نشرها
أبو مهند النجدي
فُرغت الأشرطة بإذن من الشيخ د.الشريف حاتم بن عارف العوني
دراسة منهجية لسنن النسائي وابن ماجه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
أما بعد..
هذا هو الأسبوع الثالث في هذه الدورة العلمية التي أسأل الله عز وجل أن ينفعنا بها جميعًا وأن تكون في موازين حسناتنا جميعًا، ولقاؤنا في هذا الأسبوع سوف يكون بإذن الله تعالى عن إمامين جليلين من أعلام أئمة الإسلام وكتابيها اللذين اشتهرا بهما.
هذان الإمامان هما: الإمام النسائي عليه رحمة الله، والإمام ابن ماجه عليه رحمة الله.
وكتاباهما: هما السنن المشهورة بالسنن الصغرى، والكبرى للنسائي، والسنن للإمام ابن ماجه.
ونبدأ بالإمام النسائي عليه رحمة الله على الترتيب المعهود لكتب السنة :
البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
وقد أخذتم في الأسابيع الماضية الأئمة الأربعة الذين سبقوا النسائي في هذا الترتيب.
فنبدأ بترجمة لهذا الإمام عليه رحمة الله ثم ندخل في بيان منهج هذا الإمام في كتابيه السنن الصغرى، والسنن الكبرى، والحديث عن أهم ملامح شروط هذا الإمام في هذين الكتابين.
فالإمام النسائي هو : أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي الخرساني.
و " نسا " : التي يُنسب إليها مدينة بخرسان، خرسان مقاطعة كبيرة يقع أغلبها اليوم في جمهورية إيران، وجزء منها أيضًا في أفغانستان، و " نسا " مدينة في هذه المقاطعة، وهي غير ممدودة، نسا، لا تقل: نساء، وبفتح النون لا تقل: نساء .(1/1)
النسبة إليها على القياس: نسوي ، الأصل أن ينسب إليها على قياس اللغة العربية بـ " نسوي " ، والإمام النسائي يقال له النسوي أيضًا ، ولكن نسبته النسائي هذه على غير قياس ، سُمعت من الأئمة والعرب فتلقيت عنه، فيصح أن تقول عن الإمام النسائي: النسائي، ويصح أن تقول أيضًا: النسوي، وقد اشتهر بكلا النسبتين .
كنية هذا الإمام - كما هو مشهور- : أبو عبد الرحمن .
وُلد هذا الإمام : في بلده نسا سنة خمس عشرة ومائتين من الهجرة تقريبًا ، حيث حدد هو نفسه هذه السنة، لكنه حددها بالتقريب؛ قال: يُشبه أن يكون مولدي سنة خمس عشرة ومائتين من الهجرة.
ويشتهر هذا الإمام أيضًا بالنسبة إلى أحد وظائفه الدينية وهي القضاء، فيقال له القاضي الإمام أبو عبد الرحمن القاضي ؛ حيث تولى قضاء في أكثر من مدينة إسلامية منها مصر ، ومنها أيضًا حمص في بلاد الشام ، وسوف نستفيد من توليه القضاء فائدة يأتي إن شاء الله ذكرها .(1/2)
وكما تعرفون أن الرحلة في طلب علم الحديث سنة من سنن المحدثين بل هي سنة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام؛ حيث أقرها ورضي عنها كما تعرفون في حديث ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر الذي وفد على النبي عليه الصلاة والسلام من بني سعد إلى المدينة ليسأله عن شرائع الدين ، الحديث الذي في الصحيحين فاحتج أهل الحديث بهذا الحديث - حديث ضمام بن ثعلبة - على مشروعية واستحباب الرحلة في طلب العلم، وهذه السنة التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام أحياها وأكثر من عمل بها هم المحدثون عليهم رحمة الله، وكانت الرحلة في طلب العلم سمة المحدثين في العصور الغابرة، فلا تجد عالمًا من علماء الإسلام إلا وقد جاب بلدان الإسلام شرقها وغربها، وهي بلدان واسعة خاصة في تلك الفترة في طلب العلم وطلب الحديث، فلم يكن من المعقول أن يفوت هذا الإمام الجبل هذه السنة، بل بداية رحلته وزمن هذه البداية تدل على نهم شديد في طلب العلم، وعلى أنه كان عنده رغبة شديدة في طلب الحديث والرحلة فيه وطلب العلم؛ حيث رحل وله من العمر خمس عشرة سنة فقط، رحل عن بلده نسا، فلم يدخلها حتى مات، مات كما يأتي إن شاء الله على خلاف في مكة أو في بلاد الشام، رحلة طويلة جدًا، ومديدة لزمن طويل، لم يرجع بعد هذه الرحلة إلى بلده أبدًا.(1/3)
فابتدأ هذه فالرحلة : سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة، وفي الحقيقة فإن بدايته هذه تدل على أنه نشأ نشأة علمية حيث إن من آداب الرحلة في طلب الحديث التي نص عليها المحدثون أنه لا يحق لأحد أن يرحل في طلب العلم حتى يستوعب حديث أهل بلده ، وحتى يستوعب شيوخ بلده ، فيأخذ عنهم؛ لأنه ليس من الصحيح أن يرحل الإنسان في طلب العلم ، والعلم الذي في بلده لم يتمكن منه ولم يحصل عليه ، فلابد أن الإمام النسائي قد تأدب بهذا الأدب الذي نص عليه المحدثون ، فلم يرحل إلا بعد أن استوعب شيوخ بلده، وحديثهم، وهذا يدل على نبوغ مبكر؛ شاب في بداية شبابه له من العمر خمس عشر سنة يبدأ الرحلة وقد استوعب شيوخ بلده ، فلك أن تتصور كيف قضى بداية عمره وما هي درجة النبوغ والذكاء التي تميز بها هذا الإمام .(1/4)
فرحل أول ما رحل إلى : بلدان خرسان وعواصم خرسان في ذلك الوقت مرو ونيسابور وغيرها من البلدان ، وسمع بنيسابور من أحد الأئمة الكبار المشهورين جدًا وهو إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المشهور بـ " إسحاق بن رَاهُوْيه " الإمام الجبل الحافظ الفقيه المشهور الذي كان له مذهب فقهي متبع لتقريبًا مائتين سنة في مشرق العالم الإسلامي، وهو أحد كبار الأئمة يُقرن بالإمام أحمد والشافعي في الفقه والعلم، فلزم هذا الإمام مدة في نيسابور ، ثم خرج منها إلى مرو ، وسمع بمرو من كبار المحدثين بها منهم رجل يقال له علي بن خشرم من شيوخ الأئمة الستة ، وأيضًا من علي بن حجر وهو أيضًا من شيوخ الأئمة الستة وأخذ عنهم العلم والحديث والفقه، ثم خرج إلى بلخ وهي مدينة في أقصى المغرب - مغرب خرسان - مما يلي العراق، فدخل بلخ وأخذ بها عن أحد كبار شيوخه وأجلهم وهو قتيبة بن سعيد، وقد لازم هذا الإمام ما يزيد عن سنة وستة أشهر، أو قرابة سنة وستة أشهر، ويأتي إن شاء الله أن هذا الشيخ وهو قتيبة بن سعيد أكثر شيوخ الإمام النسائي الذين روى عنهم في سننه ، فقد روى عنه كما يأتي إن شاء الله ما يقارب الثمانمائة حديث في كتابه السنن، وهو أكثر شيوخه الذين أخذ عنهم في سننه وفي غيرها من الكتب ، ثم لم يكن من المعقول أن يفوت هذا الإمام دخول عاصمة الخلافة في ذلك الوقت، فدخل بغداد عاصمة الخلافة العباسية فسمع بها من أحد كبار النقاد والمحدثين وهو عباس الدوري الإمام المشهور أحد أكبر الناقلين لعلم الحرج والتعديل عن يحيي بن معين ، فأخذ عن عباس الدوري وعن أحمد بن منيع الإمام المشهور الذي له مسند مشهور وعُمِل له زوائد في هذا المسند، وأيضًا سمع في بغداد من محمد بن إسحاق ، ثم جاب أيضًا بلدان العراق كالبصرة فسمع بها من عباس بن عبد العظيم العنبري ومحمد بن المثنى أبو موسى الزمن وسمع أيضًا من محمد بن بشار الملقب بـ " بندار "، ودخل الكوفة وسمع بها من أبي كريب محمد(1/5)
بن العلاء وهو من عوالي شيوخه، ومن أئمة أو من شيوخ الأئمة الستة أيضًا، وهناد بن السري صاحب كتاب الزهد المطبوع المعروف، ودخل أيضًا بلدان كثيرة منها الجزيرة في شمال العراق ، ودخل الشام وعاصمتها دمشق فسمع من هشام بن عمار ، وعبد الرحمن بن إبراهيم الناقد الملقب بـ " دحيم " ودخل حلب في شمال بلاد الشام وسمع بها من أبي عباس الفضل بن عباس بن إبراهيم ، ودخل طَرَسُوس وهي مدينة في أقصى المغرب - أقصى مغرب شمال بلاد الشام - هي الآن ضمن جمهورية تركيا ، وكانت آخر ثغور المسلمين مما يلي بلاد الروم ، دخلها أيضًا في طلب العلم، ودخل بيت المقدس ، وسمع بها من محمد بن عبد الله الخلنجي ، وحج قبل سنة ثمانٍ وأربعين ومائتين فسمع بمكة من محمد بن جعفر بن أبي الأزهر المكي ، وغيره من مشايخ مكة ثم رحل إلى مصر، فلما رحل إلى مصر تلقى بها بقية علومه ثم استقر بها إلى قُبَيل وفاته ، وسمع بمصر من يونس بن عبد الأعلى، وهو من تلامذة مالك الكبار وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الرحمن بن وهب الإمام المشهور ، وعيسى بن حماد الملقب بـ " زُغْبَة " ، وعبد الرحمن ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهما أيضًا من كبار تلامذة مالك وناشري مذهب مالك في مصر.(1/6)
ومن الطرائف في ترجمة الإمام النسائي أنه مُتَرجَم في كتب متعددة من كتب تواريخ البلدان المحلية ؛ لأنه دخل بلدان كثيرة من بلدان العالم الإسلامي فلا تكاد تجد تاريخًا من تواريخ البلدان المحلية إلا وقد تُرجم للإمام النسائي فيها، فترجم مثلًا في تاريخ مكة " العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين " للإمام الفاسي - تقي الدين الفاسي ، وتُرجم له في تاريخ دمشق لابن عساكر لأنه دخل دمشق، وترجم له في "بغية الطلب في تاريخ حلب" لابن العديم لأنه دخل حلب كما ذكرنا، وترجم له في " تاريخ نيسابور " للحاكم لأنه دخل نيسابور، وترجم له في " التاريخ المجدد في مدينة السلام " لابن النجار المشهور بذيل تاريخ بغداد لابن النجار لأنه دخل بغداد، ومن العجيب هنا أن الخطيب البغدادي لم يترجم له في " تاريخ بغداد " كأنه نسيه أو غفل عنه فترجم له ابن النجار في ذيله على تاريخ بغداد، وترجم له أيضًا ابن يونس صاحب تاريخ المصريين ، وترجم له ابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة في أعيان مصر والقاهرة" لأنه دخل مصر وترجم له أيضًا الإمام الرافعي الشافعي في تاريخ قزوين "التدوين في أخبار قزوين " ؛ لأنه دخل أيضًا قزوين ، ترجم له في هذه التواريخ كلها ؛ لأنه رَحَّالَة ، ولو وجدنا بقية كتب تواريخ البلدان كتاريخ بلخ وتاريخ خراه ، وتاريخ المدينة وتاريخ كذا لوجدنا له أيضًا ترجمة فيها، لكننا فقدنا كثيرًا من هذه الكتب، ولم يبق منها إلا شيء يسير حتى تاريخ نيسابور للحاكم هو في حكم المفقود، لكن نص العلماء على أنه ترجم له في " تاريخ نيسابور " للحاكم.
من مشاهير شيوخه:
قتيبة بن سعيد - الذي ذكرناه آنفًا - المُتوفى سنة أربعين ومائتين، وإسحاق بن راهويه المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وهشام بن عمار، وعيسى بن حماد، وحسين بن منصور السلمي النيسابوري، وعمرو بن زرارة النيسابوري، ومحمد بن نضر المروزي، وسويد بن نصر المروزي.(1/7)
هؤلاء هم أشهر شيوخ هذا الإمام أو أعلاهم سندًا.
أما الذين تَخَرَّج بهم في علم الحديث :
في النقد في الجرح والتعديل في معرفة علل الأحاديث فهم كبار الأئمة في ذلك العصر المشهورين بهذا العلم ومنهم :
الإمام البخاري : الإمام النسائي ممن أخذ عن الإمام البخاري على الصحيح ، وإلا فقد وقع خلاف هل النسائي ممن روى عن البخاري أو لا، لكن الراجح أنه روى عنه لأنه صرح باسمه في غير موطن من كتبه ، فمن شيوخ النسائي في النقد والجرح والتعديل ومعرفة العلل الإمام البخاري ، ويكفي النسائي فخرًا أنه تلقى هذه العلوم عن الإمام البخاري .
وأيضًا من شيوخه قرين البخاري " محمد بن يحيي الذهلي " فقد أخذ عنه أيضًا علم النقد والجرح والتعديل، والزهني كان من كبار أئمة النقد .
وأيضًا من شيوخه : " أبو حاتم الرازي " ، و " أبو زرعة الرازي " وكلاهما معروفان مشهوران بالجرح والتعديل، وبعلم علل الحديث .
وأيضًا : " ابن رَاهُوْيَه " الإمام الذي ذكرناه آنفًا .
و" الفلاس " وهو من كبار أئمة البصرة وكان يُقرن بعلي بن المديني وهو قرينه في السن والعلم ، وأيضًا أخذ عن " أبي داود السجستاني " صاحب السنن .
أما الذين تَخَرَّج بهم في الرواية - يعني أكثر أخذ الحديث عنهم جدًا - فهم :
قتيبة بن سعيد : فقد روى عنه في سننه ما يزيد على سبع وسبعين وستمائة حديث.
ابن رَاهُوْيَه : وقد روى عنه في سننه تسع وأربعين وثلاثمائة حديث.
الفلاس : وقد روى عنه في سننه اثنتين وتسعين ومائتي رواية .
سويد بن نصر : وقد روى عنه في سننه تسعًا ومائتي رواية .
محمد بن المثنى : وقد روى عنه ثلاثًا وتسعين ومائة رواية.
بندار محمد بن بشار : وقد روى عنه ستًا وثمانين ومائة رواية.
محمد بن عبد الأعلى الصنعاني : وقد روى عنه إحدى وستين ومائة رواية.
هؤلاء هم الشيوخ الذين أكثر عنهم في سننه، وليس هناك شيخ للنسائي روى عنه أكثر من هؤلاء، هم أكثر من روى عنهم في كتابه السنن.(1/8)
ولم يقتصر أخذ هذا الإمام على علم الحديث، فقد أخذ أيضًا علم القراءات .
ومن شيوخه في القراءات:
أحمد بن نصر النيسابور ، وصالح بن زياد السوسي أبو شعيب، وقد ذكر ابن الجزري النسائي في طبقات القراء، وهذه أيضًا شهادة لهذا الإمام بأنه من كبار القراء في عصره ، فقد ترجم له ابن الجزري في " غاية النهاية في طبقات القراء " واعتبره من كبار أئمة القراء.
وأيضًا من علوم هذا الإمام التي تحلى بها علم الفقه، ومعرفة الأحكام والقدرة على الاستنباط والاجتهاد، وقد أخذ عن أئمة الفقه في ذلك العصر فأخذ من أصحاب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى من أصحاب الشافعي ومالك ، والربيع بن سليمان المرادي ، والربيع بن سليمان الجيزي ، وهما من تلامذة الشافعي المشهورين ، ومن نقلة مذهب الشافعي المشهورين، وأخذ أيضًا من أصحاب الإمام أحمد كعبد الله بن الإمام أحمد المشهور الفقيه المحدث.
وأخذ أيضًا عن الميموني أحد كبار تلامذة الإمام أحمد، وفقهاء أصحابه .
وأخذ أيضًا عن أصحاب الإمام مالك إمام دار الهجرة من أمثال محمد ويحيي ابني عبد الله بن عبد الحكم المصريين .
وأخذ أيضًا عن إسحاق بن راهويه السابق ذكره وهو من الأئمة المجتهدين الذين لا يتبعون إمامًا معينًا لاكتمال أدوات الاجتهاد فيهم .
وأيضًا من عجائب أو طرائف ترجمة هذا الإمام : أنه ترجم في طبقات الشافعية، معدود في فقهاء الشافعية، وليس هناك دليل على أنه شافعي المذهب ، إلا أنه ألَّف منسكًا للحج ، مناسك الحج على مذهب الشافعي ، له منسك في الحج على مذهب الشافعي فاستدل بذلك بعض العلماء على أنه شافعي فترجم في طبقات الشافعية كطبقات الشافعية للأسنوي، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي، وغيرهما من طبقات الشافعية.(1/9)
وعدد من عرفناه من شيوخه - لا أقول كل شيوخه - لأن عدد شيوخه لا يستطيع أن يحصرهم أحد؛ رجل جاب بلدان العالم الإسلامي في فترة كان البلد الواحد يعج فيها بألوف العلماء لكن الذين عرفناهم من شيوخه هم خمسون وأربعمائة شيخ، أربعمائة وخمسين شيخ معروفين بأسمائهم منهم :
أربعة وثلاثين وثلاثمائة روى عنهم في السنن، ثلاثمائة وأربعة وثلاثين روى عنهم في كتابه السنن ، ومائة وأربعة عشر خارج السنن ، أربعة عشر ومائة شيخ في خارج السنن ، واثنان في الكبرى، يعني زيادة على من سبق يوجد اثنان من الشيوخ لم يرو عنهم إلا في كتابه السنن فيكون المجموع خمسمائة وأربعين شيخ .
وقد صنف النسائي نفسه معجمًا لشيوخه وهو من أقدم من ألف معجمًا للشيوخ يعني يسمي فيه شيوخه الذين أخذ منهم ، ويذكر فيه أحكامهم في الجرح والتعديل لكنَّ هذا الكتاب من كتبه المفقودة كما يأتي إن شاء الله عند ذكر بعض كتبه، غير أن الحافظ بن حجر أكثر النقل عنه في كتابه التهذيب فإنه كثيرًا ما يقول قال النسائي في معجم شيوخه عن فلان كذا وعن فلان كذا ، يذكر أقواله في الجرح والتعديل .
أيضًا أَلَّفَ عبد الله بن محمد بن أسد الجهني أحد رواة السنن عن حمزة الكناني ألف كتابًا سماه تسمية شيوخ النسائي، وألف أيضًا في حصر شيوخ النسائي أبو علي الغساني الجياني، وألف أيضًا في تسمية شيوخ النسائي وفي حصرهم ابن خلفون أحد فقهاء المحدثين المالكية.
وجمع شيوخه مع شيوخ الأئمة الستة ابن عساكر في كتابه " المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الأئمة النبل " جمع فيه شيوخ النسائي مع شيوخ غيره من أئمة الكتب الستة.
أما تلامذة هذا الإمام فهم كثيرون جدًا، ذكر منهم المزي ثمانية وخمسين تلميذًا هؤلاء الذين عرفناهم أيضًا وإلا تلامذته أكثر من هذا العدد بكثير .
وأما السخاوي فَعَد منهم خمسًا وستين تلميذًا .
من مشاهير تلامذته :
الأئمة الذين تتلمذوا عليه وأصبحوا بعد ذلك أئمة مشهورين :(1/10)
" ابن السني " صاحب عمل اليوم والليلة، وصاحب كتب كثيرة جدًا، ابن السني من الحفاظ الكبار ومن تلامذة النسائي :
وأبو جعفر بن النحاس صاحب كتاب " الناسخ والمنسوخ " وغيرها من الكتب .
وأبو جعفر الطحاوي الإمام الحاكم المحدث المشهور صاحب شرح معاني الآثار وبيان مشكل أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرها من الكتب.
وابن الأعرابي صاحب " المعجم " و " صفة الزاهدين " وغيرها من الكتب.
وأبو علي النيسابوري وهو من كبار حفاظ نيسابور.
وحمزة الكناني، و الطبراني الإمام المؤلف صاحب المعاجم الثلاثة.
وابن عدي صاحب " الكامل في الضعفاء " - في ضعفاء الرجال - .
والدولابي صاحب الكنى والأسماء.
والعقيلي صاحب كتاب " الضعفاء الكبير" .
وأبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم .
هؤلاء بعض تلامذته المشهورين الأئمة، وأنت إذا نظرت إلى هذه الأسماء عرفت كيف تخرج على يدي هذا الإمام أئمة كبار جدًا أثروا في علم الحديث وكان لهم أثر طيب مبارك فيه على مدى العصور الإسلامية.
أما رواة السنن عنه : فهم كثيرون أيضًا يزيدون على العشرين راوي، إلا أن أشهرهم أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني - المذكور آنفًا - وأبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي التمام.
وأبو بكر أحمد بن محمد بن المهندس.
وأبو علي الحسن بن الخضر السيوطي.
وأبو محمد الحسن بن رشيق العسكري.
وأبو قاسم حمزة بن محمد الكناني.
وابن النسائي أبو القاسم عبد الكريم .
وعلي بن أبي جعفر الطحاوي ابن الإمام أبو جعفر الطحاوي .
ومحمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري .
ومحمد بن القاسم بن محمد بن سيارة القرطبي الأندلسي .
وأبو بكر محمد بن معاوية المشهور بابن الأحمر.
هؤلاء هم أشهر رواة السنن عنه، وآخر من روى عنه سماعًا الأبيض الفهري أحد رواة الحديث تُوفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة من الهجرة .(1/11)
لما استقر هذا الإمام بنيسابور وكثر الآخذون عنه ونشر مؤلفاته ومصنفاته وعلومه في مصر لما استقر في مصر، وانتشر عنه العم فيها وتتلمذ عليه الأئمة الكثيرون الذين سبق ذكر بعضهم.
اشتهر علم هذا الإمام وبلغ سمعته مشارق الأرض ومغاربها، فأثنى عليه كبار الأئمة في عصره وبعد عصره الثناء البالغ، حتى وصفه كبار الفقهاء والمحدثين في عصره بأنه إمام من أئمة المسلمين كمنصور بن إسماعيل الفقيه ، وأبو جعفر الطحاوي وأبي علي النيسابوري ، وقاسم بن زكريا المطرف فقد وصفوه جميعًا بأنه إمام من أئمة المسلمين .
وقال عنه الحاكم : هو إمام عصره ، فجعله إمام الفترة التي كان يعيش فيها .
وقال أبو القاسم مأمون المصري الحافظ: خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة الفداء فاجتمع جماعة من مشايخ الإسلام، واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد ومحمد بن إبراهيم المشهور بـ " مربع " ، وأبو الآذان عمر بن إبراهيم، كيلجة محمد بن صالح بن عبد الرحمن وغيره، فتشاوروا فيمن ينتقي لهم على الشيوخ فأجمعوا على النسائي، فكتبوا كلهم بانتخابه، تذكر هذه القصة في مجال بيان جلالة هذا الإمام .(1/12)
ووجه دلالته على ذلك ... : أن النسائي لما اجتمع من كبار المحدثين في عصره ومنهم: عبد الله بن الإمام أحمد ، بل هو من شيوخه، ومع كيلجة أو كِيلجة بكسر الكاف، ومربع، وأبو الآذان وهم من كبار تلامذة يحيى بن معين وكبار الحفاظ والنقاد، اجتمع النسائي معهم في طرسوس التي ذكرناها لكم آنفًا وأرادوا أن يختاروا رجلًا منهم ينتخب عليهم أو ينتخب من أحاديث شيوخ الشيوخ الموجودة في طرسوس أحاديث معينة، ونشرط الانتخاب أن ينتخب المنتخب غرائب الأحاديث التي لا يكثر دورانها بين الناس وبين رواة الأحاديث، ولا يستطيع أن يقف على الأحاديث الغريبة التي يقل دورانها بين الناس إلا الحافظ المطلع على السنة حتى يعرف ما هو الحديث الغريب من الحديث المشهور، أما الذي سبره قليل في السنة لا يستطيع أن يميز فرضي هؤلاء الحفاظ الكبار الذين هم في مرتبة شيوخ النسائي رضوا بالنسائي أن يكون إمامهم في هذه المسألة ، هذا يدل على جلالة هذا الإمام وعلى أنه ربما فاق بعض شيوخه في العلم ، بل هو يفوق هؤلاء كلهم في العلم في علم الحديث ، حتى قال الدارقطني: هو مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره، والدارقطني الدارقطني !!في الإمامة والجلالة وقوة أحكامه في الجرح والتعديل وفي غيرها.
وقال الدارقطني وقد سُئل إذا حدَّث النسائي وابن خزيمة بحديث أيهما تقدم النسائي وابن خزيمة الإمام المشهور صاحب الصحيح ، فقال: النسائي ؛ فإنه لم يكن مثله ولا أقدم عليه أحدًا أبدًا ، هذه عبارة الدارقطني في النسائي.
وقال الدارقطني : هو أفقه مشايخ مصر في عصره مع أنه كان في عصره كبار الفقهاء ، منهم أبو جعفر الطحاوي وغيره من كبار الفقهاء، فيقول: هو أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار وأعلمهم بالرجال فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه .(1/13)
وهذه سنة الله في أرضه، ما على رجل وارتفع إلا حسده الناس، ونالوا من عرضه ومن علمه ، وهي سنة العلماء أيضًا فإن العلماء جميعًا قد حسدوا وابتلوا وأُذوا وامتحنوا وهذا النسائي واحد منهم، وسيأتي إن شاء الله أنه قتل شهيدًا عليه رحمة الله .
وقال الإمام الذهبي - والإمام الذهبي كما تعرفون إمام تأخر في عصره، واستوعب تراجم العلماء وأخبارهم في كتبه الكثيرة في تواريخ الرواة، ويضرب به المثل في الاستقراء ومعرفة الرواة وأئمة الحديث، فانتبه لهذه العبارة التي يقولها والحكم الذي يقوله، الذي له وزنه الكبير جدًا - يقول: لم يكن على رأس ثلاثمائة أحفظ من النسائي أبدًا ، وهو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ومن الترمذي ومن أبي داود، وهو جارٍ في مضمار البخاري ، وأبي زرعة .
يعني : يقدمه في العلم على الإمام مسلم وعلى أبي داود ، وعلى الترمذي ، ويجعله في مصاف البخاري وأبي زرعة الرازي .
ووافقه على ذلك أيضًا تقي الدين السبكي فقد سَأَلَ ابن السبكي الإمام الذهبي عن من يقدم : الإمام مسلم أو النسائي ، فقدم الذهبي النسائي فأخبر ابن السبكي أباه تقي الدين السبكي عبد الوهاب بن عبد الكافي ، فقال له: صدق النسائي مقدم على مسلم .(1/14)
أما عبادة هذا الإمام : فيقول أحد الحفاظ محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي بالعبادة بالليل والنهار، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، وكان كثير الحج محترزًا عن مجالس السلاطين ، فكان أيضًا يجمع مع هذا العلم عبادة وتأله وصيام وحج وجهاد ورباط على الثغور كما ذكرنا آنفًا أنه خرج إلى طرسوس وهي إحدى ثغور المسلمين في ذلك العصر، وكذلك علماء الإسلام لا تجدهم في باب من الأبواب إلا وهم أئمة فيه في العلم أئمة في العبادة والزهد أئمة ، في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أئمة ، في كل شيء أئمة، لا تقلب صفحة من صفحاتهم إلا وتجد فيها قدوة تستحق أن يؤتسى بها.
وُصف هذا النسائي بشيء فيه غمز له لا بد من ذكره على اختصار وهو التشيع، قيل: إن فيه تشيعًا يسيرًا، إلا أن هذا التشيع نص العلماء على أنه لا يبلغ إلا درجة تفضيل علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر .
وهنا أقف وقفة وقفها قبلي أكثر من واحد من أهل العلم قالوا: إذًا فما هو تشيع النسائي، إذا كان لا يفضل علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر، ما هو تشيعه؟
الصحيح أنه ليس من الشيعة وليس فيه شيء من التشيع ، وممن نص على ذلك ابن عساكر ، والإمام السخاوي وغيرهما ، وقالوا بأن هذه التهمة ليست بصحيحة، ويأتي إن شاء الله سبب وصفه بذلك، وبيان أنه ليس دليلًا كافيًا لوصفه بالتشيع .
مؤلفات هذا الإمام كثيرة جدًا لكن الذي عرفناه منها ما يزيد على الثلاثين كتاب أذكرها مبينًا الذي طبع منها من الذي بقي مخطوطًا ونعرف مكان مخطوطته، فمن أشهر كتبه:
السنن الكبرى وقد طُبع.
المجتبى الذي هو السنن الصغرى وقد طبع أيضًا، وكتاب الضعفاء والمتروكين، وقد طبع.
كتاب " الكنى " وهو كتاب لا نعرف عن وجوده شيئًا.(1/15)
كتاب " أسماء الرواة والتمييز بينهم " المشهور بكتاب " التمييز " وهو كتاب شبه مفقود ينقل عنه الحافظ ابن حجر كثيرًا في "التهذيب" .
معجم شيوخه . وسبق ذكره.
كتاب " الطبقات " .وهو مطبوع.
كتاب " معرفة الإخوة والأخوات " وهو شبه مفقود.
مسند حديث مالك بن أنس وهو شبه مفقود وهو أحد الكتب التي اعتمدها الإمام المزي في استخراج رجال النسائي في كتابه " تهذيب الكمال " .
مسند أحاديث الزهري بعلله والكلام عليه . وهو شبه مفقود .
مسند حديث شعبة . شبه مفقود .
مسند حديث سفيان الثوري . شبه مفقود.
كتاب " الإغراب" ما أغرب فيه شعبة على الثوري ، وما أغرب فيه الثوري على شعبة، ويوجد من هذا الكتاب جزء في مخطوطة في (أسكوريال) في أسبانيا الأندلس .
مسند حديث ابن جريج . شبه مفقود .
مسند حديث القطان . شبه مفقود .
مسند حديث الفضيل بن عياض ، وداود الطائي ، ومفضل بن مهلهل . وهي كلها شبه مفقودة .
الجرح والتعديل . شبه مفقود .
مسند علي بن أبي طالب . شبه مفقود ، وهو أحد مصادر الإمام المزي في كتابه " تهذيب الكمال " .
تفسير القرآن . مطبوع .
الجمعة . مطبوع .
خصائص علي . كتاب مطبوع .
مناسك الحج على مذهب الشافعي . شبه مفقود .
تسمية فقهاء الأمصار . مطبوع .
تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد . مطبوع .
جزء من حديثه . موجود بالظاهرية بدمشق .
مجلسان من إملائه ، برواية الأبيض الفهري . مطبوع .
فضائل القرآن . مطبوع .
مسند منصور بن زادان . شبه مفقود .
عمل اليوم والليلة . مطبوع .
شيوخ الزهري . شبه مفقود .
ذكر من حدَّث عنه سعيد بن أبي عروبة ولم يسمع . منه مطبوع .
كتاب المدلسين . موجود ضمن كتاب سؤالات السلمي للدارقطني ، وضمن كتاب ميزان الاعتدال ذكراه كاملًا .
أحسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . مطبوع .
تسمية الضعفاء والمتروكين والثقات ممن حمل عنهم العلم من أصحاب أبي حنيفة . وهو مطبوع.(1/16)
صورة هذا الإمام وحليته، هيئته، شكله :
كان شيخًا مهيبًا مليح الوجه ظاهر الدم حتى إلى قبيل وفاته، يعني يراه الناظر فيظنه شبابًا، حسن الشيبة، كان يتزوج بأربع زوجات، وتزوج بأربع زوجات، ولا يخلو مع ذلك من جارية أو جاريتين يتسرى بهما.
وكان يأكل أطيب الطعام ، فكان لا يأكل إلا البر الصافي، ويأمر فيؤتى له بالديوك فَتُسَّمن ويأكل كل يوم ديك .
وكان يلبس الثياب الخضر ، ويحب البرود الخضر، ويقول هذا عوض النظر في الخضرة ، العلماء كانوا يعتقدون ، ولعله صحيح أن النظر في الخضرة يقوي البصر، فمن لم يجد الخضرة يلبس الثياب الخضر كما كان يفعل النسائي، قال: هو عوض النظر إلى الخضرة . حتى يقوي البصر، والبصر بالنسبة لأهل العلم هو أنفس من الروح ؛ لأنه إذا فقد البصر لم يستطع أن يقرأ ولم يستطع أن يكتب ، لم يستطع أن يؤلف ، فحاجته للبصر حاجة ماسة أكثر من غيره.
وفاته :
خرج من مصر سنة ثلاثة وثلاثمائة للحج، فمر بدمشق فسئل أن يحدث بفضائل معاوية بن أبي سفيان ، وتعرفون أن دمشق كان يكثر بها في ذلك العصر الناصبة وهم الذين ناصبوا علي بن أبي طالب وآله العداء، كانوا يبغضون علي بن أبي طالب وأهل بيته، يعني عكس الشيعة، الجهة المعارضة للشيعة، وأهل السنة والجماعة بين الطرفين الوسط، لا يغلون في علي بن أبي طلب ولا يبغضونه، بل هم الوسط؛ يحبونه ويعرفون فضله وفضل أهل بيته ولكن لا يقدمونه على أبي بكر ولا يصفونه بفضائل ليست ثابتة له في الكتاب والسنة أو في السنة .(1/17)
فسئل أن يحدث بفضائل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - فأمسك عن ذلك ،لم يحدث ؛ لأنه لم يكن يرى أن هناك حديثًا صحيحًا في فضل معاوية بن أبي سفيان ، ما كان يرى أن هناك حديث صحيح يثبت في فضل معاوية بن أبي سفيان ، وقد وافقه على ذلك جماعة من العلماء ، ولعله أخذ هذا الأمر من شيخه إسحاق بن راهويه ، فإن له عبارة مشهورة ، فإنه كان يقول : لا يصح في فضل معاوية بن أبي سفيان حديث، إسحاق بن راهويه .
