دَلِيْلُ أَرْبابِ الفَلاحِ لِتَحْقِيْقِ فَنِّ الاِصطِلاحِ (1)
تَالِيفُ
الشَّيخِ العَلاَّمَةِ حَافِظِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
1342-1377 هـ
الحمد لله الفرد الصمد الواحد القهار المالك المتصرف مقلب الليل والنهار ، الخالق البارئ المصور الرازق ذي القوة المتين ، الذي رفع سبع سموات طباقاً بغير عمد تسند إليها، وبسط الأرض على متن الماء وأوقفها بالأطواد لئلا تضطرب بمن عليها { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } له مقاليد السموات والأرض فمن شاء أعطاه من فيض خزائنه ومن شاء منعه وبيده ميزان العدل فمن شاء أعزه وأعلاه ومن شاء أذله ووضعه ، لا راد لقضائه ولا معارض لحكمه وهو أحكم الحاكمين ، أطلع شموس السنة بحكمته البديعة ، فأشرقت أنوارها في سماء الشريعة ، فاضمحل بذلك دلس الضلالة وتنفس صبح الحق المبين ، أحمده سبحانه على تسلسل نعمه التي لا تحصى وأشكره على تواتر فضله الذي لا يستقصى وأسأله الأمن من هول يوم يستوي فيه القوي والضعيف والوضيع والشريف والغني والمسكين .
__________
(1) اعتَمَدتُ طَبعَةَ مَكتَبَةِ الغُرَباءِ الأَثَرِيَّةِ بالمَدينَةِ النَّبَوِيَّةِ ، بِتَحقيقِ خالدِ بنِ قاسِمِ الرَّدَّادِيِّ .(1/1)
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام . شهادة صادرة عن يقين صادق واعتقاد صحيح لا شكوك تداخلها ولا أوهام ، نسأل الله الثبات عليها والعمل بمقتضاها حتى يأتينا اليقين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أرسله بأبلغ حجة وأقطع برهان ، وخصه بجوامع الكلم وأنزل عليه القرآن . فهو أكرم الأنبياء وخاتم الرسل وسيد الخلق أجمعين ؛ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين عرفوا الحق فقبلوه ونصروه ، وأنكروا الباطل فردوه وقهروه ، فعلى بذلك كعبهم ورفعت عند الله درجاتهم وحفظ الله بهم الدين ، وعلى أتباعهم الذين نفروا في طلب علوم الدين جماعات وأفراداً ، ونقلوا إلينا أصوله وفروعه تواتراً وآحاداً وائتلفت قلوبهم على الحق واتفقت واجتمعت على صحة الاعتقاد فما اختلفت ولا افترقت وعلى تابعيهم وتابعي التابعين .
أما بعد : فإن أشرف العلوم بعد القرآن العظيم وأعلاها ، وأحقها بالبحث والتحقيق وأولاها ، علم السنة النبوية والآثار المصطفوية التي هي موضحة للقرآن ومبيّنة له ودالة عليه ومفصلة لمجمله ، وحالَّة لمشكله وهادية إليه ، ولا يتضح هذا العم غاية الاتضاح إلا بتحقيق الاصطلاح الذي هو الآلة المعينة على تحليله ، والدليل المرشد على سبيله ، فلا وصول إليه إلا بتحقيقه ، ولا سبيل إليه من طريقه ، ومن رغب عن هذا الفن الجليل ، فقد حرم معرفة المدلول والدليل ، وفاته خير كثير وفضل جزيل .(1/2)
وقد جمعت في ذلك جملة مفيدة ونبذة فريدة في ذلك ، تشتمل على المهم من ذلك ، وتدل الطالب الراغب في تلك المسالك ، وإن كنت - لقصر باعي وقلة اطلاعي - لست من فرسان هذا الشأن , ولا ممن يجول في هذا الميدان ، ممن خاضوا غماره ، وجمعوا صغاره وكباره ، ولكني أحبَبتُ أن أقدح معهم بزند وأرمي بسهم ، واستضيء بنور ما اقتبسوا ، وأقتطف من ثمار ما غرسوا ؛ وأنقل ذلك من كتبهم ، وأقفو أثرهم تشبهاً بهم ، فـ : « من تشبه بقوم فهو منهم » فرحمهم الله ورضي عنهم .
• وجعلته على طريقة : السؤال والجواب ؛ ليكون أقرب لفهم الطلاب ، راجياً من الله جزيل الثواب ، وأن يهب لي من لدنه رحمة إنه هو الوهاب .
• وافتتحته :
1- بمقدمة : تُفصح عن تعريف هذا الفن رواية ودراية وما في ذلك من التصانيف المشهورة .
2- وختمته : بخاتمة تشتمل على فوائد منثورة .
• وسميته : (دَليلَ أربابِ الفَلاحِ لِتَحقيقِ فَنِّ الاصطِلاحِ) .
نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهه خالصة وأن لا يجعل لأحد فيها شيئاً إنه على كل شيءٍ قدير وبالإجابة جدير .
مقدمة
(علمِ الحديثِ) رِوايَةً
1- [ تَعريفُهُ ] :
فأما علم الحديث رواية ؛ فهو : نقل السنة في أقوال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله وتقريراته وخَلْقِهِ وخُلُقِهِ ... وغير ذلك .(1/3)
2- [ فيبحث فيه من حيث : ] : (1) حفظها في الصدور ، وإثباتها بالسطور ، وضبطها وتحرير ألفاظها ، وإسناد ذلك إلى من عزى إليه بتحديث وإخبار وغير ذلك ، وشروطها تحمل واريها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل ؛ من : سماع أو عرض أو إجازة ... أو نحوها ، وأنواعها الاتِّصال والانقطاع ونحوهما ، وأحكامها القبول والرد ، وحالة الرواة مِن عدالة وجرح (2) ... ونحو ذلك ، وشروطهم في التَّحمُّلِ وفي الأداء (3) ، وأصناف المرويَّات المصنَّفات من السُّنن والصِّحاح (4) والجوامع والمسانيد والمعاجم ... ونحوهما مِنَ الأحاديث والآثارِ (5) ... وغيرها .
3- [ تَدوينُ الحديثِ ] :
• [ جمعُهُ بلا ترتيبٍ ] :
وأول تدوينٍ لِلحديث : وقع على رأس المائة ، ففي البخاري "كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء" وفي لفظ أبي نعيم : "كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق انظروا ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجمعوه" .
• [ جَمعُهُ على الأَبوابِ ] :
وأول من جمعه على الأبواب : جماعة في أثناء المائة الثانية كعبد الملك بن عبدالعزيز بن جريج بمكة المشرفة ، والإمام مالك ومحمد بن إسحاق وابن أبي ذئب بالمدينة المنورة وهشيم بن بشير السلمي بواسط ، والربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة . وسفيان الثوري بالكوفة ، ومعمر بن راشد باليمن ، وعَبْد اللهِ بن المبارك بخراسان وجرير بن عبدالحميد بالري ، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم .
• [ جَمعُ المَرفوعٍ ] :
__________
(1) (موضوعه) غير موجودة في ط . وكتبتها للتّوضيح وليَتوافق مع (علم الحديثِ دراية) .
(2) في ط : (الرواة الجرح والتعديل) .
(3) في ط زيادة : (وسَيأتي) .
(4) في ط زيادة : (والحسان) .
(5) في ط : (ونحوهما مِنَ أحاديث وآثاراً) .(1/4)
إلى أن رأى بعضهم (1) أن تُفرَدَ أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصَّةً ، فصنف عبيد الله موسى العبسي (مسنداً) ، ونعيم ابن حماد الخزاعي المصري (مسنداً) ، ثم اقتفى الأئمة آثارهم ؛ كأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهوية ، وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم .
• [ جَمعُ الصَّحيحِ ] :
1 : [ صَحيحُ البُخاريّ ] :
وأول من اقتصر على (الصَّحيح) أبو عَبْد اللهِ محمد بن إسماعيل البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فَصنف في ذلك كتابه (الجامع الصحيح) .
وهو مشتمل على : ألفين وستمائة حديث وحديثين من المتون الموصولة بلا تكرير ، وبالتكرير : سبعة ألاف وثلثمائة وسبعة وتسعون حديثاً .
- وفيه من المتون المعلقة المرفوعة :
التي لم يصلها في موضع (2) آخر من (جامعه) : مائة وستون أو تسعة وخمسون .
وبما وصله : ألف وثلثمائة وأحد وأربعون حديثاً معلقا .
- وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات : ثلثمائة واحد وأربعون حديثاً .
فجميع ما فيه - على هذا - : المكرر تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثاً اهـ مقدمة الفتح (3) .
قال الحافظ رحمه الله : ( وهذه العدة خارجة عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات ) (4) .
2 : [ صَحيحُ مُسلِم ] :
ومن بعده الإمام الحافظ مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله صنف صحيحه المشهور .
وهو مشتمل على : أربعة آلاف حديث ، بدون تكرار ، وفيه التَّكرير غَيرُ كثيرٍ (5) .
وعن أبي الفضل أحمد بن سلمة أنه : إثنا عشر ألفا حديث .
وقال الميانجي : ثمانية آلاف .
قال ابن حجر وعندي في ذلك نظر والله أعلم .
__________
(1) في ط زيادة : (أن بعضهم) .
(2) في ط : (موضوع) .
(3) هَدي السَّاري ( صَفْحَة : 467-469 ) .
(4) هَدي السَّاري ( صَفْحَة : 469 ) .
(5) في ط : (وفيه التَّكرير كثيراً) .(1/5)
• وقال السيوطي : وقد وافق مسلم البخاري على ما في صحيحه إلا ثمانمائة وعشرين حديثاً" . وهما أصح كتاب بعد القرآن العظيم . وسيأتي إن شاء الله بحث في أيهما أفضل .
3 : [ مَن صَنَّف في الصّحيحِ ] :
وممن صنف بعدهما في الصحيح :
- إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وكتابه يلي "صحيح مسلم" في الصحة .
- ثم "صحيح ابن حبان" وهو أخف شرطاً .
- ثم "مستدرك الحاكم" وقد التزم فيه شرط الشيخين أو أحدهما ، إلا أنه انتقد عليه كثير فيه وكلهم لم يلتزم استيعاب الأحاديث الصحاح .
• [ جَمعُ السُّنَنِ ] :
ومن أجلّ ما جُمِع في السنة - بعد الكتب الملتزمة صحتها - : (السنن الأربع) : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ؛ لكنهم لم يلتزموا صحة جميع ما فيها .
1 : فأبو داود : يروي في الباب أقوى ما وجد فإن فقده روى الضعيف ويبينه غالباً ، ويترك ما اتفقوا على تركه ، واختلفوا فيما سكت عنه .
2 : ومثله النسائي .
3 : وأما الترمذي : فقد بين عقب كل حديث درجته من صحة وحسن وضعف وشهرة وغرابة ... وغير ذلك .
ويقال لهذه الثلاثة مع (الصحيحين) : الأصول الخمسة .
4 : وأما ابن ماجة ؛ فهو : أكثرها حديثاً ضعيفاً ، وقد ثبتَت أصليته : لقوة نفعه وكثرة فقهه ، وكثرة زوائده على الموطأ ، وأول من ألحقه بها : ابن طاهر المقدسي ، وتبعه من صنف في الأطراف والرجال ، وبه صارت الأصول ستة ، ويقال لها : الأمهات الست ، ويقال لهم مع أحمد السبعة والجماعة .
ولم يفت هذه الأصول من الصحيح إلا النَّزر اليسير والله أعلم .
• [ المُستَخرَجاتُ ] :
وقد استخرج جماعة من الحفاظ على هذه الأمهات كتباً مستخرجة : فاستخرج الإسماعيلي والبرقاني والغطريفي وابن أبي ذهل وأبو بكر بن مردوية على البخاري .(1/6)
واستخرج أبو عوانة وابن حمدان وابن النيسابوري والجوزقي و [الشاركي] وأبو الوليد القرشي وأبو عمران الجويني وأبو نصر الطوسي وأبو سعيد الجيري على : مسلم ، واستخرج أبو نعيم وابن الأخرم والهروي والخلال والماسرجسي وأبو مسعود الأصبهاني ،واليزدي ، على : كل منهما ، واستخرج محمد بن أيمن على : أبو داود . واستخرج الطوسي على : الترمذي .
واستخرج أبو نعيم على : توحيد ابن خزيمة ، والعراقي على : المستدرك .
وصورة الاستخراج : أن يروي أحاديث كتاب من غير طريق مصنفه مجتمعاً معه في شيخه فصاعداً .
ومن فوائده : العلو ، والزيادة في قدر الصحيح ، وكثرة الطرق ، وتبيين المبهم والمهمل ، وتبيين سماع : المدلس والمختلط ، وسلامة ما أُعِلّ فيما استخرج عليه ، والله أعلم فرحمهم الله ورضي الله عنهم .
عِلمِ الْحَدِيثِ دِرِايَةً
وأما علم الحديث دراية فيعرف : بمصطلح الحديث .
1- وموضوعه (1) : بيان قواعد البحث في آحاد السنة عن أحوال السند والمتن وما يتعلق بهما .
والسَّند هو : الإخبار عن الطريق المتن .
والمتن هو : ما انتهى إليه السند من الكلام :
- فإن كان من كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو ما في حكمه - : قيل له : حديث ، وخبر ، وأثر .
- ويقال له إذا عزاه لربه عز وجل : الحديث القدسي .
- وإن كان من كلام غير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قيل له : خبر وأثر ، ولم يقل له : حديث .
2- فيبحث في أحوال السند من حيث : انتهائه من مرفوع وموقوف ومقطوع ، وفي ذاته من : متصل ومنقطع ، ومسلسل وعال ونازل وأنواع كل منها .
3- ويبحث في أحوال المتن :
باعتبار : طرقه من مشهور وعزيز وغريب .
وباعتبار : مراتبه من صحيح وحسن وضعيف ومحفوظ وشاذ ومعروف ومنكر ومتابع وشاهد .
وباعتبار : الاستدلال والعمل به ؛ من : محكم ومعارض وناسخ ومنسوخ وراجح ومرجوح وما يتعلق بها .
__________
(1) أَي تَعريفُهُ .(1/7)
وباعتبار : علله ؛ من : معلق ، ومرسل ، ومعضل ، ومنقطع ، ومدلس ، وموضوع ؛ ومتروك ، ومعلل ، ومدرج ، ومقلوب ، ومزيد ومضطرب ، ومصحف ، ومحرف ، ومجهول ، ومبهم ، ومختلط .
وعن : صيغ الأداء ؛ من : سماع ، وتحديث ، وإخبار ، وإنباء ، وقراءة ، ومناولة ، ومشافهة ، ومكاتبة ، وإجازة ، وعنعنة ، وقول ، ووصية ، ووجادة .
وعن : أسماء الرواة وكناهم وألقابهم وأنسابهم ؛ من : متفق ، ومفترق ، ومؤتلف ، ومختلف ، ومبهم ، ومتشابه ... وغير ذلك .
وعن : طبقاتهم ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وسيرهم وأحوالهم تعديلاً وجرحاً ، ومراتب كل منها .
وأيضاً : آداب الشيخ والطالب . وسن التحمل والأداء . وصفة كتابة الحديث وسماعه وإسماعه . والرحلة فيه . وسببه . وتصنيفه ... وغير ذلك .
4- ومقصوده : معرفة المقبول من المردود .
5- وفائدته : حماية الدين من أن يدخل فيه ما ليس منه .
6- ونسبته إلى العلوم ؛ هو : أشرفها لشرف متعلقه .
7- واستمداده : بالاستقراء من كتب الفن .
8- وواضعه - كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في خطبة (شرحه على النخبة) - :
( أول من صنف في ذلك :
- القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) ؛ لكنه لم يستوعب .
- والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ؛ لكنه لم يهذب ولم يرتب .
- وتلاه : أبو نعيم الأصبهاني ؛ فعمل على كتابه مستخرجاً ، وأبقى أشياء للمتعقب .
- ثم جاء بعدهم : الخطيب أبو بكر البغدادي ؛ فصنف في : قوانين الرواية كتاباً سماه (الكفاية) ؛ وفي آدابها : كتاباً سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع) . وقَلَّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتاباً مفرداً ، فكان - كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة - : ( كل من أنصف عَلِمَ أنَّ المحدثين بعد الخطيب عيالٌ على كتبه ) .(1/8)
- ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب ؛ فأخذ من هذا العلم بنصيب فجمع القاضي عياض كتاباً سماه : (الإلماع) ، وأبو حفص الميانجي جزءاً سماه : (ما لا يسع المحدث جهله) ... وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت ؛ وبسطت : ليتوفر علمها ، واختصرت : ليتيسر فهمها ... .
- إلى أن جاء الفقيه الحافظ تقي الدين أبو عمر وعثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهروذوري نزيل دمشق ، فجمع لَمَّا وُلي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور ؛ فهذب فنونه ، وأملاه شيئاً بعد شيء فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب ، واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة : فجمع شتات مقاصدها ، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها ، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره ، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره ، فَلا يُحصى كم : ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر ) هـ .
قلت : فمن الناظمين له : العراقي في (ألفيته) .
ومن المختصرين له : الإمام النووي في (تقريبه) ، وقد شرحه الجلال السيوطي رحمه الله شرحا سماه : (التَّدريب) وهو من أجمع المبسوطات .
ومن أيسر المختصرات وأكثرها فائدة : (نخبة الفكر وشرحها) كلاهما للحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى .
واعلم أن هذا العلم بحر لا ساحل له ، وهو أنواع كثيرة ، وقد صنف في كل نوع مصنفات مستقلة ولم يحيطوا به ، وقد قال الحافظ الحازمي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : ( إن علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة ، كلٌّ منها علم مستقل ، لو انفق الطالب فيه عُمرَه لما أدرك نهايته ) هـ .
وهاذا أوانُ الدُّخولِ من أبوابِهِ ، والخوضِ في عُبابِهِ
والله المستعان وبه التوفيق وعليه التُّكلان
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
[ البابُ الأَوَّلِ : أَحوالُ الْمَتنِ ]
[ الفَصلُ الأَوَّلُ : أقسامُهُ باعتِبارِ طُرُقِهِ ]
1 : إلى كم ينقسم الخبر ؟
ج : ينقسم الخبر إلى : متواتر وآحاد .(1/9)
2 : ما هو المتواتر ؟ وما حكمه ؟ وكم قسم هو ؟
ج : المتواتر ؛ هو : رواية عدد كثير أحالت العادة تواطئهم على الكذب . رووا ذلك عن مثلهم في الوصف المذكور من الابتداء إلى الانتهاء ، وكان مستند انتهائهم الحس – أي الأمر المشاهد أو المسموع لاقتضاه العقل الصرف ، وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه .
وحكمه : إفادة العلم اليقين الضّروري من غير نظر .
وهو قسمان :
1- متواتر لفظاً ومعنى : وهو قليل في الحديث .
2- ومتواتر معنى فقط : وهو كثير فيه .
وأما القرآن ؛ فجميعه : متواتر لفظاً ومعنى .
3 : ما مثال المتواتر لفظاً ومعنى ؟ وما مثال المتواتر معنى فقط ؟
ج: من أمثلة المتواتر لفظاً ومعنى حديث : "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" فإنه جاء عن بضعة وسبعين صحابياً منهم العشرة المشهود لهم بالجنة بهذا اللفظ ، أما بالمعنى فإنه جاء عن مائتين من الصحابة كما نقله النووي-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
ومثله حديث : "رفع اليدين في الصلاة" إذ رَوَاهُ نحو خمسين صحابياً بلفظ واحد منهم العشرة أيضاً ؛
وحديث : "نضر الله أمرءاً سمع مقالتي فوعاها" ، إذ رَوَاهُ نحو ثلاثين صحابياً كذلك ، ومن أمثلة التواتر معنى فقط حديث : "رفع اليدين في الدعاء" إذ روى فيه نحو مائة حديث في قضايا مختلفة . ومن المتواتر حديث المسح على الخفين ، وحديث نزل القرآن على سبعة أحرف وأحاديث الحوض وانشقاق القمر وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان وغير ذلك ، وقال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - : "ومِنْ أحسن ما يقرر به كونُ المتواتر موجوداً وجودَ كَثْرَةٍ في الأحاديث أنَّ الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً ، المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم [اليقيني] بصحته إلى قائله ومثال ذلك في الكتب [المشهورة] كثير" ا هـ .(1/10)
قال شيخنا : -حفظه الله- : "يحمل قول من ادعى عزته على المتواتر لفظاً ومعنى ، وقول من قال بكثرته على المتواتر معنى فقط" . أ.هـ . وهو جمع حسن.
4 : ما هو الآحاد ؟ وإلى كم قسم ينقسم باعتبار طرقه ؟
ج: هو : ما كانت طرقه محصورة لم تبلغ حد التواتر السابق ، وينقسم باعتبار طرقه إلى ثلاثة أقسام : مشهور ، وعزيز ، وفرد .
5 : ما هو المشهور ؟ وإلى كم قسم ينقسم ؟ وما أمثلته ؟(1/11)
ج: المشهور هو : ما جاء من ثلاث طرق فصاعداً إلى حد التواتر ؛ ويطلق على المتواتر الشهرة ، والفرق بينهما : ما مر في حد المتواتر فكل متواتر : مشهور ، ولا عكس ؛ وينقسم المشهور باعتبار موضع الشهرة من السند إلى قسمين : قسم تكون الشهرة في جميع سنده من أوله إلى آخره ويقال له : "المستفيض" كحديث : "النهي عن استقبال القبلة واستدبارها" في قضاء الحاجة فإنه مروي عن جماعة من الصحابة في عامة الأصول منهم : أبو أيوب في "الصحيحين" . وأبو هريرة وسلمان في مسلم وغيره ، وعَبْد اللهِ بن الحارث في ابن ماجه وابن حبان ، ومعقل ابن أبي معقل الأسدي في أبي داود ، وسهل بن حنيف في "مسند" الدارمي –رحمهم الله- . وقسم تطرأ عليه الشهرة في أثناء السند من عند أحد رواته وقد يكون في أول سنده فرداً : كحديث عمر في "الصحيحين" وغيرهما : "إنما الأعمال بالنيات" الخ فإن أول إسناده فرد تفرّد به يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الحديث ، وليس له طريق يصح غير هذا –كما قال علي بن المديني وغيره- ثم رَوَاهُ عن الأنصاري الجم الغفير والخلق الكثير فقيل : رَوَاهُ عن أكثر من مائتي راو ، وقيل : سبعمائة راو ، ومن أعيانهم : الإمام مالك ، والثوري والأوزاعي ، وابن المبارك والليث ابن سعد ، وحماد بن زيد ، وشعبة ، وابن عيينة وغيرهم . ثم ينقسم باعتبار الشهرة عند الناس إلى ثلاثة أقسام : مشهور عند المحدثين وغيرهم : كحديث "الصحيحين" وغيرهما : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". ومشهور عند المحدثين خاصة : كحديث أنس رضي الله عنه : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان" الحديث .(1/12)
فهذا حديث اتفق عليه الشيخان من رواية سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس ، ورَوَاهُ عن أنس جميع غير أبي مجلز ؛ ثم عنه جماعة غير التيمي ، ثم جماعة عن التيمي بحيث اشتهر بين المحدثين ، أما غيرهم فربما استغربه لأن الغالب رواية التيمي عن أنس بلا واسطة وهذا بواسطة .
ومشهور على ألسنة العامة ولو لم يكن له إلا إسناد واحد ، بل منها مالا يوجد له إسناد أصلاً كخبر "حب الوطن من الإيمان" .
6 : ما هو العزيز ؟ وما مثاله ؟
ج: العزيز هو : ما جاء من طريقين فقط بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين ؛ ومن أمثلته ما رَوَاهُ الشيخان من حديث أنس والبخاري من حديث أبي هريرة فأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" رَوَاهُ عن أنس : قتادة وعبدالعزيز بن صهيب ، ورَوَاهُ عن قتادة : شعبة وسعيد ، ورَوَاهُ عن عبدالعزيز : إسماعيل بن علية وعبدالوارث ورَوَاهُ عن كل جماعة .
7 : هل يكون الحديث عزيزاً مشهوراً ؟
ج : نعم ومن أمثلته حديث "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" الحيدث فهو عزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رَوَاهُ حذيفة وأبو هريرة . ومشهور عن أبي هريرة رَوَاهُ عنه سبعة : أبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو حازم وطاوس والأعرج وهمام وأبو صالح وعبدالرحمن مولى أم برثن .
8 : ما هو الفرد ؟ وإلى كم قسم ينقسم باعتبار ما يقع فيه التفرد ؟ وإلى كم قسم ينقسم باعتبار المتفرد ؟
ج: ينقسم بحسب ما يقع فيه التفرد إلى خمسة أقسام ، الأول : ما وقع التفرد في سنده ومتنه كحديث : "بيع الولاء وهبته" فإنه لم يصح إلا من حديث عَبْد اللهِ بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وكحديث عمر في "النية" قبل أن يصل إلى يحيى بن سعيد ؛ .(1/13)
الثاني : ما وقع التفرد في سنده دون متنه كحديث رَوَاهُ عبد المجيد [بن عبد العزيز ابن أبي ] روَّاد ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الأعمال بالنية" قال في الارشاد : "فقد أخطأ فيه عبدالمجيد" لأنه غير محفوظ عن زيد بن أسلم . قال اليعمري : هو إسناد غريب والمتن صحيح .
الثالث : عكس هذا وهو ما يقع التفرد في متنه دون سنده . وهو الذي لا يوجد له مثال كما قرره ابن الصلاح –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
الرابع : ما وقع التفرد في بعض سنده كحديث : "أم زرع" المشهور فإن المحفوظ فيه ما رَوَاهُ : عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عَبْد اللهِ بن عروة عن أبيهما عن عائشة ، ورَوَاهُ الطبراني من حديث : الدراوردي ، عن هشام ، عن أبيه بدون واسطة أخيه عَبْد اللهِ قال أبو الفتح : "فهذه غرابة تخص موضعاً من السند والحديث صحيح" .(1/14)
الخامس : ما وقع التفرد في بعض متنه ، وقد مثل له جماعة من أهل العلم الاصطلاح بحديث زكاة الفطر وهو : "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر في رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين" حيث قالوا فيه : إن مالكاً تفرد عن سائر رواته بقوله : "من المسلمين" ا هـ وقد نقلته من كتبهم ثم رأيت البخاري متابعاً لمالك وهو : عمر بن نافع ، وفي مسلم متابعاً له وهو : الضحاك بن عثمان ، ثم رأيت في "شرح العيني على صحيح البخاري" رحمهما الله أنه : قد تابعه أربعة غير من ذكر وهم : عَبْد اللهِ ابن عمر العمري عند الحاكم ، وكثير بن فرقد عنده وهند الدارقطني والطحاوي ، وعبيدالله بن عمر العمري عند الدارقطني ، ويونس بن يزيد عند الطحاوي فهؤلاء سبعة من الثقاة قد تابعوا مالكاً على هذه اللفظة ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والأولى التمثيل لهذا القسم بحديث "المستحاضة" فقد روى من طرق كثيرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . قال النسائي : "لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث : "وتوضئ" غير حماد بن يزيد" .
وينقسم باعتبار المتفرد إلى قسمين : فرد مطلق وهو : ما انفرد به غيره ويقال له : الغريب ويقل إطلاق الفردية عليه تسمية .(1/15)
ثم قد يطلق إذا لم يكن له طريق سواه كقول الترمذي - – رحمه الله – "لا نعرفه إلا من هذا الوجه" ، وقد يقيد والتقييد يقع بثلاثة أشياء : الأول : ما قيد بثقة ، فيقال : لم يروه ثقة إلا فلان ، كقولهم في حديث : "قراءته - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر (ق) و (اقتربت) لم يروه ثقة إلا ضمرة ابن سعيد فقد انفرد به عن عبيد الله بن عَبْد اللهِ عن أبي واقد الليثي صحابيه ، وإنما قيد بثقة لكونه قد رَوَاهُ غير ثقة .(1/16)
فقد أخرجه الدارقطني – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – من رواية بن لهيعة – وقد وضعه الجمهور – عن خالد بن يزيد ، عن الزهري ، عن عائشة ؛ الثاني : ما قيد ببلد معين لم يروه غير أهله : كمكة ، والبصرة ، كقول الحاكم – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – في حديث أبي سعيد الخدري عند أبي داود في كتابيه "السنن" و "التفرد" عن أبي الوليد الطيالسي ، عن همام ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عنه رضي الله عنه قال : "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر" : لم يرو هذا الحديث غير أهل البصرة ، قال : إنهم تفردوا بذكر الأمر فيه من اول الإسناد إلى آخره ولم يشركهم في لفظة سواهم ، وكذا قال في حديث عَبْد اللهِ بن زيد في : صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - إن قوله "ومسح رأسه بماء فير فضل يديه" سنة غريبة تَفَرَّد بها أهل مصر لم يشركهم واحد من أهل البلد فيصير من القسم الأول وهو : مالم يقيد بصفة فينظر في حال المتفرد ؛ الثالث : ما قيد براو مخصوص ، فيقال فيه : لم يروه عن فلان إلا فلان ، كقول أبي الفضل بن طاهر عقب الحديث المروي في "السنن الأربعة" من طريق سفيان بن عيينة ، عن وائل بن داود، عن ولده بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن أنس –رضي الله عنه- : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على صفية بسويق وتمر" لم يروه عن بكر إلا وائل ولم يروه عن وائل غير ابن عيينة فهو غريب ، وكذا قال الترمذي : إنه حسن غريب ، قال: "وقد رَوَاهُ غير واحد عن ابن عيينة عن الزهري –يعني بدون وائل وولده- قال: وكان ابن عيينة ربما دلسهما" .
9 : بماذا تزول الغرابة عن الحديث الذي يظن أنه غريب ؟(1/17)
ج : تزول الغرابة عنه إذا وجد له متابع أو مشاهد ، والمتابعة هي : موافقة راوٍ آخر لذلك المتفرد أو لشيخه فصاعداً وشرطها كونه من رواية ذلك الصحابي فإن كانت للراوي نفسه فمتابعة تامة ، أو لشيخه فصاعداً فقاصرة ، والشاهد هو : ما إذا وجد متن يشبهه من رواية صحابي آخر لفظاً أو معنى .
10 : ما مثال المتابعة التامة ؟ وما مثال المتابعة القاصرة ؟ .
ج : مثال المتابعة التامة : الحديث الذي رَوَاهُ الشافعي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "الأم" عن مالك عن عَبْد اللهِ بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين" .
فهذا الحديث بهذا اللفظ ظنَّ قوم أنَّ الشافعي تفرَّد به عن مالك-رحمهما الله تعالى- فعدوه في غرائبه لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد وبلفظ : "فإن غم عليكم فاقدروا له" لكن وجدنا للشافعي متابعاً وهو : عَبْد اللهِ بن مسلمة القعنبي : أخرجه البخاري عنه عن مالك كذلك . فهذه المتابعة للشافعي نفسه.(1/18)
ومثال المتابعة القاصرة في الحديث المذكور قال الإمام مسلم –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة . حدثنا عبيدالله ، عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنهما- : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فضرب بيديه فقال : الشهر هكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أُغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين" وكذا ما أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من طريق عاصم بن محمد بن زيد ، وكذا ما أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من طريق عاصم بن محمد بن زيد ، عن أبيه ، عن جده ابن عمر بلفظ : "فإن غُمَّ عليكم [ فأكملوا] ففي هذين الإسنادين متابعة من نافع ومحمد بن زيد لشيخ مالك عَبْد اللهِ بن دينار ، وهي متابعة تامة لعَبْد اللهِ قاصرة لمالك وأقصر منها للشافعي –رحمهم الله تعالى- .
11 : ما مثال الشاهد لفظاً وما مثاله معنى ؟
ج : مثاله لفظاً حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- في النسائي قال –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:- أخبرنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء – وهو ثقة بصري أخو أبي العالية – قال : أنبأنا حبان بن هلال قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" أخبرنا محمد بن عَبْد اللهِ بن يزيد قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن حنين ، عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : (عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .(1/19)
ومثاله معنى : ما رَوَاهُ البخاري –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- من رواية محمد بن زياد سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - : "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُبىَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" والنسائي من روايته أيضاً بلفظ : "فإنْ غُمّى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين" والنسائي من روايته أيضاً بهذا اللفظ إلا أن فيه : "غُمَّ" –بدل- "غمى" ، وفي لفظ له : "فإن غُمَّ عليكم فاقدروا ثلاثين" وفيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه : "إذا رأيتموه فصوموا ؛ وإذا رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين" وفيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه : "إذا رأيتموه فصوموا ؛ وإذا رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين" وفيه وفي الترمذي من رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : "فإن حالت دونه غَيَايةً فأكملوا ثلاثين" زاد الترمذي : (يوما) ، ومثله في أبي داود إلا أنه قال : (غمامة) بدل : "غياية" .
12 : بماذا يتوصل إلى ذلك وما كيفيته ؟
ج : يتوصل إلى ذلك بطريقة الاعتبار ، وهو : تتبع الطرق من "الجوامع" و"المسانيد" و"السنن" و"المعاجم" و"الأطراف" ، قال القسطلاني : وقد مثل ابن حبان –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لكيفية الاعتبار بأن يروى حماد بن سلمة حديثاً لم يتابع عليه ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن وجد علم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين رَوَاهُ عن أبي هريرة وغلا فصحابي غير أبي هريرة رَوَاهُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأي ذلك وجد علم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه وإلا فلا .
13 : علام يتوقف العمل بالآحاد وإلى كم قسم ينقسم بعد ذلك ؟(1/20)
ج: يتوقف العمل بخبر الآحاد على : البحث عن أحوال رواته .
وينقسم بعد البحث إلى ثلاث أقسام :
1- قسم ظهر فيه أصل صفة القبول ؛ وهو ثبوت صدق ناقله : فيقبل .
2- وقسم يظهر فيه أصل صفة الرد ؛ وهو ثبوت كذب ناقله : فيرد .
3- وقسم لم يظهر فيه شيء من ذلك : فيتوقف فيه ؛ حتى تلحقه قرينة بأحد القسمين .
