دور علماء المملكة في خدمة السنة والسيرة النبوية
إعداد الدكتور
صالح بن غانم بن عبد الله السدلان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي له العزة والجبروت، وبيده الملك والملكوت، وله الأسماء الحسنى والنعوت، استعمرنا في الأرض أجيالاً وأمماً، وقسم لنا فيها أرزاقاً وقسماً. وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى، وعلى نبينا محمد الرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه مصابيح الدجى، ومن اهتدى بهديهم ونهج نهجهم واقتدى بهم وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن مرجع الشريعة الإسلامية إلى أصلين شريفين، ومنبعين عذبين، لا ينضبان ولا يجفان ما دامت السموات والأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويقوم الناس لرب العالمين؛ ألا وهما النوران الهاديان: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة؛ فالقرآن أصل الدين، ومنبع الصراط المستقيم، ومعجزة خاتم الأنبياء والمرسلين، وآياته الباقية أبد الدهر، والسنة بيان للقرآن، وشرح لأحكامه، وبسط لأصوله، وتمام لتشريعاته.
وقد ظلت الأمة الإسلامية حقباً طويلة من الزمن؛ صلبة العود مرفوعة الرأس، قوية الشكيمة؛ قد كتب الله لها العز والتمكين والنصر، فكانت بحق خير أمة أخرجت للناس؛ وما ذاك إلا لأنها أقبلت على هذا الكتاب العزيز، واهتدت بهديه، واستضاءت بنوره، وسارت على دربه، وعنيت به حفظاً، وفهماً وتدبراً، وتعليماً، وعملت بما فيه ونفذت أحكامه، وجعلته مصدر شريعتها، وسبيل هدايتها، وعصمتها من الأهواء وشفاءها من الأدواء!!(1/1)
والمطلع على تاريخ الإسلام والمتتبع لمسيرة المسلمين منذ أشرق هذا الفجر على الدنيا؛ يجد أن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الراشدين، وسيرة السلف الصالح من هذه الأمة؛ كانت تهدف إلى أخذ المسلمين بهذه السياسة وإقامة دعائم حياتهم على أسس متينة الأركان، لا يتسرب إليها ضعف، ولا يداخلها وهن، ما قامت فيها شرائع الإسلام؛ فإنه بعد الدولة الإسلامية الأولى التي أسسها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحافظ عليها الخلفاء الراشدون من بعده، وزادوا في رقعتها بالفتوحات المجيدة، وفي أعقاب العصور الزاهية التي شهدت المد الإسلامي ضَعُفَ شأن المسلمين، وتفرقت وحدتهم، وقلت هيبتهم، ووهنت عزيمتهم، ونال منهم أعداؤهم كل منال، وردحت الأمة تحت نير الأطماع حيناً والتمزق والجهل والعصبية والتسلط حيناً آخر. فلما أذن الله لهذا الليل أن ينقشع وللصبح أن ينجلي؛ بدت في الأفق آثار مباركة لصحوة راشدة حمل لواءها وقاد حركتها وأضاء مشعلها قادة المملكة العربية السعودية وفقهم الله لكل خير.(1/2)
إن المتأمل لواقع الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد إمامها الإمام محمد ابن سعود الذي ناصر الدعوة السلفية عندما التقى مع الشيخ المصلح الكبير محمد بن عبد الوهاب سنة 1157هـ (1744م) فكانت المعاهدة التاريخية التي تمت في سبيل نصرة الدعوة الإصلاحية، ونشرها بكل ما يستطيعان من الوسائل والإمكانات المتاحة وقتذاك، فكان الاتفاق بينهما هو الأساس الذي قامت عليه دولة جديدة في المنطقة عُرفت بالدولة السعودية، وتحول اسمها إلى المملكة العربية السعودية فيما بعدُ، فنشأت دولة مسلمة تتضمن المكونات الرئيسة والملامح البارزة لقيادة هذه الأمة التي يوالي بعضها بعضاً، والتي لا تزال بحمد الله تحمل شرف تلك الرسالة السامية التي جسدت مفهوم "الخلافة" في الأرض في "إمامة" لها هوية مميزة وخصوصية ذاتية، تنفرد بها وحدها دون غيرها، في دولة إسلامية لها من المكانة والثقل والثبات والتوازن والخصوصية ما ليس لغيرها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده. وذلك أن هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين وفقهم الله للخير والفضيلة من "الأئمة" و"الحكام" و "الملوك" و"القادة" بادروا إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليكونا دستوراً للدولة ليستمدوا سلطتهم منهما، وليكونا هما الحاكمين على جميع أنظمة الدولة.
أولئك "الأئمة" من العلماء الربانيين هم أئمة هذه المملكة الراشدة الذين ائتموا بذلك النهج القويم في تطبيق الشريعة الإسلامية السمحة وإقامة الحدود.
وهم "الحكام" الذين احتكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأوجبوا التحاكم إلى ما أنزل الله، وحرَّموا التحاكم إلى غيره في القليل والكثير وفي جميع الأزمنة والأمكنة.
وهم "الملوك" الذين ملكوا القلوب فطرة وبداهة بما منحهم الله من توفيقه في القيام بأمر الله، والدعوة إليه، والنصح للرعيّة والشفقة عليهم وإسعادهم، والتواضع معهم ولهم.(1/3)
نعم إنهم أناس تبصرت أعينهم بأنوار السنّة المحمدية وتنسّمت من أعطارها، وأشربت قلوبهم محبة الحديث النبوي، وهو العلم الذي يسلك بصاحبه نهج السلامة ويوصله إلى دار الكرامة، وأنه لا خزي ولا خذلان إلاّ لمن حاد عنها إلى غيرها من آراء الناس وجدل الفلاسفة وشبه الملاحدة.
ورأيت أن الناس فريقان، منذ أن وجد التصدع في بناء الإسلام: فريق يحاول أن يهدم الدِّين بهدم أصله الثاني، وآخر يفديه بكل ما يملكه من النفس والنفيس، وأنه كلما وجدت محاولة من قِبَل أعداء الدين للقضاء عليه، وجدت نفوس ربانية تلوي أعناق المفسدين وتبتر ألسنتهم الكاذبة.
وهم "القادة" الذين انقادوا طواعية إلى الحق لحمل لواء الدعوة إلى الله في إطار منهج متكامل ومتواصل للتواصل الحضاري(1).
ومع بزوغ فجر الدولة السعودية التي أسسها الملك عبد العزيز -رحمه الله- وعلى خطاه مضى الخلف موطدين ركائز الدولة على هدي الكتاب والسنة؛ أصبحت المملكة العربية السعودية بذلك من الدول القلائل -إن لم تكن الدولة الوحيدة- التي تطبق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة، وتهتدي بها في توجهاتها السياسية وعلاقاتها وتفاعلها مع المجتمع الدولي، مقدمة للعالم: الإسلام في أنقى صوره النابعة من مصادره الأصيلة. وهذا خير برهان على صلاحية هذا الدين للتطبيق في كل عصر ومصر.
__________
(1) انظر: رسائل أئمة دعوة التوحيد تأليف د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز آل سعود.(1/4)
فمنذ أن قامت المملكة العربية السعودية قلب الجزيرة العربية النابض، ومهبط الوحي، ومأرز النبوة، وأرض الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين في كل أنحاء المعمورة، كان منهجها واضحاً وغاياتها محددة، ويؤكد قادتها دائماً: "نحن دولة تقوم على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نناهض كل ما يتعارض مع ذلك أو يُخرج بنا عنه". وبفضل من الله ظلت في كل أدوارها، وعلى مر تاريخها، وفي كل أحكامها، وفي جميع شؤونها، تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما أجمع عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، فلم تحد عن هذه الجادة قيد أنملة رغم كل الأحداث والمتغيرات والتقلبات السياسية والتيارات والمذاهب التي هبت على هذا العالم قديماً وحديثاً. ومن يستقرئ التاريخ ينبئه بالحقائق.
ولا ريب أن واقع الحال ينبئ عن المستقبل، وفي الوقت ذاته يعدُّ الماضي صفحة مفتوحة تستقرأ فيه الأحداث، وتستنبط منه الدروس والعِبر؛ ذلك لأن التاريخ حكم محايد يحتفظ في طياته ومنعطفاته بتطورات الأحداث مهما دقت أو عظمت، دون مجاملة أو محاباة. وبهذا الفهم لمغزى الحاضر ودلالاته، والوصول للماضي عبر استقراء الواقع، تتكشف أمامنا الصور المضيئة لتاريخ المملكة العربية السعودية العريق الذي قادها حثيثاً إلى الحاضر الزاهر. فهذا الكيان الكبير الذي صار محط أنظار العالم هو ثمرة من ثمرات حنكة السلف، ويقظة الخلف، ووعيه، ومعرفته الدقيقة بحيثيات التاريخ وأحداثه.
وقد أكد ذلك خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- بقوله: (إن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، ما اختلفنا في شيء إلا رددنا إليهما، وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة.. إننا ثابتون - بحول الله وقوته - على الإسلام، نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل وحاكماً بعد حاكم).(1/5)
ومن المُسَلَّمَات: أن يذكر لأهل الفضل فضلهم فيقال للمحسن أحسنت، ومن حق الأجيال القادمة علينا أن يعرفوا ما قامت عليه هذه البلاد من جهود الرجال وعزائم المخلصين الذين أسهموا ولا زالوا يسهمون في بناء نهضتها، وإقامة دعائمها على أسس متينة وركائز صلبة. وقد قيل: "صنفان من الناس لا تستغني الأمة عنهما: العلماء المحققون، والزعماء المخلصون؛ لأنها بالعلماء تعرف واجباتها نحو ربها ودينها، وتمضي في حياتها على بصيرة، وبالزعماء المخلصين تنظم معيشتها، وتقبل على ربها، وتنصرف إلى الحق متحدة وجهتها بمعونة من الله في إقامة دينه والعمل بشرائعه.
تمهيد
إن منهجنا هو بحق سلسلة مباركة في عقد منظوم متصلة حلقاته، منثورة درره، متألقة حباته.
إن الخليقة لتشهد بأن علماء المملكة العربية السعودية من خير علماء العالم الإسلامي، عقيدة وعبادة وعلماً وعملاً ودعوة وجهاداً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وبذلاً للنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، سائرين على منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة بدون غلو ولا تقصير(1)، وعلى رأسهم الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وجميع طلابه، الذين ازدانت بهم الدنيا، وأقيمت الشريعة المطهرة بجميع جوانبها، وأميتت الضلالات والخرافات والبدع، تسندهم الدولة السعودية بكل ما تملك من توجيه للأمة وقوة في الحق.
__________
(1) إلا من شذ عن منهج السلف في باب الولاء والبراء ومنهج الدعوة الأصيل وشرعية البيعة لولي الأمر المسلم.(1/6)
واستمر الحال على هذه الحياة المباركة في هذه البلاد إلى زمننا هذا الذي يوجد فيه جمع كثير من العلماء الربانيين السلفيين، كما توجد فيه دور العلم الشرعي الشريف وعلى رأسها جامعات المملكة العربية السعودية، منها: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة أم القرى، والأقسام الشرعية بالجامعات الأخرى، والمعاهد العلمية المنتشرة في جميع مدن وقرى المملكة. وكم من الأيادي البيضاء لأولي الأمر -وفقهم الله- في التوسع في فنون العلم الشرعي ونشره في داخل البلاد وخارجها، فجزى الله مؤسسيها والقائمين عليها خير الجزاء، وبارك الله لهم في حياتهم وبعد مماتهم ويوم لقاء ربهم.
حقاً إن ما للدولة السعودية في جميع أدوارها وعلى مر تاريخها من الإصلاحات والجهود الإسلامية بداخل البلاد وخارجها لمن البراهين الساطعة التي لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر معاند.
إننا حين نسجل بالفخر والاعتزاز ما لأهل الفضل من الحكام السعوديين والعلماء الربانيين السلفيين في المملكة العربية السعودية من عهد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى يومنا هذا، يتضح بجلاء ما تميز به المنهج السلفي -منهج أهل السنة- والجماعة من الاعتقاد الصحيح وصحة المنهج في باب الدعوة إلى الله، الذي حاز الجانب الأكبر من أوقات حياتهم. ومنارهم وسبيلهم فيه أنهم يسيرون في أدائه على الحق المبين والصراط المستقيم الذي جاء تبيانه في كتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة التي درج عليها سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين.(1/7)
إن لمنهجهم في الدعوة إلى الله ونشر سنة خير البرية - صلى الله عليه وسلم - مقومات، من أولها وآكدها: أنهم يعتمدون على نصوص الكتاب والسنة وعلوم سلف هذه الأمة الذين آتاهم الله فهماً صحيحاً لنصوص كتابه الكريم وسنة نبيه الهادي الأمين - صلى الله عليه وسلم -، وتفاعلوا معها في حياتهم العملية تحليلاً وتحريماً، ودعوة وجهاداً، وأمراً ونهياً، وأدباً وسلوكاً امتثالاً لقوله تعالى:? مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ xw يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ?[الحشر:7].
كما أن من مقومات منهجهم: محبة التوسع في العلوم الشرعية ووسائلها، والتواضع في طلب العلم ونشره، وحسن الأدب مع الخلق، وبالأخص مع العلماء، والعناية بحلقات العلم في دوره الأولى المساجد، بأسلوب شائق وطريقة مثلى، وعمادهم في هذا التلقي: القرآن الكريم وعلومه، وعلم العقيدة في جميع أبوابها، مع تحقيق كل ما ينافي التوحيد، أو يخدش كمال الاعتقاد، وعلم الحديث، والفرائض، والسيرة النبوية وما فيها من العِبر، وغايتهم المنشودة في ذلك البحث عن الحق بدليله ومصادره وأصوله.
