أحمد علي آل مريع
جمع
السُّنة النبويَّة
في كتاب واحد
المشروع والتَّصور
ح ... أحمد علي أحمد آل مريع، 1426هـ
... فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
آل مريع، أحمد علي
جمع السنة النبوية في كتاب واحد – المشروع والتصور. /
أحمد علي آل مريع. – الرياض، 1426هـ
86 ص؛ 14×21سم
ردمك: 3 – 767 – 47 – 9960
1 – السنة النبوية ... ... 2 – الحديث
أ. العنوان
ديوي 239 ... ... ... 2074/1426
رقم الإيداع: 2074/1426
ردمك: 3 – 767 – 47 – 9960
حقوق الفكرة والمشروع والطباعة والنشر
محفوظة للمؤلف
1426هـ/2005م
z
قائمة المحتويات
آيات كريمة ... 7
من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 9
من أقوال السلف ... 11
مقولات.. وشهادات.. ... 13
أولاً: كلمة لابد منها ... 19
ثانياً: المشروع ... 27
أ. البعد التاريخي ... 29
ب. تطلع الأمة إلى جمع السنة في مصنف واحد ... 31
ج. ضرورة العمل على جمع السنة في مصنف واحد ... 33
د. الدوافع والأهداف ... 36
ثالثاً: تصور مبدئي لإنجاز المشروع ... 41
أ. مجمع / مركز خدمة السنة النبوية ... 43
ب. العاملون ... 44
ج. العمل ... 45
1. المرحلة الأولى: (الجمع والاستقراء) ... 45
2. المرحلة الثانية: (الحكم على الأحاديث) ... 46
3. المرحلة الثالثة: (التصنيف والتدوين) ... 46
4. المرحلة الرابعة: (الإصدار والنشر) ... 50
5. المرحلة الخامسة: (التوثيق والمحاكمة) ... 52
6. المرحلة السادسة: (الإفادة من الحواسب والبرمجيات) ... 53
رابعاً: تعقيب وتعليق ... 55
– المحدّثون والحديث.. لمحات تاريخية ... 57
الدكتور يحيى البكري
آيات كريمة
قال تعالى:(1/1)
? } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنهم -( - - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - مقدمة ( - ( - (((((?
[آل عمران: 132].
وقال تعالى:
? - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله } تمت ( - - ( ( - ((((- رضي الله عنه - - (- عليه السلام - - - - - (( - ((( - ( ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت ( { ( - ((- جل جلاله -( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ((((?
[النساء: 59]
وقال تعالى:
? صدق الله العظيم } تم بحمد الله ((((( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - ( - - { - ( - رضي الله عنه -( - - (- صلى الله عليه وسلم - - { - - - ?
[النساء: 80](1/2)
وقال تعالى:
?( تمهيد (- عليه السلام - - ( } - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - ( - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - رضي الله عنه - - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه -(( } (- رضي الله عنه - - ( - ( - ( } - } - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - ( - - ( الله أكبر ( المحتويات ( - ( - - - ( { ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - { - - (- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ((((?
[النحل: 44]
وقال تعالى:
?( - - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ((( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ((( - ( { - عليه السلام - - ( - (( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ((( - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((((?
[النور: 63]
وقال تعالى:(1/3)
? - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - - ( { ( - ( - - ( - - - ((( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - ( - - عليه السلام - - - - ( - ( - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- رضي الله عنه - - { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - { - ( } - - ( الله - ( فهرس - - ( - - جل جلاله - - - ( - - تم بحمد الله ((((?
[الأحزاب: 36]
وقال جل جلاله:
? - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - - - عليه السلام -( ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - { - - رضي الله عنه - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - } - قرآن كريم ( { } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - } } تمت ( { { - - - ( - - ( - - { ( - - - { ((( - - - (((?
[الحشر: 7]
من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(1/4)
« ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانًا على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه..».
(حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند: 4/130)
وفي رواية قال:
« يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يُحدَّث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرم الله ».
(حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند: 4/132)
وفي رواية قال:
« لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ».
(حديث صحيح أخرجه أبو داود في سننه (4/200) والترمذي في جامعه: 5/37)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».
(حديث صحيح أخرجه أبو داود في سننه:1/200)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
« يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله وسنة نبيه ».
(أخرجه الحاكم في المستدرك: 1/171)
من أقوال السلف
عن محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال:
(كان جبريل ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن).
(رواه الدارمي في المسند: 1: 117/ برقم 594)
وعن الأوزاعي، قال: قال أيوب السختياني:
(إذا حدّثتَ الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا وحدّثنا بالقرآن، فاعلم أنه ضالٌّ مُضّلٌّ).
(رواه الخطيب في الكفاية: ص48).
وقال الأوزاعي، ومكحول، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم:(1/5)
(القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب، والسنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب قاضيًا على السنة).
(رواه الدارمي في مسنده (1: 117/ برقم 593).
مقولاتٌ..
وشهاداتٌ..
(1)
«... ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلاً، لو أراد الله تعالى ذلك، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر مَن بَعْدَهُ ما اطلع عليه مما فاته... فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد، ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن...».
... الحافظ ابن حجر العسقلاني
(2)
«...لهذا كنّا في حاجة إلى موسوعة عصرية تقوم بجهود جماعية، يشترك فيها أهل الاختصاص والخبرة في العالم الإسلامي بالرأي والمشورة، إذا لم يسعفهم الاشتراك بالعمل والجهد، ويُستخدَم فيها ما وصل إليه عصرنا من إمكانات علمية وعملية، لتحقيق أهداف: علمية، وتربوية، وتشريعية، ودعوية، تحتاج إليها أمتنا الكبرى، بل تحتاج إليها البشرية – على تعدد أديانها وأجناسها ولغاتها – لتوازن بين ما كسبته من نتاج العلم، وما تتطلع إليه من رحيق الإيمان.. »
أ. د. يوسف القرضاوي
عميد كلية الشريعة
مدير مركز بحوث السّنة والسيرة
جامعة قطر
(3)
«... إذا كانت الحاجة فيما مضى إلى موسوعة للحديث النبوي أملاً، فقد أصبحت في الوقت الحاضر عملاً واجبًا...».
أ. د. عبد الملك بن بكر قاضي
رئيس قسم الدراسات الإسلامية
جامعة الملك فهد – الظهران
(4)
«.. إنَّ الحاجة إلى الأعمال الموسوعية تتناسب طرديًّا مع اتساع دائرة العلم وتنوع مجالاته.. »
أ. د. همام عبد الرحيم سعيد
جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية
عمّان – الأردن
(5)
«... من أهمّ متطلبات هذا العصر أن لا تبقى معرفة الحديث النبوي امتيازًا لنخبة من العلماء فحسب، بل يجب
أن تصبح في حوزة الجماهير الواسعة من المسلمين في جميع ديارهم.. »
د. محمد نوري عثمانوف
ود. سعيد كميلوف
من المعنيين بالسنة النبوية
المراكز الإسلامية – روسيا
(6)(1/6)
«... إنَّ اتجاه إحدى المشروعات المعاصرة إلى تصنيف الأحاديث طبقًا للعلوم الحديثة: خطوةٌ على طريق تقريب السنة من المتخصصين في هذه العلوم. وإنَّ بناء الأدوات اللازمة لهذا التصنيف، ومنها قوائم رؤوس الموضوعات والمكَانِز لهي خطوة ثانية على الطريق.. »
الباحث محيي الدين عطية
دار البحوث العلمية – الكويت
(7)
«... إن أوليات العمل العملاق في سنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته هو: نظام الموسوعات الضخمة، القائم على أيسر وأبسط الوسائل، التي تحقق النفع العظيم بالجهد اليسير.
إن حشد الطاقات، ورصد الإمكانات، ودقة التخطيط، ورصد الأهداف بدقة له عظيم الفائدة والأثر في قطع خطوات هائلة على الطريق... »
د. عبدالغفار البنداري
(8)
«... بالنظر إلى ضخامة هذه الموسوعة وما يحتاج إليه بناؤها من خبرات علمية متعددة؛ فإنه يتحتم قيامها على جهد جماعي إسلامي على المستويين العربي والدّولي، إذ لا يمكن لعالم واحدٍ مهما أوتي من سعة العلم والعمر والطاقة الحيوية، أن يبني هذه الموسوعة منفردًا بها، فالجهد الجماعي الذي تتكاثف فيه الخبرات والتخصصات المختلفة في ميادين العلوم الشرعية وغيرها، كفيل بأن يُعجِّل ببناء الموسوعة وإخراجها على الوجه الأكمل اللائق بها. ومثل هذا الجهد كفيل كذلك بتوفير الثقة التامة لهذه الموسوعة بين طوائف علماء المسلمين كافة.. »
د. عبد القادر المصري
مؤسسة اقرأ – القاهرة
(9)
«... إني أشدُّ بكلتا يديَّ على يد صاحب فكرة هذا المشروع، وأرى أنه من الضروري المبادرة بهذا العمل، وفق خطته المرسومة. التي تدل على معرفة وتصور بما قد يعتور هذا المشروع من عقبات، ومع هذا فهو يحاول جاهدًا الترويج لمشروعه هذا ونشره، فلعله يجد معينًا في وقت قلَّ فيه المعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والله من وراء القصد. والحمد لله أولا وآخرً.. »
د. يحيى البكري
رئيس قسم الدراسات الإسلامية
كلية المعلمين – أبها
(10)(1/7)
«... أشهد لله أن ما كتبه الكاتب جديرٌ بالعناية والاهتمام لاسيما وأنه يدل على مشاعر فياضة، وغيرةٍ صادقة على أحد مصادر ديننا الإسلامي الحنيف المُتمثل في السنَّة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، والتي تُعد المنهج التفصيلي لحياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم والأمة المسلمة في كل زمانٍ ومكان.
وإذا كان هناك من يرى أن في بلادنا الكثير من الجهات الرسمية المؤهلة لخدمة هذا المشروع وتحقيقه؛ إلا أن تخصيص جهةٍ معينةٍ ومُستقلةٍ ومباشرةٍ لهذا الغرض يُعد أكبر نفعاً وأكثر جدية؛ لاسيما وأن هذا المشروع يحتاج إلى هيئةٍ علميةٍ متخصصةٍ ومُتكاملة، وإمكاناتٍ تقنيةٍ وطباعيةٍ متطورة، وجهودٍ علميةٍ مُستمرةٍ ومضاعفة، ونحو ذلك من الإمكانات المادية والمعنوية المختلفة التي لا يمكن أن يتحقق المطلوب بدونها..»