فهو مسبوق إلى هذا الحكم على كل حال من أئمة سواه ، فقام عليه من بالمسجد وضربوه واجتمعوا على ضربه حتى خرج من المسجد عليلًا فتوفي مقتولًا عليه رحمة الله من أثر هذا الضرب ، قيل بمكة وأنه دُفن بين الصفا والمروة ، والذي رجحه الذهبي أنه تُوفي بفلسطين بالرملة في شهر صفر ، وقيل في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة من الهجرة.
وهذه القصة هي التي احتج بها من احتج على أن الإمام النسائي فيه تشيع، ولكن هذا القول ليس بصحيح فقد سئل الإمام النسائي لمَّا صنف كتابًا خاصًا في فضائل علي بن أبي طالب سماه خصائص علي بن أبي طالب فسئل لِمَ صنف هذا الكتاب ؟(1/18)
قال : إنه عندما صنفه كان بدمشق ، وقال : إن أغلب أهل دمشق كانوا من الناصبة ، فأراد أن يصنف هذا الكتاب حتى يردهم إلى الحق ، يبين لهم فضائل علي بن أبي طالب حتى الثابتة له حتى يردهم إلى الحق ، فتصنيفه لخصائص علي بن أبي طالب لا يدل على تشيعه بل يدل على ... أنه أراد أن يرد هؤلاء القوم إلى الحق ، وقد سئل النسائي عن معاوية بن أبي سفيان خاصة ، فقال: إنما الإسلام كدار لها باب فباب الإسلام الصحابة ، يعني من أراد أن يقتحم حرمة الإسلام فليس له طريق إلى اقتحام حرمة الإسلام إلا باب الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، من تكلم عن الصحابة فإنه في الحقيقة يريد هدم هذا الدين ؛ لأن الصحابة هم الذين نقلوا لنا هذا الدين، فمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، ثم يقول: معاوية فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة .
هذا كلام يستحيل أن يخرج من رجل فيه تشيع ، بل هو كلام أهل السنة والجماعة ويدل على أن الإمام النسائي كان يُجِلُّ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ويترضى عنه ، ويعتبره في جملة الصحابة وقولنا الآنفة أو قول النسائي : إنه لا يصح في فضل معاوية حديث لا يعني أنه ليس لمعاوية فضل، معاوية بن أبي سفيان يكفيه شرفًا أنه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، يكفيه شرفًا أنه من كتاب الوحي بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، هذه كلها أمور تدل على كمال شرفه وفضله، وأنه بلغ الرتبة العليا من الشرف والكمال واستحق اعتقاد العدالة واستحق الترضي عنه مثل بقية الصحابة رضوان الله عليهم، أما أن هناك حديث خاص في فضل معاوية ، فهذا مما وقع فيه خلاف كما قلنا آنفًا، ويرجح النسائي أنه ليس هناك حديث يدل على فضله - رضي الله عنه - .
هذه أهم ملامح حياة هذا الإمام عليه رحمة الله.
تعرفون أن الكتابين اللذين سوف نتكلم عنهما هما كتابا " السنن الصغرى " و " السنن الكبرى " للإمام النسائي .(1/19)
نقول: إن الكتابين اللذين نتكلم عنهما هما كتابا السنن الكبرى والسنن الصغرى للنسائي.
وقد اختلف في هذين الكتابين أو في علاقة هذين الكتابين ببعضهما، وبيان الراجح في ذلك مهم جدًا قبل الدخول في منهج هذين الكتابين؛ لأنه قد وقع خلاف بين أهل العلم في السنن الصغرى وهل هي اختصار من السنن الكبرى، ومن هو الذي اختصرها؟ هل اختصرها النسائي نفسه؟ أو اختصر السنن الصغرى أحد تلامذة النسائي وهو ابن السني أو لا؟
فذهب جماعة من أهل العلم ومنهم الإمام الذهبي وابن نصر الدين الدمشقي إلى أن النسائي إنما صنف السنن الكبرى ، أما السنن الصغرى المشهورة المتداولة فهي اختصار تلميذ النسائي وهو ابن السني ، اختصر ابن السني السنن الصغرى من السنن الكبرى، فالمؤلف الحقيقي للسنن الصغرى على هذا القول يكون من هو؟ ابن السني ، اختصر السنن الصغرى من الكبرى .
وذهب آخرون من أهل العلم، ومنهم أبو علي الغساني ، وابن الأثير وأيضًا ابن كثير ، والعراقي والسخاوي في آخر قوليه في هذه المسألة إلى أن السنن الصغرى والسنن الكبرى كلاهما من تصنيف النسائي، وأن ابن السني ليس إلا راويًا من رواة السنن الصغرى ، وليس له أي تدخل في هذه الرواية لم يقم باختصار السنن الكبرى، إنما الذي اختصرها إلى السنن الصغرى وألف هذا الكتاب هو النسائي نفسه، فالنسائي ألف الكبرى ، ثم صنف بعد ذلك الصغرى .(1/20)
والصواب هو القول الثاني : وهو أن السنن الصغرى نمن تصنيف النسائي، والذي يقطع بذلك يقطع بأن السنن الصغرى من تصنيف النسائي وليس من تصنيف ابن السني أننا نجد في السنن الصغرى أحاديث وأبواب وكلامًا على الرجال غير موجود في السنن الكبرى ، نجد أحاديث وأبوابًا وكلامًا على الرجال غير موجود في السنن الكبرى ، فلو كانت السنن الصغرى اختصارًا من السنن الكبرى لما وجدنا في السنن الصغرى زوائد من أحاديث أو كلام على الرجال، بل لو كانت السنن الصغرى مختصرة من السنن الكبرى فقط، وأنها من عمل ابن السني ، لكان يلزم من أننا نجد إذا وجدنا حديثًا في الصغرى يلزم أن نجده في الكبرى، وليس العكس ؛ لأنه اختصار، إلا أن الواقع ليس كذلك، فهناك أحاديث كما ذكرنا وكلام في الأبواب هي موجودة في الصغرى وغير موجودة في الكبرى، بل هناك كتابين موجودين في السنن الصغرى غير موجودين في السنن الكبرى، وهما " كتاب الإيمان وشرائعه" و " كتاب الصلح " كتابين بأكملهما هما موجودان في الصغرى غير موجودين في الكبرى مما يدل على أن مصنف الصغرى هو نفسه مصنف الكبرى، وليست الصغرى اختصارًا من أحد تلامذته عن الكبرى .
أيضًا وهناك دليل آخر يدل على أن الصغرى ليست من تصحيح ابن السني ، وهو أنه قد روى الصغرى عن النسائي أكثر من راوي غير ابن السني ، فقد روى الصغرى السنن الصغرى عن النسائي ابن النسائي عبد الكريم وغيره ، وذكر هذا ابن خير الإشبيلي في فهرسته مما يدل على أن الصغرى تصنيف النسائي، فلو كانت الصغرى تصنيف ابن السني لما تعدد رواتها عن النسائي، ولكن يتعدد رواتها عن ابن السني لو كانت تصنيف ابن السني ، لكن لمَّا كانت من تصنيف النسائي تعدد الرواة عن النسائي لهذا الكتاب السنن الصغرى ، مما يدل أيضًا على أن السنن الصغرى من تصنيف النسائي لا من تصنيف ابن السني .(1/21)
بل هناك موطن صريح جدًا في السنن الصغرى يدل على أنها من تصنيف النسائي لا من تصنيف ابن السني ، ففي السنن الصغرى جاءت هذه العبارة :
ما جاء في كتاب القصاص من المجتبى مما ليس في السنن تأويل قول الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } [ النساء : 93] ثم أورد أحاديث كثيرة.
وردت هذه العبارة في السنن الصغرى رواية ابن السني عن النسائي (1)
يقول فيها: ما جاء في كتاب القصاص من المجتبى مما ليس في السنن.
ينص أن ابن السني أن هذا الكلام موجود في الصغرى وغير موجود في الكبرى.
فلو كان ابن السني هو المختصر من أين يأتي بهذه الروايات التي للنسائي؟
لكن هنا يُطْرَح سؤال: إذًا ما هو سبب اعتقاد الذهبي بأن السنن الصغرى من رواية ابن السني ، ورد الرواية التي جاءت في ذكر تصنيف النسائي للسنن الصغرى والآتي ذكرها إن شاء الله؟
السبب في ذلك : فيما يظهر أن الإمام النسائي لم يطلع أصلًا على السنن الكبرى، هو نص على ذلك بنفسه؛ حيث قال: الذي وقع لنا السنن الصغرى المسمى بـ(المجتنى).
أقول: الذي يدل على أن الإمام الذهبي يعني السبب في قول الإمام الذهبي في أن السنن الصغرى من انتخاب ابن السني أنه قال: بأن الكتاب الذي وقع له من كتب النسائي هو كتاب السنن الصغرى ، وأنه لم ير ، ولم يطلع على كتاب السنن الكبرى، ولو اطلع على السنن الكبرى ، وقام بالموازنة التي أخبرناكم ببعضها بأن هناك أحاديث في السنن الصغرى غير موجودة في الكبرى لتبين للإمام الذهبي أن السنن الصغرى ليست من تصنيف ابن السني ، وعبارته الآنفة الذكر موجودة في ترجمة النسائي في سير أعلام النبلاء .
إذًا: السنن الصغرى هي من تصنيف الإمام النسائي نفسه.
__________
(1) انظر السنن الصغرى ( 2 / 62 ) .(1/22)
حتى نعرف الفروق الكبرى بين الكتابين وهو أمر مهم، بين كتاب السنن الصغرى والكبرى؛ لأن هذا سوف يساعدنا فيما بعد، في معرفة شرط كل كتاب منهما، ومنهج كل كتاب منهما :
نذكر أهم ثلاثة شروط أو أهم ثلاثة فروق بين الكتابين:
الفرق الأول : الظاهر من مسمى الكتابين أن السنن الكبرى أوسع وأكبر وأكثر أحاديث وأبواب من السنن الصغرى، هذه هي الصفة الأولى البارزة للغاية، أن السنن الكبرى أكثر وأكبر من السنن الصغرى، ويظهر ذلك في أمور متعددة منها:أن عدد الكتب في الصغرى كما في المطبوعة واحد وخمسين كتاب، وكما في تحفة الأشراف أربعة وثلاثين كتاب، بينما عدد الكتب في الكبرى يزيد في المطبوعة اثنين وعشرين كتابًا على الصغرى؛ حيث بلغ عدد الكتب في الكبرى ثلاثة وسبعين كتابًا، وفي ترقيم تحفة الأشراف تزيد الكبرى على الصغرى تسعة وعشرين كتابًا حيث إن عدد الكبرى في تحفة الأشراف ثلاثة وستين كتابًا، طبعًا الفرق في ترقيم الكتب والأبواب راجع لاختلاف أول شيء الطبعة عن النسخة التي كانت معتمدة عند الإمام المزي وأيضًا إضافة إلى الأخطاء المطبعية.
على كل حال يظهر من هذا أن هناك فرقًا كبيرًا بين السنن الصغرى الكبرى في عدد الكتب .(1/23)
وعدد الأحاديث في الصغرى يبلغ في المطبوعة إحدى وستين وسبعمائة وخمسة آلاف حديثًا، خمسة آلاف وسبعمائة وواحد وستين ، بينما بلغ في الكبرى أحد عشر ألف وسبعمائة وسبعين، إلا أن عدد أحاديث السنن الكبرى ليس دقيقًا ؛ لأن الطابعين للسنن الكبرى أدخلوا فيها كتب وأحاديث من الصغرى، فلا نستطيع أن نجزم أن هذا هو عدد أحاديث الكبرى، لكن بالتقريب لا شك أن عدد الكبرى أكثر بكثير ، ويدل على ذلك أن بعض الكتب التي وجدت في الكبرى أو هي موجودة في الكبرى وساقطة من الصغرى ، أو غير في الصغرى بعضها يضم مئات الأحاديث بل بعضها يزيد على ألف حديث، فمثلًا كتاب التفسير للنسائي وهو موجود في الكبرى وغير موجود في الصغرى التفسير عدد أحاديث ستة وستين وسبعمائة حديث كتاب واحد من الكتب الموجودة في الكبرى والتي هي غير موجودة في الصغرى يضم ستة وستين وسبعمائة حديث، وكتاب عمل اليوم والليلة للنسائي وهو موجود أيضًا في الكبرى غير موجود في الصغرى يضم ألف ومائة وواحد وأربعين حديث .
هذان كتابان فقط من الكتب الموجودة في الكبرى غير موجودة في الصغرى .
الفرق الثاني : أن السنن الكبرى ليس في نقاوة السنن الصغرى من جهة الأحاديث صحة وضعفًا ، أن السنن الكبرى ليس في نقاء السنن الصغرى من جهة الأحاديث صحة وضعفًا، وقد ذكر النسائي نفسه هذا الفرق عندما قال: كتاب السنن – يعني الكبرى - كله صحيح وبعضه معلول، السنن الكبرى، يقول: كله صحيح وبعضه معلول إلا أنه يبين علته، والمنتخب المسمى بالمجتبى صحيح كله ، هذا كلام النسائي .(1/24)
ويستفاد من هذا الكلام أن السنن الصغرى أصح حديثًا وأقل حديث معلولًا من الكبرى، هذا كلام النسائي نفسه في بيان الفرق بين الكتابين إلا أني أنبه إلى أن عبارة النسائي السابقة لا تعني أن كل ما في السنن الصغرى صحيح ، ويأتي الكلام عن هذا إن شاء الله، كما أنه لا يعني أن كل ما حذف من الكبرى مما لم يدخله في الصغرى أن سبب الحذف وجود علة !! انتبهوا لهذا : إذا وقفت على حديث في السنن الكبرى ولم تجده في السنن الصغرى لا يعني ذلك أن عدم ذكره في الصغرى يدل على أنه معلول عند النسائي ، بل ربما يكون معلولًا وربما يكون صحيحًا ، وقد ذكرنا آنفًا أنه اسقط كتب بكاملها ككتاب التفسير للنسائي وهو مليء بالأحاديث الصحيحة ، وكتاب عمل اليوم والليلة الذي ذكره في الكبرى ولم يذكره في الصغرى وهو مليء أيضًا بالأحاديث الصحيحة، فعدم ذكر حديث في الكبرى لا يدل على أنه معلول وأن سبب عدم ذكره في الصغرى هو العلة التي فيه.
الفرق الثالث: أن كتاب السنن الكبرى لم يقتصر على أحاديث الأحكام والتبويب لها ففيه كتاب التفسير والسير وفضائل الصحابة وفضائل القرآن، وغير ذلك مما يدخل تحت ما يسمى بالجوامع ، جوامع كتب العلم .
أما السنن الصغرى: فهو مختص على أحاديث الأحكام ، هو مقتصر على أحاديث الأحكام ، فالسنن الكبرى ما أشبهه بكتب الجوامع التي هي كما تعرفون الكتب التي اشتملت على غالب أبواب العلم سواءً منها المتعلق بأحاديث الأحكام والمتعلق بما سوى ذلك من التفسير ، ومن أشراط الساعة ، ومن الزهد والرقائق ، ومن السيرة والمغازي وما شابه ذلك ، فالسنن الكبرى شاملة لجميع أبواب العلم، أما الصغرى فمقتصرة على أحاديث الأحكام .
هذه أهم ثلاثة شروط جلية وواضحة بين الكتابين وبين المنصنفين اللذين صنفهما الإمام النسائي نفسه.
الأسئلة(1/25)
س. ما رأيك بأخذ سند أو إجازة عن الشيخ الذي يدرس لي كثيرًا من العلوم حيث إني رأيت كثيرًا من الشباب ينتقدني في ذلك حيث يقولون إن الكتب التي تأخذ عنها سندًا كلها مطبوعة ومعروفة فهل في هذا السند فائدة لأنهم يقولون ليس فيها فائدة، وجزاكم الله خيرًا ؟
أخذ الأسانيد على كتب السنة لا شك أنه مفيد لا يخلو من فائدة، والحرص عليه أيضًا مهم لأن هذه الأمة تميزت بالإسناد، وبأنها الأمة الوحيدة التي لديها إسناد من هذا الزمن إلى نبيها - صلى الله عليه وسلم - إسناد متصل بالأحاديث، فيجب على طلبة العلم أو ينبغي على طلبة العلم أن يحرصوا على أن يكون عندهم أسانيد لكتب السنة هذا أمر حسن، وحلية يتحلى بها طالب العلم، لكن ليست هي العلم كله، بل هي حلية كما قلت، وزينة للعلم، العلم الحقيقي ليس تلقي لكتب السنة بالأسانيد، وكم من رجل يروي كتب السنة بأسانيد لا يعرف من علم السنة شيئًا ، وكم من رجل ليس عنده من هذه الأسانيد شيء وعنده من علم السنة شيء كثير، فالأسانيد حلية وزينة طيبة، لا يُنتقد على من تحلى بها، وأيضًا يجب ألا يقتصر طالب العلم عليها، ويعرف أنها زينة يتزين بها لكن العلم شيء آخر .
س.إذا روى التابعي عن صحابي قد مات قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا يسمى في علم الحديث مثل هذا النوع، هل تقبل رواية مثل هذا أم هي من قبيل ....؟
يقول: إذا روى تابعي عن صحابي، وهذا الصحابي توفي قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام:(1/26)
أولًا: لا يلزم من أن يكون التابعي لم يدرك أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين توفوا قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ، يحتمل أن يكون هناك صحابي هاجر إلى اليمن فلقيه أهل اليمن، ولم يلقه النبي عليه الصلاة والسلام، انتبهتم لهذا ، أنه ليس كل من كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه، هناك أناس كانوا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام أحياء ورجال، لكنهم ما لقوا النبي عليه الصلاة والسلام، فإذًا : محط النظر هو هل سمع من هذا الصحابي أو لا ، سواء توفي قبل النبي عليه الصلاة والسلام أو بعد النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا لم يسمع منه فالحديث منقطع أو مرسل يسمى على اصطلاح المحدثين، وإذا سمع منه ولم يكن مدلسًا وروى عنه بالعنعنة أو روى عنه بصيغة السماع فالحديث متصل.
والحمد لله رب العالمين .
س.يقول : لماذا يهتم العلماء بكون الإمام شيعيًا أم لا، وهل كونه شيعيًا ينقص من قدره؟
نعم ينقص من قدره ، إذا كان شيعيًا محضًا ينقص من قدره أيما نقص ، وذكر ذلك حتى ننزل الناس منازلهم، أليس الإمام السني خير من الإمام الذي فيه تشيع ، خير ولا شك، ثم أنتم تعرفون أن رواية أهل البدع فيها خلاف ، هل تقبل أو ما تقبل ؟
هذه إذا كانت البدعة مغلظة يعني ، فذكر ذلك أمر مهم في تراجم أهل العلم.
س.ما صحة الحديث : من صلى قبل العصر أربع ركعات رحمه الله بمعنى ذلك؟
الحديث صححه الألباني والله أعلم .
س.يقول: ما هو المنهج المتبع لفهم مصطلح الحديث، وهل تؤيد طلاب العلم في قراءة الكتب المعروفة في مصطلح الحديث مثل البيقونية وتحفة ...؟
أما أني أؤيد كتب مثل نزهة النظر وكتب المصطلح المشهورة فأنا أؤيد ذلك، بل لا طريق إلى علم المصطلح إلا بقراءتها أصلًا، أما المنهج فهو موجود في المنهج ، مبينًا في المنهج .
المنهج المعروف.
س.ما صحة حديث: ((ملعون من سأل بالله، ملعون من لم يجب))؟
الحديث صحيح.(1/27)
س.ما صحة الحديث: ((من صلى الفجر في جماعة فبقي في مصلاه حتى طلوع الشمس، فصلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة)) ؟ .
ما أدري .
س.يقول: ما رأيك فيمن يجعل قتادة والأعمش وأبي إسحاق وأبي الزبير من المدلسين الذين لابد أن يصرحوا بالتحديث؟
الصواب في هؤلاء : أنه لا يشترط منهم التصريح بالتحديث، قتادة والأعمش وأبي إسحاق وأبي الزبير أنه لا يشترط فيهم أن يصرحوا بالسماع ، ولكل واحد منهم سبب لذلك، وليس معنى ذلك أن كل المدلسين لا يشترط منهم التصريح بالسماع، انتبه، لكن هؤلاء الرواة بالذات لا يشترط منهم التصريح بالسماع بل هم مقبولون مطلقًا ، ولكل واحد منهم سبب خاص.
س.لماذا لم تذكر كتاب " عِشرة النساء " للنسائي؟
لأنه من ضمن كتاب السنن الكبرى، وذكرت أيضًا كتب ضمن السنن الكبرى، لكن لأن بعض العلماء اعتبرها خارج السنن الكبرى، فما اعتبره بعض العلماء من الكتب التي خارجة عن السنن الكبرى ذكرته منفردًا.
س.ما الفرق بين قولنا: في لفظ ، وقولنا: في رواية؟
الفرق، قريبة من بعضها.
س.يُقال: إن شرط النسائي في الرجال أقوى من شرط البخاري؟
يأتي هذا ، يأتي الكلام عليه لا تتعجلوا.
س.مقولة النسائي هذه: إثبات صريح بأن الصغرى من تأليف النسائي ليست من إدخال ابن السني أعني: إن الصغرى أصح من الكبرى، فأرجو أن نرجع لهذه العبارة وجزاكم الله خيرًا حتى نستفيد منها دليلًا على ذلك؟
نقل هذه العبارة الإمام السخاوي في كتابه " بغية الراغب المتمني " وغيره.
س.لماذا لم يجمع النسائي السنن الصغرى في كتاب السنن الكبرى؟
يأتي أيضًا الإجابة عن سبب تصنيف النسائي للسنن الصغرى في درس الغد إن مد الله عز وجل في العمر وشاء.
س.إذا لم نعرف حال المخضرم الذي كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم بره، فهل نعده مجهول أو نتوقف في حديثه؟
إذا لم يرو حديثًا منكرًا فحديثه صحيح.
ما رأيكم في كتاب " بغية الراغب المتمني " ؟(1/28)
لقد ذكرت أنه من أَجَل الكتب التي تتكلم عن منهج النسائي.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، والله أعلم.(1/29)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد ..
تكلمنا بالأمس عن قضايا مهمة متعلقة بالمجتبى النسائي , ونتم اليوم إنشاء الله حديثنا عن هذا الكتاب المهم المجتبى للنسائي , وكان في أخر ما ذكرناه البارحة هو حديثنا عن شرط هذا الكتاب في أحاديثه , وأنه كما ذكرنا لكم يشترط الصحة في تخريجه للأحاديث إلا الأحاديث التي يعلها ؛ فهو إذا سكت عن حديث ولم يعله بأحد الطرق التي ذكرنا لكم وسيلته في إعلالها فهو صحيحٌ عنده .
إلا أن هناك أحاديث في المجتبى للنسائي أو في سننه عمومًا الصغرى والكبرى وصفها ابن الجوزي بأنها أحاديث موضوعه وأوردها في كتابه الموضوعات ؛ فكان لزامًا علينا أن نذكر هذه الأحاديث , وشيئًا يسيرًا مختصرًا جدًا من الكلام حولها لنرى هل تستحق هذه الأحاديث فعلًا الوصف بالوضع , وهل سكت عنها النسائي عندما أوردها في كتابه أم لا ؟ لأن هذا أمر مهم جدًا مع وصفنا لكتاب النسائي أو وصف النسائي لكتابه بالصحة كيف يعقل أن توجد فيها أحاديث موضوعة ويسكت عنها .
أولًا أورد إحصائية الإمام السيوطي بالنسبة للأحاديث الموضوعة التي موجودة في الكتب الستة الأحاديث التي وصفها ابن الجوزي بالوضع ل أقل موضوعه والتي موجودة في الكتب الستة يقول السيوطي في كتابه " النكت البديعات " يقول في بيانه الأحاديث التي ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات يقول : " منها في صحيح مسلم حديث , وحديثٌ في صحيح البخاري برواية حماد بن شاكر , وهي رواية غير الرواية المشهورة , وفي مسند أحمد ثمانية وثلاثون حديثًا , وفي سنن أبي داود تسعة أحاديث , وفي جامع الترمذي ثلاثون حديثًا , وفي سنن النسائي عشرة أحاديث , وفي سنن ابن ماجة ثلاثون حديثًا " هذه هي الأحاديث التي ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات وهي موجودة في واحدٍ من الكتب الستة أو في أحد الكتب الستة .(2/1)
قمت بجمع هذه الأحاديث من كتاب الموضوعات لابن الجوزي فإذا بها عشرة أحاديث كما ذكر الإمام السيوطي :
الحديث الأول : حديث أبي أُمامة مرفوعًا (( مَنْ قَرَأَ آيَة الْكُرسِي دُبُرِ كُلَّ صَلَاة مَكْتُوبَة لمَ يَمْنَعه مِنْ دُخُولِ الجنَّة إِلَا أَنْ يَمُوت)) هذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات والحديث أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة , ولم يخرجه في المجتبى , وأخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحة وصححه المنذري والهيثمي والحافظ ابن حجر وصححه السيوطي والألباني ، والحديث صحيح على خلاف كلام ابن الجوزي هذا هو الحديث الأول وهو أصلًا ليس في المجتبى التي نتحدث عنها , وإنما هو في السنن الكبرى عمل اليوم والليلة أحد الكتب الموجودة في السنن الكبرى .
الحديث الثاني : أن رجلًا قال يا رسول الله ((إن امرأتي لا ترد يد لامس . قال : طلقها . قال : إني أحبها . قال : فاستمتع بها )) الحديث أخرجه النسائي في المجتبى , وأعلها بالإرسال أعله لأن الصواب فيه أنه مرسل والمرسل من أقسام الحديث الضعيف وللحديث طرق متعددة مسندة ومرسلة وبعض أسانيده قد تحسن أو تجود حتى أن السيوطي جوَّد بعض أسانيد هذا الحديث يعني قال عليه في بعض الأسانيد أنه جيد على كل حال فالحديث لا يمكن الحكم عليه بالوضع مع مجموع هذه الطرق أكثر ما يقال عنه يقال عنه ضعيف كما قال النسائي , وإن أخرجه في المجتبى لكنه نبه على أن الصواب فيه أنه مرسل فهو على شرطه , ولا ينتقض به الكلام الذي ذكرناه آنفًا من أنه يشترط الصحة لأنه نبه على ضعف هذا الحديث .
الحديث الثالث : حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) الحديث أخرجه النسائي في المجتبى , وأحمد , والحاكم , وصححه الألباني , والحديث صحيح كما قالوا بخلاف ما ذكره ابن الجوزي أيضًا هذا يكون غير منتقد على الإمام النسائي .(2/2)
الحديث الرابع : نفس الحديث السابق من حديث عبد الله بن عمرو رواه أيضًا بنفس اللفظ السابق عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - , وأورده ابن الجوزي في الموضوعات مع هذا الوجه أيضًا أخرجه النسائي في المجتبى , وأحمد , والترمذي وحسنه أيضًا هذا يكون خارج عن الانتقاد السابق .
الحديث الخامس : حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ )) أخرجه أحمد والنسائي في المجتبى , وله شاهد من حديث ابن عمر , وصححه الحاكم , ودافع عنه الخافظ ابن حجر في كتابه " القول المسدد " , والسيوطي , وصححه الألباني الحديث أيضًا لا يصح وصفه بالوضع بل هو صحيح .
الحديث السادس : حديث عائشة – رضي الله عنها مرفوعًا – ((كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ ؛ فَإِنَّ ابن آدَمَ إِذَا أَكَلَهُ غَضِبَ الشَّيطَان , وَقَال عَاشَ ابْنُ آدَمَ حَتَى آكَلَ الْخَلَق بِالْجَدِيد )) .
الخلق : يعني القديم أخرجه النسائي في الكبرى لا في المجتبى , وإسناده ظاهرة الحسن لكن تفرد به يحيى بن محمد بن قيس وهو صدوق يُخطئ كثيرًا كما قال الحافظ ابن حجر , ومثله لا يحتمل التفرد , ولذلك قال الذهبي عن هذا الحديث : " إنه حديث منكر " ؛ فقال السيوطي : " والمنكر نوع آخر غير الموضوع " .
يعني : مع كونه منكرًا لا يصح وصفه بالوضع , وأنه مكذوب على النبي – عليه الصلاة والسلام – وهذا الحديث تنبهوا إلى أنه في الكبرى لا في المجتبى .
الحديث السابع : حديث ابن عباس مرفوعًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - (( يكون قومٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِهَذَا السَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)) .(2/3)
قال ابن الجوزي في الموضوعات : " فيه عبد الكريم ابن أبي المخارق وهو ضعيف " وقال الحافظ ابن حجر في كتابه " القول المسدد " : " أخطأ ابن الجوزي فإنما عبد الكريم فيه : عبد الكريم الجزري وهو ثقة " هناك راويان يشتبهان على العلماء قديمًا , وعلى طلبة العلم حديثًا عبد الكريم الجزري , وعبد الكريم ابن أبي المخارق وكلاهما في طبقة واحدة ويشتركان في كثير من الشيوخ وكثير من التلامذة , وأحدهما ضعيف وهو ابن أبي المخارق , والآخر ثقة وهو الجزري ؛ فوقع هذا خطأ من ابن الجوزي , ونبه على خطأه في ذلك الحافظ ابن حجر الحديث أخرجه أحمد , وأبوا داود , والنسائي في المجتبى , وابن حبان في صحيحه , والحاكم وصححه , والضياء في المختارة ؛ فاجتمع على تصحيحه جماعة من أهل العلم منهم ابن حبان , ومنهم الحاكم , ومنهم الضياء , وهو صحيح على خلاف ما ذكره ابن الجوزي , وعرفنا خطأ ابن الجوزي , وهو أنه انتقل ذهنه إلى راوي آخر ضعيف , والصواب أنه سواه , وأن ذاك الراوي ثقة .
الحديث الثامن : (( إن الله يبعث المتكبرين يوم القيامة في صور الذر لهوانهم على الله .. )) الحديث . الحديث أخرجه أحمد , والترمذي وحسنه , والنسائي في الكبرى , وله شواهد لا تنزلوا بالحديث عن الحسن , والحديث في السنن الكبرى لا في المجتبى .
الحديث التاسع : (( سُدوا الأَبْوَاب إِلَا باَبُ عَلي )) أخرجه النسائي في الخصائص لعلي بن أبي طالب وهو في السنن الكبرى وليس في المجتبى , وغيره وصححه الحاكم , والحافظ ابن حجر وقبل الحافظ صححه أيضًا الضياء بإخراجه في المختار , والحديث لا يصح وصفه بالوضع , وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذا الحديث وغيره وبين الحديث المشهور بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسد الخوقات إلا خوقة أبي بكر , وجمع الطحاوي وابن العربي والحافظ ابن حجر بين هذين الحديثين وقالوا : " لا تعارض بين الحديثين , وكلا الحديثين صحيح عند هؤلاء الأئمة " .(2/4)
الحديث العاشر والأخير : حديث علي يقول فيه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (( أنا عبد الله , وأخو رسوله , وأنا الصديق الأكبر .. الخ )) الحديث .
أخرجه النسائي أيضًا في الخصائص الكبرى , والحاكم وصححه , وفيه عباد بن عبد الله , لذلك عقبه الذهبي بضعفه , فالحديث لا يصح وصفه بالوضع أكثر ما يقال فيه أنه ضعيف بل هو ضعيف , والصحيح فيه أنه ضعيف , والحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى لا في المجتبى .
خلاصة ما سبق :
أن الأحاديث التي حكم عليه ابن الجوزي بالوضع , وهي في المجتبى خمسة أحاديث فقط من تلك العشرة خمسة فقط في المجتبى منها واحد ضعفه النسائي نفسه , وهو حديث (( إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُ يَدَ لَامِس )) , ولا يصح إطلاق الوضع عليه كما ذكرنا والصحيح ما ذكره النسائي عليه , والأربعة الباقية صحيحة أخطأ ابن الجوزي في الحكم عليها بالوضع , وقد وافق النسائي على تصحيحها مع جماعة من الأئمة كما سبق مثل ابن حبان , والحاكم وغيره إذًا ما يبق ولا حديث من الأحاديث التي وضعها ابن الجوزي في الموضوعات في المجتبى للنسائي مما ينتقد على النسائي , وهذا ولا شك أحد الأدلة القوية على قوة هذا الكتاب , وعلى أن هذا الكتاب نظيف الأسانيد والأحاديث يقل فيه أن يوصف حديث الضعف أو بالوضع .(2/5)
نتكلم الآن على نقطة قريبة من السابقة لكن فيها نوع من الاختلاف وشرط النسائي في رجاله - في رجال المجتبى - لكن قبل بداية الحديث في هذا الأمر ننبه إلى أنه قد نقل عن بعض العلماء عبارات وأحكام تخص رجال السنن للنسائي إلا أن هذه العبارات في الغالب لم نستطع التمييز بينها هل يقصد هذا العالم بكلامه وحكمه السنن الكبرى أم المجتبى لأنهم كانوا يقولون أن شرط النسائي كذا رجال النسائي كذا ، رجال النسائي في السنن كذا ؛ فلا نعرف أراد هذا العالم المجتبى أم أراد السنن الكبرى ؛ لأن كلا الكتابين يطلق عليه السنن كما ذكرنا آنفًا هذه تحتاج إلى واقفه إلا أنه يغلب على ظني أن غالب تلك العبارات تقصد السنن الكبرى , والسبب غلبة الظن بذلك هو أن السنن الكبرى هي التي صنفها الإمام النسائي في بداية عمره وهي التي انتشرت روايتها في زمنه كثيرًا جدًا ، بل السنن الصغرى لم يرويه إلا قلة عن النسائي منهم ابن السني وعبد الكريم بن النسائي ويضاف لهم راوي ثالث غير مشهور أم باقية رواة السنن فكلهم أو غالبهم يروون السنن الكبرى عن النسائي نشير أيضًا إلى عدم شهرة المجتبى في زمن النسائي كانت السنن الكبرى مشهورة أكثر من السنن الكبرى أم في العصور المتأخرة فانعكست المسألة أصبح المجتبى مشهور أكثر من السنن الكبرى أما في عصر النسائي وفي عصر تلامذته والقريبين عهدًا به كانت السنن الكبرى أكثر اشتهارًا .(2/6)
مما يدل أيضًا على عدم اشتهار السنن الصغرى أن ابن السني إنما رواها عن النسائي قبل وفاة النسائي بسنة أو بأقل سنة حيث نصه ابن نقطة في كتابه " التقييد في رواة السنن والمسانيد " على أن ابن السني سمع السنن سنة 302 هـ من النسائي يعني قبل وفاة النسائي بسنة أو أقل ؛ لأن النسائي كما سبق توفيَ في أوائل سنة 303 هـ ؛ فهذا يدل على أن السنن التي اشتهرت في زمن النسائي وزمن تلامذته إنما هي السنن الكبرى هذا يرشح أن تكون عبارات من وصف سنن النسائي وتلامذته والقريبين عهدًا به أن تكون المراد منها السنن الكبرى هذا يجب أن نضعه في الاعتبار عند قراءتنا للنقول والأقوال الآتية إن شاء الله , ومن هذه العبارات ما ذكره ابن منده في شروط الأئمة قال : " سمعت محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول : كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لا يُجْمَع على تركه " .
