جرح الرواة وتعديلهم ـ الأسس والضوابط
رسالة دكتوراه
من إعداد
محمود عيدان أحمد الدليمي
بأشراف
الدكتور زياد محمود رشيد العاني
جامعة بغداد ـ كلية العلوم الاسلامية(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونشكره،ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فما له من هاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله وخاتم النبيين.
أما بعد:
فأن الله تبارك وتعالى خص هذه الامة بخير كتاب أنزل ،وشرفها بخير نبي أرسل،وأعزها بخير منهاج شرع،لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،في نبأ من كان قبلنا،وخبر مابعدن،وحكم ما بيننا،وهو الفصل ليس بالهزل،من تركه من جبار قصمه الله،ومن إبتغى الهدى في غيره أضله الله،وهو حبل الله المتين ،كما أخبر بذلك سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -
ومن أبرز خصائص هذه الامة،أن الله تبارك وتعالى أراد لدينها أن يكون دين الناس جميعا .قال الله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85
وهذا يستلزم أن يكون نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كذلك رسولا إلى الناس كافة،لذا قال تبارك وتعالى مخاطبا نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون} سبأ: 28.(2/1)
وقد أخبر الصادق المصدق عن نفسه بهذا فقال: (( أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي؛نصرت بالرعب مسيرة شهر،وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا،وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل،وأحلت لي الغنائم،وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة،وأعطيت الشفاعة)).صحيح البخاري/كتاب الصلاة/رقم الحديث 419.
ولكي تكون عالمية الإسلام هذه مثالا واقعا ، فقد تكفل سبحانه وتعالى بحفظ كتابه العزيز ،الذي هو دستور المسلمين قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9
وتكفل كذلك بحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهديه القويم ، لأنها الطريق الى الموصل الى هديه وشريعته سبحانه وتعالى بناء على قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ چ چ چ چ آل عمران: 31
وقوله: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? چ النساء: 59
ومعلوم أن الرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته إنما يكون عن طريق الرجوع إلى سنته ، والعمل بمقتضاها.(2/2)
لأجل هذا كله تجلت رحمة الله بهذه الأمة،بأن سخر جهابذة العلماء ووجه عنايتهم إلى القيام بأعباء حمل سنته - صلى الله عليه وسلم - والتصدي لمن يريد ان يلبس على الناس شيئا من ذلك، فكانوا المصفاة التي حفظ الله بها سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من شوائب المغرضين من المنافقين والمارقين، فقامت دراسات واسعة ، وبذلت جهود كبيرة ، في سبيل تمكين الناس من الاحتكام إلى سنته - صلى الله عليه وسلم -
فظهر المفسرون الذين يعلمون الناس مراد الله عز وجل من خطابه في كتابه العزيز،وظهر الفقهاء ليعلموا الناس الحلال والحرام،وظر المحدثون الذين توارثوا أقوال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأوصلوها الى من بعدهم،وظهر بعد ذلك الناقدون لأخبار الرواة وهم من يعرفون بأئمة الجرح والتعديل،ليقولو للناس أن فلانا كذاب فلا تأخذوا حديثه،وأن فلانا صدوق لكنه سيء الحفظ ، وهكذا....وعد ما قام به هؤلاء الرجال العظام مفخرة الامة الاسلامية عبر الأجيال، وكان اللبنة الأولى في صرح البحث العلمي الرصين،فقد أخضعوا كل من روى شيئا من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - للدراسة والنقد والتمحيص ، وهو ما يعرف عندهم بـ (ميزان الجرح والتعديل)(2/3)
وأصدروا أحكامهم عليهم وفق منهج علمي إسلامي رفيع،تشرئب إليه الأعناق ولا تبلغه،لا مكان فيه للأهواء. من اشتط في حكمه منهم على أحد قالوا له لا عبرة بحكمك، ومن تحامل على غيره كان تحامله على غيره بصمة تؤشر في ميزان ضعفه وهكذا.
لهذا فإن أهمية الجرح والتعديل تأتي بالدرجة الأولى ، إذ بغير هذا العلم يفوت كل ما يرتجى من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكون المتعاطي لتلك الأحاديث كحاطب ليل،لعله يضع الأفعى على كاهله وهو لا يعلم.
لذا رأيت من تمام الفائدة أن أقيم دراستي هذه في تقصي تلك الضوابط التي اتبعها العلماء وهم يمارسون مهمتهم العظمى في نقد رجال الحديث ، ومحاكمة مروياتهم لكي لا يظن ظان أن الأمر كان خاضعا عندهم للميول والأهواء. ولكي لا يتجرأ المتجرئون في إصدار أحكامهم علة أحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم - ، قبل أ، يعلموا أن لأهل هذا الفن منهجا رصينا في التعامل مع الرواة الذين اختلفت في حقهم أحكام أهل الجرح والتعديل .
وأخيرا فهذا جهدي بذلته،اسأل الله تعالى أن ينفعني به أولا،ويجعله في صحيفة عملي يوم لا ينفع مال ولا بنون ، وأ، ينفع به غيري من المسلمين ثانيا .(2/4)
فإن أصبت فلله الحمد والمنة ،وإن أخطأت فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون.
وآخر دعوان أن الحمد لله رب العالمين
الدكتور محمود عيدان أحمد
العراق/صلاح الدين
1428/ربيع الاول /14
2007/4/2(2/5)
الفصل الأول/ التثبت وأهميته في حياة المسلمين
المبحث الأول/ التثبت في القرآن الكريم.
المبحث الثاني/ التثبت في السنة النبوية.
المبحث الثالث/ التثبت عند الصحابة الكرام
والتابعين .
المبحث الأول
التثبت في القرآن الكريم
لاشك أن من ينعم النظر في القرآن الكريم والسنة المطهرة فإنه سيجد أن هذا الدين العظيم رفع البشر إلى أعلى مستويات الإنسانية وإنه يتعامل معه كأشرف مخلوق على وجه الأرض ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً))(1)، وإذا أردنا أن نقف عند بعض ملامح هذا التكريم الرباني فلن نتعب في ذلك ولن نتعنى لأن كل جزئية من جزئيات هذا الدين هي علم ونبراس على هذا التكريم.
__________
(1) -الإسراء /70.(3/1)
... ونحن حينما نتحدث عن التثبت وأهمية هذا التثبت في حياة المسلمين فإننا في الحقيقة نقف عند معلم بارز من معالم تكريم الله تبارك وتعالى لهذا الإنسان ذلك لأن الله جل وعلا خلق في الإنسان جوهرة مهيبة يستطيع من خلالها أن يحكم على الأشياء وأن يتصرف بعد ذلك بمقتضى ذلك الحكم الذي حكم به. وهذه الجوهرة-وهي العقل-لا تستطيع وحدها أو لا تستطيع مباشرة أن تصدر أحكامها على الأشياء إلا إذا استعانت بأدواتها من سمع وبصر وعلم. ولأجل أن تكون هذه الأحكام مصيبة شرع الله لنا أن نتثبت فيما ترسله أدوات العقل إلى العقل. قال تبارك وتعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(1).
والمنهج القرآني في التثبت يتآتى من خمسة منابع كلها تصب في نفس المسلم لتكون منه إنسانا سويا بعيدا عن الأهواء والتذبذب.
المنبع الأول: مدح الله تعالى للعلم والدعوة إلى التفكر والتدبر:
__________
(1) -الإسراء /36.(3/2)
... لما كان العلم ملكة تترسخ في النفس الإنسانية بقدر ما يبذل الإنسان من جهد في سبيل تحصيلها ولما كان تحصيل هذا العلم مرتبطا بما يبذله الإنسان من تضييق مصادر الظن والأهواء، كانت تلك المنزلة التي يعطيها الله للعلماء وكان ذلك التمجيد الذي مجد به العلم واهله، بمثابة الدعوة إلى التثبت، لأنه بالتثبت وحده يتحصل العلم.
... قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب(3/3)
فأنظر كيف جعل الله العلم الراسخ وسيلة للتخلص من الزيغ المترسب في القلوب المؤدي إلى الفتنة والتأويلات الفاسدة.قال الزمخشري : "(وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم ) أي لا يهتدي الى تأويله الحق الذي يجب ان يحمل عليه الا الله وعباده الذين رسخوا في العلم، أي ثبتوا فيه وتمكنوا وغضوا عليه بضرس قاطع"(1)
ثم ختم الله تبارك وتعالى الاية الكريمة بان الذين يتذكرون هم اصحاب العقول الذين استفادوا من عقولهم ،قال الالوسي:(ان مدح الراسخين بالتذكرليس لان لهم حظا في معرفته،بل لانهم اتعظوا فخالفوا هواهم ووقفوا عند ما حد لهم مولاهم ولم يسلكوا مسلك الزائغين ولم يخوضوا مع الخائضين)(2)
وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))(3).
__________
(1) ـ الكشاف / الزمخشري : 1/ 411
(2) ـ روح المعاني / ابو الثناء الالوسي:3/79
(3) -المجادلة /11.(3/4)
قال الطبري في فسير هذه الآية:(يرفع الله المؤمنين منكم ايها القوم بطاعتهم ربهم ...ورفع الله الذين اوتوا العلم من اهل الايمان على المؤمنين الذين ام يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات اذا عملوا بما امروا به)(1)
... وحينما يضطرب الناس يوم القيامة عندما يرون العذاب يتميز أصحاب العلم بعلمهم إنهم على موعد مع هذا الموقف الذي أعدوا له عدته: قال تعالى: ((وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))(2).
__________
(1) ـ تفسير الطبري : 28/17
(2) -الروم /55-56.(3/5)
... يقول الرازي في بيان سبب هذا الاختلاف :(المجرم اذا حشر علم ان مصيره الى النار فيستقل مدة اللبث ويختار تأخير الحشر والابقاء في القبر، والمؤمن اذا حشر علم ان مصيره الى الجنة فيستكثر المدة ولايريد التأخير فيختلف الفريقانويقول احدهما : ان مدة لبثنا قليل وايه الاشارة بقوله "ويقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" ويقول الاخر لبثنا مديدا، واليه الاشارة بقوله"وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث" يعني كان في كتاب الله ضرب الاجل الى يوم البعث ونحن صبرنا الى يوم البعث "فهذا يوم البعث ولكنكم كنتتم لا تعلمون "يعني طلبكم التأخير لانكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به فصار مصيركم الى النار)(3/6)
ويعقد الله تبارك وتعالى موازنة بين طائفتين من الناس أعملوا أنظارهم وعقولهم في مسألة واحدة. فكان منهم من وصل إلى الحق لأنه سعى وراءه مجردا وكان منهم من ساقه عقله إلى الهاوية لأنه لم يحسن استخدام هذه النعمة الربانية بل جعل منها سبب هلاكه وغوايته. قال تبارك وتعالى: ((وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))(1)وكل هذا الاختلاف أن الفريق الأول لم يتثبت في إصدار أحكامه ولم يرعو أن يكون صدى لما كان يقال آنذاك عن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) -سبأ /5-6.(3/7)
... فاتذبذب وعدم التثبت يؤديان بالمرء إلى الشرك وزرع النفاق في القلب، والعلم واليقين والتوقي يؤدي بالمرء إلى الإخبات والخضوع لرب العزة. قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))(1).
... فانظر إلى المرض الجاثم على قلوب المنافقين كيف جعل من إلقاء الشيطان فتنة لهم ووبالا عليهم صدهم عن ذلك الخير العظيم. وأنظر إلى العلم كيف جعل من إلقاء الشيطان ذاته وسيلة من وسائل العلم والتثبت طريقا إلى الإخبات والإذعان لمشيئة الله رب العالمين.
__________
(1) -الحج /52-54.(3/8)
... ثم بقي أن نعلم أن الله تعالى جعل العلماء هم الطائفة المرجوة في تحقيق شرع الله جل وعلا وأنهم هم الذين يعرفونه حق معرفته وبالتالي فهم الذين يخشونه حق خشيته.
... قال تعالى: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))(1).
... وقال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ))(2).
المنبع الثاني: نهي الله تعالى المكلف عن عدم التثبت واستخدام المنهج العلمي فيه:
ومن المنابع الأساسية التي تساهم في صنع ملكة التثبت في نفس المسلم السوي أن الله تعالى أزرى على عباده الذين يجانبون المنهج العلمي القويم في تحصيل معارفهم وإطلاق أحكامهم.
__________
(1) -آل عمران /18.
(2) -فاطر /27-28.(3/9)
... يقول الله تبارك وتعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))(1).
... قال الزمخشري : (ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول او فعل كمن يتبع مسلكا لا يدري انه يوصله الى مقصده فهو ضال .)(2)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تقل) وقال العوفي: (لا ترم أحدا بما ليس لك به علم) وقال محمد بن الحنفية: (يعني شهادة الزور) وقال قتادة: (لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله) ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم)(3).
... وقال ابن حيان :( ومعنى لا تقف لا تتبع ما لا علم لك به من قول او فعل 000 ويدخل فيه النهي عن اتباع التقليد )(4)
__________
(1) -الإسراء /36.
(2) ـالكشاف/ الزمخشري/2/449
(3) -تفسير ابن كثير 3/54.وتفسير الرازي /20 /338
(4) ـ البحر المحيط /ابن حيان /7/31 وانظر تفسير القرطبي/10/257(3/10)
وقال الشيخ حسنين محمد مخلوف في تفسير هذه الآية: ((ولا تقف)) لا تتبع مالا علم لك به من قول أو فعل ويندرج في ذلك شهادة الزور والكذب وأن تقول
للناس وفي الناس مالا علم لك به، وترميهم بالباطل، وأصل القفو: العضهُ، والبهت والقذف بالباطل(1).
... وجاء في روائع البيان في تفسير هذه الآية: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) أي لا تتبع مالا علم لك به من قول أو فعل، فترمي الناس بالباطل، وتشهد عليهم بغير حق. بل تثبت من كل أمر، فإن الإنسان يسأل يوم القيامة عن كل ما اكتسبته جوارحه(2).
... وقال تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ))(3).
__________
(1) -صفوة البيان/ محمد حسنين مخلوف، 364.
(2) -روائع البيان لمعاني القرآن/ أيمن عبد العزيز جبر: 285.
(3) -البقرة /170.(3/11)
وقال أيضا: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ))(1).
... فهل بعد هذه الدعوة الصارخة إلى تحكيم العقل وأعمال الفكر مجال لأن يبقى الإنسان كالريشة في مهب الريح تتناقله الأهواء والظنون إلى حيث الهلاك والمنون؟!!
المنبع الثالث: حملة القرآن الكريم على الذين يتبعون الظن وما تهوى الأنفس:
...
ولقد شن القرآن الكريم حملة شعواء على الذين يتبعون الظن ويجعلونه قسيم العلم في حياتهم ثم يصدرون أحكامهم انطلاقا من تلك الظنون التي لا تورث إلا أحكاما فاسدة. لأن القضية إذا فسدت مقدماتها فسدت نتائجها قطعا. وعليه فإن كل ما يبنى على الظن لا يستطيع أن يثبت ولا يكتسب صفة الرسوخ، وكل ما بنى على العلم فإنه ثابت وراسخ كما قدمنا في المنبع الأول.
__________
(1) -لقمان /21.(3/12)
... قال تبارك وتعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))(1).
... فهنا يرشدنا الله تبارك وتعالى إلى أن الظن لا يمكن أن يكون هو الطريق اللائق بالبشر في بناء الأحكام المتعلقة بالقضايا الغيبية وإن هذا الطريق يزري على الإنسان ويجعله في مرتبة متدنية من الرقي والتطور.
فهؤلاء المشركون لما لم يتبعوا المنهج العلمي في استصدار احكامهم تردوا في مستنقع الشرك والضلال، قال القرطبي :" (وما لهم به من علم ) أي انهم لم يشاهدوا خلقه الملائكة ولم يسمعوا ما قالوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه في كتاب "(2)
وقال تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ))(3).
__________
(1) -النجم /27-28.
(2) ـ تفسير القرطبي :17/ 69
(3) -الأنعام /23.(3/13)
وقال جل من قائل: ((إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى)(1).
ففي هاتين الآيتين جعل الله تبارك وتعالى هلاك البشر وانحرافهم في ديانتهم وعبادتهم بسبب اتباعهم للظن ومجانبتهم للهدى الذي هو نقيض الظن، فلو أن الإنسان احترم عقله ووضع جوارحه من سمع وبصر وشعور في المكان الذي يريده الله تبارك وتعالى واستخدم هذه الروافد بشكلها الصحيح لوصل إلى برد اليقين وباحة الإيمان. ولكن يأبى أكثر الناس إلا أن يلغوا عقولهم ويقفلوا على قلوبهم ويركضوا وراء شهواتهم وأهوائهم فيتبعوا خطوات الشيطان.
قال تعالى: ((وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ))(2).
__________
(1) -النجم/ 23
(2) -يونس /36.(3/14)
... بل ان بعض العلماء رأى في هذه الاية مستمسكا لعدم جوار التقليد في الامور العقائدية الا عن طريق النظر والبرهان قال الرازي:"دلت هذه الآية على ان كل من كان ظانا في مسائل الاصول وما كان قاطعا فأنه لا يكون مؤمنا"(1)
وكذلك صرح القرطبي فقال " (ان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقيل (الحق) هنا اليقين أي ليس الظن كاليقين وفي الآية دليل على انه لا يكتفى بالظن في العقائد"(2)
وقد أزرى الله تبارك وتعالى على الأمم السابقة حينما جعلوا ظنونهم مطية يركبون عليها على حساب دينهم. فهؤلاء اليهود حينما تخلوا عن المنهج الحق في إصدار أحكامهم واتبعوا ظنونهم قالوا: إن إبراهيم يهوديا وهم يعلمون إن إبراهيم عليه السلام عاش ومات من قبل أن يظهروا إلى الوجود. فحاججهم القرآن العظيم على هذه الفعلة فقال تعالى:
__________
(1) ـ تفسير الرازي: 17/247
(2) ـ تفسير القرطبي: 8 / 343(3/15)
((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))(1).
... ثم شن الله تبارك وتعالى حملة على النصارى حينما تبنوا أحكاما بحق سيدنا عيسى مبناها على الظن وأوضح لهم أن الظنون تورد الخلاف والفرقة وإنها تجلب الغضب والسخط من الله تبارك وتعالى.
__________
(1) -آل عمران /65-67.(3/16)
... قال الله تبارك وتعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً))(1).
... أما أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تبارك وتعالى يرسم لهم الطريق منذ البداية ويضع المعالم أمامهم لكي لا يصلوا إلى ما وصلت إليه الأمم السابقة فيسد جل وعلا كل ثغرة يمكن أن تتسبب في انحراف الأحكام وما يتبناه المسلم في حياته. فيقول جل وعلا:
__________
(1) -النساء /155-158.(3/17)
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))(1).
(فلكي لا يقع المسلم في الظن الباطل الذي يفسد الأحكام عليه أن يترك مساحة كبيرة من الظن المباح توطينا للنفس على التثبت والتوقي وما ذلك إلا لشدة هذا الأمر وخطورته)(2)
المنبع الرابع: ترتيب الله جل وعلا الحقوق على منهج التثبت والبينة:
... وربما لا نبالغ إذا قلنا إن أهم المنابع التي تؤصل في نفس المسلم منهج التثبت والتوقي هو ما نلاحظه في القرآن الكريم من إلزام المؤمنين بشكل عملي بذلك المنهج في شتى مناحي الحياة وترتيب الله جل وعلا الحقوق والقضاء على التثبت.
... فتارة نرى ان الله تبارك وتعالى يحثنا على كتابة العقود والديون، ثم يوجهنا بعد الكتابة الى إشهاد الشهود على ذلك.
... وتارة نراه يجعل مدار تطبيق الحدود على البينة، فلا تثبت جريمة ولا يقام حد إلا بعد التثبت والاستيقان.
__________
(1) -الحجرات /12.
(2) ـتفسير القرطبي/16ـ332(3/18)
وتفصيل ذلك فيما يأتي:
... يقول الله تبارك وتعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاتَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا(3/19)
تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(1).
... ومن يقف أمام هذه الآية موقف الاعتبار فإنه سيلمس بيده عظمة هذا الإعجاز التشريعي الرائع الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فيها حفظ لحقوق الناس إلا أحصاها. فالباري عز وجل لما علم من تقلب الإنسان إذا ما وكل إلى نفسه ولما علم من أن هذا الإنسان عرضة للنسيان بسبب أثقال الحياة وأمواجها المتلاطمة لم يرد جل وعلا أن تضيع حقوق بني البشر بعضهم عند بعض إذا تعاملوا بالدين وأراد لكل واحد منهم أن يتثبت في حفظ حقوق غيره لكي تستمر الحياة باستمرار الثقة بينهم. لذا أوجب الله تعالى في مسألة المداينة عدة أمور يمكن إجمالها فيما يأتي:-
1.يحثنا سبحانه وتعالى كتابة المداينة فقال جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ)). مهما تكن الثقة بين الدائن والمدين.
__________
(1) -البقرة /282.(3/20)
قال الطبري :"اختلف اهل العلم في اكتتاب الكتاب بذلك على من هو عليه هل هو واجب او ندب ؟؛ فقال بعضهم:هو حق واجب وفرض لازم… وقال آخرون:كاناكتتاب الكتاب بادين فرضا فنسخه قوله تعالى):فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته)"(1)ـ3
قال ابن حبان :"امر الله تعالى بكتابته لان ذلك اوثق وآمن من النسيان وابعد من الجحود وظاهر الامر للوجوب،وبه قال بعض اهل العلم منهم الطبري(2) واهل
الظاهر وقال الجمهور هو امر للندب يحفظ به المال وتزال به الريبة "(3)
2ـ أوجب الله تعالى أن تقوم عملية الكتابة هذه على يد طرف ثالث، ويجب أن يكون هذا الكاتب عدلا مرضيا من قبل الطرفين. قال تعالى: (( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)).
قال الامام الرازي :"واعلم انه تعالى لما امر بكتب هذه المداينة اعتبر في ذلك شرطين:
اولهما:ـان يكون الكاتب عدلا"(4)
__________
(1) ـالبقرة / 283
3ـتفسير الطبري:3/77ـ78
(2) ـانظر تفسير الطبري /3ـ77 فما بعدها فقد ذكر مذاهب العلماء في تفسيرهم لهذا الامر باتفصيل
(3) ـ البحر المحيط : 2 /720
(4) ـ تفسير الرازي: 7 / 89(3/21)
3.إذا وجد الكاتب العدل وجب عليه الانقياد لرغبتهما في الكتابة ولا يجوز له أن يمتنع عن كتابة هذه المداينة. قال تعالى (وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّهُ اللَّهُ )).
قال الرازي:"ظاهر هذه الكلام نهي لكلمن كان كاتبا عن الامتناع عن الكتبة والمعنى ان الله تعالى لما علمهالكتبة ورفه بمعرفة الاحكام الشرعية فالاولى ان يكتب تحصيلا لمهم اخيه المسلم وشكرا لتلك النعمة "(1)
4.زيادة في التثبت يجب على الشخص المدين أن يقر ويردد بلسانه ما كتبه كاتب العدل حتى يقع الحق عليه ولا يدعي بعد ذلك أنه لم يعلم مضمون ما كتب. قال تعالى: (( فَلْيَكْتُبْ (أي الكاتب) وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ)) (أي الشخص المدين).
قال ابن كثير :"أي وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين وليتق الله في ذلك ( ولا يبخس منه شيئا)أي ويكتم منه شيئا "(2)
__________
(1) ـالمصدر نفسه :7 /89
(2) تفسير ابن كثير : 1 /558(3/22)
5.إذا عجز الشخص المدين عن الإقرار وترديد ما كتبه كاتب العدل بسبب الجهل أو الضعف أو البكم وغير ذلك وجب على وليه بالعدل أن يقر نيابة عنه. قال تعالى: (( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ )).
6.كل هذه العملية تحاط بسور أخر وهو استشهاد رجلين على هذا العقد وهذان الشاهدان يجب أن يكونا مرضيين عند الطرفين جميعا.
7.إذا لم يتيسر رجلان للشهادة فيجب أن يكون الشهود رجلا وأمرأتين قال تعالى: (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)). لأن المرأة أكثر عرضة للنسيان من الرجل أو لأنها أكثر عرضة لأن تصرف عن الحق فتنساه أكثر من الرجل.
8.يجب على الشهداء إجابة الطرفين إذا ما دعوا إلى الشهادة وإقامة الحق قال تعالى: (( وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا )).(3/23)
9.يحذرنا الله تعالى من السأمة عن كتابة هذه العقود مهما كان حجم المال المستدان لأن في هذا العقد حفظا للحقوق قال تعالى: (( وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِه)).
10.أوضح الله تعالى أن هذا التوقي وهذه الحيطة فيها ثلاث ثمار كلها طيبة.
الأولى: إنها أقسط عند الله.
الثانية: إنها أقوم للشهادة بين الناس.
الثالثة: إنها تبعد المتعاملين بالدين عن الريبة وبالتالي تدوم المعاملات بينهم إذا ما انتفت الريبة وسدت منافذها(1).
... فإن كان الله جل تعالى يحثنا الى هذا الحد من أجل دريهمات يأخذها المسلم من المسلم إلى أجل مسمى فإلى أي حد يا ترى يكون التثبت ملزما إذا كان الأمر متعلقا بديننا وعقيدتنا وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟.
... ومن الأمور المهمة في حياة المسلم والتي أحتاط لها القرآن الكريم حيطة تامة: الزنا، والقذف بالزنا. فقد شرع الله سبحانه وتعالى عقوبة صارمة لمن يقع في هذه الجريمة ولكن قبل أن توقع العقوبة على من جناها شرع القرآن منهجا للتثبت في هذا الأمر العظيم:-
__________
(1) ـانظر تفسير الطبري : 3 / 77 وتفسير السمرقندي : 1 / 178 وتفسير البيضاوي : 1 / 578(3/24)
... فأوضح الله تعالى أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهداء يشهدون على ذلك لكي يستحق الزاني أو الزانية تلك العقوبة الصارمة.
... قال تعالى: ((وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً))(1).
... وهذه الاية وان اشتملت على حكم منسوخ وهو الحبس في البيوت الا ان ما يثبت به الحكم غير منسوخ وهو ان يشهد على ذلك اربعة رجال من المسلمين وهو ما يهمنافيما نحن بصدده ، قال الرازي:" ذلك ان المرأة اذا نسبت الى الزنا فلا سبيل لاحد عليها الا بأن يشهد عليها اربعة رجال مسلمون على انها ارتكبت الزنا "(2)
__________
(1) -النساء /15.
(2) ـتفسير الرازي : 9 / 526(3/25)
ولكي لا يفتح الباب على مصراعيه فيتهم الناس بلا بينة أوضح الله تبارك وتعالى أن من شهد على أحد من الناس بالزنا فهو قاذف مستحق لعقوبة القذف إلا أن يشهد معه ثلاثة آخرون بنفس ما شهد به. لكي يعلم خطورة هذه المسألة ولكي يتعلم المسلمون كيف يتثبتون قبل أن يصدروا أحكامهم. قال تبارك وتعالى: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً * الاالذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم ))(1). قال ابن كثير : "فاوجب على القاذف اذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة احكام : ( الاول )ان يجلد ثمانين جلدة .(الثاني) ان ترد شهادته ابدا . (الثالث) ان يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس "(2) … واختلف العلماء بعد ذلك في الاستثناء في قوله تعالى :(الا الذين تابوا) هل هو رافع للفسق فقط فلا تقبل شهادتهم ام انه رافع للفسق وعدم قبول الشهادة(3)
__________
(1) -النور /4 ـ5
(2) ـتفسير ابن كثير : 6 / 10
(3) ـ انظر تفصيل ذلك في تفسير ابن كثير :6 10(3/26)
وزيادة من الله جل وعلا في ترسيخ التثبت في نفوس المسلمين والأخذ بالاحتياط يعلمنا الله جل وعلا أن كافل اليتيم بعد أن كان وليا على ماله يتصرف على وفق مصلحة ذلك اليتيم حينما يكبر هذا اليتيم ويريد أن يرد عليه ماله يجب على الكافل أن يشهد عليه أناسا مرضيين من المسلمين بأنه قد أخذ أمواله. وفي هذه حماية لصفحة الكافل وقطع للألسنة التي لا تريد أن ترعوي أو تتثبت قبل تنطق.
... قال تعالى: ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً))(1).
قال القرطبي : "امر الله تعالى بألاشهاد تنبيها على التحصين وزوالا للتهم وهذا الاشهاد مستحب عند طائفة من العلماء..وقال طائفة هو فرض ؛ وهو ظاهر الآية"(2)
__________
(1) -النساء /6.
(2) ـ تفسير القرطبي : 5/ 33(3/27)
... وكذلك الحال في الطلاق او الرجعة شرع الباري أن يشهد العدول على ذلك لما فيه من زيادة في التوقي وحماية لأعراض المسلمين والمسلمات من أن تكون عرضة لألسنة الطاعنين والمنافقين.
... قال تعالى: ((فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً))(1).
المنبع الخامس: الدعوة الصريحة إلى التثبت في الأخبار:
... والمنبع الخامس الذي يصب في نفوس المسلمين لكي يثمر غرس التثبت هو تلك الدعوة الصريحة في القرآن الكريم إلى عدم الخوض في الأخبار على غير هدى، لأن الإنسان السوي يربأ بنفسه أن يتردى إلى المستويات غير الإنسانية حيث يصبح الإنسان بوقا يردد ما يلقى إليه من غير أن يعلم أي بعد لكلامه الذي يقوله ويطلقه.
__________
(1) -الطلاق /2.(3/28)
... وأول الآيات التي تقرر هذا المعنى قوله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))(1).
... وسبب نزول هذه الآية إن الحارث بن ضرار الخزاعي سيد بني المصطلق قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاني إلى الإسلام فأقررت به ودخلت فيه، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي، فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فترسل لي رسولا لأبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الأبان، احتبس عليه الرسول فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه فقال لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وقت وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما عندي من الزكاة، وليس من رسول الله الخلف، ولا أرى حبس رسول الله إلا من سخطة فانطلقوا فنأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الوقت الذي خرج فيه الحارث للحضور عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعث رسول
__________
(1) -الحجرات /6.(3/29)
الله الوليد بن عقبة إلى الحارث، ليقبض ما عنده من الزكاة، فلما سار الوليد وقطع بعض الطريق، خاف ورجع، والتقى برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جماعة إلى الحارث، فالتقت به وبأصحابه، فقال الحارث لهذه الجماعة إلى من بعثتم؟ قالت: إليك، قال ولم؟ قالت له أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليك الوليد بن عقبة، فمنعته الزكاة وأردت قتله، فقال الحارث: والذي بعث محمدا ما رأيت الوليد وما رآني، ثم دخل الحارث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -، منعت رسولي وأردت قتل رسولي،؟ فقال يا رسول الله: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني، ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله خشيت أن تكون سخطة من الله ورسوله فنزلت الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))(1) قال قتادة فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (التثبت من الإيمان
__________
(1) ـ تفسير القرطبي : 16 / 311(3/30)
والعجلة من الشيطان)(1).
... فلو لا تثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإرساله جماعة بعد الوليد بن عقبة لوقع مالا تحمد عقباه كما أخبر بذلك رب العزة جل وعلا.
... والعبرة كما يقول علماء الأصول بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لذا فإن هذه الآية من أبرز الآيات التي أسست منهج التثبت في حياة المسلم لأنها تقرر أن التأني والتثبت لا يأتيان إلا بالخير وأن العجلة والظنون لا يأتيان إلا بالشر والندامة.
... وفي سورة النساء يقرر الباري سبحانه وتعالى هذا المعنى بصورة أخرى مصورا حال ضعاف النفوس الذين يتصدون لكل كلمة يسمعونها ويذيعونها بين المسلمين من دون أن يعرفوا حجمها وأبعادها، ويوضح الله تعالى كذلك أنهم بفعلهم هذا-الناشئ عن عدم التثبت-كادوا أن يتبعوا الشيطان لولا أن الله تداركهم برحمته الواسعة.
__________
(1) -تفسير القرآن العظيم /ابن كثير، 4/307، وفي سنن الترمذي كتاب (البر والصلة) باب ما جاء في التأني رقم الحديث (1935) من طريق سهل بن سعد الساعدي بلفظ (الأناة من الله والعجلة من الشيطان). وقال حديث غريب وقد تكلم بعض اهل الحديث في عبد المهيمن بن عباس بن سهل من قبل حفظه .(3/31)
... قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً))(1).
... وفي سورة النور حينما تكلم المرجفون على سيدتنا عائشة رضي الله عنها واتهموها بما برأها الله منه عرض الله تبارك وتعالى الموقف الذي يجب على المؤمنين أن يتخذوه من التثبت وترك السير وراء كل ناعق.
... قال تبارك وتعالى: ((لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ، لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ))(2).
... حيث أن منهج التثبت الذي أرساه الله جل وعلا في نفوس المسلمين يقتضي أن يتوقف المسلم عن الخوض في هذا الأمر الخطير. لأمرين مهمين ذكرهما جل وعلا:
__________
(1) -النساء /83.
(2) -النور /13.(3/32)
الأول: إن هذه الدعوى إفك مبين، لا يمكن أن ينطلي على الناس لأنه متضمن طعنا بعرض النبي - صلى الله عليه وسلم -. والأنبياء لا يمكن أن يجعل الله سبيلا للطعن فيهم.
والثاني: إن هذه الدعوى جاءت بلا شهود أو بينة بل جاءت عارية تماما لذا فإن ردها من بديهيات العقل بل العقل يجزم أن صاحب هذا الإفك كاذب مفتر. قال تعالى:
(( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)).
... ونختم هذا المبحث بما ذكره الله جل وعلا في سورة المدثر من أن الذي لا يمسكه الورع والتثبت في حياته على ظهر هذه الأرض فإنه سيحشر يوم القيامة مع الذين لم يصلوا لله تبارك وتعالى ولم يؤدوا زكاة أموالهم.
قال تعالى: ((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ))(1).
__________
(1) -المدثر /42-48.(3/33)
المبحث الثاني
التثبت في السنة النبوية المطهرة
...
بعد أن تكلمنا عن التثبت في القرآن الكريم ورأينا أنه يشمل جزءا كبيرا من حياة المسلمين فليس عجيبا بعد ذلك أن نجد أن التثبت والدعوة إليه ضاربة الأطناب في السنة النبوية ذلك لأنه ما من أمر في القرآن الكريم ولا نهي ولا حض ولا تحذير إلا وللنبي - صلى الله عليه وسلم - قصب السبق في ذلك. ثم إن السنة النبوية ما هي إلا تجسيد للقرآن الكريم على واقع الحياة. سواء بما أمر به النبي أو نهى عنه.
... والذي ينعم النظر في واقع السنة المشرفة يجد أن إشاعة التثبت وزراعته في نفوس المؤمنين قد تم بعد أن قامت أسسه ومكوناته في نفوسهم قبل ذلك. فمن الأجل أن يكون المؤمن متثبتا في حياته سن له النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة محاور من السنن كلها تؤتي أكلها في النفس الإنسانية كي يكون إنسانا سويا ويمكن أن نجمل هذه المحاور بخمس نقاط وهي كما يأتي:
المحور الأول:- أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتناب الظن:(4/1)
والظن في أصل اللغة: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم(1) فلما كان الظن مبنيا على غلبة التخمين أي غير مبني على يقين جازم كان-هذا الظن-بعيدا عما يجب أن يكون عليه المسلم في حياته ولهذا عد النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث المبني على الظنون من أكذب أنواع الأحاديث.
... قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث))(2).
... وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين يهوي بها يفي النار أبعد مما بين المشرق والمغرب))(3).
المحور الثاني: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كثرة الكلام ووجوب تمحيص المسموع:
__________
(1) - القاموس المحيط /الفيروز آبادي : مادة :ظن
(2) -صحيح البخاري /كتاب النكاح/ باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه/ رقم الحديث: 4747.
(3) -صحيح البخاري/ كتاب الرقاق: باب حفظ اللسان/ رقم الحديث: 5996.
صحيح مسلم/ كتاب الزهد/ باب إن العبد ليتكلم بالكلمة/ رقم الحديث: 5303.(4/2)
... في هذا المحور يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - أتباعه المؤمنين أن يكون لديهم معيار يقاس عليه ما يرد على أذهانهم من كلام فيأخذ منه ما يوافق الشرع ويطرح ما يخالف ذلك، لأن الإنسان الذي يتحول إلى بوق يردد كل ما يسمع لا يقل عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم سوءا من الذين يتعمدون الكذب. ولأجل هذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -عن ((قيل وقال))(1)كما أخرجه البخاري ومسلم من رواية المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -. ومعناه كما نص ابن كثير (أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين)(2).
... وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((بئس مطية الرجل زعموا))(3) لأن المسلم لا يسعه أن يلقي القول هكذا على عواهنه دون أن يتحمل هو مسؤوليته أو يفصح عمن يتحمل مسؤولية ذلك القول. أما التضليل فأنه حرام ولا يجوز أن يلجأ إليه المسلم بأي شكل من الأشكال.
__________
(1) -صحيح البخاري/ كتاب الرقاق/ باب ما يكره من قيل وقال/ رقم الحديث: 5992.
(2) -تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير: 1/531.
(3) -سنن أبي داود/ كتاب الأدب/ باب في قول الرجل زعموا/ رقم الحديث: 4321، مسند الإمام أحمد/ مسند الشاميين/ رقم الحديث: 16458.(4/3)
... وفي صحيح مسلم يرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الذي ليس لديه ميزان يمحص به الأقوال يكون مشتركا في الكذب فعن عاصم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع))(1).
المحور الثالث: تحذيره - صلى الله عليه وسلم - من سماع الكذابين أو الرواية عنهم:
... ولكي تكتمل في نفوس المسلمين معاني التثبت أو يصبح الاستيقان سجية لهم أخبر الصادق المصدوق عن ظهور الكذابين وإنهم يتظاهرون بالعلم لكي يفسدوا على الناس أمور دينهم فحذرنا منهم وأوجب علينا ان نقاطعهم وأن لا نحدث إلا عمن هو ثقة.
... فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم))(2).
__________
(1) -صحيح مسلم/ المقدمة/ رقم الحديث: 6.وسنن ابي داود/كتاب الادب/رقم الحديث:4340
(2) -صحيح مسلم/ المقدمة/ رقم الحديث: 7.ومسند احمد /باقي مسند المكثرينرقم الحديث: 7911(4/4)
... وعنه أيضا - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنوكم))(1).
... وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))(2).
المحور الرابع: حضه - صلى الله عليه وسلم - صحابته الكرام على حسن التلقي وحسن الأداء:
__________
(1) -صحيح مسلم /المقدمة / رقم الحديث: 8. ،ومسند احمد/باقي مسند المكثرين/ رقم الحديث:8241
(2) -صحيح البخاري/ كناب العلم/ باب كيف يقبض العلم/ رقم الحديث: 98.، وصحيح مسلم /كتاب العلم /رقم الحديث:4828،وسنن الترمذي /كتاب العلم عن رسول الله/رقم الحديث:2576(4/5)
... ومن مظاهر التثبت التي دعا إليها - صلى الله عليه وسلم - وعمل على إشاعتها بين المؤمنين التأكيد التام على حسن التلقي وحسن الأداء بمعنى أن يؤدى المسموع كما سمع من غير زيادة ولا نقصان. حيث دعا - صلى الله عليه وسلم - بالخير لمن يحسن أداء الحديث كما سمعه ودعا قبل ذلك لمن سمع حديثه - صلى الله عليه وسلم - فوعاه وعرف مغزاه والمراد منه.
... فقد ورد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه))(1).
... وروي البخاري بسنده إلى أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم في آخر خطبته يوم النحر: ((ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه))(2).
__________
(1) -سنن الترمذي/ كتاب العلم/ رقم الحديث: 2580، وقال حديث حسن ، وسنن ابن ماجة/ كتاب المقدمة/ رقم الحديث: 226، وسنن الدارمي/المقدمة/رقم الحديث:231
(2) -صحيح البخاري/ كتاب العلم/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ((رب مبلغ أوعى من سامع))/ رقم الحديث: 65.(4/6)
... وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا لبيلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه)). ومعلوم أن المبلغ لا يستطيع أن يفهم من الحديث أكثر من السامع إلا إذا أدى السامع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سمعه. فهذا الحديث فيه دعوة صريحة إلى أن يؤدى الحديث كما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكي لا يفوت نفعه على من خلق الله فيهم قدرة عالية من الوعي.
... واعتمادا على هذا الحديث الشريف وأمثاله نص كثير من العلماء على حرمة رواية الحديث بالمعنى لأنه يفوت مقتضى هذا الحديث. ومن أجازها فأنما أجازها بشروط مخصوصة ليس هذا محل ذكرها.
... روى مسلم بسنده الى ابي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه،وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي قال همام احسبه قال متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))(1)
__________
(1) ـ صحيح مسلم /كتاب الزهد/باب التثبت في الحديث/رقم الحديث: 5326(4/7)
وفي رواية الامام احمد ((حدثوا عني ولا تكذبوا ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ))(1)
وروى الرامهرمزي بسنده أن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حدثوا عني ما تسمعون ولا تقولوا إلا حقا))(2).
... واخرج القاضي عياض بسنده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((حدثوا عني كما سمعتم ولا حرج إلا من افترى علي كذبا متعمدا بغير علم فليتبوأ مقعده في النار))(3).
المحور الخامس: إجابه - صلى الله عليه وسلم - السؤال للكشف عن حقائق الأمور:
__________
(1) ـ مسند احمد /باقي مسند المكثرين /مسند ابي سعيد الخدري/رقم الحديث : 11001
(2) -المحدث الفاصل/ الرامهرمزي/ 172.
(3) -الإلماع إلى معرفة أصول الرواية ويفيد السماع/ القاضي عياض/ 11.(4/8)
... بعد كل هذا أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين أن يقوموا بالتحري والسؤال بأنفسهم من أجل أن يتثبتوا من حجة الخبر، وقد فعل ذلك - صلى الله عليه وسلم - بنفسه لكي يتأسى به المسلمون ويقتدوا بسنته العطرة كما حصل مع ذي اليدين حين سهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر فقال له)) : أ قصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟، قال: لم أنس ولم تقصر فقال: أكما يقول ذو اليدين فقالوا : نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر(1).))
... فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بما قاله ذو اليدين حتى سأل من كان معه تعليما لصحابته التثبت والتحري.
__________
(1) -رواه البخاري/ كتاب السجود/ رقم الحديث: 1229، ومسلم في كتاب المساجد/ باب السهو في الصلاة/ رقم الحديث:99.(4/9)
... وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة ماعز حينما جاء إليه فقال (انه زنى فأعرض عنه فأعاد عليه مرارا فأعرض عنه فسأل قومه أمجنون هو؟ فقالوا ليس به بأس، قال أفعلت بها؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم))(1).
... فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ بكلامه واعترافه على نفسه بالخطيئة حتى سأل قومه عن حاله لكي يكون الحكم مبنيا على التثبت والتحري.
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب الحدود/ باب من أعترف على نفسه بالزنى/ رقم الحديث: 3206 ،وسنن ابي داود /كتاب الحدود / رقم الحديث:3845، وسنن الدارمي /كتاب الحدود رقم الحديث:2216(4/10)
المبحث المبحث الثالث
التثبت عند الصحابة الكرام والتابعين
لقد وعى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وفهموا أن الله تبارك وتعالى اختارهم من دون الأنام ليبلغوا أحداث عصر الرسالة برمتها إلى من جاء بعدهم. فهم يعلمون جيدا أن لا سبيل إلى استمرار الرسالة الإسلامية إذا لم يكونوا حلقة الوصل بين الأمة ونبيها. وهذا الموقع الحساس يستلزم صفات عالية من الإخلاص العميق وقدرة فائقة على أداء ما تلقوه من نصوص قرآنية ونبوية. كما سمعوها من مصدرها الأول.
... وقد استطاع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكونوا بذلك المستوى الرفيع الذي يريدهم الله له، فهم قد ساروا طوال حياتهم آخذين بعزائم الأمور متعالين عن سفاسفها وصغائرها. واستطاعوا كذلك أن يكونوا الجيل المثالي الذي تخرج على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسلمهم وحربهم وجدهم وليلهم ونهارهم حتى كانوا بمجموع حياتهم مرآة عاكسة لحياته صلى الله عليه وسلم.(5/1)
... لذا فليس غريبا أن نجد التثبت الذي دعا إليه القرآن الكريم والسنة النبوية ماثلا في حياة الصحابة مثولا رائعا كأنه الشمس في رابعة النهار حتى أن الباحث إذا أراد أن يسجل حالات التثبت في حياة الصحابة الكرام والتابعين فسيجد الكثير الكثير من الأمثلة والشواهد لحالات التثبت التي كانوا يعتمدونها في سبيل الاستيقان والاطمئنان على سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
... ولكن مما يحز في النفس وينفطر له القلب أسى أن يتحول هذا الخلق النبيل-والذي رائده الإخلاص الشديد والحرص الأكيد على دين الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى سبة على أولئك الصحابة الكرام ومستمسكا لمن أعرض عن جادة الصواب فادعوا ان الصحابة الكرام كان يتهم بعضهم بعضا في التقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستشهدون لدعواهم هذه بما أثر عن أولئك الصحابة من زيادة في التحري والاستيقان متناسين إن التحري إذا كان الباعث له هو التأكد من الضبط والحفظ فإنه لا يقدح بعدالة الراوي بخلاف ما إذا كان مبعثه الريبة في صدق الراوي.(5/2)
... فهذا أبو رية يريد أن يصل إلى مراده الخبيث عن طريق ما كان الصحابة يمارسونه من عمليات تثبتيه واستمع إليه إذ يقول: (وكانوا (أي الصحابة) يتشددون في قبول الأخبار من إخوانهم في الصحبة مهما بلغت درجاتهم ويحتاطون في ذلك أشد الاحتياط حتى كان أبو بكر لا يقبل من أحد حديثا إلا بشهادة غيره على إنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(1).
... وهذا الكلام ظاهره شيء وما يريد أن يصل إليه أبو رية شيء آخر فهو حينما يؤسس كلامه هذا على ما رواه (ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر لك شيئا ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال له هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذ لها أبو بكر)(2). كان الأجدر به والأحفظ لدينه أن يقول بعد ذلك أن أبا بكر - رضي الله عنه - إنما طلب رجلا آخر مع المغيرة لأحد أمرين:
__________
(1) -أضواء على السنة المحمدية/ محمود أبو ريه/ 33.
(2) -الموطأ/ مالك بن أنس/ 420، سنن ابن ماجة/ كتاب الفرائض/ باب ميراث الجدة/ رقم الحديث: 2724.(5/3)
أما من أجل أن يتثبت من حفظ المغيرة.
أو أراد أن يعلم المسلمين ممن كان معه من غير الصحابة على خطورة إسناد الكلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أما أن يقول بعد ذلك مباشرة (وقد وضع (يعني أبو بكر) بعمله هذا أول شروط علم الرواية، وهو شرط الإسناد الصحيح)(1)فمعناه أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان ينظر إلى المغيرة بعين الريبة والاتهام وهذا كلام يحتاج إلى دليل. ولا دليل على ذلك مهما تحمل المتمحلون. حتى إذا ظن أنه قد سلم له بما يقول كشف النقاب عن وجهه وأعرب عن مكنون نفسه فقال: (كان أبو هريرة أول رواية أتهم في الإسلام، قال وممن أتهم أبا هريرة بالكذب عمر وعثمان وعلي)(2)
ثم اشتط وأغرق حتى قال: (ومما وضعه في معاوية ما أخرجه الخطيب عنه: ناول النبي - صلى الله عليه وسلم - معاوية سهما فقال خذ هذا السهم حتى تلقاني به في الجنة)(3).
__________
(1) -أضواء على السنة/ أبو ريه/ 34.
(2) -المصدر السابق/ 166.
(3) -المصدر السابق/ 189.(5/4)
(وفي سنده وضاح بن حسان عن وزير بن عبد الله ويقال ابن عبد الرحمن الجزري عن غالب بن عبيد الله العقيلي وهؤلاء الثلاثة كلهم هلكى متهمون بالكذب والخبر أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات)(1).
وقريبا من هذا الخط سار أحمد أمين في فجره حينما أدعى أن البدايات الأولى للوضع في الحديث ظهرت في زمن سيدنا عمر بن الخطاب اعتمادا على ما روي من تثبيته - رضي الله عنه -(2).
وقبل أن نضرب الأمثلة على تثبت الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم يجب أن نقف قليلا أمام الباعث الحقيقي الذي دعاهم إلى الالتزام بهذه الحيطة التامة في رواية أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسنته الغراء.
__________
(1) -الأنوار الكاشفة/ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني/ 209. وأنظر الالىء المصنوعة: 1/219.
(2) -فجر الإسلام/ أحمد أمين 89.(5/5)
إذا أنعمنا النظر في تلك الحوادث فسنجد أنهم كانوا يتثبتون من الحفظ وعدم النسيان ويريدون كذلك من وراء ذلك أن يزرعوا في قلوب تلاميذهم الهيبة والإكبار لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. وإن الوصول إلى هذه الحقيقة ليس أمرا عسيرا لمن رزق السلامة في المقاصد والرزانة في النظر. مثال ذلك ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: (كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال ما منعك؟ قلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع) فقال والله لتقيمن عليه ببينة أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبي بن كعب والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك)(1).
__________
(1) -رواه البخاري/ كتاب الاستئذان/ باب الاستئذان ثلاثا/ رقم الحديث: 5776، ومسلم في كتاب الآداب/ رقم الحديث: 4010، وأبو داود في كتاب الأدب/ رقم الحديث: 4510، وأحمد في مسند الكوفيين/ رقم الحديث: 18689.(5/6)
فعمر هنا - رضي الله عنه - إنما طلب البينة لا لأن أبا موسى غير مؤتمن عنده بل لأمر آخر يفصح عنه عمر نفسه، فقد جاء في رواية الإمام مالك لهذه القصة قول عمر - رضي الله عنه - (أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(1).
وقال ابن حجر في تعقيبه على هذه القصة (وفي رواية عبيد بن حنين… فقال عمر لأبي موسى: والله إن كنت لأمينا على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أحببت أن أستثبت) ونحوه في رواية أبي بردة حين قال أبي بن كعب لعمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله فقال: سبحان الله، إنما سمعت شيئا فأحببت أن أستثبت)(2).
__________
(1) -الموطأ/ للإمام مالك/ كتاب الجامع/ رقم الحديث: 1520.
(2) - صحيح البخاري/ كتاب الاستئذان/ رقم الحديث. 5776(5/7)
وقال الإمام النووي (وأما قول عمر لأبي موسى: (أقم عليه البينة) فليس معناه رد خبره من حيث هو خبر واحد ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى لا شكا في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقه فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى فأمتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين. ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبرا واحدا إنه طلب منه أخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد وكذا ما زاد حتى بلغ التواتر)(1).
__________
(1) -شرح النووي على صحيح مسلم/ كتاب الآداب/ رقم الحديث: 4010.(5/8)
وقال ابن حبان: (قد أخبر عمر بن الخطاب أنه لم يتهم أبا موسى في روايته وطلب البينة منه على ما أراد تكذيبا له، وإنما كان يشدد فيه لأن يعلم الناس أن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شديد)(1).
وكذلك تعلق بعض الواهين بما روي عن علي - رضي الله عنه - من إنه كان يستحلف الرواة إذا حدثوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحملوا فعله هذا على أنه ارتياب وشك من علي - رضي الله عنه - فيمن يحدثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقد أخرج الحميدي بسنده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: (كنت إذا سمعت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته)(2).
وظاهر أن عليا - رضي الله عنه - لم يكن يريد من استحلافهم أن يتأكد من صدقهم لأنهم لو كانوا متهمين عنده لأحتاج في توثيقهم إلى من يوثقهم له ولا يصح عندئذ أن يعتمد
على يمينهم في تزكية أنفسهم من الكذب.
__________
(1) - كتاب المجروحين / ابن حبان ج1: 8.
(2) -مسند الحميدي/ ج1/ ص2/ رقم الحديث: 1.(5/9)
وإنما كان مراده والله أعلم أن يتأكد من أن ما رووه رووه باليقين وليس بالظن الغالب كما أخبر بذلك صاحب الروض الباسم حينما قال: (وعلي لم يتهم الراوي بتعمد الكذب لأنه لو اتهمه بذلك لأتهمه بالفجور باليمين ولم يصدقه إذا حلف وإنما أتهمه بالتساهل في الرواية بالظن الغالب فمع يمينه قوي ظنه بأنه متقن لما رواه حفظا)(1).
وينبغي أن يعلم كذلك أن عليا - رضي الله عنه - كان يوجب العمل بخبر الواحد وإنه لم يحلف الراوي على ذلك لإيمانه بعدالة الصحابة فإذا حلف كان تصديقه خارجا على وجه الكمال(2).
__________
(1) -الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم/ ابن الوزير: 1/52.
(2) -عون المعبود وشرح سنن أبي داود/ لأبي عبد الرحمن الصديقي/ج1: 561.(5/10)
ومما يشهد لنا بأن تثبت الصحابة - رضي الله عنه - كان حول ضبط الراوي وحفظه ما رواه البخاري بسنده عن عروة انه قال: (حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول: سمعت النبي صلى اله عليه وسم يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد إن أعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون. فحدثت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت: يا ابن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني، فأتيت عائشة فأخبرتها، فعجبت فقالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو)(1).
__________
(1) -صحيح البخاري/ كتاب الاعتصام/ باب ما يذكر من ذم الرأي/ رقم الحديث: 6763.(5/11)
فقول عائشة في نهاية الحديث (لقد حفظ عبد الله بن عمرو) نص ظاهر أن كل ذلك الاستثبات والاختبار لأجل التأكد من الحفظ وليس فيه ما يدل على الارتياب والتشكيك بالعدالة لا من قريب ولا من بعيد. وإنما (كل ذلك خوفا من الزيادة والنقصان أو السهو والنسيان واحتيطا للدين وحفظا للشريعة وحسما لطمع طامع أو زيغ زائغ أن يجترئ فيحكي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل)(1).
بعد هذا نستطيع أن نذكر ما نشاء من نصوص التثبت والاحتياط لدى الصحابة الكرام ونحن آمنون إنها لن تفسر تشكيكا من قبل بعضهم للبعض الآخر. إذا كنا نتحرى الحق والصواب فيما نقول أو نسمع.
وبعد إمعان النظر في هذه النصوص تبين أن التثبت عند الصحابة الكرام كان له تسع طرق كلها توصل إلى الطمأنينة على أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الطريقة الأولى: وهي طريق الاستشهاد على رواية الراوي برواية أخرى.
__________
(1) -تحذير الخواص من أكاذيب القصاص/ السيوطي: 84 .(5/12)
فقد رأينا كيف أن عمر - رضي الله عنه - طلب من أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - بأنه قد سمع الحديث هو أيضا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1).
وروي الإمام مالك بسنده عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال لها أبو بكر ما لك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فارجعي حتى اسأل الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر)(2).
__________
(1) -أنظر البخاري/ كتاب الاستئذان/ باب الاستئذان ثلاثا/ رقم الحديث: 5776.
(2) -الموطأ/ الإمام مالك/ كتاب الفرائض/ ميراث الجدة/ رقم الحديث: 953، وسنن الترمذي/ كتاب الفرائض عن رسول الله/ رقم الحديث: 2027، وسنن أبي داود كتاب الفرائض/ رقم الحديث: 2507.(5/13)
ويمثل له بما روى البخاري بسنده عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنه قال: (سأل عمر بن الخطاب عن إملاص المرأة هي التي يضرب بطنها فتلقي جنينا فقال: أبكم سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئا؟ فقلت: أنا، فقال: ما هو؟ قلت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (فيه غرة عبد أو أمة)، فقال: لا تبرح حتى تجيئني بالمخرج فيما قلت، فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة، فجئت به، فشهد معي أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: فيه غرة عبد أو أمة)(1).
فالباعث على السؤال هنا هو الرغبة في التثبت من الحفظ وأن الحديث جاء على هذا المعنى احتياطا من السهو والخطأ وليس الأمر داخلا في دائرة الخوف من التقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لو كان احتمال التقول قائما لما أمكن دفعه بشهادة رجل من صغار الصحابة كأبي سعيد الخدري أو محمد بن مسلمة رضي الله عنهم وأرضاهم.
__________
(1) -رواه البخاري/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/ باب ما جاء في اجتهاد القضاء/ رقم الحديث: 6773، ومسلم في كتاب التسامة والمحاربين/ رقم الحديث: 3188، والنسائي في سنته في كتاب القسامة/ رقم الحديث: 4740، والدارمي في مقدمة سنته تحت رقم: 640.(5/14)
الطريقة الثانية: التأكيد على الراوي بسؤاله:
وقد اعتمد هذه الطريقة كثير من الصحابة والتابعين فحين يسمعون حديثا لم يسمعوه من قبل فإنهم يؤكدون على الراوي ويستثبتونه استشعارا منهم لأهمية الأمر، مثاله:
-روى الإمام مسلم بسنده عن ابن عمارة بن رؤيبة عن ابيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وعنده رجل من أهل البصرة فقال أنت سمعت هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم أشهد به عليه وأنا أشهد لقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول بالمكان الذي سمعته منه)(1).
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة/ باب فضل صلاتي الصبح والعصر/ رقم الحديث: 1004، وسنن أي داود في كتاب الصلاة/ رقم الحديث: 363، ومسند الإمام أحمد/ مسند الشاميين/ رقم الحديث: 16588.(5/15)
وكذلك روي مسلم عن أبي هريرة أنه قال لكعب الاحبار أن النبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل نبي دعوة يدعوها وأنا أريد ان شاء الله أن اختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو هريرة: نعم)(1).
وروى النسائي بسنده عن ابن أبي عمار قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضبع فأمرني بأكلها قلت: أصيد هي ؟ قال: نعم، قلت: أ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟، قال: نعم)(2). وفي لفظ الترمذي (قال قلت لجابر الضبع أصيد هي، قال: نعم، قال: قلت : آكلها ؟ قال: نعم، قال: قلت: أقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم)(3).
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب الإيمان/ اختباء النبي دعوته الشفاعة لأمته/ رقم الحديث: 295.وصحيح البخاري/كتاب التوحيد/رقم الحديث6920
(2) -سنن النسائي/ كتاب مناسك الحج/ باب ما لا يقتله المحرم/ رقم الحديث: 2787.
(3) -سنن الترمذي/ كتاب الحج عن رسول الله/ رقم الحديث: 779.وقال حديث حسن صحيح.(5/16)
فهذه الأحاديث وعشرات غيرها أدلة قاطعة على عمق منهج التثبت في حياة الصحابة وتلاميذهم وأنهم إنما يثبتون من حفظ الراوي وأدائه ليس إلا بدليل اكتفائهم بعد ذلك بالتأكيد على الراوي نفسه ولو تعدى الأمر هذا لما جاز أن يكون كلام الراوي نفسه دليل توثيق وحجة على صحة الرواية.
الطريقة الثالثة: استحلاف الراوي على روايته:
ومن أبرز من سار على هذا الخط سيدنا علي - رضي الله عنه - فقد أخرج الترمذي بسنده إلى أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت عليا يقول: إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وإذا حدثني رجل من أصحابه أستحلفته فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ هذه الآية ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))(1)-(2)
__________
(1) -آل عمران/ 135.
(2) -سنن الترمذي/ كتاب التفسير عن رسول الله/ باب ومن سورة آل عمران/ رقم الحديث: 2932.قال الترمذي:هذا حديث رواه شعبة وغير واحد عن عثمان بن المغيرة فرفعوه ورواه مسعر وسفيان عن عثمان بن المغيرة فلم يرفعاه ثم قال ولا نعرف لاسماء ابن الحكم حديثا الا هذا.(5/17)
.
وقد كان سيدنا علي - رضي الله عنه - هو نفسه يحلف على روايته لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن ما يريده من الناس لا يجوز له أن يمنع الناس عنه من التثبت والاستيقان. يشهد على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن وهب الجهني، أنه كان في الجيش الذي كان مع علي - رضي الله عنه - الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي - رضي الله عنه -: أيها الناس إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقبهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. لا تكلوا عن العمل واية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله إني لأرجو أن يكون هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وإنما رواخي سرح الناس فسيروا على اسم الله… (وفي نهاية الحديث)(5/18)
فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا الله هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟فقال أي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفته ثلاثا وهو يحلف له)(1).
وقد كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يحلف لتلاميذه وهو يحدثهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غير متهم عندهم فقد أخرج البخاري بسنده إلى عبد الله بن مسعود قوله: (والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة في كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه)(2).
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب الزكاة/ باب التحريض على قتل الخوارج/ رقم الحديث: 1773.
(2) -صحيح البخاري/ كتاب فضائل القرآن/ باب القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -/ رقم الحديث: 4618.(5/19)
وأخرج مسلم عن عبدة بن زر حبيش قال سمعت أبي بن كعب يقول وقيل له: ان عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أقام ليلة القدر فقال أبي: والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع فيها)(1).