[ الفَصلُ الثَّانِي : أقسامُهُ باعتِبارِ قَبولِهِ وردِّهِ (مَراتِبِهِ) ]
أوَّلاً : مَبَاحِثُ الْمَقبولُ
14 : كم درجات المقبول وما هي ؟
ج : للمقبول درجتان : صحيح وحسن ، والصحيح درجتان : لذاته ولغيره، والحسن درجتان : لذاته ولغيره ، فدرجاته إذاً أربع : صحيح لذاته وحسن لذاته وصحيح لغيره وحسن لغيره .
15 : ما تعريف الصحيح لذاته وما تعريف شروطه وما يخرج بكل منها؟(1/21)
ج : الصحيح لذاته هو رواية عدل تام الضبط متصل السند غير معلٍّ ولا شاذ والمراد بالعدل : من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة . والمراد بالتقوى : اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة . ويخرج بالعدل خمسة : الكاذب ، والمتهم به، والفاسق بمكفر وغيره . والمبتدع ، والمجهول . والمراد بالضبط : الحزم في الحفظ وهو ضبطان : ضبط صدر وهو : ما إذا سمع الحديث لم ينسه بل متى شاء استحضره ، وضبط كتاب وهو : ما إذا سمع الحديث لم ينسه بل متى شاء استحضره ، وضبط كتاب وهو : ما إذا سمع الحديث كتبه وصانه لديه من الغلط والتحريف منذ سمع فيه إلى أن يؤدي منه ، ويخرج بالضابط خمسة : الواهم ، وفاحش الغلط ، والكثير الغفلة ، والكثير المخالفة للثقات ، وسيء الحفظ ؛ والإشارة بتام إلى : الدرجة العليا في الضبط ويخرج به : خفيف الضبط وهو : راوي الحسن لذاته ، والمراد بمتصل السند : ما سلم سنده من سقوط فيه بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه ، ويخرج بالمتصل خمسة : المعلق ، والمرسل ، والمعضل ، والمنقطع والمدلس ؛ والمراد بغير معلٍّ : ما سلم من علَّة قادحة . والمراد بغير شاذ : ما سلم من الشذوذ وهو انفراد الثقة مخالفا للثقات ؛ والخارج بهذين الآخرين داخل فيما خرج بالضبط ، فالخارج بالأول يدخل في الوهم والخارج بالثاني يدخل في المخالفة .
16 : هل تتفاوت رتب الصحيح ؟(1/22)
ج : نعم تتفاوت رتبه بسبب تقاوت الأوصاف المقتضية للتصحيح في القوة فإنها لما كانت مفيدة لغلبة الظن الذي عليه مدار الصحة اقتضت أن يكون لها درجات بعضها فوق بعض بحسب الأمور المقوية ، وإذا كان كذلك فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات المرجحة كان أصح مما دونه . ويقع التفاوت في الصحة سنداً ومتناً وإطلاقاً وتقييداً ، فمن الدرجة العليا في التفاوت بحسب السند ما أطلق عليه : أصح الأسانيد ، كرواية : أحمد ، عن الشافعي ، عن مالك ، ومالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال البخاري : أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر . وزاد ابن طاهر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : الشافعي عن مالك ، وزاد بعض من المتأخرين كالعراقي : أحمد عن الشافعي ، والزهري عن سالم عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أطلقه عليه : احمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وابن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي ابن أبي طالب –رضي الله عنه- .(1/23)
أطلقه عليه : ابن المديني :- من رواية عَبْد اللهِ بن عون ، وعمرو بن علي الفلاس من رواية أيوب السختياني ، والأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أطلقه عليه : يحيى بن معين –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ، ودنها : كحماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس ، وبريد بن عَبْد اللهِ بن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنهما ، ودونها : كالعلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه-، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- ، فالجميع يشملهم اسم العدالة والضبط إلا أن في المرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضي تقديم روايتهم على التي تليها ، وفيها –أي التي تليها- من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة ، وفيها –أي الثالثة- من تمام الضبط ما يقتضي تقديمها على الحسن لذاته ، وهذا التفاوت في الإسناد بحسب الإطلاق ، وقد أطلق على أسانيد كثيرة غير ما تقدم بأنها أصح الأسانيد أو أقواها أو أجودها ، منها : الزهري عن زين العابدين عن أبيه عن جده ، أطلق ذلك عليه ابن أبي شيبة وعبدالرزاق ، وعبيد الله بن عَبْد اللهِ بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما أطلقه عليه النسائي ، وشعبة عن عمرو ابن مرة الكوفي عن أبيه مرة عن أبي موسى رضي الله عنه أطلقه عليه وكيع ، وشعبة عن قتادة بن دعامة السدوسي عن سعيد بن المسيب عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة وهذا منقول عن حجاج ابن الشاعر ، وعبدالرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أطلقه عليه ابن معين ، ويحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أطلقه عليه الشاذكوني ، وأيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أطلقه عليه أحمد وقال : فإن كان من رواية حماد بن زيد فيالك ، ومنها ترجيح بن أبي حاتم ترجمة يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن أبن عمر رضي اله عنهما ، وأما التفاوت المقيد فيقع تقييده(1/24)
بالتراجم والبلدان" .
أما المقيد بالتراجم فقال الحاكم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "أصح أسانيد الصديق رضي الله عنه : إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه ، وأصح أسانيد عمر رضي الله عنه : الزهري عن سالم عن أبيه عنه ، وأصح أسانيد أهل البيت : جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ، وأصح أسانيد أبي هريرة رضي الله عنه : الزهري عن سعيد بن المسيب عنه ، وأبو الزناد عن الأعرج عنه ، وحماد بن زيد عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عنه . وأصح أسانيد ابن عمر رضي الله عنهما : مالك عن نافع عنه وهي سلسلة الذهب المشهورة ، وأصح أسانيد عائشة رضي الله عنها : عبيد الله بن عمر بن حفص عن القاسم عن عائشة، وأصح أسانيد ابن مسعود رضي الله عنه : سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود" . وقال البزار : "رواية علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أصح إسناد يروي عن سعد" .(1/25)
وأما المقيد بالبلدان ، فقال الإمام تقي الدين ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث ما رَوَاهُ أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم أهل الشام . وقال الخطيب رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة فإن التدليس فيهم قليل ، والكذب ووضع الحديث فيهم عزيز ، ولأهل اليمن روايات جيدة وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضاً ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم ، والكوفيون مثلهم في الكثرة غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة من العلل ، وحديث الشاميين أكثر مراسيل ومقاطيع ، وما اتصل منه مما أسنده الثقات ، فإنه صالح والغالب عليه ما يتعلق بالمواعظ ، وقال هشام بن عروة : إذا حدثك العراقي بألف حديث فَألقِ تسعمائة وتسعين وكن من الباقي في شك" ا هـ . قلت : وكما فاوتوا بين البلدان في الثبت كذلك جعلوا لكل بلد سنداً هو أصح أسانيده . فقالوا : أصح الأسانيد لمكة : سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد الأزدي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وأصح الأسانيد للمدينة :-إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة –رضي الله عنه- وأصح الأسانيد لليمن : معمر بن راشد عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وأثبت أسانيد المصريين : الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه . وأثبت أسانيد الخراسانيين : -الحسين بن واقد عن عَبْد اللهِ بن بريدة عن أبيه . وأثبت الأسانيد لأهل الشام :-أبو عمرو الأوزاعي عن حسان بن عطية المحاربي عن الصحابة رضي الله عنهم . ذكره الحاكم .(1/26)
قال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "رجح بعض أئمتهم رواية سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه" وغير ذلك من التراجم وقد جمع الحافظ أبو الفضل العراقي فيما عد من أصح الأسانيد إطلاقاً وتقييداً كتاباً في الأحكام رتبة على أبواب الفقه سماه : "تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد" وقد فاته جملة من الأحاديث كما قاله ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وأما التفاوت بحسب المتن فأصح متن على الإطلاق ما جاء من ترجمة وصفت بكونها أصح الأسانيد . وأمّا على التقييد فأصح الأحاديث : ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى سنداً ومتناً أو متناً فقط ثم ما انفرد به البخاري ثم انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما مما لم يخرجاه ثم ماكان على شرط البخاري ثم ما كان على شرط مسلم ثم ما كان على شرط غيرهما ممن التزم الصحيح ومعنى كونه على شرطهما : كون إسناد هذا المتن وعندهما ممن التزم الصحيح ومعنى كونه على شرطهما : كون إسناد هذا المتن عندهما أو عند أحدهما مع باقي شروط الصحة من الضبط والعدالة وغيرهما ، وعلى هذا مشى جماعة كابن دقيق العيد والنووي والذهبي وغيرهم رحمهم الله ، وقيل : إن المراد بشرطهما : أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور. وقيل غير ذلك .(1/27)
وإنما قُدِّمَ البخاري ومسلم : لاتقاق العلماء على تلقي كتابيهما بالقبول ، وعلى أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل . ثم قَدَّمَ الجمهور صحيح البخاري لكون شرطه من حيث الاتصال أقوى من شرط مسلم وأشد ، لنه يشترط اللقى مع المعاصرة ، ومسلم يكتفي بمجرد المعاصرة ولكون الصفات التي تدور عليها الصحة من حيث العدالة والضبط في كتاب البخاري أتم منها في مسلم وأسد لأن الذين تكلم فيه من رجال مسلم الذين تفرد بهم دون البخاري . وذلك أن جملة الذين انفرد البخاري لهم دون : -مسلم أربعمائة وبضع وثمانون رجلاً . المتكلم فيه بالضعف منهم : ثمانون رجلاً وجملة الذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري :-ستمائة وعشرون رجلاً . المتكلم فيه بالضعف منهم : مائة وستون رجلاً ، مع أن البخاري لم يكثر من إخراج حديثهم بل غالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم بخلاف مسلم في الأمرين ، ولأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث التي انفرد بها أقل عدداً مما انتقد على مسلم وذلك أن جملة ما تكلم فيه من أحاديثهما : مائتان وعشرة أحاديث اشتركا في : اثنين وثلاثين واختص البخاري : بثمانية وسبعين حديثاً ، ومسلم : بمائة حديث هذا مع اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجلَّ من مسلم وأعرف بصناعة الحديث وعلله حتى الإمام [مسلماً] نفسه رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أقر له بذلك وقال : "دعني أقبل قدميك يا أستاذ الأستاذين وطبيب الحديث في علله" وبعض العلماء سوَّى بينهما وبعضهم رجح البخاري من حيث الصحة ومسلماً من حيث الصناعة رحمهما الله .(1/28)
ويلي مسلماً في الصحة "صحيح أبي بكر ابن خزيمة" فهو أعلى رتبة من "صحيح ابن حبان" لشدة تحريه حتى إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد فيقول : إن صح الخبر أو إن ثبت كذا ونحو ذلك ، ويليه "صحيح ابن حبان" فإنه قد وفى بشرطه فيه وإن كان خفيفاً فإنه يخرّج في "الصحيح" : "وما كان راويه غير مدلِّس سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع" ، و"إذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة" . وفي كتاب "الثقات" له كثير ممن هذه حاله ، وهذا دون شرط الحاكم في "مستدركه" . إذ شرَطَ أن يُخرِّج لرواة خَرَّجَ الشيخان أو أحدهما لهم أو لمثلهم معبراً عن الأول بقوله : "صحيح على "شرط الشيخين" ، أو "على شرط البخاري أو مسلم" ، وعن الثاني بقوله : "هذا حديث صحيح الإسناد" ، وإنما قالوا فيه أنه أدنى رتبة من "صحيح ابن حبان" لكونه لم يف بهذا الشرط في جميعه بل وجد فيه تساهل ، وسببه كما قال ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : لأنه سَوَّدَ الكتاب لينقحه فأعجلته المنية ، قال : "وجدت قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من "المستدرك" : -إلى هنا انتهى إملاء الحاكم." قال : وماعدا ذلك لم يؤخذ منه إلا بطريق الإجازة ، والتساهل في القدر المملى قليل جداً بالنسبة إلى ما بعده" . وقال الذهبي : "فيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما ، لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده ، وفيه بعض الشيء أوله [علّة] وما بقى ليس كذلك والله أعلم" .(1/29)
قال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "وهذا التفاوت إنما هو بالنظر إلى الحيثية المذكورة أما لو رجح قسم على ما فوقه بأمور أخرى تقتضي الترجيح فإنه يقدَّم على ما فوقه إذ قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً كما لو كان الحديث عند مسلم مثلاً وهو مشهور قاصر عن درجة التواتر لكن حفنة قرينة صار بها يفيد العلم فإن يقدَّ على الحديث الذي يخرّجاه من ترجمة وصفت بكونها أصح الأسانيد كمالك عن نافع عن ابن عمر، فإنه يقدَّم على ما انفرد به أحدهما لاسيما إذا كان في إسناده من كان فيه مقال".
17 : أذكر لي مثالاً يتبين به تفاضل الأمهات الست في قوة الشرط ؟!
ج : مثال ذلك : أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلاً على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزية على التي تليها فمن كان في الطبقة العليا وهو غاية قصد البخاري : كمالك ، وابن عيينة ، وعبيد الله بن عمر ، ويونس وعقيل الإيليان ، وشعيب بن حمزة وجماعة سواهم .
وأما أهل الطبقة الثانية : فنحو عبدالرحمن الأوزاعي والليث بن سعد ، والنعمان بن راشد ، وعبدالرحمن بن خالد بن مسافر وغيرهم . وهم شرط مسلم.
وأما الطبقة الثالثة : نحو سفيان بن حسين السلمي ، وجعفر بن برقان ، وعَبْد اللهِ بن عمر بن حفص العمري ، وزمعة بن صالح وغيرهم ، وهم شرط أبي داود والنسائي .
والطبقة الرابعة : نحو إسحاق بن يحيى الكلبي ، ومعاوية بن يحيى الصدفي ، وإسحاق بن عَبْد اللهِ بن أبي فروة المدني ، وإبراهيم بن يزيد المكي ، والمثنى بن الصبّاح وجماعة سواهم ، وهم شرط الترمذي .
والطبقة الخامسة : نحو : بحر بن كَنِيز السقَّاء ، والحكم بن عَبْد اللهِ الأيلى وغيرهما ، وهم نفر من الضعفاء والمجهولين لا يجوز لمن يخرّج حديثهم إلاّ على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه ، فأمّا عند الشيخين فلا! .
18 : ما معنى قول الترمذي وغيره رحمهم الله تعالى : أصح شيء في الباب كذا ، وهل يلزم منه صحة الحديث ؟(1/30)
ج : قال الإمام النووي –رحمه الله- : "لا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث المطلقة عليه فإنهم يقولون : هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفاً ومرادهم أرجحه وأقلّه ضعفاً " ذكر ذلك –رحمه الله- عند قول الدارقطني –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "أصح شيء في فضائل السور : فضل قل هو الله أحد ، وأصح شيء في فضائل الصلوات : فضل صلاة التسبيح" .
19 : ما هو الحسن لذاته وفيم يشارك الصحيح لذاته وما مظانه ؟
ج : هو ما جمع شروط الصحيح إلا أن الضبط خف ويشارك الصحيح لذاته في الاحتجاج به وفي انقسامه إلى مراتب بعضها أقوى من بعض ، فمن المرتبة العليا في ذلك ما قيل بصحته : كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر رضي الله عنه ، ومن أدناها ما اختلف في تحسينه وتضعيفه كحديث الحارث بن عَبْد اللهِ ، وعاصم بن ضمرة وحجاج بن أرطأة ، ومن مظان الحسن : السنن الأربع أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وسنن الدارقطني ،ودونها المسانيد التي قدمنا ذكرها وأعلاها مسند الإمام أحمد بن حنبل . قال الهيثمي : "إنه أصح صحيحاً من غيره" . وقال العماد ابن كثير : لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته" . قيل :- أحاديثه أربعون ألفاً بالمكرر ، وقال الحافظ ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "ليس في هذا المسند حديث لا اصل له إلا ثلاثة أو أربعة ، منها : حديث عبدالرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفاً . قال : والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا" ، ومسند إسحاق بن راهويه لأنه يخرّج فيه امثل ما ورد عن ذلك الصحابي فيما ذكره أبو زرعة الرازي عنه –رحمهما الله تعالى- .
20 : ما هو الصحيح لغيره وما مثاله ؟(1/31)
ج : الحسن لذاته إذا اعتضد بمثله صار صحيحاً بمجموع طرقه ، ومثاله : حديث عَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلائص الصدقة وكان يأخذ بالبعيرين إلى إبل الصدقة" فإنه عند أحمد وأبي داود وعند الدارقطني بمعناه كلهم من طريق محمد بن إسحاق ، وعند البيهقي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وكلا الطريقين على انفراده من أعلا درجات الحسن لذاته فبجموعهما يصير صحيحاً لغيره .
21 : ما هو الحسن لغيره وما مثاله ؟
ج : قال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "هو رواية المستور والمرسل والمدلس وسيء الحفظ إذا اعتضد بمعتبر ، لأن كل من الطرق الموصوفة بذلك يحتمل كونه صواب فيتوقف فيه حتى توجد قرينة ترجح أحد الاحتمالين ، فبترجيح الاحتمال الأول يرتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول ومع ارتقائه فهو منحط عن درجة الحسن لذاته" ا . هـ .
قلت : ومثاله حديث "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري ، وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت ، ومن طريق أخرى عن ابن عباس فيها : الجُعْفي ، ومالك في "الموطأ" عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وله طرق كثيرة متعددة يقوي بعضها بعضاً ، وقد حسنه الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وكذا حسنه الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في "الأربعين" وحسنه غيرهما ولم يعنوا بذلك أنه حسن لذاته لأنه ليس في طرقه ما يقرب من ذلك لأن في كل منها مقال وإنما حسنوه بمجموع طرقه والله تبارك وتعالى أعلم .
22 : ما حكم الحديث الذي يطلق عليه الوصفان الحسن والصحة ؟(1/32)
ج : إن كان فرداً فللتردد ، وذلك لأن تردد أئمة الحديث في حال ناقله اقتضى للمجتهد أن لا يصفه بأحد الوصفين ، فيقال فيه : حسن باعتباره عند قوم ، صحيح باعتباره عند آخرين وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد لأنه حقه أن يقال فيه حسن أو صحيح ، وعلى هذا فهو دون ما قيل فيه صحيح بصيغة الجزم ، وإن لم يكن فرداً فإطلاق الوصفين عليه باعتبار إسنادين فصاعداً أحدهما حسن والآخر صحيح ، وعلى هذا فهو أقوى مما قيل فيه : "صحيح" فقط وهو فرد لأن كثرة الطرق تقوي .
هذا اختيار ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في هذه المسألة . وهو الأصح وما سواه من الأقوال لا يخلو شيء منها عن اعتراض عليه وإيراد والله أعلم .
23 : ما مثال ما أطلق عليه الوصفان للتردد ؟ وما مثال ما أطلقا عليه باعتبار إسنادين فصاعداً ؟
ج : مثال الأولى : الحديث الذي يقول فيه الترمذي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "حديث حسن صحيح غريب" لأنه لما وصفه بالغرابة ظهر أن إطلاق الوصفين عليه للتردد لا باعتبار طرقه ، ومثال ذلك في سننه كثير.(1/33)
ومثال الثاني حديث : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" قال الإمام الترمذي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : حدثنا أبو كريب ثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم" –الحديث فهو بهذا الإسناد من أعلى درجات الحسن لذاته لأن محمد بن عمرو رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى من المختلف في تصحيح حديثه وتحسينه والحديث في "الصحيحين" قال البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : حدثنا عَبْد اللهِ بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :- الحديث . وقال مسلم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : حدثنا قتيبة بن سعيد وعمرو الناقد وزهير بن حرب قالوا : حدثنا سفيان عن أبي الزناد الخ الحديث –فهو من هذا الوجه من أعلى درجات الصحيح لذاته ، وقد رَوَاهُ الترمذي من وجه آخر بزيادة وجمع فيه الوصفين فقال : "حسن صحيح" .
24 : ما حكم زيادة راوي الحسن والصحيح وفيم تقع الزيادة ؟
ج : حكمها القبول بشرط أنْ لا تكون منافية لرواية من هو أرجح بحيث يلزم من قبولها رد الأخرى ، فإن كانت منافية لرواية من هو أرجح بحيث يلزم من قبولها رد الأخرى ، رجع فيها إلى الترجيح فيقبل الراجح ويقال له : المحفوظ ، ويرد المرجوح ويقال له : الشاذ ، وكما تقع الزيادة في المتن ، تقع في السند : برفع موقوف أو وصل مقطوع أو نحوهما .
25 : ما مثال الزيادة المقبولة في المتن ؟ وما مثال المردودة ؟(1/34)
ج : مثال الزيادة المقبولة حديث المستحاضة المتقدم روى من طرق كثيرة قال النسائي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : لم يذكر فيها : "وتوضىء" إلا حماد بن زيد ، وإليها أشار مسلم بقوله : "وفي حديث حماد بن زيد حرف تركنا ذكره" . ولكن قُبِلَت لكونها زيادة ثقة وهي غير منافية لرواية الأكثر بل أفادت حكماً آخر فصارت كحديث مستقل .
ومثال الزيادة المردودة : ما وقع في "النسائي" في حديث جابر في النهي عن ثمن السنور والكلب من استثناء كلب الصيد قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمى قال : حدثنا حجاج بن محمد عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن ثمن السنور والكلب ، غلا كلب صيد" : قال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "رجاله ثقات" . قلت : وهو كما قال ، ومع هذا ضعف الجمهور هذه الزيادة ، وقال النسائي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بعد روايته له : "وحديث حجاج عن حماد بن سلمة ليس بصحيح" ا هـ .
وذلك لأن المحفوظ فيه من رواية مسلم بدون الاستثناء ؛ قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : حدثني سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعْيَن ، حدثنا مَعْقِل عن أبي الزبير قال : سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور ؟ : قال : "زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك" وكذا في المتفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى، وحلوان الكاهن" بلا استثناء .
26 : ما مثال الزيادة المقبولة في السند ؟ وما مثال المردودة ؟(1/35)
ج: مثال الزيادة المقبولة ما وقع في حديث أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل" رَوَاهُ ابو داود والنسائي وغيرهما كلهم من حديث إبراهيم بن طهمان هكذا مرفوعاً – وهو ثقة من رجال الصحيحين وقد رَوَاهُ البيهقي موقوفاً والرفع زيادة ثقة مقبولة ، وهذا مثال الزيادة في السند برفع الموقوف ؛ ومن أمثلة الزيادة بوصل المنقطع حديث : "لا نكاح إلا بولي" رَوَاهُ إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى ، ورَوَاهُ شعبة والثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى ، ورَوَاهُ شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عنه - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً فالحكم فيه لمن وصله وقد سئل البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عنه فحكم لمن وصله وقال : "الزيادة من الثقة مقبولة" هذا مع أنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ : شعبة وسفيان وهما جبلان في الحفظ والإتقان .
[وأما مثال الزيادة المردودة : فسيأتي لذلك إن شاء الله زيادة إيضاح في بحث المزيد في متصل الأسانيد ، وفيه بيان حكم المنفرد الضعيف] .
27 : كم شروط المقبول المعلومة مما تقدم وما المشترك منها وما المختص؟
ج : ستة وهي : العدالة والضبط والاتصال وعدم الشذوذ وعدم العلة وهذه الخمسة مشترك بين الصحيحين بقسميه والحسن لذاته غير أن الصحيح لذاته يختص بتمام الضبط والحسن لذاته بخفته ، والسادس العاضد عند الاحتياج إليه. وهو خاص بالقسم الرابع ، أعني : الحسن لغيره لأن المراتب الأولى حجة بدون اعتضاد .
28 : إلى كم قسم ينقسم المقبول بدرجاته الأربع ؟(1/36)
ج : ينقسم إلى معمول به مطلقاً وهو "المحكم" وهو ما سلم من المعارضة بمثله وأمثلته كثيرة لا تحصى يُستغنى عن ذكرها بشهرتها ، ومعمول به على تفصيلٍ لا مطلقاً وهو : ما عورض بمثله أما إذا كانت المعارضة بدونه فلا تأثير لها .
29 : ما حكم المعارض بمثله ؟
ج : له أربعة أحكام على الترتيب لا ينتقل إلى الثاني إلا عند عدم إمكان الأول ، ولا إلى الثالث إلا عند عدم إمكان الثاني وهو : الجمع إن أمكن ، ثم النسخ إن علم المتأخر ، ثم الترجيح إن وجدت قرائنه ، ثم التوقف وهو ليس بحكم وإنما هو عدم حكم .
30 : ما حقيقة الجمع وبماذا يكون وما أمثلته ؟
ج : حقيقته التأليف بين مدلولي النصين بغير تعسف . قال في "التقريب" : "هو من أهم الأنواع ويضطر إلى معرفته جميع العلماء وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه ، والأصوليون الغَوّاصُونَ على المعاني الدقيقة ، وأول من تكلم فيه الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ، وكان ابن خزيمة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى من أحسن الناس كلاماً فيه حتى قال : "لا أعرف حديثين متعارضين فمن كان عنده فليأتني بها لأؤلف بينهما" ا هـ .(1/37)
ويكون الجمع : بتخريج المعارض على معنى ، وجعل المعارض باق على معناه ، أو بحمل كل منها على معنى أو على شخص أو على حالة ، أو على موضع ، أو بتخصيص العام ، أو بتقييد المطلق أو يصرف أحدهما بالآخر من الوجوب إلى الندب ، أو من التحريم إلى الكراهة ، باختلاف الوقائع وتغاير الأحوال وتباين القرائن ، فمثال الجميع بتخريج المعارض على معنى وجعل الأول باق على عمومه : "حديث "لا عدوى ولا طيرة" الخ الحديث مع حديث "فر من المجذوم فرارك من الأسد" جميع بينهما ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "بأن حديث نفي العدوى باق على عمومه وأنه لا يعدى شيء شيئاً وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للذي عارضه بأن البعير الأجرب يكون بين الأبل الصحيحة فتجرب حيث أجابه - صلى الله عليه وسلم - يقوله : "فمن أعدى الأول" يعني : أن الله تعالى ابتدأه في الثاني كما ابتدأ في الأول . قال : وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يُخالطه شيء بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر باجتنابه حسماً للمادة" .(1/38)
ومثال الجمع بحمل كل من المتعارضين على معنى : حديث "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" مع حديث "من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر" قال الجمهور : "يفهم من تفضيله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الجماعة على صلاة الفذ إثبات فضيلة لها، ومن إثبات فضيلة لها إثبات الإجزاء فيحمل حديث لا صلاة الخ على نفي الكمال لا نفي الإجزاء" . قلت : وكفى بالعبد خسارة أن يضيع سبعة وعشرين ضعفاً متفقاً عليها ويختار لنفسه درجة واحدة مختلفاً في ثبوتها ، ثم قد يغتنم الشيطان وحدته فيستحوذ عليه فيخرجها عن وقتها أو يتركها بالكلية فإن الذئب إنما يأخذ من الإبل القاصية عياذاً بالله من ذلك ، ومثال الجمع بحمل أحد المتعارضين على شخص والآخر على آخر : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله : أي الصدقة أفضل قال : "جهد المقل وابدأ بمن تعول" رَوَاهُ أحمد وأبوداود وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان . مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حكيم بن حزام : "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" متفق عليه ، قال البيهقي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : " وجه الجمع بين هذين الحديثين أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية" ا هـ . وكثيرا ما كان الشارع - صلى الله عليه وسلم - يلاحظ أحوال الناس ويعتبرها في القوة والضعف ويعلمهم التكاليف ويبينها لهم على حسب ذلك كما في حديث أبي داود : أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فسأله عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله : فنهاه" فإذا الذي رخص له : شيخ ، والذي نهاه : شاب ، ففهمنا الدلالة من الحديث بتلك القرينة وأن الرخصة لمن يملك نفسه كالشيخ لأن الغالب عليه انكسار شهوته فيملك إربه ولا يخشى عليه الفتنة ، والنهي لمن لا يملك نفسه كذلك الشاب لأن الغالب عليه هيجان الشهوة وعنفوان الشباب فلا يملك نفسه فيخاف عليه الوقوع في المحذور .(1/39)
ومثال الجمع بحمل أحدهما على حالة والآخر على أخرى : حديث مسلم : "إلا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها" مع حديث البخاري : "خيركم قرني ثم الدين يلونهم ثم الذين يلونهم" إلى أن قال : "ثم يكون قوم يشهدون قبل أن يستشهدوا" فَحُمِلَ الأول على ما إذا لم يكن المشهود له عالماً بها ، والثاني على ما إذا كان عالماً بها . ومثال الجمع بحمل أحد المتعارضين على موضع والآخر على أخر : حديث : "النهي عن استقبال القبلة واستدبارها" عن أبي أيوب وغيره في الصحيحين وغيرهما بلفظ "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" مع حديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه الجماعة قال : "رقيت يوماً على بيت حفصة رضي الله عنها فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" ، وحديث جابر - رضي الله عنه - تعالى عنه عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والبزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني رحمهم الله قال : "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة ببول ، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" ووجه الجمع بين الأحاديث الدالة على النهي وبين الأحاديث الدالة على الإباحة أن النهي عن فعل ذلك في الصحارى ، والإباحة في العمران لقرينه جاءت بذلك في أحاديث الإباحة كما هو صريح في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وقد أفتى بذلك رضي الله عنه فأخرج أبو داود والحاكم رحمهما الله تعالى عن مروان الأصفر – رضي الله عنه – قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها ، فقلت : يا أبا عبدالرحمن أليس قد نهي عن ذلك ، فقال : بلى إنما عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس" وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده . وقال الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : الإستقبال والاستدبار محرمان في الصحراء لا في البنيان .(1/40)
ومثال الجمع بتخصيص العام : حديث ابن عمر رضي الله عنهما في البخاري والسنن : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فيما سقت السماء والعيون وكان عَثَرِيّاً : العُشْر" إلخ الحديث ، فظاهره العموم في القليل والكثير فخصص عمومه حديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة" فخرج به ما كان دون خمسة أوسقٍ صدقة" فخرج به ما كان دون خمسة أوسق . ومثال الجميع بتقييد المطلق : حديث ابن عباس في البخاري "إنما حرم من الميتة أكلها" فظاهر إطلاقه حل ما عدا الأكل كالانتفاع بجلودها قبل الدباغ فعورض بأحاديث الدباغ المتفق عليها عند الشيخين وغيرهما من "السنن" و "المسانيد" وقد رويت من طرق متعددة فعن ابن عباس حديثان ، وعن أم سلمة ثلاثة وعن أنس حديثان ، وعن سلمة بن المحبق وعائشة والمغيرة وابن مسعود وأبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين فقيد بها إطلاق الحديث المذكور فلا ينتفع بها حتى تطهر بالدباغ .
ومثال الجمع بصرف المعارض . بالمعارض من الوجوب إلى الندب : حديث : "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" أخرجه السبعة عن أبي سعيد الخدري ، وهو صريح في الوجوب ، فصرف إلى الندب بحديث سمرة بن جندب : "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل" أخرجه الخمسة وحسنه الترمذي .
ومثال الجمع بصرفه من التحريم إلى الكراهة : حديث أبي هريرة في مسلم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسى فليستئ" وهو صريح في التحريم ، فصرف إلى الكراهة بحديث علي - رضي الله عنه - في البخاري : أنه شرب قائماً وقال : "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما رأيتموني فعلت" .
31 : ما هو النسخ ؟ وما هو الناسخ ؟ وما هو المنسوخ ؟ وبم يعرف النسخ وإلام يكون ؟(1/41)
ج-: النسخ هو : رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه ، والناسخ هو : الدليل المتأخر الدال على رفع الحكم ، والمنسوخ هو : الحكم الذي دل عليه المتقدم فنسخ بالمتأخر ، ويعرف النسخ بأمور : أصرحها نص الشارع عليه ، ثم تصريح الصحابي بذلك ثم معرفة المتأخر بالتاريخ ، ويكون النسخ إلى بدل وغيره وأغلظ وأخف .
32 : ما أمثلة ذلك ؟
ج : مثال ما عرف نسخه بنص الشارع حديث بريدة في ":السنن" مرفوعاً "إني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلا ثلاثاً فكلوا وأطعموا وادخروا ما بدالكم ، وذكرت لكم أن تنتبذوا في الظروف : الدباء والمزفت والنقير والحنتم ، إنتبذوا فيما رأيتم واجتنبوا كل مسكر ، ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا" . وأصله في مسلم . ومثال ما عرف بتصريح الصحابي حديث جابر في السنن أيضاًَ "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار" . ومثال ما عرف نسخه بالتاريخ حديث شداد بن أوس مرة مرفوعاً "أفطر الحاجم والمحجوم" رَوَاهُ الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والبخاري وغيره ، ذكر الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : لأنه منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما في البخاري قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : حدثنا معلي بن أسد حدثنا وهيب عن ايوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم" . حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا ايوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم" لأن ابن عباس صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع سنة عشر وشداد صحبه - صلى الله عليه وسلم - سنة ثمان عام الفتح والله أعلم .
33 : هل تكون رواية الصحابي المتأخر الإسلام ناسخة لرواية الصحابي المتقدم الإسلام ؟(1/42)
ج-يتجه فيه النسخ بشرطين : الأول : أن لا يكون الصحابي المتأخر الإسلام صرح بالسماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - : فخرج به من لم يصرح بالسماع فإنه محتمل لأن يكون سمعه من صحابي متقدم الإسلام فأرسله ، الثاني : أن لا يكون سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قبل إسلامه فخرج بذلك ما إذا سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلامه ثم لم أسلم رَوَاهُ فإن ذلك محتمل لتقدم سماعه على الأول فباجتماع هذين الشرطين ينتفي تقدم حديث المتأخر الإسلام عن متقدمه فيتجه النسخ فيه من قبل التاريخ . والله أعلم .
34 : هل يكون الإجماع ناسخاً للنص ؟
ج : لا يكون الإجماع ناسخاً ، ولكن يدل على وجود الناسخ ، فإذا أجمع الصحابة على ترك حكم كان في أول الإسلام أو على تغييره دل إجماعهم على نسخ ذلك الحكم وإن لم نعلم الناسخ لحديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة" .
