن المقصود هو التفرد ممن لا يُحتمل تفرده؛ لأنه دليل على وجود علة، ويؤيده قول الشيخ ابن الصلاح: « وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به ... »؛ أي بعيد من درجة الحافظ الضابط. فمن لا يُحتمل قبول تفرده: يُوصف حديثه بأنه شاذ .
وقد يكون مراد الحافظ ابن حجر: وصف الراوي لا المروي، ويدلّ عليه كلامه بعد ذلك عن المختلط، وهو القسم الثاني من أقسام سوء الحفظ .
ولذلك قال بعضهم: في كلام ابن حجر مسامحة؛ لأن الراوي سيء الحفظ لا يوصف بالشاذ(4)، وعلى هذا فليس مراد الحافظ التعريف بالشاذ. ولكن يشكل على هذا أنه قال عند كلامه عن الشاذ: « وله تفسير آخر سيأتي »(5). وأشار الشيخ علي القاري إلى أنه يريد هذا الموضع(6). وذكر الشيخ القاري ـ رحمه الله ـ أن هذا المعنى هو غير المعاني المذكورة للشاذ(7) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ علوم الحديث (ص:79) .
(2) ـ شرح شرح النخبة (ص:535) .
(3) ـ التلخيص الحبير (2/7) .
(4) ـ وقد نبّه على ذلك الكمال بن أبي شريف. انظر: اليواقيت والدرر (2/476) .
(5) ـ نزهة النظر (ص:56) .
(6) ـ قال معلقاً على قول الحافظ ابن حجر: وله تفسير آخر سيأتي. وهو قوله: ثم سوء الحفظ إن كان لازماً .... . شرح شرح نخبة الفكر (ص:253) .
(7) ـ المصدر السابق (ص:535) .
لذلك قال أستاذنا الدكتور نور الدين: « وهذا اصطلاح غريب في الشاذ »(1) .
أما على رأي الحافظ ابن حجر فإن حديث سيء الحفظ يسمى منكراً. وقد جعل الحافظ المنكر على قسمين: « الأول: ما انفرد به المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض، بشيء لا متابع له، ولا شاهد. وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث » (2) .
قلت: وهذا مطابق لما عرّف به الحافظ الذهبي المنكرَ، فإنه قال: « وهو ما انفرد الراوي الضعيف به، وقد يُعدّ مفرد الصدوق منكراً »(3) .
«(1/166)
وإن خولف في ذلك، فهو القسم الثاني، وهو المعتمد على رأي الأكثرين »(4) . فالمنكر يطلق على التفرد مطلقاً، أو مع المخالفة .
قلت: وقد أطلق الأئمة النقاد لفظ النكارة على أحاديث جماعة من الرواة تُكُلّم فيهم من جهة حفظهم، وما أنكر الأئمة حديثهم إلا لسوء حفظهم .
من هؤلاء الرواة: أشعث بن سعيد البصري(5). ضعفه ابن معين والسعدي والنسائي، وغيرهم(6). وقال الإمام أحمد: « حديثه حديث ليس بذاك، مضطرب »(7).
ــــــــــــــــــ
(1) ـ نزهة النظر (ص:102) .
(2) ـ قلت: وسمى ابن حجر حديث من فحش غلطه، أو كثرت غفلته، أو ظهر فسقه منكراً على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة. نزهة النظر(ص:89) .
(3) ـ الموقظة في علم مصطلح الحديث (ص:42) .
(4) ـ النكت على ابن الصلاح (ص:274). وقال السخاوي عن القسم الأول الذي هو مطلق التفرد: "وهو الذي يوجد إطلاق المنكر عليه من المحدثين كأحمد، والنسائي " . فتح المغيث (1/202).
قلت: هناك رسالة ماجستير بعنوان: الحديث المنكر عند نقاد الحديث، من جامعة أم القرى، للباحث: عبد الرحمن بن فالح البنوي السُّلَمي، عام:1426هـ. أطال فيها في عرض الآراء في تعريف المنكر، مع المناقشة والتدليل: (1/22 ـ 57) .
(5) ـ أبو الربيع السمان، متروك من السادسة. ت. ق. التقريب(ص:113). قلت: لا يكون متروكاً حيث إنه لم يجمع على تركه، كما أن البخاري رحمه الله قال: روى عنه وكيع، وأبو نعيم، ليس بمتروك، وليس بالحافظ عندهم. انظر: التاريخ الكبير(1/430). والكامل (1/376) .
(6) ـ الكامل في الضعفاء (1/376) .
(7) ـ العلل ومعرفة الرجال (2/516)، رقم (3402) .(1/167)
قال ابن حبان: « ضعيف الحديث، منكر الحديث، سيء الحفظ، يروى المناكير عن الثقات »(1). ومما تفرد به عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لكل شيء دِعامة(2)، ودعامة الإسلام الفقه في الدين، ولفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد ))(3) .
وروى أيضاً: عن عمرو ـ بن دينار ـ عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( إني أرى الناس يكثرون وأصحابي يقلّون، فلا تسبُّوهم، من سبَّهُم فعليه لعنة الله ))(4) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ الجرح والتعديل (2/272) .
(2) ـ الدعامة: عماد البيت الذي يقوم عليه. وبه سمي السيد: دعامة. النهاية في غريب الحديث (2/278) ، مادة: دعم .
(3) ـ أخرجه ابن عدي في الكامل (1/378)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/267). وقال البيهقي: تفرد به أبو الربيع عن أبي الزناد.
قلت: وهو ليس في وزن من يحكم لتفرده بالقبول لسوء حفظه .
(4) ـ أخرجه الطبراني في الأوسط، رقم (1203)، (2/47)، وأبو نعيم في حلية الأولياء، أحمد بن عبدالله الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4/1405هـ، (3/350)، وأخرج أبو يعلى الموصلي حديث محمد بن الفضل عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبدالله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الناس يكثرون وأصحابي يقلون فلا تسبوهم لعن الله من سبهم ))، رقم (2184) (4/133). مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى، تح:حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق ط1/1984م . ومحمد بن الفضل بن عطية العبسي، ضعفه ابن معين، وابن المديني، وقال مسلم والنسائي، وابن خراش: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحلّ كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار. انظر: التهذيب (9/356) . قال الحافظ ابن عدي: ولا أعلم من روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار غير أبي الربيع السمان، ومحمد بن الفضل بن عطية. الكامل في الضعفاء ( 1/377) .(1/168)
قلت: والحديث الصحيح المتفق عليه بشأن سب الصحابة عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه)) .
أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ في فضائل الصحابة، باب قول النبي: لو كنت متخذاً خليلاً رقم(3470)، (3/1343)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة، رقم(2540) (4/1967) .
وقال الحافظ ابن عدي: « وأبو الربيع السّمّان له من الحديث غير ما ذكرت، وفي أحاديثه ما ليس بمحفوظ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه »(1) .
وقال العقيلي بعد أن ذكر له عدة أحاديث: « وله غير حديث من هذا النحو لا يتابع على شيء منها »(2) .
ومنهم: عبد العزيز بن عبيدالله بن حمزة.
قال عبد الرحمن: سألت أبي عنه فقال: « يروي عن أهل الكوفة، وأهل المدينة، ولم يروِ عنه غير إسماعيل بن عياش، وهو عندي عجيب، ضعيف الحديث، منكر الحديث يكتب حديثه، يروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حساناً ». قال أبو زرعة: « مضطرب الحديث واهي الحديث»(3).
وكذلك: سلامة بن رَوْح الأيلي(4). قال عبد الرحمن: سمعت أبي ـ وسئل عن سلامة بن روح ـ فقال: « ليس بالقوي، محله عندي محل الفقه ». سألت أبا زرعة عن سلامة بن روح الأيلي، فقال: « ضعيف منكر الحديث ». قلت: يكتب حديثه؟ قال: « نعم، يكتب على الاعتبار »(5) .
قلت: فإطلاق الوصف بالنكارة على الراوي المتكلّم فيه من جهة حفظه الموصوف بسوء الحفظ، مع اقترانه بوصف: يكتب حديثه، أو يعتبر به، لا تعني بحال أنه متروك، أو مطروح الحديث، وإنما يؤخذ حديثه الذي وافق فيه، أو توبع عليه، ويردّ ما تفرّد به، أو خالف؛ لأن الراوي الذي كان سوء الحفظ ملازماً له ليس أهلاً لقبول تفرده، وبالتالي بعده من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده صيّر حديثه من قبيل الشاذ المنكر، وساغ إطلاق وصف النكارة على حديثه .
ــــــــــــــــ
(1) ـ الكامل في الضعفاء (1/378) .
((1/169)
2) ـ ضعفاء العقيلي(1/30) .
(3) ـ الجرح والتعديل (5/387) .رقم (1805) .
(4) ـ أبو روح الأيلي ـ بفتح الهمزة بعدها تحتانية ـ ابن أخي عقيل بن خالد، صدوق له أوهام وقيل: لم يسمع من عمه، وإنما يحدث من كتبه. من التاسعة. مات سنة سبع، أو ثمان وتسعين . خت س ق. التقريب (ص:261) .
(5) ـ الجرح والتعديل (3/401) .
المبحث الثاني
الاختلاط
فيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: تعريف الاختلاط، وفائدة معرفته
وما أُلّف فيه
المطلب الثاني: طرق معرفة اختلاط الراوي
المطلب الثالث: أصناف المختلطين
المطلب الرابع: حكم رواية المختلط
الاختلاط
إن حال الإنسان ـ مهما أوتي من الصحة، والعلم، والحفظ، والفهم ـ لا تسير على وتيرة واحدة، كما أنها لا تبقى كما يريدها صاحبها، فلا بدّ أن تتغيّر الأحوال وتتبدل الأمور، والمحفوظ من حفظه الله تعالى .
وعلى هذا فقد كان هناك أئمة حفاظ، وعلماء أفذاذ، وهبهم الله حفظاً فريداً، وفهماً سديداً، حفظوا سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقاموا بحقها خير قيام، ولكن الدهر عضّهم بنابه، ورماهم بحرابه، فطالت أعمارهم، وذهبت أبصارهم وضعفت ذاكرتهم، وكثر نسيانهم، وساء حفظهم .
إذاً: فالراوي الذي كان حفظه مستقيماً، وطرأ عليه طارىء، أو وقع له حادث أثّر في حفظه فساء، ولم تعد تسعفه ذاكرته، فهذا في عرف المحدثين يسمى: المختَلِط.
يقول الحافظ ابن حجر: « أو إن كان سوء الحفظ طارئاً على الراوي...، فهذا هو المختلط »(1) .
ويقول الإمام محمد الشُّمُنّي(2) الناظم لنخبة الفكر للحافظ ابن حجر:
ثُمّتَ سوءُ الحفظ إن يكن طرا فذو اختلاطٍ مَنْ له قد اعترى(3) .
وأبدأ ـ مستعيناً بالله ـ بدراسة (الاختلاط) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ نزهة النظر (ص:102) .
((1/170)
2) ـ هو محمد بن محمد بن حسن الكمال التميمي الشمني، المغربي الأصل، ولد سنة ست وستين وسبعمائة، اشتغل بالعلم، ومهر فيه، وسمع الكثير من الشيوخ، وتقدم في الحديث وصنف فيه، وشرح نخبة الفكر، بل نظمها. توفي سنة(821هـ)، وصلي عليه في الجامع الأزهر. رحمه الله.
انظر: الضوء اللامع للسخاوي (9/74) .
(3) ـ العالي الرتبة شرح نظم النخبة (ص:224) .
المطلب الأول: تعريف الاختلاط، وفائدة معرفته، وما أُلِّفَ فيه
تعريفه لغة: الأصل الثلاثي لهذه الكلمة: خَلَطَ. وأصل الخلط: تداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض، والخُلْطَة: اسم من الاختلاط . واختلط فلان: أي فسد عقله ورجل خِلْطٌ بيِّنُ الخَلاطَة: أحمق، مُخَالَط العقل. ويقال خولط الرجل فهو مخالَط واختلط عقله فهو مختلِط: إذا تغير عقله(1). ومعاني هذه الكلمة ومشتقاتها تدور في عمومها حول عدم التمييز بين الأشياء، أو الفصل بينها، أو تحديدها(2) .
الاختلاط اصطلاحاً: قال الحافظ السخاوي: « وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال، والأفعال؛ إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عَرَضٍ من موت ابن وسرقة مال كالمسعودي، أو ذهاب كتب كابن لهيعة، أو احتراقها كابن الملقن » (3) . قلت: والذي يختلط يضطرب عقله، ويفقد القدرة على الفصل بين الأشياء ومعرفتها كما تختل عنده حركة الانتظام في الحديث، والتصرفات، بحسب نسبة الاختلاط .
أما عن أهمية معرفة هذا الفن، والفائدة المحققة من ذلك: فقد قال الحافظ السخاوي: « وفائدة ضبطهم: تمييز المقبول من غيره »(4)؛ لأن معرفة الراوي المختلط، وزمن اختلاطه يمكننا من معرفة أحاديثه المستقيمة من التي رواها بعد الاختلاط. وقد ذكر الشيخ ابن الصلاح ستة عشر راوياً من الثقات المختلطين في النوع الثاني والستين: معرفة من خَلَطَ في آخر عمره من الثقات(5) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ المصباح المنير (1/177)، ولسان العرب (7/294 ـ 295) . مادة خلط .
((1/171)
2) ـ اختلاط الرواة الثقات، عبد الجبار سعيد، الرشد ناشرون، ط1/2005م .(ص:25) .
(3) ـ فتح المغيث ( 3/366) .
والاختلاط غالباً لا يستحكم فجأة؛ إذ هو حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج . أثر اختلاط سعيد بن أبي عروبة على مروياته في الكتب الستة، د. نافذ حسين حمّاد، مكتبة الخانجي، القاهرة ط/1996م، (ص:9) .
(4) ـ المصدر السابق (3/365) .
(5) ـ علوم الحديث (ص:391) .
واحترز الشيخ من ذكر الرواة الضعفاء؛ لأنهم ليسوا أهلاً للقبول حتى ولو لم يختلطوا، فالصواب: الاستغناء عن ذكرهم. وقد أشار إلى ذلك السخاوي ـ رحمه الله ـ فقال: « ولذا لم يذكر الضعفاء منهم كأبي معشر نَجيح بن عبد الرحمن السِّندي المدني؛ لأنهم غير مقبولين بدونه »(1) .
أما عن المصنفات في هذا الفن: فقد قال الشيخ ابن الصلاح: « هذا فن عزيز مهمّ لم أعلم أحداً أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقاً بذلك جداً »(2) .
قلت: أثبت السخاوي أن هناك من صنف كتاباً في هذا الفن قبل ابن الصلاح ولكن يد ابن الصلاح لم تقع على هذا التصنيف. قال: « أفرد للمختلطين كتاباً: الحافظ أبو بكر الحازمي(3) حسبما ذكره في تصنيفه تحفة المستفيد، ولم يقف عليه ابن الصلاح »(4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ فتح المغيث (3/365) .
(2) ـ علوم الحديث (ص:391) .
(3) ـ الإمام الحافظ، الحجة الناقد، النسابة البارع محمد بن موسى، ولد سنة (548هـ)، رحل، وجمع وصنف، وبرع في الحديث، وفقهه، ومعانيه، ورجاله. من مصنفاته: المؤتلف والمختلف، وشروط الأئمة الخمسة. مات سنة (584هـ) .انظر: سير أعلام النبلاء (21/168 ـ 169) .
(4) ـ فتح المغيث (3/366) .
قلت: ومن الكتب المصنفة في هذا الفن: كتاب المختلطين للحافظ أبي سعيد العلائي(1)، وكتاب الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط(2) للبرهان الحلبي(3)، والكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لابن الكيّال الذهبي(4) .(1/172)
ومن المؤلفات الحديثة: كتاب اختلاط الرواة الثقات (دراسة تطبيقية على الكتب الستة) للدكتور عبد الجبار سعيد .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي، بقية الحفاظ، ولد سنة(694هـ)، وسمع ورحل وكان مفنناً في علم الحديث، ومعرفة الرجال والعلل والمتون، من مصنفاته: الوشي المعلم، ومنحة الرائض، مات سنة(761هـ). شذرات الذهب (6/190) .
(2) ـ وعليه: نهاية الاغتباط لعلاء الدين رضا. دراسة وتحقيق وزيادات في التراجم .
(3) ـ إبراهيم بن محمد الحلبي، برهان الدين، سبط ابن العجمي الشافعي، ولد سنة (753هـ)، رحل وسمع وكتب، وصنف، وبرع في علم الحديث والرجال، من مصنفاته: التبيين لأسماء المدلسين، ونهاية السول في رواة الستة الأصول. توفي في حلب سنة (841هـ) .انظر: الضوء اللامع للسخاوي (1/130) .
(4) ـ زين الدين بركات بن أحمد الخطيب، الشافعي الواعظ، المتقن المحرر، درّس ووعظ، وانتفع الناس به، وصنف كتباً منها: حياة القلوب، وأسنى المقاصد في معرفة حقوق الولد على الوالد، توفي سنة(929هـ)، ودفن بمقبرة باب الصغير. شذرات الذهب(8/164) .
المطلب الثاني: طرق معرفة اختلاط الراوي
سلك الأئمة النقاد عدة طرق، واستخدموا وسائل متنوعة يمكن من خلالها الكشف عن اختلاط الراوي الذي كان حديثه مستقيماً، ثم اضطربت أحواله في فترة من مراحل حياته، واستمرت حتى وفاته. ومن أهم هذه الطرق:
1ـ الموازنة بين الروايات: بأن يكون راوٍ قد سمع من شيخ سماعاً قديماً، ثم سمع منه بعد زمن سماعاً آخر، فوجد أن ما حدث به متأخراً مخالف لما سمع منه من الحديث سابقاً، فيستدل ـ هذا الراوي ـ من ذلك على وجود اختلال في ضبط الشيخ، واضطراب في حفظه .(1/173)
ومثال هذا: ما حدث لسفيان بن عيينة مع عطاء بن السائب ـ وهو ثقة اختلط ـ فقد روى الحميدي عنه قال: « كنت سمعت من عطاء بن السائب قديماً، ثم قدم علينا قدْمة، فسمعته يحدث ببعض ما كنتُ سمعتُ ـ قديماً ـ فخلط فيه ـ في حديثه ـ فاتقيته واعتزلته ». فينبغي أن تكون روايته عنه صحيحة (1) .
وقال علي بن المديني: « قال وهيب: قدم علينا عطاء بن السائب فقلت: كم حملتَ عن عبيدة ؟ قال: أربعين حديثاً. قال علي:وليس يروي عن عَبيدة حرفاً واحداً. فقلتُ: فعلام يُحمَل هذا ؟ قال: على الاختلاط، إنه اختلط » (2) .
وقال وكيع: « كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة فنسمع، فما كان من صحيح حديثه أخذناه، وما لم يكن صحيحاً طرحناه » (3) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ الكواكب النيرات (ص:61) .
(2) ـ ضعفاء العقيلي ( 3/398) .
(3) ـ تهذيب الكمال (11/10).
قلت: من الرواة من اختلط، ولكن لم تظهر المخالفة والمنكرات في حديثه. قال الحافظ الدارقطني في عارم ـ محمد بن الفضل السَّدوسي ـ : " لم يظهر له بعد اختلاطه شيء منكر ". وأفحش ابن حبان فيه القول عندما قال: " اختلط في آخر عمره وتغير حتى كان لا يدري ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإن لم يعلم هذا ترك الكل، ولا يحتج بشيء منها " .المجروحين (2/294).
قال الحافظ ابن حجر: " قرأت بخط الذهبي: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً، والقول فيه ما قال الدارقطني ". تهذيب التهذيب (9/385) .
2ـ سماع بعض الرواة من الشيخ كلاماً يدلّ على اختلاطه: حدث عبد الملك بن محمد قال: سمعت أبا عمر الحوضي يقول:« دخلت على سعيد بن أبي عَروبة أريد أن أسمع منه، وقد اختلط، فسمعته يقول: الأزدُ أزدٌ عريضة، ذبحوا شاة مريضة أطعموني فأبيت، ضربوني فبكيت. فعلمت أنه مختلط، فلم أسمع منه »(1) .(1/174)
ونظير هذا أيضاً ما روى إبراهيم الحربي يقول: « جئت عارم بن الفضل، فطرح لي حصيراً على الباب، ثم خرج إليّ، فقال لي: مرحباً، أيش كان خبرك؟ ما رأيتك
منذ مدة. قال إبراهيم: وما كنت جئته قبل ذلك. فقال لي: قال ابن المبارك:
أيها الطالب علماً ... إيتِ حماد بن زيدِ ... ... فاستفد علماً وحلماً... ثم قيده بقيدِ والقيد بقيد. قال: وجعل يشير بيده على أصبعه مراراً، فعلمت أنه قد اختلط فتركته وانصرفت » (2) .
3ـ تتبع الأئمة النقاد لأحوال الراوي: فإذا بدأ يخلط في حديثه أدرك الناقد ذلك ونبّه عليه خشية أن يكتب عنه من لا معرفة له بحاله، فيختلط عليه السقيم بالسليم.
من ذلك: ما رواه إبراهيم الحربي قال: « أخبرني صديق لي قال: لما قدم حجاج الأعور آخر قدمة إلى بغداد خلط: فرأيت يحيى بن معين عنده: فرآه يحيى خلط، فقال لابنه: لا تُدخل عليه أحداً. قال: فلما كان بالعشي دخل الناس فأعطوه كتاب شعبة، فقال:حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عيسى بن مريم عن خيثمة عن عبد الله. فقال له رجل: يا أبا زكريا: علي بن عاصم حدث عن ابن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة عِبْتُمْ عليه، هذا حدث عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عيسى بن مريم عن خيثمة فلم تعيبوا عليه؟ قال: فقال ـ يحيى ـ لابنه: قد قلتُ لك »(3) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ الكفاية في علم الرواية ( ص:135) .
(2) ـ المصدر السابق (ص:136) .
قلت: ظهرت من بعض الرواة تصرفات أثبتت اختلاطهم كما حدث لليث بن سليم وكان قد اختلط، وكان يصعد المنارة عند ارتفاع النهار ويؤذن. انظر: الجرح والتعديل (7/178) .
(3) ـ تاريخ بغداد (8/238)، وتذكرة الحفاظ (1/345) . قلت: ومعنى قد قلت لك؛ أي لا تترك أحداً يدخل عليه، ويسمع منه، لأنه قد اختلط، وفقد القدرة على التمييز .
كذلك تسجيل السنة التي اختلط فيها الراوي، وربط سنة الاختلاط بحادث معين. وكل هذا من باب الاحتراز، والاحتياط للسنة .(1/175)
من ذلك: قولهم في سعيد بن إياس الجريري: اختلط قبل الطاعون، والطاعون كان سنة اثنتين وثلاثين(1). كذلك قول الإمام أحمد: « كان يحيى بن سعيد يوقّت فيمن سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الهزيمة، فسماعه صالح. والهزيمة كانت سنة خمس وأربعين ومائة. وهذه هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الذي كان خرج على أبي جعفر »(2) .
وقولهم في عبدالله بن جعفر بن غيلان الرّقّي: وكان قد اختلط سنة ثماني عشرة، وبقى في اختلاطه إلى أن مات(3) .
كما كانوا يبينون مَنْ مِنَ الرواة سمع من المختلط قبل اختلاطه، ومن سمع منه بعده. قال ابن معين: « سماع إسماعيل بن علية من عطاء بن السائب رديء، سمع منه بعد أن اختلط، وأبو عَوانة سمع منه قبل وبعد ـ قبل اختلاطه وبعده ـ فلم يفصلهما أبو عوانة »(4) .
4ـ الاعتراف من الراوي عن المختلط: وإقراره بأنه إنما سمع من المختلط بعد اختلاطه؛ لأن هذا الدين أمانة، ويجب أن تؤدى على أكمل وجه .
قال أبو نعيم عن سعيد بن أبي عَروبة: « كتبت عنه بعد ما اختلط حديثين »(5) .
وقال يحيى بن معين: سمعت ابن أبي عَدي يقول: « لا أكذب الله ما سمعت من الجريري إلا بعدما اختلط »(6) .
5ـ قلب الأسانيد والمتون على الراوي، وتلقينه ما ليس من حديثه: وهذه الطريقة
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ الكامل في الضعفاء (3/392) .
(2) ـ العلل ومعرفة الرجال (1/355) .
(3) ـ الثقات لابن حبان (8/351) .
(4) ـ التعديل والتجريح (1/362) .
(5) ـ تهذيب الكمال (11/10). قلت: وهذه هي قمة الأمانة، والصيانة، والديانة، إذ لا مَيْن ولا خيانة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالمحدث كان يدرك ماذا يحمل، وحديث من ينقل.
(6) ـ تاريخ ابن معين (4/285)، والكامل في الضعفاء (3/392) .
هي الأكثر شهرة عند المحدثين في اختبار حفظ الراوي، فإن نجح الراوي في الامتحان، وإلا كان ذلك دليلاً على اضطراب حفظه، والتخليط في حديثه .(1/176)
قال يحيى بن سعيد: « قدمت الكوفة، وبها ابن عجلان، وبها من يطلب الحديث ... مليح بن وكيع، وحفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، ويوسف بن خالد التيمي قلنا: نأتي ابن عجلان(1) نقلب على هذا الشيخ ننظر فهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ما
كان عن سعيد(2) عن أبيه، وما كان عن أبيه عن سعيد، ثم جئنا إليه لكن ابن إدريس تورّع، وجلس بالباب، وقال: لا أستحلّ، وجلست معه، ودخل حفص ويوسف بن خالد، ومليح، فسألوه، فمرّ فيها، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ فقال: أعد العرض، فعرض عليه، فقال: ما سألتموني عن أبي فقد حدثني به سعيد، وما سألتموني عن سعيد، فقد حدثني به أبي. ثم أقبل على يوسف بن خالد فقال: إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإسلام، وأقبل على حفص فقال: ابتلاك الله في دينك ودنياك، وأقبل على مليح فقال: لا نفعك الله بعلمك. قال يحيى: فمات مليح ولم ينتفع به، وابتلي حفص في بدنه بالفالج، وبالقضاء في دينه، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة(1) .
وبعد: فهذه هي أهم الطرق المتبعة، والوسائل الكفيلة التي تمكنت من استخلاصها، والتي يمكن بواسطتها معرفة اختلاط الراوي، ضماناً لعدم اختلاط حديثه المتأخر بالقديم، وتحذيراً للرواة من السماع منه، أو الكتابة عنه بعد اختلاطه؛لأن هذا العلم دين، وتبليغه أمانة .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ محمد بن عجلان، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة. مات سنة ثمان وأربعين. خت م4 .التقريب (ص:496) .
(2) ـ هو سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري، أبو سعد المدني، ثقة، من الثالثة، تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة. مات في حدود العشرين، وقيل قبلها، وقيل بعدها. ع . التقريب (ص:236) .
(3) ـ المحدث الفاصل للرامهرمزي (ص:399) .
المطلب الثالث: أصناف المختلطين(1/177)
قلت: تعددت تقسيمات المختلطين وتنوعت عند علماء الحديث، فمنهم من جعلهم ثلاثة أقسام، ومنهم من أوصلهم إلى أربعة أنواع، وفرّع على كل نوع تفريعات كثيرة استوعبت ـ بكل دقة وأمانة ـ أدق التفاصيل المتعلقة بالمختلط من ناحية الزمان والمكان، وغيرهما .
وممن أجاد في تقسيمهم: الحافظ صلاح الدين أبو سعيد العلائي، والحافظ البارع المعتلي، ابن رجب الحنبلي بما لم يُسبق إليه من قبل. وسوف أعرض لتقسيم العلائي، وبعده لما تفنن وكتب، وبرع فيه ابن رجب .
1ـ تقسيم الحافظ أبي سعيد العلائي: « أما الرواة الذين حصل لهم الاختلاط في آخر عمرهم فهم على ثلاثة أقسام(1):
أحدها: من لم يوجب ذلك له ضعفاً أصلاً، ولم يحطّ من مرتبته؛ إما لقِصَرِ مدة الاختلاط وقلته كسفيان بن عيينة(2)، وإسحاق بن راهويه(3) وهما من أئمة......
ــــــــــــــــ
(1) ـ كتاب المختلطين لصلاح الدين العلائي، ت: رفعت فوزي عبد المطلب، وعلي مزيد، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1/1996م . (ص:3) .
(2) ـ قلت: وممن قال باختلاط ابن عيينة الإمام يحيى القطان: " أشهد أن ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ـ ومائة ـ ، فمن سمع منه في هذه السنة وبعدها فسماعه لا شيء " .(1/178)
شرح علل الترمذي (2/572 ـ 573) . لكن الحافظ الذهبي لم يسلّم في هذا للقطان، واعترض عليه بقوله: " فأما ما بلغنا عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: اشهدوا أن ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومئة، فهذا منكر من القول، ولا يصح، ولا هو بمستقيم، فإن يحيى القطان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين مع قدوم الوفد من الحج. فمن الذي أخبره باختلاط سفيان ومتى لحق أن يقول هذا القول وقد بلغت التراقي؟ وسفيان حجة مطلقاً، وحديثه في جميع دواوين الإسلام" . سير أعلام النبلاء (8/466). وانظر:الكواكب النيرات (ص:230) . وقال العلائي: " عامة من سمع منه إنما كان قبل سنة سبع، ولم يسمع منه متأخراً في هذه السنة إلا محمد بن عاصم الأصبهاني ولم يتوقف أحد من العالمين في الاحتجاج بسفيان " . كتاب المختلطين (ص:45) .
قلت: وهذا هو المعمول به عند أهل الحديث، وما يضير سفيان إذا كان قد تغير في أواخر حياته، ولم يسمع منه سوى راو واحد قيّد الأئمة اسمه . يقول أستاذنا الدكتور نور الدين: وهذا مثال جيد لموانع قبول الجرح في علم الجرح والتعديل .
(3) ـ قال أبو داوود: تغير قبل أن يموت بستة أشهر .الكواكب النيرات (ص:81) .
الإسلام المتفق عليهم، وإما لأنه لم يرو شيئاً حال اختلاطه فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم(1)، وعفان بن مسلم(2)، ونحوهما.
والثاني: من كان متكلماً فيه قبل الاختلاط، فلم يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه كابن لهيعة، ومحمد بن جابر السّحيمي(3)، ونحوهما.
والثالث: من كان محتجاً به ثم اختلط، أو عمّر في آخر عمره ـ طال عمره ـ فحصل الاضطراب فيما روى بعد ذلك، فيتوقف الاحتجاج به على التمييز بين ما حدّث به قبل الاختلاط عما رواه بعد ذلك » (4) .(1/179)
2ـ تقسيم الحافظ ابن رجب الحنبلي للمختلطين: قال رحمه الله: « في ذكر قوم من الثقات، لا يُذكر أكثرهم غالباً في أكثر كتب الجرح، وقد ضُعّف حديثهم إما في بعض الأوقات، أو في بعض الأماكن، أو عن بعض الشيوخ »(5) .