كما أن من مقومات منهجهم الشمولية المطلقة على وجه الحق، والمتتبع المنصف لآثارهم وأتباعهم يوقن بأنهم أعظم الناس نصحاً، وأوضحهم طريقة في منهج دعوة الخلق إلى رحاب الحق، والأدلة على ذلك أشهر من أن تذكر.(1/8)
إن كل طالب علم ليشهد بما لعلماء السلف وأتباعهم من الباع الطويل في علم العقائد خصوصاً وعلم الشريعة عموماً؛ لما بينهما من التلازم القوي، فهم أئمة الفتوى في قضايا الأمة في كل زمان ومكان، وهم رجال القضاء في الأعراض والدماء والأموال، وهم أصحاب المؤلفات التي تزدهر بها المكتبات، وتشفى العليل وتروى الغليل، وهم رجال التربية الشرعية والتعليم المثمر الأصيل، وهم أهل الجهاد بكل ما تحمله كلمة الجهاد والإحسان في منهج الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود مراتبه، وعليه فليسوا كغيرهم من الجماعات الأخرى التي تهتم بجانب من جوانب، الإسلام ويفوت عليها جانب أو جوانب، كما هو الحال في الجماعات المعاصرة اليوم، بل إن السلف وأتباعهم منهجهم شامل، وعلومهم في كل فن غزيرة، وتوجيهاتهم هادفة صائبة، ودعوتهم تبدأ من أصل الدين الحق وقاعدته المتينة، وتشمل كل باب من أبواب العلم في كبار المسائل وصغارها، ولا غرابة أن يكونوا كذلك فهم معدن لذلك، هم العلماء الربانيون، والمجاهدون الصابرون، والدعاة الحكماء المخلصون، فعلينا أن نقتفي آثارهم في العلم والعمل، ونسلك نهجهم في الدعوة والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم الولاء والبراء، وحسن المعاملة الشرعية مع الله ومع الخلق أجمعين. ومن ذلك: هجر أهل الأهواء والبدع ديانة على أساس من الولاء والبراء(1).
إننا مطالبون بالمحافظة على هذا الإرث المبارك والعقد الثمين، شعارنا في ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخاطباً أصحابه، وهم في مكة يتقلبون بين المشاعر متعبدين معظمين: "كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم"(2).
__________
(1) انظر: الأجوبة السديدة على الأسئلة الرشيدة، تأليف زيد بن محمد بن هادي المدخلي من
ص 90-93.
(2) أخرجه النسائي والترمذي وأبو داود. قال محقق جامع الأصول 3/236: قال الترمذي: حديث حسن، وهو كما قال.(1/9)
وقصة أبي هريرة - رضي الله عنه - مع أهل دمشق، حينما قال لهم: "أنتم هنا -يعني في السوق- وميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - يوزع في المسجد"، فلما ذهبوا لم يجدوا أموالاً توزع وإنما حلق العلم، وأبو هريرة - رضي الله عنه - عنه إنما يتأول بهذا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم"(1).
وهذا يعني الانطلاق من مرجعية معيارية في التعامل مع التراث، وتمثل هذه السلفية المعيارية حجر الزاوية في موقف السلفية من التراث، ومن سائر المجالات.
الفصل الأول: مكانة السنة والسيرة النبوية في التشريع الإسلامي وجهود علماء الأمة في حفظهما
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول…: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي.
المبحث الثاني…: تدوين السنة النبوية وحفظها.
المبحث الثالث…: مكانة السيرة النبوية في التشريع الإسلامي.
المبحث الرابع…: تدوين السيرة النبوية وحفظها والعناية بها.
المبحث الخامس…: تدوين السنة والسيرة النبوية علامة بارزة من علامات جهود أهل السنة والجماعة.
المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي
انتهى العلماء المحققون إلى أن الحديث الصحيح حجة على جميع الأمة، وأيدوا رأيهم هذا بالآيات القرآنية التي تفرض على المؤمنين اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والتسليم لحكمه، ورأوا أن من يحكم خلاف هذا المذهب غير خليق بالانتساب إلى الدين الإسلامي.
فلا يحل لمسلم أن يقتصر على أخذ أحكام دينه من القرآن وحده دون السنّة؛ لأنه بذلك يشوه إسلامه، ويخرج من حظيرة المسلمين بإجماع فقهاء الأمة، حيث إنه ترك طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي هي اتباعه في حياته، واتباع حديثه بعد وفاته؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المبلغ عن ربه ما يوحي إليه، وأن الذي أُوحي إليه هو الكتاب والحكمة.
__________
(1) إسناده حسن - انظر: جامع الأصول 8/6.(1/10)
والحكمة هي ثمرة هذا الكتاب، أي: سنة المصطفى وهديه، وهي مكملة للكتاب في بيان أحكام الدين، فلا يحق للمؤمن أن يقتصر على ما ورد في القرآن بالنسبة للتشريع الإسلامي، بل لابد له من اتباع ما ورد في السنة أيضاً، اتباعاً لا انفصال معه عن القرآن المجيد.
قال الإمام صديق حسن خان الحسيني الأثري: "اعلم أن أنفع العلوم الشرعية ومفتاحها، ومشكاة الأدلة السمعية ومصباحها، وعمدة المناهج اليقينية ورأسها، ومبنى شرائع الإسلام وأساسها، ومستند الروايات الفقهية كلها، ومأخذ الفنون الدينية دِقّها وجلها، وأسوة جملة الأحكام وأُسَّها، وقاعدة جميع العقائد وأساسها، وسماء العبادات وقطب مدارها، ومركز المعاملات، ومحط حارها وقارها، هو علم الحديث الشريف الذي تعرف به جوامع الكلام، وتنفجر منه ينابيع الحكم، وتدور عليه رحى الشرع بالأثر، وهو ملاك كل أمر ونهي، ولولاه لقال من شاء ما شاء، وخبط الناس خبط عشواء، وركبوا متن عمياء، فطوبى لمن جَدَّ فيه وحصل منه على تنويه، يملك من العلوم النواصي ويقرب من أطرافها البعيد القاصي، ومن لم يرضع من درِّه، ولم يخض في بحره، ولم يقتطف من زهره، ثم تعرض للكلام في المسائل والأحكام، فقد جار فيما حكم، وقال على الله تعالى ما لم يعلم... وهو تلو كلام الله العلام وثاني أدلة الأحكام، فإن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأثرها، وأحكام الشريعة المطهرة بتمامها، وقواعد الطريقة الحقة بحذافيرها، وكذلك الكشفيات والعقليات بنقيرها، تتوقف على بيانه - صلى الله عليه وسلم -".(1/11)
وقال العلامة الشهاب أحمد المنيني الدمشقي (في القول السديد): "إن علم الحديث علم رفيع القدر، عظيم الفخر، شريف الذكر… به يعرف المراد من كلام رب العالمين، ويظهر المقصود من حبله المتصل المتين، ومنه يدرى شمائل من سما ذاتاً ووصفاً واسماً، ويوقف على أسرار بلاغة من شرَّف الخلائق عرباً وعجماً، وتمتد من بركاته للمعتني به موائد الإكرام من رب البرية، فيدرك في الزمن القليل من المولى الجليل المقامات العلية والرتب السنية، من كرع من حياضه أو رتع في رياضه، فليهنِه الأنس بجني جنانه السنّة المحمدية"(1).
وقال الإمام النووي: "من أهم العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبوية، أعني: معرفة مقلوبها ومشهورها وغريبها وعزيزها، متواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها، وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومجملها ومبينها ومختلفها وغير ذلك من أنواعها المعروفات، ومعرفة علم الأسانيد… إلى أن قال: ودليل ذلك أن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات، وعلى السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات وبيانها في السنن المحكمات".
وقد اتفق العلماء على أن من شرط المجتهد من القاضي والمفتي أن يكون عالماً بالأحاديث الحكميات.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة أو سنّة قائمة أو فريضة عادلة).
__________
(1) قواعد التحديث ص 44/45.(1/12)
وبهذا كله ظهر لنا أن السنن النبوية مصدر ثان من مصادر التشريع باتفاق علماء الأمة، فما على المؤمنين إلا أن يُحَكِّموا هذه السنّة في كل خلاف يشجر، وفي كل أمر يحل، وفي كل دعوى ترفع، مع التسليم التام بكل ما تصدره من الأحكام، مصداقاً لقوله تعالى:? xxsù وَرَبِّكَ xw يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ xw يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا |Mّٹxزs% وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) ? [النساء:65].
المبحث الثاني: تدوين السنة النبوية وحفظها
القرآن الكريم هو الأصل الأول من أصول الشريعة الإسلامية التي يجب على كل مسلم أن يرجع إليه في كل أمر، ويحكّمه في كل مسألة من مسائل الحياة، ويعمل بما ورد فيه من الأحكام الشرعية، والأوامر الربانية. وقد كان المسلمون على هذا طوال التاريخ الإسلامي في كل بلاده، وأصقاعه، لا يشذُّ عن ذلك أحد من المسلمين، فإن شذ كان ضالاً عن السبيل القويم والصراط المستقيم.
والسنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول الشريعة التي يفزع إليها المسلم عند الملمات، ويستفتيها في حكم أي عمل يريد القيام به، وينوي أداءه، ويسترشد بها في أعماله اليومية، وعباداته المفروضة والمندوبة؛ لأنها هي الحجة على المؤمنين، والبيان لأوامر الحق في كتابه، والمظهر الكامل لشرائع الإسلام. وسار المسلمون على عدّ السنة النبوية أصلاً للأحكام، ومرجعاً للأنام، عبر حياتهم الطويلة التي قضوها في ظل الإسلام.
وقد هيأ الله تعالى للأمة الإسلامية قوماً يُعنون بنقل السنة بطريق صحيح لتصل إلينا، ولنقتدي بها، فآثر الله تعالى الأمة الإسلامية باتباع النبي الأمي e وذلك يوجب عليها أن تعتني بنقل سنته، والمحافظة عليها، وحراستها من كل معتد ظالم، أو غافل جهول، وذلك بتوفيق من الله لهذه الأمة، وهذا مستلزم لقوله تعالى: ?$¯Rخ) نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ? [الحجر:9].(1/13)
وقد عُنيت الأمة الإسلامية بتبليغ هذين الأصلين عناية فائقة لم تعهد في أمة من الأمم نحو ما أثر عن أنبيائها وملوكها وعظمائها، فقد حفظ الصحابة القرآن وتدبروه وفقهوه، وبلغوه كما أنزله الله إلى من جاء بعدهم من التابعين، وحمله التابعون وبلَّغوه -كما تلقوه- إلى من جاء بعدهم، وهكذا تداوله الجم الغفير الذين لا يحصون في كل عصر إلى أهل العصر الذين يلونهم، وانضم إلى الحفظ والتلقي الشفهي التقييد بالكتابة في عصر النبي e وبعد عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى وصل إلينا من غير تزيد فيه ولا اختلاق، ولا تحريف ولا تبديل، مصداقاً لقول الله سبحانه:? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ? [الحجر:9].
وكذلك عُنِي الصحابة بالسنة المحمدية حفظاً وفهماً وفقهاً، وبلَّغوها بلفظها -وهو الغالب والأصل- أو بمعناها إلى من جاء بعدهم من التابعين، وبلغها التابعون لتابعي التابعين وهلم جرا.
ولم تكن السنن والأحاديث مدونة بصفة عامة في القرن الأول؛ وذلك لما ورد من النهي عن ذلك خشية اختلاطها بالقرآن، أو اشتغال الصحابة بها عن القرآن.…
ولم يكد يبدأ القرن الثاني حتى بدأ التدوين بصفة عامة، ونشط العلماء لهذا العمل الجليل نشاطاً قوياً، وقد اقترنت حركة التدوين بحركة النقد، والتعديل والتجريح، والتحرِّي عن الحق والصدق والصواب، ووضع أئمة الحديث وصيارفته لهذا أدق قواعد النقد وأعدلها سواء أكان ذلك يتعلق بنقد الأسانيد أم المتون.
وقد تمخضت هذه الحركة التدوينية عن كتب قيمة، وموسوعات ضخمة، اشتملت على الأحاديث النبوية التي تصلح للاحتجاج، أو للتقوية والاستشهاد، ومن هذه الكتب ما هو خاص بالصحيح، ومنها ما هو مشتمل على الصحيح والحسن والضعيف، ومنها ما هو خاص بالحديث النبوي، ومنها ما يشتمل على أقوال الصحابة والتابعين.(1/14)
فكما حفظ الله كتابه العظيم، فقد حفظ سنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - وقد يسَّر للسنة -منذ فجر الإسلام وحتى عصرنا الحاضر- علماء أجلاء وجهابذة فضلاء يحفظون الحديث نقياً صافياً، دون أدنى شائبة تشوبه، مبعدين عنه كلَّ زيغ أراد مفترٍ إلحاقه بالسنة، وإدراجه ضمن نصوصها، مُبَيِّنين خطأ المخطئين، وغفلة الغافلين، ووهن الضعفاء والمتروكين.
وهذه الجهود التي بذلها علماء الإسلام في سبيل الحفاظ على السنة واتباعها، وفي استنباط الأحكام منها على مر العصور، وكر الدهور، إنما كانت عملاً بما جاء في القرآن الكريم من آيات بينات، تأمر المسلمين حيث وُجدوا، وأنَّى كانوا في كل عهد، وفي كل زمان باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وطاعته، ما داموا يستظلون بظلال الشريعة الوارفة، ويؤمنون بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً.
وقد قام العلماء في كل مصر بما نُدبوا إليه خير قيام، وأقبلوا على جمع الأحاديث والسنن وتمحيصها، وتمييز صحيحها من سقيمها، ومقبولها من مردودها، ولم يعد أحد من السلف يتحرج من الكتابة، وبذلك ارتفع الخلاف الذي كان بينهم أولاً في كتابة الأحاديث، واستقر الأمر، وانعقد الإجماع على جواز كتابته، بل على استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي عليه النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.