الطريقة الرابعة: طريقة اختبار الراوي:
ومن طرق تثبت الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا سمعوا حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرويه راويه على جهة ما فإنهم كانوا يرسلون إليه بعد فترة من يسمع مرة أخرى فيوازنون بين الروايتين ليتأكدوا من حفظ ذلك الراوي.
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب الترغيب في قيام رمضان/ رقم الحديث: 1272.(5/20)
... فقد أخرج البخاري عن عروة قوله: ((حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى أناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون فحدثت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أن عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت يا ابن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت فقالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو))(1).
وقد جرى تلامذتهم على هذا المنحى فطالما استثبتوا من راوي الحديث بعد أن يحدثهم.
__________
(1) -صحيح البخاري/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/ باب ما يذكر من ذم الرأي والأخذ بالقياس/ رقم الحديث: 6763.(5/21)
أخرج البخاري بسنده إلى ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: حدثنا عبد الله ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شغل عنها(1) ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم أستيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم وكان ابن عمر لا يبالي أقدمها أم أخرها إذ كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها وكان يرقد قبلها قال ابن جريج قلت لعطاء وقد سمعت ابن عباس يقول أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة فقال عطاء قال ابن عباس فخرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا فاستثبت عطاء كيف وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه يده كما أنبأه ابن عباس فبدد لي عطاء بين أصابعه شيئا من تبديد ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم ضمها يمرها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه من طرف الأذن مما يلي الوجه على الصدغ وناحية اللحية لا يقصر ولا يبطش إلا كذلك
__________
(1) -أي صلاة العشاء.(5/22)
وقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا)(1).
الطريقة الخامسة: الرجوع إلى صاحب الشأن في الرواية:
ومن طرائق تثبت الصحابة رضي الله عنهم الرجوع إلى صاحب الشأن في الرواية وهو ما يعرف عند المحدثين بطلب إسناد العالي اختصارا لطريق الرواية الأمر الذي يقلل بدوره من احتمال الوهم والنسيان؛
روى الترمذي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنا نتمنى أن يأتي الاعرابي العاقل فيسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده، فبينا نحن كذلك إذا أتاه إعرابي فجثا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد ان رسولك أتانا فزعم لنا أنك تزعم لنا ان الله أرسلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال: فبالذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال. الله أرسلك؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا خمس صلوات في اليوم والليلة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم ان علينا صوم شهر في السنة فقال النبي - صلى الله عليه
__________
(1) -صحيح البخاري/ كتاب مواقيت الصلاة/ باب النوم قبل العشاء/ رقم الحديث: 537.(5/23)
وسلم -: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا في أموالنا الزكاة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال: فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا الحج إلى البيت من استطاع إليه سبيلا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال: والذي بعثك بالحق لا أدع منهن شيئا ولا أجاوزهن ثم وثب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن صدق الإعرابي دخل الجنة)(1).
__________
(1) -، أخرجه البخاري في كتاب العلم/ باب ما جاء في العلم وقوله ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً))/ رقم الحديث: 61. ومسلم في كتاب الايمان /رقم الحديث : 13 و الترمذي في كتاب الزكاة عن رسول الله/باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك/ رقم الحديث: 562(5/24)
فأنظر إلى هذا الإعرابي الذي قطع الفيافي والقفار ولم يكتف بما أخبره به رسول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أن يصل إنك برد اليقين وبر الأمان زيادة منه في التثبت واستشعارا لعظم ما يترتب على هذا الحديث. لأن المسألة مسألة جنة أو نار فأما سعادة الأبد وأما شقاء الأبد. فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه.
وأخرج الإمام مالك بسنده عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم قالت : فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمر بي فنوديت له فقال كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل(5/25)
إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فأتبعه وقضى به)(1).
(فإرسال عثمان إلى الفريعة، وسؤاله منها عن الحديث الذي قال المصطفى لها يعني أنه أراد أن يسمع الحديث ممن سمعه مباشرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صاحب الواقعة… وكان الدافع لسؤاله التثبت من حفظ الحديث وطلب الإسناد العالي، وليس الباعث على سؤاله الريبة أو الخوف من كذب الرواة في الحديث النبوي)(2).
__________
(1) -موطأ الإمام مالك/ كتاب الطلاق/ باب مقام المتوفي عنها زوجها في بيتها حتى نحل/ رقم الحديث: 1081، وسنن الترمذي/ كتاب الطلاق واللعان عن رسول الله/ رقم الحديث: 1125، وقال حديث حسن صحيح ،ومسند أحمد بن حنبل/ باقي مسند الأنصار/ رقم الحديث: 25840.(5/26)
وأخرج النسائي بسنده عن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده فأنكرت ذلك وقلت لا وضوء على من مسه فقال مروان أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما يتوضأ منه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتوضأ من مس الذكر، قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة فسألها عما حدثت مروان فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان) (1).
__________
(1) -اخرجه النسائي في كتاب الطهارة/ باب الوضوء من مس الذكر/ رقم الحديث: 164والترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله رفم الحديث 77 وقال حديث حسن صحيح وابو داود.في كتاب الطهارة رقم الحديث 154وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها رقم الحديث472(5/27)
وأخرج النسائي كذلك بسنده إلى محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: (أتينا جابرا فسألناه عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة وقدم علي - رضي الله عنه - من اليمن بهدي وساق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة هديا وإذا فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا واكتحلت قال فانطلقت محرشا(1) أستفتني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله أن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقالت: أمرني به أبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صدقت، صدقت، صدقت أنا أمرتها)(2).
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب لأن عليا يستوثق من كلام فاطمة رضي الله عنها إذ الأمر كما قلت آنفا رائده الحرص الشديد على الدين.
__________
(1) -التحريش لغة الإغراء/ أنظر القاموس المحيط مادة (حرش) والمعنى مستميلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عقابها ونهيها.
2-المصدر السابق/ كتاب مناسك الحج/ باب الكراهية في الثياب المصبغة للمحرم/ رقم الحديث: 2664.
(2) -النحل /43.(5/28)
الطريقة السادسة: سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن رواية الراوي:
ومن طرق تثبيت الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا شكوا في حفظ راوٍ في مسألة معينة سألوا فيها من يعتقد فيه العلم والإحاطة بمثلها امتثالا لقوله تبارك وتعالى (( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))(1)، ومن أمثلة هذا النوع من التثبت:
(ما أخرجه الترمذي عن الحسن عن سمرة قال سكتتان حفظتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكر ذلك عمران بن حصين وقال حفظنا سكتة فكتبنا إلى أبي بن كعب فكتب أبي أن حفظ سمرة)(2).
__________
(2) -سنن الترمذي/ كتاب الصلاة/ ما جاء في السكتتين/ رقم الحديث: 233.وقال حديث حسن ،وسنن ابي داود/كتاب الصلاة/رقم الحديث660،وسنن ابن ماجة/كتاب اقامة الصلاة والسنة فيها/رقم الحديث 835(5/29)
وما أخرجه مسلم بسنده إلى عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، قال أبو رافع فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثني كما حدثته ابن عمر)(1).
فأنظر إلى حيطة الصحابة رضي الله عنهم كيف أنهم كتبوا إلى أبي ابن كعب من أجل أن يتثبتوا من سنة من سنن المصطفى فكان كلامه هو الفصل والدليل على أن سمرة قد حفظ. ...
وكذلك الحال مع أبي رافع قدم دليل حفظه بسؤاله لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم.
الطريقة السابعة: شهادة بعضهم لبعض رضي الله عنهم:
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب الإيمان/ باب كون النهي عن المنكر من الإيمان/ رقم الحديث: 71.ومسند احمد /سند المكثرين من الصحابة /رقم الحديث 4148 0(5/30)
ومن وسائل التثبت عند الصحابة رضي الله عنهم انهم كانوا إذا سمعوا حديثا لهم به علم شهدوا لذلك الراوي بالصدق والحفظ، ومن أمثلة ذلك:
ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال أمرىء مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان قال: فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قالوا: كذا وكذا قال: صدق أبو عبد الرحمن في نزلت، كان بيني وبين رجل أرض باليمن فخاصمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هل لك بينة؟ فقلت لا قال فيمينه قلت: إذن يحلف فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال أمرىء مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فنزلت ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))(1)-(2)
__________
(1) -آل عمران/ 77.
(2) -صحيح مسلم/ كتاب الإيمان/ باب وعيد من أقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار/ رقم الحديث: 197.والبخاري كتاب المساقاة /باب الخصومة في البئر /رقم الحديث / 2185(5/31)
.
فشهادة الأشعث بن قيس لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما هنا وتوافق روايتهما دليل على ضبط عبد الله بن مسعود وإتقانه لشروط رواية الحديث.
الطريقة الثامنة: استدراك بعضهم على بعض في رواية الحديث:
ومن أمثلة التثبت في الحديث عند الصحابة رضي الله عنهم استدراك بعضهم على بعض في رواية الحديث إذا علم أحدهم أن هناك حديثا يروي على غير وجهه الصحيح. وكان استدراك الصحابة رضي الله عنهم بعضهم على بعض أمرا معتادا وشائعا بينهم لأن أحدهم لم يدع العصمة لنفسه، ولعلمهم إن تركهم لهذا الأمر يجعل العالم منهم كاتما للعلم وهو ما توعد عليه الشارع الحكيم على لسان رسوله الكريم.(5/32)
ومن الجدير بالذكر أنه ليس بالضرورة ان يكون المستدرك أعلى مرتبة من المستدرك عليه بل الأمر مرهون بالحفظ والسماع فمن حفظ فهو حجة على من لم يحفظ. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتقبلون ذلك بكل رحابة وانبساط لأن (الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها)(1).
وممن اشتهر من الصحابة رضي الله عنهم بكثرة استدراكاته: عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إن الإمام بدر الدين الزركشي (ت 794هـ) قام بجمع استدراكات عائشة رضي الله عنها على الصحابة وجعلها في كتاب مستقل أسماه (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) قام بتحقيقه والتعليق عليه الدكتور سعيد الأفغاني.
ومن الأمثلة على ما استدركه الصحابة رضي الله عنهم بعضهم على بعض:
__________
(1) -سنن الترمذي/ كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/ باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة/ رقم الحديث: 2611، وقال هذا حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وسنن ابن ماجة/ كتاب الزهد/ باب الحكمة/ رقم الحديث: 4159.(5/33)
ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان - صلى الله عليه وسلم - بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد كان عمر - رضي الله عنه -يقول بعض ذلك ثم حدث قال: صدرت مع عمر - رضي الله عنه - من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا بركب تحت ظل سمرة فقال: اذهب فأنظر من هؤلاء الركب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال أدعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله - صلى الله(5/34)
عليه وسلم - قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت: حسبكم القرآن (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))(1) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: والله (( هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)) ، قال ابن أبي مليكة (والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا)1
فلا يعترض هنا على عائشة باستدراكها على عمر رضي الله عنهما بعلو شأن أمير المؤمنين وشدة تمسكه لأنه ما من صحابي إلا وفاته شيء من سنته - صلى الله عليه وسلم - فكان الشاهد منهم يبلغ الغائب كما أمرهم بذلك - صلى الله عليه وسلم -. ومن أمثلة ذلك ما استدركت:
به عائشة رضي الله عنها على أبي هريرة في مسألة صحة صيام من أصبح جنبا في رمضان. فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن (( أنه أتى عائشة فقال: أن أبا هريرة يفتينا أنه من أصبح جنبا فلا صيام له فما تقولين في ذلك فقالت: لست أقول في ذلك شيئا، قد كان المنادي ينادي بالصلاة فأرى حدر الماء بين كتفيه ثم يصلي الفجر ثم يظل صائما2))
__________
(1) ـ النجم/34(5/35)
وأخرج كذلك في مسنده عن الحارث بن نوفل قال: (( صلى معاوية بالناس العصر فألتفت فإذا أناس يصلون بعد العصر فدخل ودخل عليه ابن عباس وأنا معه فأوسع له معاوية على السرير فجلس معه قال: ما هذه الصلاة التي رأيت الناس يصلونها ولم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها ولا أمر بها قال: ذاك ما يفتيهم ابن الزبير فدخل ابن الزبير فسلم فجلس فقال معاوية: يا ابن الزبير ما هذه الصلاة التي تأمر الناس يصلونها لم نر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاها ولا أمر بها، قال: حدثتني عائشة أم المؤمنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاها عندها في بيتها قال: فأمرني معاوية ورجل آخر أن نأتي عائشة فنسألها عن ذلك قال: فدخلت عليها فسألتها عن ذلك فأخبرتها بما أخبر ابن الزبير عنها فقالت: لم يحفظ ابن الزبير إنما حدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى هاتين الركعتين بعد العصر عندي فسألته فقلت إنك صليت ركعتين لم تكن تصليهما قال: إنه كان قد أتاني شيء فشغلت في قسمته عن الركعتين بعد الظهر وأتاني بلال فناداني بالصلاة فكرهت أن أحبس الن(1)
__________
(1) 1ـصحيح البخاري/كتاب الجنائز/باب قول النبي يعذب الميت ببكاء اهله عليه/رقم الحديث 1206،وصحيح مسلم كتاب الجنائز/باب يعذب الميت ببكاء اهله عليه/رقم الحديث:1543
2ـ مسند احمد/باقي مسند الانصار/رقم الحديث24295
3ـالمصدر نفسه/رقم الحديث/24331(5/36)
اس فصليتهما قال: فرجعت فأخبرت معاوية3.))
وغير ذلك كثير مما حفلت به كتب السنن والآثار من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - تقضي بأنهم كانوا أمناء الله على سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أختارهم الله بعلم لتبليغ أحداث عصر الرسالة إلى الأمة الإسلامية بكل أمانة وصدق.
الطريقة التاسعة: الرحلة في طلب الحديث بنية التثبت:
... وأخيرا نختم هذا المبحث بذكر طرف مما تحمله الصحابة رضي الله عنهم في سبيل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الرحلة والسعي من اجل التثبت من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي الطريقة التاسعة التي مشى بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم متحملين في ذلك مشاق عظيمة لا يمكن أن تهون إلا على ذوي الهمم العالية والنفوس الكبيرة.(5/37)
أخرج الإمام أبو داود في سنته عن عبد الله بن بريدة ((أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه فقال: أما إني لم آتك زائرا ولكني سمعت أنا وأنت حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجوت ان يكون عندك منه علم قال: وما هو؟ قال: كذا وكذا قال: وما لي أراك شعثا وأنت أمير الأرض؟ قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهانا عن كثير من الأرفاه، قال: فما لي لا أرى عليك حذاء، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نحتفي أحيانا(1).))
__________
(1) -سنن أبي داود/ كتاب الترجل/ رقم الحديث: 3629، وأخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار/ رقم الحديث: 22844.(5/38)
- وأخرج الدارمي في سننه عن ابن عباس قال: ((لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثر فقال: واعجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ترى؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح على وجهي التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ألا أرسلت إلي فآتيك فأقول لا، أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث، فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي فقال: كان هذا الفتى أعقل مني(1).))
__________
(1) -سنن الدارمي/ المقدمة/ باب الرحلة في طلب العلم واحتمال العناء فيه/ رقم الحديث: 569.(5/39)
... وقد استطاع الصحابة رضي الله عنهم أن يزرعوا هذا المبدأ الأصيل في نفوس تلاميذهم من التابعين فكانت الرحلة في طلب الحديث على أشدها وشاعت حتى أصبحت منهجا ثابتا في طلب العلم إذ هي تطبيق واقعي لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة))(1).
... فقد أخرج الدرامي عن بسرة بن عبد الله انه قال: ((إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه))(2).
... الطريقة العاشرة : عرض السنة على السنة
ومن الوسائل التي اتخذها الصحابة رضي الله عنهم كأساس من اسس توثيق السنة وتمييز الحديث الصحيح من غيره عرض السنة على السنة
__________
(1) -سنن ابي داود/كتاب العلم /رقم الحديث:3157 ، سنن ابن ماجة/ المقدمة/ باب فضل العلم والعلماء/ رقم الحديث: 346
(2) -سنن الدارمي/ المقدمة/ باب الرحلة في طلب العلم/ رقم الحديث: 562.(5/40)
ومن ذلك ما رواه ابو مسلم بن عبد الرحمن قال :"دخلت على عائشةفقلت يا اماه ان جابر بن عبدالله يقول :(الماء من الماء)(1) قالت اخطأ جابر اعلم مني برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعته يقول :(اذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)(2)
ايوجب الرجم ولا يوجب الغسل"(3)
الطريقة الحادية عشرة :عرض الحديث على القياس
ومن الطرق التي اتبعها الصحابة في التثبت في الحديث : عرض الحديث على القياس.
__________
(1) ـ صحيح مسلم / باب الحيض / كتاب انما الماء من الماء / رقم الحديث / 518 ، وسنن النسائي كتاب الطهارة / رقم الحديث/199 ،وسنن ابي داود / كتاب الطهارة /رقم الحديث / 178
(2) ـ سنن الترمذي / كتاب الطهارة عن رسول الله /باب اذا التقى الختانان / رقم الحديث / 102 ، ومسند احمد /باقي مسند الانصار / حديث عائشة / رقم الحديث / 23514
(3) ـ الاجابة لايراد ما استدركته عائشة على الصحابة / للزركشي /195(5/41)
فقد اخرج الترمذي عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الوضوء مما مست النار ولو من ثور اقط ، فقال له ابن عباس :انتوضأ من الدهن انتوضأ من الحميم )(1)
ومن ذلك ايضا ما روى ابن ماجة عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من غسل ميتا فليغتسل )(2)
وقد ابن عباس ذلك قياساعلى طهارة المسلم في حال حياته فقال : "انجاس هم فتغتسلون منهم؟"(3)
الطرقة الثانية عشرة : يمين الراوي على صدق روايته
ومن الطرق التي اتبعها الصحابة والتابعون رضي الله عنهم وهم يرسخون منهج التثبت ؛يمين الراوي على صدق روايته ،لكي تطمئن النفوس الى ما يروى .
__________
(1) ـ سنن الترمذي / كتاب الطهارة عن لسول الله / باب نا جاء في الوضوء مما مست النار / رقم الحديث / 74 ، وقال حديث حسن صحيح .
(2) ـ سن ابن ماجة كتاب ما جاء في الجنائز / باب ما جاء في غسل الميت / رقم الاحديث / 1452 ،وسنن الترمذي / كتاب الجنائز / رقم الحديث / 914 ،وسنن ابي داود / كتاب الجنائز / رقم الحديث / 2749
(3) ـ السنن الكبرى / البيهقي /كتاب الطهارة / باب الغسل من غسل الميت / رقم الحديث / 1357(5/42)
فمن ذلك ما اخرجه البخاري عن مسروق عن عائشة ( ذكر عندهامايقطع الصلاة ؛ الكلب والحمار والمرأة فقالت شبهتمونا بالحمر والكلاب ،والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلميصلي واني علىالسرير بينه وبين الفبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره ان اجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم فأستل من عند رجليه )(1)
ومنه ايضا ما اخرجه النسائي بسنده الى ابي عبدالرحمن الاوزاعي انه سمع المطلب بن عبد الله يقول : قال ابن عباس :"اتوضأ من طعام اجده في كتب الله حلالا لان النار ميته" ؟ فجمع ابو هريرة حصى فقال : "اشهد عدد هذه الحصى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( توضئوا مما مست النار)(2)
__________
(1) ـ صحبح البخاري / كتاب الصلاة / باب من قال لا يقطع الصلاة شىء / رقم اتلحديث / 484
(2) ـ سنن النسائي / كتاب الطهارة / باب الوضوء مما غيرت النار / رقم الحديث / 174(5/43)
وروى الامام احمد عن عمارة بن رويبة عن ابيه قال سأله رجل من اهل البصرة قال : اخبني مال سمعت من رسول الله يقول ؟ قال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول)لا يلج النار احد صلى قبل طلوع الشميدس وقبل ان تغرب ) قال انت سمعته منه ؟ قال : سمعت اذناي ووعاه قلبي فقال الرجل :"والله لقد سمعته يقول ذلك )(1)
فهل لنا بعد هذا إلا أن نقول إن التثبت الذي حض الله تعالى عليه في القرآن الكريم وسنه لنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أتى أكله كأطيب ثمار في جيل الصحابة الذين تربوا على يد النبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم - فكانوا مصابيح الهدى والنبراس المقتدى الذي يشع على الدنيا لكي يعلمها كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد لهذه الأمة أن تكون متيقظة ومتثبتة في كل ما يصدر من أقوال أو تصرفات. لأن الله يريد لهم أن يكونوا أمة وسطا ويكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدا .
__________
(1) ـ مسند احمد / اول مسند الكوفيين / حديث عمارة بن رويبة / رقم الحديث / 17580(5/44)
الفصل الثاني/ في ماهية الجرح والتعديل
المبحث الأول/ تعريف الجرح والتعديل
المبحث الثاني/ التأصيل الشرعي لعلم الجرح والتعديل
المبحث الثالث/ أهمية الجرح والتعديل ودواعيه
المبحث الرابع/ وسائل ثبوت عدالة الراوي وضبطه
المبحث الأول
تعريف الجرح والتعديل
تعريف الجرح والتعديل:
... قبل أن نعرف الجرح والتعديل لا بد لنا ان نتعرف أولا على مكونات هذا العلم وهو كما يرى مكون من شقين: الأول ويسمى (الجرح) والثاني ويسمى (التعديل) لكي نستخلص بعد ذلك تعريفا جامعا مانعا لعلم (الجرح والتعديل).
فالجرح لغة: يطلق على معنيين : الاول قولهم اجترح اذا عمل وكسب ومنه قوله تعالى (( الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ))(1) وانما سمي ذلك اجتراحا لانه عمل بالجوارح (2)وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها(3)وجرح الشاهد إذا طعن فيه ورد قوله ومنه قول بعض التابعين (كثرت هذه الأحاديث واستجرحت وقل صحاحها… أراد أن الأحاديث كثرت حتى أحوجت أهل العلم إلى جرح بعض رواتها ورد روايته)(4)
__________
(1) -الجاثية/ 21.
(2) ـمقاييس اللغة : الجوهري /مادة جرح
(3) -مختار الصحاح/ مادة جرح.
(4) -النهاية في غريب الحديث: 1/255.(6/1)
والثاني : قولهم جرحه بحديدة جرحا بضم الجيم والاسم ( الجرح) ويقال : جرح الشاهد اذا رد قوله(1)
وقال بعض فقهاء اللغة (والجرح بالضم يكون في الأبدان بالحديد ونحوه، والجرح بالفتح يكون باللسان في المعاني والأعراض ونحوها)(2).
وفي لسان العرب: جرحه يجرحه جرحا أثر فيه بالسلاح، وجرحه أكثر
ويقال جرح الحاكم الشاهد إذا عثر منه ما على تسقط به عدالته من كذب وغيره، وقد قيل ذلك في غير الحاكم فقيل: جرح الرجل: غض شهادته، وقد استجرح الشاهد، والاستجراح النقصان والعيب والفساد، وهو منه(3).
... أما الجرح اصطلاحا: فهو وصف الراوي بما يقتضي تليين روايته أو تضعيفها أو ردها(4). أو هو ما يفسق به الشاهد ولم يوجب حقا للشرع كما إذا شهد أن الشاهدين شربا الخمر ولم يتقادم العهد(5).فإن ذلك يسقط شهادتهما وإن لم يوجب حدا عليهما.
تعريف التعديل:
__________
(1) ـ مقاييس اللغة : الجوهري / مادة جرح
(2) -تاج العروس/ مادة (جرح): 2/130.
(3) -لسان العرب/ مادة الجرح: 2/422.
(4) -جامع الأصول/ ابن الأثير: 1/126.
(5) -التعريفات/ علي بن محمد بن علي الجرجاني/ 102.(6/2)
... والتعديل مشتق من العدل أو العدالة فلابد لنا إذن أن نعرف أولا ما هو العدل وما هي العدالة لكي نستطيع أن نفهم معنى التعديل. فالعدل لغة هو كما:
... قال ابن منظور: (العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، وعدل الحاكم في الحكم يعدل عدلا وهو عادل… ورجل عدل رضا ومقنع في الشهادة… ورجل عدل بين العدل)(1).
(وعدل الحكم تعديلا أقامه،… وكل ما أقمته فقد أقمته وعدلته)(2).
وأما اصطلاحا فهو كما في حديث إبراهيم النخعي أنه (من لم يظهر فيه ريبة)(3)، وفي الحدود الانيقة أن العدل : ( مصدر بمعنى العدالة وهي الاعتدال والثبات على الحق)(4).
وعرف الامام الشافعي العدل من الرواة فقال :"ان يكون ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه بريئا من ن يكون مدلسا يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه"(5)
__________
(1) -لسان العرب/ مادة (عدل).
(2) -القاموس المحيط/ مادة (عدل).
(3) -مصنف عبد الرزاق: 8/319.
(4) -الحدود الأنيقة/ لزكريا محمد الأنصاري/ 73.
(5) ـ الرسالة / الشافعي / 370 ـ 271(6/3)
(والعدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم)(1) أو هو (من له ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة)(2).
هذا ما يتعلق بالعدل. أما العدالة فإنها لغة: الاستقامة قال الفيروز آبادي العدل ضد اجور وما قام في النفوس انه مستقيم كالعدالة والعدولة والمعدلة(3)
واصطلاحا هي كما قال الغزالي:
(عبارة عن استقامة السيرة والدين يرجع حاملها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا حتى تحصل الثقة في النفوس بصدقه)(4) أما التعديل فقد عرفه ابن حجر في فتح الباري نقلا عن ابن المنير بقوله (التعديل
إنما هو تنفيذ الشهادة)(5). (وتعديل الشهود أن تقول أنهم شهود)(6).
تعريف الجرح والتعديل:
__________
(1) -النهاية في غريب الحديث: 3/190.
(2) -تحية الفكر/ ابن حجر: 1/2.
(3) ـ القاموس المحيط : مادة : عدل ، والتعريفات للجرجاني 2 / 65
(4) -المستصفى: 1/100.
(5) -فتح الباري: 5/249.
(6) -لسان العرب: 11/431.(6/4)
... إن أقدم تعريف اصطلاحي لعلم الجرح والتعديل هو تعريف ابن أبي حاتم الرازي فقد روي الخطيب بسنده إلى محمد بن الفضل العباس قال كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي فقال: يا أبا محمد ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ قال: كتاب صنفته في الجرح والتعديل ، قال :وما الجرح والتعديل ؟ قال : أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة)(1).
... ويقول المرحوم صديق حسن القنوجي (ت 1307هـ) في كتابه أبجد العلوم (علم الجرح والتعديل علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة وعن مراتب تلك الألفاظ وهو فرع من فروع علم رجال الحديث)(2).
...
ويقول الدكتور خليل إبراهيم في تعريفه لهذا العلم: (هو علم يبحث عن الرواة من حيث ما ورد بشأنهم مما يشينهم أو يزكيهم بألفاظ مخصوصة)(3).
... إذن نستطيع أن نستخلص مما تقدم أن علم الجرح والتعديل: هو ذلك العلم الذي يعني بدراسة أحوال الرواة مما له تعلق بقبول رواياتهم أو ردها وإصدار أحكام بحقهم بألفاظ مخصوصة على وفق قواعد معلنة.
__________
(1) -الكفاية/ 38.
(2) -أبجد العلوم: 2/211.
(3) -دراسات في تأريخ الفكر الإسلامي/ 138.(6/5)
مقومات الجرح والتعديل:
... يعتمد العلماء في تعديل الرواة أو جرحهم على ركنين أساسين هما العدالة والضبط:
... أما العدالة: فقد مر بنا تعريفها قبل قليل لكن بقي أن نعرف أن من اتصف بالعدالة يشترط فيه أمور هي ما يسمى بمقومات العدالة وهي:
أولا: الإسلام:
... فلا يقبل كافر بالإجماع في الرواية. قال الرازي في المحصول: (الكافر الذي لا يكون من أهل القبلة أجمعت الأمة على أنه لا يقبل روايته، سواء علم من دينه المبالغة في الاحتراز عن الكذب أم لم يعلم)(1).
ثانيا: البلوغ:
فلا تقبل رواية الصبي على الأصح وقيل يقبل المميز إن لم يجرب عليه الكذب.
ثالثا: العقل:
فلا تقبل رواية المجنون مطبق الجنون بالاتفاق. ومن تقطع جنونه وأثر في زمن إفاقته لم يقبل.
رابعا: السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة:
فلا تقبل رواية من كان فاسقا اواختلت مروءته بحسب العرف السائد.
أما الضبط فإنه في أصل اللغة الحفظ والجزم نقول ضبطه ضبطا أي حفظه بالحزم(2)، ورجل ضابط أي حازم(3).
__________
(1) -المحصول في أصول الفقه/ الفخر الرازي: 1/576، وينظر والمستصفى للغزالي: 1/100، وفتح المغيث: 1/270.
(2) -القاموس المحيط/ مادة (ضبط).
(3) -مختار الصحاح/ مادة (ضبط).(6/6)
وفي الإصلاح يطلق على معنين:
الأول: ضبط الصدر:وهو أن يكون الراوي يقظا غير مغفل حافظا لما سمعه متمكنا من استحضاره متى شاء مع علمه بما يحيل المعاني ان حدث بالمعنى.
والثاني: ضبط الكتاب: ومعناه صيانته لديه منذ أن سمعه إلى أن يؤدي منه(1).
... فإذا عرفنا مقومات الجرح والتعديل عرفنا بعد ذلك الذين ينالهم تجريح العلماء من جهة عدالتهم أو من جهة حفظهم، ويمكن أن نصنفهم إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: وهم المجرحون من جهة جهالتهم وهم:
1.المبهم. 2.مجهول العين. 3.مجهول الحال.
ثانيا: المجرحون من قبل عدالتهم:
1.الكافر.
2.الصبي.
3.المجنون.
4.المبتدع: وهو من اعتقد ما لم يكن معروفا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يكن عليه أمره ولا أصحابه.
5.الفاسق: وهو من عرف بارتكاب كبيرة أو بإصرار على صغيرة.
6.المتهم بالكذب: وهو من يتعامل بالكذب ولم يعرف أنه كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
7.الكذاب: وهو من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - متعمدا ولو مرة.
8.مخروم المروءة.
ثالثا: المجروحون من قبل ضبطهم:
__________
(1) -فتح المغيث: 1/286، مقدمة ابن الصلاح/ 128.(6/7)
1.من كثر وهمه: كأن يوصل المقطوع أو يرفع الموقوف على سبيل الوهم.
2.من كثرت مخالفته لمن هو أوثق منه أو لجمع من الثقات.
3.من ساء حفظه حتى لا يترجح لديه جانب الصواب من الخطأ.
4.من كان شديد الغفلة فلا يكون لديه من الإتقان ما يميز به بين الصواب والخطأ في مروياته.
5.من كان فاحش الغلط؛ وهو من زاد خطؤه على صوابه زيادة فاحشة.
6.من كان جاهلا بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يميل معانيها عند الرواية بالمعنى.
7.من عرف بالتساهل في مقابلة كتابه وتصحيحه وصيانته إذا كان يحدث منه.
... فكل من اتصف بواحدة من هذه الصفات الآنفة الذكر كان خارجا عن العدالة والضبط . اللذين هما شرطان أساسيان في قبول ما يروى من الآثار والأخبار وسنتكلم عن كل واحد من هؤلاء في موضعه إن شاء الله تعالى.
المبحث الثاني
التأصيل الشرعي لعلم الجرح والتعديل(6/8)
... يقتضي الجرح نقد الأئمة للرواة والنقلة والتعرض لأوصافهم وسجاياهم وأحوالهم والكشف عن بواطنهم والضعف فيهم وإظهارها للناس، وقد أنكر قوم لم يتبحروا في العلم بالحديث وأصول الشريعة ذلك ورأوا انه من الغيبة المحرمة ان كان فيه ما يقولون بحقه وإن كان الأمر على خلافه فهو بهتان(1).
... وليس الأمر كما ذهبوا إليه لأن أهل العلم أجمعوا على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به وفي ذلك دليل على جواز الجرح لمن لم يكن صدوقا في روايته، وعدوا ذلك مما لا يجوز السكوت عليه(2).
... وقد استدل العلماء على جواز الجرح بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
__________
(1) -أنظر المتكلمون في الرجال/ السخاوي/ 87-88، وأبو حاتم الرازي ومكانته بين علماء الجرح والتعديل، د.زياد العاني 126.
(2) -أنظر الكفاية/ 37، وأبو حاتم الرازي : د. زياد العاني / 126.(6/9)
... فمن القرآن قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))(1). فقد أوجب الله على المسلمين التوقف في قبول خبر الفاسق حتى يتبين صدقه من كذبه وهذا لا يتم إلا بدراسة حياته والكلام فيه.
... يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يأمر الله تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا، فيكون الحاكم بأمره قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله تعالى عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هنا امتنع طوائف من العلماء عن قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر)(2).
__________
(1) -الحجرات/ 6.
(2) -تفسير ابن كثير: 4/209.(6/10)
... ومعلوم أن احتمال الفسق لا يزول عن الراوي إذا كان مجهول الحال إلا بعد النظر والتمحيص في ذلك الراوي وهو ما يقوم به علماء الجرح والتعديل. فكأن الآية قد أمرت بإجراء عملية الجرح والتعديل في حق الرواة حتى يصنفوا بعد تلك العملية إلى أناس صادقين وغير صادقين أما الصادق فيأخذ خبره وأما الفاسق فيجب التوقف في قبول خبره حتى يقطع الشك باليقين إلى أحد الجهتين صدقه أو كذبه.
... أما القرطبي فيقول في هذه الآية: (وفي هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا لأن الخبر أمانة والفسق قرينة تبطلها )(1) فقوله بقبول خبر الآحاد إن كان من يرويه عدلا إنما يدل على أن من لم يكن عدلا لا يقبل خبره وهذا يقتضي التنبيه والكشف عمن كان غير عدل.
... أما من السنة النبوية فقد وردت أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام شهدوا بها على صدق رواتها بعد أن علموا صدقهم ووردت أحاديث أخرى في تجريح بعض الناس مما يشهد أن الجرح والتعديل أمر ثابت ولا مجال لرده أو التشكيك في شرعيته.
__________
(1) ـ تفسير القرطبي : 16 / 312(6/11)
... ففي التعديل روى الامام احمد بسنده الى عبد الله بن عمرو بن العاص ( ان ابا ايوب الانصاري كان في مجلس وهو يقول: ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة؟ قالوا: وهل تستطيع ذلك قال: فإن "قل هو الله أحد" ثلث القرآن.. فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو يسمع أبا أيوب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدق أبو أيوب)(1).
... وكذلك ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق عبد الله بن عمر قوله: (إن عبد الله رجل صالح)(2).
__________
(1) -مسند أحمد/ مسند المكثرين من الصحابة/ مسند عبد الله بن عمرو بن العاص/ رقم الحديث: 6324.وقد انفرد به.
(2) -صحيح البخاري/ كتاب المناقب/ باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب/ رقم الحديث: 3741، وصحيح مسلم/ كتاب فضائل الصحابة/ رقم الحديث: 4527.(6/12)
... وروى الترمذي بسنده إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم الرجل أبو بكر. نعم الرجل عمر. نعم، الرجل أبو عبيدة بن الجراح. نعم الرجل أسيد بن حضير. نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس. نعم الرجل معاذ بن جبل. نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح)(1).
... وأخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وأسبال أزاره فبلغ ذلك خريما فجعل يأخذ شفرة يقطع بها شعره إلى أنصاف أذنيه ورفع أزاره إلى أنصاف ساقيه)(2).
__________
(1) -سنن الترمذي/ كتاب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -/ باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب/ رقم الحديث: 3728. وقال هذا حديث حسن
(2) -مسند أحمد/ مسند الشامين/ حديث سهل بن الحنظلية/ رقم الحديث: 16961.وسنن ابي داود / كتاب اللباس رقم الحديث :3566(6/13)
... وفي الجرح ورد عن رسول الله من حديث عائشة أن رجلا استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال: ائذنوا له فبئس أخو العشيرة أو بئس رجل العشيرة فلما دخل عليه ألان له القول قالت عائشة: فقلت يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول قال: يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه اتقاء فحشه)(1).
... وقد وردت عن السلف الصالح آثار يمكن الاستدلال بها على جواز الجرح والتعديل. ...
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب البر والصلة/ باب مداراة من يتقى فحشه/ رقم الحديث: 4693، وسنن أبي داود/ كتاب الآداب/ باب حسن العشرة/ رقم الحديث: 4159.(6/14)
فمن ذلك ما أخرجه النسائي من حديث أبي اسحق قال: سمعت عبد الله بن يزيد يخطب قال حدثنا البراء وكان غير كذوب أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع رأسه من الركوع قاموا قياما حتى يروه ساجدا ثم سجدوا(1).
وأخرج كذلك عن مقسم قال الوتر سبع فلا أقل من خمس ذكرت ذلك لإبراهيم فقال عمن ذكره؟ قلت: لا أدري قال الحكم: فحججت فلقيت مقسما فقلت له: عمن قال عن الثقة عن عائشة وعن ميمونة(2).
__________
(1) - صحيح البخاري / كتاب الاذان / باب متى يسجد من خلف الامام رقم الحديث/649 وصحيح مسلم/كتاب الحيض/رقم الحديث /474 سنن النسائي/ كتاب الإمامة/ باب مبادرة الإمام/ رقم الحديث: 820.وسنن ابي داود/كتاب الصلاة /رقم الحديث/ 525 وسنن الترمذي/كتاب الصلاة/رقم الحديث/259 وقال حديث حسن صحيح
(2) -سنن النسائي/ كتاب قيام الليل/ باب كيف الوتر/ رقم الحديث: 1697.(6/15)
وأخرج الترمذي من حديث نافع قال: (سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل قال: فقلت: ما عندنا عسل نتصدق منه ولكن أخبرنا المغيرة بن حكيم أنه قال: ليس في العسل صدقة فقال عمر: عدل مرضي فكتب إلى الناس أن توضع يعني عنهم)(1).
... ومما ورد من قبيل تجريح الرواة ما أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عبيد بن عمير عن ابيه أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربيضين من الغنم إن أتت هؤلاء نطحنها وإن أتت هؤلاء نطحنها فقال له ابن عمر: كذبت، فأثنى القوم على أبي خيرا أو معروفا فقال ابن عمر: لا أظن صاحبكم إلا كما تقولون ولكني شاهد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: كالشاة بين الغنمين فقال: هو سواء، فقال: هكذا سمعته)(2). فمن الظاهر هنا أن تجريح عبد الله بن عمر لعبيد بن عمير إنما هو من جهة حفظه
__________
(1) -سنن الترمذي/ كتاب الزكاة/ باب زكاة العسل/ رقم الحديث: 571.انفرد به الترمذي ولم يحكم عليه.
(2) -مسند أحمد/ مسند المكثرين من الصحابة/ مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب/ رقم الحديث: 5105، وسنن الدارمي/ كتاب المقدمة/ رقم الحديث 320.(6/16)
وضبطه وليس هو متهما بالكذب عند ابن عمر بدلالة قوله: (لا أظن صاحبكم إلا كما تقولون).
... وأخرج الدارمي بسنده إلى محمد بن سيرين قوله: (ما حدثتني فلا تحدثني عن رجلين فإنهما لا يباليان عمن أخذا حديثهما)(1).
وأخرج له أيضا قوله: (إن هذا العلم دين فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه)(2).
... أما التأصيل الشرعي لاعتبار الضبط والإتقان في رواية الأخبار فأبرز قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع فلب مبلغ اوعى من سامع)(3)
... ووجه الدلالة في هذا الحديث هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (فبلغه كما سمع) نص على الحث على الحفظ سواء أكان الحفظ حفظ صدر أو حفظ كتاب.
__________
(1) -سنن الدارمي/ المقدمة/ باب الحديث عن النفاق/ رقم الحديث:419.انفرد به الدارمي ،ولم استطع ان اعرفالرجلين المذكورين في الحديث
(2) -المصدر نفسه / رقم الحديث: 421.
(3) ـ سنن الترمذي /كتاب العلم عن رسول الله /باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع/رقم الحديث :2581 وقال حديث حسن صحيح ، وسنن ابن ماجة /المقدمة / رقم الحديث 328(6/17)
... وفي بعض روايات هذا الحديث ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فانه رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه)(1) وهذا نص على اعتبار الضبط عند الأداء، لأن المبلغ لا يمكن أن يعي أكثر من المبلغ ألا إذا كان المبلغ ناقلا للنص بحذافيره من دون زيادة ولا نقصان.
... لذا فإن الكلام في جرح الرواة ليس داخلا في باب الغيبة وإنما هو النصيحة في دين الله.
المبحث الثالث
أهميته ودواعيه
أهميته ودواعيه:
... لا شك أن شرف كل شيء مستمد من شرف متعلقه. ولما كان علم الجرح والتعديل هو المرقاة الكبيرة إلى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، عد علم الجرح والتعديل الأصل الحقيقي الذي تبنى عليه كل علوم السنة النبوية.
__________
(1) ـ مسند احمد / مسند الانصار / حديث زيد بن ثابت /رقم الحديث / 20608 ، وسنن ابي داود /كتاب العلم /باب فضل نشر العلم /رقم الحديث /3175 ،وسنن ابن ماجة /المقدمة / رقم الحديث / 232(6/18)
... ولما كانت السنة صنو القرآن وبيانه والمشكاة الكاشفة عن أسراره كانت علوم السنة النبوية تأتي بعد القرآن العظيم عند المسلمين، بما فيها علم الجرح والتعديل الذي به يذاد عن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
... وقد تكلم علماؤنا الأجلاء رحمهم الله تعالى عن أهمية علم الجرح والتعديل. وأنه لأهميتة جاز لهم أن يتكلموا في الناس مجرحين ومعدلين بخلاف غيرهم ممن لم يعرضوا لهذا إذ لم يجز لهم أن يتكلموا في الرجال.
... ولا أظن أننا لكي نكشف النقاب عن أهمية علم الجرح والتعديل بحاجة إلى أن نتحدث عن أهمية السنة النبوية في حياة المسلمين حيث أن هذا الأمر إن لم يكن من ضروريات الدين فهو من بديهياته.
... فقد طفحت كتب السنة النبوية والحديث الشريف بالحديث عن مكانتها وأهميتها وقد أجملها السباعي بما يلي:
أنها مؤكدة لما جاء به القرآن الكريم.
إنها مقيدة لما جاء به مطلقا.
إنها مخصصة لما جاء في القرآن عاما.
إنها مفصلة لما جاء فيه مجملا.
أنها مؤسسة لأحكام جديدة لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم.(6/19)
إذن فأهمية الجرح والتعديل مستمدة من أهمية السنة النبوية في حياة المسلمين. فهي ضرورة شرعية أوجبها عليهم التزامهم بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
يقول ابو نعيم الأصبهاني في كتابه (الضعفاء): (فلما وجب طاعته ومتابعته - صلى الله عليه وسلم - لزم كل عاقل ومخاطب الاجتهاد في التمييز بين صحيح أخباره وسقيم آثاره وأن يبذل مجهوده في معرفة ذلك واقتباس سنته وشريعته من الطريق المرضية والأئمة المهدية وكان الوصول إلى ذلك متعذرا إلا بمعرفة الرواة والفحص عن أحوالهم وأديانهم والبحث والكشف عن صدقهم وكذبهم وإتقانهم وضبطهم وضعفهم ودهائهم وخطئهم)(1).
وتكلم الإمام السيوطي في تدريب الراوي عن معرفة الثقات من الضعفاء الذي وسيلته الجرح والتعديل. فقال: (معرفة الثقات والضعفاء وهو من أجل الأنواع (يعني أنواع علوم الحديث) فبه يعرف الصحيح والضعيف وفيه تصانيف كثيرة… وما أغزر فوائده وما أجله وجوز الجرح والتعديل صيانة للشريعة)(2).
__________
(1) -أنظر السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/ مصطفى السباعي/ 343-353.
(2) -تدريب الراوي/ السيوطي: 2/368.(6/20)
وقال الخطيب البغدادي موضحا الدواعي الحقيقية لقيام علم الجرح والتعديل: (لما كان أكثر الأحكام لا سبيل إلى معرفته إلا من جهة النقل لزم النظر في حال الناقلين، والبحث عن عدالة الراوين، فمن ثبتت عدالته جازت روايته، وإلا عدل عنه والتمس معرفة الحكم من جهة غيره لأن الأخبار حكمها حكم الشهادات في أنها لا تقبل إلا عن الثقات)(1).
وتأتي أهمية الجرح والتعديل وتبرز دواعيهما كذلك من جهة أنها بمنزلة الشهادة على صدور ذلك المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أننا مأمورون في القرآن الكريم برد شهادة الفاسق(2) وقبول شهادة المؤمن المرضي(3)
__________
(1) -الجامع لأخلاق الراوي/ الخطيب البغدادي: 2/200.
(2) -لقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (النور:4) (فأوجب الله على القاذف… ثلاثة أحكام أحدها أن يجلد ثمانين جلدة والثاني أن ترد شهادته دائما الثالث أن يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس) (تفسير ابن كثير 3 / 265).
(3) -لقوله تعالى: ((وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)) (البقرة: من الآية282).(6/21)
، والتوقف في شهادة مجهول الحال حتى يتضح أمره(1).
أخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى بشر بن الحارث قال سمعت سفيان يقول: الإسناد في الحديث بمنزلة الشهادة(2).
وأخرج كذلك عن الحسن بن محمد بن شعبة الانصاري يقول: سمعت عبد الله بن المبارك الحافظ يقول: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: إنما هي شهادة وهذا الذي نحن فيه من أعظم الشهادات(3).
وقال علي بن المديني موضحا أهمية الجرح والتعديل وأنه نصف ما يقوم عليه علم الحديث: (التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم)(4).
__________
(1) -لقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) (الحجرات:6) قال ابن كثير: (ومن ها هنا امتنع طوائف من العلماء عن قبول رواية مجهول الحال لأحتمال فسقه في نفس الأمر) (تفسير ابن كثير 4/209).
(2) -الجامع لأخلاق الراوي: 2/200.
(3) -المصدر السابق: 2/200.
(4) -المحدث الفاصل/ الرامهرمزي/ 320.(6/22)
وقال ابن حبان: (فإن أحسن ما يدخره المؤمن الخير في العقبى وأفضل ما يكتسب به الذخر في الدنيا حفظ ما يعرف به الصحيح من الآثار ويميز بينه وبين الموضوع من الأخبار، إذ لا يتهيأ معرفة السقيم من الصحيح ولا استخراج الدليل من الصريح إلا بمعرفة ضعفاء المحدثين والثقات وكيفية ما كانوا عليه من الحالات)(1).
وقال الخطيب البغدادي: (أجمع أهل العلم أنه لا يقبل إلا خبر العدل كما أنه لا تقبل إلا شهادة العدل، ولما ثبت ذلك وجب متى لم نعرف عدالة المخبر والشاهد أن يسأل عنهما أو يستخبر عن أحوالهما أهل المعرفة بهما إذ لا سبيل إلى العلم بما هما عليه إلا بالرجوع إلى قول من كان بهما عارفا في تزكيتهما، فدل على أنه لابد منه)(2).
وقال الإمام مسلم في معرض حديثه عن أهمية الجرح والتعديل في مقدمته في صحيحه :
__________
(1) -كتاب المجروحين لأبن حبان: 1/2.
(2) -الكفاية/ الخطيب البغدادي/ 15.(6/23)
... (وإنما التزموا (أي أئمة الحديث) بالكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين، إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة… ولم يبين ما فيه لغيره ممن يجهل معرفته، كان آثما بفعله ذلك غاشا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات، وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة)(1).
__________
(1) - صحيح مسلم / المقدمة / 1 / 28.(6/24)
وأوضح الإمام ابن أبي حاتم الرازي أن مدار فهم الشريعة كله يدور على علم الجرح والتعديل إذ لا سبيل إلى فهم آيات الكتاب إلا بالرجوع إلى السنة المطهرة. ولا سبيل إلى التمسك الصحيح بالسنة المطهرة إلا بالتمييز بين صحيحها وسقيمها ولا سبيل إلى معرفة الصحيح من السقيم إلا بمعرفة علم الجرح والتعديل والوقوف على أحوال الرجال. فقال : (فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكر من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل بالآثار الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل - رضي الله عنه -. فإن قيل بم تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟! قيل بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله بهذه الفضيلة ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان.
حدثنا أبو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أخبرنا أبي قال: أخبرني عبدة بن سليمان المروزي قال: قيل لأبن مبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟!! قال يعيش لها الجهابذة )(1).
__________
(1) -الجرح والتعديل/ ابن أبي حاتم الرازي:1/2-3.(6/25)
... وقال أبو الوليد الباجي في جواز الجرح ودواعيه: (وإنما يجوز للمجرِح أن يذكر المجرَح بما فيه مما يرد حديثه لما في ذلك من الذب عن الحديث وكذلك ذو البدعة يذكر ببدعته لئلا تغتر به الناس حفظا للشريعة وذبا عنها)(1).
... بقي أن نعلم بعد هذا أن علماءنا الإجلاء رحمة الله عليهم لم يسارعوا إلى الخوض في هذا الأمر إلا بعد أن علموا علم اليقين أن الجرح أمر جائز لهم بل واجب عليهم وأنه خارج عن دائرة الغيبة المحرمة. إذ عليه مدار تصحيح الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام. فلما كان معرفة الصحيح من السقيم من الآثار واجبا-وهو ما لا يتم إلا بالجرح والتعديل-كان الجرح والتعديل واجبا اعتمادا على القاعدة الأصولية التي تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)(2).
... وتكلم العلماء في الكشف عن الحدود الفاصلة بين الغيبة المحرمة والغيبة المباحة. حتى لا يقع الناس في الحرام.
__________
(1) -التعديل والتجريح/ أبو الوليد الباجي: 1/282.
(2) ـ نيل الاوطار / الشوكاني / 2 / 231(6/26)
... يقول الإمام النووي: (والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره والبهت أن يقال له الباطل في وجهه وهما حرامان ولكن تباح الغيبة لغرض شرعي ولذلك أسباب:
أحدهما: التظلم: فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية على إنصافه من ظلمه فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب: فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء: بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه، ودفع ظلمه عني…
الرابع: تحذير المسلمين من الشر: وذلك من وجوه:
* منها جرح المجرحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة.
* ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته.
* ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك أن تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد.
* ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة.(6/27)
* ومنها أن يكون له ولاية ولا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية يستدل بها على حاله ولا يغتر به ويلزم الاستقامة.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته: كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف: فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقيصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى)(1).
فأنظر إلى حكمة الله كيف انتقلت الغيبة من أكل للحوم الناس إلى واجب شرعي حينما تعلق الأمر بحفظ الدين وصيانة الشريعة.
جاء في كتاب بحر الدم فيمن تكلم فيه أحمد بمدح أو ذم: (ولابد لك قبل ذلك أن تعلم أن الكلام في الرجال ليس هو من باب الغيبة المحرم وإنما هو من باب تصحيح الحديث)(2).
وأخرج العقيلي بسنده إلى سفيان بن عيينة قوله: (كان شعبة يقول: تعالوا حتىنغتاب في الله)(3).
__________
(1) -صحيح مسلم بشرح النووي: 16/142-143.
(2) -بحر الدم/ الإمام أحمد بن حنبل: 1/33.
(3) -الضعفاء/ أبو جعفر العقيلي: 1/11.(6/28)
وأخرج كذلك بسنده إلى ابن علية أن رجلا قال: (فلان ليس ممن يؤخذ عنه الحديث فقال الآخر: قد اغتبت الرجل فقال رجل: ليست هذه بغيبة إنما هذا حكم فقال ابن علية: صدقك الرجل يعني الذي قال هذا حكم)(1).
قال عبد الله بن الإمام أحمد: (جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي فجعل أبي يقول: فلان ضعيف وفلان ثقة فقال أبو تراب: يا شيخ لا تغتب العلماء، فالتفت أبي إليه فقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة)(2).
قال الامام النووي في شرحه على صحيح مسلم في بيان هذا الأمر :
(أعلم أن جرح الرواة جائز، بل هو واجب بالاتفاق للضرورة الداعية إليه، لصيانة الشريعة المكرمة، وليس هو من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يزل فضلاء الأمة وأخيارهم وأهل الورع منهم يفعلون ذلك)(3).
وتكلم الخطيب البغدادي في كفايته عن أولئك الذين يريدون أن يعيش الناس في عماية عن أمور دينهم زعما منهم أن الكلام في الرجال مما حرم الله على عباده أن يخوضوا فيه فكفى ووفى، فقال رحمه الله:
__________
(1) -الضعفاء/ العقيلي: 1/12.
(2) -بحر الدم/ لابن المبرد: 1/37.
(3) -شرح النووي على مسلم / 1 / 124. وانظر قواعد التحديث / القاسمي / 188(6/29)
" وقد انكر قوم ام يتبحروا في العلم قول الحفاظ من ائمتنا ، واولي المعرفة من أسلافنا أن فلانا الراوي ضعيف وفلان غير ثقة، وما أشبه هذا من الكلام ورأوا ذلك غيبة لمن قيل فيه أن كان الأمر على ما ذكره القائل وإنه كان الأمر على خلافه فهو بهتان.
( واحتجوا بالحديث الذي يرويه أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال: أفرأيت أن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)(1)"(2).
وقد قال قائلهم في ذلك شعرا أنشد فيه عبد العزيز بن أبي الحسن القرميسيني قال: أنشدنا أبو بكر محمود بن أحمد المفيد قال: أنشدني الحسن بن علي الباغاني من أهل المغرب قال: أنشدني بكر بن حماد الشاعر المغربي لنفسه:
أرى الخير في الدنيا يقل كثيره ... وينقص نقصا والحديث يزيد
فلو كان خيرا كان كالخير كله ... ولكن شيطان الحديث مريد
ولأبن معين في الرجال مقالة ... سيسأل عنها والمليك شهيد
فإن تك حقا فهي في الحكم غيبة ... وإن تك زورا فالقصاص شديد
__________
(1) صحيح مسلم: 4/2001، وصحيح ابن حبان: 13/72، مصنف ابن شيبة: 5/230.
3-ـالكفاية / 37(6/30)
(قلت والقائل (الخطيب البغدادي) وليس الأمر على ما ذهبوا إليه لأن أهل العلم أجمعوا على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به وفي ذلك دليل على جواز الجرح لمن لم يكن صدوقا في روايته)(1).
إذن فبعد كل هذا الذي رويناه وأبصرنا من الضرورة الملجئة إلى الكلام في الرجال نستطيع أن ندرك أن علماءنا لم يكن سهلا عليهم أن تكلموا في علماء المسلمين جرحا وتعديلا فهم يعلمون أنهم بين أمرين كل منهما غاية في الصعوبة أن يتكلم في الرجال فيوشك أن يقع في الغيبة إذا ما تجاوز حدود الجرح التي أباحها الله له وهي ما تحفظ به حدود الشريعة ويصان ذمارها.
وبين أن يدع ذلك فيضيع الصحيح في زحمة السقيم ويختلط الحابل بالنابل ويسير الناس على غير هدى.
__________
(1) -الكفاية/ الخطيب البغدادي/ 54-56.(6/31)
يقول ابن منده في شروط الأئمة: (فلولا ما روينا عن المصطفى من التشديد في الرواية عنه وما نطق به الكتاب من التثبت في شهادة المتهم وقبول العدل وأهل الرضا ثم عن الصحابة المختارة لصحبته - صلى الله عليه وسلم - والتابعين بعدهم من التوقف والتشديد في هذا الأمر، ووجدنا جماعة من أهل العلم بعدهم اقتصروا على الأخبار الصحيحة عندهم من روايات الثقات المعروفين بالصدق والأمانة فرووها، وطرحوا كثيرا من الحديث الضعيف والروايات المنكرة لما استجرأت على هذا (يعني تجريح المجروحين ورد رواياتهم) ولكني في هذا الأمر مقتد بمن تقدم ذكرهم)(1).
لذا كان لجارحهم شروط ولجرحهم شروط ولقبول هذه الأحكام أصول ومبادئ وهو ما سنتكلم عنه في الفصل القادم إن شاء الله تعالى.
المبحث الرابع/ وسائل ثبوت عدالة الراوي وضبطه
المطلب الأول/ بم تثبت عدالة الراوي؟
المطلب الثاني/ كيف يعرف ضبط الراوي؟
المطلب الأول
بم تثبت عدالة الراوي؟
__________
(1) -شروط الأئمة/ ابن مندة/ 28.(6/32)
... لما أمرنا الله العلي العظيم أن نتوقف في خبر الفاسق ونتحرى صادق الأخبار من كاذبها كان ذلك-ضمنا-أمرا من الله تبارك وتعالى بالبحث عن حال الرواة ومعرفة العادلين الضابطين ممن سواهم. وقد فهم علماؤنا الأجلاء هذه الحقيقة غاية الفهم ولذلك وضعوا منهجا قويما بموجبه تقبل أخبار من تثبت عدالته ودقة ضبطه وترد أخبار من لم تثبت عدالته وتوضع أخبار من خف ضبطه في موضعها الصحيح.
... وثبوت عدالة الراوي لا يكون بطريق واحدة فقط وإنما تثبت العدالة عند جمهور المسلمين بثلاثة طرق لم يختلف عليها إلا من لا يعبأ بخلافه في مثل هذه المواطن.. وهذه الطرق هي:
أولا: التعديل بشهادة الكتاب والسنة:
... وهو أعلى درجات التعديل والتوثيق لأن البشر حينما يعدل غيره أو يوثقه إنما يحاول أن يصل إلى ذلك من خلال ما يظهر على الإنسان من سمات الخير والصلاح التي يغلب على الظن أنها تمثل بشكل أو بآخر ما في نفس ذلك الإنسان.(6/33)
... أما رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ورسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوى وإنما ينطق بوحي من الله فإن حكمهما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إذ أن حكم الله وحكم رسوله يصدران بعد علم تام بما تنطوي عليه تلك النفوس من الصلاح والتقوى. أنظر إلى قوله تبارك وتعالى حينما تحدث جل وعلا عن أولئك المؤمنين الذين بايعوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - على النصرة والمنعة: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً))(1) فالله تعالى حينما حكم بالرضا عن هؤلاء المؤمنين أعلمنا جلا وعلا أنه قد علم ما في قلوبهم، وأن ما في قلوبهم يتناسب مع هذا الكرم الإلهي العظيم.
... وكذلك الحال بالنسبة إلى تعديل النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الله تعالى قال عن هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى))(2).
__________
(1) -الفتح/ 18.
(2) -النجم/ 3-5.(6/34)
... لذا فإن من عدله الله جل وعلا أو عدله رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو عدل باتفاق أهل السنة والجماعة ولا يحتاج بعد ذلك إلى أن ننظر في حاله.
... يقول الخطيب البغدادي: (كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وأخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن)(1).
... ولسنا هنا بصدد ذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على عدالة الصحابة - رضي الله عنه -. فقد بحثت هذه المسألة في رسائل جامعية مستقلة(2). ولكننا سنكتفي في هذا المقام بذكر طرف يسير من آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة المشرفة تدليلا على ما قدمنا من عدالة الصحابة - رضي الله عنه -.
__________
(1) -الكفاية/ 63-64.
(2) -أنظر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة رسالة دكتوراه للدكتور عيادة أيوب الكبيسي، والصحابة ومكانتهم عند المسلمين رسالة ماجستير للباحث/ وعدالة الصحابة عند المسلمين رسالة دكتوراه لمحمد محمود لطيف.(6/35)
... فمن القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً))(1) وقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ))(2) وقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ))(3). وقوله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
__________
(1) -الفتح/ 18.
(2) -الواقعة/ 11.
(3) -التوبة/ 100.(6/36)
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))(1).
... ومن السنة النبوية قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)(2).
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه عنه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق الدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفة)(3).
__________
(1) -الحشر/ 8-9.
(2) -صحيح البخاري/ كتاب المناقب/ فضل أصحاب النبي/ رقم الحديث: 3378، وصحيح مسلم/ كتاب فضائل الصحابة/ رقم الحديث: 4599.
(3) -صحيح البخاري/ كتاب المناقب/ باب قول النبي (لو كنت متخذا خليلا) ورقم الحديث: 3397، وصحيح مسلم/ كتاب فضائل الصحابة/ رقم الحديث: 4611.(6/37)
... ... وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)(1).
... وأخرج الهيثمي في زوائده عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اذا ذكر اصحابي فأمسكوا…)(2).
__________
(1) -صحيح مسلم/ كتاب فضائل الصحابة/ باب بيان أن بقاء النبي أمان لأصحابه/ رقم الحديث: 4596.