النوع الأول: من ضعف حديثه في بعض الأوقات دون بعض: وهم الثقات الذين خلطوا في آخر عمرهم، فمنهم من خلط تخليطاً فاحشاً، ومنهم من كان تخليطه يسيراً. ومن أعيان هؤلاء: عبد الرحمن بن عبدالله بن عتبة(6)، وصالح بن نبهان مولى التوأمة(7) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ قال عبد الرحمن بن مهدي: " جرير بن حازم اختلط، وكان له أولاد أصحاب حديث فلما أحسوا ذلك منه حجبوه، فلم يسمع منه أحد شيئاً في اختلاطه " .
التعديل والتجريح (1/458) ، وكتاب المختلطين (ص:16) .
(2) ـ قلت: نفى الذهبي أن يكون اختلط، وإنما هو تغير مرض الموت. قال: " كل تغير يوجد في مرض الموت، فليس بقادح في الثقة، فإن غالب الناس يعتريهم في المرض الحاد نحو ذلك، ويتمّ لهم وقت السياق وقبله أشد من ذلك، وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة، فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده أو متنه، فيخالف فيه . سير أعلام النبلاء(10/254) .
(3) ـ تقدم الكلام عنهما بسوء الحفظ؛ لذهاب كتبهما، ووقع قبول التلقين، والتخليط منهما.
(4) ـ سوف يأتي الكلام عن حكم رواية المختلط تفصيلاً في المطلب الرابع .
(5) ـ شرح علل الترمذي (2/552) وما بعدها. وقد اقتصر ابن الصلاح على النوع الأول .
(6) ـ صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة، صدوق اختلط. قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه، من الرابعة، مات سنة خمس أو ست وعشرين. د ت ق . تقريب(ص:274) .
قال ابن نُمير عن المسعودي ـ عبد الرحمن بن عبدالله بن عتبة ـ :« المسعودي كان ثقة، فلما كان بأخرة اختلط، سمع منه عبد الرحمن بن مهدى، ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة، وما روى عنه الشيوخ فهو مستقيم »(1) .(1/180)
وكان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود(2). وقال الإمام أحمد: « من سمع من المسعودي بالكوفة مثل وكيع وأبي نعيم، وأما يزيد بن هارون، وحجاج، ومن سمع منه ببغداد، فهو في الاختلاط، إلا من سمع بالكوفة »(3) .
وقال أحمد بن أبي مريم: سمعت يحيى بن معين يقول: « صالح مولى التوأمة ثقة حجة. قلت له: إن مالكاً ترك السماع منه. قال: فقال إن مالكاً إنما أدركه بعد أن كبر وخرف، وسفيان الثوري إنما أدركه بعد أن خرف فسمع منه سفيان أحاديث منكرات ». قال عبّاس الدُّوري: « وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل أن يختلط، فهو ثبت ». وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: « تغيّر أخيراً فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسنّه، وسماعه القديم عنه »(2) .
ويلتحق بهذا النوع من عمي في آخر عمره، وكان لا يحفظ جيداً، فحدث من حفظه، أو كان يُلَقّن فيتلقن، وكذا من احترقت كتبه، فحدث من حفظه فوهم(5) .
ومن هذا النوع أيضاً: قوم ثقات لهم كتاب صحيح، وفي حفظهم بعض شيء، فإذا حدثوا من كتبهم ضبطوا، وإذا حدثوا من حفظهم غلطوا. مثل عبد العزيز الدراوردي. قال الإمام أحمد: « كان معروفاً بالطلب، وإذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث من كتب الناس وهمَ، وكان يقرأ من كتبهم فيخطىء »(6) .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ الجرح والتعديل (5/251) .
(2) ـ قال مِسعر بن كِدام: ما أعلم أحداً أعلم بعلم ابن مسعود رضي الله عنه من المسعودي.
التاريخ الكبير (5/314) .
(3) ـ ضعفاء العقيلي (2/336) .
(4) ـ تهذيب الكمال (13/102).
وانظر: التاريخ الكبير للبخاري (4/291)، والجرح والتعديل (4/416)، وضعفاء العقيلي (2/204) .
(5) ـ سبق الكلام عن هذا مفصلاً في أسباب سوء الحفظ، وفي مبحث قبول التلقين في دلائل سوء الحفظ من هذا البحث .
(6) ـ تهذيب التهذيب (6/315) .(1/181)
النوع الثاني: من ضعّف حديثه في بعض الأماكن دون بعض. وهذا مجال آخر يظهر لنا دقة المحدثين في كشف العلل التي تقع من بعض الثقات؛ لكونهم حدثوا في بلد معين ولم يضبطوا حديثهم، فلا يقبل ذلك منهم. وهو على ثلاثة أضرب:
أحدها: من حدّث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلّط، وحدّث في مكان آخر من كتبه فضبط، أو من سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط. منهم: الوليد بن مسلم الدمشقي(1): ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء(2) .
ومنهم :عبد الرزاق الصنعاني. قال الإمام أحمد: « إن سماعه من سفيان بمكة مضطرب. فأما سماعه باليمن: أرى أملى عليهم، فذاك صحيح جداً، كان القاضي يكتب وكانوا يصحّحون »(3) .
الضرب الثاني: من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ. فمنهم: إسماعيل بن عيّاش الحمصي(4). أعلم الناس بحديث أهل الشام ويغرب عن ثقات المدنيين والمكيين(5) .
الضرب الثالث: من حدث عنه أهل مصر أو إقليم فحفظوا حديثه ،وحدث عنه غيرهم، فلم يقيموا حديثه . فمنهم: أيوب بن عتبة اليمامي(6) .
قال أبو زرعة: « وحديث أهل العراق عن أيوب بن عتبة ضعيف، ويقال: حديثه باليمامة صحيح »(7) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ محدث مكثر، حافظ ثقة، كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات سنة أربع، أو خمس وتسعين .ع. التقريب (ص:584) .
(2) ـ قال الإمام أحمد: " ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش، والوليد بن مسلم " . تهذيب الكمال (3/171) .
(3) ـ سؤالات أبي بكر أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ت: عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1/2004م ، (ص:26) .
(4) ـ أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين، وله بضع وسبعون سنة . التقريب (ص:109) .
(5) ـ تهذيب الكمال (3/172) .
((1/182)
6) ـ ضعيف، من السادسة، مات سنة ستين ومائة. ق. تقريب(ص:118) .
(7) ـ سؤالات البرذعي (1/46) .
النوع الثالث: قوم ثقات في أنفسهم، لكن حديثهم عن بعض الشيوخ فيه ضعف .
قلت: ضعّف بعض هؤلاء الثقات عن بعض الشيوخ؛ لكونهم لم يضبطوا حديثهم كما ضبطوا حديث غيرهم من الشيوخ، ووقعت منهم الأغلاط والأوهام عنهم، ووصفوا بالضعف، أو الاضطراب، أو سوء الحفظ في أولئك الشيوخ خاصة. فإذا روى واحد من هؤلاء الثقات حديثاً نُظر فيه، فإن كان عن واحد من هؤلاء الذين ضعف فيهم الراوي ردّ حديثه. وقد قام الأئمة النقاد أصحاب الهمة العلية، والحافظة القوية بهذه المهمة حق قيام، فتتبعوا، ونقّبوا، وفتّشوا، وسبَروا حتى بيّنوا العلل وأظهروا الخلل فجاء المنهج متكاملاً لا حيف فيه، ولا زلل .
ومن هؤلاء الرواة: جعفر بن بُرقان الجَزَري(1) .
قال الإمام أحمد: « إذا حدث عن غير الزهري فلا بأس ثم قال: في حديثه عن الزهري يخطىء »(2). وقال ابن نُمير: « ثقة، أحاديثه عن الزهري مضطربة »(3) .
ومنهم: داوود بن الحصين(4). سئل ابن المديني عن داود بن الحصين فقال: « ما روى عن عكرمة، فمنكر الحديث »(5) .
كذلك: عكرمة بن عمار العجلي(6). قال الإمام أحمد: « أحاديث عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير ضعاف ليس بصحاح » (7). وقال مرة: « مضطرب الحديث عن يحيى بن أبي كثير » (8) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ صدوق يهم في حديث الزهري، من السابعة، مات سنة خمسين، وقيل بعدها. بخ م4 .
التقريب (ص:140) .
(2) ـ العلل ومعرفة الرجال (3/103) .
(3) ـ الجرح والتعديل (1/321) .
(4) ـ داود بن الحصين الأموي، مولاهم أبو سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة، ورمي برأي الخوارج، من السادسة، مات سنة خمس وثلاثين. ع . التقريب (ص:199) .
(5) ـ الجرح والتعديل (3/408) .
((1/183)
6) ـ أبو عمار اليمامي، أصله من البصرة، صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب. من الخامسة، مات قبيل الستين. خت م. تقريب(ص:396).
(7) ـ العلل ومعرفة الرجال (2/494) .
(8) ـ المصدر السابق (3/117) .
وهناك نوع رابع واقع في كلام الأئمة النقاد لم يذكره الحافظ ابن رجب مع الأنواع السابقة، وهو: من ضُعّف في بعض الموضوعات دون بعض؛ كمن يتخصص في علم معين، ثم يتعرض لغير ما تخصص فيه من العلوم الأخرى(1) .
وهناك أيضاً ما يُسمّى باختلاط الصحائف: إذ من الرواة من اختلطت عليه صحائفه، وفقد القدرة على التمييز بينها، وهذا قد يكون مطلقاً، أو مقيداً. مثل: سليمان بن كثير العبدي: كان يسكن واسط. يروي عن الزهري، روى عنه أخوه وابن مهدي. كان يخطىء كثيراً، أما روايته عن الزهري فقد اختلطت عليه صحيفته فلا يُحتج بشيء ينفرد به عن الثقات، ويعتبر بما وافق الأثبات في الروايات(2) .
كذلك حمّاد بن أبي الجعد: من أهل البصرة يروي عن محمد بن عمرو، وقتادة وليث. روى عنه أبو داود الطيالسي. اختلطت عليه صحائفه حتى لم يكن يحسن أن يميز شيئا منها فاستحق الترك. قال عبدالرحمن: « وكان عنده كتاب عن محمد بن عمرو، وليث، وقتادة، فما كان يفصل بينهم »(3) .
قلت: والذي يميز منهج ابن رجب في تقسيم المختلطين أنه:
ـ يعرض البطاقة الشخصية كاملة للمختلط .
ـ يذكر الرواة الذين كان سماعهم من المختلط قديماً، أو متأخراً بعد اختلاطه، كما يعدد الرواة الذين سمعوا منه في الحالين، ولم يميزوا في الأخذ عنه .
ـ ينقل أقوال الأئمة في ضابط من سمع من المختلط قبل الاختلاط، أو بعده .
ـ يتعرض إلى اختلاف المحدثين في الراوي؛ هل اختلط، أم ساء حفظه في آخر حياته، أم أنه تغير في مرض الموت، أم كبر فرَقّ؟ .
ـ يَستشهد بأحاديث للراوي المختلط رواها حال اختلاطه .
ــــــــــــــــــــ
((1/184)
1) ـ سبق الكلام عن هذا تأصيلاً وتطبيقاً في أسباب سوء الحفظ. وهذا النوع استدركه على الحافظ ابن رجب أستاذنا الدكتور نور الدين عتر في تعليقه على شرح العلل؛ أي أنه موجود في كلام الأئمة ولكن ألحقه شيخنا إلحاقاً بالأنواع السابقة .
(2) ـ المجروحين (1/334) . مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
(3) ـ المصدر السابق (1/253) .
المطلب الرابع: حكم رواية المختلط
إنّ حكم الأئمة النقاد على رواية المختلط لم يأت جزافاً، أو عن هوى، وإنما جاء بعد فحص وبحث ومتابعة؛ لذلك لا مجال للطعن، أو حتى التشكيك في أحكام الأئمة على رواية المختلط. وقلت: أحكام؛ لأن الحكم ليس واحداً في رواية من اختلط وإنما القول الفصل في ذلك: التفصيل بين ما روى قبل الاختلاط، ومن سمع منه وبين ما روى بعد الاختلاط، ومن أخذ عنه، وبين ماعَسُر تمييزه وفصله، فلم يعرف: هل حدث به قبل الاختلاط، أو بعده .
وللأئمة في هذا كلام جميل أورده في هذا المقام مبتدئاً بقول أبي بكر الحازمي ـ رحمه الله تعالى ـ حيث يقول: « وأما من زال عقله بأمر طارىء كالاختلاط وتغيّب الذهن فلا يعتدّ بحديثه، ولكن يلزم الطالبَ البحثُ عن وقت اختلاطه، فإن كان لا يمكن الوصول إلى علمه طُرِح حديثه بالكلية؛ لأن هذا عارض قد طرأ على غير واحد من المتقدمين، والحفاظ المشهورين، فإذا تميّز له ما سمعه ممن اختلط في حال صحته جاز له الرواية عنه، وصحّ العمل بها »(1).
يقول الشيخ ابن الصلاح: « والحكم فيهم ـ المختلطين ـ أن يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يُدْرَ هل أُخِذَ عنهم قبل الاختلاط، أو بعده(2) .(1/185)
وقال الحافظ ابن حجر: « والحكم فيه ـ أي في المختلط، أو حديثه ـ أن ما حدث به قبل الاختلاط إذا تميز قُبل، وإذا لم يتميز توقف فيه ـ أي في حديثه بأن لا يُقبل ولا يُردّ ـ وكذا من اشتبه الأمر فيه، وإنما يُعرف ذلك ـ أي ما ذكر من الاختلاط والتمييز والاشتباه ـ باعتبار الآخذين عنه »(3) .
قلت: بيّن الحافظ ابن حجر في كلامه هذا الواسطة التي تمكننا من معرفة حديث المختلط قبل الاختلاط، أو بعده، أو حديثه المشكل؛ وهي: الرواة الآخذون ....
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ شروط الأئمة الستة، أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، عناية: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر، بيروت، ط2/2005م ، (ص:146) .
(2) ـ علوم الحديث (ص:392) .
(3) ـ شرح شرح النخبة (ص:537 ـ 538) .
عن المختلط مباشرة؛ لنعلم الزمان، والمكان، وكيفية الأخذ والتلقي. وقد كانوا ـ رحمهم الله ـ على قدر كبير من التقوى والصلاح يمنعهم من الكذب، أوالتقوّل . ومن الأمثلة على هذا: سعيد بن أبي عروبة .
فممن سمع منه قبل الاختلاط: يزيد بن زُرَيع. قال الإمام أحمد: « سماع يزيد بن هارون من سعيد بن أبي عروبة في الصحة إلا ثلاثة أحاديث، أو أربعة»(1) .
وقال ابن عدي: « وأثبت الناس سماعاً منه: عبدة بن سليمان »(2). وقال أبو عبيد الآجري: « سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر من ابن أبي عروبة، فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة »(3) .
وممن سمع منه بعد الاختلاط: ابن أبي عَدي. قال يحيى بن سعيد: « جاء ابن أبي عدي إلى سعيد بن أبي عروبة بآخرة؛ يعني وهو مختلط »(4) .
ومنهم: أبو نُعيم الفضل بن دُكين. قال محمد بن يحيى بن كثير: سمعت أبا نعيم يقول: « كتبت عن سعيد بن أبي عروبة حديثين، ثم اختلط، فقمت وتركته »(5) .
كذلك: شعيب بن إسحاق. قال الإمام أحمد: « سمع شعيب من سعيد بن أبي عروبة بآخر رمق »(6) .(1/186)
كما سمع من سعيد بعد ما اختلط: وكيع، والمعافى بن عمران. قال ابن عمار الموصلي: « ليست روايتهما عنه بشيء، إنما سماعهما بعدما اختلط »(7) .
وممن سمع من سعيد في الحالين ـ قبل الاختلاط وبعده ـ وفقد القدرة على التمييز بينهما، فتوقف في قبول الرواية عنه احتياطاً: عبد الوهاب بن عطاء .....
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ سعيد بن أبي عروبة مولاهم أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، كثير التدليس، واختلط من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين. ع . تقريب (ص:239) .
(2) ـ العلل ومعرفة الرجال (3/302) .
(3) ـ الكامل في الضعفاء (3/394) .
(4) ـ تذكرة الحفاظ (1/322) .
(5) ـ العلل ومعرفة الرجال (1/353) .
(6) ـ الكامل في الضعفاء (3/393) .
(7) ـ تهذيب الكمال (12/503) .
(8) ـ الكواكب النيرات (ص:37) .
الخفّاف. قال يحيى بن معين: « قلت لعبد الوهاب: سمعتَ من سعيد في الاختلاط ؟
قال: سمعت منه في الاختلاط، وغير الاختلاط، فليس أميّز بين هذا وهذا »(1). ومما أنكر على سعيد في حال اختلاطه أنه روى عن قتادة عن أنس أنه قال: (( الأذنان من الرأس ))(2). أنكره يحيى القطان(3) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ شرح علل الترمذي (2/570) .
(2) ـ جاء هذا الحديث عن عدد من الصحابة غير أنس؛ منهم: أبو أمامة، وعبدالله بن زيد، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة. أخرجه الترمذي عن أبي أمامة في أبواب الطهارة، باب ما جاء في أن الأذنين من الرأس، رقم (37)، (1/53) .
قال أبو عيسى: قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو من قول أبي أمامة. قال: وفي الباب عن أنس. قال أبو عيسى: هذا إسناد حسن، ليس إسناده بذاك القائم، والعمل على هذا ..... .
وأخرجه أبو داوود أيضاً عن أبي أمامة، في صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام، رقم (134) (1/81) . وذكر قول حماد السابق .(1/187)
كما أخرجه ابن ماجه عن عبدالله بن زيد، وأبي أمامة، وأبي هريرة في باب: الأذنان من الرأس، رقم (443، 444، 445)، (1/152) .
وأخرجه الدارقطني أيضاً في باب: ما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: الأذنان من الرأس عن عدد من الصحابة: عبدالله بن عمر، وابن عباس، وأبي أمامة، وأبي موسى. انظر: (1/97 )، (/105).
وقد روي هذا الحديث بأسانيد كثيرة ليس منها إسناد إلا وله علة. وقال عبد الحق: هذه طرق لا يصح منها شيء، لكن تعقبه ابن القطان بأن خبر الحبر ـ ابن عباس ـ ليس بضعيف بل حسن أو صحيح وبرهن عليه. وذكر مغلطاي: بأن خبر أبي هريرة لا علة له إلا من قبل سويد وقد خرج له مسلم. وقول البيهقي: اختلط، منازع فيه .
انظر: نصب الراية (1/49)، وفيض القدير للمناوي (3/173) .
وعدّ الشيخ ابن الصلاح هذا الحديث من الأحاديث التي لا ترقى بتعدد السند إلى درجة الحسن لضعفها . انظر: علوم الحديث (ص:34).
قلت: وبعض طرقه وإن كانت لا تخلو من ضعف، لكنها مجتمعة تكسب الحديث قوة؛ وروايته عن عدد من الصحابة كافية في الدلالة على ذلك، وقد تأيد بالعمل به .
(3) ـ شرح علل الترمذي (2/568). قال يحيى: قال ابن أبي عروبة في أول ما تغير: حدثنا قتادة عن أنس قال: الأذنان من الرأس. ضعفاء العقيلي (2/112) .
وممن اختلط من الرواة أيضاً، ولم يتميز حديثه القديم والمتأخر، فترك الأئمة الاحتجاج به: عبيدة بن مُعَتِّب(1). قال ابن حبان: « كان ممن اختلط بأخرة، حتى جعل يحدث بالأشياء المقلوبة عن أقوام أئمة، ولم يتميز حديثه القديم من حديثه الجديد، فبطل الاحتجاج به »(2) .(1/188)
ومنهم: يزيد بن أبي زياد. قال ابن حبان: « كان يزيد صدوقاً، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، فكان يتلقن ما لقن، فوقع المناكير في حديثه من تلقين غيره إياه وإجابته فيما ليس من حديثه؛ لسوء حفظه، فسماع من سمع منه قبل دخوله الكوفة في أول عمره سماع صحيح، وسماع من سمع منه في آخر قدومه الكوفة بعد تغير حفظه، وتلقنه ما يلقن، سماع ليس بشيء »(3) .
قلت: بقي أن أشير إلى مسألة مهمة، وهي: رواية الشيخين، أوأحدهما لمن تُكُلّم فيه بالاختلاط. فصّل القول في هذه المسألة، وأزال الإشكال عنها: الشيخ ابن الصلاح: فقال: « واعلم أن من كان من هذا القبيل محتجاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما فإنا نعرف على الجملة أن ذلك مما تميز، وكان مأخوذاً عنه قبل الاختلاط والله أعلم ))(4) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ عبيدة بن معتِّب الضبي أبو عبد الرحيم الكوفي الضرير، ضعيف، واختلط بأخرة، من الثامنة، له في البخاري موضع واحد في الأضاحي . خت د ت ق .التقريب (ص:379) .
(2) ـ المجروحين (2/173) .
(3) ـ المصدر السابق (3/100) .
(4) ـ علوم الحديث (ص:397 ـ 398) .
قال الحافظ السخاوي: " وما يقع في الصحيحين، أو أحدهما من التخريج لمن وصف بالاختلاط من طريق من لم يسمع منه إلا بعده، فإنا نعرف على الجملة أن ذلك مما ثبت عند المخرج أنه من قديم حديثه، ولو لم يكن من سمعه منه قبل الاختلاط على شرطه ولو ضعيفاً يعتبر بحديثه فضلاً عن غيره لحصول الأمن به من التغير،كما تقدم مثله فيما يقع عندهما اجتماعاً وانفراداً من حديث المدلسين بالعنعنة " . فتح المغيث (3/366) .
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين: وهذا جواب سديد أيده العلماء، وقرّروه في مصنفاتهم، يشهد له إجماع العلماء على تلقي أحاديث الكتابين بالقبول. شرح العلل تعليقاً (2/555) .(1/189)
قلت: وعلى هذا سار الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ في صحيحه؛ حيث إنه أخرج لجماعة من المختلطين، إلا أنه لم يخرج من حديثهم إلا ما رواه عنهم الثقات الذين سمعوا منهم قديماً، أو وافق هؤلاء المختلطون الثقات فيما حدثوا به .
قال ابن حبان: « وأما المختلطون في أواخر أعمارهم؛ مثل: الجُرَيري، وسعيد بن أبي عروبة، وأشباههما فإنا نروي عنهم في كتابنا هذا، ونحتج بما رووا، إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم، وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ أن الواجب ترك خطئه إذا علم والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطىء فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهم من قبل الاختلاط سواء »(1) .
ولا بأس أن ألفت النظر إلى أمر مهم، وهو: أنّ من كان حافظاً ثم ساء حفظه وأخذ يحدث بأحاديث يحفظها تماماً من غير خطأ، أو أخذ يجيز غيره بمروياته، فهل له ذلك ؟
فصّل القول في هذه المسألة تفصيلاً جيداً الحافظ الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ فقال: « فمن تغير بسوء حفظ، وله أحاديث معدودة قد أتقن روايتها، فلا بأس بتحديثه بها زمن تغيره، ولا بأس بأن يجيز مروياته حال تغيره، فإن أصوله مضبوطة ما تغيرت، وهو فقد وعى ما أجاز، فإن اختلط وخرف امتنع من أخذ الإجازة منه »(2).
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ صحيح ابن حبان (1/161) .
(2) ـ الموقظة في علم مصطلح الحديث (ص:66) .
خاتمة الفصل
1ـ تعددت وتنوعت تعريفات الأئمة للحديث الشاذ، والراجح عند أهل الحديث ما عرف به الإمام الشافعي .(1/190)
2ـ الشاذ من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ويشترك مع المعلل في أن ظاهرهما السلامة من العلة، لكن الواقع خلاف ذلك، وفي الشاذ تقصر عبارة الناقد عن إقامة الحجة على دعواه .
3ـ ينقسم الشاذ إلى شاذ في المتن، وشاذ في السند. ولم يقبل المحدثون الشاذ؛ لأن فيه إشعاراً باختلال الضبط، وقد كثر في كلام الأئمة التنفير منه .
4ـ سوّى ابن الصلاح بين المنكر والشاذ تبعاً للمتقدمين، أما الحافظ ابن حجر فقد سوّى بينهما في اشتراط المخالفة، وفرّق بينهما في أن الشاذ راويه ثقة، والمنكر راويه ضعيف .
5ـ يُسمى حديث من كان سوء الحفظ ملازماً له منكراً على رأي ابن حجر، وشاذاً على رأي من سوى بين النكارة والشذوذ، أو عنى بالشاذ مطلق الفرد .
6ـ مَن كان سوء الحفظ طارئاً عليه فهذا هو المختلط. والثقات المختلطون متفاوتون في التخليط؛ منهم من ضعف في بعض الأمكنة، أو الأزمنة، أو عن بعض الشيوخ أو في بعض الموضوعات .
7ـ اتبع المحدثون عدة وسائل للكشف عن اختلاط الراوي: من امتحان للحفظ، أو تصريح للرواة، أو تتبّع من قبل الأئمة، أو موازنة بين الروايات .
8 ـ يقبل حديث المختلط الذي حدث به قبل الاختلاط، ويرد ما حدث به بعده، أو أشكل أمره فلم يُدرَ أحدث به قبل، أم بعد اختلاطه .
9ـ تتجلى في هذا الفصل دقة المحدثين في رصد تحركات الراوي، ومتابعة أخباره، والتفتيش في مروياته، وهل كان سوء الحفظ مصاحباً له غير منفك عنه، أم كان عارضاً له؟ ولكل قسم منهما معاملة خاصة، وأحكام خاصة، عند نقاد الحديث .
ا.هـ
الفصل الخامس
القيمة العلمية لرواية سيء الحفظ
فيه مبحثان
المبحث الأول: تقوية حديث سيء الحفظ
المبحث الثاني: الأحوال التي تقبل فيها رواية سيء الحفظ
المبحث الأول
تقوية حديث سيء الحفظ
فيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: حديث سيء الحفظ قابل للاعتضاد
المطلب الثاني: شرط العاضد لحديث سيء الحفظ
المطلب الثالث: ارتقاء حديث سيء الحفظ إلى درجة القبول(1/191)
تقوية حديث سيء الحفظ
ضعّف الأئمة النقاد حديث سيء الحفظ، وتوقفوا عن قبوله بشكل مؤقت بسبب ضَعْفِ راويه من جهة حفظه، واختلال ضبطه، ولكن لم تغلب عليه الأخطاء والأوهام التي تكون سبباً في ترك حديثه، وإخراجه من حيّز الاعتبار .
وهذا من أكثر ما اهتم أهل الحديث بالاعتبار به؛ إذ كانوا يتكلّفون، ويتحملون ويبحثون، ويسبرون مرويات الراوي، ويعارضونها بغيرها؛ لاكتشاف مواضع الخطأ أو الصواب، والموافقة أو المخالفة .
كما يُعَدّ الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ من أوائل من حسّن الحديث لغيره إذا كان من رواية من ضعف حديثه من جهة حفظه، وسلم من القدح في عدالته؛ لذلك اعتبر المحدثون كتاب الترمذي أصلاً أصيلاً في الحديث الحسن.
يقول الإمام النووي: « كتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي شهره »(1) .
ــــــــــــــــ
(1)ـ التقريب في علوم الحديث (ص:6) .
ولما كانت العدالة ثابتة للراوي سيء الحفظ؛ لأن سوء الحفظ ـ كما تقدم ـ لا ينافي العدالة، ولما لم يصل ضعف هذا الراوي به إلى درجة الترك، كان لا بدّ من قبول حديثه إذا وجد ما يعضده، ويرتقي به .
إذاً: « فالضعيف غير المتروك لا يضرّ حديثه إلا إذا تفرّد به، أو خالفه الآخرون فيه، وأما إذا وافقه الآخرون فذلك دليل على صحة حديثه، وضبطه له »(2) .
وإهمالنا لمرويات هذا الصنف ـ الذين ضعفوا من جهة حفظهم ـ وردّنا لحديثهم من غير نظر، جناية على الحقيقة والدين، وانتقاص من قيمة المنهج العلمي الأمين، وقد علم المحدثون هذا، وأدركوا عظم الأمانة، فقاموا بمهمتهم خير قيام، ولم يدعوا خرقاً لمخترق، أو مجالاً لمختلق .
وسوف أتكلم في هذا الفصل عن موقع رواية سيء الحفظ من منهج المحدثين وميزانهم النقدي الدقيق، من خلال مبحثين أعرض في الأول لتقوية حديث الراوي سيء الحفظ، ولم؟ وكيف؟ ومتى؟ . كما أبين في الثاني حالات قبول رواية سيء الحفظ، ضمن ضوابط وقيود .
ــــــــــــــــــ
((1/192)
2) ـ الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها (ص:12) .
المطلب الأول: حديث سيء الحفظ قابل للاعتضاد
قلت: لما كان الوصف بسوء الحفظ طعناً في الراوي من جهة حفظه، ودليلاً على وجود خللٍ في ضبطه، كان حديثه من قسم الضعيف عند المحدثين، ولكن هذا الخلل من جهة الضبط، والضعف من ناحية الحفظ، صالح لأن يُجبر بجابر، وقابل لأن يُعضد بعاضد؛ لأن في اجتماع هذا الجابر مع غيره نوع من القوة، وإزالة للريبة من النفس .
والتقوية بالمتابعات والشواهد(1) كثيرة عند أهل الحديث، ولم يخلُ مصنف من المصنفات الحديثية منها.
ومن هذا تقوية حديث سيء الحفظ إذا عضده غيره ضمن ضوابط وشروط معينة. وقد تواردت أقوال المحدثين، وتتابعت تطبيقاتهم مبيّنة لهذا، ومؤكدة عليه .
وسوف أذكر هنا بعضاً من نصوص الأئمة في الدلالة على ما ذكرت، وأبدأ بنص الشيخ ابن الصلاح؛ لفضله المشهود، وظلّه الممدود على كل من جاء بعده.
يقول: « ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت: فمنه ضعف يزيله ذلك؛ بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من...
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ المتابعة: أن يوافق الراوي راوٍ آخر في روايته عن ذلك الشيخ. ولهذا سميت متابعة لأنها مفاعلة من الجانبين، كأنه تبعه في هذه الرواية.
وأما الشاهد: فهو أن لا تقع الموافقة في الشيخ، ولا في الراوي، وإنما تقع في المتن، بأن يُروى معناه من حديث آخر، وهذا يستعمله الحاكم كثيراً في كتاب المستدرك.
النكت على ابن الصلاح للزركشي (2/169) .
قال ابن حجر: " وقد تطلق المتابعة على الشاهد، وبالعكس، والأمر فيه سهل ".(1/193)
ووجه إطلاق كل منهما على الآخر: أن المقصود التقوية، وهي حاصلة بكل منهما. نزهة النظر:(ص:71ـ 72) . وذكر متابعة الرواة بعضهم بعضاً على رواية الحديث لا يقدح في اتصاله، بل يقويه ويؤيده، وفي صحيح البخاري من هذا النمط كثير. غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، يحيى بن علي القرشي أبو الحسين، ت: محمد خرشافي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1/1417هـ . (ص:141). ويدخل في المتابعة والاستشهاد من لا يُحتَجّ به، ولا يصلح لذلك كل ضعيف. التقريب في علوم الحديث للنووي (ص:16) .
أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختلّ فيه ضبطه له ...»(1) .
وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : « ليس كل ضعف يزول بمجيء الحديث من وجوه، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر، لدلالة ذلك على عدم اختلال ضبطه »(2) .