هذه العبارة كما ترون توحي بأن مذهب النسائي متسع لأن الرواة الذين أُجمع على تركهم لو أخذنا إجماع بالمعنى المتبادر إلى الذهن وهو اتفاق علماء الأئمة على حكم ما لعلنا لا نقف إلا على عدد يسير جدًا من الرواة الذين قيل أنه اتفق على ترك أحاديثهم , وإذا كانت هذه العبارة بهذا المعنى فسيكون شرط النسائي واسع جدًا معنى ذلك أنه فيه من الضعفاء بل الكذابين الذين أُختلف في وصفهم بالكذب فتعقب الحافظ ابن حجر في كتابه " النكت على كتاب ابن الصلاح " بكلام طويل أسوقه لكم لأنه حقيقة لا مزيد عليه , وإن كان سوف نقف عند بعض العبارات التي يذكرها الحافظ ابن حجر بالبيان والتوضيح وزيادة الشرح .(2/7)
يقول الحافظ ابن حجر : " فإنما أراد بذلك إجماعًا خاصًا , وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط ؛ فمن الأولى شعبة والثوري وشعبة أشد منه - يعني أشد من الثوري في الجرح والتعديل - , ومن الثانية يحيى القطان وابن مهدي والقطان أشد منه , ومن الثالث يحيى بن معين وأحمد ويحيى أشد من أحمد , ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري " .
إذًا يكون مقصود النسائي : لا إجماع علماء الأمة كما هو تعريف الإجماع لكن يقصد أن كل طبقة من الإجماع تكلمت عن الرواة تجد فيها المتشدد والمتوسط فلو اختلف العلماء ؛ فجرح الراويَّ المتشددُ ، ووثقه المتوسط يقدم النسائي كلام المتوسط , ويرد كلام المتشدد , وهذا منهج سليم لأن المعتدل أولى أن يأخذ كلامه من المتشدد , ويعني كلامه اجتمع كل طبقة من طبقات علماء الجرح والتعديل ؛ فإذا اجتمع المتشدد والمتوسط على جرح راوي يرد الرواية ولا يقبل حديث هذا الراوي .
ثم قال الحافظ ابن حجر : " وقال النسائي : لا يترك الرجل عندي حتى يجمع على تركه فإذا وثقه ابن مهدي وضعفه القطان مثلًا فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى القطان ومن هو مثله في النقد –هذا كله كلام الحافظ - وإذا تكرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك ؛ فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي وتجنب النسائي إخراج حديثه بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين " .
وحكى أبو الفضل بن طاهر قال : سئلت يعد بن عليل الزنجاني وهو من كبار حفاظ مكة عن رجل فوثقه - وثقه الزنجاني – فقلت له : إن النسائي لم يحتج به . فقال : يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم " .
يقول الحافظ ابن حجر : " وقال أبو بكر البرقاني الحافظ في جزء له معروف : هذه أسماء رجال تكلم فيهم النسائي ممن أخرج له الشيخان في صحيحيهما سألت عنه أبا الحسن الدارقطني " .(2/8)
فدون كلامه في ذلك هذا الجزء طبع ولكن برواية ابن بكير يعني من رواية البرقاني وهو مجموعة من الرواة سأل ابن بكير عنهم الدارقطني مجموعة من الرواة جرحهم النسائي بقوله عنهم : ليس بالقوي أو ضعيف أو ما شبه ذلك , وقد أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ فسئل عنهم الدر اقطني ؛ فكان مرات يؤيد كلام النسائي وفي الغالب يخالف كلام النسائي ويقول هم ثقات مما يدل فعلًا على أن النسائي فيه تشدد عكس ما توحي هذه العبارة التي توحي بأنه مذهب متسع وأنه متساهل في إخراج بعض الرجال الذين ضُعِّفوا أو تُكلم فيهم .
حتى أن الحافظ الذهبي لما ذكر عبارة الزنجاني التي ذكرنها آنفًا من أن للنسائي شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم قال : " وصدق في ذلك " .
قال في سير أعلام النبلاء : " وصدق في ذلك فأن النسائي أحذق في علم الحديث وعلله " العبارة ذكرنها آنفًا من مسلم أبي داود والترمذي يعني الذهبي يؤيد أيضًا كلام الزنجاني .
وقال أحمد بن محمد أو أحمد بن محبوب الرملي سمعت النسائي يقول : " لما عزمت على جمع السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقعت الخيرة على تركهم فنزلت في جملة من الأحاديث كنت أعلو فيها عنهم " هذا يبين تشدده , وأنه بخلاف الإمام مسلم في هذا الباب .
يقول النسائي : كنت أروي أحاديث عن بعض الشيوخ الذين فيهم بعض التردد يقول فيهم بعض الشيء - يعني لا يجزم بضعفهم لكنه متردد في أمرهم - كان يروي عن هؤلاء الشيوخ أحاديث بأسانيد عالية لكنه لأنه لم يشأ أن يروي عنهم تمامًا , وأراد أن يبتعد تمامًا عن مواطن الشك فيهم ترك الرواية عنهم وروى هذه الأحاديث عن شيوخ آخرين تنزل أسانيدهم عن أسانيد أولئك الشيوخ الذين تردد فيهم .(2/9)
وهذا الأمر هو الذي جعل كتاب النسائي الكتاب الوحيد في الكتب الستة الذي ليس فيهم ثلاثيات ففي كتاب النسائي أعلى ما يقع له الرباعيات يعني في أحاديث بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها أربعة أشخاص , ومن ذلك حديث يرويه عن قتيبة بن سعيد يرويه عن مالك عن نافع عن بن عمر ((قَالَ لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا )) الحديث يرويه عن قتيبة بن سعيد يرويه عن مالك عن نافع عن بن عمر أربعة رواة هذا من الرباعيات .
وأنزل أحاديثه : عشاري يرويه من طريق عشرة من الرواة حتى أن النسائي لما أخرج هذا الحديث قال وهذا أطول إسناد عرفه في الدنيا عشرة رواة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُلُثُ الْقُرْآنِ )) وإسناده صحيح مع أنه طويل إلا أن كل رجاله ثقات وإسناده صحيح .
إذًا ترك العلو والرغبة في العلو التي كثيرًا ما تجعل بعض المتحدثين يتساهل في الرواية ورضي أن ينزل في رواياته كله من أجل انتقاء الرجال والتشدد في ذلك هذا مما يدل أيضًا على تحريه في الرواية وفي اختيار الرجال , وهذا يخالف في ذلك الإمام مسلم لعلكم أخذتم شيئًا في ذلك عند الكلام عن منهجه وقال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر شيخ الدار قطني : " ومن يصبر على ما يصبر عليه النسائي كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث منها بشيء " .(2/10)
يقول الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر - هو أحد الحفاظ من شيوخ الدار قطني – يقول : كان عند النسائي حديث ابن لهيعة كاملًا لم يفت النسائي ، مع ذلك لم يخرج لابن لهيعة شيء أبدًا مع أن ابن لهيعة ليس كذابًا , ولا متروكًا . هو : مختلط , وكثيرًا من العلماء ميز بعض ما رواه عن فلان وفلان العباد لله وغيرهم فيقبل ويحسن أو يصححه , وما رواه سواهم من أحد علم عنه الاختلاط فحديثه ضعيف مع ذلك لم يرضى النسائي أن يخرج له أبدًا , وهذا طبعًا أمر صعب على النفس أن يتعنى أحد العلماء كالنسائي في جمع حديث راوي ، وبعد ما يجتمع عنده حديث هذا الراوي من جميع الوجه .
كأنه علم أماته يتركه مركون , ولا يحدث بهذا العلم أحدًا حتى قالوا ما حدث بحديث ابن لهيعة لا في السنن ولا خارج السنن ، وهذا أيضًا مما يدل على عظيم تشدده في الانتقاء ، بل كان يروي النسائي حديثًا لابن لهيعة عن شيخه قتيبة بن سعيد ، وقتيبة بن سعيد كثير من العلماء يصحح حديثه عن ابن لهيعة مع ذلك لم يرضى كتابة حديث ابن لهيعة أبدًا .
هذا هو الكلام الذي أحببنا نقله لكم من كلام الحافظ ابن حجر وعليه بعض التعليقات اليسيرة التي تبين انتقاء أو شدة انتقاء الإمام النسائي للرجال .(2/11)
هذا كله أحكام للأئمة لهم وزنهم ولا شك لكن الإنسان إذا عرف أن هناك دراسة استقرائية جمعت كل الرواة الذين تكلم فيهم في النسائي يزداد يقينه بهذه المسألة ، وهناك رسالة علمية رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة أم القرى ، وكاتبها فضيلة الدكتور وصي الله محمد عباس هي رسالة للماجستير جمع فيها كل من تكلم فيه بالضعف أو بالجهالة أو بالترك بالمجتبي للنسائي عنوان الرسالة " الضعفاء والمجهولون والمتروكون في المجتبى للنسائي " قام فيه بجمع كل ما تكلم فيه من هذه الأصناف الثلاثة بالضعف أو الجهالة أو الترك وهي أنواع الضعف المشهورة ، وبعد أن جمعهم جميعًا قام بجمع كل مروياتهم من سنن النسائي كل ضعيف ، أو مجهول ، أو متروك جمع مروياته وخَرَّجَها ودرس الأحاديث من رواية هؤلاء الضعفاء فخرج بالنتيجة التالية التي أنقل لكم إحصائيتها الآن يقول أن أنقل كلامه باختصار النتائج التي ذكرها في آخر الرسالة :
قلنا أن الذين تكلمنا فيهم ينقسمون إلى ثلاث أقسام ضعفاء ومجهولون ومتروكون :
أولًا : الضعفاء : عددهم واحد وعشرون ضعيفًا عدد مروياتهم إحدى وثلاثون رواية ثلاثة وعشرين منها صحيحة أو حسنة .
ثلاثة روايات منها جزء من المتن صحيح وجزء ضعيف .
خمسة ضعيفة نبه النسائي نفسه على ضعف اثنين منها .
هذا القسم الأول الضعفاء .
ثانيًا : المجهولون : عددهم ثمانية وخمسون راويًا .
عدد مروياتهم : أربعة وخمسون رواية .
ثمانية وثلاثون حديثًا منها بين صحيح وحسن اثنين منها بعضه صحيح وبعضه ضعيف .
عشرة منها ما بين ضعيف وضعيف جدًا .
أربعة منها مناكير بين النسائي نكارة ثلاثة منها .
ثالثًا : المتروكون : وهم ثلاثة رواة فقط - الذين في حيز الترك - عدد مروياتهم خمسة .
ثلاثة منها صحيحة من وجوه أخرى واثنان منها ضعيفة جدًا . "(2/12)
انبه هنا شيء : لم يذكره المؤلف لكني برجوعي إلى أصل الرسالة وجدته أنه كان قد ذكر هذا فيها هو أنه قد نبه النسائي عقب هذه الأحاديث الخمسة التي رواة عن هؤلاء المتروكين نبه عن ضعف هؤلاء الرواة الخمسة ، في جميع هؤلاء الرواة الخمسة نبه على ضعف هؤلاء الرواة .
هناك بعض الملاحظات والنتائج من هذه الإحصائية ننبه إليها :
فضيلة الدكتور وصي الله لما كتب خاتمة الرسالة اعتنى أن يذكر الأحاديث التي حكم عليها النسائي بالضعف عقب روايته لها كما ذكرنا لكم قلنا في الأحاديث المتروكة نبه على كذا منها أو الأحاديث التي في روايتها ضعفاء قال نبه على عدد منها فهو حريص على إثبات حكم النسائي في نتائجه على الحديث لكنه ، لما ذكر النتائج لم يعتني بذكر الأحاديث التي نص فيها النسائي على ضعف الراوي ، يعني : النسائي قد يخرج بعض الأحاديث عن الراوي الضعيف ويقول هذا الحديث ضعيف هذا يعتمد عليه الشيخ وصي الله في نتائجه أما إذا أخرج النسائي الحديث وقال فيه فلان وهو ضعيف فهذا لم يعتني بإثباته في النتائج مع أن الأمر سيان ، ونحن نحتاج إلى هذا كما نحتاج إلى ذاك إلا أن المؤلف الشيخ وصي الله أثبت الكلام للنسائي في أصل الرسالة ولكن في النتائج مل ذكر شيء مع أنه مهم جدًا إثبات كلامه على الأسانيد أو على الرواة عقب هذه الأحاديث .(2/13)
الملاحظة الثانية : أن المجهولين الذين حكم عليهم الشيخ وصي الله بالجهالة بناءً على " تقريب التهذيب " للحافظ ابن حجر , وهذا الحكم فيه نظر الرواة الذين لم نجد فيهم لا جرحًا ولا تعديلًا وأخرج لهم النسائي في المجتبى , ولذلك يعل الأحاديث بهم ، فهؤلاء لا يحق لنا أن نصفهم مجهولون لما لأننا اتفقنا نحن وأنتم إن شاء الله أو اتفقت أنا مع العلماء الذين نقلت كلامهم بوصف النسائي المجتبى بالصحة ومن شرط الصحة ، وأول شروط الحديث الصحيح ثقة الرواة : العدالة والضبط ؛ فإذا أخرج الإمام حديثًا وقال هذا حديث صحيح أول ما يقتضيه هذا الوصف والحكم ثقة الرواة ، فكوني لم أقف أنا على حكم للأئمة على هذا الراوي مع تصحيح الإمام النسائي لحديثة لا يحق لي في هذه الحالة أن أقول عن هذا الراوي أنه مجهول ، وإن قلت أنه مجهول ، أقول : مجهولٌ عندي ثقة عند النسائي , وإذا قلت مجهول عندي ثقة عند النسائي فمعناه أن حكمي أنا ما له قيمة لأن في واحد عرفه ومن علم حجة على من لم يعلم النسائي يقول هو معروف عندي ووثقته كوني أنا ما عرفته أو ما وجدت فيه حكم هذا ليس دليلًا كافيًا لي لرد حكم النسائي .
إذًا غالب المجهولين أيضًا الذين ذكرهم الشيخ وصي الله سوف نخرج بأن غالبهم ثقات عند النسائي والنسائي متشدد كما رأيتم في الجرح والتعديل فسوف يكون توثيقه معتمد ولا شك ؛ فكثير من هذه الإحصائية سوف نخرج أنها ليست داخلة معنا أصلًا , ولا يلام النسائي بذكره لأحاديث هؤلاء .
مع ذلك أعطيكم خلاصة الخلاصة خلاصة النتائج السابقة أقول أن خلاصة تلك الإحصائية مما قد يكون خلاف شرط النسائي باجتهاد الشيخ وصي الله بلغ عدده تسعة عشر رواية .(2/14)
يعني : كل الأحاديث التي ممكن ينتقد بها النسائي الأحاديث التي أخرجها وهي ضعيفة ولم يتعقبها بالضعف تسعة عشر رواية من مجموع الكلام الذي ذكرناه آنفًا ولو قمت أنتم الآن بإحصائية لوجدتموها تسعة عشر رواية كما ذكرت لكم ، وتسعة عشر رواية من ألوف الأحاديث لا شك أنها عدد يسير جدًا انتقد البخاري ومسلم بأكثر من ذلك من الدار قطني وغيره ، إضافة إلى ذلك أن التسعة عشر رواية هذه ضعفها باجتهاد المؤلف الشيخ وصي الله يعارضه اجتهاد النسائي فمن حق العالم بعد ذلك أن يقول الحق مع النسائي أو مع الشيخ وصي الله يعني ممكن ينازع في الحكم على الحديث بالضعف كما ذكرت لكم خاصة وأنه بنى حكمه على ضعف الحديث بالجهالة بناءً على أن فلان وصفه بجهالة أو لم يجد فيه جرحًا ولا تعديلًا على كل حال ؛ فهذه الإحصائية تبين لكم وبجلاء شدة تحري الإمام النسائي في كتابه المجتبى تسعة عشر حديث قليل جدًا مقابل ألوف الأحاديث الموجودة في هذا الكتاب ذكرنا لكم ترقيمها طبعًا بالمكرر ما يزيد عن خمسة آلاف حديث .
من هذا نخرج إلى تقريبًا ما يقارب الختام حول كتاب المجتبى .
وهو ما هي مكانة كتاب المجتبى للنسائي بعد هذا العرض :
تقدم ثناء جماعة من العلماء على هذا الكتاب في صحته وفي دقة استنباطه وفي العلوم الموجودة فيه وسبق ثناء ابن رشيد السبتي عليه الذي وصفه بأنه من أصح الكتب وأنه فيه تعليل للأحاديث كأنه كهانة الكلام السابق , وقال أبو الحسن المعافري : " إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث فما أخرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما أخرجه غيره " , وقال عبد الرحيم المكي شيخ ابن الأحمر عن المجتبى للنسائي : " إنه أشرف المصنفات كلها وما وضع في الإسلام مثله " .
وقال الحافظ ابن حجر في النكت : " وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثًا ضعيفًا ورجلًا مجروحًا , ويقاربه كتاب أبي داود .(2/15)
ووافقه على ذلك السخاوي والسيوطي وزاد السخاوي ردًا على سؤال سُأِلتهُ أمس فقال : " ولكن إنما أخروه عن أبي دواد والترمذي فيما يظهر لتأخره عنهما في الوفاة بل هو أخر أصحاب الكتب الستة وفاة " إذًا سبب تأخير النسائي في الترتيب لا لأن كتابه أقل من كتاب أبي دواد والترمذي , ولكن لأنه تأخر عنهم في الوفاة هذا هو سبب تأخيره فقط أما في الصحة فهو أصح وأقوى من كتاب أبي داود والترمذي وهذا كلام الحافظ ابن حجر ، والسخاوي , ويؤيد ذلك لما ذكرنا إحصائية ابن الجوزي في الأحاديث التي وصفها بالوضع فذكر أن هناك تسعة أحاديث موضوعة وهذا حكم ابن الجوزي أما في المجتبى فهي خمسة فقط هذا أيضًا يؤيد ثم خرجنا إلى الخمسة هذه أيضًا ليس واحدًا منها مُسَلَّم فيه لابن الجوزي بل واحد منها ضعيف ونبه عليها النسائي ، والأربعة صحيحة من موضوع إلى صحيح !! ؛ فهذا أيضًا يبين لكم أحقية كتاب النسائي بالتقديم على كتاب أبو داود وعلى كتاب الترمذي .
آخر نقطة متعلقة بكتابه المجتبى :
ذكر الكتب التي خدمت هذا الكتاب ونقسمها إلى أقسام :
أولًا : الكتب التي تكلمت عن شرطه :
كتاب " شروط الأئمة " لابن مندة وهو مطبوع .
" شروط الأئمة الستة " لابن طاهر .
" شروط الأئمة الخمسة " للأبي بكر الحازمي .
ومن أجل هذه الكتب كتاب " بغية الراغب المتمني في ختم النسائي رواية ابن السني " للسخاوي .
ثانيًا : الكتب التي اعتنت بمتونه :
كتاب " التجريد للصحاح والسنن " لـ رزين العبدري .
كتاب " جامع الأصول " لابن الأثير فقد جمع كتاب متون النسائي مع باقية الكتب الستة والستة عنده هي الخمسة المشهورة بالإضافة إلى موطأ الإمام مالك .
كتاب " جامع المسانيد " لابن كثير فإنه جمع أحاديث مسند الإمام أحمد والكتب الستة مضاف إليها مسند البزار ومسند أبي يعلى ومعجم الطبراني الكبير .جمع المتون .(2/16)
وجمع رباعيات هذا الإمام أحد العلماء وهو قاسم بن علي الأنصاري ويوجد من هذا الكتاب مخطوطة إلى الآن لم تطبع .
ثالثاً : الكتب التي اعتنت بأسانيده وجمعها أو ما يتعلق بالأسانيد عمومًا :
" أطراف الكتب الستة " لابن طاهر المقدسي .
" الإشراف على الأطراف " لابن عساكر وهو في جمع أطراف – يعني : أسانيد - السنن الأربعة وابن عساكر ينبه إلى أنه اعتنى بجمع أسانيد سنن النسائي الكبرى برواية ابن حيوية لا السنن الصغرى لكن السنن الكبرى في الغالب كما قلنا لكم غالب أحاديث الصغرى موجودة في الكبرى .
أيضًا من الكتب التي اعتنت بأسانيده الكتب المشهور " تحفة الأشراف " للإمام للمزي .
ومن الكتب المتأخرة " ذخائر المواريث " لعبد الغني النابلسي .
من أواخر الكتب كتاب " بذل الإحسان بتخريج أحاديث سنن أبي عبد الرحمن " لأبي إسحاق الحويني في تخريج أحاديث السنن خرج منها أجزاء إلى الآن خرج اثنان من الكتاب والكتاب قد يكون كبير لو اكتمل .
رابعًا : الكتب التي اعتنت برجال النسائي :
من أقدامها كتاب " الكمال" لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي .
بعد ذلك ذيول الكمال مثل " تهذيب الكمال " للمزي .
" تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر .
" تقريب التهذيب " للحافظ ابن حجر .
" تذهيب التهذيب " للذهبي .
" الخلاصة " للخزرجي .
" الكاشف " للذهبي .
هذه كلها كتب اعتنت برواية الكتب الستة ومن بينها كتاب النسائي , وسبق أن ذكرنا أن هناك
8) معجم لشيوخ النسائي ألفه عبد الله بن محمد بن أسد الجهني .
وأيضًا تسمية شيوخ النسائي للغساني .
وتسمية شيوخ النسائي لابن خلفون .
وجمع شيوخ الأئمة الستة ابن عساكر في كتابة " المعجم المشتمل على شيوخ الأئمة النبل " شيوخ الأئمة الستة في كتاب واحد .
خامسًا : شروح النسائي :(2/17)
شاع بين طلبة العلم أنه لم يشرح النسائي أحد إلا ومات قبل أن يتم شرحه حتى تَطيَّر بذلك بعض الناس فتحامى عن شرح النسائي يخشى أنه يبتدأ فيموت لكن هذه العبارة ليست صحيحة ، فهناك شروح تامة لكتاب النسائي إلا إن كثير منها فقد لم نقف إلا على اسمه .
من أقدم هذه الشروح " كتاب المجتبى من المجتنى في رجال كتاب أبي عبد الرحمن النسائي في السنن المأثورة وشرح غريبة " هذا الكتاب لأبي المظفر محمد بن أحمد بن محمد الأبيوردي المتوفى سنة 507هـ قديم جدًا .
يليه في الزمن كتاب " شرح السنن " لأبي العباس أحمد بن أبي الوليد بن رشد المتوفى سنة 563هـ أيضًا من علماء القرن السادس وصف هذا الكتاب بأنه كتاب حافل للغاية ، كبير .
كتاب " الإمعان في شرح مصنف النسائي أبي عبد الرحمن " لأبي الحسن علي بن عبد الله بن النعمة المتوفى سنة 567هـ أيضًا القرن السادس يقول في وصفه محمد بن عبد الملك المراكشي يقول : " بلغ فيه الغاية من الاحتفال وحشد الأقوال , وما أرى أن أحدًا تقدمه في شرح كتاب حديثي إلى مثله توسعًا في فنون العلم وإكثارًا من فوائده وقد وقفت على أسفار منه مدبجه بخطه - يعني بخط المؤلف - " لكن السخاوي من قديم يقل لم أقف على هذا الشرح .
هذه الكتب كلها التي سبقت غير موجودة .
" شرح زوائد النسائي " لابن الملقن شيخ الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 804هـ .
الكتاب الموجود والمتداول هو " زهر الربى على المجتبى " للسيوطي وهو شرح مختصر غير مطول .
ومن شروح النسائي التي لم تكتمل وهي مطبوعة كتاب " شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية " عنوانه طويل لمحمد المختار بن محمد المختار الجكني الشنقيطي والد الشيخ محمد طبع من هذا الكتاب ثلاث مجلدات والمؤلف توفيَ ولم يكمله هذا يمكن أحد أدلة أصحاب العبارة السابقة .
هناك حاشية نور الدين بن عبد الهادي السندي المتوفى سنة 1138هـ وهي الحاشية المطبوعة مع زهر الربى .(2/18)
من أواخر الكتب خروجًا وماذا نخرج نسأل الله عز وجل أن يبارك عمر مؤلفه ذخيرة العقبى في شرح المجتبى لفضيلة الشيخ محمد آدم الأثيوبي المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة ، الكتاب خرج منه فيما أعلم إلى الآن خمس مجلدات والمؤلف فيما سمعت انتهى من قرابة أربعة عشر مجلد ومازال الكتاب إن شاء الله يخرج تباعًا وينير مؤلفه .
هناك أحد الإخوان جمع شروح النسائي وقد استفدت من جمعه وهو الأخ علي العمراني جمع ما يزيد أو يقرب عشرين مؤلفًا في شرح النسائي لكن لم أرى في داعي لذكر هذه الكتب جميعًا .
"السنن الكبرى " .
سبق أن تكلمنا عن علاقة السنن الكبرى بالصغرى وبينا بعد الفروق بين السنن الكبرى والصغرى للنسائي لكني أؤكد الآن على ميزتين أو فرقين أساسيين بين السنن الكبرى والمجتبى للنسائي :
الميزة الأولى : وهي ظاهرة ولكن ينبغي التنبيه عليها هي كبر حجم السنن الكبرى عن الصغرى أنها أكبر حجمًا وسبب كبر الحج ولا شك هو زيادة عدد الأحاديث زيادة عدد الكتب زيادة عدد الأبواب قلنا أن الكتب فيما يقارب اثنين وعشرين كتاب موجودة في الكبرى غير موجودة تمامًا في المجتبى الأبواب أيضًا فيه عدد كبير من الزيادة ويأتي التمثيل عليه .
الأحاديث وذكرنا لكم الفارق الكبير في الأحاديث حتى يقارب الضعف ، أنها تقريبًا الضعف في عدد الأحاديث من أمثل الكتب الموجودة في الكبرى وغير موجودة في الصغرى :
كتاب التفسير .
كتاب المناقب .
فضائل الصحابة .
فضائل القرآن .
النعوت .
الوفاة .
هذه كلها كتب موجودة في الكبرى غير موجودة في الصغرى أم زيادة الأبواب فهناك مثال جميل وطريف يحتاج وقفه وهو كتاب الصيام للنسائي .(2/19)
كتاب الصيام للنسائي في الكبرى كتاب كبير جدًا لما ألف النسائي المجتبى كأنه أخذ نصف الأبواب بكاملها النصف الأول وضعه في المجتبى والنصف الثاني حذفه تمامًا حتى أنه فيه ما يزيد عن ستين باب في الكبرى غير موجودة في الصغرى ، وفي الستين باب هذه كثير من الأحاديث الصحيحة ونبهت على هذا ، لا تجعل قاعدة عندك أن كل حديث موجود في الكبرى غير موجود في الصغرى أن هذا حديث معلول لا هناك أحاديث صحيحة كثير موجودة في الكبرى لم يذكرها المؤلف أبدًا في الصغرى ، وهذا المثال واضح كأنه أخذ النصف الأول وضعه في المجتبى والنصف الثاني حذفه من المجتبى هذا هو الفرق الأول .
الميزة الثانية : وقد ذكرنها آنفًا وهي مهمة جدًا أن المجتبى أنقى أحاديث من الكبرى ، ولكن معنى هذه العبارة يجب أن يُفهم تمامًا ليس معنى هذه العبارة أن شرط النسائي في الكبرى يختلف عن شرطه في الصغرى بل سبق عن النسائي نفسه العبارة التي نقلنها من رواية ابن الأحمر عن النسائي والتي قلت لكم أنه ذكرها السخاوي والسيوطي ، بل وذكرها الحافظ ابن حجر في " النكت" أيضًا وهي التي يقول في أولها النسائي نفسه : " كتاب السنن كله صحيح , وبعضه معلول إلا أنه مبين علته وكتاب المنتخب المسمى بالمجتبى كله صحيح " هذه عبارة النسائي ، فالسنن الكبرى على نفس شرط السنن الصغرى فيما أظن ، وفيما يترجح عندي .
إذًا هناك سؤال مادام الشرط في الكبرى مثل الصغرى ما الفرق بينهما :(2/20)
أقول الفرق بينهما أن النسائي أكثر من ذكر الأحاديث التي يعلها في الكبرى كثيرًا ما يذكر أحاديث ويعلها ، أما في الصغرى فأقل من ذلك حتى أنه في الكبرى ربما أورد - لا أقل ربما - بل كثيرًا ما يورد أبوابًا في ذكر اختلاف الروايات فيقول مثلًا في كتاب من الكتب باب اختلاف الروايات على شعبة في حديث كذا وكذا ويذكر صفحتين ثلاثة يبوب على الاختلاف ليس تبويبات فقهية بل تبويبات على الاختلاف ، يورد تبويبات فقهية لكن أيضًا اعتنى ببيان الاختلاف على الرواة بل هناك باب كبير جدًا لمن أراد أن يعرف الفرق بين الكبرى والصغرى في هذا الباب فليرجع إليه وهو حديث أفطر الحاجم والمحجوم ، لا أعرف كتابًا لا أقول أن لا أعرف كتابًا لكن الحافظ ابن حجر نوه بعظم هذا الباب لأن النسائي جمع فيه نستطيع أن نقول كل ما يتعلق بهذا الباب واختلاف الرواة فيه جمعًا لا يستطيعه أحدًا سواه تكلم فيه عن اختلاف الرواة بطريقة أعجزت من جاء بعده على أن يضيف إليهم شيء كله في اختلاف الروايات حول حديث (( أفطر الحاجم والمحجوم )) فهذا الباب غير موجود كله في الصغرى ؛ فالذي نفهمه حتى من القصة التي وردت في صفة تصنيف المجتبى لما رأى ذاك الأمير الكتاب ورأى كثرة الاختلاف الذي فيه أراد من النسائي أن يخلصه من غالب هذه الاختلافات والعلل وأن يؤلف له كتابًا أغلب ما فيه أو جُلُّ ما فيه الأحاديث الصحيحة غير المعلولة فألف له الإمام النسائي هذا الكتاب المجتبى مع إبقاء بعض الأحاديث التي يعلها بالكتاب لكنها أقل بكثير من الأحاديث التي يعلها في كتابه السنن الكبرى .
يعني : نستطيع أن نقول أن السنن الكبرى قريبة في الشرط من السنن الصغرى , وقد جزم بذلك أحد الدكاترة المعاصرين وهو الدكتور فاروق حمادة في مقدمة كتاب عمل اليوم والليلة الكتاب الذي حققه للنسائي .
ننتقل الآن إلى أشهر روايات إلى السنن الكبرى :(2/21)
للسنن الكبرى روايات متعددة وكثيرة , وتختلف هذه الروايات في الزيادة والنقص بالنسبة لعدد الأحاديث والأبواب باختلاف رواتها فأشهر هذه الروايات ، ذكرنا فيما سبق أن رواة السنن عشرة ذكرنا منهم كثيرون ولكن أن نركز على روايات أربعة هي أشهر الروايات على الإطلاق :
الرواية الأولى : هي رواية ابن الأحمر وهو محمد بن معاوية الأندلسي الشهير بابن الأحمر المتوفى 358هـ .
الرواية الثانية : رواية ابن القاسم ويقال أيضًا لها في مرات رواية ابن سيَّار وصاحبها هو محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد بن سيار البياني الأموي الأندلسي المتوفى سنة 328هـ .متقدم الوفاة .
الرواية الثالثة : هي رواية الحافظ حمزة بن محمد الكناني المتوفى سنة 357هـ .
الرواية الرابعة : رواية ابن حيوية وهو محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية النيسابوري ثم المصري المتوفى سنة 366هـ .