د. صالح أبو عرَّاد الشهري
أستاذ التربية الإسلامية
ومدير مركز البحوث التربوية
في كلية المعلمين – بأبها
أولاً:
كلمة لا بدَّ منها
الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(1/8)
في عام 1414هـ عملت على تحقيق رسالة تراثية، كنت وقتها معيدًا بكلية المعلمين في أبها، وأثناء اشتغالي بها التمعت في ذهني فكرة جمع السنة النبوية في مصنَّف واحد، بحيث تكون في متناول عامة القراء والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وأخذت أتحدث بهذه الفكرة، وأُحمّس لها في كل مجلس يجمعني بطلبة العلم؛ لاسيما المختصين منهم بالحديث الشريف؛ ولكني لم أجد في من عرضت عليهم الفكرة من ينهض للكتابة عن الموضوع، فقررت الكتابة عنه ووضعتُ تصوّرًا نظريًّا له؛ فتحوَّلت الفكرة بذلك إلى مشروع، تحددت طبيعة العمل فيه، ومراحله، ونوعية العاملين فيه، ونشرته بجريدة المدينة المنورة منتصف المحرَّم من عام 1419هـ(1). فكانت أصداؤه طيبة ومشجِّعة، ولكنها أقلَّ مما أمَّلتُ؛ فكاتبت بعض أصحاب السمو الملكي الأمراء، منهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – فجاءتني بعدَ مُدّة يسيرة مكالمة على هاتف كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى(2) من بعض العاملين بمكتب سموه – رحمه الله – في رعاية الشباب؛ ولمَّا لم أكن وقتها موجوداً بالكلية؛ فقد ترك رسالة حملها لي أحد الزُّملاء؛ تفيد بضرورة الاتصال بالرئاسة على رقم تركه لي، أظنه لمكتب سمو الأمير – رحمه الله – وحين اتصلت بالهاتف أفادني أحد الموظفين باطلاع سمو الأمير على الاقتراح، وإعجابه الكبير به، وبلَّغني أن الأمير قد استشار فيه صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – فأثنى على الفكرة، وذكر أنه يستحثني على المضي بالعمل فيه. وقد أرسلت عقب ذلك رسالة للأمير شكرته فيها على حسن ظنه واهتمامه،
__________
(1) جريدة المدينة المنورة – الصفحة الإسلامية، العدد 12806، الثلاثاء: 16 محرم 1419هـ – 12 مايو 1998م، ص 16. ثم نشرته مرة ثانية في الحولية المحكمة لكلية المعلمين في أبها، العدد 6، سنة 1425هـ، ص 201–211.
(2) كنت وقتها باحثًا في مرحلة الماجستير بجامعة أم القرى.(1/9)
وأكدت فيها صعوبة أن يقوم بهذا العمل فرد واحد، وأشرت فيها إلى أن همة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد – رحمه الله – وإخوته الميامين؛ وأبناء هذا البلد الكريم من العلماء والوجهاء والأثرياء؛ هي الأقدر على تحقيق هذا المشروع / الأمل بعون الله تعالى، وأكَّدت أنَّ المشروع بحسب قناعتي لن ينجح ويكتب له التمام إلا بقرار يتبنى فكرته، وبعمل مؤسسي لا فردي.
- - -
وقد أتاحت لي السنوات السبع الماضية التي أعقبت نشر المقترح: مشروعًا وتصورًا، فرصة جيدةً للوقوف على فكرة جمع السنة النبوية في مصنَّفٍ واحد على امتداد التاريخ الإسلامي، ولمتابعة بعض الأعمال التي تبنت فكرة الموسوعة الحديثية في هذا العصر؛ فوجدتها أعمالاً جيدة مقدَّرة، ولكنها تقصر كثيرًا عمَّا يمكن أن يوفره لها العمل المؤسسي المنضبط من الدّقة والجودة والاستقصاء. فهي على الرغم من نبل مقاصدها، وما بُذِل فيها من جهد؛ تعاني من الازدواجية، والتكرار، والاضطراب، والخلل المنهجي، والقصور عن تحقيق هدفي: الاستيعاب والشمول، كما أنها لم تتبنَّ في منهجها: مسألة الحكم على النصوص سندًا ومتنًا؛ ولو بصفتها مرحلة تاليةً. إلا ما كان من جهود مؤسسة الرسالة في موسوعتها الحديثية؛ مع أن جلَّ جهد هذه الموسوعة منصب على تحقيق كتب السنة المشهورة، التي لم تنل من العناية العلمية ما تستحقه، أو التي لم تُحَقّق من قبل، والحكم على أسانيدها صحةً أو ضعفًا.
ولهذا تأكد لي مجددًا ضرورة أن يشرف على المشروع الإسلامي الكبير: هيئة علمية، أو مؤسسة مقتدرة؛ لأن إمكانات الأفراد ولو دفعتهم همَّة كبرى عاجزة عنه قاصرة دونه؛ لما يحتاج إليه المشروع من جهد مضنٍ، وتنقيب دقيق، واستيعاب وشمول، وتفرُّغ بالكلِّية، وتمويل سخيٍّ إلى ما بعد الطباعة والنشر... إلخ، وكل ذلك لا يقوم به إلا العمل المؤسسي الجاد، وهذا – قطعًا – لا يتنافى مع همم الأفذاذ من الأفراد؛ فهم بالضرورة نواة كل عمل مؤسسي ناجح.(1/10)
- - -
وفي هذا الكتاب أعيد – دون تغيير جوهريٍّ – طرح الموضوع (فكرة، مشروعاً، تصورًا) للهدف نفسه، وهو جمع هذه السُّنة العظيمة في مصنَّفٍ واحد؛ لتكون مع القرآن الكريم المصدر الأول من مصادر الشريعة في متناول أيدي المسلمين جميعًا: عامتهم وخاصتهم؛ بطريقة صحيحة ميسرة؛ دون تغيير يذكر في طبيعة المشروع أو صفته أو تصوره.
وتتأكد الدعوة إلى مثل هذا العمل الجليل بصفته: خدمةً للسنة النبوية، وعودةً إلى التلقي المباشر عن مصادر التشريع الأصلية، وجامعًا وموحِّدًا، ونابذًا للفرقة والاختلاف حول النصوص؛ في وقت أخذت فيه دعوات مشبوهة تُطلّ برأسها لتجذير الفرقة بين المسلمين على أساس من اختلاف النظر للسنة النبوية ثبوتًا وحُجيّةً.
إنَّ وجود نسخة كاملة شاملة لأحاديث النبي الكريم بين يدي العلماء والفقهاء، والمجامع الفقهية، مرتبة على الموضوعات، ييسر استقراء النصوص الشرعية، ويُعين على الوصول إلى تصوّر صحيح، وحكم صائب، ويُقلِّص مساحة الاختلاف المعيب القائم على ضعف استقراء النصوص بين الفقهاء، ويُفعِّل الاجتهاد القائم على الدِّراية والنظر والاستنباط، كما أنه يُعزز مفهوم وتجليات الهوية الصحيحة للأمة المسلمة في مواجهة التحديات المعاصرة، ويذلل للباحثين في العلوم الإنسانية والعلمية ما يعترض سبيلهم من صعوبات وعقبات، تقف دون استلهام الهدي النبوي الشريف في بحوثهم ودراساتهم الإنسانية والعلمية.
- - -
أخيرًا:
أدعو كل مسلم: عالمٍ عاملٍ، أو موسرٍ مقتدرٍ، أو صاحبِ قرارٍ، أو ذي وجاهةٍ، إلى الإسهام في إنجاز هذا (المشروع/الأمل) ودعمه، وألاّ يفوّت الفرصة المواتية في جمع ميراث النبوة، وأن يحتسب الأجر: نيةً، وقولاً، وعملاً، ونفقةً، عند الله تعالى.(1/11)
وهل هناك عمل هو أجلُّ بعد جمع الكتاب الكريم من جمع سُنَّة المبلِّغ عن ربِّه - صلى الله عليه وسلم - إنه لفخر وأيُّ فخر!! وإنه لذكر حسن في الدنيا والآخرة، وأيّ ذكر!! لمن وفقه الله وأعانه فمدَّ يديه محتسباً؛ ليسطِّر لهذه الملايين من المسلمين المتعطشة سطراً نورانياً جديداً؛ ينسجه من بين أمانيهم وآمالهم واقعاً، ويكتبه بمداد من الهدى والرَّشاد، ويضيفه عملاً خالداً إلى سجل المآثر الخالدة في خدمة الإسلام والمسلمين؛ فيكون له – بإذن الله – شرف جمع السنة النبوية الشريفة في خلف هذه الأمة، على منهج صحيح منضبط، واضح ميسر، كما كان لأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه شرف جمع القرآن الكريم في سلفها.
رحم الله الخليفة: أبا بكر الصديق فقد قدَّم للأمة عملاً جليلاً حين جمع القرآن الكريم بين دفتي مصحف واحد. فهل يأتي على المسلمين يوم وقد جمعت فيه السنة النبوية المطهرة بين دفتي كتاب واحد؟! هذا ما نُؤمّله ونرجوه، ونسأل الله – تعالى – أن يكون قريباً، وما ذلك على الله بعزيز..
وكتبه:
أحمد علي آل مريع
1 / رمضان/ 1425هـ
السعودية- أبها
ص. ب 2036
aaljooni@hotmail.com
ثانياً:
المشروع
أ. البعد التاريخي:
جمع خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – القرآن الكريم من العُسْب والرقاع، وصدور الحفظة المشهود لهم بالإتقان، من مثل أبيّ بن كعب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وطلحة، وحذيفة، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي موسى الأشعري. وذلك حين أشار عليه وزيره وعضده في خلافته عمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع، لّما استحرّ القتل بالقراء في يوم اليمامة.(1/12)
ولكن بقيت سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تُروى (على العموم) مشافهة في دقة وتثبت وتمحيص شديد، إلا ما كان من بعض مُدوناتٍ خاصّة، لفترة من الزمن حتى أذن الله بالشروع في تدوينها(1)؛ لما كثر ابتداع الناس، وظهر الوضَّاعون، وانتشرت الفرق كـ: الخوارج، والروافض، ومنكري القدر..
وأول من جمع ذلك بعد مَنْ كتبَ مِنَ الصحابة رضوان الله عليهم – كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني – الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما. وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، حيث صنف الإمام مالك "الموطأ" وتوخى فيه القوي من أحاديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم. وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمرو بن الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وذلك على رأس المائتين (200 هـ) فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندًا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسنداً، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم...
وما زالت جهود المحدِّثين تتوالى إلى يوم الناس هذا، جمعاً وتأليفاً وشرحاً وتصحيحاً وتعليلاً قربة إلى الله، وخدمة للمصدر التشريعي الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية.