(2) -مجمع الزوائد/ الهيثمي: 7/223.قال الهيثمي فيهذا الحديث :فيه مسهر بن عبدالملك وثقه ابن حبان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح .(6/38)
فمن هذه الأحاديث وغيرها نصل إلى يقين لا يلابسه شك أن من أكرمه الله بصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو فوق الشبهات فهو مرضي ومأمون على سنة المصطفى إذ أن الله قد أختارهم لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما أختار الله أنبياءه لحمل رسالاته إلى الناس. فقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى أنس ابن مالك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله اختارني وأختار لي أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري…)(1).
ثانيا: التعديل بالاستفاضة:
... والمقصود بالاستفاضة هنا إطباق الناس في زمن معين على عدالة شخص ما واشتهاره بذلك شهرة يستغنى بمثلها عن السؤال عنه والفحص عن أحواله.
... يقول ابن الصلاح: (وتارة تثبت (أي العدالة) بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي وعليه الاعتماد)(2).
__________
(1) -الكفاية/ 66.
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 219.(6/39)
ويمثل هذا النوع بجملة من أئمة الحديث ذكرهم الخطيب البغدادي وابن الصلاح والمؤلفون في علوم الحديث وهم: (مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري، وسفيان بن عينة والأوزاعي والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وحماد بن زيد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وعفان بن مسلم) وغيرهم ممن جرى على منوالهم وسار في ركابهم في النباهة والاستقامة وحسن الطوية فلا يسأل عن عدالتهم وأحوالهم وإنما يكتفي منهم بشيوع صلاحهم وإنما السؤال عمن هم دونهم(1).
وقد صرح الشوكاني أن الاستفاضة أقوى في إثبات عدالة الراوي من تعديل الواحد والاثنين(2).
وصرح السيوطي كذلك أن من اشتهرت عدالته فإنه لا يحتاج إلى تعديل المعدلين فقال :
واثنان ان زكاه عدل والاصح ان عدل الواحد يكفي او جرح
او كان مشهورا ، وزاد يوسف بأن كل من بعلم يعرف
عدل الى ظهور جرح وأبوا ………………………………..(3).
__________
(1) -الكفاية/ 147، الخلاصة في أصول الحديث/ الحسن بن عبد الله الطيبي/ 89.
(2) -أنظر إرشاد الفحول للشوكاني/ 67، والكفاية/ 110.
(3) -ألفية السيوطي في علم الحديث/ 50.(6/40)
وقال فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر في هذا الصدد في شرحه لألفية السيوطي في علم الحديث: (تثبت عدالة الراوي بأن ينص عليها واحد من العلماء المعروفين بالبحث عن أحوال الرواة… وهذا في غير من استفاضت عدالتهم واشتهروا بالتوثيق والاحتجاج بهم بين أهل العلم، وشاع الثناء عليهم)(1).
ثالثا: التعديل بشهادة اهل الجرح والتعديل:
... والطريقة الثالثة التي أجمع عليها علماء الحديث الشريف في تعديل الرواة هي أن يشهد علماء الجرح والتعديل على رجل ما بأنه عدل مرضي مأمون على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونقل الخطيب البغدادي عن أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني أن (العدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتفق على أنه مبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها)(2).
... والطريقة المرضية التي يسلكها هؤلاء المعدلون إنما تقوم على الاختبار ومحاولة استكناه عدالة الراوي فلا يكتفي بما يظهر من إسلامه وهديه الظاهر.
__________
(1) -المصدر السابق/ هامش صفحة / 50.
(2) -الكفاية/ الخطيب البغدادي/ 102.(6/41)
... يقول الخطيب البغدادي: (الطريق إلى معرفة العدل المعلوم عدالته مع إسلامه وحصول أمانته ونزاهته واستقامة طرائقه، لا سبيل إليها إلا باختيار الأحوال، وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة)(1).
... لكن اختلف العلماء فيما تثبت به عدالة الراوي من حيث العدد. بمعنى هل يكفي تعديل المعدل الواحد في إثبات عدالة الراوي أم يشترط أن يكون التعديل صادرا عن معدلين اثنين على الأقل قياسا على الشهادة.
هذا ما اختلف فيه علماء الحديث إلى فريقين:
الفريق الأول: قالوا لا تثبت عدالة الراوي إلا بتزكية عدلين له قياسا على الشهادات.
__________
(1) -المصدر السابق/ 104.(6/42)
الفريق الثاني: قالوا يقبل تعديل الواحد إن كان عدلا لأن الأصل قبول كل عدل مرضي. وهو مبني على التفريق بين الرواية والشهادة وهو الذي صححه ابن الصلاح والخطيب البغدادي والسيوطي وهو قول الأكثرين كما حكاه الأمدي(1)وسبب ذلك (أن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات)(2).
رابعا: التعديل بحكم القاضي بشهادته:
__________
(1) -الاحكام للأمدي: 2/77.أنظر الكفاية/ 160-161، ومقدمة ابن الصلاح/ 223، ومحاسن الإصلاح للبلقيني/ 223، وتدريب الراوي للسيوطي: 1/301، وألفية السيوطي في علوم الحديث/ 50
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 223.(6/43)
ومن الوسائل المعتبرة عند أئمة الجرح والتعديل أن يحكم الحاكم أو القاضي في مسألة معنية اعتمادا على شهادة ذلك الشخص الذي يراد تعديله لأن هذا يعد تعديلا لذلك الشخص وقد حكى الاتفاق على هذا ابن الحاجب لأن القاضي لا يمكن أن يحكم بشهادته إلا إذا كان عدلا عنده. غير أن الأمدي قيد هذا النوع من التعديل بما إذا كان القاضي ليس ممن يقبل شهادة الفاسق. فإن كان من مذهبه قبول شهادة الفاسق سقط هذا التعديل عند العلماء(1).
... وهناك طرق أخرى لأثبات العدالة ليست محل اتفاق بين علماء المسلمين نذكرها حتى نلم بأطراف موضوعنا:
__________
(1) -أنظر أحكام الأحكام: 2/79، واختصار علوم الحديث لأبن كثير/ 97، وشرح العضد لأبن الحاجب: 2/66.(6/44)
الأولى: وهي التي تبناها ورفع لواءها الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي حيث قال: (كل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)(1)-(2)
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 219، وألفية الحديث للسيوطي/ 50.
(2) -هذا الحديث أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى 10/209) وابن عبد البر في التمهيد (1/59) والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص28) وقد تكلم العلماء في هذا الحديث تصحيحا وتضعيفا؛
فالإمام أحمد ذهب إلى القول بصحته قال الخطيب البغدادي: (حدثت عن عبد العزيز بن جعفر الفقيه قال: حدثنا أبو بكر الخلال. قال: قرأت على زهير بن صالح بن أحمد قال: حدثنا هنا قال: سألت أحمد عن حديث معان بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين). فقلت لأحمد: كأنه كلام موضوع فقال: لا هو صحيح فقلت: ممن سمعته؟ قال: من غير واحد قلت: من هم؟ قال: حدثني به مسكين إلا إنه يقول معان عن القاسم بن عبد الرحمن قال أحمد: معان بن رفاعة لا بأس به) (شرف أصحاب الحديث/29). في =حين ذهب الجمهور الأكبر من المحدثين إلى أن هذا الحديث لا يثبت فالذهبي يقول في ميزانه: (معان ليس بعمدة ولا سيما إذا أتى بواحد لا يدرى من هو. (ميزان الاعتدال 1/45) وقال الحافظ العراقي (وقد روي حديثا متصلا من رواية جماعة من الصحابة؛ علي ابن أبي طالب، وابن عمر،وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن سمرة وأبي أمامة وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء) (التقيد والإيضاح/139). وقال البلقيني أثناء تعقيبه على كلام ابن الصلاح (وفيما قاله اتساع غير مرضي) قال (ووجه كونه غير مرضي أن الحديث لم يصح فإنه روي مرفوعا من حديث أسامة بن زيد وأبي هريرة وابن مسعود وغيرهم وفي كلها ضعف، وقال الدارقطني: لا يصح مرفوعا) (محاسن الإصلاح/ 219).(6/45)
.
ووجه الاستدلال عنده أن الحديث يخبر بعدالة الحاملين لعلم الحديث. والمشتغلين به.
وفي حالة ما إذا افترضنا صحة الحديث فإنه لا دليل فيه على ما ذهب إليه ابن عبد البر وإنما يحمل على الأمر لورود رواية صريحة في ذلك. إذ وردت عند ابن أبي حاتم بصيغة الأمر (ليحملْ هذا العلم من كل خلف عدوله)(1). وحتى لو لم يرد بصيغة الأمر فإنه محمول عليها كما في قوله تعالى ((لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))(2) أي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يواد الذين يحادون الله ورسوله. ومع هذا ربما وجدنا من يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يواد من حاد الله ورسوله.
الثانية: التعديل بشيوع الرواية عن الراوي: وهي طريقة أبي بكر البزار ومن وافقه فقد تبناها في مسنده حيث أثبت عدالة الراوي برواية جماعة من الجلة عنه(3).
__________
(1) -الجرح والتعديل/ ابن أبي حاتم: 2/17.
(2) -المجادلة/ 22.
(3) -فتح المغيث/ السخاوي: 1/290.(6/46)
... وذكر الذهبي أن هذا النوع من التعديل شائع عند علماء الحديث فقال: (والجمهور على ان من كان من المشايخ وروى عنه جماعة ولم ينكر عليه أن حديثه صحح)(1).
... وهذا التعديل مبني على مبدأ أن رواية العدل تعديل لمن روى عنه وفي هذا نظر وتوقف للمدققين من علماء الحديث.
... قال الخطيب البغدادي: (من زعم أن رواية العدل عن غيره تعديل له بأن العدل لو كان يعلم فيه جرحا لذكره، وهذا باطل لأنه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته فلا تكون روايته عنه تعديلا ولا خبرا عن صدقه بل يروى عنه لأغراض يقصدها. كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنها غير مرضية وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب في الرواية، وبفساد الآراء والمذاهب)(2).
... ثم يجب أن يعلم أنه ليس من مذهب جميع المحدثين الإمساك عن الرواية إلا من عدل لكي يقال أن كل من روى عنه العدول فهو عدل.
__________
(1) -ميزان الاعتدال/ الذهبي: 3/426، والرفع والتكميل للكنوي/ 169-170.
(2) -الكفاية/ الخطيب البغدادي/ 112، وأنظر :الجرح والتعديل بحث للدكتور حارث سليمان الضاري في الرسالة الإسلامية العددان/168-169/ ص83.(6/47)
... أخرج الخطيب بسنده إلى شعبة أنه قال سفيان (الثوري) ثقة يروي عن الكذابين(1).
... أما إذا قال المحدث أن كل من أروي عنه ثقة مرضي الحديث كان هذا القول تعديلا لجميع من يروي عنهم هذا المحدث، ومن أمثال هؤلاء عبد الرحمن ابن مهدي(2).
... وفي هذا الصدد يقول السيوطي: (وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين من أهل الحديث وغيرهم وهو الصحيح لجواز رواية العدل عن غير العدل، فلم تتضمن روايته عنه تعديله… وقيل هو تعديل إذ لو علم فيه جرحا لذكره ولو لم يذكره لكان غاشا في الدين وهذا خطأ لأن الرواية تعريف له (أي ترفع الجهالة عن الراوي) والعدالة بالخبرة… وقيل أن كان العدل لا يروي إلا عن عدل كانت روايته تعديلا والإ فلا وأختاره الأصوليون كالأمدي وابن الحاجب)(3).
... بقي أن نعرف بعد هذا الدواعي التي حملت الرواة العدول على التحديث عمن ليسوا محل ثقة عندهم.
__________
(1) -الكفاية/ 115.
(2) -المصدر السابق: 116/1.
(3) -تدريب الراوي/ السيوطي: 2/314، وأنظر الأحكام للأمدي: 2/100.(6/48)
... فقد روى السيوطي بسنده عن الشعبي أنه قال: (حدثنا الحارث وأشهد بالله أنه كان كاذبا)(1) فإذا كان معلوم الكذب فلماذا يكتب حديثه وينقل؟!!
الجواب على ذلك في هذه الرواية.
... قال السيوطي (روى الحاكم وغيره عن أحمد بن حنبل أنه قيل ليحيى بن معين وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس أتكتبها وتعلم أنها موضوعة؟!! فلو قال لك قائل أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه؟!
... فقال يا أبا عبد الله اكتب هذه الصحيفة واحفظها كلها واعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس
فأقول له كذبت إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت)(2).
... هذا بالنسبة لمن كان متهما بالكذب في حديثه أما الأسباب التي دعت العدول إلى التحديث عن الضعفاء فهذا ما أوضحه الإمام مسلم في مقدمته حينما قال: (قد يقال لم حدث الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم ويجاب عنه بأجوبة:
أحدهما: أنهم رووها ليعرفوا وليعينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم.
الثاني: أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر أو يستشهد ولا يحتج به على انفراده.
__________
(1) -تدريب الراوي: 2/314، الكفاية/115.
(2) -المصدر السابق: 2/314.(6/49)
الثالث: رواية الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل، فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم ومعروف عندهم.
الرابع: أنهم يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزهد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحرام وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع فيه والعمل به لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع(1).
... يقول جمال الدين القاسمي : (إن من العلماء من كان يسمع حديث من يكذب ويقول إنه يميز بين ما يكذبه وبين ما لا يكذبه ويذكر عن الثوري إنه كان يأخذ عن الكلبي وينهى عن الأخذ منه، ويذكر إنه يعرف ومثل هذا أنفع لمن كان خبيرا بشخص إذا حدثه بأشياء يميز بين ما صدق فيه وما كذب فيه بقرائن لا يمكن ضبطها، وخبر الواحد قد تقترن به قرائن تدل على أنه صدق وقرائن تدل على أنه كذب)(2).
الثالثة: التعديل بالعمل أو الفتوى بمقتضى رواية الراوي:
__________
(1) -مقدمة صحيح مسلم/ مسلم بن الحجاج/ 60.
(2) -قواعد التحديث/ جمال الدين القاسمي/ 115.(6/50)
... اختلف علماء الحديث فيما إذا أفتى العالم أو عمل على وفق رواية شخص ما،هل يكون هذا العمل أو هذه الفتوى تعديلا وتوثيقا من ذلك العالم لراوي هذا الحديث الذي عمل بمقتضاه؟!
... فالخطيب البغدادي ومن وافقه يذهبون إلى أنه (إذا عمل العالم بخبر من يروي عنه لأجله فإن ذلك تعديل له يعتمد عليه)(1).
... وحجته في ذلك أن العالم (لم يعمل بخبره إلا وهو رضا عنده عدل، فقام عمله بخبره مقام قوله هو عدل مقبول الخبر، ولو عمل العالم بخبر من ليس هو عنده عدلا لم يكن عدلا يجوز الأخذ بقوله، والرجوع إلى تعديله، لأنه إذا احتملت أمانته أن يعمل بخبر من ليس بعدل عنده احتملت أمانته أن يزكي ويعدل من ليس بعدل)(2).
... بينما ذهب ابن الصلاح ومن وافقه إلى أن (عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث، وكذا مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا في روايته)(3).
__________
(1) -الكفاية/ 116.
(2) -المصدر السابق/ 116.
(3) -مقدمة ابن الصلاح/ 225.(6/51)
... وعلق ابن كثير على كلام ابن الصلاح آنف الذكر ولم يرض إطلاقه على العموم فقال: وفي هذا (أي في كلام ابن الصلاح الذي ذكرناه قبل قليل) نظر: إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو استشهد به عند العمل بمقتضاه(1).
... والحق أن في كلام ابن كثير هذا نظرا: إذ-كما قال السخاوي-ربما كان المفتي ممن يرى العمل بالحديث الضعيف ويقدمه على القياس، فهو يعمل به مع علمه أن راوي الحديث ضعيف. إذ هو عنده خير من النزول إلى القياس أو غيره من أدلة الشرع.
... أو أن العالم يعمل بذلك الحديث احتياطا إذا كان ما يرويه عن طريق ذلك زيادة على ما هو ثابت فيعمل به زيادة في الاحتياط(2).
الرابعة: التعديل بعدم ثبوت الجرح فيه:
... وممن قال بهذا النوع من التعديل الإمام ابن حبان فهو ينطلق من (أن العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه)(3).
__________
(1) -اختصار علوم الحديث/ ابن كثير/ 81.
(2) -فتح المغيث/ السخاوي: 1/311.
(3) -الثقات/ ابن حبان: 1/13.(6/52)
... وممن تبنى هذا النوع من التعديل طائفة من أهل العراق نقل ذلك عنهم الخطيب البغدادي في الكفاية فقال: (وزعم أهل العراق أن العدالة هي إظهار الإسلام، وسلامة المسلم من فسق ظاهر فمتى كانت هذه حاله وجب أن يكون عدلا)(1).
وحجة هؤلاء فيما رواه ابو داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء إعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إني رأيت الهلال، قال الحسن في حديثه يعني رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم، قال: يا بلال إذن في الناس فليصوموا غدا)(2).
... فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبل شهادة هذا الاعرابي اعتمادا على ظاهر إسلامه، وقبوله الشهادة تعديل كما أسلفنا قبل ذلك.
__________
(1) -الكفاية/ 104.
(2) -سنن ابي داود في كتاب الصوم (1993)، و سنن الدار قطني / كتاب الصيام : رقم الحديث / 8، والسنن الكبرى / البيهقي / رقم الحديث / 2422 والنسائي/ رقم الحديث: 2085.(6/53)
... ويرد على هؤلاء بما ذكره الخطيب من أن ليس هناك ما يمنع أن يكون هذا الاعرابي عدلا أو أنه معروف عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدالته أو نزول الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه صادق أو أخبار قوم بصدقه وعدالته(1).
... أما غيرهم من المحدثين فقالوا (انه يجب الاستظهار في البحث عن عدالة المخبر بأكثر مما يجب عن عدالة الشاهد، فثبت ان العدالة شيء زائد على ظهور الإسلام يحصل بتتبع الأفعال واختبار الأحوال)(2)
المطلب الثاني
كيف يعرف ضبط الراوي
بعد أن تكلمنا في الشروط التي وضعها علماء الحديث في حق من يتصدى لأمر تبليغ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدالة وضبط. وتكلمنا بعد ذلك عن الوسائل التي تثبت بها عدالة الراوي. بقي علينا أن نتحدث عن المعيار الذي بموجبه تعرف جهابذة السنة المشرفة على ضبط الراوي واتقانه أو تساهله في أمر الرواية. لأن المحدث لا يكون مرضي الرواية بمجرد ثبوت عدالته وتقواه.
__________
(1) -الكفاية/ 105.
(2) -المصدر السابق/ 106.(6/54)
... قال أبو بكر الخطيب البغدادي: (وإذا سلم الراوي من وضع الحديث، وادعاء السماع ممن لم يلقه واجتنب الأفعال التي تسقط بها العدالة، غير انه لم يكن له كتاب بما سمعه فحدث من حفظه لم يصح الاحتجاج بحديثه حتى يشهد له أهل العلم بالأثر والعارفون به أنه ممن قد طلب الحديث وعاناه وضبطه وحفظه)(1).
... إذ إن لهذا الحفظ والضبط أثرا بالغا في تفاوت درجة المحدثين بعد ثبوت عدالتهم. قال الترمذي: (وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والاتقان والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم)(2).
وكذلك فإن له أثرا واضحا في رد رويات من ساء حفظهم.
... يقول الترمذي: (وقد تكلم بعض أهل الحديث في قوم من جلة أهل العلم وضعفوهم من جهة حفظهم ووثقهم أخرون من الآئمة بجلالهم وصدقهم… وذكر عن يحيى بن سعيد أنه كان إذا رأى الرجل يحدث من حفظه مرة هكذا ومرة هكذا لا يثبت على حالة واحدة تركه)(3).
__________
(1) -الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع/ الخطيب البغدادي: 1/135.
(2) -العلل الصغير/ الترمذي/ 746.
(3) -العلل الصغير/ الترمذي/ 744.(6/55)
... ولكن هذا لايعني أن الحفظ وطلب الحديث هو المعول عليه وحده في قبول مرويات الرجال. فالعدالة تبقى أولا ثم الحفظ ثانيا. يقول الخطيب البغدادي:
... (وإذا كان الراوي من أهل الأهواء والمذاهب التي تخالف الحق لم نسمع عنه وإن عرف بالطلب والحفظ)(1).
... وانطلاقا من شعور علماء الإسلام بعظم هذا الأمر ومساسه المباشر بالدين القيم فقد أرسوا القواعد وخطوا المسار الذي بموجبه يعرف ضبط الضابطين وتساهل المتساهلين وإن كان مدار ذلك كله على الاجتهاد والنظر.
... قال الباجي في التعديل والتجريح: (أحوال المحدثين مما يدرك بالاجتهاد، ويعلم بضرب من النظر)(2).
... فإذا أردنا أن نترسم آثار ذلك المنهج الذي وضعه المحدثون رأينا أن ضبط الراوي يثبت أو يعرف عندهم بأحد هذه الأمور التي وجدناها مبثوثة في كتبهم دون ان يعنونوا لها صراحة في كتب المصطلح وإنما وجدناها من خلال النظر والفكر.
وهذه الوسائل هي:
أولا: معرفة ضبط الراوي بالشهرة والاستفاضة:
__________
(1) ـ الجامع لاخلاق الراوي وآداب السامع / الخطيب البغدادي /1 / 136
(2) -التعديل والتجريح/ الباجي: 1/281.(6/56)
... وهذه الطريقة وإن لم ينص عليها في كتب الحديث القديمة في ثبوت ضبط الراوي إلا إنها تذكر في طليعة الطرق التي تثبت بها عدالة الراوي كما ذكرنا ذلك في المبحث السابق-أقول-إن هذه الطريقة وإن لم ينص عليها إلا إنها مما لايمكن إغفالها لأن غيرها من الطرق مبني عليها، فالعلماء المحدثون الذين أطبقت شهرتهم الآفاق لم نر في كتب الحديث أنه قد استدل على ضبطهم بمقابلة مروياتهم بمرويات غيرهم بل إن مرويات غيرهم تنقاس على مروياتهم.
... فمن أجمعت الأمة على حفظه واتقانه واشتهر بهذا الأمر شهرة واسعة كان ذلك شهادة له على حفظه يستغنى معه أن نمتحن أو نقابل مروياته بمرويات غيره.
... وقد ذكر الدكتور مساعد مسلم آل جعفر ذلك في كتابه الموجز في علوم الحديث فقال: في أثناء كلامه على طرق ثبوت العدالة: (باشتهاره بالعدالة والضبط بين أهل العلم اشتهارا يغني عن السؤال مثل مالك وشعبة والسفيانين وأبي حنيفة وأمثالهم… فهؤلاء لا يسأل عنهم)(1).
ثانيا: مقابلة مرويات الراوي بما هو محفوظ عن الثقات:
__________
(1) -الموجز/ د. مساعد مسلم آل جعفر/ 157.(6/57)
... وهذه الطريقة أكثر الطرق شيوعا لأن السواد الأعظم من الذين تصدوا للعمل في الحديث ليسوا أئمة فيه فوجب التأكد من حفظهم. وقد نص على هذه الطريقة أغلب من صنف في مصطلح الحديث.
... قال ابن الصلاح: (ويعرف كون الراوي ضابطا بأن تعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والاتقان، فإذا وجدنا رواياته موافقه-ولو من حيث المعنى-لرواياتهم أو موافقه لها في الأغلب، والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا وثبتا وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه)(1).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 220.(6/58)
... ويوضح الباجي هذا الأمر بشيء من التفصيل فيقول: (ووجه ذلك أن الإنسان إذا جالس الرجل وتكررت محادثته له وإخباره إياه بمثل ما يخبر ناس عن المعاني التي يخبر عنها تحقق صدقه وحكم بتصديقه. فإن اتفق له أن يخبر في يوم من الأيام أو وقت من الأوقات بخلاف ما يخبر ناس عن ذلك المعنى أو بخلاف ما علم منه المخبر أعتقد فيه الوهم والغلط، ولم يخرجه ذلك عنده من رتبة الصدق الذي ثبت من حاله وعهد من خبره، وإذا أكثرت مجالسة أخر وكثرت محادثته لك فلا يكاد يخبرك بشيء إلا ويخبرك أهل الثقة والعدالة عن ذلك المعنى بخلاف ما أخبرك به غلب على ظنك كثرة غلطه وقلة استثباته واضطراب أقواله، وقلة صدقه، ثم بعد ذلك قد تثبت له من حاله العمد أو الغلط وبحسب ذلك تحكم في أمره، من كان في أحد هذين الطريقين لا يختلف في جرحه أو تعديله)(1).
...
وقد ذكرالسيوطي في ألفيته هذا النوع من اثبات الضبط لمن اتصف به فقال:
يحفظ ان يمل كتابا يضبط ... ... ان يرو منه ، عالما ما يسقط
ان يرو بالمعنى ، وضبطه عرف ... إن غالبا وافق من به وصف(2)
__________
(1) -الجرح والتعديل/ الباجي/ 280.
(2) -ألفية السيوطي/ 50.(6/59)
ثالثا: امتحان الراوي: ومن طرق اثبات ضبط الراوي واتقانه امتحانه واختباره حتى يتضح أمره. والامتحان يكون على عدة أوجه وهي:
1.قلب الأحاديث على الراوي: ومعناه أن يوضع اسناد حديث لمتن حديث آخر لينظر هل يتنبه على ذلك الراوي أم لا.
يقول الخطيب البغدادي: (ويعتبر اتقانه وضبطه بقلب الأحاديث عليه)(1).
... ومما يذكر في هذا الباب أن الإمام البخاري لما قصد بغداد وسمع أهلها بمقدمه أرادوا أن يمتحنوا حفظه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم أن يحضروا المجلس مع أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال: لا اعرفه، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول: لا اعرفه فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث
__________
(1) -الجامع لأخلاق الراوي/ الخطيب/ 135.(6/60)
من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري: لا اعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا اعرفه فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد آخر حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول: لا اعرفه، ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى اسناده وكل اسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقروا له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل(1).
__________
(1) -تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 2/20-21، ووفيات الأعيان لأبن حلكان: 4/189، وتهذيب الكمال/ للمزي: 3/1172.(6/61)
... وأخرج الخطيب في الجامع بسنده عن حماد بن سلمة أنه قال: (كنت أقلب على ثابت البناني حديثه، وكانوا يقولون: القصاص لا يحفظون وكنت أقول لحديث أنس: كيف حدثك عبد الرحمن بن أبي ليلى؟ فيقول: لا إنما حدثنا أنس، وأقول لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى كيف حدثك أنس؟ فيقول لا إنما حدثناه عبد الرحمن بن أبي ليلى).(1)
... وأخرج عنه كذلك قال: قلبت أحاديث على ثابت البناني فلم تنقلب، وقلبت على أبان ابن أبي عياش فانقلبت(2).
وعن أحمد بن علي الابار قال:( سمعت مجاهدا وهو ابن موسى يقول: دخلنا على عبد الرحمن بن مهدي في بيته فدفع إليه (يعني حارثا الثقال) رقعة فيها حديث مقلوب فجعل يحدثه حتى كاد أن يفرغ ثم فطن فنقده فرمى به وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي)(3).
__________
(1) -الجامع لأخلاق الراوي/ الخطيب البغدادي: 1/135.
(2) -المصدر نفسه: 1/135.
(3) -المصدر نفسه: 1/136.(6/62)
وعن أبي العباس بن عقدة قال:( خرج أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني إلى الكوفة إلى أبي نعيم، فدلس عليه يحيى بن معين أربعة أحاديث، فلما فرغوا رفس يحيى بن معين حتى أقلبه ثم قال: أما أحمد؛ فيمنعه ورعه من ذلك وأما هذا-يعني عليا- فتحنثه يمنعه، وأما أنت؛ فهذا من عملك، ثم قال يحيى: كانت تلك الرفسة أحب ألي من كل شيء)(1).
2.أن يسأل عن أحاديثه التي كان قد حدث بها من قبل:
... ومن طرق امتحان الراوي من أجل التأكد من ضبطه أن يسأل عن أحاديث معينة كان قد حدث بها من قبل. فإن أتى بها كما حدث بها أول مرة علم أنه ضابط في حديثه. وإن حدث بها بما لا يتفق مع الصيغة الأولى التي حدث بها علم أنه ليس بضابط وأنه مخروم الضبط بحسب حجم الاختلاف بين الروايتين.
ذكر الترمذي عن إبراهيم النخعي أنه قال لعمارة بن القعقاع: (إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة بن جرير فإنه حدثني مرة بحديث ثم سألته عنه بعد ذلك بسنين، فما أخرم منه حرفا)(2).
3.أن يسأل شيخ الراوي عن الأحاديث التي يرفعها الراوي إلى ذلك الشيخ:
__________
(1) -المصدر نفسه: 1/136.
(2) -العلل الصغير/ الترمذي: 748.(6/63)
... ومما سار عليه أئمتنا الإعلام في التثبت من حفظ الراوي أن يسأل عن الأحاديث من رفعت إليه ثم نقارن ألفاظ الراوي بألفاظ شيخه.
- أخرج الترمذي عن وكيع قال: سمعت شعبة يقول سفيان أحفظ مني ما حدثني سفيان عن شيخ فسألته الا وجدته كما حدثني)(1).
__________
(1) -المصدر نفسه/ 748.(6/64)
الفصل الثالث/ المحاور التي يدور عليها الجرح والتعديل
المبحث الأول/ ما يتعلق بجهالة الراوي
المبحث الثاني/ ما يتعلق بعدالة الراوي
المبحث الثالث/ ما يتعلق بضبط الراوي
المبحث الأول
ما يتعلق بجهالة الراوي
الجهالة
أن من ينعم النظر في عملية الجرح والتعديل التي يمارسها أئمة الحديث على الرواة يجد أن المواطن التي يمكن للجارح أن يطعن من خلالها في الرواة لا تتجاوز هذه الأشياء وهي:-
( البدعة ، أو المخالفة ، أو الغلط ، أو جهالة الحال ، أو دعوى الانقطاع في السند بأن يدعي في الراوي بأنه كان يدلس أو يرسل ) .(1)
وجاء في نخبة الفكر أن ( الطعن أما أن يكون لكذب الراوي أو لتهمته بذلك أو فحش غلطه أو غفلته عن الإتقان أو فسفه أو وهمه بأن يروى على سبيل التوهم ، أو مخالفته للثقات أو لجهالته ، أو لبدعته أو سوء حفظه بان يكون ليس غلطه اقل من إصابته ). (2)
__________
(1) -مقدمة فتح الباري/ابن حجر/384/وانظر قواعد التحديث/للقاسمي/191 .
(2) -نخبة الفكر/ابن حجر/230 (ذيل سبل السلام للصنعاني) .(7/1)
فمن سلم من هذه الجوارح فهو العدل الذي يؤخذ حديثه ويعتمد عليه ومن وقع في بعضها فهو بحسب ما وقع فيه . سنتعرض في هذا الفصل للأمور التي تنزل بأصحابها عن رتبة التعديل والتوثيق وسنقسم هذه الأمور بحسب متعلقاتها . فما كان منها متعلقاً بعدالة الراوي تكلمنا عنه في مبحث مستقل وكذلك فيما يتعلق بالضبط تكلمنا عنه منفصلاً عن التعديل .
جهالة الراوي:-
يمكن لنا أن نقول ان المراد بجهالة الراوي: هو أن لا يعرف فيه تعديل ولا تجريح من قبل أهل الجرح والتعديل . وبهذا المعنى فان جهالة الراوي يندرج تحتها ثلاثة أمور هي:- (1)
أولا: جهالة اسم الراوي .
ثانيا: جهالة عين الراوي .
ثالثاً: جهالة حال الراوي .
أما من هو المجهول ؟ فقد اختلف فيه العلماء على مذاهب تبعاً لاختلافهم في وسائل إثبات العدالة إذ أن كل من ثبتت عدالته ارتفعت عنه الجهالة .
ويمكن إجمال مذاهب علماء الحديث في المجهول فيما يأتي:-
أولا: يرى الخطيب البغدادي أن المجهول عند المحدثين هو (كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ، ولا عرفه العلماء ، ومن لم يعرف حديثه إلا راو واحد)(2)
__________
(1) -انظر نزهة النظر/ابن حجر/44 .
(2) -الكفاية/111 .(7/2)
ثانياً: بينما يرى ابن الصلاح الشهرزوري أن المجهول من الرواة على ثلاثة أصناف وهم:
مجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعاً .
المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور . ثم عرف المستور بقوله: قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلاً في الظاهر ولا تعرف عدالته الباطنة .
المجهول العين .(1) وقد اقر في حده ما ذكره الخطيب .
ثالثاً: يذهب ابن حجر العسقلاني إلى أن المجهول من الرواة صنفان:-
مجهول العين:- وهو من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق.
مجهول الحال:- وهو من روى عنه اثنان فاكثر ولم يوثق. (2)
رابعاً: بينما يذهب ابن حبان إلى أن الجهالة منحصرة في عين الراوي فمن انتفت عنه جهالة عينه فهو على العدالة إلى أن يثبت عكس ذلك . وكلامه هذا مبني على مذهبه في إثبات العدالة .
يقول ابن حبان : ( فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس (3)
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/225-226 .
(2) -نزهة النظر/ابن حجر/50 .
(3) -يعني بالخصال الخمس ما يلي:-
أن يكون فوق الشيخ الذي ذكره رجل ضعيف لا يحتج بخبره .
أو يكون دونه رجل واهٍ لا يجوز الاحتجاج بروايته .
أو يكون مرسلاً فلا يلزم به حجة .
أو يكون متقطعاً .
أو يكون في الأسناد رجل مدلس . (انظر الثقات/لابن حبان 1/11) .(7/3)
التي ذكرتها فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره لان العدل من لم يعرف
منه الجرح … فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يتبين ضده ) (1)
غير أن العلماء لم يرتضوا منهج ابن حبان هذا يقول ابن حجر ( وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه ) (2)
والذي يبدو والله اعلم – أن اقرب هذا الأقوال إلى الواقع هو ما ذكره ابن حجر . لان ما ذكره الخطيب في حده للمجهول بقوله ( هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به) أمر فيه نوع من المرونة فانه ليس كل من تصدى للحديث كان مشتهراً ثم ما هو الحد الذي إذا وصل إليه المحدث كان مشتهراً وإذا قصر عنه لم ينعت بالاشتهار .
__________
(1) -الثقات/ابن حبان/1/13 .
(2) -لسان الميزان/ابن حجر/1/14 .(7/4)
أما ابن الصلاح فانه حينما صنف من كان مجهول العدالة إلى صنفين الأول مجهول العدالة ظاهراً وباطنا والثاني مجهول العدالة في الباطن دون الظاهر . وهو ما سماه بالمستور . فإني أرى أن هذا زيادة في التقسيمات والتعريفات . لان جمهور العلماء قالوا أن العدالة إنما تثبت بأشياء زائدة على الظاهر . وانه يجب التحري ومحاولة سبر أغوار نفوس الرواة قبل الحكم على عدالتهم وعدم الاكتفاء بما يظهر من صلاحهم لخطورة ما يتعلق بهذا الحكم .
أما ابن حبان فان مذهبه هذا مخالف لما عليه الجمهور تبعاً لرأيه في إثبات العدالة وقد:
صرح ابن حجر بأنه عجيب وانه مخالف لجمهور المحدثين كما نقلنا عنه ذلك قبل قليل .
إذن فالمجهول أما أن يكون مجهول العين وأما أن يكون مجهول الحال أي العدالة . ولكل نوع من هاتين الجهالتين منهج للعلماء في التعامل معه .
أسباب وقوع الجهالة:-
لا شك أن وقوع الجهالة في بعض رواة الحديث أمر لا بد منه لان من اشتغل بنقل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا من الكثرة بمكان لا يسمح معه أن يلم أصحاب الجرح والتعديل بهم جميعاً .(7/5)
وقد ذكر ابن حجر بعض الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الجهالة في الراوي فقال في متن نخبة الفكر:
( ثم الجهالة ، وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته من اسم أو كنية أو لقب أو حرفة فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض وصنفوا فيه ( الموضح ) .
وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه ، وصنفوا فيه ( الوحدان) وهو من لم يرو عنه إلا واحد .
أو لا يسمى اختصاراً وصنفوا فيه ( المبهمات ) (1)
والإبهام أو الاختصار يكون على شكلين:-
أولا: أن يبهم الراوي اسم شيخه فيقول حدثني رجل ، أو بعضهم أو شيخ لنا ، أو حدثني الثقة أو حدثني من لا اتهم .
ثانيا: أن يذكر الراوي اسم شيخه مهملاً كأن يقول ( حدثني فلان أو ابن فلان أو أبو فلان ).
وهناك سبب رابع لوقوع الجهالة لم يذكره ابن حجر ولكنه شائع الوقوع بين رواه الحديث وهو:
__________
(1) -نخبة الفكر/ابن حجر/ذيل سبل السلام 4 / 230 .(7/6)
(عدم نص أئمة الحديث على توثيق الراوي أو تضعيفه) (1) فتقع الجهالة لهذا السبب . لأنه من المعلوم أن المحدثين وناقلي السنة النبوية اكثر ممن تعرض لهم أئمة الجرح والتعديل في كتبهم ، فكم من راو يقولون عنه لم يعرف عنه تعديل ولا تجريح .
ولما كان رأي الجمهور أن العدالة لا تثبت بمجرد رواية الثقات عن الراوي كان عدم وجود نص من قبل العلماء في ذلك الراوي تجريحاً أو تعديلاً مدخلاً له في دائرة جهالة الحال .
ما ترتفع به الجهالة:-
بعد أن عرفنا الجهالة وأنواعها وأسباب ورودها بقي علينا أن نتعرف على منهج علماء الحديث فيما ترتفع فيه الجهالة عن الراوي . أو بعبارة أخرى ما هي الأمور التي إذا توفرت في الراوي زالت جهالته واشتهرت حاله .
وللجواب على هذا التساؤل نقول: ان لعلماء الحديث منهجاً في رفع الجهالة عن الراوي تبعاً لنوع الجهالة المتعلقة بالراوي . فما ترتفع به جهالة العين هو غير ما ترتفع به جهالة الحال وهما غير ما ترتفع به جهالة من أبهم اسمه وعينه
ويمكن إجمال مناهج العلماء في ذلك فيما يأتي:
أولا: ما ترتفع به جهالة العين:-
__________
(1) -انظر ضوابط الجرح والتعديل/عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم العبد اللطيف/76 .(7/7)
والمقصود بجهالة العين أن الراوي لم يروِ عنه إلا واحد .
قال ابن حجر في ترجمة يحيى بن حرب المديني (قلت: قال ابن المديني: مجهول ما روى عنه غير موسى ) (1)
وقال ابن عدي (ولا اعلم أحدا يروى عنه غير مروان الفزاري وإذا روى عنه رجل واحد فهو شبه المجهول )(2)
إذن فلا فرق عند العلماء بين مجهول العين أو شبه المجهول لان كليهما لم يروِ عنهما إلا راويا واحدا .
ومن كان هذا حاله فان للعلماء فيما ترتفع به الجهالة عنه أقوالا:-
ذهب الخطيب البغدادي إلى أن (اقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم )(3) .
قال صاحب كتاب نصب الراية موافقا الخطيب فيما ذهب إليه: ( وانما ترتفع جهالة المجهول إذا روى عنه ثقتان مشهوران ، فأما إذا روى عنه من لايحتج بحديثه لم يكن ذلك الحديث حجة ولا ارتفعت جهالته) (4) .
__________
(1) -تهذيب التهذيب/ابن حجر 11/173 .
(2) -الكامل في ضعفاء الرجال/ابن عدي/3/389 .
(3) -الكفاية/ 111 .
(4) -نصب الراية/عبد الله بن يوسف 2/39 .(7/8)
بينما ذهب فريق من العلماء كيحيى بن معين والذهبي وابن حجر في احد رأييه وغيرهم إلى أن جهالة العين ترتفع بأن يروي عنه اثنان فصاعداً دون أن يشترط فيهما أن يكونا مشهورين في أهل العلم .
اخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي زكريا يحيى بن محمد بن يحيى قال (سمعت أبي يقول إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة )(1) .
وجاء في تعجيل المنفعة في ترجمة بركة بن يعلى التميمي (واستفدنا منهما أن لبركة راويين فارتفعت جهالة عينه والله المستعان )(2) .
وجاء في تلخيص الحبير في ترجمة عبد الله بن بصير: ( قيل لا يعرف لأنه ما روى عنه غير أبي إسحاق السبيعي ، لكن أخرجه الحاكم من رواية العيزار عنه ، فارتفعت جهالة عينه ) (3) .
ذهب ابن حجر في رأيه الآخر إلى أن الراوي مجهول العين-وهو من لم يرو عنه إلا واحد-ينظر إلى ذلك الواحد الذي يروى عن ذلك المجهول . فان كان من أئمة الحديث وحفاظهم عد ذلك تعريفاً بعين ذلك الراوي:
__________
(1) -الكفاية/ 111 .
(2) -تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة/ابن حجر 1/50 .
(3) -تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير/ابن حجر/2/26 .(7/9)
جاء في تهذيب التهذيب (وقال الذهبي في الطبقات: احمد بن يحيى بن محمد لا يعرف . قلت: بل يكفي في رفع جهالة عينه رواية النسائي عنه) (1) .
4.وذهب ابن خزيمة وابن حبان من بعده إلى أن مجهول العين ترتفع جهالته برواية واحدٍ مشهور .
جاء في لسان الميزان: (وكان عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحدٍ مشهور وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره . وقد افصح ابن حبان بقاعدته فقال: العدل من لم يعرف فيه الجرح ، إذ التجريح ضد التعديل ، فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه )(2) .
ثانيا: ما ترتفع به جهالة الحال:-
والمقصود من جهالة الحال أن لا يعرف الراوي بجرح ولا تعديل . وترتفع جهالة حاله بأمور وضوابط وضعها علماء الحديث ، وهم مختلفون فيها كما يأتي:
__________
(1) -تهذيب التهذيب/ابن حجر 1/77 .
(2) -لسان الميزان/ابن حجر 1/14 وانظر تفصيل كلام ابن حبان في كتابه الثقات 1/11-13 .(7/10)
اجمع علماء أهل السنة واغلب الفرق الإسلامية على أن من ثبتت صحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتفعت جهالة حاله واستغني عن البحث عن عدالته . لان الصحابة - رضي الله عنهم - عدول بتعديل الله تعالى لهم وتعديل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الذهبي: (وأما الصحابة - رضي الله عنهم - فبساطهم مطوي وان جرى ما جرى وان غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات ، فما يكاد يسلم أحد من الغلط ، لكنه غلط نادر لا يضر أبدا ، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل وبه ندين الله تعالى )(1) .
ذهب جمهور المحدثين إلى أن من وردت روايته في كتب الصحيح ارتفعت جهالة حاله . يوضح ذلك قول ابن حجر في مقدمة فتح الباري: ( فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من اخرج لهم في الصحيح لان شرط الصحيح أن يكون راويه معروفاً بالعدالة ، فمن زعم أن أحدا منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه انه معروف ، ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته لما في المثبت من زيادة العلم)(2) .
__________
(1) -معرفة الرواة المتكلم فيه بما لا يوجب الرد/ الذهبي 46 .
(2) -مقدمة فتح الباري/ 384 .(7/11)
وجاء في نصب الراية قول ابن دقيق العيد( رحمه الله): (ومن العجب كون القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن مجدان مع تفرده بالحديث وهو قد نقل كلامه ( هذا حديث حسن صحيح ) وأي فرق بين أن يقول هو ثقة أو يصحح له حديثاً انفرد به )(1) .
وذهب الدارقطني فيما نقله عنه السخاوي أن: ( من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته )(2) .
وذكر البلقيني أن هذا هو مذهب ابن حبان كذلك فقال: ( اكتفى ابن حبان بمجرد رواية عدلين في التعديل وهو بعيد )(3) .
والصحيح أن ابن حبان يختلف عن الدارقطني فيما ترتفع به جهالة الحال عن الراوي . وله مذهب خاص به وهو الآتي:
4 .ذهب ابن حبان إلى أن كل من روى عنه راو مشهور قد ارتفعت جهالة عينه وكل من ارتفعت جهالة عينه ولم يعرف فيه جرح فهو عدل أي أن جهالة الحال ترتفع مع جهالة العين إذا لم يعرف فيه جرح للعلماء .
__________
(1) -نصب الراية/عبد الله بن يوسف 1/149 .
(2) -فتح المغيث/ السخاوي 1/320 .
(3) -محاسن الإصلاح/ البلقيني 227 هامش مقدمة ابن الصلاح .(7/12)
وقد نص ابن حجر على مذهب ابن حبان هذا في لسان الميزان فقال: (وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهب عجيب ، والجمهور على خلافه)(1) .
إذن فما ذهب إليه البلقيني من أن ابن حبان يشترط رواية عدلين في إثبات عدالة الراوي يخالف المشهور من مذهب ابن حبان الذي قدمناه آنفاً .
ذهب ابن عبد البر إلى أن مجهول الحال يمكن أن ترتفع جهالته إذا اشتهر ـ ـ في غير حمل العلم ـ بمكارم الأخلاق من زهد أو كرم أو نجدة . وقد نقل السخاوي قوله في فتح المغيث وهو (قبول روايته أن كان مشهوراً كأن يشتهر بالزهد أو النجدة أو الكرم فان اشتهر بالعلم فقبوله من باب أولى )(2) .
__________
(1) -لسان الميزان/ 1/14 .
(2) -فتح المغيث/السخاوي 1/316 .(7/13)
قال ابن الصلاح: " ثم بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة قال: كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلاً مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار (مالك بن دينار) بالزهد و (عمرو بن معدي كرب)(1) بالنجدة"(2) .
ذهب أبو الحسن علي بن عبد الله القطان إلى رفع جهالة الحال عن الراوي بتوثيق أحد أئمة الجرح له . أي أن مجهول العين الذي لم يرو له إلا واحد إذا وثق ذلك الراوي من قبل أحد أئمة الجرح والتعديل كان ذلك التوثيق كافياً عنده في التعريف بحاله (3) . وهو نفس ما ذهب إليه ابن حجر فقال بقبول رواية مجهول العين إذا وثقه من ينفرد عنه أن كان متأهلاً لذلك(4) .
__________
(1) -لا يصح التمثيل هنا عمرو بن معدي كرب . لأنه صحابي وترجمته في الاصابة (4 /691 ). ومعلوم أن الصحابي لا لا يضر ابهامه فكيف إذا عرف اسمه .
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 496 .
(3) -فتح المغيث/ 1/317 .
(4) -نزهة النظر/ 50 .(7/14)
وعلى هذا الأساس بنى توثيقة لأحمد بن يحيى بن محمد في تهذيب التهذيب فاسمع إليه وهو يقول: (قال الذهبي (احمد بن يحيى بن محمد لا يعرف ، قلت: بل يكفي في رفع جهالة عينه رواية النسائي عنه ، وفي التعريف بحاله توثيقة له)(1) .
فمع أن احمد بن يحيى هذا غير معروف عند العلماء لأنه لم يرو عنه سوى النسائي . فقد عده ابن حجر معروفاً ومعدلاً برواية النسائي وتعديله إياه .
حكي الفيروزآبادي الشيرازي في كتابه التبصرة عن بعض الشافعية انهم يعدلون من روى عنه الثقة مطلقاً فقال: (إذا روى الثقة عن المجهول لم يدل على عدالته، ومن أصحابنا من قال يدل على عدالته)(2) .
ذهب الغزالي إلى أن الثقة إذا روى عن المجهول وكان هذا الثقة لا يروي إلا عن العدول ولا يستجيز نقل الاحاديث الضعيفة عد ذلك تعديلاً منه لمن روى عنه وإلا فلا فقال: (إذا روى المستجمع لخلال التعديل عن شخص واقتصر عليه فهل يجعل ذلك تعديلاً؟! والمختار أن ذلك كالتعديل من مالك ومن كل محدث لا يستجيز نقل الأحاديث الضعيفة وإلا فلا)(3) .
__________
(1) -تهذيب التهذيب 1/77 .
(2) -التبصرة/ الفيروز آبادي الشيرازي/ 339 .
(3) -المنخول/ الغزالي 264 .(7/15)
ذهب بعض العلماء إلى تعديل من عمل الثقة بموجب حديثه . قال الغزالي وهو يتحدث عما يعد توثيقا للراوي: (أن يعمل بموجب حديث لم ينقله إلا رجل واحد هل يجعل ذلك تعديلاً ؟ فيه خلاف. والمختار انه أن أمكن حمل عمله على الاحتياط فلا ، وان لم يمكن حمله فهو كالتعديل لأنه محصل للثقة)(1) .
ثالثاً: ما ترتفع به جهالة المبهم:
والمقصود بالمبهم من الرواة من لم يسمّ اسمه كنحو (حدثني رجل) أو (فلان) أو (حدثني الثقة) أو (من لا اتهم) إلى غيرها من الألفاظ التي لا تكشف عن اسم الراوي .
وللعلماء في رفع الجهالة الناتجة عن الإبهام طريقتان:
الأولى: طريقة التنصيص:
وهي أن ما ذكر مبهماً في مكان ذكر صراحة في موضع آخر . وقد ذكر هذه الطريقة ابن حجر في نزهة النظر فذكر انه يستدل على معرفة اسم المبهم وتمام اسم المهمل بوروده من طريق أخرى مسمى فيها(2) .
الثانية: طريقة استقراء منهج الراوي:
__________
(1) -المنخول/ 264 .
(2) -نزهة النظر/ 49 .(7/16)
ومعناها أن يعرف من خلال الاستقراء أن الراوي الفلاني إذا قال حدثني الثقة مثلاً فإنما يعني به شخصا بعينه . مثاله إذا قال الشافعي: (حدثني الثقة عن الليث بن سعد فالثقة يحيى بن حسان التنيسي البكري)(1) .
وإذا قال: (حدثني الثقة عن ابن جريج فمراده بالثقة مسلم بن خالد المخزومي مولاهم)(2) .
ويعد هذا النوع من اصعب أنواع الاستكشاف للرواة لان كل عالم له منهجه وطريقته الخاصة في إيراد ذكر شيوخه .
والأسباب التي تؤدي إلى وقوع الإبهام في الرواة هي:
أن الراوي يهمل ذكر اسم شيخه اختصارا ، إذا كان قد ذكره صريحاً في موضع آخر .
إن الراوي قد يهمل اسم شيخه تدلسياً ،وللتدليس اسباب سنتحدث عنها عند كلامنا على حكم رواية المدلس .
المطلب الثاني
حكم رواية المجهول
__________
(1) -تقريب التهذيب/ابن حجر/ 589 .
(2) -المصدر السابق/ 529 .(7/17)
بعد أن تكلمنا على الجهالة وأصنافها وأسباب ورودها وما ترتفع به بقي علينا أن نتحدث عن موقف العلماء من رواية المجهول . لان هذا الموقف هو الثمرة المترتبة عن جهالة الراوي . فالعلماء إنما أطالوا من الكلام في أصناف الجهالة وتنازعوا الحديث فيما ترتفع به تلك الجهالة من اجل أن يحددوا موقفهم بعد ذلك من رواية من وصم بالجهالة .
ولذا فان المحدثين حينما اصدروا أحكامهم بحق المجاهيل ذهبوا في تلك الأحكام ثلاثة مذاهب باعتبارات مختلفة وهي كما يلي:
حكم رواية المجهول
بالنظر إلى بالنظر إلى بالنظر إلى
وثاقة من يروى عنهم طبقاتهم نوع الجهالة
إذا روى إذا روى إذا روى مجهول مجهول مجهول المجهول
الإثبات المشهورون الضعفاء العين الظاهر الباطن بالإبهام
عنه عنه عنه والباطن
إذا كان إذا كان إذا كان إذا كان
من الصحابة من كبار التابعين من صغار التابعين من تابع التابعين
الاعتبار الأول:-
حكم رواية المجهول باعتبار نوع الجهالة المتعلقة به:-
ويمكن معرفة هذه الأحكام من خلال معرفتنا لأنواع الجهالة التي تلحق الراوي . وهي:-
1- جهالة العين:-
وللعلماء في حكم الراوي الذي جهلت عينه مذاهب وهي:-(7/18)
أولا: ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول رواية مجهول العين مطلقاً وحجتهم أن العدالة شرط في صحة الرواية فمن جهلت عينه جهلت عدالته من باب أولى.
يقول ابن كثير: (فأما المبهم الذي لم يسمّ اسمه أو من سمي ولا تعرف عينه فهذا من لا يقبل روايته أحد علمناه)(1)
وصرح ابن حجر بهذا فقال في ميزانه: (إذ المجهول غير محتج به)(2)
ثانيا: ذهب الحنيفة ومن معهم إلى قبول روايته مطلقا لأنهم لم يشترطوا في الرواة مزيداً على الإسلام .
يقول الدكتور فاروق حمادة (وقد قبل هذا النوع مطلقاً من العلماء من لم يشترط في الراوي مزيداً على الإسلام وعزاه ابن المواق للحنفية حيث قال: انهم لم يفصلوا بين من روى عنهم واحد وبين من روى عنه اكثر من واحد بل قبلوا رواية المجهول على الإطلاق)(3) .
ثالثا: إذا تفرد بالرواية عنه من لا يروى إلا عن ثقة كعبد الرحمن بن مهدي قبلت روايته وإلا فلا:-
__________
(1) -اختصار علوم الحديث/ابن كثير 81 وانظر الموجز 157 والجرح والتعديل (بحث في الرسالة الإسلامية/ د. حارث سليمان الضاري 83-84 .
(2) -لسان الميزان لابن حجر 1/4 .
(3) -المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل/ فاروق حمادة ص 306 .(7/19)
قال الخطيب: (إذا قال العالم كل من اروي لكم عنه واسميه فهو عدل رضاً مقبول الحديث كان هذا القول تعديلاً منه لكل من روى عنه وسماه)(1) .
رابعا: ذهب علي بن عبد الله بن القطان إلى أن مجهول العين إذا زكاه مع راويه الواحد أحد أئمة الجرح والتعديل قبلت روايته . وإلا فلا (2) .
خامسا: ذهب ابن عبد البر إلى قبول رواية مجهول العين إذا كان مشهوراً بشيء من مكارم الأخلاق من نجدة أو كرم أو ما إلى ذلك من غير العلم . وإلا فلا .(3) قال ابن الصلاح: بلغني عن أبي عمر بن عبد البر وجادة قال: (كل من لم يرد عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أمور يكون رجلاً مشهوراً في غير حمل العلم واشتهار مالك بن دينار بالزهد وعمرو بن معد مكرب بالنجدة)(4) .
2- جهالة الظاهر والباطن:-
وللعلماء في قبول رواية من كان مجهول العدالة ظاهراً وباطناً مذاهب يمكن إجمالها فيما يلي:-
__________
(1) -للغاية/ 115 .
(2) -نزهة النظر/ 50 .
(3) -فتح المغيث 1/316 .
(4) -مقدمة ابن الصلاح/ 496 .(7/20)
أولا: ذهب جمهور المحدثين إلى عدم قبول رواية مجهول العدالة – ظاهراً وباطناً – لان العدالة – كما قدمنا – شرط في صحة الرواية ومن جهلت عدالته في الظاهر والباطن فجماهير العلماء على روايته .
ثانيا: نسب إلى أبي حنيفة واتباعه قبول روايته مطلقاً اكتفاءً منهم بظاهر الإسلام وعدم ظهور ما يفسق به أنواعها ترد روايته . وقد عقب البلقيني على كلام ابن الصلاح حينما قال: (ومجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعاً روايته غير مقبولة عند الجماهير)(1) بقوله (فائدة: أبو حنيفة يقبل مثل هذا)(2) .
ثالثا: ذهب ابن حجر ومن معه إلى أن مجهول العدالة إن كان من انفرد عنه ممن لا يروي إلا عن ثقة قبلت روايته وإلا فلا (3) .
3- جهالة الباطن:-
وهي أن يكون الراوي عدلاً في ظاهره ، مجهول العدالة من حيث الباطن . وهو ما يسمى بالمستور عند المحدثين .
وللعلماء في قبول رواية المستور مذاهب يمكن إجمالها فيما يلي:-
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح 225 .
(2) -محاسن الإصلاح/ هامش مقدمة ابن الصلاح/ للبلقيني 225 .
(3) -انظر الكفاية 115 ، والخلاصة في أصول الحديث/ للطبي 93 ، وقواعد في علوم الحديث/ التهافوي 203 ، وعلوم الحديث ونصوص من الأثر/ 75 .(7/21)
أولا: ذهب الجمهور إلى عدم قبول روايته ما لم تثبت عدالته . وهو قول الشافعي . ومبناه أمور رواية الراوين عنه تعريف به لا توثيق له وان قبول الرواية مبني على التوثيق لا على التعريف .(1) .
ثانيا: ذهب أبو حنيفة وبعض الشافعية إلى قبول روايته ما لم يعلم الجرح فيه .
قال ابن الصلاح: (وهذا المجهول أي المستور يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول أي المجهول باطناً وظاهراً . وهو قول بعض الشافعيين … لان أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي)(2) .
ثالثا: وذهب إمام الحرمين إلى القول بالتوقف في رواية المستور حتى يتبين حاله فقد قال:
(لا نطلق رد رواية المستور ولا قبولها بل يقال رواية العدل مقبولة ورواية الفاسق مردودة ورواية المستور موقوفة على استبانة حالته)(3) .
وقد اختار الحافظ ابن حجر هذا القول وتبناه حينما قال: (والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل هي موقوفة على استبانة حاله)(4) .
4- جهالة الإبهام:-
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 225 ، وتدريب الراوي 1/316-317 .
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 225 .
(3) -البرهان في أصول الفقه/ الجويني 1/615 .
(4) -نزهة النظر/ ابن حجر 50 .(7/22)
ويعنى بجهالة الإبهام أن الراوي لم يسمّ وإنما يذكر مبهماً ويأتي على ضربين:-
أولا: إبهام لا يفيد التوثيق:-
كأن يقول حدثني رجل ، أو بعضهم ، وحكم رواية المبهم عند العلماء كالأتي:-
1. ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول رواية المبهم (لان شرط قبول الرواية معرفة عدالة الراوي ومن أبهم اسمه لا نعرف عينه فكيف نعرف عدالته وضبطه)(1) .
2. لكن إذا وقع الإبهام من رجل ألا على نفسه إلا يحدث إلا عن ثقة وهو ممن يعتد برأيه كعبد الرحمن بن مهدي مثلاً . فانه يحتج به عند من قال أن جهالة الحال تزول بتوثيق واحد من أئمة الجرح والتعديل . والجمهور على عدم ثبوتها . لما بينه الخطيب حينما قال: (وهكذا إذا قال العالم كل من رويت عنه فهو ثقة ، وان لم اسمه ، ثم روى عمن لم يسمه ، فانه يكون من كياله غير أنا لا نعمل على تزكيته ، لجواز أن نعرفه إذا ذكره بخلاف العدالة)(2) (ولان إضراب المحدث عن تسمية شيخه ريبة توقع تردداً في القلب)(3) .
ثانيا: إبهام يفيد التوثيق:-
__________
(1) -المصدر السابق/ 49 .
(2) -الكفاية/ 115 .
(3) -مقدمة ابن الصلاح/ 224 .(7/23)
وهو على درجتين: الأول ، أن يقول حدثني الثقة ، أو الحافظ أو نحو ذلك والثانية أن يقول حدثني من لا اتهم . ولا شك أن النمط الأول آكد واشد في إثبات عدالة من أبهم . لأن قوله (من لا اتهم) لا يحمل من قوة التوثيق ما يحمله الأول .
وللعلماء من رواية من أبهم على التعديل مواقف نجملها فيما يأتي:-
أولا: ذهب الخطيب البغدادي والصيرفي الفقيه وغيرهما إلى أن التعديل على الإبهام لا يجزئ من غير تسمية المعدل .. (وذلك لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع ، فيحتاج إلى أن يسميه حتى يعرف)(1) .
ثانيا: نقل عن أبي حنيفة (أن ذلك يكفي تعديلاً للراوي)(2) وهو مبني على أن الموثق مؤتمن على ذلك وهو نظير الاحتجاج بالمرسل من جهة أن المرسل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه ، فكأنه عدله ، فالقبول في هذه المسألة من باب أولى لأن الإبهام قد دفع بلفظ التوثيق الصريح(3) .
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 224 .
(2) -فتح المغيث/ 1/308 ، إرشاد الفحول/ 67 .
(3) -انظر ضوابط الجرح والتعديل/ 77 .(7/24)
ثالثا: أما إذا كان التعديل من قبل رجل لا يروي إلا عن ثقة ، فروايته مقبولة لأنه توثيق صريح لذلك الراوي: وهو عندي أقوى ممن قبل توثيق مجهول الحال برواية من لا يروي إلا عن ثقة . والله اعلم .