35 : ما مثال ذلك ؟
ج : مثال ذلك : حديث معاوية في قتل شارب الخمر في الرابعة ، قال الترمذي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بعد كلام طويل في نقله عدم العمل به قال : "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم ، لا نعلم بينهم اختلافاً في القديم والحديث" الخ كلامه يعني أنه لم يقض أحد بقتله ولا فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في آخر جامعه : "جميع ما في هذا الكتاب معمول به وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر ولا مطر" ؛ وحديث معاوية في شارب الخمر فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" .
36 : متى يتعين الترجيح وبم يتعين ؟
ج : يتعين الترجيح عند عدم إمكان الجمع وتعذر معرفة المتأخر وتعيينه بأمور منها ما يرجع إلى السند ومنها ما يرجع إلى المتن ومنها ما يرجع إلى المدلول ، ومنها ما يرجع إلى أمر خارج .
37 : ما هي الأمور المرجحة التي ترجع إلى السند مع الإشارة إلى بعض أمثلتها؟(1/43)
ج : من ذلك : كون رواة أحد الحدثين أكثر أو أقوى : كحديث طلق بن علي في مس الذكر "إنما هو بضعة منك" مع حديث بسرة "من مس ذكره فليتوضأ" فتعارضا وكلاهما صحيح لكن رجح حديث بسرة على حديث طلق بن علي لكثرة من صححه ولكون رجاله محتج بهم في الصحيحين بخلاف حديث طلق بن علي في ذلك كله ولحديث بسرة من الشواهد عن نحو سبعة عشر صحابياً وذكر الترمذي عن ثمانية منهم بعدها . ومن ذلك : تقديم رواية الأجل : كتقديم رواية الخلفاء الأربعة عن سائر الصحابة ، ومن ذلك : كون راوي أحد الحديثين هو صاحب الواقعة فترجح على رواية غيره ، كترجيح حديث ميمونة رضي الله عنها : "تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان" على حديث ابن عباس رضي الله عنهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم" لأن هي صاحبة الواقعة ، ومن مثل ذلك : رواية المباشر للواقعة ترجح على رواية غيره ، كرواية أبي رافع في الواقعة المذكورة : "تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال وكنت السفير بينهما" فرجحت على رواية ابن عباس المذكورة وغير ذلك .
38 : ما هي الأمور المرجحة الراجعة إلى المتن مع ذكر أمثلة لها ؟
ج : هي كثيرة من ذلك : المتفق عليه عند الشيخين مقدم على غيره عند التعارض ، ومن ذلك : أن يتفق على رفع أحد الخبرين ويختلف في رفع الآخر ووقفه : كما رجح عامة أهل الحديث "حديث عمار في اليتيم ضربة للوجه والكفين" على حديث جابر وابن عمر في أنه "ضربتان للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" . للاتفاق على رفع حديث عمار في "الصحيحين" وغيرهما ، بخلاف حديث جابر وابن عمر فإنه لم يتفق على ثبوت رفعهما بل الصواب فيهما الوقف ، فرجح حديث عمار من حيث الصحة والرفع .(1/44)
ومن ذلك كون الراوي لأحدهما قد روى عنه خلافه فيتعارض روايتاه ويبقى الآخر سليماً عن المعارضة : كحديث أم سلمة : "لا يحرم من الرضاع غلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام" مع حديث عائشة في "الصحيحين" : "أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم محتجة بحديث سالم مولى أبي حذيفة حيث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبي حذيفة أن ترضعه وكان كبيراً وكان يدخل عليها بتلك الرضاعة" فتعارض الحديثان لكن ثبت عن عائشة في "الصحيحين" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : "انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة" فتعارض روايتا عائشة وبقى حديث أم سلمة سليماً من المعارضة فرجح ، وهذا هو مذهب الجمهور وهم الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة والأكابر من الصحابة وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى عائشة رضي الله عنهن ورأوا حديث سالم المتقدم من الخصائص ومن ذلك تقديم الخاص على العام ، والمطلق على المقيد ، والمنطوق على المفهوم ، وغير ذلك .
39 : ما هي الأمور المرجحة التي ترجع إلى المدلول مع التمثيل ؟
ج : هي كثيرة من ذلك : المثبت مقدم على النافي" : كتقديم حديث بلال في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جوف الكعبة وكان يومئذ بوابه حيث قال : "جعل عموداً عن يساره ، وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى" ، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "أنه - صلى الله عليه وسلم - حين دخل الكعبة صلى : ركعتين" فَقُدِما على حديث ابن عباس رضي الله عنهما : "أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زوايه ثم خرج ولم يصل فيه" لكون النافي محتملاً لأن يكون خفى عليه الأمر وعلمه غيره والمثبت لا يحتمل غير اليقين .(1/45)
ومن ذلك : تقديم الحظر على الإباحة : كحديث أبي داود : "أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال : ما فوق الإزار" مع حديث مسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فهو يدل بمفهومه على حل الاستمتاع بما بين السرة والركبة والأول يحرمه وإن كان ضعفه أبو داود فإن عنه غنية بما في "الصحيح" : "من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه بالاتزار عند إرادة المباشرة في الحيض" ولحديث : "من رعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" . فرجح الجمهور التحريم احتياطاً .
ومن ذلك : المقرر للأصل مقدم على الناقل عنه إلا بقرينة وغير ذلك .
40 : ما هي الأمور المرجحة الراجحة إلى أمر خارج مع التمثيل ؟
ج : من ذلك كون أحدهما أشبه بظاهر القرآن دون الآخر فإنه يقدم عليه كما قُدِمَ "حديث التغليس بالفجر" على "حديث الأسفار" أنْ حُمِل على الأسفار في عرف الفقهاء لموافقة حديث التغليس عموم قوله عز وجل { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } الآية وقوله تعالى : { حافظوا على الصلوة الوسطى } فإن من صلى الصلاة في أول وقتها أولى بالمحافظة عليها وأشد مسارعة إلى مغفرة ربه ممن أخر وقتها بلاشك ولا مرية ، أما إذا حمل الإسفار على ما ذكره المفسرون في قوله عز وجل : { والصبح إذا أسفر } أي ظهر وتَبَيّن وأضاء وأشرق فلا معارضة بين الحديثين حينئذ ولا أراه إلا أرجح الاحتمالين في معنى الأسفار والله أعلم . ومثله : ترجيح ما عضده دليل آخر على مالم يعضده ومن ذلك : تقديم القول على الفعل ، لكون الفعل يحتمل التشريع والاختصاص ، والقول لا يحتمل غير التشريع . إلى غير ذلك من المرجحات ومحلها كتب الأصول فليرجع إليها والله أعلم .
41 : ما معنى التوقف وما المراد به ؟(1/46)
ج : التوقف هو عدم الحكم على واحد من الحديثين المتعارضين بشيء [ من الأحكام ] الثلاثة السابقة عند عدم إمكان شيء منها ، والمراد به إنما هو توقف المعتبر بالنسبة إليه في الحالة الراهنة لأن خفاء ذلك إنما هو عليه في تلك الحالة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه ، أو يظهر له في غير تلك الحالة أما كون نصين شرعيين متعارضين عطلا عن العمل بشيء منهما لأجل التعارض فممنوع قطعاً لأن نصوص الشارع يصدق بعضها بعضاً لا يكذبه ، فأما أن يكون الخبرين مكذوباً على الشارع - صلى الله عليه وسلم - ، وإلا لزم واحد من الأحكام الثلاثة : الجمع أو النسخ أو الترجيح ولابد والله أعلم .
ثَانِياً : مَبَاحِثُ الْمَردودِ
42 : ما هو المردود وما ضابط أسباب الرد ؟
ج : المردود هو : ما فقد شرطاً من شروط القبول الستة ، وضابط أسبابه : سقط في إسناد أو طعن في راو .
43 : كم أقسام السقط وما هي ؟
ج : خمسة وهي : المعلق ، والمرسل ، والمعضل ، والمنقطع والمدلس .
44 : ما هو المعلق وما سبب ذكره في باب المردود وما حكمه ؟(1/47)
ج : هو ما كان السقط فيه من مبادئ السند من تصرف مصنف ، ومن صوره : أن يحذف جميع السند ويقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً – ومنها : أن يحذف إلا الصحابي أو إلا الصحابي والتابعي معاً ومنها : أن يحذف من حدثه ويضيفه إلى من فوقه ، فإن كان من فوقه شيخاً لذلك المصنف فقد اختلف فيه هل يسمى تعليقاً أولا ؟ والصحيح في هذا التفصيل فإن عُرِفَ بالنصِ أو الاستقراء أن فاعل ذلك مدلِّس قضى به وإلاّ فتعليق . وسبب ذكره في باب المردود هو الجهل بحال المحذوف ، وقد يحكم بصحته إن عرف ؛ بأن يجيء مسمى من وجه آخر ، فإن قال : جميع من أحذفه ثقات جاءت مسألة التعديل على الإبهام وعند الجمهور لا يقبل حتى يُسمى ، وهذا حكمه إذا وجد في كتاب لم تلتزم صحته ، أما إذا وجد في كتاب التزمت صحته كالبخاري ، فقال النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "ما كان منه بصيغة الجزم : كقال وفعل وأمر وروى وذكر معروفاً فهو حكم بصحته عن المضاف إليه ، وما ليس فيه جزم : كيروى ويذكر ويحكى ويقال وحكى عن فلان وروي وذكر مجهولاً فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه ، ومع ذلك فإيراده في كتاب الصحيح مشعر بصحة أصله إشعار يؤنس به ويركن إليه وعلى المدقق إذا رام الاستدلال به أن ينظر في سنده وحال رجاله ليرى صلاحيته للحجة وعدمها" وقريب من هذا قول شيخه ابن الصلاح –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
45 : ما هو المرسل وما سبب عده في قسم المردود وما حكمه ؟(1/48)
ج: المرسل هو : ما كان السقط فيه فوق التابعي ، كأن يقول التابعي مثلاً : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا . وسبب عده في قسم المردود الجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون صحابياً ويحتمل أن يكون تابعياً ، وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفاً ويحتمل أن يكون ثقة ؛ وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمل عن صحابي ويحتمل أن يكون ثقة ؛ وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمل عن تابعي ، وعلى الثاني فيعود الاحتمال الأول ؛ أما بالتجويز العقلي فإلى ما لا نهاية له ، وأما بالاستقراء فإلى ستة أو سبعة وهو أكثر ما وجد من رواية التابعي عن التابعي ؛ وفي حكمه ثلاثة مذاهب : المذهب الأول التوقف ورد العمل به حكاه النووي عن جماهير المحدثين ، قال : ودليلنا في رد العمل به أنه إذا كانت رواية المجهول المسمى لا تقبل لجهالة حالة فرواية المرسل أولى لأنه المروى عنه محذوف مجهول العين والحال . المذهب الثاني الاحتجاج به مطلقاً وهذا المذهب نقل عن مالك وأبي حنيفة وأحمد في رواية حكاه النووي وابن القيم وابن كثير ، قالوا : وحجة الجواز أن سكوت الراوي عنه مع عدالة الساكت وعلمه أن روايته يترتب عليها شرع عام فيقتضي ذلك أنه ما سكت عنه إلا وقد جزم بعدالته فسكوته عنه كإخباره بعدالته وهو لو زَكَّاهُ عندنا قبلنا تزكيته وقبلنا روايته فكذلك سكوته عنه .(1/49)
المذهب الثالث : التفصيل وهذا المذهب مروي عن كثير من الأئمة وهو الاحتجاح بالمرسل بملاحظات دققوا فيها ، منهم الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قال : واحتجُ بمرسل التابعين إذا أسند من جهة أخرى أو أرسله من أخذ عن غير رجال الأول ، أو وافق قول الصحابي أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه . ذكره الإمام النووي- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وذكر البيهقي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- نص الشافعي كما قدمته قال : قال الإمام الشافعي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- نقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها ، فإن لم ينضم لم نقبلها سواء كان مرسل ابن المسيب أو غيره .
46 : ما مثال المرسل المقبول على ما اشترطه الإمام الشافعي ومن معه ؟(1/50)
ج : مثاله ما رَوَاهُ الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في "مختصر المزني" قال : أخبرنا مالك عن يزيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع اللحم بالحيوان" . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضي الله عنه فجاء رجل بعناق فقال : أعطوني جزءاً بهذه العناق . فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا يصلح هذا . وكان القاسم بن محمد وابن المسيب وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبدالرحمن يحرمون بيع اللحم بالحيوان . قال: وبهذا نأخذ ولا نعلم أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالف أبا بكر الصديق رضي الله عنه وإرسال ابن المسيب عندنا حسن" انتهى وروى البيهقي من طريق البيهقي من طريق الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة قال : قدمت المدينة فوجدت جزورا قد جزرت فجزئت أربعة أجزاء كل جزء بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءاً فقال لي رجل من أهل المدينة : إنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يباع حتى بميت فسألت عن ذلك الرجل فأُخْبِرتُ عنه خبراً" ورَوَاهُ من حديث الحسن عن سمرة عنه - صلى الله عليه وسلم - فقد اجتمعت في هذا الحديث جميع الأمور التي قيدوا قبول المرسل بوجود واحد منها فصلح مثالاً للكل ولله الحمد والمنة .
46 : ما مثال المرسل المقبول على ما اشترطه الإمام الشافعي ومن معه ؟(1/51)
ج : مثاله ما رَوَاهُ الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في "مختصر المزني" قال : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع اللحم بالحيوان" . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن جزوراً نحرت على عهد أبي بكر رضي الله عنه فجاء رجل بعناق فقال : أعطوني جزءاً بهذه العناق . فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا يصلح هذا . وكان القاسم بن محمد وابن المسيب وعروة بن الزبير وأبوبكر بن عبدالرحمن يحرمون بيع اللحم بالحيوان . قال : وبهذا نأخذ ولا نعلم أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالف أبا بكر الصديق رضي الله عنه وإرسال ابن المسيب عندنا حسن" انتهى وروى البيهقي من طريق البيهقي من طريق الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة قال : قدمت المدينة فوجدت جزوراً قد جزرت فجزئت أربعة أجزاء كل جزء بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءاً فقال لي رجل من أهل المدينة : إنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يباع حتى بميت فسألت عن ذلك الرجل فأُخْبِرْتُ عنه خبرا" ورَوَاهُ من حديث الحسن عن سمرة عنه - صلى الله عليه وسلم - فقد اجتمعت في هذا الحديث جميع الأمور التي قيدوا قبول المرسل بوجود واحد منها فصلح مثالاً للكل ولله الحمد والمنة .
47 : من أكثر من تروى عنهم المراسيل من أهل البلدان ؟
ج : قال الحاكم رحمه الله في "علوم الحديث" : "أكثر ما تروي المراسيل الاحتجاج به مطلقاً وهذا المذهب نقل عن مالك وأبي حنيفة وأحمد في رواية حكاه النووي وابن القيم وابن كثير ، قالوا : وحجة الجواز أن سكوت الراوي عنه مع عدالة الساكت وعلمه أن روايته بترتب عليها شرع عام فيقتضي ذلك أنه ما سكت عنه إلا وقد جزم بعدالته فسكوته عنه كإخباره بعدالته وهو لو زَكَّاهُ عندنا قبلنا تزكيته وقبلنا روايته فكذلك سكوته عنه .(1/52)
المذهب الثالث : التفصيل وهذا المذهب مروي عن كثير من الأئمة وهو الاحتجاج بالمرسل بملاحظات دققوا فيها ، منهم الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قال : وأحتجُ بمرسل التابعين إذا أسند من جهة أخرى أو أرسله من أخذ عن غير رجال الأول ، أو وافق قول الصحابي أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه . ذكر الإمام النووي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وذكر البيهقي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- نص الشافعي كما قدمته قال : قال الإمام الشافعي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- نقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها ، فإن لم ينضم لم نقبلها سواء كان مرسل ابن المسيب أو غيره .
48 : ما حكم مرسل الصحابي ؟
ج : قال النووي رحمه الله : "ما تقدم من الخلاف في المرسل كله في غير مرسل الصحابي أما مرسل الصحابي كإخباره عن شيء فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نحوه مما يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو لتأخر إسلامه أو غير ذلك فالمذهب الصحيح المشهور الذي قطع به جمهور أصحابنا وجماهير أهل العلم أنه حجة وأطبق المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بأن المرسل ليس بحجة على الإحتجاج به وإدخاله في الصحيح وفي صحيحي البخاري ومسلم من هذا ما لا يحصى" .
49 : هل للمرسل مراتب بعضها أعلى من بعض مع بيان ذلك ؟
ج: نعم للمرسل مراتب : أعلاها ما أرسله صحابي ثبت سماعه ، ثم صحابي له رؤية فقط ولم يثبت سماعه ، ثم المخضرم ، ثم المتقن من كبار التابعين كابن المسيب لأنه من أولاد الصحابة ، ويقال إنه أدرك العشرة وكان فقيه أهل الحجاز ومفتيهم وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم كإجماع كافة الناس وقد تأمل المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره ويليها من كان يتحرى في شيوخه كالشعبي ومجاهد ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن.
50 : ما هو المُعضَل ولم ذكر في المردود وما حكمه ؟(1/53)
ج : المُعضَل هو : ما كان السقط فيه وسط السند اثنان فصاعداً ، كالشافعي عن مالك عن أبي هريرة بإسقاط أبي الزناد والأعرج ، فخرج بقولنا : من وسط السند ، المعلق والمرسل ، وبقولنا : اثنان فصاعداً يخرج المنقطع من موضع واحد ، وبقولنا : على التوالي يخرج المنقطع من مواضع . وذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف ، وحكمه الرد حتى يسمى المحذوف ، ونقل ابن الصلاح –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عن الحاكم –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : أن من المعضل حذف الصحابي والنبي - صلى الله عليه وسلم - ووقف المتن على التابعي ومثل له بما روى الأعمش عن الشعبي قال : "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه" الحديث أعضله الأعمش . ووصله فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس رضي الله عنه قال : "كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - " فذكر الحديث ، وشرط ابن حجر لذلك شرطين : كونه مما تجوز نسبته إلي غيره - صلى الله عليه وسلم - ليخرج المرسل ، وكونه مسنداً من طريق من وقفه ليخرج الموقوف والله أعلم .
51 : ما هو المنقطع ولم ذكر في المردود وما حكمه ؟
ج : المنقطع هو : ما كان السقط فيه من وسط السند من موضع أو أكثر بشرط عدم التوالي ليخرج المعضل كما تقدم وبشرط الوضوح ككون الراوي لم يعاصر من روى عنه ليخرج المدلس بالحذف والمرسل الخفي كما سيأتي وفي سبب ذكره في المردود وحكمه ما تقدم .
52 : ما هو التدليس ؟ وكم أقسامه ولم ذكر في المردود وما حكمه وما حكم من عرف به ؟(1/54)
ج : التدليس معناه : التلبيس والتغطية مشتق مِنْ الدَّلَسِ – بفتحتين- وهو الظلام لأن الظلمة تغطى ما فيها وكذلك المدلس يغطي المروي عنه بحدفه أو إبهامه . وهو قسمان : الأول تدليس الإسناد وهو بالحذف ، وتعريفه : كما قال البزار وابن القطان رحمهما الله تعالى أن يروي عمن سمع منه مالم يسمعه موهماً أنه سمعه منه ، ويرد بصيغة تحتمل اللقي وعدمه : كعن وقال وأن ، ومتى ورد بصيغة صريحة لا تجوز فيها كان كذباً ، وفيه أنواع : منها تدليس القطع وهو : السكوت بين صيغة الأداء في الرواية وبين المروي عنه ، ومثل له ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : بما رَوَاهُ ابن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي : "إنه كان يقول : حدثنا ثم يسكت وينوي القطع ثم يقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها" . ومنه تدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث عن شيخ له ويعطف عليه شيخاً آخر لم يسمع ذلك المروي منه مثاله ما رَوَاهُ الحاكم في "علوم الحديث" : "قال : اجتمع أصحاب هشيم فقالوا : لا نكتب عنه اليوم شيئاً مما يدلسه : ففطن لذلك فلما جلس قال : حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم وساق عدة أحاديث فلما فرغ قال : هل دلست عليكم شيئاً ؟ فقالوا : لا . فقال : بلى ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئاً" . ومع ذلك فهو محمول على أنه نوى القطع . ومن ذلك تدليس التسوية وهو : أن يروي حديثاً عن ضعيف بين ثقتين لقى أحدهما الآخر فيسقط الضعيف ويروى الحديث عن شيخه الثقة الثاني بلفظ محتمل فيستوى الإسناد كله ثقات ، ذكر هذا القسم الحافظ ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وهو شر الأقسام لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفاً بالتدليس ويجده الواقف على السند بعد التسوية قد رَوَاهُ عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفيه غرر شديد قال وممن كان يفعل ذلك بقية بن الوليد كما ذكره ابن أبي حاتم ، والوليد بن مسلم كما ذكره أبو مسهر.(1/55)
الثاني : تدليس الشيوخ بالإبهام وهو أن يصف شيخه أو شيخ شيخه بغير ما اشتهر من اسم أو كنية أو لقب أو نسبة إلى قبيلة أو بلدة أو صنعة أو نحوها كي يوعر معرفة الطريق على السامع منه كقول أبي بكر بن مجاهد المقري : حدثنا عَبْد اللهِ بن أبي عَبْد اللهِ ، يريد به عَبْد اللهِ بن أبي داود السجستاني ، ويختلف الحال في كراهة هذا النوع باختلاف القصد الحامل عليه ، ويختلف الحال في كراهة هذا النوع باختلاف القصد الحامل عليه ، فَشَرُّه إذا كان الحامل على الوصف بما ذكر ضعف ذلك المروي عنه فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء لتضمنه الخيانة والغش ، وذلك حرام هنا وفيما مر حيث لم يكن الراوي عنه ثقة عند المدلس ، وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه أصغر سناً من المدلس أو أكبر لكن بيسير ، أو بكثير لكن تأخر موته حتى شاركه في الأخذ عنه من هو دونه ، وقد يكون لإيهام كثرة الشيوخ بأن يروي عن الشيخ الواحد في مواضع بصفة وفي مواضع بأخرى ليوهم أنه غيره ، وبالجملة فالتدليس بقسميه مكروه جداً وقد ذمه أكثر العلماء ويثبت بمرة واحدة ، وحكم المدلس إذا كان ثقة أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع ، قال الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : من عرف بالتدليس مرة واحدة لا يقبل منه ما يقبل من أهل النصيحة في الصدق حتى يقول : حدثني أو سمعت ا هـ . قلت : وهذا في تدليس الإسناد ، وأما في تدليس الشيوخ فيكون رواية عن مجهول فحكمه أن لا يقبل خبره حتى يعرف من روى عنه فإن كان ثقة قبل وإلا ردّ والله تعالى أعلم .
53 : ما الفرق بين المدلس والمرسل الخفي ؟(1/56)
ج: قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في "شرح النخبة" : "والفرق بين المدلس والمرسل الخفي دقيق حصل تحريره بما ذكر هنا وهو : أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه فأما أن عاصره ولم يعرف أن لقيه فهو المرسل الخفي ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقى لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه والصواب التفرقة بينهما ، ويدل على أن اعتبار اللقى في التدليس دون المعاصرة وحدها لا بدمنه ، بإطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس ولو كان مجرد المعاصرة يكتفي به في التدليس لكان هؤلاء مدلسين ، لأنهم عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعاً ولكن لم يعرف هل لقوة أم لا ؟؛ وممن قال باشتراط اللقى في التدليس الإمام الشافعي وأبو بكر البزار وكلام الخطيب في "الكفاية" يقتضيه وهو المعتمد ، ويعرف عدم الملاقاة بإخباره عن نفسه بذلك أو يجزم إمام مطلع ولا يكفي أن يقع في بعض الطرق زيادة راو أو أكثر بينهما الاحتمال أن يكون من المزيد ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلى لتعارض احتمال الاتصال والإنقطاع وقد صنف فيه الخطيب كتاب "التفصيل لمبهم المراسيل" وكتاب "المزيد في متصل الأسانيد" .
54 : كم الأسباب الموجبة للطعن وعلى كم قسم تنقسم وكيف ترتيبها على الأشد فالأشد ؟
ج : أسباب الطعن عشرة أشياء وهي : قسمان ، خمسة تتعلق بالعدالة ، وهي كذب الراوي أو تهمته بذلك أو فسقه أو بدعته أو جهالته ، وخمسة تتعلق بالضبط وهي : الوهم وفحش الغلط ، والغفلة ، والمخالفة للثقات وسوء الحفظ ، وترتيبها على الأشد هكذا (كذب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو غفلته ، أو فسقه أو وهمه أو ومخالفته أو جهالته أو بدعته أو سوء حفظه) ا هـ "نخبة" .(1/57)
55 : ما حكم حديث من عرف بالكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وما هي القرائن التي يعرف بها الوضع ؟ ومن أين يؤخذ المتن الموضوع ؟ وما الحامل للواضع على ذلك ؟ وما حكم الوضع ورواية الموضوع ؟
ج: يقال لحديث من طعن فيه بهذا الطعن وهو : الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الموضوع) . والحكم عليه بالوضع إنما هو بالظن الغالب إذ قد يصدق الكذوب، لكن لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاماً وذهنه ثاقباً وفهمه قوياً ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة . كما قال الربيع بن خثيم التابعي الجليل : "إن للحديث ضوءاً كضوء النهار يعرف لغيره ، وظلمة كظلمة الليل تنكر" . وقد يعرف الوضع واضعه : "كما قيل لأبي عصمة ابن أبي مريم المروزي : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل السور سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ فقال : إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة" وقد يدرك بقرائن أخرى منها ما يؤخذ من حال الرواي كغالب رواية الرافضة في فضائل أهل البي كما رُولا عن الزهري عن عبيد بن عَبْد اللهِ عن ابن عباس قال نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علي رضي الله عنه فقال : "أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة ومن أحبك فقد أحبني وحبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك يعدي" وأصله أنه كان لمعمر ابن أخ رافضي فدس في كتب معمر هذا الحديث فحدث به عبدالرزاق عن معمر عن الزهري الخ وهو باطل موضوع كما قاله ابن معين رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى .(1/58)
ومنها : ما يعرف من حال المروي كمخالفته للكتاب أو صحيح السنة أو الإجماع القطعي أو العقل السليم من ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال : كنت عند سعد بن ظريف فجاء ابنه من الكتَّاب يبكي ، قال : مالك ؟ قال : ضربني المعلم ! قال : لأخزينهم اليوم ، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً "معلموا صبيانكم شراركم أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المسلمين" . فإن الكتاب والسنة يأمران بتعلم العلم وتعليمه والإجماع منعقد على ذلك والعقل السليم لا يوافق على كون معلمي الناس الخير هم شرهم وأغلظهم على المسلمين ، بل هم خيرهم وأرأفهم بهم وأشفقهم وأحناهم عليهم ، وكالإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير كخبر : "من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهو في النار أربعين خريفاً" . وكذا الوعد العظيم على فعل الشيء الحقير كخبر : "لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع" ومنها : ما يؤخذ من حال الراوي والمروي جميعاً : كما وقع للمأمون بن أحمد المشهور بالوضع أنه ذكر عند الخلاف في كون الحسن سمع من أبي هريرة أو لا فساق في الحال إسناداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قال : "سمع الحسن من أبي هريرة" . وأما المتن المروي فتارة يخترعه الواضع من عند نفسه : كخبر المأمون هذا . وتارة يأخذ من كلام غيره : كبعض السلف الصالح أو بعض الإسرائليات ، كخبر : "حب الدنيا رأس كل خطيئة" قال العراقي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : هو إما من كلام مالك ابن دينار كما رَوَاهُ ابن أبي الدنيا بإسناده إليه ، أو من كلام عيسى كما رَوَاهُ البيهقي في "الزهد" أو قدماء الحكماء : كخبر : "المعدة رأس كل داء والحمية رأس كل دواء" قيل : إنه للحارث بن كلدة طبيب العرب . أو يأخذ حديثاً ضعيف الإسناد فيركب له إسناداً صحيحاً ليَرُوج .(1/59)
أو يأخذ حديثاً صحيح الإسناد ويزيد فيه كذباً من عند نفسه : كفعل محمد بن سعيد الشامي حيث روى عن حميد عن أنس مرفوعاً : " أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله" . وضع هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة والدعوة إلى التنبئ" . والحامل للواضع على الوضع إما عدم الدين كالزنادقة إذ وضعوا أربعة عشر ألف حديث كما ذكره حماد بن زيد ورَوَاهُ العقيلي . منهم : عبدالكريم بن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي ، قال ابن عدي : "لما أخذ ليضرب عنقه قال وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل فيها الحرام" . ومنهم : بيان بن سمعان النهدي الذي قتله خالد القسرى وأحرقه بالنار ، ومنهم : محمد سعيد الشامي المصلوب . المتقدم ذكره . وغالب مقاصدهم إفساد الدين ولهذا يوجد في موضوعاتهم الكفر البواح كالاستثناء المتقدم وغيره مالا يحصى ، وبعضهم لنصر رأيه كالخطابية والرافضة وغيرهم من المبتدعة روى ابن أبي حاتم عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعد ما تاب : انظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً" –زاد غيره في رواية- "ونحتسب الخير في إضلالكم" . وقال حماد بن سلمة : أخبرني شيخ من الرافضة : "أن كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث" . وقال الحاكم : كان محمد بن القاسم الطايكاني من رؤوس المرجئة وكان يضع الحديث على مذهبهم أو فرط العصبية كبعض المقلدين كما قيل لمأمون بن أحمد الهروي : ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان ؟(1/60)
فقال : حدثنا أحمد بن عبيد الله حدثنا عَبْد اللهِ بن معدان الأزدي عن أنس مرفوعاً : "يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس . ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي". أو غلبة الجهل كبعض المتعبدين كما قيل : إن أبا داود النخعي كان أطول الناس قياماً بليل وأكثرهم صياماً بنهار وكان يضع . وإن وهب بن حفص مكث عشرين سنة لا يكلم أحداً لاشتغاله بالعبادة وكان يكذب كذباً فاحشاً . أو اتباع هوى بعض الرؤساء والأمراء تقرباً إليهم بوضع ما يوافق فعلهم ، كما فعل غياث بن إبراهيم حيث دخل على المهدي فوجده يلعب بالحمام فساق في الحال إسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح" فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم فلما خرج قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو جناح ، وأمر بذبح الحمام وترك ما كان عليه ، وقال : أنا الذي حملته على ذلك" أو الإغراب لقصد الاشتهار . أو حسبة كالصوفية الذين وضعوا في فضائل العبادات وفضائل السور كما تقدم ، وموضوعاتهم شر الموضوعات لكثرة الاغترار بها ولحسن الظن بهم ممن لا يعرفهم وغير ذلك من المقاصد الفاسدة وكل ذلك حرام بإجماع من يعتد به إلا أن بعض الكرامية وبعض المتصوفة نقل عنهم إباحة الوضع في الترغيب والترهيب وهو خطأ من قائله نشأ عن جهل لأن الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية .(1/61)
واتفقوا على أن تعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر لحديث : "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وبالغ أبو محمد الجويني فكفر من تعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعله أراد بذلك من استحله ، واتفقوا على تحريم رواية الموضوع إلا مقروناً ببيانه لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من حدث عني بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين" . وبالجملة فوضع الحديث أضر ضرر على الدين وأشد خطر على المسلمين ، وأعظم جرأة على انتهاك حرمة سنة سيد المرسلين وأكبر مكيدة كادها للعباد حزب إبليس اللعين ، وأعظم من ذلك أن قد أباحها جهلة المعتدين فليت شعري ما الذي ألجأهم إلى الافتراء على الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - وحملهم عليه وما الذي عدل بهم إلى ذلك واضطرهم إليه ، أوجدوا في الدين نقص فيكملونه ، أو بقي فيه إجمال فيفصلونه ، أم رأوا فيه إشكالاً فيحلونه أليست ثمار الوحي المبين قد دنت للجاني قطوفها الينيعة ، أو ليست السنن الثابتة الصحيحة قد سطعت أنوار شموسها في سماء الشريعة ، { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } .
• شرح حديث : (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) : قال النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في (شرح مسلم) : ( اعلم أن هذا الحديث يشتمل على فوائد وجمل من القواعد إحداها : تقرير هذه القاعدة لأهل السنة أن الكذب يتناول إخبار العامد والساهي عن الشيء بخلاف ما هو عليه . الثانية: تعظيم تحريم الكذب إلا أن يستحله هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف ، وقال الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي من أئمة أصحابنا : يكفر بتعمد الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - حكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب وأنه كان يقول في دروسه كثيراً : من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمداً كفر وأريق دمه .(1/62)
وضعف إمام الحرمين هذا القول ، وقال : إنه لم يره لأحد من الأصحاب وأنه هفوة عظيمة ، والصواب ما قدمناه عن الجمهور والله أعلم" . قلت : ولا مانع من حمل كلام الجويني على من فعل ذلك مستحلاً كما قدمته أ.هـ. قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "ثم إن من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمداً في حديث واحد فسق وردت روايته كلها وبطل الاحتجاج بجميعها فلو تاب وحسنت توبته فقد قال جماعة من العلماء منهم : أحمد بن حنبل ، وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي ، وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعيين وأصحاب الوجوه منهم ومتقدميهم في الأصول والفروع : لا تؤثر توبته في ذلك ولا تقبل روايته أبداً ، بل يتحتم جرحه دائماً . وأطلق الصيرفي وقال : كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قوياً بعد ذلك ، قال : وذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة ولم أر دليلاً لمذهب هؤلاء ، ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظاً وزجراً بليغاً عن الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - لعظم مفسدته فإنه يصير شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة فإن مفسدتها قاصرة ليست عامة . ثم قال –رحمه الله-: قلت : وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية والمختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة وهي : الاقلاع عن المعصية والندم فعلها ، والعزم على أن لا يعود إليها ، فهذا هو الجاري على قواعد الشرع وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافراً فأسلم وأكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة وأجمعوا على قبول شهادته ولا فرق بين الشهادة والرواية في هذا والله أعلم .(1/63)
الثالثة : أن لا فرق في تحريم الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك فكله حرام من أكابر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع خلاف للكرامية الطائفة المبتدعة في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب وتابعهم على هذا كثير من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد أو ينسبهم جهلة مثلهم ، وشبهه زعمهم الباطل : أنه جاء في رواية : "من كذب على متعمداً ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار" وزعم بعضهم أن هذا كذب له عليه الصلاة والسلام لا كذب عليه وهذا الذي انتحلوه وفعلوه واستدلوا به غاية الجهل ونهاية الغفلة وأدل دليل على بعدهم من معرفة شيء من قواعد الشرع وقد جمعوا فيه جملاً من الأغاليط اللاقئة بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة الفاسدة . فخالفوا قول الله عز وجل { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً } وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة ، والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور وخالفوا إجماع أهل الحل والعقد وغير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي وإذا نظر في قولهم وجد كذباً على الله عز وجل فإن الله تعالى قال : { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } ومن أ‘جب الأشياء قولهم : إن هذا كذب له . وهذا جهل بلسان العرب وخطاب الشرع فإن كل ذلك عندهم كذب عليه ، وأما الحديث الذي تعلقوا به فأجاب العلماء عنه بأجوبة أحسنها وأخصرها : أن قوله : "ليضل الناس" زيادة باطلة اتفق الحافظ على إبطالها وأنها لا تعرف صحيحة بحال .