- - -
__________
(1) المقصود هنا: تدوينها على مستوى عموم الأمّة، ومن المعروف أن تدوين السنّة على الإجمال مرّ بمرحلتين عامتين: مرحلة التدوين الشخصي/ الفردي، ومرحلة التدوين الرسمي للدولة/ العام، وقد قسّمهما بعض المعنيين إلى مراحل جزئية، وللاطلاع على شيء من ذلك يُرجى مراجعة ما كتبه د.يحيى البكري في مداخلته العلمية والتأريخية القيِّمة على هذا المشروع في آخر الكتاب.(1/13)
ب. تطلّع الأمة إلى جمع السنة في مصنَّفٍ واحد:
من الملاحظ أن أحداً من الُمحَدِّثين قديمًا وحديثًا لم يوفق إلى الإحاطة بجميع السنة النبوية في مصنَّفٍ واحدٍ، أو مُدَوَّنٍ جامعٍ شاملٍ لأحاديث المصطفى الكريم، بحيث يستوعب جميع ما روته كتب السنة والحديث ولا يغادر منها شيئاً..
صحيح أن التاريخ احتفظ لنا بجهودٍ متفاوتةٍ زماناً وتنظيماً واستيعاباً تَطلَّعت إلى تحقيق ذلك الأمل الكبير، وحيازة شرف العمل به والنسبة إليه، مثل: "التجريد للصحاح الستة" لرزين السرقسطي (ت535هـ)، و"جامع الأصول في أحاديث الرسول" لابن الأثير (ت606هـ)، و"جامع المسانيد والسنن" للعلامة ابن كثير (ت774هـ)، و"جمع الجوامع أو الجامع الكبير" للسيوطي (ت911هـ)، و"كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال" للمتقي الهندي (ت975هـ)، و"الجامع الأزهر في أحاديث النبي الأنور" للعلامة عبد الرءوف المناوي (ت1031هـ)، و"الفتح الكبير" للنبهاني (ت1350هـ)، وغيرها من الاجتهادات المستمرة إلى يومنا هذا؛ مثل: جهود الشيخ الألباني، ود.محمد مصطفى الأعظمي، ود.عبد الملك بن بكر قاضي، ود.همام عبد الرحيم سعيد، ود.عبد العظيم الديب، ود.محمود الميرة، ومشاريع أخرى أرادت أن تنهض لجمع السنة النبوية، مثل: مشروع مركز الكمبيوتر الإسلامي في لندن ببريطانيا، ومشروع (أنوما ستيكون آرابيكوم) للتراث العربي في باريس بفرنسا، ومشروع سلسبيل لخدمة السنة والسيرة النبوية، ومشروع السنة (موسوعة الحديث الشريف – شبكة إحسان)، وجهود مركز بحوث السنة والسيرة في دولة قطر، التي يقوم عليها العلامة يوسف القرضاوي، ومركز معلومات السنة النبوية بالقاهرة، إضافة إلى جهودٍ عديدة أخرى تبنتها بعض الجامعات والمراكز العلمية على امتداد العالم العربي والإسلامي، منها: الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
- - -
ج. ضرورة العمل على جمع السّنة في مصنَّفٍ واحد:(1/14)
... هذه المحاولات المذكورة وغيرها من المحاولات الموسوعية: التراثية، والمعاصرة مجموعة، أو منعزلة، لم تستوعب سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يدّع أصحابها ذلك، وهي جميعاً – على جليل مكانتها، ونبل غايتها، وعظم ما بذل فيها من جهد – ظلت:
إما في نطاق المحاولات الفردية التي اعتورها ما يعتور مجهود الأفراد من القصور، وضعف التنظيم، والعجز عن الاستيعاب والشمول و الإحاطة.
أو في نطاق النشاط المؤسسي الضعيف، الذي تعوزه الخبرة، والمصداقية، ويفتقر إلى الخطة الفاعلة، وإلى المنهج الدقيق، والدّعم المادي، والعمل الدؤوب، والإنتاج الفعلي.
كما أنها في عمومها؛ بصفتها أعمالاً معزولة عن بعضها، تعاني كثيرًا من الخلل في المنهج، والازدواج، والاضطراب، والتكرار.
* * *
واليوم وقد ظهرت مصادر رواية الحديث، وانتشرت بين الناس، وتوافر لنا من الوسائل العلمية والتقنية المعينة على الفهرسة والجمع والتصنيف ما يجعل تحقق ذلك الأمل الإسلامي الكبير ممكناً على الرغم من الصعوبات التي تعترض طريقه، فإن الحاجة إلى جمع السنة النبوية في مُصنفٍ واحدٍ، باتت أمراً ملحاً وضرورياً تفرضه طبيعة العصر العلمية، والتحدِّيات الحضارية التي يواجهها المسلمون في العصر الحديث، كما تفرضه حاجات المسلمين عامة وخاصة إلى أن تحوي منازلهم ومدارسهم وجامعاتهم ومكتباتهم نسخاً تامةً جامعة للسنة النبوية، كما يحتفظون فيها بنسخة مطهرة من القرآن الكريم.
قال المحدِّث الدكتور عبد الملك بن بكر قاضي: «إذا كانت الحاجة فيما مضى إلى موسوعة للحديث النبوي أملاً، فقد أصبحت في الوقت الحاضر عملاً واجبًا...» (كتاب الحج والعمرة ص 15).
وجاءت في توصيات المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية، المنعقد بالدوحة في قطر، في محرم سنة 1400هـ المطالبةُ بـ: العمل على إنشاء مركز لدراسات السيرة والسنة النبوية، وإخراج موسوعة للحديث النبوي..(1/15)
غير أن ذلك المشروع لم يتحقق فعليًا على أرض الواقع؛ مما يؤيد ما ذكرناه بشأن ازدياد الحاجة إليه.
وذلك الأمل: عمل ضخم لا يستطيعه فرد أو أفراد – كما أشرنا – بل لابد من قرارِ دولةٍ، ورعايةٍ رسميةٍ، وخطةٍ تنظيميةٍ فاعلةٍ، ولابد من قيام جهةٍ مسئولة موثوق بها، تعمل على: جمع السّنة النبوية المطهَّرة، وتصنيفها، وتبويبها، وطباعتها، ونشرها، بين المسلمين؛ لتعمَّ الفائدة من المشروع.
* * *
إن المشروع يستلزم تشجيعًا ورعايةً خاصةً من ولاة الأمر، وأهل الحل والعقد؛ والرجوع إلى التاريخ الإسلامي يُقرر أن الثمار المباركة التي نجنيها اليوم في جانب السنة النبوية المطهرة، وغيرها من المعارف التراثية الأصيلة، كان ثمرة من ثمار التعاون بين الخلفاء والأمراء والعلماء. فأبو نعيم يذكر في الحلية: أنَّ هشام بن عبد الملك كان يُكره العلماء على كتابة السّنة وجمعها، وأن عمر بن عبد العزيز وجَّه أبا بكر بن حزم إلى كتابة السّنة، وأمر بذلك أيضًا ابن شهاب الزهري، وأمر محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة بكتابة حديث عَمْرَة بنت عبد الرحمن الأنصارية؛ تلميذة السيدة عائشة رضي الله عنها، وكلَّف الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الإمامَ مالكًا بتصنيف الموطأ...إلخ.
- - -
د. الدوافع والأهداف:
المشروع في حدِّ ذاته عملٌ جليلٌ، وقربة إلى الله من جهات؛ منها:
أنَّه زيادة عناية وحفظ للمصدر الثاني من مصادر التشريع.
أنّه نشر للسنة النبوية؛ وخدمة جليلة للعلم الشرعي، وللعلماء والباحثين المشتغلين به، وطلاب العلم، وتعزيزًا للعلم الصحيح، قال ابن معين (ت230هـ): « لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهًا ما عقلناه...»، وقال ابن المديني (ت234هـ): «الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطؤه...».
أنَّ فيه تقريبًا للسنة النبويّة من عامة المسلمين، وتسهيلاً لنشرها وتداولها والعمل بها.(1/16)
خدمة للصناعة الحَدِيثيَّة بخاصَّةٍ والمعرفية بعامّةٍ؛ من وجوهٍ كثيرة، يتعسر ذكرها جميعًا في هذا الموضع؛ ومن أهمها: إنشاء دليل تصنيفي للموضوعات المعرفية عامة وللحديث النبوي خاصة، وإنشاء قاعدة بيانات هائلة للتراجم، والرواة، والسُّنة، والتصانيف المختلفة، وبعبارة أخرى: بناء بنك المعلومات للحديث وعلومه وما يتصل بهما.
أهم عمل علمي يمكن إنجازه لخدمة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا العصر، بل قد يكون – من وجهة نظرنا – أهمّ عملٍ يمكن إنجازه في التاريخ الإسلامي بعد جمع القرآن الكريم.
المشروع يسدّ متطلبات: المجامع الفقهية، والمراكز البحثية من السنة النبوية؛ لإصدار الأحكام الشرعية مواكِبةً للمستجدّات في حياة المسلمين.
المشروع سبب من أسباب الاجتماع على كلمة سواء؛ بإذن الله، ودفع أسباب الفرقة، وتقليص مساحة الخلاف الناشئ عن قصور في استقراء النصوص واستيعابها.
وفي المقابل يحثُّ المشروع على تفعيل الاختلاف الإيجابي المؤسس على النظر والاستنباط والتأويل، وهو مجال خصب من مجالات الاجتهاد، لا يعطله جمع النصوص – كما توهَّم بعضهم – بل يفعِّله ويُغنيه، ويفتح أبوابه على مصاريعها.
المشروع تحقيق لأمنية عظيمة اشرأبت لها أعناق علماء الأمة قديمًا وحديثًا.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «... ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلاً، لو أراد الله تعالى ذلك، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر مَن بَعْدَهُ ما اطلع عليه مما فاته من حديثٍ مستقلٍّ، أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها، فيكون كالدليل عليه، وكذا من بعده، فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد، ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن...» (راجع تدريب الراوي للسيوطي: ص100).(1/17)
تضييق الفجوة بين أصحاب التخصصات المختلفة في المعارف الإنسانية والعلوم التطبيقية والبحتة وبين السنة النبوية وعلومها. إذ يصبح في مقدور كل صاحب علم أو فنٍّ أن يتزود بما يحتاج إليه من السنة النبوية، على وجه الاستقراء والاستقصاء، وهذا يساعد في ضبط العلوم والمعارف، ويؤكد على جانب الهوية الإسلامية للشعوب المسلمة.
العمل على تحقيق عالمية الإسلام بإتاحة مصادره الرئيسة للمهتمين.
من المتوقع أن تكون عوائد المشروع الاقتصادية عالية جدًا بالنظر للقاعدة العريضة للمستفيدين، وتعدد مجالات الاستفادة منها: تعبُّديًّا، وعلميًّا، وتعليميًّا، تربويًّا، وفلسفيًّا، وتاريخيًّا، واجتماعيًّا؛ تنظيرًا، وتطبيقًا. ويمكن جعل جميع عوائده المالية تصب في خدمة السنة النبوية ضبطًا ودرسًا وشرحًا وتأليفًا ونشرًا.