المذهب الثاني:-
موقف العلماء من رواية المجهول بالنظر إلى طبقته .
ومن العلماء من تعامل مع المجاهيل ومروياتهم من جهة قربهم أو بعدهم عن عصر الرسالة .
وبهذا الاعتبار فأنهم صنفوا المجاهيل إلى أربع طبقات ، كل طبقة لها حكمها الخاص بها . وهذه الطبقات هي:-
المجاهيل من الصحابة:-
والمقصود بالمجهول من الصحابة هو من جهل اسم أو جهل اشتهاره بالعلم . والعلماء مجمعون على أن الجهالة مرفوعة عن الصحابة لان عدالتهم ثابتة بتعديل الله تبارك وتعالى لهم . ولسنا هنا بحاجة إلى إعادة القول في ذلك . لأننا قدمنا الحديث عليه أثناء كلامنا حول ما ثبت به العدالة .
المجاهيل من كبار التابعين وأوساطهم:-(7/25)
وهم الذين تتلمذوا على أيدي الصحابة الكرام فأمثال هؤلاء يقبل حديثهم إذا سلم من المخالفة . قال الذهبي: (وأما المجهولون من الرواة فان كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ)(1) .
3.إذا كان من صغار التابعين:-
وأما إذا كان الراوي من صغار التابعين فان العلماء قالوا في روايته ما يلي:- (وأما إن كان الرجل منهم – أي من المجاهيل – من صغار التابعين فسائغ رواية خبره ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي وتحريه)(2) .
4.إذا كان من تابع التابعين فما بعدهم:-
__________
(1) -ديوان الضعفاء والمتروكين/ الذهبي 374 .
(2) -المصدر السابق 374 .(7/26)
وأما أن كان الراوي من تابع التابعين فمن بعدهم فهو اضعف لخبره سيما إذا انفرد به(1) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد للقرون الثلاثة الأول بالخيرية على سائر الأجيال . فعن عمران بن الحصين قال قال - صلى الله عليه وسلم - (خير امتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا ادري اذكر بعد قرنه قرنين او ثلاثة ثم ان بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن)(2) ْْ.
المذهب الثالث: حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنهم:-
ومن العلماء من كان ينظر إلى المجاهيل وحكم مروياتهم من خلال النظر إلى مرتبة من يروي عن أولئك المجاهيل . من حيث الوثاقة والاعتبار . ومن هذا المنظار فان رواية المجاهيل يمكن تصنيفها كالأتي:-
حكم رواية المجهول إذا روى عنه الضعفاء:-
__________
(1) -المغني في الضعفاء/ المقدمة 1/ك .
(2) -رواه البخاري .(7/27)
فهؤلاء لم أجد من العلماء من ذهب إلى اعتبار روايته سواء المتشددون منهم أو المتساهلون فهذا ابن حبان على الرغم من تساهله في التوثيق فانه يقول: (وأما المجاهيل الذين لم يروِ عنهم إلا الضعفاء فانهم متروكون على الأحوال كلها)(1) لأن الضعف قد انتاب روايتهم من طرفين الأول جهالة الراوي والثاني ضعف الناقلين لتلك الرواية .
حكم رواية المجهول إذا روى عنه المشهورون:-
أما إذا روى عن المجهول أناس عدول أو مشهورون فان للعلماء في قبول روايته مذاهب قدمناها آنفاً عند حديثنا على رواية مجهول الحال .
3. حكم رواية المجهول إذا روى الإثبات عنه:-
أما إذا انفرد الثقات الإثبات بالرواية عن ذلك المجهول فان حكم روايته عند العلماء كما يلي:-
1.ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول روايته حتى تثبت عدالته لجواز أن يروي الثقة عمن ليس بثقة ظناً منه انه ثقة . وهو مبني على أن رواية الثقة عن غيره ليست توثيقاً له (2) .
2.مذهب من يرى أن رواية الثقة عن غيره تعديل له أن من روى عن المجهول وهو ثقة قبلت روايته عنه .
__________
(1) -لسان الميزان 1/14 .
(2) -الكفاية/ 112 .(7/28)
يقول الدكتور فاروق حمادة (وهذا في الحقيقة لازم لكن من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها تعديل له ، بل عزاه النووي في مقدمة شرحه على مسلم لكثير من المحققين وكذلك محمد بن اسحق بن خزيمة ذهب إلى أن جهالة العين ترتفع براو واحد مشهور واليه يومئ قول ابن حبان: العدل من لم يعرف فيه جرح فمن لم يجرح فهو عدل حتى يثبت جرحه)(1) .
وصرح ابن حبان بهذا وهو يتكلم عن منهجه في ثبوت العدالة فقال: (إذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو ثقة)(2) .
المبحث الثالث
ما يتعلق بعدالة الراوي
__________
(1) -المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل/ د. فاروق حمادة/ 306 .
(2) -الصحيح/ لابن حبان 1/115 .(7/29)
إذا أردنا أن نتعرف على أصناف الرواة الذين ترد رواياتهم باشتراطنا للعدالة . فيجب علينا أولا أن نتعرف على مقومات العدالة حتى يمكن لنا بعد ذلك أن نرى بوضوح من يخرج من الرواة عن تلك المقومات يقول ابن الصلاح: (أجمعت جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن تقبل روايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه وتفصيله: أن يكون مسلما ، بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة)(1) إذن فمقومات العدالة خمسة وهي:-
الإسلام .
البلوغ .
العقل .
السلامة من أسباب الفسق .
السلامة من خوارم المروءة .
أما الشروط الثلاثة الأولى من مقومات العدالة فان الكلام فيها كلام في البديهيات إذ لم يختلف العلماء في وجوب أن يكون الراوي مسلماً غير كتابي ولا وثني.
وأما البلوغ فليس للجرح والتعديل مدخل فيه وكذلك الحال بالنسبة للعقل الذي جعله الله مدار التكليف فلا تقبل رواية المجنون لأنه فاقد لأهلية التحمل .
ولهذا قال الخطيب البغدادي في كفايته:
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 104 ، والخلاصة 89 ، وفتح المغيث للسخاوي/ 2/273 .(7/30)
وأما الأداء بالرواية فلا يكون صحيحاً يلزم العمل به إلا بعد البلوغ ، ويجب أيضا أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلاً مميزاً .
(والذي يدل على وجوب كونه بالغاً عاقلاً ما اخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر قال ثنا محمد بن احمد الؤلؤي قال ثنا أبو داود قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) ولأن حال الراوي إذا كان طفلا أو مجنوناً دون حال الفاسق من المسلمين ، وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو ويتجنب ذنوبا … فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول فخبر الطفل والمجنون أولى بذلك)(1) .
أما عن اشتراط الإسلام في الراوي فهو اظهر وأجلى . يقول الخطيب: ويجب أن يكون وقت الأداء مسلماً لأن الله تعالى قال: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتنبؤا)(2) وان اعظم الفسق الكفر بالله تعالى وإذا كان خبر المسلم الفاسق مردوداً مع صحة اعتقاده فخبر الكافر أولى بذلك)(3) .
__________
(1) -الكفاية/ 99 .
(2) -الحجرات/ 6 .
(3) -الكفاية/ 99 .(7/31)
هذا بالنسبة للشروط الثلاثة الأول . أما الشرطان الآخران واعني بهما (السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة) . فان العلماء اعملوا نظرهم وفكرهم في من يخرج باشتراطهم للعدالة بعد أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً . فوجدوا أن هناك خمسة أصناف من الرواة لا يمكن أن يوصفوا بالعدالة على الرغم من توفر شروط الإسلام والبلوغ والعقل فيهم .
هؤلاء الذين سنتحدث عنهم بوصفهم ساقطي العدالة وهم:-
الصنف الأول:- الفاسقون .
الصنف الثاني:- منخرمو المروءة .
الصنف الثالث:- المبتدعون .
الصنف الرابع:- الكذابون والمتهمون بالكذب .
الصنف الخامس:- المدلسون عند من يرى أن التدليس جرحا مسقطا للعدالة.
وسنتحدث عن كل صنف من هؤلاء ونحاول أن نقف على رأي المحدثين في روايته . وإنما أخرنا المدلسين وراء هؤلاء للخلاف الحاصل بين العلماء حول التدليس هل هو مسقط للعدالة أم لا .
المطلب الأول
الفاسق وحكم الرواية عنه:-
الفسق في اصل اللغة الخروج عن الشيء يقال: فسقت الرطبة أي خرجت عن قشرتها . وإنما سميت الفأرة فويسقة (لخروجها من حجرها على الناس)(1) .
__________
(1) -القاموس المحيط فصل الفاء باب القاف مادة (فسق) .(7/32)
وفي الاصطلاح الترك لأمر الله والعصيان له والخروج عن طريق الحق .
والفاسق من الناس من عرف بارتكاب كبيرة أو بإصرار على صغيرة .(1) فمن ثبت فسقه فالعلماء مجمعون على عدم جواز السماع عنه لما علموا من أهمية السنة .
(فقد روى البيهقي عن النخعي قال كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله ثم يأخذون عنه)(2) .
ولذا نقل السيوطي اتفاق (أهل العلم على أن السماع ممن ثبت فسقه لا يجوز)(3). لكن هناك فرق بين أن يكون الفسق مظنوناً وبين أن يكون مقطوعاً به . يقول الأمدي: والفاسق المتأول الذي لا يعلم فسق نفسه لا يخلو أما أن يكون فقه مظنوناً أو مقطوعاً به .
فان كان مظنوناً كفسق الحنفي إذا شرب النبيذ فالأظهر قبول روايته وشهادته وقد قال الشافعي - رضي الله عنه - إذا شرب الحنفي النبيذ أحده واقبل شهادته .
وان كان فسقه مقطوعاً به فأما أن يكون ممن يرى الكذب ويتدين به أو لا يكون كذلك فان كان الأول فلا نعلم خلافا في امتناع قبول شهادته (ورد روايته) كالخطابية من الرافضة لأنهم يرون شهادة الزور لمواقفيهم .
__________
(1) -فتح المغيث 1/287 .
(2) -تدريب الراوي 2/301 .
(3) -المصدر السابق 1/131 .(7/33)
وان كان الثاني كفسق الخوارج الذين استباحوا الدار وقتلوا الأطفال والنسوان فهو موضع الخلاف فمذهب الشافعي واتباعه واكثر الفقهاء أن روايته وشهادته مقبولة وهو اختيار الغزالي وأبي الحسين البصري وكثير من الأصوليين
وذهب القاضي أبو بكر والجبائي وأبو هاشم وجماعة من الأصوليين إلى امتناع قبول شهادته وروايته ، وهو المختار)(1) .
والفسق يثبت بأمور عديدة منها ما له علاقة برواية الحديث ومنها ما لا علاقة له بالحديث . وكلاهما مؤثر وقادح في عدالة الراوي .
فمما لا علاقة لها بالرواية . تعاطيه لكبائر لأن علماء أهل السنة مجمعون للكبائر على أن من أتى كبيرة كان فاسقاً خلافاً للخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة(2) وللمعتزلة الذين جعلوه في منزلة بين المنزلتين . والمرجئة الذين قالوا لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة .(3)
وكذلك يثبت الفسق بالإصرار على الصغائر لأن الإصرار عليها يحيلها إلى كبائر . فمن عرف بإصراره على صغيرة من الصغائر كان فاسقاً بإصراره هذا.
__________
(1) -الأحكام/ الأمدي 2/95 .
(2) -مقالات الإسلاميين/ أبو الحسن الاشعري 156 – 157 .
(3) -البدء والتاريخ/ المقدسي 5/142 .(7/34)
أما ما له علاقة برواية الحديث فقد ذكر السيوطي إن فسق الراوي يثبت بأن (بضع متون الأحاديث على رسول الله أو أسانيد المتون … ومنها أن يدعي السماع عمن لم يلقه ولهذه العلة قيد الناس مواليد الرواة وتاريخ موتهم)(1) .
غير أن ما ذكره السيوطي هنا مما يثبت به فسق الراوي قد افرده غيره في باب مستقل من أبواب ما تسقط به عدالة الراوي وهو الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أما حكم رواية من ثبت فسقه فإنها مردودة بإجماع المحدثين والفقهاء . وقد نص ابن حجر على أن من ظهر فسقه فحديثه مردود سواء كان فسقه بالفعل أو بالقول (2) .
والراوي إذا ثبت فسقه ورد حديثه فالعلماء يطلقون على ذلك الحديث الذي يرويه اسم (المنكر) عند الذين لا يشترطون المخالفة في تعريفهم للمنكر حينما قالوا:-
(المنكر هو ما تفرد به ضعيف لا يحتمل ضعفه لفسقه أو فحش غلطه أو كثرة غفلته)(3) .
المطلب الثاني
منخرم المروءة وحكم روايته
قبل أن نعرف من هو منخرم المروءة لابد لنا أن نعرف ما هي المروءة أولا .
__________
(1) -تدريب الراوي/ السيوطي 1/131 .
(2) -نزهة النظر/ ابن حجر 44 .
(3) -المصدر السابق 45 .(7/35)
المروءة في اصل اللغة هي الإنسانية (1) .
وفي الاصطلاح هي الأخذ بمحاسن الأخلاق وجميل العادات(2) . فكل ما ينزل بالإنسان فهو من خوارم المروءة وكل ما استقبحته العقول السليمة من مساوئ الأخلاق وردئ العادات فهو من خوارم المروءة .
ومن خوارم المروءة التي يمثل بها العلماء منة النفس وكثرة المزاح بلا سبب والإتيان بما لا يليق بالمؤمنين الأتقياء .
ويمكن أن نصنف خوارم المروءة إلى نوعين اثنين:
الأول:- خوارم للمروءة بحسب الشرع .
الثاني:- خوارم للمروءة بحسب العرف السائد .
__________
(1) -القاموس المحيط مادة (مرء) مختار الصحاح مادة (مرء) .
(2) -علوم الحديث/ عبد الكريم زيدان 89 .(7/36)
فالأولى لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الأحوال والازمان لأنها تستمد ثباتها من الشرع الحنيف . وعليه فكل من وصف بأنه منخرم المروءة بواحدة من تلك الخوارم فهو مخروم المروءة في كل حين . تأخذ الأجر على التحديث عند من يرى حرمة ذلك فمن خرمت مروءته لهذا فأنه لا يزال على ذلك أبدا(1) . وكذلك من خرمت مروءته بسبب السنة وبذاءة اللسان لأن المسلم لا يكون بذيئاً ولا سفيها . اخرج الخطيب بنده إلى الإمام البخاري قال: (ذكر النضر بن مطرف فقال يحيى القطان سمعته يقول: أن لم أحدثكم فأمي زانية ، قال يحيى فتركت حديثه لهذا)(2) .
والذي ينعم النظر في خوارم المروءة التي جرح بها بعض الرواة يجد إنها يمكن أن تصنف إلى نوعين اثنين:
الأول:- خوارم للمروءة ترجع إلى مستند شرعي .
الثاني:- خوارم للمروءة بحب العرف السائد .
فالخوارم التي ترجع إلى الشرع لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الأحوال والازمان حيث تستمد ثباتها من الشرع الحنيف . وعليه فكل من وصف بواحدة من تلك الخوارم فهو مخروم المروءة في كل حين .
__________
(1) -انظر مقدمة ابن الصلاح 235 .
(2) -الكفاية/ 143 .(7/37)
مثال ذلك . انخرام مروءة من يأخذ على التحديث أجرا عند من يرى حرمة ذلك الأجر أو كراهته . فمن خرمت لهذا السبب لن يمر عليه زمان يكون فيه اخذ الأجر على التحديث أمرا خارجاً عن الكراهة أو الحرمة إلا ضمن استثناءات ذكرها المحدثون في مواضعها(1) .
وكذلك من خرمت مروءة بسبب السفه وبذاءة اللسان لأن المسلم لا يكون بذيئاً ولا سفيها . فقد اخرج الخطيب البغدادي بنده إلى محمد بن إسماعيل البخاري قال (ذكر النضر بن مطرف فقال يحيى القطان سمعته يقول إن لم أحدثكم فأمي زانية . قال يحيى تركت حديثه لهذا)(2) .
فانخرام مروءة مثل هذا راجعة إلى مخالفة اصل شرعي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)(3) .
__________
(1) -انظر مقدمة ابن الصلاح/ 235 .
(2) -الكفاية/ 143 .
(3) -المندرك على الصحيحين/ الحاكم 1/57 رقم الحديث 29/ وسنن الترمذي كتاب البر والصلة باب ما جاء في اللعنة رقم الحديث (1900) .(7/38)
و أما الخوارم التي ترجع إلى مخالفة عرف سائد فان المحققين من العلماء لا ينظرون إليها سواء بسواء مع تلك الخوارم التي ترجع إلى مخالفة اصل شرعي لجواز أن يتغير العرف السائد . فما يعد من الخوارم في زمن لا يكون كذلك في زمن آخر . وما يعد من الخوارم في بلد لا يكون كذلك في بلد آخر .
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: (ولا شك ان خوارم المروءة تخضع إلى حد كبير إلى العرف السائد فما يكون قبيحاً وقادحاً في المروءة في بلد ما قد لا يكون كذلك في بلد آخر لاختلاف العرف في هذين البلدين مثل كشف الرأس فقد يكون مستقبحاً في بلد للعرف السائد فيه فيكون فادحاً في المروءة والعدالة وقد لا يكون مستقبحاً في بلد آخر فلا يكون قادحاً في العدالة)(1) . ولهذا فان المروءة في مثل هذا هي مراعاة العرف السائد .
__________
(1) -علوم الحديث د. عبد الكريم زيدان و د. عبد القهار العاني 89 .(7/39)
يقول ابن حجر (قال الطبري والذي أراه هو جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون إلا أني لا احب لبس ما كان مشبعاً بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهراً فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا . فان مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما وفي مخالفته ضرب من الشهرة)(1) .
وكان المحدثون يعرفون مروءة الإنسان بما يظهر عليه من سمت الصلاح وعدم مخالفة السائد الذي عليه الناس ما لم يكن أثما . وبما يلاحظ على الإنسان من محافظته على سنن الفطرة . يقول ابن حجر بصدد مراعاة تلك السنن (وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة كان ادعى لانبساط النفس إليه فيقبل قوله ويحمد رأيه والعكس بالعكس)(2) .
وعلى هذا فان من اتهم بانخرام مروءته فالواجب أن يكشف عما به خرمت مروءته . فان كان ما رمي به مما يستوي في الحكم عليه جميع الناس أولا يتغير بتغير الزمان والمكان كالسفه وما إلى ذلك كانت روايته مردودة .
__________
(1) -فتح الباري/ ابن حجر 10/306 .
(2) -المصدر السابق 1/349 .(7/40)
وأما أن كان ما رمي به معدوداً من خوارم المروءة لمخالفته عرفاً سائداً فينظر حينئذ إلى تلك المخالفة فقد يجوز أن يكون خرماً عند الجارح فقط دون غيره فلا يعبأ بقوله عند ذاك كما مثل لذلك بما اخرج الخطيب بسنده إلى أبي جعفر المدائني. قال قيل لشعبة لم تركت حديث فلان ؟ قال رأيته يركض على برذون (1) فتركت حديثه)(2) .
فما بعد خارماً للمروءة عند واحد قد لا يوافقه عليه غيره من المحدثين . لكن هذا لا يعني أن يكون المحدث حاله حال غيره لأن من اشتغل بطلب العلوم الشرعية يجب عليه أن يكون على مستوى من السكينة والوقار وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تعلموا العلم فإذا علمتموه فاكظموا عليه ولا تشوبوه بضحك ولا بلعب فتمجه القلوب)(3) .
__________
(1) البرذون: دابة ، قال الكسائي الأنثى من البراذين برذونه . وقيل هو التركي من الخيل/ مختار الصحاح مادة (برذون) .
(2) الكفاية/ 138 .
(3) -سنن الدارمي/المقدمة/باب صيانة العلم رقم الحديث (581) .(7/41)
ولذا (قال كثير من الناس يجب ان يكون المحدث والشاهد مجتنبين لكثير من المباحات نحو التبذل والجلوس للتنزه في الطرقات ، والأكل في الأسواق ، وصحبة الأرذال ، والبول على قو ارع الطرقات ، والبول قائما ، والانبساط إلى الخرق في المداعبة والمزاح وكل ما اتفق على انه ناقص القدر والمروءة ، ورأوا إن فعل هذه الأمور يسقط العدالة ويوجب رد الشهادة)(1) .
والذي أراه في هذه المسألة إن خوارم المروءة يرجع فيه إلى أهل البصائر والإنصاف وان لا ينفرد أحد في تحديدها فلكل راو شأن خاص به وحكم يطلق بناء على عموم سيرته وأحواله .
وهو رأي الخطيب البغدادي حينما قال: (والذي عندنا في هذا الباب رد خبر فاعلي المباحات إلى العالم والعمل في ذلك بما يقوى في نفسه فان غلب على ظنه من أفعال مرتكب المباح المسقط للمروءة انه مطبوع على فعل ذلك ، والتساهل به ، مع كونه ممن لا يحمل نفسه على الكذب في خبره وشهادته ، بل يرى إعظام ذلك وتحريمه والتنزه عنه قبل خبره . وان ضعفت هذه الحال في نفس العالم واتهمه . عندها وجب عليه ترك العمل بخبره ورد شهادته)(2) .
__________
(1) -الكفاية/ 139 .
(2) -الكفاية/ 139 .(7/42)
فليس كل الذين يأتون المباحات على درجة واحدة فمنهم من يفعل ذلك مع صلاح ظاهر ودين جلي ومنهم من يفعله حتى يكون هو الغالب على سمته . فلكل مقام ولكل مقال .
المطلب الثالث
المبتدع وحكم روايته:-
المبتدع اسم فاعل من الابتداع والابتداع في اصل اللغة الاختراع على غير مثل . ومنه (بديع السموات والأرض) أي مبدعهما ومنشئهما على غير مثال سابق.
والبدعة الحدث في الدين بعد الإكمال(1) . وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)(2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من احدث في امرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)(3) وبالنظر في معنى هذا الحديث فان الرد لا يتناول كل أمر محدث وانما مختص بما ليس في دين الله تبارك وتعالى .
__________
(1) -مختار الصحاح/ مادة (ب ر ع) .
(2) -صحيح مسلم/2/592 رقم الحديث (867) ، وصحيح ابن خزيمة 3/143 رقم الحديث (1785) ، وصحيح ابن حبان 1/178 رقم الحديث (5) .
(3) -صحيح البخاري 2/959 رقم الحديث (2550) وصحيح مسلم 3/1158 رقم الحديث (1524) وسنن الدار قطني 4/224 رقم الحديث (78) .(7/43)
ولذا يقول ابن الأثير الجزري والبدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهو في حيز الذم والإنكار .
وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه فهو في حيز المدح وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قد جعل له في ذلك ثواباً فقال (من سن سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها ) (1) وقال في ضده (ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها)(2) وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . ومن هذا النوع قول عمر - رضي الله عنه - عن صلاة التراويح نعمت البدعة هذه لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسنها لهم وانما صلاها ليالي ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها(3)
__________
(1) -انظر صحيح مسلم 4/4059 رقم الحديث (1017) وصحيح ابن خزيمة 4/112/ رقم (2477) .
(2) -انظر صحيح مسلم 4/4059 رقم الحديث (1017) .
(3) -النهاية في غريب الحديث/ابن الأثير 1/106 معنى (بدع) ، فتح الباري 4/254 .(7/44)
.
هذا بالنسبة إلى عموم اللغة أما المحدثون والفقهاء فانهم حينما يقولون فلان مبتدع فإنما يراد به الذم وما خالف ما عليه الشريعة ، وهذا هو الذي يهمنا في بحثنا فللعلماء في المبتدعين والسماع منهم أقوال عديدة .
بحسب حال المبتدع وبحسب بدعته
فالبدع قسمان:
القسم الأول: بدع يكفر بها صاحبها ، ولا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه في قواعد جميع الأئمة(1) كما في غلاة الرفض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة(2) فهؤلاء لا خلاف بين العلماء انهم لا تجوز الرواية عنهم تحت أي ظرف من الظرف لأن الإسلام شرط في ثبوت العدالة .
__________
(1) -أما إذا لم يكن التكفير متفقاً عليه فلا إجماع على رد روايته يقول ابن حجر: ((والتحقيق انه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي إن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفها ، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر متوافرا من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة ، وكذا من اعتقد عكسه)) (انظر نخبة الفكر ذيل سبل السلام 4/230) .
(2) -مقدمة فتح الباري 385 .(7/45)
القسم الثاني: بدع يفسق بها صاحبها (كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو ، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافاً ظاهراً لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائع)(1) وفي قبول رواية من كان على هذه الشاكلة .
إن كان معروفاً في التحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة موصوفا بالديانة والعبادة خلاف بين المحدثين على النحو الآتي:
المذهب الأول:-
ذهب الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف والإمام الشافعي ، ويحيى بن سعيد القطان وعلى بن المديني ومحمد ابن إسماعيل البخاري إلى قبول رواية المبتدع سواء أ كان داعية إلى بدعته أم لم يكن (2). وسواء اروى ما يشيد بدعته أم ما ينقضها ، لأن الأصل في قبول الرواية صدق اللهجة وجودة الضبط والسلامة من خوارم المروءة .
- وقد اخرج البخاري في صحيحة لعمران بن حطان وهو خارجي داعٍ إلى مذهبه وهو صاحب الأبيات المشهورة التي يمتدح بها عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي - رضي الله عنه - والتي يقول فيها:
__________
(1) -المصدر السابق 385 .
(2) -انظر مقدمة فتح الباري/ 385 ، ورسالة في الجرح والتعديل/ المنذري 38 .(7/46)
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا(1)
وانما اخرج له كما قال ابن حجر بناءاً على (قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديناً)(2) .
- واخرج العقيلي في الضعفاء بسنده إلى علي بن المديني قال: قلت ليحيى بن سعيد القطان إن عبد الرحمن يقول اترك من كان رأساً في البدعة يدعو إليها قال يحيى: كيف تصنع بقتادة كيف تضع بابي داود وعمر بن ذر ، وعد يحيى قوما ثم قال يحيى ان ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً(3) .
ورأي هؤلاء مبني على اعتبارين رئيسين:-
الأول: إن الاعتقاد بحرمة الكذب هو الذي يمنع المرء من الإقدام عليه بقطع النظر عن العقيدة التي يحملها . وان الذي يكذب إما لأنه مستحل للكذب أو لأنه غير متدين .
والثاني: إن الضرورة تلجئ المحدثين إلى قبول أحاديث هؤلاء ، إذ لو تركت أحاديث جميع أهل الأهواء والبدع لذهب طائفة كبيرة منه . وقد سبق أن نقلنا قول يحيى القطان في ذلك .
__________
(1) -الإصابة في تمييز الصحابة/ ابن حجر 5/302 .
(2) -فتح الباري 10/291 .
(3) -الضعفاء/ العقيلي 1/3 .(7/47)
يقول علي بن المديني بهذا الخصوص (لو تركت أهل البصرة للقدر وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب)(1) .
المذهب الثاني:-
ذهب طائفة من العلماء منهم محمد بن سيرين ، والإمام مالك وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي إلى رد رواية المبتدع مطلقا وقد قال عبد الرحمن: (ثلاثة لا يحمل عنهم الرجل المتهم بالكذب ، والرجل كثير الوهم والغلط ورجل صاحب بدعة يدعو الناس إلى بدعته)(2).
وحجة هؤلاء تكمن فيما يلي:-
أولاً: ما أخرجه الخطيب بسنده عن أبي أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (من اشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)(3).
والأصاغر في الحديث هم أهل البدع كما نص على ذلك ابن المبارك فيما أخرجه عنه الخطيب البغدادي .
-(عن أبي صالح محبوب بن موسى وذكر الحديث عن ابن المبارك في اشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر . قال أبو صالح فسألت ابن المبارك ، من الأصاغر ؟
قال: أهل البدع)(4).
__________
(1) -شرح علل الترمذي 1/356 .
(2) -الضعفاء/ العقيلي 1/3 وانظر مقدمة ابن الصلاح/ 228 ومقدمة فتح الباري 385 ، والجامع لأخلاق الراوي 1/137 .
(3) -الجامع لأخلاق الراوي 1/137 .
(4) -المصدر السابق 137 .(7/48)
ثانياً: إن المبتدع فاسق ببدعته ، وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول ، يستوى في الفسق المتأول وغير المتأول (1) .
ثالثاً: إن البداعة والهوى لا يؤمن معهما الكذب . (فعن ابن لهيعة قال سمعت شيخاً من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فأنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثاً)(2).
-(وعن حماد بن سلمة قال حدثني شيخ لهم (بعني الرافضة) تاب قال: كنا إذا اجتمعنا واستحسنا شيئا جعلناه حديثاً)(3) .
رابعا: إن في عدم قبول روايته إخماد لبدعته وفي قبولها ترويج لأمره وتنويه بذكره . ولذا فان كثيراً من العلماء قال إن كان الحديث يروى من طريق اخرى غير طريق صاحب البدعة فانه يضرب الصفح عن روايته إخمادا لبدعته وإماتة لشأنه(4) .
المذهب الثالث:-
وهو مذهب التفصيل بين أن يكون المبتدع داعية أو غير داعية يقول ابن حجر (وصارت إليه الطوائف من الأئمة وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه لكن في دعوى ذلك نظر)(5) .
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح 228 .
(2) -الجامع لأخلاق الراوي 137 .
(3) -المصدر السابق 138 .
(4) -انظر مقدمة فتح الباري/ 385 .
(5) -المصدر السابق/ 385/ مقدمة ابن الصلاح/ 228-229 .(7/49)
وقد نقل ابن الصلاح كلام ابن حبان بهذا الخصوص فقال: (وقال: أبو حاتم بن حبان البستي) أحد المصنفين من أئمة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا اعلم بينهم فيه خلافاً)(1).
لكن الذين قالوا بهذا التفصيل اختلفوا فيما بينهم على أربعة آراء وهي:-
أولاً: اكتفى جماعة بهذا التفصيل فقالوا يقبل حديث غير الداعية ويرد حديث الداعية(2) .
ثانياً: وذهب جماعة إلى القول بأن رواية غير الداعية إن اشتملت على ما يشيد بدعته ويزينها ردت وان لم تشتمل على ذلك قبلت(3) .
ثالثاً: وقال آخرون إن اشتملت روايته على ما يرد بدعته قبلت وإلا فلا(4).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 229 .
(2) -رسالة في الجرح والتعديل/ المنذري 38 .
(3) -انظر هدي الساري أو مقدمة صحيح البخاري/ 385 .
(4) -لسان الميزان 1/10/ رسالة في الجرح والتعديل 38 .(7/50)
رابعا: وذهب أبو الفتح القشيري وابن دقيق العيد إلى إن المبتدع إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخمادا لبدعته وإطفاء لناره ، وان لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده فينبغي إن تقدم مصلحة تقديم ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته(1) .
والذي يبدو والله اعلم إن الراجح من هذه الآراء هو ما كان عليه الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف والبخاري . الذين قالوا إن أهل الأهواء يؤخذ حديثهم إن لم يكونوا ممن يستحلون الكذب . وقد اشتهر عن الشافعي قوله:
(أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم)(2) .
بقي أن نعلم إن علماءنا الإجلاء لم يفتهم إن ليس كل من رمي بالابتداع كان كذلك فان من المبدع ما لم يثبت في حق صاحبها . وانما رمي بذلك زوراً وبهتاناً وكذلك فان المدلولات تتغير بتغير الزمان فلا يجوز إن ينظر إلى من رمي بالتشيع مثلاً في التابعين بنفس ما ينظر إلى من اتهم بذلك في العصور المتأخرة .
__________
(1) -مقدمة فتح الباري 385/ والاقتراح في بيان الإصلاح/ ابن دقيق العبد 336 .
(2) -مقدمة ابن الصلاح 229 .(7/51)
يقول ابن حجر: (قال ابن حرير لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته للزم ترك اكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه)(1) .
واما بخصوص تطور المصطلحات وتغيرها من وقت إلى آخر فاستمع إلى ابن حجر يقول: (فالتشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان ، وان علياً كان مصيباً في حروبه وان مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلها . وربما اعتقد أن عليا افضل الخلق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان معتقد ذلك ورعاً ديناً صادقاً مجتهداً فلا ترد روايته ، … واما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة)(2) .
المطلب الرابع
الكذاب والمتهم بالكذب وحكم الرواية عنهما:-
ومما تسقط به العدالة بل ابرز ما تسقط به العدالة أن يثبت كذب الراوي أو يتهم بالكذب .
فالكذاب عند المحدثين هو من يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله أو يفعله أو يقره متعمداً .
والحديث الذي يرويه الكذاب هو (الموضوع)
__________
(1) -مقدمة فتح الباري 428 .
(2) -تهذيب التهذيب 1/81 .(7/52)
(فالموضوع هو الخبر الذي يختلقه الكذابون وينسبونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتراءً عليه)(1) .
وقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين يتجرءون بالتقول عليه - صلى الله عليه وسلم - بالنار . فقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتواتر: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(2) .
وقد اجمع العلماء على أن من ثبت كذبه لا تحل الرواية عنه بأي حال من الأحوال . قال الخطيب: (وكل من ثبت كذبه رد خبره وشهادته)(3) بل ان الأثر ورد بجعل من يروى الحديث المختلق وهو يعلم باختلاقه أحد الكاذبين .
فقال - صلى الله عليه وسلم - (من حدث عني بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين)(4).
__________
(1) -تدريب الراوي 1/98 وانظر علوم الحديث ومصطلحه/ صبحي الصالح 263 ، دراسة في مصطلح الحديث/ إبراهيم النعمة 173 .
(2) -صحيح البخاري/ كتاب العلم باب إثم من يكذب على النبي رقم الحديث 104 .
(3) -الكفاية 127 .
(4) -صحيح مسلم المقدمة 1/8 .(7/53)
واما المتهم بالكذب فهو من لم ينص العلماء صراحة على أنه يضع الحديث لكن حصل الظن موقوعة منه . ويسمى حديثه (المتروك) . فيقولون (فلان متروك متهم بوضع الحديث)(1).
ويرمى الراوي بالكذب في حالتين:-
الأولى:- إن يرد حديث يخالف أصول الشريعة وثوابتها ثم لا يكون في السند من يوجه إليه الاتهام إلا هو . فيكون حينئذ هو المتهم بذلك الحديث .
يقول الإمام الذهبي في ميزانه في ترجمة احمد بن محمد بن احمد بن يحيى (لا اعرفه لكن روى عنه شيخ الإسلام الهروى حديثا موضوعاً ، ورواته سواه ثقات فهو المتهم به)(2).
والثاني:- أن يعرف بالكذب في كلامه وان لم يجرب عليه انه يكذب في حديثه(3) الأمر الذي يجعله في مواطن الشبهة .
وحكم رواية المتهم بالكذب لا تختلف عن رواية الكذاب حيث العلماء مجمعون على ردها وتركها . لكن إذا تاب الكذاب فهل تقبل روايته ؟ اختلف العلماء في ذلك .
__________
(1) -انظر مثلاً الإصابة في تمييز الصحابة/ ابن حجر 5/580 ، ولسان الميزان لابن حجر كذلك 2/436 .
(2) -ميزان الاعتدال 1/29 .
(3) -نزهة النظر/ 45 .(7/54)
فالإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي أطلق القول بعدم قبول رواية التائب من الكذب عموماً وقال (كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر)(1).
ذهب الإمام احمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي -شيخ البخاري- وغيرهم من أهل العلم .
إن التائب عن الكذب في حديث الناس تقبل روايته . أما التائب عن الكذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تقبل روايته وان حسنت توبته(2).
ذهب الإمام شرف الدين النووي والإمام الصنعاني إلى قبول توبة التائب عن الكذب مطلقاً سواء أكان تائبا عن الكذب في حديث الناس أم تائبا عن الكذب في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقال معلقاً على رأي أولئك الذين لم يقبلوا رواية التائب عن الكذب في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (وهذا الذي ذكره الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية)(3).
أما الصنعاني فقد قال: (لا وجه لرد رواية الكذاب في الحديث بعد صحة توبته إذ بعد صحتها قد اجتمعت فيه شروط الرواية فالقياس قبوله)(4).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 231 .
(2) -المصدر السابق/ 231 .
(3) -شرح النووي على صحيح مسلم 1/70 .
(4) -توضيح الأفكار 2/243 .(7/55)
ويبدو ان بعض العلماء قد عمل بهذا الرأي لأننا في معرض حديثنا عن البدع سقنا روايات لأناس صرحوا بأنهم كانوا يضعون الأحاديث إذا استحسنوا أمرا معينا . وقد تلقى العلماء كلامهم هذا بالاعتبار واخذوا يحتاطون في روايات أهل الأهواء اكثر فاكثر بناء على ما صرح به أناس كانوا قبل توبتهم يمارسون الوضع على النبي - صلى الله عليه وسلم - . لكن الراجح والله اعلم هو الرأي الأول زيادة في الاحتياط للسنة المطهرة .
المطلب الخامس
المدلس وحكم روايته:-
التدليس لغة هو إخفاء العيب مطلقاً(1) . والتدليس في البيع هو إخفاء عيب السلعة عن المشتري(2) .
واما التدليس اصطلاحاً فهو (لقب وضعه أئمة هذه الصنعة على من أبهم بعض رواياته لمعان مختلفة وأغراض متباينة)(3).
أما أنواع التدليس الذي يقع به المحدثون فهو على أنواع وقد اختلف أئمة الحديث في طريقة إيراد هذه الأنواع .
فابن الصلاح والبيقوني ذكرا إن التدليس على نوعين اثنين وهما تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ فقال:
__________
(1) -النهاية في غريب الحديث/ 2/129 .
(2) -مختار الصحاح/ مادة دلس/ 209 .
(3) -هامش مقدمة ابن الصلاح 165 .(7/56)
وتدليس الإسناد (هو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهماً انه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه ، موهما انه قد لقيه وسمعه منه ، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون اكثر)(1).
(وتدليس الشيوخ وهو أن يروى عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه ، أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف)(2).
واما سبط ابن العجمي فقد جعل التدليس على ثلاثة أقسام فالأول تدليس الإسناد والثاني تدليس الشيوخ ، والثالث: تدليس التسوية: (وهو أن يروي حديثا عن شيخ ثقة غير مدلس وذلك الثقة يروى عن ضعيف فيأتي المدلس الذي سمع من الثقة الأول غير المدلس فيسقط الضعيف الذي في السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل فيستوى الإسناد كله ثقات)(3).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح 165-166 ، ومنظومة البيقوني/ 2 .
(2) -المصدر السابق 167 ، منظومة البيقوني/ 2 .
(3) -الفين لأسماء المدلسين/ سبط ابن العجمي/ 29 .(7/57)
أما ابن حجر فانه جعل التدليس على قسمين:- تدليس في الإسناد وتدليس في الشيوخ . لكنه فصل ذلك التدليس الذي يقع في الإسناد فقال: (فالذي في الإسناد أن يروى عمن لقيه شيئا لم يسمعه منه بصيغة محتملة … ويلحق بتدليس الإسناد تدليس القطع وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله مثلاً: الزهري عن انس ، وتدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ويعطف عليه شيخاً آخر له ولا يكون سمع ذلك من الثاني ، وتدليس التسوية وهو أن يصنع ذلك لشيخه فان اطلعه على انه دلسه حكم به وان لم يطلعه طرقه الاحتمال فيقبل من الثقة ما صرح فيه بالتحديث ويتوقف عما عداه)(1).
وكذلك فعل السيوطي في ألفيته مجعل التدليس على قسمين: تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ ثم جعل تدليس الإسناد على ثلاثة أنواع: القطع والعطف والتجويد أو التسويه(2).
ومما يمكن أن يعد من أنواع التدليس ما كان عليه أبو نعيم الاصبهاني انه يطلق في الإجازة لفظ (اخبرنا) ولا يبين إن هذا الخبر نقل إجازة وقد عد الإمام ابن حجر هذا الأمر نوعاً من التدليس . فقال في لسان الميزان:
__________
(1) -طبقات المدلسي/ ابن حجر/ 16 .
(2) -ألفية السيوطي في علوم الحديث/ السيوطي 19-21 .(7/58)
(قال الخطيب رأيت لأبي نعيم أشياء تساهل فيها منها انه يطلق في الإجازة (اخبرنا) ولا يبين قلت (والقائل ابن حجر) هذا مذهب رآه أبو نعيم وغيره وقد ضرب من التدليس)(1).
وكذلك رصد ابن حجر نوعاً آخر من أنواع التدليس وهو أن يعمد الراوي إلى تغير اسم شيخه الضعيف إلى اسم يخترعه هو له لا يمت بصله إلى اسمه السابق حتى لا يعرف .
فقد جاء في ترجمة ميمون بن عجلان الثقفي قوله: (قال الطبراني لم يروه عن محمد إلا ميمون قلت وميمون هذا أظنه عطاء بن عجلان أحد الضعفاء ، كان بعض الرواة دلس اسمه وهذا من عجيب التدليس)(2).
ماذا عرفنا أنواع التدليس هذه فهل التدليس قادح في عدالة الراوي إذا ثبت عليه وما هي مواقف العلماء من رواية المدلس ؟!
ولكي نجيب على هذا التساؤل فيجب أن نعرف أولاً الدوافع أو الأسباب التي دفعت المدلسين إلى الوقوع في التدليس وأهمها:
إرادة التعمية على الناس بسبب ضعف الراوي .
إرادة التعمية بسبب صغر سن الراوي .
إرادة التعمية إيهاما للناس بكثرة المشايخ .
إرادة التعمية إيهاما للناس بعلو الإسناد .
طلبا للاختصار لاشتهاره بالرواية عمن دلسه .
__________
(1) -لسان الميزان/ ابن حجر 1/201 .
(2) -المصدر السابق 6/141 .(7/59)
الوهم والنسيان .
فإذا كان الراوي يعمد إلى التدليس لأنه يعلم إن من دلسه معروف بالضعف عند المحدثين كان تدليسه هذا جارحاً له وقادحاً في عدالته على رأي بعض العلماء
يقول ابن الصلاح: (من عرف بهذا التدليس فقد جعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحاً بذلك ، وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين)(1).
يقول السخاوي (وانما اعتبر التدليس جرحاً لما فيه من التهمة والغش) حيث عدل عن الكشف إلى الاحتمال(2).
يقول أبو الوفاء سبط ابن العجمي فيمن تعمد مثل هذا النوع من التدليس (قال شيخنا الحافظ العراقي في النكت على ابن الصلاح : وهذا قادح فيمن تعمده وقال العلائي في كتاب المراسيل ولا ريب في تضعيف من اكثر هذا النوع … ونقل الذهبي عن أبي الحسن بن القطان في بغية بن الوليد انه يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا إن صح فانه مفسد لعدالته)(3).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 171 .
(2) -فتح المغيث 1/180 .
(3) -الثين لأسماء المدلسين/ 29 .(7/60)
بينما ذهب كثير من أهل العلم إلى أن التدليس لا يعد قادحاً في عدالة المدلس كما نص على ذلك الخطيب البغدادي في كفايته وقال (ذهب إلى ذلك الجمهور)(1) أما موقف العلماء من رواية المدلس فهو كالآتي:-
الفريق الأول:- ذهب أصحاب هذا الفريق ومنهم أبو الزبير المكي إلى قبول رواية المدلس مطلقاً سواء صرح بالسماع أم لم يصرح ، اكثر من التدليس أم لم يكثر كما حكاه ابن حجر في طبقات المدلسين(2).
الفريق الثاني:- ومنهم الإمام الشافعي فقد ردوا رواية من ثبت عليه التدليس ولو مرة سواء دلس عن الثقات أم لا(3) فقال: (ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته)(4).
قال الخطيب (وقال فريق من الفقهاء واصحاب الحديث إن خبر المدلس غير مقبول لأجل ما قدمنا ذكره من أن التدليس متضمن الإبهام لما لا اصل له وترك تسمية من لعله غير مرضي ولا ثقة وطلب توهم علو الإسناد)(5).
وحجة هؤلاء تكمن في أن التدليس يشتمل على مفاسد عظيمة أهمها:
__________
(1) -الكفاية/ 399 .
(2) -طبقات المدلسين/ 13 ، تدريب الراوي 1/299 .
(3) -مقدمة ابن الصلاح 171 .
(4) -الرسالة/ الشافعي 380 .
(5) -الكفاية/ 399 .(7/61)
انه يوهم بالسماع ممن لم يسمع منه وهذا صنو الكذب ، فعن سليمان بن حرب يقول سمعت جريء بن حازم يقول وذكر التدليس والمدلسين فعابه وقال أدنى ما يكون انه يرى الناس انه سمع ما لم يسمع)(1).
إيهامه بعلو الإسناد بخلاف ما هو عليه(2) .
انه يخفي ويصير الراوي مجهولاً فيسقط العمل بالحديث لكون الراوي مجهولاً عند السامع مع كونه عدلاً معروفاً في نفس الأمر(3).
الفريق الثالث:-
أما هؤلاء فمالوا إلى التفصيل فلم يردوا رواية جميع من ثبت التدليس عنهم ولا قبلوا كل ذلك كما فعل أبو الزبير المكي .
وهؤلاء في تفصيلاتهم على مذاهب نجملها في الآتي:-
__________
(1) -المصدر السابق/ 394 .
(2) -الإسناد عند المحدثين/ د. داود سلمان 343 .
(3) -هامش مقدمة ابن الصلاح 167 .(7/62)
أولاً:- قال أصحاب هذا المذهب ان خبر المدلس لا يقبل إلا أن يورده على وجه مبين وإلا فلا . وقال الخطيب (وهذا هو الصحيح عندنا)(1) وبه حكم ابن الصلاح فقال: (والحكم انه لا يقبل من المدلس حتى يبين)(2) . وبه قال البخاري فاستمع إلى ابن حجر وهو يقول: (فأما التدليس فقد ذكر جماعة من الحفاظ ان البخاري كان لا يخرج عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث واعتبرت أنا هذا في حديثه فوجدته كذلك)(3).
بل نسب ابن حجر هذا الرأي إلى أئمة الحديث عموماً فقال: (ومن اكثر من التدليس لم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع)(4) وكذلك حكاه العيني عن أبي زرعة فقال في أثناء كلامه على محمد بن إسحاق فقال: (محمد بن إسحاق بن يسار مدلس قد كذبه مالك وضعفه احمد وقال: لا يصح الحديث عنه وقال: أبو زرعة لا نقضي له بشيء فلا يحتج به لأن حكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلاً لا يقبل منه إلا ما صرح به في الحديث على الأصح)(5).
__________
(1) -الكفاية/ 399 .
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 171 .
(3) -مقدمة فتح الباري/ 449 .
(4) -طبقات المدلسين/ 13 .
(5) -شرح سنن ابن ماجة/ السيوطي / 61 .(7/63)
ثانياً:- ذهب ابن حبان ومن معه إلى أن من كان التدليس غالباً عليه فهو مردود الرواية ، والعكس بالعكس .
فقد جاء في ترجمة علي بن غالب الفهري (كان كثير التدليس فيما يحدث حتى وقع المناكير في روايته وبطل الاحتجاج بها لأنه لا يدري سماعه لما يروي عمن يروي في كل ما يروى . ومن كان هذا نعته كان ساقط الاحتجاج بما يروى لما عليه الغالب من التدليس)(1).
ثالثاً:- وذهب بعض أهل العلم مذهباً آخر فقالوا (إذا دلس المحدث ممن لم يسمع منه ولم يلقه وكان ذلك الغالب على حديثه لم تقبل رواياته ، واما إذا كان تدليسه عمن قد لقبه وسمع منه فيدلس عنه رواياته ما لم يسمعه منه فذلك مقبول بشرط أن يكون الذي دلس عنه ثقة)(2).
رابعاً:- ذهب بعض أهل العلم إلى قبول رواية من كان لا يدلس إلا عن ثقة وان لم يصرح بالسماع من أمثال سفيان بن عينية(3).
__________
(1) -المجروحين/ لأبن حبان 2/111 .
(2) -الكفاية/ 399 .
(3) -ميزان الاعتدال 2/169 ، انظر جامع التحصيل / العلائي 113 .(7/64)
ولأن التدليس لا يمكن أن يحكم عليه حكماً واحدا بسبب تفاوت أنواعه وتفاوت المدلسين في تدليسهم فقد قسم العلائي المدلسين على أربع مراتب لكي يستعان بها في الحكم على روايات المدلسين وهذه المراتب هي:
المرتبة الأولى:-
من لم يوصف بذلك إلا نادراً بحيث انه ينبغي أن لا يعد منهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وموسى ابن عقبة .
المرتبة الثانية:-
من احتمل تدليسه وخرجوا له في الصحيح وان لم يصرح بالسماع وذلك لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى . مثل سفيان الشوري أو كان لا يدلس إلا عن ثقة مثل سفيان بن عينية .
المرتبة الثالثة:-
من اكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة بشيء من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا ومنهم من قبله مطلقا مثل أبي الزبير محمد بن مسلم المكي .
المرتبة الرابعة:-
من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع إلا من يوثق من كان ضعفه يسيرا مثل عبد الله ابن لهيعة(1).
__________
(1) -جامع التحصيل في أحكام المراسيل/ العلائي 113 ، وانظر تعريف أهل التدليس في مراتب الموصوفين بالتدليس / ابن حجر 13-14 .(7/65)
وفي نهاية هذا المبحث أود أن اذكر أقوال بعض الأئمة الكارهين للتدليس فيه . وكان الإمام شعبة بن الحجاج من اشد العلماء على المدلسين . فقد اخرج بن أبي حاتم قوله: (اخبرنا أبي قال سمعت أبا نعيم يقول سمعت شعبة يقول لان أرني احب إلى من أن أدلس)(1).
واخرج الخطيب بسنده إلى عمر بن عبد العزيز بن مقلاص قال سمعت أبي يقول سمعت الشافعي يقول قال شعبة بن الحجاج (التدليس أخو الكذب)(2).
وأخرج كذلك بسنده إلى خالد بن خراش، قال: سمعت حماد بن زيد يقول التدليس كذب ثم ذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور(3) قال حماد ولا اعلم المدلس إلا متشبعاً بما لم يعط(4).
واخرج الحاكم بسنده إلى عبد الصمد بن عبد الوارث (يحدث عن أبيه قال التدليس ذل) قال سليمان (التدليس والغش والغرور والخداع والكذاب بحشر يوم تبلى السرائر في نفاذ واحد)(5).
__________
(1) -الجرح والتعديل 1/173 .
(2) -الكفاية/ 393 .
(3) -صحيح البخاري 5/2001 رقم الحديث (4921) ، صحيح مسلم / 3/ 1681 رقم الحديث 2129 .
(4) -الكفاية/ 394 .
(5) -معرفة علوم الحديث / الحاكم 103 .(7/66)
واخرج الخطيب (عن أبي الربيع الزهراني قال كان ابن المبارك يقول: لأن نخر من السماء احب إلى من أن ندلس حديثا)(1).
واخرج أيضا بسنده إلى (هاشم بن زهير أخا الفياض قال كان وكيع ربما قال في الحديث حدثنا وربما لم يقل ، قال فقلنا لجار لنا يقال له أبو الوفاء كان لا يحسن شيئا سله لم يقول في بعضه حدثنا ولا يقول في بعضه ؟ قال فتقدم إليه فسأله فقال له وكيع أما وجد القوم خطيباً غيرك نحن لا نستحل التدليس في الثياب فكيف في الحديث)(2).
المبحث الرابع
ما يتعلق بضبط الراوي
قلنا إن علماء الحديث نصوا على توافر شروط معينة فيمن يريد أن يتصدى لحمل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابلاغه إلى الناس فقالوا: يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه ، وتفصيله:
أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً مسلماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة . متيقضاً غير مغفل ، حافظاً إذا حدث من حفظه ضابطاً لكتابه ان حدث من كتابه وان كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك ان يكون عالماً بما يحيل المعاني(3).
__________
(1) -الكفاية/ 394 .
(2) -المصدر السابق/ 394 .
(3) -مقدمة ابن الصلاح/ 218 .(7/67)
وقد تكلمنا فيما سبق عن الأصناف الذين يخرجون باشتراطنا للعدالة وحكم الرواية عن كل صنف منهم . وقد بقي علينا أن نلم بأصناف الخارجين عن هذه الشروط فيما يتعلق بالضبط . لأن الضبط هو صنو العدالة في قبول الرواية . فليس كل من ثبتت عدالته قبلت روايته . فكم من أناس كانوا على التقى والصلاح لكن لم يكن لهم حظ من الضبط فاعرض عن رواياتهم ولم يشفع لهم دينهم وصلاحهم . وكان هذا سنة متبعة وشرعة ماضية عند سلفنا الصالح .
فقد اخرج الرامهرمزي بنده إلى الشافعي قال (كان ابن سيرين والنخعي ، وغير واحد من التابعين يذهبون إلى أن لا يقبلوا الحديث إلا عمن عرف يعني بعدالته وضبطه قال الشافعي وما لقيت أحدا من أهل العلم يخالف هذا المذهب)(1).
واخرج الإمام مسلم عن أبي الزناد قوله: (أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله)(2).
لذا وجب على العاملين في الحديث أن يهتموا كثيرا ويتحروا طويلاً عمن يؤخذون الحديث عنه لأنه إنما يحملون الدين عنهم ، ويبلغونه إلى الناس .
__________
(1) -المحدث الفاصل/ الرامهرمزي 405 .
(2) -صحيح مسلم 1/72 .(7/68)
روى الخطيب بسنده إلى الربيع بن سليمان قال: (سمعت الشافعي ، وذكر من يحمل العلم جزافا فقال هذا مثل حاطب ليل بقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري)(1). فإذا أردنا بعد هذا أن نتعرف على الأصناف التي تخرج عن دائرة رجال الصحيح باشتراطنا للضبط وجدنا انهم يمكن أن يصنفوا على النحو الآتي:
أولاً:- من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو روايته .
ثانياً:- من اختلط عليه أو كان سيئ الحفظ .
ثالثاً:- من كان كثير الغلط كثير الأوهام .
رابعاً:- من كان مكثراً من رواية الشواذ والمناكير .
وسنحاول ان شاء الله أن نتكلم عن كل صنف من هؤلاء . وان نقف على حكم روايته وما يتعلق بها قبولاً أو رداً وبالله التوفيق .
المطلب الأول
حكم رواية من عرف بالتساهل في الحديث
والتساهل في الحديث يكون من الراوي في جهتين . تساهل في سماع الحديث ، وتساهل في رواية الحديث .
__________
(1) -فصيحة أهل الحديث / الخطيب البغدادي 32 .(7/69)
وقد شدد العلماء رحمهم الله على من ثبت أنه تساهل في سماعه أو أدائه . يقول ابن الصلاح: (لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو أسماعه ، كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع ، وكمن يحدث لا من اصلٍ مقابل صحيح)(1) فمن التساهل في سماع الحديث:-
- ما أخرجه الخطيب بسنده إلى سليمان بن الأشعث قال سمعت احمد بن حنبل يقول: رأيت ابن وهب وكان يبلغني تسهيله يعني في السماع فلم اكتب عنه شيئا وكان حديثه حديث مقارب الحق)(2).
واخرج كذلك لعثمان بن أبي شيبة قوله: (رأيت عبد الله بن وهب أنا وأبو بكر وأظنه ذكر ابن معين وابن المدني رأيناه عند ابن وهب ينام نوماً حسنا وصاحبه يقرأ على ابن عينة وابن وهب نائم قال فقلت لصاحبه أنت تقرأ وصاحبك نائم قال فضحك ابن عينية ، قال فتركنا ابن وهب إلى يومنا هذا ، فقلت له لذا السبب تركتموه ؟ قال نعم وتريد اكثر من هذا وهو عنده لا شيء)(3).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 235/ تدريب الراوي 1/339 .
(2) -الكفاية/ 182 .
(3) -الكفاية/ 183 .(7/70)
وقال ابن حجر في ترجمة عبد الرحمن بن الحارث الغنوي (قال ابن أبي الفوارس: كان فيه بعض التساهل لم يكن ممن يعتمد عليه)(1).
وفي ترجمته (اعني ابن حجر) لعثمان بن عمرو بن منتاب البغدادي يقول: (قال أبو الفتح أن أبي الفوارس كان كثير التساهل لم يكن له اصل جيد)(2).
ولما كان التساهل في السماع موجباً لرد الرواية وملحقاً للنقص في ذلك الراوي . صرح العلماء إن على طالب الحديث أن يمسك بزمام نفسه وما يحمله شره الطلب ولذة السماع على التساهل .
يقول ابن جماعة في شروط السامع عليه: (أن يبدأ بسماع ما عند ارجح شيوخ بلده إسنادا وعلماً وديناً وشهرة فإذا فرغ من مهمات بلده رحل في الطلب فان الرحلة من عادة الحفاظ المبرزين ولا يحمله الشر في الطلب على التساهل في السماع والتحمل فيخل بشيء من شروطه)(3).
__________
(1) -لسان الميزان 3/409 ، تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي 10/297 .
(2) -لسان الميزان 4/149 .
(3) -المنهل الروي/ ابن جماعة 108 ، تدريب الراوي/السيوطي 2/144 .(7/71)
واما التساهل في رواية الحديث فهو أما أن يكون سجية ثابتة عند الراوي ويكون قد طرأ عليه بسبب طارئ . فان كان الأول فهو مردود الرواية مطلقاً وان كان الثاني فحكم روايته بحسب أوان ما سمعت فيه فما كان قبل تساهله فهو صحيح وما كان بعد ذلك فهو مردود . ودليلنا على ذلك:
ما أخرجه الخطيب عن احمد بن واضح المصري قال: (كان محمد بن خلاد الاسكندراني رجلاً ثقة ولم يكن فيه اختلاف حتى ذهبت كتبه فقدم علينا رجل يقال له أبو موسى في حياة ابن بكير فذهب إليه يعني إلى محمد بن خلاد بنسخة صمام بن إسماعيل ونسخة يعقوب بن عبد الرحمن فقال أليس قد سمعت النسختين ، قال نعم ، قال: فحدثني بهما فقال: قد ذهبت كتبي ولا احدث بهما فما زال به هذا الرجل ، حتى خدعه وقال له النسخة واحدة فحدث بهما ، فكل من سمع منه قديما قبل ذهاب كتبه فحديثه صحيح ومن سمع منه بعد ذلك فليس حديثه بذاك)(1).
(وممن نسب إلى التساهل ابن لهيعة كان الرجل يأتيه بالكتاب فيقول هذا من حديثك فيحدث به مقلدا له)(2).
__________
(1) -الكفاية/ 184 .
(2) -تدريب الراوي 2/94 .(7/72)
فهو وان كان قد احترقت كتبه إلا انه لا يحتج بحديثه كله لأن العلماء نصوا على انه كان سيئ الحفظ قبل احتراق كتبه وبعدها .
يقول الخطيب (وكان عبد الله بن لهيعة سيئ الحفظ واحترقت كتبه وكان متساهلا في الأخذ وأي كتاب جاءوا به حدث عنه ، فمن هناك كثرت المناكير في حديثه)(1).
واخيرا يجب أن نعلم إن العلماء فرقوا بين من ثبت عليه التساهل في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين من ثبت عليه التساهل في حديث الناس .
فقد اخرج الخطيب بسنده إلى القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني قوله: (ويرد خبر من عرف بالتساهل في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يرد خبر من تساهل في الحديث عن نفسه وامثاله وفيما ليس بحكم في الدين)(2).
المطلب الثاني
حكم رواية من اختلط أو كان سيئ الحفظ
والمقصود بسوء الحفظ أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه كما نص على ذلك ابن حجر(3).
وسوء الحفظ يكون على نوعين:
الأول:-
__________
(1) -الكفاية/ 183 .
(2) -الكفاية/ 184 .
(3) -نزهة النظر/ 51 .(7/73)
ما كان ملازماً للراوي ، وحكم رواية من كان على هذه الشاكلة بحسب ما يقتضيه قرائن الجرح والتعديل . فقد يكون هناك من القرائن ما يوجب قبول روايته وقد يوجد ما يوجب رد روايته . فان كان الراوي صدوقاً سيئ الحفظ كما هو الحال مثلاً في (أبي إسرائيل الكوفي فقد قال عنه أبو زرعة انه صدوق ، وقد كان سيئ الحفظ)(1) فإذا روى مثل هذا عن شيخ طالت ملازمته له وانه اثبت من روى عن ذلك الشيخ كانت القرينة تدفعنا إلى قبول خبره .
واما إذا كان سيئ الحفظ قد روى عن شيخه المختلط بعد اختلاطه . كان سوء حفظه مانعاً من قبول روايته عن شيخه لأنه لا يعلم – وحاله هذه – أكان حديثه الذي يرويه قبل اختلاط شيخه أم بعده . وهكذا(2).
والثاني:-
ما كان طارئاً على الراوي ، بسبب مرض أو كبر أو احتراق كتبه أو زوالها لأي سبب وهم من يعرفون بالمختلطين .