الثاني : جواب أبي جعفر الطحاوي : إنها لو صحت لكانت للتاكيد كقوله تعالى : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس } .(1/64)
الثالث : أن اللام في "ليضل" ليست لام التعليل بل هي لام الصيرورة والعاقبة معناه : أن عاقبة كذبهم ومصيره إلى الإضلال والعاقبة معناه : أن عاقبة كذبهم ومصيره إلى الإضلال به كقوله تعالى { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } ونظائره في القرآن وكلام العرب أكثر من أن تحصر وعلى هذا يكون معناه أنه يصير أمر كذبه إضلالاً وعلى الجملة فمذهبهم أرَكُّ من أن يعتني بإيراده وأبعد من أن يهتم بإبعاده وأفسده من أن يحتاج إلى إفساد والله أعلم .(1/65)
الرابعة : يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعاً أو غلب على ظنه وضعه فهو داخل في هذا الوعيد ، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدل عليه أيضاً الحديث السابق "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ولهذا قال العلماء : ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره أن ينظر فإن كان صحيحاً أو حسناً قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو فعله أو نحو ذلك من صيغ الجزم وإن كان ضعيفاً فلا يقل : قال أو فعل أو أمر أو نهي وشبه ذلك من صيغ الجزم بل يقول : روى عنه كذا أو جاء عنه كذا أو يروي أو يذكر أو يحكي أو يقال أو بلغنا وما أشبه والله سبحانه وتعالى أعلم قال : وينبغي لقارئ الحديث أن يعرف من النحو واللغة وأسماء الرجال ما يسلم به من قوله ما لم يقل ، وإذا صح في الرواية ما يعلم أنه خطأ فالصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف أنه يرويه على الصواب ولا يغيره في الكتاب لكن يكتب في الحاشية أنه وقع في الرواية كذا . وأن الصواب خلافه وهو كذا ويقول عند الرواية : كذا وقع في هذا الحديث أو في روايتنا ؛ والصواب كذا فهذا أجمع للمصلحة فقد يعتقده خطأ ويكون له وجه يعرفه غيره ، ولو فتح باب تغيير الكتاب لتاجسر عليه غير أهله . قال العلماء : وينبغي للراوي وقارئ الحديث إذ إشتبه عليه لفظه فقرأها على الشك أن يقول عقيبه : أو كما قال" أ . هـ . والله أعلم .
56 : ما معنى الاتهام بالكذب ؟ وما يقال للحديث المطعون في أحد رواته بذلك وما مثاله ؟(1/66)
ج : معنى ذلك أن لا يروي ذلك الحديث إلا من جهته ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة وكذا من عرف بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي ، وهذا دون الأول ويقال له المتروك ، لإجماعهم على ضعف روايته ، ومن أمثلته مرويات صدقة الدقيقي عن فرقد عن مرة عن أبي بكر الصديق وعمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي والله أعلم.
57 : ما معنى فحش الغلط والغفلة والفسق ؟ وما يقال لحديث وجد فيه شيء من ذلك ؟(1/67)
ج : معنى فحش الغلط كثرته ومعنى الغفلة : الغفلة عن الإتقان ، ومعنى الفسق هنا : الفسق بالقول والفعل مما لم يبلغ الكفر ، وأما الفسق بالمعتقد فسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه، ويقال لحديث من فحش غلطه أو كثر غفلته أو ظهر فسقه : المنكر ، على رأى من لم يشترط في المنكر قيد المخالفة كما عرّفه غير واحد بقولهم : المنكر هو الحديث الفرد الذي لا يعرف متنه من غير رواية ، وكان راويه بعيداً عن درجة الضابط ومثلوا له كما في الزرقاني بما رَوَاهُ النسائي وابن ماجة من رواية أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً : "كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان" الخ الحديث . فهذا الحديث منكر كما قال النسائي وابن الصلاح وغيرهما فإن أبا زكير تفرد به ولم يبلغ رتبة من يحتمل تفرده ، وأما من اشترط في المنكر قيد المخالفة فعرّفه بما خالف فيه الضعيف الثقات . ومثل له ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بما رَوَاهُ ابن أبي حاتم من طريق حبيب ابن أخي حمزة بن حبيب المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس مرفوعاً : "من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة" قال أبو حاتم : "هو منكر لأن غيره من الثقات رَوَاهُ موقوفاً وهو المعروف" قال : "فَعُرِفَ بهذا أن بين المنكر الشاذ عموماً وخصوصاً من وجه لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة وافتراقاً في أن الشاذ واويه ثقة أو صدوق ، والمنكر راويه ضعيف وقد غفل من سوى بينهما" .
58 : ما معنى الوهم وما حكمه وبم يطلع عليه وما يقال لذلك المروي ؟(1/68)
ج : معنى الوهم : أن يروي على سبيا التوهم ، وحكمه إن أطلع عليه بالقرائن الدالة على وهم روايه من رفع موقوف أو وصل مرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث أو نحو ذلك من الأشياء القادحة ، قدح به في صحة الحديث بحسب تلك العلة ، وتحصل معرفة ذلك بكثرة التتبع وجمع الطرق ، ويقال له : المعلل والمعل ، وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها وذلك لأن ظاهره السلامة فلا يطلع على العلة إلا بعد التفتيش ، ولا يقوم بذلك إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقباً وحفظاً واسعاً ومعرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد والمتون ، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني رحمهم الله تعالى ؛ وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم ، ثم العلة : قد تقع في السند وهو الغالب ، وقد تقع في المتن ، والعلة في السند قد تكون قادحة وقد تكون غير قادحة ، فمثال العلة القادحة في السند : حديث ابن جريح في الترمذي وغيره عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً "من جلس مجلساً فكثر غيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك" الخ الحديث ، فإن موسى ابن إسماعيل رَوَاهُ عن سهيل المذكور عن عون بن عَبْد اللهِ ، وبهذا أعلّه البخاري فقال : هو مروي عن موسى بن إسماعيل وأما موسى بن عقبة فلا يعرف له سماع عن سهيل المذكور . ومثال علة السند التي لا تقدح في صحة المتن : حديث : "البيعان بالخيار" . حيث رَوَاهُ يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر هكذا رَوَاهُ عامة أصحابه كابن دكين ومخلد بن يزيد ومحمد بن يوسف الفريابي وغيرهم لكنها لم تقدح لأن عمراً وعَبْد اللهِ كلاهما ثقة .(1/69)
ومن أمثلة علة المتن القادحة حديث أنس في نفي قراءة البسملة إذا ظن بعض رواته حين سمع قول أنس : "صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" فظن نفي البسملة بذلك الحديث فنقله مصرحاً بظنه عقب ذلك : "فلم يكونوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم" فصار ذلك مرفوعاً والراوي له واهم كما حققه ابن عبد البر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى والمعنى أنهم يقرأون قبل ما يقرأ بعدها لا أنهم يتركون البسملة ، قلت : وهذا كما تقول : قرأ بالرحمن أو باقتربت أو بقاف ونحو ذلك ، فإنك لا تقول : قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ق والله أعلم . وقد نوع الإمام أبو عَبْد اللهِ الحاكم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى العلل إلى عشرة أنواع ممثلاً لها ، وكلها ترجع إلى القسمين الذين ذكرناهما إما في السند أو المتن وقد ألف في العللل مؤلفات أجلها كتاب الحافظ ابن المديني والحافظ ابن ابي حاتم والخلال وأجمعهما كتاب الحافظ أبو الحسن الدارقطني وللحافظ ابن حجرر العسقلاني رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى "الزهر المطول في الخبر المعلول" والله أعلم .
59 : ما معنى المخالفة وكم قسم يدخل تحتها ؟
ج : معنى المخالفة : مخالفة الثقات . ويدخل تحتها أقسام كثيرة وهي : مدرج السند ، ومدرج المتن ، والمقلوب ، والمزيد في متصل الأسانيد ، والمضطر ، والمصَحَّف ، والمحرّف .
60 : ما هو مدرج السند وكم قسم هو وما أمثلته ؟(1/70)
ج : مدرج السند هو : ما كانت المخالفة فيه بتغيير سياق الإسناد . وهو أربعة أقسام الأول : أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف ومن أمثلته حديث ابن مسعود ابن مسعود رضي الله عنه قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" رَوَاهُ الترمذي عن بُنْدَار عن ابن مهدي عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل نعن عَبْد اللهِ رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله الخ الحديث. فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلاً لم يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عَبْد اللهِ ، وإنما ذكره فيه منصور والأعمش وقد بين الإسنادين معاً يحيى القطان في روايته عن سفيان وفصل أحدهما عن الآخر كما في البخاري عن عمرو بن علي عن يحيى عن سفيان عن منصور والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل ، وعن سفيان عن واصل عن أبي وائل عن عَبْد اللهِ من غير ذكر عمرو بن شرحبيل ؛ نعم في النسائي عن واصل عن أبي وائل عن عمرو فزاد في السند عمراً من غير ذكر أحد . قال العرافي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "كأن ابن مهدي لما حدّث عن سفيان عن منصور والأعمش وواصل بإسناد ظن الرواة عن ابن مهدي باتفاق طرقهم فاقتصر على أحد شيوخ سفيان والله أعلم .(1/71)
الثاني : أن يكون المتن عند راو بإسناد إلا طرفاً فإنه عنده بإسناد آخر فيرويه راو عنه تاماً بالإسناد الأول ، ومن أمثلته حديث أبي داود والنسائي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - . وفيه : "ثم جئتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جيد الثياب تتحرك أيديهم تت الثياب" فإن قوله : "ثم جئتهم" ليس بهذا الإسناد بل من رواية عاصم عن عبدالجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل هكذا رَوَاهُ مبيناً زهير بن معاوية ، ورجحه غيره ورجحه موسى بن هارون الحمال وقضى على جمعها بسند واحد بالوهم ، وصوِّبه ابن الصلاح ، ومن هذا القسم أن يسمع الحديث من شيخه إلا طرفاً منه فيسمعه عن شيخه بواسطة فيرويه راو عنه تاماً بحذف تلك الواسطة .
الثالث : أن يكون عند الرواي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما راوٍ عنه مقتصراً على أحد الإسنادين أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص لكن يزيد من المتن الآخر ما ليس في الأول . ومن أمثلته حديث سعيد بن ابي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعاً : "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تنافسوا" الحديث ، فقوله : "ولا تنافسوا" من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد من الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، لا تحسسوا ولا تنافسوا" فادخله ابن أبي مريم في الأول وصيرهما بسند واحد وهو وهم منه كما جزم به الخطيب وصرح هو وغيره بأنه خالف جميع الرواة عن مالك.(1/72)
الرابع : أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد ، كحديث ابن ماجة قال : حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي ثنا ثابت بن موسى أبو يزيد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول - صلى الله عليه وسلم - "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" قال الحاكم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "دخل ثابت ابن موسى على شريك بن عَبْد اللهِ القاضي والمستملي بين يديه وشريك يقول : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسكت ، ليكتب المستملي ، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ، وقصد به ثابت لزهده وورعه ، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد وسرقه منه جماعة ضعفاء" وأخرج البيهقي في "الشعب" : عن محمد بن عبدالرحمن بن كامل قال : قلت لمحمد بن نمير : ما تقول في ثابت بن موسى ؟ قال : شيخ له فضل وإسلام ودين وصلاح وعبادة . قلت : ما تقول في هذا الحديث ؟ قال : غلط من الشيخ ، وأما غير ذلك فلا يتوهم عليه" أ.هـ من "حاشية السندي على ابن ماجة" .
61 : ما هو مدرج المتن وكم قسم هو وما أمثلته وبم يدرك ؟
ج : مدرج المتن هو : أن يقع في المتن متصلاً به كلام ليس منه بل من كلام بعض الرواة ، وأقسامه ثلاثة : الأول : الإدراج في آخر المتن وهو الأكثر ومن أمثلته قول ابن مسعود في حديث تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - له التشهد في الصلاة حيث قال في آخره : "إذا قلت هذا التشهد فقد قضيت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فقد وصله زهير بن معاوية بالحديث المرفوع عند أبي داود ، وفصله عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان وبينّ أنه مدرج من قول ابن مسعود وقد نقل النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى اتفاق الحافظ على أنه مدرج .(1/73)
الثاني : مدرج في أثناء المتن وهو قليل ومن أمثلته مرفوعاً "من مس ذكره أو أنثيته أو رفغه "فليتوضأ" فقد رَوَاهُ عبد بن حميد بن جعفر وغيره عن هشام كذلك. وع أن " الأنثيين والرفغ" إنما هو من قول عروة كما بينه جماعات عن هاشم منهم : أيوب وحماد بن زيد واقتصر كثير من أصحاب هشام على المرفوع وهو : "من مس ذكره فليتوضأ" .(1/74)
الثالث : مدرج في أوله وهو نادر جداً ، ومثاله ما رَوَاهُ الخطيب من طر يق شبابه بن سوار وأبي قطن عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار" هكذا برفع الجملتين ، مع أن الأولى من كلام أبي هريرة كما بينه جمهور الرواة عن شعبة ، ولفظه في صحيح البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن [زياد] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال : "ويل للأعقاب من النار" قال الخطيب : "وهم أبو قطن وشبابة في روايتهما له عن شعبة على ما سبقناه ، وقد رَوَاهُ الجم الغفير عن شعبة كرواية آدم" أ.هـ . على أن اقول أبي هريرة - رضي الله عنه - : "أسبغوا الوضوء" قد ثبت في "الصحيح" مرفوعاً من حديث عَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص.(1/75)
ويدرك الإدراج بورود رواية مفصلة للقدر المدرج مما أدرج فيه كحديث أبي هريرة هذا، أو بالتنصيص على ذلك من الراوي كحديث ابن مسعود رفعه : "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار" فإن فيه في رواية : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أنا أخرى فذكرهما ، [فأفاد ذلك إن إحدى الكلمتين من قول ابن مسعود] ثم وردت رواية [ثالثة] أفادت أن الكلمة التي قالها هي الثانية ، وأكد ذلك رواية رابعة اقتصر فيها على الكلمة الأولى مضافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بالتنصيص عليه من بعض الأئمة المطلعين كحديث "التشهد" وحدث "مس الذكر" المتقدمين ، أو باستحالة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً : "للعبد المملوك أجران ، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك" فقوله : "والذي نفسي بيده" إلى آخره من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - لا يمتنع منه - صلى الله عليه وسلم - أن يتمنى الرق ولأن أمه لم تكن إذ ذاك موجودة حتى يبرها . هذا وللخطيب رحمه الله كتاب سماه "الفصل للوصول المدرج في النقل" ولخصه الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وزاد عليه نحوه مرتين أو أكثر في كتاب سماه "تقريب المنهج بترتيب المدرج" والله أعلم .
62 : ما هو المقلوب وكم قسم هو وما أمثلته ؟(1/76)
ج : هو ما كانت المخالفة فيه بالانعكاس أو الإبدال . وهو ثلاثة أقسام : قلب في السند ، وقلب في المتن . وقلب فيهما معا ، فالقلب في السند قسمان قلب بالتقديم والتأخير في الأسماء كمرة بن كعب وكعب بن مرة فإن اسم أحداهما اسم أبي الآخر ، وقلب بإبدال راو آخر مثاله حديث رَوَاهُ عمر بن خالد الحراني عن حماد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً : "إذا لقيتم المشركين فلا تبدأوهم بالسلام" الحديث . فهذا إسناد مقلوب قلبه حماد بن عمرو أحد المتروكين ليغرب به وإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في "مسلم" ولا يعرف عن الأعمش كما صرح العقيلي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى . والقلب في المتن هو : أن يعطي أحد الشيئين ما اشتهر للآخر ، ومن أمثلته حديث أبي هريرة عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ففيه : "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما في الصحيحين" لأن الإنفاق إنما يعرف لليمين ، ومنه حديث البخاري في باب { إن رحمة الله قريب من المحسنين } عن صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : "اختصمت الجنة والنار إلى ربهما" الحديث ، وفيه : "إنه ينشئ للنار خلقاً" صوابه كما رَوَاهُ في تفسير سورة قاف من طريق عبدالرزاق عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : "فأما الجنة فينشئ الله لها خلقاً" فسبق لفظ الراوي من الجنة إلى النار وصار منقلبا وبهذا جزم ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ومال إليه البلقيني حيث أنكر هذه الرواية واحتج بقوله تعالى : { ولا يظلم ربك أحدا } .(1/77)
قلت ومعنى الآية جاء في كلا الروايتين أعني قوله - صلى الله عليه وسلم - "ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا" ؛ والصواب ذكرها في شأن النار كما في تفسير سورة قاف ؛ وأما في شأن الجنة فهي قلب من الروي والله أعلم . والقلب فيهما معا هو : أن يعمد إلى حديثين كل واحد منهما مروي بسند خاص فيقلب سند هذا لمتن هذا ومتن هذا السند هذا ، ثم قد يقع سهواً وقد يقع عمداً امتحاناً فمثال وقوع ذلك سهواً حديث : "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" فهذا الحديث انقلب سنده على جرير بن حازم سهواً فرَوَاهُ عن ثابت البناتي عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أقيمت الصلاة" إلخ ، إنما هو مشهور بيحيى بن أبي كثير عن عَبْد اللهِ بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند مسلم والنسائي وغيرهما ، لكن جرير لما سمعه من أبي عثمان الصواف يحدث به في مجلس ثابت البناني ظنه عن ثابت عن أنس فرَوَاهُ كذلك ، وقد بيّن ذلك حماد بن زيد فيما رَوَاهُ أبو داود في "المراسيل" عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عنه قال : كنت أنا وجرير عند ثابت فحدث أبو عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عَبْد اللهِ بن أبي قتادة عن أبيه الخ . فظن جرير أنه إنما حدث به عن ثابت عن أنس . ومثال ما وقع عمداً امتحاناً ما وقع لأمير المؤمنين في هذا الفن أبي عَبْد اللهِ محمد بن إسماعيل البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى حين قدم بغداد حيث عمدوا إلى مائة حديث فصير وامتن كل سند منها لسند آخر وسنده لمتن آخر وعينوا عشرة منهم ودفعوا لكل واحد منهم عشرة أحاديث ليلقوها عليه فلما اطمأن المجلس بأهله قام كل واحد منهم وألقى عشرته وكلما ألقى عليه واحد منهم حديثاً قال : لا أعرفه .(1/78)
لا يزيدهم على ذلك ، فالحاذق منهم يقول : فهم الرجل ، والغبي يحكم عليه بعدم الفهم فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى السائل الأول فقال له : سألت عن حديث كذا وصوابه كذا ، وحديث كذا وصوابه كذا ، إلى آخر حديث ثم الباقون كذلك حتى رد كل سند على متنه وكل متن له إلى سنده . فحينئذ أذعنوا له بالفضل وأقروا له بالحفظ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ، قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظاً بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة" . أ.هـ وقد وقع مثل ذلك لكثير : كالعقيلي والنسوي وغيرهما ، وشرط جواز ذلك أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة فلو وقع الإبدال عمداً لا للمصلحة بل للإغتراب واستمر فهو من قسم الموضوع .
63 : ما هو المزيد في متصل الأسانيد ؟ .(1/79)
ج : هو ما كانت المخالفة فيه بزيادة في أثناء الإسناد الذي ظاهره الاتصال ، فمتى كان من لم يزدها اتقن ممن زادها ووقع التصريح بالسماع في موضوع الزيادة كان عدم ذكرها أرجح ، ومتى كان منعنعاً مثلاً أو من زادها أتقن ترجحت الزيادة ، وقد يستويان إذا احتمل أن يكون الراوي سمع الحديث عمن فوقه بواسطة فرَوَاهُ بتلك الواسطة ثم سمعه منه بلا واسطة فرَوَاهُ عنه. مثال الأول وهو : أرجحية عدم الزيادة ما رَوَاهُ النسائي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قال : أخبرنا محمد بن المثنى : قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق عن عائشة : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربع ركعات قبل الظهر وركعتين قبل الفجر" خالفه عامة أصحاب شعبة ممن روى هذا الحديث فلم يذكروا مسروقاً ، أخبرني أحمد بن عَبْد اللهِ بن الحكم ، قال حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد أنه سمع أباه يحدث أنه سمع عائشة رضي الله عنها قالت : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الصبح" ثم قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : هذا هو الصواب عندنا وحديث عثمان بن عمر خطأ والله تعالى أعلم" .(1/80)
ومثاله الثاني وهو أرجحية الزيادة : ما تقدم في حديث أم زرع من أن المحفوظ فيه رواية عيسى بن يونس عن هشام عن أخيه عَبْد اللهِ عن أبيهما عن عائشة كما في البخاري وغيره ، وأن رواية الداروردي عن هشام عن أبيه بدون واسطة أخيه غير محفوظة . ومثال الثالث وهو استواء الزيادة وعدمها : حديث ابن عباس في : قصة القبرين وأن أحدهما كان لا يستبرئ من بوله" هذا الحديث أخرجه البخاري في الطهارة قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن خازم ، قال : حدثنا الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال : "مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين" إلى آخر الحديث . وفي الأدب قال حدثنا : يحيى ، حدثنا وكيع عن الأعمش الخ . وأخرجه باقي الأئمة الستة من حديث الأعمش كذلك بواسطة طاوس بين مجاهد وابن عباس ، وأخرجه البخاري في الطهارة قال : حدثنا عثمان قال حدثنا جرير ، وفي الأدب قال : حدثنا ابن سلام ، أخبرنا عبيدة بن حميد أبو عبدالرحمن وروايتهما عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس بدون واسطة طاوس. وأخرجه أبو داود والنسائي أيضاً وابن خزيمة في "صحيحه" ، من حديث منصور كذلك ، وقال الترمذي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بعد أن أخرجه من طريق الأعمش : "وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر فيه عن طاوس ورواية الأعمش أصح" أ هـ . يعني المتضمن للزيادة ، قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "وهذا في التحقيق ليس بعلة لأن مجاهداًَ لم يوصف بالتدليس وسماعه من ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث ، ومنصور عندهم أتقن من الأعمش ، مع أن الأعمش أيضاً من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة ، والإسناد كيفما دار كان متصلاً فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلساً" أ هـ .
64 : ما هو المضطرب وكم قسم هو وما حكمه مع التمثيل ؟(1/81)
ج: المضظرب هو : ما كانت المخالفة فيه بإبدال راوٍ براوٍ أو مروي بمروي ولا مرجح لإحدى الروايتين على الأخرى ، وهو ثلاثة أقسام : الأول : مضطرب سنداً ومثاله حديث "شيبتني هود وأخواتها" . فإنه اختلف فيه على أبي إسحاق ، فقيل : عنه عن عكرمة عن أبي بكر ، ومنهم من زاد بينهما ابن عباس ، وقيل : عنه عن أبي جحيفة عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن البراء عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن أبي ميسرة عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن علقمة عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن عامر بن سعيد البجلي عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن عامر بن سعد عن أبيه عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن مصعب بن سعد عن أبيه عن أبي بكر ، وقيل : عنه عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنهم .(1/82)
الثاني : مضطرب متناً وقلَّ أن يوجد مثال سالم لله إلا إما محتمل يزول بالجمع كحديث أنس في نفي البسملة حيث زال الاضطراب عنه بحمل نفي القراءة على نفي السماع ونفي السماع على نفي الجهرية كما قرر في موضعه من المطولات إذا قد ورد ثبوت قراءة البسملة في الصلاة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طرق عند الحاكم وابن خزيمة والنسائي والدارقطني والبيهقي والخطيب ، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الترمذي والحاكم والبيهقي ، ومن حديث عثمان وعلي وعمار بن ياسر وجابر ابن عَبْد اللهِ والنعمان بن بشير وابن عمر والحكم بن عمير وعائشة رضي الله عنهم عند الدراقطني ومن حديث سمرة بن جندب وأبي عند البيهقي ، ومن حديث بريدة ومجالد بن ثور وبشر بن معاوية ، وحسين بن عرفطة رضي الله عنه عند الخطيب ومن حديث أم سلمة –رضي الله عنها- ند الحاكم ، ومن حديث جماعة من المهاجرين والأنصار عند الشافعي فقد بلغ مبلغ التواتر ، وورد من حديث أنس رضي الله عنه : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر بسم الله الرحمن الرحيم" رَوَاهُ الطبري وابن خزيمة ، ومن حديثه أيضاً : "كان - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" رَوَاهُ الدارقطني والحاكم والخطيب ،وقد روى الجهر بها أيضاً من حديث ابن عباس وأم سلمة وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم فحديث أنس كان يسر يفيد : نفي الجهرية لا كما توهمه الراوي عنه من نفي البسملة بالكلية والجمع بينه وبين أحاديث الجهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسر مرة ويجهر أخرى وكل روى ما حضره وسمعه وحفظه وأنس رضي الله عنه حضر الحالتين فرَوَاهُما جميعاً ، واختار هذا الجمع ابن القيم رحمه الله وغيره من المحققين .(1/83)
وأما مضعّف بغير الاضطراب معه : كحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت : سألت أو سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الزكاة فقال : "إن في المال حقاً سوى الزكاة" رَوَاهُ الترمذي هكذا ، ورَوَاهُ ابن ماجه بلفظ : "ليس في المال حق سوى الزكاة" : فقد اضطرب هذا المتن لفظاً ومعنى اضطراباً لا يحتمل التأويل لكنه ضعف بغير الاضطراب فقال الترمذي بعد روايته : "إسناده ليس بذاك وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف في الحديث" ا هـ . الثالث : مضطرب سنداً ومتناً وهو كالذي قبله قلَّ أن يوجد مثال سالم له إلا إما محتمل كما في نفي البسملة وقد عرفت الجواب عن الاضطراب في متنه ، وادعى الإضطراب في سنده وفي ذلك اختلاف كثير ونزاع طويل ، وقد حقق القول في هذا المقام وشيخ الإسلام وحافظ المغرب الإمام أبو عمر يوسف بن عَبْد اللهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في رسالة سماها "الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف" فليرجع إليها ، وإما مع التضعيف بغيره معه : كحديث عَبْد اللهِ بن عُكَيم الذي أخرجه الإمام الشافعي وأحمد والبخاري في "التاريخ" والأربعة والدارقطني والبيهقي وابن حبان رحمهم الله تعالى قال : أتانا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قبل موته " أن لا تنتفعوا من الميتة ولا عصب" فإنه مضطرب سنداً ومتناً ، أما سنداً فإنه روي تارة عن كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتارة عن مشايخ من جهينة عمّن قرأ كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما متناً فإنه رُوي من غير تقييد في رواية الأكثر ، ورُوي التقييد بشهر أو بشهرين أو أربعين يوماً أو ثلاثة ، ومع ذلك فهو مُعَلّ بالإرسال . فإنه لم يسمعه عَبْد اللهِ بن عكيم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومعلّ بالانقطاع بأنه لم يسمعه عبدالرحمن بن أبي ليلى من ابن عكين ولذلك ترك الإمام أحمد رحمه الله العمل به آخراً ا هـ . ملخصاً من "سبل السلام" .(1/84)
هذا وأمَّا حكمه : فإنه موجب للضعف عند أهل الحديث لكونه يدل على قلة ضبط الراوي ، قال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى "لكن قلَّ أن يَحْكُم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الإختلاف في المتن دون الإسناد" ا هـ. قلت: وقد لا يقدح اضطراب بعض السند في صحة المتن كما إذا كان الاختلاف في اسم ثقة أو اسم أبيه فافهم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
65 : ما هو المصَحَّف وما حكمه وكم قسم هو ؟
ج : المصَحَّف هو فن جليل مهم وإنما يحققه الحُذَّاقُ من الحفاظ وهو ما كانت المخالفة فيه بتغيير اللفظ بواسطة السمع أو الرسم نقطاً بواسطة البصر أو المعنى بواسطة الفهم ، ويقع في السند والمتن فمثال التصحيف [في السند] لفظاً وبصراً : العوّام بن مراجم –بالراء والجيم- صَحَّفَهُ ابن معين رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مزاحم بالزاي والحاء ، [ومثال تصحيف السمع] : أن يكون الاسم واللقب أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر ولقبه أو اسمه واسم أبيه فيختلف ذلك على السمع كعاصم الأحول قال فيه بعضهم : واصل الأحْدب ، وكخالد بن علقمة قال فيه شعبة : مالك بن عرفطة ، ومثال التصحيف في المتن لفظاً وبصراً حديث : " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال" الحديث ، صحّفه أبو بكر الصولي فقال : شيئاً بالمعجمة والتحتية ومثاله لفظاً وسمعاً : حديث زيد ابن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "احتجز في المسجد" بمعنى اتخذ حجرة صحفة ابن لهيعة فقال : "احتجم" بالميم ، ومثال التصحيف في المتن معنى : قول محمد ابن المثنى العنزي أحد شيوخ الأئمة الستة : "نحن قوم لنا شرف ، نحن مِنْ عَنَزَةَ صلي إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يريد حديث : "صلاته - صلى الله عليه وسلم - إلى العَنَزَةٍ" وهي : عصي فيها زَجّ كان ينصبها - صلى الله عليه وسلم - أمامه في مصلاه فصحَّف المعنى إلى القبيلة .
66 : ما هو المحرَّف وما الفرق بينه وبين المصحَّف ؟(1/85)
ج : المحرَّفُ : مماثل للمصحف ومرادف له في مسمى التغيير ، حتى أن أكثر أهل الفن عدهما نوعاً واحداً ولم يُفَرَّق بينهما في التعريف ، وفَرَّقَ بينهما بعض المحققين منهم ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "فخص المصحَّف بما وقع في التغيير فيه بالنقط ، والمحرّف بما وقع التغيير فيه بالشكل ، فمثال التحريف في السند تحريف سَليم –بالفتح ، بسُليم –بالضم- ومثاله في المتن : حديث جابر رضي الله عنه : "رُمِيَ أُبيّ يوم الأحزاب على أكحله" ، حرّفه غُنْدَرَ فقال : "أبي" بالإضافة وإنما هو : أُبَيّ ابن كعب ، وأبو جابر استشهد قبل ذلك في وقعة أحد" ا هـ .
67 : هل يجوز تعمد تغيير صورة المتن بالنقص أو رواية معناه باللفظ المرادف وما ججة من قال بذلك وإلام يرجع إذا خفي المعنى ؟(1/86)
ج : أما تغيير صورة المتن بالنقص اختصاراً فالأكثر على جوازه لكن لعالم بمدلولات الألفاظ وبما يحيل المعاني ولا يجوز لغيره ، لأن العالم لا ينقص من الحديث إلا ما لا تعلق له بما يبقيه منه بحيث لا تختلف الدلالة ولا يختل البيان حتى يكون المذكور والمحذوف بمنزلة خبرين أو يدل ما ذكره على ما حذفه بخلاف الجاهل قد ينقص ماله تعلق كترك الاستثناء مثلاً . وأما الرواية بالمعنى : فالخلاف فيها كثير والأكثر على الجواز أيضاً فمن أجازه من الصحابة جماعة منهم : علي وابن عباس وأنس بن مالك وأبو الدرداء وواثلة بن الأسقع وأبو هريرة رضي الله عنهم ، ثم جماعة من التابعين يكثر عددهم منهم : إمام الأئمة الحسن البصري ثم الشعبي وعمرو بد دينار وإبراهيم النخعي ومجاهد وعكرمة نقل ذلك عنهم في كتب سيرهم ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى . وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رَوَاهُ ابن مندة في "معرفة الصحابة" والطبراني في "الكبير" من حديث عَبْد اللهِ بن سليمان بن أكيمة الليثي قال : قلت : يارسول الله إني إذا سمعت منك الحديث لا أستطيع أن أرويه كما أسمع منك يزيد حرفاً أو ينقص حرفاً ، فقال : "إذا لم تحلوا حراماً أو تحرموا حلالاً ، وأصبتم المعنى فلا بأس" فذكرت ذلك للحسن فقال : لولا هذا ما حدثنا . وقد استدل الإمام الشافعي لذلك بحديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي وغيرهم من حديث أبيّ وغيره ا . هـ .(1/87)
وقيل : إنما يجوز في المفردات دون المركبات ، وقيل : إنما يجوز لمن يستحضر اللفظ ليتمكن من التصرف فيه . وقيل : إنما يجوز لمن كان يحفظ الحديث فنسي لفظة وبقي معناه مرتسماً في ذهنه فله أن يرويه بالمعنى لمصلحة تحصيل الحكم منه لئلا يضيع بخلاف من كان مستحضراً للفظه . وجميع ما تقدم يتعلق بالجواز وعدمه وإلاّ فلاشك أن الأولى إيراد الحديث بألفاظه دون التصرف فيه ، قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديماً وحديثاً والله الموفق" . وأما خفاء المعنى فإما أن يكون لقلة استعمال اللفظ ، وإما لِدقةٍ في مدلوله فيحتاج في الأول إلى الكتب المصنفة في شرح الغريب ككتاب أبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي "والفائق" للزمخشري ، و"النهاية" لابن الأثير رحمه الله وهي أجمع كتب الغريب ، ويحتاج في الثاني إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الأخبار وبيان المشكل منها ككتاب الطحاوي والخطابي وابن عبدالبر رحمهم الله تعالى .