وقال الحافظ ابن حجر: « ولكن الضعف يتفاوت: فإذا كثرت طرق حديث رجح على حديث فرد، فيكون الضعيف الذي ضعفه ناشىء عن سوء حفظ رواته إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن »(3) .
وذكر الحافظ السيوطي ـ رحمه الله ـ تقوية حديث سيء الحفظ، وما أشبهه نظماً فقال:
إلى الصحيح ـ أي لغيره كما يرقى إلى الحسن الذي قد وسما
ضعفاً لسوء الحفظ أو إرسالٍ او تدليسٍ او جهالة إذا رأوا
مجيئه من جهة أخرى وما كان لفسقٍ او يرى متّهما(4)
قلت: فهذه النصوص، وغيرها صريحة في قابلية الحديث الذي كان ضعفه لسوء حفظ راويه الموصوف بالصدق والديانة لأن ينجبر بالمتابع، أوالشاهد ويرتقي إلى مرتبة الحديث الحسن .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ علوم الحديث (ص:34) .
(2) ـ إرشاد طلاب الحقائق (ص:71) .
(3) ـ الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع، ابن حجر العسقلاني، ت: صلاح الدين مقبول أحمد الكويت، الدار السلفية، ط/1988م . (ص:299) .
((1/194)
4) ـ ألفية السيوطي في علم الحديث، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت: أحمد محمد شاكر، دار المعرفة للطباعة، بيروت . (ص:15) .
وإذا ما فتشنا عن الدافع الذي جعل أئمة الحديث يقولون برد حديث سيء الحفظ بداية، ويحكمون بضعفه، ثم يقولون باعتضاده، وبالتالي قبوله إذا تحقق شرط العاضد له(1)، لوجدنا أن ردّهم لحديثه ليس لأنه قد ترجّح فيه خطؤه تماماً، وإنما لاحتمال أن يكون قد أخطأ فيه، والاحتمال له أثر كبير عند المحدثين، والفقهاء والأصوليين، إذ لا مجال للاحتمال في قبول الأخبار .
فسيء الحفظ قد يكون مخطئاً فيما روى، ولكن لسنا متأكدين تماماً من خطئه، فقلنا بوجوب التوقف حتى نتبين ذلك عن طريق البحث، والتتبع لمعرفة إن كان هناك من تابعه على حديثه، أو أن هذا شيء قد تفرد به سيء الحفظ، ولم يُتَابَع عليه .
وردّ حديث سيء الحفظ لاحتمال الخطأ ليس إلاّ، يكشف لنا حيطة المحدثين ودقّتهم، وشروطهم في قبول الحديث. فلتركع المناهج الأخرى أمام منهج المحدثين في تمحيص الأخبار وقبولها، ولتعترف بالسبق، والفضل لهذا المنهج الذي كان، وما زال، وسيبقى غرة في جبين الزمن، إلى أن يرث الله ـ سبحانه وتعالى ـ الأرض ومَن عليها .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ سوف يأتي الكلام عن هذا مفصلاً في المطلب الثاني ـ إن شاء الله ـ .
يقول الإمام البقاعي ـ رحمه الله تعالى ـ : « فإنا ما رددنا المستور لضعفه بل لاحتمال ضعفه، وعدم تحقق صفة الضبط فيه، ولا رددنا سيء الحفظ لأنه لم يحفظ بل لاحتمال أنه لم يحفظ، فإذا اعتضد بمجيئه من طريق أخرى، ولو كان راويها في درجته غلب على الظن أنه حفظ، والعبرة في هذا العلم بالظن »(1) .(1/195)
ويقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : « ... وقد بيّن أبو عيسى مراده بذلك؛ فذكر أن الحسن ما تعددت طرقه، ولم يكن فيهم متهم بالكذب، ولم يكن شاذاً وهو دون الصحيح الذي عرفت عدالة ناقليه وضبطهم. وقال: الضعيف الذي عرف أن ناقله متهم بالكذب، رديء الحفظ، فإنه إذا رواه المجهول خيف أن يكون كاذباً، أو سيء الحفظ، فإذا وافقه آخر لم يأخذ عنه، عرف أنه لم يتعمد كذبه واتفاق الاثنين على لفظ واحد طويل قد يكون ممتنعاً، وقد يكون بعيداً، ولما كان تجويز اتفاقهما في ذلك ممكناً نزل عن درجة الصحيح »(2) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ النكت الوفية بما في شرح الألفية، برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ت: خبير خليل عبد الكريم .( 2/497) .
(2) ـ مجموع الفتاوى (18/23) .
ويقول ـ رحمه الله ـ في مكان آخر: « تعدّد الطرق مع عدم التشاعر(1)، أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول، لكن هذا ينتفع به كثيراً في علم أحوال الناقلين، وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول، والسيء الحفظ، وبالحديث المرسل ونحو ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث، ويقولون: إنه يصلح للشواهد، والاعتبار ما لا يصلح لغيره »(2) .
إذاً: فتعدد الطرق يقوي الظن بصحة الرواية.
يقول الحافظ ابن حجر: «... إلا أن كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج، تزيد المتن قوة » (3) .
يقول الشيخ زاهد الكوثري ـ رحمه الله ـ : « وتعّدد الطرق ينفع إذا كان الضعف في الرواة من جهة الحفظ والضبط فقط، لا من ناحية تهمة الكذب، فإن كثرة الطرق لا تفيد شيئاً إذ ذاك »(4) .
وبما أن كثرة الطرق وتنوعها، واختلاف المخارج وتعددّها، يمتنع، أو يبعد معه الاتفاق على الخطأ من قبل الراوي سيء الحفظ مع غيره، قوي الظن بأن الراوي قد حفظ هذا الحديث، وليس مما وهم، أو أخطأ فيه.
ومن هنا تظهر قابلية حديث سيء الحفظ للاعتضاد بغيره .(1/196)
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ قال الشيخ أحمد شاكر: " تشاعروا الأمر، أو على الأمر؛ أي: تعالموه بينهم. من قولهم: شعر؛أي:علم. وهي كلمة قلما تجدها في كتب اللغة، ولكنها دائرة في كتب الطبري ومن في طبقته من القدماء ". حاشية تفسير الطبري (6/127) .
قلت: والمعنى أن جماعة الرواة الذين رووا الخبر، أو نقلوه لم يعلموا بما نقلته أو روته الجماعة الأخرى التي وافقتهم على الخبر نفسه، فلم يقع بينهم تراسل، أو تواطؤ على الخبر .
(2) ـ مجموع الفتاوى (13/352) .
(3) ـ القول المسدّد في الذب عن مسند أحمد، ابن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة ط1/1401هـ، (ص:38) .
(4) ـ مقالات الكوثري، الشيخ محمد زاهد الكوثري، مطبعة الأندلس، شارع الحميدية بحمص 1388هـ . (ص:46) .
المطلب الثاني: شرط العاضد لحديث سيء الحفظ
ذكرنا في المطلب السابق أن حديث سيء الحفظ صالح للتقوية، قابل للاعتضاد، ونقلنا بعض أقوال الأئمة في ذلك، ولكن ما هو الشرط التي يجب أن يتوفر في الجابر، أو العاضد الذي يصلح أن يتقوى به حديث سيء الحفظ ؟ .
قلت: إن كلمة العاضد: اسم فاعل، مأخوذة من الفعل الثلاثي: عَضَدَ. يقال: عضده يعضِدُه: قطعه. وكنصره: أعانه ونصره. وتعاضدوا: تعاونوا. وعاضدوا: عاونوا(1) .
واعتضدت بفلان: استعنت به(2). قال تعالى حكاية عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } . [ القصص:35]؛ أي سنعينك ونقويك. وهو تمثيل؛ لأن قوة اليد بالعضد(3) .
فالعاضد: المساند، والمساعد، والمقوي لغيره. والمعاضدة: المساندة والمكاتفة. ولولا العاضد لحديث سيء الحفظ، لبقيت صفة الضعف قائمة فيه. واهتمام المحدثين بالعاضد؛ لما له من أثر صالح في تقوية غيره، وترقيته من مرتبة إلى أخرى .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ القاموس المحيط (1/382) .
(2) ـ لسان العرب (3/382) .
((1/197)
3) ـ معاني القرآن الكريم، أبو جعفر أحمد بن محمد النحّاس، ت: محمد علي الصابوني، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1/1409هـ . (5/180) .
وليس كل عاضد مهما كانت درجته يُقبل في تقوية غيره؛ فإذا كان العاضد أدنى مرتبة، وأسوأ حالاً من الحديث المعضود، فكيف يقوى على أن يكون سنداً لغيره وجابراً له. بل لا بدّ أن يكون العاضد فوق المعضود، أو مثله، لا أدنى منزلة منه حتى تتحقق التقوية، ويرتقي الحديث .
وخير من بيّن هذا، ونصّ عليه صراحة: الحافظ ابن حجر عندما قال: « ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبَر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز والمستور، والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يُعرف المحذوف منه صار حديثهم حسناً لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من التابِع والمتابَع لأن كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صواباً، أو غير صواب على حدّ سواء، فإذا جاءت من المعتبَرين رواية موافقة لأحدهم رجَحَ أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين ـ الصواب أو الخطأـ ودلّ ذلك على أن الحديث محفوظ فارتقى من درجة التوقّف إلى درجة القبول، ومع ارتقائه إلى درجة القبول فهو منحطٌّ عن رتبة الحسن لذاته وربما توقف بعضهم عن إطلاق اسم الحسن عليه »(1) .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ نزهة النظر (ص:103).
يقول أستاذنا الدكتور نور الدين تعليقاً عن معنى كلمة (بمعتبَر): أي بورود الحديث من طريق راوٍ معتبَر؛ أي مرتبته (يُعتبَر به) في الجرح والتعديل وهذا يشمل من قيل فيه (صدوق) إذا لم يثبت ضبطه فما دونه من مراتب التعديل، والمرتبتين الأولى والثانية من مراتب الجرح، مثل: فيه لين، ضعيف. قلت: سوف يأتي مزيد بيان وتفصيل لهذا في الفصل اللاحق: سيء الحفظ في ميزان الجرح والتعديل. إن شاء الله تعالى .(1/198)
قلت: كلام الحافظ ابن حجر هذا يبين شرط العاضد لحديث سيء الحفظ، وأنه يجب أن يكون فوق المعضود، أو مثله لا أدنى منه. كما ينبه إلى أمر مهم، وهو أن من جُرح بسوء حفظ، أو اختلاط، أو ...لا يُحكم على حديثه بالرد مطلقاً، كما يُحكم على من غلبت على رواياته الأوهام والمناكير، وإنما يُتوقف في شأنه، ويُنظر في حاله ـ كما سبق بيانه ـ وما ذلك إلا لاستواء الطرفين ـ القبول وعدمه ـ فإذا جاء ما يرجح جانب القبول من موافقة غيره له، دلّ ذلك على ضبط الراوي ـ سيء الحفظ، وغيره ممن ذكره الحافظ ابن حجرـ لحديثه، وارتقى الحديث إلى درجة القبول .
يقول أستاذنا الدكتور عماد الدين الرشيد: « وهذه لفتة ذكية منصفة،... وهذا ما يجعل من التعبير بالتوقف تعبيراً دقيقاً »(1) .
ولكن: ما معنى قول الحافظ: « ... كأن يكون فوقه أو مثله ... ».
بيّن الشيخ ملا علي القاري مقصود الحافظ من كلامه، فقال: « إذا تابع السيءَ الحفظ شخصٌ فوقه انتقل بسبب ذلك إلى درجة ذلك الشخص، وينتقل ذلك الشخص إلى أعلى من درجة نفسه التي كان فيها حتى يترجّح على مساويه من غير متابعة من دونه،... والظاهر أن المراد بالفوقية، والمثلية هنا في الصفة لا في السند »(2).
وذهب ابن قطلوبغا إلى أن المراد بقوله: فوقه أو مثله؛ أي في الدرجة من السند، لا في الصفة(3) .
والحقّ أن المراد فوقه، أو مثله في الصفة لا دونه في الصفة؛ أي بأن كان أسوأ حالاً في الحفظ (4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ نظرية نقد الرجال (ص:335) .
(2) ـ شرح شرح النخبة (ص:538 ـ 539) .
(3) ـ القول المبتكر على شرح نخبة الفكر (ص:18) .
(4) ـ حاشية لقط الدرر (ص:106) .
فإذا قلنا: مثله؛ أي في سوء الحفظ، بأن كان في طبقته من ناحية اختلال الضبط، فهو ضعيف يُعتبَر به في المتابعات والشواهد؛ لجرحه في حفظه، مع سلامته في عدالته .(1/199)
وإذا قلنا: فوقه؛ أي فوق سيء الحفظ في منزلته في الضبط والإتقان، كأن يكون حسن الحديث مثلاً، أو أن يكون صحيح الحديث .
وممن تابع الحافظ ابن حجر على كلامه السابق عن شرط العاضد: الحافظ السخاوي حيث يقول: « إذا كان الحديث من الموصوف رواته واحد فأكثر بسوء حفظ، أو اختلاط، أو تدليس مع كونهم من أهل الصدق والديانة فذاك يُجبَر بكونه؛ أي المتن من غير وجه يُذكر، ويكون العاضد الذي لا ينحطّ عن الأصلي معه كافياً منع الخدش فيه »(1) .
قلت: وهذا نص واضح أيضاً في أن حديث سيء الحفظ، ومن كان مثله في اختلال الضبط، قابل لأن يتقوى بعاضد لا يكون أدنى مرتبة من الحديث الأصلي المراد تقويته، عندها يمكن أن يجبر الضعف الذي سببه تدني مستوى الضبط، ونعلم أن سيء الحفظ قد أصاب في هذا الحديث ولم يخطىء؛ لوجود الموافقة له من غيره ممن تحققت الشروط السابقة في حديثه .
يقول السخاوي: « فالحكم على الطريق الأولى بالضعف إنما هو لأجل الاحتمال المستوي الطرفين في المستور مثلاً، هل ضبط أم لا ؟ فبالرواية الأخرى غلب على الظن أنه ضبط »(2) .
بقي أن أشير إلى مسألة مهمة، وهي: أن طرق بعض الأحاديث قد تتعدّد أحياناً ولكن هذه الطرق قاصرة عن درجة الاعتبار بحيث لا يُجبَر بعضها ببعض، فما هو حكم الحديث في مثل هذه الحالة ؟
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ فتح المغيث (1/72 ـ 73 ) .
(2) ـ المصدر السابق ( 1/73) .
لبيان هذه المسألة نأخذ مثالاً على ذلك، حديث: (( من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء )). وقد تعددت رواياته وطرقه، واختلفت أقوال الأئمة فيه(1) .
ــــــــــــــــــــ
((1/200)
1) ـ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، وعن أبي الدرداء، في فضل العلم وشرف مقداره، رقم(1725)، (2/270). كما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن مسعود بلفظ:(( من حفظ ... ينفعهم الله عز وجل بها قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت )) .(4/189).
وأخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس(1/330)، والدارقطني في العلل عن معاذ بن جبل(6/33)، وقال عن طرقه: " وكلها ضعاف ولا يثبت منها شيء ". وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/93 ـ 94): " وروي من رواية ثلاثة عشر من الصحابة أخرجها ابن الجوزي في العلل المتناهية، وبين ضعفها كلها، وأفرد ابن المنذر الكلام عليه في جزء مفرد، وقد لخصت القول فيه في المجلس السادس عشر من الإملاء، ثم جمعت طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة " . وقال عبد القادر الرهاوي: " إن الأحاديث الضعاف إن انضم بعضها إلى بعض،مع كثرة تعاضد، وتتابع أحدثت قوة، وصارت كالاشتهار، والاستفاضة اللذين يحصل بهما العلم في بعض الأمور ". البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر، عبد الرحمن السيوطي، ت:أنيس الأندونوسي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط1/1999م. (3/1027) .
قال الحافظ ابن حجر: " لكن تلك القوة لا تخرج هذا الحديث عن مرتبة الضعيف ...". الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع (ص:70) . وقال أبو طاهر السِّلفي: " إنه روي من طرق، وتقوى بها وركنوا إليها، وعرفوا صحتها، وعوّلوا عليها ". الأربعين البلدانية، أحمد بن محمد السِّلفي، ت: عبدالله رابح، دار البيروتي، دمشق، ط1/1992م. (ص:28) .(1/201)
قال الحافظ السخاوي: " وقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه، ولكن بكثرة طرقه القاصرة عن درجة الاعتبار بحيث لا يُجبر بعضها ببعض يرتقي عن مرتبة المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال، إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في الفضائل ". فتح المغيث (1/73) . قلت: وهذا ما جرى العمل عليه، وما تميل النفس إليه، بشرط أن لا يكون فيه كذاب، أو متهم .
يقول أستاذنا الدكتور عماد الدين: " فكثرة الطرق التي لا يجبر بعضها ببعض ترتقي بالضعيف التالف الذي لا يُعمل به اتفاقاٌ إلى رتبة الضعيف الذي يجيز الجمهور من أهل العلم العمل به في فضائل الأعمال ". انظر:نظرية نقد الرجال (ص:338) . والخلاصة: على القول بأنه ضعيف ـ مع تعدد طرقه ـ فإن الجمهور على أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. محمد رسول الله، الشيخ عبد الله سراج الدين، دار الفلاح، حلب، ط7/1990م، (ص:66) . وانظر: شرح المنظومة البيقونية، الشيخ عبد الله سراج الدين، دار الفلاح، حلب، (ص61ـ62) .
المطلب الثالث: ارتقاء حديث سيء الحفظ إلى درجة القبول
إذا عرفنا بأن حديث سيء الحفظ ضعيف متوقف فيه؛ لاستواء طرفي القبول والرد فلا ننسى بأنه قابل للانجبار، والارتفاع إلى درجة القبول، وذلك بوجود عاضد له فوقه، أو مثله، بلفظه أو معناه، فيصير من قبيل الحسن لغيره(1) .
والحديث الحسن قسمان: حسن لذاته، وحسن لغيره. وقد فصّل الشيخ ابن الصلاح كلا القسمين تفصيلاً دقيقاً، فقال عن الحسن لغيره:« الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفّلاً كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ... ويكون متن الحديث مع ذلك قد عُرِف بأن رُوي مثله، أو نحوه من وجه آخر، أو أكثر حتى اعتضد... وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل »(2) .
«(1/202)
فالضعيف الذي ضعفه من جهة قلة حفظ راويه... إذا روي مثله بسند آخر ارتقى إلى درجة الحسن؛ لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الراوي، ويعتضد كل منهما بالآخر »(3) .
وقال الشيخ رضيّ الدين الحلبي: « وأما الحسن لغيره: فهو الواحد الذي يرويه من يكون سيء الحفظ ولو مختلطاً لم يتميز ما حدث به قبل الاختلاط، أو يكون مستوراً، أو مرسلاً لحديثه، أو مدلساً في روايته من غير معرفة المحذوف فيهما فيتابع أياً كان منهم من هو مثله، أو فوقه ...»(4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، عبد الكريم الخضير، مكتبة دار المنهاج، الرياض ط1/1425هـ . (ص:240)، وانظر: قواعد في أصول الحديث، أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي بيروت، ط:1984م .(ص:121)، ونظرية نقد الرجال (ص:333) .
(2) ـ علوم الحديث (ص:31) . وقد سبق القول بأن كتاب الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ أصل أصيل في معرفة الحسن . وانظر: الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين(ص:158) .
(3) ـ انظر: فتح المغيث (1/150) . فتعدد الطرق، مع انجبار الضعف يجعل الحديث حسناً لغيره . مقدمة في أصول الحديث (ص:59) .
(4) ـ قفو الأثر في صفوة علوم الأثر، رضي الدين محمد بن إبراهيم الحلبي، تح: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2/1408هـ . (1/50) .
« وقيل: الحسن لغيره ما رواه المستور الذي تُوُقّف فيه، ثم قامت قرينة رجّحت جانب قبوله؛ لمجيء مرويّه من طريق أخرى »(1) .
قلت: والنقول السابقة فيها دلالة على أن الحسن لغيره ضعيف قبل وجود العاضد، وإلا لو كان قوياً بذاته، فلم الافتقار، والاحتياج إلى العاضد؟ لذا نستطيع القول: إن ارتقاء الحسن لغيره من مرتبة الضعف إلى الحسن إنما هو بفضل العاضد، فقيمة الحسن لغيره، إنما هي من قيمة العاضد للرواية الأخرى .(1/203)
يقول الحافظ ابن حجر: « وإن قامت قرينة ترجّح جانب قَبول ما يُتَوَقَّف فيه فهو الحسن أيضاً، لكن لا لذاته ... »(2). بل لقيام قرينة خارجة عن حسنه(3) .
ويقول الحافظ السخاوي: « والحسن لغيره أصله ضعيف، وإنما طرأ عليه الحسن بالعاضد الذي عضده، فاحتمل لوجود العاضد، ولولا العاضد لاستمرت صفة الضعف فيه »(4) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ قفو الأثر (1/50) .
(2) ـ نزهة النظر (ص:55) .
(3) ـ شرح شرح النخبة (ص:246) .
(4) ـ فتح المغيث (1/68) .
وسوف أذكر بعض الأمثلة التطبيقية عن اعتضاد حديث سيء الحفظ، وارتقائه إلى الحسن لغيره، بعد أن سبق التأصيل النظري لذلك .
حدثنا علي بن حجر حدثنا حفص بن غياث عن الحجاج عن عطية عن ابن عمر قال: (( صليت مع النبي عليه الصلاة والسلام الظهر في السفر ركعتين، وبعدها ركعتين )) .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وقد رواه ابن أبي ليلى عن عطية، ونافع عن ابن عمر(1) .
حدثنا محمد بن عبيد المُحارِبي حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن عطية ونافع عن ابن عمر قال: (( صليت مع النبي عليه الصلاة والسلام في الحضر والسفر: فصليت معه في الحضر الظهر أربعاً، وبعدها ركعتين، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين ولم يصل بعدها شيئاً والمغرب في الحضر والسفر سواء ثلاث ركعات لا تنقص في الحضر ولا في السفر، وهي وتر النهار، وبعدها ركعتين )) .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. سمعت محمداًـ البخاري ـ يقول: « ما روى ابن أبي ليلى حديثاً أعجب إليّ من هذا، ولا أروي عنه شيئاً »(2).(1/204)
قلت: الحجاج في الإسناد الأول هو: الحجاج بن أرطأة، وعطية هو: عطية بن سعد بن جُنادة العَوْفي، وكلاهما ضعيف متكلم فيه، لكنه غير متهم، وحكم الترمذي على حديثهما بالحسن؛ لاعتضاده برواية أخرى، فقد تابع الحجاجَ على روايته: عبدُ الرحمن بن أبي ليلى في الحديث الثاني، كما تابع نافعٌ عطيةَ بن سعد وابن أبي ليلى موصوف بسوء الحفظ، وقد روى الحديث من وجه آخر، فتقوى الحديث الأول بهذه المتابعة، لذا حسّنه الإمام الترمذي، ومعلوم أن حسنه ليس نابعاً من ذاته، وإنما لأمر خارج عنه، وهو وجود المتابعة المخرجة له عن الضعف.
ــــــــــــــــ
(1) ـ سنن الترمذي، باب ما جاء في التطوع في السفر، رقم(551)،(2/437) .
(2) ـ سنن الترمذي، باب التطوع في السفر، رقم(552)،(2/437) .
وروى الترمذي من طريق شعبة عن عاصم بن عبيدالله عن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أبيه: أن امرأة من بني فَزَارة تزوجَتْ على نَعْلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أرضيت من نفسك، ومالَك بنعلين؟ قالت: نعم، فأجازه)).
وفي الباب عن عمر،وأبي هريرة،وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأنس، وجابر،وأبي حَدْرَد الأسلمي(1) .
قال أبو عيسى:« حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح »(2) . ... ... فعاصم ضعفه الجمهور، ووصفوه بسوء الحفظ، وعاب ابن عيينة على الشعبي الرواية عنه، وقد حسّن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه(3).
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ قيل:اسمه عبد، وقيل: عبيد، وقيل: سلامة بن عمير، صحابي، ويقال: هو والد عبدالله بن أبي حدرد الصحابي، مات عبدالله سنة إحدى وسبعين، فوهم من أرخ أبا حدرد فيها . بخ. التقريب (ص:632)، والإصابة (4/54) .
(2) ـ أخرجه الترمذي في النكاح، باب: ما جاء في مهور النساء، رقم(1113)، (3/420) .
وأحمد في المسند رقم(15717)، (3/445)، وأخرج نحوه ابن ماجه في النكاح، باب: صداق النساء رقم(1888)، (1/608) .
((1/205)
3) ـ العالي الرتبة في شرح نظم النخبة (ص:228) . وانظر: تدريب الراوي (ص:111) .
بقي أن أذكر حكم الاحتجاج بالحسن لغيره: تقدم أن الحسن لغيره ضعيف في أصله، منجبر بورود رواية أخرى من وجه آخر مقوية له، فيزول ما نخشاه من سوء حفظ راويه، أو غفلته، ويتحصل من المجموع قوة(1) تجعله صالحاً للاحتجاج به كالحسن لذاته. وهذا الذي ذُكر من حكم الحسن ـ كما يقول أستاذنا الدكتور نور الدين عترـ ظاهر بالنسبة لعبارات الترمذي لأنها جارية على الاصطلاح، أما بالنسبة لغيره فلا بدّ من التحري(2) ..
قال الحافظ السخاوي: « ولكن حيث ثبت اختلاف صنيع الأئمة في إطلاقه فلا يسوغ إطلاق القول بالاحتجاج به، بل لابد من النظر في ذلك؛ فما كان منه منطبقاً على الحسن لذاته فهو حجة، أو الحسن لغيره فيفصل بين ما تكثر طرقه فيحتج به، ومالا فلا، وهذه أمور جملية تدرك تفاصيلها بالمباشرة »(3) . فالحافظ السخاوي يحتج بالحسن لغيره إذا كثرت طرقه .
وقال الإمام النووي في بعض الأحاديث: « وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضه بعضا،ً ويصير الحديث حسنا،ً ويحتج به »(4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ قلت: كلمة المجموع فيها دلالة على أنه لا يحتج بكل رواية على حدة؛ لأنها ضعيفة في الأصل وإنما وقع الاحتجاج بمجموع الروايات التي أكسبت الحديث قوة، وجعلته مقبولاً صالحاً للاحتجاج به .
(2) ـ الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين (ص:160)، وانظر: الاتجاهات العامة للاجتهاد، ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها، الدكتور نور الدين عتر، دار المكتبي، دمشق ط1/2000م، (ص46) .(1/206)
ومعنى فلا بدّ من التّحرّي: أي يجب النظر والتدقيق في الأحاديث التي تعددت طرقها الضعيفة، فليس كل حديث تعددت طرقه الضعيفة قابل للارتقاء إلى درجة الحسن، وقد توسّع جماعة في قاعدة تقوية الضعيف بتعدد الطرق فصححوا وحسنوا ما لا يحتمل ذلك، كما تشدّد آخرون فأعرضوا عن أحاديث تقبل التصحيح والتحسين .
(3) ـ فتح المغيث (1/72) .
(4) ـ المجموع شرح المهذب، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ط/ دار الفكر، بيروت، (7/197).
وصرّح أبو الحسن القطان أن هذا القسم لا يحتج به كله ـ الحسن لغيره ـ بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أوعضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن(1) .
قال ابن حجر: « وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفاً يأباه، والله الموفق ... لكن محلّ بحثنا هنا:هل يلزم من الوصف بالحسن الحكم له بالحجة أم لا ؟ هذا الذي يتوقف فيه، والقلب إلى ما حرّره ابن القطان أميل »(2) .
قلت: يُتساهل في الفضائل ما لا يُتساهل في الأحكام، فالأمر فيها مبني على الحيطة والحذر، والأخذ بما لا مجال فيه للتشكيك والنظر. وما ارتضاه الحافظ ابن حجر من قول أبي الحسن القطان إنما هو من باب الأخذ بالأحوط خاصة وأن الأئمة مختلفون في إطلاق الحسن، فلا يسوغ القول بالاحتجاج به مطلقاً من غير تفصيل.
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ انظر: فتح المغيث (1/71) .
(2) ـ النكت على مقدمة ابن الصلاح، ابن حجر العسقلاني، تح: ربيع بن هادي المدخلي، الناشر: عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط1/1984م . (1/403) .
المبحث الثاني
الأحوال التي تقبل فيها رواية سيء الحفظ
فيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: رواية سيء الحفظ من كتابه
المطلب الثاني: رواية إمام حافظ حاذق عن سيء الحفظ
المطلب الثالث: رواية سيء الحفظ عمن عرف بضبطه لحديثه
الأحوال التي تقبل فيها رواية سيء الحفظ(1/207)
بينتُ سابقاً أن الراوي سيء الحفظ إذا تفرد بحديث فإنه لا يقبل حديثه، وإنما يخضع لعملية السبر والاختبار، فإن وافقه غيره ممن يُعتَبَر به قُبلت روايته، وإلا فلا. وهذا هو الأصل العام في التعامل مع رواية سيء الحفظ .
ولكن هناك بعض الحالات التي نقبل فيها رواية سيء الحفظ من دون أن نطبق عليها القاعدة السابقة. فسيء الحفظ ما تُكلّم فيه إلا لخلل في ضبطه، وضعف في حفظه، ومؤدى هذا: الوقوع في الأخطاء والأوهام .
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما حكم رواية سيء الحفظ إذا روى من كتابه، ولم يعتمدْ على حفظه؟ أو روى عن سيء الحفظ حافظٌ متقنٌ يعرف صحيح حديثه من سقيمه؟ أو روى سيء الحفظ عن شيخ عرف بضبطه لحديث هذا الشيخ. هذا ما سأتناوله في هذا المبحث ـ إن شاء الله ـ .
المطلب الأول: رواية سيء الحفظ من كتابه
عقد الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ باباً في أن السيئ الحفظ لا يُعتَدّ من حديثه إلا بما رواه من أصل كتابه، وأدرج تحته عدداً من أقوال الأئمة في ذلك(1).
وكثير من الرواة وصفوا بسوء الحفظ، وكتبهم صحاح، ولم يؤثر عليهم هذا الوصف، أو يدع إلى التوقف في قبول مرويّاتهم إلا فيما رووه من حفظهم، أما ما حدثوا به من كتبهم فقد قبل الأئمة منهم ذلك .
ونجد الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ قد سبق الحافظ الخطيب في هذه المسألة فَنَصّ عليها بقوله: « ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم تقبل شهادته »(2) .
ومعلوم أن كثرة الغلط ناتجة عن سوء الحفظ، وتحديث الراوي من أصل كتابه الصحيح حافظ له من الأخطاء، مسوّغ لقبول روايته .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ الكفاية في علم الرواية (ص:223) .
(2) ـ الرسالة للإمام الشافعي (ص:380) .(1/208)
... قلت: ومن الجدير بالذكر أن الأئمة النقاد قد تشدّدوا في أمر الكتاب واشترطوا أن يحدث الراوي من الأصل الذي عنده لا من نسخ أخرى؛ لاحتمال ورود الخطأ والتزوير فيها.