وقد أخذت الحركة العلمية التدوينية للحديث في الازدهار، وتجرد لهذا العمل الجليل قوم عرفوا بالأمانة والصدق والتحري والتثبت، وأخذوا أنفسهم بمجافاة المضاجع، ولازموا الدفاتر والمحابر، وحرصوا على لقاء الأشياخ، والأخذ من الأفواه، وسهروا في سبيل ذلك الليالي الطوال، وقطعوا الفيافي والقفار، وطوَّفوا في البلدان والأقاليم، وضربوا في سبيل العلم والرواية - على ما كانوا عليه من قلة المؤنة، وعُسر وسائل السفر والارتحال- مُثلاً عليا تجعلهم في عداد العلماء الخالدين.(1/15)
وما زال العلماء -بحمد الله تعالى- يجمعون الأحاديث، وينقدون ويمحصون، ويؤلفون الصحاح والسنن والمسانيد، حتَّى جُمعت الأحاديث كلها تقريباً في القرن الثالث، الذي يعتبر العصر الذهبي للأحاديث والسنن، وبانتهاء هذا القرن كاد ينتهي الجمع والابتكار في التأليف، والاستقلال في النقد والتعديل والتجريح، وبدأت عصور الترتيب والتهذيب، أو الاستدراك والتعقيب، وذلك في العصر الرابع وما تلاه من العصور.
المبحث الثالث: مكانة السيرة النبوية في
التشريع الإسلامي
ليست السيرة النبوية تاريخاً يقرأ فتدخل في حيزه، لكنها منهج حياة مُثْلَى للمسلمين، ودستور حي قائم يهدي للحق وإلى صراط مستقيم.
إن السيرة النبوية هي المعين الفَيَّاض الذي لا ينضب ولا يجف، فقد كانت ولا زالت بحمد الله النموذج الحي والمنهاج العملي الذي يجب على المسلمين أن يحتذوه في كل زمان ومكان؛ ذلك لأن الإسلام لم يكن يوماً مَّا فلسفة تعيش في العقول وتهيم فيها الأرواح والأفكار، من غير أن يكون لها في حياة الناس واقع عملي يلمسونه بحواسهم، ويتذوقون ثمرته بوجدانهم، إن السيرة العطرة لسيد البشر - صلى الله عليه وسلم - هي التي ترَبَّى عليها الأفذاذ من السلف الصالح، فكانوا بحق نموذجاً للإسلام الصحيح الذي يرى فيه الناس المدلول الحقيقي لهذا الدين، الذي أعز الله به هذه الأمة بعد ذلة وأكرمها به بعد هوانٍ وتحقير، فكانت به خير أمة أخرجت للناس وارتقت به على سائر الأجناس.
إنها النور الهادي الذي يوضح معالم الطريق، ويلح على المسلمين أن يسلكوه؛ لأنها الترجمة العملية لحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا الله سبحانه أن نتخذه قدوة نقتفي أثره، ونبراساً نستضيء بهديه، وكم في سيرته -صلوات ربي وسلامه عليه- من الدروس والعِبر، وكم في حياته من القيم والمثل العليا.(1/16)
وهذه الرسالة أمانة في أعناق المسلمين، والإيمان والالتزام بنهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل الإنسان من مداركه الأرضية فتنهار أمامه موانع المكان، وتزول فواصل الزمان، ليجد نفسه موصولاً بالله يتابع خطوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحياته ينبض لها قلبه، ويساير حركاته بنور عينيه. وأول خطوة للتعرف على المدرسة النبوية هي الإلمام بحياته الشريفة - صلى الله عليه وسلم -.
وقد توافرت للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أقلام رفيعة، وقلوب مؤمنة، ونفوس زكية، لخدمة سيرته العطرة؛ إذ إن سيرته لم تكن مرحلة عابرة تمر في مواكب الأيام مرور الذكرى، كما هي الأحداث التاريخية التي تطويها صفحات غابرة.
جاء في الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((والذي نفسي بيده لا يُؤْمنُ أَحَدُكُم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ ووالدِهِ والنَّاسِ أجمعين))(1). فمحبته - صلى الله عليه وسلم - لا يماري بها مؤمن بل هي واجبة، ولا تكون المحبة بالعاطفة، فإرث سيد العالمين ومحبته لا يتأتى إلا باتباعه قولاً وفعلاً، وفقه رسالته قلباً وقالباً، فالحب رخيص باهت إن كان كلاماً يذكر في المناسبات، لكنه عظيم غالٍ في القدوة والاتّباع.…
إن سيرة النبي المعصوم - صلى الله عليه وسلم - لم تكن نظاماً مغلقاً، بل هي بوابة مفتوحة يقدم فيها كل جهد جديد متواضعاً كان أو عظيماً، وستظل السيرة النبوية الشريفة هي الرصيد التاريخي الأول الذي تستمد منه الأجيال المتلاحقة من ورثة النبوة وحملة مشاعل العقيدة زاد مسيرها، وعناصر بقائها، وأصول امتدادها.
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه مع الفتح (1/58) ك: الإيمان حديث رقم 15،14، ومسلم أيضاً في صحيحه (1/67) ك: الإيمان، حديث رقم69، 70.(1/17)
ومن درس تاريخه - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه حقه من النظر والفكر والتحقيق، رأى نسقاً من التاريخ العجيب، استعلى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والفئة المؤمنة معه على عناصر المادة وعوامل الجذب الأرضي، وارتقوا بالإنسانية إلى درجات لم تشهدها على امتداد عصورها وأزمانها، ومن يعمق النظر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - محاولاً أن يتبع السر الذي وقع في التاريخ القفر المجدب ير أنه قد أخصب به، وأنبتت الدنيا أزهاره الإنسانية الجميلة، فأنشأ - صلى الله عليه وسلم - رجالاً قاموا بهذا الدين خير قيام.
المبحث الرابع: تدوين السيرة النبوية وحفظها والعناية بها
إن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صفحة خالدة من الخير والبر والرحمة، وهي الأساس الكامل لدعوته الكريمة التي أضاءت المشارق والمغارب، وملأت العالم بالهدى والنور. ومن أجل ذلك كانت أهمية هذه السيرة الوضاءة العطرة للمسلمين، بل للإنسانية جمعاء، حيث تناقلتها الأمم والشعوب جيلاً بعد جيل، ثم سجلت بعد ذلك على مختلف العصور في كتب يضيق بها الحصر والتعداد، وسوف تظل الكتابة فيها متصلة الحلقات إلى أن تنفطر السماء وتنكدر النجوم وتبدل الأرض غير الأرض والسموات.
وواجب المؤرخ الذي يتصدى للكتابة عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ييستضيء -أول ما يستضيء- بكتاب الله عز وجل، ثم يلي ذلك في الأهمية كتب السنة الصحيحة، ولكن القرآن الكريم والسنة النبوية لا يتعرضان إلا لبعض النواحي الخاصة من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويتعرضان لها في إجمال يحتاج إلى كثير من التوضيح والتفصيل. ومن هنا كان لابُدَّ من المراجع الأساسية في التاريخ، وأهمها: سيرة ابن هشام، وتاريخ الأمم والملوك للطبري، والطبقات الكبرى لابن سعد في جزئيه الأول والثاني، إلى غير ذلك من المراجع.(1/18)
والحق أن تدوين السيرة على الوجه الأكمل، إنما بدأ بابن إسحق، شيخ مؤرخي السيرة، المتوفى سنة 152هـ، ولا نظن أحداً بعده من كتّاب السيرة لم ينقل عنه، ويتأثر به، وقد كان عمله تلبية واستجابة لطلب الخليفة العباسي: "أبي جعفر المنصور" دخل عليه ابن إسحق، وبين يديه ابنه "المهدي" وبعد أن عرّفه عليه، قال له: "اذهب فصنّف له كتاباً منذ أن خلق الله آدم -عليه السلام- إلى يومك هذا"، وعندما انتهى ابن إسحق من تأليفه، قال له الخليفة: "لقد طوّلته، اذهب، فاختصره". وهو الذي بين أيدينا الآن.
على أنه ينبغي أن يعلم أن مصادر السيرة النبوية في المقام الأول هي: كتاب الله تعالى، وكتب السنة المعتمدة، ثم الروايات الثابتة التي نقلت عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
واجبنا نحو السيرة:
من المسلمات أن السيرة النبوية تمثل أيضاً جزءاً من عقيدة المسلم، ولو قُدِّر لهذه السيرة أن تسجَّل كما هي، لكانت مبعث فخر واعتزاز للمسلم، ولكانت سدّاً منيعاً في وجه خصوم الإسلام من المستشرقين وغيرهم، أولئك الذين اتخذوا من السيرة النبوية -غير المجردة- مغمزاً في الدعوة ومطعناً على حامل رسالتها -صلوات الله وسلامه عليه-.
يقول الشيخ محمد مصطفى المراغي في تقديمه لكتاب "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل:"وسيرة محمد -صلوات الله عليه- كسائر سير العظماء- أضيف إليها ما ليس منها: إما عن حب وهوى وحسن قصد... وإما عن سوء قصد وحقد... غير أنها تمتاز عن سير جميعهم، بأن منها شيئاً كثيراً ضَمَّهُ الوحي الإلهي، وضمن حفظه القرآن المطهر، وشيئاً كثيراً رُوي على لسان الحفّاظ الثقات من المحدثين".(1/19)
ثم يشير الشيخ المراغي إلى واجبنا نحو السيرة النبوية فيقول بعد ذلك: "وعلى هذه الأسس الصحيحة... يجب أن تبنى السيرة.. وأن يستنبط منها العلماء حِكمها وأسرارها ودقائقها، وأن تحلل التحليل العلمي النزيه، ملاحظاً في ذلك ظروف الوسط.. وحال البيئة.. ونواحيها المختلفة من عقائد ونظم وعادات".
المبحث الخامس: تدوين السنة والسيرة النبوية علامة بارزة من علامات جهود أهل السنة والجماعة
إن المتبصر بتاريخ الأمة الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا، يتضح له كيف أن الله عز وجل حفظ دينه بعد موت نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعلماء، علماء أهل السنة أهل الحديث.
فهم الذين رحلوا من بلد إلى بلد لجمع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم تدوينه في الصحف على مناهج شتى كالمسانيد والمجاميع والمصنفات والسنن والموطآت وكتب الزوائد والمعاجم، وحفظوا أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وضع الوضاعين وتدليس المدلسين، وميزوا بين صحيحها وسقيمها، فوضعوا القواعد الحديثية التي بها تتميز الأحاديث المقبولة من المردودة، وميزوا بين الرواة، فألفوا في الثقات وفي الضعفاء وفي الوضَّاعين، ونقلوا كلام أئمة الجرح والتعديل فيهم، بل ميزوا بين مرويات الراوي الواحد، بين ما رواه عن أهل الشام وما رواه عن أهل العراق وما رواه عن أهل الحجاز، و بين ما رواه قبل الاختلاط و ما رواه بعد الاختلاط، إن كان قد طرأ على الراوي الاختلاط، وهكذا.
وإن المتبصر بهذا العلم وفنونه وأقسامه وأنواعه وما ألف فيه، لينبهر أشد الانبهار من مدى خدمة أولئك القوم لحديث نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.(1/20)
وهم الذين قاموا أيضاً بتوضيح عقيدة أهل السنة والجماعة بجميع أبوابها، والرد على أهل البدع والانحراف، وحذروا من أهل الأهواء والبدع، وهم الذين قاموا بجمع الأحاديث والآثار في تفسير القرآن العظيم، كتفسير ابن أبي حاتم وتفسير الصنعاني وتفسير النسائي، ومنهم من قام بتفسير القرآن العظيم كاملاً كتفسير الطبري وتفسير ابن كثير وغير ذلك، ووضعوا القواعد والأصول لتفسير القرآن الكريم، وميزوا بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي.
وهم الذين ألفوا في الفقه، فكتبوا في جميع أبوابه، وبحثوا في مسائله، وبينوا الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ووضعوا القواعد الفقهية التي تجمع فرعيات وجزئيات كثيرة تجمعها علة واحدة، ووضعوا أصول الفقه، وهي: القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، وألفوا في هذه الفنون المؤلفات الكثيرة.
وهم الذين قاموا بنشر الحديث والعقيدة السلفية في بلدانهم، ونافحوا عنها، ولا يزالون -والحمد لله- قائمين على هذا المسلك، وهذا مصداق ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))(1) وفي رواية: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الدين عزيزة إلى يوم القيامة))(2).
__________
(1) فتح الباري (13/293).
(2) الإبانة (1/200).(1/21)
وقد سلك في هذا الزمان أهل الأهواء والتحزبات والفرقة مع علماء أهل السنة السلفيين، مسلك الأولين من أهل الأهواء والبدع، فقد تقاسموا القول فيهم، فبعضهم يصفهم بأنهم مداهنون متزلفون، وبعضهم بأنهم مرجفون مفرقون، وبعضهم بأنهم لا يفقهون الواقع، وبعضهم بأنهم علماء سلطة، وبعضهم بأنهم عبيد الأسياد، وبعضهم بأنهم حساد، وبعضهم بأن فتاويهم تصدر خوفاً من السلطة، وطمعاً بما عندها، وغير ذلك من الألقاب والأوصاف السيئة، ولكن -والحمد لله- كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بريئاً من تلك المعايب التي يعيبه بها المشركون، وكما كان السلف الصالح أهل الحديث بريئين من تلك الأوصاف التي يصفهم بها أهل الأهواء والزندقة، فكذلك علماؤنا اليوم بريئون من تلك الأوصاف التي يصفهم بها أهل الأهواء والحزبيات، فهم -والحمد لله- أهل القرآن والأثر، وحملة حديث محمد - صلى الله عليه وسلم -، والمدافعون عن سنته والمبلغون لها، وهم أهل العلم والفتاوي الشرعية المبنية على الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهم حفظة الدين وأهل التقوى والورع إن شاء الله تعالى، وإذا ظهر رجل برأي مخالف أو ببدعة وجهوا له سهامهم، وفضحوا أمره، وردُّوا عليه شبهه.