فللعلماء في السماع منهم كلام وتفصيل:
فقد صنف العلائي الرواة المختلطين إلى ثلاثة أصناف وهم:-
أولاً:-
__________
(1) -الجرح والتعديل/ابن أبي حاتم 2/166 .
(2) -انظر ضوابط الجرح والتعديل/ 113 .(7/74)
ما لم يوجب ذلك له ضعفاً أصلا ولم يحط من مرتبته أما لقصر مدة الاختلاط وقلته(1) كسفيان بن عينة ، وإسحاق بن إبراهيم بن راهوبة . وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم . واما لأنه لم يرو شيئاً حال اختلاطه(2) فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم وعفان بن مسلم .
ثانياً:-
من كان متكلما فيه قبل الاختلاط فلم يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه ، كابن لهيعة ، ومحمد بن جابر التميمي ونحوهما .
ثالثاً:-
من كان محتجاً به ثم اختلط أو عمي في آخر عمره فحصل الاضطراب فيما روى بعد ذلك ، فيتوقف الاحتجاج به على التمييز بين ما حدث به قبل الاختلاط عما رواه بعد ذلك(3).
__________
(1) -قال الذهبي: ((كل تغير يوجد في مرض الموت فليس بقادح في الثقة فان غالب الناس يعتريهم في المرض الحاد نحو ذلك … وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده أو متنه فيخالف فيه)) (سير إعلام النبلاء/ الذهبي 10/254) .
(2) -قال الذهبي في ترجمته لجرير بن حازم الازدي ((قال ابن مهدي هو اثبت من قوة ، قال واختلط يعني جريراً فحجبه أولاده فلم يسمع منه أحد ، تغير قبل موته بسنة)) (ميزان الاعتدال/الذهبي 1/117) .
(3) -المختلطين/العلائي 3 .(7/75)
وقد نص ابن جماعة على وجوب التحري عن حال المختلطين لكي يعلم ما روى قبل الاختلاط عما روى بعده . فقال: (وهؤلاء منهم من اختلط لخرفه بكبره أو لذهاب بصره أو لغير ذلك فيقبل ما روى عنهم قبل الاختلاط ويرد ما بعده وما شك فيه)(1).
وبهذا صرح ابن الصلاح في مقدمته(2).
وفي سبيل تحقيق هذا الأمر فقد دون العلماء تواريخ ولادات المحدثين ووفياتهم وتواريخ اختلاطهم من اجل أن يميزوا ما سمع منهم قبل اختلاطهم عما سمع منهم حال التغير والاختلاط .
فاسمع إلى ابن الصلاح وهو يقول: (سعيد بن أبي عروبة ، قال يحيى بن معين خلط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين واربعين – يعني ومائة – ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء ، ويزيد بن هارون ، صحيح السماع منه ، بواسط وهو يريد الكوفة ، واثبت الناس سماعاً منه ، عبدة بن سليمان)(3).
__________
(1) -المنهل الروي/ 137 .
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 594 .
(3) -مقدمة ابن الصلاح/ 595 .(7/76)
ويقول أيضا: (المسعودي ممن خلط … ذكر الحاكم في أول كتاب المزكين للرواة عن يحيى بن معين انه قال: من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشيء)(1).
المطلب الثالث
حكم رواية من كثر وهمه وغلبت عليه الغفلة
والمراد بالوهم أن يروى الراوي على سبيل الخطأ والتوهم ، فيصل الإسناد المرسل ويرفع الأثر الموقوف ونحو ذلك .
واما الغفلة فمعناها عدم الفطنة بأن لا يكون لدى الراوي من اليقظة والإتقان ما يميز به الصواب من الخطأ في مروياته(2).
وليس معنى هذا أن يشترط في الراوي العصمة من الخطأ والغفلة والتوهم ، لأن الإنسان مجبول على مثل هذا لكن الكلام منصب على المكثرين من الخطأ والغفلة حتى تكون ملازمة لهم . أما الشيء اليسير من ذلك فهو معفو عنه للطبيعة البشرية كما أسلفنا .
وقد ذكر ابن حجر هذا الأمر فقال:
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 595 .
(2) -نزهة النظر/ 44-46 .(7/77)
(قال ابن المبارك: من ذا سلم من الوهم ، وقال ابن معين لست اعجب ممن يحدث فيخطئ إنما اعجب ممن يحدث فيصيب ، قلت: وهذا أيضا مما يجب أن يتوقف فيه فإذا جرح الرجل بكونه اخطأ في حديث أو وهم أو تفرد فلا يكون ذلك جرحاً مستقرا ، ولا يرد به حديثه)(1).
أما من كثر خطأه وأطبقت عليه الغفلة ، وغلب عليه الوهم فالعلماء متفقون على رد روايته لأنه ناقض لشرط الضبط المتفق عليه .
يقول الإمام الشافعي: (ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له اصل – كتاب صحيح لم نقبل حديثه ، كما يكون من اكثر الغلط في الشهادة لم تقبل شهادته)(2).
- واخرج الخطيب بسنده إلى احمد بن سنان قال كان عبد الرحمن بن مهدي لا يترك حديث رجل إلا رجلاً متهماً بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط)(3).
- وعن محمد بن المثنى قال سمعت ابن مهدي يقول: الناس ثلاثة رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه(4).
__________
(1) -لسان الميزان/ 1/17 .
(2) -الرسالة/الشافعي 382 .
(3) -الكفاية/ 174 .
(4) -الكفاية/ 174 ولشروط الأئمة لابن منده 82 .(7/78)
- وروى ابن منده بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي قال سألت شعبة عمن يترك حديثه فقال: إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فاكثر طرح حديثه ومن اكثر الغلط ترك حديثه ، ومن روى حديثا غلطا مجتمعا عليه فلا يدع روايته ترك حديثه ومن اتهم بالكذب ، وما كان غير هؤلاء فارو عنه(1).
وسئل الإمام احمد عمن يكتب العلم فقال عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة ، صاحب هوى يدعو الناس إليه أو كذاب فانه لا يكتب عنه قليل ولا كثير ، أو عن رجل يغلط فيرد عليه فلا يقبل(2).
وقد أوضح الدار قطني المرحلة التي إذا بلغ الوهم بصاحبه إليها سقط اعتبار روايته فقد سأله أحد تلامذته فقال: (وسألته عمن يكون كثير الخطأ فقال: إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط ، وان لم يرجع سقط)(3).
لأن الراوي إذا ذكر بالصواب ولم يتذكر معنى ذلك انه استوى لديه الخطأ والصواب فلا ترجيح عنده لاحدهما على الآخر الأمر الذي يتسبب في سحب الثقة عن مروياته .
__________
(1) -شروط الأئمة/لابن منده 81-82 .
(2) -الكفاية/ 175 .
(3) -سؤلات حمزة للدار قطني/الدار قطني/ 72 .(7/79)
أما المواطن التي يمكن أن يقع فيها الخطأ والوهم ، فقد جاء في تدريب الراوي قوله: (ذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في الأطراف إن الوهم تارة يكون في الحفظ وتارة يكون في القول وتارة في الكتابة)(1).
وقد كان العلماء يخضعون المحدثين للاختبار من اجل أن يتأكدوا من انهم متقنون لما يروونه فإذا ما وقع أحدهم في المحذور علموا انه ليس بشيء .
ففي تهذيب الكمال للمزي جاء في ترجمة احمد بن إسماعيل بن محمد القرشي … (قال الدار قطني ضعيف الحديث كان مغفلا أدخلت عليه أحاديث في غير الموطأ فقبلها)(2).
وطريقة الاختبار هذه هي ما تسمى بالتلقين ، ومعناه أن يلقن الشيخ شيئا فيحدث به من غير أن يعلم انه من حديثه ، كعبد الله بن لهيعة فقد كان تلامذته يجيئونه بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فيحدثهم به ، من غير أن يعلم انه من حديثه(3).
- واخرج الخطيب بسنده إلى يحيى بن سعيد انه قال: (إذا كان الشيخ إذا لقنته قبل فذاك بلاء ، وإذا ثبت على شيء واحد ، فذاك ليس به بأس)(4).
__________
(1) -تدريب الراوي 1/304 .
(2) -تهذيب الكمال/المزي/ 1/266 .
(3) -تدريب الراوي 1/339 .
(4) -الكفاية 180-181 .(7/80)
(قال الحميدي: ومن قبل التلقين ترك حديثه الذي لقن فيه واخذ عنه ما أتقن حفظه إذا علم ذلك التلقين حادثا في حفظه لا يعرف به قديما ، واما من عرف به قديما في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ، ولا يؤمن أن يكون حديثه مما لقن)(1).
أما ابن حبان فلم يفصل في المسألة كما فعل الحميدي بل عد كل من يقبل التلقين من المجروحين الذين لا يحتج بهم لأنهم يكذبون من حيث لا يعلمون(2).
وصرح العلماء أن من كثر وهمه سقط حديثه حتى عن الاعتبار ، فقد جاء في سؤلات البرقاني للدار قطني قوله: (سألت أبا الحسن علي بن عمر عن الجراح أبي وكيع فقال ليس بشيء هو كثير الوهم قلت يعتبر به قال لا)(3).
ومما تجدر الإشارة إليه إن صاحب الأوهام لا يلزم أن يكون الوهم ملازماً له في سائر أحواله فقد يكون كثير الغلط إذا حدث عن حفظه ثبتا إذا حدث من كتابه فيقبل منه ويرد عليه بحسب غلطه وتثبته .
قال ابن حجر: (عبد الله بن صالح بن محمد الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه)(4).
__________
(1) -الكفاية 181 .
(2) -المجروحين/ابن حبان 1/57 .
(3) -سؤلات البرقاني للدار قطني/الدار قطني/ 20 .
(4) -تقريب التهذيب/ابن حجر 1/308 .(7/81)
وكثرة الأوهام هذه تنزل بصاحبها وان كان صدوقا في ذات نفسه ، بل قد تنزل من منزلة من يطلب السماع ممن عرف بكثرة أوهامه . فقد صرح الخطيب انه يكره للمحدث أن يطلب السماع ممن هو على هذه الشاكلة فقال: (إذا كان الراوي صحيح السماع غير انه متساهل في الرواية ، معروف بالغفلة فالسماع منه جائز غير انه مكروه)(1).
قال الحاكم: (أبو حذيفة موسى بن مسعود المهدي ، وان كان البخاري يحتج به فانه كثير الأوهام لا يحكم له على أبي عاصم النبيل ، ومحمد بن كثير واقرانهم ، بل يلزم الخطأ إذا خالفهم)(2).
المطلب الرابع
حكم رواية من غلبت عليه المخالفة
والمقصود بالمخالفة عند المحدثين: أن يخالف الراوي من هو أوثق منه ، أو جمعاً من الثقات . أما التفرد في الرواية فمعناها: أن ينفرد الراوي بالحديث فلا يشاركه في رواية ذلك الحديث(3).
__________
(1) -الجامع لأخلاق الراوي/الخطيب البغدادي 1/142 .
(2) -المستدرك على الصحيحين/الحاكم 1/87 .
(3) -نزهة النظر/ ابن حجر 36-37 .(7/82)
وقد نص أئمة الجرح والتعديل على أن المخالفة قادحة في ضبط الراوي ومانعة من قبول روايته . قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري: (أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء ، البدعة ، أو المخالفة ، أو الغلط ، أو جهالة الحال ، أو دعوى الانقطاع)(1).
وقال في موضع آخر: (الطعن أما أن يكون لكذب الراوي ، أو تهمته بذلك ، أو فحش غلطه أو غفلته عن الإتقان ، أو فسقه أو وهمه بأن يروى على سبيل التوهم ، أو مخالفته للثقات ، أو لجهالته أو لبدعته ، أو سوء حفظه)(2).
-واخرج الرامهرمزي بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي قال: قيل لشعبة متى يترك حديث الرجل ؟ قال : إذا روى عن المعروفين ما لم يعرفه المعروفون فاكثر وإذا اكثر الغلط وإذا اتهم بالكذب ، وإذا روى حديث غلط مجتمع عليه فلم يتهم نفسه فيترك طرح حديثه(3).
وليس كل من ثبتت عليه مخالفة للثقات نزعت الثقة منه وعد غير ضابط ، بل المعول عليه في ذلك هو المخالفة الغالبة .
__________
(1) -مقدمة فتح الباري/ 583 .
(2) -نخبة الفكر/ 203 / نهاية سبل السلام .
(3) -المحدث الفاصل/ الرامهزي / 410 .(7/83)
قال السيوطي (يعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات المتقنين الضابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم فان وافقهم في رواياتهم غالبا ولو في المعنى فضابط ، ولا تضر مخالفته النادرة لهم ، فان كثرت مخالفته لهم وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج به)(1).
والمخالفة أما أن تصدر عن ثقة حافظ أو عن رجل معروف بالغفلة وكثرة الأوهام وسوء الحفظ أو عن رجل متهم بالكذب ، فيخالف فيه الراوي ما هو محفوظ عند المحدثين . ولكل صنف من هذه المخالفات اثر يختلف عن غيره يتضح فيما يأتي:
إذا خالف الثقة غيره من الثقات فيسمى حديثه بـ (الشاذ).
وإذا خالف من هو متهم بالغفلة وسوء الحفظ وكثرة الأوهام غيره من الثقات فان حديثه هذا يسمى بـ (المنكر).
وان خالف من هو متهم بالكذب غيره فان حديثه يسمى بـ (المتروك)(2).
وسنتكلم على كل واحد من هذه الأنواع إن شاء الله تعالى:-
فإذا أنعمنا النظر في الشذوذ والنكارة وجدنا أن طريقهما شائك وانهما يتداخلان من جهات ويختلفان من جهات أخرى ، وقد قال السيوطي ان (تعريف الشاذ عسير ، ولعسره لم يفرده العلماء بالتصنيف)(3).
__________
(1) -تدريب الراوي 1/304 .
(2) -انظر ألفية السيوطي هامش/ 23 .
(3) -تدريب الراوي 1/81 .(7/84)
وللعلماء بصورة عامة خطان في تعريفهم للشاذ .
الأول:- مراعاة التفرد وحسب وهو ما تبناه الحاكم ومن وافقه فقد قال: (واما الشاذ فانه حديث ينفرد به ثقة من الثقات ، وليس للحديث اصل متابع لذلك الثقة)(1) بقطع النظر عن كون ما ينفرد به هذا الثقة مخالفاً للمروي أو موافقا له وقال أبو يعلى (والذي عليه حفاظ الحديث: الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة)(2).
والخط الثاني:- وهو ما عليه جمهور المحدثين وفيه يراعى التفرد والمخالفة في آن واحد حتى يكون الحديث شاذاً . قال أبو يعلى القزويني: (قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد ، ويرويه ثقة خلافه زائدا أو ناقصا)(3).
وقال ابن حجر: (الشاذ هو ما خالف الثقة فيه من هو ارجح منه)(4).
__________
(1) -معرفة علوم الحديث 119 .
(2) -الإرشاد/ أبو يعلى 1/176-177 .
(3) -الإرشاد/ أبو يعلى 1/176 .
(4) -مقدمة فتح الباري/ 585 .(7/85)
ولا شك إن مذهب الجمهور وهو ما عبرنا عنه بالخط الثاني اصح في تعريف الشاذ لأن مذهب الحاكم يلزم منه أن نحكم على طائفة كبيرة من الأحاديث الصحيحة بالشذوذ . ويكفي في ذلك أن نعلم ان حديث الأعمال بالنيات الذي جعله الإمام البخاري مفتاح كتابه (مختصر الجامع الصحيح) فأنه تفرد به عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفرد به عن عمر علقمه بن قيس وتفرد به عن علقمه محمد بن إبراهيم التيمي ، وتفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ثم شاع بعد ذلك)(1).
فإذا عرفنا حد الشذوذ واراء العلماء فيما يصح أن يسمى شاذا بقي أن نعرف ان كلام علماء الحديث الذي سنورده في الشذوذ ليس محمولاً عن إطلاقه وانما هو متجه إلى من غلب عليه الشذوذ اذ ليس من راو إلا وقد وقع في المخالفة النادرة بحسب الطبيعة البشرية .
يقول ابن حجر في أثناء كلامه على الشذوذ: (ومع ذلك فلا يخرج الرجل بذلك عن العدالة لانه ليس بمعصوم من الخطأ والوهم إلا إذا بين له خطؤه فاصر)(2).
فمن أقوال أئمة الحديث في الشذوذ واهله:
__________
(1) -اختصار علوم الحديث/ ابن كثير 61 .
(2) -لسان الميزان 1/17 .(7/86)
-اخرج الخطيب بسنده إلى شعبة بن الحجاج قوله (لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ)(1).
-وروي عن احمد بن حنبل انه قال: (شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها)(2).
وروى عن الإمام مالك بن انس انه قال: (شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس)(3). ...
وقد حذر الخطيب طالبي الحديث عن تتبع الشواذ والغرائب وعد ذلك انحرافاً عن منهج السلف فقال: (واكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور وسماع المنكر دون المعروف والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ في رويات المجروحين والضعفاء … وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم ونقصان علمهم وزهدهم في تعلمهم ، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والإعلام من أسلافنا الماضين)(4).
__________
(1) -الكفاية 171 .
(2) -الكفاية 172 .
(3) -أدب الإملاء/ السمعاني 58 .
(4) -الكفاية/ 172 .(7/87)
واما المنكر فهو ما يرويه الضعيف مخالفاً فيه غيره من الثقات(1)، وهو النوع الثاني من المخالفة التي يقع فيها بعض رواة الحديث ، وهي اشد من مخالفة الشذوذ لأنها مشتملة على نقيصتين . الأولى:- المخالفة والثانية:- ضعف الراوي.
والحديث إذا وصف بأنه منكر فانه يقابل المعروف ، لأنه لا يمكن أن يوصف بالنكارة إلا لأنه يقابل ضدها وهو المعروف . كذلك إذا وصف الحديث بالشذوذ فانه يقابل ضده وهو المحفوظ .
والعلماء متفقون على رد حديث من غلب عليه رواية المناكير فقد قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه وهو يتحدث عمن لم يخرج لهم في صحيحه: (وكذلك من الغالب على حديثه المنكر والغلط امسكنا أيضا عن حديثهم)(2).
وقد صنف ابن الصلاح المنكر إلى صنفين:-
الأول:- وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات ومثل له بحديث (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فخالف فيه مالك غيره من الثقات (في الإسناد) في قوله (عمر بن عثمان بضم العين) .
__________
(1) -انظر الفية السيوطي/ 23 .
(2) -مقدمة صحيح مسلم/ 7 .(7/88)
والثاني:- وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة ما يحتمل معه تفرده ، ومثل له بحديث (عائشة - رضي الله عنه - ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلوا التمر بالبلح) فان الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول: (عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق) تفرد به (أبو زكير) وهو شيخ صالح اخرج عنه (مسلم) في كتابه غير انه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده)(1).
وكلام ابن الصلاح مبني على عدم التمييز بين الشاذ والمنكر ، وعلى اعتبار التفرد وحده شذوذاً في الرواية . وقد صرح أن الشذوذ بمعنى النكارة حيث قال: (والمنكر ينقسم إلى قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه)(2).
وهذا بعيد لان ما خالف فيه الثقة غيره من الثقات لا يمكن أن تساوى مع ما خالف فيه الضعيف غيره من الثقات . وإلى هذا المعنى يشير السيوطي في ألفيته حينما قال:
المنكر الذي روى غير الثقة مخالفاً في نخبة قد حقفه
قابله المعروف والذي رأى ترادف المنكر والشاذ نأى(3)
أي وقد نأى وبعد عن الصواب من رأى المساواة بين الشاذ والمنكر وهو يعني ابن الصلاح .
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 180-181 .
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 180 .
(3) -ألفية السيوطي/ 23 .(7/89)
وكذلك أشار ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر حين قال: (وقد غفل من سوى بينهما)(1).
ومثال المنكر: ما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ ، عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أقام الصلاة واتى الزكاة وحج البيت وصام وقرى الضعيف دخل الجنة) قال أبو حاتم: هو منكر ، لان غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً وهو المعروف)(2).
أما المتروك من الحديث فهو ما رواه فرد متهم بالكذب سواء أخالف فيه غيره أم انه تفرد به وحسب . ولا يشترط أن يكون كذب الراوي في الحديث ، بل يكفي أن يعرف بالكذب في أحاديث الناس أو كان ظاهر الفسق أو شديد الغفلة أو كثير الوهم .
قال السيوطي:
منسم بالمتروك فرداً تصب راو له متهم بالكذب
عرفوه منه في غير الأثر أو فسق أو غفلة أو وهم كثر(3)
__________
(1) -شرح نخبة الفكر/ ابن حجر 14 .
(2) -شرح النخبة/ 14 .
(3) -ألفية السيوطي/ 23 .(7/90)
وهذا النوع من المخالفات اشدها عند المحدثين وأنكاها برواتها لان المحدث جمع على نفسه أمران عظيمان الأول المخالفة والثاني تهمة الكذب أو المجاهرة بالفسق أو شدة الغفلة أو كثرة الأوهام ، وهي مما يرد به حديثهم وان لم يكن مخالفاً لغيره مما رواه الثقات المثقفون فكيف إذا انضم إليه داء المخالفة .
ومن أمثلة الحديث المتروك حديث صدقة بن موسى الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر(1).
وحديث عمرو بن شحر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي(2).
__________
(1) -معرفة علوم الحديث/ الحاكم 57 .
(2) -المصدر السابق/ 56 .(7/91)
الفصل الرابع/ الضوابط المعتبرة في الجرح والتعديل
المبحث الأول/ الصفات المعتبرة في الجارح أو المعدل
المبحث الثاني/ الصفات المعتبرة في الجرح أو التعديل
المبحث الثالث/ ضوابط الترجيح بين الجرح والتعديل
عند التعارض
المبحث الأول
الصفات المعتبرة في الجارح أو المعدل
...
كما أن لناقلي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - شروطا يجب توفرها فيهم لكي يلاقى ما نقلوه بالقبول فإن لمن يتعرض لتزكية رواة الأخبار شروطا هي أشد من شروط أولئك لأهمية ما يصدرونه من أحكام. فإن الجارح أو المعدل حينما يصدر أحكامه على رواة الحديث وناقلي الأخبار إنما يصدر أحكامه في الحقيقة على الأثر المنقول فأما أن يحكم بثبوته ويتخذه الناس دينا أو أن يحكم بخلاف ذلك فيترك الناس ذلك الأثر.
... ولذا فإن عملية الجرح والتعديل إنما يقوم بها الجهابذة من علماء الأمة ومن أتصفوا بالديانة العميقة والتجرد التام عن الهوى وحظوظ النفس.(8/1)
... ويقول الإمام النووي في هذا المعنى: (ثم على الجارح تقوى الله تعالى في ذلك والتثبت فيه والخدر من التساهل بجرح سليم من الجرح أو نقص من لم يظهر نقصه، فإن مفسدة الجرح عظيمة فإنها غيبة مؤبدة مبطلة لأحاديثه مسقطة لسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورادة لحكم من أحكام الدين)(1).
... ولذا فمن الضرورة بمكان أن نلم بصفات الجارح المعتبر جرحه عند علماء الحديث لكي لا يظن ظان أن كل من تكلم في الرجال يستمع إلى كلامه، بل الأمر مقتصر على أهله وذويه ضمن القواعد المتبعة لعملية الجرح والتعديل.
ويمكن إجمال هذه الشروط فيما يأتي:
أولا: أن يكون الجارح أو المعدل متصفا بالعدالة(2):
... لأن جميع علماء الحديث متفقون على اشتراط العدالة بالنسبة لمن اشتغل بالحديث. ومعرفة العدالة وثبوتها بالنسبة إليهم-كما تحدثنا عنه في موضعه-يعتمد جلها على علماء الجرح والتعديل. فلا يمكن عقلا أن توكل مهمة التعديل أو التجرح لمن لا يتصف بالعدالة. إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه.
__________
(1) -شرح النووي على صحيح مسلم: 1/124.
(2) -ضوابط الجرح والتعديل/ عبد العزيز بن محمد/ 37.(8/2)
قال نظام الدين الأنصاري: (ولابد للمزكي أن يكون عدلا)(1).
... إن التعديل أو التجرح رتبة لا ينالها كل من اتصف بالعدالة بل هي قمة رفيعة أول لبناتها أن يكون عدلا ثم بعد ذلك ينظر في بقية الشروط الواجب توافرها.
ثانيا: أن يكون ورعا تقيا:
... لأن التقوى والورع يمنعان المسلم من التساهل في هذا الأمر الخطير ويعصمانه عن التعصب والهوى، ويحملانه على الإنصاف ومراقبة الله(2).
يقول الإمام اللكنوي: (ويشترط في الجارح والمعدل العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب)(3).
... ويجب على الجارح أن ينظر إلى نفسه بعين التجرد لكي يعلم دوافع أحكامه لأن كل إنسان أعلم بخويصة نفسه يقول الإمام اللكنوي: (فإن أنست من نفسك أيها (الجارح أو المعدل) فهما وصدقا ودينا وورعا، وإلا فلا تفعل وإن غلب عليك الهوى والعصبية للرأي أو المذهب فبالله لا تتعب)(4).
__________
(1) -فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت/ نظام الدين الأنصاري: 2/154.
(2) -دراسة في مصطلح الحديث/ إبراهيم النعمة/ 211.
(3) -الرفع والتكميل في الجرح والتعديل/ اللكنوي/ 52.
(4) -المصدر السابق/ 53.(8/3)
... ويقول ابن حجر ناقلا قول الإمام ابن دقيق العيد : (أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس الحكام والمحدثون )(1).
وقال كذلك (والكلام في الرجال يحتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى)(2).
ثالثا: أن يكون يقظا متثبتا:
... إذ ليس كل من كان ورعا تقيا جاز له أن يتكلم في الرجال جرحا وتعديلا بل يجب أن يكون-فوق عدالته وورعه وتقواه-يقظا متثبتا لا يخلط بين أحكامه ولا تشتبك عليه الأمور.
...
قال الذهبي في ميزانه: (وينبغي على المتصدي للنقد أن يكون ثبيتا)(3).
وقال ابن حجر في شرح النخبة: (وينبغي أن لا يقبل الجرح إلا من عدل متيقظ)(4)،
إذ إن قوام هذا الأمر قائم على الفهم الدقيق واليقظة التامة.
__________
(1) -لسان الميزان/ ابن حجر: 1/16.
(2) -عن كتاب (المتكلمون في الرجال)/ السخاوي/ هامش صفحة ق130 تحقيق د. عبد الفتاح أبو غدة.
(3) -ميزان الاعتدال/ الذهبي: 8/4.
(4) -شرح نخبة الفكر/ ابن حجر/ 137.(8/4)
... قال الإمام الذهبي (ولا سبيل إلى أن يصير العارف-الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم-جهبذا إلا بادمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والانصاف والتردد إلى العلماء والاتقان)(1).
رابعا: أن يكون عارفا بأسباب الجرح والتعديل:
... وهو من أهم الشروط التي ركز عليها علماؤنا الأجلاء لأن العوام من الناس يتبادر إلى أذهانهم أنه إذا استكمل الإنسان عدالته وتقواه وتثبته جاز له بعد ذلك أن يخوض غمار هذا العلم لكن علماء الحديث اشترطوا فوق ذلك أن يكون عالما بأسباب الجرح والتعديل إذ إن مسقطات العدالة لها حدود ثابتة يجب أن يلم بها المجرح. وكذلك ما يثبت عدالة الراوي يجب أن يكون معلوما له.
... قال الإمام النووي: (إنما يجوز الجرح لعارف به مقبول القول فيه، أما إذا لم يكن الجارح من أهل المعرفة أو لم يكن ممن يقبل قوله فيه فلا يجوز له الكلام في أحد من الناس فان تكلم كان كلامه غيبة محرمة)(2).
وقال كذلك: (والجرح لا يقبل إلا من عارف بأسبابه)(3).
__________
(1) -تذكرة الحفاظ/ الذهبي:1/4.
(2) -شرح النووي على مسلم: 1/124.
(3) -المصدر السابق: 1/125.(8/5)
... وقال الإمام تاج الدين السبكي: (من لا يكون عالما بأسبابهما-أي الجرح والتعديل-لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد)(1).
... لأن الجارح إذا لم يكن عالما بأسباب الجرح والتعديل فإنه لا يؤمن والحالة هذه أن يجرح بما ليس بجرح. وكذلك الحال بالنسبة للمعدل إذ جهله بذلك يمكن أن يجعله يصدر حكمه بتعديل من لايستحق العدالة لعوارض يراها يحسبها مما تثبت بها العدالة وهي في حقيقتها بخلاف ذلك.
... بقي أن نعرف أن الجرح والتعديل لا يشترط فيمن يقوم بهما أن يكون ذكرا أو حرا فقد أجازوا تعديل المرأة وتجريحها إذا استوفت الشروط الآنفة الذكر. وكذلك أجازوا تعديل العبد وتجريحه بعد أن تثبت له شروط المعدل والجارح التي تكلمنا عنها.
... والتأصيل الشرعي في هذه المسألة هو سؤال النبي- صلى الله عليه وسلم - بريرة في قصة الافك عن حال عائشة أم المؤمنين وجوابها له. ومعلوم أن بريرة، امرأة أمة، فلما سألها النبي- صلى الله عليه وسلم - دل ذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أسقط شرط الذكورة والحرية.
__________
(1) -جمع الجوامع/ تاج الدين السبكي: 2/12.(8/6)
... أخرج البخاري بسنده الى عائشة من قصة حديث الافك قولها ( فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال يا بريرة : هل رأيت منها شيئا يريبك؟ فقالت : لا والذي بعثك بالحق ان رأيت منها امرا اغمضه عليها قط اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله)(1)
... وأخرج الخطيب البغدادي قول القاضي أبي بكر بن الطيب: (أنه قال قائل: أفترون وجوب تعديل المرأة العارفة بما يجب أن يكون عليه العدل وما به يحصل الجرح قيل أجل ولا شيء يمنع من ذلك إجماع أو غيره فلو حصل على منعه توقيف إجماع أو إجماع لمنعناه وتركنا له القياس وإن كان أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم لا يقبل في التعديل النساء ولا يقبل فيه أقل من رجلين).
__________
(1) ـ صحيح البخاري / كتاب الشهادات / باب تعديل النساء بعضهن لبعض / رقم الحديث / 2467 ،وصحيح مسلم كتاب التوبة / رقم الحديث / 4974 ، وسنن ابي داود / كتاب النكاح/ رقم الحديث / 1826 ، وسنن ابن ماجة / كتاب الاحكام / رقم الحديث / 2338(8/7)
... أما تزكية الصبي المراهق والغلام الضابط لما يسمعه فلا أعلم أن أحدا أجاز جرحه وتعديله وسبب ذلك (أن الغلام وإن كانت حاله ضبط ما سمع والتعبير عنه على وجهه فإنه غير عارف بأحكام أفعال المكلفين وما به يكون العدل عدلا والفاسق فاسقا، وان يكمل لذلك المكلف، فلم يجز لذلك قبول تزكيته ولأنه لا تعبد عليه في تزكية الفاسق وتفسيق العدل فإن لم يكن لذلك خائفا من مأثم وعقاب لم يؤمن منه تفسيق العدل، وتعديل الفاسق. وليس في هذه حال المرأة والعبد فافترق الأمر فيها)(1).
__________
(1) -الكفاية/ 123.(8/8)
المبحث الثاني
الصفات المعتبرة في الجرح والتعديل
...
ولكي يكون الجرح أو التعديل معتبرا عند أئمة الحديث لابد له من أن يكون مستكملا للشروط التي وضعها أولئك الأئمة للجرح الصحيح أو التعديل المعتمد.
... ومن يعمل النظر في كتب المصطلح وكتب الرجال يستطيع أن يرى بوضوح أن هناك مسألتين بارزتين تحددان مناهج العلماء واتجاهاتهم في الشروط المعتمدة في قبول الجرح والتعديل.
وهاتان المسألتان هما:
مسألة التفسير والإبهام في الجرح والتعديل.
ومسألة اشتراط العدد أو عدم ثبوت ذلك في الجرح أو التعديل.
وهناك مسألة أخرى سنؤخر الكلام عليها في مبحث مستقل لأهميتها وهي مسألة الضوابط المعتبرة في الموازنة بين الجارحين والمعدلين عند تعارض أحكامهم في راو واحد.
وسنتكلم على هذه المسائل تباعا إن شاء الله تعالى ونحن مستشعرون صعوبة المسلك الذي ولجه أئمتنا الأفاضل إذ الأمر كما يقول إمامنا القشيري (ابن دقيق العيد ) : (أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من المسلمين المحدثون والحكام)(1).
المسألة الأولى: الجرح والتعديل بين الإبهام والتفسير:
__________
(1) -لسان الميزان/ ابن حجر: 1/16.(9/1)
... والمقصود بالإبهام هو أن يطلق الجارح أو المعدل حكمه على راوي الحديث من دون أن يوضح سبب حكمه فيقول مثلا فلان ضعيف أو متروك الحديث من دون يتبع هذا الحكم بأي تفسير. وكذلك الحال في التعديل فيقول فلان ثقة، أصالح الحديث أو… الخ.
... أما التفسير فهو أن يوضح المعدل أو الجارح سبب حكمه فمثلا يقول فلان ساقط العدالة لأني رأيته يشرب الخمر. أو أن يقول فلان ثقة لأني صحبته فلم أجده يقارف إثما.
وقد أختلف العلماء في وجوب التفسير في الجرح والتعديل على مذاهب نجملها فيما يلي:
1.ذهب جمهور العلماء إلى أن الجرح لا يقبل إلا مفسرا أما التعديل فيقبل مبهما أي من دون ذكر سببه.
قال ابن الصلاح: (والتعديل مقبول من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور)(1). وقال في الجرح: (وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسرا مبين السبب)(2).
والسبب في ذلك أن أسباب التعديل كثيرة جدا يثقل ذكرها، فلو كان واجبا على المعدل أن يذكر السبب للزمه أن يقول كان (يفعل كذا وكذا عادا ما يجب على المعدل فعله ويترك كذا وكذا عادا ما يجب على المعدل تركه)(3).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 220، تدريب الراوي: 1/305.
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 221.
(3) -فتح المغيث/ السخاوي:1/299.(9/2)
أما الجرح فالسبب في وجوب تفسيره أن الناس مختلفون في موجب الجرح (فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر)(1).
2.وذهب فريق من العلماء إلى أن الجرح يقبل مبهما ولا يقبل التعديل إلا مفسرا(2).
... وحجتهم في ذلك، أن الجرح اوالتعديل إنما يؤخذ من إمام عارف بأسباب الجرح والتعديل. فلا يحتاج معه إلى ذكر سبب ذلك. أما التعديل فلأن أسبابه كثيرة يكثر فيها التصنع والتظاهر، فربما سارع المعدل إلى إطلاق حكمه اغترارا بظاهر الحال(3).
3.ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وآخرون إلى عدم اشتراط التفسير لا في الجرح ولا في التعديل(4)، ومبنى حكم هؤلاء على أن المعدل والجارح بعد ثبوت عدالته وعمق ديانته فإنه إنما يخبر عن حال ذلك الراوي وقبول خبر العدل متفق عليه.
4.وذهب آخرون إلى عدم قبولهما إلا مفسرين(5)، والسبب في ذلك هو اختلاف الناس في موجبات الجرح وموجبات التعديل. فمن اختلافهم في موجبات الجرح:
__________
(1) -تدريب الراوي/ السيوطي: 1/305.
(2) -فتح المغيث:1/301.
(3) -المصدر السابق: 1/301.
(4) -النووي على مسلم: 1/125، ومحاسن الإصلاح للبلقيني/ 221، وفتح المغيث/ السخاوي: 1/301.
(5) -فتح المغيث: 1/302.(9/3)
... ما أخرجه الخطيب عن أبي جعفر المدائني قال: (قيل لشعبة لم تركت حديث فلان قال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه)(1)، فجرحه شعبة بما هو ليس بجرح.
ومثال اختلافهم في موجبات التعديل:
... ما أخرجه الفسوي يعقوب بن سفيان قال: (سمعت إنسانا يقول لأحمد بن يونس (عبد الله العمري ضعيف) قال: إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه لو رأيت لحيته وخضابه وهيئته لعرفت أنه ثقة)(2)، فعدله أحمد بن يونس بالنظر إلى لحيته وخضابه وهيئته وهو ما لا يعدل به العلماء.
__________
(1) -الكفاية/ 138.
(2) -المعرفة والتأريخ/ يعقوب بن سفيان الفسوي: 2/665.(9/4)
5.ذهب ابن عبد البر إلى عدم قبول الجرح في حق من ثبتت عدالته-على طريقته في ثبوت العدالة وهي رواية أهل العلم عنه وحملهم حديثه-حتى يثبت ذلك عليه بأمر لا يجهل أن يكون جرحه، حيث قال: (فأما قولهم فلان كذاب فليس ذلك مما يثبت به جرح حتى يتبين ما قاله.. قال أبو عمر (عن نفسه) جماعة الفقهاء وأئمة الحديث الذين لهم بصر بالفقه والنظر هذا قولهم… وأنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره فيمن اشتهر بالعلم وعرف به وصحت عدالته وفهمه ألا أن يتبين الوجه الذي جرحه به على حسب ما يجوز من تجريح العدل المبرز العدالة في الشهادات، وهذا الذي لا يصح أن يعتقد غيره ولا يحل أن يلتفت إلى ما خالفه(1).
... وهذا مبني على مذهبه في أن الرواية عن المحدثين من قبل العدول تعديل لهم كما تكلمنا عنه في المبحث الخاص عما تثبت به العدالة.
6.ذهب الإمام أحمد وابن تيمية وابن حجر إلى أن الجرح يجب أن يكون مفسرا إذا كان صادرا بحق من ثبتت عدالته ولا يلزم ذلك في حق من لم تثبت له العدالة.
__________
(1) -التمهيد/ ابن عبد البر: 2/34.(9/5)
... فقد أخرج ابن حجر قول الإمام أحمد (كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه)(1).
... ونقل السيوطي رأي شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (وأختار شيخ الإسلام تفصيلا حسنا؛ فإن كان من جرح جملة قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان إلا مفسرا لأنه قد ثبتت له رتبة العدالة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي، وهم أيقظ الناس فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح. وإن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف لأنه إذا لم يعدل فهو في حيز المجهول وأعمال قول المجرح فيه أولى من إهماله)(2).
... أما ابن حجر فقد صرح عن رأيه هذا بقوله: (ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن)(3).
... ثم ضرب أمثلة على ما يعده من الأمور التي لا تسقط عدالة من وثقه أئمة الجرح والتعديل.
__________
(1) -تهذيب التهذيب: 7/273
(2) -تدريب الراوي: 1/308.
(3) -مقدمة فتح الباري/ 429.(9/6)
... فقد جاء في ترجمته للمنهال قوله: (وقد احتج به جماعة إلا أن عمر بن أبي شيبة حكى عن أبي نعيم أنه قال: ما كان بأهل لأن أحدث عنه، وهذا الجرح مردود بل ليس بجرح ظاهر)(1).
... ثم بعد ذلك أوضح الأمر الذي جرح به المنهال عند من جرحه فقال: (روى ابن أبي خيثمة بسند له عن المغيرة بن مقسم أنه كان ينهى الأعمش عن الرواية عن المنهال وانه قال ليزيد بن أبي زياد: نشدتك الله هل كانت تجوز شهادة المنهال على درهمين؟ فقال اللهم لا. قلت وهذه الحكاية لا تصح، لأن راويها محمد بن عمر الحنيفي لا يعرف، ولو صحت فإنما كره منه المغيرة ما كره شعبة من القراءة بالتطريب، لأن جريرا حكى عن المغيرة أنه قال كان المنهال حسن الصوت وكان له لحن وزن سبعة. وبهذا لا يجرح الثقة)(2).
7.وذهب الخطيب ومن معه إلى قبول الجرح مبهما من العارف وعدم قبوله من العامي إلا مفسرا.
__________
(1) -المصدر السابق/ 451.
(2) -مقدمة فتح الباري/ 451.(9/7)
... قال الخطيب: (والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما… لأننا متى استفسرنا الجارح لغيره فإنما يجب علينا بسوء الظن والاتهام له بالجهل بما يصير به المجروح مجروحا… فأما إذا كان الجارح عاميا وجب لا محالة استفساره)(1).
... وذكر المنذري رأي هؤلاء بقوله: (ومنهم من قال لا يستفسر الجارح إلا إذا كان عاميا لا يعرف الجرح فأما إذا كان الجارح عالما فلا يستفسر)(2).
المسألة الثانية: مسألة اشتراط العدد أو عدم ذلك في الجرح والتعديل:
... ومن المسائل التي اختلف فيها علماء الحديث مسألة اشتراط العدد في الجرح والتعديل بمعنى؛ هل يشترط في الجرح حتى يكون معتبرا ونافذا أن يكون صادرا عن أكثر من واحد؟! أم يكتفى في ذلك بصدوره عن واحد فذ، ومثل هذا أيضا في يقال في التعديل.
وكان اختلاف علماء الحديث في هذه المسألة على فريقين:
__________
(1) -الكفاية/ 135.
(2) -رسالة في الجرح والتعديل/ المنذري/ 40.(9/8)
الفريق الأول: قالوا لا يثبت الجرح أو التعديل إلا باثنين فصاعدا كما في الشهادات. لأن الجرح أو التعديل بمعنى الشهادة وبما أن الشهادة قد حدها الله تبارك وتعالى برجلين أو رجل وامرأتين فلا تثبت بغير ذلك فكذلك الجرح أو التعديل لا يثبتان إلا بما تثبت به الشهادة.
قال ابن الصلاح (فمنهم من قال لا يثبت ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات)(1).
الفريق الثاني: قالوا يكفي الواحد في ثبوت الجرح أو التعديل ومبنى حكم هؤلاء على التفريق بين هذا وبين الشهادات فقد حملوا الجرح والتعديل على محمل الخبر. والخبر يقبل من الواحد أن كان ثقة.
... قال النووي: (وهل يشترط في الجارح أو المعدل العدد؟ فيه خلاف للعلماء والصحيح أنه لا يشترط بل يصير مجروحا أو عدلا بقول واحد لأنه من باب الخبر فيقبل فيه الواحد)(2).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 223.
(2) -شرح النووي على مسلم: 1/125.(9/9)
... وبهذا قال جمهور العلماء من المحدثين. قال ابن الصلاح: ( ومنهم من قال: وهو الصحيح الذي أختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره أنه يثبت بواحد، لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات)(1).
... ونص ابن حجر على ذلك فقال: (ويكفي الفذ الأوحد في الجرح والتعديل لأنه لم يشترط في الخبر)(2).
... وقال السيوطي: (والصحيح أن الجرح ثبوالتعديل يثبتان بواحد، وقيل لابد من اثنين)(3).
... وعلى هذا الخلاف فإن من رأى أن الجرح لا يثبت إلا باثنين فإنه لا يكون مجروحا عنده بجرح واحد من أهل الجرح والتعديل. لأنه ليس بجرح معتمد عنده. وكذلك لا يكون معدلا عند هؤلاء من قال بتعديله واحد من أئمة الجرح والتعديل. وكل هذا مرده إلى الحيطة والحذر الشديد في رواية الأخبار لأنها صنو القرآن وبيانه.
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 223.
(2) -ميزان الاعتدال: 8/5.
(3) -تدريب الراوي: 1/308.(9/10)
المبحث الثالث
ضوابط الترجيح بين الجرح والتعديل
عند التعارض
...
من المسائل التي شغلت بال المشتغلين بالحديث ومصطلحه تنازع الجارحين والمعدلين في الراوي الواحد. فيجتمع فيه جرح الجارحين وتعديل المعدلين، وقد تكلم علماؤنا في مثل هذا فقالوا: (إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم، لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل)(1).
... لكن الأمر لا يستتب بهذه السهولة لأنا لو أسقطنا كل من اجتمع فيه جرح وتعديل لما بقي من يحتج بحديثه إذ ما من راو إلا وتكلم فيه بعض من تكلم بحق أو بغير حق. لذا فإن أئمة الحديث وضعوا منهجا للترجيح بين الروايات المتعارضة في الرجال. ووضعوا شروطا وتفاصيل توضح الإجمال الذي ذكروه من تقديم الجرح على التعديل.
... وفي مبحثنا هذا سنحاول إن شاء الله أن نجمع كل ما أمكننا من وسائل الترجيح بين الجرح والتعديل إذا اجتمعا في راو واحد. لكي نكون على بينة من عمق وأصالة هذا المنهج الإسلامي الرفيع في الجرح والتعديل وسنضرب لكل وسيلة بمثل يوضح ما نرمي إليه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
الضابط الأول: اعتبار منهج ذلك الإمام إلى غيره من الأئمة.
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 224.(10/1)
... ونعني بهذا أن الأئمة في الجرح والتعديل ليسوا جميعا على وتيرة واحدة في جرحهم وتعديلهم بل فيهم المتشددون والمتساهلون والمقتصدون. فإذا ما اجتمع في راو من رواة الحديث جرح وتعديل فإن الأمانة والعدل يحتمان علينا أن ننظر هل وقع التجريح من متشدد أم من متساهل أم من مقتصد؟ فإذا وثق المتشدد فإن لتوثيقه قوة باعتبار منهج التشدد الذي كان عليه إمام الجرح والتعديل.
... وإذا جرح المعروف بالتساهل فإن جرحه يكون شديدا وهكذا. والعكس صحيح.
وقد قسم الذهبي المتكلمين في الرجال إلى ثلاثة أقسام:
الأول: قسم متنعت في التوثيق متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث فهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلا فأنظر هل وافقه غيره على تضعيفه فإن وافقه ولم يوثق ذلك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا لا يقبل الجرح إلا مفسرا، يعني لا يكفي فيه قول ابن معين مثلا هو ضعيف ولم يبين سبب ضعفه، ثم يحكي البخاري وغيره توثيقه، ومن هذه الطبقة (أبو حاتم، وابن ابي حاتم، والنسائي، وشعبة، وابن القطان، وابن معين).(10/2)
الثاني:قسم متسمح: ويرجع تساهله إلى مذهبه في الجرح، واعتبار بعض الأوصاف على خلاف غيره، أو عدم اعتباره كتعديل المستور ونحوه، ومن هذه الطبقة (الترمذي، والبغوي، والصفار، والأصم وغيرهم من المشهورين).
الثالث: قسم معتدل: يتحرى ولا يتشدد وهو واسع التحري ومن هذا القسم( أحمد بن حنبل والدارقطني)(1).
... وقد تكلم اللكنوي في الأمور التي تمنع من قبول جرح الجارحين فقال: (ومنها أن يكون الجارح من المتعنتين المتشددين فإن هناك جمعا من أئمة الجرح والتعديل لهم تشدد في هذا الباب، فيجرحون الراوي في أدنى جرح ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أولي الألباب فمثل هذا الجارح تعديله معتبر وتجريحه لا يعتبر إلا إذا وافقه غيره ممن ينصف ويعتبر)(2).
__________
(1) -المتكلمون في الرجال/ السخاوي ، نقلا عن المختصر في علوم الأثر لعبد الوهاب عبد اللطيف/ 61-62.
(2) -الرفع والتكميل/ اللكنوي.(10/3)
... قال الذهبي وهو يتحدث عن أبي حاتم وهو من المتشددين: (إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث، وإذا لين رجلا أو قال فيه لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنه متعنت في الرجال)(1).
... ومن أمثلة ذلك ما جاء في ترجمة عباد بن عباد المهلبي قال فيه الذهبي: (وثقوه وحديثه في الكتب وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت أبو حاتم متعنت في الرجل)(2).
... ومن أمثلة ما وقع من التعارض في الراوي الواحد وكان منشؤه تعنت الجارحين أيضا ما أخرجه الذهبي في ميزانه في ترجمة (سويد بن عمرو الكلبي) بعد ما نقل توثيقه عن ابن معين وغيره فقال: (أما ابن حبان فأسرف واجترأ فقال كان يقلب الأسانيد ويضع على الأسانيد الصحيحة المتون الواهية)(3).
... فالذهبي هنا لم ينظر إلى تجريح ابن حبان له ولم يعمل القاعدة التي تقول أن الجرح مقدم على التعديل عند التعارض. بل قدم التعديل على الجرح لما علم من تشدد ابن حبان في الترجيح.
__________
(1) -سير إعلام النبلاء: 13/260.
(2) -الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب رد/ الذهبي/ 112.
(3) -ميزان الاعتدال/ الذهبي: 1/397.(10/4)
... وقال الذهبي في ترجمة أفلح بن سعيد القبائي: (أخرج له مسلم والنسائي عن محمد بن كعب، صدوق، بالغ ابن حبان في الحط عليه)(1).
وكذلك فعل ابن حجر. ففي ترجمة إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي فبعد أن نقل أقوال المعدلين فيه قال: (بالغ النسائي في الحط عليه إلى أن يؤدي إلى تركه)(2).
... مع أن حديث إسماعيل هذا موجود في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة.
... ... وكان المجرحون أنفسهم يعلمون هذا التفاوت بينهم في الشدة والتساهل فهذا النسائي يتكلم عن منهجه في قبول الرجال وردهم.
... (لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركة فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان فلا يترك لما عرف من تشديد يحيى أو من هو مثله في النقل)(3).
وكذلك الحال مع المتساهلين، فإذا جاء التوثيق منهم فإنه ينظر هل وافقهم أحد من الأئمة الآخرين أم لا؟ فإن كانوا مع الغالبية أخذ برأيهم وأن انفردوا بالتوثيق رد عليهم توثيقهم.
__________
(1) -من تكلم فيه وهو ثقة/ الذهبي/ 50.
(2) -تهذيب التهذيب/ ابن حجر: 1/271.
(3) -زهر الربى على المجتبى/ السيوطي: 1/3.(10/5)
فمن أمثلة المتساهلين في التوثيق ابن حبان في توثيقة للمجاهيل على قاعدته في أن (العدل هو من لم يعرف فيه الجرح)(1) على الرغم من تشدده في الجرح والعجلي في تساهله مع الضعفاء.
وفي مقدمة كتاب معرفة الثقات للعجلي عقد محقق الكتاب عبد العليم السبتوني موازنة بين توثيق العجلي وتوثيق ابن حبان فقال: (تبين لي بعد دراسة كثير من الرواة إن الإمام العجلي كثيرا ما يتفق مع ابن حبان في توثيق أناس ذكرهم أبو حاتم وغيره في المجاهيل أو سكتوا عليهم ويجزم العجلي بتوثيقهم ولكنه يختلف عن ابن حبان في أن ابن حبان يتشدد أو يتعنت في الجرح بخلاف العجلي فإنه يتسامح مع الضعفاء أيضا فيعطيهم مرتبة أعلى مما هم فيه من النقاد الآخرين)(2).
وأما المعدلون المنصفون فإنه يعتمد على توثيقهم أو تجريحهم في الحكم على الرواة ما لم يعارض ذلك الحكم بجرح مفسر خال من التعنت والتشدد فإنه حينئذ يقدم على التوثيق.
الضابط الثاني: اعتبار اختلاف العقيدة والمذهب بين الجارح والمجروح:
__________
(1) -لسان الميزان/ ابن حجر: 1/14.
(2) -تحقيق كتاب معرفة الثقات/ عبد العليم السبتوني: 1/125-126.(10/6)
... ومن الأمور المهمة التي يجب مراعاتها عند الموازنة بين الجرح والتعديل عند التعارض مسألة اختلاف العقيدة والمذهب بين الجارح والمجروح. إذ كثيرا ما ينطلق الناس في توثيقهم وتجريحهم من عقائدهم ومذاهبهم فلا يرون صوابا ولا عدالة فيمن كان على عقيدة أو مذهب يخالف ما هم عليه.
... وهذا أمر في غاية الأهمية والخطورة لأن الحكم يجب أن يتجه إلى أمرين لا ثالث لهما-العدالة والضبط-وقد سبق الكلام عليهما. فمن كان عدلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة ضابطا لما يروي عالما بما يحيل معاني الألفاظ يجب أن يقبل حديثه بقطع النظر عن مذهبه ومعتقده في الأمور الفرعية التي لا تخرج من الملة.
... وكذلك الحال فيمن كان معه على توافق تام في العقيدة أو المذهب فإنه قد يتساهل في تعديله ويرفعه فوق ما يستحق بسبب هذا التوافق، قال الذهبي: (قد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك)(1).
__________
(1) -الموقظة في مصطلح الحديث/ الذهبي/ 84.(10/7)
... قال الحافظ ابن حجر: (ومما ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي اسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها في التشبع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلق وعبارة طلقة، حتى أخذ يلين مثل الأعمش، وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث وأركان الرواية.
... فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه فوثق رجلا ضعفه قبل التوثيق، ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ المحدث، فإنه من غلاة الشيعة بل نسب إلى الرفض فيتأنى في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد)(1).
... ومن هذا القبيل تحامل أهل الحديث على أهل الرأي، فإنه يجب أن يتوقف فيه ويتأنى في قبوله.
__________
(1) -لسان الميزان: 1/16.(10/8)
... قال الحافظ ابن حجر في ترجمة نعيم بن حماد: (إنه كان شديدا على أهل الرأي)(1). وقال الذهبي في ترجمة عبد المؤمن بن خلف (أبو يعلى النسفي) (… وكان من علماء الظاهرية أخذ الكتب من محمد بن داود الظاهري وكان شديد الحب للآثار محطا على أهل القياس)(2). وكذلك مع المحدثين والأشاعرة فاستمع إلى تاج الدين السبكي وهو يتحدث عن الذهبي بقوله: هذا شيخنا الذهبي له علم وديانة وعنده على أهل السنة تحمل مفرط فلا يجوز أن يعتمد عليه وهو شيخنا ومعلمنا غير أن الحق أحق بالاتباع… فإن غالبهم أشاعرة، وهو إذا وقع بالأشعري لا يبقي ولا يذر(3).
__________
(1) -تهذيب التهذيب: 10/ 460.
(2) -تذكرة الحفاظ/ الذهبي: 3/866.
(3) -طبقات الشافعية/ السبكي: 1/190.(10/9)
... ويقول الإمام السبكي في موضوع آخر: (ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك، وإليه أشار الرافعي بقوله: (وينبغي أن يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفا من أن يحملهم ذلك إلى جرح عدل، أو تزكية فاسق، وقد وقع الكثير من الأئمة جرحوا بناء على معتقدهم، وهم المخطئون والمجروح مصيب)(1).
... فمن الأحكام التي تأثرت بعقيدة مصدرها (قول بعضهم في البخاري، تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ(2)(3).
__________
(1) -قاعدة في الجرح والتعديل/ السبكي/ 12.
(2) -يعني القول أن التلفظ بالقرآن مخلوق، وليس قديما.
(3) -المصدر السابق/ 13.(10/10)
... ومن هذه الأحكام أيضا قول الطوسي فيما نقله عنه الغريفي بقوله: (ومما يدل أيضا على صحة ما ذهبنا إليه أنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد عليه في حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب وفلان مخلط وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد وفلان واقفي، وفلان فطمي وغير ذلك من الطعون التي ذكروها)(1).
... فاختلاف العقيدة أصبح مطعنا عند بعض العلماء الذين لم يستطيعوا أن ينجردوا عن أهوائهم وعند بعض الفرق كذلك.
... لأجل هذا كله اشترط كثير من العلماء لقبول الجرح أن يكون مفسرا أي أن يقدم الجارح دليلا على جرحه لذلك المجروح ليعلم الباعث الحقيقي لذلك الجرح.
__________
(1) -قواعد الحديث/ الغريفي/ 21.(10/11)
... يقول الشافعي: (ولا نقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به الجارح المجروح فإن الناس قد يجرحون بالاختلاف والأهواء ويكفر بعضهم بعضا ويضلل بعضهم بعضا، ويجرحون بالتأويل، فلا يقبل الجرح إلا بنص ما يرى هو مثله بجرح سواء أكان الجارح فقيها أو غير فقيه لما وصفت من التأويل)(1).
الضابط الثالث: اعتبار المنافسة بين الأقران:
... إذ كثيرا ما تقع مشادات كلامية بين الأقران والمتعاصرين، وهم على درجة من العدالة والوثاقة عندها لا يصلح أن يكون مثل هذا الكلام أساسا للطعن فيهم.
... يقول الإمام الذهبي فيما نقله عنه القاسمي: (وكلام الأقران في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى، ويطرح ولا يجعل طعنا، ويعامل الرجل بالعدل والقسط)(2).
... وقال ايضا: (كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد وما ينجو منه إلا من عصمه الله)(3).
__________
(1) -الأم/ الشافعي/ 7/53، 7/124.
(2) -قواعد التحديث/جمال الدين القاسمي/ 189، وأنظر ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق/ الذهبي/ 46.
(3) -ميزان الاعتدال 1/251.(10/12)
قال ابن حجر: (كثيرا ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا وغيره وكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويتأمل)(1).
... ... ومن أمثلة هذه الطعون ما أورده الذهبي في ترجمته لأبي نعيم الأصبهاني بقوله: (ولأبي عبد الله بن مندة حط على أبي نعيم من قبل المذهب كما للآخر حط عليه فلا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك الواقع الذي بينهما)(2).
... وفي طبقات الحفاظ للسيوطي: (قال الذهبي لا يقبل قوله (أي قول أبي نعيم) فيه (أي في أبي منده) كما لا يقبل قول أبي منده في أبي نعيم للعداوة المشهورة بينهما)(3).
الضابط الرابع: اعتبار ما هو شائع ومشهور عن المعدل أو المجروح:
... ومن المسائل التي يجب أخذها بنظر الاعتبار الشهرة والذيوع جرحا أو تعديلا. فلا يلتفت إلى جرح من استفاضت عدالته واستطالت عدالته لأن الجرح في مثل هذا شذوذ عن المحفوظ، والشاذ لا يقوى على رد المحفوظ مطلقا.
__________
(1) -لسان الميزان: 1/16.
(2) -تذكرة الحفاظ/ الذهبي: 3/1097.
(3) -طبقات الحفاظ/ السيوطي: 1/409.(10/13)
... (ولذلك لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في الإمام مالك، ولا إلى كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري، لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله)(1).
... وقد قال ابن الصلاح عن أحمد بن صالح : (حافظ إمام ثقة لا يعلق به جرح أخرج عنه البخاري في صحيحه)(2).
... وقال عنه ابن عدي: (أحمد بن صالح من جلة الناس ولولا إني شرطت في كتابي إن أذكر من تكلم فيه لكنت أجل أحمد أن أذكره)(3). ومع هذا فقد تكلم فيه لكن لا يسمع له لاستفاضة عدالته واشتهار ضبطه .
__________
(1) -طبقات الشافعية/ السبكي: 2/12.
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 591.
(3) -محاسن الإصلاح/ البلقيني/ 193.(10/14)
... ومن ذلك أيضا كلام ابن معين في الإمام الشافعي، قال الذهبي: (قد أذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلتفت الناس إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الاثبات. كما لم يلتفتوا إلى توثيقه لبعض الناس فإنا نقبل قوله دائما في الجرح والتعديل ونقدمه على كثير من الحفاظ ما لم يخالف الجمهور في اجتهاده، فإذا انفرد بتوثيق من لينه الجمهور أو بتضعيف من وثقه الجمهور وقبلوه فالحكم لعموم أقوال الأئمة لا لمن شذ)(1).
... وكلام الذهبي هذا ينطبق بصورة عامة على كل أحكام أهل الجرح والتعديل وليس مقتصرا على أحكام ابن معين. فبهذا الاعتبار نفسه أعرض المحدثون عن توثيق الشافعي لإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي(2). إذ الجمهور على تضعيفه.
الضابط الخامس: اعتبار صحة صدور الجرح عن الجارح من عدمه:
__________
(1) -ذكر أسماء من تكلم فيه وهو ثقة/ الذهبي/ 49.
(2) -ميزان الاعتدال: 1/ 57.(10/15)
... ومن الأمور التي يجب مراعاتها عند التعارض بين الجرح والتعديل، النظر في صحة صدور الجرح عن الجارح إذ ليس كل ما وصل إلينا من جراحات ثابتة الصدور عمن نسبت إليهم، فقد يكون الجرح منقولا عن طريق أناس مجرحين وبالتالي فلا يسلم لهم في تجريح من جرحوه. وكذلك الحال في التعديل إذ ليس كل من عدل لنا قبل بل يجب النظر في الرواية التي نقلت إلينا هذا التعديل فربما كان فيها من يكون سببا في رد تلك الرواية.
... فمن ذلك ما نقل عن ابن عمر إنه قال: (لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس) وقد علق ابن حجر على هذه المسألة فقال: (فقول ابن عمر لم يثبت عنه لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر يقول ذلك، ويحيى البكاء متروك الحديث، قال ابن حبان: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح)(1).
... وفي أثناء كلام ابن حجر على عبد الله ابن بريدة قال: (لم يثبت أن أحمد ضعفه وإنما تكلم فيه للإرسال)(2).