- - -
ثالثاً:
تصور مبدئي أولي لإنجاز المشروع -
أ. مجمع / مركز خدمة السنة النبوية:
إنشاء جهة علميةٍ مسئولة عن هذه المهمة، تكون مركزاً لخدمة السنة النبوية بعامة، تزود بإمكانيات وكوادر علمية بشرية، وتقنية وطباعية تمكنها من تحقيق وتبني مشاريعها المستقبلية باستقلالية تامة وكفاءة ممتازة. على غرار العمل الإسلامي الجليل الذي تم إنجازه في مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – لطباعة المصحف الشريف. شريطة أن تقع تحت إشراف جهات علمية رسمية موثوقة.
- - -
ب. العاملون:
العاملون في "مجمع / مركز خدمة السنة النبوية" من علماء الشريعة، واللغة العربية، وأهل الاختصاص في علوم السنة من مختلف البلاد والمذاهب الإسلامية المعتبرة؛ وتقنيي الحاسب الآلي، ومتخصصي أوعية المعلومات، وعلم التصنيف، والمفهرسين والمبرمجين، سواء كان ذلك عن طريق التعاقد، أو الإعارة، أو الانتداب، أو التفرغ العلمي من الجامعات والمراكز والهيئات العلمية السعودية والعربية والإسلامية.(1/18)
ويمكن أن يفاد في المراحل الأولى (الجمع والتصنيف) من طلاب الدراسات العليا في السنة وعلومها. ولكن لا بد أن يضبط هؤلاء العاملين جميعًا شرطٌ منهجيٌّ ورقابيٌّ واحد. وهذا يتطلب هيئةً علميةً تخصصيةً عُليا يُشارك فيها عدد من علماء المسلمين المعروفين بدقة البحث وجودة التحقيق، وتقدم لها الأعمال للنظر فيها، ومدى استيفائها للشرط المنهجي العام للمشروع؛ ليؤول العمل إلى الدِّقة والانضباط، والاتفاق والتجانس.
- - -
ج. العمل:
وبالنسبة لجمع السنة النبوية فأرى أن يتم ذلك على أربع مراحل، تُمثِّل: العمل الأساسي في مشروع جمع السنّة النبوية، ومرحلتين: خامسةٍ وسادسةٍ تكميليتين مهمتين:
1. المرحلة الأولى (الجمع والاستقراء):
يُقصد بالمرحلة الأولى: جمع ما تفرق من الحديث والسنة في بطون كتب السنة الموجودة في العالم، وهي كتب معروفة ومتاحة. ويجب أن يتسم الجمع بالاستيعاب، والدقة، والتحقق من الضبط الصحيح: على الأصول الخطية المعتمدة، والمطبوعات الُمصحَّحة، وتجمع فيها كل الروايات، ولو كان الاختلاف يسيرًا، ويشمل الجمع السنَّة من مصادرها الأصلية كالكتب التسعة والمسانيد والجوامع المشهورة وغيرها.
وأرى أن يشمل الجمع في هذه المرحلة السُّنَّةَ في درجاتها الخمس المعروفة، باختلاف حجيتها وجواز الاستدلال بها، وهي: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره، والضعيف غير الواهي؛ إذ المهمة الآن مهمة الجمع والاستيعاب.
* * *
2. المرحلة الثانية (الحكم على الأحاديث):
وركيزة هذا المرحلة جميع الأحاديث الصالحة للاحتجاج بها: الصحيحة والحسنة في مصادرها الأصلية، بالإضافة إلى أحكام علماء الحديث الذين عنوا بالحكم على الأحاديث من المتقدمين والمتأخرين، أو المعاصرين المعتبرين.(1/19)
وقد ظهرت بعض الموسوعات التي جمعت فيها أحكام بعض الأئمة كالبخاري، والذهبي، وابن حجر، ويمكن تكملة هذه الجهود لكل علماء الحديث المشهورين، والإفادة منها في الموسوعة.
ومن أشهر الجهود المعاصرة السلسلة الصحيحة للألباني
– رحمه الله – وأحكام الشيخين أحمد شاكر – رحمه الله – وشعيب الأرنؤوط في المصنفات التي خرّجا أحاديثها وحكما عليها، وغيرهم من المتخصصين والمشاركين المتميزين.
* * *
3. المرحلة الثالثة (التصنيف والتدوين):
وفي هذه المرحلة يتم تصنيف الأحاديث كافة على نهج محدد ومرسوم سواء كان على أسماء الرواة أو على الموضوعات، أو الدَّرجة. ومن الأفضل أن يعتمد في ترتيبها نظام "الأبواب" على الموضوعات لأنه:
أهدى إلى الدليل.
وأقرب إلى عامة المستفيدين.
وأيسر عند المراجعة، إذ يستطيع المستفيد؛ حتى من غير المتخصصين، مراجعة الحديث في موضعه من الباب أو الموضوع الذي يريد دون عناء أو مساعدة.
ويجمع النصوص كلها للباحث عن الموضوع الذي يريد في مكان واحد؛ مما يعينه على تكوين تصور صحيح، وحكم صائب.
* * *
ولكن هذا يتطلب صنع خريطة خاصة لتصنيف الموضوعات إلى موضوعات عامة وفرعية، يُراعى فيها الموازنة بين أسلوب القدماء وأسلوب المعاصرين، كما يُراعى فيها الاحتياجات المتنوّعة، والتقسيمات المعرفية الجديدة.
و من اليسير جداً بعد أن يتم الجمع والتصنيف والتدوين، معاودة التصنيف للتغيير؛ حسب الحاجة في إصدارات أخرى؛ كاقتراح تصنيف جديد على أسماء الرواة، أو الكلمات، أو درجة الحديث من الصحة والضعف، أو الأحكام، أو المصنَّفات... إلخ؛ حسب الحاجة إلى كل تصنيف بواسطة التقنية الحاسوبية الحديثة، التي توفِّر كثيراً من الجهد والوقت.
* * *
وقد نجد أنفسنا بإزاء أحاديث تصلح لأكثر من موضع لتعدد أوجه الاستشهاد بها في أكثر من باب أو موضوع؛ فكيف يُتعامل معها؟! هل تذكر في كل موضع من المواضع، أو تذكر في الموضع الأول وتهمل في الباقي؟!(1/20)
ولعل الأولى: أن يذكر الحديث أول مروره كاملاً، فإذا وافق موقعاً آخر فيجتزأ منه ما يغني الموضوع نفسه حسب عنوان الباب الذي تكرر فيه الحديث، ويحال القارئ إلى النص كاملاً في موضعه الأول.
فمثلاً حديث:
«بني الإسلام على خمس: شهادة ألاَّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً».
سوف يمر في أبواب: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فيذكر الحديث بتمامه في الموضع الأول، ثم يشار بحسب الشاهد في كل باب هكذا:
– في باب الصلاة:
«بني الإسلام على خمس:... وإقام الصلاة...».
(ينظر تمامه: الحديث رقم…، ج.../ص...)
– في باب الزكاة:
«بني الإسلام على خمس:... وإيتاء الزكاة...».
(ينظر تمامه: الحديث رقم…، ج.../ص...)
– في باب الصِّيام:
«بني الإسلام على خمس:... وصوم رمضان...».
(ينظر تمامه: الحديث رقم…، ج.../ص...)
وهكذا... إلا أن يتعسر ذلك لقصر الحديث أو صعوبة اجتزاء ما يفي بالدلالة دون خلل؛ فيعمد حينئذٍ إلى ذكر الحديث بتمامه.
هذه الطريقة: الاجتزاء والإحالة إلى موضع ذكر الحديث للمرَّة الأولى بتمامه؛ تخفف من حجم الكتاب، وتدفع التكرار، وتعين القارئ والمستفيد؛ سواء أكان متخصصًا أم غير متخصصٍ، على الوقوف على المتن كاملاً في الموضوع الواحد دون استثناء أو تكرار، وهو جانب مهم لا ينبغي التنازل عنه في نظري، ويمكن أن يفاد في ذلك؛ أي: في اختصار الأحاديث، وتقطيعها على الأبواب من طريقة الإمام البخاري – رحمه الله – في (صحيحه).
أمَّا تصنيف الأحاديث داخل الباب الواحد (الموضوع العام الواحد) فيمكن أن يكون على: عناوين جزئية، تعتمد على خريطة الموضوعات الجزئية المشار إليها سابقًا، أو أسماء الرواة، أو على الحرف الهجائي، أو درجة الحديث، أو بالنظر للمصنفات ككتب الصحاح وما في حكمها والسُّنن..إلخ، أو على أية طريقة ملتزمة.(1/21)
ويعطي كل حديث في الموسوعة رقماً يميزه ويحال إليه به. ويذيل الحديث مباشرة وفي صلب الصفحة بالمراجع المستقى منها بواسطة رموز مختصرة مصطلح عليها في مدخل الكتاب، مع الإشارة إلى الجزء والصفحة ورقم الحديث، للتيسير على الراغبين في مراجعة النصوص في مصادرها الأصلية.
* * *
4. المرحلة الرابعة (الإصدار والنشر):
الإصدار والنشر ثمرة العمل السابق لأنه سوف يجعل من سُنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المتفرقة في المراجع قريبة وفي متناول يد كل قارئ؛ وبذلك يتحقق حلم الأمة الكبير في جمع سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتقرَّ أعين المسلمين بوجودها مكتملة بين أيديهم: في مكتباتهم المنزلية، وفي مراكزهم البحثية، وفي مؤسساتهم العلمية والتعليمية المختلفة.
* * *
وأرى أن يخرج العمل بادئ ذي بدءٍ في نسختين:
النسخة الأولى: عامة للناس للانتفاع بها، وهي تشتمل على الحديث المقبول، دون الضعيف؛ لأنه بحاجة إلى مراجعة وتمحيص، ويُفاد في هذه النسخة من الجهود المبذولة في المراحل السابقة، وبخاصة المرحلة الثانية المُشار إليها آنفًا.
وتكون هذا النسخة مجردة من الأسانيد، ويُراعى فيها تأويل المشكل، و شرح الغريب، وبيان الناسخ من المنسوخ إن أمكن ذلك.
والنسخة الثانية: خاصة بأهل الاختصاص في الحديث والشريعة وغيرهم من العلماء، وهي: شاملة لجميع الحديث الشريف (الصحيح، والحسن، والضعيف) بالأسانيد، وذلك بغرض دراسة المتون والأسانيد.
* * *
المراحل الأربع السابقة، هي: مراحل العمل الأساسية في المشروع، أما المرحلتان التاليتان، وهما: المرحلة الخامسة، والمرحلة السادسة؛ فهما: مرحلتان تكميليتان مهمتان؛ لأنهما يزيدان من فاعلية المشروع وكفاءته، وتنوّع استخداماته، ويُيسّران الإفادة منه، ويسهمان في تحقيق الأهداف المرجوة:
5. المرحلة الخامسة (التوثيق والمحاكمة):(1/22)
وهي مرحلة منفصلة تمامًا؛ لأنها ذات منحى علمي تخصصي، وقد يشوبها كثير من الاختلاف؛ ولذلك فهي بحاجة للتمحيص والتحقيق، وقد يستغرق ذلك وقتًا طويلاً، ولكنه عمل ذو مردود بالغ الأهمية. بل إنه على المدى الطويل من لوازم اكتمال العمل، ولكن لا تظهر الحاجة إليه إلا بعد الفراغ من جمع السُّنة تماماً، وهذا قد تم على الإجمال في المراحل السابقة، ومن ثَمَّ يُؤخَذُ في تفحص الأحاديث سنداً ومتناً، والحكم عليها من قبل المختصين في علوم الحديث. ويشرع في ذلك حديثاً حديثاً، ويوماً بعد آخر، فما تنقضي مدة إلا وقد تم الإتيان عليها جميعاً. وكل ما يثبت حُجيته يلحق بالنسخة الأولى/ العامة في طبعة تالية، وهكذا...