فهم -والحمد لله- ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فحبهم والله دين وإيمان، وبغضهم هوىً ونفاق واتباع لزخاريف الشيطان، نعوذ بالله من سوء المنقلب والخذلان.(1/22)
قال أبو عثمان الصابوني مبيناً علامات أهل السنة: "وإحدى علامات أهل السنة: حبهم لأئمة السنة، وعلمائها وأنصارها، وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع والذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونوَّرَها بحب علماء السنة فضلاً منه جل جلاله". ثم ذكر بسنده إلى أحمد بن سلمة قال: "قرأ علينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد كتاب الإيمان له، فكان في آخره: فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وشعبة وابن المبارك وأبا الأحوص وشريكاً ووكيعاً ويحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي فاعلم أنه صاحب سنة".(1/23)
فالفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، هم المتمسكون بكتاب الله عز وجل، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين والصحابة الكرام، والتابعين وأتباعهم، اقتفوا آثارهم، وهجروا البدع والأمور المستحدثة، ولم يتبعوا أهل الأهواء وعلماء الكلام وأهل الرأي، الذين يقيسون الأمور بعقولهم وآرائهم. وهم أهل الحديث وأهل العلم الذابُّون عن السنة تأويلات الجاهلين، وتحريفات الغاوين وانتحال المبطلين، وهم الذين جعلوا القرآن العظيم والسنة المشرفة وعقيدة السلف مقياساً للولاء والبراء، ولم يعقدوا الموالاة والمعاداة على التعصب للرجال أو على مسألة تؤصل من غير دليل فيفرقون من أجلها بين الناس ويتحزبون عليها، وهم الذين لا تستجيشهم العواطف والأهواء عند الفتن وظهور الفساد، بل يرجعون الأمور كلها إلى القرآن والسنة وفهم السلف بحكمة وروية وحزم وصبر، وهم حفظة الدين؛ لأنهم هم الذين يتعلمون القرآن الكريم، وتفسيره، وأحكامه ويتعلمون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويفقهونها بفقه السلف ويبلغونها للناس، ويجلسون في المساجد للتعلم والتعليم كدأب سلفهم الصالح ويرحلون في طلب العلم والحديث، وليس عندهم مناجاة وسريات وحزبيات دون العامة والخاصة، بل يلتفون حول العامة والخاصة، ويناصحونهم، ويشاركونهم في أفراحهم وأتراحهم، ويسمعون ويطيعون لمن ولاه الله أمرهم، ويدعون لهم بالصلاح والبطانة الصالحة، ويؤدون إليهم حقوقهم ويسألون الله حقوقهم.(1/24)
فقلوبهم للعامة والخاصة نظيفة، وألسنتهم وجوارحهم عن الخيانة والخبث بعيدة، وما من مبتدع يظهر برأي مستحدث إلا كانوا له بالمرصاد، وهم الذين يحبون السنة، ويعملون بالسنة، ويوالون أهل السنة، ويبغضون البدع، ويهجرون البدع، ويعادون أهل البدع، لم تفرقهم الأهواء والحزبيات، بل تجمعهم السنة، فعليها يجتمعون، وبها يتحابون ويتآلفون، ولأجلها يوالون ويعادون، لا يعرفون حب النفس والانتصار والانتقام لها، بل يغارون وينتقمون لله ورسوله ودينه، كما كان عليه قدوتهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.…
الفصل الثاني: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في خدمة السنة والسيرة النبوية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول…: حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وخصائصها وأهدافها.…
المبحث الثاني…: مظاهر خدمة السنة والسيرة النبوية في دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله).
المبحث الثالث…: إسهام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ازدهار الحركات الإصلاحية الحديثة.
المبحث الأول: حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وخصائصها وأهدافها
إن الحديث عن الدعوة السلفية النجدية الإصلاحية، التي قام بها ودعا الناس إليها، الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- المجدد لما اندرس من معالم الدين، في القرن الثاني عشر، حديث طيب مبارك، ترتاح له أفئدة أهل الإيمان، وتطمئن به نفوس أهل الصدق والإحسان، لما يرونه ويعلمونه من أثر مبارك صادق لهذه الدعوة، في مشارق الأرض ومغاربها، ولما يوقنون به من عظيم نفعها، وكبير وقعها.(1/25)
ولاشك أن كل منصف متلمس للحق ومعالمه، وباحث عن الخير وهداه، يدرك أن ثمة أسباباً جعلت هذه الدعوة دعوة متبعة عالمية ناجحة في مقاصدها وأطرها وغاياتها، وتعيش الأمة اليوم في حالة من المراجعة لذاتها، والتصحيح لأخطائها وزلاتها، والعودة إلى الصدق مع نفسها، لذا كان لزاماً على أنصار هذه الدعوة وأتباعها، ممن هيأ الله لهم قوة العلم، وثاقب النظر، أن يبينوا للأمة جمعاء مزايا هذه الدعوة المباركة، وأسباب نجاحها واستمرارها، وازدهارها وانتشارها، حتى تعود الأمة إلى أصل نبعها، وأول سيرتها، ورأس أمرها "ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها".
إن هذه الدعوة المباركة أحببناها ونجحت واستمرت لأنها تجديد لأصالة الدين، وروح الملة، ومعدن الشريعة، إنها رجوعٌ بالناس إلى رأس الأمر، وأصل النبع، وأساس النهر، وأول المسيرة.
أحببناها واستمرت لأنها دعوة بدأت من المسجد، وانطلقت من المحراب، وهبّت من المآذن علنية، تُعلَّم مبادئها على المنبر، وتُشرح مواثيقها في العامة، ليست سرية لها رموز لا يفكها إلا خاصة الخاصة، وليست غامضة لا يفهم مقاصدها إلا أساطينها؛ بل دعوة بينة بيان الحق، ساطعة سطوع الحقيقة، ظاهرة ظهور الفجر.
إنها بإيجاز: تدعو لأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وتُعَبِّد الناس لخالقهم ورازقهم، لا ترى التقليد، ولكنها لا تجرح الأئمة، ولا تقرُّ الجور، ولكنها لا تخرج على الحاكم المسلم، وترفع شعار الجهاد لإعلاء كلمة الله.(1/26)
نجحت واستمرت لأنها دعوة سهلة ميسرة، ومن ينظر في كتب الإمام المجدد، وأبنائه وأحفاده، وأئمة الدعوة، يلمس يسر الشريعة، وسماحة الملة، وسهولة الدين، وكذلك عمرت هذه الدعوة، وأينعت، وطاب قطافها، واستوت على سوقها؛ لأنها عملت بالكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة -صحابة وتابعين- وتقديمٌ للدليل مع احترام أهل العلم، وتحاكم للنص مع عدم مصادرة جهود الآخرين، وبناء دولة مع تقديم الآخرة، وإصلاح القلب مع الاهتمام بالجسم، لم تحش أذهان أتباعها بزبد الخطابة المجردة، والعواطف المجنحة، ووجهات النظر، واستحسانات الفلاسفة، ورغوة علماء الكلام، وجدل المناطقة، ووله الشعراء.
فهي دعوة واضحة المعالم، ثابتة الخطى، متميزة الطرح، بينة الخصائص، قامت على التوحيد: أصل الأصول، ودعوة الأنبياء، ومهمة الرسل، وأول الواجبات، وأعظم الفرائض، فدعت إليه قولاً وعملاً، ونصرها الله بسيف الشرع، وقوة العلم، وكتائب الجهاد، وأحفاد الفاتحين، فشرَّقت وغرَّبت، وآتت أُكلها ضعفين بإذن ربها.
لقب هذه الدعوة:
إن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب دعوة سلفية، وليست دعوة شخصّية فتسمّى بالوهابية. وكذلك أنصارها سلفيون، وليسوا بالوهابيّين.
"إن لقب (الوهابية) لقب لم يختره أتباع الدعوة لأنفسهم، لكنّه أطلق من قبل خصومهم على اختلافهم، تنفيراً للناس منهم، وإيهاماً للسامع أنهم جاؤوا بمذهب خامس يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى. واللقب الذي يرضونه، ويسمّون به هو (السلفيون)، ودعوتهم (الدعوة السلفية)"(1).
غاية هذه الدعوة:
__________
(1) المصدر المذكور في "مجلة البحوث الإسلامية" (126-127)، نقلاً عن حسن بن عبدالله آل الشيخ في مقاله "الوهابية وزعيمها الشيخ محمد بن عبدالوهاب" المنشور في مجلة العربي الكويتية (ص 26) العدد (147) فبراير 1971م- وعن أحمد علي في كتابه "آل سعود" (ص 212).(1/27)
غاية هذه الدعوة إعادة الإسلام إلى النهج الصحيح الذي كان عليه السلف الصالح، وإزالة أنقاض البدع والخرافات التي غشّت العقيدة الصحيحة.
وقد اعترف بهذه الحقيقة المستشرقون من أعداء الإسلام، فضلاً عن خصوم هذه الدعوة من المسلمين.
قال غولتسيهر المستشرق المجري اليهودي في كتابه "العقيدة والشريعة": "… يجب على من ينصِّب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصاراً للديانة الإسلامية، على الصورة التي وضعها النبي والصحابة؛ فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان"(1).
وجاء في "دائرة المعارف البريطانية": "الوهابية: اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتّبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواها. وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح"(2).
"والفضل ما شهدت به الأعداء"
مصادر هذه الدعوة:
عُنِي مؤسس هذه الدعوة المباركة وحامل لوائها الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- بكتب السلف، ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، حتى إنه كان ينسخها بيده، وفي هذا تحديد لمسار دعوة الشيخ من بدايتها، حيث إن شيخ الإسلام وتلميذه من أبرز علماء الدعوة السلفية، الذين أحيا الله على أيديهم السُّنة النبوية. وتأثر الشيخ ابن عبدالوهاب بالمذهب الحنبلي الذي كان منتشراً في هذا الوقت، ولم يخلط في دراساته لعلوم السنة علوماً أخرى، كالفلسفة والمنطق وعلوم الهيئة والهندسة والتصوف والرياضيات؛ بل اكتفى بدراسة منابع الوحي الصافي: الكتاب والسنة وعلومهما، فصفا علمه من الخروج عن دراسة السنة.
__________
(1) "الشيخ محمد بن عبدالوهاب" لابن حجر آل بوطامي (ص 154).
(2) المصدر نفسه (ص 155).(1/28)
تقوم عقيدة الشيخ وأتباعه على التمسك بالكتاب والسنة، والسير على هديه - صلى الله عليه وسلم - وهدي خلفائه الراشدين والتابعين لهم بإحسان، وما كان عليه أئمة السلف الصالح وأئمة الهدى، والتمسك بما درج عليه التابعون وتابعوهم من أهل الفتوى وسلف الأمة وأئمتها من ذم البدع والتمسك بالسنة الصحيحة(1).
"وقد اعتمد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته على ثلاثة مصادر هامة: أولها: القرآن الكريم. ثانيها: السنّة النبوية. ثالثها: آثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام، وبخاصّة الإمام أحمد ابن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية"(2).
قال رحمه الله في بعض أجوبته: "ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير محمد بن جرير الطبري ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذلك البيضاوي، والبغوي، والخازن، والجلالين وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشروحه كالقسطلاني والعسقلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير، ونحوهم من كتب الحديث، خصوصاً الأمهات الست وشروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون فروعاً وأصولاً، وقواعد وسيراً، وصرفاً ونحواً، وجميع علم الأمة"(3).
ثم إن مصادر الشيخ لتُبْدِي جليا الاهتمام بالسنة، فمصادره هي:
"البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومسند أحمد وموطأ مالك والسنن الكبرى للبيهقي وسنن الدارقطني ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وسنن سعيد بن منصور وسنن الأثرم ومراسيل أبي داود وغيرها من كتب السنة".
__________
(1) مجلة البحوث الإسلامية، تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية.. ص7-16.
(2) المصدر المذكور في "مجلة البحوث" (127-128).
(3) "الأسنة الحداد"، ص 12، 13.(1/29)
ثم اهتم بنقل أقوال كثيرة للصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وعلماء السلف والإجماع في كثير من المسائل، واعتنى بنقل التصحيح والتضعيف لكثير من النصوص، وما قيل في الرواة، ومن تكلِّم فيه، والرواة المختلف فيهم من جهة الاحتجاج بهم.
وبهذه المؤلفات وغيرها من الوسائل والأساليب مضت هذه الدعوة تنافح عن مذهب السلف الصالح، وهذا وعد الله لمن آمن وعمل صالحاً، حيث وعده الله تعالى بالاستخلاف في الأرض كما في قوله تعالى: ? وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ $yJx2 اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي xw يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ tچxےx2 بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ? [النور:55].
فقد قامت الدولة المباركة بما أمر الله به، فمكنها فأظهر الله الحق ودحض الباطل، وقد اشتدت غربة الإسلام، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثر منهم ما كان يفعله أهل الجاهلية الأولى، واندثر مذهب السلف، وغلب الجهل والتقليد، وأعرضوا عن السنة وتعليمها إلى أن كتب الله لهذه الدعوة القبول في الأرض، فأثمرت وأينعت وصار لها السيرورة والذيوع، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الثاني: مظاهر خدمة السنة والسيرة النبوية في دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (1)
__________
(1) مجلة البحوث الإسلامية - تصدر عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من مقال د. محمد بن عبدالله السلمان من ص 115-150 بتصرف.(1/30)
لما طلعت شمس الهدى والرشد من وادٍ غير ذي زرع، ورمال الأرض العربية التي كانت قد اشتهرت بطيب العرار والخزامى، قد فاح فيها طيب التوحيد من جديد، وعلت كلمة الحق حتى عطرت العالم بأسره، تنادي بالعودة إلى الإسلام ويسره، والاستمداد من نبعه الصافي، فتدلى الثمر وطاب بدعوة الإمامين المصلحين: الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب، والإمام المجاهد محمد بن سعود رحمهما الله تعالى.
ومعلوم أن التمسك بالسنة، دليل النجاة والصلاح، وعنوان السعادة والفلاح، وأمارة التوفيق والتسديد والنجاح، وعلامة الفوز والنصر والخير، قال تعالى:? أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) ? [الأحزاب:71].
وهذه الدعوة المباركة حرصت كل الحرص على تعظيم السنة ونصرتها، وبيانها للناس، وإيضاح معالمها للخلق، وجعلت ذلك منهجاً لها، وديدناً وطريقة تسير عليها، وتدعو إليها، وتحث أتباعها وأنصارها على معرفتها وتعلمها وتعليمها ونشرها بين الحاضر والباد.