ابن سيَّار وابن الأحمر أندلسيان ، حمزة الكناني وابن حيوية مصريان ، هذه أشهر روايات السنن الكبرى عن النسائي .(2/22)
أشهر هذه الروايات على الإطلاق رواية ابن الأحمر سبب شهرتها هي تأخر زمان أو تأخر وفاة ابن الأحمر عن باقية الرواة كما ترون من تاريخ وفاته ، وهو أخرهم وفاة على الإطلاق لذلك كثروا الآخذون عنه واعتني بنقل روايته وقد نص على أن سمع ابن الأحمر وابن سيَّار واحد لأنهم كانوا يجلسون في مجلس واحد ويسمعون مع النسائي , ومن أجل ذلك النسخ المخطوطة الموجودة الآن الوحيدة في ما نعلم الكاملة للنسائي هي من رواية هذين معًا ابن الأحمر وابن سيَّار , وهذه النسخة المخطوطة حقيقة من عجائب الدنيا لأنه ضمنت السنن الكبرى كلها مجلد واحد في الصفحة الواحدة السنن الكبرى كلها في المخطوطة هذه مجلد واحد في الصفحة الواحدة واحد وستين سطر في كل سطر ما يزيد على أربعين كلمة بل والمجلد كله ما يقارب مائة وتسعين صفحة وفيها السنن الكبرى كاملة بخط دقيق جدًا وهي النسخة الوحيدة الكاملة هناك أجزاء كثيرة مفرقة لكن لو جمعنها كلها أيضًا ما تكمل السنن الكبرى , وقد اختلف في رواية ابن الأحمر هل تضم كتاب الاستعاذة والخصائص لعلي وكتاب الأشربة هذه كتب في كتاب النسائي السنن الكبرى والخلاف هناك بين العلماء هل تضم رواية ابن الأحمر هذه الكتب الثلاثة أو لا ؟(2/23)
رجح السخاوي أنه موجودة في رواية ابن الأحمر , وبين أن خلو بعض النسخ من خصائص علي قال لسبب لطيف وهو : أن ابن الأحمر كان يحدث بهذا الحديث بهذا الكتاب كتاب النسائي في زمن بني أمية بالأندلس فكان ربما في بعض الأحيان خشي أن يحدث بخصائص علي , وهو في زمن بني أمية ، وتعرفون العداء بين بني أمية وبين ذرية علي بن أبي طالب وبين علي بن أبي طالب ؛ فكان مرات يحدث بخصائص علي ومرات لا يحدث بها فمن سمع مه الكتاب دون خصائص علي ظن أنه غير موجود في روايته ومن سمعه كاملًا عرف أنه موجود في روايته , وقد نبه العلماء أيضًا أن نسخة ابن سيَّار أصح وأقوم إسنادًا وأقل خطأً من نسخة ابن الأحمر والحمد الله أن النسخة الموجودة برواية الاثنين معًا .(2/24)
أما أكمل الروايات مطلقًا وأجودها وأتقنها فهي رواية حمزة الكناني , وقد وصل لنا من رواية حمزة الكناني كتاب التفسير وكتاب فضائل القرآن وغيرها في أجزاء موجودة بمكتبة الرباط بالمملكة المغربية , واعتمد ابن عساكر في كتابه الأطراف على رواية ابن حيوية فلو جمعنا كتاب الأطرف وهو موجود وهو الأشراف على الأطراف لابن عساكر مع الأجزاء الموجودة من رواية حمزة الكناني مع الأجزاء الموجودة من رواية ابن القاسم بن سيَّار يصحب عندنا كأنها أشهر الروايات كلها موجودة بين يدينا ونستطيع من خلالها ومن خلال التحقيق الجيد أن يخرج الكتاب في طباعة محققة تحقيقًا جيدًا لكن للأسف الشديد إلى الآن الكتاب لم يطبع بتحقيق جيد بل الطبعة الموجودة من السنن الكبرى الآن طبعة في غاية التشوية ، سيئة إلى أخر حد , وتدخل المحققون فأضافوا أحاديث من المجتبى الكبرى بل أضافوا كتابًا بكامله كتاب الأشربة غير موجود في النسخة المخطوطة التي عندهم قاموا أضافوها وقالوا بحجة وبخط صغير في الحاشية في أخر الكتاب قالوا : " أضفناها للفائدة " أي فائدة هل من حقكم أن تفعلوا ذلك وملئوا الكتاب بالتدخلات ؛ فالمقصود الكتاب في حاجة إلى تحقيق عسى الله عز وجل أن يجعل منكم من يقوم بهذا العمل .(2/25)
أما المزي نسأل كثيرًا هل المزي اعتماد على الصغرى أم الكبرى المزي أعظم اعتماده واعتماده الأول والأخير في كتابة تحفة الأشراف على السنن الصغرى " المجتبى " لكنه أضاف إليها كتاب الإشراف على الأطراف لابن عساكر وقلنا أن ابن عساكر اعتماد على كتاب السنن الكبرى برواية ابن حيوية فيكون كأَنَّ المزي اعتماد المجتبى مضافًا إليها رواية ابن حيوية ثم أضاف إلى رواية ابن حيوية أجزاء من رواية حمزة الكناني كالتفسير وكفضائل القرآن لكنه لم يستوعب كل روايات السنن الكبرى من أجل ذلك تجد أن الحافظ ابن حجر في كتابه " النكت الظراف " الذي هو مطبوع في حاشية تحفة الأشراف كثيرًا ما يستدرك أحاديث على ابن عساكر من رواية ابن الأحمر ومن رواية ابن سيَّار لأن هاتين الروايتين لم يعتمدهما الحافظ المزي في كتابه تحفة الأشراف .
هناك مسألة أيضًا تُطْرَح كثيرًا وهي بعض الكتب التي طبعت مستقلة عن السنن الكبرى مثل كتاب التفسير وفضائل علي وفضائل القرآن هل هي كتب من ضمن السنن الكبرى أم هي كتب مستقلة ؟ وما سبب وجودها مستقلة ؟
أما أنها من السنن الكبرى : نعم ، هي من السنن الكبرى ولا شك في ذلك لأنه موجودة في روايات مثل رواية ابن أحمر وغيره وعشرة النساء أيضًا ، والوفاة ، والجمعة طبعت مفرقة هي من كتاب السنن الكبرى للنسائي .
ما الذي جعلها تفرد ؟(2/26)
يذكر علماء ومنهم السخاوي له كتاب خاص برواية ابن أحمر ذكرنا آنفًا درة الراغب المتمني وهو كتاب مطبوع له كتاب آخر مخطوط اسمه " القول المعتبر لختم النسائي رواية ابن الأحمر " تكلم فيه عن أمثال هذه القضايا فذكر أن سبب إفراد هذه الكتب أن الإمام النسائي بعد أن ألف الكبرى كان يضيف كتب جديدة فلما ذهب إلى دمشق ورأى أغلب أهلها من الناصبة ألف خصائص لعلي وضمه إلى الكبرى فمن الرواة من رواة مستقلًا ومن الرواة من رواة ضمن السنن الكبرى وكذلك التفسير وكذلك فضائل القرآن , كذلك بقية الكتب وعشرة النساء ، وأعمال اليوم والليلة ؛ فهي في الحقيقة من السنن الكبرى ولا شك في ذلك ؛ لكن لأن النسائي كان ربما أضاف إلى كتابه كتابًا جديدة ليقع هذا الذي يظنه بعض الناس نوع من إدخال بعض الكتب في السنن الكبرى وهي ليست منها الصواب أنها منها هذا أخر ما أحببنا أن نذكره اليوم .
الأسئلة
س : هل يمكن تقديم النسائي على أبي داود وهو شيخه ؟
ج : ما في بأس أنتم بعضكم يمكن أفضل من شيوخه .
س :ما رأيك بمن يقول أن الإمام الترمذي متساهل في تخريج رواة متكلم فيهم ونجد أن ما رواه الترمذي إذا روى عن أحد المتكلم فيهم انبه على ذلك ؟
ج : هذه مسألة مهمة جدًا , وهي ما قيل من أن النسائي متساهل ووصلت بعض الناس أنه لا يعتمد تصحيح وتحسين الترمذي قالوا أن الترمذي متساهل ووصلت بهم إلى عدم اعتمادهم واحتجوا في ذلك بعبارة الإمام الذهبي وغيره ، نفس الإمام الذهبي يخالفهم ويحتج بتصحيح الترمذي ، وتحسينه بل العراقي لما قال الذهبي في موطن : " ومن أجل ذلك تجد غالب تحسينات الترمذي ضعاف عند المحاققة , ومن أجل ذلك لا يعتمد الحفاظ على تحسين الترمذي " كذا يقول الذهبي في موطن من المواطن في كتابه الميزان .
فرد عليه العراقي فقال : " بل يعتمدونه قديمًا وحديثًا .(2/27)
نفس الذهبي قلت لكم في مواطن نص على أنه يعتمد على كتاب الترمذي وعلى تحسينه وتصحيحه بل وصف الترمذي بأنه إمام وناقد وحافظ ، وهذا أول متفق عليه لا يتفق مع قولنا بأنه متساهل وما يعتمد على تصحيحه وتحسينه ، الترمذي ناقد إمام كبير كل ما في الأمر أن في عبارته نوع من الرخاوة في الجرح , وفي ذلك يشبه البخاري لما يقول عن الكذاب سكتوا عنه نفس المنهج عبارة عن الورع في إطلاق العبارات فقط .
س : أليس " المنتقى " أصح من " المجتبى " حيث ليس فيه ضعيف أصلًا فيما أذكر ؟
ج : كتاب المنتقى يقصد لابن الجارود أصح من المجتبى كونه أصح أو لا يحتاج إلى إحصائية ودراسة وموازنة بين الكتابين لكن أقول النقاد التي سبقت مثل الحافظ ابن حجر وغيره تدل على جلالة كتاب النسائي هذا أولًا .
الأمر الثاني : أن كتاب المنتقى صغير الحجم قليل الأحاديث بالنسبة لكتاب النسائي وهذا قد يكون أيضًا له دور في التقديم فقد يكون من الهين أن يشترط الإنسان في أحاديث قليلة الصحة والحسن ويأتي بهذا الشرط لكنه يشترط هذا الشرط في ألوف الأحاديث هذا الصعب والذي يستحق صاحبه أن يقدم .
س : يقول لماذا قدم الترمذي على النسائي ؟
ج : قدم الترمذي على النسائي لتقدمه في الوفاة كما قال السخاوي .
س : ما المقصوم بإمام متشدد في نقل الرجال وآخر متوسط ؟ الرجاء التوضيح .(2/28)
ج : هذه العبارة تعني في كثير من الأحيان أن بعض النقاد كما يعبر الإمام الذهبي نَفَسُهُم شديد في ألفاظ الجرح أو التعديل وبسبب ذلك أن يكون الراوي مثلًا فيه ضعف أو فيه شيء من اللين فيقول ضعيف فيه شيء كثير الخطأ ، أما الآخر المعدل المتوسط ينتقي العبارة أكثر بل ما يقول ضعيف يقول في حفظه شيء شوف العبارة كيف ألطف ؟ ألطف بكثير مثلًا كذاب الإمام المتشدد يقول عنه وضاع متهم كذاب الإمام الذي فيه توسط يقول مثلًا سكتوا عنه أو كذبوه ما يقول : هو كذاب غيره كذبه مثل الإمام البخاري ففي كثير من الأحيان يكون الفرق بين المتشدد والمتساهل فقط في أسلوب التعبير أما في الحكم هما متفقان في حقيقة الحكم ، يعني : المتشدد والمتوسط كلاهما حكمهم في الحقيقة واحد لكن نَفَسُ العبارة مختلف أسلوب التعبير مختلف أما مناهج النقد بين الأئمة فهي في الغالب متفقة .
متى يردون الرواية ؟ متى يصححونها ؟ متى يحسنونها ؟ في الغالب متفقه , والخلاف في ذلك بينهم يسير وفائدة معرفة المتشدد من المتساهل من المتوسط لا كما يظنه بعض الناس مثلًا فلان وصف بأنه متساهل معنى ذلك ما اعتمد عليه تمامًا لما وصف العلماء ذلك الإمام بأنه متساهل ما قالوا بأنه ليس بإمام ، ذلك إذا قلت ما اعتمد عليه أبدًا معنى ذلك بأنك وصفته أنه ليس بإمام غير معتمد يساوي ليس بإمام تمامًا لكن لما وصفوه بالتساهل قصدوا أنك لو وجدته عارض إمامًا معتدلًا فوثق راويًا وغيره ضعفه من المتوسطين المعتدلين عند التعارض تقول فلان عرفنه بالتساهل إذًا ما نقبل توثيقه فقط عند التعارض وأعرف أن في إشكالات في هذا الكلام لكن هذا لا يسمح به الوقت .
س : هذا يقول ذكرت أن النسائي هو الوحيد الذي ليس له ثلاثيات فهل لمسلم ثلاثيات ؟
ج : لا مسلم ما له ثلاثيات البخاري والترمذي وابن ماجة لهم ثلاثيات وأبو داود ، لكن الإمام مسلم ليس له ثلاثيات .(2/29)
س : سمعت من أحد المشايخ يقول أن النسائي إذا روى عنه لهيعة يبهمه ويقرنه ؟
ج : هذا صحيح . وهذا أحد أدلت ورع هذا الإمام لو كان مثلًا عنده حديث يرويه من طريق ابن لهيعة ورجل أخر كلاهما يرويان الحديث فيسمي الرجل الآخر وعندما يأتي لابن لهيعة يقول ورجل آخر أو وفلان أو وآخر يبهمه ما يسميه مع أنه وارد في الرواية التي يرويها كأن يقول قتيبة بن سعيد يروي الحديث عن ابن لهيعة ورجل آخر مثلًا ابن لهيعة ولنقل معه مثلًا ابن وهب أو مالك فيأتي الإمام النسائي مثلًا ويقول حدثني قتيبة بن سعيد قال حدثنا مالك ورجل آخر .. ؛ وسبب ذلك هو أن ينبه الناظر أن ابن لهيعة ليس على شرطه فائدة أولى .
الفائدة الثانية أن ينبه على ضعف ابن لهيعة تقول لما لم يحذف المبهم كأن يقول حدثني قتيبة بن سعيد قال حدثنا مالك ويرحنا أن الإبهام من أجل أن يبين أن للحديث طريق آخر فبتقوى بذلك الحديث يبين أن الحديث يرويه اثنان لا واحد وهذا يفيد خاصة في باب التعارض لو تعارضت بعض الأحاديث الحديث الذي رواه أكثر من واحد لا شك أنه لأوى بالحفظ والإتقان من الذي رواه واحد .
س : بقول ذكرت أن رواية قتادة وغيره المعنعنة تقبل فهل هذا خاص بما في الصحيحين فقط أم لا وأرجو بيان سبب ذلك ؟ ومن قال بذلك ؟
ج : لقتادة المعنعنة رواياته مقبولة في الصحيحين وفي غيرها والذي قال ذلك أول من قال ذلك الحاكم في كتابه " معرفة علوم الحديث " في باب التدليس لما ذكر المدلسين ضرب مثلًا بقتادة بالرواة الذين لا يدلسون إلا ثقاته قال : " ومن الرواة من يدلس لكنه لا يدلس إلا الثقات مثل قتادة ، وتعرفون أن الراوي إذا عرف أنه لا يدلس إلا الثقات تكون عنعنته مقبولة مثل ما قالوا في سفيان بن عيينة هذا الأمر الأول والعالم الأول .(2/30)
العالم الثاني : ابن حزم في كتابة الإحكام قسم المدلسين إلى مرتبتين مرتبة مقبولة ومرتبة مرفوضة العنعنة وذكر قتادة في المرتبة الأولى مقبولة العنعنة أيضًا هناك تصرفات صريحة وأقوال صريحة فابن عبد البر أيضًا ذكر قتادة في كتابه " التمهيد " في موطن من فقال : " فبعضهم يقول أن قتادة إذا لم يقل سمعت أو حدثنا فحديثه مردود يقول ابن عبد البر معلقًا على هذا قال " وهذا تعسف " فهو صريح في الرد على أصحاب هذا القول ، بل هناك تطبيقات قوية جدًا للإمام أحمد وأبي زرعه وغيرهما من أهل العلم تبين أن عنعنة قتادة مقبولة سبب ذلك أن نوع تدليس قتادة لا يستلزم رد العنعنة لأن نوع تدليسه هو رواية الراوي عن من عاصرة ولم يلقه وهذا كلام طويل يحتاج إلى شرح .
س : أصحاب الكتب الستة هل هم عجم جميعًا أم بينهم من هو أصله عربي ؟ وما الدليل على ذلك ؟
ج : هذا السؤال من طرف العلم ليس من العلم في الحقيقة لكن كل شيء معرفته مفيدة أصحاب الكتب الستة منهم العربي ومنهم العجمي إلا أنهم جميعًا مسلمون فالإمام البخاري بخاري من بخارة .
الإمام مسلم عربي قشيري على الصحيح أنه من قبيلة قشير وهي قبيلة من بني عامر بن صعصعه من هوازن ، والإمام أبي داود أيضًا عربي ، والنسائي ما حد تكلم عن كونه عربي أو لا إلا أنه منسوب إلى نسا مدينة بخرسان كما ذكرنا ، ابن ماجة أيضًا لم يتكلم عنه أحد بأنه عربي أو لا لأنه منسوب إلى قزوين وهي مدينة أيضًا من بلدان العجم فالذي نجزم أنهم عرب هم مسلم وأبو داود وأما البقية فمن الأعجام وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (( لو كان الدين بالثريا لناله أقوام من هؤلاء )) وأشار إلى سلمان الفارسي , ولو نعرف أو لو أشرت إلى عدد العلماء الذين خدموا هذا الدين لوجدت أن أغلبهم من الأعجام رضيتم يا عرب ولا ما رضيتم هذا الواقع .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد ، والله أعلم .(2/31)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
تكلمنا في الدرس الماضي عن الإمام النسائي عليه رحمة الله وأخذنا نُبَذًا من ترجمته ، ثم أخذنا كلامًا يسيرًا حول كتابيه " السنن الكبرى ، والسنن الصغرى " ، وبيَّنا علاقة السنن الصغرى بالكبرى ، وقد جاءني سؤال بالأمس حول العبارة التي نقلتها عن الإمام النسائي أنه انتخب كتابه " السنن الصغرى" من " السنن الكبرى " ؛ العبارة التي يقول فيها : " كتاب السنن – يعني الكبير – كله صحيح ، إلا الحديث المعلول " ثم قال : " أما هذا الكتاب المنتخب المجتبى فكله صحيح " .
سألني أحد الإخوان قائلًا : ما هو مصدر هذه العبارة لأنها تكون نصًّا صريحًا على أن " المجتبى " من تصنيف النسائي ؟
فأحلتُه على المصدر ، وهناك أكثر من مصدر آخر منها : " مقدمة زهر الرُّبَى " للسيوطي نقل هذا النقل ، ونقله السخاوي أيضًا في " القول المعتبَر " ، ونقله أكثر من واحد من أهل العلم .
لكن – الحقيقة – الذي جعلني لا أذكر هذا القول وقولًا آخر أيضًا يأتي ذكره ضمن الأدلة على أن " السنن الصغرى " من تصنيف النسائي ، وأني لم أقف على إسناد هذا القول ، نقله السخاوي والسيوطي .
يقولون : " قال ابن الأحمر - وابن الأحمر إمام ثقة راوي السنن عن النسائي – قال النسائي " وتعرفون أنه بين السيوطي والسخاوي وبين ابن الأحمر دهورًا ، إلا أنه يمكن الاعتماد عليها باعتبار أن الناقلين لها أئمة وعلقوها بصيغة الجزم ، فأقل الأحوال أنه يُستأنس بها ، خاصة وأنها غير متعلقة بالسنن النبوية أو الأحكام أو شيء ، هي من ضمن الأدلة ، يمكن أن تُعتبر من ضمن القرائن الدالة على أن " السنن الصغرى " من تصنيف النسائي لا من تصنيف ابن السني ، بل القصة الآتية إن شاء الله في سرد تصنيف النسائي لسننه الصغرى أيضًا من هذا الباب .(3/1)
نبتدئ اليوم إن شاء الله الكلام عن كتاب " السنن الصغرى " للإمام النسائي ، وهو أجل كتابي النسائي " السنن الصغرى والكبرى " ، أجلهما وأشهرهما وأكثرهما تداولًا بين العلماء وطلبة العلم هو " السنن الصغرى " ، لذلك سوف نعتني به عناية خاصة .
أول ما نَطْرُقُه في هذا المبحث أو هذه المسألة هو :
ما الاسم الصحيح لكتاب " السنن الصغرى " للنسائي ؟
وردت عدة تسميات لهذا الكتاب :
فسماه الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " : " المجتنى " بالنون .
وسماه جماعة من العلماء بـ" السنن الصغرى " .
وجاء نسخة مخطوطة قديمة جدًّا منسوخة في حدود سنة خمسمائة وثلاثين من الهجرة ، جاء على غلافها العنوان التالي وهو : " السنن المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .
هذه تسميات متعددة ، إلا أن الاسم الصحيح أو الأرجح فيما يظهر لي هو الاسم التالي إن شاء الله ، الاسم الذي أرجحه أنه هو الاسم الكامل الصحيح لكتاب " السنن الصغرى " للنسائي هو :
" المجتبى من السنن المسندة " المجتبى بالباء .
أدلة هذا الاختيار هو أن النسائي نفسه سماه بهذا الاسم في كلامه الذي نقلناه آنفًا حول العلاقة بين السنن الصغرى والكبرى ، والذي ذكرنا عنها الكلام قبل قليل ؛ حيث قال : " المنتخب المسمى بالمجتبى " نفس النسائي ، العبارة التي رواها ابن الأحمر وذكرها السيوطي والسخاوي ؛ هذا الدليل الأول .
وكذلك سمَّاه ابن السني راوي " المجتبى " ، وأيضًا نقلنا عبارته برقم المجلد والصفحة بالأمس ، قال ابن السني : " وهذا الكتاب في المجتبى مما ليس في السنن الكبرى " ، فسماه أيضًا بالمجتبى ابنُ السني تلميذ المصنف ، وهو أعرف الناس بالكتاب وبمؤلفه وباسمه الصحيح .(3/2)
أيضًا سماه بهذا الاسم الكامل " المجتبى من السنن المسندة " ابنُ خير الإشبيلي في كتابه " الفهرست " ، وفهرست ابن خير الإشبيلي من أهم الكتب التي تُوقِفُنا على تسميات الكتب الصحيحة الكاملة ، فقد وجدناه في الغالب يعتني بسياق الأسماء الكاملة للمصنفات دون أن يقتصر على شهرة هذا الكتاب ؛ لأن بعض الكتب تشتهر بشهرة مختصرة من الاسم الصحيح للكتاب ، أما ابن خير الإشبيلي فإنه حريص جدًّا على نقل الاسم الصحيح ، حتى إنه عندما نقل اسم كتاب النسائي قال : " المجتبى بالباء الموحدة " ، كأنه يرد على من قال إنه " المجتنى " ، يؤكد على انه بالباء لا بالنون .
وأيضًا ممن نقل هذا الاسم ابنُ الأثير في مقدمة " جامع الأصول " ، والسخاوي في كتابه " بُغية الراغب المتمني " ، والسيوطي أيضًا ، بل إن السيوطي اعتمد هذا الاسم حتى في مسمى كتابه ، للسيوطي شرح على سنن النسائي سماه " زهر الربى على المجتبى " ، فاعتمد هذا الاسم وسمى شرحه على النسائي وسجع هذا الاسم بناءً على أن اسم كتاب النسائي هو " المجتبى " .
فالظاهر أن الاسم الصحيح لكتاب النسائي هو كان " المجتبى من السنن المسندة " ؛ هذا الأرجح والله أعلم .
النقطة الثانية التي سنتحدث عنها إن شاء الله هي سبب تصنيف " المجتبى " - الآن اتفقنا أن اسمه " المجتبى " – واختصار غالبه من الكبرى ؛ واختصار غالب " السنن الصغرى " من " الكبرى " .
سبق أن تكلمنا علاقة السنن الكبرى بالصغرى ، وذكرنا لكم أن " المجتبى " السنن الصغرى من تصنيف النسائي لا من تصنيف ابن السني .
فأول قد يُطرح على الأذهان أو يسأله السائل : ما هو الداعي والسبب الذي جعل الإمام النسائي يصنف ويختصر غالب السنن الصغرى من الكبرى ؛ لأنه في المعتاد أن المختصِر يكون غير المؤلف ، المؤلف يؤلف كتابًا ضخمًا فيأتي واحد ويختصره ، فما الذي دعا الإمام النسائي لاختصار كتابه ؟!(3/3)
وردت قصة تَذْكُر هذا السبب ، إلا أن أهل العلم اختلفوا تجاه هذه القصة قبولًا أو ردًّا ؛ هذه القصة تذكر أن الإمام النسائي لَمَّا صنف " السنن الكبرى " أهداها لأمير من الأمراء ، وهو أمير الرَّمْلة – بلدة في فلسطين – فلما نظر هذا الأمير في كتاب " السنن الكبرى " قال للنسائي : أهذا صحيح كله ؟ قال : لا .
قال له : فجَرِّدْ لِيَ الصحيح ، اكتب كتابًا ليس فيه إلا الصحيح ، فكتب النسائي بناءً على رغبة هذا الأمير كتاب " المجتبى " السنن الصغرى .
هذه القصة أقدمُ من رأيتُه ذكرها الإمامُ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحَبَّال ، المتوفى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة من الهجرة ، وهذا النقل موجود على نسخة النسائي القديمة التي ذكرتُها لكم ، وبعد الحَبَّال أسندها ابن خير الإشبيلي في كتابه " الفهرست " عن أبي علي الغَسَّاني الجَيَّاني المتوفى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ؛ معاصِر وقرين لأبي إسحاق الحَبَّال ، ثم نَقَلَ هذه القصة جماعة من أهل العلم نَقْلَ المُقِرِّ والمؤيد لها ، منهم : ابن الأثير ، وابن كثير ، والعراقي ، والسخاوي ، والسيوطي ؛ كلهم نقلوا هذه القصة دون أن ينكرها واحد منهم ، بل يُورِدُونَها مَوْرِد القَبول والاحتجاج ، يعني يقولون مثلًا : وسبب تصنيفه للسنن الصغرى هو كذا .. ، ويذكرون هذه القصة دون أي اعتراض عليها بأنها غير صحيحة أو كذا .
أول من رأيته رد هذه القصة هو الإمام الذهبي في كتابه " سير أعلام النبلاء " ؛ حيث ذكر هذه القصة نقلًا عن ابن الأثير ، وابنُ الأثير ذكر هذه القصة في مقدمة " جامع الأصول " ، ثم نقلها عنه الذهبي فقال : قال ابن الأثير : .. ثم ذكر القصة ، ثم تعقب القصة بقوله : " هذا لم يصح ، بل المجتنى اختيار ابن السني " .(3/4)
لا شك أن القصة لم نقف لها على إسناد متصل ، قلت لكم أقدم من نقلها أبو إسحاق الحَبَّال ، وأبو إسحاق الحَبَّال بينه وبين النسائي طبقتان ، يعني ما يستطيع يروي عن النسائي إلا عن شيخ ، وشيخه يروي عن شيخ آخر ، حتى يصل إلى النسائي ، فالقصة غير متصلة الإسناد فيما وقفنا عليه ، ولا وجدت أحدًا من الأئمة ذكر لها إسنادًا أو زعم أن لها إسنادًا ، إلا أن القصة ليس فيها أمر مستنكر من حيث هي ، وكما قلنا آنفًا هي ليست من السنن الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نتشدد فيه التشدد المطلوب في الأحاديث المروية عن النبي عليه الصلاة والسلام ، هي مجرد ذِكْر لسبب تصنيف " السنن الصغرى " فقط .
ولو وقفنا مع السبب الذي من أجله رد الإمام الذهبي هذه القصة لوجدنا أن السبب الرئيس الذي جعله يرد هذه القصة هو اعتقاده أن " السنن الصغرى " من اختيار ابن السني ، وهذا واضح من عبارته ؛ قال : " هذا لم يصح ، بل المجتنى من اختيار ابن السني " ، يعني كأنه هذا في موطن النكارة والرد عند الإمام الذهبي ، وقد ذكرنا لكم آنفًا وتقرر أن الراجح أن " المجتبى " من اختيار النسائي وتصنيف النسائي ، لا من اختيار ابن السني ، فالغرض الأساسي الذي من أجله رد الإمام الذهبي هذه القصة ليس بغرضٍ كافٍ ووافٍ لردها .(3/5)
الأمر الثاني أن الإمام الذهبي نقلها عن ابن الأثير ، وابن الأثير متأخِّر ، ليس كأبي علي الغساني وليس كأبي إسحاق الحَبَّال ، ولعله لو وقف على نقل أبي إسحاق الحبال أو على نقل أبي علي الغساني لكانت القصة عنده محترمة أكثر ، وقبوله كان عنده أقوى ؛ لأنهم قريبين عصر من الإمام النسائي ، وهناك مَلْحَظ مهم وهو أن المصريين في تلك الفترة - في العصور المتقدمة - والأندلسيين من أكثر الناس عناية بالنسائي وسننه ؛ لأن النسائي استقر في مصر كما ذكرنا لكم ، وكل رواة السنن عن النسائي أو غالبهم إما مصري أو أندلسي أو لا بد أن يكون دخل مصرَ ، لأن النسائي حدَّث بالسنن في مصر ، لذلك لا يُستغرب أن يكون عند المصريين أخبار عن سنن النسائي وعند الأندلسيين غير موجودة عند غيرهم ، وأبو إسحاق الحَبَّال مصري وأبو علي الغساني الجَيَّاني – جَيَّان بلد في الأندلس - أندلسي ، وكلاهما إمام قريب العهد بالمصنف ، فنقلهما له وَقْع واحترام كبير في هذا الباب ، خاصة وأن العهد قريب كما ذكرنا لكم .
وقف من هذه القصة أحدُ العلماء المعاصرين وقفة غريبة ، وهو الشيخ الفاضل/ عبد الصمد شرف الدين عليه رحمة الله ، في مقدمة تحقيقه للجزء الأول من " السنن الكبرى " ، الشيخ/ عبد الصمد شرف الدين صاحب التحقيقات الجليلة ومنها كان " تحفة الأشراف " للمزي ، حقق المجلد الأول من " السنن الكبرى " للنسائي ، بل لهذا العالِم الفاضل الفضل في اكتشاف " السنن الكبرى " ، مرت فترة على العالم الإسلامي قريبة كان يعتقد العلماء أن " السنن الكبرى " مفقودة غير موجودة ، فهذا العالِم اطلع على نسخة موجودة في تركيا هي النسخة الوحيدة الكاملة للسنن الكبرى للنسائي وكانت غير مفهرسة ، ونشر المجلد الأول منها ويضم كتاب الطهارة فقط من " السنن الكبرى " .
كتب مقدمة تحقيقه لهذا الكتاب تكلم فيها عن أسباب انتخاب الإمام النسائي لكتابه " المجتبى " فذكر هذه القصة .(3/6)
الغريب أن هذا العالِم الفاضل رجح أن " السنن الصغرى " من اختيار النسائي ، ويرى أنها ليست من اختيار ابن السني ، ويرد على الذهبي في ذلك ، فهو معنا في هذه المسألة ، لكن يرد هذه القصة ، وسبب رده لهذه القصة نقدٌ فيه وَقْفٌ ؛ يقول : كان النسائي غير معروف بالدخول على السلاطين ، وليس من المعقول أن يَتَزَلَّف إلى السلطان بالكتاب ، ويطلب منه السلطان أن يؤلف له كتابًا ، فيؤلف ...، يعني أسباب – الحقيقة - غير وَجِيهة لرد القصة .
أول شيء الدخول على السلطان للنصح والبيان والتعليم هذا أمر طيب ، والنسائي دخل عليه وهداه " السنن الكبرى " ، وهذا السلطان الظاهر أنه كان عالِمًا فاضلًا ، حتى أنه سأله : " أصحيح كله ؟ " لِمَا يسأل ؟ لأنه يريد أن يَتَّبِع ، يريد أن يستفيد ، فقال له كان مَيِّز لي الصحيح من الضعيف ؛ هذا السلطان طلبه في مكانه ، والإمام النسائي لعله وجد أن هذا الطلب طلب حريٌّ بالاهتمام ؛ لأن العامة ما يستطيعون التمييز بين الصحيح والضعيف فألَّف له " السنن الصغرى " ، ما النكارة في هذه القصة ؟! أمر مقبول ، بل هو مما يُعتبر مدحة للنسائي ومدحة لهذا الأمير نفسه ، المقصود أن القصة ليس فيها أمر مستنِكر .
إذًا فسبب تصنيف النسائي والله أعلم لـ" السنن الصغرى " هو هذا الطلب من هذا الأمير الفاضل الذي لا نعرف إلا أنه أمير الرَّملة فقط ، أمير بلد من بلدان بلاد الشام .
ننتقل الآن إلى وصف طبعة النسائي طبعات " المجتبى " .
طُبع كتاب " المجتبى " طبعات متعددة وكثيرة ، أعرف منها أو وقفتُ على ثماني طبعات من هذا الكتاب ؛ لا أقصد بالتصوير ، ثماني طبعات مستقلة .
أولى هذه الطبعات طبعت سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف من الهجرة ، قديمة جدًّا ، كم لها يعني الآن ؟ أكثر من مائة سنة ، تقريبًا مائة وخمسة وثلاثين ، طبعة قديمة جدًّا ، وطبعت بدلهي بالهند ، وطبعت في مجلدين .(3/7)
ثم طبع الكتاب بالقاهرة بالمطبعة اليمانية سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف ، وهذا الطبعة ضمت أيضًا " زهر الربى على المجتبى " للسيوطي وحاشية السندي ، وهي الطبعة المتداولة المشهورة ، بعد ذلك أصبحت هذه الطبعة قديمة تُصوَّر لأنها أجود الطبعات وتضم شرحين للنسائي ، فصُوِّرَت من دور كتب كثيرة : دار المعرفة ، والمطبوعات الإسلامية بحلب ، وغيرها من دور الكتب صُوِّرت تصويرًا فقط ونُشرت ، وهذه الطبعة اليمانية كما قلتُ هي التي عليها غالب العزو من العلماء والمحققين ، هي المعتمدة عند غالب العلماء والمحققين ، وصُنع لها فهارس ، ورقم أحاديثها عبد الفتاح أبو غدة ، واعتُني بها عناية طيبة ، وهي من أجود كتب السنن الستة طباعة ، على ما فيها من أخطاء ، ما تخلو من أخطاء ، لكنها من أجودها إتقانًا .
