درجة حديث الصدوق
ومن في مرتبته
للدكتور
عبدا لعزيز بن سعد التخيفي
درجة حديث الصدوق ومن في مرتبته
من الألفاظ التي ترد على ألسنة الأئمة النقاد قولهم عن الراوي ( صدوق ) .
وظاهر هذه الكلمة أن الموصوف بها متصف بالصدق في قوله ، وورودها بصيغة المبالغة مشعر بتمام ضبطه لما يحدث به .
وإذا كان حال هذا الراوي على هذا الوصف ، فهل هذا مستفاد من أصل هذه الكلمة واستعمال الشارع لها في خطابه ، أو من حيث الاصطلاح السائر بين أهل العلم من المحدثين .
في هذا البحث سأتحدث عن هذه المسألة من خلال النقاط التالية :
أولاً : بيان المراد من كلمة صدوق من حيث اللغة ، ومن حيث ورود استعمالها في القرآن الكريم والسنة النبوية .
ثانياً : موضع كلمة صدوق وما في حكمها ضمن مراتب التعديل .
ثالثاً : قول أهل العلم في الاحتجاج بحديث الصدوق ومن كان في درجته .
رابعاً : بيان القول الراجح في هذه المسألة .
خامساً : نتيجة هذا البحث .
سادساً : ملحق حول قولههم عن الراوي ( صدوق له أوهام ) أو ( صدوق يهم ).
أولاً : من المعروف لغة أن الصدق ضد الكذب .
وقد ورد في القرآن الكريم استعمال مادة ( صدق ) في مواضيع عدة بمثل هذه الصيغ : صدّق ، وصادق ، والصدِّيق ، ومُصَدِّق .
كما في قوله تعالى : ( بل جاء بالحق وصدّق المرسلين ) ، وفي سورة مريم قوله سبحانه وتعالى عن إسماعيل عليه السلام : ( إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً ).
وجاء وصف يوسف عليه السلام بالصديق : ( يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان ) . وأخبر سبحانه وتعالى عن عيسى عليه السلام بقوله : ( ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ) .
وأما صيغة صدوق بخصوصها فلم أقف عليها في القرآن الكريم .
وأما في السنة النبوية فقد ورد استعمال مادة ( صَدَقَ ) في نصوص كثيرة منها ما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال :
((1/1)
سمعت الصادق المصدوق يقول : هلكة أمتي على يد غلمة من قريش ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أثبت أحد فإن عليك نبي أو صديق وشهيدان ) .
وفي حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً : ( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ) .
وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال : قيل يا رسول الله : أي الناس أفضل ؟ قال : كل مخموم القلب صدوق اللسان ) . وقد فسر قوله ( مخموم القلب ) بأنه النقي التقي الذي سلمت طويته من الضغائن والإحن .
وقد قال الراغب الأصفهاني : ( الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً ، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تاماً ).
وهذا يدل على أنه إذا وصف الشخص بأنه صادق في قوله فيلزم من ذلك أن يكون حافظاً لحديثه .
فإذا وصف بذلك على سبيل المبالغة ( صدوق ) أفاد ذلك قوة حفظ لما يخبر به .
ثانياً : اتفق المصنفون في مراتب الجرح والتعديل _ فيما رأيته من المصادر والمراجع _ على أن عبارة صدوق وما يماثلها من ألفاظ التعديل ، ثم تنوع اجتهادهم في موضعها في سلم ألفاظ التعديل .
فعلى سبيل المثال نجد أن الإمام الحافظ عبدالرحمن بن أبي حاتم جعلها في المرتبة الثانية من مراتب التعديل .
وأما الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال وكذلك الحافظ زين الدين العراقي في كتابه التبصرة فقد جعلاها في المرتبة الثالثة .
وحيث إن الحافظ ابن حجر في كتابه التقريب قد ضم إلى مراتب التعديل طبقة الصحابة فقد جعل أهل هذه الدرجة في المرتبة الرابعة .
وقد أضاف الحافظ السخاوي إلى مراتب الجرح والتعديل كثيراً من الألفاظ وبذلك وضع حديث الصدوق في المرتبة الخامسة .