وتعظيم السنة أمر مهم جداً، تنشط له همم أتباع الحق، وأنصار الهدى، وتسعى لبيانه ونشره قلوب المحبين لها، الذابين عن حياضها، المحاربين للبدعة والفتنة وبنيّات الطريق.(1/31)
وإن أكبر مؤثر، وأعظم مؤشر، في نجاح هذه الدعوة، ووصولها إلى كل مكان، من مشارق الأرض ومغاربها، إنما هو التمسك بالسنة، والحرص التام على الاتباع. ومن المعلوم أن السنة واتباعها، والسير على لاحب صراطها، وواضح نهجها سبب حقيقي، ودافع أساسي، لشرح الصدر، ووضع الوزر ورفعة الذكر، كما قال تعالى لنبيه محمد- صلى الله عليه وسلم -:? سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) ? [الشرح:1-4].
وفي ضوء ذلك يتبين للقارئ الكريم أن اتباع السنة مصدر عز الأمة، وسعادتها، وصلاحها، وهدايتها، وسلامتها، وريادتها، وشواهد هذا الكلام تبدو جليّة في مسارات هذه الدعوة التي أعادت للأمة روحها وحياتها، وفلاحها، وسيادتها لماَّ تمسكت بنور الوحيين، واقتفت آثار النبوة، واهتدت بإسلامها الحق.
ومنهج هذه الدعوة في تمسكها بالسنة، قائم على الاتباع: للكتاب والسنة ظاهراً وباطناً، والتسليم لهما إذعاناً وانقياداً. قال سبحانه وتعالى:(1/32)
? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ xwur مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا اجدب? [الأحزاب:36].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله))(1).
صور عنايتها بالسنة والسيرة النبوية:
لقد عنيت دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- عناية فائقة بالسنة والسيرة النبوية وتمثلت عنايتها بذلك في عدة صور:
(أ) اعتماد الشيخ في دعوته على الكتاب والسنة(2)، ودعوته نهجها الاتباع لا الابتداع، تردُّ الناس إلى الشريعة الإسلامية في مصدرها الأساسي: القرآن والسنة، فالسنة هي المصدر الثاني للتشريع، وقد أمرنا الله بطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم -، فقد أكد الشيخ في غير موضع من رسائله وفتاواه ضرورة الرجوع للكتاب والسنة، وكان ما ترجح لديه وصح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ به، بل يؤكد الشيخ اتباع الكتاب والسنة، وذلك يظهر من خلال أربع قواعد ذكرها الشيخ في رسالة له:
1-… تحريم القول على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا علم.
2-… كل ما سكت عنه الشرع فهو عفو لا يحل لأحد أن يحرمه أو يكرهه.
3-… ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ والضلال.
4- ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهة.
وهذه الدعوة تهدف إلى تعريف السنة وإحيائها، وإماتة البدعة وتربية الناشئين على الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح، وقد اتخذت من العلم وسيلة والعمل بالعلم كذلك.
ومؤلفات الشيخ في الحديث والسيرة النبوية تتجلى في الآتي:
__________
(1) أخرجه الإمام مالك في المؤطأ (2/899) بلاغا، والحاكم في المستدرك 1/93 .
(2) الشيخ مناع القطان في جريدة أسبوع الشيخ محمد بن عبدالوهاب الصفحة الثالثة.(1/33)
1- (مجموع الحديث على أبواب الفقه)(1).
2- (أحاديث الفتن والحوادث)(2).
3- (مختصر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - )(3)، اختصره من "السيرة النبوية" لابن هشام.
4- (ستة مواضع من السيرة)(4)، وهي رسالة مختصرة توضح ستة أحداث من السيرة النبوية.
5- (الهدي النبوي)(5)، وهو مختصر كتاب "زاد المعاد" لابن القيم.
وعرف العالم كله عناية الشيخ الفائقة بدراسة السنة والحديث، حيث قام بإنجازات ضخمة وإصلاحات عظيمة مستقاة من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع المجالات.
ولعل ما قام بجمعه وترتيبه وتدوينه من مؤلفات متنوعة متعددة الجوانب والأهداف والمقاصد، لمن أعظم الشواهد على خدمة الإسلام والمسلمين، وعناية الشيخ بمذهب السلف الصالح - رضي الله عنهم -.
__________
(1) بتحقيق كل من د.خليل إبراهيم ملا خاطر أستاذ الحديث بجامعة الإمام ود. محمود الطحان الأستاذ المشارك بجامعة الإمام.
(2) بتحقيق محمد محرز حسن سلامة من علماء الأزهر ود. محمد شوقي خضير أستاذ الحديث بالأزهر.
(3) طبع عدة مرات، من آخرها وأحسنها: طبعة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف سنة 1418هـ.
(4) محمد بن عبد الوهاب: مصلح مظلوم ومفترى عليه (ص167).
(5) المصدر السابق، والكتاب مطبوع عدة طبعات.(1/34)
وما قام به الشيخ يُعَدّ إنجازاً كبيراً، حيث عُدِم في هذا العصر المحدث والمفسر لقلة رواد كتب الحديث والسنة والمشتغلين بها لاهتمام القوم بالفقه والطرق الصوفية الضالة المنحرفة، قال ابن بسام في علماء نجد (1/17): "منذ أن عرفنا علماء نجد حتى قيام الشيخ محمد بن الوهاب -رحمه الله تعالى- فإن علمهم يكاد ينحصر في الفقه والمسائل الفرعية الفقهية، والمذهب السائد لديهم هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فعلم التوحيد والتفسير والحديث مشاركتهم فيه قليلة جداً.." لكن الإمام لم تعقه ظلمة عصره وتقصير العلماء عن علم الحديث وقصور الهمة فيه، ومِمّا دَلّ على عناية الشيخ بالسنة أنه سافر لطلب الحديث والكتابة فيه.
ومن يطالع مؤلفات الشيخ يجد حرصه الشديد على التأثر بمنهج علماء الحديث في التأليف والتصنيف، حيث استفاد من منهج الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتابه الجامع الصحيح، فإنا نجد تشابهاً كبيراً بين طريقة البخاري وطريقة تصنيف الشيخ مثل كتاب (التوحيد) و(الكبائر) و(فضل الإسلام)، حيث يعقد عنوان الباب ثم يورد بعض ما فيه من الآيات والأحاديث، وهذا صنيع البخاري نفسه في كتابه الجامع الصحيح، حيث يعنون الكتاب ثم يذكر ما دل عليه من القرآن ثم يردفه بالحديث مباشرة.
بل لقد سار على منهج البخاري كذلك في ترك المقدمة لبعض كتبه، ككتاب (مجموع الحديث) و(كتاب التوحيد).
ثم إن عناية الإمام المجدد بكتب السنة وتراثها حمله على أن يُكبر ويجل ويلهج بذكر من كانت له عناية واهتمام بكتبها، ومن كان ينهج منهج السلف في فهمها، كما في رسالته للشيخ عبدالله بن محمد بن عبداللطيف.
وإن هذا ليُرى جلياً من خلال تأليف الشيخ لهذا الكتاب حيث ضَمَّنَه (4600) حديث ما عدا أقوال الصحابة والتابعين، حيث شملت جميع الأبواب الفقهية إلا يسيراً.(1/35)
(ب) عنايتها بتصنيف التصانيف النافعة في أصولها، الماتعة في قواعدها، الرائعة في أبوابها، المتنوعة في بيان أحكامها وأحاديثها ودلالاتها، وللإمام المجدد -رحمه الله- قصب السبق، وقدم الصدق، في الاعتناء بذلك اعتناء بيناً واضحاً، ولعل أوضح مثال على ذلك جمعه لكتاب (مجموعة الحديث النجدية) التي ضمنها طلائع مشرقة من السنة النبوية، والأحاديث الكريمة، كالأربعين النووية وعمدة الأحكام، وفي جمعه هذا إشارة لطيفة، ونكتة شريفة، إذ راعى في جمعه -كما هي عادته الحميدة- حاجة جماهير الناس وعوامهم إلى أحكام العبادات والمعاملات، ثم بيَّن لهم بعد ذلك أهمية الاتباع، وخطورة الابتداع في كتابيه: (أصول الإيمان) و (فضل الإسلام)، ثم أوضح لهم خطورة الكبائر والفواحش وعظيم ضررها، وأثرها السيئ على الأمة وذلك في كتابه: (الكبائر) ثم أردفه بنصيحة للمسلمين في: (الآداب الشرعية، والمقاصد السلوكية المرعية)، وهذا الترتيب العجيب، والنمط الفريد، إنما يدل على قوة علمية وعملية امتاز بها الإمام المجدد -رحمه الله- ومن سار على نهجه، ونفسه في الدعوة إلى الله والعناية بإصلاح الناس، وإخراجهم من ظلمات التيه والغي إلى نور الله ودينه القيم.
ثم جاء بكتاب: (الصلاة وحكم تاركها) للإمام ابن القيم -رحمه الله- وختم تلكم المجموعة الفريدة النفيسة بكتاب: (الوابل الصيب في شرح الكلم الطيب) لابن قيم الجوزية -رحمه الله- فتكون أمام القارئ خلاصة مهمة سديدة، وزبدة نافعة مفيدة، ملخصة من دواوين السنة النبوية، يكون فيها على بصيرة في جميع أمور دينه: توحيداً ومقصداً وعبادة ومعاملة وذكراً وفكرا،ً وهي -لعمر الله- أصول السعادة الكلية.(1/36)
(ج) قيام أئمة الدعوة بتدريسها وتعليمها في المساجد والحلقات العلمية، والمجالس الوعظية، ونشرها وبثها بين الناس في مجامعهم العامة، ومشاهدهم الخاصة، ودعوتهم إليها، وتقديمها على آرائهم الفردية، ونوازعهم الشخصية، ومحاربتهم وإنكارهم على من يقدِّم رأيه وهواه على نصوصها، ولهذا -وغيره- أحيت السنة وأعلامها، واندرست البدعة وأربابها.
(د) قيامهم بمحاربة البدعة والفتنة، وتوضيح خطورتها وأثرها السيئ على الأمة، إذ البدعة -في ميزان الشرع- بريد الكفر، وعنوان الشقاء، وأمارة الضلال، وعلامة الفساد، وهي أحب إلى إبليس من المعصية، وهي تشريع لما لم يأذن الله به، والضلال مقرون بها، والخزي والافتراء من تداعياتها وأسبابها، وهي خبث في المقصد، وغبش في التصور، وغموض في الطريق، وضلال في الفكر والعقل.
ولهذا كان التحذير منها ومن وسائلها وأسبابها وذرائعها، من أهم الأمور لدى الأئمة -قديماً وحديثاً- ومن واجباتهم التي اضطلعوا بها بياناً للحق، ونصحاً للأمة، وبراءة للذمة، وهذا التحذير لم يقتصر على البدعة وضررها وخطورتها وأثرها؛ بلْ تعدَّى ذلك إلى أهلها وأصحابها المناصرين لها، السائرين -ظلماً وعدواناً- خلف ظلماتها وضلالاتها، تحذيراً واضح المقصود، بيّن المقول، يمتاز بالبيان الواضح، والعبارة المشرقة، والكلمة المسموعة المفهومة، حتى يعرف الناس خطورتهم، ويحذروا من أحابيلهم وألاعيبهم ومناهلهم العكرة الكاسدة، ولن تجد شبههم -مع مثل هذه البيانات الواضحة، والتحذيرات الجلية، والردود القوية- رواجاً أو قبولاً.
وهذا الذي سبق ذكره، هو ما حصل في أول الدعوة ووسطها وزمناً طويلاً من آخرها، حتى وصل الأمر بآخره إلينا، فضعف جانب الرد والتحذير، وقام فئام ممن ينتحلون السنة بتلميع أهل البدع، وتزيين مصنفاتهم ومؤلفاتهم وأفكارهم، وتقديس أشخاصهم، بحجة واهية، وشبهة داحضة، مردّها إلى العدل والإنصاف والموازنة -زعماً كاذباً وهوى متبعاً-.(1/37)
فتفاقم الخطب، واشتد الكرب، وعظم الضرر منهم وبهم، بل وأثرهم السيئ في الأمة عامة، وعلى الدعوة الإصلاحية وأهلها خاصة، مما نتج عن جرَّاء ذلك خروج قبيل وجيل يعظم البدع ويدافع عن أهلها -بل ويقدسهم- ويقلل من شأن السنة ومنهاج السلف الصالح، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وفي الله خلف وهو المستعان.
أخي القارئ الكريم: هذه وتلك إشارات ومنارات في عناية دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- بالسنة ونصرتها لها، وتعظيمها واتباعها؛ سقتها شآبيب من القول متصلة بعضها برقاب بعض، حتى يتبين الصبح لكل ذي عينين، ويقطع الشك باليقين، في أهمية السنة ومكانتها الحميدة، ومنزلتها الرشيدة، عند أئمة الدعوة ومن نحا منحاهم، وسار على مثل سيرهم، من الدعوات السلفية التي تأثرت بها، وأثبتت نجاحها ووضوحها وسلامتها وحسن مقاصدها، وجلاء مسيرتها وسيرها، وأما من اتبع الهوى وقدم العقل والظن على السنة?
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) ? [مريم:98].
وهم مصابون بعظم الوزر، وضيق الصدر، وبتر الذكر? إِن شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ اجب*?[الكوثر:3]؛ وفي الأخرى - عند الله عز وجل- مصيرهم وأمرهم(1)?ô`¨B x@دHxه صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ احدب? [فصلت:46].
المبحث الثالث: إسهام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ازدهار الحركات الإصلاحية الحديثة
__________
(1) انظر: المستطاب في أسباب نجاح دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله. كتبه وحرره (أبو يوسف) عبدالرحمن بن يوسف الرحمة.(1/38)
لا ريب أن المكتبات الإسلامية تزدان بما خلّفه الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه من تراث موسوعي ضخم، وأن الأمة المهتدية إلى الصراط المستقيم لا تنسى فضلهم عليها في إيضاح معالم الطريق التي كادت تختفي تحت الركام الهائل من البدع والأهواء، والعادات والتقاليد، والأكاذيب والأباطيل. فقد ملأ العالم الإسلامي بنشاط وحياة وتحركات علمية وعملية، لا تزال آثارها خالدة باقية على مرّ القرون والأجيال(1).