... كما كثرت في عباراتهم: ( كتاب صحيح)، و( كتبه الصحاح)، و ( كتابه صالح)، و(كتابه معتَمَد) وغير ذلك من التعابير التي تقيّد الكتاب، وتشترط فيه أن يكون صحيحاً محفوظاً من أن يُدخل فيه على صاحبه ما ليس منه . وإذا عرف من الراوي تعاهده لكتبه، واهتمامه بها، استحق أن يوصف كتابه بالصحة، لأن التحديث من الكتاب الصحيح يترتب عليه قبول الرواية، والاحتجاج بها .
يقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : « القسم الثاني: فيمن ضعف بأمر مردود... ويلتحق به من تُكلم فيه بأمر لا يقدح في جميع حديثه؛ كمن ضعف في بعض شيوخه دون بعض، وكذا من اختلط أو تغير حفظه، أو كان ضابطاً لكتابه دون الضبط لحفظه، فإنّ جميع هؤلاء لا يَجْمُل إطلاق الضعف عليهم، بل الصواب في أمرهم التفصيل »(1).
والمتتبع لأقوال الأئمة يجد أنهم قد نصوا صراحة في ترجمة الراوي الموصوف بسوء الحفظ؛ إن كان يحدّث من حفظه السيء، أو من كتابه الصحيح، أو كان يحدث من حفظه، ولكن كتابه أصح، ولولا نصوص الأئمة أهل العلم بهذا الفن، لاختلطت رواية الحفظ بالكتاب، ولم يتميز الخطأ من الصواب.
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ هدي الساري مقدمة فتح الباري (1/460) .
من هؤلاء الرواة: شريك بن عبدالله النخعي. ساء حفظه بعد توليه القضاء فكثرت أخطاؤه فيما يحدث به من حفظه، إلا أن كتبه كانت صحيحة.
قال ابن عمار الموصلي: « شريك كتبه صحاح، فمن سمع منه من كتبه فهو صحيح. قال: ولم يسمع من شريك من كتابه إلا إسحاق الأزرق(1) »(2) .
ومنهم: همّام بن يحيى العَوْذِي. كان حفظه رديئاً، إلا أنه كان معروفاً بتعاهده لكتبه، واهتمامه بها، ورجوعه إليها، وإذا كان هذا حاله فلا شكّ في قبول حديثه .(1/209)
قال أبو حاتم الرازي: « ثقة صدوق في حفظه شيء »(3). وقال السّاجي: « صدوق سيء الحفظ، ما حدث من كتابه فهو صالح، وما حدث من حفظه فليس بشيء »(4).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: « من سمع من همام بأخرة هو أصح، وذلك أنه أصابته مثل الزّمانة(5)، فكان يحدثهم من كتابه، فسماع عفان وحبان وبَهز(6) أجود من سماع عبد الرحمن؛ لأنه كان يحدثهم ـ يعني لعبد الرحمن ـ من حفظه» (7) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ إسحاق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي، المعروف بالأزرق، ثقة، من التاسعة . مات سنة خمس وتسعين، وله ثمان وسبعون . ع . تقريب التهذيب (ص:104) .
(2) ـ الكفاية في علم الرواية (ص:223) .
(3) ـ الجرح والتعديل (9/108) .
(4) ـ تهذيب التهذيب (11/61) .
(5) ـ يقال: زَمِن الشخص زمناً، وزمانة، فهو زَمِن من باب:تعب، وهو مرض يدوم زماناً طويلاً . المصباح المنير( 1/256). فالزمانة: هي العاهة المزمنة .
(6) ـ عفان:هو ابن مسلم، وحبان هو ابن هلال، وبَهْز هو ابن أسد .
(7) ـ سؤالات أبي داود ـ السجستاني ـ للإمام أحمد في جرح الرواة وتعديلهم، تح: الدكتور زياد المنصور، دار العلوم والحكم، ط2، رقم(490)، (ص:335). وانظر: العلل ومعرفة الرجال(1/357) .
وفي لفظ آخر للإمام أحمد من رواية ابنه عبدالله: « ......فكان يقرب عهده بالكتاب فقلّما كان يخطىء » (1) .
وهنا أشار الإمام أحمد إلى أن هماماً كان يخطىء إذا حدث من حفظه، وأما إذا كان قريب عهد بكتابه فقلّما كان يخطىء. وكان في آخر أمره يقرب عهده بالكتاب فسماع من سمع منه بأخرة أجود من غيره(2) .
قال عفان: « حدثنا همام يوماً بحديث، فقيل له فيه، فدخل فنظر في كتابه فقال: ألا أراني أخطئ، وأنا لا أدري، فكان بعد يتعاهد كتابه »(3) .(1/210)
وسئل إمام الجرح والتعديل أبو حاتم ـ رحمه الله ـ عن همّام، وأبان العطار مَن يُقَدّم منهما ؟ قال: « همام أحب إليّ ما حدث من كتابه، وإذا حدّث من حفظه فهما متقاربان في الحفظ والغلط »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ العلل ومعرفة الرجال، رقم(683)،(1/357) .
(2) ـ منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث، بشير علي عمر، الناشر: وقف السلام، ط1/2005م . والكتاب في أصله رسالة دكتوراه . (1/562) .
(3) ـ الكفاية في علم الرواية(ص:223) .
(4) ـ الجرح والتعديل (9/108) .
... قلت: مفهوم كلام الإمام أبي حاتم أن هماماً مقدّم على أبان بن يزيد العطار إذا حدّث من كتابه؛ لشدة ضبطه له، وعنايته به، أما إذا حدّث من حفظه السيء فإنه يستوي مع أبان في رداءة حفظه، ووقوع الأغلاط منه .
ومن هؤلاء الرواة أيضاً: أيوب بن عُتبة اليمامي . فقد كان موصوفاً بسوء الحفظ، مع أنه من أهل الصدق والديانة، وكان يحدث من حفظه السيء فيقع في الوهم والغلط، بخلاف ما إذا حدث من كتابه فإنه يحدث بحديث مستقيم؛ لأن كتبه كانت صحيحة.
قال علي بن المديني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وعمرو بن علي ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، ومسلم بن الحجاج: « ضعيف». زاد عمرو: « وكان سيء الحفظ، وهو من أهل الصدق »(1) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي زرعة قال: قال لي سليمان بن داود ابن شعبة اليمامي: « وقع أيوب بن عتبة إلى البصرة، وليس معه كتب فحدث من حفظه، وكان لا يحفظ، فأما حديث اليمامة ما حدث به ثمّةَ فهو مستقيم » .
وقال أيضاً: « سمعت أبي يقول: أيوب بن عتبة فيه لين. قدم بغداد، ولم تكن معه كتب، فكان يحدث من حفظه على التوهم فيغلط، وأما كتبه في الأصل فهي صحيحة »(2) . وكان أيوب أروى الناس عن يحيي بن أبي كثير، وأصحّ الناس كتاباً عنه(3). وهذا يعني أنه كان عارفاً بحديث يحيى، ضابطاً له .(1/211)
ومنهم: سويد بن سعيد(4) . قال يعقوب بن شيبة: « صدوق، مضطرب الحفظ، ولا سيما بعد ما عمي »(5) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ تهذيب الكمال، رقم(620)،(3/486) .
(2) ـ الجرح والتعديل(2/253) .
(3) ـ تهذيب التهذيب(1/357) .
(4) ـ سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل، ثم الحَدَثاني، ويقال له الأنباري، أبو محمد، صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش فيه ابن معين القول. من قدماء العاشرة. مات سنة أربعين. وله مائة سنة. م ق . تقريب التهذيب (ص:260) .
(5) ـ تهذيب التهذيب (4/240) .
وقال البرذعي: رأيت أبا زرعة يسيء القول فيه فقلت له فأيشٍ حاله؟ قال: « أما كتبه فصحاح، وكنت أتتبع أصوله فأكتب منها، فأما إذا حدث من حفظه، فلا »(1) .
ومنهم أيضاً: أبو أويس المدني(2) .سئل عنه يحيى بن معين فقال: « ضعيف الحديث». وسئل مرة فقال: « ليس بشيء »(3) . وقال الإمام البخاري: « ما روى من أصل كتابه، فهو أصحّ »(4) .
كذلك: عبد الصمد بن حسان(5). ذكر البخاري ـ رحمه الله ـ : « أنه يهم من حفظه، وقال: أصله صحيح »(6) .
قلت: ومن الجدير بالذكر أن بعضاً من كبار الحفاظ كان لا يأخذ عن شيخه إلا ما حدث به من كتابه، خاصة إذا كان الشيخ ممن يهِم في حفظه، أو ساء حفظه مؤخراً، أو اختلط، وأخذ يتلقن. يقول يحيى بن معين: « ما كتبت عن عبد الرزاق حديثاً واحداً إلا من كتابه كلّه »(7) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ تاريخ بغداد (9/230) .
(2) ـ عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أبو أويس المدني قريب الإمام مالك وصهره. صدوق يهم. من السابعة. مات سنة سبع وستين. م4 .
تقريب التهذيب (ص:309) .
(3) ـ تاريخ بغداد(10/6ـ 7) .
(4) ـ التاريخ الكبير(5/127) .
((1/212)
5) ـ روى عن الثوري، وإسرائيل. وعنه: محمد بن يحيى الذهلي، وجماعة. وَوُلِّي قضاء هراة، وهو صدوق إن شاء الله. يقال: تركه أحمد بن حنبل، ولم يصح هذا. وقال البخاري: كتبت عنه وهو مقارب. ميزان الاعتدال، رقم(5071)، (2/620) .
(6) ـ التاريخ الكبير (3/62) .
(7) ـ العلل ومعرفة الرجال، رقم(3882)، (2/606) .
... وكان منهج بعض الرواة أن لا يحدث إلا بما يجيد حفظه، فإذا طُلب منه أن يحدث بما لا يحفظ، أو سُئل عن حديث، ذهب واستثبت من كتبه حتى لا يقع في الوهم والغلط. فمثل هذا الراوي لا يوصف بسوء الحفظ، بل إن وصفه بذلك من دون أن يُنصّ على الطريقة التي يؤدي بها الحديث،وأنه يحدث من كتابه الضابط له المتثبت فيه يخلق ريبة في النفس أنه إنما يحدث من حفظه السيء، وهذا إجحاف بحقه، وانتقاص من قدره في الرواية .
قال أبو الوليد الطيالسي: « قدمت الرّيّ بعقب موت شعبة، ومعي أبو داود الطيالسي، قال: وحملت معي أصل كتابي عن شعبة. قال: فكان جرير يجالسنا عند رجل من التجار، قال: فسمعَنا نذكر الحديث، قال: فتعجب بالحديث إعجاب رجل سمع العلم وليس له حفظ . قال: فسمعني أتحدث بحديث... فقال: اكتبه لي، فكتبته له، وحدثته به. قال: وتحدثت بحديث... فاستحسنه، وقال: اكتبه لي، قال: فكتبته وحدثنه به عن ليث بن سعد. قال: فقال لي: قد كتبتُ عن منصور، ومغيرة، وجعل يذكر الشيوخ، فقلت له: حدِّثنا. فقال: لست أحفظ. كتبي غائبة عني، وأنا أرجو أن أُوتَى بها... »(1) .
وهنا رفض جرير أن يحدث بما لا يحفظه، ولم تكن معه كتبه؛ لأنه كان دائم الرجوع إليها، وعُرف ـ كما ذكرت ـ من منهجه أنه لا يحدث إلا من كتبه .
وغير ما مثّلتُ به من الرواة كثير، ممن تكلم الأئمة في حفظهم، وكانت كتبهم صحيحة، فلم يؤثر سوء حفظهم إلا فيما يروونه من صدورهم، أما إذا حدثوا من كتبهم التي كانوا يتعاهدونها، فقد قبل الأئمة النقاد حديثهم .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ تهذيب الكمال (4/545) .(1/213)
المطلب الثاني: رواية إمام حافظ حاذق عن سيء الحفظ
ذكرنا سابقاً أن حديث سيء الحفظ متردّد بين طرفي القبول وعدمه، فإذا حدث بحديث فقد يكون مخطئاً، وقد يكون حدث به على الصحة، فمن سمع منه ذلك الحديث الذي أصاب فيه في ذلك الوقت، ورواه عنه، قُبل حديثه .
ولكن لا يُقبل هذا من أيّ راو من الرواة يحدث عن سيء الحفظ، بل لا بدّ أن يكون الراوي عنه حافظاً ضابطاً، يعرف صحيح حديثه من سقيمه، ما حدث به على الصواب، أو الخطأ.
وقد قبل الأئمة النقاد روايات أهل الحفظ والحذق عن سيء الحفظ، وتوقفوا في روايات الشيوخ عنه؛ لاحتمال رواية الغث والسمين من دون تمييز .
ومن هؤلاء الرواة الذين عرفوا بصدقهم وأمانتهم ،وكثر وقوع الغلط منهم وأخذ يُدْخِل عليهم الرواة في حديثهم ما ليس منه، فتوقف الأئمة في قبول حديثهم وقبلوا رواية جبال الحفظ والإتقان عنهم: عبدالله بن صالح الجهني(1).
قال الحافظ ابن حبان: « منكر الحديث جداً، يروي عن الأثبات مالا يشبه حديث الثقات، وعنده المناكير الكثيرة عن أقوام مشاهير أئمة، وكان في نفسه صدوقاً، يكتب لليث بن سعد الحساب، وكان كاتبه على الغلاّت، وإنما وقع المناكير في حديثه من قِبَل جار له رجل سوء »(2) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ـ أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة من العاشرة. مات سنة اثنتين وعشرين، وله خمس وثمانون سنة. خت د ت ق .
تقريب التهذيب (ص:308) .
(2) ـ المجروحين (2/40) .
وقال أبو حاتم: « صدوق أمين ما علمته، والأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره التي أنكروا عليه نرى أن هذا مما افتعل خالد بن نَجِيح، وكان أبو صالح يصحبه، و كان سليم الناحية، وكان خالد بن نَجِيح يفتعل الحديث، ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلاً صالحاً »(1) .
قلت: فعبدالله لم يكن يتعمد الكذب، وإنما كان يقع منه الكذب في الحديث من(1/214)
غير تعمّد عندما كان يحدّث من حفظه، مع الغفلة التي كانت فيه؛ لذلك قيّد الأئمة قبول روايته بما رواه عنه أهل الحفظ والتثبّت .
قال الحافظ ابن حجر: « ظاهر كلام الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه، فيُتَوَقَّف فيه، والأحاديث التي رواها البخاري عنه في الصحيح بصيغة حدثنا، أو قال لي، أو قال المجرَّدة قليلة »(2) .
ومنهم: موسى بن عُبيدة الرَّبَذِي(3).
قال الإمام أحمد: « لا يُشتغل به ». أي بالرواية عنه. وقال يحيى بن معين: « حديث موسى بن عبيدة ضعيف، وإنما ضُعِّف حديث موسى بن عبيدة؛ لأنه روى عن عبدالله بن دينار أحاديث مناكير»(4) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ الجرح والتعديل (5/86) .
(2) ـ هدي الساري ( 1/414) .
(3) ـ بضم أوله، ابن نشيط بفتح النون، وكسر المعجمة، بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة، أبو عبد العزيز المدني، ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابداً، من صغار السادسة مات سنة ثلاث وخمسين. ت ق . تقريب التهذيب (ص:552) .
(4) ـ الجرح والتعديل (8/151) .
وذات يومٍ مَرَّ حديث من أحاديث موسى بالإمام أحمد، فقال: « هذا متاع موسى بن عبيدة، وضمّ فمه، وعوّجه، ونفض يده، وقال: كان لا يحفظ الحديث »(1) .
قلت: وهذا القول والفعل من الإمام أحمد فيه دلالة واضحة على ضعف موسى بن عبيدة، وأنه لا يرتضيه، ولا يجيز الرواية عنه، ولم يكتب عنه شيئاً .
ومما رواه موسى بن عبيدة عن جُمهان(2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم )) .
وجاء أيضاً من طريق محْرِز بن سلمة العدني(3)، وزاد في حديثه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الصيام نصف الصبر ))(4) .
ـــــــــــــــ
((1/215)
1) ـ الكامل في الضعفاء (6/334) . قلت: وقد أعجبني كثيراً كلام الحافظ ابن حبان في موسى بن عبيدة؛ حيث يقول:" كان من خيار عباد الله نسكاً، وفضلاً، وعبادة، وصلاحاً، إلا أنه غفل عن الإتقان في الحفظ حتى يأتي بالشيء الذي لا أصل له متوهماً، ويروي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات من غير تعمد له، فبطل الاحتجاج به من جهة النقل، وإن كان فاضلاً في نفسه". المجروحين(2/234) . (2) ـ بضم أوله، الأسلمي، مدني قديم مقبول، من الثالثة. ق . تقريب التهذيب (ص:142) .
(3) ـ بسكون المهملة، وكسر الراء بعدها زاي، العدني ثم المكي. صدوق. من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين، وقد جاز التسعين. ق . تقريب التهذيب (ص:522) .
(4) ـ أخرجه ابن ماجه من الطريقين: عن محرز بن سلمة العدني، وعبد العزيز بن محمد عن موسى ابن عبيدة، كتاب الصيام، باب:في الصوم زكاة الجسد، رقم(1745)،(1/555) .
وقال في الزوائد: إسناد الحديث من الطريقين معاً ضعيف. فيه موسى بن عبيدة الربذي، ومدار الطريقين عليه، وهو متفق على تضعيفه .
وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق عمرو بن عيسى الأسدي ثنا موسى بن عبيدة عن زيد ابن أسلم عن جمهان عن أبي هريرة، في: باب في الصيام، رقم (3578)، (3/292) .
قلت: وله طريق آخر أخرجه عبد بن حميد في المسند، عن الإمام الأوزاعي عن جمهان عن أبي هريرة. مسند أبي هريرة، رقم (1449)، (1/423) .
وقد جاء الحديث أيضاً عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الطبراني في الكبير رقم(5973) ،(6/193)، والبيهقي في الشعب (3/292)، وأبو نعيم في الحلية (7/136)، وقال:" غريب من حديث الثوري تفرد به حماد بن الوليد " .
وقال ابن عدي في الكامل (2/240): " لا أعلم يرويه عن الثوري غير حماد، ولحماد أحاديث غرائب وإفرادات عن الثقات، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه " .(1/216)
وقال الحافظ ابن عدي ـ بعد أن ساق لموسى بن عبيدة جملة من الأحاديث ما ذكرتُه أحدهاـ : « وهذه الأحاديث التي ذكرتها لموسى بن عبيدة بأسانيدها المختلفة عامتها مما ينفرد بها من يرويها عنه، وعامتها متونها غير محفوظة، وله غير ما ذكرتُ من الحديث، والضعف على رواياته بيِّن » (1).
وقال إبراهيم بن يعقوب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: « لا تحلّ عندي الرواية عن موسى بن عبيدة. فقلت: يا أبا عبد الله: لا تحلّ! قال: عندي. قلت: فإن سفيان يروي عن موسى بن عبيدة، ويروي شعبة عنه يقول: أبو عبد العزيز الرّبذي، قال: لو بان لشعبة ما بان لغيره ما روى عنه » (2) .
قلت: من غير المعقول أن يروي عنه سفيان وشعبة، وهما مَن هما في الحفظ والتثبت من دون أن يتعرفا أحاديثه، وما أصاب فيه، وما أخطأ؛ لأنه يبعد أن لا يكون قد حدث بأحاديث مستقيمة، فيأخذ عنه كل منهما صحيح حديثه، ويتجنبان مناكيره التي حدث بها، والتي وقعت منه من غير تعمد.
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ الكامل في الضعفاء (6/336) .
(2) ـ المصدر نفسه (6/333) .
والدليل على هذا أنه قد جاءت رواية أخرى عن الإمام أحمد: قال إبراهيم بن يعقوب الفسَوي: « سمعت أبا عبدالله، وسأله أبو جعفر: أيّما أحب إليك موسى بن عبيدة، أو مُحَمد بن إسحاق؟ قَال: لا، مُحَمد بن إسحاق. قلت له: روى شعبة عن موسى بن عبيدة ؟ قال: نعم. فقال أبو جعفر: يقول شُعبة: عن أبي عبد العزيز الربذي. قَال: نعم، لم يروِ عنه شعبة حديثاً منكراً. فقال أبو جعفر: روى عنه الثوري أيضاً؟ قال: نعم »(1) .
فاجتناب شعبة لمناكيره، وروايته لصحيح حديثه أكبر دليل على عمق معرفته برواياته؛ صحيحها، وسقيمها، وكذلك سفيان الثوري، فيُقبَل ما حدّثا به عن موسى ابن عبيدة؛ لأنهما من أهل الحفظ والفهم، والحذق والتثبت في هذا العلم .(1/217)
ويمكن أن نذكر تطبيقاً صالحاً لهذه الحالة: يحيى بن سُليم الطائفي، ولن أتوسع في الكلام عنه؛ لأنه سيأتي في المطلب الثالث .
قال البخاري: « ما حدّث الحُمَيْدِيّ عن يحيى بن سُليم فهو صحيح »(2).
فالحميدي كان حافظاً لحديث يحيى، عارفاً به، فلا يروي عنه إلا ما هو مستقيم .
ومنهم: محمد بن عمرو الأنصاري(3). كان يحيى بن سعيد يضعّفه(4).
وقال ابن عدي: « أحاديثه إفرادات، ويُكتب حديثه في جملة الضعفاء»(5) .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ المعرفة والتاريخ، أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، ت: الدكتور أكرم ضياء العمري مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1981م . (2/169) .
(2) ـ تهذيب الكمال (31/369) .
(3) ـ المدني، شيخ لابن مهدي. مقبول. من السابعة. د . التقريب (ص:499) .
(4) ـ سؤالات الآجري (ص:348) .
(5) ـ الكامل في الضعفاء (6/225) .
حدثنا أحمد بن محمد قال: قلت لأبي عبد الله: محمد بن عمرو أبو سهل، كيف هو؟ قال: « كان عبد الرحمن يحدث عنه، ويحيى بن سعيد لم يكن يستمرئه، ولم أرَ أبا عبد الله يشتهيه »(1) .
قلت: حدث عنه عبد الرحمن بن مهدي لأنه يعرف حديثه تماماً، كيف لا، وهو شيخ له، فلا يحدث إلا بما كان على الصواب من حديثه، وابن مهدي ـ كما هو معروف ـ من أئمة الجرح والتعديل، وأهل الخبرة والحذق في هذا الفن . قال الحافظ الذهبي: « وكان عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطّان قد انتَدَبا لنقد الرجال، وناهيك بهما جلالة ونُبلاً وعلماً وفضلاً، فمن جرحاه لا يكاد ـ والله ـ يندمل جُرحُه، ومن وثّقاه فهو الحجة المقبول،ومن اختلفا فيه اجتُهِد في أمره،ونزل عن درجة الصحيح إلى الحسن، وقد وثّقا خلقاً كثيراً، وضعّفا آخرين »(2) .
كذلك: زيد بن الحَوَارِي(3) . ضعّفه ابن معين والنسائي، وقال الحافظ الجوزَجاني: « متماسك » وقال أبو حاتم: « ضعيف الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج ّبه »(4).(1/218)
وقد حدث عنه شعبة والثوري. وقال ابن عدي: « وعامة ما يرويه، ومن يروي عنه ضعفاء، هُوَ، وهُمْ، على أن شعبة قد روى عنه كما ذكرتُ، ولعل شعبة لم يرو عن أضعفَ منه »(5) .
فرواية هؤلاء الحفاظ عن الضعفاء محمولة على انتقاء ما صحّ من حديثهم .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ ضعفاء العقيلي (4/110) .
(2) ـ ذكر من يُعتَمَد قوله في الجرح والتعديل، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ضمن أربع رسائل في علوم الحديث، عناية: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر، بيروت، ط6/1999م .(ص:181).
(3) ـ العَمّي البصري، قاضي هراة. ضعيف. من الخامسة . التقريب(ص:223) .
(4) ـ تهذيب الكمال (10/58 ـ 59) .
(5) ـ الكامل في الضعفاء (3/201) .
المطلب الثالث: رواية سيء الحفظ عمن عرف بضبطه لحديثه
تكلمنا سابقاً عن صنف من الرواة هم ثقات في أنفسهم، إلا أن أحاديثهم عن بعض الشيوخ فيها ضعف؛ لكونهم لم يضبطوا أحاديث أولئك الشيوخ كما ضبطوا أحاديث غيرهم، وحدّثوا عنهم، فوقعت منهم الأوهام والأغلاط، ووصفهم الأئمة بالضعف، أو الاضطراب، أو سوء الحفظ .
وعلى العكس من ذلك، هناك جماعة من الرواة تُكُلّم في حفظهم، إلا أنهم متثبتون في بعض الشيوخ، متقنون لحديثهم؛ فإذا ما روى أحدهم حديثاً عن شيخه الذي ضبط حديثه، قبل منه، ولم يُضعّف فيه لسوء حفظه .
من هؤلاء: هشام بن سليمان(1) . قال عبد الرحمن: « سألت أبي عن هشام بن سليمان هذا، فقال: مضطرب الحديث، ومحله الصدق، ما أرى به بأساً »(2).
وقال العقيلي: « في حديثه عن غير ابن جريج وهم »(3) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ ابن عكرمة المخزومي المكي، مقبول، من الثامنة. خت م ق . التقريب (ص:572) .
(2) ـ الجرح والتعديل(9/62) .
(3) ـ ضعفاء العقيلي(4/338) .
قلت: وهذا يعني أن هشاماً متقن لحديث عبد الملك بن جريج، متثبت فيه، تقع منه الأغلاط والأوهام إذا حدث عن غيره، واضطرابه في غيرابن جريج من الشيوخ دليل على سوء حفظه .(1/219)
ومما وهم فيه هشام، قال: حدثني سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ حجّ البيت أو اعتمر، ولم يفسق ولم يرفث، كان كَمَنْ ولدَتْه أمّه )) .
قال: « ورواه الناس عن الثوري، وغيره عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب »(1) .
ومنهم أيضاً: يحيى بن سُليم(2) . قال يحيى بن معين: « ثقة ».
وقال عبد الرحمن: سمعت أبي ـ وسئل عن يحيى بن سليم ـ فقال: « شيخ محلّه الصدق، ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه، ولا يحتج به »(3) .
وقال النسائي: « ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو ».
وقال الدارقطني: « سيء الحفظ » (4) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ ضعفاء العقيلي(4/338) . والحديث متفق عليه: أخرجه البخاري في الحج، باب قول الله تعالى: { فَلاَ رَفَثَ } . ]البقرة:197] . رقم(1723)، (2/645) .
ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج، والعمرة، ويوم عرفة، رقم(438)،(2/983) . ومنصور: هو ابن المعتمر. وأبو حازم هو: سلمان الأشجعي الكوفي .
(2) ـ الطائفي، نزيل مكة، صدوق سيء الحفظ، من التاسعة. مات سنة ثلاث وتسعين، أو بعدها. ع . التقريب(ص:591) .
(3) ـ الجرح والتعديل (9/156) .
(4) ـ تهذيب التهذيب (11/198) .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: « يحيى بن سليم كذا وكذا، والله إن حديثه يعني فيه شيء، وكأنه لم يَحْمَده » .
قلت: كلام الإمام أحمد فيه دلالة على تليين يحيى، وأنه لا يرتضيه، لكن جاء في رواية عنه أنه ثقة في روايته عن عبدالله بن خُثيم(1)، ثبت فيه .
قال ـ رحمه الله ـ : « كان قد أتقن حديث ابن خثيم. كانت عنده في كتاب، فقلنا له: أعطنا كتابك. فقال: أعطوني مصحفاً رهناً. قلنا: من أين لنا مصحف، ونحن غرباء »(2) .
فإذا حدّث عن ابن خثيم فإنه يقبل حديثه؛ لضبطه له، ولا يُعَلّ تفرّده بسوء حفظه وكثرة خطئه ووهمه .(1/220)
كذلك نَجيح بن عبد الرحمن السندي(3). حدث ابن مهدي، والثوري، وغيرهم من الحفاظ. ثنا عمرو بن علي قال: « كان يحيى لا يحدث عن أبى معشر المديني ويستضعفه جداً، ويضحك إذا ذكره، وكان عبد الرحمن يحدث عنه » .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ عبد الله بن عثمان بن خثيم؛ بالمعجمة، والمثلثة مصغراً. القاري المكي، أبو عثمان صدوق، من الخامسة. مات سنة اثنتين وثلاثين. خت م4 . التقريب(ص:313) .
(2) ـ العلل ومعرفة الرجال، رقم (3150)، (2/480) .
(3) ـ المدني، أبو معشر، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته. ضعيف. من السادسة. أسن واختلط. مات سنة سبعين ومائة، ويقال: كان اسمه: عبد الرحمن بن الوليد بن هلال. تقريب التهذيب (ص:559).
وقال البخاري: « نجيح أبو معشر يخالف في أحاديثه »(1) .
وقال الحافظ ابن عدي: « وأبو معشر هذا: له من الحديث غير ما ذكرت، وقد حدّث عنه الثوري، وهُشَيم، والليث بن سعد، وغيرهم من الثقات، وهو مع ضعفه يكتب حديثه »(2). وقال ابن مهدي: « كان أبو معشر المدني تعرف منه، وتنكر »(3) .
إلا أن نجيحاً كان ثبتاً في محمد بن كعب القرظي(4)، وقد أتقن أحاديثه في التفسير فما رواه عنه فإنه يُقبل منه .
قال الإمام أحمد: « يُكتب من حديث أبي معشر أحاديثه عن محمد بن كعب في التفسير »(5) .
وقال ابن معين: « يكتب حديثه مما روى عن محمد بن قيس، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن مشايخه، وأما ما روى عن المقبري، وعن نافع، وهشام، فهو فيه ضعيف، فلا يكتب » .
وعنه أيضاً: « اكتبوا عن أبي معشر حديث محمد بن كعب في التفسير، وأما أحاديث نافع وغيرها، فليس بشيء، التفسير حسن »(6) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ الكامل في الضعفاء (7/52) .
(2) ـ المصدر السابق (7/55) .
(3) ـ المجروحين (3/60) .(1/221)
قلت: وهذا التطبيق يصلح أن يكون مثالاً أيضاً للمطلب الثاني، حيث إن نجيح بن عبد الرحمن مع ضعفه قد حدث عنه بعض الحفاظ؛ لمعرفتهم بحديثه، فهم إنما يحدثون عنه عن بصيرة. وقول ابن مهدي فيه يبين أنه تارة يحدث بالمعروف، وأخرى يأتي بالمناكير، ولولا سبر ابن مهدي لأحاديثه وعرضها على روايات الثقات لما قال هذا .
(4) ـ أبو حمزة القُرَظي المدني، ثقة عالم، من الثالثة، ولد سنة أربعين على الصحيح، ووهم من قال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فقد قال البخاري: إن أباه كان ممن لم ينبت من سبي قريظة. مات محمد سنة عشرين، وقيل قبل ذلك. ع . التقريب (ص:504).
(5) ـ تهذيب التهذيب ( 10/375) .
(6) ـ شرح علل الترمذي (2/658) .
ومن هؤلاء أيضاً: عبد المجيد بن عبد العزيز(1).
قال ابن معين: « ثقة ليس به بأس ».
وقال عبد الرحمن سألت أبي عنه، فقال: « ليس بالقوي، يكتب حديثه كان الحميدي يتكلّم فيه »(2) .
وقال ابن حبان: « منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك، وقد نقل عنه أنه هو الذي أدخل أباه في الإرجاء(3) »(4) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ ابن أبي رَوَّاد بفتح الراء وتشديد الواو، صدوق يخطىء، وكان مرجئاً. أفرط ابن حبان فقال: متروك. من التاسعة. مات سنة ست ومائتين. م 4 . التقريب (ص:361) .