ثالثاً : اتضح بما تقدم أن لفظ ( صدوق ) من ألفاظ التعديل ، فالموصوف بها عدل في نفسه .
لكن اختلف قول أهل العلم في الاحتجاج بحديثه ، فبعضهم يرى أن حديثه حجة ، وبعضهم يرى أن حديثه يكتب وينظر فيه لمعرفة هل حفظ هذا الحديث بخصوصه فيحتج به أو لم يحفظه فلا يحتج به .(1/2)
فمثلاً : الإمام الحافظ عبدالرحمن بن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل قال :
( وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى :
1_ فإذا قيل للواحد : إنه ثقة ، أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه .
2_ وإذا قيل له صدوق أو محله الصدق أو لابأس به ، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ).
وأما الإمام الحافظ أبوعمرو بن الصلاح فقد وافق ابن أبي حاتم في شأن حديث الصدوق من حيث إنه يكتب حديثه وينظر فيه .
قال ابن الصلاح في مقدمته :
( بيان الألفاظ المستعملة من أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل ، وقد رتبها أبومحمد عبدالرحمن بن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل فأجاد وأحسن ، ونحن نرتبها كذلك ).
ثم أورد ما تقدم ذكره عن ابن أبي حاتم ثم قال في تعليل عدم الاحتجاج بحديث الصدوق ومن في حكمه :
( لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط ، فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه ).
وقد تابع ابن الصلاح فيما ذهب إليه طائفة من الأئمة الحفاظ المصنفين في علوم الحديث مثل النووي وزين الدين العراقي والسخاوي والسيوطي .
وذهب طائفة من الأئمة الحفاظ كالذهبي وابن حجر إلى الاحتجاج بحديث الصدوق ومن في حكمه .
ففي خطبة كتاب ميزان الاعتدال قال الحافظ الذهبي : ( أعلى الرواة المقبولين : ثقة حجة ، وثبت حافظ ثم ثقة ثم صدوق ، ولا بأس به وليس به بأس ).
وفي بيان الحافظ ابن حجر للحديث الشاذ ذكر أن المحدثين يفسرونه بمخالفة الثقة من هو أوثق منه .
ثم قال : ( والشاذ راويه ثقة أو صدوق ).
وكذلك فإن الأستاذ العلامة أحمد محمد شاكر قد أخذ بهذا القول ، حيث إنه ذكر أن حديث الصدوق ومن في حكمه صحيح من الدرجة الثانية .
رابعاً : القول الراجح في هذه المسألة :
القول الراجح لدي في هذه المسألة أن حديث الصدوق حجة ، لأدلة من أهمها :
الدليل الأول :
أن لفظ صدوق من حيث اللغة يطلق على من تحقق فيها أمران :
أحدهما .. أن يكون صادقاً فيما يخبر به ، بمعنى أنه حافظ لما يحدث به .(1/3)
الثاني .. أن يكون خبره مطابقاً لاعتقاده ، وإلا كان كاذباً فيما يقول ، وإن كان خبره في نفسه حقاً .
وذلك مثل المنافق الذي يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فهذا الخبر حق في نفسه ، لكنه كاذب في قوله لأنه لا يعتقد ذلك بقلبه .
وتقدم قول الراغب الأصفهاني :
( الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً ).
بل إن بمقارنة لفظة ( صدوق ) مع لفظة ( ثقة ) نجد أن مادة ( وثق ) لم تأت في القرآن الكريم بمعنى الصدق في القول ، أو التثبت في نقل الأخبار .
بل أكثر ورودها بمعنى العهد .
كما في قوله تعالى : ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به ).
وقوله تعالى : ( حتى تؤتون موثقاً من الله ) .
وقوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) .
وورد استعمال ( وثق ) في بعض المواضع بمعنى ما يوثق به الشيء من حبل ونحوه ، كما في قوله تعالى : ( فشدوا الوثاق ) ، وقوله تعالى : ( ولا يوثق وثاقه أحد ).