ويكون الحكم، وتوجيه الُمشكِل، وشرح الغريب، في الحاشية؛ دفعًًا للتشويش على القرَّاء، ومنعًا لاختلاط ذلك بالمتون.
وبذلك تتهيَّأُ للعلماء مراجعة السنة النبوية إجمالاً وفق ضابط منهجي وعلمي سليم واحد، ويتيسر للمسلمين الاطلاع على السنة النبوية، والإفادة منها في مجموعها، متى شاءوا بكل يسرٍ وسهولة؛ مع توفير حدٍّ أدنى مرضٍ من الحكم على كل حديث.
* * *
6. المرحلة السادسة: (الإفادة من الحواسب والبرمجيات):
أعتقد أنه من الضروري الإفادة من أوعية المعلومات، ووسائل الفهرسة الإلكترونية، والبرمجيات الحديثة، لجعل هذا العمل العظيم ميسرًا لجميع الاستخدامات المعرفية: الشخصية والمؤسسية. وهذا لا يتطلب كبير جهد، إذا أخذنا في الاعتبار أن جميع خطوات المشروع السابقة معدّة ومحفوظة سلفًا على أجهزة الحاسب الآلي، مما يسهل كثيرًا عملية نقلها/ نسخها في صورة تمكن من التعامل معها مباشرة.(1/23)
لكن يجب على العاملين في المشروع مراعاة جوانب الجودة والفاعلية، وتجنب عيوب برامج تصفح كتب التراث المصممة في السوق، وذلك يتطلب العمل على تصميم/ إنشاء برنامج متطور خاص يجمع بين المقابلة الدقيقة للنسخة المطبوعة؛ من حيث: ضبط النص كاملاً بالشّكل، والمطابقة التامَّة لأرقام الأجزاء والصفحات، والسلامة من التصحيف والتحريف والسقط والاضطراب، وبين سهولة التشغيل، ودقة النتائج، وتعدد الخيارات المتاحة من: قراءة، أو إحصاء، أو نسخ، أو طباعة، أو بحث، أو تخريج، أو مقابلة...إلخ؛ حسب حاجات المستفيد، وحسب ما يستجد من مطالب.
ويمكن الإفادة في هذا من عمل بعض المؤسسات التي لها تجارب خاصة في مجال برمجة الأحاديث النبوية الشريفة، والتراث العربي، وأخص بالذكر هنا مشروع موسوعة الحديث الشريف (شبكة إحسان)، ومركز التراث للبرمجيات في عَمّان – الأردن.
وسنَخْلص في نهاية الأمر إلى موسوعة للسنة النبوية شاملة ودقيقة، مكتوبة ورقيًا، ومبرمجة إلكترونيًا.
وعلى الله الاتكال وبنعمته تتم الصالحات.
صاحب المشروع
أحمد بن علي آل مريع
كلية المعلمين- أبها
أبها ص ب 2036
aaljooni@hotmail.com
- - -
رابعاً:
تعقيبٌ وتعليقٌ
المحدّثون والحديث.. لمحاتٌ تأريخية...
بقلم الدكتور يحيى البكري
مختص بالحديث وعلومه
رئيس قسم الدراسات الإسلامية
كلية المعلمين في أبها
الحمد لله الذي شرف أهل الحديث بروايته ونقله، وجعلهم قوامين بشريعته، فاستحقوا بذلك الرتبة السامية المنيفة، والدرجة العالية الرفيعة.(1/24)
جعلهم الله (تعالى) أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأيًا تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول - صلى الله عليه وسلم - فئتهم وإليه نسبتهم،لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يُقبل منهم ما رووا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير.
الحديث ذَكَرٌ لا يُحبه إلا الذُّكران، ونسبٌ لا يُجهل بمكان، كفى بأصحابه شرفًا أنّ أسماءهم مقرونة باسم
النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكرهم متصل بذكره، وذكر أهل بيته وأصحابه.
أهل الحديث هم أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصته، نقلوا شرائعه، ودونوا مشاهده، وصنفوا أعلامه ودلائله، وعبَّروا عن جميع فعله، في سفره وحضره، وظعنه وإقامته، وسائر أحواله، من منام ويقظة، وإشارة وتصريح، وصمت ونطق، ونهوض وقعود، ومأكل ومشرب، وملبس ومركب، وما كان سبيله في حال الرضا والسخط، والإنكار والقبول، حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها، والنخامة من فيهِ أين كانت وجهتها.(1/25)
فاستحقوا النّضرة لقوله - صلى الله عليه وسلم - «نَضَرَ(1)
__________
(1) قوله: (نضَرَ) بفتح الضاد، ويروى بالتخفيف والتشديد، والأول أوجه، قال القاضي المحدِّث الأديب أبو محمد الرامهرمزي، في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (ص167): " نَضَرَ الله مخفف، وأكثر المحدثين يقوله بالتثقيل إلا من ضبط منهم، والصواب التخفيف، ويحتمل معناه وجهين:
أحدهما: يكون في معنى ألبسه الله النّضرة، وهي الحسن وخلوص اللون، فيكون تقديره: جمَّله الله وزينه.
والوجه الثاني: أن يكون في معنى أوصله الله نضرة الجنة، وهي نعمتها ونضارتها. قال الله عز وجل: ?( - ( - (( - - - (( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - عليه السلام - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر ( بسم الله الرحمن الرحيم - (( } - - - - ?، وقال: ?( المحتويات ( - - } { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -?. وفيه لغتان، تقول: نضِرَ وجه فلان (بكسر الضاد) ينضَر نضْرةً ونَضَارة ونضُورًا، ونضَرَ الله وجهه، وأنضَرَهُ لغتان، تقول: نضَرَ الله وجه فلان فنَضِر، فالوجه نضِير ونَاضِر، قال الله عز وجل: ? ( فهرس قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - (( - ( الله أكبر ?، وهو من قولهم: نَضِر وجهه فهو نَاضِر من فعله، قال جرير:
طربَ الحمامُ بذي الأراكِ فشاقني ... لا زلت في فنَنٍ وأيكٍ نَاضِرِ
يعني بالنَّاضِرِ المُورق الغض". اهـ.(1/26)
الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فربَّ حامل فقهٍ لا فقهَ له، وربّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه»(1).
ففرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ناقل السنة وواعيها، ودل على فضل الواعي بقوله: "فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"(2)، وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر.
هو المصدر الثاني من مصادر التشريع، نصوصه تشتمل على معرفة أصول التوحيد، وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد، وصفات رب العالمين تعالى عن مقالات الملحدين، والإخبار عن صفات الجنة والنار، وما أعد الله تعالى فيهما للمتقين والفجار، وما خلق الله في الأرضين والسموات، من صنوف العجائب وعظيم الآيات، وذكر الملائكة المقربين، ونعت الصافِّين والمسبِّحين.
وفي الحديث قصص الأنبياء، وأخبار الزهاد والأولياء، ومواعظ البلغاء، وكلام الفقهاء، وسير ملوك العرب والعجم، وأقاصيص المتقدمين من الأمم، وشرح مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وجمل أحكامه وقضاياه، وخطبه وعظاته، وأعلامه ومعجزاته، وعدة أزواجه وأولاده، وأصهاره وأصحابه، وذكر فضائلهم ومآثرهم، وشرح أخبارهم ومناقبهم، ومبلغ أعمارهم، وبيان أنسابهم.
وفي الحديث تفسير القرآن العظيم، وما فيه من النبأ والذكر الحكيم، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم، وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم من الأئمة الخالفين والفقهاء المجتهدين.
__________
(1) أخرجه الترمذي برقمي (2657) (2658)، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك (1: 162) في كتاب العلم / برقم (294). وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، قاعدة من قواعد أصحاب الروايات".
(2) أخرجه أبوداود في سننه برقم (3660)، وابن ماجه برقم (230) واللفظ له.(1/27)
الحديث أيها الفضلاء قاض على القرآن يفسر مبهمه، ويفصِّل مُجمله، ويقيِّد مُطلقه، ويُخصِّص عامَّه، ويشرح أحكامه وأهدافه، كما أنه يأتي بأحكام لم ينصَّ عليها القرآن الكريم، فكانت في الواقع تطبيقاً عملياً لما جاء به القرآن العظيم، تطبيقاً يتخذ مظاهر مختلفة:
فحيناً يكون عملاً صادراً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وحيناً آخر يكون قولاً في مناسبة.
وحينًا يكون قولاً لغير مناسبة، وإنما يصدر منه بلاغًا وبيانًا للتشريع.
وحيناً رابعاً يكون تصرُّفاً أو قولاً من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - فيرى العمل أو يسمع القول ثم يقر هذا وذاك، فلا يعترض عليه ولا ينكره، بل يسكت عنه ويستحسنه، فيكون هذا منه تقريرًا.
والمهم هنا فهم أن العلاقة تكاملية، فلا ينبغي أن يؤخذ الحكم من القرآن وحده، ولا من السنة وحدها، وإنما يؤخذ منهما.(1/28)
قال تعالى: ?( - - { - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( { - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - (( - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمهيد ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - { - رضي الله عنهم - - ( تمهيد (- رضي الله عنه -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - - ( - - - - - ( فهرس - - ( - ((( - - تم بحمد الله ((((( ? [آل عمران: 164].
وقد ذهب جمهور العلماء وبعض المحققين(1) إلى أن الحكمة شيء آخر غير القرآن.
__________
(1) أثر هذا عن جماعة من التابعين منهم الحسن البصري، وأبي مالك، ومقاتل، ويحيى بن أبي كثير، وقتادة، والسُّدي. تفسير بن أبي حاتم (2/649 ـ 650).
وقال ابن جرير الطبري: " يعني بالحكمة: السنة التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيانه لهم". جامع البيان (3/163).
وقال ابن كثير: "ويعلمهم الكتاب والحكمة يعني القرآن والسنة". تفسير القرآن العظيم (1/425).(1/29)
قال الشافعي: (سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يشبه ما قال والله أعلم، بأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله عز وجل مِنَّتهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجز والله أعلم أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحتم على الناس إتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(1).
وقال قتادة: (? - - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - فهرس - ( - ( - - (( - صدق الله العظيم ( تمهيد ( - قرآن كريم ( - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( تمهيد (- رضي الله عنه -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? القرآن والسنة)(2).