(2) ـ الجرح والتعديل (6/64) .
(3) ـ الإرجاء في اللغة: هو التأخير. وإنما سموا مرجئة؛ لأنهم يؤخرون العمل عن الإيمان على معنى أنهم يقولون: لا تضر المعصية مع الإيمان: كما لا تنفع الطاعة مع الكفر. وهؤلاء افترقوا خمس فرق: اليونسية، والغَسَّانية، والتّومنية، والثَّوبانية، والمَريسية .
التبصير في الدين، وتمييز الفرقة النجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الإسفراييني، ت: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، ط1/1983م. (ص:97) .(1/222)
وليس المقصود من الإرجاء الذي وصف به عدد من الرواة ـ كما يقول أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ـ هذا المذهب الخبيث أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان بل كان إرجاؤهم أنهم يرجون لأهل الكبائر الغفران رداً على الخوارج وغيرهم الذين يكفّرون الناس بالذنوب، وكانوا يرجئون ولا يكفرون بالذنوب ونحن كذلك . سمعت وكيع بن الجراح يقول: سمعت سفيان الثوري يقول في آخر أمره: نحن نرجو لجميع أهل الكبائر الذين يدينون ديننا ويصلون صلاتنا وإن عملوا أي عمل . تهذيب الكمال (2/112) .
(4) ـ المجروحين (2/160) . وكما قال ابن حجر، فقد أفحش ابن حبان القول فيه .
وعلى ما فيه من ضعف، فقد كان متثبتاً في حديث عبد الملك بن جريج، من أعلم الناس فيه.
قال عباس(1) عن يحيى بن معين: « ابن علية عرض كتب ابن جريج على عبد المجيد بن أبي روّاد فأصلحها له. قال: فقلت ليحيى: ما كنت أظن أن عبد المجيد هكذا. قال يحيى: كان أعلم الناس بحديث ابن جريج، ولكن لم يكن يبذل نفسه للحديث »(2) .
وغير ما ذكرت من الأمثلة كثير لمن استقرأ واستقصى في كتب الرجال، مما يدل على عظيم جهد المحدثين في تتبع أحوال الرواة، ومواطن تثبتهم وضعفهم(3) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ عباس بن محمد بن حاتم الدُّورِي أبو الفضل البغدادي، خُوَارِزْمِيّ الأصل، ثقة حافظ من الحادية عشرة. مات سنة إحدى وسبعين. 4 . التقريب (ص:294) .
(2) ـ تهذيب الكمال (18/273) .
(3) ـ يمكن أن نذكر هنا أبا معاوية الضرير محمد بن خازم، فإنه كان ثبتاً في حديث الأعمش مضطرباً في غيره لا يحفظ جيداً، كما ذكر الإمام أحمد. انظر:العلل (2/374)، وكان شعبة يقعده إلى جانبه، ويحدث أهل خراسان عن الأعمش، ويَسْتَثْبِتُه. تاريخ بغداد(5/242) . من كبار التاسعة، مات سنة خمس وتسعين، وقد رمي بالإرجاء . ع . التقريب (ص:475) .
خاتمة الفصل(1/223)
بعد الانتهاء من هذا الفصل، نستطيع أن ندوّن النتائج الآتي ذكرها:
1ـ تقوية الحديث بتعدد طرقه مما اتفق عليه المحدثون قديماً وحديثاً إذا كان مردّ الضعف في رواته إلى الحفظ والضبط، ولم يخالف في هذه المسألة إلا بعض من لا يُعتدّ برأيه من المعاصرين .
2ـ حديث سيء الحفظ، ونحوه قابل للاعتضاد بغيره، والارتقاء إلى مرتبة الحسن لغيره، بشرط أن يكون العاضد فوق المعضود، أو مثله، وجاءت نصوص كثيرة للأئمة بخصوص هذه المسألة .
3ـ الحسن لغيره ضعيف في أصله؛ إذ لو أخذنا كل طريق من طرقه قبل الاعتضاد لكانت ضعيفة، وحسنه إنما جاء من المجموع، فاكتسب صلاحية للاحتجاج به عند المحدثين .
4ـ إذا انفرد سيء الحفظ بحديث لا يقبل منه حتى ننظر: هل شاركه أحد في رواية هذا الحديث أم لا ؟ لكن هناك أحوال خاصة تم استنتاجها من أحوال الرواة تقضي بقبول رواية سيء الحفظ من دون أن نطبق عليها القاعدة السابقة .
5ـ قبول رواية سيء الحفظ إذا روى من أصل كتابه الصحيح، أو روى عنه إمام حافظ حاذق عارف بحديثه؛ لأنه لا يروي عنه إلا ما حدّث به على الصواب، أو كان سيء الحفظ متثبتاً في شيخ ضابطاً لحديثه.
ا.هـ
الفصل السادس
سيء الحفظ في ميزان الجرح والتعديل
فيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: علم الجرح والتعديل عند المحدثين
المبحث الثاني: مراتب الجرح
المبحث الثالث: الاعتبار برواية سيء الحفظ
المبحث الأول
علم الجرح والتعديل عند المحدثين
فيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: تعريف علم الجرح والتعديل، وبيان نشأته
المطلب الثاني: أدلة مشروعية الجرح والتعديل
المطلب الثالث: أهمية علم الجرح والتعديل
علم الجرح والتعديل عند المحدثين
إن علم مصطلح الحديث في حقيقته ليس علماً واحداً، وإنما هو علم يشتمل على عدة علوم وفنون، كل علم منها فيه من القواعد، والضوابط ما يكفي لحراسة هذا الدين، والحفاظ على سنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة، والتسليم .(1/224)
ومن بين هذه العلوم التي تضمنها علم مصطلح الحديث ـ أو بالأحرى علوم مصطلح الحديث ـ: علم الجرح والتعديل، والذي تفرّد المحدثون بوضع قواعده وشروطه، وآدابه، وأحكامه عامة، ويشهد لهم بهذا الفضل، ويعترف بهذا السبق القاصي والداني، والعدو والصديق، فلتهنأ نفوس المحدثين، ولْتَطِبْ خواطرهم بما قعّدوه، وصنّفوه(1) .
ولا يتقولنّ قائل: إنه لا حاجة لعلم الجرح والتعديل؛ لأنه غيبة، أو: من الذي نصّب هؤلاء المحدثين حكّاماً، وقضاة على رواة الحديث يقضون فيهم برأيهم ويقبلون، ويردون بمزاجهم؟ لا، فالغيبة أن تتكلم عن إنسان بقصد الانتقاص منه لغرض سيء، ومأرب خسيس في نفسك، أما كلام الأئمة ـ أهل الاختصاص ـ في الرواة؛ إنما هو لبيان حالهم، وهل هم أهل لأن يؤخذ عنهم أشرف مصدر، وأعظم منبع بعد القرآن، وهو حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أم لا؟ ولولا ذلك لوجد الدجّالون والدسّاسون مرتعاً خصباً، ومجالاً رحباً للعبث بحديث من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .
وأما عن الدعوى الثانية: فإن التقوى التي كان عليها الأئمة النقاد، والأمانة التي كانوا يتمتعون بها، تحجزهم عن القول بما لا يعلمون، وضبط أقوالهم وأفعالهم فيما يجرحون، أو يعدّلون. ونظرة واحدة في تأصيلهم وتطبيقهم، تعرّفك الحقيقة وتعطيك النتيجة . ولنبدأ بدراسة بعض الأمور المتعلقة بهذا العلم، بدءاً من التعريف والنشأة، والأهمية، وأدلة المشروعية، وبيان مراتب الجرح وصولاً إلى ما يتعلق بمرتبة سيء الحفظ بين هذه المراتب، والله المستعان، ونعم الوكيل .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ سوف يأتي مزيد بيان وتفصيل، في بيان نشأة علم الجرح والتعديل .
المطلب الأول: تعريف علم الجرح والتعديل، وبيان نشأته
تعريف الجرح لغة: مشتق من جرحه يجرحه جَرْحاً، بمعنى أثّر فيه بالسلاح والجراحة: اسم الضربة، أو الطعنة. ويقال: جرح الحاكمُ الشاهدَ إذا عثر منه على ما تسقط به عدالته؛ من كذبٍ، وغيره (1) .(1/225)
وجرحه بلسانه جَرْحاً: عابه وتنقّصه. وجرح، واجترح: عمل بيده، واكتسب(2). قال تعالى: { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } .] الأنعام:60].
وقال في آية أخرى: { أَمْ حَسِبَ الَّّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ } .] الجاثية:21[.
أي اكتسبوا المعاصي و الآثام(3).
أما الجرح في اصطلاح المحدثين: الطعن في رواة الحديث بما يسلب عدالتهم، أو ضبطهم(4) . وعُرِّف أيضاً بأنه: وصف متى التحق بالراوي، والشاهد سقط الاعتبار بقوله، وبطل العمل به(5) .
تعريف التعديل لغة: مصدر للفعل عدّل. يقال: عدّل الحكم تعديلاً: أقامه. وعدّل فلاناً: زكّاه(6). والعَدْل: ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم، وهو ضِدُّ الجَوْر. والعدل من الناس: المرضِيُّ قوله وحكمه(7) .
أما التعديل في اصطلاح المحدثين فهو: وصف متى التحق بالراوي والشاهد اعتبر قولهما وأخذ به(8) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ لسان العرب (2/ 422) .
(2) ـ المصباح المنير (1/95) .
(3) ـ صفوة التفاسير، محمد علي الصابوني، دار القرآن الكريم، بيروت، ط2/1981م.(3/186).
(4) ـ انظر: أصول الجرح والتعديل(ص:7)
(5) ـ جامع الأصول، ابن الأثير الجزري، (1/126)
(6) ـ القاموس المحيط (1/1332) .
(7) ـ لسان العرب(11/430) .
(8) ـ جامع الأصول (1/126) .
وعُرّف أيضاً بأنه: تزكية الراوي بأنه عدل، أو ضابط(1) .
وفي التعريف الأول لكلٍ من الجرح والتعديل ـ تعريف ابن الأثير ـ نوع تساهل والتعريف الثاني أولى؛ لأنه بيان للحقيقة(2) .
أما علم الجرح والتعديل فهو: « علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ، وهذا العلم من فروع علم رجال الأحاديث»(3).
وعلم الجرح والتعديل فيه اقتران بين مصطلحين اثنين، وكل مصطلح له مسائله الخاصة به، وأحكامه المترتبة عليه.(1/226)
يقول أبو عبدالله الحاكم النيسابوري: « هذا النوع من علم الحديث معرفة الجرح والتعديل، وهما في الأصل نوعان؛ كل نوع منهما علم برأسه، وهو ثمرة هذا العلم والمرقاة الكبيرة منه ... »(4) .
يقول أستاذنا الدكتور عماد الدين الرشيد: « وسبب إقرانهما أنهما متقابلان متضادان... »(5). إذ الجرح طعن وقدح ، والتعديل تزكية ومدح .
نشأ علم الجرح والتعديل، أو سمّه علم نقد الرجال ـ إن شئت ـ مع نشأة الرواية، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هم أول من تثبت في الأخبار، واحتاط في قبولها، وقد وردت عنهم أخبار وآثار دالة على ذلك، أذكر بعضها للتمثيل:
عن قبيصة بن ذؤيب قال:(( جَاءَتْ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأنْصَارِيُّ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَهُ...
ــــــــــــــــــ
(1) ـ أصول الجرح والتعديل (ص:7) .
(2) ـ انظر: المصدر السابق (7 ـ 8) .
(3) ـ أبجد العلوم (2/211) .
(4) ـ معرفة علوم الحديث، النوع الثامن عشر: معرفة الجرح والتعديل (ص:99) .
(5) ـ نظرية نقد الرجال (ص:74) .(1/227)
لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلا لِغَيْرِكِ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا، وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا ))(1).
وهذه الحادثة فيها دلالة صريحة على تثبت سيدنا أبي بكر في قبول الأخبار، وعدم اكتفائه براو واحد زيادة في الاستيثاق .
وكذلك فعل سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ اسْتَأْذَنْتُ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ). فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لا يَقُومُ مَعَكَ إِلا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ(2).(1/228)
وأخرج مسلم عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا فَعَادَ لَهُ ثُمَّ حَدَّثَهُ فَقَالَ لَهُ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا فَعَادَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَأَنْكَرْتَ هَذَا؟ أَمْ...
.ـــــــــــــــــــ
(1) ـ أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، رقم(1076)، (2/513)، وأخرجه أيضاً أصحاب السنن:
أبو داود في كتاب الفرائض، باب في ميراث الجدة، رقم(2894)، (2/136) .
والترمذي في كتاب الفرائض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ميراث الجدة رقم(2100)، (4/420). قال أبو عيسى: وفي الباب عن بريدة، وهذا أحسن، وهو أصح من حديث ابن عيينة. والنسائي في الفرائض، باب ذكر الأجداد والجدات، ومقادير نصيبهم، رقم(6339)، ( 4/73) .
وابن ماجه في كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، رقم(27024)، (2/909) .
(2) ـ أخرجه البخاري في كتاب الاسئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثاً، رقم(5891)، (5/2305) . ومسلم في الآداب، باب الاستئذان، رقم(2153)، (3/1694) .
أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَعَرَفْتَ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ(1) .
ثم تكلّم جيل التابعين في الرجال، ولكنّ ذلك لم يكن كثيراً؛ لقرب العهد برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يعرفون الكذب آنذاك .(1/229)
قال محمد بن سيرين: « لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم »(2). وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: « إنما سئل عن الإسناد أيام المختار »(3) .
وقال يعقوب: « قلت لعلي ـ ابن المديني ـ : فمالك بن أنس؟ فقال: أخبرني سفيان ابن عيينة قال: ما كان أشد انتقاء مالك للرجال » (4) .
ويشنّع الإمام أبو عيسى الترمذي على من عاب على المحدثين التكلم في الرجال ويبين جواز ذلك، فيقول: « وقد عاب بعض من لا يفهم على أصحاب الحديث الكلام في الرجال، وقد وجدنا غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجال: منهم: الحسن البصري، وطاوس قد تكلما في معبد الجهني، وتكلم سعيد بن جبير في طَلْق بن حبيب، وتكلم إبراهيم النخعي، وعامر الشعبي في الحارث الأعور... وغيرهم من أهل العلم أنهم تكلموا في الرجال وضعفوا فما حملهم على ذلك عندناـ والله أعلم ـ إلا النصيحة للمسلمين... » .
قال الحافظ ابن رجب: « مقصود الترمذي رحمه الله أن يبين أن الكلام في الجرح..
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي، في النهي عن الرواية عن الضعفاء، والاحتياط في تحمّلها. وأصل الصعب والذلول في الإبل، فالصعب: العسر المرغوب عنه، والذلول: السهل الطيب المحبوب المرغوب فيه، فالمعنى: سلك الناس كل مسلك مما يُحمد ويُذم . (1/80) .
(2) ـ المصدر السابق ( 1/84) .
(3) ـ العلل ومعرفة الرجال، رقم(5673) ، (3/380) .
(4) ـ شرح علل الترمذي (1/52) .
والتعديل جائز قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله»(1) .(1/230)
وهناك كلام أصيل جميل للحافظ الذهبي عن نشأة علم الجرح والتعديل، وأول من جرح وعدّل. يقول ـ رحمه الله ـ : « فأول من زكى وجرح عند انقضاء عصر الصحابة: الشعبي، وابن سيرين، ونحوهما، وحفظ عنهم توثيق أناس وتضعيف آخرين...... فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين ومائة، تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف، كالأعمش، وشعبة بن الحجاج، ومالك بن أنس »(2) .
وهكذا نجد أن التثبت في الرواية والرواة، والتكلم في الرجال قد بدأ مبكراً منذ عصر الصحابة، ومن بعدهم من التابعين، ومَن بعدهم حتى وُضعت قواعد هذا العلم، وانتهى الكلام في الرجال جرحاً وتعديلاً، وأصبح الاعتماد على ماهو مدوّن ومكتوب، فجزى الله الأئمة النقاد خير الجزاء، جرحوا وعدّلوا، وتكلّموا في الرجال حفظاً لهذا الدين، وذباً عن سنة سيد المرسلين، محتسبين أجرهم عند ربّ العالمين .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ شرح علل الترمذي (1/43 ـ 44) .
(2) ـ انظر: ذكر من يُعتَمَد قوله في الجرح والتعديل ( ص:172 ـ 175) .
المطلب الثاني: أدلة مشروعية الجرح والتعديل
سبق أن ذكرنا أنّ الجرح والتعديل، والكلام في الرواة ـ لأجل الاحتياط في الدين ـ جائز بإجماع السلف والخلف، وقد جاءت آيات كثيرة، وأحاديث شريفة تبيّن مشروعية هذا العمل .
قال تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ } . ]الفتح:29] .
وقال تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه } .] الطلاق:2[. وقال في آية أخرى: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } .] المائدة:95[ .
فالآية الأولى تضمنت الثناء على الصحابة، والشهادة لهم بالصدق والفلاح(1) .(1/231)
وهذه ترقية وتزكية من رب العالمين، وهي على خصوصيتها فيها ردّ على الذين يطعنون في عدالة الصحابة جميعاً، أو يحاولون الانتقاص من قدر بعضهم كما نرى عند بعض الطوائف في الماضي والحاضر .
وأما الآيتان الثانية والثالثة ففيهما يطلب الله تعالى العدالة والرضى في الشهود؛ إذ غير العدل لا تقبل شهادته، وإنما تقبل شهادة المرضي في دينه وخلقه .
وطلب العدل المرضي في نقل حديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم والذي يعتبر مصدراً ثانياً للتشريع بعد القرآن ـ، أهم وأولى من أن يُطلَب في الشهادة بين الناس في معاملاتهم .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط/1985م (16/292) .
وقد لا أكون مخطئاً إذا قلت: إنّ بوادر علم الجرح والتعديل قد بدأت بشكل غير مباشر من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقلت: بشكل غير مباشر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقابل أحداً بما يكره، ولو بكلمة، كما أنه لم يكن يخص أحداً بذمٍّ ولو كان يسيراً، وإنما اتخذ التعميم طريقاً للتعليم .
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة، أو بئس رجل العشيرة، فلما دخل، ألان له القول )). قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! قلتَ له الذي قلتَ، ثم أَلَنْتَ له القول؟ قال: (( يا عائشة، إن شرّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من وَدَعَه الناس، أو تركه الناس اتقاء فُحْشِه )) .
وفي رواية أخرى، قال: (( بئس أخو القوم وابن العشيرة )). وفي رواية أخرى: (( فبئس ابن العشيرة، أو بئس أخو العشيرة ))(1) .
قال ابن رجب: وكذلك يجوز ذكر العيب إذا كان فيه مصلحة خاصة كمن يستشير في نكاح أو معاملة. (2)(1/232)
ثم ذكر قصة فاطمة بنت قيس أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم خطباها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد قالت: فكرهتُه، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحتُه فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت به(3) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ أخرجه البخاري في الأدب، باب لم يكن النبي فاحشاً ولا متفحشاً، رقم(5685)،(5/2244) . وأخرجه أيضاً في باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، رقم(5707)، (5/2250) . وفي باب المداراة مع الناس، رقم(5780)،(5/2271) .
ومسلم في كتاب البر والآداب والصلة، باب مداراة من يتقي فحشه، رقم(2591)،(4/2002).
وإنما توسعت في تخريجه لأن الأبواب التي ذكره فيها البخاري، فيها إشارة إلى جواز الكلام في الرجال ومدحهم أو قدحهم، لكن رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يكن يتوسع في هذا .
(2) ـ شرح علل الترمذي (1/45) .
(3) ـ أخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب المطلّقة ثلاثاً، رقم( 1480)، (2/1114) .
ووجه الدلالة من الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصح لفاطمة بنت قيس، فذكر لها عيب أبي جَهْم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه(1)، وعيب معاوية أنه فقير لا مال له، ولا متاع، وذلك لما فيه من المصلحة الدنيوية، وإذا كان الأمر كذلك، فمصلحة الدين أولى وأعلى. ولهذا كان شعبة يقول: « تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة »(2) .
وعَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ إسماعيل ابْنِ عُلَيَّةَ فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبْتٍ. قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: اغْتَبْتَهُ. قَالَ إِسْمَاعِيل:ُ مَا اغْتَابَهُ، وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ »(3) .(1/233)
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: « قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: إِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالَهُ، وَإِذَا حَدَّثَ جَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَتَرَى أَنْ أَقُولَ لِلنَّاسِ لا تَأْخُذُوا عَنْهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ: بَلَى. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَكُنْتُ إِذَا كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ ذُكِرَ فِيهِ عَبَّادٌ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَأَقُولُ: لا تَأْخُذُوا عَنْهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أيضا: انْتَهَيْتُ إِلَى شُعْبَةَ، فَقَالَ: هَذَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ فَاحْذَرُوهُ »(4) .
فالرجل صالح، إلا أن بضاعته في الحديث مزجاة، فيُذكر في دينه وصلاحه بخير، ولا يؤخذ الحديث عنه، وما أكثر الرواة الذين تكلم الأئمة في حفظهم وضبطهم، وأثنوا على صلاحهم وعبادتهم . وقال ابن المبارك: « بقيّة صدوق اللسان، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر »(5) . وأرى أن أنقل هنا كلمة الإمام مسلم في بيان مشروعية الجرح والتعديل، فإنها من الأهمية بمكان .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ إما أنه كثير الأسفار، أوأنه كثير الضرب للنساء، وهذا أصح. انظر: الموضع السابق .
(2) ـ أي نتكلم في الجرح والتعديل . شرح علل الترمذي (1/45) .
(3) ـ مقدمة صحيح مسلم، باب في الكشف عن معايب الرواة (1/92) .
قلت: ذكر الإمام النووي رحمه الله في بيان ما يُباح من الغيبة عدة أمور، منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين بل واجب للحاجة . رياض الصالحين من كلام سيّد المرسلين، يحيى بن شرف النووي، دار العربية، بيروت . (ص:374) .
(4) ـ مقدمة صحيح مسلم (1/94) .
(5) ـ مقدمة صحيح مسلم ( 1/97) .(1/234)
قال: « وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمْ الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِي الأخْبَارِ وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلُوا لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ؛ إِذْ الأخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأمَانَةِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ، كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ؛ إِذْ لا يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا، وَلَعَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ لا أَصْلَ لَهَا مَعَ أَنَّ الأخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى نَقْلِ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلا مَقْنَعٍ وَلا أَحْسِبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ مِنْ النَّاسِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الأحَادِيثِ الضِّعَافِ وَالأسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ وَيَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ، إِلا أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَتِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَوَامِّ، وَلِأَنْ يُقَالَ مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلانٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَأَلَّفَ مِنْ الْعَدَدِ، وَمَنْ ذَهَبَ فِي الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلا نَصِيبَ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلًا أَوْلَى مَنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عِلْمٍ »(1).(1/235)
قال الحافظ ابن حبّان: « فهؤلاء الأئمة المسلمون، وأهل الورع في الدين أباحوا القدح في المحدثين، وبينوا الضعفاء والمتروكين، وبينوا أن السكوت عنه ليس مما يحل، وأن إبداءه أفضل من الإغضاء عنه، وقدمهم فيه أئمة قبلهم، ذكروا بعضه وحثوا على أخذ العلم من أهله »(2) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ مقدمة صحيح مسلم ( 1/123 ـ 127) .
(2) ـ مقدمة كتاب المجروحين (1/21) .
المطلب الثالث: أهمية علم الجرح والتعديل
إن علم الجرح والتعديل هو أحَدُ أنواع العلوم المتعلقة بالرواة؛ إذ بواسطته قضى النقاد على كل راو بما يستحقه من الوصف ... وأمكن من خلاله الوقوف على صحيح الحديث من ضعيفه(1) .
وباختصار شديد أقول: إن الغرض والمقصد الأساسي من علم الجرح والتعديل والذي تكلّف الأئمة النقاد من أجله المشقة والعناء، وأجهدوا أنفسهم صباح مساء، إنما هو: حفظ سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
إذاً: فعلم الجرح والتعديل شريف نبيل، وإنما استمد شرفه من ثمرته، والشيء يشرف بشرف متعلقه، فأسعِدْ به من علم، وأكرِمْ به من فنّ .
إن تتبّع الرواة، ومعرفة أحوالهم في حلّهم وترحالهم، وما كانوا عليه من الصدق والكذب، والعدالة والضبط، والحفظ وسوء الحفظ من أوجب الواجبات وأهمّ المهمات لحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعرف الناس حقيقة أمر من نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمة، فتطمئن القلوب، وتسكن النفوس، وتزداد الثقة بمصداقية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ـ دراسات في منهج النقد عند المحدثين (ص:24) .
ولأبسط القول قليلاً في بيان أهمية هذا العلم العظيم:
1ـ تتجلى أهمية علم الجرح والتعديل في كونه الواسطة الناجحة، والدّالّة الواضحة التي يمكن من خلالها الاهتداء إلى معرفة المقبول والمدخول، والمكذوب والمنقول والغريب والمعقول من أحاديث الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام.(1/236)
فعلم الجرح والتعديل بمثابة الغربال الذي يلقي بالضعيف والسفيف، ويحتفظ بالسمين والظريف بقصد الانتفاع به، والإفادة منه. كذلك معرفة المقبول من الروايات يترتب عليها العمل بها، ومعرفة المردود منها قاضٍ بتركها.
والمقبول: ما رَجَحَ صدق المخبِرِ به. والمردود: ما رجَحَ كذب المخبِر به(1) .
ولا بأس أن أستشهد هنا بقول الإمام الجِهبِذ ابن أبي حاتم ـ وإن كنت قد ذكرته سابقاً ـ فإنه صريح في بيان أهمية نقد الرواة، والتنقيب عن أحوالهم، يقول: « فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شيءٍ من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميّز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم، وأهل الحفظ والثبت والإتقان، وبين أهل الغفلة، والوهم، وسوء الحفظ، والكذب، واختراع الأحاديث الكاذبة. ولمّا كان الدين هذا الذي جاءنا من الله عزّ وجلّ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلّم بنقل الرواة حقّ علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة، والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة، والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى، وحفظ للحديث... »(2) .
ـــــــــــــــ
(1) ـ قواعد في علوم الحديث، ظَفَر أحمد العثماني التَّهَانَوي، تحقيق وتعليق: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار القلم، بيروت، ط3/1972م، (ص:33) .
(2) ـ الجرح والتعديل (1/5) .
قلت: مفهوم كلام ابن أبي حاتم: أنّ تبليغ الدين عن طريق النقل، والنقل يؤخذ عن الرجال، وإذا لم تُعرف أحوالهم، وتُتَقَصّى أخبارهم، فكيف نتلقى عنهم، ونأخذ منهم لنبلّغ بدورنا عنهم؛ لذا كان السؤال عنهم واجباً، والبحث في أحوالهم لازماً .(1/237)
ويقول أبوعبدالله الحاكم: « لولا الإسناد، وطلب هذه الأمة له، وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرّت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتْراً »(1) .
2ـ وتبرز أهمية هذا العلم أيضاً في كونه موسوعة تاريخية قيّمة لا تُقدّر بثمن ضمّت بين طيّاتها جهابذة أبطالاً، وأفذاذاً أبدالاً، عرّفتنا بأحوالهم، وحفظت لنا تاريخ حياتهم. والأمم تفخر برجالها، وتضرب المثل بأبطالها.
ومن الحق على أمة محمد أن تفخر بمحدثيها الذين بذلوا جهوداً جبّارة، وقطعوا فراسخ وأميالاً من أجل التثبّت والسماع، أو الرواية والإسماع .
وحسبنا دليلاً كافياً، وبياناً شافياً كتاب الحافظ الخطيب البغدادي: الرّحلة في طلب الحديث. ومن طالعه يجد العجب العُجاب فيما كان عليه هؤلاء الأنجاب .
ـــــــــــــــــــ
(1) ـ معرفة علوم الحديث في النوع الأول: معرفة عالي الإسناد (ص:40) .
قال عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم: بلغني أن إبراهيم بن أدهم قال: « إن الله تعالى يرفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث » .
وقال زكريا بن عَدي: « رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في طلب الحديث »(1) .
قال الإمام أحمد: « لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه؛ رحل إلى اليمن، وإلى مصر، وإلى الشام، والبصرة، والكوفة، وكان من رواة العلم، وأهل ذلك، كتب عن الصغار والكبار » .
وعن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: « كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه، فأول ما أفتقد منه صلاته، فإن أجده يقيمها، أقمت، وسمعت منه، وإن أجده يضيعها، رجعت، ولم أسمع منه، وقلت: هو لغير الصلاة أضيع »(2) .
قلت: ما نقلته عن الخطيب ـ رحمه الله ـ غيض من فيض، وزهرة من روض في بيان همم أهل الحديث، وتقدمهم في الرحلة والسماع .
ـــــــــــــــــــــ
((1/238)
1) ـ الرحلة في طلب الحديث، أحمد بن علي(الخطيب البغدادي)، تح: د. نور الدين عتر، دار الكتب العلمية، ط1/1395هـ، (ص:89 ـ 90) .
(2) ـ المصدر السابق (ص:91 ـ 93) .
ومن الطرائف واللطائف ما جاء عن يعقوب بن سفيان الفسَوي قال: كنت في رحلتي فقَلّتْ نفقتي، فكنت أدمِنُ الكتابة ليلاً، وأقرأ نهاراً، فلما كان ذات ليلة كنت جالساً أنسخ في السراج وكان شتاءً، فنزل الماء في عيني فلم أبصر شيئاً، فبكيت على نفسي؛ لانقطاعي عن بلدي وعلى ما فاتني من العلم، فغلبتْني عيناي فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فناداني يا يعقوب: لمَ أنت بكيت؟ فقلت: يا رسول الله ذهب بصري فتحسرت على ما فاتني فقال لي: ادْنُ مني، فدنوت منه فأمَرَّ يده على عيني كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت فأبصرت فأخذت نسخي، وقعدت أكتب.
الرحلة في طلب الحديث (ص:206 ـ 207)، ونقلها الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (11/339).
أليس من الحق، والاعتراف بالجميل أن يحفظ لنا علم الجرح والتعديل سيرة أولئك الرجال الذين أرسوا قواعده، وبيّنوا ثمرته وفوائده؟ أليس من الواجب علينا أن نعرف ولو نبذاً يسيرة عن أولئك الذين حفظوا لنا الدين، وذبوا عن سنة سيد المرسلين؟ بلى كذلك .
إذاً: فعلم الجرح والتعديل يضع بين أيدينا صوراً حيّة، ويعرض لنا حياة واقعيّة ملؤها الجدّ والكدّ، ولزوم الحدّ، عاشها أولئك الأعلام، عسى ولعلّ أن نقفوَ أثرهم ونترسّم خطاهم .