وبالجملة فإن مادة ( صدق ) وما يشتق منها أكثر استعمالاً في خطاب الشارع من ( وثق ) .
بل إن لفظة ( صدوق ) أقوى دلالة على غاية التثبت في القول من صيغة ( ثقة ) وذلك من حيث اللغة ، ومن حيث استعمال الشارع .
لكن المحدثين في اصطلاحهم أكثروا من استعمال لفظة ( ثقة ) وجعلوها لقباً للراوي الذي بلغ مرتبة عالية من الضبط والاتقان .
الدليل الثاني :
ما نُسب إلى الإمام الحافظ محمد بن أبي حاتم من أنه لا يرى أن حديث الصدوق حجة قول يحتاج إلى شيء من الإيضاح .
وذلك أنه ذكر مراتب الجرح والتعديل في ثلاثة مواضع من كتابه .
الموضع الأول والثاني في المجلد الأول الذي هو مقدمة لكتابه .
والموضع الثالث في خطبة الكتاب نفسه في أول المجلد الثاني .
وتقسيم ابن أبي حاتم لمراتب التعديل في الموضع الأول ، وكذلك الثاني أكثر وضوحاً في بيان مراده .(1/4)
حيث إنه جعل من يقبل حديثهم على أربع مراتب ، الأولى والثانية والثالثة لمن يحتج بحديثهم ، والرابعة لم يقبل حديثهم في الفضائل .
والمرتبة الأولى في هذا الموضع الأول وكذلك في الموضع الثاني للأئمة الحفاظ الأثبات .
والمرتبة الثانية للحفاظ الثقات ، ثم قال عن المرتبة الثالثة :
( الصدوق في روايته ، الورع في دينه ، الثبت الذي يهم أحياناً ، وقد قبله الجهابذة النقاد ، فهذا يحتج بحديثه أيضاً ).
وقال عن المرتبة الرابعة :
( الصدوق الورع المغفل ، الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط ، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام ).
والحاصل أن ابن أبي حاتم جعل حديث الصدوق في هذين الموضعين على قسمين :
القسم الأول : الصدوق في روايته الورع في دينه الذي يهم أحياناً ، فهذا يحتج بحديثه .
القسم الثاني : الصدوق المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ .
فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب ، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام .
فإذا كان حديث الصدوق الموصوف بأنه مغفل الغالب عليه الوهم والخطأ فإنه يكتب من حديثه في الفضائل ولا يحتج به .
فما حكم حديث الصدوق الذي ليس كذلك ، أو الذي يهم أحياناً بحيث لم يكثر الوهم في حديثه ، ولم يكن غالباً عليه .
ظاهر كلام ابن أبي حاتم في هذا الموضع الأول من مقدمة كتابه وكذلك في الموضع الثاني من المقدمة : أنه يحتج بحديثه .
وبمقارنة ذلك في الموضع الثالث الذي هو في صدر المجلد الثاني :
( وإذا قيل إنه صدوق ... فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ).
نجد أن هذه العبارة مجملة ، وكأنه فعل ذلك لما تقدم من تفصيل وبيان ضمن المقدمة .
بمعنى أنه ينظر في حديثه لمعرفة حال الراوي :
هل هو صدوق يهم أحياناً بحيث لم يكثر الوهم في حديثه ولم يغلب عليه فحديثه محتج به ، أو هو صدوق مغفل الغالب عليه الوهم والخطأ فلا يحتج به .
الدليل الثالث :(1/5)
قال الحافظ أبوأحمد بن عدي في خطبة كتابه الكامل في الضعفاء :
( وذاكر في كتابي هذا كل من ذكر بضرب من الضعف ، ومن اختلف فيه فجرحه البعض وعدله البعض ... ولا يبقى من الرواة الذين لم أذكرهم إلا من هو ثقة أو صدوق ).
فدل ذلك على أن حديث الصدوق محتج به عنده ، لأنه لم يثبت في حقه ما يرد به .
الدليل الرابع :
الراوي العدل في نفسه الذي لم يفحش غلطه محتج به في الصحيح ، ومن وصف بأنه ( صدوق ) لم يقل أحد _ فيما وقفت عليه من أقوال أهل العلم _ إنه من فحش غلطه .