... وقال في موضع آخر (عثمان بن عمر بن فارس لم يثبت عن القطان أنه تركه)(3).
__________
(1) -مقدمة فتح الباري/ 427.
(2) -المصدر السابق/ 462.
(3) -المصدر السابق/ 463.(10/16)
... وفي تأريخ بغداد يرد الخطيب ما نسب إلى ابن الباغندي من التصحيف فيقول: (لم يثبت من أمر ابن الباغندي ما يعاب به سوى التدليس ورأيت كافة شيوخنا يحتجون به)(1).
... وقد جرح قتادة بن دعامة السدوسي بأنه كان يقول بالقدر: يقول عنه ابن حجر (أحد الإثبات المشهورين كان يضرب به المثل في الحفظ إلا إنه كان ربما دلس وقال ابن معين رمي بالقدر، وذكر ذلك عنه جماعة، أما أبو داود فقال: لم يثبت عندنا عن قتادة القول بالقدر)(2).
... ومثال ما نقل من التعديل برواية من لا يحتج به ما رواه عبد العزيز البغوي عن سليمان بن أحمد قال: (سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت شاميا أثبت من فرج بن فضالة).
... قال ابن حجر: (لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي لأنها من رواية سليمان بن أحمد-وهو الواسطي-وهو كذاب)(3).
الضابط السادس: اعتبار صحة الجرح في حق المجروح من عدم ذلك:
__________
(1) -تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 3/213.
(2) -مقدمة فتح الباري/ 436.
(3) -تهذيب التهذيب: 8/262.(10/17)
... ومما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار ما إذا كان الجرح صحيحا ثابتا في حق المجروح. فكم من جرح ألصق بأناس هم منه براء ولكنهم جرحوا خطأ أو توهما. وفي سبيل دفع احتمالية الوقوع بمثل هذا المحذور يجب على طلاب الحقيقة والإنصاف أن يطلعوا على جميع ما قيل في ذلك الراوي لكي يستطيعوا أن يقتربوا من الحقيقة أكثر وأكثر.
... فمثال ما جرح به الراوي على سبيل التوهم ما ذكره ابن حجر في ترجمة هارون الغنوي بقوله:
... (وأما قول المؤلف وهاه شعبة فيما قيل، فأجاد في تمريض هذا القول ولا أصل لذلك عن شعبة وإنما قال ابن الجوزي في الضعفاء له قال شعبة: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون الغنوي كذا نقل ابن الجوزي وهذا خطأ نشأ عن تصحيف وإنما هو أبو هارون العبدي، وهو عمارة بن جوين مجمع على ضعفه، وقد نقل ابن الجوزي هذا القول عن شعبة في ترجمة أبي هارون العبدي أيضا وهو الصحيح)(1).
فأنظر كيف كان التوهم سببا في سحب الثقة عن رجل هو من أهل العدالة والرضى.
__________
(1) -لسان الميزان: 1/83.(10/18)
ومنه ايضا ما أورده الحافظ الذهبي في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة اليحصبي فقال: (صدوق، أخطأ ابن حبان بذكره في الضعفاء، وعمدته أن البخاري قال: (تركناه) كذا نقل فوهم على البخاري إنما قال البخاري: (تركناه حيا سنة اثني عشرة ومائتين)(1).
... وتكلم عليه ابن حجر في مقدمته لفتح الباري فقال: (وقال ابن حبان في كتاب الثقات (كان متقنا) ثم غفل غفلة شديدة فذكره في الضعفاء وروى عن البخاري أنه قال: (تركناه) وهذا خطأ من ابن حبان نشأ عن حذف وذلك أن البخاري إنما قال في تأريخه: (تركناه حيا سنة اثني عشرة-يعني ومائتين-فسقط من نسخة ابن حبان لفظة (حيا) فتغير المعنى)(2).
... واما ما جرح به الراوي بسبب خطأ في الحكم على ذلك الراوي فمثاله ما رواه الذهبي في ترجمته لعبد الله بن بكير خمق فقال:
__________
(1) -ميزان الاعتدال: 1/318.
(2) -مقدمة فتح الباري/ 393.(10/19)
... (الإمام المحدث الحافظ الصدوق أبو زكريا القرشي المخزومي مولاهم البصري،… كان غزير العلم عارفا بالحديث وإمام الناس بصيرا بالفتوى صادقا دينا وما أدري ما لاح للنسائي منه حتى ضعفه وقال مرة ليس بثقة وهو جرح مردود فقد احتج به الشيخان، وما علمت له حديثا منكرا)(1).
... وكذلك الحال مع عبد الله بن عصمة فقد ذكره ابن حجر في تلخيص الحبير وفند ما جرح به لأنه جرح غير صحيح بل مردود على من جرح به فقال: (وزعم عبد الحق أن عبد الله بن عصمة ضعيف جدا ولم يتعقبه ابن القطان، بل نقل عن ابن حزم أنه قال: هو مجهول، وهو جرح مردود فقد روى عنه ثلاثة واحتج به النسائي)(2).
__________
(1) -سير أعلام النبلاء/ الذهبي: 10/ 613-614.
(2) -تلخيص الحبير/ ابن حجر: 3/5.(10/20)
وفي ترجمة الذهبي لمحمد بن حاتم بن ميمون السمين ما يدخل ضمن هذا الضابط، فقد جاء فيها: (هو الحافظ الإمام أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي سمع عبد الله بن إدريسي وسفيان بن عيينة وابن عليه ووكيعا والقطان وأمثالهم وعنه مسلم وأبو داود والحسن بن سفيان وأحمد بن الحسن الصوفي وآخرون وثقه ابن عدي والدارقطني… وقال أبو حفص الفلاس ليس بشيء قلت: هذا جرح مردود)(1).
الضابط السابع: اعتبار عدالة الجارح:
__________
(1) تذكرة الحفاظظ/ الذهبي: 2/ 455.(10/21)
... ومن الضوابط التي يجب مراعاتها عند الموازنة بين الجرح والتعديل مراعاة عدالة الجارح فقد يكون من يصدر الجرح بحق رواة الحديث هو نفسه مجروحا وبالتالي فلا يكون لجرحه وزن أمام تعديل المعدلين لأنه جرح فاقد لشروط صحته التي تكلمنا عنها آنفا وأهمها أن يكون الجارح عدلا. وكذلك بالنسبة إلى التعديل فلا يعبأ بتعديل صادر عن شخص فاقد للعدالة فمن ذلك ما جاء في ترجمة أحمد بن شبيب الحبطي قال ابن حجر: (قال (عنه) ابن عدي قبلة أهل العراق ووثقوه وكتب عنه علي بن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الفتح الأزدي منكر الحديث غير مرضي قلت: لم يلتفت أحد إلى هذا القول بل الأزدي غير مرضي)(1).
... وقال في موضع آخر: (لا عبرة بقول الأزدي لأنه هو ضعيف، فكيف يعتمد في تضعيف الثقات)(2).
... ومنه أيضا قول عبد الرحمن بن يوسف بن خراش في عمرو بن سليم الزرفي (ثقة في حديثه اختلاط) فقد علق ابن حجر على هذا بقوله: (ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا ينظر إليه(3) وقال أيضا: (وقول الأزدي لا عبرة فيه إذا أنفرد)(4).
__________
(1) -تهذيب التهذيب: 1/31.
(2) -المصدر السابق: 4/349.
(3) -مقدمة فتح الباري/ 386.
(4) -المصدر السابق/ 431.(10/22)
... ومنه كذلك ما طعن فيه على الفضيل بن عياض، يقول الذهبي في ترجمته للفضيل (وهو حجة كبير القدر ولا عبرة بما نقله أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة ابن العلاء يقول تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أزرى (بها) على عثمان بن عفان، قلت فلا نسمع قول قطبة ليته اشتغل بحاله فقد قال البخاري فيه نظر وقال النسائي وغيره ضعيف)(1).
الضابط الثامن: اعتبار كون ما جرح به الراوي جرحا في حقيقة أمره أم لا:
... ومن الضوابط المعتبرة في عملية الموازنة بين الجرح والتعديل عند اجتماعهما في راو واحد اعتبار ما إذا كان الجرح جرحا في حقيقة أمره أم لا؟ فكم من أناس جرحوا فلما استفسر الجارح ذكر ما لا يوجب جرحا ولا يسقط عدالة. فإذا كان الحال على ما ذكرناه فإن مثل هذا الجرح لا يعارض به تعديل المعدلين.
... وكذلك الأمر في التعديل فقد يعدل المعدل راويا بما ليس بمعدل. وبالتالي فلا ينظر إلى مثل هذا التعديل أو ذلك الجرح.
__________
(1) -سير أعلام النبلاء/ الذهبي: 8/ 448.(10/23)
... فمثال الجرح بما ليس بجارح ما رواه الخطيب بسنده إلى محمد بن جعفر المدائني قال: قيل لشعبة لم تركت حديث فلان؟ قال رأيته يركض على برذون(1) فتركته)(2).
... يقول الإمام السبكي: (ومما ينبغي أن يتفقد أيضا حاله في العلم بالأحكام الشرعية فرب جاهل ظن الحلال حراما فجرح به، ومن هنا أوجب العلماء التفسير لتوضيح الحال، وقال الشافعي رضي الله عنه حضرت بمصر رجلا مزكيا يجرح رجلا، فسئل عن سببه وألح عليه، فقال رأيته يبول قائما، فقيل وما في ذلك؟ فقال : يرد الريح من رشاشه على يده وثيابه فيصلي فيه ، فقيل هل رأيته قد أصاب الرشاش وصلى قبل أن يغسل ما أصابه؟ قال: لا ولكن أراه سيفعل… وحكى أن رجلا جرح رجلا وقال: إنه طين سطحه بطين أخرج من حوض السبيل)(3).
... وفي ترجمة حبيب بن أبي ثابت يقول الذهبي: (وثقة ابن معين وجماعة واصح به أفراد الصحاح بلا تردد وغاية ما قال فيه ابن عون كان أعور وهذا وصف لا جرح)(4).
__________
(1) -البرذون: الدابة قال الكسائي الأنثى من البراز ين برذونه (أنظر مختار الصحاح مادة (برذن).
(2) -الكفاية/ 138.
(3) -قاعدة في الجرح والتعديل/ السبكي/ 24، وأنظر الكفاية: 108.
(4) -ميزان الاعتدال: 2/189.(10/24)
... ومثال ما ذكره تعديلا لمن ذكر في حقه وهو ليس من التعديل في شيء ما ذكره ابن حجر في ترجمته لعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب حيث قال: (قال البخاري في التأريخ كان يحيى بن سعيد يضعفه وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عنده وقال يعقوب بن سفيان عن أحمد بن يونس: لو رأيت هيئته لعرفت أنه ثقة)(1). وقد ذكر السيوطي هذه الرواية فقال: (كما قد يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك بوثق المعدل بما لا يقتضي العدالة كما روى يعقوب الغسوي في تأريخه قال: سمعت إنسانا يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العمري ضعيف فقال: إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه لو رأيت لحيته وهيئته لعرفت أنه ثقة فاستدل على ثقته بما ليس بحجة لأن حسن الهيئة يشترك فيه العدل وغيره)(2).
الضابط التاسع: اعتبار الإطلاق والتقييد عند الجرح أو التعديل:
... ومن الضوابط التي يجب مراعاتها في موضوع التعارض النظر في أقوال الأئمة في الجرح أو التعديل هل ما أطلقوه من جرح أو تعديل حكم مطلق في حق من أطلق عليه ذلك أم أن الحكم-مقيد-وليس على إطلاقه.
__________
(1) -تهذيب التهذيب/ ابن حجر: 5/286.
(2) -تدريب الراوي: 1/307.(10/25)
... وهذا أمر في غاية الأهمية إذ إن كثيرا من الرواة ثقات ضابطون إذا حدثوا من كتاب وإذا حدثوا من حفظهم فلا وثاقة فيهم، ومنهم من هو ثقة في بعض الرواة دون غيرهم وهذا لا يتم الوصول إليه والوقوف عليه إلا بالاستقراء العميق والتتبع المغني لأقوال الجارحين والمعدلين فيه ومتابعة مرويات ذلك الراوي. والتقييد يكون على أنواع عديدة:
... فمن ذلك ما ذكره الذهبي والمزي في ترجمتهما لحفص بن غياث النخعي قاضي الكوفة فقد (كان شيخا عفيفا مسلما وقال يعقوب بن أبي شيبة ثقة إذا حدث من كتابه ويتقى بعض حفظه)(1).
... وهناك نوع آخر من التقييد وهو كون من روى عنه ثقة. فقد ذكر ابن حبان في ترجمته لعمرو بن عمر بن عبد الأمحوسي أنه (من أهل الشام ثبت إذا كان فوقه ثقة ودونه ثقة)(2).
... أو قد يكون التقييد في الرواية عن أشخاص بأعينهم فقد جاء في ترجمة محمد بن خازم أبو معاوية الضرير الحافظ أنه روى ( عن هشام والأعمش وعنه أحمد واسحق وعلي بن معين ثبت في الأعمش)(3).
__________
(1) -تهذيب الكمال/ المزي: 7/56، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب السنة/ الذهبي: 1/343.
(2) -الثقات/ ابن حبان: 7/ 221.
(3) -الكاشف: 2/167.(10/26)
... وقد يكون التقييد تعديلا إلا في راو واحد. فهذا يعلى بن عبيد الطنافسي روى عن يحيى بن سعيد والأعمش وروى عنه ابن نمير والصاغاني ثقة عابد قال ابن معين ثقة إلا في سفيان)(1).
وكذلك داود بن الحصين الأموي ثقة إلا في عكرمة(2).
... وقد يكون التقييد في رواية الراوي عن أهل بلد دون غيرهم وسبب ذلك أنه ربما حدث عن أهل بلد لم تكن كتبه معه فأختلط ثم حدث عن أهل بلد آخرين من كتبه فضبط أو لكونه سمع في مكان ما شيخا فلم يحفظ عنه وسمع منه في موضع آخر فحفظ.
ومن أمثلة ذلك معمر بن راشد الأزدي حديثه في البصرة فيه اضطراب كثير لأن كتبه لم تكن معه وحديثه في اليمن جيد.
ومنه قول يعقوب بن شيبة (سمعت علي بن المديني يضعف ما حدث به عبد الرحمن بن أبي الزناد بالعراق ويصحح ما حدث به في المدينة).
وكذلك قد يكون التقييد في الطريق الذي وصلت منه أحاديث ذلك الراوي. فربما حدث الراوي في بلد فحفظوا عنه وأدوا فأحسنوا وحدث في أقليم آخر فلم يحفظوا فأساؤا الرواية عنه.
ومن أمثلته:
زهير بن محمد الخراساني يروي عنه أهل العراق أحاديث مستقيمة ويروي عنه أهل الشام أحاديث منكرة.
__________
(1) -المصدر السابق: 2/397.
(2) -تقريب التهذيب: 1/198.(10/27)
وكذلك محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، سماع الحجازيين منه صحيح وفي أحاديث العراقيين عنه وهم كثير(1).
فكل هذه النصوص التي ذكرناها تكون مانعة من إطلاق الحكم على الراوي وتوجب على الراوي الاقتصار على ما جرح أو عدل به الرواة دون توسعه ولا تضييق.
الضابط العاشر: اعتبار ما إذا كان للجارح أو المعدل اصطلاحات خاصة به:
... ومن الضوابط المهمة في عملية الموازنة بين الجرح والتعديل مراعاة ما إذا كان للجارح أو المعدل الذي يطلق حكمه اصطلاحات خاصة به إذ قد يكون مدلول ذلك المصطلح عند من يطلقه مغيرا لما هو عند غيره من نقاد الرجال. ولهذا فإن المطلع على علم الرجال كثيرا ما يصادفه عبارات تشير إلى مراد الشيخ الفلاني من الاصطلاح الفلاني.
... فمن أمثلة ذلك قول يحيى بن معين: (فلان لا بأس به) يعني (ثقة) وقوله (فلان ليس بشيء) (يعني أن أحاديثه قليلة جدا)(2).
__________
(1) -أنظر الإرشاد في معرفة علماء الحديث: 1/417-418.
(2) -لسان الميزان: 1/9.(10/28)
... يقول اللكنوي بهذا الصدد: (كثيرا ما تجد في ميزان الاعتدال وغيره في حق الرواة نقلا عن يحيى بن معين (إنه ليس بشيء) فلا تغتر به ولا تظنن أن ذلك الراوي مجروح بجرح قوي فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في ترجمة عبد العزيز بن مختار البصري ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله (ليس بشيء) يعني أن أحاديثه قليلة)(1).
... وعليه فلا يفهم من قول ابن معين (لا بأس به) ما يفهم من غيره إذا قالوا ذلك. وقد نص هو نفسه على ذلك فقد ذكر البدر بن جماعة في مختصره قال: قال ابن معين إذا قلت (لا بأس به) فهو (ثقة) وهذا خبر عن نفسه!
... وكذلك الحال معه-أي ابن معين-إذا قال: (فلان يكتب حديثه) فإنه من اصطلاحاته الخاصة. حيث يعني عنده إنه من الضعفاء.
... فقد ذكر الذهبي في ميزانه في ترجمة إبراهيم بن هارون الصنعاني قول ابن معين فيه فقال: (قال ابن معين يكتب حديثه أنه في جملة الضعفاء)(2)
__________
(1) -الرفع والتكميل/ 152.
(2) -ميزان الاعتدال/ الذهبي: 1/198، لسان الميزان: 1/118.(10/29)
... ومن الأمثلة على ذلك أيضا قولهم: (تركه يحيى القطان) فإنه ليس على ظاهره إذ المتروك عند غير القطان هو المتهم بالكذب لكن القطان يترك الرواية عن أناس هم عنده أصحاب صدق ومروءة ولكنه يترك حديثهم من جهة حفظهم.
... فقد روى الترمذي بسنده إلى علي ابن المديني قال: (ولم يرو يحيى عن شريك ولا عن أبي بكر بن عياش ولا عن الربيع ابن صبيح ولا عن المبارك بن فضالة، قال أبو عيسى وأن كان يحيى بن سعيد القطان قد ترك الرواية عن هؤلاء فلم يترك الرواية عنهم أنه أتهمهم بالكذب ولكنه تركهم لحال حفظهم، ذكر عن يحيى بن سعيد إنه كان إذا رأى الرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا ومرة هكذا لا يثبت على رواية واحدة تركه)(1).
... ومن المصطلحات الخاصة ببعض أئمة الجرح والتعديل قول تبقى أحمد حنبل في بعض الرواة (هو كذا وكذا).
... ففي ترجمة الذهبي ليونس بن أبي اسحق السبيعي أن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: (سألت أبي عن يونس بن أبي اسحق فقال كذا وكذا).
... قلت-والقائل هو الذهبي-هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيرا فيما يجيبه به والده وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين(2).
__________
(1) -علل الترمذي/ الترمذي: 1/744.
(2) -ميزان الاعتدال: 7/318.(10/30)
... ومن الاصطلاحات الخاصة كذلك قول أبي حاتم (شيخ) يقول الذهبي في ترجمة العباس بن فضل العدني: (سمع منه أبو حاتم وقال: (شيخ) فقوله شيخ ليس هو عبارة جرح… ولكنها أيضا ما هي عبارة توثيق وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة ومن ذلك قوله: (يكتب حديثه) أو (ليس هو بحجة)(1) وسنتكلم عن هذه المصطلحات الخاصة في الفصل القادم إن شاء الله تعالى عند حديثنا عن ألفاظ الجرح والتعديل بتفصيل أكثر.
الضابط الحادي عشر: اعتبار الترتيب الزمني بين الجارح والمعدل:
... ونعني بهذا الضابط أنه إذا جرح المجرح راويا سبق لأئمة الجرح والتعديل تعديله فإن جرح المتأخر لا يكون من القوة بحث يمكن معه إسدال الستار على ذلك الراوي وسحب الثقة عنه بعد أن ثبت تعديله من قبل أئمة الجرح المتقدمين. وذلك أن القرب الزمني من الراوي يعطي لأقوالهم فيه قوة وثباتا في حقه أكثر من أقوال من هو أبعد عنه منهم.
__________
(1) -المصدر السابق: 4/53.(10/31)
فمن ذلك أن أبان بن صالح القرشي وثقه ابن معين(1) والعجلي(2) ويعقوب بن شيبة(3) وأبو زرعة(4) أبو حاتم(5). وقال النسائي: (ليس به بأس)(6). ثم جاء بعد هؤلاء جميعا ابن عبد البر وابن حزم فحاولا تضعيفه: فقال ابن عبد البر أنه (ضعيف)(7).
وقال فيه ابن حزم مرة أنه (ليس بالمشهور)(8) ومرة قال فيه (ليس بالقوي)(9).
... وكلام هؤلاء بعد توثيق الأوائل له لا يقدح فيه. ولذا قال ابن حجر بعد أن نقل كلام الأئمة فيه: (وهذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه فلم يضعف أبانا أحد قبلهما ويكفي فيه قول ابن معين ومن تقدم معه)(10).
الضابط الثاني عشر: اعتبار ما إذا كان المجروح من رواة الصحيحين:
__________
(1) -تأريخ عثمان بن سعيد الدارمي/ 72.
(2) -معرفة الثقات/ العجلي: 1/198.
(3) -تهذيب الكمال للمزي: 2/11.
(4) -الجرح والتعديل/ ابن أبي حاتم: 2/297.
(5) -المصدر السابق: 2/297.
(6) -تهذيب الكمال: 2/11.
(7) -التمهيد/ ابن عبد البر: 1/312.
(8) -المحلى/ ابن حزم الظاهري: 1/198.
(9) -المصدر السابق: 7/ 137.
(10) -تهذيب التهذيب: 1/95.(10/32)
... والمراد من هذا الضابط مراعاة ما إذا كان الراوي الذي وقع عليه جرح الجارحين قد أخرج له الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما أم لا. فإن جمهور العلماء من أهل السنة على توثيق من كان من رواة الصحيحين. لكن ينبغي أن نعلم قبل هذا أن رواة الصحيح الذين أخرج لهم الشيخان هم على قسمين:
الأول: وهم الذين أخرجا لهم في الأصول.
الثاني: وهم الذين أخرجا لهم في المتابعات والشواهد .
فأما القسم الأول وهم الذين أخرجا لهم على سبيل الاحتجاج فهم على قسمين كذلك:
1.من لم يتكلم فيه بجرح، لكن لم ينص أحد كذلك على توثيقه فهؤلاء لا يختلف في وثاقتهم لأنهم اكتسبوا التوثيق من البخاري ومسلم بإخراجهما لحديثهما ومعلوم أنهم لا يخرجون-وخاصة في الأصول-إلا عن ثقة.
2.من تكلم فيه بجرح وهم على صنفين كذلك:
أ.من تكلم فيه تعنتا وتجاوزا والجمهور على توثيقه، فهذا لا يلتفت إلى مجرحه.(10/33)
ب.من كان الكلام في تليينه له اعتبار فهذا لا ينحط حديثه كما قال ابن حجر عن مرتبة الحسن لذاته(1)، وهذا الذي يقوله ابن حجر في هذا الصنف إنما هو ناشئ عنده من دراسة واستقراء لأحوال الرجال فقد توصل إلى أنه (… ينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا)(2). أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة إلا بذلك(3).
... في حين أن غيره من العلماء لا يفصلون هذا التفصيل بل ينظرون بعين الثقة إلى كل من أخرج له في الصحيحين.
... فقد (كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه)(4).
__________
(1) -الموقظة في الحديث/ الذهبي/ 79.
(2) -النكت على ابن الصلاح/ ابن حجر: 1/417.
(3) -المصدر السابق: 1/417.
(4) -مقدمة فتح الباري/ 384.(10/34)
... وهذا الذهبي يقول في ترجمته لرفاعة بن رافع بن خديج: (قال القطان رد خبر رفاعة وقال: لا يصح لأن رفاعة لا يعلم أحدا روى عنه غير ابنه عبابة ولا يعلم لرفاعة سماعا من رافع قلت: بعد أن أخرج له البخاري لا يلتفت إلى مضعفه)(1).
وأما القسم الثاني: وهم الذين أخرجا لهم في المتابعات والشواهد:
... فهؤلاء تتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم وحينئذ إذا وجد لغير الإمام في أحد منهم طعن فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام-يعني البخاري ومسلم-فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وضبطه مطلقا أو في خبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح)(2).
الضابط الثالث عشر: اعتبار سياق الكلام وقرائن الأحوال:
__________
(1) -ميزان الاعتدال: 8/103.
(2) -مقدمة فتح الباري/ 384.(10/35)
... وهو من الضوابط الخفية إذ يوجب هذا معرفة المناسبة التي أصدر الحكم منها على الراوي فقد يكون الحكم نسبيا باعتبار من قرن معه. فقد يسأل عن المتوسط الحال مقرونا مع الضعفاء فيقال: فلان ثقة وهو لا يريد أنه ثقة مطلقا بل مقارنة مع من ذكر من الضعفاء. وقد يسأل كذلك عن المتوسط مقرونا مع من هو أوثق منه فيقال: هو ضعيف ولا يراد أن ضعيف مطلقا. ومثاله أن عثمان الدارمي سأل يحيى ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن فقال: (ليس به بأس) قال قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقبري فقال: (سعيد أوثق والعلاء ضعيف)(1). أي أن العلاء ضعيف مقارنة بالمقبري وإلا فإن قوله (ليس به بأس) توثيق منه له. وقد نص الإمام السخاوي على هذا فقال:
... (فتضعيف ابن معين للعلاء إنما هو نسبة لسعيد المقبري وليس تضعيفا مطلقا)(2).
__________
(1) -تأريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن معين/ 172-174.
(2) -فتح المغيث/ السخاوي: 1/377.(10/36)
... ومنه أيضا قول أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وأزهر ابن سعد السمان: (ابن أبي عدي أحب إلى من أزهر)(1). مع أن أزهر بن سعد هذا لا مجال للكلام في وثاقته (فقد ذكره ابن حبان في الثقات،… وقال ابن معين أروى الناس عن ابن عون وأعرفهم به أزهر)(2).
الضابط الرابع عشر: اعتبار ما إذا كان للراوي تميز واختصاص في نوع من علوم الشرع فيوثق في ذلك العلم خاصة دون غيره. إذا لم يثبت عليه ما يسقط روايته مطلقا. وأما في سوى ذلك فقد تقصر درجته عن الاحتجاج أو حتى عن الاعتبار.
... مثال ذلك عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهور وأحد القراء السبعة. يقول فيه الذهبي: (كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة، وجماعة وقال أبو حاتم محله الصدق، وقال الدارقطني في حفظه شيء. يعني: للحديث لا للحروف.
... ومازال في كل وقت يكون العالم إماما في فن مقصرا في فنون، وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتا في القراءة واهيا في الحديث وكان الأعمش بخلافه ثبتا في الحديث لينا في الحروف(3).
__________
(1) -تهذيب التهذيب: 1/177.
(2) -المصدر السابق: 1/177.
(3) -سير أعلام النبلاء/ الذهبي: 2/260.(10/37)
... وكذلك الحال مع محمد بن اسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير فإن منزلته في السير ليست كمنزلته في الحديث وصفه ابن حجر بأنه (إمام في المغازي مختلف في الاحتجاج به)(1).
أما الذهبي فقد قال عنه (محمد بن اسحق بن يسار أحد الأعلام قوي الحديث ولاسيما في السير) وقد كذبه سليمان التميمي وهشام بن عروة ومالك ويحيى القطان ووهيب وأما ابن معين فقال (ثقة ليس بحجة) وكذا قال النسائي وغير واحد وقال شعبة (صدوق) وقال أحمد بن حنبل (حسن الحديث وليس بحجة)(2).
أما إذا كان الراوي المشهور بفن من الفنون قد ثبت عنه ما يسقط عدالته فلا ينظر إلى ما اشتهر به بل يسقط الاعتبار به مطلقا. كأبي مخنف لوط بن يحيى وهشام بن محمد بن السائب الكلبي.
فقد جاء في كتاب الجرح والتعديل في ترجمة أبي مخنف عن ابن أبي حاتم قال: (سمعت يحيى بن معين يقول أبو مخنف ليس بثقة، ونقل عن أبيه أنه قال أبو مخنف متروك الحديث)(3).
__________
(1) -مقدمة فتح الباري/ 458.
(2) -المغني في الضعفاء/ الذهبي: 2/552.
(3) -الجرح والتعديل/ ابن أبي حاتم: 7/182.(10/38)
... وقال الذهبي: (صاحب تصانيف وتواريخ… قال يحيى ابن معين ليس بثقة. وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال الدارقطني أخباري ضعيف)(1).
... وأما هشام الكلبي فقد جاء في ترجمته عن الذهبي: (العلامة الإخباري النسابة الأوحد أبو منذر هشام بن الإخباري الباهر محمد السائب بن بشر الكلبي الكوفي الشيعي أحد المتروكين كأبيه… قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه، وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث)(2).
... وقال فيه موضع آخر (هشام بن محمد بن السائب الكلبي الحافظ واه)(3). وقال ابن حبان (… يروي العجائب والأخبار التي لا أصول لها… وكان غاليا في التشييع ، أخباره في الاغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها)(4).
الضابط الخامس عشر: مراعاة ما إذا كان الراوي المجروح قد أخرج له من لا يروي إلا عن ثقة. فقد رأينا في الوسائل التي تثبت عدالة الرواة أن أحد تلك الوسائل أن يروي عنه شخص ألزم نفسه أن لا يحدث إلا عن الثقات.
__________
(1) -سير أعلام النبلاء: 7/202.
(2) -المصدر السابق: 10/101.
(3) -طبقات المحدثين/ الذهبي: 1/79.
(4) -المجروحين/ ابن حبان: 3/91.(10/39)
... وكذلك الحال هنا إذا اجتمع جرح وتعديل في شخص ما، فإن من وسائل ترجيح التعديل على التجريح أن يكون قد روى له من لا يحدث إلا عن ثقة.
... قال الحافظ ابن حجر: (من عرف من حاله أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنه إذا روى عن رجل وصف بكونه ثقة عنده كما لك وشعبة والقطان وابن مهدي وطائفة ممن بعدهم)(1).
... لكن يجب أن نعلم أن هذا الضابط ليس على اطراده وعمومه إذ ربما حدث أمثال هؤلاء عن أناس أجمع العلماء على ضعفهم فلا يكون حينئذ تحديثهم عنهم مزكيا لهم. كما هو الحال مع شعبة بن الحجاج الذي حدث عن جابر الحجفي ومحمد بن عبيد الله العرزمي ممن أجمع على تضعيفهم(2).
وكما حدث الإمام مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف(3).
__________
(1) -لسان الميزان: 1/15.
(2) -أنظر الكامل في الضعفاء لأبن عدي: 2/115، والكنى والأسماء/ مسلم بن الحجاج: 1/523، وأحوال الرجال للجوزجاني: 1/58، سير أعلام النبلاء: 6/109.
(3) -أنظر تهذيب التهذيب: 6/83، والضعفاء والمتروكين لأبن الجوزي: 2/114.(10/40)
الضابط السادس عشر: اعتبار ما إذا كان الجارح أو المعدل على علم وإحاطة بمجموع ما قيل في ذلك الراوي، وهذا الضابط يكاد يكون ألصق بالمتأخرين من المتقدمين لأنهم أحوج إلى معرفة مجموع ما قيل في ذلك الراوي. فقد يسارع كثير منهم إلى إصدار حكمه في راو جرحا أو تعديلا وهو لا يعلم أن من المتقدمين من له كلام آخر مغاير لما يريد أن يصدره هو، وهذا يحتم على المتأخرين الذين يروون أحكام النقاد في الرجال أن يكونوا على دراية تامة بجميع ما قاله السابقون من أئمة الجرح والتعديل في اولئك الرواة.
... ومن الأمثلة على ذلك، عبد الله بن سليمان الأموي فقد قال عنه عثمان بن سعيد الدارمي سائلا ابن معين: (قلت عبد الله بن أبي سليمان أحب إليك أو ابن جريح فقال كلاهما ثقتان)(1).
__________
(1) -تأريخ ابن معين برواية الدارمي: 1/143.(10/41)
... في حين أن ابن حجر في ترجمته له في تهذيب التهذيب ما زاد على أنه ذكر قول ابن أبي حاتم فيه أنه (شيخ) ثم قال وذكره ابن حبان في الثقات(1)، ولو أن ابن حجر اطلع على قول ابن معين فيه لما وضعه في هذه المنزلة، إذ من المعلوم أن توثيق ابن معين لا يدع مجالا لمتكلم لما هو عليه من التشدد في الرجال.
الضابط السابع عشر: اعتبار عدد المعدلين بعدد الجارحين، وهذا الاعتبار وإن لم يكن محل إجماع بين العلماء بل الجمهور على أن لا قيمة لعدد المعدلين إذا ثبت جرح الراوي. إلا إنه يعد من الاعتبارات الخاصة ببعض العلماء فالأمانة العلمية تدعونا إلى أن نسجل أن بعض العلماء كان يرى أنه يصار عند التعارض إلى اعتبار العدد بين الجارحين وبين المعدلين، فإن كان الجارحون أكثر حمل على الجرح وإن كان الغلبة في العدد للمعدلين حمل على التعديل.
... قال ابن الصلاح: (إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل فإن كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولى)(2).
__________
(1) -تهذيب التهذيب: 5/217.
(2) -مقدمة ابن الصلاح/ 237.(10/42)
... وممن ذهب إلى اعتبار العدد في الحكم بعض المالكية فقد نقلت الدكتورة عائشة بنت الشاطئ في تحقيقها لمقدمة ابن الصلاح قول القاضي عياض عن أصل مخطوط أنه (ذهب بعض المالكية إلى توقف الأمر عند التكافؤ)(1) (وقال الشيخ مجد الله البهاري إذا تعارض الجرح والتعديل فالتقديم للجرح مطلقا وقيل للتعديل عند زيادة المعدلين)(2).
ويفهم من كلام القاضي عياض أنهم مع التعديل إذا كان المعدلون أكثر لأنهم لا يكونون مع الجرح عند التكافؤ.
الضابط الثامن عشر: مراعاة اتحاد المجلس أو اختلافه بين الجارح والمعدل ونعني بهذا الضابط إنه إذا تعارض الجرح والتعديل في شخص ما فإنه يصار إلى اعتبار المجلس بين الجارح والمعدل. فإذا قال المجرح رأيت فلانا بالأمس يشرب الخمر وقال المعدل بل ما فارقني فلان نهار أمس فللعلماء هنا مذاهب منهم من يرى التوقف عن الحكم لأنه تكاذب بين الجارح والمعدل. ويرجع إلى الأصل فإن كان من قبل محمولا على العدالة بقي عليها، وإن كان محمولا على الجرح بقي مجرحا.
__________
(1) -أنظر هامش/ 223، تحقيق مقدمة ابن الصلاح.
(2) -عون المعبود/ محمد شمس الحق العظيم أبادي: 1/75.(10/43)
... ومنهم من قال ينظر في مثل هذا حال الجارح والمعدل ويوازن بينهما ويقضى للأعدل منهما قال العلوي في حاشيته على النخبة: (ثم الترجيح للتعديل بجودة الأسانيد من حيث ثقاة الرواة)(1).
... أما إذا كانت الشهادتان أي شهادة المعدل والجارح مختلفتين في المجلس كأن يقول الجارح رأيت فلانا يشرب الخمر نهار أمس ويقول المعدل ما خرجنا اليوم من المسجد فالحكم هنا للجارح لأنه لا تنافي بين الشهادتين لتباين مجلسهما.
واما إذا كانت الشهادتان متباعدتين قضي بآخرهما.
__________
(1) -عون المعبود شرح سنن أبي داود: 1/75.(10/44)
وتفصيل هذا كله فيما ذكره القاضي عياض رحمه الله حينما قال: (فإذا قال المعدل هو عدل ورضى وقال المجرح فاسق رأيته أمس يشرب الخمر، فلا تنافي بين الشهادتين، وقد أثبت هذا فسقا لم يعلمه الآخر، فإما لو قال المعدل ما فارقني أمس من الجامع، ومثل هذا فقد تعارضت الشهادتان، ولعل توقف من توقف من أصحابنا لهذا الوجه. وقال اللخمي: (إذا اختلافهما في ذلك في مجلس أو فعل فعله، قضي بالأعدل لأنه تكاذب… وإن كان عن مجلسين متباينين غلب الجرح، وإليه يرجع قول الجمهور، وإن تباعدت شهادة المعدل من شهادة المجرح قضي بآخرهما، وهذا مما لا يختلف فيه إلا أن يعلم أنه كان حين شهد عليه بتقديم الجرح، ظاهر العدالة إذ ذاك بحسب ما هو عليه الآن، فيغلب الجرح)(1).
الضابط التاسع عشر: مراعاة حفظ المعدلين قياسا إلى حفظ الجارحين. وقد ذكر هذا الضابط الإمام البلقيني في محاسن الإصلاح(2) فإذا كان الجارحون أحفظ من المعدلين كان الحكم لهم وإن كان المعدلون أحفظ من الجارحين كان الحكم لهم.
الضابط العشرون: مراعاة ما إذا كان للجارح او المعدل قول آخر متابع له أم لا.
__________
(1) -هامش مقدمة ابن الصلاح/ 223.
(2) -محاسن الإصلاح/ 224.(10/45)
... ومعنى هذا أن الجرح وأن كان الجمهور على أنه يثبت بقول واحد من أهل الجرح والتعديل لكن ليس هذا محل اتفاق وليس هو مرضيا من قبل كل الجارحين فأئمة الجرح غير المتشددين منهم يقبل تفردهم وغيرهم لا يقبل إذا عارضه تعديل المعدلين بل يراعى وجود المتابع له من عدمه.
... قال العلائي في كتاب المختلطين في ترجمته لهشام بن عروة بن الزبير: (ذكر ابن القطان في أثناء كلام له أن هشاما هذا تغير واختلط وهذا القول لا عبرة به لعدم المتابع)(1).
... وقال عمر بن علي الأندلسي معلقا على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تكتحل ولا تختضب) رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن واخطأ ابن أبي حزم حيث قال: لا يصح لأجل إبراهيم ابن طهمان وقال أنه ضعيف، وإبراهيم هذا احتج به الشيخان، وزكاه المزكون ولا عبرة بانفراد ابن عمار الموصلي بتضعيفه)(2).
الضابط الحادي والعشرون: اعتبار خبرة الجارح أو المعدل بمدلولات الألفاظ.
__________
(1) -المختلطين/ العلائي/ 126.
(2) -تحفة المحتاج/ محمد بن علي الأندلسي: 2/417.(10/46)
يقول الإمام السبكي وهو يتكلم عن هذا الضابط: (ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح، حال الجارح في الخبرة بمدلولات الألفاظ، فكثيرا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها. والخبرة بمدلولات الألفاظ-ولا سيما الألفاظ العرفية التي تختلف باختلاف عرف الناس وتكون في بعض الأزمنة مدحا وفي بعضها ذما-أمر شديد لا يدركه إلا قعيد بالعلم)(1).
... ومما يندرج تحت هذا الضابط معرفة أن ألفاظ الجرح والتعديل كانت أكثر شمولا في كتب المتقدمين منها عند المتأخرين.
... فمدلول لفظ (الثقة) مثلا كان يطلق عند بعض المتقدمين ويراد به (الثقة) و (الصدوق) والدليل على ذلك أنهم كانوا يقرنون لفظ (الثقة) مع غيرة فيقولون (ثقة صدوق) أو (ثقة مأمون).
... ثم بعد ذلك استقلت هذه المصطلحات بعضها عن بعض عند المتأخرين. وهذا الأمر يوجب أن يكون المتعرض لعملية الموازنة متيقظ الذهن فلا يسارع إلى توثيق كل من أطلق عليه الأوائل ذلك اللفظ بل يجب أن يفهم ضمن الإطار العرفي والعصري لذلك الزمان. حتى يستطيع أن يقارب الحق ضمن حدود الطاقة البشرية.
__________
(1) -قاعدة في الجرح والتعديل/ السبكي/ 23-24.(10/47)
الفصل الخامس/ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها
المبحث الأول/ ألفاظ الجرح والتعديل
المبحث الثاني/ مراتب ألفاظ الجرح والتعديل
المبحث الأول
ألفاظ الجرح والتعديل
...
لقد استخدم أئمة الجرح والتعديل ألفاظا كثيرة جدا وهم يمارسون عملهم في نقدهم لرواة الحديث. بلغت هذه الألفاظ من الكثرة حدا يتعذر معه جمعها وإحصاؤها إلا بشق الأنفس. وبسبب تعددها هذا وتشعبها كانت متعددة المراتب.
... وقد كان من هذه الألفاظ ما هو صريح الدلالة على معناه فلا يختلف فيه، ومنها ما لا يتوصل إلى معناه إلا بالاستقراء أو بالنص من قائله. مما يجعل الأمر أكثر صعوبة لمن يريد أن يقف عند مراتب الرواة ودرجاتهم.
... وقد كان علماؤنا الأوائل على درجة كبيرة من الفهم لمدلولات تلك الألفاظ جعلتهم يضعون كلا في منزلته. غير أن توالي العصور عاما بعد عام جعل المتأخرين وهم يقفون أمام ذلك الموروث في الجرح والتعديل يحسون أنهم بحاجة إلى قواعد وضوابط لكي يفهموا مدلولات الألفاظ جيدا، الأمر الذي دفع أئمة بارزين كالإمام الذهبي وابن حجر والسخاوي وغيرهم إلى تنظيم تلك القواعد وترتيب تلك الألفاظ حسب ما يقتضيه واقع الحال.(11/1)
... فبغير هذه الضوابط والقواعد ربما نصل إلى عكس مراد أئمتنا الأوائل لذا فإن الوقوف على مناهج العلماء في ألفاظ جرحهم وتعديلهم يعد من ضروريات علم الجرح والتعديل.
وقد سلك أئمتنا طريقين في جرح الرواة أو تعديلهم هما:
الأول: الألفاظ. ... الثاني: الحركات.
أولا: الألفاظ: ونعني بها أن يصدر الجارح أو المعدل حكمه على الراوي بلفظ من ألفاظ الذم أو المدح.
وألفاظ الجرح والتعديل يمكن أن تقسم على ثلاثة أقسام:
الأول: الألفاظ العامة في الجرح والتعديل.
الثاني: الألفاظ الخاصة في الجرح والتعديل.
الثالث: الألفاظ النادرة في الجرح والتعديل.
فالألفاظ العامة تكون على فرعين:
أ.ألفاظ عامة في التعديل وهي:
1.(ثقة) وهو العدل التام الضبط(1) هذا هو المشهور.
لكن قد يطلق لفظ الثقة على من كان مقبولا ولو لم يكن تام الضبط (2).
__________
(1) -الباعث الحثيث/ 77.
(2) -فتح المغيث: 1/369.(11/2)
2.(ثقة ثقة) قال السخاوي: (التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الخالي منه، وعلى هذا فما زاد على مرتين يكون أعلى منها كقول ابن سعد في شعبة "ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث" وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينه: "حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة بتسع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه")(1).
3-(ثبت)(2).
4.(حجة).
5.كأنه مصحف.
6.حافظ ثقة(3).
7.متقن(4).
8.صدوق(5).
9.صالح الحديث(6).
وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على التوثيق ولا يختلف في دلالتها.
ب.ألفاظ عامة في التجريح: وهي كثيرة جدا لكنا سنتعرض للمشهور منها وما شاع اطلاقه، فمن ذلك:
1-(ليس بقوي) وهو مصطلح ينفي القوة عن الراوي مطلقا وإن لم يثبت الضعف مطلقا(7).
__________
(1) -فتح المغيث: 1/363، وتهذيب الكمال: 3/401.
(2) -تهذيب الكمال: 2/24 و 6/561.
(3) -تذكرة الحفاظ: 2/686، الجرح والتعديل لأبن سعد: 3/1219، والعلل الواردة في الأحاديث النبوية/ الدارقطني: 5/309.
(4) -تذكرة الحفاظ: 1/377، تهذيب الكمال: 5/568.
(5) -تهذيب الكمال: 1/249.
(6) -تهذيب الكمال: 1/340والكاشف/ الذهبي: 1/381 و 1/667
(7) -التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل/ المعلمي: 1/232.(11/3)
قال الذهبي: (وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم (ليس بالقوي) يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي التثبت)(1).
2-(للضعف ما هو) أي ليس ببعيد عن الضعف(2).
3-(تغير بأخرة) يعني أختل حفظه في أخريات أيامه(3).
4-(تعرف وتنكر) أي يأتي مرة بالمناكير ومرة بالمشهور من الروايات(4).
5-(له مناكير) أي روى أحاديث منكرة ولا يلزم منه رد جميع مروياته لما يلي:
أ.إن العبارة مشعرة بأن الوصف غير لازم له(5).
ب.إن الثقة قد تقع منه رواية لبعض المناكير ولا يرد حديثه عامة فهذا الإمام أحمد قال في محمد بن إبراهيم الثمين (يروي أحاديث مناكير، فلم يلزم من ذلك رد مروياته، بل هو ممن اتفق عليه الشيخان)(6).
... وفي سؤلات الحاكم للدارقطني أنه سأله عن سليمان بن بنت شرحبيل فقال (ثقة) قال الحاكم قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: (يحدث بها عن قوم ضعفاء فأما هو فثقة)(7).
6-(ضعيف)(8).
__________
(1) -الموقظة/ 82.
(2) -فتح المغيث: 1/374.
(3) -قواعد في علوم الحديث/ التهانوي/ 249.
(4) -تدريب الراوي: 1/350.
(5) -فتح المغيث: 1/375.
(6) -المصدر السباق.
(7) -سؤلات الحاكم للدارقطني/ 217.
(8) -أنظر السنن الكبرى للبيهقي: 6/268 و 9/113.(11/4)
7-(منكر الحديث)(1) وهو من روى المناكير حتى غلبت على حديثه فأصبح منكر الحديث وقد جعل ابن حجر هذا الوصف أشد من قولهم (ضعيف)(2) وهو الأولى.
8-قولهم (واه بمرة)(3) أي لا تردد في سقوطه.
9-قولهم (ليس بثقة ولا مأمون)(4).
10-قولهم (متهم بالكذب) أو (يسرق الحديث)(5).
11-قولهم (متروك الحديث)(6).
12-قولهم (كذاب)(7).
وغير ذلك من الألفاظ التي تدل دلالة واضحة على الجرح والتعديل والطعن في الرواة.
ثانيا: الألفاظ الخاصة في الجرح والتعديل:
ويمكن أن نقسم هذه المصطلحات الخاصة على قسمين:
1.الألفاظ الخاصة ببعض الأئمة في التعديل:
ولا يتوصل إلى معاني هذه الألفاظ إلا الأئمة أصحاب الاستقراء والمتابعات الطويلة لكي يكتشفوا منهج كل إمام ومراده من الألفاظ التي يطلقها أو أن ينص ذلك الإمام على مراده من لفظه.
وأبرز أئمة الاستقراء في ألفاظ الجرح والتعديل هم الإمام الذهبي وابن حجر والسخاوي.
__________
(1) -فتح المغيث: 1/348.
(2) -نخبة الفكر: 4/231، ذيل سبل السلام.
(3) -تدريب الراوي: 1/355.
(4) -التنكيل/ العلمي/ 70.
(5) -السخاوي: 1/344.
(6) -مقدمة ابن الصلاح/ 240، ولسان الميزان: 1/12.
(7) -نزهة النظر/ 71.(11/5)
فمن المصطلحات الخاصة ببعض الأئمة في التعديل والتوثيق:
1-قول عبد الرحمن بن مهدي (صالح الحديث) فإنه عنده بمنزلة قول غيره (صدوق).
... قال ابن الصلاح (جاء عن أبي جعفر أحمد بن سنان قال: كان عبد الرحمن ابن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف، وهو رجل صدوق فيقول (رجل صالح الحديث)(1).
... قال السخاوي: (وهذا يقتضي أنها-أي عبارة صالح الحديث-هي والوصف بصدوق عند ابن مهدي سواء)(2).
2-قول ابن معين (ليس به بأس) فقد قال هو عن نفسه (إذا قلت: ليس به بأس فهو ثقة)(3).
... لكن ليس معنى هذا أنه لا فرق عند ابن معين بين من وصفه بأنه (ثقة) وبين من وصفه بأنه (ليس به بأس) وإن اشتركا بأنهما ثقة لكن على تفاوت بينهما كما نص على ذلك الإمام العراقي حيث قال: (لم يقل ابن معين أن قولي: (ليس به بأس) كقولي (ثقة)، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين إنما قال: (إن من قال فيه هذا فهو ثقة، وللثقة مراتب فالتعبير عنه بقولهم (ثقة) ارفع من التعبير عنه بأنه (لا بأس به) وإن اشتركا في مطلق الثقة)(4).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 239.
(2) -فتح المغيث: 1/366.
(3) -لسان الميزان: 1/13.
(4) -شرح التبصرة والتذكرة/ العراقي: 2/7.(11/6)
3-قول مسلم بن الحجاج (اكتب عنه) فإنه أعلى رتبة عنده من مدلول هذه اللفظة عند غيره من العلماء فهي توثيق عنده وعند غيره تكاد وتكون جرحا.
... قال مكي بن عبدان (سألت مسلم بن حجاج عن أبي الأزهر فقال اكتب عنه) قال الحاكم (هذا رسم مسلم في الثقات)(1).
4-قول ابن حبان أنه (ثقة) أو قول العلماء (وثقه ابن حبان) أو (ذكره في الثقات) معناه عند ابن حبان أن جهالة عينه قد انتفت ولم يعلم فيه جرح(2) بخلاف غيره من العلماء فلا يوثقون إلا من ظهرت عدالته.
5-قولهم (سكت عنه أبو حاتم) أو (أبو زرعة) فإن سكوت الجارح عن الراوي عند غير هؤلاءلا يعد توثيقا للمسكوت عنه، أما أبو حاتم وأبو زرعة فإن سكوتهم توثيق للمسكوت عنه(3) قال ابن حجر في هدي الساري في ترجمته (للحسن بن مدرك السدوسي) (…فكيف يكون كذابا وقد كتب عنه أبو زرعة وأبو حاتم، ولم يذكرا فيه جرحا وهما ما هما في النقد)(4).
__________
(1) -تهذيب الكمال: 1/258.
(2) -الرفع والتكميل/ 206.
(3) -الرفع والتكميل هامش ص160.
(4) -هدي الساري: 2/123.(11/7)
6-قول ابن معين (ليس بشيء) فإنه عند غيره جرح شديد وعند ابن معين فمعناه أن أحاديثه قليلة.وقد يريد بذلك الجرح الشديد ، وانما يعرف ذلك بتتبع الاقوال الاخرى واقوال غيره من الائمة في ذلك الراوي
... قال ابن حجر في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري: (وثقه ابن معين في رواية وقال في رواية أنه ليس بشيء. قلت احتج به الجماعة، وذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين بقوله في بعض الروايات: ليس بشيء يعني أن أحاديثه قليلة جدا)(1).
... وكذلك صرح السخاوي في فتح المغيث بقوله: (قال ابن القطان أن ابن معين إذا قال في الراوي (ليس بشيء) إنما يريد أنه لم يرو حديثا كثيرا)(2).
2.الألفاظ الخاصة ببعض الأئمة في الجرح:
1-قول الإمام الشافعي (ليس بشيء) فإنها عنده في أدنى المنازل وهي تعادل لفظة (الكذاب) عند غيره.
__________
(1) -فتح الباري: 2/144.
(2) -فتح المغيث: 1/161.(11/8)
... فقد روى الإمام السخاوي بسنده إلى المزني قال: (سمعني الشافعي يوما وأنا أقول فلان كذاب، فقال لي يا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها. لا تقل: كذاب، ولكن قل: (حديثه ليس بشيء) وهذا يقتضي أنها حيث وجدت (أي لفظه (حديثه ليس بشيء) في كلام الشافعي تكون من المرتبة الأولى)(1).
2-قول البخاري (فيه نظر) أو (سكتوا عنه) فإن لهاتين العبارتين معنى خاصا عنده إذ يريد منهما أن صاحبهما متهم بالوضع أو كذاب.
... قال الذهبي في ترجمة عبد الله بن داود الواسطي: (وقد قال البخاري: فيه نظر ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالبا)(2).
__________
(1) -فتح المغيث/ السخاوي: 1/373.
(2) -ميزان الاعتدال: 2/416.(11/9)
... وسبب هذا شدة ورع الإمام البخاري وخوفه من الغيبة فقد جاء في ترجمته في سير أعلام النبلاء: (قال بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا ، قلت : صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر مايقول: (منكر الحديث) (سكتوا عنه، فيه نظر) ونحو هذا أو قل أن يقول فلان كذاب، أو كان يضع الحديث حتى أنه قال إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه)(1).
... وكذلك إذا قال سكتوا عنه فإنه يعني أنه متروك الحديث ففي تهذيب الكمال في ترجمة إبراهيم بن يزيد الخوزي (قال أبو بشر الدولابي عن البخاري سكتوا عنه قال الدولابي يعني تركوه)(2).
... قال الذهبي: ( يقول البخاري سكتوا عنه، وظاهرها أنه ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل وعلمنا معتقده بها بالاستقراء إنها بمعنى تركوه)(3).
3-وكذا قول البخاري أيضا (ليس بالقوي) ويريد أنه ضعيف(4) أما إذا قال أبو حاتم (ليس بالقوي) فالمراد أن لم تبلغ درجة القوي الثبت.
__________
(1) -سر أعلام النبلاء: 2/429.
(2) -تهذيب الكمال/ المزي: 2/243.
(3) -الموقظة/ 83.
(4) -المصدر السابق/ 83.(11/10)
... قال الذهبي: ( وبالاسقراء إذا قال أبو حاتم (ليس بالقوي) يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت والبخاري قد يطلق: (ليس بالقوي) ويريد أنه ضعيف)(1).
4-قول النسائي (ليس بالقوي) فقد قال في جماعة مرة (ليس بالقوي) ومرة (ليس به بأس) أو (ثقة) مما يدل أن مذهبه مخالف لمذهب الجمهور في ذلك(2).
... ففي تهذيب التهذيب في ترجمة إبراهيم بن مهاجر البجلي (قال النسائي في الكنى ليس بالقوي في الحديث، وقال في موضع آخر ليس به بأس)(3).
... وفي ميزان الاعتدال في ترجمة عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل المدني: (قال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة ثقة)(4).
5-قول أبي حاتم (مجهول) فإنه يخالف فيه جمهور العلماء. إذ الجمهور على أن من يوصف بأنه (مجهول) فإنهم يريدون أنه غير معروف أي لم يرو عنه إلا واحد. أما أبو حاتم فإنه يريد بلفظ مجهول أنه مجهول العدالة وأن روى عنه جمع من الثقات(5).
__________
(1) -المصدر السابق/ 83.
(2) -مباحث في علم الجرح والتعديل/ قاسم علي سعيد/72.
(3) -تهذيب التهذيب: 1/168.
(4) -ميزان الاعتدال: 2/568.
(5) -الرفع والتكميل/ 163-164.(11/11)
... جاء في فتح المغيث: (على أن قول أبي حاتم في الرجل أنه مجهول لا يريد به أنه لم يرو عنه سوى واحد بدليل أنه قال في (داود بن يزيد الثقفي) أنه مجهول مع أنه قد روى عنه جماعة ولذا قال الذهبي عقب هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم ولو روى عنه جماعة ثقات، يعني أنه مجهول الحال)(1).
3-الألفاظ النادرة في الجرح والتعديل:
وهناك ألفاظ نادرة وقليلة الاستعمال تجدها متفرقة في بطون الكتب يحسن بنا أن نقف أمام أشهرها لأنها من متممات هذا الفصل.
فمن الألفاظ النادرة في التعديل:
1.قولهم (فلان كما يشاء الله) فقد استعمل هذه العبارة الإمام محمد بن سيرين قال السخاوي في ترجمته له: (ومن لطيف مسلكه الرفيع في الجرح والتعديل إنه كان إذا مدح أحدا قال هو كما يشاء الله)(2).
... واستعملها أبو داود صاحب السنن أيضا، فقد جاء في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن عائذ القرشي: (قال الأجري سألت أبا داود عنه فقال هو كما شاء الله)(3).
__________
(1) -فتح المغيث/ 136.
(2) -المتكلمون في الرجال هامش ص86، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة.
(3) -تهذيب التهذيب: 9/242.(11/12)
... وكذلك استعملها أبو حاتم الرازي في ترجمته لإسماعيل بن مجالد الحمداني قال سمعت أبي يقول كان ببغداد وهو كما يشاء الله)(1).
2.قولهم (أحد الأحدين) ويريدون أنه لا أحد يشبهه في حفظه وإتقانه فقد استعملها سفيان الثوري وأبو داود.
... ففي تهذيب الكمال (عن عبد الله بن المبارك قال سئل سفيان الثوري عن سفيان بن عينة فقال: (ذاك أحد الأحدين)(2).
... وفي ترجمة المغيرة بن حكيم قال أبو عبيد الأجري سمعت أبا داود يقول (المغيرة بن حكيم أحد الأحدين)(3).
3.قولهم (بحر لا تكدره الدلاء)(4) وقد استخدم هذه الصيغة الإمام الزهري ويحيى ابن أكثم.
... فقد جاء في ترجمة عروة بن الزبير في تهذيب الكمال (قال يونس بن يزيد قال الزهري: كان عروة بحرا لا تكدره الدلاء).
... وفي ترجمة عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة المدني: (قال يحيى بن أكثم كان عبد الملك بحرا لا تكدره الدلاء)(5).
__________
(1) -الجرح والتعديل: 1/200.
(2) -تهذيب الكمال/ الكزي: 11/177.
(3) -المصدر السابق: 28/356.
(4) -المصدر السابق: 20/11، الدلاء: جمع (الدلو) وهي التي يستقى بها (مختار الصحاح (دلا)).
(5) -تهذيب التهذيب: 6/361.(11/13)
4.قولهم (ميزان) وقد أطلقها الثوري وابن مبارك على عبد الملك ابن أبي سليمان.
قال الثوري: (حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان…. وقال ابن المبارك عبد الملك ميزان)(1).
أما الألفاظ النادرة في الجرح فمنها:
1.قولهم: (فلان كما يعلم الله) وهذا اللفظ قد استعمله الإمام محمد بن سيرين فقد كان إذا ذم رجلا قال فيه: (هو كما يعلم الله)(2).
2
.قولهم كان (فسلا) والفسل في اللغة الرجل النذل الرذل الذي لا مروءة له(3).
... وقد أطلقه شعبة بن الحجاج في حق سيف بن وهب نقل ذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب(4).
__________
(1) -المصدر السابق: 6/362.
(2) -المتكلمون في الرجال/ هامش ص86.
(3) -لسان العرب مادة (فسل): 11/519.
(4) -تهذيب التهذيب: 4/298.(11/14)
3.قولهم (هوعلى يدي عدل) كناية عن الهلاك وشدة الضعف، وكان الإمام العراقي يعد هذه الجملة توثيقا للراوي فقد ذكر السخاوي عن شيخه ابن حجر أن العراقي كان ينطق بها هكذا (على يدي عدل)-بكسر الأولى بحيث تكون اللفظة للواحد وبرفع اللام وتنوينها-وقد استشكل الحافظ ابن حجر كونها للتوثيق لقول أبي حاتم في ترجمة (جبارة بن المغلس): (ضعيف الحديث) وقوله لما سأله ابنه عنه (هو على يدي عدل) فقد استعمل هذه العبارة في حق راو ضعفه ثم تحقق ابن حجر من كونها للجرح الشديد بعد وقوفه على أصل العبارة(1) عند العرب(2).
4.قولهم (يثبج الحديث) كناية عن الوضع. وأصل الثبج في اللغة الاضطراب ومنه (اضطراب الكلام وتفنينه وتعمية الخط وترك بيانه)(3).
__________
(1) -(واصل ذلك مثل عند العرب فقد كان أحد التبابعة (ملوك اليمن) إذا أراد أن يقتل أحدا دفعه إلى واليه على شرطة واسمه (عدل) من بني سعد العشيرة فمن وضع على يديه فقد تحقق هلاكه) (فتح المغيث: 1/378).
(2) -الجرح والتعديل: 2/550.
(3) -القاموس المحيط/ مادة (ثبج).(11/15)
... وقد جاء في الكشف الحثيث في ترجمة إسماعيل بن شروس (روى عبد الرزاق عن معمر قال: كان يثبج الحديث وقال ابن عدي قال معمر كان يضع الحديث)(1).
... 5.قولهم هو (كذا وكذا) ويقصد من ورائه تليين الراوي. ففي ترجمة العقيلي لعبد الرحمن بن ثروان عن عبد الله بن أحمد قال سألت أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان فقال: هو كذا وكذا أو حرك يده، وهو يخالف في أحاديثه(2).
ثانيا: الحركات:
... وهي الطريقة الثانية التي سار عليها بعض علماء الجرح والتعديل في إصدار أحكامهم على الرواة. يفهم من تلك الحركات ما يرد أن يصدره من حكم بحق ذلك الراوي.