68 : ما معنى الجهالة وما أسبابها وكم قسم المجهول ؟(1/88)
ج : "الجهالة : هو أن لا يُعرَف الرواي ، أولا يُعرَف فيه تعديل ولا تجريح معين ، وأسبابها ثلاثة : الأول : كثرة نعوت الراوي من اسم أو كنية أو لقب أو صفة أو حرفة أو نسب فيشتهر بشيء منها فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض فيظن أنه آخر فيحصل الجهل بحاله ، وصنفوا في هذا النوع : "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" أجاد فيه الخطيب . وسبقه إليه عبدالغني بن سعيد المصري وهو الأزدي ثم الصوري ، ومن أمثلته : محمد بن السائب بن بشر الكلبي وقد نسبه بعضهم إلى جده ، فقال : محمد بن بشر ، وهو : حماد بن السائب ، الذي روي عنه أبو أسامة . وهو : أبو النضر ، الذي روى عنه ابن اسحاف، وهو : أبو سعيد ، الذي يروى عنه عطية العوفي موهما أن الخدري ، وهو : أبو هشام ، الذي روى عنه القاسم بن سلام ، فصار يظن أنه جماعة ، وهو : واحد.
الثاني : أن يكون مُقِلاً من الحديث فلا يَكْثُر الأخذ عنه ، وقد صنفوا فيه "الوحدان" فممن جمعه مسلم والحسن بن سفيان وغيرهما .(1/89)
الثالث : إن لا يُسمى اختصاراً من الرواي عنه ، كقوله : أخبرني فلان او رجل أو بعضهم أو ابن فلان ، ويستدل على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق آخر مسمى فيها، وصنفوا فيه : "المبهمات" ولا يقبل حديث المبهم ما لم يُسم ، لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف عدالته! ، وكذا لا يقبل خبره ، ولو أبهم بلفظ التعديل –على الأصح- كأن يقول الراوي عنه : أخبرني الثقة ، لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره ، فإن سُمي فإما أن ينفرد عنه واحداً أو يروي عنه اثنان فصاعداً فالأول مجهول العين كالمبهم فلا يقبل حديثه إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح ، وكذا من انفرد عنه على الأصح ، وكذا من انفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك ، والثاني إن لم يوثق فهو مجهول الحال وهو المستور ، وقد قبل روايته جماعة بغير قيد وردّها الجمهور ، والتحقيق : أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا قبولها بل هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم بذلك إمام الحرمين ونحوه قول ابن الصلاح فيمن جرح غيره مفسر" ا هـ من "شرح النخبة" .
69 : ما هي البدعة وما حكم رواية المبتدع ؟(1/90)
ج : البدعة : هي اعتقاد ما لم يكن معروفاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يكن عليه أمره ولا أصحابه لا بمعاندة بل بنوع شبهة . وهي إما أنْ تكون بمكفر –أي باعتقاد ما يوجب الكفر- كأَنْ يُنْكِرَ أمراً مجمعاً عليه متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة أو عكس ذلك ، وإما أنْ تكون بمفسق وهو مالم يوجب اعتقاده الكفر ، فالأول : لا تقبل روايته مطلقاً ، والثاني : إما أن يكون داعية ، أو لا يكون . فالأول لا يقبل ، والثاني إما أن يروي ما يوافق بدعته أولا ؟ فالول لا يقبل على المختار- وإلا قُبِلَ قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم ابن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي ، في كتابه "معرفة الرجال" فقال في وصف الرواة : ومنهم زائغ عن الحق أي عن السنة –صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم يُقَوِّ به بدعته" ا هـ ثم قال الحافظ : "وما قاله متَّجِه لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق بدعته وإن لم يكن داعية" ا هـ . فتحصل من هذا أن المبتدع إذا كان صادق اللهجة محرماً للكذب حافظاً لحديثه ضابطاً له تام الصيانة والاحتراز ، ولم تكن بدعته مكفرة ، ولم يكن داعياً إليها ولم يكن مَرْوِيُهُ مُقَوّياً لها فإنه يقبل ا هـ .
قال السيوطي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "ولو رُدَّت رواية المبتدع مطلقاً لأدى ذلك إلى رد كثير من أحاديث الأحكام مما رَوَاهُ الشيعة والقدرية وغيرهم ، وفي "الصحيحين" من روايتهم ما لا يحصى ولأن بدعتهم مقرونة بالتأويل مع ما هم عليه من الدين والصيانة والتحرز . ثم قال : نعم سابُّ الشيخين والرافضة لا يقبلون كما جزم الذهبي به في أول "الميزان" قال : مع أنهم لا يعرف منهم صادق بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم" .(1/91)
70 : ما المراد بسوء الحفظ ؟ وما حكم رواية سيء الحفظ ؟ ثم اذكر بعض المختلطين .
ج : "المراد بسيء الحفظ : مَنْ لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه ، فإن كان لازماً للراوي في جميع حالاته فهو : الشاذ ، على رأي بعض أهل الحديث ، وإن كان طارئاً على الراوي إما لكبره أو لذهاب بصره أو لاتراق كتبه أو عدمها بأن كان يعتمدها فرجع إلى حفظه فساء فهذا هو المختلط ، والحكم فيه أن ما حدّث به قبل الاختلاط إذا تميز قُبِلَ ، وإذا لم يتميز توقف فيه وكذا من اشتبه الأمر فيه وإنما يعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه" ا هـ. من "شرح النخبة" ، قال الإمام النووي رحمه الله : "من المختلطين عطاء بن السائب ، وأبو إسحاق السبيعي ، وسعيد الجريري وسعيد بن أبي عَروبة ، وعبدالرحمن بن عَبْد اللهِ المسعودي ، وربيعة –أستاذ مالك- وصالح مولى التؤمة ، وحصين أنه اختلط سنة سبع وتسعين وتوفي سنة تسع وتسعين ، وعبدالرزاق بن همام عميَ في آخر عمره فكان يتلقن ، وعَرم اختلط آخراً ، واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتج به في "الصحيحين" فهو مما علم أنه أُخِذَ عنه قبل الاختلاط" ا هـ . من "شرح مسلم"، قلت سفيان بن عيينة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ذكروا أنه لم يحدث بعد الاختلاط والله سبحانه وتعالى أعلم .
71 : هل يوجد في المردود أوهى الأسانيد ، كما في المقبول : أصح الأسانيد ؟(1/92)
ج : نعم قال الحاكم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "أوهى أسانيد الصديق : صدق عن فرقد عن مرة عنه ، وأوهى أسانيد العمريين : محمد بن عَبْد اللهِ بن القاسم عن أبيه عن جده وأوهى أسانيد أهل البيت : عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي ، وأوهى أسانيد أبي هريرة : السري بن إسماعيل عن داود بن يزيد عن أبيه عنه ، وأوهى أسانيد عائشة : الحارث بن شبل عن أم النعمان عنها ، وأوهى الأسانيد لأنس داود بن المحبر عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عنه ، وأوهى أسانيد بن مسعود : شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عنه ، وأوهى أسانيد المكيين : عَبْد اللهِ بن ميمون عن شهاب بن خراش عن إبراهيم بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس إلى عكرمة ، وأوهى منها : السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عنه ، وأوهي أسانيد اليمن : حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس إلى عكرمة ، وأوهى أسانيد المصريين : أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين عن أبيه عن جده عن قرة بن عبدالرحمن عن كل من روى عنه ، وأوهى أسانيد الشاميين : محمد بن قيس المصلوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة ، وأوهى أسانيد الخراسانيين : عبدالرحمن بن مليحة عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس" ا هـ .
البَابُ الثَّانِي : أَحوالُ الإِسنادِ
[ الفَصلُ الأَوَّلُ : أَقسامُهُ باعتِبارِ انتِهاءِ السَّنَدِ ]
72 : إلى كم قسم ينقسم الخبر باعتبار الإسناد من حيث الانتهاء ؟
ج : ينقسم إلى ثلاثة أقسام : مرفوع وموقوف ومقطوع .
73 –س : ما هو المرفوع ؟(1/93)
ج : قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "المرفوع هو ما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره مثال المرفوع من القول تصريحاً أن يقول الصحابي : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا ، أو حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا أو يقول هو أو غيره : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا أو نحو ذلك . ومثال المرفوع من الفعل تصريحاً أن يقول الصحابي : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كذا ، أو يقول هو أو غيره : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل كذا . ومثال المرفوع من التقرير تصريحاً أن يقول الصحابي :(1/94)
فعلت بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، أو يقول هو أو غيره : فعل فلان بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يذكر إنكاره لذلك . ومثال المرفوع من القول حكماً لا تصريحاً أن يقول الصحابي –الذي لم يأخذ عن الاسرائيليات- مالا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة ، أو شرح غريب ، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء ، أو الآتية كالملاحم والفتن واحوال يوم القيامة وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص ، وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره بذلك يقتضي مخبراً له ، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفاً للقائل به ولا موقف للصحابة إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعض من يخبر عن الكتب المتقدمة فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني ، وإذا كان كذلك فله حكم مالو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه أو عنه بواسطة. ومثال المرفوع حكماً أن يفعل الصحابي مالا مجال للاجتهاد فيه فينزل على أن ذلك عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الشافعي رضي الله عنه في صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين .(1/95)
ومثال المرفوع من التقرير حكما : أن يخبر الصحابي أنهم كانوا يفعلون في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا فإنه يكون له حكم الرفع من جهة أن الظاهر اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك لتوفر دواعيهم على سؤاله عن أمور دينهم ، وكان ذلك الزمان زمان نزول الوحي ، فلا يقع من الصحابة فعل شيء ويستمرون عليه إلا وهو غير ممنوع الفعل ، وقد استدل جابر وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن" ، ثم قال الحافظ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "وملتحق بقولي : "حكماً" ما ورد بصيغة الكتابة في موضع الصِّيغ الصريحة بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - كقول التابعي عن الصحابي : يرفعُ الحديث ، أو : يرويه ، أو يَنْميه ، أو : روايةً ، أو : يَبْلغُ به ، أو : رَوَاهُ . وقد يقتصرون على القول مع حذف القائل ويريدون به النبي - صلى الله عليه وسلم - كقول ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : (تقاتلون [قوما] ) الحديث . وفي كلام الخطيب أنَّه إصطلاح خاص بأهل البصرة ومن الصيغ المحتملة قول الصحابي : مِن السُنَّة كذا ، فالأكثر على أن ذلك مرفوع .(1/96)
ونقل ابن عبدالبر فيه الاتفاق ؛ قال : "وإذا قالها غير الصحابي فكذلك مالم يضفها إلى صاحبها كسُنّة العُمرين وفي نقل الاتفاق نظر ، فعن الشافعي –رحمه الله – في أصل المسألة قولان : وذهب إلى أنه غير مرفوع أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم من أهل الظاهر واحتجوا بأنَّ السُنَّة تتردَّد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين غيره وأجيبوا بأن احتمال إفادة غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيدة ، وقد روى البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في "صحيحه" في حديث ابن شهاب عن سالم بن عَبْد اللهِ بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجَّاج حين قال له : "إنْ كنتَ تريد السُنَّةَ فهجِّرْ بالصلاة" قال ابن شهاب : فقلت لسالم : أفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ؟ فقال : وهل يعنون بذلك إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنَّهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأما قول بعضهم : إذا كان مرفوعاً ، فلم لا يقولون فيه قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فالجواب : أنهم تركوا الجَزْمَ بذلك تورعاً واحتياطاً ، ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه "من السنة إذا تزوج على الثيب قام عندنا سبعاً" أخرجاه في الصحيحين قال أبو قلابة : لو شئت لقلت : إن أنساً رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي : لو قلت لم أكذب، لأن [قوله] من السُّنَّة هذا معناه .(1/97)
ولكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابي أولى" قلت : ومنه قول علي رضي الله عنه : "من السُّنة أن يخرج إلى العبد ماشياً" رَوَاهُ الترمذي وحسنه ، قال : "ومن ذلك قول الصحابي : أُمِرْنَا بكذا ، أو نُهينا عن كذا فالخلاف في هذا كالخلاف في الذي قبله ، لأنَّ مُطلَق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخالف في ذلك طائفة تمسكوا باحتمال أن يكون المراد غيره كأمر القرآن ، أو الإجماع ، أو الخلفاء ، أو الاستنباط وأُجيبوا بأن الأصل هو الأولُ وما عداهُ محتمل لكن بالنسبة إليه مرجوحٌ . وأيضاً فمن كان في طاعة رئيس إذا قال : أُمرتُ ؛ لا يُفْهَمُ عنهُ أنَّ آمِره ليس إلا رئيسه . وأما قول من قال : يُحتمَلُ أن يُظَنَّ ما ليس منه بآمر أمراً فلا اختصاص له بهذه المسألة بل هو مذكور فيما لو صرح فقال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا . وهو احتمال ضعيف لأن الصحابي عدل عارف بلسان العرب فلا يطلق ذلك إلا بعد التحقق" . قلت : ومن أمثلة الأمر : من ذلك قول أمَّ عطية رضي الله عنها : "أمرنا أن نُخرجَ العواتق والحيض في العيدين يشهدون الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى" متفق عليه ومثال النيه قولها رضي الله عنها : "نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزَم علينا" متفق عليه . قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "ومن ذلك قوله كنا نفعل كذا فله حكم الرفع أيضاً كما تقدم" قلت : ومن أمثلته قول سان بن ثابت لعمر رضي الله عنه حين مر به وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال له : "قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك" متفق عليه . قال : ومن ذلك أن يحكم الصحابي على فعل من الأفعال أنّه طاعة لله ولرسوله أو معصيه ، كقول عمار رضي الله عنه : "مَن صَام اليوم [الذي] يُشَك فيه ، فقد عصى أبا القاسم" : فلهذا حكم الرفع لأنَّ الظاهر أنّ ذلك مما تلقاه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " .(1/98)
74 : ما هو الموقوف ؟
ج:- الموقوف : ما انتهى إلى الصحابي كذلك صريحاً أو حكماً من قوله أو فعله فعله أو تقريره على النحو المتقدم .
75 س: من هو الصحابي وبماذا يعرف ؟
ج : الصحابي هو : مَن لقى النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت رِدَّة في الأصح ، وتعريفه باللقى أولى من تعريفه بالرؤية ليدخل من لقيه من العميان كابن أم مكتوم : واللقى في هذا التعريف كالجنس ، و"مؤمناً" فصل يخرج من لقيه كافراً ، و"به" فصل ثاني يخرج من لقيه مؤمناً بغيره من الأنبياء ولَمَّا يؤمن به ، ومات على الإسلام" فصل ثالث يخرج من لقيه مرمناً به ثم ارتدَّ ومات على ردَّته كعبيد الله بن جحش وابن خطل ، و"لو تخللت ردة" يدخل من يرجع [عن] الردة ومات على الإسلام كقصة الأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتى إلى أبي بكر الصديق أسيراً فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوجة أخته، ولم يتخلَّف أحد عن ذكره في الصحابة ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها . و " في الأصح" إشارة إلى الخلاف في المسألة ويعرف كونه صحابياً : بالتواتر والاستفاضة أو الشهرة أو بإخبار بعض الصحابة أو بعض ثقات التابعين ، أو بإخباره عن نفسه بأنه صحابي ، إذا كان دعواه ذلك تدخل تحت الإمكان ، وفي هذا الأخير تَأَمُّل والله أعلم" ا هـ . ملخصاً من "شرح النخبة" قلت : والظاهر أنَّ مَنْ ادعى الصحبة بعد مائة سنة من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل منه ذلك ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن على رأس مائة سنة لم يبق ممن هو على ظهر الأرض أحد" أو كما قال ؛ يريد - صلى الله عليه وسلم - إنْخِرامُ ذلك القرن ، قال ذلك في سنة وفاته - صلى الله عليه وسلم - . وفي رواية مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه سمعه يقول ذلك قبل موته بشهر واله أعلم .
76 : عن كم توفى - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ؟(1/99)
ج : قال أبو زرعة الرازي : "قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه ، فقيل أين : كانوا ؟ وأين جمعوا ، قال : أهل مكة والمدينة ومن بينهما الأعراب ومن شهد معه حجة الوداع" قال العراقي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "كيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى ، وروى الساجي في "المناقب" بسند جيد عن الشافعي قال : قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسملون ستون ألفاً ، ثلاثون ألفاً بالمدينة ، وثلاثون ألفاً في قبائل العرب ، وقيل غير ذلك" والله أعلم .
77 س: كم طبقات الصحابة ؟
ج : اثنا عشرة طبقة ، الأولى : أول من أسلم بمكة ، الثانية : أصحاب الشعب ، الثالثة : أهل هجرة الحبشة ، الرابعة : أهل العقبة الأولى ، الخامسة : أهل العقبة الثانية ، السادسة : أول من هاجر إلى المدينة ، السابعة : أهل بدر، الثامنة : من هاجر بعدها ، التاسعة : أهل بيعة الرضوان ، العاشرة : من هاجر بعد صلح الحديبية ، الحادية عشر : مسلمة الفتح ، الثانية عشر : من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صبي .
78 : من أكثر الصحابة حديثاً ؟
ج : أكثرهم حديثاً من زاد حديثه على ألف ، وهم سبعة : أبو هريرة رضي الله عنه روى خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً ، اتفق الشيخان منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين ، ومسلم بمائة وتسعة وثمانين ، كذا نقل عن "التقريب وشرحه" ، وفي "الخلاصة" : "انفرد البخاري بتسعة وسبعين ومسلم بثلاثة وتسعين" أ . هـ .(1/100)
وروى عنه أكثر من ثلاثمائة رجل وهو أحفظ الصحابة رضي الله عنهم ؛ ثم عَبْد اللهِ بن عمر رضي الله عنه روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين حديثاً على مائة وسبعين حديثاً وانفرد البخاري بأحد وثمانين ومسلم بأحد وثلاثين ، وأنس بن مالك رضي الله عنه روى ألفين ومائتين وستة وثمانين حديثاً اتفقا على مائة وثمانية وستين وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين ومسلم بأحد وسبعين . وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها روت ألفين ومائتين وخمسين ، ومسلم بثمانية وستين ؛ وعَبْد اللهِ بن عباس رضي الله عنهما له ألف وستمائة وستون حديثاً اتفقا على خمسة وسبعين ، وانفرد البخاري بثمانية وعشرين ؛ ومسلم بتسعة وأربعين وجابر بن عَبْد اللهِ رضي الله عنهما روى ألفاً وخمسمائة وأربعين حديثاً اتفقا على ثمانية وخمسين وانفرد البخاري بستة وعشرين ، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه روى ألفاً ومائة وسبعين حديثاً اتفقا على ثلاثة وأربعين وانفرد البخاري بستة وعشرين وفي نسخة من "الخلاصة" : "بستة عشر ومسلم بإثنين وخمسين".أ.هـ"خلاصة".
وليس في الصحابة بعد ذلك من يزيد حديثه على ألف والله أعلم .
79 س: من أكثر الصحابة فتوى ؟(1/101)
ج : قال ابن حزم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "أكثرهم فتوى مطلقاً سبعة وهم : عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعَبْد اللهِ بن مسعود ، وعَبْد اللهِ بن عمر ، وعَبْد اللهِ بن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم . قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم . قال : يليهم عشرون : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبدالرحمن ابن عوف ، وعمران بن حصين ، وأبوبكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ؛ وأم سلمة.(1/102)
قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير ، قال : وفي الصحابة نحو مائة وعشرين نفساً يقلون في الفتوى حداً لا يروي عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث والزيادة اليسيرة على ذلك يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط ؛ بعد التقصي والبحث وهم : أبو الدرداء ، وأبو اليسر وأبو سلمة المخزومي ؛ وأبو عبيد بن الجراح وسعيد بن زيد ، والحسن والحسين أبناء على رضي الله عنهم ، والنعمان بن بشير ، وأبو مسعود ؛ وأبيّ بن كعب ، وأبو أيوب ، وأبو طلحة ، وأبوذر ، وأم عطية، وصفية أم المؤمنين ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وأسامة بن زيد، وجعفر بن أبي طالب، والبراء بن عازب ، وقُرَظة بن كعب ، ونافع أخو أبي بكرة لأمه والمِقْداد ابن الأسود ، وأبو السَّنابل ، والجارود العبدي ، وليلى بنت قائف ، وأبو محذورة ، وأبو شريح الكعبي ، وأبو هريرة الأسلمي ، وأسماء بنت أبي بكر ، وأم شريك ، والخَوْلاء بنت تويت ، وأسيد بن حضير ، والضحاك ابن قيس ، وحبيب بن مَسْلَمة ، وعَبْد اللهِ بن أُنَيِّس ، وحذيفة بن اليمان ، وثمامة بن أثال ، وعمار بن ياسر ، وعمرو بن العاص ، وأبو الغادية السلمي ، وأم الدرداء الكبرى ، والضحاك بن خليفة المازني ، والحكم ابن عمر والغفاري ، وواصبة بن معبد الأسدي ، وعَبْد اللهِ بن جعفر البرمكي ، وعوف بن مالك ؛ وعدي بن حاتم ، وعَبْد اللهِ بن أبي أوفى ، وعَبْد اللهِ بن سلام وعمرو بن عبسة ، وعَتَّاب بن أسيد ، وعثمان بن أبي العاص ، وعَبْد اللهِ بن سرجس ، وعَبْد اللهِ بن رواحة ، وعقيل بن أبي طالب ، وعائذ بن عمر ، وأبو قتادة عَبْد اللهِ بن معمر العدوي ، وعمير ابن اسعد ، وعَبْد اللهِ بن أبي بكر الصديق ، وعبدالرحمن أخوه ، وعاتكة بنت زيد بن عمرو ، وعَبْد اللهِ بن عوف الزهري ، وسعد بن معاذ وأبو منيب ، وقيس بن سعد ، وعبدالرحمن بن سهل ، وسمر ة بن جندب ، وسهل بن سعد الساعدي ، ومعاوية بن مقرن وسويد بن مقرن ،(1/103)
ومعاوية بن الحكم ، وسهلة بنت سهيل ، وابو حذيفة بن عتبة ، وسلمة ابن الأكوع ، وزيد بن أرقم ، وجرير بن عَبْد اللهِ البجلي ، وجابر بن سلمة ، وجويرية أم المؤمنين ، وحسان بن ثابت وخبيب بن عدي ، وقدامة بن مظعون ، وعثمان بن مظعون وميمونة أم المؤمنين ومالك بن الحويرث ، وأبو امامة الباهلي ، ومحمد ابن مسلمة ، وخباب ابن الأرت ، وخالد بن الوليد ، وضمرة بن العيص ، وطارق بن شهاب ، وظهير بن رافع ، ورافع بن خديج ، وسيدة نساء العالمين ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفاطمة بنت قيس ، وهشام بن حكيم بن حزام ، وأبوه حكيم بن حزام ، وشرحبيل بن السمط ، وأم سلمة ، ودحية بن خليفة الكلبي ، وثابت بن قيس شماس ، وثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والمغيرة بن شعبة ، وبريد بن الحصيب الأسلمي ، ورويفع بن ثابت ، وأبو حميد وأبو أسيد ، وفضالة بن عبيد ، وأبو محمد روينا عنه وجوب الوتر ، قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : هو مسعود بن أوس الأنصاري نجاري بدري أ.هـ وزينب بنت أم سلمة ، وعتبة بن مسعود ، وبلال المؤذن ، وعروة بن الحارث ، [وسيار] بن روح أو روح [سيار] ، وأبو سعيد المعلي ، والعباس بن عبد المطلب ، وبشر بن أرطأة ، وصهيب بن سنان ، وأم أيمن ، وأم يوسف ، والغامدية ، وماعز ، وأبو عَبْد اللهِ البصري . قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بعد نقله : فهؤلاء من نقلت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أدري بأي طريق عدّ معهم أبو محمد : الغامدية ، وماعزاً ، ولعله تخيل أن إقدامهما على جواز الإقرار بالزنا من غير استئذان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك هو فتوى لأنفسهما بجواز الإقرار ، وقد أُقرأ عليها ، فإن كان تخيل هذا فما أبعده من خيال ، أو لعلة ظفر عنهما بفتوى في شيء من ألأحكام" والله اعلم أ.هـ . "أعلام الموقعين" .
80 : من أفضل الصحابة ؟(1/104)
ج : قال أبو منصور البغدادي – من أكابر أئمة الشافعية - : "أجمع أهل السنة أن أفضل الصحابة : أبو بكر ، فعمر ، فعثمان ، فعلي ، فبقية العشرة المبشرين بالجنة فأهل بدر فباقي أهل أحد ، فباقي أهل بيعة الرضوان بالحديبية فباقي الصحابة" انتهى .
81 : من آخر الصحابة موتاً ؟
ج : آخرهم موتاً مطلقاً : أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي مات سنة مائة من الهجرة قال مسلم في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك" وقيل : سنة اثنتين ومائة ، وقيل : سنة سبع ومائة ، وقيل : سنة عشر ومائة .
وآخرهم قبله أنس بن مالك مات بالبصرة سنة ثلاث وتسعين وآخرهم موتاً بالمدينة سهل بن سعد الأنصاري ، قال أبو نعيم : مات سنة أحد وتسعين ، قال ابن سعد : وهو آخر من مات بالمدينة ليس بيننا في ذلك اختلاف ، وآخرهم موتاً بالكوفة عَبْد اللهِ بن أبي أوفى مات سنة ست أو سبع وثمانين ، قال عمرو بن علي : هو آخر من مات في الكوفة من الصحابة ، وبالشام عَبْد اللهِ بن بسر بن أبي بسر المازني السلمي مات سنة ثمان وثمانين ، وقيل : ست وتسعين وهو آخر من مات ممن صلى القبلتين ، وبفلسطين : أبو أٌبي عَبْد اللهِ بن حرام ربيب عبادة بن الصامت ، وبمصر عَبْد اللهِ بن الحارث بن جَزء – بفتح الجيم – الزبيدي قال أبن يونس : مات سنة ستة وثمانين بمصر وهو آخر من مات بها من الصحابة . وباليمامة : الهرماس ابنم زياد سنة اثنتين ومائة ، وبالبادية : سلمة بن الأكوع سنة أربع وسبعين على ما قاله ابن مندة ، وصحح قوم أنه مات بالمدينة . وبخراسان : بريدة بن الحصيب سنة اثنتين أو ثلاث وستين ، وبالطائف : عَبْد اللهِ بن عباس رضي الله [عنهما] سنة ثمان وستين ، وبأصبهان : النابغة الجعدي ، وبسمرقند : الفضل بن عباس سنة ثماني عشرة في قول والله أعلم .
82 : ما هو المسند ؟(1/105)
ج : قال الحافظ رحمه الله "المسند هو : مرفوع الصحابي بسند ظاهره الاتصال ، قال فقولي : "مرفوع" كالجنس ، وقولي : (صحابي) كالفصل يخرج به ما رفعه التابعي فإنه مرسل أو من دونه فإنه معضل أو معلق ، وقولي (ظاهره الاتصال) يخرج ما ظهره الانقطاع ، ويدخل ما فيه الاحتمال وما يوجد فيه حقيقة الاتصال من باب أولى ، ويفهم من التقييد بالظهور أن الانقطاع الخفي كعنعنة المدلس ، والمعاصر الذي لم يثبت لقيه لا يُخرج [الحديث] عن كونه مسنداً لإطباق الأئمة الذين خرجوا المسانيد على ذلك ، وهذا التعريف موافق لقول الحاكم : المسند ما رَوَاهُ المحدث عن شيخ يظهر سماعة منه وكذا شيخه ، عن شيخه متصلاً إلى الصحابي إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - " .
83 : ما هو المقطوع ؟
ج : المقطوع : ما انتهى غاية إسناده إلى التابعي وأضيف متنه إليه على النحو الذي تقدم وكذا اتباع التابعين .
84 : من هو التابعين ؟
ج : التابعي هو : من لقى الصحابي ، كذلك : غير قيد الإيمان به فهو خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويأتي إن شاء الله ذكر طبقاتهم وطبقات أتباعهم الخ ، في فصل طبقات الرواة ولننقل هنا جملة في أعيان أهل الفتوى بكل بلد من التابعين وتابعيهم الخ ، ليكون تذكرة بتلك الأعصر الشريفة والقرون الفضلة والزمن المقدس ، نقلاً عن "أصول الأحكام" لابن حزم الظاهري .
85 : من كان من المفتين بالمدينة من التابعين ؟
ج : كان من المفتين بالمدينة من التابعين : ابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد . وخارجة بن زيد ، وأبا بكر بن عبدالرحمن بن حارث بن هشام ، وسليمان بن يسار ، وعبيد الله بن عبيد الله بن عتبة بن مسعود ، ومنهم أبان بن عثمان وسالم ، ونافع، وأبو سلمة بن عبدالرحمن ابن عوف ، وعلي بن الحسين .(1/106)
وبعد هؤلاء أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وابناه محمد وعَبْد اللهِ ، وعَبْد اللهِ والحسن ابنا محمد الحنفية ، وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، وعبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، ومحمد بن المنكدر ، ومحمد بن شهاب الزهري ، وجمع محمد بن مفرج فتاويه في ثلاثة أسفار ضخمة على أبواب الفقه وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، ومالك بن انس ، وخلق سوى هؤلاء .
86- مِنْ كان من المفتين بمكة ؟
ج:- كان من المفتين بمكة ؟
ج : كان من المفتين بمكة عطاء بن أبي رباح ، وطاوس بن كَيْسَان ، ومجاهد ابن جبر، وعبيد بن عمير ، وعمرو بن دينار ، وعَبْد اللهِ بن أبي مُلَيْكَة ، وعبدالرحمن بن سابط، وعكرمة ، ثم بعدهم أبو الزبير المكي ، وعَبْد اللهِ بن خالد بن أسيد ، وعَبْد اللهِ بن طاوس ، ثم بعدهم عبدالملك بن عبدالعزيز بن جُرَيح ، وسفيان بن عيينة . وكان أكثر فتياه بالمناسك وكان يتوقف في الطلاق وبعدهم مسلم بن خالد الزنجي ، وسعيد بن سالم القدَّاح وبعدهم الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، ثم عَبْد اللهِ بن الزبير الحميدي ، وإبراهيم بن محمد الشافعي ابنُ عم محمد ، وموسى بن أبي الجارود وغيرهم .
87 : مَنْ كان من المفتين بالبصرة ؟(1/107)
ج : كان من المفتين بالبصرة : عمرو بن سلمة الجَرْمي ، وأبو مريم الحنفي ، وكعب بن سور والحسن البصري –وأدرك خمسمائة من الصحابة وقد جمع بعضُ العلماء فتاويه في سبعة أسفار ضخمة - ، قال أبو محمد بن حزم : وأبو الشعثاء : جابر بن زيد ، ومحمد بن سيرين ، وأبو قلابة عَبْد اللهِ بن زيد الجَزْمي ، ومسلم بن يسار ، وأبو العالية ، وحميد بن عبدالرحمن ، ومطرف بن عَبْد اللهِ بن الشّخِّير ، وزرارة ابن أوْفَى ، وابو بُرْدَة بن أبي موسى ، ثم بعدهم : أيوب السختياني ، وسليمان التيمي ، وعَبْد اللهِ بن عون ، ويونس بن عُبَيد ، والقاسم بن ربيعة ، وخالد بن أبي عمران ، وأشعث بن عبدالملك الحمراني، وقَتَادة ، وحفص بن سليمان ، وإياس بن معاوية القاضي ، وبعدهم سوَّار القاضي ، وأبو بكر العَتكي ، وعثمان بن مسلم البَتّيُّ وطلحة بن إياس القاضي ، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وأشعث بن جابر ، ثم بعد هؤلاء : عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفي ، وسعيد ابن أبي عروبة ، وحماد بن سلَمة ، وحماد بن زيد ، وعَبْد اللهِ بن داود الخريبي . وإسماعيل بن أبي عُليّة ، وبشر بن المفضل ومعاذ بن معاذ العنبري ، ومَعْمر بن راشد ، والضحاك بن مَخْلَد ، ومحمد ابن عَبْد اللهِ الأنصاري .
88 : من كان من المفتين بالكوفة من التابعين ؟(1/108)
ج : كان من المفتين بالكوفة : علقمة بن قيس النخعي ، والأسود بن يزيد النخعي – وهو عم علقمة- وعمرو بن شرحبيل الهمداني ، ومسروق بن الأجدع الهمداني ، وعبيدة السلماني ، وشريخ بن الحارث القاضي ، وسلمان بن ربيعة الباهلي ، وزيد بن صوحان ، وسويد بن غفلة ، والحارث بن قيس الجعفي ، وعبدالرحمن بن يزيد النخعي ، وعَبْد اللهِ بن عتبة بن مسعود القاضي ، وخَيْثَمة بن عبدالرحمن ، وسلمة بن صُهيب ، ومالك بن عامر، وعَبْد اللهِ بن سَخبرة وزرّ بن حُبيش ، وخلاّس بن عمرو ، وعمرو بن ميمون الأوْدِي ، وهمام بن الحارث ، والحارث بن سويد ، ويزيد بن معاوية النخعي ، والربيع بن خثيم ، وعتبة بن فرقد ، وصلة بن زُفَر ، وشريك بن حنبل ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وعبيد بن نضلة ، وهؤلاء أصحاب علي بن وائل شقيق بن سلمة ، وعبيد بن نضلة ، وهؤلاء أصحاب علي وابن مسعود . وأكابر التابعين كانوا يفتون في الدين ، ويستفتيهم الناسُ ، وأكابر الصحابة حاضرون يُجَوِّزُون لهم ذلك . وأكثرهم أخذ عن عمر وعلي وعائشة ، ولقى عمروُ بن ميمون الأودي معاذ بن جبل وصحبه وأخذ عنه وأوصاه معاذ عند موته أن يَلْحَق بابن مسعود فيصحبه ويطلب العلم عنده ففعل ذلك . ويضاف إلى هؤلاء أبو عُبيدة ، وعبدالرحمن ابنا عَبْد اللهِ بن مسعود ، وعبدالرحمن بن أبي ليلى ، وأخذ عن مائة وعشرين من الصحابة ، وميسرة ، وزاذان ، والضحاك . ثم بعدهم : إبراهيم النخعي ، وعامر الشعبي ، وسعيد بن جُبير ، والقاسم بن عبدالرحمن بن عَبْد اللهِ بن مسعود ، وأبو بكر بن أبي موسى ، ومحارب بن دثار ، والحكم بن عتيبة ، وجبَلَة بن سُحَيم ، وصحب بن عمر .(1/109)
ثم بعدهم : حماد بن أبي سليمان ، ومنصور بن المعتمر ، وسليمان الأعمش ، ومِسْعَر بن كِدَام ثم بعدهم : محمد بن عبدالرحمن بن ليلى ، وعَبْد اللهِ بن شُبْرُمةَ ، وسعيد بن أشوع ، وشريك القاضي ، والقاسم بن مَعْن ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، والحسن بن صالح بن حيي . ثم بعدهم : حفص بن غياث ، ووكيع بن الجرَّاح ، وأصحاب أبي حنيفة : كأبي يوسف القاضي ، وزُفَر بن الهُذَيل وحَمَّاد بن أبي حنيفة ، والحسن بن زياد اللؤلؤي القاضي ، ومحمد بن الحسن قاضي الرَّقَة ، وعافية القاضي ، وأسد بن عمرو ونوح بن دراج القاضي ، وأصحاب سفيان الثوري : كالأشجعي ، والمعافى بن عمران ، وصاحبي الحسن بن حييّ : حميد الرؤاسي ، ويحيى بن آدم .