وكتاب " المجتبى " في هذه الطبعة المعتمدة يقع في أربع مجلدات ، كل مجلد يضم جزأين ، فالكتاب يقع في ثماني أجزاء ضمن أربع مجلدات .
رُقمت أحاديث هذه الطبعة فبلغت : واحدًا وستين وسبعمائة وخمسة آلاف حديث ، وعدد كتب " المجتبى " في هذه الطبعة كما سبق : واحد وخمسون كتابًا .
أول حديث أورده الإمام النسائي في هذه الطبعة يقول فيه كان :
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي وَضِوءِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ )) .
وهذا أول حديث في كتاب الطهارة في " المجتبى " ، والإمام النسائي لم يبتدئ " المجتبى " سننه الصغرى بتسمية الكتاب ، ما قال : كتاب الطهارة ، ابتدئ مباشرةً بالباب وبهذا الحديث ، لكن الكتاب كله بعد ذلك ، يعني الجزء الأول من الكتاب أول كتاب فيه متعلق بالطهارة .(3/8)
وآخر حديث في سنن النسائي الصغرى هو أثر يقول فيه :
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ابْنُ رَاهُويَهْ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ شُبْرُمَةَ – ابن شبرمة هو القاضي المشهور عبد الله بن شبرمة المتوفى سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة أو أربع وأربعين ومائة من الهجرة – لَا يَشْرَبُ إِلَّا الْمَاءَ وَاللَّبَنَ .
هذا الأثر أورده الإمام النسائي في كتاب الأشربة الذي يتكلم فيه عن الأشربة المحرمة والأشربة المباحة ، ويخص الأشربة المحرمة بزيادة استدال ؛ النبيذ والخمر وما شابه ذلك من أنواع الأشربة المحرمة ، فكان آخر أثر في " المجتبى " للنسائي هو هذا الأثر ، وقد اعتُبر هذا من حسن الختم وأن النسائي فد وُفِّقَ في اختياره لهذا الأثر ؛ لأن كون ابن شبرمة لم يكن يشرب إلا الماء واللبن هذا يدل على ورع كامل ، يعني كأنه كان يترك الأشربة المباحة خوفًا من أن يقع في الحرام فهو ورع شديد جعله يقتصر من الأشربة على هذين الأمرين الذين لا يُشك في حِلِّهِما ، وترك أشربة كثيرة من الحلال خوفًا من أن يقع في الحرام ، وخَتْمُه الكتاب بذلك فيه إشارة إلى أن الورع والتقوى هي الغاية المرادة من العلم والثمرة المبتغاة من العلم ، ولعل الإمام النسائي لذلك خَتَم الكتاب بهذا الحديث ، كأنه يريد أن ينبه من يقرأ كتابه إلى أن هذا الورع وهذه التقوى هي التي يجب أن تكون الغاية والنهاية لمن يطلب العلم ولمن يقرأ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويتعلمها .
نتكلم الآن بإذن الله تعالى عن منهج النسائي العام في " المجتبى " .(3/9)
تَقَدم في ترجمة الإمام النسائي أنه أحد الأئمة المعدودين من أئمة الإسلام ، وأنه من النقاد الأواحد الذين يُقرنون بالإمام البخاري ، وأبي زرعة ، وابن المديني ، وأمثالهم من أفذاذ العلماء الذين يُعَدُّون بالأصابع ، فهو : إمام في النقد ، إمام في علم الحديث ، إمام في تمييز صحيح السنة من سقيمها ، إمام في اكتشاف خفايا علل الأحاديث ؛ هذه مزايا اجتمعت في هذا الإمام .
ومع هذه المزايا أيضًا اجتمع فيه أنه إمام في الفقه ، له قدرة تشبه قدرة الأئمة المجتهدين في قوة الاستنباط واستخراج الأحكام الخفية من نصوص الشريعة ، لذلك كان من الطبيعي أن يظهر أثر هذا العلم الواسع الجليل على كتاب هذا الإمام ؛ التبريز في علم الحديث ، وأيضًا في علم الفقه ، فهو مُبَرِّز في كلا العلمين ، وهذا ما جعل كتاب النسائي شاملًا لكلا العلمين ؛ علم الحديث والصناعة الحديثية والدقة في ذلك وأيضًا الدقة في الاستنباطات الفقهية ، وهذا يذكرنا بالإمام البخاري ومسلم ، فالإمام البخاري كما تعرفون اعتنى بالتبويبات الفقهية التي أصبحت مضرَب المَثَل في القدرة العجيبة على الاستنباط والدالة على جلالة الإمام البخاري في الفقه والتي وقف عندها العلماء مُتَحَيِّرين من قوة استنباط البخاري وجودة تعبيره ودقة ألفاظه في التعبير عن تلك الأحكام في تلك الأبواب ، فالإمام البخاري كما تعرفون اعتنى بالأحكام الفقهية ، وجعل كتابه كأنه يصنف الكتاب للفقهاء ، لمن أراد أن يستفيد من السنة في استنباط الأحكام .(3/10)
أما الإمام مسلم فجعل إمامته بالصناعة الحديثية ، حتى أنه لم يبوب كتابه ، اكتفى أن يرتب الكتاب ترتيبًا سليمًا مبنيًّا على ترتيب الأحاديث على الكتب ، لكنه لم يُبَوِّب الكتاب ، والتبويب الموجود في الطبعات كما تعرفون هي للشارحين ؛ شرح النووي أو شرح القرطبي أو غيره ، فاعتنى الإمام مسلم بالصناعة الحديثية من حيث : جودة الترتيب ، جمع الطرق والألفاظ في موطن واحد ، وغير ذلك من الصناعة الحديثية التي فُضِّل فيها الإمام مسلم على البخاري عند بعض العلماء ، قالوا : هو أفضل من البخاري في جودة الصناعة الحديثية ، ودقة الألفاظ ، وأنه لا يروي بالمعنى ، والتفريق بين حدثنا وأخبرنا ؛ كل هذه أمور تميز بها الإمام مسلم .
فجاء الإمام النسائي وجمع بين الحُسْنَيَيْن ، وهذا مما يتميز به النسائي ، حتى أن تعبير أحد العلماء وهو ابن رُشَيْدٍ يقول : " إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفًا ، وأحسنها توصيفًا ، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم ، مع حظ كبير من بيان العلل التي كأنها كهانة من المتكلم " .
وسوف نرجع إلى هذا الكلام بالبيان إن شاء الله ، لكن لاحظوا أن ابن رُشيد ركز على أنه جمع بين طريقتي البخاري ومسلم .
وعبر السخاوي عن ذلك تعبيرًا فيه نوع من المجاز واللَّطافة ، قال : " زاحم البخاري ومسلم في طريقتيهما "
يعني : كأن النسائي أراد أن يجعل كتابه في مَصَافِّ أَجَلِّ كتابين عرفتهما هذه الأمة وهما صحيحا البخاري ومسلم .
فمن الأمور التي زاحم فيها البخاري كما ذكرنا دقة الاستنباط ، ومن أمثلة ذلك أنه ذكر أحاديث ثلاثة في كتاب الطلاق ، وأنا الآن أريد أن أقرأ عليكم هذه الأحاديث الثلاثة وأترك لكم أنتم محاولة استنباط الحكم الفقهي الذي جعل الإمام النسائي يذكر هذه الأحاديث في كتاب الطلاق ، حتى تعرفوا بعد العجز – في الغالب – دقة استنباط هذا الإمام .(3/11)
الحديث الأول : هو حديث أنس في أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - جار فارسي طيب المَرَقة ، يعني يَطْبِخ طبيخًا جيدًا ، وأن هذا الجار دعى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام جالس هو وعائشة ، فأَوْمَأَ هذا الجار الفارسي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعالَ ، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أومأ إلى عائشة ، يعني : وهذه معي ؟ فقال له الرجل : لا ، أنتَ وحدك ؛ كل هذا بالإشارة ، ما هناك كلام ، لا النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم ، ولا الجار تكلم . فكرر ذلك الجار هذه الإشارة ثلاث مرات ، وكرر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإشارة ثلاث مرات ؛ ما آتيك إلا أنا وعائشة نأكل من الطعام ، فبعد المرة الثالثة وبعد أن امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات أذن ذلك الرجل بأن يأتي هو – النبي - صلى الله عليه وسلم - - وعائشة رضي الله عنها .
هذا الحديث الأول ، ذكره في أيش ؟ في كتاب الطلاق .
الحديث الثاني : حديث أبي هريرة مرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( انْظُرُوا كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ ، إِنَّهُمْ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ )) .
هذا في كتاب الطلاق .
الحديث الثالث : هو حديث الأعمال بالنيات المشهور .
هذه الأحاديث الثلاث في كتاب الطلاق ، بَيِّنُوا لي الأحكام التي تستنبط من هذه الأحاديث الثلاثة مما تتعلق بالطلاق ، لكن ما أريد أحدًا أن يكون نقلها من النسائي ، واحدًا يكون باجتهاده الخاص ؟
أما الحديث الأول :(3/12)
ذكره الإمام النسائي تحت باب : " الطلاق بالإشارة المُفْهِمة " يعني يرى أن الإشارة المفهمة قد يقع بها الطلاق ، مثل أن يكون مثلًا رجل يقع بينه وبين زوجته شِجَار ، فتقول له مثلًا : " تطلقني " ، يقول : ... ؛ هذه إشارة مُفْهِمة ، الظاهر أنه عند النسائي أن هذه الإشارة المفهِمة تُوقِع الطلاق واستدل بهذا الحديث ؛ لأنه عند العلماء لا يجوز إذا خَصَّ الداعي رجلًا بالدعوة وقال له لا تأتِ بأحد معك ، أنه لا يجوز له أن يأتي برجل آخر ، فحِرْصُ النبي عليه الصلاة والسلام وإيمائه على عائشة ورضى ذلك الرجل بهذا الأمر ، يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر هذه الإشارة واعتبر أنها لها حكمها الدال على معناها وكأنها : لا .
انظر دقة الاستنباط !! أمر بعيد ، قصة بعيدة تمامًا عن باب الطلاق ، يذكرها في كتاب الطلاق ويستنبط منها هذا الحكم الدقيق .
أما الحديث الثاني :
فذكره في باب : " الإبانة والإفصاح بالكلمة الملفوظ بها ، وأنه إذا قُصِدَ بها ما لا يَحْتَمِلُه معناها لم تُوجِب شيئًا ولم تُثْبِت حكمًا " ؛ هذا كلام الإمام النسائي .
يريد أن يقول الإمام النسائي : لو قال رجل لامرأته " هي طالق " ، ثم جاء عند القاضي قال : لا ، أنا ما قصدتُ الطلاق ، قصدتُ أنكِ حرة ؛ تذهبي إلى بيت أهلك أو كذا ، ما قصدتُ الطلاق الشرعي . يرى الإمام النسائي أن قوله هذا مقبول ويُصَدَّق في هذا القول ؛ لأن قريش لَمَّا كانت تَسُبُّ النبي عليه الصلاة والسلام كانت تسب مُذَمَّمًا ، كأنها تقول أنه ليس بمحمد ، هو مُذَمَّم ، فكانوا يشتمون مُذَمَّمًا ، فاعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الشتم والذم واللعن ليس عائدًا إليه ، مع إن كفار قريش يقصدون النبي عليه الصلاة والسلام ، ما يقصدون اللفظ ، يقصدون المسمى ، ما يقصدون الاسم ، فلما استخدموا اللفظ في غير المعنى المراد له صرف ذلك الحكمَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(3/13)
أما الحديث الثالث :
حديث الأعمال بالنيات ذكره في باب " الكلام إذا قُصِد به ما يحتمل معناه " ، يعني إذا الإنسان قال العبارة ما يحتمل معناها لا ما يدل ، يعني مثلًا إلى قال لها : اخرجي من البيت . فسُئِل عن هذا ؟ قد : أنا قصدتُ الطلاق . يُعْتَبَر هذا طلاقًا .
فإذا قال الإنسان عبارة ، وإن كانت غير صريحة الدلالة على الطلاق وقصد بها في نيته الطلاق ؛ هذا يدل عند النسائي على أن هذه المرأة طالق عند ذلك الرجل .
هذا مثال دقيق ، وإلا العلماء ذكروا عدة أمثلة على دقة استنباط هذا الإمام ، وهذه أمثلة متوالية ، تقريبًا في المجلد السادس من صفحة 158 إلى صفحة 159 ؛ هذه الأبواب متوالية ، فقف عند هذا الاستنباط الدقيق لتعرف أن هذا الإمام إذا قلنا أنه فقيه تقول : سَلَّمْنَا وصَدَّقْنا ، ولا تقل أنه مُحَدِّث ليس بفقيه .
فبهذا الاستنباط زاحم كبار الفقهاء في دقة الاستنباط وقوة الاستدلال .
ومما تميز به الإمام النسائي على البخاري ميزة : أن الإمام البخاري كما تعرفون إذا احتاج للحديث أكثر من باب يحاول أن يختصر الحديث ويقتصر على موطن الشاهد في كل باب يحتاج إليه في ذلك الحديث ، ولا يورد المتن كاملًا إلا نادرًا ، أما الإمام النسائي فلدقة صناعته الحديثية ولحرصه البالغ وورعه وتمام تحرِّيه كان لا يختصر المتون أبدًا ، فلو احتاج للحديث في عشرة أبواب يورده كاملًا بإسناده ومتنه ولا يختصر فيه شيئًا ؛ وهذه ميزة في الحقيقة ، نعم هي تُطَوِّل الكتاب لكنها أدق في نقل السنة ولا شك ، وهي وإن كانت أتعبت القارئ ، إلا أنها أتعبت المؤلف أكثر ، وتعرفون أن الإنسان يَمَلَّ من أن يُكرر الكلام كتابةً خاصةً ، لكن الإمام النسائي صبر لذلك حرصًا على أن تبلغ هذه السنة الناس كما سمعها دون أي تدخل فيها باختصار أو رواية بمعنى أو ما شابه ذلك .(3/14)
ووافق النسائي الإمام البخاري في المسألة المشهورة وهي عدم التفريق بين " حدثنا وأخبرنا " على الصحيح ، وإلا هناك خلاف في مذهب النسائي هذه المسألة ؛ فمن العلماء من نقل أنه يفرق بين " حدثنا وأخبرنا " التفريق الذي كان يفرقه الإمام مسلم ، تعرفون هذا التفريق أم لا ؟ من يعرف التفريق بين " حدثنا وأخبرنا " مذهب الإمام مسلم في هذه المسألة ؟
أنه يستخدم " حدثنا " في السماع ، و" أخبرنا " في العَرْض في القراءة على الشيخ ، إذا كان الطالب يجلس بين يدي شيخه ، والشيخ يتكلم ويحدث والطالب يسمع ، فإذا أراد الطالب بعد ذلك أن يروي عن هذا الشيخ يقول : " حدثنا فلان بكذا " ، أما إذا كان الشيخ يجلس وهناك قارئ يقرأ من كتاب الشيخ فيقول : " حدثكم رحمكم الله فلان قال : حدثنا فلان ..." إلى أن ينتهي من الإسناد ، فإذا أراد هذا الطالب الذي يسمع هذه القراءة على الشيخ أن يروي عن هذا الشيخ يقول : " أخبرنا فلان " ؛ هذا مذهب الإمام مسلم .
أما البخاري فصرح في صحيحه أن " حدثنا وأخبرنا " سواء ، والنسائي كما قلتُ لكم هناك خلاف في رأيهم في هذه المسألة ، لكنه الراجح أنه لا يفرق ، بدليل أنه في غالب كتابه يستخدم صيغة " أخبرنا " ، ومن المعروف أنه لا يعقل أن يكون غالب الكتاب أخذه بالعرض ، لا بد أن يكون هناك جزء كبير من هذا الكتاب أخذه بالسماع ، وهذا هو الذي رجحه السخاوي على كل حال من رأي الإمام النسائي في هذه المسألة .(3/15)
الآن انتهينا من الأمور التي نقارن فيها بين النسائي والبخاري ، نأتي الآن للموازنة بين النسائي والإمام مسلم ، وقلنا لكم أنه زاحم الإمام مسلم في الصناعة الحديثية ودقة هذه الصناعة ، فتظهر هذه الدقة في نقل ألفاظ الأحاديث وتمييز اختلاف ألفاظ الجماعة الذين روى الحديث عنهم ، يعني مثلًا في كثير من الأحيان يقول الإمام النسائي : " حدثنا فلان وفلان وفلان " ثم يقول : " واللفظ لفلان " ، يعني يريد أن ينبه القارئ أو السامع أن هؤلاء الشيوخ الثلاثة الذين سمع منهم الحديث إلا أن اللفظ الذي سوف يسوقه هو لفظ فلان منهم خاصة ، بل في بعض الأحيان يقول : " أخبرنا فلان وفلان وفلان ، أما فلان فقال : كذا . وأما فلان فقال : كذا . وأما فلان فقال : كذا " يميز لك لفظ كل واحد عن الآخر ، دقة متناهية في النقل .
قلنا كالإشارة لصاحب اللفظ ممن يورد المتن عنه ، وربما يقول : " لفظ فلان كذا ، ولفظ فلان كذا " ، بل بلغ من دقته - وهذا أيضًا مما شابه فيه الإمام مسلم - إلى تمييز اختلاف نقل صيغ الأداة ، كقوله : " أخبرني الحسن بن إسماعيل وأيوب بن محمد قالا : حدثنا حجاج بن محمد ، قال أيوب : حدثنا ، وقال الحسن : أخبرني شعبة " أيش المقصود بهذا الكلام ؟!
الإمام النسائي يروي هذا الحديث عن شيخين ، هما : الحسن بن إسماعيل ، وأيوب بن محمد ، كلا هذين الشيخين يرويا الحديث عن حجاج بن محمد المصيصي ، حجاج بن محمد يروي هذا الحديث عن شعبة ، لكن ما هي العبارة التي استخدمها حجاج بن محمد في الرواية عن شعبة ، أما الحسن فقال : " حدثني حجاج قال : أخبرني شعبة " وأما الحسن بن إسماعيل فقال : " حدثني حجاج قال : حدثنا شعبة " ؛ الأول : أخبرني ، والثاني : حدثنا .(3/16)
انظر الدقة لأي درجة !! وتَخَيَّلْ كم أخذت هذه من الوقت أصلًا من دقة الملاحظة في الألفاظ وفي صيغ الأداء ، مع أنه لا يفرق بين صيغ الأداء ، لكن كون هو لا يُفَرِّق ، يعرف أنه قد يُفَرِّق غيره من المحدثين لأن الخلاف قديم بين المحدثين في التفريق بين " حدثنا وأخبرنا " ، فمن حرصه على النقل الوافي يفرق بين صيغ الأداء ، فما بالكم إذا كانت المسألة متعلقة بألفاظ النبي عليه الصلاة والسلام ، واختلاف الرواة في نقلها ، مع ما قد تؤثر به هذه الاختلافات في استنباط الحكم من الحديث ، قد تكون لفظة واحدة تُغَيِّر الحكم أو تدل على حكم آخر مختلف عن الرواية الأخرى تمامًا ، فكيف سوف يكون دقة نقل وحرص الإمام النسائي في إثبات هذه الخلافات ، لا شك أنه سوف يكون بالغ النهاية في الدقة وفي الإثبات وفي التحري .
ذكرنا مما زاحم فيه النسائي البخاري ومسلم .
بقي ما تميز به النسائي على البخاري ومسلم :
هناك ميزة تميز بها الإمام النسائي على صحيحي البخاري ومسلم ، هذه الميزة هي عنايته الفائقة ببيان علل الأحاديث ، وبيان اختلاف الرواة بطريقة لا أقولها مبالغًا ، من وقف على سنن النسائي الصغرى " المجتبى " يخضع لجلالة هذا الإمام ويعرف فعلًا أنه من الأئمة المعدودين في هذا الشأن ، ونقلنا لكم عبارة ابن رشيد قبل قليل ولا بأس من إعادتها عندما قال : " إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفًا وأحسنها توصيفًا ، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم " انظر! ينبه الآن إلى الميزة التي يتميز بها على البخاري ومسلم " وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظ كبير من العلل التي كأنها كِهَانة من المتكلم " .
أيش معنى هذه العبارة ؛ كأنها كِهَانة من المتكلم ؟!(3/17)
هذا الوصف كان يستخدمه المحدثون كثيرًا ، مثل عبارة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة عندما قال : " إنكارنا الحديث عند الجهَّال كِهَانة " يعني أن أسباب رد الحديث أو تصحيحه أو تضعيفه عند من ليس له علم بعلم الحديث أو من ليس متمكنًا في علم الحديث أسباب غامضة لا يستطيع أن يستوعبها حتى يظن أن المتكلم يتكلم بنوع من الكلام في الغيبيات ، مثل الكهان الذين يزعمون أنهم يتكلمون بالغيبيات ، كلامُ المحدثين عند الجهال في مسائل تصحيح الحديث وتضعيفه لعمقها وبعدها عن أذهانهم كأنها كهانة أو سحر ، لا يستطيعون أبدًا استيعابها ، ولأجل هذا الملحظ نبه أئمة الحديث كثيرًا إلى ضرورة عدم ذكر علل الحديث أمام العامة ؛ لأنهم ما يستوعبونها ، مهما حاولت تسبب تشويشًا وتشتيتًا وعدم فَهم ، حتى أنهم حرصوا ، والإمام أبو داود نص على ذلك في رسالته إلى أهل مكة أنه ترك بيان علل كثير من الأحاديث قال : " لأنه لا تبلغها عقول العامة " ، فثِقْ أن العلم المبثوث عندنا الآن في كتب هؤلاء الأئمة ليس هو جميع علمهم ، بل هو العلم الذي يظنون أننا نفهمه إن شاء الله ، أما العلم الدقيق فهو في قلوبهم عندهم ، نجد إشارات إليه في بعض الكتب المتخصصة ، كـ " العلل " لابن المديني و" العلل " للدارقطني ، إشارات خفيفة لو جُمِعَت لكانت فيها تكميل صورة لا بأس بها عن هذا العلم الدقيق الذي في الحقيقة إلى الآن لم يُخدم خدمة وافية هو علم " علل الحديث " ، لم يُخدم الخدمة الوافية التي تُقْفِل الباب في هذا الجانب .(3/18)
ومن أمثلة تعليلات هذا الإمام الغريبة - وَقِفْ عد هذا التعليل وقفة طويلة – أنه ذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن التبتل ، يعني الانقطاع وعدم الزواج ، فرواه من جهة : أشعث بن عبد الملِك عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها ، ورواه من جهة : قتادة – إسناد آخر – عن الحسن عن سمرة ؛ قتادة يرويه عن الحسن عن سمرة ، وأشعث بن عبد الملك يرويه عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة ، فاختلف أشعث وقتادة ؛ أشعث بن عبد الملك يرويه عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة ، وقتادة يرويه عن الحسن عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - .
فبعد أن أورد هذين الطريقين قال : " قتادة أثبت وأحفظ من أشعث " .
إذًا أي الحديثين أصوب ؟
حديث قتادة ؟
لا ، النسائي ما يقول هذا ، النسائي يقول : " قتادة أثبت وأحفظ من أشعث ، لكن حديث أشعث أشبه بالصواب " .
كيف يكون هذا ؟! قِفْ عند هذا التعليل ما شئتَ من وَقَفات وتَحَيَّر ما شِئْتَ أن تَتَحَيَّر ولا أنتَ ما راح تعرف الوجه ؛ لأنه فعلًا أمر عجيب ، الأصل ما دام أن راوي أحد الوجهين أثبت وأحفظ فالمفروض يكون حديثه هو الذي أولى بالصواب ، ما الذي جعل حديث الأقل حفظًا وتثبيتًا في الرواية حديثه أولى بالصواب ؟! هذا يحتاج إلى علم النسائي حتى تفهم ، هذا الحديث – حديث النهي عن التبتل ما ذكرت رقمه لكن ممكن تخرجه من السنن .
وأنا درست هذا الحديث فتبين لي شيئًا آخر : أن كلا الوجهين صحيح ، وقد صحح هذا الحديث بوجهيه أكثر من إمام ، منهم الإمام الترمذي صحح الوجهين وغيره ، لكن على كل حال المجال أوسع من أذكر فيه هذا الشيء ، يعني أسباب ترجيح النسائي لهذا الأمر يحتاج إلى بَسْط طرق وروايات كثيرة ، وهو - دراسة هذا الحديث - موجود في كتاب .(3/19)
شرط النسائي في " المجتبى " في أحاديثه ورجاله : تقدم أن النسائي وصف كتابه " السنن " أو أطلق عليه حكمًا بأنه صحيح كله عندما وازنه بكتابه " السنن الكبرى " ، بل القصة التي ذكرناها من سبب تصنيف النسائي لـ" السنن الصغرى " وأنه أهداه إلى أمير الرَّملة فقال له : هل هذا صحيح كله ؟ فقال له : لا ، فصنف له " المجتبى " ؛ هذا يدل على أن " المجتبى " صحيح كله ، أيضًا يؤيد هذا الأمر نفس التسمية : " المجتبى " ، والاجتباء كما تعرفون هو : الاصطفاء والاختيار ، فالتسمية أيضًا فيها إشارة إلى أن هذا الكتاب فيه أحاديث مختارة ، ولن يكون الاختيار إلا بناءً على الصحة والقبول عند المحدثين ، وهذا يشبه من جهة أخرى كتاب " المنتقى " لابن الجارود ، كتاب " المنتقى " لابن الجارود بدراسة أسانيده اتضح أنه لا ينزل فيه عن مرتبة الحسن إلا نادرًا كما قال الإمام الذهبي ، فاعتُبِر من كتب الصحيح بناءً على دراسة أسانيده وبناءً على الاسم : " المنتقى " ، مثله تمامًا كتاب " المجتبى " للنسائي .
إلا أن هذه العبارات وهذه الأمور التي قد يُستدل بها على أن سنن النسائي صحيح كله ، لا بد أن يُؤَوَّل على غير ظاهره ، لِمَا ؟
لأن النسائي نفسه يُعِلُّ بعض الأحاديث في" المجتبى " ويقول : هذا حديث منكر ، هذا حديث شاذ ، مثل ما ذكرنا آنفًا : حديث فلان أولى بالصواب ، مع أنه أخرج كلا الحديثين ، فبين أن أحد الحديثين راجح والثاني مرجوح ، فكثيرًا ما يُعِلُّ بعض الأحاديث ، إذًا ما هو مراده بوصف هذا الكتاب بالصحيح ؟
نقول : مراده أنه صحيح كله إلا ما ذكر له علة أو ضَعَّفَه صراحةً ، وبهذا القيد يصبح كلامه السابق مع تصرفه في السنن ليس عليه غبار ولا إشكال وواضح تمام الوضوح .
إذًا ما هو شرط النسائي في كتابه ؟
" أن كل حديث يذكره في هذا الكتاب صحيح إلا إذا أَعَلَّه " .(3/20)
والإعلال قد يكون صراحةً ، قد يقول : فيه فلان وهو ضعيف ، وقد يكون ببيان اختلاف الروايات والتنصيص على أن إحداها أوْلَى من الأخرى كما سبق في رواية أشعث وقتادة ، أو بأن يقول : هذا حديث منكر ، هذا حديث شاذ ، هذا حديث ضعيف ..، التنصيص على الضعف أو النكارة أو الشذوذ أو ما شابه ذلك من الأحكام الدالة على الرد .
وهناك طريقة يجب أن نتنبه إليها ، وهي طريقة خفية في التعليل ، وهي : أن يسوق اختلاف الروايات فقط ، يكتفي بأن يقول مثلًا يسوق الإسناد ثم يسوق إسنادًا آخر يخالفه ، فيعتمد في ذلك على نظر القارئ ، فإذا وقف على أسانيد مختلفة ينتبه إلى أن الإمام النسائي لعله يريد أن يُعِلَّ أحد هذه الأسانيد أو أحد هذه الطرق أو لعله يعل جميع الطرق .
أما إذا وجدت الحديث يورده في الباب دون أن يتكلم عنه أو يُعِلَّه أو يورد اختلافات مؤثرة في صحته ، فاعلم أنه صحيح عنده .
وأيضًا مما يدل على هذا المعنى فَهْمُ أحد تلامذة النسائي الكبار والحفاظ الكبار الذين كانوا يُعَدُّ في زمنهم من كبار النقاد وهو : حمزة بن محمد الكناني المصري ، كان في عصره إمام أهل مصر في العلل ومعرفة صحيح السنن من سقيمها ، وهو من كبار تلامذة النسائي والآخذين عنه .
ولهذا الإمام تعليقات على " السنن " ، لَمَّا كان يروي " السنن " ربما مر به حديث فيعلق عليه ، وهي تعليقات نادرة جدًّا ، حرص على إثباتها الإمام المزي في " تحفة الأشراف " ، ففي مرة من المرات أخرج النسائي حديثًا ولم يُعِلَّه ، فتعقبه حمزة الكناني هذا تلميذ النسائي بقوله :" ولا أدري كيف جاز هذا على أبي عبد الرحمن ؟! ولعله اتكل فيه على عبد الجبار – أحد الرواة : عبد الجبار بن العلاء - " .
قِفْ عند هذه العبارة : " ولا أدري كيف جاز هذا على أبي عبد الرحمن ؟! " .
لو كان كتاب " السنن " كتابًا لا يشترط فيه الصحة ما هو مجال تعقب حمزة الكناني ؟ هل له مورد ؟(3/21)
يعني يقال لحمزة الكناني : لِمَا تقول كيف جاز هذا على أبي عبد الرحمن ؟! أبو عبد الرحمن طبعًا هو النسائي ، فالنسائي لم يشترط الصحة ، هو – حمزة الكناني - رجح أن الحديث مرسل ، والنسائي رواه متصلًا ، فذكر طرقًا تدل على أنه مرسل عنده ، ثم قال هذه العبارة ، لولا أن حمزة الكناني كان يفهم أن إيراد الحديث دون بيان العلة يدل عند النسائي على الصحة لَمَا ذكر هذه العبارة : " ولا أدري كيف جاز هذا " يعني : كيف مر دون أن ينتبه له أبو عبد الرحمن النسائي ؛ هذا فَهْم تلميذ النسائي وهو أعرف الناس بشرط شيخه .
ولذلك فقد وصف السنن – سنن النسائي – جماعة من العلماء من كبار الأئمة بأنه الصحيح ، أطلقوا عليه بأنه الصحيح ، ومن هؤلاء الدارقطني ، حتى أن ابن طاهر المقدسي لَمَّا نقل عبارة الدارقطني في وصف " المجتبى " بأنه الصحيح قال : " وكفى بوصف هذا الإمام – الدارقطني – بهذا الكتاب بالصحة " لأن الدارقطني إمام يُقرن بالبخاري في علم العلل ولم يأتِ بعده مثله في علم العلل أبدًا فعلًا .
فمنهم : الدارقطني ، وابن منده الإمام المشهور صاحب كتاب " الإيمان والتوحيد " وكتب كثيرة ، له كتاب اسمه " شروط الأئمة " ذكر فيه هذا الكلام ، ووصف سنن النسائي " المجتبى " بأنه الصحيح ، وأبو علي النيسابوري وهو أيضًا مذكور من تلامذة النسائي قبل هذه المرة ومن كبار الحفاظ ، وابن السكن ، وابن عدي صاحب " الكامل " ، والخطيب ، وأبو طاهر السِّلَفي ، والخليلي ، وأبو الحسن المَعَافِري ، والذهبي في " الكاشف " لَمَّا ترجم للنسائي قال : " صاحب الصحيح " في " الكاشف " ، وأقرهم السخاوي .(3/22)
بل عندي نَقْلٌ جيد جدًّا دلني عليه أحد الإخوان ، مُدَرِّس في الطائف اسمه : عبد الرحمن الغامدي ، دَلَّنِي عليه ، موجود في " تنزيه الشريعة المرفوعة " لابن عِرَاق الكناني ؛ ابن عِرَاق أو ابن عَرَّاق ، الصحيح أنه ابن عِرَاق الكناني ، يقول ابن عِراق : " رأيت بخط الحافظ ابن حجر على هامش مختصر الموضوعات لابن دَرْبَاس ما نَصُّه " .
انظر كلام الحافظ ابن حجر!! يُقَرِّر فيه ما كنتُ ذكرتُه لكم آنفًا ، ذكر حديثًا كان قد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " فتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه ليس بموضوع ، فقال في أثناء هذا التَّعَقُّب : " حديث أبي أمامة هذا أخرجه النسائي ولم يُعَلِّنْه وذلك يقتضي صحته " .
انظر!! نَصٌّ قاطع فيما ذكرناه لكم ، حتى على طريقة الجَمْع ؛ أن الحديث الذي لم يُعْلِنْه النسائي فهو صحيح ، كل ما في النسائي صحيح إلا الحديث المُعَلَّ .
أُعِيدُ العبارة : " حديث أبي أمامة هذا أخرجه النسائي ولم يُعَلِّنْه وذلك يقتضي صحته " .