وعن مكحول قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه»(3).
وفي الحديث الصحيح عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه»(4).
وإذا كان كذلك كانت طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجبة، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلتزمون حدود أمره ونهيه، ويتبعونه في قوله وفعله، إلا ما كان من خصوصيات نبوته.. وهذه حدود طاعته في حياته.
__________
(1) أحكام القرآن للشافعي (1/28).
(2) أخرجه البخاري في الصحيح / كتاب التفسير/ سورة الأحزاب (ص934).
(3) المراسيل برقم (530) وسنده صحيح مرسلاً.
(4) أخرجه أبو داود في سننه (4/200/ برقم4604).(1/30)
ولما انتقل - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى لم يبق مجال لطاعته - صلى الله عليه وسلم - إلا بإتباع السنة والحديث، ولذا حرص الصحابة رضي الله عنهم على تبليغه للناس ممتثلين لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب»(1).
لم يتصرفوا في ذلك بل نقلوه كما سمعوه،وأدَّوه كما حفظوه، وكتبوه ودونوه، وأكتبوه وعلموه.. فهم أمناء الشريعة، وأهل العلم على الحقيقة.
قال الأوزاعي: (العلم ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما لم يجئ عن أصحاب محمد فليس بعلم)(2).
وقد حظيت السنة باهتمام المسلمين فجمعوها ودونوها، منذ عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا: فمن أقدم الكتب التي أرخت لتدوين السنة في القرون الثلاثة الأولى هو كتاب (تقييد العلم) للخطيب البغدادي (463هـ).. وفيه البلسم الشافي والجواب الكافي على بعض التساؤلات حول تدوين السنة.
متى بدأ ؟ وكيف بدأ؟.
وفيه الجواب الدامغ على شكوك وشبهات المستشرقين وغيرهم من أتباعهم من المستغربين، الذين اشتهر عنهم أن التدوين لم يبدأ إلا في عصر الإمام الزهري.
فقد شاع بين أهل العلم قول مالك بن أنس (189هـ): (أول من دون العلم ابن شهاب)(3).
وعن عبد الله بن دينار، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة: أن انظروا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله(4).
وفي رواية: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو سنة ماضية، أو حديث عَمرة فاكتبه؛ فإني خشيت دروس العلم وذهاب أهله(5).
__________
(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (35: 201).
(2) أخرجه البخاري برقم (67).
(3) أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ برقم (2723).
(4) أخرجه الدارمي في مسنده برقم (488)، وعلقه البخاري في الصحيح (1/49).
(5) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/480).(1/31)
وقد كان الزهري ممن اشتهر عنه كتابة السنن، قال صالح بن كيسان: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم، فقلنا: نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه، ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة، فقلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه، قال: فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت(1).
فأخطأ البعض في فهم هذه النصوص، وبنوا عليه أن الحديث ظل أكثر من مئة سنة يتناقله العلماء حفظًا، دون أن يكتبوه. وهذا ما يشير إليه الحافظ الكبير ابن حجر (852هـ) فهو يقول: (اعلم – علمني الله وإياك – أن آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن في عصر أصحابه وكبار تابعيهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة؛ لأمرين: أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم؛ خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم. وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكرى الأقدار)(2).
__________
(1) تقييد العلم (ص106 ـ 107).
(2) انظر هدي الساري (1: 6).(1/32)
وقد كان كتاب الخطيب المذكور أول كتاب أرخ لهذه القضية وتتبعها بالأسانيد، وهو العمدة في هذا الباب عند أهل الفن، وفيه إثبات أن تقييد العلم كان موجودًا في حياته - صلى الله عليه وسلم - وفي عصر الصحابة والتابعين كذلك(1).
ومع ذلك لم يعرج عليه أهل هذه الدعوى.
__________
(1) وخاصة الفصل الثاني من القسم الثالث من الكتاب وعنوانه (باب ذكر من روي عنه من الصحابة – رضي الله عنهم – أنه كتب العلم أو أمر بكتابته) (ص87–98)، ثم عقد الفصل الثاني بعنوان (باب ذكر الرواية عن التابعين رضي الله عنهم أجمعين في ذلك) (ص 99–113).. ثم ختمه بقوله: (قد أوردت من مشهور الآثار، ومحفوظ الأحاديث والأخبار، عن رسول رب العالمين وسلف الأمة الصالحين، صلى الله عليه ورضي عنهم أجمعين، في جواز كتب العلم وتدوينه، وتجميل ذلك الفعل وتحسينه، ما إذا صادف بمشيئة الله قوي شكٍ رفعه، أو عارض ريب قمعه". انظر (ص115 ـ 116).(1/33)
ثم أتى في العصر الحديث جماعة من الباحثين فأشبعوا مسألة التدوين بحثًا، ولعل من أشهرهم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الأعظمي في بحثه القيم (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه)(1)، فزاد الموضوع بحثًا واستقراءً، وأثبت بما لا يجعل مجالاً للشك أن التدوين وجد منذ زمنه - صلى الله عليه وسلم - واستمر حتى عصر التصنيف في النصف الأول من القرن الثاني(2).
ومنهم الدكتور امتياز أحمد عميد كلية المعارف الإسلامية بجامعة كراتشي في بحثه القيم (دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث)(3) أستطاع في هذا البحث القيم نسف نظرية التدوين المتأخر للحديث باقتدار.
والإشكالية عند كثير من غير المختصين في فهم بعض نصوص أولية التدوين ـ كما سبق ـ وإزالة هذا الإشكال ظاهرة فالتدوين مر بمراحل:
__________
(1) أصل هذا الكتاب باللغة الإنجليزية، قدمه الباحث إلى جامعة كمبردج لنيل درجة الدكتوراه سنة (1966م)، ونال بنسخته العربية في مجلدين جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية سنة (1400هـ).
(2) انظر دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه: الفصل الأول كتابة الصحابة والكتابة عنهم (1: 92–142) ذكر فيه ما يزيد على (52) صحابيًا كتبوا أو كتب عنهم. وعقد الفصل الثاني (1: 143–167) لتابعي القرن الأول وذكر فيه (53) تابعيًا. وعقد الفصل الثالث (1: 168–220) لصغار التابعين وذكر فيه (99) تابعيًا، وعقد الفصل الرابع (1: 221) لبعض صغار التابعين وأتباع التابعين ذكر فيه (252) رجلاً ممن كتب أو كتب عنه الحديث، كل ذلك موثق بالنصوص الصحيحة المنقولة من مصادر الحديث المقدمة.
(3) أصل هذا الكتاب باللغة الإنجليزية، قدمه الباحث إلى جامعة أدنبره لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة سنة (1974م)، ونقله إلى العربية د.عبدالمعطي قلعجي ونشره سنة (1410هـ).(1/34)
فالمرحلة الأولى: مرحلة النهي عن التدوين، وفي هذا الباب عدة أحاديث لا يصح منها سوى حديث أبي سعيد الخدري، عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»(1).
والمرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالكتابة وتقييد السنن، وذلك حسب الحاجة، لأن العرب اشتهروا بقوة الحافظة، فلم يكونوا بحاجة إلى الكتابة، ومع ذلك فقد كان هناك إذنًا خاصًا لبعض الصحابة الذين يميزون بين القرآن والسنة، كعبدالله بن عمرو بن العاص، فعنه أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكتب ما أسمع منك؟ قال: «نعم»، قلت: عند الغضب، وعند الرضا، قال: «نعم إنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقًا»(2).
وعن أبي هريرة: ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب(3).
وكتب جماعة من الصحابة السنن في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكر عليهم،كعلي بن أبي طالب،وعمرو بن حزم(4).
ثم أذن إذنًا عامًا في آخر الأمر، وهو قوله في حجة الوداع: «أكتبوا لأبي شاة».
قال راويه الوليد بن مسلم: "قلت للأوزاعي: ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(5).
ونشأ عن هذه النصوص ما يشبه التعارض، وقد وفق بينها أهل العلم بالحديث، فزال الإشكال (ولله الحمد).
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4: 2298: برقم 3004).
(2) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4: 26: برقم 2280)، والحاكم في المستدرك (1: 187: برقم 358)، وأخرجه الخطيب في تقييد العلم (ص74، 77–81) وهو صحيح.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه (1: 54/ برقم 113).
(4) انظر صحائف الصحابة (ص59–132).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه (2: 857: برقم 2302)، مسلم في صحيحه (2: 988: برقم 1355)، وابن حبان في صحيحه (9: 28: برقم 3715).(1/35)
فوجَّه بعض أهل العلم هذا التعارض بأن النهي كان في أول الأمر، ثم أذن بعد ذلك.. فتكون أحاديث النهي منسوخة(1).
وقال بعضهم: إن النهي موجه لمن كتب القرآن والسنة في صحيفة واحدة، وهذا هو المتجه(2)، وفي ذلك أقوال أخرى(3).
وقد استمر هذا الإذن العام وأنتج مئات الصحف والمدونات في القرن الأول والنصف الأول من القرن الثاني الأول (كما سبق).
والمرحلة الثالثة: مرحلة التدوين الرسمي الذي رعته الدولة الإسلامية، وهذا هو المشهور في زمن عمر بن عبدالعزيز.
وقد حمل لواء هذا ابن شهاب الزهري، فعنه قال: (أمرنا عمر بن عبدالعزيز بجمع السنن فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا)(4).
وهذه المرحلة لا تعدو أن تكون امتدادًا لمرحلة الجمع والتقييد في عصر الصحابة.
فمادتها الأساس: ما قيد وجمع في القرن الأول، وما تلقاه الزهري مشافهةً، ثم تولى هو تقييده.
والمرحلة الرابعة: مرحلة التصنيف والتأليف، وهي التي بدأت في النصف الأول من القرن الثاني، وهي التي اشتهرت عند بعض المؤرخين بأنها التدوين الفعلي للأحاديث والآثار(5).
__________
(1) انظر تأويل مختلف الحديث (ص286–287)، فتح الباري (1: 208)، الباعث الحثيث (2: 159–160).
(2) انظر معالم السنن للخطابي (4: 184)، شرح السنة (1: 294)، دراسات في الحديث النبوي للأعظمي (1: 79).
(3) انظرها مفصلة في تقييد العلم للخطيب (ص29–86)، صحائف الصحابة للصويان (ص39–46).
(4) جامع بيان العلم لابن عبدالبر (1: 76).
(5) وهي المرحلة التي ذكر صاحب المشروع في عنوانه (البعد التاريخي)..وفرق بين التدوين والتصنيف،فالتصنيف هو مرحلة متطورة من التدوين دخل فيها: إفراد أحاديث الأحكام، وتبويبها، وتصنيف الجوامع، والمسانيد، والمصنفات، بما فيها من أحاديث، وآثار، وفتاوى، واجتهادات.(1/36)
وفي هذه المرحلة ظهر الفرق واضحًا بين التدوين الذي هو مجرد جمع، والتصنيف الذي هو الترتيب والتبويب والتمييز بين المرويات حسب حُجِّيتها، ونسبتها.
