زيادة الثقة في كتب مصطلح الحديث
زيادة الثقة
في
كتب مصطلح الحديث
- دراسة موضوعية نقدية -
بقلم
د. حمزة عبد الله المليباري
المحاضر المتفرغ بالجامعة الأردنية
مُلتقى أهل الحديث
www.ahlalhdeeth.com(1/1)
مقدمة :
لقد ذكر في كتب المصطلح: مقدمة ابن الصلاح وما بعدها، موضوع ''زيادة الثقة'' مرة تحت عنوان خاص، وأخرى ضمن أنواع متعددة، مثل''المعلول'' و''الشاذ'' و''المنكر'' وغيرها، فعند دراسة هذه الأنواع دراسة تحليلية ومقارنة نجدها تشكل وحدة موضوعية، يجب اعتبارها عند تفصيل الأحكام، وعلى الرغم من ذلك فإن حكم زيادة الثقة في تلك الكتب متفاوت؛ يوافق حينا منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف، وفي آخر طريقة الفقهاء المتأخرين، وفي الثالث منهجا متوسطا بينهما.
لذا جاء هذا البحث ليجلِّيَ هذه المسألة وفق منهجية أرجو أن تكون منضبطة بقواعد النقد عند المحدثين، ثم ليؤكدَ الوحدة الموضوعية بين زيادة الثقة وتلك الأنواع، ويزيلَ التوهم المفترض عند بعض الدارسين في أن زيادة الثقة نوع قائم بذاته. وكان كل ذلك مستمدا من نصوص علمائنا السابقين. وبهذا فإني أتطلع إلى أن يكون هذا البحث إضافة علمية تتسم بالجدية والجدة في هذا العلم. إن شاء الله تعالى.
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فإن مسألة ''زيادة الثقة'' تشكل نقطة علمية حساسة من بين مسائل علوم الحديث لكونها مصدرا لكثير من الأحكام الفقهية والقضايا العقدية والسلوكية التي اختلف العلماء فيها قديما، أو التي يثار حولها اختلاف من جديد، ولذلك أصبحت هذه المسألة محل اهتمام بالغ من العلماء قديما وحديثا، حيث عقدوا لها مبحثا خاصا في كتب المصطلح، بل صدرت عن بعضهم بحوث مستقلة في سبيل معالجتها تنظيرا وتطبيقا، وعلى الرغم من ذلك كله فإن مسألة زيادة الثقة لا يزال يكتنفها كثير من الغموض، ونجمت عن ذلك آثار سلبية تعاني منها الأمة الإسلامية في كثير من المجالات الشرعية، ومن أخطرها ما نلمسه في كتب بعض المعاصرين من إطلاق القول بأن ''زيادة الثقة مقبولة كما هو المقرر في كتب المصطلح''؛ ليتخذوا ذلك ذريعة لتصحيح ما أعله نقاد الحديث من زيادات الثقات، إذ يكمن في ذلك طمس تدريجي لأهم معالم النقد عند المحدثين.
وإذا كان النقاد قد نصوا في بعض المناسبات على قبول زيادة الثقة أو الأوثق[1]؛ بحيث يخيل إلى القارئ المستعجل أن موقفهم في ذلك هو القبول المطلق، فإن عملهم النقدي المتمثل في رد الزيادة مرة وقبولها أخرى بغض النظر عن حال الراوي الثقة أو الأوثق يكون كافيا للتفسير بأن ذلك ليس حكما مطردا منهم، وإنما قبلوا فقط بمقتضى القرائن المحيطة بها [2]، أو بالرجوع إلى الأصل في حال الراوي الثقة الذي زاد في الحديث، بعد تأكدهم من سلامته من جميع الملابسات الدالة على احتمال الخطأ والوهم أو النسيان. ولذلك يكون قول الإمام أبي عبد الله الحاكم في نوع العلة: ''والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير''[3] من أحسن ما ينبغي أن يقال في مجال زيادة الثقة.
ولعل من أكثر العوامل إسهاما في بقاء مسألة زيادة الثقة بعيدة عن منهج المحدثين النقاد في التنظير والتطبيق عند كثير من المعاصرين ما قد يلمس في مقدمة ابن الصلاح وما بعدها من كتب المصطلح من غياب الوحدة الموضوعية بين زيادة الثقة وبين ما يتصل بها من الأنواع كالشاذ والمنكر والعلة وغيرها، إذ كانت مطروقة في مواضع متباعدة منها،[4] دون التركيز على بلورة الصلة فيما بينها، بحيث يخيل إلى القارئ أنها أنواع مستقلة يتميز كل منها بأبعاده وخصائصه عن الآخر.
وكذلك ظاهرة التلفيق بين طريقة الفقهاء، والأصوليين، وطريقة المحدثين في معالجة هذه المسألة، كان لها دور كبير في تعقيد أمرها، وأول كتاب نجده قد انتهج هذا الأسلوب المزدوج هو كتاب '' الكفاية'' للخطيب البغدادي[5]، ثم أصبح ذلك منهجا مستقرا عند اللاحقين؛ إذ وسعوا في كتبهم سردَ آراء أهل الكلام والأصول حول تلك المسألة، مع ذكر حجج كل منهم، حتى طغت آراؤهم فيها على رأي نقاد الحديث.(1/2)
وإليك من النصوص ما يؤيد ذلك:
قال ابن رجب الحنبلي: ''وقد صنف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفا حسنا سماه "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وقسمه قسمين: أحدهما ما حكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد وتركها، والثاني ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها، ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقا كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء وهذا يخالف تصرفه في كتاب تمييز المزيد، وقد عاب تصرفه في كتاب "تمييز المزيد" بعض محدثي الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب الكفاية'' [6].
ويقول البقاعي: ''إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرا لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكم مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن''[7].
ويقول الحافظ العلائي : ''وأما الشيخ تقي الدين بن الصلاح فإنه توسط بين أهل الحديث وأئمة الأصول، وقسم الزيادة إلى ثلاثة أقسام''[8]
والجدير بالذكر أن هذه المسألة من تلك الأنواع التي يجب الرجوع فيها إلى نقاد الحديث وحدهم لكونها في صلب تخصصاتهم النقدية، ولأن منهجهم في نقد المرويات ينبغي أن يكون وحده المعول عليه في معرفة المقبول والمردود من زيادات الثقات؛ إذ كانت حجتهم في ذلك حفظ الأحاديث وفهم محتواها ومعرفة ملابسات رواياتها، ولذا لا يكون كافيا في قبول الزيادات أن يعتمد على ثقة راويها وإتقانه اعتمادا كليا بحجة أن النقاد جعلوا ذلك قرينة لقبولها في بعض المرويات؛ إذ إنه لا يلزم أن تكون تلك القرينة هي نفسها صالحة للاعتماد في المرويات الأخرى.
وقد أكد ذلك أئمتنا الحفاظ، يقول الحافظ العلائي: ''ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص. وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات. ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده.والله أعلم''[9].
ويقول الحافظ ابن حجر: ''يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك ( يعني في التصحيح والتضعيف)، والتسليم لهم فيه''[10].
ويقول أيضا:''…فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه'' [11].
ويقول الحافظ ابن كثير : ''أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم، واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة، والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذابا، أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم''[12].
ويقول السخاوي: فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح اهـ[13].
وتظهر مما ذكرنا أهمية دراستنا لـ''مسألة زيادة الثقة'' دراسة نقدية مركزة على الجانب الذي يكون فيه حل مباشر للمعضلات العلمية التي أشرنا إليها آنفا، وبعيدة عن أسلوب الحشو والتكرار، عسى أن نحقق بذلك الهدفَ الذي نصبو إليه من وراء كتابة هذا البحث.
ولذلك عقدنا هذا البحث لننظر ماذا تقرر في كتب المصطلح التي نعدها مصادر أصيلة في علوم الحديث: قبول الزيادة من الثقة مطلقا أو مقيدا، وما رأي المحدثين الحفاظ في ذلك. دون أن نتطرق إلى القضايا الأخرى التي أفاض فيها السابقون، وذلك من خلال تتبع الأنواع والمصطلحات التي لها صلة وثيقة بمسألة زيادة الثقة حتى نخرج بنتيجة علمية موحدة ومؤسسة، وهذا أهم جوانب هذه المسألة الذي لم نر له أثرا في البحوث المعاصرة. وكان علي أن أذكر أمثلة لكل نقطة أتطرق لها في هذا البحث، لكني آثرت عدم ذكرها خشية الطول، ونزولا عند قواعد النشر العلمي وقوانينه التي تقتضي أن يتقيد البحث العلمي بصفحات معدودة، بل كلمات محددة.
ومن الجدير بالذكر أن مسألة زيادة الثقة قد وردت في مواضع متفرقة من كتب المصطلح؛ مرة تحت عنوان ''زيادة الثقة''، وأخرى ضمن أنواع متعددة؛ مثل ''المعلول''، و''الشاذ''، و''المنكر''، وغيرها؛ مما أدى إلى تغاير حكم هذه المسألة على أشكال مختلفة، ونجملها فيما يلي:
أولا: أن يدور القبول والرد فيما زاده الثقة على القرائن والملابسات، فلا تقبل الزيادة ولا ترد إلا بمقتضى القرائن المحيطة بها، ولا ينهض بذلك إلا نقاد الحديث. وذلك خلاصة حكم زيادة الثقة المذكورة ضمنا في نوع ''العلة''.