انظر فَهْم الحافظ ابن حجر!!(3/23)
عند هذه المسألة قِفْ ما شئتَ أن تقف وانظر تصرُّف المعاصرين مع سنن النسائي واعتباره أنه لا يشترط الصحة ، وعدم احتجاجهم بتصحيح النسائي في هذا الباب إذا لم يُعَلَّ ، بل جُرْأَتهم بتضعيف أحاديث النسائي بالأوهام أو بالأخطاء أو بأي سبب من الأسباب دون الالتفات ودون التنبه إلى هذا المَلْحَظ المهم وهو أن النسائي يشترط الصحة فيما لم يُعِلَّه ، وهذا الذي مضى عليه كما ذكرنا لكم هؤلاء الأئمة جميعًا إلى الحافظ ابن حجر بهذا النص القاطع ، حتى قوة عبارة الحافظ ابن حجر أنه لم يَقُلْ : وذلك يقتضي صحته عنده ، مع أنها كافية ، نحن إذا قلنا إنه صحيح يعني صحيح عند النسائي في حكمه واجتهاده ، لكن لمعرفة الحافظ ابن حجر بمكانة النسائي احتج بذلك واعتبر أن الحديث صحيح لا يحتاج إلى أخذ وعطاء ، ذكره النسائي ولم يُعِلَّه ، إذًا فهو صحيح ، كأنه أخرجه البخاري ومسلم ، وهذه المسألة سوف نرجع إليها إن شاء الله عند كلامنا عن رجال الإمام النسائي .
عندنا الأحاديث التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع وهي في سنن النسائي ، أظن أنها طويلة ، ومضطرون إلى إرجائها إلى الغد ، ثم الكلام عن شرطه في الرجال .
الأسئلة :
سؤال يقول : إذا امرأة غسلت فرج ابنتها هل ينتقض الوضوء ؟
المسألة خلافية ، والراجح أنه لا ينتقض الوضوء .
سؤال : إذا كان بعض الرواة مدلِّسًا فلماذا نحتاج إلى التصريح بالسماع ، فهل يذهب تدليسهم إذا صرحوا ، أرجو التوضيح والتفسير في ذلك وعن تعريف المدلسين ؟
واللهِ ما فهمت السؤال ؛ أما التدليس فتعريفه معروف : رواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه ، ورواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه بصيغة المُوهمة ؛ هذا هو التعريف الصحيح في التدليس .
سؤال يقول : هلا أَعَدْتُم معنى النهي عن التبتل ؟(3/24)
النهي عن التبتل يعني نهى عن عدم الزواج ، عن عدم التزوج ، أن الإنسان ما يتزوج ويظن أن هذه عبادة ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، والحديث معروف في هذا الباب : ((مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) .
سؤال : ما معنى قول أهل العلم " هذا حديث يُسْتَأنس به " ؟
معنى " يُسْتَأنس به " يعني ينفع أن يُقَوِّي حديثًا آخر ، وينفع أن يتقوى هو فيما إذا شهد له شاهد ، أو جاءت متابعة له ، لكن لا ينفع أن يُحتج به منفردًا ، إذا جاء ما يقويه يُحتج به ، إذا لم يأتِ ما يقويه لا يُحتج به ، يقال هذا في الحديث الضعيف خفيف الضعف .
سؤال : ما حكم النوم على البطن ؟
أقل أحواله الكراهة .
سؤال : إذا كان في المُعَلِّم أو المُرشد إلى الخير أخطاء معينة ، فهل يجب علينا السكوت عنها ، وعدم الأمر بها والنصح فيها ؟
فهل يجب علينا السكوت عنها يعني : التلامذة هل يسكتون عن أخطاء معلمهم ؟ لا ، لا بد أن ينصحوه ، بل هذا حق العالِم على المتعلِّم ، أن ينصحه وأن يدله على أخطاءه ويعينه على تصحيحها ، لكن إذا كنا نقول لعامة الناس في النصح أن يأخذوا طريق اللين واللطف والحكمة ، فمن باب أولى أن ننصح المتعلم أنه ينصح المعلم بالحكمة واللين وبالطريق الحسن ؛ لحق العالِم على المتعلم .
سؤال : إذا كان الرواة من الصحابة والتابعين لم يعرفوا الفرق بين الصيغ ، فكيف يفرقون بين الصيغ وهم الرواة نقلوا الحديث ؟(3/25)
سؤال غير واضح في الحقيقة ، لكن الذي نستطيع أن نقوله أن الصحابة ما في شك ما كان عندهم فرق بين " حدثنا وأخبرنا " ، هذا اصطلاح حادث ، والاصطلاحات لا بأس بها من باب التيسير والتمييز ، وما دام أنه قد اصطُلِح عليها من زمن أتباع التابعين ، يعني أذكر أنا مِن أوائل مَن ذكر هذا التفريق ابن جريج ، كان يفرق بين " حدثنا وأخبرنا " ، وغيره من أئمة أتباع التابعين ، فما في بأس ما دام أنه اصطلاح وييسر العلم ويبين طريقة الرواية ، فليس فيه بأس .
سؤال : هل صحيح أن النسائي يورد أصح ما في الباب في آخر الباب على عكس مسلم ؟
واللهِ هذا ما تبين لي أن هذا أمر مضطرد ، لا في مسلم حتى نقول على عكس مسلم ، ولا في النسائي ، فربما أورد الإمام مسلم الحديث الذي يرى أن غيره أقوى منه في بداية الباب وربما عكس ، وكذلك النسائي .
سؤال : هلا أعدتَ لنا سريعًا الاختلاف في اسم كتاب النسائي رحمه الله ؟
الاختلاف : أنه سمي بـ" السنن الصغرى " ، وسمي بـ: " السنن المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، وسمي بـ: " المجتنى " ، وسمي بـ: " المجتبى من السنن المسندة " ؛ والأخير هو الصحيح .
سؤال : هل عزو الجامع المفهرِس للأحاديث على طبعة القاهرة ؟
لا ، ما هو على طبعة القاهرة ؛ لأن المعجم المفهرِس يعزو على الكتب والأبواب ، وقد حرص صاحب " تحفة الأشراف " أن يقيد ذلك ويعيده ، فكتب الكتب والأبواب ورقمها على ما يوافق الجامع المفهرِس .
سؤال : لماذا لم يُخْدَم النسائي كغيره من الكتب الستة شرحًا وتحقيقًا ؟
من قال أنه ما خُدِم شرحًا ، يأتي إن شاء الله ذكر الكتب التي شرحت الكتاب ، كتب كثيرة تقارب تسعة عشر كتابًا .
سؤال : لم تذكر فضيلة الشيخ بقية طبعات النسائي ؟
ما في داعٍ لذكر طبعات النسائي ، لكن ذكرتُ لكم أقدم الطبعات ثم الطبعة المتداولة وانتهينا ؛ رقم الطبعة وتاريخها ومطابعها ...(3/26)
سؤال : في وقت نزول المطر استجابة الدعاء ، هل هذا الحديث ضعيف أم صحيح ؟
الذي أذكره أنه صحيح .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد ، والله أعلم .(3/27)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
أما بعد ..
انتهينا البارحة - بحمد الله تعالى- من الكلام عن الإمام النسائي وعن كتابيه " المجتبى " و " السنن الكبرى" ونكمل اليوم إن شاء الله مقرر هذه الدورة، وهو الكلام عن :
الإمام ابن ماجه وكتابه " السنن" .
ونبتدئ كالعادة بترجمة للإمام ابن ماجه عليه رحمة الله:
اسمه: محمد بن يزيد الرَبَعي مولاهم.
وهذه النسبة إلى قبيلة أو إلى شعب كبير من العرب وهو ربيعة ، ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان .
تعرفون أن العرب تنقسم عند كثير من النسابين إلى عدنانية ، وقحطانية.
العدنانية تنقسم إلى أربعة فروع : وهم أبناء مضر ، وأبناء ربيعة ، وأبناء إياد ، وأبناء أنمار .
فـ " ربيعة " شعب كبير ، وقبائل كثيرة ، فينسب إلى ربيعة ، ولكنه مولى له ، مولى لربيعة.
كنيته: أبو عبد الله ، ابن له اسمه عبد الله.
وينسب إلى بلده التي ولد وتوفي فيها ونشأ فيها وهي قزوين ، يُقال له : " القزويني " ، وقزوين بلد في خرسان تقع اليوم في شمال غرب طهران تبعد عنها حوالي مائة وخمسين كيلو ، مائة وخمسين كيلو عن طهران في الشمال الغربي .
أما شهرة هذا الإمام فهي : ابن ماجه .
وقد وقع في هذه الشهرة خلافًا من جهتين :
الجهة الأولى: هل هي ماجه هو لقب لأبيه، أم لجده أم هو اسم أمه؟(4/1)
ثلاثة أقوال، القول الصحيح: أنه لقب لأبيه يزيد، هو محمد بن يزيد ، يزيد كان يُلقب بـ " ماجه " ، هذا القول هو الذي نقله أبو الحسن القطان تلميذ المؤلف، وهو أعرف الناس بشيخه، وهو الذي اعتمده أيضًا علماء قزوين كأبي يعلى الخليلي الحافظ ، والرافعي في كتابه " التدوين في أخبار قزوين " اعتمدوا هذا القول .
وهذا القول له أثر في طريقة كتابة ابن ماجه فإن قلنا أن ماجه لقب لجده أو اسم جده ، معنى ذلك أنك إذا قلت محمد بن يزيد بن ماجه ما تكتب ألف قبل كلمة ابن، لاحظتم هذا، محمد بن يزيد بن ماجه، إذا كان ماجه اسم لجده ما تكتب الهمزة قبل كلمة ابن، لكن إذا قلنا أنه لقب لأبيه فتكتب الألف دائمًا، تكتب الألف قبل كلمة ابن دائمًا، ولو قلت: محمد بن يزيد تكتب ابن ماجه بالألف، ولا تحذف الألف أبدًا.
إذًا: على الصحيح الألف ما تحذف أبدًا سواءً كانت في بداية السطر، سواء كانت بين علمين، سواء كانت في سياق النسب، على كل الأحوال الألف تبقى ما تحذفها، هذا الخلاف الأول حول ماجه.
الخلاف الثاني : هل هو بالهاء وصلًا وقطعًا ماجه؟ أم أنه بالهاء عند القطه، وعند الوصل: تنطق تاء مثل تاء التأنيث؟
هل هو تاء تأنيث فتنطق هاءً عند الوقف، وتاءً عند الوصل؟ أم أنها هاء مثل هاء السكت فتنطق هاء في الوصل والقطع؟
الأصوب والأرجح: أنها هاء سكت تنطق هاء وصلًا وقطعًا .
وهذا الأصح وإِنْ كان نطقها بالتاء عند الوصل لا نقول إنه خطأ لكنه خلاف الأوْلَى وخلاف الأصح، ومثله ما شابهه مثلًا: ابن منده على نفس القاعدة الأصح أن تنطق بالهاء، فإن نطقتها بالتاء فلا بأس، وهذه قاعدة في كل ما شابهها.
وممن ضبط هذه الكلمة بالهاء: ابن خَلِكَان في كتابه " وفيات الأعيان" أما المزني في كتابه " التكملة لوفاة النقلة" فكان كثيرًا ما يضبطها بالتاء أمثال هذه الأسماء، يضبطها بالتاء مثل تاء التأنيث، فهو في خلاف إلا أن النطق الأعجمي لها الأصلي أنها بهاء مثل هاء السكت.(4/2)
ولد هذا الإمام : بـ " قزوين " بلده سنة تسع ومائتين للهجرة، مائتين وتسعة هو نص على ذلك، قال: ولدت سنة تسع ومائتين، فتلقى العلم عن علماء قزوين، ومن أشهر علماء قزوين الذين تلقى عنهم العلم، وأكثر الرواية عنهم جدًا شيخه علي بن محمد الطنافسي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وأيضًا عمرو بن رافع القزويني المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائتين، وغيرهم مثل إسماعيل بن توبة، وغيره، هؤلاء تلقى عنهم العلم في بلده قزوين قبل أن يبتدئ الرحلة.
ثم ابتدأ رحلته ولم يحدد أحد من أهل العلم بداية هذه الرحلة عام كم ، لكننا وجدنا أن أحد علماء هذا الإمام بمكة الذين أخذ عنهم بمكة توفي سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فمعنى ذلك أن رحلته لابد أن تكون قبل هذا العام قبل عام سبع وثلاثين ومائتين ، فنستطيع أن نقول أنه رحل قبل هذه السنة الله أعلم قبلها بسنة بسنتين، أكثر أقل، لكنه قبل هذه السنة قطعًا ، وبذلك يكون قد رحل وعمره أقل من عشرين سنة، عمره أقل من ثمانية عشر سنة ، فهو يشبه إمامنا السابق تقريبًا، الإمام النسائي الذي ابتدأ رحلته وله من العمر خمسة عشر عامًا .(4/3)
خط رحلته : ذكرت بعض المدن التي زارها هذا الإمام، فذكر أنه دخل الري ، والري هي قريبة من طِهران حاليًا مدينة قريبة من طهران عاصمة إيران حاليًا ، كانت قديمًا الري هي المدينة المشهورة وطهران قرية بجوارها ، الآن الري اندثرت ما عاد لها وجود وطهران هي التي أصبحت المدينة الكبيرة ، فسمع بالري من محمد بن حميد الرازي ، ومن أحمد بن بديل الرازي الكوفي قاضي الري ، ثم رحل إلى نيسابور عاصمة خرسان الكبرى هي ومرو، فسمع بنيسابور بالإمام الكبير الشهير محمد بن يحيي الذهلي ، وسمع بها أيضًا من أحمد بن الأزهر بن منيع ثم دخل مرو ثاني أكبر مدن خرسان فسمع بها من إسحاق بن منصور الكوسج تلميذ الإمام أحمد، وتلميذ إسحاق بن راهويه، وأحد من نقل الفقه عن هذين الإمامين، الإمام أحمد وابن راهويه، ثم دخل بغداد وسمع بها من أبي خيثمة زهير بن حرب، وهو من كبار النقاد وحفاظ الحديث في بغداد، وسمع بها من أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي، ومن أحمد بن منصور الرمادي، ومن الحسن بن عَرَفة وغيرهم كثير في بغداد، وجال في بلدان العراق، فدخل الكوفة، وسمع بها من الحافظ الكبير أبي بكر بن أبي شيبة وأكثر عنه جدًا فهو أحد الشيوخ الذين ملأ كتابه " السنن" بمروياته، حتى اعتبر " المصنف " لابن أبي شيبة أحد أعظم المصادر التي رجع إليها ابن ماجه في كتابه " السنن " وأيضًا سمع بالكوفة من أبي كريب محمد بن العلاء وإسماعيل بن موسى الفزاري وغيرهم، ثم دخل قرينة الكوفة وهي البصرة ، وسمع بها من محمد بن بشار بندار ، ومحمد بن المثنى أبي موسى الزمن ودخل واسط ، وهي مدينة بين الكوفة والبصرة وسمع بها من محمد بن سنان الواسطي وغيره ، ثم رحل إلى الشام فسمع بدمشق من هشام بن عمار وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، والعباس بن الوليد الخلال ودخل حمص فسمع بها من محمد بن المصفى ، وهشام بن عبد الملك اليزني، ودخل طَرَسُوس التي هي كما ذكرنا لكم آخر مدن الشام من الناحية(4/4)
الشمالية الغربية، هي الآن ضمن جمهورية تركيا، كانت قديمًا ضمن الشام، فدخل طرسوس وسمع بها من زهير بن محمد بن قمير، ورحل للحج كما ذكرنا لكم فسمع بالمدينة من أحمد بن إسماعيل بن محمد بن نبيه القرشي، وأبو مصعب الزهري تلميذ مالك وأحد أشهر رواة " الموطأ " عن مالك، ودخل مكة بالطبع، وسمع بها من إبراهيم محمد بن عباس الشافعي، والزبير بن بكار قاضي مكة، ثم أيضًا توجه ناحية مصر ، فسمع بمصر من تلميذ الشافعي المشهور ناقل كتابه " الأم " الربيع بن سليمان المرادي ، ويونس بن عبد الأعلى، وحرملة بن يحيي ، وأبي طاهر بن السرح ، وغيرهم كثير في كثير من البلدان، فتكون رحلته قد شملت المشرق الإسلامي إلى العراق إلى بلاد الشام إلى الحجاز إلى مصر، ثم عاد بعد هذه الرحلة التي أيضًا ليس لدينا معلومات تدلنا عن السنوات التي مكثها في هذه الرحلة عاد إلى قزوين بعد أن جمع علومًا كثيرة جدًا ، جمع علم الحديث الذي كان هو الغاية الكبرى من هذه الرحلة ، وأيضًا جمع علم الفقه الذي برز في تبويباته كما سيأتي إن شاء الله ، وجمع علومًا أخرى كعلم التاريخ وعلم التفسير وله فيهما مصنفان كما يأتي إن شاء الله .
تلامذة هذا الإمام كثيرون ، لكننا نقتصر على من روى السنن عنه ، على من روى كتاب السنن عنه .
أشهر رواة السنن وأشهر تلامذته :
الحافظ أبو الحسن علي بن عبد الله القطان ، وسليمان بن يزيد القزويني، وأبو جعفر محمد بن عيسى المطوعي الأبهري، وأبو بكر حامد الأبهري، وسعدون وإبراهيم بن دينار الحوشبي الهمذاني.
هؤلاء هم رواة السنن عن ابن ماجه.
بالنسبة لابن القطان: اسمه علي بن إبراهيم بن سلمة القطان ، هذا أشهر تلامذة ابن ماجه.
مؤلفات هذا الإمام :
أشهر مؤلفاته هو كتابه " السنن ".(4/5)
وله أيضًا كتاب في التاريخ، لكن إذا سمعت أن محدثًا ألف كتابًا في التاريخ فاعرف أن هذا التاريخ ليس على المصطلح المشهور عندنا الآن، فالتاريخ عند المحدثين المراد به تاريخ الرواة؛ يؤرخ لرواة الحديث مثل " التاريخ الكبير " للبخاري ، لا تجد فيه أحداثًا سياسية، مثلًا الحاكم الفلاني تولى سنة كذا وتوفي سنة كذا، لا يذكرون فيه الحروب ، والفتوح والأحداث السياسية ، والوقائع التي حدثت ، ويرتبونها حسب التاريخ ، هذا يوجد في كتب التاريخ على اصطلاحنا نحن، أما على اصطلاح المحدثين قديمًا في الغالب ، فإنهم كانوا يقصدون بالتاريخ تاريخ الرواة ونقلة السنة، التاريخ الكبير للبخاري ، الأوسط، كل كتب التاريخ التي تسمع عنها في مثلًا تاريخ البلدان ، تاريخ بغداد، تاريخ دمشق ، تاريخ نيسابور ، كل هذه الكتب للرواة ، تواريخ للرواة ، فإن جاء عرضًا ذكر أمير أو سلطان أرَّخوا للفترة التي كان فيها هذا السرطان، يقولون مثلًا: الموفق هارون الرشيد تولى سنة كذا وتوفي عام كذا ، حدث من الحوادث المهمة في عصره يذكرونها عرضًا باعتبار أنه ممن نزل هذه المدينة فقط، فلابن ماجه تاريخ على هذا المنوال، لكنه فُقِد من فترة طويلة جدًا، وأقدم من نعرفه وصف هذا الكتاب هو ابن طاهر المقدسي المتوفى سنة ثمان وخمسمائة من الهجرة حيث قال عن هذا الكتاب: رأيت له بقزوين تاريخًا على الرجال والأمصار من عهد الصحابة إلى عصره .(4/6)
هناك كتاب طبع مؤخرًا ، كتيب صغير اسمه التاريخ ونُسب لابن ماجه ، كتاب مطبوع صغير الحجم جدًا في ورقات ، وهو مخطوطة بخط الحافظ بن عساكر التي اعتمد عليها المحقق بخط الحافظ بن عساكر صاحب تاريخ دمشق ، إلا أن هذا الكتاب ليس فيه أو عليه دليل يدل على أنه لابن ماجه إلا ما استوحاه محقق الكتاب من أنه كتب التاريخ لأبي عبد الله محمد بن يزيد فقط ، ثم رجع إلى تراجم المسمى بمحمد بن يزيد ويُكنى بأبي عبد الله فوجد محمد بن يزيد ابن ماجه أبو عبد الله، ووجد في ترجمة ابن ماجه أنه له كتاب التاريخ فقال لعله إذًا هذا هو كتاب التاريخ، لكن وصف كتاب التاريخ الذي عندنا الآن إنه من عهد الصحابة إلى زمنه وأنه تاريخ في الرواة يخالف تمامًا مضمون الكتاب المطبوع لأن الكتاب المطبوع ليس فيه من تاريخ الرواة شيء أبدًا، هو مجرد أنه يذكر مثلًا بداية فتح مكة ثم من تولى إمرة المسلمين أبو بكر، عمر، عثمان ، ثم الدولة الأموية خليفة خليفة، يذكر من توفي ومتى مات وعمره عندما تُوفي فقط كل خليفة في ثلاثة أسطر ، فليس فيه شيء مما وصف به كتاب ابن ماجه ، فأنبه على هذا حتى لا يُغتر أيضًا أن الكتاب المطبوع هذا هو التاريخ لابن ماجه.
لابن ماجه أيضًا كتاب التفسير، يصفه ابن كثير في " البداية والنهاية " فيقول: تفسير حافل، يعني كبير، ضخم، أيضًا هذا الكتاب مما فُقِد ، مما فقدته هذه الأمة عبر عصورها ، والذي فقدته هذه الأمة بجهلها أكثر مما فقدته بحادثة التتار وغيرها ، فقد مر على العالم الإسلامي فترة من الجهل الشديد الذي جعلتهم لا يعتنون بكتب أهل العلم أبدًا إلى فترة قريبة جدًا، بل لعله إلى الأيام هذه فالمقصود أنه فقد الكثير من الكتب بسبب جهل المسلمين .(4/7)
ثناء أهل العلم عليه : لا شك أن هذا الإمام الكبير الذي قد بلغت شهرته الآفاق لم ينل هذه الشهرة وهذه المكانة بين علماء المسلمين وفي تاريخ المسلمين إلا بما كان فيه من صفات بوأته هذه المنزلة من العلم والتقوى والعمل والإمامة في السنة وغير ذلك من الصفات التي لا تجتمع إلا في أواحد العصور وأفراد الدهور .
فمن الثناء عليه يقول عنه أبو يعلى الخليلي أحد أئمة وحفاظ ونقاد قزوين يقول عنه: ثقة كبير، متفق عليه، ويقصد متفق عليه في أيش؟ إذا قيل متفق عليه أيش المراد به؟ يعني أخرجه البخاري ومسلم، كذا، متفق عليه يعني : " متفق على إمامته " .
وهذا التعبير يستخدمه الخليلي كثيرًا في الرواة، فيظن بعض من ينظر في كتابه أن مراده أنه أخرجه البخاري ومسلم، وليس هذا هو مراده؛ مراده أنه متفق على إمامته.
فقال: متفق عليه، له معرفة بالحديث والحفظ وكان عرفًا بهذا الشأن.
ويقول عنه الإمام الرافعي في كتابه " التدوين في أخبار قزوين " : إمام من أئمة المسلمين كبير متقن مقبول بالاتفاق .
وقال عنه الذهبي في " سير أعلام النبلاء " : الحافظ الكبير الحجة المفسر حافظ قزوين في عصره إلى أن قال: كان حافظًا ناقدًا صادقًا واسع العلم .
فهذا بعض الثناء لهذا الإمام عليه رحمة الله ، وتركت شيئًا كثيرًا من الثناء يعني لا أرى هناك داعي إلى الكلام عن هذه القضية ، فهو إمام إنما نذكر الثناء عليه من باب تطيب المجلس ببعض الثناء عليه فقط .
وفاته :(4/8)
توفي بـ " قزوين" بوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء الموافق اثنين وعشرين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، فيكون عمره حين وفاته أربع وستسن سنة، وصلى عليه أخوه أبو بكر، ودفناه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله وابنه عبد الله ، فرحم الله هذا الإمام رحمة واسعة ، وشَفَّع فيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان من كبار الأئمة الذين خدموا سنة النبي عليه الصلاة والسلام وأفنوا أعمارهم من أجلها، وهناك قصيدة في مرثيته طويلة اخترت منها بعض الآبيات يقول فيها الذي رثاه :
أيا قبر ابن ماجه غثت
... قطرًا ملثًا بالغداة وبالعشي
فقد حزت التقى والبر لما ... تضمنت البرية من البري
ألا يا عين جودي ثم جدي ... بدمع في البكاء على التقي
أبي عبد الإله أبي اليتامى
... أبي بر بهم حدب حفي
إلى أن يقول في آخرها :
أقول لمقلتي ألا ابكياه
ونشر مناقب كثرت وطابت
جج ... لفقدان لآثار النبي
لآل الله كالمسك الذكي
ج
ثم يلوم الأرض أنها جنت ودفنت هذا الإمام فيقول :
لأم الأرض ويل ما أجنت
... به لوذعي أحوذي
ج
هذا بعض ما قيل في هذا الإمام عليه رحمة الله عند وفاته.
ننتقل الآن إلى بداية حديثتا عن كتابه : " السنن " .
فنقول: إن هذا الكتاب أول نبتدأ به كالعادة كما في سنن النسائي قبل، الحديث عن اسم هذا الكتاب، ما هو اسمه الصحيح الذي نقول أنه هو الذي سماه به مصنفه؟
طبع الكتاب واشتهر بين طلبة العلم بأنه سنن ابن ماجه، وطبع أيضًا طبعة قديمة بمصر، كُتب على غلافها " سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لابن ماجه " ، هذا الاسم الثاني سنن المصطفى، لا دليل عليه، تفردت به هذه المطبوعة، ولا سلف لها في هذه التسمية أبدًا.
أما الاسم الأول : سنن ابن ماجه فإذا دققتم النظر تجدون أنه لا يُعقل أن يسمى ابن ماجه كتاب بهذا الاسم، العادة أن يسمي المؤلف كتابه باسم ثم يقول تصنيف فلان الفلاني ، أما أن يضيف إلى عنوان الكتاب اسمه هو نفسه ، فها لا يقع ؛ بعيد التصور .(4/9)
وقد وجدت مخطوطة موثقة قديمة جدًا لسنن ابن ماجه نسخت سنة إحدى وستمائة من الهجرة وعليها خطوط جماعة من أهل العلم منهم ابن قدامة ومنهم الإمام المزي ومنهم جماعة من أهل العلم، قرأت عليهم هذه النسخة، سُمي فيها بالسنن ، بالألف واللام، إذًا : هذا هو الاسم الصحيح .
ولا تقل : الفرق يسير، سنن ابن ماجه مثل السنن لابن ماجه، لا، الفرق ما هو يسير ؛ لأن كلمة السنن وما فيها من الألف واللام التي هي للعهد الذهني الراجعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما تقول: " السنن" تفهم مباشرة أنها سنن من؟ سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وازن بين هذا العهد الذهني العائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قولك سنن ابن ماجه ، كأن السنن هي سنن ابن ماجه، قارن بين الاسمين تجد أن جلالة وقع الاسم الأول في النفوس أكبر بكثير من التسمية الثانية ، هذا فضل على أن التسمية الأولى أو تسميته بـ " السنن" هو ليس الذي يظهر أنه الذي سماه به مؤلفه، ويجب أن تحترم الكتب، ويحترم رأي المؤلف في تسمية كتابه، ولو في حرف واحد، ما نضيف لعنوان الكتاب لا حرف ولا ننقص منه حرف؛ المؤلف هو صاحب الكتاب وهو صاحب هذه التسمية .
الأمر هين لا نقول: أن من قال سنن ابن ماجه يستحق أن يُعذَّر،لا، لكن نقول: الأولى والأفضل أن نقول " السنن " لابن ماجة، خاصة إذا أردنا أن نطبع الكتاب يجب أن نطبع هذا العنوان الصحيح، والعجيب أن الكتاب مع أنه طبع طبعات متعددة، ولا طبعة منها فيما رأيت مكتوب على غلافها هذا الاسم، كلها سنن ابن ماجه، بل الغريب أن أحد الذين حققوا هذا الكتاب وهو الدكتور محمد مصطفى الأعظمي اعتمد على النسخة الموثقة التي عليها هذا العنوان، مع ذلك لم يعتمد هذا العنوان، كتب أيضًا على غلاف مطبوعته التي اعتمدت هذه المخطوطة سنن ابن ماجه.(4/10)
إذا كان ورد أثناء سياق مثلًا العلماء مثل أن تقول: سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، هذا ما فيه بأس، لكن يطبع الكتاب، ويطبع على الغلاف بغير اسمه ، هذا الذي فيه خطأ، أما كوننا نختصر أثناء السياق مثل كتاب البخاري مثلًا تعرفون أن اسمه طويل، ما هو صحيح البخاري، ولا جامع البخاري، ولا من المعقول إن الطالب الآن إذا كان أراد البخاري بصحيح البخاري ثم يقول: أخرجه البخاري في الجامع الصحيح المسند المختصر...!! .
لكن نقول: يجب أن يكون على غلاف الكتاب الاسم الصحيح، بعد ذلك أن تعبر بما شئت أثناء تخريجك أثناء نقلك، أثناء عزوك عبر بما شئت، أما الاسم الذي يطبع على الكتاب يجب أن يكون الاسم الذي ذكره المؤلف بالدقة المتناهية لا يزاد فيه ولا ينقص .
ذكر طبعات الكتاب :
أول طبعة للكتاب : بُدأ بطبعها سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف من الهجرة، ألف مائتين ثلاثة وثلاثين من الهجرة بالهند، طبع منها مجلد، ثم توقفت الطبعة إلى سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، فطبع المجلد الثاني منها أيضًا بالهند هذه أول طبعة للكتاب، فهي طبعة قديمة جدًا، ثم طبع الكتاب مرة أخرى في الهند في لاهور سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف في بداية القرن الرابع عشر الهجري، ثم طبع الكتاب بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف بعد الطبعة السابقة بسنتين، وهذه الطبعة هي التي على حاشيتها شرح السندي أو حاشية السندي طبعة القاهرة ، ثم طبع الكتاب طبعات متعددة ، من آخرها أو من أكثرها اعتمادًا الطبعة التي بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي التي طبعت سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف ، وهي الطبعة المعتمدة في الغالب عند غالب العلماء والمحققين في عزوهم وتخريجهم، في الغالب يعتمدون على هذه الطبعة، طبعة محمد فؤاد عبد الباقي، ثم طبع الكتاب من أواخر طبعاته الطبعة التي أشرنا إليها آنفًا التي بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي طبعت سنة أربع وأربعمائة وألف، سنة ألف وأربعمائة وألف .(4/11)
وهاتان الطبعتان طبعة الأعظمي وطبعة محمد فؤاد عبد الباقي بينهما فروق عامة نذكرها الآن :
وهي أن طبعة محمد فؤاد عبد الباقي فيها زيادة أحاديث هي ساقطة بالكلية من طبعة محمد مصطفى الأعظمي، هناك أحاديث في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي ساقطة بالكلية غير موجودة تمامًا من طبعة الأعظمي، وقفت أنا على حديثين فقط، وسمعت أن غيري وقف على أحاديث كثيرة، لكن ذكر هذا للمحقق محمد مصطفى الأعظمي ، فقال : أنا اعتمدت على مخطوطة ولم أسقط من المخطوطة شيء، ويأتي إن شاء الله أنه في روايات من سنن ابن ماجه فلعل هذا راجع إلى اختلاف الروايات.
طبعة محمد فؤاد عبد الباقي طبعت في مجلدين، وضع عليها الشيخ فهارس لأطراف الأحاديث في آخر المجلد الثاني.
أما طبعة محمد فؤاد عبد الباقي لم يرجع في تحقيقه إلى مخطوط، وإنما اعتمد على الطبعتين السابقتين، الطبعة الهندية القديمة، وطابعة القاهرة التي عليها حاشية السندي، ولم يرجع إلى مخطوط للكتاب .
أما الشيخ محمد مصطفى الأعظمي فرجع إلى مخطوط قديم موثق كما ذكرنا لكم منسوخ سنة إحدى وستمائة من الهجرة، وهو من أقدم وأوثق المخطوطات التي تعرف اليوم، وذيل الشيخ محمد مصطفى الأعظمي طبعته، طبع " السنن " في مجلدين وصنع لها فهارس في مجلدين أيضًا ؛ لأنه اعتمد الحاسب الآلي " الكمبيوتر " فما كلمة في سنن ابن ماجه إلا وفهرست فغب الفهارس التي وضعها الشيخ محمد مصطفى الأعظمي، الكتاب في مجلدين والفهارس أيضًا في مجلدين فطبع الكتاب في أربع مجلدات.
وصف عام لسنن ابن ماجه :
سبق أن الكتاب طبع في مجلدين، كل طبعاته تقريبًا، وهو يضم اثنين وثلاثين كتابًا من كتب العلم والفقه فيها خمس عشرة وخمسمائة وألف باب، ألف وخمسمائة وخمس عشر باب.
وعدد أحاديث الكتاب في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي أربع آلاف وثلاثمائة وواحد وأربعين حديث.(4/12)
وعدد الأحاديث في طبعة مصطفى الأعظمي أربع آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين بزيادة أحاديث، ولعلكم تسألون قبل قليل أقول: أنه فيه نقص يأتي إن شاء الله الكلام عن هذا .
وقد ابتدأ ابن ماجه سننه بكتاب في السنة ، يطلق على هذا الكتاب الذي الذي ابتدأ به " السنن " يطلق عليه " المقدمة " وبعض أهل العلم يسميه بكتاب " السنة " وفي الحقيقة فإن هذا الكتاب الذي ابتدأ به مصنفه من أجمل ومن أبدع البدايات ومن أحسن الاستهلالات؛ لأن كتابًا في السنة ومن أصول السنة يستحق أن يبتدأ بالحديث عن السنة ، فابتدأ هذا الكتاب - كتابه - بمقدمة ذكر فيها أبوابًا كثيرة، في الحقيقة هي من أجمل التبويبات وهي داخلة لو أراد أحد أن يفصلها ويخرجها منفردة لأشبهت كتب السنة المفردة ، مثل السنة لعبد الله بن أحمد، ، والسنة للالكائي ، والسنة لابن أبي عاصم وغيره ، يعني تصلح أن تكون في باب العقيدة من كتب العقيدة .