وبعد فإني أشكر لأخي الأستاذ أحمد بن علي آل مريع، أن شرفني بقراءة مشروعه هذا والتعليق عليه، ولعلي بعد هذه التوطئة في فضل الحديث وأهله، وموضوعه، ومراحل تدوينه أبدأ بذكر أصول هذا المشروع تأريخيًا:
أصول مشروع جمع السنة:
بدأ مشروع جمع السنة في زمن عمر بن عبد العزيز (كما سبق) ولعل ما قام به الإمام محمد بن شهاب الزهري (124هـ) يعد أول محاولة لجمع السنة بشمول واستقصاء وفق مروياته، حيث قدمها لعمر بن عبدالعزيز ونسخت منها الدفاتر وبعثت إلى الأمصار(1)، وقد بقيت أحاديث الزهري في خزائن الخلفاء يتداولونها(2).
ثم نشطت مع بواكير التصنيف في القرن الثاني والثالث محاولة جمع المرويات في السنة، بحسب المروي عند كل مصنف، فظهرت الجوامع والمصنفات والموطآت، التي حوت الشيء الكثير من الحديث الشريف، وكانت طريقتهم في التصنيف جمع الأحاديث المتناسبة في باب واحد، يخلطونها بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وإن اختلفت المسميات فالمنهجية واحدة في الجوامع، والموطآت، والمصنفات، ثم ظهرت المسانيد واختلفت في طريقة تصنيفها وموضوعها، التي اقتصرت على المرفوع، ورتبت بجمع أحاديث كل صحابي على حدة.
قال الحاكم: (والفرق بين الأبواب والتراجم، أن التراجم شرطهما أن يقول المصنف: ذكر ما روي عن أبي بكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يترجم هذا المسند فيقول: ذكر ما روى قيس ابن أبي حازم، عن أبي بكر رضي الله عنه صحيحًا أو سقيمًا).
__________
(1) جامع بيان العلم (1: 76)، الحلية (3: 363).
(2) قال عبد الله بن أحمد: (حدثني أبي ثنا عبدالرزاق قال سمعت معمرًا يقول: كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهري حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزانته يقول من علم الزهري). الحلية (1: 361).(1/37)
أما التصنيف على الأبواب فيقول: (ذكر ما صح وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أبوب الطهارة والصلاة وغيرهما، ومنهم من يرتب تصنيفه على أبواب الفقه، وجمع بين الصحيح وغيره من غير تمييز)(1). اهـ.
وقد وصلنا من الجوامع:
جامع معمر بن راشد (153هـ) (طبع الموجود منه بآخر مصنف عبدالرزاق)(2).
جامع عبدالله بن وهب القرشي (197هـ)(3).
ووصلنا من المصنفات:
مصنف عبدالرزاق بن همام الصنعاني (211هـ)(4)
مصنف أبي بكر بن أبي شيبة (235هـ)(5).
ووصلنا من الموطآت:
موطأ الإمام مالك بن أنس (179هـ) وله عدة روايات وصلنا جملة منها وبينها فروق بالزيادة والنقصان، وأشهر هذه الروايات رواية يحيى بن يحيى الليثي.
موطأ عبدالله بن وهب القرشي (197هـ)(6).
ووصلنا من المسانيد جملة طيبة، من أشهرها:
__________
(1) فتح المغيث للسخاوي (1: 88).
(2) يقع في عشرة أجزاء، وصل إلينا منها الخمسة الأجزاء الأخيرة. وطبع ملحقًا بآخر (المصنف) لعبدالرزاق، وحققه حبيب الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية (1403هـ).
(3) وصلنا قطعة من الكتاب تحوي (كتاب النسب، كتاب الصمت، وكتاب الخاتم) حققه د. مصطفى أبو الخير. نشر دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى (1416هـ).
(4) حققه حبيب الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية (1403هـ) في عشرة أجزاء.
(5) طبع عدة طبعات من أقدمها الطبعة الهنديةبحيدر آباد سنة (1390هـ) في أربعة أجزاء، ثم نشر كاملاً في الدار السلفية، بمباي (1399هـ 1403هـ) في 15جزاء.
(6) وصلنا قطعة من الكتاب تحوي كتب (الأشربة،والمناسك، والزكاة، والصلاة، والنكاح، والصوم، والقسامة والعقول والديات ) حققه د. هشام الصيني. نشر دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الثانية (1420هـ).(1/38)
مسند إسحاق بن راهُوية (238هـ)(1).
مسند الإمام أحمد بن حنبل (241هـ). وهو أشهر المسانيد وأوسعها. حاول فيه الإمام استقصاء الحديث الصالح للحجة، وفق مرويه من الحديث على ترتيب المسانيد، قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي (كذا) ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه ـ يعني تامًا ـ غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته - من أكثر من سبعمئة وخمسين ألفًا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه، وإن كان فيه وإلا فليس بحجة(2).
ولقد كان (الموطأ) الحجة لأهل زمانه لاشتماله على الصحيح حتى ظهر الصحيحان والسنن الثلاثة، التي تضمنت ما فيه من المرفوعات، وزادت عليه زوائد كثيرة مما ليس من مرويات أهل الحجاز.
وعلى هذه المصنفات الستة المبوبة أسست أوائل مشاريع جمع السنة (الموسوعات الحديثية) في كتاب واحد:
وقد اتخذت مناحي متنوعة بحسب الحاجة:
فهناك من حاول جمع متون هذه الكتب الأصول في كتاب واحد.
وهناك من استخرج عليها وضمن الاستخراج بعض الزوائد.
وهناك من جمع الزوائد على الستة.
وهناك من عمد إلى الجمع بين الصحيح منها.
وهناك من تمم واستدرك عليها.
وهناك من عمد إلى جمع أحاديث الأحكام.
وهناك من عمد إلى جمع الأحاديث الإلهية.
وهناك من جمع المروي بإطلاق.
ويخطئ من لا يعد في العمل الموسوعي سوى هذا النوع الأخير.
وبيان ما أجملنا على النحو التالي:
أولاً: مصنفات جمعت الأصول الستة:
__________
(1) قال ابن حجر في المعجم المفهرس (ص131): ((هو في ست مجلدات ضخمة))، ولم يصلنا منه إلا قطعة تمثل بعض مسند أبي هريرة، ومسند أم المؤمنين عائشة، وطبع في ثلاث مجلدات، مع جزء خاص بالدراسة، بتحقيق الدكتور عبدالغفور البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، الطبعة الأولى (1412هـ 1991م).
(2) خصائص المسند لأبي موسى المديني (ص13).(1/39)
(التجريد للصحاح والسُّنن) للحافظ أبي الحسن رُزين بن معاوية السرقُسطي (535هـ).
(الجمع بين الكتب الستة) لأبي محمد عبدالحق بن عبدالرحمن الأشبيلي (581هـ).
(جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -) مجدالدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري بن الأثير (606هـ).
(أنوار الصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح)(1) لأبي عبدالله محمد بن عتيق التجيبي الغرناطي (646هـ).
(مصابيح السنة) للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (516)، وهي أحاديث منتقاه من الصحيحين والسنن وغير ذلك، جمع فيها كل ما كان صالحًا للحجة، وما كان فيها من ضعف أو غرابه نبه عليه.
(مشكاة المصابيح) لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الخطيب التبريزي (737هـ).. وهو تهذيب واستدراك، وذكر زوائد في الأبواب بلغت (1511) حديثًا.
ثانيًا: المستخرجات على الأصول الستة أو أحدها:
(المستخرج على الصحيحين) للحافظ أبي عبدالله محمد بن يعقوب النيسابوري المعروف بابن الأخرم (344هـ)(2).
(المستخرج على الصحيح) للحافظ الفقيه أبي بكر أحمد ابن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي (371هـ)، ويقع في أربعة مجلدات(3).
__________
(1) وإطلاق هذه اللفظة عليها إنما هو من باب التغليب. انظر الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص11).. ولهم مصطلحات أخرى فيقولون: الأصول الستة، والكتب الستة، والأمهات الستة. وهي (الصحيحان والسنن الأربعة)، وأول من زاد ابن ماجه محمد بن طاهر (ت507هـ) في (أطرافه) وفي (شروط الأئمة الستة)، ثم تلاه عبدالغني المقدسي (ت600هـ) في (الكمال في أسماء الرجال)، وإنما قدموه لكثرة زوائده، وقبل ذلك كان سادسها الموطأ (كما أسلفنا).
(2) سير النبلاء (15: 467). وهو كتاب مفقود.
(3) سير النبلاء (16: 292–296). وهو كتاب مفقود.(1/40)
(المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم) للإمام الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني (340هـ)(1).
(المستخرج على سنن أبي داود) للحافظ أبي عبدالله محمد بن عبدالملك القرطبي (330هـ)(2).
(مختصر الأحكام) (مستخرج الطوسي على جامع الترمذي) للحافظ أبي علي الحسن بن علي الطوسي (312هـ)(3).
ثالثًا: الزوائد على الكتب الستة:
أول من صنف في الزوائد هو ابن كثير، ثم نورالدين الهيثمي، ثم تلاهم البوصيري، ثم ابن حجر، ثم ابن قطلوبغا، ثم السيوطي، ثم انقطع التصنيف في هذا الفن إلى زمننا هذا، ثم استأنف التصنيف فيه بعض الفضلاء منهم الدكتور خلدون الأحدب، وقعَّد له بقواعد حسان.
فمن أشهر المصنفات في هذا اللون:
(جامع المسانيد والسُّنن الهادي لأقوم سَنن) لعمادالدين إسماعيل بن كثير الدمشقي (774هـ)، فقد رتب محمد ابن المحب الصامت الصالحي (789هـ)، (مسند الإمام أحمد) على ترتيب حروف المعجم حتى في التابعين المكثرين عن الصحابة، فأعجب به ابن كثير، فألحق بهوامشه الزوائد من الكتب الستة، ومسندي أبي يعلى والبزار، ومعجمي الطبراني، وسماه (جامع المسانيد والسنن).
(مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) لنورالدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ).. وهو مجرد الأسانيد عن أصوله المسندة وهي زوائد مسند أحمد، والبزار، وأبي يعلى، وزوائد معاجم الطبراني الثلاثة: (الكبير)، و(الأوسط)، و(الصغير) على الكتب الستة.
__________
(1) طبع في أربع مجلدات بتحقيق محمد حسن الشافعي، ونشرته دار الكتب العلمية في بيروت، الطبعة الأولى (1417هـ)، وقد حقق تحقيقًا علميًا رسالة دكتوراه للباحث مقبل مرشيد بالجامعة الإسلامية.
(2) سير النبلاء (15: 241).