3ـ بعد أن عرفنا الغرض من علم الجرح والتعديل، وهو تمييز المقبول من المردود، وكيف أن المحدثين قد وضعوا الموازين القسط لهذا الغرض، وبذلوا الجهود في سبيل ذلك من رحلة، وسهر، وبحث، وغير ذلك، تبرز أيضاً أهمية الجرح والتعديل في الأثر الذي يتركه في نفوس المسلمين، والمستشرقين، وغيرهم من الباحثين والدارسين، وهذا الأثر يتجلّى في الوثوق بمنهج المحدثين، ومصداقيته العالية، وإيجابية النتائج التي تم التوصّل إليها من خلاله .(1/239)
إن الاحتياط في الأحكام، ورفض الاحتمال والمحاباة في شأن الرواة هما الأساس في خلق هذه الثقة التي جُنّدت كل الإمكانيات لأجلها .
ما معنى أن يحكم الأئمة بالرد الأولي لرواية سيء الحفظ، مع احتمال أن يكون هذا الراوي قد حفظ وضبط، وأصاب في هذه الرواية بعينها؟ إنه الاحتياط في الدين الذي تكفّل الله بحفظه؛ بأن هيّأ لذلك أسباباً، واختار من خلقه أحباباً، فقاموا بالمهمة خير قيام، واستحقوا من المهيمن دار السلام .
المبحث الثاني
مراتب الجرح عند المحدثين مراتب الجرح عند المحدثين
إن رواة الأحاديث، ونقلة الأخبار ليسوا على درجة واحدة من العلم والفهم والعدالة والضبط؛ فبعضهم أصدق من بعض، وبعضهم أحفظ وأضبط من البعض الآخر، ومن الظلم أن نسوي بينهم في المدح أو القدح، وفي التعديل أو التجريح، بل لا بدّ أن يطلق على كل صنف من الرواة ما يناسبه من العبارات والألفاظ، وأن يُصنّف ضمن مرتبة تليق به من غير حيْف ولا ميْن .
لذلك جاءت مراتب الجرح والتعديل بعد بحث عميق، وفحص دقيق، وتتبع لأحوال الرواة. « وهذه الألفاظ أو المراتب تبين الحالة التي كان عليها الراوي، كما تشير إلى حكمه من حيث القبول أو الردّ في ميزان الجرح والتعديل »(1) .
وسوف أقتصر في هذا المبحث على بيان ألفاظ الجرح عند المحدثين، دون ذكر ألفاظ التعديل. ليس إعراضاً عنها؛ وإنما روماً للاختصارـ هذا أمرـ والأمر الآخر: بما أن الوصف بسوء الحفظ يعتبر جرحاً للراوي، وقدحاً في ضبطه، مع جواز السلامة في دينه ومعتقده، فسوف أذكر مراتب الجرح لمعرفة موقع مرتبة سيء الحفظ بين ألفاظ الجرح والتعديل .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ أصول الجرح والتعديل (ص:127) .
إن العمل النقدي للرواة قد قام على قواعد دقيقة التزموها لتحديد من يُقبل حديثه ومن يُردّ، ومن تُكتب رواياته ومن تترك، ضمن سُلّم دقيق أوصلوها إلى ست درجات للتعديل، وست درجات للتجريح .(1/240)
وقد تناولوا الراوي نفسه، ومروياته، وشيوخه، وحفظه، ونسيانه، وضبطه، وتخليطه وضعفه، وتحمُّله وأداءه، وشبابه وكهولته، ..... . التواصل بين المذاهب الإسلامية، تأصيله وتطبيقه عند المحدثين الدكتور فاروق حمادة، دار القلم، دمشق، ط1/2005م . (ص:120) .
فَجَلَوا الراوي على أحسن ما استطاعوا من تجلية وبيان، بحسب طاقة اجتهادهم، وكانوا في ذلك أمراً عجباً . لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية ط1/1984م . (ص:84) .
وإذا مابحثنا في كتب الجرح والتعديل لوجدنا أن أول من نال شرف تصنيف المراتب وترتيبها ـ إن في التعديل أو التجريح ـ الحافظ إمام النقاد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (المتوفّى سنة 326هـ) في كتابه: الجرح والتعديل؛ فإنه قد قسم مراتب التعديل إلى أربعة مراتب، وكذلك مراتب الجرح .
يقول ـ رحمه الله تعالى ـ : « وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتّى:... وإذا أجابوا في الرجل بـ " ليّن الحديث " فهو ممن يُكتب حديثه، ويُنظر فيه اعتباراً.
وإذا قالوا: " ليس بقوي " فهو بمنزلة الأولى في كتبة حديثه، إلا أنه دونه .
وإذا قالوا: " ضعيف الحديث " فهو دون الثاني لا يُطرح حديثه، بل يُعتبر به. وإذا قالوا: " متروك الحديث "، أو " ذاهب الحديث "، أو " كذّاب " فهو ساقط الحديث لا يُكتب حديثه، وهي المنزلة الرابعة »(1) .
وتبع الخطيب البغدادي ابن أبي حاتم في تقسيمه، وأورد كلامه في: معرفة ما يستعمل أصحاب الحديث من العبارات، مبتدئاً بمقدمة أذكر بعض ما جاء فيها لأهميته.
يقول: قال أبو جعفر أحمد بن سنان: « كان عبد الرحمن بن مهدى ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف ـ وهو رجل صدوق ـ، فيقول: رجل صالح الحديث » .(1/241)
وقال أحمد بن أبى خيثمة: قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس وفلان ضعيف. قال: « إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة، وإذا قلت لك: هو ضعيف فليس هو بثقة، لا يكتب حديثه »(2) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الجرح والتعديل، باب بيان درجة رواة الآثار، (2/37) .
(2) ـ الكفاية في علم الرواية (ص:22 ـ 23) .
هذه هي مراتب الجرح عند ابن أبي حاتم، وتقسيمه للمراتب هو الأول من نوعه، وكل الذين جاؤوا من بعده عيال عليه، كالشيخ ابن الصلاح(1)، والحافظ المنذري(2)، والإمام النووي(3). فإنهم قد تبعوا ابن أبي حاتم في تصنيفه، وأوردوا كلامه في مصنفاتهم .
ثم جاء ـ بعد مَنْ ذكرنا من الأئمة ـ حفاظ أعلام تابعوا من سبقهم في التقسيم، إلا أنهم قد زادوا بعض التفصيل؛ لمزيد إيضاح مراتب الألفاظ، كالذهبي والعراقي، وابن حجر، والسخاوي(4) .
ــــــــــــــــ
(1) ـ علوم الحديث ( ص:125 ـ 126) .
وذكر توضيحاً مهماً عن المرتبة الأولى، قال: وسأل حمزة بن يوسف السّهمي أبا الحسن الدارقُطْني الإمام، فقال له: إذا قلت: (( فلان ليّن)) أيْشٍ تريد به. قال: لا يكون ساقطاً متروك الحديث، ولكن مجروحاً بشيء لا يسقط عن العدالة .
وقال أيضاً: (( ومما لم يشرحه ابن أبي حاتم، وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم:فلان قد روى عنه الناس، فلان وسط، فلان مقارب الحديث، فلان مضطرب الحديث، فلان لا يُحتجّ به، فلان مجهول، ......)) . (ص:127) .
(2) ـ رسالة في الجرح والتعديل (ص:29). وقد نقل كلام ابن أبي حاتم بنصه .
(3) ـ التقريب في علوم الحديث (ص:25) .
(4) ـ أصول الجرح والتعديل (ص: 129) .
ومراتب الجرح عند الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ هي:
1ـ أردى عبارات الجرح: دجّال، كذّاب، وضّاع، يضع الحديث .
2ـ ثم متهم بالكذب، ومتفق على تركه .
3ـ ثم متروك، وليس بثقة، وسكتوا عنه، وذاهب الحديث، وفيه نظر، وهالك وساقط .(1/242)
4ـ ثم واهٍ بمرة، وليس بشيء، وضعيف جداً، وضعفوه، وضعيف، وواهٍ، ومنكر الحديث، ونحو ذلك .
5ـ ثم يُضعّف، وفيه ضعف، وقد ضُعّف، وليس بالقوى، وليس بحجة، ليس بذاك
يَعْرِفُ ويُنْكِر، وفيه مقال، وتُكُلّم فيه، ولين، وسيئ الحفظ، ولا يحتج به، اختُلِفَ فيه صدوق لكنه مبتدع .
ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها على اطراح الراوي بالأصالة، أو على ضعفه، أو على التوقف فيه، أو على جواز أن يُحتج به مع لين ما فيه(1) .
قلت: جعل الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ التقسيم خماسياً في مراتب الجرح ورباعياً في مراتب التعديل، أما الإمام ابن أبي حاتم الرازي فقد اعتمد القسمة الرباعية ـ كما سبق ـ، وتبعه في ذلك الشيخ ابن الصلاح، وبعض المحدثين. وقد تابع الحافظُ العراقي ـ رحمه الله ـ الحافظََ الذهبي على ألفاظ الجرح والتعديل التي ذكرها ، مع بعض التعديل والتفصيل، والزيادة في الألفاظ، وبيان حكم المراتب(2) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ ميزان الاعتدال (1/4) .
(2) ـ التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي(عبد الرحيم بن الحسين)، مع فتح الباقي على ألفية العراقي للشيخ زكريا بن محمد الأنصاري، عناية: محمد بن الحسين العراقي الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت . (2/10ـ 13) .
وجاء الحافظ ابن حجر بعد العراقي فزاد على مراتب التعديل عند الذهبي والعراقي مرتبتين ذكرهما في نزهة النظر(1)، وتقريب التهذيب(2) .
كما زاد على مراتب التجريح مرتبة واحدة، وهي رتبة المبالغة: كأكذب الناس(3) ووافقه السخاوي عليها(4)، فصارت مراتب الجرح ستة أيضاً .(1/243)
وسوف أذكر مراتب الجرح الستة مع ما يناسبها من ألفاظ، معتمداً في ذلك على ما سبق من ذكر مراتب الجرح عند ابن أبي حاتم، والحافظ الذهبي، وعلى ما زاده الحافظ ابن حجرـ علماً بأن الحافظ السخاوي قد جمع ألفاظ المراتب عن الأئمة في كتابه فتح المغيث(5)، وتوسّع فيهاـ وأعتمد أيضاً على ما ذكره أستاذنا الدكتور نور الدين عتر في كتابه أصول الجرح والتعديل(6).
ــــــــــــــــــــــ
(1) ـ (ص:134) .
(2) ـ (ص: 1/24) .
(3) ـ نزهة النظر (ص:133) .
(4) ـ فتح المغيث (1/370) .
(5) ـ (1/370ـ 375) .
(6) ـ (ص:133 ـ 134) .
كما أذكر مثالاً أو مثالين من أحوال الرواة، بما يناسب ألفاظ كل مرتبة من مراتب الجرح. وأبدأ بأسهل ألفاظ الجرح متدرّجاً إلى أشدّها:
المرتبة الأولى: وهي الأسهل، وألفاظها: فيه مقال، أو أدنى مقال، أوضعّف أو ينكر مرة ويعرف أخرى، أو ليس بذاك، أو ليس بالقوي، أو ليس بالمتين، أو ليس بحجة، أو ليس بعُمْدَة، أو ليس بمأمون، أو ليس بمرضي، أو ليس يحمدونه، أو ليس بالحافظ، أو غيره أوثق منه، أو فيه شيء، أو فيه جهالة، أو لا أدري ما هو، أو فيه ضعف، أو ليّن الحديث، أو سيء الحفظ، أو ضعّف، أو للضعف ماهو، أو فيه لين(1)، كذلك: تكلّموا فيه، أو سكتوا عنه، أو مطعون فيه، أو فيه نظر(2) .
وممن يُعدّ من أهل هذه المرتبة: حفص بن عمر العدني الملقّب بالفَرْخ(3).
قال أبو حاتم: « لين الحديث »، وقال الدارقطني: « ليس بقوي في الحديث »(4) .
ومنهم: داود بن بكر بن أبي الفرات(5).
قال أبو حاتم: « داود بن بكر بن أبي الفرات شيخ لا بأس به، ليس بالمتين »(6) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ وهذه اللفظة عند غير الدارقطني كما ذكرت سابقاً .
(2) ـ وهذا عند غير الإمام البخاري، فإنه كثيراً ما يعبّر بـ: سكتوا عنه، أو فيه نظر فيمن تركوا حديثه. وقال ابن كثير: " إنهما أدنى المنازل عنده، وأردؤها " . فتح المغيث (1/371).
((1/244)
3) ـ بالفاء، وسكون الراء، والخاء المعجمة، ضعيف من التاسعة، ق. التقريب (ص:173).
(4) ـ تهذيب التهذيب (2/353) .
(5) ـ مولاهم المدني، صدوق، من السابعة. د ت ق. التقريب (ص:198) .
(6) ـ الجرح والتعديل (3/407) .
المرتبة الثانية: أسوأ من سابقتها، وهي: فلان لا يحتج به، أو ضعفوه، أو مضطرب الحديث، أوله ما يُنكَر، أو حديثه منكر، أو له مناكير، أو ضعيف، أو منكر عند غير البخاري(1) .
وممن يُعَدّ من أهل هذه المرتبة: بشير بن زياد الخراساني. منكر الحديث ولم يترك. قال ابن عدي: « له ما يُنكَر»(2) .
ومنهم: الحكم بن عبد الملك القرشي(3) .
قال يحيى: « ضعيف الحديث » .
وقال أبو حاتم: « مضطرب الحديث، وليس بقوي في الحديث »(4) .
وحكم من ذُكر في هاتين المرتبتين أنه يُخَرّج حديثه للاعتبار؛ لإشعار هذه الصيغ بصلاحية المتّصف بها لذلك، وعدم منافاتها له(5) .
المرتبة الثالثة: أسوأ من المرتبتين السابقتين، كقولهم: فلان رُدّ حديثه، أو مردود الحديث، أو ضعيف جداً، أو ليس بثقة، أو واهٍ بمرّة، أو طرحوه، أو مطروح الحديث، أو ارمِ به، أو لا يُكتب حديثه، أو لا تحِلُّ كتابة حديثه، أو لا تحلّ الرواية عنه، أو ليس بشيء، أو لا يساوي شيئاً، أو لا يُستَشهَد بحديثه، أو لا شيء، خلافاً لابن معين(6) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ نقل ابن القطان أن البخاري قال: (( كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه)).
لسان الميزان لابن حجر (1/20) في ترجمة أبان بن جَبَلَة الكوفي .
(2) ـ لسان الميزان (2/38) .
(3) ـ نزل الكوفة، ضعيف، من السابعة. بخ ت س ق. التقريب (ص:175) .
(4) ـ تهذيب الكمال (7/111) .
(5) ـ فتح المغيث (1/371) .
((1/245)
6) ـ قال أبو الحسنات اللّكنوي :" كثيراً ما تجد في ميزان الاعتدال، وغيره في حق الرواة نقلاً عن يحيى بن معين: أنه ليس بشيء. فلا تغتَرّ به، ولا تظنّن أن ذلك الراوي مجروح بجرح قوي، فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في ترجمة عبدالعزيز بن المختار البصري(1/421): ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله: ليس بشيء؛ يعني أن أحاديثه قليلة".
الرفع والتكميل (ص:212) .
ومن أهل هذه المرتبة: جعفر بن الزبير الحنفي(1) .
قال الحافظ أبو نُعيم: « لا يُكتب حديثه، ولا يساوي شيئاً ».
وقال أبو زُرْعَة: « ليس بشيء لست أحدث عنه وأمر أن يُضرَب على حديثه »(2) .
المرتبة الرابعة: كقولهم: فلان يسرق الحديث(3)، وفلان متّهم بالكذب أو الوضع، أو ساقط، أو متروك، أو ذاهب الحديث، أو تركوه، أو لا يعتبر به أو بحديثه، أو ليس بالثقة، أو غير ثقة، أو مجمَعٌ على تركه، ومودٍ(4)، وهو على يَديْ عدل(5) .
ومن أهل هذه المرتبة: يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري(6).
قال أبو حاتم الرازي: « هو على يدي عدل أدركته، ولم أكتب عنه شيئاً »(7) .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ أو الباهلي الدمشقي نزيل البصرة، متروك الحديث، وكان صالحاً في نفسه، من السابعة، مات بعد الأربعين. ق . التقريب (ص:140) .
(2) ـ تهذيب الكمال (5/36) .
(3) ـ قال السخاوي: "سرقة الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث فيجيء السارق، ويدّعي أنه سمعه أيضاً من شيخ ذلك المحدّث"، ثم قال: "أو يكون الحديث عُرِف براو فيضيفه لراوٍ غيره ممن شاركه في طبقته" . فتح المغيث ( 1/399) .
(4) ـ قال ابن القطان الفاسي: "اختُلِف في ضبط هذه اللفظة؛ فمنهم من يخفّفها أي هالك ومنهم من يشدّدها أي حسن الأداء" . التهذيب (3/408)
(5) ـ معناه: هلك . المصدر السابق (1/376) .
(6) ـ نزيل بغداد، صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء، من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. خت ق. التقريب (ص:608) .
((1/246)
7) ـ الجرح والتعديل (9/214) .
ومنهم: عمرو بن زياد بن ثوبان.
قال ابن عدي: « منكر الحديث، يسرق الحديث ويحدث بالبواطيل »(1).
وقال ابن منده: « متروك الحديث »(2) .
المرتبة الخامسة: كالدجال، والكذاب، والوضاع، وكذا: يضع، ويكذب ووضع حديثاً .
وممن يعد في هذه المرتبة: إسحاق بن نَجيح الأزدي(3).
قال ابن حبان: « دجّال من الدّجاجِلة يضع الحديث صراحاً ».
وقال ابن طاهر: « دجال كذاب » (4) .
المرتبة السادسة: ما يدلّ على المبالغة كأكذب الناس، أو إليه المنتهى في الكذب، أو هو ركن الكذب، أو منبعه، أو معدِنه، ونحو ذلك .
ومن أهل هذه المرتبة: معلّى بن هلال بن مؤيَّد الحضرمي(5).
قال سفيان بن عيينة: « من أكذب الناس »، وقال في موضع آخر: « كان كذاباً ». وقال النسائي: « كذّاب »، وقال مرة: « يضع الحديث » (6) .
والحكم في المراتب الأربع الأخيرة ـ كما يقول الحافظ السخاوي ـ : « أنه لا يُحتج بواحد من أهلها، ولا يُستشهَد به، ولا يُعتبر به »(7) .
مما سبق نجد أن تقسيم المحدثين للمراتب، وإطلاقهم للأوصاف على الرواة لم يأت هكذا من فراغ، وإنما كان يستند إلى أصل، ويقوم على أساس يتمثل في مدى تحقق وصْفَي العدالة والضبط في الراوي .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ الكامل في الضعفاء (5/151) .
(2) ـ لسان الميزان(4/364) .
(3) ـ أبو صالح، أو أبو يزيد، نزيل بغداد، كذبوه، من التاسعة . التقريب (ص:103) .
(4) ـ تهذيب التهذيب (1/221) .
(5) ـ أبو عبد الله الطحان الكوفي، اتفق النقاد على تكذيبه. من الثامنة. ق . التقريب (ص:541) .
(6) ـ تهذيب التهذيب (10/217) .
(7) ـ فتح المغيث (1/372) .(1/247)
ولأختم هذا المطلب بكلمة نفيسة لأستاذنا الدكتور نور الدين عتر ـ حفظه الله ـ حيث يقول: « وتقوم هذه التقسيمات كلها على أصل واحد، هو الاعتماد على ثبوت ركني العدالة والضبط في مرتبة الثقة، وهي الرتبة الأولى عند الإمام الرازي، وهي أساس التقسيم، وفوقها مراتب التأكيد عند غيره. وبعدها ما ثبت فيه التعديل بوصف العدالة، وسكت عن الضبط ...، ثم ما قرُب من التجريح .
ثم التجريح الصريح غير الشديد الذي( يُعتبر به)، ثم التجريح الشديد في الضبط أو العدالة وهو(لا يُعتبر به)، ثم التجريح الأشدّ في الوصف الصريح بالكذب »(1) .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ ألفاظ الجرح والتعديل وأحكامها، والتحقيق في مرتبة الصدوق، د. نور الدين عتر، مكتبة دار الفرفور، ط2/1999م . (ص:17) .
المبحث الثالث
الاعتبار برواية سيء الحفظ
الاعتبار برواية سيء الحفظ
ذكرت في المبحث السابق أن من جاء في المرتبة الأولى والثانية من مراتب الجرح يُعتبر به؛ لدلالة ألفاظ هاتين المرتبتين على الجرح غير الشديد.
أما المراتب الأربع الأخيرة فإن ألفاظها صريحة في ترك حديث الموصوف بها(1) أي لا يعتبر بحديثه .
وجرح الراوي بكونه سيء الحفظ، ذُكر في المرتبة الأولى من مراتب الجرح؛ ومعنى ذلك أنه يعتبر به. ولكن ما معنى الاعتبار، وما معنى يُعتبر به؟ هذا ما سأتكلم عنه في هذا المبحث، مع الأمثلة التطبيقية على الرواة .
إن الفعل الثلاثي للاعتبار: عَبَرَ. تقول: عَبَر الرؤيا يعبُرها؛ فسّرها، وأخبر بما يؤول إليه أمرها. والعابر: الذي ينظر في الكتاب فيَعْبُره؛ أَي يَعْتَبِرُ بعضه ببعض حتى يقع فهمُه عليه. والمعتَبِر: المستدلّ بالشيء على الشيء.
واعتبر منه تعجّب، وفي التنزيل: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } .[الحشر:2 ]. أي تدبّروا وانظروا(2) .
فتلخص معنى الاعتبار المقصود هنا: الاستدلال على الشيء بغيره(3) .
ــــــــــــــــــــ
((1/248)
1) ـ تحرير علوم الحديث، عبدالله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، ط1/2003م . (1/622) .
(2) ـ لسان العرب (4/529) . مادة: عَبَرَ .
(3) ـ تعليق التُّحَف على منظومة الطُّرَف في مصطلح من سلف، أحمد بن سيدي محمد الشنقيطي، تح: أبو العالية المَحَسِّي، مكتبة الفرقان، عجمان، ط1/1999م . (ص:65) .
أما الاعتبار عند المحدّثين: عرّفه الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: « تتبّع الطرق من الجوامع والمسانيد والأجزاء(1) لذلك الحديث الذي يُظَنّ أنه فرد ليُعلَم هل له متابع أم لا »(2) .
قلت: جمع الشيخ ابن الصلاح بين الاعتبار، والمتابعة، والشاهد في موضع واحد في النوع الخامس عشر، فقال: « معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد. هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرّد به راويه أو لا؟ وهل هو معروف أو لا؟ »(3) .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الجامع: ما يوجد فيه من الحديث جميع الأنواع المحتاج إليها من العقائد، والأحكام، والرّقاق وآداب الأكل والشرب والسفر والمقام، وما يتعلق بالتفسير والتاريخ والسير، والفتن والمناقب والمثالب وغير ذلك. مثل: جامع عبد الرزاق، وجامع الثوري، وجامع البخاري،...... .
الرسالة المستطرفة (ص:43) .
المسانيد: جمع مسند، وهي الكتب التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدة؛ صحيحاً كان، أو حسناً، أو ضعيفاً مرتبين على حروف الهجاء في أسماء الصحابة كما فعله غير واحد، وهو أسهل تناولاً أو على القبائل، أو السابقة في الإسلام، أو الشرافة النسبية، أو غير ذلك، وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد ( كمسند أبي بكر )، أو أحاديث جماعة منهم كمسند الأربعة أو العشرة أو طائفة مخصوصة جمعها وصْفٌ واحد ( كمسند المقلّين )، و( مسند الصحابة الذين نزلوا مصر )، إلى غير ذلك، والمسانيد كثيرة جداً، منها ( مسند أحمد ) وهو أعلاها، وهو المراد عند الإطلاق، وإذا أريد غيره قُيّد . المصدر السابق (ص:61) .(1/249)
الأجزاء: تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم، وقد يختارون من المطالب المذكورة في صفة الجامع مطلباً جزئياً يصنفون فيه مبسوطاً، وفوائد حديثية أيضاً، ووحدانيات وثنائيات، إلى العشاريات، وأربعونيات، وثمانونيات، والمائة، والمائتان، وما أشبه ذلك، وهي كثيرة جداً. المصدر السابق (ص:87) .
(2) ـ نزهة النظر (ص:72) .
(3) ـ علوم الحديث (ص:82) .
وهذا الجمع ـ كما يقول الحافظ ابن حجر ـ: « قد يوهم أن الاعتبار قسيم لهما(1) وليس كذلك بل هو هيئة التوصّل إليهما »(2) .
فالاعتبار ليس نوعاً بعينه، وإنما هو هيئة ـ طريقة أو كيفية ـ التوصّل للنوعين(3).
ولا يمكن معرفة ما إذا كان هناك متابعات أو شواهد لهذا الحديث إلا عن طريق التنقيب والبحث، والجمع بين الروايات ومقارنتها؛ لمعرفة مواضع الموافقة أو المخالفة.
ولا مانع أن يُطلق على الاعتبار مصطلحات أخرى: كالسّبر(4) والاختبار والمعارضة(5)، والمقابلة، والمقارنة(6)، والموازنة، وغير ذلك. وهذه الاصطلاحات كلها تشير إلى معنى واحد، ولا مشاحة في الاصطلاح .
ــــــــــــــــــ
(1) ـ القسيم: الذي يقاسمك أرضاً أو مالاً بينك وبينه، وهذه الأرض قسيمة هذه الأرض؛ أي عُزلت منها، وهذا المكان قسيم هذا ونحوه. العين (5/86) . وهذا قسيم هذا: أي شطره . لسان العرب (8/417) . والاعتبار ليس جزءاً منهما (المتابعة والشاهد)، كما أنه ليس مكمّلاً لهما .
(2) ـ نزهة النظر (ص:72) .
(3) ـ تعليق التحف على منظومة الطرف (ص:65) .
(4) ـ هناك بحث بعنوان:(السبر عند المحدثين وإمكانية تطبيقه عند المعاصرين) للدكتورأحمد عزي وهو بحث مقدم إلى ندوة علوم الحديث واقع وآفاق المنعقدة في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي، عام 2003م . (ص:1ـ25) .
((1/250)
5) ـ معارضة ـ مقابلة ـ الأحاديث بعضها على بعض ليسلم من الخطأ والسهو والنسيان، وهي المرحلة الأولى في تفتيش الأحاديث سنداً ومتناً، ويخلص من هذا: تمييز الصادق من الكاذب، والضابط من الواهي، والمحفوظ من الشاذ، والمعروف من المنكر، والصحيح من الضعيف..... .
معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، مكتبة أضواء السلف ط1/1999م . (ص:431) . وعن طريق معارضة الروايات نحكم على الرواة، وضبطهم، وإتقانهم.
منهج النقد عند المحدثين، نشأته وتاريخه، د. محمد مصطفى الأعظمي، مكتبة الكوثر، السعودية ط3/1990م. (ص:49) .
(6) ـ أطلق هذا المصطلح الشيخ أحمد نور سيف في بحثه: ( دلالة النظر والاعتبار عند المحدثين في مراتب الجرح والتعديل)، بحث منشور في مجلة البحث العلمي، الصادرة عن جامعة أم القرى(54) العدد الثاني، لعام 1399هـ .
يقول الشيخ طارق بن عوض الله: « ومن هنا ندرك أهمية كل ما يُروى في الباب من مرفوعات، وموقوفات، وموصولات، ومراسيل، حتى يستطيع الباحث أن يعتبر الروايات كما ينبغي »(1) .
فإذا قال الأئمة: يُكتب حديثه للاعتبار، أو على الاعتبار؛ أي لمقارنته بغيره من روايات أهل الحفظ والإتقان، وبعد الموازنة والمقارنة يبينون إن كان هذا الراوي يصلح للاعتبار أم لا .
ومثال هذا: ما جاء في ترجمة حمّاد بن واقد الصّفّار(2).
قال ابن معين: « ضعيف ». وقال عمرو بن علي: « كثير الخطأ والوهم، ليس ممن يُروى عنه ». وقال ابن أبي حاتم: « سمعت أبي يقول: حماد بن واقد ليس بقوي ليّن الحديث يكتب حديثه على الاعتبار »(3) .
ومثاله أيضاً ما جاء في ترجمة زافر بن سليمان أبو سليمان(4).
قال ابن حبان: « كثير الغلط في الأخبار، واسع الوهم في الآثار على صدق فيه والذي عندي في أمره الاعتبار بروايته التي يوافق فيها الثقات، وتَنَكُّب ما انفرد به من الروايات »(5) .
كذلك: عبدالله بن الحسين بن عطاء بن يسار(6) .(1/251)
قال ابن حبان: « كان ممن يخطىء فيما يروي فلم يكثر خطؤه حتى استحق الترك ولا سلك سنن الثقات حتى يدخل في جملة الأثبات، فالإنصاف في أمره: يترك ما لم يوافق الثقات من حديثه، والاعتبار بما وافق الأثبات »(7) .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ المدخل إلى علم الحديث (ص:145) .
(2) ـ أبو عمر الصّفّار البصري، ضعيف، من الثامنة، ت. التقريب (ص:179) .
(3) ـ الجرح والتعديل (3/150) .
(4) ـ الإيادي، فيه ضعف، وثقه أحمد، ت. ق. الكاشف (1/400) .
(5) ـ المجروحين (1/315 ـ 316) .
(6) ـ ضعيف، من الثامنة، بخ. ق . التقريب (ص:300) .
(7) ـ المجروحين (2/16) .
وقال أيضاً في الراوي سعد بن سنان، ويقال: سنان بن سعد(1): « وقد اعتبرت حديثه فرأيت ما روى عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات، وما روى عن سعد ابن سنان، وسعيد بن سنان فيه المناكير، كأنهما اثنان »(2) .
وقال أحمد بن حنبل عن حديث ابن لهيعة: « ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً ممّا أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض »(3) .
قلت: كما يقولون: فلان يعتبر به؛ أي يصلح في المتابعات والشواهد. أو لا يعتبر به؛ أي أنه مجروح جرحاً شديداً يقضي بترك حديثه. فإذا بلغ سوء الحفظ بالراوي حدّاً غلب عليه الغلط والوهم فإنه يترك حديثه، ولا يعتبر به، وأما من لم يصل به سوء الحفظ إلى درجة الترك ـ لأن سوء الحفظ على درجات متفاوتة، كما أن الحفظ أيضاً على درجات ـ فهذا يصلح حديثه للاعتبار؛ على أن يُردّ من حديثه ما تفرّد به، وخالف الثقات .
فسيء الحفظ لا يُردّ حديثه بالكلية، كما أنه لا يُحتجّ به لذاته، لاحتمال الخطأ والإصابة فيما يرويه، وسبيلنا الوحيد إلى معرفة ذلك ـ كما ذكرت ـ البحث والتفتيش، والعرض على روايات الثقات .
ــــــــــــــــــــ
(1) ـ سعد بن سنان، ويقال سنان بن سعد الكندي المصري، وصوّب الثاني البخاري وابن يونس صدوق له أفراد، من الخامسة. د ت ق . التقريب (ص:231) .
((1/252)
2) ـ الثقات، محمد بن حبان البستي، تح: السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، ط1/1975م .
(4/336) .
(3) ـ شرح علل الترمذي (1/138) .
وقد اهتم المحدثون كثيراً بالاعتبار برواية سيء الحفظ، وما ذكره الإمام الترمذي وسار عليه من تحسين الحديث لغيره غالبه من روايات الرواة الذين وصفوا بسوء الحفظ، وذكرت سابقاً بعض الأمثلة على ذلك في ارتقاء حديث سيء الحفظ إلى درجة القبول.