وقد بين الإمام مسلم في مقدمة صحيحه الطبقة الأولى المحتج بهم في الصحيح بأنهم :
( ... أهل استقامة في الحديث واتقان لما نقلوا ، لم يوجد في رواياتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش ).
أقول : من كان في مرتبة ( صدوق ) فإنه لم يوصف بالاختلاف الشديد في حديثه أو التخليط الفاحش .
وإنما هو عدل في نفسه خفّ ضبطه قليلاً عن درجة الثقة التام الضبط .
وهذه بعض الأمثلة ممن احتج بهم الشيخان ممن وصف بأنه ( صدوق ) :
1_ بكر بن وائل بن داود التيمي الكوفي ، احتج به مسلم ، وقد قال عنه الذهبي : ( صدوق ).
2_ ثابت بن محمد الكوفي العابد ، احتج به البخاري ، وقال عنه الذهبي : ( صدوق ).
3_ حفص بن عبدالله السلمي ، احتج به البخاري ، وقال عنه ابن حجر : ( صدوق ).
الدليل الخامس :
قال الإمام البخاري في كتابه الجامع الصحيح :
( كتاب أخبار الآحاد ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام ).
قال ابن حجر في فتح الباري : ( المراد بالاجازة _ جواز العمل به ، والقول بأنه حجة ).
وبما تقدم يتضح أن الراجح أن حديث الراوي الصدوق حجة ، وأن الحافظ أبا عمرو بن الصلاح _ رحمه الله تعالى _ حصل منه في مقدمته في علوم الحديث أمران أراهما جديرين بالملاحظة :(1/6)
الأول : أنه نقل مراتب التعديل عند ابن أبي حاتم من موضع واحد من كتابه وهو خطبة الكتاب ، وترك إيراد ما ذكره في الموضعين الآخرين ، وهما في المجلد الأول الذي هو مقدمة لكتابه الجرح والتعديل ، مع أن قول ابن أبي حاتم في المقدمة أكثر وضوحاً وتفصيلاً ، خاصة فيما يتعلق بحديث الصدوق .
الثاني : أن أبا عمرو بن الصلاح جعل ما نقله عن ابن أبي حاتم _ في خطبة كتابه الجرح والتعديل ، في عدم الاحتجاج بحديث الصدوق ومن في حكمه _ هو قول أئمة هذا الشأن ، بمعنى أنه قول الأئمة من المحدثين .
وكانت النتيجة أن من جاء بعد ابن الصلاح من المصنفين في علوم الحديث اعتمدوا _ غالباً _ على مقدمته ، وتابعوه في الأغلب فيما ذهب إليه ، ومن ذلك قوله في حكم الصدوق .
وأما الحافظ الذهبي فهو من أهل الاستقراء التام في معرفة الرجال ، وله باع طويل في معرفة أحوال الرواة ، وكذلك الحافظ ابن حجر فقد ظهر لهما من مناهج الأئمة المحدثين وطرائقهم في التوثيق والتجريح ما قد يكون خفي على غيرهما ، لذا ذهبا مذهب جمهور الأئمة الحفاظ في الاحتجاج بمن كان من مرتبة الصدوق .
ولما وقف الحافظ عماد الدين ابن كثير على ما نقله ابن الصلاح عن ابن أبي حاتم ورآه خلاف ما كان عليه الأئمة الحفاظ من المتقدمين جعله اجتهاداً خاصاً بابن أبي حاتم ، قال ابن كثير :
( وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي الوقوف عليها ، ومن ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل : سكتوا عنه أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده . وقال ابن أبي حاتم : إذا قيل صدوق أو محله الصدق أو لابأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ).
خامساً : نتيجة هذا البحث :
خلاصة القول في هذه المسألة أنه إذا كان الحديث الصحيح يشترط في راويه أن يكون ثقة ، وهو العدل الضابط ، فإن الراوي العدل الذي خف ضبطه قليلاً عن ضبط الثقة وهو الصدوق ومن في حكمه في المرتبة التي تلي الصحيح ، وهو الحسن لذاته .(1/7)
ومن ادعى على الراوي الموصوف بأنه ( صدوق ) بالوهم في شيء من مروياته فعليه الدليل ، لأن الغالب عليه من حيث الحفظ أنه ضابط لحديثه .