89 س : من كان من المفتين بالشام من التابعين ؟
ج : كان من المتقين بالشام : أبو إدريس الخولاني ، وشرحبيل بن السَّمْط ، وعَبْد اللهِ بن أبي زكريا الخزاعي ، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، وجنادة ابن أبي أمية ، وسليمان بن حبيب المحاربي ، والحارث بن عُمير الزبيدي ، وخالد بن معدان ، وعبدالرحمن بن غنم الأشعري ، وجبير بن نفير ، ومكحول ، وعمر بن عبدالعزيز ، ورجاء بن حَيْوة ، وكان عبدالملك بن مروان يُعَدُّ في المفتين قبل أن يلي ماولي ، وحدير بن كريب ، ثم كان بعدهم : يحيى بن حمزة القاضي ، وأبو عمرو بن عبدالرحمن بن عمر الأوزاعي ، وإسماعيل بن أبي المهاجر ، وسليمان بن موسى الأموي ، وسعيد بن عبدالعزيز ، ثم : مخلد بن الحسن ، والوليد بن مسلم ، والعباس بن يزيد صاحب الأوزاعي ، وشعيب بن إسحاق صاحب أبي حنيفة ، وأبو إسحاق الفزاري صاحب ابن المبارك .
90 : مَنْ كان من المفتينن بمصر من التابعين ؟(1/110)
ج : كان من المفتين بمصر : يزيد بن أبي حبيب ، وبكير بن عَبْد اللهِ بن الأشَجَّ، وبعدهما عمرو بن الحارث –وقال بن وهب : لو عاش لنا عمرو ابن الحارث ما احتجنا معه إلى مالك ولا إلى غيره- والليث بن سعد ، وعُبيد الله بن أبي جعفر . وبعدهم أصحاب مالك : كعَبْد اللهِ بن وهب ، وعثمان بن كنانة ، وأشهب ، وابن القاسم ، ثم أصحاب الشافعي : كالمزني ، والبويطي ، وابن عبدالحكم ، ثم بعد هؤلاء : محمد بن علي ابن يوسف ، وأبي جعفر الطحاوي ، وكان بالقيروان سحنون بن سعيد ، وسعيد بن محمد الحداد : وكان بالأندلس : يحيى ، وعبدالملك ابن حبيب ، وبقي بن مخلد ، وقاسم بن محمد صاحب الوثائق ، وأسلم ابن عبدالعزيز القاضي ، ومنذر بن سعيد ، ومسعود بن سليمان ، ويوسف بن عَبْد اللهِ بن محمد بن عبدالبر .
91 : من كان من المفتين باليمن ؟
ج : كام من المفتين باليمن : مطرف بن مازن قاضي صنعاء ، وعبدالرزاق بن همام ، وهشام بن يوسف ، ومحمد بن ثور ، وسماك بن الفضل .
92 : من كان من المفتين بمدينة السلام ؟
ج : كان بها من المفتين خلق كثير كان من أعيانهم : أبو عبيد القامس بن سلام ، وكان منهم أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي صاحب الشافعي وكان بها إمام أهل السنة على الإطلاق : أحمد بن حنبل الذي ملأ الأرض علماً وحديثاً وسنة حتى أن أئمة الحديث بعده هم أتباعه إلى يوم القيامة . انتهى من "أعلام الموقعين" لابن القيم الزرعي .
[ الفَصلُ الثَّانِي : أَقسامُهُ باعتِبارِ عِدَدِ رِجالِ السَّنَدِ ]
93 : إلى كم قسم ينقسم السند باعتبار عدد رجاله في القلة والكثرة ومدة ما بين الناقل وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرب والبعد ؟
ج : ينقسم إلى قسمين عال وهو : ما قرب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بقلة الوسائط وقرب المدة ، ونازل وهو : ما بعد لكثرة الوسائط وطول المدة .
94 : كم أقسام العلو وما هي ؟(1/111)
ج : العلو قسمان : علو مطلق ، وعلو نسبي ، الأول : ما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلو السند على شرحه المتقدم بالسند إلى سند آخر يَرِدُ به ذلك الحديث بعينه بنزول السند ، وأمثلته كثيرة : كثلاثيات البخاري بالنسبة إلى رواية غيره لمتونها . والثاني النسبي : وهو أربعة أقسام : الأول أن ينتهي العلو فيه إلى إمام ذي صفة عليه كالحفظ والضبط والتصنيف وغير ذلك من الصفات المقتضية للترجيح والجلالة : كشعبة ومالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم ، ولو كثرة رجاله من فوقه ، الثاني : العلو بالنسبة إلى رواية كتاب كالأمهات الست مثلاً بحيث لو روى الراوي من طريق بعض الكتب وقع أنزلها مما لو رَوَاهُ من طريق غيرها ، وقد يكون عالياً مطلقاً أيضاً كحديث ابن مسعود مرفوعاً : "يومَ كلَّم الله موسى كان عليه جُبَّةُ صُوف" الحديث فلو رَوَاهُ الراوي من "جزء ابن عرفة" عن خلف بن خليفة يكون أعلا مما لو رَوَاهُ من طريق الترمذي عن علي بن حجر عن خلف ، هذا مع كونه علواً نسبياً مطلقاً ، إذ لا يقع اليوم أعلا من روايته من هذه الطريق، وفي هذا القسم يقع الموافقة ، والبدل ، والمساواة ، والمصافحة ، فالموافقة :(1/112)
هي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه ، مثاله قال ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "وروى البخاري حديثاً عن قتيبة ، عن مالك ، فلو رويناه من طريقه كان بيننا وبين قتيبة ثمانية ، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السرَّاج عن قُتيبة مثلاً لكان بيننا وبين قتيبة فيه سبعة : قال : فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه . والبدل هو : الوصول إلى شيخ شيخه كذلك . قال : كأن يقع لنا ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي عن مالك فيكون القنعبي بدلاً فيه من قتيبة . قال : وإنما يعتبرون الموافقة والبدل إذا قارنا العُلُوّ . والمساواة هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنّفين . قال : كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقع بيننا وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر نفساً فنساوي النسائي من حيث العدد" .
قلت : وهو معدوم في زماننا بالنسبة إلى الكتب المذكورة ، بل قد انقطع من أزمنة متطاولة ، اللهم إلا ما ادَّعَاهُ بعض المتصوفة في القرن الرابع شعر أنّ عنده حديث رباعي الإسناد مع أنَّه قد وقع له مسلسلاً بالمصاحفة وجعل صحابيه ابن عربي صاحب الفصوص إمام الفرقة الاتحادية الزائغة –وذلك في دعواهم عن الأرواح لا عن الاشياخ! وهذا في الحقيقة من باب الزيغ والغواية لا من باب النقل والرواية ، وليس بعجيب منهم إذ عدموا الحياء في الدين والدنيا إنما العجب ممن ذكره مثالاً في كتب الاصطلاح ! ولعله قريب منهم وما هو منهم ببعيد .
والمصافحة هي : الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف على الوجه المشروح .(1/113)
الثالث من أقسام العلو النسبي : أن يشترك اثنان عن شيخ ويتقدم موت أحدهما ، وهو الذي يقال له السابق واللاحق ، فمن روى عن الأولى أعلى ممن روى عن الآخر . قال الحافظ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - : "أكثر ما وقفنا عليه من ذلك ما بَيْنَ الروايين فيه في الوفاة مائة وخمسون سنة ومن ذلك أنَّ الحافظ السلفي سمع منه أبو علي البَرَدَاني أحدُ مشايخه حديثاً ورَوَاهُ عنه ومات على رأس الخمسمائة ثم كان آخر أصحاب السلفي ممن روى عنه بالسماع سِبْطُه أبا القاسم عبدالرحمن بن مكي وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة ، ومن قديم ذلك أن البخاري –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – حدَّثَ عن تلميذه أبي العباس السرّاج بشيء في "التاريخ" وغيره ومات سنة ست وخمسين ومائتين ، وآخر من حدّث عن السّرّاج بالسماع أبو الحسين الخفاف ومات سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة" ا هـ.
الرابع : العلو بتقدم السماع فمن سمع من شيخ أولاً ، أعلى ممن سمع منه بعده بمدة بحسب طول تلك المدة وقصرها .
95 : كم أقسام النزول ؟
ج :- كل ما قابل العلو بأقسامه المتقدمة فهو نزولاً بالنسبة إليه فيكون كل قسم من أقسام العلو يقابله قسم من أقسام النزول .
96 : اذكر أنواعاً من لطائف السند باعتبار نسبة الراوي إلى المروي عنه؟
ج : هي أنواع كثيرة :
• الأول : الأكابر عن الأصاغر وهو نوع جليل .
من فوائده : أن لا يُتوهم أنّ المرويَّ عنه أفضلُ من الراوي عنه أو أكبرُ ؛ لكونه الأغلب ، ومنها أن لا يُظن في السند انقلاب .
وهو أنواع :
1- منها : الأباء عن الأبناء كالعباس بن عبدالمطلب عن ابنه الفضل : "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بالمزدلفة" .
ومن لطائفه : رواية الأب عن ابنه عن نفسه : من ذلك رواية مُعْتَمر بن سليمان التيمي قال : حدثني أبي ، قال : حدَّثني أنت عَنَّي عن أيوب- أي السخْتِياني- ، عن الحسن قال : "ويح : كلمة رحمة" .(1/114)
2- ومنها : رواية الشيخ عن تلميذه ، كالزهري عن مالك .
ومن لطائفه : رواية الشيخ عن تلميذه عن نفسه ؛ كحديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا في : "قصة الشاهد واليمين" ، قال عبدالعزيز بن محمد الدَّرَاوردي : حدثني به ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن سهيل قال : فلقيت سهيل فسألته عنه فلم يعرفه فقلت : إن ربيعة حدثني عنك بكذا ، فكان سهيل بعد ذلك يقول : حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي به.
3- ومنها : رواية الصحابة عن التابعين كرواية العبادلة الأربعة : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن عمرو بن العاص ، وابن الزبير ، وأبي هريرة ، ومعاوية ، وأنس عن كعب الأحبار .
ومن لطائفه : صحابي عن تابعي عن صحابي .
ومن أمثلته :
ما رَوَاهُ البخاري قال : حدثني عبدالعزيز بن عَبْد اللهِ ، حدثنا إبراهيم بن سعد الزهري ، قال : حدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد الساعدي أنَّه قال : رأيت مروان بن الحكم جالساً في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملا عليه { لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله } قال : فجاء ابن أم مكتوم وهويُملُّها عليَّ فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، وكان رجلاً أعمى فأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفخذه على فخذي فثثلت على حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز وجل { غير أولي الضرر } ، فسهل بن سعد صحابي ومروان تابعي وزيد ابن ثابت صحابي .(1/115)
ومن ذلك ما رَوَاهُ مسلم قال : حدثني أبو الطاهر وحرملة ، قالا أخبرنا ابن وهب ، عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ، عن السائب بن يزيد ، وعبيد الله بن عَبْد اللهِ ، أخبراه عن عبدالرحمن القاري : قال سمعت عمر بن الخطلاب يقول ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل " فالسائب صحابي ، وعبدالرحمن القاري تابعي ، وعمر أفضل الصحابة بعد أبي بكر رضي الله عنهم أو نحو ذلك ، قد جاء جملة أحاديث جمعها الحافظ أبو الضل العراقي .
قالوا : والأصل في رواية الأكابر عن الأصاغر رواية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر الجساسة عن تميم الداري رضي الله عنه .
• الثاني : عكس ذلك وهو رواية الأصاغر عن الأكابر : وهو الغالب الأكثر .
ويدخل فيه أنواع :
1- منها : رواية الابن عن أبيه : كسالم عن عَبْد اللهِ بن عمر .
2- ومنها : الابن عن أبيه عن جده فصاعداً ، وقد يراد به الأعلى جداً للأب كعمرو بن شعيب بن محمد بن عَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده كما حمله على عَبْد اللهِ من أثبت سماع شعيب منه وقد نصره الذهبي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ، فيكون الضمير عائداً على شعيب لا على عمرو .(1/116)
وأكثر ما تنتهي الآباء فيه إلى أربعة عشر أباً . قال العراقي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : (أكثر ما وقع لنا التسلسل من رواية أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسن بن عَبْد اللهِ بن محمد بن عَبْد اللهِ بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن الأصغر بن علي زين العابدين ابن الحسن بن علي عن آبائه مرفوعاً بأربعين حديثاً منها : « المجالس بالأمانة » . ومن ألطف ما جاء بأقل من ذلك رواية الخطيب في "تاريخه" عن عبدالوهاب بن عبدالعزيز بن الحارث بن أسد بن الليث ابن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد ابن أكينة - بضم الهمزة - مصغراً قال سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : أي وقد سئل عن الحنَّان المنان –الحنَّانُ الذي يُقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنَّوال قبل السؤال " قال الخطيب : "بين عبدالوهاب وبين علي رضي الله عنه في هذا الإسناد تسعة آباء آخراهم أُكنية بن عَبْد اللهِ وهو السامع علياً رضي الله عنه
3- ومنها : رواية المرأة عن أمها عن جدتها وهو عزيز جداً ، من ذلك ما رَوَاهُ أبو داود قال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثني عبدالحميد بن عبدالواحد ، حدثني أم جنوب بنت نميلة ، عن أمها سويدة بنت جابر ، عن أمها عقيلة بنت أسمر ابنُ مضرِّس ، عن أبيها أسْمر بن مضَرِّس قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته فقال : "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له" . قال : فخرج الناس يتعاودون يتخاطون" .
4- ومنها : التلميذ عن شيخه .
5- ومنها : التابع عن الصحابي وهي مستغنية عن التمثيل لشهرتها .
• الثالث : رواية القرين عن قرينه ؛ وهو من شاركه في السن والمشايخ ، ويقال له : رواية الأقران .(1/117)
مثاله : مارَوَاهُ الإمام أحمد بن حنبل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ، عن أبي خيثمة زهير بن حرب ، عن يحيى بن معين عن علي بن المديني ، عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه ، عن شعبة ، عن أبي بكر بن حفص ، عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة " فأحمد والأربعة فوقه ، خمستهم أقران .
• الرابع : رواية كل من القرينين عن الآخر ، ويقال له : المُدَبج ؛ سُمي بذلك أخذا من ديباجتي الوجه وهما الخدان لتساويهما .
كرواية : أبي هريرة عن عائشة وعائشة عنه وهما من الصحابة والزهري عن أبي الزبير وأبي الزبير عنه ؛ وهما من التابعين .
ومالك عن الأوزاعي والأوزاعي عنه ؛ وهما من أتباع التابعين .
وأحمد عن ابن المديني وابن المديني عنه ؛ وهما من أتباع الأتباع .
ثم : قد يكون بلا واسطة - كما ذكرنا - ، وقد يكون بواسطة :
ومثاله : رواية الليث عن يزيد بن الهادي عن مالك ومالك عن يزيد عن الليث . فبين المدّبَّج والأقران اجتماع وافتراق : فكل مدبَّج أقران ولا عكس .
ومن فوائدهما : التمييز بين الروايين ، وتنْزيل النَّاس منازلهم ، وأن لا يتوهم كونه من نوع المزيد والله أعلم .
• الخامس : الإخوة والأخوات .
ومن فوائده : أن لا يُظن من ليس بأخ أخاً عند الاشتراك في اسم الأب .
فمثال الاثنين من الصحابة : هشام وعمرو ابنا العاص ، وزيد ويزيد ابنا ثابت .
ومثاله من التابعين : عمرو وأرقم ابنا شرحبيل- كلاهما من أفضل أصحاب ابن مسعود- قاله ابن الصلاح ، والجمهور على تبديل عمرو بهزيل وهو الذي اقتصر عليه البخاري .
ومن الثلاثة : الصحابة سهل وعباد وعثمان بنو حُنَيْف- بالتصغير .
وفي التابعين : عَمْرو بالفتح وعُمَرُ بالضم- وشعيب بنو شعيب ابن محمد بن عَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص .(1/118)
ومن لطائفه : ثلاثة أخوة اجتمعوا في حديث يرويه بعضهم عن بعض وهم محمد بن سيرين ، عن أخيه يحيى ، عن أخيه أنس عن مولاه أنس بن مالك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لبيك حجاً حقاً تعبداً ورقاً" أخرجه الدارقطني في "العلل" .
ومن الأربعة في الصحابة : عائشة وأسماء وعبدالرحمن ومحمد بنو أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وفي التابعين : سهيل وعَبْد اللهِ الذي يقال له : عباد ومحمد وصالح بنو أبي صالح ذكوان السمان .
ومن لطائفه أربعة ولدوا في بطن ، وكانوا علماء وهم : محمد وعمر وإسماعيل ، ومن لم يسم بنو أبي إسماعيل السلمي ، ومن الخمسة في التابعين موسى وعيسى ويحيى وعمران وعائشة أولاد طلحة بن عبيد الله ، وفي اتباع التابعين سفيان وآدم وعمران ومحمد وإبراهيم بنو عيينة .
وأما من الصحابة فقال السيوطي في "شرح التقريب" : "لم أقف عليه" ، ومن السنة محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة ، وكريمة أولاد سيرين وكلهم من التابعين ، وأما من الصحابة فلم أقف عليه .
قلت : إنما ذكرت هذا النوع في اللطائف لأنه إذا اتفق رواية بعض الإخوة عن بعض صار من ألطف ذلك ، وإلا فذكرها متأخر في كتب الاصطلاح والله أعلم .
97 س : ما هو المسلسل وكم نوع هو وما مرجع أنواعه ؟(1/119)
ج : المسلسل هو : ما ورد بحالة واحدة ، وهو تسعة أنواع ، ثلاثة منها ترجع إلى ذوات الرواة ، وهي الاتفاق في التسمية ، كالمسلسل بالمحمدين ، أو الصفات كالمسلسل بالحفاظ أو النسب كالمسلسل بأهل البيت ، وثلاثة إلى ذات الرواية وهي الاتفاق في صيغة التحمل ، كالمسلسل بالسماع أو التحديث ، أو زمنها سواء بوقف معين كالمسلسل بيوم العيد ، أو مؤرخاً بغير وقت معين كحدثني شيخي فلان بكذا وهو أول ما سمعته منه ويقال له : المسلسل بالأولية ، ومثله المسلسل بالأخرية كحدثني فلان وأنا آخر من حدّث عنه ، وهذا مشترك بين الرواي والرواية بل والمروي عنه ومكانها كحدثني وهو على المنبر ونحو ذلك ، وثلاثة على صفة تقارن التحديث من قول كحديث معاذ حيث قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني أحبك فقل دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" فإنه مسلسل يقول كل من الرواة لمن يحدثه : إنه إني أحُبك فقل : إلى آخره . أو فعل كحديث أبي هريرة : أشْبَكَ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : "خلق الله الأرض يوم السبت" الحديث وهكذا كل من روى عن أبي هريرة رضي الله عنه يشبك بيده من يحدثه، أو من قول وفعل معاً كحديث أنس رضي الله عنه : " لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره" قال : "وقَبَضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته وقال : "آمنت بالقدر" الخ فإنه مسلسل يقبض كل من الرواة على لحيته مع قوله ذلك أ . هـ .(1/120)
وهذا باعتبار هيئة التسلسل وباعتبار موضع التسلسل فإما أن يكون في السند كله أو في بعض ، وهذا الثاني قسمان : إما أنْ يكون التسلسل في بعض الأصل كالمسلسل بالأولية ، وهو حديث : "الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأر ... ض يرحمكم من في السماء " فإنه ينتهي صفة التسلسل فيه إلى ابن عيينة ، وانقطعت في سماع ابن عيينة من عمرو بن دينار ، وفي سماع عمرو بن أبي قابوس ، وفي سماع عَبْد اللهِ من النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/121)
أو في بعض الأعلى كالحديث الذي في كتاب "التوحيد" لابن خزيمة –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي قال : ثنا عَبْد اللهِ بن داود أبو [عبدالرحمن] عن إسماعيل بن عبدالملك ، عن علي بن ربيعة قال : "أردفني على رضوان الله عليه خلفه ثم خرج إلى ظهر الكوفة ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاغفر لي قال : ثم التفت إلي فضحك فقال : ألا تسألني مم ضحكت ؟ قال : قلت : مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ قال : اردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه ثم خرج بي إلى حرة المدينة ، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاغر لي ، ثم التفت إلي فضحك فقال : ألا تسألني مما ضحكت ؟ قال : قلت : مم ضحكت يا رسول الله ؟ قال : ضحكت من ضحك ربي ، وتعجبه من عبده أنه يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره" فابتدأ ذكر صفة التسلسل في هذا الحديث من عند علي بن ربيعة فصعدا بهذه الصفات وهي : الارداف والخروج ورفع الرأس إلى السماء وقول هذه الكلمة العظيمة والالتفات والضحك والعرض ، وانتهت صفة الضحك إلى الله عز وجل كما يشاء على الوجه الذي أراده وأراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وناهيك بسلسلة تنتهي إلى رب العزة ذي الملكوت والجبروت والعظمة والكبرياء ، بصفة من صفاته العلي المنزهة عن التشبيه والتمثيل ، المقدسة عن التحريف والتعطيل ، والمتعالية عما انتحله أهل الإلحاد والتأويل ، وأحسن المسلسلات ما ورد بصيغة مشعرة بالاتصال قالوا : ومن أصحها المسلسل بقراءة سورة الصف ، قلت وعزاه ابن كثير في "تفسيره" إلى أحمد وابي حاتم وغيرهما ، وهذا سياق أبي حاتم قال : حدثنا العباس ابن الوليد بن مزيد البيروتي قراءة قال : أخبرني أبي سمعت الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن ، حدثني عَبْد اللهِ بن سلام : "أنَّ أناساً من أصحاب رسول الله(1/122)
=إلى أحمد وابي حاتم وغيرهما ، وهذا سياق أبي حاتم قال : حدثنا العباس ابن الوليد بن مزيد البيروتي قراءة قال : أخبرني أبي سمعت الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن ، حدثني عَبْد اللهِ بن سلام : "أنَّ أناساً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : لو أرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسأله عن أحب الأعمال إلى الله عز وجل فلم يذهب إليه أحدٌ منا وهبنا أن نسأله عن ذلك ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك النفر رجلاً رجلاً حتى جمعهم ونزلت فيهم هذه السورة (سبح لله) الصف ، قال عَبْد اللهِ بن سلام : فقرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها . قال أبو سلمة : وقرأها علينا عبد الله ابن سلام كلها ، قال يحيى بن أبي كثير : وقرأها علينا أبو سلمة كلها قال الأوزاعي : وقرأها علينا يحيى بن أبي كثير كلها ، قال أبي وقرأها علينا الأوزاعي كلها" . أ.هـ .
[ الفَصلُ الثَّالِثِ : أَقسامُهُ باعتِبارِ صِيَغِ آدَاءِ السَّنَدِ ]
98 : كم صيغ الأداء ، وبمن تختص كل مرتبة ؟(1/123)
ج : هي ثمان مراتب ، الأولى : سمعت ، الثانية : حدثني وهما لمن سمع وحده من لفظ الشيخ فإن جمع بأن قال : سمعنا فلاناً ، أو حدثنا فلان فمع غيره ، وقد تكون النون للعظمة لكن بقلة عن السلف – رحمهم الله تعالى – والأولى وهي : سمعت ، أصح الصيغ في سماع قائلها لا تحتمل الواسطة ، وأرفعها ما وقع في الإملاء ، ولأن حدثني قد تُطلق في الإجازة تدليساً ، الثالث : أخبرني ، والرابعة : قرأت عليه ، وهما لمن قرأ بنفسه على الشيخ فإن جمع كأن يقول : اخبرنا فلان أو : قرأنا عليه ، فهو كالخامس وهو : قرئ عليه وأنا اسمع ، السادسة : أنبأني وهو عند المتقدمين بمعنى الإخبار ، كذا قال الحافظ بن حجر – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – قلت : لعلة يعني عند بعضهم ، لأن منهم من يجعل التحديد والإخبار والإنباء والسماع بمعنى ، وهو صحيح في اللغة باتفاق ، ومنه في القرآن : { يومئذ تحدث أخبارها } . { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } . { إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى } . ومنه في السند عن عمر - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى" ، وقال أبو شريح لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة : "اذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به النبي - صلى الله عليه وسلم - لغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به" وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن في وصيته إياه : فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، إلى أن قال : وأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة" .(1/124)
وكل هذه الصيغ وردت في السماع لا تحتمل غيره ، وعلى ذلك بوب البخاري – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – في كتاب العلم من جامعه فقال : باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا ، وقال الحميدي : كان عند ابن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحداً ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق ، وقال شقيق عن عَبْد اللهِ : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمةً ، وقال حذيفة : "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم ، فحدثوني ما هي ؟ وفي رواية فأخبروني ؟ " وفي رواية : "فأنبئوني" ؟ قال الحافظ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "أما في عرف المتأخرين فالأنباء : للإجازة قلت : وقد أحدث المتأخرون فروق وتفاصيل لدواعٍ اقتضت ذلك لم يحتج إليها المتقدمون ، ولا مشاحة في الاصطلاح . السابع : عن ، وهي من المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس ، وبه قال مسلم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وغيره . قلت : وقد أطنب الإمام مسلم – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – في "مقدمة صحيحة" في الانتصار لهذا القول ورد ما خالفه ، وجعل اشتراط اللقاء بدعة ، وألزم مشترطه أن لا يقبل حديثاً معنعناً حتى يطلع على التلاقي في ذلك كله . وقيل : يشترط ثبوت لقائهما ولو مرة ليحصل الأمن في باقي العنعنة عن كونه من المرسل الخفي وبه قال أمير أهل الفن محمد بن إسماعيل البخاري وشيخه علي بن المديني وغيرهما واختاره كثير من الأئمة ونصره ابن حجر ، وأجابوا عن إلزام مسلم – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – أنه إنما يلزم المدلّس والمسألة مفروضة في غير وقد تقدم أنَّ هذا الشرط مما اقتضى تقدم "صحيح البخاري" على صحيح "مسلم" عند الجمهور والله أعلم .(1/125)
وعند المتأخرين هي للإجازة أيضاً ، الثامن : الإجازة وهي نوعان : الأول : أن تكون مع المناولة كأن يدفع الشيخ أصل سماعه أو فرعاً مقابلاً به ، أو يحضر الطالب الأصل للشيخ ويقول له في الصورتين : هذا روايتي عن فلان فاروه عني . وهي أرفع أنواع الإجازة لما فيها من التعيين والتشخيص وشرطه أيضاً أن يمكنه منه وإما بالعارية لينقل منه ، ويقابل عليه ، وإلا ، إن ناوله واسترده في الحال لم يكن لها مزية . النوع الثاني : الإجازة المجرد عن المناولة وهي من حيث الكيفية نوعان : الأول : المشافهة بها وهو الأرفع . والثاني : المكاتبة إلى الطالب وهو دونه . وأما من حيث الصيغة فهي أنواع أعلاها : أن يجيز لخاص من خاص بأن يعين المجازلة والمجاز به : كأجزأتُ لك وأن تروى عني "صحيح البخاري" ويليه الإجازة لخاص في عام : كأجزأت لك رواية جميع مسموعاتي ، ثم العام في خاص : نحو : أجزتُ لمن أدركني رواية "البخاري" ثم العام في عام : كجزت لمن أدركني جميع مسموعاتي ، ثم لمعدوم تبعاً للموجود : كأجزت لفلان ومن يوجد بعد ذلك من نسله وقد فعل ذلك أبو بكر بن أبي داود فقال : أجزتُ لك ولولدك ولحبل الحبلة ، يعني الذي لم يولد بعد ، وبعد الإجازة لمعدوم استقلالاً كأجزت لمن يولد لفلان ولمن سيوجد ، كذا عدَّها في "القواعد".(1/126)
وأقول : المقبول من ذلك عند جمهور المحققين هي الإجازة للخاص المعين الموجود سواء في خاص أو عام إلا أنها في الخاص أعلى وأمّا الإجازة العامة وللمجهول وللمعدوم فمختلف فيها ورَجَّحَ الحافظ ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- المنع في ذلك واختلف أيضاً في المناولة بدون إجازة وفي الوجادة وهي : أن يجد بخط يُعَرفُ كاتبه ، وفي الوصية وهي : أن يُوصِي عند موته أو سفره لشخص معين بأصله أو أصوله ، وفي الإعلام ، وهو : أن يُعلَم الشيخ أحد الطلبة بأنْ أروي الكتاب الفلاني عن فلان ، والحقُ في هذه الأربعة المنع إلاّ بإذن له في روايتها ، وقد نقل ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- تجويز الخطيب لذلك وأنه حكاه عن بعض مشايخه ، وردَّه تبعاً لابن الصلاح –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قال : "وذلك توسُّع غير مَرْضيّ ، لأن الإجازة الخاصة المعينة مختلف في صحتها اختلافاً قوياً عند القدماء وإن كان العمل استقر على اعتبارها عند المتأخرين وهي دون السماع بالاتفاق فكيف إذا حصل فيها الاسترسال المذكور فإنها تزداد ضعفاً لكنها في الجملة خير من إيراد الحديث مُعْضَلاً" ا . هـ والله أعلم .
[ الفَصلُ الرَّابِعُ : أَقسامُهُ باعتِبارِ مَعرِفَةِ رُواةِ السَّنَدِ ]
99 : إلى ما يحتاج المحدث في معرفة الرواة ؟
ج : يحتاج إلى معرفة أسمائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم ومواليدهم ووفياتهم وطبقاتهم وأحوالهم ، تعديلاً وجرحاً ، وغير ذلك .
100 : كم أنواع الأسماء على انفرادها ؟
ج : هي أنواع كثيرة نذكر منها ثلاثة عشر : الأول : مَنْ وافق اسمه اسم أبيه : ككثير بن كثير بن المطلب .
الثاني : من وافقه اسمه اسم جده كخارجة بن مصعب بن خارجة .
الثالث : من وافق اسمه اسم أبيه وجده فصاعداً : كالحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
الرابع : من اتفق اسمه واسم أبيه مع اسم جده واسم أبيه فصاعداً كأبي اليمن الكنْديّ هو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن .(1/127)
الخامس : من وافق اسمه اسم شيخه : كعَبْد اللهِ بن بُريدة بن الحصَيْب عن عَبْد اللهِ بن عباس وعَبْد اللهِ بن مسعود ، وكمحمد بن المثنى ومحمد بن بشار بن محمد بن جعفر .
السادس : من وافق اسمه اسم شيخ شيخه : كمحمد بن أبي عتَّاب ، عن عفان عن محمد بن دينار الأزدي .
السابع : من وافق اسمه اسم شيخه وشيخه فصاعداً : كعمران القصير ، عن عمران أبي رجاء العُطارديّ ، عن عمران بن حصين الصحابي ، وكسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، عن سليمان بن أحمد الواسطي ، عن سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت شرحبيل .
الثامن : مَنْ وافق اسمه واسم أبيه اسم شيخه واسم أبيه فصاعداً كأبي العلاء الهمذاني العطار مشهور بالرواية عن أبي علي الأصبهاني الحدّاد وكل منهما اسمه الحسن بن أحمد .
التاسع : مَنْ وافقه اسم شيخه اسم أبيه : كالربيع بن أنس عن أنس فأبوه بكري وشيخه أنصاري وهو : أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
العاشر : مَنْ وافق اسمه اسم أبي شيخه : كيحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد ابن يحيى بن حبان .
الحادي عشر : من اتفق اسم شيخه والراوي عنه :
وفائدته رفع اللبس عمن يظن أنَّ فيه تكراراً أو انقلاباً مثاله البخاري : عن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي البصري ، والراوي عنه مسلم بن الحجاج القشيري صاحب "الصحيح"، الثاني عشر : من وافق اسمه نسبته : كحميري بن بشير الحميري . الثالث عشر : من وقع اسمه بلفظ النسبة وليس بنسبة له : كمكي بن إبراهيم البلخي وكحضرمي بن عجلان مولى الجارود .
101 : كم أنواع الأسماء مع الكنى ؟
ج : كثيرةٌ نذكر منها سبعة عشر : الأول : من اسمه كنيته وليس له كُنية أخرى : كأبي بلال الأشعري ، الثاني : أن يكون كذلك لكن له كنية أخرى : كأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ويُكنى أبا محمد .
الثالث : من عُرِف بكنيته ولم نقف على اسمه كأبي الأبيض العنسي الشامي.(1/128)
الرابع : من لُقِب بكنيته : كأبي الشيخ بن حيان اسمه عَبْد اللهِ وكنيته أبو محمد وأبو الشيخ لقبٌ له .
الخامس : من تعددت كناه : كابن جريج يُكنى أبا خالد ، وأبا الوليد .