وأكثر من يستخدم عبارة: يعتبر به في الرواة: الحافظ الدارقطني، بل لا تكاد تجد استعمالها عند غيره ـ رحمه الله ـ إلا قليلاً، وكذلك لفظة: لا يعتبر به.
وهذا يدلّ على سعة تتبع الدارقطني، وكثرة بحثه ومقابلته بين الروايات وتدقيقه الشديد في أحاديث الرواة، كيف لا؟ وهو الحافظ الإمام الذي ختم به هذا العلم .
قال الدارقطني في يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي(1): « كوفي صالح يُعتبر به »(2).
وقال في موسى بن خلف(3): « بصري ليس بالقوي يعتبر به »(4) .
وقوله في علي بن غراب(5): « كوفي يعتبر به ». وقال أبو داود: « ضعيف قد ترك الناس حديثه ». وقال ابن معين: « صدوق ». وقال مرة: « لم يكن بِعَلِيّ بن غراب بأس »(6) .
فهؤلاء الرواة الذين ذكرتهم قد تكلم الأئمة فيهم من جهة حفظهم، لكنهم لم يخرجوا عن حدّ الاعتبار بحديثهم، وإنما توضع مروياتهم تحت مجهر النقد الحديثي لمعرفة نسبة الموافقة والمخالفة لغيرهم من الثقات، وعلى هذا عمل المحدثين النقاد .
ـــــــــــــــــ
(1) ـ صدوق ربما أخطأ من السابعة.ت س ق . التقريب (ص:593) .
(2) ـ سؤالات البرقاني (ص:69) .
(3) ـ العمّي بتشديد الميم، أبو خلف البصري، صدوق عابد له أوهام، من السابعة. خت د س .
التقريب (ص:550) .
(4) ـ سؤالات البرقاني (ص:67) .
((1/253)
5) ـ باسم الطائر، الفَزاري، مولاهم الكوفي القاضي، قال الفلكي: غراب لقب، وهو عبد العزيز سماه مروان بن معاوية، وقال مرة: علي بن أبي الوليد صدوق، وكان يدلس ويتشيع، وأفرط ابن حبان في تضعيفه. من الثامنة. مات سنة أربع وثمانين. س ق. التقريب (ص:404) .
(6) ـ تاريخ بغداد (12/45) .
خاتمة الفصل
1ـ نشأة علم الجرح والتعديل مع نشأة الرواية في الإسلام،ـ والأدلة على ذلك كثيرة ـ وسبْقُ المحدثين إلى وضع قواعد هذا العلم، وما يتعلق به، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، كما أنه ليس خاضعاً لأهواء معينة، أو أمزجة فاسدة، وإنما كان تعديل الأئمة النقاد وتجريحهم للرواة يعتمد على حقائق واقعية، وأسباب منطقية .
2ـ أهمية علم الجرح والتعديل في التمييز بين الروايات وتفنيدها، وكونه موسوعة حفظت لنا حياة علماء الأمة، والخدمات الجليلة التي خدموا بها هذا الدين، إضافة إلى الثقة العالية التي يتركها في النفوس، عند الاطلاع على منهج المحدثين، والتدقيق في الكيفية والنتائج التي توصّلوا إليها .
3ـ سبق ابن أبي حاتم إلى تصنيف وترتيب مراتب الجرح والتعديل، وتبعه من جاء بعده كالخطيب البغدادي، وابن الصلاح،....ثم جاء الحافظ الذهبي، والعراقي، وابن حجر، والسخاوي، وزادوا المراتب السابقة تفصيلاً وتوضيحاً، وأضافوا إليها بعض الألفاظ وذكروا حكم مراتب الجرح والتعديل .
4ـ اعتمدتُ التقسيم السداسي لمراتب الجرح، مبتدئاً بالأسهل إلى الأشدّ؛ حيث إنه يعتبر بالمرتبتين الأولى والثانية، ولا يعتبر بالمراتب الأربع الأخيرة، وإطلاق الأئمة الأوصاف على الرواة إنما كان يستند إلى مدى تحقق وصفي العدالة والضبط عند الرواة .
5ـ تعدد التسميات للاعتبار، والهدف واحد، وهو تتبع الطرق بحثاًعن المتابعات والشواهد .(1/254)
5ـ يأتي تصنيف مرتبة سيء الحفظ في المرتبة الأولى بين مراتب الجرح؛ فيُعتبر بحديثه؛ أي أن رواياته تُعرض على روايات أهل الحفظ والإتقان، ليُنظر هل شاركه أحد في روايته، أم أن هذا شيء قد تفرّد به؟ .
ا.هـ
الخاتمة العامة
بعد الانتهاء من كتابة فصول هذه الرسالة تمّ التّوصّل إلى النتائج التالية:
1ـ أهمية الضبط في قبول الرواية؛ إذ لا تكفي العدالة وحدها، وعلى أساس العدالة والضبط تم إطلاق الأوصاف على الرواة بكل دقة وموضوعية. والضبط يشمل الحفظين معاً: حفظ الصدور والسطور، ولكل منهما ضوابط وشروط .
2ـ تتبع المحدثين للآفات التي تقدح في الضبط: من غفلة، ووهم، واختلاط، وغير ذلك، ورصدهم لما يعتري الضبط من تغيرات، دليل قاطع على شدة اهتمامهم به وردّ على من يدعي عدم الدقة في تحقق هذا الشرط .
3ـ دقّة المحدثين في تصنيف الأخبار حسب درجاتها قوة وضعفاً، وإطلاق المسميات عليها من حيث القبول والرد، ويظهر هذا جلياً في ترتيب أوجه الطعن من الأعلى إلى الأدنى. والطعن في ضبط الراوي سبب في ردّ حديثه؛ لذلك لم يقبل الأئمة حديث سيء الحفظ، ومن عرف بقبول التلقين، ومن كثرت منه رواية المناكير والأوهام، وأخذ يخالف الثقات....وهذه كلها مجرحات للضبط، وسوء الحفظ أخفّها وأسهلها .
4ـ هناك أنواع كثير من علوم مصطلح الحديث تندرج تحت أسباب جرح الراوي من جهة ضبطه؛ كالمنكر، والشاذ، والمعلّل، والمدرج، والمقلوب، وغير ذلك .
5ـ تعدّد أسباب سوء الحفظ من انشغال عن الحديث بغيره، والاشتغال بعلوم أخرى غير علم الحديث، وكذلك تلف كتب الرواة بعدد من الآفات، أو بقائها مع عدم اصطحاب الراوي لها في رحلته، إضافة إلى عوارض أخرى جسمية ونفسية كالتقدم في السن، وذهاب البصر، وفقد الأحباب، والأمراض.....
6ـ الدور الأساسي الكبير للقرائن والدلائل في الكشف عن سوء حفظ الراوي وترجع عموم هذه القرائن إلى تفرد الراوي، ومخالفته لغيره.(1/255)
ومن الدلائل أيضاً: كثرة الأخطاء والأوهام، والاضطراب في الرواية، والجمع بين الرواة، والقلب والإدراج، والتصحيف، والتلقين .
7ـ انقسام سوء الحفظ إلى : سوء حفظ ملازم للراوي، وسوء حفظ طارىء عليه.
8ـ تعدّد تعريفات الأئمة للشاذ، والمعتمد عند الأئمة ـ كما قال ابن حجرـ تعريف الإمام الشافعي. ودقة الشاذ وغموضه، واشتراكه مع المعلل من هذه الناحية .
9ـ الشذوذ يكون في السند والمتن، والشاذ مشعر باختلال الضبط ، وغير مرغوب ومقبول، لذا كثرت أقوال الأئمة في التنفير منه .
10ـ التسوية بين الشاذ والمنكر عند ابن الصلاح، والتمييز بينهما عند ابن حجر في أن المنكر راويه ضعيف، والشاذ راويه ثقة أو صدوق، وأن حديث سيء الحفظ يعدّ منكراً عند ابن حجر، وشاذاً عند من يرى التسوية بين المصطلحين، أو قصد بالشذوذ الفرد المطلق .
11ـ من طرأ عليه سوء الحفظ فهو المختلط، ونسبة الاختلاط تتفاوت بين الرواة وهناك تخليط مقيد بزمان، أو مكان، أو عن شيخ معين، أو في موضوعات معينة.
12ـ يمكن معرفة اختلاط الراوي عن طريق اختبار حفظه، أو اعتراف الرواة عنه، أو التتبع والبحث من قبل الأئمة والنصّ على ذلك، أو المقارنة بين رواياته.
13ـ قبول ما حدث به الراوي قبل الاختلاط، وردّ ما حدّث به بعده، وما لم يتميز يُردّ أيضاً من باب الاحتياط .
14ـ يبرز في تقسيم سوء الحفظ إلى قسمين إنصاف المحدثين في إطلاق الأحكام على كل قسم، ومعاملته معاملة خاصة في منهج النقد الحديثي .
15ـ التقوية بتعدد الطرق مما درج عليه المحدثون، وقبول حديث سيء الحفظ للاعتضاد والتقوية؛ لاستواء طرفي القبول وعدمه فيه، بشرط أن يكون العاضد مثل المعضود أو أقوى منه .
16ـ صلاحية الحسن لغيره للاحتجاج إنما جاءت من مجموع الطرق، وإلا فإنه ضعيف في أصله(قبل الاعتضاد) .(1/256)
17ـ هناك أحوال خاصة تقبل فيها رواية سيء الحفظ؛ كما إذا روى سيء الحفظ من كتابه، أو روى عنه إمام حافظ عارف بحديثه، أو كان سيء الحفظ ضابطاً لحديث شيخ معين فإنه تُقبل روايته عنه .
18ـ البداية المبكرة لنشأة علم الجرح والتعديل، وأهمية هذا العلم في حفظ الدين؛ إذ به يتم التمييز بين المقبول والمردود من الروايات، كما أنه سجلّ تاريخي حفظ لنا تاريخ حياة العلماء الأفذاذ وجهودهم في هذا المجال، إضافة إلى الثقة التي يغرسها في النفوس فيما يتعلق بدقة أحكام المحدثين، وأصالة منهجهم .
19ـ أولوية ابن أبي حاتم في تصنيف مراتب الجرح والتعديل، وكل من جاء بعده عالة عليه، على أنه لا ينكر فضلهم في زيادة ألفاظ على مراتب الجرح والتعديل وتوضيحها، وبيان المراد منها. والتقسيم السداسي لمراتب الجرح بدءاً من أسهل المراتب إلى أشدها، يقضي بالاعتبار بالمرتبة الأولى والثانية؛ لأن الجرح فيها غير شديد، وترك الاعتبار بالمراتب الأربعة الأخيرة؛ لشدة الجرح فيها .
20ـ تأتي مرتبة سيء الحفظ في المرتبة الأولى من مراتب الجرح، مما يدل على صلاحية المتصف بها للاعتبار بحديثه، وارتقائه إلى الحسن لغيره عند وجود ما يعضده، وهذا كثير في كتب المحدثين ومصنفاتهم .
21ـ إن الاعتبار هو البحث والتقصي والتتبع للروايات، من أجل معرفة الشواهد والمتابعات، وأوجه المخالفة والموافقة. وقد أطلقت عدة مسميات على مصطلح الاعتبار، وكلها تشير إلى المعنى الذي ذكرت .(1/257)
هذه هي أهم النتائج. وإتماماً للفائدة أشير إلى أن هذا البحث من الأبحاث المهمة في علم مصطلح الحديث؛ إذ تندرج تحته كثير من المصطلحات الحديثية، والتي هي بحاجة إلى بحث ودراسة تأصيلية تطبيقية تعتمد على الاستقراء والاستنتاج سعياً نحو تكامل منهجي. لذا أوصي بتوجيه الباحثين في علوم الحديث لدراسة هذه المصطلحات وفقاً للمنهج المذكور، حيث إن التعمق بهذه الدراسة يزيدنا علماً ومعرفة، ويكشف لنا النقاب عن النفائس الحديثية، والأصالة المنهجية المتّبعة لدى المحدثين أهل العلم والفضل .
وفي الختام: أحمد الله سبحانه على عونه وتيسيره لإتمام هذه الرسالة؛ حيث سهّل لي الصعب، وذلّل لي العقبات، وهيّأ لي من الناصحين من أخذ بيدي وأخلص في توجيهي وإرشادي. فما كان فيها من صواب فمن الله مجزل العطاء، أو من خطأ فمن قصوري وضعفي، وأنا الحرِيّ بالخطأ، وحسبي أني نويت الخير .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
الفهارس العامة
1ـ فهرس الآيات القرآنية
2ـ فهرس الأحاديث النبوية والآثار
3ـ فهرس الأعلام المترجمة
4ـ فهرس المصادر والمراجع
5ـ فهرس الموضوعات.
أولاً: فهرس الآيات القرآنية
الآية ... رقمها ... السورة ... رقم الصفحة
فلا رفث..... ... 197 ... البقرة
واستشهدوا شهيدين من رجالكم..... ... 282 ... البقرة
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته.... ... 102 ... آل عمران
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.... ... 1 ... النساء
اليوم أكملت لكم دينكم.... ... 3 ... المائدة
يحكم به ذوا عدل منكم... ... 95 ... المائدة
ويعلم ما جرحتم بالنهار.... ... 60 ... الأنعام
ولا تقف ما ليس لك به علم.... ... 36 ... الإسراء
سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ... 35 ... القصص
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً... ... 70 ... الأحزاب
أم حسب الذين اجترحوا السيئات.... ... 21 ... الجاثية
محمد رسول الله والذين معه... ... 29 ... الفتح
فاعتبروا يا أولي الأبصار ... 2 ... الحشر
وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا .... ... 11 ... الجمعة(1/258)
وأشهدوا ذوي عدل منكم ..... ... 2 ... الطلاق
الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض... ... 12 ... الطلاق
ثانياً: فهرس الأحاديث النبوية والآثار
طرف الحديث ... رقم الصفحة
اتقوا النار ولو بشقّ تمرة ..... ... 69
أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بسرقة حرير .... ... 152
إذا عطس أحدكم فليقل ....... ... 133
الأذنان من الرأس ... 201
اشربوا في الظروف ولا ..... ... 176
أمتي الغرّ المُحَجّلون..... ... 117
أن الصحابة انفضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم.... ... 145
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة .... ... 70
أن النبي عليه الصلاة والسلام اتخذ خاتماً من ورِق .... ... 175
أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل مكة .... ... 168
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقصر في السفر ..... ... 172
أن النبي عليه الصلاة والسلام كوى أسعد بن زرارة .... ... 108
أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الولاء ... ... 168
أن امرأة من بني فزارة تزوجت ..... ... 222
أن رجلاً استأذن على النبي عليه الصلاة والسلام .... ... 256
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد .... ... 151
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بول.... ... 156
إنما الأعمال بالنيات ... 168
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بِرِطْلَين من ماء ... 82
أنه كان يتوضأ بالمد ... 82
أنها قالت لرسول الله عليه الصلاة والسلام إن معاوية .... ... 256
أنها كانت تصلي في السفر أربعاً .... ... 172
أنهم ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة ..... ... 94
إني أرى الناس يكثرون .... ... 182
باسم الله وبالله والتحيات ..... ... 147
بت مع رسول الله لأنظر كيف يقنت...... ... 79
البيّعان بالخيار ..... ... 45
ثلاثة يهلكون عند الحساب... ... 173
جاء هذا إلى ابن عباس يعني بُشير بن كعب .... ... 252 ـ 253
جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله .... ... 251 ـ 252
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح ..... ... 129
رُمِيَ أبيّ يوم الأحزاب ..... ... 70
سبع أرضين في كل أرض..... ... 172(1/259)
صليت مع النبي عليه الصلاة والسلام الظهر في السفر ... ... 221
صليت مع النبي عليه الصلاة والسلام في الحضر والسفر.... ... 221
كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل ..... ... 175
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج.... ... 139
كان قيس بن سعد من النبي عليه الصلاة والسلام بمنزلة ... ... 167
كلوا البلح بالتمر..... ... 129
كنت أستحاض حيضة شديدة ...... ... 115
كنت في مجلس من مجالس الأنصار .... ... 252
كنت لك كأبي زرع.... ... 109
لا تكتبوا العلم إلا ...... ... 133
لا تكتبوا عني، ومن كتب عني .......... ... 20
لا يزال الجهاد خضراً...... ... 79
لا يعجبنكم إسلام امرىء...... ... 114
لا ينجس الماء إلا ما غلب .... ... 157
لكل شيء دعامة ..... ... 182
لكل شيء زكاة ..... ... 236
اللهم بارك لأمتي في بكورها....... ... 118
لو يعلم الناس ما في الصف المقدّم...... ... 142
معلِّمو صبيانكم شرارُكم ...... ... 87
من أدرك ركعة من الصلاة ..... ... 106
من أدرك من الجمعة ركعة..... ... 106
من حج البيت أو اعتمر .... ... 241
من حفظ على أمتي أربعين حديثاً .... ... 218
من حلف منكم فقال في حلفه ..... ... 128
من صام رمضان وأتبعه ..... ... 70
من كثرت صلاته بالليل .... ... 146
من لا يشكر الناس لا يشكر الله ... 2
نضّر الله امرأً سمع منا شيئاً ......... ... 16
يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف ........ ... 89
ثالثاً: فهرس الأعلام المترجمة
اسم العلم ... رقم الصفحة
أبان بن أبي عياش ... 78
إبراهيم بن إسحاق الحربي ... 61
إبراهيم بن إسحاق الحنيني ... 114
إبراهيم بن الحكم بن أبان ... 156
إبراهيم بن عمر البقاعي ... 35
إبراهيم بن محمد الحلبي(سبط ابن العجمي) ... 188
إبراهيم بن مسلم الهجري ... 155
إبراهيم بن يزيد النخعي ... 79
أبو بكر بن أبي مريم ... 120
أبو بكر بن عبدالله النهشلي ... 51
أبو حدرد الأسلمي ... 222
أحمد بن أوفى ... 69
أحمد بن جعفر بن المنادي ... 120
أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ... 100
أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية) ... 56
أحمد بن عبدالله(ابن أبي الحَواري) ... 100(1/260)
أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني ... 18
أحمد بن علي( الخطيب البغدادي) ... 10
أحمد بن محمد بن حسكان ... 92
أحمد بن محمد بن دوست ... 102
أحمد بن محمد بن غالب(البَرقاني) ... 101
أحمد بن محمد بن هانىء(الأثرم) ... 107
أحمد بن منصور الرمادي ... 23
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ... 98
إسحاق بن عيسى بن نَجيح البغدادي ... 93
إسحاق بن محمد بن أبي فروة ... 114
إسحاق بن نّجيح الازدي ... 272
إسحاق بن يوسف بن مرداس ... 229
إسحاق بن يوسف بن مرداس(الأزرق) ... 88
أسد بن عمرو البجلي ... 146
إسماعيل بن خليفة العبسي ... 40
إسماعيل بن عمر بن كثير ... 95
إسماعيل بن عياش الحمصي ... 196
إسماعيل بن محمد الصّفّار ... 62
أشعث بن سعيد البصري ... 181
أفلح بن حُميد ... 177
أنس بن مالك بن النضر الخزرجي ... 79
أيمن بن نابل ... 147
أيوب بن عتبة اليمامي ... 196
بركات بن أحمد الخطيب(ابن الكيّال) ... 188
بشر بن الحارث ... 97
بشير بن زياد الخراساني ... 270
ثابت بن حماد ... 142
ثابت بن عجلان الأنصاري ... 67
ثابت بن موسى الزاهد ... 146
جرير بن حازم ... 194
جعفر بن الزبير الحنفي ... 271
جعفر بن بُرقان الجزري ... 197
جمهان الأسلمي ... 236
جويبر بن سعيد البلخي ... 84
الحارث بن نبهان الجَرمي ... 51
حجاج بن أرطأة ... 148
الحسن بن رودبار ... 98
الحسن بن عبدالله العسكري ... 149
حفص بن عمر (أبو عمر الدوري) ... 83
حفص بن عمر العدني(الفَرْخ) ... 269
الحَكم بن عبد الملك القرشي ... 270
حكيم بن جبير الأسدي ... 134
حماد بن أبي سليمان الأشعري ... 81
حماد بن سلمة ... 115
حمّاد بن أبي الجعد ... 198
حماد بن واقد الصفار ... 279
خالد بن عثمان العثماني ... 47
خلف بن خليفة الأشجعي ... 117
خليل بن كيكلدي العلائي ... 188
داود بن الحصين ... 197
داود بن بكر بن أبي الفرات ... 269
راشد بن سعد ... 157
رشدين بن سعد المصري ... 80
زافر بن سليمان الإيادي ... 279
زكريا بن يحيى الساجي ... 148
زكريا بن يحيى الوقار ... 80
زهير بن حرب بن شداد(أبو خيثمة) ... 113
زهير بن محمد التميمي ... 110
زيد بن الحواري ... 239
سالم بن عبدالله الخياط ... 148
سعد بن طريف الحنظلي ... 87(1/261)
سعيد بن أبي سعيد المقبري(كيْسان) ... 192
سعيد بن أبي عَروبة ... 200
سعيد بن إياس الجريري ... 191
سعيد بن عمرو الأزدي ... 150
سفيان بن سعيد الثوري ... 50
سفيان بن عيينة ... 68
سفيان بن وكيع بن الجرح ... 159
سلامة بن روح الأيلي ... 183
سليمان بن أحمد الجرشي ... 52
سليمان بن كثير العبدي ... 198
سلم بن ميمون الخوّاص ... 98
سنان بن سعد ... 280
سهيل بن أبي صالح ... 119
سويد بن سعيد الهروي ... 231
سيف بن عمر التميمي ... 87
شريك بن عبد الله النخعي ... 88
شعبة بن الحجاج ... 68
صالح بن حسان ... 132
صالح بن محمد (جزرة) ... 57
صالح بن نبهان(مولى التوأمة) ... 194
الضحاك بن مزاحم الهلالي ... 84
عاصم بن بهدلة الأسدي ... 83
عباد بن كثير الثقفي ... 80
العباس بن الفضل الأنصاري ... 110
عباس بن محمد الدوري ... 245
عبد الحق الدهلوي ... 34
عبد الحميد بن إبراهيم الحضرمي ... 92
عبد الرؤوف المُناوي ... 45
عبد الرحمن بن إبراهيم العثماني ... 106
عبد الرحمن بن أحمد( ابن رجب) ... 78
عبد الرحمن بن خراش ... 109
عبد الرحمن بن عبدالله بن عتبة(المسعودي) ... 120
عبد الرحمن بن عثمان (ابن الصلاح) ... 22
عبد الرحمن بن علي الجوزي ... 91
عبد الرحمن بن عمر العمري ... 138
عبد الرحمن بن محمد الرازي ... 81
عبد الرحمن بن مهدي ... 51
عبد الرزاق بن عمر الدمشقي ... 105
عبد الرزاق بن همام الصنعاني ... 23
عبد الصمد بن حسان ... 232
عبد العزيز بن حمزة ... 183
عبد العزيز بن محمد الدراوردي ... 40
عبد الله بن أحمد بن حنبل ... 86
عبد الله بن عباس ... 87
عبد الله بن محرر ... 77
عبد الله بن مسعود ... 79
عبد المجيد بن عبد العزيز ... 244
عبد الملك بن مهران ... 47
عبدالله بن الزبير الحميدي ... 57
عبدالله بن المبارك ... 98
عبدالله بن المغفَّل ... 55
عبدالله بن جعفر بن غيلان ... 191
عبدالله بن خُثيم ... 242
عبدالله بن ذكوان القرشي( أبو الزناد) ... 17
عبدالله بن صالح الجهني ... 234
عبدالله بن عبدالله بن أويس(أبو أويس) ... 232
عبدالله بن عدي الجرجاني ... 61
عبدالله بن عمر العمري ... 138
عبدالله بن لهيعة ... 65
عبدالله بن محمد بن عقيل ... 115
عبدالله بن وهب ... 63(1/262)
عبدالله بن يسار ... 279
عبيدالله بن أحمد بن أبي الفتح ... 103
عبيدالله بن أحمد بن يعقوب(ابن البوّاب) ... 95
عبيدالله بن عمر القواريري ... 150
عبيدة بن معتّب الضبّي ... 202
عثمان بن الهيثم ... 158
عطاء بن السائب ... 189
عطاء بن مسلم الخفّاف ... 96
عفان بن مسلم ... 194
عكرمة بن عمار العجلي ... 197
عكرمة مولى ابن عباس ... 87
علقمة بن قيس ... 79
علي بن عبدالله المديني ... 20
علي بن إسماعيل (ابن سيده) ... 33
علي بن جدعان ... 143
علي بن زيد بن جدعان ... 155
علي بن عاصم بن صهيب ... 51
علي بن عمر الدارقطني ... 62
علي بن غراب ... 281
علي بن محمد الهروي(القاري) ... 22
علي بن محمد بن عبد الملك(ابن القطان) ... 67
عمر بن يزيد السيّاري ... 156
عمرو بن زياد بن ثوبان ... 272
فرج بن فضالة ... 142
الفضل بن الحباب ... 94
الفضل بن دُكين( أبو نُعيم) ... 23
قاسم بن قطلوبغا ... 36
قيس بن الربيع ... 159
كمال الدين محمد بن علي بن أبي شريف ... 35
ليث بن أبي سليم ... 136
مؤمل بن إسماعيل ... 151
المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) ... 15
محرِز بن سلمة العدني ... 236
محمد بن أبي سليمان العَرْزَمي ... 96
محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ... 101
محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ... 53
محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي ... 82
محمد بن إسحاق ... 86
محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي ... 92
محمد بن السائب الكلبي ... 84
محمد بن الفضل السدوسي ... 189
محمد بن الفضل بن عطية العبسي ... 182
محمد بن ثابت العبدي ... 155
محمد بن جابر بن سيّار اليمامي ... 92
محمد بن حبان البستي ... 82
محمد بن خازم(أبو معاوية الضرير) ... 245
محمد بن خالد بن عبدالله الطحّان ... 57
محمد بن سعد بن مَنيع ... 117
محمد بن شهاب الزهري ... 27
محمد بن عبد الرحمن السخاوي ... 43
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ... 89
محمد بن عبدالله بن حمدُويَه(الحاكم) ... 98
محمد بن عجلان ... 192
محمد بن عمر بن سلْم(الجِعابي) ... 95
محمد بن عمر بن واقد(الواقدي) ... 137
محمد بن عمرو الأنصاري ... 238
محمد بن عمرو بن موسى العقيلي ... 67
محمد بن كعب القرظي ... 243
محمد بن محمد بن حسن الشمني ... 185(1/263)
محمد بن مظاهر الأصبهاني ... 153
محمد بن موسى الحازمي ... 187
محمد بن يحيى بن حَبان ... 98
مرزوق بن أبي الهذيل ... 130
مسعود بن علي بن معاذ(السّجزي) ... 115
مصعب بن سعيد المصيصي ... 152
معلّى بن هلال الحضرمي ... 272
معمر بن راشد ... 107
موسى بن خلف العمي ... 281
موسى بن دينار ... 158
موسى بن عبيدة الربذي ... 235
موسى بن مسعود ... 151
موسى بن هارون الحمّال ... 61
نَجيح بن عبد الرحمن السندي ... 242
النعمان بن ثابت التيمي ... 81
هشام بن سليمان المخزومي ... 240
هشام بن عروة بن الزبير ... 108
همام بن يحيى العَوذي ... 175
وكيع بن الجراح ... 19
الوليد بن مسلم الدمشقي ... 196
يحيى بن حسان التنيسي ... 65
يحيى بن سعيد القطان ... 68
يحيى بن سُليم الطائفي ... 241
يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي ... 281
يحيى بن عبدالله بن بُكير المخزومي ... 93
يحيى بن محمد بن قيس(أبو زكير) ... 128
يحيى بن معين ... 19
يحيى بن يمان العجلي ... 116
يزيد بن أبان الرّقاشي ... 78
يزيد بن أبي زياد ... 129
يزيد بن عبد الرحمن الدالاني ... 69
يزيد بن عطاء اليشكري ... 148
يزيد بن هارون ... 53
يعقوب بن شيبة بن الصّلت ... 108
يعقوب بن محمد الزهري ... 271
يوسف بن أسْباط الشيباني ... 96
يوسف بن عبد الرحمن المِزي ... 63
رابعاً: فهرس المصادر والمراجع
1ـ أبجد العلوم (الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم)، صديق بن حسن القنوجي تح: عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1978م .
2ـ الاتجاهات العامة للاجتهاد، ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها، د. نور الدين عتر، ط1/2000م .
3ـ أثر اختلاط سعيد بن أبي عروبة على مروياته في الكتب الستة، د. نافذ حسين حمّاد، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط/1996م .
4ـ اختلاط الرواة الثقات، عبد الجبار سعيد، الرشد ناشرون، ط1/2005م .
5ـ اختلاف الحديث، محمد بن إدريس الشافعي، ت: عامر حيدر، مؤسسة الثقافة بيروت، ط1/1985م .
6ـ الأربعين البلدانية، أحمد بن محمد السِّلفي، ت: عبدالله رابح، دار البيروتي دمشق، ط1/1992م .(1/264)
7ـ إرشاد طلاب الحقائق، يحيى بن شرف النووي، تح: د. نور الدين عتر، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط2/1991م .
8ـ الإرشاد في معرفة علماء الحديث، الخليل بن أحمد الخليلي أبو يعلى، تح: محمد سعيد إدريس، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1409هـ .
9ـ أساس البلاغة، محمود بن عمر الزمخشري، ط/1979، دار صادر، بيروت
10ـ الاستذكار، يوسف بن عبد الله النمري، تح: سالم عطا، ومحمد علي معوض دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/2000م .
11ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر تح: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1/1412هـ .
12ـ الأسماء والصفات، أحمد بن الحسين البيهقي، ت: عبدالله بن محمد الحاشدي مكتبة السوادي، جدة، ط1.
13ـ الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تح: علي محمد البجاوي دار الجيل، بيروت، ط1/1412هـ .
14ـ أصول الجرح والتعديل، د. نور الدين عتر، دار الفرفور، دمشق ط/1420هـ .
15ـ الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، ط5/1980م .
16ـ الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى، علي ابن هبة الله بن أبي نصر بن ماكولا، دار الكتب العلمية، بيروت ط1/1411هـ .
17ـ ألفاظ الجرح والتعديل وأحكامها، والتحقيق في مرتبة الصدوق، د. نور الدين عتر، مكتبة دار الفرفور، دمشق، ط2/1999م .
18ـ ألفية السيوطي في علم الحديث، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت: أحمد محمد شاكر، دار المعرفة للطباعة، بيروت .
19ـ الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، القاضي عياض بن موسى اليحصبي، تح: أحمد صقر، الناشر: دارالتراث، المكتبة العتيقة، القاهرة، تونس ط1/1970م .
20ـ الأمالي المطلقة، ابن حجر العسقلاني، تح: حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1/1413هـ .
21ـ الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين، الدكتور نور الدين عتر مؤسسة الرسالة، ط2/1988م .(1/265)
22ـ الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع، ابن حجر العسقلاني، ت: صلاح الدين مقبول أحمد، الكويت، الدار السلفية، ط/1988م .
23ـ الأمثال من الكتاب والسنة، محمد بن علي الحكيم الترمذي، تح: د.السيد الجميلي، دار ابن زيدون، بيروت، ط1/1985م .