فمن ذلك:
1.حركة الأيدي: ففي ترجمة عمر بن الوليد الشني قال علي بن المديني: (سمعت يحيى بن سعيد وذكر عمر بن الوليد الشني فقال بيده يحركها كأنه لا يقويه قال علي: فاسترجعت أنا فقال: ما لك ؟ قلت إذا حركت يدك فقد أهلكته عندي، قال: ليس هو عندي ممن اعتمد عليه ولكنه لا بأس به)(3).
__________
(1) - التأريخ الكبير البخاري: 1/359والكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث/ 70.
(2) -الضعفاء/ الفضيلي: 2/327.
(3) -الجرح والتعديل: 6/139.(11/16)
... وكذلك فعل أحمد بن حنبل مع عبد الرحمن بن ثروان الذي سأله عنه ابنه عبد الله فقال: كذا وكذا وحرك يده وقد ذكرنا الرواية كاملة قبل قليل(1).
2.تحريك الرأس: وهو أيضا مما استخدمه بعض العلماء في إصدار أحكامهم، ففي تأريخ بغداد في ترجمة سويد بن سعيد بن سهل الأنباري (عن عبد الله بن علي ابن المديني قال: سئل أبي عن سويد الأنباري فحرك رأسه وقال: ليس بشيء)(2). ولا شك في أن تحريك الرأس مع إصدار الحكم يكون أشد من القول المجرد عن تلك الحركة.
3.تكلح الوجه: جاء في الكامل في ضعفاء الرجال في ترجمة أبي بكر بن عياش، عن عمرو بن علي قال: كان يحيى بن سعيد إذا ذكر عنده أبو بكر عياش كلح وجهه)(3).
... وعن عمرو بن علي أيضا قال (كنا عند يحيى يوما ومعنا معاذ فقال معاذ :حدثنا فرج بن فضالة فقال: رأيت يحيى كلح وجهه)(4).
__________
(1) -الضعفاء/ الفضيلي: 2/327.
(2) -تأريخ بغداد: 9/228.
(3) -الكامل في الضعفاء/ ابن عدي: 4/25.
(4) -المصدر السابق: 6/28.(11/17)
... وفي الجرح والتعديل (قال علي بن المديني سألت يحيى ابن سعيد عن سيف بن وهب فحمض(1) وجهه وقال: كان سيف هالكا من الهالكين)(2).
المبحث الثاني
مراتب ألفاظ الجرح والتعديل
...
لاشك في أن العلماء حينما تكلموا على رجال الحديث جرحا وتعديلا كان ذلك بسبب تفاوت الرواة أنفسهم إذ فيهم الحافظ المتقن وفيهم من هو دون ذلك في الحفظ كما أن فيهم الكذاب والمتهم وسيء الحفظ فاصدروا أحكامهم وجعلوا لكل مرتبة من مراتب الرواة ألفاظا خاصة بها.
... وقد اختلفت مذاهب العلماء في تقسيم الرواة من حيث القبول والرد إلى مذاهب شتى فمنهم من جعلهم ثلاث طبقات ومنهم من جعلهم أربعا أو خمسا أو ستا. كل حسب اجتهاده ومنهجه في الرجال.
مراتب الرواة:
... لقد جعل الإمام عبد الرحمن بن مهدي الرواة على ثلاث طبقات كما أخرج ذلك عنه الخطيب في الكفاية حيث قال: (الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه)(3).
__________
(1) -جاء في لسان العرب (تحمض الرجل تحول من شيء إلى شيء) أنظر مادة (حمض).
(2) -الجرح والتعديل: 4/275.
(3) -الكفاية/ 227.(11/18)
وكذلك فعل ابن منده في تقسيمه للرواة إلى ثلاث طبقات:
... (فطبقة منها مقبولة باتفاق وهم على رتب ومنازل… وطبقة قبلها قوم وتركها آخرون لاختلاف أحوالهم في النقل والرواية وطبقة أخرى متروكة وهم على مراتب في الضعف)(1).
ونص الدكتور نجم عبد الرحمن خلف في دراسته الاستقرائية للسنن الكبرى ومنهج الإمام البيهقي في الجرح والتعديل أن الرواة عند البيهقي على ثلاث رتب(2).
الأولى. وهم الثقات وتشمل الصحابة والأئمة الحفاظ المتقنين.
الثانية. وهم الضعفاء الذين يكتب حديثهم للاعتبار.
الثالثة. وهم من يرد حديثهم ولا يكتب وهم المتروكون عند أئمة النقد أو ممن عرفوا بالكذب عمدا أو توهما أو غفلة فيترك حديثهم ولا ينظر إليه ولا يلتفت.
ومن الأئمة من جعل الرواة على أربع مراتب كابن رجب الحنبلي فقد قال في شرحه لعلل الترمذي:
والرواة ينقسمون على أربعة أقسام:
أحدها: من يتهم بالكذب.
الثاني: من لا يتهم ولكن الغالب على حديثه الوهم. وأن هذين القسمين يترك تخريج حديثهما إلا لمجرد معرفتهما.
__________
(1) _شروط الأئمة/ ابن منده/ 32.
(2) -معجم الجرح والتعديل/ د. نجم الدين عبد الرحمن/ 204-210.(11/19)
الثالث: من هو صادق ويكثر من حديثه الوهم ولا يغلب عليه وقد اختلف العلماء في الأخذ عنهم.
الرابع: الحفاظ الذين يندر أو يقل الغلط والخطأ في أحاديثهم وهذا هو القسم المحتج به بالاتفاق(1).
أما ابن أبي حاتم فقد جعلها خمس مراتب فقال:
(منهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث فهذا الذي لا يختلف فيه ويعتمد على جرحه وتعديله ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال.
ومنهم العدل في نفسه الثبت في روايته الصدوق في نقله الورع في دينه الحافظ المتقن فيه، فذلك العدل الذي يحتج بحديثه ويوثق في نفسه.
ومنهم الصدوق الورع الثبت الذي يهم أحبانا وقد قبله الجهابذة النقاد فهذا يحتج بحديثه.
ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.
- ومنهم من ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولي المعرفة منهم الكذب فهذا يترك حديثه وتطرح روايته(2).
__________
(1) -شرح علل الترمذي/ ابن رجب: 1/158-159.
(2) -الجرح والتعديل/ ابن أبي حاتم: 1/10.(11/20)
أما الإمام أحمد فقد جعل الرواة على ست مراتب ثلاث منها مختصة بالضعفاء وثلاث خاصة بأهل العدالة والصحة.
فقد جاء عنه في بحر الدم: (ثم الضعفاء):
منهم من هو ضعيف للغاية.
ومنهم من هو متوسط في الضعف.
ومنهم من الضعف فيه قليل.
كما إن أصحاب الصحة:
من هو مرتفع إلى الغاية.
ومنهم من هو متوسط.
ومنهم من هو دون ذلك(1).
أما أبو علي الحسين بن محمد الجياني فقد جعل الناقلين على سبع طبقات ثلاث منها مقبولة وثلاث مردودة والسابعة مختلف فيها:
فالأولى: من المقبولة أئمة الحديث وحفاظهم يقبل تفردهم وهم الحجة على من خالفهم.
والثانية: دونهم في الحفظ والضبط لحقهم بعض وهم.
والثالثة: قوم ثبت صدقهم ومعرفتهم لكن جنحوا إلى مذاهب الأهواء من غير أن يكونوا غلاة ولا دعاة. فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم وعليهم يدور نقل الحديث..
والأولى من المردودة: من وسم بالكذب ووضع الحديث.
والثانية: من غلب عليه الوهم والغلط.
والثالثة: قوم غلوا في البدعة ودعوا إليها فحرفوا الروايات ليحتجوا بها.
__________
(1) -بحر الدم/ أحمد بن حنبل/ 38-39.(11/21)
وأما السابع المختلف فيها: فقوم مجهولون انفردوا بالرواية فقبلهم قوم وردهم آخرون(1).
مراتب ألفاظ الجرح والتعديل:
... وأول من تكلم في مدلولات ألفاظ الجرح والتعديل هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي حيث قال: (وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى):
فإن قيل للواحد أنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه.
وإن قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.
وإن قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية.
وإن قيل صالح الحديث فهو ممن يكتب حديثه للاعتبار.
ثم قسم مراتب التجريح إلى أربع مراتب وهي:
وإن أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا.
وإن قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الأولى في كتب حديثه إلا إنه دونه.
وإن قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به.
وإن قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الرابعة(2).
__________
(1) -تدريب الراوي: 1/142-143.
(2) -الجرح والتعديل: 1/10.(11/22)
وقد ارتضى ابن الصلاح هذا التقسيم الذي وضعه ابن أبي حاتم إلا أنه زاد عليه في بعض المراتب ألفاظا أخرى.
ففي المرتبة الأولى من مراتب التعديل علق على كلام ابن أبي حاتم بقوله: (وكذا إذا قيل (ثبت) أو (حجة) وكذا إذا قيل في العدل أنه (حافظ) أو (ضابط)(1).
وزاد عليه في المرتبة الرابعة عدة صيغ وهي:
(فلان روى عنه الناس) و (فلان وسط) و (فلان مقارب الحديث) و(فلان ما أعلم به بأسا)(2).
وفي ألفاظ الجرح زاد عليه:
في المرتبة الأولى (فلان ليس بذاك) (فلان ليس بذاك القوي) (فلان فيه ضعف) (فلان في حديثه ضعف).
وفي المرحلة الثانية (فلان لا يحتج به) (فلان مضطرب الحديث).
وفي المرتبة الثالثة (فلان لا شيء) (فلان مجهول)(3).
أما الإمام الذهبي فقد قسم مراتب الألفاظ في الجرح والتعديل على النحو الآتي:
فأعلى العبارات في الرواة المقبولين:
أولا: (ثبت حجة) و (ثبت متقن) و (وثقة متقن) و (ثقة ثقة).
ثانيا: ثم (ثقة).
ثالثا: ثم (صدوق) و (لا بأس به) و (ليس به بأس).
__________
(1) -مقدمة ابن الصلاح/ 237.
(2) -المصدر السابق/ 240.
(3) -التقييد والإيضاح/ العراقي/ 161.(11/23)
رابعا: ثم (محله الصدق) و (جيد الحديث) و (صالح الحديث) و (شيخ وسط) و (شيخ حسن الحديث) و (صدوق إن شاء الله) و (صويلح) ونحو ذلك(1).
ثم ذكر ألفاظ الجرح مبتدأ بأقل مراتب الجرح وصولا إلى أقواها وأشدها فقال:
1.(يضعف) (فيه ضعف) (قد ضعف) (ليس بالقوي) (ليس بحجة) (ليس بذاك) (تعرف وتنكر) (فيه مقال) (تكلم فيه) (لين) (سيئ الحفظ) (لا يحتج به) (اختلف فيه) (صدوق لكنه مبتدع).
2.(ضعيف) (ضعيف الحديث) (مضطر به) (منكره).
3.(واه بمرة) (ليس بشيء) (ضعيف جدا) (ضعفوه) (ضعيف واه) (منكر الحديث).
4.(متروك) (ليس بثقة) (سكتوا عنه) (ذاهب الحديث) (فيه نظر) (هالك) (ساقط).
5.(متهم بالكذب) (متفق على تركه).
6.(دجال) (كذاب) (وضاع) (يضع الحديث)(2).
أما الإمام ابن حجر فقد جعل مراتب الألفاظ اثنتي عشرة مرتبة. ست منها في الجرح وست في التعديل، وهي:
1.الصحابة.
2.من أكد مدحه بأفعل التفضيل (كأوثق الناس) أو بتكرير الصفة لفظا كـ(ثقة ثقة) أو بمعنى (كثقة حافظ).
3.من أفرد بصفة (كثقة) أو (متقن) أو (ثبت) أو (عدل).
4.من قصر عن درجة الثالثة قليلا (صدوق) أو (لا بأس به) أو (ليس به بأس).
__________
(1) -ميزان الاعتدال: 1/4.
(2) -ميزان الاعتدال: 1/4.(11/24)
5.من قصر عن درجة الرابعة قليلا (صدوق سيئ الحفظ) (صدوق يهم) أو (له أوهام) أو (يخطئ) أو (تغير بآخره).
6.من ليس له من الحديث إلا قليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله مقبول حيث يتابع وإلا (فلين الحديث).
7.من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق (مستور) أو (مجهول الحال).
8.من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر (ضعيف).
9. من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق (مجهول).
10.من لم يوثق البتة وضعف مع ذلك بقادح (متروك) أو (متروك الحديث) أو (واهي الحديث) أو (ساقط).
11.من اتهم بالكذب.
12.من أطلق عليه اسم الكذب والوضع(1).
وأخيرا فقد جعل الإمام السخاوي مراتب ألفاظ التعديل ستا ومراتب التجريح وهي الآتية:
الأولى: ما أتى بصيغة أفعل التفصيل (أوثق الناس) (أثيت الناس) (أصدق من رأيت من البشر)، ويلتحق بها (إليه المنتهى في التثبت) و (لا أعرف له نظيرا في الدنيا).
الثانية: لا يسأل عن مثله.
الثالثة: (ثقة ثبت) (ثبت حجة) (ثقة ثقة).
الرابعة: (ثقة) (ثبت) (كأنه مصحف) (متقن) (حجة)، وكذا إذا قيل للعدل (حافظ) (ضابط).
__________
(1) -تقريب التهذيب 1/ 74، وأنظر نخبة الفكر/ 232.(11/25)
الخامسة: (ليس به بأس) (لا بأس به) (صدوق) (مأمون) (خيار).
السادسة: (محله الصدق) (رووا عنه) (روى الناس عنه) (يروى عنه) (إلى الصدق ما هو) (شيخ وسط) (وسط) (شيخ) (مقارب الحديث) (صالح الحديث) (يعتبر به) (يكتب حديثه) (جيد الحديث) (حسن الحديث) (ما أقرب حديثه) (صويلح) (صدوق إن شاء الله) (أرجو أنه ليس به بأس)(1).
وأما مراتب التجريح التي ذكرها فهي:
الأولى: (فيه مقال) (فيه أدنى مقال) (ضعيف) (فيه ضعف) (في حديثه ضعف) (تعرف وتنكر) (ليس بذاك) (ليس بذاك القوي) (ليس بالمتين) (ليس بالقوي) (ليس بحجة) (ليس بعمدة) (ليس بمأمون) (ليس من ابل القباب) (ليس من جمال المحامل) (ليس من جمالات المحامل) (ليس بالمرضي) (ليس يحمدونه) (ليس بالحافظ) (غيره أوثق فيه) (في حديثه شيء) (فلان مجهول) (فيه جهالة) (لا أدري من هو) (للضعف ما هو) (فيه خلف) (طعنوا فيه) (مطعون فيه) (نزكوه) (سيئ الحفظ) (لين الحديث) (فيه لين) (تكلموا فيه) (سكتوا عنه) (فيه نظر).
الثانية: ضعيف، منكر الحديث، حديثه منكر، له ما ينكر، له مناكير، مضطرب الحديث، واه، ضعفوه، لا يحتج به.
__________
(1) -فتح المغيث/ 362-465.(11/26)
المرتبة الثالثة: رد حديثه، ردوا حديثه، مردود الحديث، ضعيف جدا، واه بمرة، تالف طرحوا حديثه، ارم به، مطرح، مطرح الحديث، لا يكتب حديثه، لا تحل كتبة حديثه، لا تحل الرواية عنه، ليس بشيء، لا شيء، لا يساوي فلسا، لا يساوي شيئا.
المرتبة الرابعة: يسرق الحديث، متهم بالكذب متهم بالوضع، ساقط، هالك، ذاهب، ذاهب الحديث، متروك، متروك الحديث، تركوه، مجمع على تركه، هو على يدي عدل، مود، لا يعتبر به، لا يعتبر بحديثه، ليس بثقة، ليس بالثقة، غير ثقة ولا مأمون، سكتوا عنه فيه نظر-عند البخاري-.
المرتبة الخامسة: كذاب، يضع الحديث، يكذب، وضاع، دجال، وضع حديثا.
المرتبة السادسة: أكذب الناس، إليه المنتهى في الوضع، ركن الكذب(1).
... ثم علق السخاوي بعد ذكره لهذه الألفاظ فقال: (ثم إن الحكم في أهل هذه المراتب الاحتجاج بالأربع الأولى منها، وأما التي بعدها فإنه لا يحتج بأحد من أهلها لكون ألفاظها لا تشعر بشريطة الضبط بل يكتب حديثهم ويعتبر…
... وأما السادسة فالحكم في أهلها دون التي قبلها، وفي بعضهم من يكتب حديثه للاعتبار دون اختبار ضبطهم لوضوح أمرهم فيه(2).
__________
(1) -أنظر فتح المغيث: 1/371-375.
(2) -فتح المغيث: 1/368-369.(11/27)
هذا بالنسبة للتعديل أما مراتب الجرح فقد قال في الحكم في أهلها ما يأتي:
... (المرتبتان الأولى والثانية تخرج أحاديث أصحابهما للاعتبار حيث تصلح للمتابعات والشواهد… وأما المراتب الأربع الأخيرة فلا تصلح أحاديث أصحابها للاعتبار مطلقا)(1).
__________
(1) -المصدر السابق: 1/375.(11/28)
الخاتمة
...
بعد أن تكلمنا عن الجرح والتعديل والرواة وتعديلهم عند علماء المسلمين. أرى من المناسب هنا أن أتكلم بإيجاز عن الملاحظات التي رأيتها في رحلتي مع علم الجرح والتعديل.
أولا: إن علم الجرح والتعديل يحتل مكانة الصدارة في علوم السنة النبوية إذ لا قيمة لما يروي الرواة إذا لم تكن على علم بحال أولئك الرواة. (وما آفة الأخبار إلا رواتها).
ثانيا: إن علم الجرح والتعديل ومعه علم الإسناد هما من أبرز خصائص الأمة الإسلامية الذي به تنقح نقولاتها.
ثالثا: إن البدايات الأولى لعلم الجرح والتعديل كعلم مستقل مرتبط بداية ظهور الإسناد وهي التي يعتبر عنها ابن سيرين بالفتنة حينما قال: (فلما ظهرت الفتن بدأ الناس يسألون عن الإسناد).
رابعا: إن ظهور علم الجرح والتعديل هو ثمرة التثبت والحيطة التي خطها القرآن الكريم والسنة النبوية في قلوب المؤمنين.
خامسا: إن علم الجرح والتعديل هو علم استقرائي بمعنى إنك لا تستطيع أن تحكم على رجل من خلال قول جارح أو جارحين فيه وإنما يكون الحكم باستقراء عامة ما قاله أئمة الجرح والتعديل في ذلك الشخص.(12/1)
سادسا: من الصعب على الباحث أن يصنف ألفاظ الجرح والتعديل على مراتبها ثم يعمم هذا التصنيف على علماء الجرح إذ أن كثيرا من مدلولات الألفاظ تكون خاصة عند بعضهم دون غيرهم.
سابعا: من خلال كتابتي للرسالة رأيت أن كثيرا من الباحثين وبخاصة المحدثين والمعاصرين، أثناء كتاباتهم عن مصطلح الحديث يمرون على علم الجرح والتعديل مرور الكرام، ولا يعطي من الوقت والجهد ما يناسب وأهميته.
ثامنا: أرى أن يكون لعلم الجرح والتعديل مكان خاص به في الدراسات الشرعية الأولية منها والعليا. إذ إن عامة ما يعرفه طلاب العلوم الشرعية عن هذا العلم من خلال مناهجهم لا يذكر إلى جانب معارفهم ببقية العلوم.
تاسعا: أرى من الضرورة الدينية والوطنية أن ننشأ في بلدنا العزيز كلية للحديث أو دار الحديث، لكي تكون الدراسة فيه أعمق وأجدى وأوسع. تجمع فيها المخطوطات والمصنفات النادرة.
... وأخيرا أسأل الله العظيم أن يلهمنا الحق ويرزقنا أتباعه وأن يعلمنا ما جهلنا وأن تنعتنا بما علمنا وأن يزيدنا علما إنه هو السميع المجيب.(12/2)
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
أبجد العلوم، صديق بن حسن القنوجي (ت 1307) تحقيق عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية/ بيروت 1978.
ابن أبي حاتم ومكانته عند علماء الجرح والتعديل، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد/ كلية العلوم الإسلامية للدكتور زياد محمود رشيد العاني.
الأحكام/ علي بن محمد الأمدي أبو الحسن (ت 631) تحقيق الدكتور سيد الجميلي/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ الطبعة الأولى/ 1404.
أحكام القرآن/ محمد بن إدريس الشافعي (ت 204) أبو عبد الله، تحقيق الشيخ عبد الغني عبد الخالق/ دار الكتب العلمية/ بيروت 1400.
أحوال الرجال/ إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني/ أبو اسحق (ت 259) تحقيق د. صبحي السامرائي/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ الطبعة الأولى 1405.
اختصار علوم الحديث/ لأبن كثير (ت 774) مطبوع مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد محمد شاكر مطبعة علي صبيح وأولاده/ مصر الطبعة الثالثة.
أدب الإملاء والإستملاء/ عبد الكريم بن محمد منصور السمعاني أبو سعد (ت 562)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ الطبعة الأولى 1401-1981.(13/1)
الإرشاد/ الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزويني/ أبو يعلى (ت 446) تحقيق د. محمد سعيد عمر إدريس/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1409).
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول/ محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1255هـ) دار الفكر/ بيروت/ لبنان.
الأسامي والكنى/ أحمد بن محمد بن حنبل (ت240) تحقيق عبد الله بن يوسف الجديع/ مكتبة الأقصى/ الكويت/ الطبعة الأولى 1406-1986.
الاستيعاب في أسماء الأصحاب/ يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (ت 463) تحقيق علي محمد البجاوي/ دار الجيل/ بيروت/ الطبعة الأولى 1412.
الأسماء المفردة/ أحمد بن هارون البرديحي أبو بكر/ تحقيق عبده علي كوشك/ دار المأمون للتراث/ دمشق/ الطبعة الأولى 1410.
الإسناد عند المحدثين/ رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد/ للدكتور داود سلمان صالح/ 1408.
الإصابة في تمييز الصحابة/ أحمد بن علي بن حجر/ العسقلاني/ أبو الفضل/ تحقيق علي محمد البجاوي/ دار الجيل/ بيروت/ الطبعة الأولى 1412.
أضواء على السنة المحمدية/ محمود أبو ربة.(13/2)
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوبيخ/ محمد بن عبد الرحمن السخاوي/ ضمن كتاب علم التأريخ عند المسلمين لروز نثال/ مؤسسة الرسالة-بيروت/ الطبعة الثانية 1403.
ألفية السيوطي في علم الحديث/ الإمام السيوطي (ت911)/ شرح أحمد محمد شاكر/ المكتبة العلمية.
الاقتراح في بيان الاصطلاح/ ابن دقيق العيد/ تحقيق د. قحطان عبد الرحمن الدوري/ مطبعة الإرشاد-بغداد 1402-1982.
الإكمال لأبن ماكولا/ علي بن هبة الله بن أبي نصر بن ماكولا (ت 475) دار الكتب العلمية/ بيروت/ الطبعة الأولى 1411.
الإكمال للحسيني/ محمد بن علي بن الحسن أبو المحاسن الحسيني (ت 765) تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي/ جامعة الدراسات الإسلامية/ كرا نشي 1409-1989.
الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع/ أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت 544) تحقيق أحمد صفر/ دار التراث عياض بن موسى اليحصبي (ت 544) تحقيق أحمد صفر/ دار التراث-القاهرة 1389-1970.
الأم/ محمد بن إدريس الشافعي (ت 204) دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الثانية 1393هـ.
الأنوار الكاشفة/ عبد الرحمن بن يحيى العلمي/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الثانية 1405هـ.(13/3)
بحر الدم/ أحمد بن حنبل (ت 241) تحقيق د. وصي الله بن محمد بن عباس/ دار الراية/ الرياض/ الطبعة الأولى 1989.
بحوث في تأريخ السنة المشرفة/ د. أكرم ضياء العمري/ الطبعة الرابعة 1405هـ-1985.
البرهان في أصول الفقه/ عبد الملك بن عبد الله الجويني/ تحقيق عبد العظيم الديب/ الطبعة الثانية 1400هـ.
تاج العروس من جواهر القاموس/ محمد مرتضى الزبيدي/ المطبعة الخيرية-مصر 1306هـ.
تأريخ ابن خياط/ خليفة بن خياط العصفري (ت 240) تحقيق سهيل زكار/ دار الفكر ببيروت 1414.
تأريخ ابن معين/ رواية عثمان الدارمي/ يحيى بن معين أبو زكريا (ت233) تحقيق د. أحمد محمد نور سيف/ دار المأمون/ دمشق 1400.
تأريخ بغداد/ أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي (ت 463) دار الكتب العلمية/ بيروت.
التأريخ الصغير/ محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256) تحقيق محمود إبراهيم زايد/ دار الوعي/ مكتبة التراث/ حلب-القاهرة/ الطبعة الأولى 1397-1977.
تأريخ عثمان بن سعيد/ أنظر تأريخ ابن معين.
التأريخ الكبير/ محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256) تحقيق السيد هاشم الندوي/ دار الفكر/ بيروت-لبنان.(13/4)
التبين لأسماء المدلسين/ إبراهيم بن محمد بن سبط بن العجمي الطرابلسي (ت 841) تحقيق محمد إبراهيم داود الموصلي/ مؤسسة الريان للطباعة والنشر/ بيروت/ الطبعة الأولى 1414-1994.
تحذير الخواص من اكاذيب القصاص /جلال الدين السيوطي ( ت 911 ) تحقيق محمد الصباغ / المكتب الاسلامي 1392 ـ1972
تحفة المحتاج/ عمر بن علي بن أحمد الأندلسي (ت 804) تحقيق عبد الله بن سعاف اللحياني/ دار حراء-مكة المكرمة/ الطبعة الأولى 1406.
تدريب الراوي/ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف/ مكتبة الرياض الحديثة/ الرياض.
تذكرة الحفاظ/ محمد بن طاهر بن القيسراني (ت 507) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي/ دار الصميعي/ الرياض/ الطبعة الأولى 1415.
تعجيل المنفعة/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق إكرام الله/ إمداد الحق/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ الطبعة الأولى.
التعديل والتجريح/ سليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد الباجي (ت474) دار اللواء-الرياض تحقيق الدكتور: أبو لبابة حسين/ الطبعة الأولى 1406.(13/5)
التعريفات/ علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت 816) تحقيق إبراهيم الأبياري/ دار الكتاب العربي-بيروت/ الطبعة الأولى 1405.
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني/ تحقيق د. عاصم بن عبد الله القريوني/ مكتبة المنار-الأردن/ الطبعة الأولى.
تفسير البيضاوي / للامام البيضاوي (ت 791)تحقيق عبدالقادر عرفات /دار الفكر / بيروت 1416ـ1996
تفسير ابن كثير/ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء (ت774) دار الفكر/ بيروت 1411.
تفسير الطبري/ محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري/ أبو جعفر (ت310) دار الفكر-بيروت 1405.
تفسير القرطبي/ محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي (ت 671) تحقيق أحمد عبد العليم البردوني/ دار الشعب/ القاهرة/ الطبعة الثانية 1372.
تقريب التهذيب/ ابن حجر العسقلاني/ تحقيق محمد عوامة/ دار الرشيد-سوريا/ الطبعة الأولى 1406-1986.
التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح/ عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن العراقي (ت 806) تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان/ المكتبة السلفية-المدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1389-1969.(13/6)
تكملة الإكمال/ محمد بن عبد الغني البغدادي/ أبو بكر (ت 629) تحقيق د. عبد القيوم عبد رب النبي/ جامعة أم القرى/ مكة المكرمة/ الطبعة الأولى 1410.
تلخيص الحبير/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق السيد عبد الله هاشم اليماني المدني/ المدينة المنورة 1384-1964.
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل/ عبد الرحمن بن يحيى العلمي (ت1368) المكتب الإسلامي/ الطبعة الثانية 1406-1986.
التمهيد/ أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (ت463) تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي/ محمد عبد الكبير البكري/ وزارة عموم الأوقاف-المغرب 1387.
تنوير الحوالك/ عبد الرحمن بن أبي بكر أبو الفضل السيوطي/ المكتبة التجارية الكبرى-مصر 1389-1969.
تهذيب الأسماء/ أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي/ دار الفكر-بيروت/ الطبعة الأولى 1996.
تهذيب التهذيب/ ابن حجر العسقلاني (ت 852) دار الفكر-بيروت/ الطبعة الأولى 1404-1984.
تهذيب الكمال/ يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي (ت 742) تحقيق د. بشار عواد معروف/ مؤسسة الرسالة-بيروت/ الطبعة الأولى 1400-1980.(13/7)
توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار/ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت 1182) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد/ مكتبة الخانجي-القاهرة/ الطبعة الأولى 1366.
الثقات/ محمد بن حبان بن احمد أبو حاتم البستي (ت 354) تحقيق السيد شرف الدين أحمد/ دار الفكر/ الطبعة الأولى 1395-1975.
الجامع الصغير/ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911) تحقيق. محمد عبد الرؤوف المناوي/ دار طائر العلم/ جدة.
جامع الأصول في أحاديث الرسول/ أبو السعادات المبارك بن الأثير الجزري (ت606) تحقيق عبد القادر الأناؤوط/ مكتبة الحلواني-القاهرة 1389-1969.
جامع التحصيل/ أبو سعيد بن خليل بن كيكلوي أبو سعيد العلائي (ت 761) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي/ عالم الكتب-بيروت/ الطبعة الثانية 1407-1986.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع/ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463) تحقيق د. محمود الطحان/ مكتبة المعارف/ الرياض 1403.
الجرح والتعديل/ عبد الرحمن بن أبي حاتم بن محمد بن إدريس أبو محمد الرازي (ت 327) دار إحياء التراث العربي-بيروت/ الطبعة الأولى 1371-1952.(13/8)
جوامع الأصول في علم حديث الرسول/ محمد بن محمد بن علي الفارسي الهروي (ت 837) تحقيق أبو المعالي المباركفوري/ المطبعة الهندية/ بومباي 1393-1973.
الحدود الأنيقة/ زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري أبو يحيى (ت 926) تحقيق د. مازن المبارك/ دار الفكر المعاصر/ بيروت/ الطبعة الأولى 1411.
الخلاصة في أصول الحديث/ الحسين بن عبد الله الطيبي (ت 743) تحقيق صبحي السامرائي/ سلسلة أحياء التراث الإسلامي-بغداد 1391-1971.
دراسة في مصطلح الحديث/ إبراهيم النعمة مطبعة الزهراء الحديثة ـ نينوى /الطبعة الاولى 1406 ـ1985.
ديوان الضعفاء والمتروكين/ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748) تحقيق حماد الأنصاري/ مطبعة النهضة الحديثة-مكة المكرمة 1387.
ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم/ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385) تحقيق بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت/ مؤسسة الكتب الثقافية بيروت/ الطبعة الأولى 1985.
ذيل مولد العلماء/ عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني (ت 466) تحقيق عبد الله أحمد سليمان الحمد/ دار العاصمة-الرياض/ الطبعة الأولى 1409.(13/9)
رجال صحيح البخاري/ أحمد بن محمد بن الحسين البخاري الكلاباذي أبو نصر (ت 398) تحقيق عبد الله الليثي/ دار المعرفة-بيروت/ الطبعة الأولى 1407.
رجال مسلم/ أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني أبو بكر (ت 347) تحقيق عبد الله الليثي/ دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الأولى 1407.
رسائل في علوم الحديث/ أحمد بن شعيب النسائي (ت 303) تحقيق جميل علي حسن مؤسسة الكتب الثقافية/ الطبعة الأولى 1985.
الرسالة/ محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي (ت 204) تحقيق أحمد محمد شاكر/ القاهرة 1358-1939.
رسالة في الجرح والتعديل/ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري أبو محمد (ت 656) تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفربوائي/ مكتبة دار الأقصى/ الكويت/ الطبعة الأولى 1406.
الرسالة الإسلامية/ مجلة فكرية إسلامية تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية-بغداد/ العددان (168 و 169) بحث بعنوان ( علم الجرح والتعديل) للدكتور حارث سليمان الضاري 1404هـ-1984.
الرفع والتكميل في الجرح والتعديل/ للإمام اللكنوي (ت 1304) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة/ مكتب المطبوعات الإسلامية/ الطبعة الثانية 1388-1968.(13/10)
روائع البيان لمعاني القرآن/ أيمن عبد العزيز جبر/ عمان/ دار الأرقم/ الطبعة الأولى 1997.
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع الثاني /محمود ابو الفضل الالوسي (ت 1270 ) دار احياء التراث العربي / بيروت /لبنان
الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم/ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الوزير (ت 1345) الناشر/ نور محمد/ كرا نشي 1379-1960.
سؤالات البرقاني/ علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني (ت 385) تحقيق د. عبد الرحيم محمد القشعري/ كتب خانة الجميلي/ باكستان/ الطبعة الأولى 1404.
سؤالات الحاكم/ علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني (ت 385) تحقيق د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر/ مكتبة المعارف/ الرياض/ الطبعة الأولى 1404-1984.
سؤالات حمزة/ الدارقطني (ت 385) تحقيق د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر/ مكتبة المعارف/ الرياض/ الطبعة الأولى 1404-1984.
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/ د. مصطفى السباعي/ الدار القومية للطباعة والنشر 1966.
سنن ابن ماجه/ محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (ت275) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ بيروت.(13/11)
سنن أبي داود/ سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد/ دار الفكر/ بيروت.
سنن البيهقي/ أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي (ت 458) تحقيق محمد عبد القادر عطا/ مكتبة دار الباز/ مكة المكرمة/ 1414-1994.
سنن الترمذي/ محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي (ت 279) تحقيق أحمد محمد شاكر/ دار إحياء التراث العربي.
سنن الدارقطني/ علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني (ت 385) تحقيق عبد الله هاشم اليماني/ دار المعرفة/ بيروت 1386-1966.
سنن الدارمي/ عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي (ت 255) تحقيق فواز أحمد زمرلي، وخالد سبع العلمي/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ الطبعة الأولى 1407.
سنن النسائي (المجتبى)/ أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة/ مكتب المطبوعات الإسلامية-حلب/ الطبعة الثانية 1406-1986.
سير أعلام النبلاء/ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت 748) تحقيق شعيب الأرناؤوط/ مؤسسة الرسالة-بيروت/ الطبعة التاسعة 1413.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب/ عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089) مكتبة القدس/ 1351هـ.(13/12)
شرح التبصرة والتذكرة/ عبد الرحيم بن الحسين العراقي/ المطبعة الجديدة في فاس-المغرب/ الطبعة الأولى 1354هـ.
شرح سنن ابن ماجه/ الإمام السيوطي (ت 911) وفخر الحسن الدهلوي قديمي كتب خانة-كرا نشي.
شرح علل الترمذي/ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي/ تحقيق همام عبد الرحيم سعيد/ الطبعة الأولى 1407.
شرح النووي على صحيح مسلم/ أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676) دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ الطبعة الثانية 1392.
شرف أصحاب الحديث/ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463) تحقيق محمد سعيد خطيب أوغلي/ دار إحياء السنة النبوية.
شروط الأئمة/ محمد بن اسحق بن محمد بن منده (ت 395) تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفربوائي/ دار المسلم-الرياض/ الطبعة الأولى 1414.
الصحابة ومكانتهم عند المسلمين/ محمود عيدان أحمد/ رسالة ماجستير/ مقدمة إلى جامعة بغداد/ كلية العلوم الإسلامية 1993.
صحيح ابن حبان/ محمد ابن حبان بن أحمد السبتي (ت 254) تحقيق شعيب الأرناؤوط/ مؤسسة الرسالة-بيروت/ الطبعة الثانية 1414-1970.(13/13)
صحيح ابن خزيمة/ محمد بن اسحق بن خزيمة أبو بكر السلمي (ت 311) تحقيق محمد مصطفى العظمي/ المكتب الإسلامي-بيروت 1390-1970.
صحيح البخاري/ محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي (ت 256) تحقيق مصطفى ديب البغا/ دار ابن كثير-بيروت/ الطبعة الثالثة 1407-1987.
صحيح مسلم/ مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري (ت 261) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي-بيروت.
صفوة البيان في معاني القرآن/ محمد حسنين مخلوف.
صفوة الصفوة/ عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج (ت 579) تحقيق محمود فاخوري ومحمد رواس قلعه جي/ دار المعرفة-بيروت/ الطبعة الثانية 1399-1979.
الضعفاء والمتروكين/ أحمد بن شعيب النسائي (ت 303) تحقيق محمود إبراهيم زايد/ دار الوعي-حلب/ الطبعة الأولى 1369.
الضعفاء والمتروكين لأبن الجوزي/ عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج (ت 579) تحقيق عبد الله القاضي/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1406).
ضوابط الجرح والتعديل/ د.عبد العزيز بن حمد بن إبراهيم العبد اللطيف/ منشورات الجامعة الإسلامية-المدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1412هـ.(13/14)
طبقات ابن سعد/ محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله البصري (ت 230) دار صادر-بيروت.
طبقات الحفاظ/ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911) دار الكتب العلمية-بيروت/ الطبعة الأولى 1403.
طبقات خليفة بن خياط (ت 240) تحقيق أكرم ضياء العمري/ دار طيبة-الرياض/ الطبعة الثانية 1402-1982.
طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي أبو نصر (ت 771) تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو/ مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركائه/ الطبعة الأولى.
طبقات المحدثين/ محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله الذهبي (ت 748) تحقيق همام عبد الرحيم سعيد/ دار الفرقان-عمان/ الطبعة الأولى 1404.
طبقات المدلسين/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق عاصم عبد الله القريوتي/ مكتبة المنار-عمان 1403-1983.
عدالة الصحابة عند المسلمين/ رسالة دكتوراه/ محمد محمود لطيف/ مقدمة إلى جامعة بغداد/ كلية العلوم الإسلامية.
علل أحمد بن حنبل/ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 240) تحقيق صبحي السامرائي/ مكتبة المعارف-الرياض/ الطبعة الأولى 1409.(13/15)
علل الترمذي/ محمد بن عيسى بن سورة أبو عيسى الترمذي (ت 279) تحقيق أحمد محمد شاكر/ دار إحياء التراث العربي-بيروت 1357-1938.
العلل الصغير/ أبو عيسى الترمذي/ ملحق بكتاب الجامع له (أي سنن الترمذي) مع شرحه المباركفوري نسخة مصورة عن الطبعة الهندية.
علوم الحديث ومصطلحه/ الشيخ صبحي الصالح/ دار العلم للملامين-بيروت/ الطبعة الخامسة 1388-1969.
علوم الحديث ونصوص من الأثر/ د. رشدي عليان ود. قحطان عبد الرحمن الدوري ود. كاظم فتحي الراوي/ مطبعة جامعة بغداد 1980.
عون المعبود في شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب/ دار الكتب العلمية-بيروت/ الطبعة الثانية 1415.
فتح الباري/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب/ دار المعرفة-بيروت 1379.
فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي/ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي/ تحقيق محمد عثمان/ القاهرة 1388-1968.
فجر الإسلام/ أحمد أمين/ دار الكتاب العربي-بيروت/ الطبعة العاشرة.
فواتح الرحموت/ عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري (ت 1225هـ) مكتبة المثنى/ بغداد 1970.(13/16)
قاعدة في الجرح والتعديل/ تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة/ مطبوع ضمن كتاب أربع رسائل في علوم الحديث/ مكتب المطبوعات الإسلامية-القاهرة/ الطبعة الثالثة 1404-1984.
القاموس المحيط/ مجد الدين بن يعقوب الفيروزآبادي/ دار الجيل-بيروت/ لبنان.
قواعد التحديث/ محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332) تحقيق محمد بهجت البيطار/ دار إحياء الكتب العربية/ الطبعة الثانية 1380-1961.
قواعد الحديث/ محي الدين الموسوي الغريفي/ مطبعة الآداب-النجف/ العراق/ الطبعة الأولى.
قواعد في علوم الحديث/ ظفر أحمد العثماني التهاوني (ت 1394هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة/ لبنان/ الطبعة الثالثة 1392-1972.
الكاشف/ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748) تحقيق محمد عوامة/ دار القبلة للثقافة الإسلامية-جدة/ 1412-1992.
الكامل في ضعفاء الرجال/ عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني (ت 365) تحقيق يحيى مختار غزاوي/ دار الفكر-بيروت/ الطبعة الثالثة 1409-1988.
كتاب ضعفاء العقيلي/ أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى العقيلي (ت 322) تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي/ دار المكتبة العلمية-بيروت/ الطبعة الأولى 1404-1984.(13/17)
كتاب الضعفاء للأصبهاني/ أحمد بن عبد الله بن أحمد أو نعيم الأصبهاني (ت 430) تحقيق د. فاروق حمادة/ دار الثقافة-الدار البيضاء/ الطبعة الأولى 1405-1984.
كتاب المجروحين/ أبو حاتم محمد بن حبان السبتي (ت 254) تحقيق محمود إبراهيم زايد/ دار الوعي-حلب.
كتاب المختلطين/ صلاح الدين أبو سعيد بن خليل بن سيف العلائي (ت 761) تحقيق د. رفعت عبد المطلب وعلي عبد الباسط فريد/ مكتبة الخانجي-القاهرة/ الطبعة الأولى 1996.
الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث/ إبراهيم بن محمد بن سبط بن العجمي (ت 841) تحقيق صبحي السامرائي/ عالم الكتب/ مكتبة النهضة العربية-بيروت/ الطبعة الأولى 1407-1987.
الكفاية في علم الرواية/ أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي (ت 463) تحقيق أحمد عمر هاشم/ دار الكتاب العربي-بيروت/ الطبعة الثانية 1406-1986.
الكنى والأسماء/ مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري (ت 261) تحقيق عبد الرحيم القشقري/ الجامعة الإسلامية-المدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1404.
اللالىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة/ للحافظ جلال الدين السيوطي (ت911) المكتبة التجارية بمصر.(13/18)
لسان العرب/ أبو الفضل جمال الدين بن منظور (ت 711) دار صادر-بيروت 1374-1955.
لسان الميزان/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق دائرة المعارف النظامية في الهند/ مؤسسة العلمي للمطبوعات/ الطبعة الثالثة 1406-1986.
مجمع الزوائد/ علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807) دار الكتاب العربي-بيروت 1407-1987.
مباحث في علم الجرح والتعديل/ قاسم علي سعد/ دار البشائر الإسلامية/ وهو جزء من رسالة ماجستير أعدها المؤلف بعنوان (منهج الذهبي وموارده في كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال).
المتكلمون في الرجال/ محمد بن عبد الرحمن السخاوي/ تحقيق عبد الفتاح أبو غدة/ الطبعة الخامسة 1404هـ.
محاسن الإصلاح على مقدمة ابن الصلاح/ عمر بن رسلان البلقيني/ تحقيق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ/ مطبعة دار الكتب 1974.
المحدث الفاصل/ الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت 360) تحقيق محمد عجاج الخطيب/ دار الفكر-بيروت/ الطبعة الثالثة 1404.
المحلى/ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (ت 456) تحقيق لجنة إحياء التراث/ دار الآفاق الجديدة-بيروت.
مختار الصحاح/ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 666) دار الكتاب العربي-بيروت 1401-1963.(13/19)
المستصفى من علم الأصول/ محمد بن محمد بن محمد الغزالي (ت 505) مطبوع مع فواتح الرحموت/ مكتبة المثنى-بغداد 1970.
المستدرك/ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا/ دار الكتب العلمية-بيروت/ الطبعة الأولى 1411-1990.
مسند أبي يعلى/ أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي (ت 307) تحقيق حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث-دمشق/ الطبعة الأولى 1404-1984.
مسند أحمد/ أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241) مؤسسة قرطبة-القاهرة.
مسند البزار/ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار (ت 293) تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله/ مؤسسة علوم القرآن/ مكتبة العلوم والحكم-بيروت-المدينة/ الطبعة الأولى 1409.
مسند الحميدي/ عبد الله بن الزبير أبو بكر الحميدي (ت 219) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي/ دار الكتب العلمية-بيروت/ مكتبة المتنبي-القاهرة.
مشاهير علماء الأمصار/ محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم السبتي (ت 254) تحقيق المستشرق فلايشهمر/ دار الكتب العلمية-بيروت 1959.(13/20)
مصنف ابن أبي شيبة/ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235) تحقيق كمال يوسف الحوت/ مكتبة الرشد-الرياض/الطبعة الأولى 1409.
مصنف عبد الرزاق/ أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي/ المكتب الإسلامي-بيروت/ الطبعة الثانية 1403.
المعرفة والتأريخ/ يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277) تحقيق أكرم ضياء العمري/ مطبعة الإرشاد-بغداد 1394.
معرفة الثقات/ أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي (ت 261) تحقيق عبد العليم عبد العظيم البستوي/ مكتبة الدار-المدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1405-1985.
معرفة علوم الحديث/ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405) تحقيق السيد معظم حسين/ دار الكتب العلمية-بيروت/ الطبعة الثانية 1397-1977.
معرفة الرجال المتكلم فيهم بم لا يوجب الرد (ذكر أسماء من تكلم فيه وهو ثقة) محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ تحقيق إبراهيم سعيد آي إدريس/ الطبعة الأولى 1406.
المغني في الضعفاء/ الإمام الذهبي (ت 748) تحقيق نور الدين عتر/ دار المعارف-حلب/ الطبعة الأولى 1391.(13/21)
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين/ أبو الحسن الأشعري/ تحقيق محمد محي الدين عبد المجيد/ مكتبة النهضة المصرية/ الطبعة الأولى 1369.
المقتنى في سرد الكنى/ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت 748) تحقيق صالح محمد عبد العزيز المراد/ مطابع الجامعة الإسلامية-المدينة المنورة 1408.
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد/ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله (ت 884) تحقيق عبد الرحمن بن سليمان التميمي/ مكتبة الرشد-الرياض/ الطبعة الأولى 1990.
مقدمة ابن الصلاح أو علوم الحديث/ عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح الشهرزوري/ تحقيق د. عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ/ مطبعة دار الكتب 1974.
مقدمة فتح الباري/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار المعرفة-بيروت 1379.
من تكلم فيه وهو موثق/ شمس الدين الذهبي (ت 748) تحقيق محمد شكور أمرير المياديني/ مكتبة المنارة الزرقاء/ الطبعة الأولى 1406.
من روى عنهم البخاري في الصحيح/ عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365) تحقيق د. عامر حسن بصري/ دار البشائر الإسلامية-بيروت/ الطبعة الأولى 1414.(13/22)
المنخول/ محمد بن محمد بن محمد الغزالي (ت 505) تحقيق محمد حسن هيتو/ دار الفكر-دمشق/ الطبعة الثانية 1400.
منظومة البيقوني/ عمر بن محمد بن فتوح البيقوني/ تحقيق كمال يوسف الحوت/ مركز الخدمات والأبحاث الثقافية/ بيروت 1407-1987.
المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل/ د. فاروق حمادة/ مكتبة المعارف الرباط-المغرب/ الطبعة الأولى 1401-1981.
المنهل الروي/ محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت 733) تحقيق د. محي الدين عبد الرحمن رمضان/ دار الفكر-دمشق/ الطبعة الثانية 1406.
موطأ الإمام مالك/ مالك بن أنس، أبو عبد الله الأصبحي (ت 179) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي-مصر.
الموجز في علوم الحديث/ د. مساعد مسلم آل جعفر/ مطبعة الرسالة-بغداد 1978.
الموقظة في علم مصطلح الحديث/ شمس الدين أحمد بن محمد الذهبي (ت 748) تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة/ الطبعة الأولى 1382.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال/ شمس الدين الذهبي/ تحقيق الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود/ دار الكتب العلمية-بيروت/ الطبعة الأولى 1995.(13/23)
نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ضمن كتاب سبل السلام دار إحياء التراث العربي-بيروت.
نزهة النظر شرح نخبة الفكر/ أحمد بن علي بن حجر/ المكتبة العلمية-المدينة المنورة/ الطبعة الثالثة.
نصب الراية/ عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت 762) تحقيق محمد يوسف البنوري/ دار الحديث-مصر 1357.
نصيحة أهل الحديث/ أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر، الخطيب البغدادي (ت 463).
النكت على ابن الصلاح/ ابن حجر العسقلاني (ت 852) تحقيق ربيع بن هادي عمير/ الطبعة الأولى 1404هـ-1984.
النهاية في غريب الحديث والأثر/ لأبن الأثير (ت 606) تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي/ الطبعة الثانية 1399-1979.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ ابن خلكان (ت 681هـ) دار الثقافة-بيروت 1972.(13/24)
تراجم الأعلام الواردة ذكرهم
في الرسالة
حرف الألف
* أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم وثقه الأئمة وهم ابن حزم فجهلة وابن عبد البر فضعفه مات سنة مائة وسبع عشرة وهو ابن خمس وخمسين (تقريب 1/30).
* إبراهيم بن طهمان صدوق مشهور وثقه جماعة وضعفه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وحده (من تكلم فيه وهو ثقه 1/31).
* إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال ابن عدي روى عن الثقات مناكير يمكن أن تكون من الراوي عنه يروى عن جعفر بن سليمان وطائفة.روى عنه فضل بن سهل الاعرج ، وابو امية الطرسوسي واسحق بن سيار النصيبي ( الجرح التعديل 2/112 )
* إبراهيم بن العلاء أبو هارون الغنوي يروي عن حطان الرقاشي وثقة جماعة ووهاه شعبة وكان يحيى وابن مهدي لا يحدثان عنه، قال ابن عدي: هو إلى الصدق أقرب (المغني في الضعفاء 1/20).
* إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، أبو اسحاق المدني، متروك من السابعة مات سنة أربع وثمانين ومائة وقيل إحدى وتسعين (تقريب التهذيب 1/42).
* إبراهيم بن هارون الصنعاني فيه جهالة، قال: ابن معين يكتب حديثه ذكره ابن عدي (المغني في الضعفاء 1/28).(14/1)
* إبراهيم بن يزيد بن عمرو النخعي أبو عمران سمع المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك ودخل على عائشة روى عنه منصور ومغيرة والأعمش كان مولده سنة خمسين ومات سنة خمس أو ست وتسعين وهو ابن ست وأربعين سنة… وكانت أمه مليكة بنت قيس أخت علقمة بن قيس.( التاريخ الكبير 1 /333)
* إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي عن طاووس قال أحمد والنسائي متروك (المغني في الضعفاء 1/30).
* أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء، ويكنى أبا الطفيل أيضا من فضلاء الصحابة اختلف في سنة موته اختلافا كثيرا قيل سنة تسع عشر وقيل سنة اثنين وثلاثين (تقريب التهذيب 1/48).
* أحمد بن سنان الواسطي أبو جعفر روى عن أبي معاوية ووكيع وعبد الرحمن ابن مهدي، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول أدركته ولم أكتب عنه، سمعت أبي يقول كتبت عنه وكان ثقه صدوقا، (الجرح والتعديل 2/53).
* أحمد بن شبيب بن سعيد أبو عبد الله الجحدري روى عن يزيد بن زريع وأبيه شبيب بن سعيد ومروان بن معاوية وعبد الله بن رجاء يعد في البصريين كتب عنه أبو حاتم الرازي وأبو زرعة، وثقه أبو حاتم (الجرح والتعديل 2/54).(14/2)
* أحمد بن عبد الله أبو نعيم الأصبهاني صدوق إمام تكلم فيه بعضهم (المغني في الضعفاء 1/45).
* أحمد بن واضح لم أجد له ترجمة لكن وجدت ترجمة لشخص ربما يكون ابنه وهو عبد الله بن أحمد بن واضح أبو الحسن من أهل الصافية ذكر ابن الثلاج أنه قدم بغداد سنة أربع وأربعين وثلاث مئة حدثهم من حفظه عن محمد بن زكريا القلابي (تأريخ بغداد 9/389).
* أزهر بن سعد السمان، أبو بكر روى عن يونس بن عبيد وابن عون روى عنه ابن المديني وأحمد بن إبراهيم ومحمد بن المثنى وابن عرعرة… وثقه ابن معين (الجرح والتعديل 2/315).
* أسماء بن الحكم الفزاري روى عن علي وروى عنه علي بن ربيعة (الجرح والتعديل 2/325).
* إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أبي أوس بن أبي عامر الأصبحي.. وهو ابن أخت مالك بن أنس وسليمان بن بلال وأباه مات سنة ست وعشرين ومئتين (التأريخ الكبير 1/364).
* إسماعيل بن مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني سمع بيان بن بشر يعد من الكوفيين سمع منه أحمد بن سليمان وابنه عمر (التأريخ الكبير 1/374).(14/3)
* الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي أبو محمد، صحابي نزل الكوفة مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة (تقريب التهذيب 1/80).
* أبان بن أبي عياش، فيروز البصري، متروك مات في حدود مائة وأربعين (تقريب التهذيب 1/31).
* أبو أيوب الأنصاري الخزرجي النجار البدري السيد الكبير الذي خصه الرسول- صلى الله عليه وسلم - بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة وبني المسجد الشريف واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة حدث عنه جابر بن سمرة والبراء بن عازب والمقدام بن معد يكرب وجمع من التابعين… قال الواقدي توفي عام غزاة يزيد في خلافة أبيه القسطنطينية وكان ذلك في سنة اثنين وخمسين وصلى عيه يزيد ودفن بأصل حضن القسطنطينية، (سير أعلام النبلاء 2/414).
حرف الباء
* ابن الباغندي: الحافظ بن الحافظ بن الحافظ الإمام المتقن أبو ذر أحمد بن أبي بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي سمع عمر بن شيبة وسعدان بن نصر وعلي بن الحسين بن اشكاب روى عنه الدارقطني والمعافى والنهرواني وعمر بن شاهين مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة، (سير أعلام النبلاء 15/268).(14/4)
* البراء بن عازب: أبو عمارة الأنصاري الحارثي نزل الكوفة ورد عنه أنه قال: (غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة غزوة) (التأريخ الكبير 2/117) روى عنه الشعبي وعبد لله بن يزيد الأنصاري وعدي بن ثابت وأبو اسحق السبيعي (الجرح والتعديل 2/399).
* أبو بردة: ابن أبي موسى الأشعري الإمام الفقيه الثبت ويقال عامر ابن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قاضي الكوفة للحجاج ثم عزله بأخيه أبي بكر، حدث عن أبيه وعائشة وأسماء بن عميس وعبد الله بن سلام وغيرهم كثير حدث عنه عروة بن الزبير والربيع بن خيثم وزر بن حبيش وطائفة والقاسم والشعبي وغيرهم. قال عنه ابن سعد ثقة كثير الحديث وقال العجلي (كوفي تابعي ثقة) اختلف في تأريخ وفاته فقيل أنه توفي سنة ثلاث ومئة، وقال أبو عبيد وخليفة بن خياط أنه مات سنة أربع ومئة، (سير أعلام النبلاء 4/364).(14/5)
* البرقاني: الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد ابن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد، سمع أبا علي بن الصواف والإسماعيلي وصنف وخرج على الصحيحين روى عنه البيهقي والخطيب وأبو اسحق الشيرازي قال الخطيب كان ثقة ورعا لم نر في شيوخنا أثبت منه ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومات سنة خمس وعشرين وأربعمائة، (طبقات الحفاظ 1/418).
* بركة بن يعلى: قال الذهبي (لا يعرف) (ميزان الاعتدال 2/12).
* البزار: الحافظ العلامة الشهير أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير رحل في آخر عمره إلى أصبهان والشام بنشر علمه مات بالرملة سنة مئتين واثنتين وتسعين (طبقات الحفاظ 1/ 289).
* بسرة بنت صفوان بن نوفل بن خويلد أسد بن عبد العزى من المهاجرات، خديجة امرأة رسول - صلى الله عليه وسلم - عمة أبيها (الثقات 3/37).(14/6)
* بشر بن الحارث أبو نصر المعروف بالحافي الزاهد روى عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة وأبي الأحوص وروى عن يحيى بن اليمان وعبد الله بن داود الخريبي وكذلك عن فضيل بن عياض وغيرهم روى عنه محمد بن هارون البغدادي وأحمد بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن يوسف الجوهري ثقه مرضي، (الجرح والتعديل 2/356).
* أبو البشر الدولابي: الحافظ العالم محمد بن أحمد بن سعيد بن مسلمة الأنصاري الرازي الوراق روى عنه ابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان والطبراني قال الدارقطني: تكلموا فيه وما تبين من أمره الا خيرا، قال ابن يونس: كان من أهل الصنعة وكان يضعف، مات سنة عشر وثلاثمائة (طبقات الحفاظ 1/322).
* بشر بن شعيب بن أبي حمزة أبو القاسم اليحصبي مولى بني أمية روى عن أبيه روى عنه أحمد بن حنبل وعمرو بن عثمان. مات سنة اثنتي عشرة ومئتين (التأريخ الكبير 2/76، والجرح والتعديل 2/359).
* أبو بكرة: نفيع بن الحارث له صحبة قال مسدد مات أبو بكرة والحسن بن علي في سنة وقال غيره سنة إحدى وخمسين بعد الحسن (التأريخ الكبير 8/113) روى عنه بنوه عبد الرحمن وعبد العزيز وعبيد الله ومسلم وروى عنه الحسن البصري (الجرح والتعديل 8/ 489).(14/7)
* أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال البغدادي الحنبلي الفقيه العلامة مؤلف علم أحمد وجامعه ومرتبه صنف السنة والعلل والجامع مات في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثلاث مئة (طبقات الحفاظ 1/331).
* أبو بكر ابن عياش الأسدي: كان مولى بني أسد من المتورعين في الدين ولد سنة خمس وتسعين ومات سنة ثلاث وتسعين ومئة (مشاهير علماء الأمصار 1/173) سمع أبا اسحاق وأبا حصين روى عنه ابن مهدي وأبو نعيم قال أبو حفص: اسمه سالم وقال غيره: شعبة). (الكنى والأسماء 1/126).
* أبو بكر محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك سمع ابن عمر وأبا هريرة وروى عنه الشعبي وأيوب وقتادة. (الكنى والأسماء 1/114).
* أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري سمع أنس بن مالك وسهل بن سعد ورأى ابن عمر روى عنه قتادة وعمرو بن دينار ومنصور وأيوب. (الكنى والأسماء 1/115).(14/8)
* البلقيني: الإمام الفقيه الحافظ ذو التصانيف الكثيرة سراج الدين أبو حفص عمر ابن الإمام النحوي نور الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي ولد سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة سمع من الميدومي وتخرج في الحديث بالزين الرحبي فبرع في الفقه والحديث وصنف فيهما الكثير كشرح البخاري وشرح العمدة وألف في المصطلح كتاب (المقنع) مات سنة أربع وثمانمائة. (طبقات الحفاظ 1/542).
حرف التاء
* أبو تراب ،المحسن بن محمد الحسيني القاضي الشريف روى عن يوسف بن القاسم الميائجي كان سماعه بخط عمه القاضي أبي محمد. مات سنة ست وثلاثين وأربعمائة. (ذيل مولد العلماء 1/185).
* تقي الدين السبكي: الإمام الفقيه الحافظ المفسر الأصولي النحوي الأديب أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة أخذ الفقه عن ابن الرفعة والحديث عن الشرف الدمياطي والنحو عن أبي حيان أقبل على التصنيف والفتيا صنف أكثر من مائة وخمسين كتابا ولي مشيخة الحديث بعد وفاة الشيخ المزي توفي بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة. (طبقات الحفاظ 1/525).(14/9)
* ابن تيمية: الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن المغني شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام الحراني ولد سنة إحدى وستين وستمائة. سمع من أبي اليسر وابن عبد الدائم وغيره.. كان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد والأفراد ألف ثلاث مائة مجلدة وأمتحن وأوذي مرارا مات سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. (طبقات الحفاظ 1/521).
حرف الثاء
* ثابت بن أسلم البناني: أبو محمد البصري ثقة عابد من الطبقة الرابعة مات سنة سبع وعشرين ومائة، وله ست وثمانون سنة. (تقريب التهذيب 1/115).
حرف الجيم
* جابر بن يزيد الجعفي أبو محمد ويقال أبو يزيد روى عن القاسم وعطاء ومحمد ابن علي متروك الحديث (الكنى والأسماء 1/725) وقال البخاري: تركه عبد الرحمن بن مهدي، قال أبو نعيم: مات سنة ثمان وعشرين ومائة.( التاريخ الكبير 2 / 210)(14/10)
* ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الإمام الحافظ العلامة شيخ الحرم أبو خالد وأبو الوليد القرشي الأموي صاحب التصانيف حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر وعن ابن أبي مليكة ونافع مولى ابن عمر وطاووس وغيرهم، كان من يحور العلم حدث عنه ثور بن يزيد والأوزاعي والسفيانان والحمادان وغيرهم كثير كانت ولادته سنة ثمانين ومات سنة خمسين ومائة. (سير أعلام النبلاء 6/333).