إن الكتاب والسنّة هما المصدران الأساسيّان للإسلام، وقد فضّل الله -عزّ وجل- القرون المشهود لها بالخير، على غيرها من القرون لأجل التمسّك بهما، وبرّأها من كثير من الفتن والمحن، والبدع والخرافات، والحقد والحسد، والنفرة والكراهية، والخلافات والنزاعات التي حدثت في الأمة بعد الابتعاد عنهما، فنخرت جسمها، وفرّقت شملها، وخلخلت صفوفها، ودفعتها إلى حضيض الذل والهوان، فصارت ذليلة بعد أن كانت عزيزة، وهان أمرها على أعداء الإسلام، وبقيت كالأيتام على مائدة اللئام(2).
لقد أدرك الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- أن الاعتصام بالكتاب والسنّة، وفهمهما على منهج السلف الصالح يضمن التوحيد في العقيدة، والتوحيد في التشريع، وبالتالي توحيد الأمة الإسلامية تحت لواء واحد من دون أي نفرة وكراهية.
وكذلك رأى -رحمه الله- أن التمسّك بالكتاب والسنة في العقائد والأحكام، والتحاكم إليهما عند التنازع، هو الوسيلة الأولى والأخيرة لردم الهوّة الواقعة بين المذاهب العقدية والفقهية، والقضاء على ما تسرّب إلى أوساط الأمّة من البدع والأهواء، والخلافات والترهات.
وإذا اتفقت الأمّة على هذا المبدأ السلفي قولاً وعملاً تتبخّر خلافاتها، وتزول الأحقاد المتوارثة بينها، إن شاء الله.
__________
(1) "الحافظ ابن تيمية شيخ الإسلام" للندوي.
(2) راجع بعض الأسباب لسيطرة أعداء الإسلام على بلاد الإسلام في "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (22/54-55).(1/39)
وقد بيّن الإمام ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- بركة الالتزام بالكتاب والسنّة في العقائد والأحكام، فقال: "ولهذا تجد أقلّ الناس اختلافاً أهل السنة والحديث، فليس على وجه الأرض طائفة أكثر اتفاقاً، وأقلّ اختلافاً منهم لما بنوا على هذا الأصل.
وكلّما كانت الفرقة عن الحديث أبعد، كان اختلافهم في أنفسهم أشدّ وأكثر؛ فإنّ من ردّ الحقّ مرج عليه أمره، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصواب، فلم يدر أين يذهب، كما قال تعالى:? بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ اخب?[ق:5](1).
ومن هنا نرى تشابهاً كبيراً في الحركات الإصلاحية التي تدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنّة على منهج السلف الصالح، وتجد في تراث شيخ الإسلام بن تيمية ضالّتها، ومن حذا حذوه من الذين رفعوا لواء الإصلاح والتجديد، وتعتبره نوراً على الدرب، ومَنَاراً في إبراز معالم الطريق، ومنحة من المنح الإلهية لفهم الإسلام الصحيح.
والخلاصة:أن الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ) رحمه الله تعالى من الأئمة المهتدين، والدعاة المخلصين، الذين وفقهم الله تعالى للدعوة والإصلاح في الأوساط التي تتحكم فيها البدع والخرافات، والعادات والتقاليد.
__________
(1) إعلام الموقعين عن ربّ العالمين (2/245) طبعة دار الجيل بيروت.(1/40)
ولقد جدّد إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب ما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري، وكان مخلصاً في الدعوة إلى الكتاب والسنّة، وموفّقاً في نشرها رغم أنوف خصومه، فبارك الله فيها، وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها كالنار في الهشيم. وما نرى من يقظة إسلامية مستقيمة في أقطار العالم، يرجع فضلها-بعد الله تعالى- إلى هذه الدعوة المباركة(1).
الفصل الثالث: نصرة علماء المملكة للسنة والسيرة النبوية وأبرز ملامح منهجهم
وفيه ثلاثة مباحث:
…
المبحث الأول…: منهج علماء المملكة في التأصيل والمرجعية.
المبحث الثاني…: منهج الدعوة الإصلاحية ومبادئها هو منهج أهل السنة في الاستدلال والتلقي.
المبحث الثالث…: نماذج من جهود أئمة الدعوة المباركة وعلمائها في نصرة السنة والسيرة النبوية.
المبحث الأول: منهج علماء المملكة في التأصيل والمرجعية
ترك علماء المملكة تراثاً فكرياً منوعاً يُعدُّ بحق صورة حية لفكرهم، ومظهراً حياً لمنهجهم، سواء من ذلك الرسائل التي عالجوا فيها موضوعات تمس جانب السنة والسيرة، أو اختصار كتب أبرزوا فيها الحجج والبراهين المؤيدة لفكرهم ومنهجهم ومضوا يردون بعض المزاعم الكاذبة أو للتعليم والإرشاد.
__________
(1) راجع "حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأثرها في العالم الإسلامي" للدكتور محمد بن عبدالله السلمان (130-137) المنشور في "مجلة البحوث الإسلامية" بالرياض. العدد الحادي والعشرون 1408هـ و "الشيخ محمد بن عبدالوهاب" للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي (134-135) طبعة السلفية بالكويت 1983م.(1/41)
وتتسم غالبية كتبهم بصغر الحجم والاختصار المفيد والاقتصار على النصوص الصحيحة، يعالجون قضايا الفكر الإسلامي معالجة سلفية ويرسمون خطوط الدعوة ومنهاج الدولة المؤسسة على عقيدة التوحيد، وقد طبعت هذه الرسائل والمؤلفات فرادى أو ضمن مجاميع أكثر من مرة، لتسهيل تناولها وتداولها والاطلاع عليها(1).
أبرز ملامح منهج علماء المملكة في التأصيل والمرجعية:
- فهم النصوص على طريقة فهم السلف الصالح -رضي الله عنهم- لها.
دلّ الكتاب والسنة -اللذان هما المرجع عند التنازع- أن فهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة حجة يجب الرجوع إليه، والأدلة على ذلك كثيرة منها (مثالاً):
قوله تعالى:? وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا اتتخب?[النساء:115].
وجه الدلالة: رتب الله سبحانه الوعيد على مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واتباع غير سبيل المؤمنين، فلو لم تكن مخالفة سبيل المؤمنين سبباً من أسباب الوعيد، لكان ذكره لغواً تعالى الله وتقدس؛ وأول المؤمنين دخولاً في هذه الآية هم الصحابة الكرام، فالمأثور عنهم هو الحق الذي يجب اتباعه، فلا يصح لأحد من التابعين مخالفته، ومن وافقهم من التابعين فهو سائر على سبيل المؤمنين.
- شعارهم الاتباع لا الابتداع:
__________
(1) تعد الحركة الإصلاحية امتداداً طبيعياً للحركة الإصلاحية التي قام بها في القرن الثامن الهجري شيخ الإسلام ابن تيمية.(1/42)
جمعت طائفة أهل السنة والجماعة السلفية الحق كله، أما من عداهم فعندهم من الحق بقدر موافقتهم للمنهج الصحيح، فعلامتهم التي بها يُعرفون، وميزانهم الذي به يقيسون غيرهم هو الاتباع لا الابتداع، فمن كان كذلك فهو من أهل السنة والجماعة السلفيين، وإلا فهو من أهل البدع الهالكين على قدر بدعته، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، إنك إن تتبع خير من أن تبتدع، ولن تخطئ الطريق ما اتبعت الأثر)(1).
قال أبو المظفر السمعاني: "وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح وتركهم كل ما هو مبتدع محدث"(2).
- الدفاع عن الدعوة ودحض أكاذيب الخصوم:
وأما عن موقف علماء الدعوة من تلك المؤلفات المناوئة لدعوتهم، فهم -رحمهم الله جميعاً- مع انشغالهم بالغزو والجهاد في سبيل الله، وتوليهم القضاء والفتيا وتعليم الناس، مع ذلك الانشغال فقد دافعوا عن الدعوة السلفية، فكتبوا المؤلفات المتعددة في دحض أكاذيب الخصوم، والجواب عن شبهاتهم ومناظرتهم ومناقشتهم، وسنورد طرفاً من تلك المؤلفات فيما يلي:
كان الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من أوائل الذين كتبوا الردود ضد تلك المؤلفات المناوئة، فقد كتب جواباً مفصلاً شافياً في الرد على رسالة أخيه سليمان(3)، كما أن الرسائل الشخصية للشيخ قد تضمنت مختلف الردود، وأنواع الأجوبة عن دعاوى المناوئين ورسائلهم.…
__________
(1) رواه المرزوي في السنة رقم (102).
(2) الانتصار لأصحاب الحديث ص 31.
(3) سمي هذا الجواب فيما بعد بـ "مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد"، وقد أورد ابن غنام هذه الرسالة بدون هذا العنوان، كما أن الشيخ عبدالرحمن بن حسن نقل من هذه الرسالة ولم يذكرها بهذا الاسم كما جاء في "الدرر السنية" 9/201.(1/43)
وبهذه المؤلفات وغيرها من الوسائل والأساليب التي تنافح عن عقيدة السلف الصالح وتذب عنها، يتحقق وعد الله على الدوام، حيث يظهر الحق ويندحر الباطل، الذي مهما انتفش وانتفخ بكثرة مؤلفاته وأتباعه فهو كالزبد يذهب جفاءً.
يقول تعالى:? وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ اتذتب* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ اتذثب* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ اتذجب? [الصافات:171-173].
ومن يطلع على هذه المؤلفات -يدرك بكل تأكيد- ما تحمله هذه الكتب من الحجج الدامغة والبراهين الساطعة الناصعة، والتي تعكس سعة علم أولئك الأئمة، وعمق فهمهم، وقوة أدلتهم، ووضوح منهجهم.
المبحث الثاني: منهج الدعوة الإصلاحية ومبادئها هو منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والتلقي
"منهج الدعوة المباركة هو منهج أهل السنة في الاستدلال والتلقي"(1). إذ يعتمد على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإجماع السلف الصالح - رضي الله عنهم -، هذه المصادر المعصومة هي أساس دين الإسلام وله أصول:
الأول: تعظيم النصوص والانقياد لها:
قال تعالى:? ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ اجثب? [الحج:32]. وقال تعالى:? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا xw تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اتب? [الحجرات:1]، فقد عظموا نصوص الشريعة في عدة مظاهر:
- تعظيم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم كما قال الزهري: "من الله عز وجل العلم، على الرسول البلاغ، وعلينا التسليم".
__________
(1) منهج التلقي والاستدلال بين أهل السنة والمبتدعة، أحمد عبدالرحمن الصويان، سلسلة تصدر عن المنتدى الإسلامي ص 31 بتصرف ط. دار المسلم/ الرياض.(1/44)
- التثبت في فعل السنة: كان السلف أدق ما يكونون في التثبت والتحري والتوقي في فعل السنة، فلا يحكِّمون رأيهم، ولا يستحسنون بعقولهم عبادة مهما كانت، وكان الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، "وكان السلف الصالح يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال ولا يقرون ذلك". فالكتاب والسُّنة أصل الاستدلال، وهما المعيار الذي توزن به الآراء والاجتهادات، ولا يستقيم إيمان المرء إلا بتعظيمهما وامتثال ما دلا عليه من القول والفعل والاعتقاد.
وقال البربهاري: "إذا سمعت الرجل يطعن في الآثار، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع".
وقال ابن تيمية: "وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان: أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم، ومن بنى الكلام في الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريقة أئمة الهدى".
الثاني: الاعتماد على السنة الصحيحة:(1/45)
فإن البيان التام هو ما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أعلم الخلق بالحق، وأنصح الخلق للخلق، وأنصح الخلق في بيان الحق، فما بينه من أسماء الله وصفاته وعلوه ورؤيته هو الغاية في هذا الباب، ولذلك اهتم علماء الدعوة المباركة بما اهتم به أهل السنة، وحرصوا على حفظ السنة ونقلها، وقاموا بتحقيقها وتنقيحها، وتمييز صدقها من كذبها، وبخاصة بعد ظهور الفتن وانتشار البدع وفشوا الكذب، وكانوا يرون قول مالك: "إن هذا الدين هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة، فانظر عمّن تأخذه" وعلماء الدعوة يعتقدون أنه لا يحل لأحد أن يجنح في مسألة فرعية بحديث حتى يبين ما به وقد رسم أئمة الحديث منهجاً علمياً متميزاً في ضبط أصول الرواية وتقعيد قواعدها فحفظوها من العبث والتزييف، ولذلك كان الاستدلال العلمي الصحيح عند أهل الدعوة السلفية المباركة هو الاعتماد على الأحاديث الصحيحة والحسنة، وأما الموضوعة والضعيفة فلا يجوز الاستدلال بها ويجب الحذر منها، وفي صحيح السنة شغل عن سقيمه.
ثالثاً: صحة فهمهم للنصوص:
فهذه ركيزة علماء الدعوة، حيث تميزوا بصحة فهم النصوص فهماً دقيقاً، ويعلمون أن أحد مصادر البدع والضلال هي سوء فهم النصوص، وصحة الفهم وحسن القصد من أعظم مبادئ الدعوة المباركة، ولهم أصول في ذلك، وهي:
1-… الاعتماد على منهج الصحابة - رضي الله عنهم -.
2-… العناية بمعرفة العربية؛ إذ هي مفتاح الفهم.
3- جمع النصوص الواردة في الباب الواحد حيث تأتلف النصوص، والحديث إن لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً.
4- معرفة مقاصد الشريعة والتشريع الإسلامي.
المبحث الثالث: نماذج من جهود أئمة الدعوة المباركة وعلمائها في نصرة السنة والسيرة النبوية
1- مظاهر القدرة العلمية في إجابات الأئمة عن المسائل الفقهية:(1/46)
بلغ الأئمة من آل سعود شأواً بعيداً في هذا المجال، وبرزت مقدرتهم العلمية من خلال إجاباتهم السديدة عن بعض المسائل التي سئلوا عنها في بعض الأحاديث ومسائل الفقه، فقد سئل الإمام عبدالعزيز بن محمد عما جاء في بعض كتب الحديث ما معناه (أنه يرد على الحوض جماعة من أصحابي، فيعدل بهم ذات الشمال، هل ورد في تعيينهم أثر خاص.. إلخ) فأجاب: هذه الأحاديث ثابتة في الصحاح والمسانيد، لكن لم يرد نص فيما علمنا بتعيينهم، وذكر العلماء أن هذا في أهل الردة الذين ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - كأصحاب مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وكثير من بوادي العرب الذين جاهدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الصحابة، حتى أدخلهم في الإسلام الذي خرجوا منه، وقتلوا منهم من قتلوا، فعلى هؤلاء تُنَزَّل الأحاديث، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة من هذه الأمة.