أول باب في هذا الكتاب : باب اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذكر لكم بعض الأبواب التي فيه حتى تأخذوا صورة عن هذه المقدمة قال:
باب : اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
باب : تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتغليظ على من عارضه.
باب : التوقي في حديث رسول - صلى الله عليه وسلم -.
باب : التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
باب : من حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا وهو يرى أنه كذب.
باب : اتباع سنة الخلفاء الراشدين.
باب : اجتناب البدع والجدل.
باب : اجتناب الرأي والقياس.
ثم عقد أبوابًا لفضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ثم في ذكر الخوارج، ثم في ذكر الجهمية، كتاب في العقيدة ...
ثم فيمن سن سنة حسنة أو سن سنة سيئة.
من أحيا سنة قد أميتت.
باب فضل من تعلم القرآن وعلمه.(4/13)
إلى آخر الأبواب التي هي كأنها أصول وقواعد لعلوم السنة يجب أن يطالعها كل من أراد أن يتعلم السنة، أو يحرص أو يهتم بأمر سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أول حديث في كتاب " السنن " يقول فيه ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا )) كأنه تفسير أو تعبير من النبي - صلى الله عليه وسلم - يشابه الآية التي في سورة الحشر: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7] .
والبداية بهذا الحديث أيضًا لها دلالتها ففي هذا الحديث وفي شمولها بالأمر باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر من أجمل ما يبتدأ به كتاب في السنة ((ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا)) يعني يصلح أن يكون فعلًا عنوان لكتاب من كتب السنة.
آخر حديث في كتاب " السنن " لابن ماجه أورده تحت باب صفة الجنة يقول فيه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن سنان قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } )) .(4/14)
الحديث في زوائد سنن ابن ماجه لكنه صحيح، من زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة، السنن الخمسة الصحيحان والسنن الباقية، وفي هذا الحديث من روعة الاحتكام التذكير بأن دخول الجنة هو غاية العباد، وخاتمة أمرهم ، ختم بهذا الحديث حتى يوحي إلى أن دخول الجنة هو غاية العباد جميعًا، وخاتمة أمر من اتبع رضوان الله سبحانه وتعالى، وأيضًا للتذكير بأن غواية من يغوى وضلالة أهل الضلال عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئن ساءت أهل السنة في الدنيا فإنها سوف تسرهم في الآخرة؛ لأنهم سوف يرثون منازل أهل النار، فكأن هذا فيه جزاء من جنس العمل، فهم ساءهم ابتعاد هؤلاء القوم عن الدين وعن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا فجازاهم الله عز وجل بذلك بأن سرهم في الآخرة بأن جعلهم يرثون منازل أهل النار.
أيضًا في الآية: { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } مع ما صح من أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر، فمن ذلك يكون إرث النبي - صلى الله عليه وسلم - هو سنته، فالوارثون لها في الدنيا هم أهل السنة العلماء العاملون بها، فاستحقوا بذلك أن يوصفوا في الآية بما فيه معنى الحصر بأنهم هم الوارثون ، وكيف لا يكونون كذلك وقد ورثوا الأنبياء في الدنيا ورثوا العلم، فورثوا منازل الجنة في الآخرة، فهم وارثون للخيرات في الدنيا والآخرة، هذا يعني محاولة إيجاد السبب الذي من أجله ختم ابن ماجه كتابه " السنن " بهذا الحديث .(4/15)
ومما يجدر بالذكر حول وصف سنن ابن ماجه العام هذا : أن هذا الكتاب ليس مقتصرًا على أبواب الفقه، تعرفون أنه عند غالب المتأخرين يعرفون السنن بأنها الكتب التي اشتملت على على الأبواب الفقهية، إلا أن واقع كتب السنن جميعًا تقول أنه لابد من إضافة عبارة حتى يصح هذا التعبير وهي أن نقول: السنن هي الكتب التي اشتملت على أبواب الفقه غالبًا ؛ لأنه ما في كتاب في السنن إلا ويتضمن أبواب ليست متعلقة بأبواب الفقه ، فسنن أبي داود مثلًا فيه كلام عن المهدي، وعن بعض علامات الساعة، هذه ليس لها تعلق بأحكام الفقه ، وفي سنن ابن ماجه كذلك يوجد كتاب ليس أبواب ، كتاب " تعبير الرؤى" وكتاب " الزهد " وكتاب " الفتن" ، وذكر فيه الفتن وأشراط الساعة، وفي كتاب " الزهد " الذي هو آخر كتب هذا الكتاب العظيم تضمن ذكر صفة القيامة وأهوال القيامة وصفة الحوض وذكر شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ختم الكتاب بصفة النار ثم ختمه مطلقًا بصفة الجنة ، وبهذا يتضح أن هذا الكتاب لم يقتصر على أبواب الفقه، وإنما ضم إلى أبواب الفقه أبوابًا من العلم الأخرى منها التي ذكرناها لكم .
ونتوقف هنا ونأخذ بعض الأسئلة :
يقول: هل الأفضل لحفظ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع السند أم حفظه مع آخر راوي خاصة في زمني هذا وهل هناك فائدة من حفظه مع السند؟
حفظ الإسناد لمن تيسر له طيب ، لمن تيسر له ولم يكن يعاني شدة من حفظ الأسانيد ويتأخر ويتعثر كثيرًا جيد ، لكن إذا حفظه فيه ضعف ، أو يتفلت الحفظ منه كثيرًا فليس هناك داعي لإجهاد نفسه وتحميلها فوق طاقتها ، ويكتفي بحفظ متون السنة الصحيحة يعني يكتفي بالصحيحين والكتب التي اشترطت الصحة ، ويحفظ متونها وغالب أهل العصر أحسب أنهم يموتون ولم يحووا كل ما صح من متون السنة فالأولى أن ينشغلوا بالمتون ، بمتون السنة أكثر من الأسانيد ، إلا من تيسر له الحفظ وكان عليه سهل فهذا طيب .(4/16)
يقول: ما صحة حديث العنكبوت والحمامة في غار ثور في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
الحديث : ضعيف لم يصح على شهرته، الحديث مشهور جدًا لكنه ضعيف.
يقول : هل تسمية الدارمي بالصحيح، ولم أرى سلفًا في تسمية الدارمي بالصحيح إلا قوله: إنه رأه بخط المنذري وكذا قال العلائي ، فعلى قاعدتكم هل يعتبر هذا من الصحيح ويطلق عليه شروط الصحة في رجاله، وما هو ضابطكم في تصحيح الكتب وهل هناك كتب صحيحة غير النسائي؟
بالنسبة للدارمي كما ذكرت هنا أنه وصفه أحد العلماء وليس له سلف في هذه التسمية، لا يُقَر على هذه التسمية، ولم نقبل نحن وصف العلماء بسنن النسائي بالصحيح فقط، بل واقع سنن النسائي يدل على أنه صحيح كما ذكرنا لكمن فإن الأحاديث التي لم يعلها الإمام النسائي بالدراسة وبكثرة القراءة وبالتتبع وجد أنها لا تنزل عن الحسن أبدًا، فمع تصريحات لعبارات الأئمة وهم كثر ليسوا إمامًا واحدًا مع عبارات مثل الحافظ بن حجر التي نقلناها لكم، وبكثرة القراءة والتتبع وجد أنها لا تنزل عن الحسن أبدًا، فمع تصريحات لعبارات الأئمة وهم كثر ليسوا إمامًا واحدًا مع عبارات مثل الحافظ بن حجر التي نقلناها لكم، مع ذكره في كتابه " النكت " لسنن النسائي بأنه أصح الكتب بعد الصحيحين يعني العبارات كثيرة والقرائن متتابعة تدل على أن هذه المزية لسنن ابن ماجه من الكتب الصحيح فهي مشهورة مثل صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم ، والمختارة للضياء، والمنتقى لابن الجارود، وهناك كتب أيضًا توحي بأن مؤلفها اشترط أن تكون الأحاديث التي فيها قوية ولعلها تستغربون أن من هذه الكتب بيان مشكل الأحاديث للطحاوي المشهور بشرح مشكل الآثار، لأن المؤلف في نصف المقدمة أنه يشترط ألا يجمع إلا بين حديثين مقبولين، وهذه قاعدة معروفة عند العلماء أصلًا، يقولون: تأويل الحديث فرع عن قبوله ، يعني إذا تعارض حديث صحيح وعارضه حديث ضعيف هل يحق لنا أن نؤول الحديث(4/17)
الصحيح حتى يوافق الضعيف؟ لا، نقول هذا ضعيف، فنلقيه جانبًا، فإذا أول العالم بين حديثين متعارضين .. أيش يدل هذا ؟
يدل على أن الحديثين كلاهما مقبول عنده، فأنت انتبه، فإذا ذكر الطحاوي حديثين ثم وفق بينهما وكان ظاهرهما التعارض وهو نبه في المقدمة على كل حال على هذا الأمر فهذا يدل على أن كلا الحديثين عند الطحاوي مقبول، واضح ؟ وغيره قديتضح كتب أخرى، لكن هذا الآن الذي خطر في ذهني.
س.يا حبذا لو أعطيتنا فكرة عن معاجم الطبراني الثلاثة بإيجاز؟
معاجم الطبراني الثلاثة هي:
الكبير والأوسط والصغير.
أما المعجم الكبير: فرتبه على " أسماء الصحابة " وهو كبير كاسمه، طبع في خمسة وعشرين مجلدًا، وقلنا مرتب على أسماء الصحابة ويذكر بعد أن يسمي الصحابي، ويذكر بعد أخباره بالإسناد وهذا أحد مزاياه، قلنا فيه بالإسناد على كل حال ، ثم بعد ذلك يذكر أشهر أو أغرب أحاديث هذا الصحابي التي يرى أنها تحتاج إلى ذكر ، لا يستوعب ليس غرضه هو الاستيعاب، لكن غرضه استيعاب أسماء الصحابة، ولكن ليس من غرضه استيعاب أحاديث كل صحابي.
أما الأوسط: فهو مرتب على " أسماء الشيوخ " ويذكر تحت كل اسم شيخ له وهم قد تجاوزا الألف يذكر تحت اسم كل شيخ له أغرب ما وجده من أحاديثه، مجموعة من الأحاديث هي غرائب أحاديث شيخه، وهذا الكتاب كان الإمام الطبراني شديد الحفاوة به حتى كان يضمه إلى صدره ويقول: هذا الكتاب روحي أفنيت فيه عمري.
فإذا عرفت أن الطبراني ولد سنة مائتين وستين، وتوفي سنة ثلاثمائة وستين، يعني عاش مائة سنة بالكمال والتمام عرفت معنى أيش أفنيت فيه عمري لحافظ كبير ، يعني لو واحد قال وعمره أربعين سنة، ثلاثين سنة توفي نقول: قليل ، أفنيت في عمرك قصير ، لكن هذا أفنى فيه عمره الطويل المديد لعالِم كبير.(4/18)
أما المعجم الصغير : فهو أيضًا مرتب على أسماء الشيوخ ، لكنه يقتصر في الغالب على حديث واحد لكل شيخ ، وقد يزيد حديثًا آخر أو حديثين أو ثلاثة ، لكن هذا نادر في الكتاب .
س.نقترح إن كنت انتهيت من سنن ابن ماجه في هذه الليلة أن تتكلم ...
لا ، ما انتهينا ، فاضل كلام طويل عن شرطه ورجاله والأحاديث التي وُصِفت بالوضع ، فاضل إن شاء الله في درس الغد عن مسند الإمام أحمد ...
س.ما هو القول الصحيح في ترتيب السنن الأربعة ؟
عجيب!! الترتيب المشهور ، يعني إن قصدت من حيث الصحة هذا شيء آخر ، لكن ما في داعٍ لتغيير الترتيب بناءً على الأصحية : أبو داود ، الترمذي ، النسائي ، ابن ماجه ؛ هذا ترتيبهم ، لكن إن قلت من حيث الأصحية فيأتي في مقدمتهم النسائي كما قال الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله ، ويليه سنن أبي داود ولا شك ، وجامع الترمذي يليه ... ، وجامع الترمذي يفوق سنن أبي داود ويفوق سنن النسائي أيضًا بأقوال أهل العلم في الفقه ، ينص : قال إسحاق ، قال ابن المبارك ، قال أحمد ، قال مالك ، قال كذا ..، إضافة إلى تنصيصه على حكم كل حديث عقبه في الغالب ، إضافة إلى تَفَنُّنه المعروف المشهور ، لكلٍّ ميزة ، وابن ماجه آخرها من ناحية أصحية ، آخرها كما يأتي إن شاء الله لكثرة الأحاديث الضعيفة والمنكرة فيه .
س.ما اسم كتاب سنن النسائي وسنن أبي داود ؟
قلنا سنن النسائي أيش اسمه ، وسنن أبي داود ما لي فيه بحث ، لكن الظاهر أنه اسمه " السنن " مثل هذا .
س.ما معنى زوائد ابن ماجه ومن مؤلفه وما قصده ؟
يعني : هذا كان المفروض أن نتكلم عنه غدًا ، لكن الآن نقوله مختصرًا : زوائد ابن ماجه تُطلق ويراد بها أمران :(4/19)
الأمر الأول : زوائد ابن ماجه على الكتب الخمسة مثلًا ، كما فعل البُوصَيْرِي في كتابه " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " ، ويقال زوائد ابن ماجه يقصدون زوائد أبي الحسن القطان على سنن ابن ماجه ، فلتلميذ ابن ماجه أحاديث زوائد يذكرها أثناء " السنن " ، مثل زوائد عبد الله بن أحمد على " المسند " تمامًا ، ويأتي الحديث عن ذكرها وعددها إن مدَّ الله عز وجل في العمر .
س.هل تنصحون بحفظ كتاب " اللؤلؤ والمرجان " أم حفظ البخاري ومسلم ؟
واللهِ حفظ البخاري ومسلم أَجَلُّ إذا استطعته ، طيب ، وإذا قصرت همتُك فـ" اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان " يكون أهون عليك في الحفظ .
س.ما المقصود بالجزيرة وهل هي مكانين أو واحد ؟
الجزيرة في العصر الحديث تطلق على شبه الجزيرة العربية التي تضم السعودية ودول الخليج واليمنين صارت يمن واحدة ، أما في القديم فكانت تُطلق الجزيرة على الجزيرة العراقية التي في شمال العراق والتي هي جزيرة فعلًا ؛ لأنه إن تذكرتم شكل دجلة والفرات تأتي من جنوب تركيا ثم تنزل إلى أن تلتقي في مَصَبٍّ واحد في آخر العراق ، فهذه المنطقة التي بين دجلة والفرات تسمى قديمًا جزيرة ، يعني في شمال العراق ، فيها مدن مثل الرَّقَّة ومثل المُوصل وحَرَّان التي منها شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ كلهم من الجزيرة ، فإذا قيل : الجَزَري ، يريدون بها هذه المنطقة نسبةً إلى الجزيرة ، لأنه صفة (فعيلة) تُحذف منها التاء والياء عند النسبة ، فإذا قيل جزيرة فهذا يراد بها ، أما يقال جزيرة الأندلس ممكن ، أما الجزيرة فهي هذه ، وإذا رجعت لكتب الأنساب ينصون على أن الجزيرة هي هذه ، أصلًا جزيرة يمكن يطلق على أي جزيرة في البحر ، لكن التي ينسب إليها ابن الجزري هي هذه .
س.هل للنسائي مصطلحات خاصة مثل الترمذي ؟
لا ، ليس له كلام في " السنن " حول الأحاديث ، الذي له كلام نادر هو تلميذه ابن القَطَّان .(4/20)
يقول : هناك طبعة بتحقيق مَرْوان شِيحة ، هل هناك فروق كبيرة بينها وبين الطبعات الأخرى ؟
واللهِ سمعتُ بعض المعتنين بسنن ابن ماجه يذم هذه الطبعة ، وأنا ما اطلعت عليها .
س.هل عند حفظ الحديث يُحفظ بالنص أم بالمعنى ؟
كيف يكون حفظًا إذا كان بالمعنى ، هناك رواية بالمعنى وحفظ بالنص ، لكن إذا حفظت بالنص ربما نسيت ، لكن يبقى عندك أطراف من اللفظ والمعنى ثابت في ذهنك فتستطيع أن تروي بالمعنى إذا كنت من أهل الرواية بالمعنى ؛ لأنه يشترط في الرواية بالمعنى أن تكون عالمًا باللغة ، عالمًا بالفقه ، عالمًا بما يحيل المعاني .
س.ما سبب نطق المحدثين لإسحاق بن رَاهُويَهْ ؛ بهذا النطق ؟
هذا فيه خلاف بين النحويين واللغويين والمحدثين ؛
فأهل اللغة يقولون : رَاهَوَيْهِ ، سِيبَوَيْهِ ، نِفْطَوَيْهِ .
أما أهل الحديث فيقولون : رَاهُويَهْ ، سِيبُويَهْ ؛ انتبه! لا تُشْبِع الواو ، لا تقل : رَاهُووويَهْ ، سِيبُووويَهْ ، النطق الصحيح لها بعدم إشباع الواو ، مثل نطق العوام لـ " ثُوب " ، ما يقولون : ثُوووب ، مثلها تمامًا .
وأيش معنى " ويه " هذه ؟
" ويه " هذه فيها خلاف ؛ قيل معناها رائحة ، فـ" سيبويه " يعني : رائحة التفاح ، وهذا ليس بصحيح ، وإن صح في اللغة الفارسية رائحة ، لكنها هنا أُضيفت ، طيب " نفطويه " رائحة النفط؟!(4/21)
" راهويه " : " راه " قالوا معناها طريق ؛ لأنه وُلِدَ في الطريق أبو الإمام ، إلا الصحيح في " ويه " هذه أنها كانت تُضاف للأسماء للتدليل ، يعني الأم تُرَقص ولدها وهو صغير مثلما نقول مثلًا لعبد العزيز : عُزَيِّز ، عبد الرحمن : دِحمي ، مثله ، إضافة يضيفها أهل فارس قديمًا على الأسماء للتدليل فيشتهر المسمى بهذا الاسم ، فيقال : " رَاهُويَهْ " ؛ هذا هو الاستخدام الصحيح ، أما النحويون فإنهم حاولوا أن يُعرِّبوا الكلمة ، استخدموا كلمة " وَيْهِ " التي هي اسم صوت – وأسماء الصوت كثيرة – وقاسوها عليها وقاسوا الأسماء عليها .
يقول : الرجاء إعادة البيت الأول من مرثية ابن ماجه ؟
موجود في الأشرطة ، ما في داعٍ ، خَلِّنَا ننظر في الأسئلة .
س.ما صحة حديث : لا عورة للطفل ؟
ما أعرف حديثًا بهذا اللفظ !! لكن المعنى قريب من الصحة ، الطفل الصغير غير المكلَّف يُتهاون في كشف عورته .
س.هل الحديث الضعيف يُعمل به ، ولماذا قيل ؟
لماذا قيل أيش ؟! لماذا قيل فقط ، ما هناك كلام !!
الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقًا على الصحيح .
س.هل يوجد طريقة لطلب العلم لتخريج الحديث ؟
طرق تخريج الحديث كثيرة جدًّا ، وهذا ينفع له محاضرات ، ما هو بكلمة .
س.قرأتُ في كتاب بالنسبة لدعاء الاستفتاح " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ..." أنه حديث ضعيف ؟
لا ، الحديث ما هو ضعيف ، كيف ؟! الحديث مشهور وصحيح .
س.لماذا أخرج بعض العلماء ابن ماجه من الكتب الستة ، كالحازمي في " شروط الأئمة الخمسة " ، وكابن الأثير في " جامع الأصول " ؟
كل هذا يأتي غدًا إن شاء الله .
س.هل شرح الزوائد لابن المُلَقِّن موجود ؟
لا أعرف أنه موجودًا .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد والله أعلم .
... ...(4/22)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنََّ الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
أما بعد ..
انتهينا في البارحة من الكلام عن وصف عام عن متابعة سنن ابن ماجه , وعن شيء من غرضه العام لهذا الكتاب , وكنا قد وعدناكم بالأمس نتكلم عن زيادات تلميذة ابن القطان على هذا الكتاب , وقد ذكرنا بالأمس أن لراوي كتاب ابن ماجه وهو أبو الحسن القطان أحاديث وأقوال يرويها بإسناده من غير طريق ابن ماجه ويذكرها أثناء الكتاب , وربما اشتبهت هذه الزيادات على من ينقل من سنن ابن ماجه ؛ فيعزوها لابن ماجه والصواب أنها من كلام أو من رواية أبي الحسن القطان , ولا يصح أن نقول في الحديث الذي من زيادات أبي الحسن القطان لا يصح أن نقول أخرجه ابن ماجه لأن ابن ماجه لم يرويه وإنما رواه تلميذه أبو الحسن القطان , وسبيل التمييز بين زيادات القطان وهي ليست بالكثيرة سبيل التمييز بينها وبين الأحاديث التي يرويها ابن ماجه التي يرويها ابن ماجه في كتابه سبيلان طريقتان :
الطريقة الأولى : أنك تجد غالبًا زيادات القطان مبتدأه بقول مثلًا :(5/1)
" قال أبو الحسن القطان " ، " قال ابن سلمة القطان " ، " قال القطان " ثم يُبْتَدأ الإسناد ثم هناك أيضًا في مرات قليلة ونادرة لا تميز الزيادة إلا من خلال دراسة الإسناد فنجد مثلًا أن شيخ القطان ممن نص على أن ابن ماجه لم يروي عنه أو لم نجده في شيوخ ابن ماجه , وفي بعض الأحيان يُنَص على أن هذا الشيخ لم يروي عنه ابن ماجه في كتابه السنن فنعرف منها أن هذه زيادة ليست من ابن ماجه ولكن هي من ابن القطان مثل ما روى أبو الحسن القطان عن أبي حاتم الرازي ، وأبو حاتم الرازي من شيوخ ابن ماجه لكن قال العلماء في غير السنن فلما رأينا إسنادٍ في سنن ابن ماجه يقول فيه حدثنا أبو حاتم الرازي عرفنا أن الذي قال حدثنا من هو القطان على كل حال هناك رسالة حديثة جمعت كل زيادات القطان وأخرجتها في كتاب مستقل وصاحب هذا الجمع هو الدكتور مشهر الدُميني في كتاب سماه " زيادة أبي الحسن القطان على سنن ابن ماجه " , وقد أحصى هذه الزيادات فبلغت أربعًا وأربعين زيادة , وتذكرون أني ذكرت لكم بالأمس أن هناك اختلاف بين ترقيم طبعتي محمد فؤاد عبد الباقي ومحمد مصطفى الأعظمي , وقلت لكم حينها أن هناك أحاديث ساقط من نسخة الأعظمي لكن لما ذكرنا الترقيم ذكرنا أن ترقيم الأعظمي أكبر من ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي سبب ذلك التفاوت مع ذلك النقص هو أن الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي كان يعد زيادات القطان مرات يعني يرقمها أحاديث مستقلة ومرات ما يرقمها ما يضع لها أرقام مستقلة أما الأعظمي فوضع لكل زيادة رقمًا مستقلًا يعني ضمن عدد ابن ماجه , ومن أجل ذلك زادت عدد الأحاديث عنده عن عدد الأحاديث عند الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي عليه رحمة الله .
شرط ابن ماجه في أحاديث كتابة :(5/2)
لم نجد للإمام ابن ماجه كما هي العادة أو في الأغلب مقدمة لكتابه أو له رسالة مستقلة كما فعل أبو داود تبين شرطه في كتابه ومنهجه في التأليف , وأيضًا لم نجد وصفًا لأحد أهل العلم يصف به كتاب ابن ماجه مثلًا بأنه صحيح كما حصل مع النسائي أو مع غيره من أجل ذلك لا نستطيع أن قول بناءً على هاتين المقدمتين أن ابن ماجه اشترط الصحة في كتابه بل أن واقع سنن ابن ماجه يدل على أن مؤلفه لم يشترط الصحة فعلًا لا الصحة ولا الفشل , ولا أرى فيه نوعًا من الانتقاء ، بل إن سنن ابن ماجه من أكثر الكتب الستة حديثا ضعيفا , ومن أكثرها أيضًا حديثً وصف بالوضع أقول من أكثرها ولا أقول أنها كثيرة انتبهوا ؛ فهي الأحاديث الضعيفة الموجودة في سنن ابن ماجه والموضوعة وإن صح وصفها بالكثرة لكنها بالنسبة لما فيه من الأحاديث الصحيحة ما زالت نسبة قليلة بالنسبة لما فيه من الأحاديث الصحيحة ، ويأتي إن شاء الله ذكر بعض الإحصائيات التي ذكرها بعض أهل العلم في موازنة الأحاديث الصحيحة بالضعيفة التي في سنن ابن ماجه .
إذًا ما هو شرط ابن ماجه ومنهجه في كتابه والمنهج الذي مشى عليه في انتقاء أحاديث هذا الكتاب قبل هذا يستوقف الناظر في كتاب ابن ماجه أمران :(5/3)
الأمر الأولى : أن ابن ماجه اعتنى عناية كبيرة بجمع كل الأحاديث في جهده وحسب ما ظهر له التي تنص نصًا واضحًا على فروع الفقه الدقيقة فكان حريص كل الحرص على أن يذكر أدلة فروع الفقه الدقيقة ومسائل الفقه الدقيقة , ولأجل ذلك أُثني على كتابه من هذه الناحية , فيقول ابن كثير في كتابه " اختصار علوم الحديث " عن كتاب ابن ماجه : " كتاب مفيد قوي التبويب في الفقه " , وابن ماجه أثناء جمعه المتقصي هذا لأدلة الفروع الفقهية اضطر لهذا الشرط أن يتوسع فيما يخرجه من الأحاديث وألا يشترط الصحة ولا الحسن ولا الضعف , ولعل فقهاء عصر ابن ماجه كانوا يحتجون ببعض تلك الأحاديث فأراد ابن ماجه أن يبرز لنا أسانيد تلك الأحاديث فتكون واضحة عندنا هذا الأمر الأولى الذي يستوقف الذي ينظر في سنن ابن ماجه أنه يعتني بأدلة الفروع الفقهية .
الأمر الثاني : وهو له علاقة بالأول كثرة زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة الأحاديث الزائدة في سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة الباقية كثيرة جدًا مع أنك لو تذكرت الصحيحين كم فيهما من الأحاديث ثم باقية سنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي , وأن الثلاثة الأخرى لم تشترط الصحة أيضًا أيضًا اعتنت بأحاديث الفروع الفقهية مع ذلك نعيد أن في سنن ابن ماجه أحاديث كثيرة والتي عددها زائدة على عدد الكتب الخمسة كلها ؛ فقد بلغ عدد زوائد سنن ابن ماجه على حسب جمع الإمام البوصيري في كتابه " مصباح الزجاجة " بلغ اثنين وخمسين وخمسمائة وألف حديث (1552) عدد ضخم حقيقة من الزوائد مع أن كتاب سنن ابن ماجه أصلًا مطبوع في مجلدين ليس من الكتب الضخمة التي لا يستغرب فيها هذا العدد يعني تكاد تكون الزوائد ربع الكتاب أو أكثر زوائد على الكتب الخمسة لا على الصحيحين على الكتب الخمسة .(5/4)
من خلال هذين الأمرين الظاهرين اللذان سبقا وهو أن ابن ماجه يعتني بفروع أو بأدلة فروع الفقه , وكثرة زوائد هذا الكتاب نستطيع أن نجيب عن السؤال السابق وهو :
ما هو منهج ابن ماجه وغرضه من كتابه ؟
يظهر مما سبق : أن غرض ابن ماجه أن يبرز لنا أسانيد أدلة الأحكام سواء كانت هذه الأسانيد صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو حتى باطلة تستغرب وتقول ما الفائدة من إبراز الأسانيد الضعيفة والباطلة أو ما شبهها ؟
نقول : فائدة ذلك جَمَّةٌ جدًا لأننا لو وجدنا أحد من أهل الفقه الذين لا علم لهم بعلم الحديث , وهم قديمًا وحديثًا كثيرون العلوم تخصصات لو احتج أحد علماء الفقه الذين لا علم لهم بعلم الحديث بحديث قال مثلًا في مسألة فقهية قال النبي عليه الصلاة والسلام كذا لو لم نجد إسناد هذا الخبر أو الأثر هل نستطيع أن نؤيد هذا الفقيه في حكمه أو نخالفه ؟
لا . أقل شيء نتوقف نقول العالم الفلاني نقل الحديث لعله صحيح نتردد فترة طويلة من الزمن لكن لم يكون عندنا الإسناد ظاهر , وندرس الإسناد ؛ فنجد أنه صحيح نقول له : نعم ؛ نحن نوافقك فيه احتجاجك بهذا الحديث .(5/5)
ولكن إن ظهر لما أنه ضعيف نقول له لا قف ابحث عن دليلٍ آخر ؛ فأحد فوائد إبراز أسانيد الأحاديث الضعيفة الموضوعة في أدلة الأحكام أننا نستطيع أن نعرف هل هذه الأحاديث صالحة للأحتجاج أو لا , ولو لم نجد لو أن العلماء كلهم ما أخرجوا إلا الصحيح فقط ولم يخرجوا الأحاديث الضعيفة لم وجدنا سبيلنا لمعرفة أن تلك الأحاديث صحيحة أو ضعيفة أم موضوعة , فمن الفوائد الكبرى لذكر أسانيد الأحاديث الضعيفة هي أننا نستطيع من خلال هذه الأسانيد أن حكم على الحديث صحة أو ضعفًا وهذا غرض مهم وممتاز ويشكر أن يقوم بمثل هذا الأمر مادام أنه يبرز الإسناد فقد أحال الناظر إلى دراسة الإسناد ، لكن يلام من روى الحديث الموضوع أو الحديث الضعيف ويقول قال النبي عليه الصلاة والسلام – جزمًا – دون أن يبرز الإسناد هذا قد نلومه خاصة إذا كان الحديث موضوعًا هذا نلومه .
إذًا عرفنا الإجابة على السؤال السابق وعن شرط ابن ماجه وهو أنه يُخرج يعتني بأحاديث الأحكام وأدلة الفروع الفقهية ولا يتقيد بالصحة أو الحسن أو الضعف بل يتوسع في ذلك ويحاول أن يستوعب كل الأحاديث الدالة على الفروع الدقيقة في الفقه .
أما الإحصائيات الخاصة بسنن ابن ماجه :
والتي تبين مقدار ما فيه من الأحاديث الضعيفة أو الأحاديث الصحيحة فأقدم هذه الإحصائيات ما روي عن الإمام الكبير أبي زرعه الرازي المتوفى سنة 264هـ ، الذي كان يقرن بالبخاري أمثله من النقد , وهو قرينهم ولا شك في العلم والسن ، روي عن أبي زرعه الرازي رويَّ - بصيغة التمريض- أن قال لما رأى كتاب سنن ابن ماجه قال : " أظن إن وقع هذا في أيد الناس تعطلت هذه الجوامع - يعني كتب الحديث الجامعة - كلها أو أكثرها ولا أحسب يكون فيه تمام ثلاثين حديثًا مما في إسناده ضعف " أو قال عشرين أو نحو هذا من الكلام ، وقيل أنه قال بضعة عشر حديثًا هذا كلام أبي زرعه الرازي وهو أول إحصائية نقلت عن هذا الإمام .(5/6)
وقد رد الحافظ ابن حجر هذه الرواية بقوله في كتابه " النكت" : " هذه حكاية لا تصح لانقطاع إسنادها وإن كانت محفوظة - يقول لك هي أولًا غير صحيحة لأننا لم نجد لها إسنادٍ صحيحًا لأبي زرعه الرازي ثم يقول يحاول أن يؤولها فيما لو صحت - يخشى أن يكون لها إسناد صحيح ونقل عنه ، فيقول ولو صحت فلعله أراد ما فيه من الأحاديث الساقطة إلى الغاية .
يعني : يكون مقصودة بالعشرين أو بالثلاثين أو بالبضعة عشر الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي لا يختلف في وضعها لأن الأحاديث الضعيفة أكثر من هذا العدد بكثير , ويستحيل أن تخفى عن أبي زرعه الرازي لو كان فعلًا مطلع على السنن , وحكم عليها ؛ فلابد أن يؤول كلامه بما يوافق الواقع لأنه إنسان ولا يستطيع أن يخفى عليه هذا الواضح الجليل هذا الاحتمال الأول الذي يؤول به الحافظ ابن حجر كلام أبي زرعه الرازي الاحتمال الثاني قال : " أو كان ما رأى من الكتاب إلا جزءًا منه فيه هذا القدر " قيل أو أنه يحتمل أنه جيئا لأبي زرعه الرازي بجزء يسير من هذا الكتاب ورقات عشرين ورقة خمسين ورقة طالعها فوجد فيها هذا القدر فحكم على ما رآه ؛ فلا يكون حكمه متناولًا لجميع الكتاب وقد يؤيد هذا القول الثاني : أن ابن عساكر في تاريخ دمشق لما ذكر كلام أبي زرعه قال ابن عساكر : " وحكي أنه نظر في جزء من أجزائه , وكان عنده في خمسة أجزاء - يعني يكون حكمه هذا حكم على جزء من خمسة أجزاء .