ثانيا: أن يكون حال الراوي ميزانا للقبول والرد؛ فإن كان راوي الزيادة أوثق وأحفظ فهي مقبولة، وإلا فمردودة، وهو خلاصة حكم زيادة الثقة المبينة ضمنا في نوعي ''الشاذ'' و''المنكر''.
ثالثا: أن يكون معيار الرد هو أن تكون الزيادة منافية لما رواه الناس، فلا تكون مردودة إلا في حالة منافاتها لما رواه الناس، وأما في غير ذلك فالزيادة مترددة بين القبول والرد، وهو ما خلص إليه حكم الزيادة صراحة في نوع ''زيادة الثقة''.
وهكذا وقع حكم زيادة الثقة غير منضبط بقواعد النقد المتبعة لدى المحدثين المتقدمين، وعلى صور مختلفة تكاد تكون قريبة من منهج علماء الكلام والأصول، ومع ذلك فلا يصفو كثير منها من كدر الإشكال عند التنظير، والاضطراب عند التطبيق.
وإذ نعرض هذا البحث من الزاوية النقدية، فإننا لا نقصد بذلك أن نتحامل على أحد من علمائنا الصالحين الذين ندين الله باحترامهم وحبهم، وإنما نسعى فقط إلى إحياء منهج المحدثين النقاد في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال مسألة جزئية حساسة من مسائل علوم الحديث، معلنين براءتنا في الوقت نفسه من جميع ما قد يفهم خطأ من أسلوبنا النقدي من منافاة مع المبادئ الإسلامية في احترام سلفنا الصالح . [إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب].
فرحم الله تعالى كل من خدم هذا العلم بإخلاص، وجزاهم أحسن جزاء، وتقبل الله منا هذا الجهد قبولا حسنا، ووقانا الله وإياكم من شرور أخطائنا وأوهامنا، فسبحان من لا يخطئ ولا يسهو.
هذا ونظراً لما اقتضته المادة العلمية لهذا الموضوع من بسط وتوسعة، وما تتطلبه أبعاده وجوانبه من توضيح وتأسيس، ارتأيت أن أقسم البحث إلى أربعة مباحث :
المبحث الأول: ماذا نعني بمسألة زيادة الثقة.
والمبحث الثاني: المعلول وعلاقته بزيادة الثقة.
والمبحث الثالث: الشاذ والمنكر وعلاقتهما بزيادة الثقة.
والمبحث الرابع: مسألة زيادة الثقة وتأصيلها في كتب المصطلح.(1/3)
المبحث الأول ماذا نعني بمسألة زيادة الثقة ؟
لنتمكن من حصر الأنواع التي تشكل مع زيادة الثقة وحدة موضوعية، يتعين علينا الانطلاق من تحديد مفهوم هذه المسألة؛ ولذا نقول إن المقصود منها: أن يروي جماعة حديثا واحدا بإسناد واحد، فيزيد بعض الثقات فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة،[14] سواء أكان ذلك في السند أم في المتن أم كان في كليهما. ولذا فإن هذه المسألة تشمل جميع صور الزيادة التي تقع من الثقة، سواء أكان الثقة واحدا أم أكثر، وسواء أكانت الزيادة صحيحة أم ضعيفة، وسواء أكانت في السند والمتن أم في أحدهما. ويستثنى منها ما يذكره الصحابي من الزيادات فإنها مقبولة دون خلاف[15].
هذا وقد نص الحافظ ابن حجر على أن في زيادة الثقة ما هو مقبول وما هو مردود تبعا للقرائن المحيطة بها، وقد يكون من القرائن ما يدل على أن الزيادة مدرجة في الحديث، وأنها كانت من قول فلان، أو من حديث آخر. يقول الحافظ في صدد قبول الزيادة وردها ضمن دفاعه مجملا عن الإمام البخاري، حيث انتقده الإمام الدارقطني في ذلك :
'' ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها، فهذا لا يؤثر التعليل به، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع ، أما إن كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين''[16]، وعليه فهذا النوع من الزيادات يكون مردودا لثبوت إدراج تلك الزيادة في الحديث، يعني أن ما أدرجه الثقة لا يكون من لفظ الحديث وغير مقبول جعله جزءا منه.
وإن كانت زيادة الثقة تشمل السند والمتن، فمسألة تعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، والمزيد في متصل الأسانيد، وتعارض الزيادة والنقص في المتن، والشاذ والمنكر والمعلول عموما، تشكل أساسيات في زيادة الثقة. وهي إما أن تكون صحيحة أو ضعيفة، وذلك لأنه إذا تبين للناقد أن الراوي الثقة لم يكن واهما حين زاد في الحديث؛ لوجود قرائن تدل على ذلك، فيكون ما زاده صحيحا. وإذا تبين أن الراوي كان واهما لكونه قد أدرج في الحديث ما ليس منه بسبب الاختلاط، أو لنقله بالمعنى، أو غير ذلك من الأسباب فتكون تلك الزيادة معلولة، وإن شئت سمها شاذة، أو منكرة [17]، أو مدرجة، أو مقلوبة. وإذا لم يتبين الخطأ ولا الصواب في تلك الزيادة التي زادها أحد الثقات فتصير مقبولة نظرا إلى الأصل في حاله. ومن ثم فإن زيادة الثقة لا تشكل نوعا مستقلا عن تلك الأنواع المذكورة، وإنما تكون متداخلة فيها. وعلى هذا الواقع ينبغي أن نعالجها ونبين تفاصيلها ونؤسس أحكامها وفق منهج المحدثين الحفاظ.
وأما إذا تناولنا مسألة 'زيادة الثقة' باعتبار كونها نوعا مستقلا لا يتصل بتلك الأنواع وبشكل تلفيقي بين مناهج مختلفة فتزداد المسألة تعقيدا وغموضا ولبسا عند تنظيرها وتطبيقها، وآثار ذلك في كثير من البحوث المعاصرة واضحة جدا.
ولتكون المسألة أكثر وضوحا فإني أذكر فيما يلي مثالين فقط:(1/4)
مثال توضيحي
قال الإمام مسلم :
1- ''حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجَحْدَري ومحمد بن عبد الملك الأموي، واللفظ لأبي كامل، قالوا حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان ابن عبد الله الرقاشي قال:
صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة. قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم[18]. ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمَّ القومُ، فقال: لعلك يا حطان قلتها! قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تَبكَعني بها ، فقال رجل من القوم: أنا قلتها ولم أُرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال [غير المغضوب عليهم ولا الضالين] فقولوا: ''آمين''، يجبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا؛ فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ''اللهم ربنا لك الحمد''، يسمع الله لكم فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: ''سمع الله لمن حمده''، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم ''التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله''.
2- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا سعيد بن أبي عروبةح وحدثنا أبو غسان المسمعي حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن سليمان التيمي كل هؤلاء عن قتادة في هذا الإسناد بمثله. وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة: ''وإذا قرأ فأنصتوا''. وليس في حديث أحد منهم: ''فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده'' إلا في رواية أبي كامل وحده عن أبي عوانة .
3- حدثنا إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بهذا الإسناد. وقال في الحديث: فإن الله عز وجل قضى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده''[19].
أوضح مسلم هنا أن سعيد بن أبي عروبة وهشاما الدستوائي وسليمان التيمي شاركوا مع أبي عوانة في نقل الحديث عن قتادة، وزاد سلميان فيه كلمة:''وإذا قرأ فأنصتوا''.وسليمان التيمي ثقة، كما نص على أن أبا كامل زاد في حديثه عن أبي عوانة عن قتادة: ''فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده''، غير أن مسلما أشار إلى أن هذه الزيادة لها أصل في حديث قتادة، حين رواه في آخر الباب عن طريق معمر عن قتادة.
وأما الزيادة الأولى - وهي ''وإذا قرأ فأنصتوا'' - فقد أعلها نقاد الحديث قاطبة، وسبب الإعلال هو ما صرح به الإمام مسلم آنفا من مخالفة سليمان التيمي لجماعة من الثقات. ولذا يحتمل أن يكون مسلم قد ذكر هذه الزيادة هنا في معرض بيان الفرق بين سليمان التيمي وبين الثقات حين جمع بين رواياتهم، كما قال الحافظ أبو مسعود الدمشقي[20]، ولم يكن غرضه في ذلك هو تصحيح هذه الزيادة والاعتماد عليها.
ويتأيد ذلك بأن الإمام مسلما لم يذكر شيئا يشير إلى ثبوتها في حديث قتادة، بعد أن أشار إلى الاختلاف، كما صنع في الزيادة الثانية، كما أنه لم يورد هذا الحديث في موضوع قراءة المأموم، بل أورده في موضوع التشهد. وهذا التوجيه محل نزاع بين المتأخرين، إذ يرى بعضهم أن الإمام مسلما صحح هذه الزيادة بحجة أنه ذكره في صحيحه. وعلى كل حال فلا مانع هنا أن نجعل هذا الحديث مثالا لنوعين من زيادة الثقة: المردودة والمقبولة حسب رأي النقاد.(1/5)
مثال شبيه بمسألة زيادة الثقة
أما النوع الذي يعده بعض المعاصرين[21] من قبيل زيادة الثقة دون أن يكون منها حقيقة فمثاله ما روى أبو قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة ''أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين''[22]. ورواه أيضا عن المغيرة جماعة كثيرة من أهل المدينة والكوفة والبصرة، لكن بلفظ: ''أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين''[23].