وأما من جعلها متناولة لأكثر الصحابة وخيارهم الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فقد كذب وافترى واتبع غير سبيل المؤمنين، وهؤلاء كأهل البدع من الروافض والخوارج الذين كَفَّروا جمهور الصحابة - رضي الله عنهم -، فهؤلاء وأمثالهم ممن استحوذ عليهم الشيطان فأضلهم عن الصراط المستقيم، جعلوا من أصول دينهم التبرؤ من جمهور الصحابة وبغضهم وسبهم؛ لأنهم ظنوا ذلك من إتمام التولي لعلي وأهل البيت - رضي الله عنهم -، وهذا من حمقهم وجهلهم نعوذ بالله من الخذلان.
أما الإمام عبد الله بن سعود بن عبدالعزيز، فقد وصفه بعض الكتاب بقوله: (كان عبدالله يتفوق على العلماء أنفسهم في الفقه، كان بليغاً، وكانت كلماته تقع في القلوب، كان ذكياً جداً متواضعاً، وكان سعود يستشيره وحده من بين أولاده) وهذا يعطي دليلاً على قدرة الإمام عبد الله بن سعود من الناحية العلمية.
2- مظاهر القدرة العلمية في رسائلهم ونصائحهم:(1/47)
تشتمل رسائل ونصائح أئمة الدعوة في الدولة السعودية الأولى على ما يؤكد قدرتهم العلمية، ولعل المطلع على رسائل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، يلاحظ تعمقه في علوم العقيدة التي هي أساس العلوم، ففي رسالته إلى أهل بلدان العجم والروم، نجده يستشهد بالآيات القرآنية في كل قسم من أقسام التوحيد، كما يوضح في هذه الرسالة التفاسير الصحيحة للآيات التي استشهد بها، وكذلك استشهاده بالأحاديث النبوية، والمطلع كذلك على رسالتيه إلى المخلاف السليماني، والقاسمي يدرك مدى تعمقه وفهمه لعلوم الشرع، وقدرته الفائقة في الرد على ما ينافي التوحيد وينافي كماله، وتفريقه بين توحيدي الألوهية والربوبية.
أما الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله- فقد ظهر أثر العلوم التي تعلمها واضحاً عليه من خلال نصائحه التي كتبها إلى رعاياه من المسلمين، في حسن التنظيم ومضمون الكلام وعدم القصور في الاطلاع على العلوم، كما يقول ابن بشر: (وقد رأيت العجب في المنطوق والمفهوم…إلخ) كما تميز بالبلاغة، وغزارة العلم (وإذا تحدث في المحافل أو مجالس الذكر بهر عقل من لم يكن قد سمعه، وخيل إليه أنه لم يسمع مثله) وأثر عن الإمام سعود بن عبدالعزيز أن رسائله ونصائحه تناسب المعني بها، فهو يخاطب الناس على قدر عقولهم، فله مواعظ بعضها في ذروة البلاغة، وبعضها كتب بأسلوب عامي.(1/48)
وتبرز مظاهر القدرة العلمية لدى أئمة الدولة السعودية الأولى من خلال دراسة رسائلهم المهمة، وبخاصة الإمام عبد العزيز بن محمد، والإمام سعود بن عبد العزيز، والإمام عبد الله بن سعود. أما عبد العزيز بن محمد فرسائله كثيرة، وأهمها ما كان بينه وبين العلماء، أو ما كان يأمر بتوزيعها وتعميمها لنشر الدعوة التي قامت على أساسها الدولة السعودية الأولى، المنقحة من شوائب الشرك والزيغ والضلال، وبدراسة هذه الرسائل فيما يخص الأحاديث النبوية نجد حديث: ((لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان)) يتكرر في عدة رسائل. وهناك أحاديث كثيرة ربما تربو على أربعين حديثاً، يستشهد بها. كما نجده في رسالته التي أرسلها إلى العلماء في المشرق والمغرب يظهر فيها طول باعه بالعلم، إذ ضمنها ما يقارب الستين آية يذكرها بعد أن يشرح الغاية من الاستشهاد بها.
3- المكتبات العلمية التي خلفوها وخدمة السنة والسيرة النبوية:
من المؤكد أن ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقيام الدولة السعودية الأولى قد أسهما بدرجة كبيرة في تطور الحركة العلمية. وما قام به أئمة الدولة السعودية الأولى من جهود خاصة في هذا المجال، أدى إلى هذه القفزة العلمية التي حققتها الدرعية في مجال التعليم؛ لأنها قاعدة الدولة ومقر العلماء من أبناء الشيخ محمد وأتباع الدعوة، ولذا كانت مقصداً لطلبة العلم داخل نجد وخارجها، وبلغت خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري وما بعده أيام سعدها وأوج عزها، زاخرة بالعلماء الكبار والجهابذة الحفاظ، من تلاميذ الشيخ محمد وغيرهم من الوافدين إليها والمقيمين بها من العلماء الأعلام.(1/49)
ولعل هذا المناخ التعليمي الملائم كان عاملاً من العوامل التي شجعت على جمع الكتب وتكوين المكتبات الخاصة والعامة، ومنها مكتبات الأئمة من آل سعود، الذين برز منهم بشكل خاص الإمام سعود بن عبد العزيز الذي أشارت بعض المصادر إلى اقتنائه مكتبة كبيرة، كما أوضحت بعض المصادر المعاصرة لأحداث سقوط الدرعية أنه بعد استسلام الإمام عبد الله بن سعود وسقوط الدرعية، دخل إبراهيم باشا بن محمد علي باشا بيت الإمام عبد الله ابن سعود وأخذ منه مجموعة هائلة من الكتب، وقد أرسلت هذه الكتب إلى المدينة المنورة ابتهاجاً بسقوط الدرعية، وكان الهدف من إرسالها أن يقوم المختصون في العلوم الدينية بفحصها. ومما يدل على كثرة أعداد الكتب التي نهبت من بيت الإمام عبد الله بن سعود، ما أشار إليه بعض الكتاب من أن إبراهيم باشا لما تجاوز بلدة حريملاء انتقى من الكتب عشرة أحمال، وأحرق الباقي.
ومن هنا يتبين أن للأئمة من آل سعود مكتبات ضخمة تناسبت مع قدرتهم العلمية التي وصلوا إليها، وكانت دليلاً واضحاً على المستوى الذي بلغوه في هذا المجال(1).
4- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وجهوده في خدمة السنة والسيرة النبوية:
إن الحقائق لتتجلى من خلال مواقف هذا الملك، حيث عُني بالعلماء والدعوة، وجمع العلماء للتباحث في المسائل الشرعية، واستغلال مواسم الحج، وجهوده في حماية العقيدة الإسلامية وحفظ السنة النبوية ونشر السيرة الصحيحة، فازدهرت الحياة العلمية في عهده، وقويت المشاركات من العلماء والمراسلات فيما بينهم، ولقد كان التعليم مدعوماً عند قطاع كبير من سكان نجد، وكانت الدعوة التي نادت بالعقيدة الصافية والاعتماد على السنة والسيرة في إعادة مجد البلاد في ظل دين ربها.
__________
(1) انظر: الجانب العلمي لدى أئمة الدولة السعودية الأولى إعداد: د. محمد بن عبدالله النويصر.(1/50)
فاهتم الملك بإخراج الكتب النافعة في العقيدة الإسلامية، والتي من شأنها نصرة السنة، ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكتب الشيخ محمد ابن عبدالوهاب.
فأنشأ الملك مطبعة أم القرى، ثم اتجه لمصر والشام لطبع كتب السنة والفقه الإسلامي، وكانت طباعة الكتب على ثلاث مراحل:
1- تمويل طباعة الكتب ونشرها وتوزيعها وقفاً لله تعالى. …
2- دعم ناشري الكتب مادياً قبل الطبع وبعده.
3- شراء كميات كبيرة من الكتب لتوزيعها، حيث ساهم في طباعة اثنين وسبعين كتاباً على نفقته الخاصة، وذكرت بعض المراجع ثمانية وتسعين كتاباً، واهتم بالطباعة في الهند حيث طبعت كتب الدعوة السلفية مثل: (روضة الأفكار والإفهام لمرتاد حال الإمام)، ومجموعة كتب للشيخ سليمان بن سحمان.
الطباعة في مصر:
طبع في مطبعة المنار بعض تفاسير السلف التي تهتم بالسنة، مثل: تفسير ابن جرير الطبري وابن كثير، وكتب الفقه التي تعتمد الدليل كالمغني لابن قدامة والشرح الكبير، وكذا كتب السيرة والتاريخ كالبداية والنهاية.
وكذا مطبعة أنصار السنة التي كان على رأسها الشيخ حامد الفقي رحمه الله، والذي اعتنى بنشر العقيدة الصحيحة والمذهب الحنبلي كما قال رشيد رضا رحمه الله تعالى.
وكذلك في بلاد الشام حيث طبع البداية والنهاية، وطبقات الحنابلة، ومختصر طبقات الحنابلة، وروضة الأفكار (تاريخ ابن غنام)، ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية، والدرر السنية، والمقال السريع الكبير، وروضة الناظر وجنة المناظر وشرحها لابن بدران، وكتاب السنة للإمام أحمد، وجامع الأصول وشرح تهذيب سنن أبي داود، ومعالم السنن للخطابي، ومختصر السنن للمنذري، والآداب الشرعية لابن مفلح، وروضة المحبين لابن القيم، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.(1/51)
وكذلك الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، وتفسير القرآن لرشيد رضا، وتفسير سورة الإخلاص لشيخ الإسلام ابن تيمية، والسنن الكبرى للبيهقي، ومسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وتحفة الأحوذي، والمستدرك للحاكم، وفيض الباري على صحيح البخاري للكشميري، ونصب الراية للزيلعي، وأخبار مكة، وعنوان المجد، والأحكام السلطانية لأبي يعلى، وغيرها من كتب السنة الكثير.
5- أبرز علماء المملكة ودورهم في خدمة السنة والسيرة النبوية:
تولى العلماء الأجلاء في عهد الدولة السعودية بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والذين كانت لهم جهود ظاهرة في حمل لواء الدعوة السلفية، كما أسهموا إسهاماً بارزاً في خدمة السنة والسيرة النبوية، وعلى رأس هؤلاء العلماء الأعلام:
* الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ.
* الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ.
* الشيخ عبدالرحمن السعدي.
* الشيخ عبدالله بن حسن بن حسين آل الشيخ.
* الشيخ محمد بن إبراهيم.
* الشيخ عبدالعزيز بن باز.
وإليك بعض ثمار هؤلاء الأئمة في خدمة السنة والسيرة:
1- الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ:
إلى جانب تدريسه العلوم الشرعية فقد ألف فيما يخدم السنة وعلومها والسيرة النبوية: ((رسالة الأتباع وخطر الغلو)) وله رسائل عديدة.
2- الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ:
- كان يدرس في بيته كل العلوم الشرعية.
- أنشأ مكتبة علمية كبيرة فيها نفائس المخطوطات.
- طبع كثيراً من الرسائل والمسائل العلمية.
- له رسائل في العقيدة لرؤساء القبائل من اليمن وعسير وتهامة وشهرك.
3- الشيخ عبدالرحمن بن سعدي:
بلغت مؤلفاته نحواً من ستة وثلاثين مصنفاً في الحديث والتفسير والأصول والفروع، من أشهرها:
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
- تيسير اللطيف المنان في خلاصة مقاصد القرآن.
- القواعد الحسان لفهم وتفسير القرآن.
- شرح النونية لابن القيم.
- القول السديد في مقاصد التوحيد.(1/52)
- الفروق والتقاسيم الجامعية.
- رسالة في القواعد الفقهية.
- إرشاد أولى البصائر والألباب.
- طريق الوصول إلى علم الأصول.
- الإرشاد لمعرفة الأحكام.
- المختارات الجلية.
- منهج السالكين.
- الفتوحات السعدية.
- بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار شرح جوامع الأخبار.
- كما قام بتأسيس المكتبة الوطنية وعمارة المسجد الكبير في عنيزة.
خاتمة البحث وأهم نتائجه
مبلغ عزنا ومناط فخرنا أن مصدر التشريع والأحكام في المملكة العربية السعودية هو الكتاب والسنة وما أقره المسلمون الأعلام بطريق الإجماع أو القياس.
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن مصدر الشريعة الإسلامية هما هذان الأصلان، وهما النوران الهاديان في جميع مناحي الحياة، وفي جميع توجهاتها السياسية، وعلاقتها وتفاعلها مع المجتمع الدولي.
منهجنا في المملكة العربية السعودية هو منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة في العقيدة والعبادة والعلم والعمل والدعوة والجهاد.
تعاضد الأئمة من آل سعود والعلماء السلفيون في إقامة هذا الصرح الشامخ الذي يمجد الشريعة ويوصل إلى رحاب الحق وينطلق من مرجعية أصيلة في كل مناحي الحياة.
علوم السنة والسيرة علوم رفيعة القدر عظيمة الفخر، والاشتغال بها من فرضيات الكتاب والسنة.
حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صفحة خالدة من الخير والبر والرحمة، وعلى هذا الأساس يجب أن توضح سيرته وتبين سنته، فيستنبط منها العلماء حِكَمها وأسرارها ودقائقها ونواحيها المختلفة من عقائد ونظم وعادات وعبادات.
لعلماء المملكة بحمد الله القدح المعلَّى بالتبصر في هذه العلوم الأصيلة وفنونها وخدمتها والذب عنها وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها على مر العصور.
دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب دعوة سلفية غايتها: إعادة الإسلام إلى نقاوته الأولى، وإزالة أنقاض البدع والخرافات التي غشت العقيدة الصحيحة، وانحرفت بالمسلمين عن الطريق السوي والصراط المستقيم.(1/53)
توالى العلماء والملوك والأمراء بعد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالتأليف والتصنيف، وآثارهم تزدان بها الدنيا كلها تلك الآثار التي كانت بحق منارات لإبراز معالم الطريق، ومنح إلهية لفهم الإسلام الصحيح.