(3) طبع كاملاً في عدة مجلدات بتحقيق أنيس الأندونيسي. ونشرته مكتبة الغرباء بالمدينة النبوية.(1/41)
(إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة) للحافظ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري (840هـ)، جمع فيه زوائد عشرة مسانيد، وهي: الطيالسي، والحميدي، ومسدد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق ابن راهويه، والعدني، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة، ومسند أبي يعلى الكبير، وقد رتبه على الكتب والأبواب، وأورد الأحاديث بأسانيده، وتكلم عليها قبولاً وردًا.
(المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) للحافظ أحمد ابن علي بن حجر العسقلاني (852هـ)، وهذه المسانيد هي المذكورة عند البوصيري، وأهمل في التسمية مسند إسحاق لأنه لم يقف إلا على قطعة منه، ومسند أبي يعلى لأن المقصود منه الزوائد على الرواية المختصرة، وضم إليها متفرقات من غيرها.
(زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة) للدكتور خلدون ابن محمد الأحدب. يقع في عشرة مجلدات وفيه جهد وتحرير مشكور.
رابعًا: الجمع بين الصحيحين:
في هذا اللون من التصنيف ما يزيد على عشرة مصنفات من أشهرها:
(الجمع بين الصحيحين) للحافظ أبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (401هـ) رتبه على المسانيد.
(الجمع بين الصحيحين) للإمام أبي عبدالله محمد بن نصر الحُميدي الأندلسي (488هـ)، وله زيادات عليهما في المتون والأسانيد، وغيرها من الفوائد المهمة.
(مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية) لأبي محمد الحسن بن محمد الصغاني (650هـ). والأخيرين مطبوعين.
خامسًا: المستدركات على الصحيحين.
(الإلزامات) للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385هـ). وهي أمثلة لأسانيد وأحاديث يلزم البخاري ومسلم تخريجها في صحيحيهما وفق منهجهما.
(المستدرك على الصحيحين) لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (405هـ). وموضوعه جمع الصحيح مما لم يذكره البخاري ومسلم.(1/42)
(المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم) للحافظ ضياء الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي (643هـ). وكان جل اهتمامه بالأحاديث التي لم تخرج عند من شرط الصحة، وبذلك كان لكتابة مزية مهمة على ما عداه، حتى أن بعض أهل العلم قدمه على مستدرك الحاكم، ولكنه لم يكمل، وقد طبع الموجود منه.
سادسًا: أحاديث الأحكام.
حاول جماعة من الأئمة جمع أحاديث الأحكام وتجريدها من أسانيدها وترتيبها وتقريبها، وقد تعاقبت فيه الجهود، وتكاثرت فيه المؤلفات، إلا أن هناك مؤلفات شرحت واعتنى العلماء بها من أشهرها:
(الأحكام الكبرى) و(الوسطى) و(الصغرى) للحافظ أبي محمد عبدالحق بن عبدالرحمن الأشبيلي (582هـ).
فـ (الكبرى) مسندة انتقاها من كتب الحديث، وجعلها كالجامع لأحاديث الأحكام.
و(الوسطى) مجردة الأسانيد وهي التي وضع عليها أبو الحسن بن القطان (639هـ) كتابه الشهير (بيان الوهََم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام).
وكتبه هذه عدوها في مفاخر أهل الأندلس.
(الأحكام الكبرى) للإمام مجد الدين أبي البركات عبدالسلام بن تيمية الحراني (653هـ)، اختصر منه (المنتقى من أخبار المصطفى). وعليه شرح حافل للشوكاني (1250هـ) سماه (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار).
(الإمام في معرفة أحاديث الأحكام) للإمام تقي الدين محمد بن علي المشهور بابن دقيق العيد (702هـ). وثلاثتها مطبوعة متداولة.
وهناك غيرها لكنها مختصرة من أشهرها (بلوغ المرام من أحاديث الأحكام) لابن حجر وعليه شروح كثيرة.
سابعًا: الكتب الجامعة للأحاديث الإلهية:
(الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية) للحافظ شرف الدين عبدالرؤوف المناوي (1052هـ)، وعدة أحاديثه (272) حديثًا، وقد رتبه على حرف المعجم.
(الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية) للعلامة محمد المدني، وقد ضمنه (864) حديثًا.(1/43)
(جامع الأحاديث القدسية) لأبي عبدالرحمن عصام الدين الصبابطي، وعدة ما فيه (1150) حديثًا، رتبه على الأبواب، وهو كتاب مخرج ومحرر.
ثامنًا: الكتب الجامعة للأحاديث بإطلاق.
(جمع الجوامع) أو (الجامع الكبير) لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (911هـ) أراد فيه استيعاب الأحاديث النبوية بأسرها، فقال في مقدمته: (هذا كتاب شريف حافل، ولباب منيف رافل، بجمع الأحاديث الشريفة النبوية كافل، قصدت فيه استيفاء الأحاديث النبوية)(1). اهـ. وقد قسمه إلى قسمين الأول للأحاديث القولية، ورتبه على حروف المعجم، والثاني للأحاديث الفعلية، ورتبه على المسانيد. وقد رمز لمصادر حديثه في كتبه الثلاثة برموز ذكرها في ديباجة كل كتاب.
وذيل عليه عبدالرؤوف المناوي بكتاب سماه (الجامع الأزهر من حديث النبي الأنور) بلغ مجموع ما استدركه (5195) حديثًا. وهو مطبوع.
(الجامع الصغير من حديث البشير النذير) للمؤلف نفسه. ذكر فيه ألوفًا من الأحاديث المختصرة الصحاح والحسان والضعاف المعتبرة.
(زيادة الجامع) وهو ذيل على (الجامع الصغير) للمؤلف نفسه، وقد انتقى هذين الكتابين من جامعه الكبير وزاد عليه زوائد من غيره.
(كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال) للعلامة علاء الدين علي بن حسام الهندي (957هـ)، جمع فيه بين كتب السيوطي (الجامع الصغير)، و(زيادته)، و(الجامع الكبير) ورتبها على الأبواب الفقهية على طريقة ذكرها في مقدمته.
(الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير) للشيخ يوسف بن محمد النبهاني (1350هـ)، وقد وميز الزيادة برمز (ز).
__________
(1) 1: 18).(1/44)
(جامع الأحاديث) (الجامع الصغير و زوائده والجامع الكبير للسيوطي) جمع وترتيب عباس أحمد صقر، وأحمد عبدالجواد. وزاد المؤلفان ما استدركه الحافظان المناوي والشريف إدريس العراقي المغربي على (الجامع الكبير)، وفي نيتهما ضم ما يعثرا عليه من استدركات. وهو مطبوع في واحد وعشرين مجلدًا وسطًا(1).
(جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد) للعلامة محمد بن محمد بن سليمان المغربي (1094هـ). جمع فيه مصنفه بين متون الكتب الستة وزوائدها، وأفرد زوائد ابن ماجه والدارمي، وألحقها به، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات كبار.
ولا زالت تتوالى الجهود والمصنفات في هذا الفن بالجمع والاستدراك والتذييل.
وختامًا فإني أشد بكلتا يديَّ على يد صاحب فكرة هذا المشروع، وأرى أنه من الضروري المبادرة بهذا العمل، وفق خطته المرسومة، التي تدل على معرفة وتصور بما قد يعتور هذا المشروع من عقبات، ومع هذا فهو يحاول جاهدًا الترويج لمشروعه هذا ونشره، فلعله يجد معينًا في وقت قل فيه المعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والله من وراء القصد. والحمد لله أولاً وآخرً(2).
المؤلف في سطور
أحمد علي آل مريع: 25/7/1390هـ من رجال ألمع – عسير.
بكالوريوس اللغة العربية 1413هـ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – فرع الجنوب.
ماجستير في الأدب والنقد الحديثين بتقدير ممتاز 1420هـ من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
عمل معيدًا ثمّ محاضرًا بقسم اللغة العربية – كلية المعلمين بأبها.
عضو نادي أبها الأدبي.
__________
(1) وعليهما تعقب في المنهج نبه عليه شيخنا عبدالمهدي عبدالهادي في كتابه طرق تخريج حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (ص64).
(2) انظر شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي، وتقييد العلم له، والمحدث الفاصل للرامهرمزي، السنة قبل التدوين للدكتور محمد عجاج خطيب، وتدوين السنة للدكتور محمد مطر.(1/45)
كلف بالعمل في لجنة الطباعة والنشر بنادي أبها الأدبي، حتى اعتذاره لظرف ابتعاثه للإعداد لدرجة الدكتوراه.
أشرف على تحرير مجلة "بيادر" التي تصدر عن نادي أبها الأدبي.
عمل سكرتيرًا لمركز البحوث والدراسات التربوية بكلية المعلمين في أبها؛ خلال عام 1419هـ –1420هـ. وهو سكرتير مركز البحوث والدراسات التربوية الآن..
عمل مديرًا للمكتب الإعلامي في كلية المعلمين بأبها خلال الفترات من 1414هـ إلى 1415هـ – ومن 1419هـ إلى 1421هـ بالإضافة لعمله بقسم اللغة العربية.
رأس وشارك في عدد من اللجان العلمية، والتحكيمية والإدارية والثقافية والتربوية.
حكّم عددًا من الدِّراسات العلمية والبحوث في مسابقات ثقافية وعلمية مختلفة.
يكتب منذ عام 1411هـ وبصفة دورية في عدد من المجلات والصحف المحلية والعربية: (المجلة العربية، بيادر، حولية مركز البحوث والدراسات التربوية، مجلة الأدب الإسلامي، جريدة الجزيرة، جريدة الوطن، جريدة المدينة المنورة).
له قصص قصيرة، وقراءات نقدية وأدبية، ومقالات علمية واجتماعية، ومشاركات فقهية منشورة ؛ كما أعد وقدم عدداً من المحاضرات والجلسات العلمية والملتقيات الثقافية والوطنية، بالإضافة إلى مشاركات متعددة في التليفزيون والإذاعة.
يهتم بقضايا الأدب والنّقد والفقه والفكر والحضارة وفق رؤية معتدلة، تعتمد على فقه الواقع.
له عدد من الكتب والبحوث المنشورة والمخطوطة:
كانَ يومُ كنتُ: صناعةُ الفقهِ والأدبِ.
الفكاهة في أدب الطنطاوي.
قراءة في فلسفة الحب...
الراعي والرعية في منطوق السنّة النبوية: مجموع حديثي.
السيرة الذّاتية.. مقاربة الحدّ والمفهوم.
رُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيه..
حاصل على عدد من شهادات الشكر والتقدير.
مبتعث للتحضير لدرجة الدكتوراه بجامعة الملك سعود، تخصص فلسفة الأدب والنقد – قسم اللغة العربية.
يمكن مراسلته على: السعودية – أبها ص. ب: 2036 أو على البريد الإلكتروني التالي: aaljooni@hotmail.com(1/46)