وقال ابن دقيق العيد: ''ومن يصححه يَعتمد بعدَ تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفا لرواية الجمهور مخالفة معارضة بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سندها''[24]. ولعل ابن دقيق العيد قصد بذلك الإمام الترمذي لأنه هو الذي صحح هذا الحديث حيث قال في سننه: ''حسن صحيح''[25].
وقال بعض الأفاضل مؤيدا للإمام الترمذي في تصحيحه لهذا الحديث: ''أعله بعض العلماء بعلة غير قادحة، منهم أبو داود فقد قال عقبه: 'كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين'، وهذا ليس بشيء لأن السند صحيح ورجاله ثقات، وليس فيه مخالفة لحديث المغيرة المعروف في المسح على الخفين فقط، بل فيه زيادة عليه، والزيادة من الثقة مقبولة كما هو المقرر في المصطلح، فالحق أن ما فيه حادثة أخرى غير الحادثة التي فيها المسح على الخفين ، وقد أشار لهذا العلامةُ ابن دقيق العيد، وقد ذكر قوله الزيلعي في نصب الراية [26].
قلت :يعني بذلك قول ابن دقيق العيد: ''بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه''، ووجه الإشارة: أنه لا يعقل أنه صلى الله عليه وسلم مسح الخفين والجوربين جميعا في حادثة واحدة، فدل ذلك على تعددها. ولعل هذا مجرد توجيه منه لتصحيح الترمذي ذلك الحديث.
ونحن ذكرنا هذا المثال في هذه المناسبة لأن حديث هزيل بن شرحبيل جعله البعض من قبيل زيادة الثقة، ثم أتبعه القول: ''والزيادة من الثقة مقبولة كما هو المقرر في المصطلح''[27].
أقول: ليس هذا الحديث من نوع زيادة الثقة لأن هزيل بن شرحبيل لم يرو عن المغيرة ''مسح الخفين'' أصلا، حتى يقال إنه زاد في لفظ الحديث، وإنما استبدل حديث المغيرة في المسح على الجوربين والنعلين، بما اشتهر عن المغيرة من حديث المسح على الخفين، ويكون بذلك قد خالف الناس في نقل الحديث من أصله عن المغيرة، وهذا هو رأي النقاد.
يقول علي بن المديني: ''حديث مسح الخفين رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس''[28].
ويقول ابن معين: ''الناس كلهم يروون المسح على الخفين غير أبي قيس''[29]. يعني عن المغيرة. وكذا أعله سفيان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ومسلم والبيهقي[30].
ومن هنا أصبح الفرق واضحا بين المثالين السابقين؛ لأنه إذا كان الحديث الأول مثالا لزيادة الثقة، فإن الحديث الثاني يكون نموذجا لتفرد الراوي الثقة بالحديث من أصله، فقد قال الحافظ ابن حجر: إن الفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة ظاهر[31].
وبعد تحديد المقصود من مصطلح ''زيادة الثقة'' وإزالة الغموض عن مدلوله آن الأوان لندخل في دراسة هذا النوع في كتب المصطلح، وعلاقته بالمعلول والشاذ والمنكر. وقد آثرنا في ذلك كتاب ابن الصلاح؛ لأن معظم الكتب في مصطلح الحديث التي جاءت بعده قد انتهجت منهجه في معالجة زيادة الثقة دون استدراك عليه ولا نقد يذكر.(1/6)
المبحث الثاني العلة وعلاقتها بزيادة الثقة
قال الإمام ابن الصلاح (رحمه الله تعالى):
فالحديث المعلل هو: ''الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها. ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه. وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه''[32].
وقوله الذي وضعنا تحته الخط يضم مسألة زيادة الثقة بشكل واضح، وذلك أن المخالفة بين الرواة تكون في صور أشار إليها ابن الصلاح آنفا. وهي وصل المرسَل، ورفع الموقوف، وتداخل الأحاديث، وغير ذلك من الأوهام، ومن أظهر صور هذه المخالفة وأكثرها وقوعا أن يزيد أحدهم في الحديث ما لم يذكره غيره إما في الإسناد، أو في المتن أو في كليهما. فإذا زاد الثقة راويا أو كلمة أسقطها غيره من الرواة، ظهرت المخالفة بينهم، وبذلك أصبحت مسألة زيادة الثقة داخلة في نوع العلة.
وما ذكره ابن الصلاح في هذا النوع من تفاصيل الحكم يتسم بغاية من الدقة؛ إذ جعل حكم الحديث الذي يتفرد به الراوي الثقة أو خالف فيه غيره من الثقات دائرا على القرائن المحيطة بذلك الحديث. وهذا بعينه منهج المحدثين النقاد في معالجة ظاهرة المخالفة والتفرد، التي تشهدها أحاديث الثقات والضعفاء، ليتم لهم تمييز الخطأ عن الصواب. ولذا فإن جميع الأنواع التي تشترك مع نوع ''العلة'' في نقطتي التفرد والمخالفة يجب أن يكون الحكم فيها دائرا على القرائن وحدها، ومن تلك الأنواع مسألة ''زيادة الثقة''، وفي ضوء ذلك يمكن استخلاص حكم زيادة الثقة بما يلي:
أنه إذا دلت القرينة على أن الثقة حين زاد في الحديث كلمة، كان واهما أو ناسيا، فتعد الزيادة معلولة، وأما إذا لم تدل القرينة على ذلك فإنها قد تكون صحيحة أو حسنة؛ وذلك تبعا لدلالة القرائن المحيطة بالحديث وقوتها ووضوحها لدى النقاد.
ويتضح ذلك جليا من قول الحافظ ابن حجر وهذا نصه :
''وهذا (يعني قبول زيادة الثقة مطلقا) قول جماعة من أئمة الفقه والأصول، وجرى على هذا الشيخ محيى الدين النووي في مصنفاته. وفيه نظر كثير؛ لأنه يرد عليهم الحديث الذي يتحد مخرجه فيرويه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه ويرويه ثقة دونهم في الضبط والإتقان على وجه يشتمل على زيادة تخالف ما رووه إما في المتن وإما في الإسناد فكيف تقبل زيادته وقد خالفه من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم أو لكثرتهم، ولا سيما إن كان شيخهم ممن يجمع حديثه ويعتنى بمروياته كالزهري وأضرابه بحيث يقال: إنه لو رواها لسمعها منه حفاظ أصحابه ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة''.
''وقد نص الشافعي في ''الأم'' على نحو هذا فقال في زيادة مالك ومن تابعه في حديث (فقد عتق منه ما عتق [33]): إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه، أو بأن يأتي بشيء يشركه فيه من لم يحفظه عنه، وهم عدد وهو فرد، فأشار إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر عددا أنها تكون مردودة''[34]. انتهى
وبناء على ذلك فما يتعين فهمه من قول ابن الصلاح فيما يتصل بالعلة، أن زيادة الثقة لها صلة وثيقة بموضوع العلة، وأن قبول الزيادة وردها متوقفان على نوعية القرائن التي تحف بها، فإن دلت القرينة على أن الزيادة وهم من الراوي، فيحكم عليها بالرد، وإن دلت على ثبوتها فتعدّ صحيحة.
ومن الجدير بالذكر أن القرينة تختلف من حديث لآخر، وليس لها ضابط تقاس عليه الأحاديث كلها، وليست محصورة على مخالفة الثقة لعدد من الثقات أو لأوثق منه كما سبق. ولا يتأهل لإدراك نوعية القرائن وطبيعة دلالتها وأبعادها العلمية سوى نقاد الحديث كما أشار إليه ابن الصلاح حين قال: ''مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن''، ويعني بالعارف بهذا الشأن ناقد الحديث دون غيره.(1/7)
المبحث الثالث 'الشاذ' و'المنكر' وصلتهما بزيادة الثقة
قال ابن الصلاح في نوع ''الشاذ'' بعد ذكر الآراء المختلفة حول مدلوله:
''فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم، بل في ذلك على تفصيل نبينه فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة''.
''وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح، ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه: فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف ، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر. فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان : أحدهما : الحديث الفرد المخالف، والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف ، والله أعلم''. [35]
وقال في نوع المنكر: ''والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ، وعند هذا نقول: المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه''.
''مثال الأول (وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات) رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم[36]. فخالف مالك غيره من الثقات في قوله 'عمر بن عثمان' بضم العين، وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز: أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه: 'عمرو بن عثمان' -يعني بفتح العين- وذكر أن مالكا كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان، كأنه علم أنهم يخالفونه، وعمرو وعمر جميعا ولدا عثمان، غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو - بفتح العين - وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه. والله أعلم ''
''ومثال الثاني - وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده - : ما رويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق. تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه، غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده والله أعلم'' [37].اهـ
إن الشاذ والمنكر نوعان آخران من أنواع علوم الحديث التي تقوم عليها مسألة زيادة الثقة بشكل أساسي، وذلك إذا كان الشاذ ينقسم عند ابن الصلاح إلى الحديث الفرد المخالف، والحديث الفرد الذي ينفرد به الضعيف دون أن تكون فيه مخالفة لما رواه غيره فإن القسم الأول يكون قد شمل ما رواه الثقة مخالفا لمن هو أولى بحفظ ذلك، وتكون لهذه المخالفة صور شتى، منها الزيادة والنقص في السند أو في المتن أو في كليهما، كما شرحنا في نوع العلة. فإذا زاد الراوي في الحديث ما أسقطه منه من هو أولى بحفظ ذلك الحديث يكون قد دخل في القسم الأول من الشاذ، وأما إذا كان راوي الزيادة أولى بالحفظ ممن لم يذكرها في الحديث فحديثه صحيح، ولا يكون شاذا، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن إطلاق القبول في زيادة الثقة ينبغي أن يكون على مراعاة الأمور والملابسات التي تجعل راويها أولى بحفظها.