24ـ إمعان النظر شرح شرح نخبة الفكر، محمد أكرم بن عبد الرحمن السندي النصربوري، طباعة حيدري بريس، حيدر آباد، ط/1970م .
25ـ الأنساب، عبد الكريم بن منصور السّمعاني، تعليق: عبدالله البارودي، دار الجنان بيروت، ط1/1988م .
26ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عبدالله البيضاوي، دار صادر، بيروت.
27ـ البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر، عبد الرحمن السيوطي، ت: أنيس الأندونوسي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط1/1999م.
28ـ البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير، ط: مكتبة المعارف، بيروت .
29ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت .
30ـ بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، علي بن محمد (ابن القطان الفاسي)، دار طيبة، الرياض .
31ـ تاريخ ابن معين رواية الدوري، يحيى بن معين، تح: أحمد محمد نور سيف مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط1/1979م .
32ـ تاريخ ابن معين رواية عثمان الدارمي، يحيى بن معين أبو زكريا، تح: أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث، دمشق، ط/1400هـ .
33ـ تاريخ أسماء الثقات، ابن شاهين: عمر بن أحمد أبو حفص، تح: صبحي السامرائي، الدار السلفية، الكويت، ط1/1984م .
34ـ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي، ت: د. عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت ط1/1987م.
35ـ التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، تح: هاشم الندوي، دار الفكر .
36ـ تاريخ بغداد، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت.(1/266)
37ـ تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، تح: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1/1998م.
38ـ التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي(عبد الرحيم بن الحسين)، مع فتح الباقي على ألفية العراقي للشيخ زكريا بن محمد الأنصاري، عناية: محمد بن الحسين العراقي الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت .
39ـ التبصير في الدين، وتمييز الفرقة النجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الإسفراييني، ت:كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، ط1/1983 .
40ـ تحريرعلوم الحديث، عبدالله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، ط1/2003م.
41ـ تدريب الراوي، جلال الدين السيوطي، تح: عرفان العشا، دار الفكر، بيروت ط/1414هـ .
42ـ تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار إحياء التراث العربي بيروت.
43ـ التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، سليمان بن خلف الباجي، دار اللواء، الرياض، ط1/1986م .
44ـ التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1405هـ .
45ـ تعليق التُّحَف على منظومة الطُّرَف في مصطلح من سلف، أحمد بن سيدي محمد الشنقيطي، تح: أبو العالية المَحَسِّي، مكتبة الفرقان، عجمان، ط1/1999م.
46ـ تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الرشيد، سوريا، ط1/1986م.
47ـ التقريب والتبشير في معرفة سنن البشير النذير، يحيى بن شرف النووي تعليق: د.مصطفى البغا، دار العلوم الإنسانية، دمشق، ط1/1997م .
48ـ تقييد العلم، الخطيب البغدادي، تح: يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية ط2/1974م .
49ـ تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تح: عبدالله هاشم اليماني، المدينة المنورة، ط/1964م .
50ـ التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، عبد الرحيم الإسنوي، ت: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1400هـ .(1/267)
51ـ التمييز، مسلم بن الحجاج، تح: محمد مصطفى الأعظمي، شركة الطباعة العربية، الرياض، ط2/1402هـ .
52ـ تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1/1984م.
53ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف بن عبد الرحمن المزي، تح: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1980م .
54ـ التواصل بين المذاهب الإسلامية، تأصيله وتطبيقه عند المحدثين، د. فاروق حمادة، دار القلم، دمشق، ط1/2005م .
55ـ توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر الجزائري الدمشقي، تح: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط1/1416هـ.
56ـ توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، محمد بن إسماعيل الصنعاني، ت: محيي الدين عبد الحميد، المكتبة السلفية، المدينة المنورة .
57ـ التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، ت: محمد رضوان الداية، دار الفكر، بيروت, دمشق، ط1/1410هـ.
58ـ تيسير مصطلح الحديث، محمود الطحان، ط2/ 1978م .
59ـ الثقات، ابن حبان البستي، تح: السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر ط1/1975م .
60ـ جامع الأصول، ابن الأثير الجزري، تح: محمد حامد فقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3/1983م. وطبعة بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط مكتبة دار البيان، ط/1969م .
61ـ جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، تح: الشيخ أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1/2000م .
62ـ الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، دار إحياء التراث العربي بيروت، ط/1985م .
63ـ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تح: د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، ط/1403هـ.
64ـ الجرح والتعديل بين المتشددين والمتساهلين، د. محمد طاهر الجوابي، الدار العربية، تونس.
65ـ الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1/1952م .(1/268)
66ـ جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، تح: رمزي بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط1/1987.
67ـ جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف، د. محمد طاهر الجوابي ط: مؤسسة عبد الكريم بن عبدالله، تونس .
68ـ الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر بن أبي الوفاء، تح: عبد الفتاح الحلو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1993م .
69ـ حاشية ابن القيّم على سنن أبي داود، محمد بن أبي بكر(ابن قيم الجوزية)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2/1415هـ .
70ـ حاشية الكمال بن أبي شريف على نزهة النظر، كمال الدين محمد بن محمد بن أبي شريف، رقم النسخة: 317525، عدد الأوراق: 19ورقة، مصدر المخطوط: موقع مخطوطات الأزهر الشريف، مصر .
71ـ حاشية جامعة على الفريدة في علم المصطلح، يوسف الغزّي، ت: فهد العجمي، الرشد ناشرون، الرياض، ط1/2006م .
72ـ حاشية لقط الدرر بشرح متن نخبة الفكر، عبدالله بن حسين خاطر السمين مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1/1938م .
73ـ الحدود الأنيقة، والتعريفات الدقيقة، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري تح: د. مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1/1411هـ .
74ـ الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، عبد الكريم الخضير، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1/1425هـ .
75ـ الحديث المعلول قواعد وضوابط، د.حمزة المليباري، دار ابن حزم، بيروت ط1/1996م .
76ـ الحديث المنكر عند نقاد الحديث، عبد الرحمن بن فالح السلمي، مكتبة الرشد ناشرون، ط1/2005م .
77ـ الحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبه، د. محمد الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3/1977م .
78ـ حلية الأولياء، أحمد بن عبدالله الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت ط4/1405هـ .
79ـ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، محمد المحبّي، دار صادر بيروت.(1/269)
80ـ الخلاصة في أصول الحديث، شرف الدين حسن بن محمد الطيبي، ت: صبحي السامرائي، دار إحياء التراث، الأوقاف العراقية، ط/1971م .
81ـ دراسات في منهج النقد عند المحدثين، د.محمد علي العمري، دار النفائس الأردن، ط1/2000م .
82ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، تح: محمد سيد جاد الحق، مطبعة أم القرى، القاهرة .
83ـ ذكر من يُعتَمَد قوله في الجرح والتعديل، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ضمن أربع رسائل في علوم الحديث، عناية: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر بيروت، ط6/1999م .
84ـ الرحلة في طلب الحديث، أحمد بن علي(الخطيب البغدادي)، تح: د. نور الدين عتر، دار الكتب العلمية، ط1/1395هـ .
85ـ الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة، محمد بن جعفر الكتاني، تح: محمد المنتصر الكتاني، دار البشائر، بيروت، ط4/1986م .
86ـ رسالة في الجرح والتعديل، عبد العظيم المنذري، تح: عبد الرحمن الفريوائي مكتبة دار الأقصى، الكويت، ط1/1406هـ .
87ـ الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، تح: أحمد شاكر، القاهرة، ط/1939م.
88ـ الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، أبو الحسنات اللكنوي، تح: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت،ط8/2004م.
89ـ الرواية بالمعنى في الحديث النبوي، وأثرها في الفقه الإسلامي، د.عبد المجيد بيرم، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1/2004م .
90ـ الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير اعتنى به: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع .
91ـ رياض الصالحين من كلام سيّد المرسلين، يحيى بن شرف النووي، دار العربية، بيروت .
92ـ زيادة الثقة في كتب مصطلح الحديث، دراسة موضوعية نقدية، الدكتور حمزة المليباري بحث مقبول للنشر في مجلة الشريعة بجامعة الكويت، ومفهرس للشاملة.(1/270)
93ـ سؤالات أبي بكر أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ت: عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، بيروت ط1/2004م.
94ـ سؤالات أبي داود ـ السجستاني ـ للإمام أحمد في جرح الرواة وتعديلهم ت: د. زياد المنصور، مكتبة دار العلوم والحكم، ط2 .
95ـ سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داوود السجستاني، سليمان بن الأشعث، تح: محمد علي العمري، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط1/1979م .
96ـ سؤالات البرذعي، أبو زرعة الرازي، تحقيق: سعد الهاشمي. الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة ، ط1/1982م
97ـ سؤالات البرقاني للدارقطني، علي بن عمر، تح: د.عبد الرحيم القشقري الناشر: كتب خانة جميلي باكستان، ط1/1404هـ .
98ـ سؤالات الحاكم النيسابوري للداراقطني، تح: موفق بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، ط1/1984م.
99ـ السنة المطهرة والتحديات، الدكتور نور الدين عتر، دار المكتبي، دمشق ط1/1999م .
100ـ سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، تح:محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.
101ـ سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، تح: محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر.
102ـ سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين، تح: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، ط/1994م .
103ـ سنن الترمذي محمد بن عيسى، تح: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث، بيروت.
104ـ سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن، تح: عبدالله هاشم يماني المدني دار المعرفة، بيروت، ط/1966م .
105ـ السنن الكبرى للنسائي، أحمد بن شعيب النسائي، تح: عبد الغفار البنداري دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1991م.
106ـ سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، إشراف شعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1985م .(1/271)
107ـ الشاذ من الحديث، وأثره في الأحكام الفقهية، للباحث: محمد زكي عبد الدايم، رسالة ماجستير من جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، قسم الشريعة الإسلامية، عام:1422هـ .
108ـ الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، موازنة بين المتقدمين والمتأخرين، الدكتور:عبد القادر مصطفى المحمدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1/2005م.
109ـ الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، إبراهيم بن موسى الأبناسي، ت: صلاح فتحي هلل، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1998م .
110ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديدة بيروت.
111ـ شرح اختصار علوم الحديث، موقع جامع شيخ الإسلام ابن تيمية. الكتاب مرقم آلياً وهو مجموعة أشرطة مفرغة .
112ـ شرح البيقونية في مصطلح الحديث، الشيخ عبد الله سراج الدين، دار الفلاح، حلب .
113ـ شرح شرح النخبة، ملا علي القاري، تح: محمد نزار وهيثم تميم، دار الأرقم، بيروت .
114ـ شرح علل الترمذي، ابن رجب الحنبلي، تح: د.نور الدين عتر، دار الملاح ط1/ 1978م .
115ـ شرح نخبة الفكر، سعد آل حميد، دار علوم السنة، الرياض، ط1/1999م.
116ـ شروط الأئمة الستة، عناية: عبدالفتاح أبو غدة، دار البشائر، بيروت ط2/2005م .
117ـ الصحاح( تاج اللغة وصحاح العربية)، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، دار العلم للملايين، بيروت، ط4/1990م .
118ـ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ابن حبان أبو حاتم البستي، تح: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2/1993م .
119ـ صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، تح: د.مصطفى ديب البغا دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3/1987م .
120ـ صحيح مسلم بشرح النووي، مسلم بن الحجاج القشيري، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت .
121ـ صفوة التفاسير، محمد علي الصابوني، دار القرآن الكريم، بيروت ط2/1981م .(1/272)
122ـ الضعفاء الكبير، أبو جعفر محمد بن عمر العقيلي، ت: عبد المعطي قلعجي دار المكتبة العلمية، بيروت، ط1/1984م .
123ـ الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن ابن الجوزي، تح: عبدالله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1406هـ .
124ـ الضوء اللامع في تراجم أهل القرن التاسع، شمس الدين السخاوي منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت .
125ـ ضوابط الجرح والتعديل، الشيخ عبد العزيز عبد اللطيف، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة .
126ـ ضوابط الرواية عند المحدثين، بشير نصر، بحث ماجستير، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، الجماهيرية العظمى، ط1/1401هـ .
127ـ طبقات الشافعية الكبرى، التاج السبكي، تح: د.محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، هجر، مصر، ط2/1992م .
128ـ طبقات المدلسين، ابن حجر العسقلاني، تح: عاصم القريوتي، مكتبة المنار عمان، ط1/1983م .
129ـ طبقات المفسرين، أحمد الأدنروي، تح: سليمان الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1/1997م .
130ـ العالي الرتبة في شرح نظم النخبة، تقي الدين أحمد الشُمُنِي، تح: معتزالخطيب، مؤسسة الرسالة ناشرون، ط1/2004م .
131ـ العقل وفضله، ابن أبي الدنيا تح: لطفي الصغير، دار الراية، بيروت ط1/1409هـ .
132ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، عبد الرحمن ابن الجوزي، تح: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1403هـ .
133ـ العلل الواردة في الأحاديث النبوية، علي بن عمر الدارقطني، ت: محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض، ط1/1985م .
134ـ العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل، تح: وصي الله بن محمد عباس المكتب الإسلامي، دار الخاني، بيروت، الرياض، ط1/1988م .
135ـ علم علل الحديث من خلال بيان الوهم والإيهام، إبراهيم ابن الصدّيق، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب .
136ـ علوم الحديث، أبو عمرو عثمان الشهرزوري، تح: د.نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، إعادة ط3/1998م.(1/273)
137ـ علوم القرآن الكريم، د. نور الدين عتر، مطبعة الصباح، ط6/1996م .
138ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث، بيروت .
139ـ العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال .
140ـ غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، يحيى بن علي القرشي أبو الحسين، ت: محمد خرشافي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة ط1/1417هـ .
141ـ غريب الحديث، عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِي، تح: د.عبدالله الجبوري مطبعة العاني، بغداد، ط1/1397هـ
142ـ الفائق في غريب الحديث، محمود بن عمر الزمخشري، ت: علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت، ط2.
143ـ فتح المغيث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، دار الكتب العلمية، لبنان ط1/1403هـ.
144ـ الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بِقُم المشرَّفة، ط1/1412هـ .
145ـ الفصل للوصل المدرج في النقل، الخطيب البغدادي، تح: محمد مطر الزهراني، دار الهجرة، الرياض، ط1/1418هـ .
146ـ الفصول في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، إسماعيل بن عمر بن كثير، تح: محمد الخطراوي ومحيي الدين مستو، دار الكلم الطيب، دمشق ط9/1420هـ .
147ـ الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، محمد بن علي الشوكاني، تح: عبد الرحمن يحيى المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3/1407هـ .
148ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، المكتبة التجارية مصر، ط1 / 1356هـ.
149ـ القاموس المحيط للفيروزابادي، محمد بن يعقوب الشيرازي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3/1993.
150ـ قفو الأثر في صفوة علوم الأثر، رضي الدين محمد بن إبراهيم الحلبي، تح: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2/1408هـ .(1/274)
151ـ قواعد في أصول الحديث، أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي، بيروت ط/1984م .
152ـ قواعد في علوم الحديث، ظَفَر أحمد العثماني التَّهَانَوي، تحقيق وتعليق: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار القلم، بيروت، ط3/1972م .
153ـ القول المبتكر على شرح نخبة الفكر، قاسم بن قُطلوبغا، نسخة مكتبة سليمانية، قسم حاجي بشير آغا، (رقم: 81 )
154ـ القول المسدّد في الذب عن مسند أحمد، ابن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1/1401هـ .
155ـ الكاشف، شمس الدين الذهبي، تح: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة، جدة ط1/1992م .
156ـ الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله ابن عدي أبو أحمد الجرجاني، تح: يحيى غزاوي، دار الفكر، بيروت، ط3/1998م .
157ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، دار الكتب العلمية بيروت، ط/1992م .
158ـ الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، تح: أبو عبدالله السورقي وإبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة المنورة .
159ـ الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، نجم الدين الغزي، تح: جبرائيل سليمان جبور، ط2/1979م، دار الآفاق الجديدة، بيروت .
160ـ الكواكب النيرات فيمن اختلط من الرواة الثقات، محمد بن يوسف أبو البركات الذهبي الشافعي، تح: حمدي السلفي، دار العلم، الكويت .
161ـ لسان العرب، ابن منظور المصري، دار صادر، بيروت، ط1.
162ـ لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، تح: دائرة المعارف النظامية، الهند الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط3/1986م .
163ـ لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، ط1/1984م .
164ـ لمحات موجزة في أصول علم العلل، د. نور الدين عتر، ط: جامعة دمشق ط1/2003م .
165ـ المجروحين، أبو حاتم محمد بن حبان البستي تح: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب .(1/275)
166ـ مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تح: أنور الجزار وعامر الباز، دار الوفاء، ط3/2005م .
167ـ المجموع شرح المهذب، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، طبعة دار الفكر، بيروت .
168ـ محمد رسول الله، الشيخ عبد الله سراج الدين، دار الفلاح، حلب ط7/1990م.
169ـ مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، تح: محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، ط/1995 .
170ـ المختلطين لصلاح الدين العلائي، ت: رفعت فوزي عبد المطلب، وعلي مزيد، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1/1996م .
171ـ المدخل إلى السنن الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، تح: محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، ط/1404هـ
172ـ المدخل إلى علم الحديث، الدكتور طارق بن عوض الله، دار ابن القيم الرياض، ط1/2003م.
173ـ المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل، أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، تح: معتز الخطيب، دار الفيحاء، دمشق، ط1/2001م .
174ـ مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى، تح: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1/1984م .
175ـ مسند الشافعي، محمد بن إدريس، دار الكتب العلمية، بيروت .
176ـ مسند القضاعي(محمد بن سلامة)، تح: حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة بيروت، ط2/1986م.
177ـ مشاهير علماء الأمصار، محمد بن حبان أبو حاتم البستي، تح: م. فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1959م .
178ـ المصباح المنير، أحمد بن علي الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت .
179ـ المصنَّف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تح: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1409هـ .
180ـ معاني القرآن الكريم، أبو جعفر أحمد بن محمد النحّاس، ت: محمد علي الصابوني، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1/1409هـ .
181ـ المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، تح:طارق بن عوض الله، وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، ط/1415هـ .(1/276)
182ـ معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار الفكر، بيروت.
183ـ معجم المحدثين، شمس الدين الذهبي، تح: د.محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق الطائف، ط1/1408هـ.
184ـ معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف إليان سركيس، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي .
185ـ معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، مكتبة أضواء السلف، ط1/1999م .
186ـ معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا، ط/1970م، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي .
187ـ المعرفة والتاريخ، أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، ت: الدكتور أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1981م .
188ـ المغرب في ترتيب المعرب، أبو الفتح ناصر الدين بن علي بن المطرّز تح: محمود فاخوري، وعبد الحميد مختار، مكتبة أسامة بن زيد، حلب ط1/1979م .
189ـ المغني في الضعفاء، محمد بن أحمد الذهبي، تح: د.نور الدين عتر .
190ـ مقالات الكوثري، الشيخ محمد زاهد الكوثري، مطبعة الأندلس، شارع الحميدية بحمص، 1388هـ .
191ـ مقدمة في أصول الحديث، عبد الحق الدهلوي، تعليق: سلمان الحسيني الندوي، دار ابن كثير، دمشق، ط1/2005م .
192ـ المقنع في علوم الحديث، عمر بن علي البقاعي، تح: عبدالله بن يوسف الجديع، دار فواز للنشر، السعودية، ط1/1413هـ .
193ـ المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، عبد الرحمن بن علي (ابن الجوزي)، دار صادر، بيروت، ط1/1358هـ .
194ـ منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث، بشير علي عمر، الناشر: وقف السلام، ط1/2005م .
195ـ منهج النقد عند المحدثين، نشأته وتاريخه، د. محمد مصطفى الأعظمي مكتبة الكوثر، السعودية، ط3/1990م.
196ـ منهج النقد في علوم الحديث، د.نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق ط3/1997م.
197ـ المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، محمد بن إبراهيم (ابن جماعة)، تح: محيي الدين رمضان، دار الفكر دمشق، ط2/1406هـ .(1/277)
198ـ الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، الدكتور حمزة المليباري، ط2/1422هـ .
199ـ الموضوعات، عبد الرحمن ابن الجوزي، تح: عبد الرحمن محمد عثمان ط1/1966م .
200ـ موطأ الإمام مالك بن أنس، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر .
201ـ الموقظة في علم مصطلح الحديث، محمد بن أحمد الذهبي، تح: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، ط8/1425هـ .
202ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد بن أحمد الذهبي، تح: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان .
203ـ النبذة الكافية في أصول الدين، ابن حزم الظاهري، تح: محمد عبد العزيز دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1405هـ .
204ـ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، ابن حجر العسقلاني، تح: د. نور الدين عتر، دار الخير، دمشق، ط2/1993م .
205ـ نصب الراية لأحاديث الهداية، عبدالله بن يوسف الزيلعي، تح: محمد يوسف البنوري، دار الحديث مصر، ط/1357هـ
206ـ نظرات في الحديث، أبو الحسن الندوي، دارابن كثير، دمشق، ط1/1999م.
207ـ نظرية نقد الرجال، د.عماد الدين الرشيد، دار الشهاب، أطروحة دكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية، ط/1999م .
208ـ النكت الوفية بما في شرح الألفية، إبراهيم بن عمر البقاعي رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ت: خبير خليل عبد الكريم .
209ـ النكت على مقدمة ابن الصلاح، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية ط1/1994م . وطبعة بتحقيق ربيع بن هادي المدخلي، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط1/1984م .
210ـ النكت على مقدمة ابن الصلاح، بدر الدين الزركشي، ت: زين العابدين بلافريج، مكتبة أضواء السلف، الرياض، ط1/1998م .
211ـ النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير الجزري، تح: طاهر الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت، ط/1979م .(1/278)
212ـ هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، مراجعة: مصطفى الهواري، مكتبة القاهرة، ط:1978م .
213ـ اليقين بمعرفة من رمي من المحدثين بقبول التلقين، محمد بن عبدالله حيّاني مكتبة الرشد ناشرون، الرياض، ط1/2007م .
214ـ اليواقيت والدرر في شرح شرح نخبة الفكر، محمد عبد الرؤوف المناوي تح: د. المرتضى الزين أحمد، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/1999م .
الأبحاث المنشورة:
1ـ دلالة النظر والاعتبار عند المحدثين في مراتب الجرح والتعديل، للدكتور أحمد نور سيف، وهو بحث منشور في مجلة البحث العلمي الصادرة عن جامعة أم القرى(54) العدد الثاني، لعام 1399هـ .
2ـ (السبر عند المحدثين وإمكانية تطبيقه عند المعاصرين) للدكتورأحمد عزي وهو بحث مقدم إلى ندوة علوم الحديث واقع وآفاق المنعقدة عام 2003م في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي .
3ـ الضبط عند المحدثين وأثره في الراوي والمروي، للدكتور: زياد عواد أبو حماد. والبحث منشور في مجلة جامعة دمشق، المجلد(18)، العدد(2)، 2002م .
خامساً: فهرس موضوعات الرسالة
الموضوع ... الصفحة
الإهداء ... 1
شكر وتقدير ... 2
أهل الحديث ... 3
المقدمة ... 4
سبب اختيار البحث ... 5
منهج البحث ... 6
خطة البحث ... 7
الفصل التمهيدي: مفهوم الضبط عند المحدثين ... 12
تعريف الضبط، ودليل اشتراطه، وسبب اعتباره ... 14
دليل اشتراط الضبط ... 16
سبب اعتبار الضبط في الرواية ... 17
أقسام الضبط ... 18
معرفة ضبط الرواة ... 22
فروع اختلال الضبط ... 27
أهم مظاهر اختلال الضبط ... 27
خاتمة الفصل التمهيدي ... 30
الفصل الأول: سوء الحفظ، وأهم المصطلحات المتصلة به ... 31
المبحث الأول: مفهوم سوء الحفظ وأثره في ضبط الراوي ... 32
المطلب الأول: تعريف سوء الحفظ، وتحرير التعريف ... 33
المطلب الثاني: أثر سوء الحفظ في ضبط الراوي ... 38
المبحث الثاني: دراسة أهم المصطلحات المتصلة بسوء الحفظ ... 41
المطلب الأول: الوهم، والغلط ... 44
تعريف الوهم لغة واصطلاحاً ... 44
طريق معرفة الوهم ... 46(1/279)
الوهم الذي ترد به الرواية ... 47
تعريف الغلط ... 48
المطلب الثاني: الغفلة، والتساهل في سماع الحديث وإسماعه ... 55
تعريف الغفلة ... 55
أسباب السهو والغفلة ... 56
ضابط الغفلة ... 57
التساهل في سماع الحديث، وإسماعه ... 59
سبب رد المحدثين لرواية من عرف بالتساهل ... 64
المطلب الثالث: مخالفة الثقات ... 66
تعريف المخالفة ... 66
خاتمة الفصل الأول ... 71
الفصل الثاني: أسباب سوء الحفظ ... 72
المبحث الأول: الانشغال عن الحديث بغيره ... 74
المطلب الأول: الاشتغال بالعبادة ... 76
المطلب الثاني: الاشتغال بالفقه ... 81
المطلب الثالث: الاشتغال بالقراءات ... 83
المطلب الرابع: الاشتغال بالسيرة أو التاريخ ... 85
المطلب الخامس: الاشتغال بالقضاء ... 88
المبحث الثاني: ذهاب الكتب ... 90
المطلب الأول: احتراق الكتب ... 93
المطلب الثاني: دفن الكتب ... 96
المطلب الثالث: غرق الكتب ... 100
المطلب الرابع: سرقة الكتب ... 104
المبحث الثالث: الأعراض الجسمية والنفسية العارضة للراوي ... 111
تعريف العارض وأقسام العوارض ... 112
المطلب الأول: الأعراض الجسمية ... 113
المطلب الثاني: الأعراض النفسية ... 119
خاتمة الفصل الثاني ... 121
الفصل الثالث: دلائل سوء حفظ الراوي ... 122
المبحث الأول: التفرد الذي لا يحتمل من مثله ... 125
تعريف التفرد وأقسامه ... 125
من القرائن التي يعلّ بها الأئمة النقاد تفرد الراوي
المبحث الثاني: اضطراب الرواية والجمع بين الرواة ... 131
المطلب الأول: اضطراب الرواية ... 132
المطلب الثاني: الجمع بين الرواة ... 136
المبحث الثالث: القلب والإدراج والتصحيف ... 140
المطلب الأول: قلب الأسانيد أوالمتون ... 141
تعريف المقلوب، والحامل للرواة عليه مع الأمثلة ... 141
المطلب الثاني: الإدراج في الأسانيد أوالمتون ... 144
تعريف الإدراج، والحامل للرواة عليه مع الأمثلة ... 144
المطلب الثالث: التصحيف في الأسانيد أوالمتون ... 149
أمثلة علىالعلل الواقعة بسبب التصحيف
المبحث الرابع: رفع الموقوف ووصل المرسل ... 153
تعريف الموقوف والمرسل ... 154
أمثلة تطبيقية على رفع الموقوف ... 155(1/280)
أمثلة تطبيقية على وصل المرسل ... 156
المبحث الخامس: قبول التلقين ... 158
تعريف التلقين، وحكم رواية المتلقن ... 158
أمثلة على التلقين ... 159
خاتمة الفصل الثالث ... 162
الفصل الرابع: أقسام سوء الحفظ ... 163
المبحث الأول: سوء الحفظ الملازم للراوي ... 164
أقسام الرواة من جهة قَبول مروياتهم وردّها
المطلب الأول: مفهوم الحديث الشاذ وأقسامه ... 166
تعريف الإمام الشافعي والحاكم للشاذ ... 166
تعريف الإمام الخليلي للشاذ ... 167
انتقاد الحافظ ابن الصلاح للحاكم، وأبي يعلى الخليلي في تعريف الشاذ والتحقيق في ذلك
العلاقة بين الشاذ والمعلل ... 170
أقسام الشاذ ... 172
العلاقة بين الشاذ والمنكر والتحقيق في ذلك ... 174
المطلب الثالث: علاقة سوء الحفظ بالنكارة والشذوذ
المبحث الثاني: الاختلاط ... 184
المطلب الأول: تعريف الاختلاط، وفائدة معرفته، وما أُلِّفَ فيه
المطلب الثاني: طرق معرفة اختلاط الراوي
المطلب الثالث: أصناف المختلطين
تقسيم الحافظ أبي سعيد العلائي للمختلطين ... 193
تقسيم الحافظ ابن رجب الحنبلي للمختلطين ... 194
ميزات منهج ابن رجب في تقسيم المختلطين ... 198
اختلاط الصحائف ... 198
المطلب الرابع: حكم رواية المختلط
خاتمة الفصل الرابع ... 204
الفصل الخامس: القيمة العلمية لرواية سيء الحفظ ... 205
المبحث الأول: تقوية حديث سيء الحفظ ... 206
المطلب الأول: حديث سيء الحفظ قابل للاعتضاد
المطلب الثاني: شرط العاضد لحديث سيء الحفظ
مسألة في كثرة طرق الضعيف التي لا يجبر بعضها ببعض ... 217
المطلب الثالث: ارتقاء حديث سيء الحفظ إلى درجة القبول
أمثلة عن اعتضاد حديث سيء الحفظ، وارتقائه إلى الحسن لغيره
حكم الاحتجاج بالحسن لغيره
المبحث الثاني: الأحوال التي تقبل فيها رواية سيء الحفظ
المطلب الأول: رواية سيء الحفظ من كتابه
أمثلة تطبيقية على رواية سيء الحفظ من كتابه
المطلب الثاني: رواية إمام حافظ حاذق عن سيء الحفظ
المطلب الثالث: رواية سيء الحفظ عمن عرف بضبطه لحديثه
خاتمة الفصل الخامس ... 246(1/281)
الفصل السادس: سيء الحفظ في ميزان الجرح والتعديل ... 247
المبحث الأول: علم الجرح والتعديل عند المحدثين ... 248
المطلب الأول: تعريف علم الجرح والتعديل، وبيان نشأته ... 250
نشأة علم الجرح والتعديل ... 251
المطلب الثاني: أدلة مشروعية الجرح والتعديل ... 255
المطلب الثالث: أهمية علم الجرح والتعديل ... 259
المبحث الثاني: مراتب الجرح عند المحدثين ... 265
مراتب الجرح عند الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ... 266
مراتب الجرح عند الحافظ الذهبي ... 268
مراتب الجرح الستة مع الأمثلة التطبيقية لكل مرتبة ... 269
المبحث الثالث: الاعتبار برواية سيء الحفظ ... 275
تعريف الاعتبار لغة ... 276
تعريف الاعتبار اصطلاحاً ... 277
أمثلة تطبيقية على (الاعتبار) ... 279
خاتمة الفصل السادس ... 282
الخاتمة العامة ... 283
الفهارس العامة ... 287
فهرس الآيات القرآنية ... 288
فهرس الأحاديث النبوية والآثار ... 289
فهرس الأعلام المترجمة ... 292
فهرس المصادر والمراجع ... 302
فهرس الموضوعات ... 319(1/282)