لعل هذا أصغرها لعل هذا أصغر هذه الأجزاء - " المقصود أن هذا توجيه لكلام أبي زرعه فيما لو صح كلام أبي زرعه إلا أن العلماء قبل الحافظ ابن حجر والإمام الذهبي كما سيأتي كلامه شككوا في صحة هذه العبارة من قبل وأقدم من نقل هذه العبارة يقول : " رأيت على ظهر كتابٍ بخط فلان أن أبا زرعه قال كذا وفلان هذا لم يدرك أبا زرعه أصلًا وبينه وبين أبا زرعه دهور ؛ فأن الرواية لم تصح هذا ما يغلب على الظن .(5/7)
ويؤيد عدم صحتها أيضًا سوى ما سبق من عدم ثبوت إسنادها أنها أيضًا معارضة للواقع كل المعارضة كما سبق ويأتي إن شاء الله من ذكر عدد أحاديث ضعيفة كثيرة في كتاب ابن ماجه الأمر الآخر أيضًا الذي يدل على عدم صحتها أنها تعارض حكمًا لأبي زرعه الرازي نفسه ؛ فإن أبا زرعه الرازي قد ضعف سبعة وتسعين ومائتي راوي في كتاب سنن ابن ماجه طبعًا تضعيف الرواة لا يستلزم تضعيف الأحاديث هذا ما فيه شك لكن مائتين وسبعة وتسعين لو لم يكن لكل رواي في سنن ابن ماجه رواية واحدة مع أن الغالب أن الراوي يكون لها روايتين أو ثلاثة في السنن أو أكثر ولو لم يكن لكل راوي إلا رواية واحدة هل يعقل أنه يكون نقل أو عشرين حديث ضعيفة يعني يكون ما يقارب المائتين وستين كلها لها شواهد ومتابعات وتصح , والعشرين فقط هي الضعيفة هذا بعيد الأصل في رواية الضعفاء خاصة وأن فيهم عدد كبير ممن قيل عنهم متروك وممن قال عنه متهم بالكذب نفس أبو زرعه ؛ فهل للإحصائية بين الرواة وبين ذلك العدد من الأحاديث أيضًا قرينة قوية على ضعف تلك الرواية التي نقول عن أبي زرعه مما يؤيد أيضًا في نقد هذه العبارة أو عدم صحتها أنها عبارة مضطربة مرة يروى عنه أنه قال ثلاثين , ومرة يقول عشرين , ومرة يقول بضعة عشر ، يعني : ليس هناك عدد محدد ثم يقضي على هذا كله ما قاله ابن عساكر من أن أبا زرعه إنما نظر في جزء واحد من خمسة أجزاء وهذا يحتمل أن يكون واقعًا حقيقيًا هذه الإحصائية الأولى .
الإحصائية الثانية : هي مقالة للإمام المزي : " أنه قال كل ما انفرد به ابن ماجه فهو ضعيف " , ونقل عنه أيضًا أنه قال : " مهما انفرد ابن ماجه بخبرٍ فهو ضعيف غالبًا " .(5/8)
أما العبارة الأولى التي يقول فيها المزي كل ما انفرد به ابن ماجه فهو ضعيف فهي غير صحيحة على إطلاقها إذا فهمنا أن كل ما انفرد أن كل زوائد ابن ماجه ضعيفة فهذا إطلاق وليس بصحيح وأما العبارة الثانية مهما انفرد ابن ماجه بخبرٍ فهو ضعيف غالبًا بهذا القيد غالبًا فيحتمل أن يكون صحيح , ولذلك تَعَقَب الحافظ ابن حجر في التهذيب عبارة المزي بقوله : " وليس ذلك على إطلاقه باستقراء - هذا كلام الحافظ ابن حجر - وبالجملة ففيه أحاديث كثيرة منكره " .
يعني في سنن ابن ماجه , وقد حمل بعض أهل العلم عبارة المزي السابقة على أن مراده الرجال يعني لما قال كل ما انفرد به فهو ضعيف يقصد ما انفرد به من الرجال زوائد رجال سنن ابن ماجه على الخمسة في الغالب هم ضعاف , ويرد على هذا الفهم العبارة الثانية مهما انفرد بخبرٍ فبين أنه يتكلم عن الأخبار لا عن الرواة .
الإحصائية الثالثة : إحصائية الإمام الذهبي حيث قال بعد ما نقل عبارة أبي زرعة المنقولة سابقًا والتي بينا وبين العلماء من قبل أنها غير صحيحة .
قال الإمام الذهبي : " وقد كان ابن ماجه حافظًا ناقدًا صادقًا واسع العلم , وإنما غض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير , وقليلٌ من الموضوعات وقول أبي زرعه إن صح - شوف هذا القيد مثل عبارة الحافظ ابن حجر في التشكيك في صحة هذا النقل – فإنما عنا بثلاثين حديثًا من الأحاديث المنطرحة الساقطة - أيضًا مثل تأويل الحافظ ابن حجر تمامًا - وأما الأحاديث التي لا تكون بها حجة فهي كثيرة لعلها نحو الألف " الأحاديث الضعيفة يقول لعلها نحو ألف حديث .
وهذه الإحصائية لعلها أقرب الإحصائيات إلى الصواب ويأتي إن شاء الله من الإحصائيات التالية ما يؤيد هذه الإحصائية التي ذكرها الإمام الذهبي على التقريب .(5/9)
الإحصائية الرابعة : إحصائية قام بها محمد فؤاد عبد الباقي تذكرون أن قلنا أن عدد أحاديث السنن في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي أربعة آلاف وثلاثمائة وواحد وأربعين (4341) حديث من هذه الأحاديث ثلاث آلاف واثنين أخرجه بعض أصحاب الكتب الخمسة أو بعضهم هذا على حسب إحصاء محمد فؤاد عبد الباقي وباقي الأحاديث وعددها ألف وثلاثمائة وتسعة وثلاثين زوائد لابن ماجه على الكتب الخمسة يقول محمد فؤاد عبد الباقي : منها أربعمائة وثمانية وعشرين حديث صحيح من الزوائد الآن يتكلم عن الزوائد فقط الأحاديث التي وافق فيها الكتب الخمسة لم تدخل في إحصائيته يتكلم فقط عن مقدار ما في الزوائد من صحيح ، وحسن ، وضعيف فيقول الزوائد ألف وثلاثمائة وتسعة وثلاثين على حسب ما بدا له ثم يقول الصحيح منها أربعمائة وثمانية وعشرين الحسن منها مائة وتسعة وتسعين الضعيفة ستمائة وثلاثة عشر الواهية الإسناد أو المنكرة أو المكذوبة يقول تسعة وتسعين يعني شديدة الضعف والموضوعة يكون إذًا مجموع الضعيف والشديد الضعف والمكذوب من الزوائد سبعمائة واثنا عشر حديث في سنن ابن ماجه من الزوائد ولم يدخل معها الأحاديث التي وافق فيها سنن ابن ماجه الكتب الخمسة , وقد يكون فيها يعني بعض الأحاديث التي وافق فيها الترمذي قد تكون ضعيفة بعض الأحاديث التي وافق فيها أبو داود قد تكون ضعيفة بعض الأحاديث التي وافق فيها النسائي قد تكون ضعيفة وضعفها النسائي في سننه ممكن .
الإحصائية الخامسة : إحصائية الشيخ الألباني في كتابه صحيح سنن ابن ماجه وضعيف سنن ابن ماجه فذكر أن الصحيح أو على حسب ترقيمه في صحيح سنن ابن ماجه بلغت الأحاديث الصحيحة ثلاثة آلاف وخمسمائة وثلاثة هذه الأحاديث الصحيحة الأحاديث الضعيفة حسب ترقيمه في ضعيف سنن ابن ماجه تسعمائة وثمانية وأربعين حديث يعني نحو الألف كما قال الإمام الذهبي .(5/10)
الإحصائية السادسة : وهي متعلقة فقط بالموضوعات في سنن ابن ماجه عدد الأحاديث التي وصفت أو حكم عليها بالوضع ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أربعًا وثلاثين رواية في كتابه الموضوعات وزاد عليها الحافظ القازويني المتوفى سنة 750هـ سبعة أحاديث أخرى وزاد عليهما الألباني اثنين وثلاثين حديثًا فيكون مجموع ما حكم عليه بالوضع ثمانية وسبعين ، والسيوطي لما ذكر الأحاديث الموضوعة في كتاب ابن ماجه في أخر كتابته " النكت البديعات " قال أن عددها ثلاثين لكن أحد علماء الهند ويأتي تسمية كتابه إن شاء الله قام بإحصائية أخرى فوقف على أربعة زوائد , وبين الفرق بين إحصائيته وإحصائية السيوطي , ومما يَحْسُن التنبيه عليه أن الإمام السيوطي قد ناقش ابن الجوزي في غالب أو في كل الأحاديث الثلاثين التي ذكرها يعني ما رضي الحكم ولا على حديث واحد منها بالوضع ولا شك أن هذا من تساهل السيوطي بل في منها أحاديث لاشك في وضعها مما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات , ومن أشهر هذه الأحاديث حديث يرويه الإمام ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك مرفوعًا يقول الحديث (( ستفتح عليكم الآفاق , وستفتح لكم مدينة يقال لها قزوين من رابط فيها أربعين يومًا أو أربعين ليلة كان له في الجنة عمود من ذهب عليه زبرجدة خضراء عليها قبة من يقوتة حمراء لها سبعون ألف مصراعٍ من ذهب على كل مصراع زوجة من الحور العين )) .
يحسب كم زوجة من الحور العين هذا الحديث موضوع وفي إسنادة ثلاثة من شديدي الضعف واحد منهم متهم بالكذب داود بن محبر واضعه ظاهر جدًا مع ذلك يقول السيوطي لا هو منكر ويحتمل في الفضائل .
نقول : هو موضوع ولا يحتمل في الفضائل ولا في غيرها أن نكذب على النبي عليه الصلاة والسلام .(5/11)
أيضًا هناك حديث آخر موضوع وظاهر وضعه ناقش السيوطي في وضعها , وهو حديث علي مرفوعًا (( الإيمان معرفة بالقلب , وقولًا باللسان , وعمل بالأركان )) النبي عليه الصلاة والسلام يرد على المرجئة ردًا صريحًا هنا مع أن هذا الكلام يؤيد كلام أهل السنة والجماعة لكن المحدثين ما عندهم محاباة الدار قطني قال هذا الحديث موضوع وابن الجوزي قال هذا الحديث موضوع وأقره الذهبي والحافظ ابن حجر وغيرهم مع ذلك السيوطي يناقش الموضوع ويقول الحديث منكر على كل حال هذا مثال من مناقشة السيوطي حتى تعرف أنه ليس كل ما ينقش فيه السيوطي ابن الجوزي كما أن ليس كل ما حكم عليه ابن الجوزي بالوضع يسلم له لكن في عدد من حكم عليهم ابن الجوزي بالموضوع أقل أحواله أن يكون منكر فلا يحتج به كما ذكرنا لكم .
انتهينا الآن من ذكر الإحصائيات التي ذكرت حول سنن ابن ماجه وأحاديثه باقي الكلام عن رجال سنن ابن ماجه .(5/12)
سبق لنا من الكلام على أحاديثه ما تبين لنا به أن ابن ماجه ليس له شرط من جهة الصحة والضعف وأنه يخرج الصحيح والحسن والضعيف بل وشديد الضعف وذلك يعني أن رجاله أيضًا لم يلتزم فيهم أن يكونوا من المقبولين ويخرج للثقة وللصدوق وللضعيف وللكذاب ولغير ذلك بل ربما تخفف الإمام ابن ماجه في شرح كتابه طلبًا للعلو حتى يخرج أحاديث عالية وإذا عرفت أن الثلاثيات التي هي خمسة أحاديث فقط كلها بهذا الإسناد التالي يقول فيه ابن ماجه حدثنا جبارة بن الْمُغَلِّس عن كثير بن سليم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رواة جبارة وكثير وأنس - رضي الله عنه - أما جبارة فضعيف واتهمه الإمام يحيى ابن معين بالكذب ، قال : كذاب . وهو أقل ما يقال فيه : شديد الغفلة . وشيخه أيضًا : كثير بن سليم مضعف ووصف بأنه منكر الحديث وبأنه واهي وبأنه متروك الحديث ؛ فانظر كيف تخفف ابن ماجه في هذه الأحاديث الخمسة التي هي الثلاثيات الوحيدة عنده خمسة أحاديث من أجل العلو من أجل أن يكون عنده أحاديث يرويها ثلاثية , وقد جمع الدكتور سعدي الهاشمي الإحصائية التي ذكرناها لكم آنفًا الرواة الذين تكلم فيهم أبو رزعة وأخرج لهم ابن ماجه في كتابه ونشر هذه المقالة في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فبلغ مجموع من انفرد ابن ماجه بالإخراج لهم وتكلم فيهم أبو زرعه مائة وخمسة وعشرين راوي والذين شارك ابن ماجة بالإخراج لهم أصحاب الأصول الخمسة مائة واثنان وسبعين راوي ويكون المجموع مائتين وسبعة وتسعين راوي .(5/13)
أيضًا هناك رسالة علمية قامت بإحصائية للمتروكين – انتبهوا !! المتوركين فقط وليس كل الضعفاء - فقط الذين أخرج لهم ابن ماجه صاحب هذه الرسالة الأستاذ عبد الله مراد علي ، وعنوان الرسالة " المتروكون الذين تفرد بهم ابن ماجه " فبلغ عددهم مائة وأربعة رواة وعدد رواياتهم ستة وسبعين ومائة رواية على حسب جهد المؤلف عبد الله مراد يقول أن ثماني وسبعين منها لها طرق أخرى صحيحة أو حسنة من المرويات واثنين وعشرين ضعيفة وستة وسبعين منكرة ، شديدة الضعف أي ثمانية وتسعين رواية ضعيفة من رواية المتروكين الذين تفرد بالإخراج لهم ابن ماجه المقصود أن تعرف أن هناك مائة وأربعة من الرواة متروكين في سنن ابن ماجه وهذا يدل على أن ابن ماجه فعلًا أيضًا لم يكن ينتقي انتقاءً كبيرًا في كتابه السنن لم يكن ينتقي الرجال كما أنه لم يكن ينتقي الأحاديث .
مكانة سنن ابن ماجه في كتب السنة :
من المعلوم أن سنن ابن ماجه هو الكتاب السادس من الأمهات الست وأول من عده في الأمهات الست هو الإمام محمد بن طاهر المقدسي المتوفى سنة 507هـ , وتبعه على ذلك ابن عساكر عليه رحمة الله المتوفى سنة 571هـ ؛ فعمل ابن عساكر أطرافًا للكتب السنن الأربعة وأضاف إلى سنن أبو داود والترمذي والنسائي أضاف إليها سنن ابن ماجه ؛ فكأنه أيضًا يؤكد إلى أن كتاب ابن ماجه يستحق أن يعاد أنه من الأصول الأربعة التي تضاف إلى الكتب السابقة المشهورة .(5/14)
ويقول الرافعي في كتابه " التدوين " عن كتاب ابن ماجه : " ويقرن سننه بالصحيحين وسنن أبي داود والنسائي وجامع الترمذي " أيضًا يؤكد الرافعي وهو متوفى سنة 623هـ , وضم رجاله إلى رجال الكتب الخمسة جمع رجاله وأضافها إلى رجال الكتب الخمسة المشهورة عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في كتابه " الكمال في معرفة الرجال " وتبعه على ذلك أصحاب الذيول على هذه الكتاب مثل " تهذيب الكمال " للإمام المزي " , ومثل " تهذيب التهذيب " ذيول الكتب التي خدمت الكتب الستة وهي مشهورة ومعروفة , وهو أيضًا أدخلها في الكتب الستة الإمام المزي في كتابه العظيم المشهور " تحفة الأشراف " , وقد خولف بعض هؤلاء العلماء في هد كتاب ابن ماجه أصلًا سادسًا من أصول أو من أمهات كتب السنة فعند رزين بن معاوية العبدري المتوفى 525هـ موطأ مالك بدل من سنن ابن ماجه في كتابه " التجريد للصحاح والسنن " وتبعه على ذلك مجد الدين ابن الأثير في كتابه " جامع الأصول " أيضًا بم يذكر ابن ماجه لم يعتبره من الكتب الستة الأصول , وإنما اعتبر الكتاب السادس الموطأ لمالك بينما يرى الإمام مغلطاي بن فليج والعلائي أن الكتاب السادس الذي يستحق أن يكون سادسًا كتاب الدارمي " السنن " بدل ابن ماجه يكون سنن الدارمي , ومجد الدين ابن تيمية في كتابه " المنتقى " أضاف إلى الكتب الستة مع سنن ابن ماجه أضاف مسند الإمام أحمد إلا أنه أن لمسند الإمام أحمد عنده مزيه خاصة عند مصطلح أنه إذا قال متفق عليه فأنه يريد أيش وأحمد ، مجد الدين خص في كتاب " المنتقى " الذي يشرحه الشوكاني في " نيل الأوطار " إذا قال متفق عليه فيقصد أخرجه " البخاري ومسلم وأحمد " يبين أن الإمام أحمد وإخراجه للحديث عنده مزية خاصة ؛ فكأنه أيضًا يجعل مسند الإمام أحمد يزاحم سنن ابن ماجه وغيره من الكتب ؛ فكأنه فيه ثلاثة أقوال الموطأ الدارمي أحمد أيها الأحق أن يكون السادس لهذا نستطيع أن نقول خلاصة من هذه الأقوال(5/15)
كلها أن هذه الكتب التي هي الكتب الستة صحيح البخاري ومسلم والسنن الأربعة سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مضاف إليها موطأ مالك وسنن الدارمي ومسند أحمد هي فعلًا أمهات السنة هذه الكتب التسعة والتي اصطلحت مؤخرًا الآن في الوسائل الجامعية وكذا كثيرًا ما مثلًا يقال الكتب التسعة تظن بالكتب التسعة هي هذه الكتب .
فهو اصطلاح جديد لكنه مبني فعلًا على كلام أهل العلم في اختيار أصول السنة ؛ فهذه الكتب التسع فعلًا أصول وأمهات كتب السنة .
وقد صرح الحافظ ابن حجر في كتابه " النكت " بالسبب الذي من أجله عد ابن طاهر كتاب سنن ابن ماجه سادسًا ولم يعد غيره من الكتب فقال : " وإنما عدل ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيره جدًا بخلاف ابن ماجه فإن زيادته أضعاف زيادات الموطأ ؛ فأردوا بضم كتاب ابن ماجه إلى الكتب الخمسة تكثير عدد الأحاديث " ؛ فبين هنا صراحة السبب الذي من أجله عدوا ابن ماجه ولم يعدوا الموطأ مع أن كتاب الموطأ بلا خلاف أجل وأصح حديثًا من سنن ابن ماجه السبب في ذلك أن زيادات الموطأ على الكتب الخمسة قليل جدًا زيادة من الأحاديث فإذا أضافوا كتاب الموطأ كأنهم ما يضيفون شيء ما يضيفون إلا عدد قليل من الأحاديث أم إذا أضافوا سنن ابن ماجه فيضيفوا العدد الكبير من الزوائد التي ذكرناها لكم الذي تجاوز الألف وخمسمائة حديث من الزوائد ؛ فمن أجل ذلك عدوا سنن ابن ماجه الكتاب السادس في أمهات أصول السنة .
الكتب التي اعتنت بابن ماجه :
أولًا : الشروح :
أول من قام بشرحه كما نعلم هو المصري مغلطاي بن قليج المتوفى سنة 672هـ واسم كتابه " الإعلام بسنته عليه السلام " وهو مخطوط إلا أن المؤلف توفيَ ولم يكمله لكنه مخطوط في أربع مجلدات مازالت موجودة .(5/16)
شرح سنن ابن ماجه أيضًا ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ ولا نعرف عن شرحه شيء إلا أن السندي صاحب الحاشية على ابن ماجه نقل منها هذا يعني أنها كانت موجودة إلى فترة قصيرة وقريبة جدًا .
أيضًا كتاب " ما تمس منه الحاجة من سنن ابن ماجه " لابن الملقن المتوفى سنة 804هـ شيخ الحافظ ابن حجر له كتاب " ما تمس منه الحاجة من سنن ابن ماجه " يشرح فيه زوائد سنن ابن ماجه .
كتاب " الديباجة في شرح سنن ابن ماجه " لكمال الدين محمد بن موسى الدوميري صاحب " حياة الحيوان " المشهور المتوفى سنة 808هـ .
للسيوطي شرح أيضًا على سنن ابن ماجه وطبع بتعليق يسير وطبع مع الطبعة القديمة جدًا لسنن ابن ماجه طبعة دلهي طبع معها شرح السيوطي بتعليقه وحاشيته على سنن ابن ماجه وسمي كتاب السيوطي بـ " مصباح الزجاجة " ولا أدري هل هذه التسمية صحيحة أم لا .
ومن الذي طبع من شروحه ونكتفي بذكره مع ما سبق هو " حاشية محمد بن عبد الهادي السندي " المشهور بأبي الحسن السندي المتوفى سنة 1138هـ وهو مطبوع مع سنن ابن ماجه في مصر وهو الذي ذكرت لكم أنه كتب على جلدته " سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لابن ماجه " سمي كتاب ابن ماجه بكتاب المصطفى .
ثانيًا : خدمة رجال سنن ابن ماجه :
قام الإمام الذهبي بسرد رجال سنن ابن ماجه الذين لم يخرج لهم البخاري ولا مسلم في كتاب سماه " المجرد في رجال سنن ابن ماجه " وطبع الكتاب طبعتين للإمام الذهبي .
الرسالة التي ذكرنها لكم آنفًا رسالة عبد الله مراد في " المتروكين الذين تفرد في الإخراج لهم ابن ماجه " هذا الكتاب معاصر .
والبحث الذي ذكرناه لكم للدكتور سعد الهاشمي , والذي نشر في مجلة الجامعة الإسلامية في عام 1402هـ .
ثالثًا : زوائد الكتاب :
أخرج زوائد الكتاب ابن الملقن وشرحها كما سبق في كتابه " ما تمس إليه الحاجة " .(5/17)
" مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " وهو للإمام البوصيري المتوفى سنة 840هـ وأيضًا أفرد هذه الزوائد وحكم عليها هذا ميزة هذا الكتاب التالي وهو وللتنبيه هو غير صاحب البردة البوصيري صاحب " مصباح الزجاجة " الإمام ليس صاحب البردة التي تقرأ بردته في كثير من العالم الإسلامي , ونسأل الله عز وجل الهداية للجميع .
حول الكتاب :
فيه أيضًا كتاب طبع بعنوان " ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجه " لأحد علماء الهند وهو محمد عبد الرشيد النعماني . ظاهر هذا العنوان أن الكتاب أنه سيتكلم عن منهج ابن ماجه وعن أشياء ضرورية في ابن ماجه إلا أن الكتاب في الحقيقة خلوًا من كثير من ذلك الكتاب أُلف من أجل قضية معينه تهم الحنفية فقط , وفيه كلام يسير جدًا يعني أهم ما فيه أنه ذكر الأحاديث الموضوعة كما ذكرت لكم آنفًا فقال أنا زدت أربعة أحاديث عن الأحاديث التي ذكرها السيوطي وذكر هذه الأحاديث الأربعة وثلاثين وحاول أن يخرجها تخريجًا ولا يخلو من فائدة لكن الكتاب عنوانه أكبر بكثير من مضمونه .
هذا أخر ما أحببت ذكره اليوم عن كتاب سنن ابن ماجه .
الأسئلة
يقول : ما الفرق بين المنكر والموضوع ؟
الفرق بين المنكر والموضوع هو أن الموضوع ما يغلب على ظن الناقد أنه كذب أو يجزم أنه كذب أما المنكر فيصح أن يوصف الموضوع بالمنكر لكن الموضوع أدق يعني يكون بينهما عمومٌ وخصوص فكل موضوع منكر وليس كل منكر موضوع تعريف المنكر للحافظ ابن حجر المشهور : " هو مخالفة الضعيف لمن هو أولى منه " لكن المنكر أيضًا عند ابن الصلاح وغيره يشمل ما تفرد بروايته ما لا يحتمل التفرد , وقد يوصف أيضًا بالمنكر الحديث وإن كان له متابعات الحديث الذي يخالف ظاهر القرآن أو الأحاديث الثابتة الصحيحة عن البني - صلى الله عليه وسلم - مخالفة حقيقية لا يمكن الجمع بينه وبين غيره من الأحاديث أيضًا يوصف هذا بالمنكر فبين المنكر والموضوع عموم وخصوص .(5/18)
يقول ما الصحيح في عدد حضور الجمعة التي لا تنعقد بهم ؟
أول شيء أنا محدث لست بفقيه إن صح أني محدث لكن الظاهر أن العدد الذي تصح به الجماعة تصح به الجمعة واشتراط الأربعين لم يثبت , وقد ثبت هذا عن الإمام أحمد الذي في مذهبه أنه يشترط الأربعين في مذهبه أيضًا أنه لا يشترط الأربعين في رواية أخرى فالحنابلة ما يجعلون عليهم .
س.ما صحة حديث معناه أن الطواف كالصلاة ولكن الله تعالى أباح به الكلام ؟
ما أذكر الآن نسيت الحقيقة حكم هذا الحديث .
س.ما صحة القوا أن في صحيح مسلم أحاديث ثلاثة ضعيفة ؟
في صحيح مسلم أحاديث منتقدة لكن ضعيفة والله ما فيه , فيه أحاديث منتقدة ذكرها الدارقطني وغيره وهذا يكفيك هذا الجواب المختصر .
س.ما هي مزية سنن الدارمي على غيرها من السنن سوى السنن الخمسة سنن الدار قطني والبيهقي ؟
لا فرق كبير بين سنن الدارمي وسنن الدار قطني والبيهقي أول الشيء الدارمي إمام متقدم من شيوخ الترمذي وقديم علماء أوائل القرن الثالث الهجري يقرن بالإمام أحمد وغيره الأمر الثاني أنه أنظف أسانيد ولا شك بكثير من سنن الدار قطني وسنن البيهقي أمر واحد انتقد على سنن الدارمي أنه يخرج الأحاديث المرسلة ظاهرة الإرسال , ويخرج أيضًا الموقوفات آثار عن الصحابة , وهذا عند المحاققة ليس داخلًا في مصطلح السنن ، فالسنن يحرصون فيها أن يخرجوا فيها الأحاديث المرفوعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إضافة إلى ذلك صغر حجمه أيضًا ليس من الكتب الكبيرة من كتب السنة , وقلنا لكم أن كبر الحجم مع قوة الشرط هذه مزية في صحيح البخاري أحاديث كثيرة والكتاب كبير ولكن كون واحد يألف كتاب صغير يشترط فيه الصحة ما فيه إلا مائة حديث أو مائتين حديث أو ثلاثمائة حديث هذا أمر هين لكن الصعب أن تؤلف كتاب فيه أربعة آلاف حديث وكلها صحيحة .(5/19)
يقول : كيف يكون أن أصحاب السنن لم يشترطوا الصحة في أحاديثهم ورغم ذلك لا يوجد في هذه الكتب من أحاديث ضعيفة أو موضوعة إلا قليل غير المقصود أو يكون نبه عليها صاحب الكتاب ؟
ما أدري أيش وجه استغراب الأخ فالإمام الترمذي نفسه يضعف أحاديث في كتابه وأبو داود يضعف أحاديث في كتابه والنسائي يضعف أحاديث في كتابه وابن ماجه هذا هو كلام الأئمة في كتابه فأيش الغريب يعني في القضية هذا شيء ظاهر ما يحتاج إلى بيان .
يقول : إذا اغتسل مسلم من الجنابة وشك أن الماء قد وصل إلى جميع جسده .
إذا كان شكه لا عن وسوسة فيلزمه أن يعيد الغسل لكن إذا كان شكه من باب الوسوسة المرضية ويتكرر الأمر منه فيحاول أن يغتسل اغتسال كامل ولا يهمه بعد ذلك هذه الشكوك التي تطرأ عليه .
يقول : ما حكم الصلاة في ثياب النوم حيث تكون طاهرة ؟
لا بأس لكن الله عز وجل أمرنا أن نأخذ زينتنا عند كل مسجد { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف: 31] وإذا كان الإنسان إذا أراد أن يقابل أحد الوجهاء من الخلق يعتني بذلك فإذا أراد أن يقبل ربه عز وجل ويدخل بيت من بيوت الله عز ولجل فالأولى له أن يتزين لحضور المسجد ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويكون في هيئة حسنه شرعية هذا هو المندوب .
س.هل يوجد حديث موضوع في أبي داود ؟
نعم ، يوجد أحاديث موضوعة في سنن أبي داود أظن هذا قد تكلم عنه مشايخ قبلي .
س.ما الصحيح في تسمية كتاب الحميدي .
" مسند الحميدي " .هو مسند رتب على أسماء الصحابة
س.ما هو كتاب تنصحًا لحفظه من الكتب التسعة وكل محدثًا فقيه وليس كل فقيه محدث ؟(5/20)
من الكتب التسعة صحيح مسلم صحيح مسلم أسهل حفظًا من صحيح البخاري لأنه يجمع الطرق والأحاديث في مكان واحد أما من كان عنده قدر أوسع على الحفظ صحيح البخاري أجل ولا شك لكن مسلم أيسر حفظًا من صحيح البخاري , أما بالنسبة للشق الثاني وهي أن كل محدثًا فقيه وليس كل فقيه محدث ، هذا فيه نظر كل محدث فقيه لا يا أخي الناس يختلفون في مواهبهم وقدراتهم بعض الناس ما عنده قدرة الاستباط لكن عنده قدرة الحفظ والتمييز وتبيين الصحيح والضعيف لكن تستطيع أن تقول أن أئمة الأحاديث الكبار كلهم فقهاء البخاري مسلم ، فلان ، وفلان ، وفلان ،كلهم فقهاء فعلن كتبهم دالة على ذلك كما رأيتم الآن النسائي وعنايته في الفقه وقوة استنباطه ، البخاري وقوة استنباطه فلان وقوة استنباطه ففعلن غالب كل الحفاظ من أئمة الحديث فقهاء هذا ما فيه كلام لكن كل محدث حتى الرواة الصغار الذين يرون عشرة أحاديث عشرين حديث أو مائة حديث كل محدث لا , وليس كل فقيه محدث صحيح بكن العبارة تنطبق ليس كل محدثًا فقيه وليس كل فقيه محدث على الوجهين .
س.هل السندي الشارح للنسائي هو السندي الشارح لابن ماجه ؟
نعم . للسندي هذا حواشي على الكتب الستة .
س.هناك من العلماء من يفرق بين طريقة المتقدمين والمتأخرين في الجرح والتعديل ، ما صحة هذا التفريق وما رأيي ؟
جوالله في فرق بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين إن صح التعبير والسبب في ذلك نقصان العلم الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - , وهذا أمر واضح على كل حال لكن نود أن يكون هناك ضوابط عند طالب العلم ليعرف بها الفروق التي بين المتقدمين والمتأخرين فإذا سمع عن ذلك أن أقوال المتأخرين كلها مردودة وليس معنى ذلك أن أقوال المتقدمين كلها مقبولة يحتاج إلى دقة ونظر وتريث وعدم تعجل في هذا الباب واحترام العلماء ولا شك
س. طالب علم الفقه ما هي الكتب الحديثية التي تعين أهل الفقه وتنصحونه بقراءتها ؟(5/21)
أنا أنصحه بقراءة صحيح البخاري بشروحه مثل فتح الباري فيه أكبر إعانة على العلم الذي هو فيه , وكتب الأحكام الخاصة المتأخرة مثل عمدة الأحكام وشروحه مثل بلوغ المرام التي اعتنت بجمع أحاديث الأحكام هذا جيد .
س.ما هي الكتب التي تنصحون طالب علم الحديث بقراءتها في المصطلح أو في الرجال ؟
كثيرة جدًا وهذا يختلف من شخص إلى شخص على حسب مستواه العلمي ينصح مثل هذا أن يسأل سؤال شخصي حتى نستطيع أن نجيبه بعد ما نعرف مستواه أيش قراء من الكتب قبل .
س.هل قصص الصحابة لها سند وكيف يُعْرَف أن هذه القصة عن الصحابة تصح أم لا ؟
نعم . أئمة السنة يرون بالسند يعني مثلًا كتاب " الطبقات " لابن سعد مليء بالقصص المروية بالإسناد كتب معرفة الصحابة القديمة ابن مثل "معجم الطبراني الكبير " والتي ذكرنها لكم قبل هذا أكثر من مرة " معرفة الصحابة " لأبي نُعَيِم كتب كثيرة جدًا تروي بالإسناد حوادث الصحابة وقصصهم فيمكن من خلال هذا الإسناد التثبت من الصحة ، و" مستدرك الحاكم " فيه كتاب معرفة الصحابة ينقل أيضًا بالأسانيد كثيرًا ويحكم .
س. بماذا توصي طالب العلم أن يقتني من كتب السنة وشروحها بشكل موسع ؟
الكتب التسعة وما ورد من شروحها , ويكون سخي في شراء الكتب .
س.هل كتاب صحيح ابن حبان صحيح كله ؟
ج : صحيح كله عند مصنفه مثل كل كتب الصحيح ما في كتاب من كتب الصحيح سلم لمؤلفه حتى البخاري انتقد فيه بعض الأحاديث حتى مسلم ؛ فهو صحيح كله عند المصنف .
س. يقول هل جمع كتاب اللؤلؤ والمرجان كل ما اتفق عليه الشيخان ؟
ما حققت مقارنة , ولا أرجع لهذا الكتاب إلا قليلًا لأن الأصل عندي البخاري ومسلم فما قارنت بين الأحاديث التي يتفق عليها الشيخان وهذا الكتاب إلا أنه يضم نستطيع أن نقول مبدئيًا جل ما اتفق عليه الشيخان .
س.ما هو الحديث المدبج ؟(5/22)
ج : مثل تدبيجك أنت لهذه الورقة . الحديث المدبج هو رواية القرين عن قرينة , ورواية ذات القرين عن قرينه أيضًا يعني مثلًا رواية مالك عن الأوزاعي ، الأوزاعي عن الأوزاعي هذا هو الحديث المدبج
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد .
والله أعلم .(5/23)