وبهذا الذي فصله الإمام ابن الصلاح في نوعي ''الشاذ'' و''المنكر'' مع ذكر الأمثلة يتبين جليا أن زيادات الثقات منها ما يصدق عليه الشاذ والمنكر، وذلك في حالة مخالفة الزيادة لما رواه من هو أولى بالحفظ والضبط. وعليه فإن قوله: ''إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا''، وكذلك قوله في الأخير: ''القسم الأول: الحديث الفرد المخالف'' كلاهما يشمل زيادة الراوي في الحديث بشرط أن يكون هو مخالفا لمن هو أولى منه بحفظها.
والجدير بالذكر أن ابن الصلاح قد حدد مفهوم الشاذ والمنكر بما هو أعم مما استقر عليه كثير من اللاحقين، حيث إن الحديث الفرد المخالف سواء كان راويه ثقة أم ضعيفا، وكذا الحديث الفرد الذي انفرد به الضعيف من أصله دون وجود مخالفة فيه لما رواه الآخرون أصبحا من مدلولات الشاذ والمنكر في رأي الإمام ابن الصلاح، على حين أن كثيرا من اللاحقين وجل المعاصرين يذهبون إلى أن الشاذ خاص بما رواه الثقة أو الصدوق مخالفا للأوثق أو جماعة من الثقات. وأن المنكر مقيد بما رواه الضعيف مخالفا للثقة. ولهذا وقع تعديل طفيف في نص ابن الصلاح حين لخصه اللاحقون في كتبهم، وإليك بعض النصوص على سبيل المثال:
قال السيوطي: ''فالصحيح التفصيل فإن كان الثقة بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط كان شاذا مردودا، ثم نقل عن الحافظ ابن حجر: أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه، وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح'' [38]، وقد أورد لذلك أمثلة من أحاديث الثقات . ثم ذكر في 'المنكر' نقلا عن الحافظ ابن حجر: ''إن الشاذ والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة ، ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق ، والمنكر راويه ضعيف. وقد غفل من سوى بينهما'' [39]. لعله يريد به ابنَ الصلاح.
وقال العراقي في تعريف الشاذ: ''وذو الشذوذ ما يخالف الثقة فيه الملأ''[40] وبين السخاوي صورة المخالفة بما يلي: ''أي بالزيادة أو النقص في السند أو في المتن''[41].
وهذه النصوص متفقة على أن الشرط في الشاذ هو أن يكون راويه ثقة مع وجود المخالفة بينه وبين من هو أوثق منه وأحفظ، وعليه فلا يعدُّ حديث الضعيف في هذه الحالة شاذا بل يكون منكرا.
والجدير بالذكر أنه لا فائدة تذكر في التفريق بينهما بهذا الشكل، بل إن ذلك مخالف لصنيع النقاد حيث يطلقون ''المنكر'' على الحديث إذا لم يكن معروفا عن الشخص الذي أضيف إليه سواء أ كان ذلك من ثقة أم ضعيف[42].
وأما الآخرون من المتأخرين مثل ابن الملقن والصنعاني فلم يختلفوا مع ابن الصلاح في مفهوم مصطلحي الشاذ والمنكر. يقول ابن الملقن في الموضوع نفسه مختصرا كلام ابن الصلاح:-''والصواب التفصيل: وهو أن الراوي إذا انفرد بشيء فإن كان مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه وأضبط كان تفرده شاذا مردودا''[43]. وكذا جاء تلخيص ابن الوزير والصنعاني لقول ابن الصلاح دون تغيير معتبر في سياقه[44]
فالذي يهمنا في هذه المناسبة أن زيادات الثقات فيها ما يصدق عليه الشاذ والمنكر، هذا على رأي ابن الصلاح وغيره، أو الشاذ وحده على رأي الآخرين من المتأخرين. ولذلك نرى الحافظ ابن حجر يصرح بوجود علاقة وثيقة بين الشاذ وزيادة الثقة، حيث يقول تعليقا على ابن الصلاح في مبحث تعارض الوصل والإرسال:
''وهنا شيء يتعين التنبيه عليه وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذا، وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أضبط منه أو أكثر عددا، ثم قالوا : تقبل الزيادة من الثقة مطلقا فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمونه شاذا أم لا؟ لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض''[45] .
ويؤكد الحافظ ابن حجر من خلال هذا النص وجود صلة وثيقة بين مسألة زيادة الثقة ومسألة الشاذ، لا سيما حين ألزمهم (رحمه الله) في آخر كلامه أحد الأمرين: الاعتراف بالتناقض بين قبولهم زيادة الثقة مطلقا وبين شرطهم في الصحيح أن لا يكون شاذا، أو أن يأتوا بالفرق بينهما.
ثم قال الحافظ في مبحث الشاذ: ''وعلى المصنف (يعني ابن الصلاح) إشكال أشد منه وذلك أنه يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا كما تقدم، ويقول: إنه لو تعارض الوصل والإرسال قدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال أكثر أو أقل حفظا أم لا، ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه. وإذا كان راوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا ؟''.
وتابع الحافظ قائلا: ''هذا في غاية الإشكال، ويمكن أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحة إنما يقوله المحدثون، وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال، والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك، والمصنف قد صرح باختيار ترجيح الوصل على الإرسال ولعله يرى عدم اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحيح لأنه هناك لم يصرح عن نفسه باختيار شيء، بل اقتصر على نقل ما عند المحدثين''[46].
ويتبين مما سبق أن الحديث الذي وقع فيه الاختلاف بين رواته الثقات بسبب زيادة أحدهم في سنده أو في متنه ينطوي عليه مفهوم الشاذ إذا كانت الزيادة خطأ أو وهما. إذن فلا يطلق القبول فيما زاده الثقة، وهنا حاول الحافظ ابن حجر أن يجيب عن ذلك التناقض بأن الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذا هم المحدثون، والذين يقبلون الزيادات التي قد تكون شاذة عند المحدثين هم أهل الفقه والأصول.
هذا وإن أجاب الحافظ ابن حجر عن تناقض الموقف في مبحثي الصحيح و الشاذ بما سبق آنفا فإن ما ذكره ابن الصلاح في مبحث ''العلة'' من دوران الحكم في ما تفرد به الثقة أو فيما خالفه غيره على ما يحيط به من القرائن والملابسات يختلف مع طبيعة تفصيله في نوع الشاذ؛ حيث إن الشاذ هو الحديث الذي خالف فيه الثقة لمن هو أحفظ، وجعل فيه الحكم بأنه مردود بمجرد كونه مخالفا لما رواه الأوثق، ويفهم من ذلك أنه إذا كان الذي زاد في سند الحديث أو في متنه أوثق وأحفظ فزيادته مقبولة، وبذلك أصبح الحكم مخالفا لما بينه في العلة، وإذا كان معنى الشاذ هو ما خالف فيه الثقة لمن هو أوثق منه فإنه لا يوجد فرق أصلا بين هذا النوع وبين نوع العلة؛ إذ العلة تشمل حالة المخالفة وحالة التفرد .
ويمكن الإجابة عن تفاوت الحكم بين المبحثين بما قاله الحافظ ابن حجر، وهو أن ابن الصلاح كان ناقلا عن المحدثين في مبحث العلة دون أن يبرز رأيه فيه، وأما في الشاذ فلعله رجح قول الفقهاء وأئمة الأصول، والله أعلم.(1/8)
فإذا قيل: إن ما قاله ابن الصلاح في نوع الشاذ يتسم بالدقة؛ حيث يكون سياق كلامه منسجما مع تفاصيل مبحث العلة، وهو اعتبار القرائن في رد زيادة الثقة، ولم يجعل أحوال الرواة معولا عليها في الرد والقبول، إذ قال (رحمه الله) : ‘‘فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك’’ أي لذلك الحديث، ولم يقل: ‘‘لما رواه أوثق منه ’’ كما وقع في نصوص اللاحقين، ويوجد بين السياقين فرق واضح؛ فإن كون الراوي أولى من غيره بحفظ ذلك الحديث الذي وقع فيه الخلاف بينهم لا يعرف إلا من خلال تتبع القرائن والملابسات، وهي كثيرة وغير محددة بالنسبة إلى كل حديث، ولذلك فإن التعويل في مثل هذه المسألة على كون الراوي أثبت وأحفظ وأضبط لا يكون مطردا، وقد يكون هذا أصلا معتمدا في قبول ما رواه أو زاده لكن فقط في حالة ما إذا لم تتوفر فيه القرائن الدالة على أن ذلك خطأ ووهم كما سبق ذكره.