وما اختاره الشيخان _ أو أحدهما _ من أحاديث أهل هذه المرتبة وأخرجاه في الصحيح على جهة الاحتجاج به فذلك صحيح ، ومشعر أنه تبين لهما أن الراوي حافظ لذلك الحديث ضابط له ، وإخراج ذلك المروي في الكتاب المسمى بـ ( الجامع الصحيح ) معلم بذلك ، ومؤيد بتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول .
وإذا حكم أحد الأئمة الحفاظ كأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والدارقطني على شيء من حديث راو ( صدوق ) بأنه صحيح فذلك محمول على أنه ثبت لديه بالطرائق المعتبرة أن ذلك الحديث صحيح ، فالذي أراه أن الأصل اعتماد قوله ولا يترك حكمه إلا ببرهان معتبر .
سادساً : قولهم عن الراوي ( صدوق له أوهام ) أو ( صدوق يهم ).
من المعلوم أن الوهم جائز على الإنسان ، ولا يقدح بالوهم اليسير في ضبط الراوي لأنه لا يسلم أحد من ذلك .
فإذا كان ما يقع في حديث الراوي من السهو والخطأ ليس كثيراً فإن ذلك لا يمنع من قبول خبره والاحتجاج بحديثه في قول جمهور الأئمة الحفاظ .
وإذا كثر الخطأ في حديث الراوي لكن لم يغلب على رواياته فإن جمهور الأئمة الحفاظ يحتجون بحديثه أيضاً ، والمراد أنهم يحتجون بما تبين لهم أنه حفظه من حديثه ويجتنبون ما علموا أنه غلط فيه .
وأما من كان الغالب على حديثه الخطأ ولم يتهم بالكذب ، وكان مرضياً في عدالته فهذا يكتب من حديثه في الفضائل ، ومثله يتقوى حديثه بالمتابعات ، ويرتقى إلى درجة الحسن لغيره .
وقد ينتقي بعض الجهابذة الحفاظ مثل البخاري ومسلم والترمذي بعض الأحاديث من مرويات هؤلاء فيخرجونها في الصحاح أو يحكمون بصحتها .
وهؤلاء الأئمة وأمثالهم لا يمكن رد قولهم في مثل هذه الأحوال إلا ببرهان معتبر .(1/8)
وقد وردت صيغة ( صدوق له أوهام ) أو ( صدوق يهم ) في كلام الأئمة الحفاظ في عدد من التراجم ، لكن استعمالهم لم يكن كثيراً ، وإنما أكثر من استعمال هاتين الصيغتين الحافظ ابن حجر في كتابه ( التقريب ) .
وقد تبين لي من خلال دراسة أحوال الرواة الذين وصفهم ابن حجر بذلك أن معظمهم محتج بحديثهم .
وقد سمعت فضيلة والدنا وشيخنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز _ حفظه الله ونفعنا بعلمه _ وقد سئل عمن قال عن ابن حجر : ( صدوق له أوهام ) أو ( صدوق يهم ) فذكر ما حاصله أن حديث هؤلاء محتج به .
أقول : لذلك فالظاهر لدي أن القيد في قوله ( صدوق له أوهام ) أو ( صدوق يهم ) قيد يستعمله ابن حجر في مواضيع كثيرة لبيان الواقع ، وهو أنه ما من راو موثق إلا وله بعض الأوهام .
وقد يستفاد من وصف الراوي الصدوق بأنه ( يهم ) أن له أوهاماً متعددة ، كما تشعر بذلك صيغة الفعل المضارع ( يهم ) ، لكن هذه الأوهام ليست غالبة على حديثه وإلا لانحط الراوي إلى رتبة دون هذه مثل ضعيف أو سيء الحفظ .
والله أعلم .
تَمّ البحث بحمد الله تعالى(1/9)