السادس : من اتفق على اسمه واختُلف في كُنيته : كأسامة بن زيد الحبُّ، قيل يُكنى : أبا زيد ، أو أبا محمد ، أو أبا خارجة ، أو أبا عَبْد اللهِ . أقوال .
السابع : من اتفق على كنيته واختُلف في اسمه : كأبي هريرة ، قال النووي –رحمه الله- في "شرح مسلم" : "اختلفوا في اسمه على نحو من ثلاثين قولاً أرجحها عبدالرحمن بن صخر" .
الثامن : من اختلف في اسمه وكنيته معاً . كسفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو لقبه . واسمه : صالح ، أو مهران ، أو عمير ، أقوال ، وكنيته أبو عبدالرحمن ، وقيل : أبو البختري .
التاسع : من لم يُختلف في اسمه ولا كنيته : كأئمة المذاهب الأربعة .
العاشر : من اشتهر باسمه دون كنيته : كطلحة أبي محمد والزبير أبي عَبْد اللهِ .
الحادي عشر : مَن اشتُهر بكنيته دون اسمه : كأبي سعيد الخدري ، واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري .
الثاني عشر . من وافقت كنيته اسمه : كالقاسم أبوالقاسم .
الثالث عشر : من وافقت كنيته اسم أبيه : كابي إسحاق إبراهيم ابن اسحاق المدني . الرابع عشر : من وافق اسمه كنيته أبيه : كإسحاق ابن أبي اسحاق السبيعي . الخامس عشر : من وافق كنيته كُنية زوجته : كأبي سلمة ، وأم سلمة وأبي أيوب وأم أيوب .
السادس عشر : من وافقت كنيته اسم شيخه : كأبي عَبْد اللهِ البخاري ، عن عَبْد اللهِ بن مسلمة القعنبي وعَبْد اللهِ بن يوسف التنيسى .
السابع عشر : من وافق اسمه كنية شيخه : كالإمام أحمد عن أبي أحمد الزبيري .
102 : بم تقع الألقاب وما أسبابها ؟(1/129)
ج : تقع الألقاب بأسباب كثيرة ، منها : الخلقة كالطويل ، والقصير ، والأحدب ، ومنها : العلّة : كالأعْوز ، والأعرج ، والأعمش ، والمزيّة كُبندار ، والبهيُّ ، لبهائه - ، والقصة : كذات النطاقين : أسماء بنت أبي بكر ، والضال: معاوية بن عبدالكريم ضلَّ في طريق مكة ، وتقع من باب الأضداد : كالقوي : أبي الحسن يونس بن يزيد وهو ضعيف ، والصدُوق : يونس بن محمد ، وهو : كذوب ، ويونس الكذُوب ، وهو : ثقةٌ عاصر أحمد بن حنبل ، قيل له : الكذوب لحفظه واتقانه ا هـ . نقلاً عن "التدريب" ، إلى غير ذلك ، وقد يقع اللقب بلفظ الكنية : كأبي تُراب لقب علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- ، وبلفظ النسبة : كخالد بن مخلد الكُوفي لقب القطواني .
103 : إلى من تقع الأنساب وما أنواعها ؟
ج : يُنسب الراوي إلى ما يُميزه من غيره من أب : كابن عباس ، أو أمّ : كابن عُلية، وابن الحنفية ، أو إقليم ، أو ناحية أو بلدة : كالشامي ، والدمشقي ، والغوطي ، وقال ابن المبارك : من أقام في بلد أربع سنين نُسب إليها .
أو قبيلة : كالقرشي ، أو بَطن : كالهاشمي ، فإن جُمعَ بينهما بُدأ بالأعم ثم بالأخص ، أو واقعة : كالبدري ، أوصناعة : كالحداد ، أو حرفةً : كالبزار ، أو مذهب : كالحنفي ، والمالكي ، والحنبلي ، والشافعي –غير محمد- ، والظاهري وإلى غير ذلك ، ومنهم المنسوب إلى جدته : كيعْلى ابن مُنية – بضم الميم وسكون النون وفتح التحتانية –واسم أبيه أميه ، وإلى زوج أمه كالمقداد بن الأسود بن عبد يعوث تبناه فنسب إليه ، ومنهم من نُسب إلى غير ما يُسبق إليه الفهم : كسليمان بن طرخان التيمي ليس من تيم بل نزل بها ، والحذاء لم يكن يصنعها وإنما كان يجالسهم وغير ذلك .
104 : كم أنواع الأعلام المفردة وما وما أمثلتها ؟(1/130)
ج : أربعة أنواع الأول : من سُمي باسم لم يسم به غيره مثاله في الصحابة : سَنْدَر – بفتح السين والدال المهملتين بينهما نون ساكنة آخره راء – وكَلَدة –بالمهملة وفتحات-، ابن الحنبل –بلفظ جد الإمام أحمد ، ووابصة بن معبد ، ومن غير الصحابة : تَدُومُ –بفوقية ومهملة وزن مضارع دمت- ابن صبح بضم الصاد مكبراً أو بالتصغير الحميري ،وسُعَيْر- بالمهملة مصغراً . ابن الخمس بمعجمة مكسورة فميم ساكنة فمهملة .
الثاني : من كُنَّى بما لم يُكن به غيره : كأبي العُبيدين بضم العين مصغراً –واسمه معاوية بن سبرة من أصحاب ابن مسعود ، وأبو العُشَرَاء . بضم المهملة وفتح المعجمة- الدارمي واسمه أسامة بن مالك كما ذكره ابن الصلاح .
الثالث : من لقب بما لم يلقب به غيره : ومثاله في الصحابة سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقدّم الاختلاف في اسمه ، ومن غير الصحابة : مِنْدَل بن علي العنزي واسمه فيما قيل : عمرو . مُشْكُدَانَة- بضم أوله وثالثه ، بينهما معجمة ساكنة –وهي وعاء المسك- واسمه : عَبْد اللهِ بن عمر .
الرابع : من نُسب إلى ما لم ينسب إليه غيره كاللَّبَقي – بفتح اللام والموحدة وكسر القاف – واسمه على بن سلمة .
105 : ما هو المهمل وبم يعرف وما فائدته ؟(1/131)
ج : هو أن يروي عن اثنين متفقي الاسم أو مع اسم الأب ، أو الجد ، أو النسبة ولم يتميز بما يخص كل منهما فإن كان ثقتين لم يفد ، ومن أمثلته ما وقع في البخاري ومن روايته عن أحمد –غير منسوب- عن ابن وهب ؛ فإنه أمّا أحمد بن صالح ، وأحمد بن عيسى ، أو : عن محمد- غير منسوب- عن أهل العراق ، فإنه إما محمد بن سلام ، أو محمد بن يحيى الذُّهلي ، وكلا المتفقين ثقات ، وإن كان أحدهما ضعيفاً ضر ذلك كسليمان بن داود الخولاني وسليمان بن داود اليمامي ، الأول : ثقة ، والثاني : متفق على تركه ، ويُعرف باختصاص المروي عنه بأحدهما ومتى لم يتبينُ ذلك أو كان مختصاً بهما معاً، فإشكاله شديدٌ فيرجع فيه إلى القرائن ، والظن الغالب . ومن فوائده : أن لا يُظن الواحد اثنين .
106 : ما هو المتفِق والمفترق وما فائدته ؟
ج : هو أن تتفق الأسماء وأسماء الآباء أو الكنى والألقاب أو الأنساب خطاً ونطقاً ، وتختلف الأشخاص ، ومن فائدته : أن لا يُظَن الاثنين واحد ، وهما ثمانية أنواع : الأول : أن تتفق أسماءهم وأسماء آباءهم كالجليل ابن أحمد : أكثر من ستة . الثاني : أنه تتفق أسماؤهم وأسماء آباءهم وأجدادهم : كأحمد بن جعفر بن حمدان أربعة متعاصرون في طبقة واحدة . الثالث : أن تتفق الكُنية والنسبة معاً: كأبي عمران الجونى رجلان . الرابع : أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة : كمحمد بن عَبْد اللهِ الأنصاري اثنان في الطبقة وهذا قريبٌ مما قبله .
الخامس : أن تتفق كُناهم وأسماء آباءهم كأبي بكر بن عياش –بتحتيه ومعجمة ثلاثية- .
السادس : عكسه وهو أن تتفق أسماءهم وكُنى آباءهم : كصالح بن أبي صالح أربعة من التابعين .
السابع : أن تتفق أسمائهم غير منسوبة نحو : عَبْد اللهِ إذا أطلق فإن كان بمكة فابن الزبير أو بالمدينة فابن عمر ، أو بالكوفة فابن مسعود : أو : بالبصرة فابن عباس ، أو بخراسان فابن المبارك أو : بالشام فابن عمرو بن العاص .(1/132)
الثامن : أن يتفقا في الكُنْية فقط : كأبي حمزة- بالحاء والزاي- ستة كلهم يروون عن ابن عباس ، أو في النّسبة فقط وهذا يصلُحُ أن يُعَدُّ تاسعاً : كالحنفي جماعة منهم أبو بكر وأبو علي وآخرون ، وقد يفترقان فيما تقع النّسبة إليه ؛ فمنهم من يُنسب إلى مذهب كأبي حنيفة ومنهم من يُنسب إلى قبيلة بني حنيفة . والله أعلم .
107 : ما هو المؤتلف والمختلف وما فائدته وكم قسم هو ؟
ج : هو أن تًتفِق الأسماء وأسماء الآباء أو الكنى أو الألقاب أو الأنساب خطاً وتختلف نطقاً ، وفائدة معرفته : الأمْنُ من التَّحريف والتَّصحيف وهو نوعان : أحدهما وهو الأكثر : مالا ضابط له يُرجَعُ إليه لِكثرته وإنما يُعرف بالنقل والحفظ كاسيد –بالفتح مكبراً- هو أبو عَتَّاب ، وأُسيد بالضم مصغراً –هو ابن حُضير. ومثله سليم- بفتح السين- هو ابن أخْضَر البصريُّ ، وسُليم –وهم جماعة . وكحَيَّان –بمهملة مفتوحة ومثناة تحتية مُشَددة ، وحَبَّان –بفتح الحاء المهملة وموحدة تحت- ، وحِبَّان مِثْلُه لكن –بكسر الحاء- وحُبَّان- بضم المهملة وتشديد الموحدة- ، وجَيَّان – بفتح الجيم وتشديد المثناة من تحت - ، وجِنان بكسر الجيم وتخفيف النون- وحَنَان- بفتح المهملة وتخفيف النون -، وحبَان- بفتح المهملة وتخفيف الموحدة . النوع الثاني : ما ينضبط لقلته ؛ وهو قسمان ،
الأول : ما يراد فيه التعميم بأن يُقال : ليس لهم فلان إلاّ فلان ، كَسَلاَّم-كُلَّه مُثْقَل –إلاَّ : عَبْد اللهِ بن سَلاَم ، الصَّحابي ، وابن أُختِه ، وجَدَّ أبي علي الجُبائي وهو : محمد بن عبدالوهاب بن سَلاَم وجدَّ السّيدي وهو سعد بن جعفر بن سلاَم ، وجدَّ النَّسفي وهو : أبو نصر محمد بن يعقوب ابن اسحاق بن محمد بن موسى بن سلام ، ووالد الْبيْكَنْدي وهو : محمد ابن سلام بن الفرج الْبِيْكَنْدي شيخ البخاري ، وابن أبي الحُقيق .(1/133)
الثاني : ما يراد فيه التخصيص وهو تارة بكتب مخصوصة : كقولهم ليس في "الصحيحين" و"الموطأ" خازِم –بالمعجمة- إلا محمد بن حازم أبو معاوية ، ومن عداه مما في الكتب الثلاثة : فَحَازِم بمهملة كأبي حازم الأعرج وجرير بن حازم . وتارة بالقبائل : كحِزام في قريش –بالزاي- وفي الأنصار حَرَامَ –بالراء- ومن هذا النوع في الكنى : أبو نصر الضَّبي وغيره بالصاد- ، وأبو النَّضر –بالضاد- البغدادي . ومنه في الألقاب : الْبَطِين –بالباء- مفتوحة وزن : كَرِيْم –اسمه : مسلم بن عمران ، وذو البُطِين –بالباء- مفتوحة وزن : كَرِيم –اسمه : مسلم بن عمران ، وذو البُطين بالموحدة مضمومة على وزن حُسين وهو : أسامة بن زيد. ومنه في الأنساب السَّبْياني بالنون وكسر المهملة في أوله ، والشيباني –بالمعجمة المفتوحة –أبو عمرو وأبو إسحاق . ومنه النسائي بالمهملة –صاحب "السنن"، والنسائي –بالمعجمة- محمد بن حرب . والخُرَّاز –براء وزاي-عَبْد اللهِ بن عون وخالد بن حَيَّان ، والْخزَّار –بزايين- أبو عامر صالح بن رستم .
108 : ما هو المتشابه ؟
ج : هو أن تتفق الأسماء خطاً ونطقاً وتختلف الآباء نظقاً مع ائتلافهما خطاً . كمحمد بن عقيل –بفتح العين- ، ومحمد بن عُقيل –بضمها- ، الأول نيسابوري ، والثاني :فريابي، وهما مشهوران وطبقاتهما متقاربة . أو بالعكس كأن تختلف الأسماء نطقاً مع ائتلافهما خطاً وتتفق الآباء خطاً ونطقاً : كشريح بن النعمان بالمعجمة في أوله والمهملة في آخره –وسريج ابن النعمان- بمهملة في أوله ومعجمة في آخره- ، الأول تابعي يروي عن علي ، والثاني من شيوخ البخاري .
109 س: كم نوعاً يتركب من المتشابه ومما قبله ؟(1/134)
ج : يتركب منه أنواع ، منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه في الاسم واسم الأب في حرف أو حرفين فأكثر ، من أحدهما أو منهما ، وهو على قسمين ، أولهما أن يكون بالتعبير مع أنّ عدد الحروف ثابت في الجهتين كمحمد بن سنان بالمهملة ونونين بينهما ألف وهم جماعة منهم : العَوْقي –بفتح العين والواو ثم القاف –شيخ البخاري ، ومحمد بن سيَّار- بفتح المهملة وتشديد التحتانية وبعد الألف راء – وهم أيضاً جماعة منهم : اليمامي شيخ عمر بن يونس ، كمحمد بن حُنين- بضم المهملة ونونين بينهما تحتانية –تابعي يروي عن ابن عباس وغيره ومحمد بن جُبير –بجيم فموحدة وآخره راء – وهو تابعي مشهور أيضاً . ومن ذلك مُعرَّف – بالعين –ابن واصل كوفي مشهور ، ومُطرَّف بن واصل –بالطاء بدل العين –شيخ آخر يروي عنه أبو حذيفة النهدي ، ومنه : أيضاً أحمد بن الحسين صاحب إبراهيم بن سعد وآخرون ، وأحْيد بن الحسين مثله لكن بدل –الميم تحتانية- وهو شيخٌ بخاري يروي عنه عَبْد اللهِ بن محمد البيكندي ، ويتركب من هذا القسم نوع آخر وهو : إذا وجد في أحد المتشابهين صورة عدد حروف الآخر دون حقيقته : كحفص بن ميسرة شيخ مشهور من طبقة مالك ، وجعفر بن ميسرة ، شيخ لعبيد الله بن موسى الكوفي ، الأول –بمهملة وفاء وصاد- والثاني- بجيم وعين مهملة وفاء وراء- فإن الصاد من حفص قد يشبه- الفاء والراء- من جعفر .(1/135)
ثانيهما أن يكون الاختلاف بالتغيير من نقصان بعض الأسماء كعَبْد اللهِ بن زيد : جماعة منهم من الصحابة صاحب الأذان واسم جده عبدُ ربه، وراوي حديث الوضوء واسم جده عاصمك وهما أنصاريان ؛ وعَبْد اللهِ بن يزيد بزيادة ياء في أول اسم الأب- والزَّاي مكسورة وهم أيضاً جماعة : منهم في الصحابة : الخطْمي يُكنى أبا موسى ، وحديثه في "الصحيحين" ومنهم القارئ له ذكر في حديث عائشة وقد زعم بعضهم أنه الخطميُّ وفيه نظر : ومنها : عَبْد اللهِ بن يحيى : وهم جماعة ، وعَبْد اللهِ بن نُجيّ –بضم النون وفتح الجيم فياء مُشَدَّدة- تابعي معروف يروي عن علي رضي الله عنه . ومنها أن يحصل الاتفاق مع التقديم والتأخير في الاسمين جملة : كالأسْوَدَ ابن يزيد ، ويزيد بن الأسود ، وعَبْد اللهِ بن يزيد ، ويزيد بن عَبْد اللهِ ، ثانيهما : أن يقع التقديم والتأخير في نفس حروف الاسم بالنسبة إلى ما يشتبه به : كأيوب بن سيَّار ، الأول : مدني مشهور ليس بالقويِّ والثاني : مجهول أ . هـ من "نخبة الفكر وشرحها" بتصرف ، وأما معرفة المواليد والوفيات والبلدان فإنما تحصلُ بالاستقراء والتتبع لها من الكتب المصنفة فيها من التواريخ والطبقات وأسماء الرجال المختصة بها "كالإكمال" و"تهذيبه" و"تقريبه" وغيرها لأنها نقل مَحْضُ لا تنحصر في ضابط ولا يغنى فيها التمثيل .
110 : ما معنى الطبقة ؟ وما فائدة معرفتها ؟(1/136)
ج : الطبقة في اصطلاحهم عبارة عن جماعة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ ، وقد يكون الشخص الواحد من طبقتين باعتبارين كأنس بن مالك رضي الله عنه فإنه من حيث صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - يعد من طبقة العشرة مثلاً ومن حيث صغر السن يعد في طبقة من بعدهم، فمن نظر إلى الصحابة باعتبار الصحبة جعل الجميع طبقة واحدة كما صنع ابن حبان وغيره ، ومن نظر إليهم باعتبار قدر زائد كالسبق إلى الإسلام أو شهود المشاهد الفاضلة جعلهم طبقات إلى ذلك جَنَحَ صاحب "الطبقات" أبو عَبْد اللهِ محمد بن سعد البغدادي وكتابه أجمع ما جمع في ذلك ، وكذلك من جاء بعد الصحابة –وهم التابعون- من نظر إليهم باعتبار الأخذ عن بعض الصحابة فقط جعل الجميع طبقة واحدة ، كما فعل ابن حبان ومن نظر إليهم باعتبار اللقاء قَسَّمهم كما فعل ابن سعد –رحمهما الله تعالى- ولكل منهما وجهة والله أعلم . وفائدة معرفة الطبقات : الأمن من تداخل المشتبهين وإمكان الاطلاع على تبيين التدليس والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة .
111 : كم طبقات الرواة إجمالاً ؟(1/137)
ج : حصر الحافظ ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى طبقاتهم في اثنتى عشرة طبقة ، الأولى : الصحابة على اختلاف مراتبهم ، الثانية : طبقة كبار التابعين : كابن المسيب ، قال : فإن كان مخضرماً صرحتُ بذلك ، الثالثة : الطبقة الوسطى بين التابعين : كالحسن ، وابن سيرين ، الرابعة : طبقة تليها جُلَّ روايتهم عن كبار التابعين : كالزهري ، وقتادة ، الخامسة : الطبقة الصغرى منهم الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع عن الصحابة : كالأعمش ، السادسة : طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة : كابن جريج ، السابعة : كبار أتباع التابعين : كمالك والثوري ، الثامنة : الطبقة الوسطى منهم : كابن عُيينة ، التاسعة : الطبقة الصغرى منهم أي من أتباع التابعين : كيزيد بن هارون والشافعي وأبو داود الطيالسي وعبدالرزاق ، العاشرة : كبار الآخذين عن تبع الأتباع : كأحمد بن حنبل ، الحادية عشر : الطبقة الوسطى من ذلك كالذُهْلي والبخاري ، الثانية عشر : صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي . قال : وألحقتُ بها باقي شيوخ الأئمة الذين تأخرت وفاتهم قليلاً كبعض شيوخ النسائي ، وذكرتُ وفاة من عرفت سنة وفاته منهم فإن كان من الأولى والثانية فهم قبل المائة ، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة ، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين ، ومن نذر عن ذلك بينته أ . هـ . من مقدمة تقريب التهذيب" .
112 : كم مراتب التعديل والتجريح ؟ وما هي ؟ وما فائدة معرفة ذلك ؟(1/138)
ج : للتعديل سبع مراتب أرتبها على الأقوى فالأقوى ، الأول : ثبوت الصحبة إذ لا بحث فيمن ثبتت صحته لأن الطعن في الصحابة طعنٌ في الدين ، فهم حاملوه ومبلغوه إلى من بعدهم ، وهم الواسطة بين بقية الأمة وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الواسطة بيننا وبين ربنا عز وجل ، فالطاعن في أحدهم طاعن في دينه في الحقيقة لكنك لا تجد الطعن فيهم إلا عمن لا دين له نسأل الله تعالى العفو والعافية { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } ، " { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم } . الثانية : ما جاء فيه أفعل التفضيل : كأوثق الناس ، وما أشبه ذلك نحو : إليه المنتهى ، جبل الحفظ ، لا يسأل عن مثله . الثالثة : الصفة المتكررة بلفظ واحد : كثقة ثقة ، وكثقة ثبت أو ثقة حافظ ، أو ثقة حجة ، أو ثقة متقن . الرابعة : ما وصف بذلك مفرداً كثقة ، متقن، حجة ، ثبت ، حافظ . الخامسة : ليس به بأس ، لا بأس به صدوق ، مأمون ، خيار . السادسة : محله الصدق ، رووا عنه ، شيخ ، وسط ، صالح الحديث ، مقارب الحديث- بفتح الراء وكسرها- جيد الحديث ، حسن الحديث . السابعة : صويلح ، صدوق إن شاء الله ، أرجو أن لا بأس به.
وللتجريح ستُ مراتب ، أذكرها على ترتيب الأسوأ فالأسوأ ، الأول : ما جاء بصيغة أفعل : كأكذب الناس ، وما أشبه ذلك : كركن الكذب .
الثانية : صيغة المبالغة : ككذَّاب ، وضَّاع ، دجَّال ، يكذب كثيراً ، يضع.
الثالثة : مُتهم بالكذب أو بالوضع ، ساقط ، هالك ، ذاهبٌ ، متروك، تركوه ، فيه نظر ، سكتوا عنه ، لا يُعتبر به ، ليس بثقة ، غير ثقة ولا مأمون .(1/139)
الرابعة : مردود الحديث ، ضعيف جداً ، واه بِمَرَة ، مطروحٌ ، ارم به ، ليس بشيء ، لا يساوي شيئاً ، وكل من وُصِف بشيء من هذه المراتب لا يُحتج به ولا يستشهد به ولا يعتبر به .
الخامسة : ضعيف ، منكر الحديث ، مضطرب الحديث ، واه ، ضعَّفوه لا يحتج به . السادسة : فيه مقال ، فيه ضعفٌ ، ليس بذلك ليس بالقوي ، تَعْرِفُ وتنكر ، ليس بعُمدة، فيه خلف ، مطعون فيه ، سيء الحفظ ، ليّن ، تكلموا فيه . وأصحاب هاتين الرتبتين يُكتب حديثهم للاعتبار ولا يُحتج به . وأما فائدته : فهو أهم أنواع هذا الفن إذ يُعرف ما يُقبلُ من الأخبار وما يُردّ ولهذا لا يقبل خبر المجهول لتعذر العلم بجرحه أو عدالته والله أعلم .
113 : ما حكم الجرح ؟ ولمن يجوز ؟ وممن يقبل ؟(1/140)
ج : قال النووي – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – في "شرح مسلم" : "اعلم أنَّ جرحَ الرواة جائز بل واجب بالاتفاق للضرورة الداعية ًإليه لصيانة الشريعة المكرمة – أي من أن يدخل فيها ما ليس منها – وليس هو من الغيبة المحرمة بل من النصيحة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، ولم تزل فضلاء الأئمة وأخيارهم وأهل الورع يفعلون ذلك" ، قال : وعلى الجارح تقوى الله عز وجل في ذلك والتثبت فيه والحذر من التساهل بجرح سليم من الجرح ، أو بنقص من لم يظهر نقصه ، فإن مفسدة الجرح عظيمة ، فإنها غيبة مؤبدة مبطلة لأحاديثه مسقطة لسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رادة لحكم من أحكام الدين ، ثم إنما يجوز الجرح لعارف به مقبول القول فيه ، أما إذا لم يكن الجارح من أهل المعرفة أو لم يكن ممن يقبل قوله فيه فلا يجوز له الكلام في أحد ، فإن تكلم كان غيبة محرمة" – وعزاه إلى القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – ثم قال : "الجرح لا يُقبل إلا من عدل عارف بأسبابه ، وهل يُشترط في الجارح والمعدل العدد ؟ فيه خلاف للعلماء ، والصحيح إنه لا يُشترط بل يصير مجروحاً أو عدلاً بقول واحد لأنه منم باب الخير فيقبل فيه الواحد . هل يشترط ذكر سبب الجرح أم لا ؟ اختلفوا فيه فذهب الشافعي وكثيرون إلى اشتراطه لكونه قد يعده مجروحاً بما لا يجرح لخفاء الأسباب ولاختلاف العلماء فيها ، وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني في آخرين إلى أنه لا يشترط أي مطلقاً ، وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط من المعارف بأسبابه ويُشترط من غيره ، وعلى مذهب من اشترط في الجرح التفسير نقول : فائدة الجرح فيمن جرح مطلقاً أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح، ثم من وجد في "الصحيحين" ممن جرحه بعض المتقدمين يحمل ذلك على أنه لم يثبت جرحه مفسراً بما يجرح .(1/141)
قال : ولو تعارض جرح وتعديل قدم الجرح على المختار الذي قاله المحققون والجماهير ، ولا فرق بين أن يكون عدد المعدلين أكثر أو أقل ؛ وقيل : إذا كان المعدلون أكثر قدم التعديل ، والصحيح الأول لأن الجارح اطلع على أمرٍ خفيٍّ جهله المعدل" والله أعلم .
114 : فيم يشترط الخبر والشهادة ؟ وفيما يفترقان ؟(1/142)
ج : قال الإمام النووي – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - : "اعلم أن الخبر والشهادة يشتركان في أوصاف ويفترقان في أوصاف ، فيشتركان في اشتراط الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة والمروءة وضبط الخبر والمشهود به عند التحمل والأداء ، ويفترقان في الحرية والذكورية والعدد والتهمة وقبول الفرع مع وجود الأصل ، فيقبل خبر العبد والمرأة والواحد ورواية الفرع مع حضور الأصل الذي هو شيخه ، ولا تقبل شهادتهم إلا في المرأة في بعض المواضع مع غيرها ، وترد الشهادة بالتهمة كشهادته على عدوه وبما يدفع به عن نفسه ضرراً أو يجر به نفعاً ولولده ، واختلفوا في شهادة الأعمى فمنعها الشافعي وطائفة ، وأجازها مالك وطائفة ، واتفقوا على قبول خبره ، وإنما فرّق الشرع بين الشهادة والخبر في هذه الأوصاف لأنَّ الشهادة تخص فيظهر فيها التهمة والخبر يعمه وغيره من الناس أجمعين فتنتقي التهمة ، وهذه الجملة قول العلماء الذين يُعتد بهم وقد شذ عنهم جماعة في أفراد بعض هذه الجملة ، فمن ذلك شرط بين أصحاب الأصول أن يكون تحمله الرواية في حال البلوغ ، والإجماع يرد عليه ، وإنما يعتبر البلوغ في حال الرواية ، لا حال السماع ، وجوّز بعض أصحاب الشافعي رواية الصبي وقبولها منه حال الصبا ، والمعروف من مذهب العلماء مطلقاً ما قدمناه . وشرط الجبائي المعتزلي وبعض القدرية العدد في الرواية فقال الجبائي : لابد من اثني كالشهادة ، وقال القائل من القدرية : لابد من أربعة عن أربعة في كل خبر ؛ وكل هذه الأقوال ضعيفة ومنكرة مطرحة وقد تظاهرت دلائل النصوص الشرعية والحجج العقلية على وجوب العمل بخبر الواحد وقد قرر العلماء في كتب الفقه والأصول ذلك بدلائله وأوضحوه أبلغ الإيضاح وصنف جماعة من أهل الحديث وغيرهم مصنفات مستكثرات مستقلات في خبر الواحد وجوب العمل به" .
115 : كم أنواع المبهمات ؟ وبم تعرف ؟ وما فائدة معرفتها ؟(1/143)
ج : المبهمات أربعة أقسام : أبهمهما رجل ، أو امرأة ، أو رجلان ، أو امرأتان ، أو رجال ، أو نساء ، ومن ذلك في المتن حديث ابن عباس رضي الله عنهما : "أن رجلاً قال : يا رسول الله أنحج كل عام" ؟ وهو الأقرع بن حابس كما سماه في "مسند أحمد" ، وحديث السائلة عن غسل الحيض فقال - صلى الله عليه وسلم - : "خذي فرصة من مسك فتطهري بها" – الحديث – رَوَاهُ الشيخان عن عائشة هي : أسماء بنت يزيد بن السكن ، وفي رواية لمسلم هي أسما بنت شَكَل – بفتحتين – قال النووي – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – : "يحتمل التعدد" ، ومن ذلك في المسند ما رَوَاهُ أبو داود من طريق حجاج بن فرافصه عن رجل عن ابي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً : "المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم" . قال في التقريب : "يحتمل أنه يحيى بن أبي كثير" قلت لأن أبا داود رَوَاهُ أيضاً من طريق بشر ابن رافع عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً .(1/144)
ثم قد يطلق إبهامه كما تقدم ، وقد يقيد إما بقبيلة كحديث أبي هريرة : "إن امرأتين من هذيل اقتتلتا" – الحديث . اسم الضاربة أم عفيف ، وذات الجنين مليكة بنت عويمر – وكالأسود هلال عن رجل من بني ثعلبة . هو ثعلبة بن زهدم ، والأسود بن يزيد عن رجل من أشجع – في قصة بَروْعَ . هو معْقل بن سنان أو إلى صفة فضيلة : كأبي بردة بن أبي موسى عن رجل من المهاجرين بحديث : "إنه ليغان على قلبي" هو الأغر المزني . وعبدالرحمن بن جابر الأنصاري عن رجل من الأنصار . وهو أبو بردة بن نيار . أو إلى واقعة : كصالح بن خوات عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف هو أبوه ، أو سهل بن أبي حثمة . الثاني : الابن والبنت والأخ والأخت ، والابنان والأخوان وابن الأخ والابن والأخت ، من ذلك في المتن : حديث أم عطية في غسل بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء وسدر . وهي زينب زوجة أبي العاص بن الربيع ، وحديث عقبة بن عامر : "قلت يا رسول الله إنَّ أختي نذرت أن تمشي" – الحديث ، هي : أم حِبَّان بالكسر فالتشديد . وحديث قول أبي بكر لعائشة : "إنما هما أخواك وأختاك" هم عبدالرحمن ومحمد وأسماء وأم كلثوم ، ومنه في السند (خ) إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه ، هو : عبدالحميد (دس) إسماعيل ابن أبي خالد عن أخيه ؛ له أربعة أخوة : أشعث ، وسعيد ، وخالد ، والنعمان . (س) سالم بن أبي الجعد عن أخيه له خمسة أخوة : عَبْد اللهِ ، وعبيدالله ، وزياد ، وعمران ، ومسلم . وغير ذلك . الثالث : العم والعمة ونحوهما كالخال والخالة والأم والأب والجد والجدة وابن العم أو بنته ، من ذلك في المتن : عمة جابر التي بكت أباه لما قتل يوم أحد هي : فاطمة بنت عمرو ، وقيل هند .(1/145)
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما : "أهدت خالتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أهدت خالتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سمناً واقطاً" قيل : اسمها هزيلة ، وقيل : حفُيدة بنت الحارث ، وتكنى أم حفيد ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه : "كنت أدعو أمي إلى الإسلام" –الحديث اسمها : أميمة بنت صفيح ، وحديث نافع : تزوج ابن عمر بنت خاله عثمان بن مظعون فقالت أمها : بنتي تكره ذلك . اسم بنت خاله زينب وأمها خولة ابنت حكيم ، وفي السند (خ . د) رافع بن خديج عن عمه في حديث "النهي عن بيع المخابرة" ، هو ظهير بن رافع (س) إبراهيم النخعي عت خاله –هو الأسود بن يزيد ، (د) أحمد بن عمرو بن السرح عن خاله : هو عبدالرحمن بن عبدالحميد . و(س) أنس بن مالك عن أمه . هي أم سليم . و(ق) عَبْد اللهِ بن إدريس عن أبيه وعمه عن جده اسم عمه : داود ، واسم جده : يزيد. (ت) عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة ، قيل : اسمه عقبة ، وقيل : عَبْد اللهِ بن شقيق . (د) عبدالجبار بن وائل ابن حجر عن أهل بيته عن وائل بن حجر. يقال: هو أخوه علقمة .(1/146)
الرابع : الزوج والزوجة والعبد وأم الولد . من ذلك في المتن زوجة عبدالرحمن بن الزبير التي كانت تحت رفاعة القرظي فطلقها ، اسمها تُميمة –بالضم- بنت وهب ، وقيل : سُهيمة . وحديث جابر أنَّ عبداً لحاطب قال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار واسمه سعد وفي السند (س) ثمامة بن حزن عن جارية لعائشة حبشية . يحتمل أن تكون بريرة (م) عياض الأشعري عن امرأة أبي موسى . هي : أم عَبْد اللهِ . أم ولد عبدالرحمن بن عوف عن أم سلمة – في تطويل الذيل . قيل : اسمها حميدة وفي "التقريب" : "لم أقف على اسمها". ويتوصل لمعرفتها بجمع طرق الحديث غالباً . ومن فوائده في المتن تتبين الأسماء المبهمة وتحقيق الشيء على ما هو عليه فإن النفوس متشوقة إليه ، وقد يكون في الحديث منقبة له فتستفاد بمعرفته فضيلته ، وقد يشتمل على فعل غير مناسب فيحصل بتعيينه السلامة من جولان الظن في غيره من أفاضل الصحابة خصوصاً إذا كان ذلك من المنافقين ، وقد يكون سائلاً عن حكم عارضه حديث آخر فيستفاد بمعرفته هل هو ناسخ أو منسوخ ؟ إن عرف زمن إسلامه .