وكذلك كلام الحافظ ابن حجر في هذا الموضوع جاء منسجما مع نوع العلة، حيث نقل عنه السخاوي في فتح المغيث [47] أنه قال: ‘‘فإن خولف - أي الراوي - بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالراجح يقال له المحفوظ ومقابله المرجوح ويقال له الشاذ ، والله أعلم’’. وقوله: لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات دليل على أن الحافظ لم يكن معتمدا على حال الراوي وحده في قبول الزيادات وردها.
يقال : بأن تلك الجملة وإن كانت واضحة في إفادة ذلك الذي قلناه آنفا، فإن سياق النصوص يفيد أن الحكم منوط بأحوال الرواة، وليس بالقرائن، فقد قال ابن الصلاح (رحمه الله تعالى) :
‘‘فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر ، فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف، والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.’’
ويفهم من هذا النص أن ميزان القبول والرد هو الحال العام للراوي، حيث جاء قوله على هذا النسق: ‘‘فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذاك، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به’’، فدل على أن أحوال الرواة هي التي تعتمد أساسا في قبول التفرد ورده.
وأما إذا كان المقصود من الفقرة الأولى هو كون الراوي مخالفا لمن هو أولى بحفظ ذلك الحديث فإن الأقسام التالية يجب أن يكون تقسيمها مبنيا على مدى ضعف الراوي في حفظ ذلك الحديث وضبطه وإن كان من أوثق الناس، وليس على تفاوته في الضبط والإتقان بشكل عام كما هو الظاهر من ذلك النص. والفرق بين هاتين الصورتين جلي حيث إن معيار القبول والرد في الصورة الأولى هو القرائن والملابسات، وفي الثانية حال الراوي فقط.
ولذلك جاء تلخيص المتأخرين لتلك الجملة مطابقا لسياق الجمل التي تليها. وانظر على سبيل المثال قول ابن الملقن وهو يلخص ذلك النص: ‘‘أن الراوي إذا انفرد بشيء فإن كان مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه وأضبط كان تفرده شاذا مردودا’’ [48]فجعل سبب الترجيح محصورا على كون الراوي أوثق وأضبط على الوجه العام، إذ لم يقل: ‘‘أولى بحفظ ذلك’’.
والذي نخلص إليه من دراسة نوعي الشاذ والمنكر أن زيادة الثقة التي سقط عنها الأوثق تعد مردودة لكونها داخلة في الشاذ أو المنكر، وأما إذا كانت الزيادة من الأوثق فهي مقبولة لخروجها من حدود هذين النوعين. وبالتالي أصبح القبول والرد في زيادة الثقة دائرين على حال الراوي، وهو خلاف ما سبق في نوع المعلول من دوران الحكم على القرائن.
ولكي تكون أحكام هذه الأنواع موحدة ومنسجمة مع منهج المحدثين النقاد في قبول الأحاديث وردها يجب أن يؤخذ ذلك الترابط الموضوعي الوثيق بعين الاعتبار حين يطرح كل منها للدراسة والبحث، كما يجب أن يجعل ما سبق في مبحث العلة ميزانا دقيقا لجميع أنواع علوم الحديث التي تشكل معها وحدة موضوعية. وإن كان هذا الأسلوب هو المتعين في معالجة موضوع زيادة الثقة بشكل خاص فيا ترى كيف عالج ابن الصلاح وغيره هذه المسألة حين أفردوها بالذكر كنوع مستقل؟ وكيف كان تأصيلهم لها؟ هذا ما سندرسه فيما يلي.(1/9)
المبحث الرابع مسألة زيادة الثقة وتأصيلها عند ابن الصلاح
وقال ابن الصلاح في مبحث زيادة الثقة:
''ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها، سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصا مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا. خلافا لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا، وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره. وقد قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا وصل الحديث قوم وأرسله قوم: أن الحكم لمن أرسله، مع أن وصله زيادة من الثقة''.
''وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام:
أحدها أن يقع مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ ''.
''الثاني: أن لا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره، كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا ، فهذا مقبول، وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ''.
''الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين ، مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث. مثاله: ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين''[49].
''فذكر أبو عيسى الترمذي[50]: أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله ''من المسلمين'' وروى عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة، فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد رضي الله عنهم، والله أعلم.
ومن أمثلة ذلك حديث: 'جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا'[51] فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي، وسائر الروايات لفظها: وجعلت الأرض مسجدا وطهورا ''.
''فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بها الحكم. ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما ''
''وأما زيادة الوصل مع الإرسال فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه، ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل. ويجاب عنه بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم، والزيادة ههنا مع من وصل. والله أعلم'' [52]اهـ.
لعل من الأفضل أن نقوم بتحليل هذه النصوص لننظر: كيف كان الحكم في زيادة الثقة التي أفرد ابن الصلاح موضوعها كنوع مستقل من أنواع علوم الحديث. وهل روعيت في هذا الحكم صلتها الوثيقة بالأنواع المذكورة. أم أن الحكم مبني على أن زيادة الثقة نوع مستقل له أبعاده وخصائصه.
لقد سرد الإمام ابن الصلاح في مستهل حديثه عن هذا النوع طائفة من الآراء المتباينة حول زيادة الثقة، فحكى فيه آراء الفقهاء والمحدثين بشكل لا يصفو للقارئ من كدر الإشكال والغموض. ولعل ابن الصلاح أحس بذلك في نفسه، ولهذا تحول إلى تقسيم الخبر الذي ينفرد به الثقة عموما إلى ثلاثة أقسام بعد أن ذكر في نوعي الشاذ والمنكر أقسام ما ينفرد به الراوي دون تقييده بالثقة، وذلك لترتسم في ذهن القارئ الصورة الحقيقية لهذه المسألة تمهيدا لفصل الحكم فيها، لكنه في آخر الأمر توقف عن إعطاء حكم مناسب لمسألة زيادة الثقة، حين قال:
''الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث،'' ثم ختمه بقوله بعد سرد الأمثلة: ''فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بها الحكم، ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما''.
إذن فلم يبت ابن الصلاح الحكم هنا في زيادة الثقة، وهذا ما قاله الحافظ ابن حجر: ''لم يحكم ابن الصلاح على هذا الثالث بشيء، والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من قبول ورد، بل يرجحون بالقرائن كما قدمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال''[53].(1/10)
وهنا نقطتان مهمتان:
الأولى: هل يكون هذا التقسيم خاصا بزيادة الثقة أم شاملا لجميع ما ينفرد به الثقة من المرويات بما فيه زياداته؟
الذي يبدو من تحليل تلك النصوص أن الذي قسمه ابن الصلاح هو ما ينفرد به الثقة عموما بحيث تدخل فيه الزيادة، وليس التقسيم مقيدا بزيادة الثقة، إذ قال: ''وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام'' ولم يقل: ''تقسيم ما يزيده الثقة''، والفرق بينهما جلي إذ الأول أعم من الثاني.
ويتأيد ذلك بما ورد في القسم الثاني من قوله: ''أن لا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره، كالحديث الذي تفرد برواية ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا، فهذا مقبول، وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ''.
وسياق هذا النص الذي جعل الحديث الفرد أنموذجا للقسم الثاني دليل على أن التقسيم كان شاملا لجميع ما ينفرد به الثقة بحيث يدخل فيه الحديث الفرد، ولذا ختم القسم الثاني بقوله: ''فهذا مقبول؛ وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه، وسبق مثاله في نوع الشاذ''، إذ من المعلوم أن الخطيب إنما يدعي الاتفاق في قبول الحديث الفرد الذي ينفرد به الثقة من أصله ولم يشاركه أحد في روايته، وهذا نصه:
''والذي نختاره من هذه الأقوال أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه ومعمول بها إذا كان راويها عدلا حافظا متقنا ضابطا، والدليل عليه أمور: أحدها: اتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله، ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه، وذهابهم عن العلم به، معارضا له ولا قادحا في عدالة راويه ولا مبطلا له؛ وكذلك سبيل الانفراد بالزيادة.''[54] .
ومن هنا يتعين أن يكون القسم الثاني منحصرا في الحديث الفرد، وأما إذا قلنا غير ذلك وجعلنا قوله: ''كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا'' مجرد تمثيل للقسم الثاني بما هو أقرب إلى فهم القارئ دون أن يدرجه في هذا القسم، وحملنا الإشارة في قوله ''فهذا مقبول'' على المثال وحده فإن السياق يصبح غير مستقيم لكون المثال محل تركيز في بيان الحكم دون القسم الثاني، والخروج من الموضوع بهذا الشكل يعد خللا في المنهج. ولو جاء النص هكذا: ''فهذا مقبول كالحديث الذي تفرد برواية ثقة'' لأصبح ذلك مقبولا جدا، يعني أن هذا القسم مقبول كقبول الحديث الفرد.
هذا إذا جعلنا الإشارة في قوله ''فهذا مقبول'' للمثال، وأما إذا كان المشار إليه هو القسم الثاني، الذي هو الزيادة غير المنافية، فيكون فيه الإشكال من وجهين:
الأول: وقوع الخطأ فيما نقله عن الخطيب؛ إذ الخطيب لم يدع الاتفاق على قبول زيادة الثقة كما أوضحنا آنفا.
الثاني: وقوع التداخل بين القسم الثاني والثالث ويكون مغزاهما واحدا، وهذا غير سليم حيث فرق بينهما وجعل الثالث مترددا بين الثاني والأول.