التراث الفكري لعلماء المملكة يعد صورة حية لمنهجهم، وانعكاساً صادقاً لمرجعيتهم، وفيه من الحجج والبراهين الساطعة المؤيدة لفكرهم والمدافعة عن دعوتهم والداحضة لأكاذيب خصومهم.
في إجابات الأئمة من آل سعود وعلماء الدعوة ونصائحهم ورسائلهم مظاهر كثيرة أبرزت مقدرتهم العلمية، وما زخرت به المكتبات على مر تاريخ المملكة وأطوارها دليل صادق وشاهد حيٌّ على ذلك.
نسأل الله أن يوفق قادة هذه البلاد لما فيه خير العباد، وأن ينفع بجهود علمائها، إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التوصيات والمقترحات
واجب علماء المسلمين نحو السنة والسيرة النبوية:
أرجو أن تشتمل المبادئ المقترحة التالية على منهج واضح المعالم من أجل كتابة السنة والسيرة النبوية ونشرهما في العالم، حتى لا تترك نهباً لغير المسلمين يلوكون فيه ما يحلو لهم، فيلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون.
ومن هذه المقترحات:
1- إصدار مرجع رئيس للسيرة النبوية تُجتنب فيه الروايات الضعيفة والمتضاربة، ويحكمه قول الله -عز وجل- في وصف رسوله:? وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ احب?[القلم:4]. وقوله تعالى:? فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ اتخزب?[آل عمران:159]. وقوله عز وجل:? وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ اتةذب?[الأنبياء:107]. ويسير هذا المرجع على هدي الحديث النبوي الصحيح: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).(1/54)
2- ترجمة هذا المرجع إلى اللغات العالمية الحديثة وأهمها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية.
3- عمل مسح شامل لما كتبه غير المسلمين في السيرة النبوية خلال القرون الثلاثة الأخيرة وبخاصة اللغات غير العربية، ونشر ما يصلح منه -بعد تنقيحه- بين الناطقين بتلك اللغات.
4- الرد على المطاعن والأكاذيب التي جاءت في كتابات غير المسلمين، دون ترديدها؛ إذ إن ترديد أي أكذوبة يعطيها قوة إعلامية، ويكاد يضعها في مرتبة الحقائق المسلم بها.
5- دعم المراكز والبحوث العلمية التي تُعنى بنشر كتب السنة والسيرة وتحقيقها وتصحيحها والتعليق عليها، وتشجيع العاملين في هذه المراكز، وتقديم كافة التسهيلات المادية والمعنوية لهم.
6- الإفادة من جميع الوسائل التقليدية والحديثة في نشر تراث المسلمين والعناية به، وتهيئة الفرص المناسبة باستخدامات الشبكة العالمية (الإنترنيت)، والاستعداد لذلك بإقامة دورات تدريبية ما دامت هذه الوسائل متمشية مع النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما عدَّهُ أئمة السلف؛ فإن الوسائل بحسب مقاصدها، كما هو مقرر عند عامة أهل العلم.
7- إحياء رسالة المسجد الإعلامية والتعليمية، من حيث كونه هو المنبع الأول الحاضن لعلوم الكتاب والسنة، ومنبت تربية الأجيال.
المصادر والمراجع
1-إعلام الموقعين عن رب العالمين، شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية، مطابع دار الجيل بيروت.
2-إيضاح الحجة في الرد على صاحب طنجة، ط الأولى، مؤسسة النور بالرياض.
3-ابن تيمية السلفي د. محمد خليل هراس الطبعة اليوسفية 1952م.
4-استمرارية الدعوة نماذج من الدعاة د. محمد السيد الوكيل. دار المجتمع للنشر والتوزيع ط أولى 1994م.
5-الإبانة في أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري.
6-الأجوبة السديدة على الأسئلة الرشيدة، لزيد بن محمد بن هادي المدخلي الطبعة الأولى 1414هـ.
7- الأنشطة الدعوية في المملكة العربية السعودية، د. صالح السدلان،(1/55)
ط. ونشر دار بلنسية 1417هـ-1997م.
8-الاعتصام، للشاطبي. ط. دار السعادة بالقاهرة.
9-الجانب العلمي لدى أئمة الدولة السعودية الأولى، د. محمد بن عبدالله النويصر، المحور الأول: نشأة الدولة السعودية، من بحوث "مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام"، الرياض شوال 1419هـ يناير 1999م.
10-الحافظ ابن تيمية شيخ الإسلام، لأبي الحسن الندوي، دار الفكر -بيروت- لبنان.
11-الحجج السلفية في الرد على آراء ابن فرحان المالكي البدعية، د.عبدالعزيز بن ريس الريس. ط دولة الإمارات العربية المتحدة،
أبو ظبي، مكتبة اليقين الإسلامية.
12-الحجج الواضحة الإسلامية في الرد على أعداء السلفية، للشيخ سليمان بن سحمان والشيخ عبدالرحمن بن سحمان بالرياض.
13-الحركة الوهابية رد على مقال د. محمد البهي، للدكتور. محمد خليل هراس، مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، نشر وتوزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
14-الحياة العلمية في نجد منذ قيام دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحتى نهاية الدولة السعودية الأولى، د. مي بنت عبدالعزيز العيسى. م. العبيكان. إصدارات دارة الملك عبدالعزيز.
15-الحطة في ذكر الصحاح السنة، للقنوجي صديق حسن خان البوفالي، باكستان بيشاور.
16-الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبدالرحمن بن قاسم العاصمي النجدي، الطبعة الثانية 1385هـ-1965م، مطابع المكتب الإسلامي بيروت.
17-الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية، الدكتور محمد بن ناصر الشثري، دار الحبيب الطبعة الأولى 1423هـ-2002م.
18-الدعوة الإصلاحية وأعلامها، عبدالله بن محمد بن عبدالمحسن المطوع، الطبعة الأولى 1420?.
19-الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز، د. محمد بن ناصر الشثري، الطبعة الأولى 1417هـ-1997م.
20-الرحيق المختوم، د. صفي الرحمن المباركفوري- مكتبة جدة.
21-السلفية وقضايا العصر، د. عبدالرحمن بن زيد الزنيدي، مركز الدراسات، دار إشبيليا الأولى 1998م.(1/56)
22-السنة حججها ومكانتها في الإسلام والرد على منكريها، د. محمد لقمان السلفي، مطابع دار البشائر الإسلامية بيروت - لبنان،
ط الأولى 1409هـ.
23-السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، د. مهدي رزق الله أحمد، الطبعة الأولى 1992م، مطبعة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
24-الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أحمد بن حجر آل بوطامي، ط السلفية بالكويت 1983م.
25-الفكر التربوي عند ابن تيمية، د. ماجد عرسان الكيلاني، مطابع عَمّان بالأردن.
26-المجموعة العلمية، إعداد وجمع د. صالح السدلان.
27-المحور التاسع من محاور البحوث العلمية المحكمة بالداخل، خدمة القرآن والسنة، الأستاذ الدكتور صالح السدلان.
28-المراسلات، الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام، دار الهداية للطبع والنشر والترجمة، الرياض، الطبعة الأولى 1409?-1989م.
29-المستطاب في أسباب نجاح دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أبو يوسف عبدالرحمن بن يوسف الرحمة، الطبعة الأولى 1424?-2003م.
30-جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر القرطبي.
31-حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأثرها في العالم الإسلامي،
د. محمد بن عبدالله السلمان، مقال منشور في مجلة البحوث الإسلامية ع(21).
32-دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عبدالعزيز محمد ابن علي العبداللطيف، دار الوطن الرياض، ط الأولى 1412هـ.
33-دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة، صلاح الدين مقبول، طباعة مركز أبو الكلام آزاد للتوعية الإسلامية، الهند.
34-الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز، صفر 1420هـ الرياض، بحث بعنوان "الإفادة من الوسائل الحديثة في الدعوة" - علي بن إبراهيم الحمد النملة.
35-دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين وبيان الشبه الواردة على السنة قديماً وحديثاً وردّها رداً علمياً صحيحاً،(1/57)
د. محمد محمد أبو شهبة ط مطابع مكتبة السنة الدار السلفية لنشر العلم. ج م ع عابدين الغولي 1409هـ.
36-رسائل أئمة دعوة التوحيد، د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، مكتبة العبيكان ط الثالثة 1422هـ.
37-رسالة الإمام عبدالعزيز الأول، الطبعة الثالثة - مؤسسة النور بالرياض.
38-زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً، صلاح الدين مقبول أحمد (مجمع البحوث العلمية الإسلامية) الطبعة الأولى مركز أبو الكلام آزاد الهند نيودلهي.
39-سل السيوف والأسنة على أهل الهوى وأدعياء السنة، ثقيل بن صليفيق القاسمي، مطابع دار ابن الأثير بالكويت، ط الأولى 1416هـ.
40-سنن ابن ماجه القزويني، ط. دار الشعب ج.م.ع.
41-شبه الجزيرة العربية، الزركلي ط 3، دار العلم للملايين - بيروت.
42-شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للاَّلكائي، ط الأولى.
43-صحيح البخاري، ط بولاق بمصر.
44-ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها، د.صالح أحمد رضا، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ذو الحجة 1406هـ إدارة الثقافة والنشر بالجامعة.
45-عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية، د.صالح بن عبدالرحمن العبود، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة طبعة 1417? -1996م، ط الثالثة.
46-علماء أهل الحديث في الهند وموقفهم من دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية، الشيخ أبو المكرم بن عبدالجليل، دار الكتاب والسنة الطبعة الأولى 1999م.
47-عنوان المجد في تاريخ نجد، للعلامة المحقق عثمان بن بشر النجدي الحنبلي، تحقيق د.محمد بن ناصر الشثري-دار الحبيب- الرياض، الطبعة الأولى 1420هـ 1999م.
48-فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني،
ط: السلفية.
49-قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، جمال الدين القاسمي، تحقيق محمد بهجت البيطار، مطابع عيسى الحلبي بمصر.
50-السنن لأبي داود السجستاني، تحقيق عزت عبيد الدعاس، ط المكتب الإسلامي لبنان، سوريا.(1/58)
51-مؤلفات الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تصنيف وإعداد
د.عبدالعزيز بن زيد الرومي، ومحمد بلقاسي، وسيد حجاب.
52-مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ط. الأولى بالرياض، نشر وتوزيع الإدارة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
53-مجموعة الحديث النجدية، طبع على نفقة الأمير مشعل بن عبدالعزيز آل سعود، ووقف على طبعها يوسف بن عبدالعزيز النافع، القاهرة 1375هـ صححها محب الدين الخطيب.
54-مجموعة الرسائل المفيدة المهمة، طبع على نفقة قاسم بن درويش فخرو، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر 1961م.
55-مجموعة الرسائل والمسائل لبعض علماء نجد، دار العاصمة الرياض، الطبعة الأولى بمصر 1349هـ النشرة الثالثة 1412هـ.
56-مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد (وردت في الدرر السنية)، للشيخ محمد بن عبدالوهاب في الرد على أخيه سليمان.
57-مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، بحوث صدرت في إطار الاحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية.
58-منهج التلقي والاستدلال بين أهل السنة والمبتدعة، أحمد بن عبدالرحمن الصويان، طباعة المنتدى، ط الثانية 1999م.
59-هذا تاريخ في شأن الوزير محمد علي باشا خليل بن أحمد الرحبي (مخطوط) في دار الكتب المصرية.
فهرس المحتويات
المقدمة…1
تمهيد…6
الفصل الأول مكانة السنة والسيرة النبوية في التشريع الإسلامي
وجهود علماء الأمة في حفظهما…10
المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي…11
المبحث الثاني: تدوين السنة النبوية وحفظها…14
المبحث الثالث: مكانة السيرة النبوية في التشريع الإسلامي…18
المبحث الرابع: تدوين السيرة النبوية وحفظها والعناية بها…20
واجبنا نحو السيرة:…21
المبحث الخامس: تدوين السنة والسيرة النبوية علامة بارزة من علامات جهود أهل السنة والجماعة…22(1/59)
الفصل الثاني دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في خدمة
السنة والسيرة النبوية…27
المبحث الأول: حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وخصائصها وأهدافها…28
لقب هذه الدعوة…30
غاية هذه الدعوة…30
مصادر هذه الدعوة…31
المبحث الثاني: مظاهر خدمة السنة والسيرة النبوية في دعوة الإمام
محمد بن عبدالوهاب رحمه الله…34
صور عنايتها بالسنة والسيرة النبوية…36
المبحث الثالث: إسهام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ازدهار الحركات الإصلاحية الحديثة…43
الفصل الثالث: نصرة علماء المملكة للسنة والسيرة النبوية وأبرز
ملامح منهجهم…46
المبحث الأول: منهج علماء المملكة في التأصيل والمرجعية…47
أبرز ملامح منهج علماء المملكة في التأصيل والمرجعية…47
- فهم النصوص على طريقة فهم السلف الصالح -رضي الله عنهم…47
- شعارهم الاتباع لا الابتداع…48
- الدفاع عن الدعوة ودحض أكاذيب الخصوم…49
المبحث الثاني: منهج الدعوة الإصلاحية ومبادئها هو منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والتلقي…50
الأول: تعظيم النصوص والانقياد لها…50
الثاني: الاعتماد على السنة الصحيحة…51
ثالثاً: صحة فهمهم للنصوص…52
المبحث الثالث: نماذج من جهود أئمة الدعوة المباركة وعلمائها في نصرة السنة والسيرة النبوية…53
1- مظاهر القدرة العلمية في إجابات الأئمة عن المسائل الفقهية…53
2- مظاهر القدرة العلمية في رسائلهم ونصائحهم…54
3- المكتبات العلمية التي خلفوها وخدمة السنة والسيرة النبوية…56
4- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وجهوده في خدمة
السنة والسيرة النبوية…57
5- أبرز علماء المملكة ودورهم في خدمة السنة والسيرة النبوية:…59
خاتمة البحث وأهم نتائجه…61
التوصيات والمقترحات…63
المصادر والمراجع…65
فهرس المحتويات…72(1/60)