وإن كان المبهم في الإسناد فمعرفته تفيد ثقته أو ضعفه ليحكم للحديث بالصحة وغيرها ا هـ . هذا إذا كان غير صحابي فإن كان صحابياً فلا بحث فيه لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم .
116 : كم أقسام الولاء ؟
ج : ثلاثة ، ولاء بالعتاقة ، وولاء بالحلف ، وولاء بالإسلام ، مثال الأول : الليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم ، وعَبْد اللهِ بن المبارك الحنظلي مولاهم ، وعَبْد اللهِ بن صالح الجهني مولاهم ، وربما يُنسب إلى القبيلة مولى مولاها ، منه : عَبْد اللهِ بن وهب القرشي الفهري فإنه مولى يزيد بن رمانة مولى يزيد بن أنيس الفهري : ومثال الثاني : قال ابن الصلاح –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "مالك الإمام ونفره هم أصبحيون . وهم حميريون صلبية وهم موال لتيم قريش بالحلف .(1/147)
ومثال الثالث : البخاري صاحب "الصحيح" الجُعْفِي مولاهم نسب إلى ولاء الجعفيين لأنَّ جده المغيرة أسلم وكان مجوسياً على يد اليمان بين أخنس الجعفي وهوجد عَبْد اللهِ بن محمد المسندي أحد شيوخ البخاري" أ. هـ .والله أعلم.
[ آدابُ الشَّيخِ والطَّالِبِ ]
117 : ما الآداب التي يشترك فيها الشيخ والطالب ؟ والتي ينفرد فيها كل واحد منهما ؟
ج : يشتركان في تصحيح النية ، وبذل النصيحة للمسلمين بأن يكون طلبه الحديث للعمل به ونشره بين المسلمين والتطهر من أعراض الدنيا وتحسين الحال . وينفرد الشيخ : بأن يُسمع إذا احتيج إليه ، ولا يحدّث ببلد فيه أولى منه بل يرشد إليه- كذا قال الحافظ- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قلت : لعل هذا باعتبار الأولوية وإلا فقد حدَّث جماعة من التابعين بحضرة الأكابر من الصحابة- رضي الله عنهم- بل أفتوا ولم ينكر ذلك عليهم- قال : ولا يترك اسماع احد لنية فاسدة ، وأن يتطهر ويجلس بوقار ، ولا يحدث قائماً ولا عجلاً ولا في طريق إلا أن اضطر إلى ذلك، وأن يُمسك عن الحديث إذا خشى التغير أو النسيان لمرض أو هرم ، وإذا اتخذ مجلس الإملاء أن يكون له مُستمل يقظ" . قلت : وأن يستنصت الطلبة فإن رفع أحد صوته زجره لقول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية فإن رفع الصوت على حديثه - صلى الله عليه وسلم - كرفعه على صوته إذ هو المشرع وهذا تشريعه . قال : "وينفرد الطالب بأن يوقر الشيخ ولا يضجره ، ويرشد غيره لما سمعه ولا يدع الاستفادة لحياء أو تكبر ويكتب ما سمعه تاماً ويعتنى بالتقييد والضبط ويذاكر بمحفوظه ليرسخ في ذهنه ا هـ. يعني : أنه بعد حفظ الحديث يطلب معرفة رجاله ولطائف إسناده ودرجته من الصحة والنحو وفقهه ولغته ونحوه .
118 : ممن يصلح التحمل ؟ ولمن يجوز الأداء ؟(1/148)
ج : قال الحافظ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "الأصح اعتبار سن التحمل بالتمييز ، هذا في السماع وقد جرت عادة المحدثين بإحضارهم الأطفال مجالس الحديث ويكتبون لهم أنهم حضروا ، ولابد في مثل ذلك من إجازة المسمع والأصح في سن الطالب بنفسه أن يتأهل لذلك ، ويصح تحمل الكافر أيضاً إذا أداه بعد توبته وثبوت عدالته . وأما الأداء فقد تقدم أنه لا اختصاص له بزمن معين بل يقيد بالاحتياج والتأهل لذلك وهو مختلف باختلاف الأشخاص ،وقال ابن خلاَّد : إذا بلغ الخمسين ولا ينكر عند الأربعين ، وتعقب بمن حدث قبلها كمالك" أ هـ.
119 : ممن يصلح التحمل ؟ ولمن يجوز الأداء ؟
ج : قال الحافظ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "الأصح اعتبار سن التحمل بالتمييز ، هذا في السماع وقد جرت عادة المحدثين بإحضارهم الأطفال مجالس الحديث ويكتبون لهم أنه حضروا ، ولابد في مثل ذلك من إجازة المسمع والأصح في سن الطالب بنفسه أن يتأهل لذلك ، ويصح تحمل الكافر أيضاً إذا أداه بعد توبته وثبوت عدالته . وأما الأداء قد تقدم أنه لا اختصاص له بزمن معين بل يقيد بالاحتياج والتأهل لذلك فهو مختلف باختلاف الأشخاص ، وقال ابن خلاَّد إذا بلغ الخمسين ولا ينكر عند الأربعين ، وتعقب بمن حدث قبلها كمالك" أ هـ .
119 : كيف صفة كتابة الحديث وعرضُه وإسماعه والرحلة فيه وتصنيفه؟(1/149)
ج : صفة كتابته أن يكتبه مُبيناً مفسراً ويشكل المشكِل منه ووينْقُطَه ولا يمشق ولا يقرمط ولا يدقق الخط إلا اضطراراً لخفة الحمل ونحوه ويكتب الساقط في الحاشية اليمنى مادام في السطر بقية وإلا ففي اليسرى ، ويتأكد ضبط الملتبس من الأسماء لأنه نقل محض لا مدخل للأفهام فيه كبُريد- بضم الموحدة فإنه يشتبه بيزيد –بالتحتية- وليس قبله ولا بعده شيء يدل عليه ولا مدخل للقياس فيه. وصفة عرضه : مقابلته مع الشيخ المسمع أو مع ثقة غيره أو مع نفسه شيئاً فشيئاً بأصل شيخه ، أو فرع مقابل عليه بأصل السماع ، وليعْن بالتصحيح بأن يكتب "صح" على كلام صحَّ رواية ومعنى لكونه عُرضة للشك أو الخلاف ، وكذا بالتَّضْبيب ويُسمى التمريض : بأن يُمدَّ خطاً أو له كرأس الصادر لا يلصقْهُ بالممدود عليه على ثابت نقلاً فاسد لفظاً أو معنى أو ضعيف أو ناقص ، ومن الناقص موضع الإرسال وصفة سماعه : أن لا يتشاغل بما يخل به من نسخ أو حديث أو نعاس ، وصفة إسماعه كذلك وأن يكون ذلك من أصله الذي سمع فيه أو من فرع قُوبل على أصله فإن تَعذَّر فلْيَجْبُره بالإجازة لما خالف إن خالف . ولا يسرد الحديث سرداً بل يجعله فصلاً يفهمه كل من سمعه . وصفة الرحلة فيه أن يبتديء بحديث أهل بلده فيستوعبه ثم يرحل فيحصل في الرحلة ما ليس عنده ويكون اعتناؤه في أسفاره بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشيوخ .(1/150)
وصفة تصنيفه : إما على المسانيد بأن يجمع مسند كل صحابي على حِدة فإن شاء رتبه على سوابقهم ، وإن شاء رتبه على حروف المعجم وهو أسهل تناولاً ، أو على الأبواب الفقهية أو غيرها ، بأن يجمع في كل باب ما روى فيه مما يدل على حكمه إثباتاً أو نفياً ، والأولى أن يقتصر على ما صح أو حسن ، فإن جمع الجميع فليبين علة الضعف ، أو على العلل فيذكر المتن وطرقه وبيان اختلاف نقلته والأحسن أن يُرتبها على الأبواب ليسهل تناولها ، أو يجمعه على الأطراف فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته ويجمع أسانيده إما مستوعباً وإما مقيداً بكتب مخصوصة ، ومن المهم معرفة أسباب الحديث قال ابن حجر –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "وقد صنف فيه أبو حفص العكبري " وهو كأسباب القرآن لأنه مُبين لفقه الحديث ومعانيه بحيث يبين احتماله للتأويل من عدمه ، ومن أمثلته حديث أبي هريرة في البحر : "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" فإنه وقع جواباً عن سؤال كما في "الموطأ" أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل . وفي "مسند أحمد" : من بنى مدلج . وعند الطبراني : اسمه عَبْد اللهِ . إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به؟ وفي لفظ أبي داود : بماء البحر ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" . ومن المهم معرفة تواريخ المتون ، ومن فوائده معرفة الناسخ والمنسوخ ، قال السيوطي : "وقد أفرده السرَّاج البلقيني بالتصنيف" أ . هـ. ويعرف التاريخ في المتن بألفاظ منها : "أول" كحديث عائشة رضي الله عنها : أول ما بدئ به - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصالحة .(1/151)
الحديث أو "قبل" كحديث جابر في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الحاجة ثم رؤيته قبل موته بعام يستقبلها ، ومنها "بعد" كحديث جرير البجلي أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخف ، فقيل : أقبل نزول المائدة أم بعدها ؟ فقال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة . ومنها "آخر الأمرين" كما تقدم في الناسخ . ومنها يوم كذا أو عام كذا .. كحديث بريدة : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلاة بوضوء واحد" وغير ذلك من الألفاظ والله أعلم .
الْخَاتِمَةُ
فيها فوائدُ تتعلَّقُ بما تقدَّمَ :
[ الْمُرادُ مِن عِلمِ الحَديثِ ](1/152)
• الفَائِدَةُ الأُولَى : قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في (شرح مسلم) : "فإن المراد من علم الحديث : تحقيق معاني المتون ، وتحقيق علم الإسناد والعلل ، والعلة : عبارة عن معنى في الحديث خفي يقتضي ضعف الحديث مع أن ظاهره السلامة منها ، وتكون العلة تارة في المتن ، وتارة في الإسناد وليس المراد من هذا العلم مجرد السماع ولا الإسماع ولا الكتابة ، بل الاعتناء بتحقيقه والبحث عن خفي معاني المتون والأسانيد والفكر في ذلك ودوام الاعتناء به ومراجعة أهل المعرفة به ومطالعة كتب أهل التحقيق فيه وتقييد ما حصل من نفائسه وغيرها ، فيحفظها الطالب بقلبه ويقيدها بالكتابة ثم يديم مطالعة ما كتبه ويتحرى التحقيق فيما يكتبه ويتثبت فيه فإنه فيما بعد ذلك يصير معتمداً عليه ، ويذاكر بمحفوظاته من ذلك من يشتغل بهذا الفن سواء كان مثله في المرتبة أو فوقه أو تحته فإن بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر ، ويتأكد ويتقرر ويزداد بحسب كثرة المذاكرة، ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياماً وليكن في مذاكرته متحرياً بالإنصاف قاصداً الاستفادة أو الإفادة غير مترفع على صاحبه بقلبه ولا بكلامه ولا بغير ذلك من حاله مخاطباً له بالعبارة الجميلة اللينة فبهذا ينمو علمه وتزكو محفوظاته والله تعالى أعلم " .
[ قَبُولُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ ]
• الفَائِدَةُ الثَّانِِيَةُ : من بلغه عن رسول الله سنة ثابتة فليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } الآية .(1/153)
ولابد مع ذلك من انشراح صدره بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } . ولا ينصب المعارض بين الأحاديث معتقداً التناقض فإن بعضها يصدق بعضاً لا يناقضه في نفس الأمر فإن سبق إلى فهمه شيء من ذلك فليسأل أهل الذكر ولا يطرح أحد الحديثين مع إمكان الجمع بوجه ما ؛ ولا يعارض بين السنة والكتاب فإنها لا تناقض الكتاب بل تبينه وتفسره وتوضح معناه لقوله تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } الآية وقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "يوشك أحدكم متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه حرام حرمناه ؛ ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمثل ما حرم الله " . أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - .
[ رِوايَةُ الحديثِ بالمَعنَى ]
• الفَائِدَةُ الثَّالثَةُ : لا يروى الحديث بالمعنى مادام يحفظ ألفاظه فإن ذلك آمن للرواية من الخطأ في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد يكون في عبارة أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم - فوائد تقصر عنها عبارة غيره ممن يروي بالمعنى لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أوتى جوامع الكلم ؛ وإن فاته اللفظ أو أصاب المعنى فليروه به أداء للحكم الشرعي وحفظاً له ونصحاً للأمة ؛ ويستحب له الاحتياط بعد ذلك بقوله : أو كما قال .
[ أَقسامُ الحديثِ الصّحيحِ ](1/154)
• الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ : قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "قال الحاكم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في كتابه "المدخل إلى كتاب الإكليل الصحيح" : الصحيح من الحديث عشرة أقسام ، خمسة متفق عليها ، وخمسة مختلف فيها ؛ فالقسم الأول من المتفق عليه اختيار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح وهو : أن لا يذكر غلا ما رَوَاهُ صحابي مشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له روايتان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه من أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور على ذلك الشرط ، ثم كذلك قال الحاكم –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- "والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث" . القسم الثاني : مثل الأول إلا أن راويه من الصحابة ليس له إلا راو واحد . القسم الثالث : مثل الأول إلا أن راويه من التابعين ليس له إلا راوٍ واحد. القسم الرابع : الأحاديث الأفراد الغرائب التي رَوَاهُا الثقات العدول . القسم الخامس : أحاديث جماعة من الأئمة عن آلائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم : كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، وإياس بن معاوية عن أبيه عن جده ، وأجدادهم صحابيون وأحفادهم ثقات . قال الحاكم –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "فهذه الأقسام الخمسة مخرَّجة في كتب الأئمة فيحتج بها وإن لم يخرج منها في الصحيحين حديث" –يعني غير القسم الأول . قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : -"أما قوله إن من لم يرو عنه إلا واحد فليس هو من شرط البخاري ومسلم فمردود غلَّطة الأئمة فيه بإخراجهما حديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب ، لم يرو عنه غير ابنه سعيد ، وبإخراج البخاري حديث عمرو بن تغلب : "إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إليّ" –الحديث لم يرو عنه غير الحسن- في "الخلاصة" : "والحكم بن الأعرج فيما قيل" - .(1/155)
وحديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي : "يذهب الصالحون" الحديث . لم يرو عنه غير قيس قلت في "الخلاصة" : "وعنه قيس بن حازم وزياد بن علاقة" ا هـ . فلا يكون من الوحدان –قال : "وبإخراج مسلم حديث رافع بن عمرو الغفاري لم يرو عنه غير عَبْد اللهِ بن الصامت" . قلت في "الخلاصة" . "وعنه ابنه عمران وعَبْد اللهِ بن الصامت". فلا يكون من الوحدان أيضاً - . قال :"وحديث ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة" .قلت : في "الخلاصة" : وعنه حنظلة بن علي وأبو سلمة" فلا يكون من الوحدان أيضاً . قال : "ونظائر في "الصحيحين " لهذا كثيرة والله أعلم " . قلت : وأكثر ما اعترضوا به على الحاكم في هذا الباب لا يصح ولا يثبت كونه من الوحدان كما ترى فإن وجد النزر اليسير كالمسيب ابن حزم لا يرد عليه ،ولعل الصواب معه في هذه المسألة فإن رجال "الصحيحين" كلهم مشاهير في الجملة والله تعالى أعلم . قال الحاكم –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "والخمسة المختلف فيها : المرسل ، وأحاديث المدلسين إذا لم يذكر واسماعهم ، وما أسنده ثقة وأرسله جماعة من الثقات ، وروايات الثقات غير الحفاظ العارفين ، وروايات المبتدعة إذا كانوا صادقين". أهـ.
[ أَقسامُ رُواةِ الحَديثِ ](1/156)
• الفَائِدَةُ الخامِسَةُ : قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "قال أبو علي الغساني : الناقلون سبع طبقات ثلاثة مقبولة ، وثلاث متروكة والسابعة مختلف فيها ، الأولى : أئمة الحديث وحفاظه وهم الحجة على من خالفهم ويقبل انفرادهم ، الثانية : دونهم في الحفظ والضبط لحقهم في بعض رواياتهم وهم وغلط والغالب على حديثهم الصحة ويصحح ما وهموا فيه من رواية الأولى وهم لاحقون بهم . الثالثة : جنحت على مذاهب من الأهواء غير غالية ولا داعية وصح حديثها وثبت صدقها وقل وهمها ؛ فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم ، وعلى هذه الطبقات يدور نقل الحديث . وثلاث طبقات أسقطهم أهل المعرفة ، الأولى : من وسم بالكذب ووضع الحديث ، الثانية : غلب عليهم الغلط ، والثالثة : غلت في البدعة ودعت إليها وحرفت الروايات وزادت فيها ليحتجوا بها . السابعة : قوم مجهولون انفردوا بروايات لم يتابعوا عليها فقبلهم قوم ووفقهم آخرون" أهـ. قال النووي –رحمه الله- "فأما قوله إن أهل البدع والأهواء الذين لا يدعون إليها ولا يغلون فيها يقبلون بلا خلاف فليس : كما قال بل فيهم خلاف وكذلك في الدعاة خلاف مشهور" . قلت : قدّمته كفاية إن شاء الله عز وجل.
[ حَذفُ (قَالَ) مِنَ السَّنَدِ ]
• الفَائِدَةُ السَّادسة : قال –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "جرت عادة أهل الحديث بحذف "قال" ونحوه بين رجال الإسناد في الخط وينبغي للقارئ أن يتلفظ بها وإذا كان في الكتاب : قرئ على فلان فليقل القارئ : قرئ على فلان ، قيل له : أخبرك فلان : فإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان ، فليقل : قرئ على فلان قيل له : قلت : أخبرنا فلان . وإذا تكررت كلمة "قال" كقوله : حدثنا صالح قال : قال الشعبي ، فإنهم يحذفون احداهما في الخط فليلفظ بهما القارئ فلو ترك القارئ لفظ : "قال" فقد أخطأ ، والسماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه" .(1/157)
[ تَمييزُ الأسانيدَ والمُتونِ بِقَولِهِم : (نَحوهِ) و(مِثلِهِ) ]
• الفَائِدَةُ السَّابعةُ : قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "إذا روى الشيخ الحديث بإسناد ثم اتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهاء هذا الإسناد : مثله ، أو نحوه . فأراد السامع أن يروى المتن بالإسناد الثاني مقتصراً عليه فالأظهر منعه ، وهو قول شعبة . وقال سفيان الثوري : يجوز بشرط أن يكون الشيخ المحدث ضابطاً متحفظاً مميزا بين الألفاظ . وقال يحيى بن معين : يجوز ذلك في قوله : مثله ، ولا يجوز في نحوه . قال الخطيب البغدادي : "الذي قال ابن معين بناء على منع الرواية بالمعنى فإما على جوازها فلا فرق " ، وكان جماعة من العلماء يحتاطون في مثل هذا فإذا أرادوا رواية مثل هذا أورد أحدهم الإسناد الثاني ثم يقول : مثل حديث قبله كذا ثم يسوقه ، واختار الخطيب هذا ،ولاشك في حسنه أما إذا ذكر الإسناد وطرفاً من المتن ثم قال : وذكر الحديث . أو يقال : واقتص الحديث ، أو قال : الحديث وما أشبههه، فأراد السامع أن يروى عنه الحديث بكماله فطريقه أن يقتصر على ما ذكره الشيخ ثم يقول : والحديث بطوله كذا –ويسوقه إلى آخره ، فإن أراد أن يرويه مطلقاً ولا يفعل ما ذكرنا فهو الأولى بالمنع مما سبق في مثله ونحوه وممن نص على منعه الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائني الشافعي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وأجازه أبو بكر الإسماعيلي –رحمه الله- بشرط أن يكون السامع والمسمع عارفين ذلك الحديث ، وهذا الفصل مما تشتد الحاجة إلى معرفته للمعتنى بصحيح مسلم لكثرة تكرره فيه والله أعلم " .
[ تَقديمُ بَعضِ المَتنِ على بَعضِهِ ](1/158)
• الفَائِدَةُ الثَّامنةُ : قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "إذا قَدَّم بعض المتن على بعض ، اختلفوا في جوازه بناء على جواز الرواية بالمعنى ، فإن جوزناها جاز ، وإلا فلا ، وينبغي أن يقطع بجوازه إن لم يكن المقدم مرتبطاً بالمؤخر . وأما إذا قدم المتن على الإسناد وذكر المتن وبعض الإسناد ثم ذكر باقي الإسناد متصلاً حتى وصله بما ابتدأ به فهو حديث متصل والسماع صحيح ، فلو أراد من سمعه هكذا أن يقدم جميع الإسناد فالصحيح الذي قاله بعض المتقدمين القطع بجوازه ، وقيل : فيه خلاف كتقديم بعض المتن على بعض والله أعلم" .
[ ذَهابُ بَعضِ السَّندِ أو الْمَتنِ ]
• الفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ : إذا درس الكتاب –من باب قعد بمعنى اندرس أي : عتق- بعض الإسناد أو المتن جاز أن يكتبه [و] هو الصواب الذي قاله المحققون ، ولو بينه في حالة الرواية فهو أولى ، أما إذا وجد في كتابه كلمة غير مضبوطة أشكلت عليه فإنه يجوز له أن يسأل عنها العلماء بها من أهل العربية وغيرهم ويرويها على ما يخبرونه والله أعلم " .
[ إِبدالُ لَفظِ (النَّبِيِّ) بِـ(الرَّسولِ) ]
• الفَائِدَةُ العاشِرَةُ : قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "إذا كان في سماعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأراد أن يرويه ويقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عكسه فالصحيح الذي قاله حماد بن سلمة وأحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب إنه جائز لأنه : لا يختلف فيه هنا معنى ، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله : "الظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى لاختلافه" والمختار ما قدمته لأنه وإن كان أصل النبي والرسول مختلفاً فلا خلاف هنا ولا لبس ولاشك والله أعلم .
[ تَرميزُ لَفظَةِ (حدَّثَنا) و (أَخبَرَنا) ](1/159)
• الفَائِدَةُ الحادِيةُ عشرة : قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "جرت العادة بالاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا واستمر الاصطلاح عليه من قديم الأعصار إلى زماننا واشتهر بحيث لا يخفى فيكتبون من حدثنا "ثنا" وهي الثاء والنون والألف وربما حذفوا الثاء ، ويكتبون من أخبرنا" "أنا" ولا يحسن زيادة الباء قبل ناء .
[ حاءُ التَّحويلِ (ح) ]
• [ الفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عشرة ] : إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد على إسناد "ح" وهي حاء مهملة مفردة والمختار أنها مأخوذة من التحول لتحويله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها : -ح- ويستمر في قراءة ما بعدها ، وقيل : إنها من حال بين الشيئين إذا حجز لكونها حالت بين الإسنادين وأنه لا يلفظ عند الانتهاء إليها بشيء وليست من الرواية ، وقيل : إنها رمز إلى قوله : الحديث ، وأن أهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها : الحديث –وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها "صح" فيشعر بأنها رمز "صح" وحسن هاهنا كتابة "صح" لئلا يتوهم أنه سقط متن الإسناد الأول .
ثم هذه "الحاء" توجد في كتب المتأخرين كثيراً ، وهي كثيرة في "صحيح مسلم" قليلة في "صحيح البخاري" فيتأكد احتياج صاحب هذا الكتاب –يعني كتاب مسلم- إلى معرفتها ، وقد أرشدناه إلى ذلك ولله الحمد والمنة" .
[ زِيادَةُ نَسَبِ الرّواةِ في الأَسانيدِ ](1/160)
• الفَائِدَةُ [ الثالِثة ] عشرة : قال – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : "ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذباً على شيخه فإن أراد تعريفه وإيضاحه وزوال اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره ، فطريقه أن يقول : قال حدثني فلان –يعني ابن فلان أو الفلاني أو هو ابن فلان أو الفلاني – أو نحو ذلك فهذا جائز حسن قد استعمله الأئمة ،وقد أكثر البخاري ومسلم منه في "الصحيحين" غاية الإكثار حتى إن كثيراً من أسانيدهما يقع في الإسناد الواحد منها موضعان أو أكثر من هذا الضرب ، كقوله في أول كتاب البخاري في باب من سلم المسلمون من لسانه ويده : قال أبو معاوية : ثنا داود –هو ابن أبي هند- ، عن عامر ، قال : سمعت عَبْد اللهِ –هو ابن عمرو- . وكقوله في كتاب مسلم في باب منع النساء من الخروج إلى المساجد : ثنا عَبْد اللهِ بن مسلمة ، ثنا سليمان-يعني ابن بلال- ، عن يحيى –وهو ابن سعيد- ونظائره كثيرة ، وإنما يقصدون بهذا الإيضاح كما ذكرنا أولاً ، فإنه لو قال : ثنا داود ، أو عَبْد اللهِ ، لم يعرف من هو لكثرة المشاركين له في هذا الاسم ، ولا يعرف ذلك في بعض المواطن إلا الخواص والعارفون بهذه الصنعة وبمراتب الرجال فأوضحوه لغيرهم وخففوا عنه مؤنة النظر والتفتيش ، وهذا الفصل نفيس بعظم الانتفاع به فإن من لا يعاني هذا الفن قد يتوهم أنه قوله : يعني ، وقوله : هو ، زيادة لا حاجة إليها وأن الأولى حذفها ، وهذا جهل قبيح والله أعلم." .
[ كِتابَةُ أَلفاظِ والتَّعظيم وَالتَّصلِيَة والتَّرضِّي والتَّرحّم ](1/161)
• الفَائِدَةُ [ الرَّابِعَةِ ] عشرة : يستحب لكاتب الحديث إذا مر بذكر الله –عز وجل- أن يكتب : عزّ وجلّ ، أو تعالى ، أو سبحانه وتعالى ، أو تبارك وتعالى ، أو جلّ ذكره ، أو تبارك اسمه ، أو جلّت عظمته ، وأشبه ذلك . وكذلك يكتب عند ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكمالها لا رامزاً إليها ، ولا مقتصراً على أحدهما . وكذلك يقول في الصحابي : رضي الله عنه ، فإن كان صحابياً ابن صحابي قال : رضي الله عنهما ، وكذلك يترضى ويترحم على سائر العلماء والأخيار ، ويكتب كل هذا وإن لم يكن مكتوباً في الأصل الذي ينقل منه فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء ، وينبغي للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكوراً في الأصل الذي يقرأ منه ولا يسأم من تكرر ذلك ، ومن أغفل حُرِم خيراً عظيماً ، وفوّت فضلاً جسيماً والله أعلم .
[ مَن لَم يَروِ عنهُ إلاَّ واحِد ]
• الفَائِدَةُ [ الخامِسَة ] عشرة : من لطائف الرواة : من لم يرو عنه إلا واحد ، وقد صنف فيه مسلم صاحب "الصحيح" –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- كتاباً سمى بـ "المفردات والوحدان" ، ومن فوائده معرفة المجهول ، وقد تقدّم في بابه ، فمثاله من الصحابة : مسيب بن حزن القرشي لم يرو عنه غير ابنه سعيد بن المسيب –التابعي الجليل- في حديث وفاة أبي طالب ، المتفق عليه ، وقد تقدم في الفائدة الرابعة مع جملة من الأمثلة ، ومثاله من غير الصحابة : المسور ابن رفاعة القرظي تفرّد عنه مالك ، بل ذكر الحاكم أن الذين تفرد مالك عنهم عشرة من أشياخ المدينة ، وكعَبْد اللهِ بن شداد الليثي تفرد عنه سفيان الثوري بل ذكر الحاكم أن من تفرد عنهم بضعة عشر شيخاً ، وكالمفضل ابن فضالة تفرد عنه شعبة ، وذكر الحاكم أنه تفرد نحو ثلاثين شيخاً والله أعلم .(1/162)
ومنهم من لم يرو إلاّ عن واحد ، مثاله في التابعين : كعاصم بن ضمرة ليس له رواية عن علي رضي الله عنه ، قال الذهبي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وثقه ابن معين وبن المديني رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إلى آخر كلامه . ومثاله في اتباع التابعين : عبدالحميد بن أبي العشرين ليس له رواية إلاّ عن الأوزاعي ، ومنهم من يجتمع فيه النوعان فلم يرو إلا عن واحد ولم يرو عنه إلاّ واحد ، مثاله في التابعين ابن أبيّ ثور ، ليس له رواية عن ابن عباس ولم يرو عنه إلا ابن شهاب الزهري –رحمه الله- ، ومنهم من لم يرو إلا حديثاً واحداً وقد صنف فيه البخاري ، مثاله في الصحابة : أُبي بن عمارة المدني –رضي الله عنه- قال الحافظ المزي –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً واحداً في مسح الخف وهو في سنن أبي داود والترمذي وكحدرد بن أبي حدرد الأسلمي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" رَوَاهُ أبو داود . وكأبي حاتم صحابي روى حديث : "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" . ومن أمثلته في غير الصحابة إسماعيل بن بشير المدني وروى عن جابر وأبي طلحة قالا : سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلاّ خذله الله في موطن يحب فيه نصرته" –الحديث رَوَاهُ أبو داود. قال المزي : "ولا يعرف له غيره" وإسحاق بن يزيد الهذلي المدني روى عن عون بن عَبْد اللهِ عن ابن مسعود رضي الله عنه حديث :"إذا ركع أو سجد فليسبح ثلاثاً وذلك أدناه" رَوَاهُ الثلاثة . قال المزي : "وليس له غيره" والله أعلم .
[ فَضائِلُ أَهلِ الحَديثِ ](1/163)
• الفَائِدَةُ [ السَّادِسَة ] عشرة : في ذكر فضائل الحديث وأهله : فمن ذلك : قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ومن حفظه تعالى دينه : أن حمى حوزته بأئمة الحديث ؛ فنفوا عنه شباب الغالين ، وانتحال المبطلين عند ظهور الأهواء وموجان الفتن وفشوا البدع ؛ من إنكار صفات الله – تعالى - ، والكفر بالقدر ، والقول بخلق القرآن ، وغير ذلك فثبتوا عند ذلك ثبوت الأطواد ، وردوا عن الدين كيدأعدائه ، وذبوا عنه بالحجج والبراهين ، وأدحضوا بحجة الله – تعالى – حجة المعاندين ، ودمغوا بالحق باطل الملحدين ، فهم : أهل السنة والجماعة ، وكل من انتسب إلى ذلك فهو تبع لهم ، فهم أعلام الهدى ، والقدوة الصالحة لمن اقتدى .
ومن حفظ الله – تعالى – دينه بهم ما قاله الإمام الشهير والحافظ الكبير عَبْد اللهِ ابن المبارك – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – لمّا قيل له : الأحاديث الموضوعة حين أفشاها الزنادقة ، فقال "تعيش لها الجهابذة ، قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } " . وقد الأمر على ما قاله – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – فقيض الله – عز وجل – أولئك الجهابذة لتصفية أهل السنة النبوية عمّا يشوبها ، وانتقدوا رجالها إنتقادها بالغاً ، واطرحوا الزيف منهم ، وردوا على أهل الكذب كذبهم ، وكفوا من بعدهم مؤنة ذلك بتمييزهم الصحيح من السقيم والمجروح من السليم حتى إن أحدهم ليميز اللفظ النبوي من غيره بديهة من قبل أن ينظر في إسناده وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وفي الأثر : "يحمل هذا العلم من كل خلف عدولة ، وينفون عنه انتحال المبطلين ، وتحريف الغالين ، [وتأويل الجاهلين]" أو كما قال .(1/164)
ومن ذلك قال الله – عز وجل - : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } الآية . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" ، ومعلوم ، بالضرورة أن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - متوقف على معرفة ما كان عليه أمره ، بالضرورة أن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - متوقف على النقل ، ولا طريق لذلك إلاّ عن أهل الحديث ، فالناس في ذلك عالة عليهم بلا شك .
ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : "بلغوا عني ولو آية" وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها" .
ومعلوم أنه لم يعتن أحد بهذا التبليغ والسماع والتأدية ما اعتنى به أهل الحديث حتى إن أحدهم ليسافر المسافات البعيدة ، ويعاني من التعب والمشقة ما الله به أعلم في طلب حديث واحد ، أو حديثين ليسمعه فيعيه فيؤديه كما سمعه ، فلا أحد أولى بهذه الدعوة منهم .
ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة . لا يضرهم من خالفهم ، ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى" .
قال الإمام أحمد – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – : "إن لم يكونوا أهل الحديث ، فلا أدري من هم ؟" .
ومن ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : "وإن من أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة ، وهم الجماعة ؟ وفي رواية هم من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي" .
ولا شك أن بعد ظهور هؤلاء لم يبق جماعة على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلا أهل الحديث وأتباعهم ، ولا ينطبق هذا الوصف إلاّ عليهم .
ومن ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : "من سلك طريقاً يلتمس فيها علماً سهَّل له به طريقاً إلى الجنة" . ولم يسلك أحد هذا الطريق سلوكهم في سماع الحديث وإسماعه والرحلة فيه حتى جمعوه وحصلوه وأثبتوه حظاً وكتابة وبلغوه إلى من بعدهم حتى وصل إلينا فلا أحد أولى منهم بذلك .(1/165)
ومن ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً" .
وأحياء أهل الحديث لسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخفى بل لا تتلقى السنن إلاّ عنهم .
ومن ذلك قوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } . ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليّ صلاة واحدة ، صلى الله بها عشرا"، وغيره متن أحاديث فضل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن أحد أكثر صلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من أهل الحديث ، حتى إن قارئ الحديث ليصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد صلوات كثيرة ، بل لو لم يكن في قراءة الحديث إلا فضيلة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لكفى بها فضيلة .
وفضائل الحديث وأهله لا تحصى ، ولا يحاط بها ، إن أجرهم إلاّ على الله ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور .
قال جامعه – غفر الله تعالى له - : هذا آخر ما يسر الله – عز وجل – جمعه من هذا الفن وهو بالنسبة إليه قطرة من بحر ، ولكنه يدل على ما وراءه ، وبالله التوفيق .
سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين .
نَقَلَهُ إلى الشَّبَكَةِ أَخٌ يَسألُكُم الدَّعاءَ لهُ ولوالِدَيهِ بالتَّوفيقِ(1/166)