وكذلك أيضا ما ورد في القسم الثالث يفيد بأن تقسيم ابن الصلاح إنما كان عاما شاملا لجميع ما ينفرد به الثقة دون أن يخصص بالزيادات، حيث قال في تحديد هذا القسم:''ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث.'' يفهم من هذا السياق أن ما سبق ذكره من الأقسام لم يكن بخصوص زيادة لفظة، إذ جعل الفاصل بين هذا القسم وبين سابقيه هو زيادة لفظة لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث، ولم يقل: زيادة لفظة تشبه الأول من جهة وتشبه الثاني من جهة أخرى.
ويتأيد ذلك بما قاله الحافظ ابن حجر تعقيبا على ابن الصلاح: ''لم يحكم ابن الصلاح على هذا الثالث بشيء، والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من قبول ورد، بل يرجحون بالقرائن كما قدمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال''. ومن المعلوم أن هذا الذي ذكره الحافظ إنما هو فيما يخص مسألة زيادة الثقة بقضها وقضيضها بغض النظر عن وجود المنافاة فيها.
والذي شرحناه آنفا يكون مستندا قويا لحمل التقسيم على شموليته لجميع ما ينفرد به الثقة. وإلا فلا يخلو تخصيص التقسيم بالزيادة من تكلف ظاهر. وربما يثير هذا الفهم شيئا من الغرابة لدى القارئ لكون ذلك مخالفا لما في كتب المصطلح، حيث تتفق كلها على أن التقسيم كان في زيادات الثقات وليس بتقسيم شامل لجميع ما ينفرد به الراوي.
مثلا: قال الإمام النووي: ''وقسمه الشيخ أقساما :
أحدها: زيادة تخالف الثقات فترد كما سبق .
الثاني: ما لا مخالفة فيه كتفرد ثقة بجملة حديث ، قال الخطيب: يقبل باتفاق العلماء .
الثالث: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته[55].
وقال الحافظ العلائي:''وأما الشيخ تقي الدين بن الصلاح فإنه توسط بين أهل الحديث وأئمة الأصول ، وقسم الزيادة إلى ثلاثة أقسام''[56]
وقال الإمام ابن الملقن: ''أحدها زيادة تخالف الثقات فترد -كما سبق في نوع الشاذ-. ثانيها: ما لا مخالفة فيه كتفرد ثقة بجملة حديث فتقبل، وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء وقد سبق مثاله في نوع الشاذ. ثالثها: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته''[57].
وقال الحافظ ابن حجر: ''قوله -يعني ابن الصلاح- وقد رأيت تقسيم الزيادات إلى ثلاثة أقسام''[58].
وقال الحافظ السخاوي: ''وقد قسمه أي ما ينفرد به الثقة من الزيادة''[59].
ومع ذلك فإننا نلحظ في سياق كلام الإمام النووي وابن الملقن ما يكون نصا صريحا على أن الحديث الفرد هو نموذج القسم الثاني، وإذا تقرر أن هذا التقسيم شامل لجميع ما ينفرد به الثقة دون حده بالزيادة، فالذي يفصله عما ذكره في الشاذ والمنكر هو أن التقسيم هنا مقيد بما ينفرد به الثقة، وأما هناك فيشمل الثقة والضعيف غير المتروك. وبالتالي فكل ما جاء هنا ينطبق على نوعي الشاذ والمنكر مما يتصل برواية الثقات. ولهذا قال ابن الصلاح: ''فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ''.
والنقطة الثانية: ماذا يعني ابن الصلاح بالمنافاة ؟ وهل هي قيد زائد على المخالفة التي أطلقها في نوعي الشاذ والمنكر؟ أو هي المنافاة نفسها التي ذكرها هنا؟ وما مصدر ابن الصلاح في إضافة هذا القيد إذا كان بينهما فرق؟
ففي ضوء ما بينه ابن الصلاح في مبحث زيادة الثقة فالحديث المخالف لا يردُّ إلا إذا كان منافيا لما رواه سائر الناس. وبهذا أصبحت المنافاة مقياسا هنا لرد الحديث المخالف لما رواه الناس، وهذا كما ترى فيه تضييق لما سبق في الشاذ الذي أطلق فيه المخالفة بقوله: ''إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا'' دون أن يضيف فيه المنافاة. وبالتالي يكون رد الحديث المخالف متوقفا على مخالفته لمن هو أضبط وأحفظ وإن لم يكن منافيا لما رواه هذا الأضبط، وبين هذين المقياسين لرد الحديث المخالف فرق واضح، إلا إذا قلنا إن المخالفة المذكورة في نوعي الشاذ والمنكر ليست هي على إطلاقها، وإنما بمعنى المنافاة؛ بدليل قوله في نوع زيادة الثقة: ''فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ.'' حيث سوى ابن الصلاح بين هذا القسم الأول وبين ما وقع في الشاذ والمنكر في سبب رد الحديث.
وعلى ذلك فما معنى المنافاة عند ابن الصلاح؟ وما الفرق بين المخالفة والمنافاة؟ لنشير إلى الفرق بينهما عموما نورد هنا مثالين: ورد عن عبد الله بن عمر في الطلاق البدعي حديث اختلف الرواة فيه؛ فروى جماعة من الثقات ما يفيد أن ابن عمر طلق تطليقة فحسبت من طلاقها[60]، في حين روى أبو الزبير بلفظ: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد الله: فردها عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئا[61]، وأفاد هذا الحديث أن الطلاق لم يقع، وهو ينافي حديث الجماعة الذي يدل على وقوع الطلاق. وعلى هذا الأساس أعل النقاد حديث أبي الزبير. والجدير بالذكر أنه لم يكن تعليل هذا الحديث لمجرد مخالفة أبي الزبير غيره من الثقات، وإنما لدلالة القرائن على خطئه الذي كان سبب مخالفته للآخرين[62]
وأما مثال المخالفة دون المنافاة فحديث سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (لأصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة)[63] وهذا يخالف ما رواه ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة قال قال عبد الله: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فكبر ورفع يديه فلما ركع طبق يديه بين ركبتيه)[64] وبين الحديثين مخالفة دون منافاة؛ حيث قال سفيان في الحديث إنه لم يرفع يديه إلا مرة واحدة، بينما قال ابن إدريس في الحديث نفسه موضوع التطبيق[65] دون تطرقه لموضوع رفع اليدين، وتعد مثل هذه الحالة مخالفة في الحديث، ويكون من شأنها أن تقتضي الترجيح أو الجمع على أصول النقد عند المحدثين.
وإذا كانت المنافاة أخص من المخالفة كما لمسنا في هذين المثالين فإن اعتماد هذه المنافاة كميزان لرد الحديث المخالف لا يستبعد صدوره من ابن الصلاح لكونه منتميا إلى مدرستي الفقه والأصول. ولذا كان ذلك أساس هذا التقسيم الذي آثره ابن الصلاح في زيادة الثقة، قصد الخروج من تباين الآراء حولها؛ إذ جعل حكم القسم الأول منوطا بوجود المنافاة كشرط زائد على المخالفة بينما توقف عن بيان حكم القسم الثالث المتمثل في زيادات الثقات؛ نظرا لعدم وجود المنافاة فيها.
هذا وقد جاء عن الحافظ ابن حجر أقوال مختلفة في تفسير كلمة المنافاة؛ منها قوله:''وإما أن تكون (الزيادة) منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها''[66]. ومنها قوله: ''إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع''[67]. وبهذا فسر الحافظ ابن حجر المخالفة حيث قال:''وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ''[68].
وإن كانت هذه الأقوال غير متفقة في ظاهرها لكنها في مجملها تكون أقرب إلى منهج المحدثين منها إلى منهج الفقهاء والأصوليين؛ لكونها تتجه نحو تحديد المخالفة التي تكون أساسا في الشاذ والمنكر بأنها ما يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، دون أن تكون المخالفة على عمومها.
وبما أن المقصود بالمنافاة هو كل ما يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فإن المنافاة لا تعد قيدا زائدا على المخالفة التي لا تكون على إطلاقها عند المحدثين النقاد. ولذا أصبح تفسير ابن حجر للمنافاة موافقا لمنهج المحدثين في النقد. هذا ولم يرد ذكر لفظ المنافاة كشرط لرد الحديث المخالف إلا في نص الإمام ابن الصلاح، وذلك لتوجهه الفقهي في معالجة بعض قضايا النقد عند المحدثين.(والله أعلم) وللأسف لم ينتبه إلى ذلك كثير من الباحثين حين قلدوا ابن الصلاح في مقدمته[69].(1/11)
وعلى كل حال فإن مسألة زيادة الثقة ينبغي طرحها في ضوء صلتها الوثيقة بالأنواع التي سبق البحث فيها، لكنه (رحمه الله تعالى) حين توسط بين نهج الفقهاء والأصوليين في معالجة مسألة زيادة الثقة ، وبين طريقة المحدثين النقاد – كما نص على ذلك الحافظ العلائي - [70]جاء التقسيم والقبول والرد فيها على أساس وجود المنافاة وعدمها، وهذه النظرة تعد غريبة في منهج المحدثين النقاد الذي يقوم على تتبع الملابسات والقرائن في الرواية. ومنهجهم هذا في تحري المرويات والمنقولات يكون هو الصواب؛ إذ لو كان رد الحديث المخالف متوقفا على وجود المنافاة وحدها للزم أن نضيف إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ما لم يقله إذ لا يكون بالضرورة أن يكون (صلى الله عليه وسلم) قد قال كل ما أضيف إليه بأي شكل كان بمجرد عدم المنافاة لما رواه الناس أو الأوثق، وكذا الأمر في كل ما يضاف إلى الرواة الذين اختلف عليهم بذلك.
ونخلص أخيرا إلى أن الحكم في زيادة الثقة أو فيما ينفرد به عموما متوقف على نوعية القرائن والملابسات التي تحتف بها، وعلى هذا الأساس جاء عمل أولئك النقاد في كتب العلل والصحاح وكتب الضعفاء، وجاءت نصوص كثيرة عن كثير من المحققين تؤكد ذلك، ونذكر هنا بعضا منها.
يقول ابن دقيق العيد: ‘‘من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنهم إذا تعارض رواية مسنِد ومرسِل أو رافع وواقف أو ناقص وزائد إن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانونا مطردا، والمراجعة لأحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول’’ [71].
ويقول العلائي: ‘‘كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث’’ [72].
ويقول في موضع آخر ‘‘ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده –والله أعلم–’’ [73].
ويقول الحافظ ابن حجر: ‘‘…والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من قبول ورد، بل يرجحون بالقرائن كما قدمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال’’[74]
ويقول البقاعي: ‘‘إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرا لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون منها بحكم مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن’’[75]
ويقول ابن الوزير: ‘‘وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر، بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال، وهو موضع اجتهاد’’[76].
وهذه النصوص كلها كانت متفقة على أن قبول زيادة الثقة أو ما ينفرد به الراوي عموما وردها يدوران على نوعية المرجحات والقرائن، بغض النظر عن وجود المنافاة وعدمها، وهو خلاف ما لاحظناه في مسألة زيادة الثقة التي تناولتها كتب المصطلح على أشكال مختلفة.
وبقي هنا شيء آخر ينبغي ذكره، وهو ما يخص الحديث الفرد الذي تفرد به الثقة من أصل الحديث، فقد نقل ابن الصلاح عن الخطيب البغدادي اتفاق العلماء على قبوله مطلقا، وهذا غير سليم؛ لأن قبول هذا النوع ليس على الإطلاق، وليس هو محل اتفاق لدى المحدثين، وقد نبه على ذلك الحافظ ابن حجر حين قال: ‘‘ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان يكون مقبولا’’ [77]، على أن الإمام ابن الصلاح نفسه قد أشار إلى ذلك بقوله في مبحث العلة: ‘‘ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي مع قرائن تنضم إليه تنبه العارف بهذا الشأن’’، فما أطلقه هنا من قبول ما تفرد به الثقة لا يكون سليما لتناقضه مع مبحث العلة الذي جعل الحكم فيه منوطا بنوعية القرائن التي تحف بالحديث المتفرد.(1/12)
الخاتمة
تتمثل أهم نقاط هذا البحث فيما يلي:
1 - عرض موضوع زيادة الثقة في أكثر من موضع من كتب المصطلح مرة تحت عنوان خاص، وأخرى ضمن أنواع، مثل المعلول والشاذ والمنكر.
2 - إذا كان الحكم على زيادة الثقة منوطا بنوعية القرائن المحيطة بها، كما بينها الإمام ابن الصلاح نفسه في نوع العلة وفق أصول النقد عند المحدثين، فإن الأنواع الأخرى التي تشكل معه وحدة موضوعية يجب أن تحذو حذو ذلك في تفاصيل الحكم والأبعاد النقدية، لكن قبول زيادة الثقة في الشاذ والمنكر أصبح مقيدا بأخص القرائن؛ وهو أن يكون راويها أحفظ وأوثق. وأما في نوع زيادة الثقة فكان الحكم مخالفا تماما لكل ما تقدم؛ حيث ترد الزيادة فقط إذا كانت منافية لما رواه الناس، وأما إذا لم تكن الزيادة منافية لذلك فتكون مترددة بين القبول والرد.
ولعل هذا الاضطراب يرجع سببه إلى غياب الوحدة الموضوعية، وازدواجية المنهج في معالجة تلك الأنواع، إذ الانتقال من منهج المحدثين إلى منهج علماء الفقه والأصول كان واضحا وملموسا في كثير من كتب المصطلح.
3 - والذي تقتضيه خصائص هذه الأنواع وترابط بعضها ببعض أن يكون الحكم في زيادة الثقة دائرا على نوعية القرائن والملابسات الحافة بها، وإذا لم تتوافر فيها تلك القرائن فيبقى الأصل في هذه المسألة هو القبول، لكونه ثقة قليل الخطأ، وبذلك يوفق بين نصوص المتقدمين التي يدل ظاهرها على القبول مطلقا وبين تطبيقاتهم العملية القائمة على مراعاة القرائن فيها ودلالاتها.
4 - ويمكن أن نبرهن بذلك على أن اعتبار الأصل في حال الرواة الثقات وجعل ذلك قاعدة في قبول أحاديثهم المتفردة أو زياداتهم لا ينهض به إلا الناقد المتمرس الفطن الذي له إطلاع واسع على واقع الروايات وملابساتها، وأما من الباحث العادي الذي لا يعرف نوعية تلك الملابسات والمرجحات ولا طبيعة دلالاتها فيعد اعتماد الأصل في جميع أنواع الزيادات التي تقع من الثقة خرقا وتقصيرا بل مجازفة خطيرة.
4 - وكل هذه النتائج تفند الادعاء بأن ''زيادة الثقة مقبولة كما تقرر في كتب المصطلح'' وبالتالي لم يعد مجال بعد الآن لترديد هذه الدعوى لمناقضتها لمواقف النقاد المؤسسة على الحفظ والفهم والمعرفة، بل لكتب مصطلح الحديث أيضا. ولله الحمد والشكر.(1/13)
اقتراح وتوصية
في ضوء نتائج البحث يكون من المفيد أن نقترح على إخواننا الباحثين في مجال الحديث وعلومه أن يولوا عناية كبيرة بمسألة الوحدة الموضوعية بين أنواع علوم الحديث مع دراسة مقارنة بين ما يعرض في كتب المصطلح من تعريفات ونظريات وبين تطبيقاتها في كتب النقاد الأصلاء، ككتب الصحاح والسنن والعلل والرجال بهدف التوصل لفهم مضامين كل مصطلح حديثي فهما صحيحا متكاملا، وتجريد منهج المحدثين النقاد عن منهج الفقهاء المتأخرين في التصحيح والتضعيف والمسائل المتعلقة بهما.
وبهذا النوع من البحث العلمي يكون الباحث قد أضاف في المعارف ما يثري المكتبات الحديثية.
والله من وراء القصد.(1/14)
المراجع والمصادر
1.آداب الزفاف في السنة المطهرة، للشيخ الألباني،(ط:4 دار ابن حزم، 1997م)
2.إرواء الغليل ، للشيخ الألباني (المكتب الإسلامي)
3.بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لابن القطان الفاسي
4. تدريب الراوي للسيوطي (دار الكتب العلمية،بيروت، ط:1 سنة1417هـ)
5. تحفة الأحوذي للمباركفوري (دار الكتب العلمية، بيروت)
6. توضيح الأفكار للصنعاني (دار الكتب العلمية، بيروت ، ط: ، سنة 1417هـ)
7.جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (تحقيق طارق بن عوض الله، دار ابن الجوزي، السعودية ط:1 سنة1415 هـ)
8. الحديث المعلول - قواعد وضوابط - لحمزة عبد الله المليباري (دار ابن حزم ، بيروت، ط: 1، سنة 1996)
9. سنن أبو داود (تحقيق محمد عوامة، مؤسسة الريان، بيروت، ط:1 سنة 1419هـ)
10.سنن الترمذي ( تحقيق أحمد شاكر ، ط: 2 ، سنة 1398هـ، مصطفى الحلبي)
11. سنن النسائي ( دار الكتب العلمية - بيروت -)
12.سنن البيهقي ( تحقيق محمد عبد القادر عطا، سنة 1414هـ، دار الباز، مكة المكرمة)
13.شرح العلل لابن رجب الحنبلي ( تحقيق نور الدين عتر ، ط:1، سنة 1398هـ، دار الملاح للطباعة)
14.صحيح البخاري ( فتح الباري ، مكتبة دار السلام، الرياض، ط:1 سنة1418هـ)
15. صحيح مسلم ( شرح النووي ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي، بيروت)
16. صحيح ابن حبان ( مؤسسة الرسالة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ط:2 ، بيروت ، سنة 1414هـ)
17. صحيح ابن خزيمة (تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي ، سنة 1390هـ)
18.عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح ، لحمزة عبد الله المليباري ( دار ابن حزم ، ط: 1 ، سنة 1998)
19. علوم الحديث ، المشهور بـ ''مقدمة ابن الصلاح'' للإمام ابن الصلاح ( تحقيق نور الدين عتر ، ط: 3 سنة 1418هـ ، دار الفكر)
20.فتح المغيث للسخاوي ( تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ، مطبعة العاصمة ، القاهرة، ط:2 سنة 1388هـ)،
21. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (دائرة المعارف ، الهند ، سنة 1357هـ)
22. معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوري ( منشورات دار الآفاق الجديدة)
23. المقنع في علوم الحديث، للإمام سراج الدين ابن الملقن ( تحقيق عبد الله بن يوسف الجديع، دار فواز للنشر، السعودية ط: 1 )
24. المكتبة الألفية للسنة النبوية ، مركز التراث للحاسب الآلي، الأردن
25. نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي ( تحقيق محمد يوسف البنوري ، سنة 1357هـ، دار الحديث ، مصر)
26.نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، للحافظ ابن حجر (دار الفكر ، بيروت ،سنة 1417هـ)
27. نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ، للحافظ العلائي ( تحقيق بدر بن عبد الله البدر ، ط: 1 ، سنة 1416هـ ، دار ابن الجوزي ، السعودية )
28.هدي الساري مقدمة فتح الباري للحافظ ابن حجر (مكتبة دار السلام، الرياض، ط:1 سنة1418هـ) .(1/15)
الحواشي
[1] - كما ورد عن الإمام البخاري فيما زاده إسرائيل على شعبة وسفيان: ''الزيادة مقبولة ، وإسرائيل ثقة '' ( انظر تفصيل ذلك في كتاب شرح العلل 2/368 لابن رجب الحنبلي ، وكتاب الكفاية ص: 409 _ 413 )، كما نص على قبول زيادة الثقة الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ''والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته'' 1/7 .
[2] - الحافظ ابن حجر ، فتح الباري 9/230
[3] - الحاكم، معرفة علوم الحديث، ص: 112
[4] - ولا أعني بذلك إلصاق تهمة التقصير بعلمائنا الصالحين؛ فإني أحس عن يقين بوجود أهداف تعليمية وتربوية وراء اختيارهم لهذا الأسلوب في كتب المصطلح، ومن أهمها تسهيل بحث أنواع علوم الحديث، وتيسير حفظ مصطلحاتها للطلبة المبتدئين.
[5] - انظر الكفاية ص: 424 - 429 ، وقد قال الحافظ ابن حجر : ''وهو توسط بين المذهبين'' ( يعني مذهب الفقهاء ومذهب المحدثين ) ، والجدير بالذكر أن معيار القبول في الزيادة هو أن يكون الراوي عدلا حافظا ثقة متقنا.
[6] - ابن رجب الحنبلي، شرح العلل 1/427 - 428
[7] - نقله الصنعاني في كتابه توضيح الأفكار 1/339 - 340
[8] - العلائي، نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد، ص: 215
[9] - ونقله الحافظ في النكت 2/712
[10] - النكت على كتاب ابن الصلاح 2/726
[11] - النكت 2/711 . انظر اختصار علوم الحديث ص: 64
[12] - اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث: 79
[13] - فتح المغيث 1/ 237 . وتوضيح الأفكار 1/344 ، والنكت 2/604 - 605.
[14] - ابن رجب الحنبلي، شرح العلل 1/425
[15] - انظر النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/691
[16] - الحافظ ابن حجر، مقدمة فتح الباري، الفصل الثامن ، القسم الثالث ص: 507
[17] - يلاحظ أن النقاد لم يخصصوا مصطلح (المنكر) بما رواه الضعيف مخالفا للثقات، بل أطلقوه فيما لم يكن معروفا عندهم من الأحاديث، سواء أكان راويه ثقة أم ضعيفا، وإن كان إطلاقهم بذلك فيما رواه الضعيف أكثر، وسيأتي ما يفيد ذلك في المبحث الثالث بشيء من التفصيل.
[18] - قوله (فأرم القوم) أي سكنوا فلم يتكلموا ، وقوله (تبكعني بها) أي أن تستقبلني بما أكره .
[19] صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة 4/119 (شرح النووي)
[20] - أنظر تفصيله في ''عبقرية الإمام مسلم في ترتيب مسنده الصحيح''ص : 75 - 76
[21] - انظر إرواء الغليل 1/138 ، وتعليقات الشيخ أحمد شاكر على سنن الترمذي 1/167 - 168
[22] - أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المسح على الجوربين 1/25، والترمذي في الطهارة باب المسح على الجوربين والنعلين 1/167 وصححه الترمذي .
[23] - أخرجه البخاري في الوضوء باب المسح على الخفين 1/306 - 307 ، 309 ( فتح الباري)، ومسلم في الطهارة ، باب المسح على الخفين 3/168 - 173 ( شرح النووي ) ، والنسائي في الطهارة باب المسح على الخفين 1/82 - 83
[24] - الزيلي ، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية 1/185
[25] - سنن الترمذي 1/167 - 168 (تحقيق أحمد شاكر)
[26] - الشيخ الألباني، محمد ناصر ، إرواء الغليل 1/138، والشيخ أحمد شاكر، تعليقه على سنن الترمذي 1/167 - 168
[27] - نجد في المعاصرين من بنى على هذه القاعدة مسائل كثيرة يختلف بها مع الآخرين، وفيها ما يخالف جماهير العلماء، مسوغا ذلك بقوله: ''وهذه المسألة مثال من جملة الأمثلة الكثيرة على أهمية هذه الطريقة التي تفردنا بها في هذا العصر -فيما أعلم- من تتبع الزيادات من مختلف روايات الحديث وجمع شملها وضمها إلى أصل الحديث مع تحري الثابت منها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.'' (آداب الزفاف في السنة المطهرة ص: 232) أقول باحترام وتقدير: لو كان تحري الثابت منها وفق قواعد النقاد، ومنهجهم في نقد المرويات، ويديره على القرائن لكان ذلك منهجا سليما يجب على الجميع قبوله، وأما إذا كان ذلك على أساس قبول زيادة الثقة فالأمر جلل وتكون عواقبه خطيرة، والله تعالى يعصمنا وإياه من ذلك.
[28] - سنن البيهقي 1/284
[29] - المصدر السابق
[30] - المصدر السابق، وكتاب ابن القطان الفاسي، 'بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام' 4/448
[31] - الحافظ ابن حجر ، النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/691
[32] - ابن الصلاح، علوم الحديث (المشهور بمقدمة ابن الصلاح) ص: 90 ، وكذا في بقية كتب المصطلح وإن كان فيما بينها بعض التفاوت في السياق فإن المعنى واحد، انظر على سبيل المثال كتاب المقنع 1/211 - 212، فتح المغيث للسخاوي 1/210-211، وتوضيح الأفكار للصنعاني 2/22 - 23، وتدريب الراوي للسيوطي 1/135
[33] -رواه البخاري في العتق باب إذا أعتق عبدا بين اثنين.. 2/892 ، ومسلم في أول كتاب العتق 2/1139
[34] - الحافظ ابن حجر، النكت 2/688
[35] - مقدمة ابن الصلاح ص: 78 - 79 ، والسيوطي ، تدريب الراوي 1/124، والصنعاني، توضيح الأفكار 1/344
[36] - رواه مسلم في الفرائض 3/1233
[37] - مقدمة ابن الصلاح ص: 80 - 82، وتدريب الراوي 1/127، وتوضيح الأفكار 2/5 ، وروى الحديث ابن ماجة في الأطعمة ، باب أكل البلح بالتمر 2/1105
[38] - تدريب الراوي 1/124 - 125
[39] - المصدر السابق 1/128
[40] - انظر فتح المغيث للسخاوي 1/185
[41] - فتح المغيث 1/185
[42] - انظر منهج النقد ص: 430 للأستاذ نور الدين عتر ، والحديث المعلول ص : 66 - 76 ، ونظرات جديدة في علوم الحديث ص : 31 كلاهما لحمزة المليباري
[43] - المقنع 1/169
[44] - توضيح الأفكار 1/345
[45] - النكت 2/612
[46] - النكت 2/653
[47] - فتح المغيث - في مبحث الشاذ - 1/185
[48] - المقنع 1/169
[49] - رواه مالك في الموطأ في باب من تجب عليه زكاة الفطر 1/283
[50] - سنن الترمذي، باب ما جاء في صدقة الفطر3/61 ، وقال : حسن صحيح
[51] - رواه ابن خزيمة في 1/132 ، وابن حبان في 14/310
[52] - مقدمة ابن الصلاح ص: 50 - 51
[53] - النكت 2/687
[54] - الخطيب البغدادي، الكفاية ص 425
[55] - تدريب الراوي 1/131
[56] - نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ص: 215
[57] - المقنع في علوم الحديث 1/192
[58] - النكت 2/687
[59] - فتح المغيث 1/202
[60] - رواه البخاري في الطلاق باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق 9/436 وفي باب مراجعة الحائض ص:599
[61] - رواه أبو داود في الطلاق باب في طلاق السنة 3/66
[62] - انظر تفصيله في جامع العلوم والحكم 1/173 - 176 لابن رجب الحنبلي
[63] - رواه أبو داود في الصلاة باب من لم يذكر الرفع عند الركوع 1/493
[64] - رواه أبو داود في الصلاة باب افتتاح الصلاة 1/493
[65] - التطبيق هو أن يجعل اليدين بين الركبتين في الركوع، وكان هذا مشروعا ثم نسخ.
[66] - الحافظ ابن حجر، نزهرة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ص: 39
[67] - مقدمة فتح الباري ، الفصل الثامن ، القسم الثالث ص:507
[68] - المصدر السابق في الفصل التاسع ص: 549
[69] - محمد عبد الرحمن المباركفوري، كتاب تحفة الأحوذي 2/82 - 85
[70] - نظم الفرائد ص: 215
[71] - نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/343 - 344
[72] - انظر النكت 2/604
[73] - ونقله الحافظ في النكت 2/712
[74] - النكت 2/687
[75] - نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/339 - 340
[76] - توضيح الأفكار 1/312
[77] - الحافظ ابن حجر، النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/690(1/16)