* جبارة بن المغلس أبو محمد الحماني كوفي روى عن محمد بن طلحة وأبي بكر النهشلي وقيس بن الربيع ضعيف الحديث روى عنه أبو سعيد الأثبج قال ابن أبي حاتم: أخبرنا الحسين بن الحسن قال: سمعت يحيى بن معين يقول جبارة كذاب. (الجرح والتعديل 2/55).
* جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكنيته أبو عبد الله وقيل شهد العقبة مع أبيه مات سنة ثمان أو تسع وسبعين بعد أن عمي وكان له يوم مات أربع وتسعون سنة يعد من المكثرين في رواية السنة النبوية. (رجال مسلم 1/114).
حرف الحاء(14/11)
* أبو حاتم الرازي: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم وهو ابن المنذر ابن داود بن مهران روى عن الأنصاري وأبي زيد النحوي والأصمعي وعثمان بن الهيثم المؤذن ويحيى ابن حماد وغيرهم.. وروى عنه موسى بن اسحق القاضي وعثمان بن خرزاد الأنطاكي. (الجرح والتعديل 70/205).
* الحارث بن نوفل بن عروة بن المغيرة وكان من أشراف أهل الكوفة روى عن الشعبي. (التأريخ الكبير 2/284).
* الحاكم: الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه النيسابوري صاحب المستدرك والتأريخ وعلوم الحديث وغير ذلك سمع عن ألفي شيخ حدث عنه الدارقطني وابن أبي الفوارس والخليل وخلائق ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ومات سنة خمس وأربعمائة. (طبقات الحفاظ 1/411).
* ابن حبان: الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معد التميمي السبتي صاحب التصانيف سمع النسائي والحسن بن سفيان وأبا يعلى الموصلي، ولى قضاء سمرقند وكان من فقهاء الدين وحفاظ الأمصار عالما بالنجوم والطب وفنون العلم صنف المسند الصحيح والتأريخ والضعفاء مات في شوال سنة خمسين وثلاثمائة وهو في عشر الثمانين. (طبقات الحفاظ 1/376).(14/12)
* حبيب بن حبيب أخو حمزة بن حبيب الزيات روى عنه ابن أبي شيبة مولى بني تيم الله من ربيعة (التأريخ الكبير 3/126) قال أبو زرعة: حبيب بن حبيب أخو حمزة الزيات (واهي الحديث) الجرح والتعديل 3/309).
* ابن حجر: شيخ الإسلام وإمام الحفاظ قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي العسقلاني ثم المصري ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة طلب الحديث سنة أربع وتسعين وسبعمائة فسمع الكثير ورحل ولازم شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي وبرع في الحديث وتقدم في جميع فنونه وصنف التصانيف التي عم النفع بها كشرح البخاري وتعليق التعليق والتشويق إلى وصل التعليق وتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب ولسان الميزان والإصابة وغير ذلك. توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. (طبقات الحفاظ 1/553).(14/13)
* ابن حزم الإمام العلامة الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل اليزيدي الأموي مولاهم القرطبي الظاهري صاحب فنون وورع وزهد وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم أجمع أهل الأندلس لعلوم الإسلام، له المحلى على مذهبه في الفقه والملل والنحل والإيصال في فقه الحديث آخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن شرع بن محمد. مات سنة سبع وخمسين وأربعمائة. (طبقات الحفاظ 1/346).
* الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي أبو محمد الحافظ الإمام البارع صاحب كتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي وكتاب الأمثال من أئمة هذا الشأن عاش إلى قريب الستين وثلاثمائة. (طبقات الحفاظ 1/370).
* حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه في آخره من كبار الثامنة (ت 167). (تقريب التهذيب 1/197).
* حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه. قيل إنه كان ضريرا ولعله طرأ عليه… من كبار الثامنة. مات سنة تسع وسبعين ومائة وله إحدى وثمانون سنة. (تقريب التهذيب 1/197).(14/14)
* حمزة بن حبيب أبو عمارة الكوفي الزيات شيخ القراء وأحد السبعة الأئمة مولى بني تيم الله روى عن الحكم وحبيب بن أبي ثابت وطلحة بن مصرف وعدي بن ثابت وقرأ على الأعمش وحمران بن أعين وابن أبي ليلى وعنه حسين الجعفي ويحيى بن آدم وثقه ابن معين وغيره وقال الناس: ليس به بأس. (ميزان الاعتدال 2/378).
* أبو حنيفة: النعمان بن ثابت مولى بني تيم الله من ثعلبة روى عن عطاء ونافع وأبي جعفر محمد بن علي وقتادة وسماك بن حرب وحماد بن أبي سليمان روى عنه هشيم وعباد بن العوام وابن المبارك ووكيع وعبد الرزاق وأبو نعيم وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن وزفر وغيرهم، قال ابن معين: كان ثقة لا يحدث من الحديث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظه، وقال ابن المبارك: ما رأيت في الفقه مثله ولد سنة ثمانين ومات سنة خمسين ومائة. (طبقات الحفاظ 1/81).
حرف الخاء
* خالد بن خداش المهلبي أبو الهيثم سكن بغداد سمع محمد بن يزيد وابن وهب ومهدي بن ميمون وحماد بن زيد ومالك بن أنس وأبي عوانه روى عنه أبو حاتم الرازي وأبو زرعة سئل عنه أبو حاتم فقال: صدوق لا بأس به. (الجرح والتعديل 3/327).(14/15)
* خريم بن فاتك الأسدي صحابي شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، مات في الرقة في خلافة معاوية (التأريخ الكبير 3/225).
* ابن خزيمة: الحافظ الكبير الثبت الإمام شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن اسحق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، سمع اسحاق ومحمد بن حمدي ولم يحدث عنهما لصغر سنه آنذاك حدث عنه الشيخان خارج صحيحهما قال ابن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كان السنن كلها نصب عينيه إلا ابن خزيمة. ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة عن نحو تسعين. (طبقات الحفاظ 1/314).
* الخطيب الحافظ الكبير محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ابن أحمد بن مهدي البغدادي صاحب التصانيف ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة طلب العلم ورحل في سبيله وبرع حتى سارت بذكره الركبان أخذ الفقه من أبي الحسن المحاملي والقاضي الباقلاني كان من كبار الشافعية وآخر الأعيان معرفة وضبطا واتقانا. له العديد من المصنفات أبرزها تأريخ بغداد والكفاية وشرف أصحاب الحديث، مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة. (طبقات الحفاظ 1/435).(14/16)
* خيثمة بن أبي خيثمة أبو نصر البصري سمع أنس والحسن وروى عنه الأعمش ومنصور وبشير بن سليمان (الكنى والأسماء 1/837) وجابر الجعفي قال ابن معين: خيثمة البصري ليس بشيء) نقل ذلك عنه ابن أبي حاتم. (الجرح والتعديل 3/394).
حرف الدال
* الدارقطني: هو الإمام شيخ الإسلام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد ابن مهدي البغدادي الدارقطني الحافظ الشهير صاحب السنن والعلل والافراد ولد سنة ست وثلاثمائة وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وابن دريد وخلقا ببغداد والبصرة والكوفة وواسط ومصر والشام حدث عنه الحاكم وأبو حامد الأسفراييني وعبد الغني والبرقاني وأبو نعيم والقاضي أبو الطيب وغيرهم. مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. (طبقات الحفاظ 1/395).
* الدارمي: هو عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي كنيته أبو محمد روى عن أبي اليمان الحكم بن نافع.. ويحيى بن حسان ومحمد بن عبد الله الرقاشي ومروان بن محمد الدمشقي وأبي المغيرة وغيرهم كثير. توفي سنة مائتين وخمس وخمسين روى عنه مسلم. (رجال مسلم 1/351).(14/17)
* الدباج: المحدث الحافظ أبو الفضل العباس بن الفضل بن حبيب السامري المعروف بالدباج روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي ومحمد بن يونس الكديمي وطبقتهما، روى عنه محمد بن عبد الله الشيباني ومحمد بن موسى السمسار وعبد الوهاب الكلابي وابن جميع الصيداوي وغيرهم، قال أبو الحسين الرازي: هو شيخ حافظ كتبت عنه بدمشق. (سير أعلام النبلاء 15/ 295).
* أبو داود: هو سليمان بن الأشعث بن اسحاق السجستاني كان من أكبر أئمة المحدثين وعلمائهم بالنقل وعلله ولم يسبقه أحد إلى مثل تصنيعه كتاب السنن وعرضه على أحمد بن حنبل فاستحسنه وقال إبراهيم الحربي: ألين الحديث لأبي داود كما ألين الحديد لداود وجمع مع علمه الورع والتقوى كتب عن العراقيين والخراسانيين والبصريين والجزريين وغيرهم وكتب عنه أحمد بن حنبل. توفي في البصرة سنة خمس وسبعين ومائتين. (صفوة الصفوة 2/70).(14/18)
* داود الظاهري: داود بن علي الأصبهاني الظاهري الفقيه أبو سليمان قال أبو الفتح الأزدي: (تركوا حديثه ) ولد سنة مائتين وسمع سليمان بن حرب والقعنبي ومسدد وابن راهويه وأبا ثور قال الخطيب: كان إماما ورعا زاهدا ناسكا وفي كتبه حديث يسير لكن الرواية عنه عزيزة جدا روى عنه ابنه محمد الفقيه وزكريا الساجي وجماعة. مات سنة سبعين ومائتين. (ميزان الاعتدال 3/28).
* داود بن الحصين: مولى عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان من أهل الحفظ والاتقان يروى عن عكرمة ونافع روى عنه مالك وأهل المدينة. مات سنة خمس وثلاثين ومائة وكان يذهب مذهب الشراة (أي الخوارج) وكل من ترك حديثه وهم لأنه لم يكن بداعية إلى مذهبه. (الثقات 6/284).
* أبو الدرداء: عويمر بن مالك وقيل عامر وقيل ابن ثعلبة وقيل بن عبد الله بن قيس الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن زيد بن ثابت وعائشة أم المؤمنين روى عنه أسد بن وداعة وأنس بن مالك وبشر التغلبي وابنه بلال بن أبي الدرداء وآخرون. مات سنة اثنتين وثلاثين. (تهذيب الكمال 22/475).(14/19)
* ابن دقيق العيد: الإمام الفقيه الحافظ المحدث العلامة المجتهد شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي صاحب التصانيف ولد سنة خمس وعشرين وستمائة حدث عن ابن الجميزي وسبط السلفي وعدة. له اليد الطولي في الأصول والمعقول ولي قضاء الديار المصرية مات سنة اثنتين وسبعمائة. (تذكرة الحفاظ 1/516).
حرف الذال
* الذهبي: الإمام الحافظ محدث العصر وخاتمة الحفاظ ومؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان قايماز الدمشقي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة طلب الحديث وله ثماني عشرة سنة فسمع الكثير ورحل وتعب لأجله حتى بلغ الذروة اشتغل بالتدريس والتأليف وله من المصنفات كتاب الإسلام والتأريخ الأوسط والصغير وسير أعلام النبلاء وطبقات الحفاظ والميزان وغيرها كثير توفي رحمه الله سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق. (طبقات الحفاظ 1/522).
* ذو اليدين: وهو ذو الشمالين بن عبد عمرو له صحبة روى عنه مطير وحكى قصته أبو هريرة (الجرح والتعديل 3/447) واسمه الخرباق السلمي كان ينزل بذي الخشب من ناحية المدينة. (الإكمال للحسيني 1/133).
حرف الراء(14/20)
أبو رافع الصائغ المدني ثم البصري من ائمة التابعين مولى ال عمر اسمه نفيع حدث عن عمر وابي بن كعب وابي موسى وابي هريرة وكعب الاحبار وسواهم ، روى عنه الحسن البصري وبكر بن عبدالله المزني وثابت وزيد وقتادة وعلي بن جدعان وعطاء بن ابي ميمونة وخلق سواهم ، وثقه احمد والعجاي وغيرهما وقال ابو حاتم :لا بأس به ، توفي سنة نيف وتسعين. (سير اعلام النبلاء 4 / 41).
* الربيع بن سليمان المرادي أبو محمد روى عن عبد الله بن وهب ومحمد بن ادريس الشافعي وشعيب ابن الليث والخطيب بن ناصح ويحيى بن حسان وطائفة غيرهم روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة قال عبد الرحمن: سئل أبي فقال صدوق. (الجرح والتعديل 3/464).
* ربيع بن صبيح أبو حفص البصري روى عن الحسن وعطاء ويزيد الرقاشي قال ابن سعد روى عنه الثوري وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وأبو نعيم وأبو الوليد، قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن الربيع بن صبيح فقال: لا بأس به رجل صالح، وسئل أبو زرعة عن ربيع بن صبيح فقال: شيخ صالح صدوق. (الجرح والتعديل 3/464).(14/21)
* رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري وهو الذي يقال له رفاعة بن عفراء ممن شهد بدرا وجميع المشاهد ومات بالمدينة في ولاية ابن أبي سفيان. (مشاهير علماء الأمصار 1/21).
* روح بن عبادة أبو محمد القيسي البصري سمع شعبة ومالكا وابن أبي عروبة سمع منه أحمد وعلي. مات سنة خمس ومائتين. (التأريخ الكبير 3/309).
حرف الزاي
* أبو الزبير محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزام القرشي الأسدي المكي الإمام الحافظ الصدوق. (سير أعلام النبلاء 5/380) مات قبل عمرو بن دينار. ومات عمرو سنة ست وعشرين ومائة. (التأريخ الكبير 1/ 221).
* زر بن حبيش أبو مريم الأسدي الكوفي سمع عمر بن الخطاب روى عنه إبراهيم وعاصم بن بهدلة (التأريخ الكبير للبخاري 3/447).
* أبو زكير يحيى بن محمد بن قيس صدوق قال ابن حبان: لا يحتج به. (من تكلم فيه وهو ثقة 1/98) روى عن هشام بن عروة وعمرو بن أبي عمرو روى عنه بندار وأبو عبد الرحمن. (الكنى والأسماء 1/351).(14/22)
* زهير بن محمد التميمي العنبري الخراساني أبو المنذر سمع عبد الله بن أبي بكر بن حزم وابن عقيل وزيد بن أسلم وموسى بن وردان سمع منه ابن مهدي والعقدي وموسى بن مسعود روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير قال أحمد: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهير آخر فقلب اسمه. (التأريخ الكبير 3/427).
* زيد بن وهب الإمام الحجة أبو سليمان الجهني الكوفي مخضرم قديم ارتحل إلى لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه فقبض - صلى الله عليه وسلم - وزيد في الطريق سمع عمر وعليا وابن مسعود وأبا ذر وحذيفة بن اليمان وطائفة حدث عنه حبيب بن ثابت وعبد العزيز ابن رفيع وحصين بن عبد الرحمن وسليمان الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وآخرون، توفي في حدود سنة ثلاث وثمانين وثقه ابن سعد. (سير أعلام النبلاء 4/196).
حرف السين(14/23)
* سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله الثوري الكوفي سمع عمرو بن مرة وحبيب بن أبي حبيب، قال فيه عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحدا أعلم من سفيان، وقال عبدان عن ابن المبارك: كنت إذا شئت رأيت سفيان مصليا وأذا شئت رأيته محدثا وإذا شئت رأيته في غامض الفقه، مات بالبصرة سنة إحدى وستين سمع منه شعبة ويحيى القطان. (التأريخ الكبير 4/92).
* سفيان بن عيينة الهلالي كوفي ثقة ثبت في الحديث وكان بعض أهل الحديث يقول: هو أثبت الناس في حديث الزهري.. يكنى أبا محمد سكن مكة وكان مولى لبني هلال وكان حديثه نحوا من سبعة الآلف ولم يكن له كتب. (معرفة الثقات 1/417).
* سليمان بن أحمد الدمشقي نزيل واسط روى عن الوليد بن مسلم ومحمد بن شعيب بن شابور ومروان الفزاري كتب عنه أبو حاتم قديما، قدم بغداد وكتب عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين تغير حفظه في أواخر حياته فاختلط قال أبو حاتم: فلما كان في رحلتي الثانية قدمت واسطا فسألت عنه فقيل لي قد أخذ في الشرب والمعازف والملاهي فلم أكتب عنه. (الجرح والتعديل 4/101).(14/24)
* سمرة بن جندب الفزاري له صحبة مات بعد أبي هريرة سنة ثمان وخمسين، (التأريخ الكبير 7/176) توفي في خلافة معاوية بالكوفة ولي البصرة وله بها دار وكان مرة ينزل بالبصرة ومرة ينزل بالكوفة روى عنه الحسن والشعبي وعلي ابن ربيعة وقدامة بن وبرة. (الجرح والتعديل 4/154).
* سويد بن سعيد الأنباري الحديثي روى عن ضمضام بن إسماعيل وحفص بن ميسرة وشريك روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة قال أبو حاتم: إنه كان صدوقا وكان يدلس يكثر ذاك يعني التدليس. (الجرح والتعديل 4/240).
* سويد بن عمرو الكلبي الكوفي أبو الوليد روى عن حماد بن سلمة وشريك روى عنه محمد بن عبد الله بن نمير وأبو بكر وعثمان ابن أبي شيبة وابن سعيد القطان وثقه عيسى ابن معين. (الجرح والتعديل 4/239).
حرف الشين(14/25)
* الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب الهاشمي المكي المصري روى عن مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة ومسلم بن خالد ومحمد بن علي بن شافع وغيرهم مات سنة أربع ومائتين. روى عنه ابنه أبو عثمان محمد والإمام أحمد بن حنبل وأبو ثور وأبو عبيد القاسم بن سلام والمزني والربيع بن سليمان وغيرهم قال أحمد بن حنبل: إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله الكذب فنظرنا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي. (طبقات الحفاظ 1/158).
* شريك بن عبد الله بن أبي نمر المدني المحدث حدث عن أنس وسعيد بن المسيب وكريب وعطاء بن يسار وجماعة حدث عنه مالك وسليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر وعبد العزيز الدراوردي وأبو جمرة الليثي قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال مرة: ليس بالقوي. مات قبل الأربعين ومائة. (سير أعلام النبلاء 6/160).
* شعبة بن الحجاج بن الورد الواسطي أبو بسطام مولى ابن عتيك سمع الحسن وطلحة بن مصرف روى عنه الثوري ويحيى القطان كان سفيان يقول عنه: شعبة أمير المؤمنين في الحديث) مات سنة ستين ومائة. (التأريخ الكبير 4/244).(14/26)
حرف الطاء
* الطبراني: الإمام العلامة الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي ولد بعكا سنة ستين ومائتين سمع بمدائن الشام والحجاز واليمن ومصر وبغداد والكوفة والبصرة وأصبهان والجزيرة وغير ذلك وحدث عن ألف شخص أو يزيدون صنف المعجم الكبير والأوسط والصغير فلم يسبق إلى مثل ذلك، سئل عن كثرة حديثه فقال: كنت أنام على البواري ثلاثين سنة. قال أبو العباس الشيرازي: كتبت عن الطبراني ثلاثمائة ألف حديث وهو ثقة آخر أصحابه أبو بكر بن ريذة. مات الطبراني سنة ستين وثلاثمائة عن مائة عام. (طبقات الحفاظ 1/374).
حرف العين(14/27)
* عائشة أم المؤمنين بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة بن عامر التيمي المكية النبوية أم المؤمنين أفقه نساء الأمة على الإطلاق حدث عنها إبراهيم بن يزيد النخعي مرسلا وإبراهيم بن يزيد التميمي واسحق بن طلحة واسحق بن عمر والأسود بن يزيد وخلق كثير.. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها. توفيت سنة ثمان وخمسين وقيل سبع وخمسين على ما ذكره علي بن المديني. (الإصابة 8/20).
* أبو عاصم النبيل: الضحاك بن مخلد البصري مولى بني شيبان، سمع جعفر بن محمد وابن جريج والثوري وشعبة. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين، ورد عنه أنه قال: ما أغتبت أحدا منذ علمت أن الغيبة تضر بأهلها. (التأريخ الكبير 4/336).(14/28)
* أبو العالية: رفيع بن مهران المقرىء الحافظ المفسر الرياحي البصري أدرك زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو شاب وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق ودخل عليه وسمع من عمر وعلي وأبي ذر وابن مسعود وعائشة وغيرهم حفظ القرآن وقرأه على أبي بن كعب وتصدر لأفادة العلم وثقه أبو زرعة وأبو حاتم أخذ عنه جمع غفير من العلماء في البصرة والكوفة والشام. مات في شوال سنة سبعين وقيل ثلاث وسبعين. (سير أعلام النبلاء 4/213).
* عامر بن شراحيل الشعبي أبو عمرو ثقة مشهور فقيه فاضل من الثالثة قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. مات بعد المائة وله نحو من ثمانين سنة. (تقريب التهذيب 1/387).
* عبد الله بن أبي مليكة واسم أبي مليكة زهير روى عن ابن عباس وابن عمر روى عنه عمرو بن دينار. (الجرح والتعديل 5/60).
* عبد الله بن بريدة بن يحصب الأسلمي أبو سهل قاضي مرو روى عن عيسى ابن يعمر وعبد الله بن مغفل وسمرة بن جندب روى عنه كهمس ومطر الوراق وعثمان بن غياث وحسين المعلم والشعبي وغيرهم. (رجال مسلم 1/355).(14/29)
* عبد الله بن بكير الغنوي روى عن حماد بن أبي سليمان ومحمد بن سوقة وحكيم ابن جبير وجهم بن دينار روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وأبو نعيم ومحمد بن الحسن التميمي والليث بن خالد. (الجرح والتعديل 5/16).
* عبد الله بن داود الواسطي التمار يروى عن حنظلة بن أبي سفيان ضعفوه (المغني في الضعفاء 1/336) قال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي في حديثه مناكير. (ميزان الاعتدال 4/91).
* عبد الله بن ذكوان أبو الزناد إمام ثبت تكلم فيه بعضهم بلا حجة كان مولده في سنة خمس وستين في حياة ابن عباس حدث عن أنس بن مالك وأبي أمامة بن سهل وأبان بن عثمان وعروة وابن المسيب.. حدث عنه ابنه عبد الرحمن وموسى بن عقبة وابن أبي مليكة مع تقدمه وصالح بن كيسان وهشام بن عروة وغيرهم. (سير أعلام النبلاء 5/446).(14/30)
* عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني المقرىء كاتب الليث بن سعد سمع الليث ابن سعد روى عنه البخاري (رجال صحيح البخاري 2/888). وذكره الذهبي في كتابه (من تكلم فيه وهو ثقة) فقال: صالح الحديث له مناكير روى عنه ابن معين والبخاري وقال أبو زرعة: حسن الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث وله أغاليط قلت (أي الذهبي): فتجتنب مناكيره. (من تكلم فيه وهو ثقة 1/109).
* عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو العباس ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - كنيته أبو العباس، دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفقه في دين الله وعلم تأويل كتابه.. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ بن جبل وعن عمر وعلي وميمونة وأم الفضل وأبي هريرة وغيرهم.. روى عنه سماك وسعيد بن جبير وأبو رجاء وأبو العالية ومجاهد وعطاء بن رباح وسليمان بن يسار وغيرهم كثير. مات سنة ثمان وستين في الطائف. (رجال مسلم 1/339).
* عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشرة (ت 261هـ) وله أربع وستون سنة. (تقريب التهذيب 1/536).(14/31)
* عبد الله بن عصمة يروي عن حماد بن سلمة لينه العقيلي وغيره. (المغني في الضعفاء 1/347).
* عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي أبو عبد الرحمن عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ولم يره بلغ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه وعليه فإن مولده قبل البعثة بعام، اعتزل الفتن عن الناس مات سنة ثلاث وسبعين بمكة وهو ابن سبع وثمانين ودفن فيها. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبيه وزيد بن ثابت وزيد بن الخطاب. روى عنه يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن وسعد بن عبيدة ومحمد بن زيد بن عبد الله ابن عمر وعكرمة بن خالد وغيرهم. (رجال مسلم 1/337).(14/32)
* عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، المحدث الإمام الصدوق أبو عبد الرحمن القرشي العدوي العمري، ولد أيام سهل بن سعد وأنس بن مالك وحدث عن نافع العمري وسعيد المقبري ووهب بن كيسان والزهري وغيرهم، حدث عن وكيع وابن وهب وسعيد بن أبي مريم والقعنبي وغيرهم، كان عالما عاملا خيرا حسن الحديث قال أحمد بن حنبل: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: صويلح، مات سنة إحدى وسبعين ومائة. (سير أعلام النبلاء 7/341).
* عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن سهم السهمي القرشي كنيته أبو محمد ويقال أبو عبد الرحمن يقال أنه أسلم قبل أبيه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر الصديق روى عنه عبد الله بن السايب وأبو الخير مرثد بن عبد الله ومسروق بن الأجدع وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم مات سنة خمس وستين وهو ابن اثنين وسبعين. (رجال مسلم 1/338).
* عبد الله بن عيسى أبو خلف الخزاز يروى عن أنس بن عبيد ضعفوه (المغني في الضعفاء 1/350). ويروى عنه عقبة بن مكرم وعمر بن شيبة ومحمد بن موسى القرشي قال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة. (ميزان الاعتدال 4/159).(14/33)
* عبد الله بن المبارك مولى بني حنظلة من أهل مرو كنيته أبو عبد الرحمن ولد سنة ثمان عشرة ومائة ومات سنة إحدى وثمانين ومائة، روى عن عمرو بن ميمون ويونس بن يزيد وهشام بن حسان، والأوزاعي وغيرهم.. روى عنه أبو كريب سلمة بن سليمان والحكم بن موسى والحسن بن عيسى والحسن بن الربيع ومنصور بن أبي مزاحم وابن أبي شيبة وغيرهم. (رجال مسلم 1/390).
* عبد الله بن مسعود: بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة الهذلي حليف بني زهرة أخو عقبة كنيته أبو عبد الرحمن شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - آخا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين الزبير بن العوام ثم كان بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على القضاء وبيت المال في الكوفة عاملا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -. توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين و صلى عليه الزبير بن العوام ودفن بالبقيع روى عنه أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنس ابن مالك وقيس بن أبي حازم وأبو وائل وأبو عمرو الشيباني وعلقمة بن قيس ومسروق وغيرهم كثير. (رجال مسلم 1/336).(14/34)
* عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن قزعان الحضرمي من أنفسهم ويقال الغافقي قاضي مصر كنيته أبو عبد الرحمن روى عن يزيد بن أبي حبيب وأبيه روى عنه ابن وهب. (رجال مسلم 1/385) و (الأسماء المفردة 1/152).
* عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد مولى ابن رمانة ويقال هو قرشي مولى بني فهر سمع ابن جريج ومالكا والثوري ويونس بن يزيد وعمرو بن الحارث روى عنه سعيد بن أبي مريم وسعيد بن عنبر وعثمان بن صالح ويحيى بن سليمان وأحمد بن صالح وأحمد بن عيسى. (رجال صحيح البخاري 1/433).
* عبد الله بن يزيد المقرىء أبو عبد الرحمن القرشي العدوي مولى آل عمر بن الخطاب أصله من البصرة سكن مكة، روى عن سعيد بن أيوب وحيوة.. روى عنه هارون بن عبد الله وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وابن أبي شيبة وغيرهم حديثه في الصحاح. (رجال مسلم 1/399).(14/35)
* ابن عبد البر: الحافظ الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ابن عاصم النمري القرطبي ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة طلب الحديث منذ صغره وأجازه في مصر الحافظ عبد الغني وساد أهل زمانه في الحفظ والاتقان له مصنفات جليلة منها التمهيد شرح الموطأ والاستيعاب في الصحابة وفضل العلم وقبائل الرواة وغيرها. مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن خمس وتسعين سنة. (طبقات الحفاظ 1/432).
* عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من الثانية مات في وقعة الجماجم سنة ست وثمانين. (تقريب التهذيب 10/ 496).
* عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الأودي الكوفي روى عن علقمة بن قيس وهزيل بن اسحق الحمداني ومغيرة. (الجرح والتعديل 5/218).
* عبد الرحمن بن الحارث الغنوي يروى عن محمد بن جرير الطبري قال ابن أبي الفوارس: لا يعتمد عليه. وقال البرقاني: رأيته يفهم ولا أعلم إلا خيرا.. روى عنه بشر الفاتني وغيره. (ميزان الاعتدال 4/270).(14/36)
* عبد الرحمن بن عائد الأزدي الثمالي الحمصي من كبار علماء التابعين.. كان ثقة طلابة للعلم حدث عن عمر وعلي ومعاذ وأبي ذر وعمرو بن عبسة وجماعة حدث عنه محفوظ بن علقمة وراشد بن سعد وإسماعيل بن أبي خالد وثور بن يزيد وآخرون وثقه النسائي. (سير أعلام النبلاء 4/489).
* عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الشامي كنيته أبو عمرو والأوزاع من حمير وقيل أن الأوزاع قرية بدمشق، وكان من فقهاء أهل الشام وزهادهم ومرابطيهم - رضي الله عنهم - مات سنة سبع وخمسين ومائة. (رجال مسلم 1/412).
* عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، من التاسعة مات سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. (تقريب التهذيب 1/499).
* عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قال عبدان: كان يوصل المراسيل ويرفع المواقيف قال ابن عدي: وكان يتشيع. (الضعفاء والمتروكين لأبن الجوزي 2/102).
* عبد العزيز المختار روى عن يحيى بن اسحاق ويحية بن عتيق وثابت البناني وأيوب روى عنه اسحاق بن منصور. عن يحيى ابن معين أنه قال: عبد العزيز المختار ثقة. (الجرح والتعديل 5/393).(14/37)
* عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية، ضعيف الحديث يروي عن أنس وسعيد ابن جبير وعنه مالك والسفيانان وحماد بن سلمة كان يرى الأرجاء مع تعبد وخشوع، قال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد: ضربت على حديثه، وقال ابن عبد البر: أغتر مالك ببكائه في المسجد. (سير أعلام النبلاء 6/83).
* عبد المؤمن بن خلف بن طفيل التميمي النسفي ولد سنة تسع وخمسين ومائتين وسمع جده وأبا حاتم وكان شديد الحب للآثار شديد الحط على أهل القياس ظاهريا أخذ عن محمد بن داود الظاهري صالحا ناسكا، مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة. (طبقات الحفاظ 1/356).
* عبد الملك بن أبي سليمان الفزاري الكوفي سمع سعيد بن جبير وعطاء روى عنه الثوري وشعبة، توفي سنة خمس وأربعين ومائة. (التأريخ الكبير 5/417).
* عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله ابن أبي سلمة الماجشون أبو مروان المدني الفقيه مفتي أهل المدينة صدوق له أغلاط في الحديث وكان رفيق الشافعي. (تقريب التهذيب 1/520).
* عبد الله بن محمد بن هارون المقدسي أبو الحسن المعروف بالفريابي يروى عن سفيان بن عيينة روى عنه أحمد بن سيار مستقيم الحديث. (الثقات 8/406).(14/38)
* عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب مديني روى عن أبي هريرة روى عنه عتبة بن مسلم قال عنه أبو حاتم: صالح الحديث. (الجرح والتعديل 5/404).
* عبيدة السلماني: كوفي تابعي ثقة جاهلي أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين ولم ير النبي وكان من أصحاب علي وعبد الله. وكان ابن سيرين من أروى الناس عنه ويروى عن ابن سيرين أنه قال: ما رأيت رجلا أشد توقيا من عبيدة. (معرفة الثقات 2/124).
* أبو عبيدة: عامر بن الجراح بن هلال بن صفية بن الحارث القرشي الفهري شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما بعدها من المشاهد وهو الذي انتزع من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلقتي الدرع يوم أحد فسقطت ثنيتاه وكان لذلك أكثم أحد العشرة المبشرين بالجنة قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح له فضائل جمة توفي - رضي الله عنهم - وهو ابن ثمان وخمسين سنة في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة. (الاستيعاب 4/1711).(14/39)
* عبيدة بن عمير الليثي وهو ابن عمير بن قتادة، أبو عاصم روى عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن حبشي وأبيه عمير بن قتادة روى عنه عطاء وابن أبي مليكة وعمرو بن دينار وابنه عبد الله، وثقه ابن معين وأبو زرعة. (الجرح والتعديل 5/409).
* عثمان بن سعيد الدارمي السجستاني من ساكني هراة روى عن أبي صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم وعبد الله بن رجاء ومسلم بن إبراهيم وجالس أحمد بن حنبل ويحيى ابن سعيد وعلي بن المديني، روى عنه بياض. (الجرح والتعديل 6/153).
* عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي أبو عمرو ويقال أيضا أبو عبد الله الأموي - رضي الله عنهم - ولي ثنتي عشرة سنة حجها كلها إلا سنتين مات سنة أربع وثلاثين وهو ختن النبي - صلى الله عليه وسلم -على ابنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة. (التأريخ الكبير 6/209).(14/40)
* العجلي: هو الإمام الحافظ القدوة أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي نزيل طرابلس الغرب سمع أباه وحسين بن علي الجعفي وحدث عنه ولده صالح في مصنفه في الجرح والتعديل قال عباس الدوري: كنا نعده مثل أحمد وابن معين ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة ومات سنة إحدى وستين ومائتين. (طبقات الحفاظ 1/246).
* العراقي: الحافظ الشهير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، حافظ العصر ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمنشأة المهراني وكان أصل أبيه من بلدة يقال لها رازيان من عمل أربل سمع الحديث من سنجر الجاري والتقى الأخنائي والتقى السبكي له مصنفات في السنن والألفية التي اشتهرت في الآفاق وشرحها ونكت بن الصلاح والمراسيل وتخريج أحاديث الأحياء وغيرها مات سنة ست وثمانمائة. (طبقات الحفاظ 1/544).(14/41)
* عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي سمع أباه وعائشة وعبد الله بن عمر روى عنه الزهري وابنه هشام.. قال محمد بن مقاتل أخبرنا يوسف بن الماجشون عن ابن شهاب قال: كان إذا حدثني عروة ثم حدثتني عمرة صدق عندي حديث عمرة حديث عروة فلما استخبرتهما إذا عروة بحر لا ينزف. (التأريخ الكبير 7/31).
* عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار البصري ثقة ثبت، قال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة، ومات بعدها بيسير (ت 219هـ) من كبار الطبقة العاشرة. (تقريب التهذيب 2/25).
* ابن عقدة: حافظ العصر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم سمع أمما لا يحصون وكتب العالي والنازل وكان إليه المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث حدث عنه الدارقطني، وقال أجمع أهل الكوفة. ولد سنة تسع وأربعين ومائتين ومات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. (طبقات الحفاظ 1/350).(14/42)
* عكرمة مولى ابن عباس هو أبو عبد الله الهاشمي سمع ابن عباس وأبا سعيد وعائشة روى عنه جابر بن زيد وعمرو بن دينار قال أبو نعيم: روي عن سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن زيد يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس هذا أعلم الناس. روى عنه الشعبي وأيوب مات سنة أربع ومائة. (التأريخ الكبير 7/49).
* علقمة بن وقاص بن محصن بن كلدة الليثي الغزاوي المدني أحد العلماء حدث عن عمرو وعائشة وبلال بن الحارث المزني وعمر بن العاص وابن عمر وطائفة. له أحاديث ليست بالكثيرة وثقه ابن سعد والنسائي حدث عنه ولداه عمر وعبد الله والزهري وابن أبي مليكة ومحمد بن إبراهيم وعمر بن يحيى المازني. مات في خلافة عبد الملك بن مروان. (سير أعلام النبلاء 4/61).(14/43)
* علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي يكنى أبا الحسن أصغر ولد أبي طالب روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد وزيد بن الأرقم أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره (الاستيعاب 3/1127)، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوج ابنته أحد العشرة المبشرين بالجنة. مات في رمضان سنة أربعين وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض بإجماع أهل السنة وله ثلاث وستون سنة. (تقريب التهذيب 1/402).
* علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح أبو الحسن يقال له ابن المديني وهو السعدي مولاهم البصري سمع ابن عيينة والقطان وبعقوب ومروان بن معاوية ومعن بن عيسى وغيرهم، روى عنه البخاري وغيره. (رجال صحيح البخاري 2/531).
* علي بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي أبو سيف الأيادي الكوفي سمع إسماعيل بن أبي خالد ومحمد بن عمرو والأعمش مات سنة تسع ومائتين. (التأريخ الكبير 8/419).
* عمارة بن رويبة الثقفي له صحبة سمع منه حصين يعد من الكوفيين روى عنه ابنه أبو بكر. (التأريخ الكبير 6/494).(14/44)
* ابن أبي عمار: هو أبو عمرو عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم سمع أبا قتادة وأبا هريرة وابن عباس روى عنه عطاء وعوف وشعبة ويونس. (الكنى والأسماء 1/564).
* عمران بن حطان بن ضبيان السدوسي البصري من أعيان العلماء لكنه من رؤوس الخوارج حدث عن عائشة وأبي موسى الأشعري وابن عباس روى عنه ابن سيرين وقتادة ويحيى بن أبي كثير. قال عنه أبو داود: ليس من أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج. توفي سنة أربع وثمانين للهجرة. (سير أعلام النبلاء 4/214-216).
* عمر بن الخطاب بن نفيل ابو حفص العدوي القرشي - رضي الله عنهم - ولي عشر سنين حجها كلها.. أصيب يوم الأربعاء لأربع ليل بقين من ذي الحجة قال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وعشرين.. عن ابن عمر قال: قتل عمر وهو ابن خمس وخمسين، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة. (التأريخ الكبير 6/138).
* أبو عمر حفص بن غياث النخعي سمع الأعمش وعبيد الله بن عمر والحجاج ابن ارطأة. (الأسماء والكنى 1/538) قاضي الكوفة. مات سنة ست وتسعين ومائة سمع منه ابنه عمر. (التأريخ الكبير 2/370).(14/45)
* عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الإمام الزاهد العابد أبو ذر الهمداني الكوفي حدث عن أبيه وأبي وائل ومجاهد وسعيد بن جبير ومعاذة العدوية وعطاء بن أبي رباح وطائفة وعنه ابن المبارك ووكيع واسحق الأزرق ويونس بن بكير ويحيى ابن سعيد الأموي وابن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي وآخرون وثقه يحيى بن سعيد وابن معين. وكذا النسائي والدارقطني. كان مرجئا في عقيدته. مات سنة ست وخمسين ومائة. (سير أعلام النبلاء 6/388).
* عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن العاص الأموي القرشي، الإمام الحافظ والعلامة الزاهد أمير المؤمنين أبو حفص حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب والسائب بن يزيد وسهل بن سعد وسعيد بن المسيب وعروة وغيرهم كثير... حدث عنه أبو سلمة وأبو بكر بن حزم وإبراهيم بن عبلة وتوبة العنبري وحميد الطويل وابنه عبد العزيز وأخوه زبان وغيرهم ولد سنة ثلاث وستين ومات سنة إحدى ومائة. (سير أعلام النبلاء 5/114-148).
* عمرو بن حزم الأنصاري المديني - رضي الله عنهم - شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة روى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي وزياد بن نعيم الحضرمي. (الجرح والتعديل 6/224).(14/46)
* عمرو بن دينار أبو محمد المكي الأثرم مولى ابن باذم سمع ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ورأى عبد الله بن جعفر بن محمد قال علي عن ابن ابن عيينة. مات سنة ست وعشرين ومائة وقال ابن عيينة: ما أعلم أحدا أعلم بعلم ابن عباس من عمرو. (التأريخ الكبير 6/328).
* عمرو بن شمر روى بعضهم عن عمرو بن أبي عبد الله الجعفي عن جابر، منكر الحديث. (التأريخ الكبير 6/344) وجاء في ترجمته في أحوال الرجال: (عمرو بن شمر كذاب زائغ). (أحوال الرجال 1/56).
* عمرو بن عمر الأحموسي سمع مخارقا روى عنه أبو المغيرة. (التأريخ الكبير 6/358).(14/47)
* عمر بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن زبيد الأصغر بن ربيعة الزبيدي الشاعر الفارس المشهور يكنى أبا ثور قال ابن مندة عداده في أهل الحجاز وقال ابن ماكولا: له صحبة ورواية وقال أبو نعيم: له الوقائع المذكورة في الجاهلية وله في الإسلام بالقادسية بلاء حسن.. قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في وفد زبيد فأسلم، ولما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - أرتد عن الإسلام ثم عاود في خلافة أبي بكر وحسن إسلامه، وشهد عمرو فتوح الشام وفتوح العراق.. ولما كانت سنة إحدى وعشرين كانت وقعة نهاوند فقتل النعمان بن مقرن ثم انهزم المسلمون وقاتل عمرو بن معدي كرب يومئذ حتى كان الفتح فأثبتته الجراحة فمات في قرية روذة. فقال فيه دعبل بن علي الخزاعي:
لقد عادت الركبان حين تحملوا ... ... بروذة شخصا لا جبانا ولا غمرا
فقل لزيد بل لمذحج كلها ... ... رزئتم أبا ثور قريع الوغى عمرا
(الإصابة 4/691).
* عمر بن الوليد الشني العبدي من عبد القيس كنيته أبو سلمة من أهل البصرة يروي عن يونس بن عبيد والبصريين، معدود في الثقات. (الثقات 8/443).(14/48)
* العيزار بن حريث العبدي الكوفي ثقة من الطبقة الثالثة توفي بعد (110هـ). (التقريب التهذيب 2/96).
حرف الغين
* الغزالي: محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي أبو حامد صاحب التصانيف والذكاء المفرط تفقه في بلدته أولا ثم تحول إلى نيسابور فلازم إمام الحرمين (الجويني) فبرع في الفقه ومهر في الكلام والجدل ولي التدريس في المدرسة النظامية ببغداد وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام ثم عزف عن الدنيا وأناب إلى دار الخلود وأقبل على إصلاح نفسه فحج وزار بيت المقدس واعتزل عن الناس وألف الأحياء والأربعين والقسطاس المستقيم وراض نفسه وجاهدها ولبس زي الأتقياء وبعد سنوات سار إلى وطنه مكبا على العلم ثم ذهب إلى نيسابور ودرس في نظاميتها توفي ببغداد سنة خمس وخمسمائة. (سير أعلام النبلاء 19/327).
حرف الفاء(14/49)
* فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدة نساء العالمين أم أبيها بنت سيد الخلق، أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية أم الحسنين كان مولدها قبل البعثة بقليل وتزوجها الإمام علي في السنة الثانية من الهجرة. قال ابن عبد البر دخل بها بعد وقعة أحد فولدت له الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم وزينب. روت عن أبيها ورى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس ابن مالك وغيرهم وروايتها في الكتب الستة. توفيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر. (سير أعلام النبلاء 2/120).
* أبو الفتح الأزدي: الحافظ العلامة محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بريدة الموصلي حدث عن أبي ليلى والباغندي وأبي عروبة وحدث عنه أبو نعيم. قال الخطيب: كان حافظا صنف في علوم الحديث والضعفاء وهاه جماعة بلا مستند، ضعفه البرقاني، مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. (طبقات الحفاظ 1/386).
* الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية الأنصارية شهدت بيعة الرضوان روى حديثها سعد ين اسحق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب. (تهذيب التهذيب 12/472).(14/50)
* أبو فضالة فرج بن فضالة الحمصي يروي عن يحيى ين سعيد منكر الحديث. (الكنى والأسماء 1/685).
* فضالة بن عبيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف له صحبة. (التأريخ الكبير 7/124).
حرف القاف
* قبيصة بن ذؤيب الإمام الكبير الفقيه أبو سعيد الخزاعي المدني ثم الدمشقي ولد عام الفتح سنة ثمان روى عن أبي بكر ـ ان صح ـ وعمر وأبي الدرداء وبلال وعبد الرحمن بن عوف وتميم الداري وعبادة بن الصامت وغيرهم، حدث عنه ابنه اسحق ومكحول ورجاء بن حيوة وأبو الشعثاء جابر بن زيد وأبو قلابة وغيرهم، مات سنة ست أو سبع وثمانين. (سير أعلام النبلاء 4/283).
* أبو قتادة الأنصاري السلمي: فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد أحدا والحديبية وله عدة أحاديث اسمه الحارث بن ربعي على الصحيح وقيل اسمه النعمان وقيل عمرو حدث عنه أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وعطاء بن يسار وعلي بن رباح وآخرون مات سنة أربع وخمسين. (سير أعلام النبلاء 2/453).
حرف الكاف(14/51)
* ابن كثير: الإمام المحدث الحافظ ذو الفضائل عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن عمر بن كثير القيسي البصروي ولد سنة سبعمائة وسمع بالحجاز وأجاز له الواني والختني وتخرج بالمزي ولازمه، له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه والتأريخ وتخريج أدلة التنبيه وتخريج أحاديث مختصر بن الحاجب وغير ذلك كثير مات في شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة. (طبقات الحفاظ 1/534).
حرف اللام
* الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري روى عن الزهري وعطاء ونافع وبكير بن الأشج وخلق وعنه ابنه شعيب وكاتبه صالح وابن المبارك وقتيبة وآخرون ولد سنة أربع وتسعين ومات سنة خمس وسبعين ومائة. ( طبقات الحفاظ 1/102).
حرف الميم
* ماعز بن مالك المرجوم له صحبة وليست له رواية قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: بعد رجمه رأيته يتخضخض في أنهار الجنة. (الثقات 3/404).(14/52)
* مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله روى عنه الزهري وعبد الله بن دينار ونافع مولى ابن عمر روى عنه يحيى بن سعيد وابن الهاد والثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن عيينة ووكيع وابن المبارك وأبو نعيم وغيرهم. قال عبد الله بن أحمد سألت أبي أيما أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء. مات سنة تسع وسبعين ومائة. (الجرح والتعديل 8/206).
* مالك بن دينار: علم العلماء الأبرار معدود في ثقات التابعين ومن أعيان كتبة المصاحف سمع من أنس بن مالك فمن بعده وحدث عنه وعن الأحنف بن قيس وسعيد بن جبير والحسن البصري ومحمد بن سيرين والقاسم بن محمد وعدة، حدث عنه سعيد بن أبي عروبة وعبد الله ابن شوذب وعبد السلام بن حرب وطائفة وثقه النسائي وغيره. توفي سنة سبع وعشرين ومائة وقال المديني: سنة ثلاثين ومائة. (سير أعلام النبلاء 5/364).(14/53)
* المبارك بن فضالة يروي عن الحسن وغيره من علماء الحديث في البصرة روى عنه وكيع وعفان وشيبان وخلق وكان القطان يحسن الثناء عليه وقال يحيى ابن معين صالح وقال أبو داود شديد التدليس فإذا قال حدثنا فهو ثبت وقال النسائي وغيره: ضعيف وقال المروزي عن أحمد : ماروى عن الحسن يحتج به. مات سنة أربع وستين ومائة. (ميزان الاعتدال 6/16).
* مجاهد بن موسى الخوارزمي، وهو الختلي أبو علي نزيل بغداد ثقة، من الطبقة العاشرة مات سنة أربع وأربعين ومائتين وله ست وثمانون سنة. (تقريب التهذيب 2/229).
* محمد بن إبراهيم التميمي المدني من ثقات التابعين، قال أحمد بن حنبل في حديثه شيء يروي المناكير أو قال أحاديث منكرة قال الذهبي: قلت وثقه الناس، واحتج به الشيخان وقفز القنطرة. (ميزان الاعتدال 6/32).
* محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم روى عن الأنصاري وأبي زيد النحوي والأصمعي وعثمان بن الهيثم المؤذن ويحيى بن حماد وغيرهم روى عنه عبدة بن سليمان المروزي ومحمد بن عوف وأبو زرعة وغيرهم. (الجرح والتعديل 7/204).
* محمد بن إسحاق صاحب السيرة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. (طبقات خليفة ابن خياط 612).(14/54)
* محمد بن إسحاق بن محمد بن منده الأصبهاني سمع عم أبيه عبد الرحمن بن يحيى بن منده بأصبهان وأبا العباس الأصم بنيسابور والهيثم بن كليب الشاشي ببخارى وخيثمة بن سليمان بطرابلس وأبا سعيد بن الأعرابي بمكة وحمزة الكتاني بمصر وابن حذلم بدمشق ورد عنه أنه قال كتبت من ألف شيخ وسبعمائة بثيخ. وقال طفت المشرق والمغرب مرتين ولم أسمع من المبتدعين حديثا. توفي سنة نيف وسبعين وأربعمائة. (المقصد المرشد في ذكر أصحاب الإمام محمد 2/375).
* محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي البغدادي روى عن أيوب بن سليمان روى عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، تكلموا فيه. (الجرح والتعديل 7/190).
* محمد بن جابر اليمامي السحيمي أبو عبد الله يروى عنه حماد بن أبي سليمان وقيس بن طلق. ليس بالقوي. (التأريخ الكبير 1/53). قال أبو زرعة: محمد بن جابر ساقط الحديث عند أهل العلم. (الجرح والتعديل 7/219).
* محمد بن حازم الرملي يروي عن الفضيل بن عياض روى عنه يوسف بن سعيد بن مسلم معدود في الثقات. (الثقات 9/128).(14/55)
* محمد بن حاتم بن ميمون مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. (التأريخ الكبير 1/70)، روى عن عبد الرحمن بن مهدي وابن عيينة ويزيد بن هارون واسحق بن منصور وغيرهم روى عنه أبو زرعة ومسلم بن الحجاج. (الجرح والتعديل 7/238).
* محمد بن خلاد أبو بكر الباهلي البصري روى عن يحيى ابن سعيد القطان عبد الرحمن بن مهدي روى عنه أبو حاتم وعلي بن الحسين بن الجنيد وموسى بن اسحق الأنصاري. (الجرح والتعديل 7/246).
* محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر الباقلاني القاضي أبو بكر البصري الأصل البغدادي الإقامة (ت403هـ) (شذرات الذهب ابن العماد الحنبلي 2/169).
* محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب أحد الأعلام الثقات متفق على عدالته وسئل أحمد بن حنبل عنه فوثقه ولم يرضه في الزهري وذكره السليماني في أسامي القدرية والله أعلم ونفى القدر عنه الواقدي وغيره. (ميزان الاعتدال 6/229).(14/56)
* محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن زيد بن أبي السكن الجبائي أبو علي رأس المعتزلة ومن انتهت إليه رياستهم أخذ عن أبي يعقوب الشحام وغيره توفي سنة ثلاث وثلاثمائة وله ثمان وستون سنة وذكر ابن النديم له سبعين تصنيفا منها الرد على الأشعري في الرواية. (لسان الميزان 5/271).
* محمد بن عبيد الله بن ميسرة العرزمي قال أحمد: ترك الناس حديثه (المغني في الضعفاء 2/615) قال الدارقطني في ترجمة حفيده محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي: متروك الحديث هو وأبوه وجده. (ميزان الاعتدال 6/237).
* أبو محمد عثمان بن عمر بن فارس قال علي بن المديني احتج يحيى بن سعيد القطان بكتاب عثمان بن عمر بحديثين عن أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر (عرفة كلها موقف) يقال أصله بخاري. (التأريخ الكبير 6/240).
* محمد بن كثير القرشي الكوفي أبو اسحاق سكن بغداد روى عن ليث بن أبي سليم وعمرو بن قيس الملائي والحارث بن حصيرة روى عنه موسى بن داود ومحمد بن الصباح وقتيبة بن سعيد وعلي بن هاشم بن مرزوق قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال خرقنا حديثه ولم نرضه. (الجرح والتعديل 8/69).(14/57)
* محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة أبو عبد الله الأنصاري الأوسي من نجباء الصحابة شهد بدرا والمشاهد، قيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه مرة على المدينة وكان - رضي الله عنهم - ممن اعتزل الفتنة ، ولا حضر الجمل ولا صفين بل اتخذ سيفا من خشب وتحول إلى الربذة.. مات في صفر سنة ثلاث وأربعين. (سير أعلام النبلاء 2/373).
13.
* مرة الطيب، ويقال له أيضا مرة الخير لعبادته وخيره وعلمه وهو مرة بن شراحيل الهمداني الكوفي مخضرم كبير الشأن حدث عن أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وجماعة، حدث عنه أسلم الكوفي وزبيد اليامي وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب وإسماعيل بن أبي خالد وآخرون وثقه يحيى ابن معين وبلغنا عنه أنه سجد لله حتى أكل التراب جبهته. مات سنة بضع وثمانين في الكوفة. (سير أعلام النبلاء 4/75).
* مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو عبد الملك الأموي القرشي يعد من أهل المدينة سمع عمر وعلي وعثمان بن عفان وبسرة روى عنه عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسهل بن سعد وعلي بن الحسين. (الجرح والتعديل 8/ 271).(14/58)
* المزي: هو الإمام الحافظ محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الشافعي ولد بحلب سنة أربع وخمسين وستمائة ونشأ بالمزة وتفقه ثم أقبل على الحديث فرحل وسمع الكثير ونظر في اللغة ومهر فيها وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها لم تر العيون مثله صنف التهذيب والأطراف ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية. مات سنة اثنتين واربعين وسبعمائة. (طبقات الحفاظ 1/521).
* مسلم بن الحجاج النيسابوري أبو الحسين روى عن يحيى بن يحيى النيسابوري ومحمد بن اسحاق المعيني وعبد الله بن مسلمة القعنبي وخالد بن خراش وإسماعيل بن أبي أويس والحسن بن الربيع وأحمد بن يونس كان ثقة من الحفاظ له معرفة بالحديث. (الجرح والتعديل 8/183) روى عنه الترمذي وأبو عوانة وابن صاعد وخلق، قال ابن منده: سمعت أبا علي النيسابوري يقول: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم. مات سنة إحدى وستين ومائتين. (طبقات الحفاظ 1/265).(14/59)
* مسلم بن خالد الزنجي ليس بالقوي في الحديث (تسمية فقهاء الأمصار 1/127). روى عن الزهري وابن جريح وهشام بن عروة وطائفة وعنه الشافعي وأبو نعيم وعبد الله بن وهب وخلق وثقه ابن معين وقال البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة: منكر الحديث. مات سنة تسع وسبعين ومائة. (طبقات الحفاظ 1/116).
* معان بن رفاعة السلامي الشامي لين الحديث كثير الارسال. (تقريب التهذيب 2/258). مات بعد خمسين ومائة.
* معاوية بن أبي سفيان بن حرب أبو عبد الرحمن القرشي الأموي قال ابن المديني مات سنة ستين وعن بن سيرين قال: كان معاوية يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تركبوا الخز ولا النمار قال وكان معاوية لا يتهم في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (التأريخ الكبير 7/327) روى عنه حميد بن عبد الرحمن بن عوف وأبو صالح ذكوان وعبد الله بن عامر اليحصبي ويزيد بن الأصم وثابت بن سعد. (الجرح والتعديل 8/377).(14/60)
* أبو المغيرة صدقة بن موسى الدقيقي سمع مالك بن دينار وثابتا وأبا عمران الجوني روى عنه أبو نعيم وعبد الصمد (الكنى والأسماء 1/764) قال عنه يحيى: ليس بشيء وقال عبد الرحمن: سألت أبي عن صدقة أبي المغيرة فقال: لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بقوي. (الجرح والتعديل 4/432) وقال البخاري: ضعيف جدا وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. (الضعفاء والمتروكين لأبن الجوزي 2/54).
* ابن مقسم: هو العلامة المفتي فقيه البصرة أبو سلمة عثمان بن مقسم الكندي مولاهم البصري البري يروي عن يحيى بن أبي كثير وسعيد المقبري ونافع وقتادة وأبي اسحق وحماد بن أبي سليمان وطائفة حدث عنه سفيان الثوري وأبو داود الطيالسي وأبو عاصم وسلم بن قتيبة ويحيى بن سلام وشيبان بن فروخ وآخرون تركه ابن المبارك والقطان وكان قليل الحديث وقال ابن معين: ليس بشيء وقال النسائي: متروك. (سير أعلام النبلاء 7/326).
* ابن ملجم قاتل علي - رضي الله عنهم -، اسمه عبد الرحمن وهو من الخوارج وهو من بني مراد. (تهذيب الأسماء 2/573).(14/61)
* المنهال بن عمر الأسدي مولاهم روى عن ابن الحنفيه وزر بن حبيش روى عنه الأعمش وشعبة وروايته عنه في النسائي ثم تركه بآخره وثقه ابن معين. (الكاشف 2/298).
* أبو موسى الأشعري: عبد الله بن قيس بن حضار بن حرب الإمام الأكبر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرىء حدث عنه بريدة بن الخصيب وأبو أمامة الباهلي وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وخلق كثير استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذا على زبيد وعدن وولي أمرة الكوفة لعمر وأمرة البصرة واختلف في وفاته فقيل سنة اثنتين وأربعين وقيل ثلاث وأربعين وقيل أربع وأربعين. (سير أعلام النبلاء 2/380).
* موسى الكاظم: الإمام القدوة السيد أبو الحسن العلوي والد الإمام علي بن موسى الرضا مدني نزل بغداد وحدث بأحاديث عن أبيه قيل أنه روى عن عبد الله بن دينار وعبد الملك بن قدامة حدث عنه أولاده علي وإبراهيم وإسماعيل وأخواه علي بن جعفر ومحمد بن جعفر ومحمد بن صدقه وصالح بن يزيد وروايته يسيرة لأنه مات قبل أوان الرواية قال فيه أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين. مات سنة ثلاث وثمانين بعد المائة. (سير أعلام النبلاء 6/274).(14/62)
* موسى بن مسعود النهدي أبو حذيفة يروي عن عكرمة بن عمار وعكرمة سمع الهرماس بن زياد. روى عنه أحمد بن حنبل والناس. مات سنة عشرين ومائتين. (الثقات 7/459) من متأخري أصحاب الثوري. (من روى عنهم البخاري في الصحيح 1/208).
* ميمونة أم المؤمنين: بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية. زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخت أم الفضل زوجة العباس وخالة خالد بن الوليد وخالة ابن عباس كانت زوجة لأبي رهم بن عبد العزى فمات فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت فراغة من عمرة القضاء سنة سبع كانت من سادات النساء روت عدة أحاديث حدث عنها ابن عباس وعبد الله بن شداد وعبيد بن السباق وعبد الرحمن بن السائب الهلالي وغيرهم. ماتت في خلافة يزيد سنة إحدى وستين ولها ثمانون سنة. (سير أعلام النبلاء 2/245).
* ميمون بن عجلان يروى عن ميمون بن سياه روى عنه يوسف بن يعقوب السدوسي. (التأريخ الكبير 7/343).
حرف النون(14/63)
* النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان الخراساني النسائي القاضي الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحد الأئمة المبرزين والحفاظ روى عنه ابن السني سعيد بن الاعرابي والطحاوي وأبو علي النيسابوري وابن عدي والعقيلي وغيرهم. قال الذهبي: هو أحفظ من مسلم بن الحجاج. مات سنة ثلاث وثلاثمائة شهيدا. (طبقات الحفاظ 1/307).
* النووي: الإمام الفقيه الحافظ شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن سري الحوراني الشافعي ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة سمع من الرضى بن البرهان والنعمان بن أبي اليسر والطبقة صنف التصانيف النافعة في الحديث والفقه كشرح مسلم والروضة وشرح المهذب والمنهاج والأذكار ورياض الصالحين والارشاد والتقريب وكلاهما في علوم الحديث. وتهذيب الأسماء ومختصر أسد الغابة في الصحابة والمبهمات وغيرها مات سنة ست وسبعين وستمائة. (طبقات الحفاظ 1/513).
حرف الهاء
* أبو هارون: إبراهيم بن العلاء الغنوي سمع حطان بن عبد الله روى عنه شعبة وحماد بن زيد. (الكنى والأسماء 1/892). (الأسماء والكنى لأحمد بن حنبل 1/85).(14/64)
* أبو هاشم الرماني الواسطي: قيل اسمه يحيى بن دينار وقيل نافع حدث عن أبي العالية وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير وأبي عمر زاذان وأبي وائل وأبي الأحوص وغيرهم روى عنه خلف بن خليفة وهشيم وروح بن القاسم وشريك وشعبة وسفيان وقيس بن الربيع وغيرهم احتج بن أصحاب الكتب السنة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة. (سير أعلام النبلاء 6/152).
* هاشم بن زهير أبو المهاجر من أهل نسا يروي عن عن وكيع وعبد الله بن نمير روى عنه ابن يسار الحكايات معدود في الثقات. (الثقات 9/244).
* الهروي: محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الشافعي الحافظ الصادق الفقيه سمع الربيع بن سليمان المزدي والعباس بن الوليد البيروني والحسن بن مكرم ومحمد بن عوف الطائي ومحمد بن حماد الطهراني وغيرهم حدث عنه الطبراني والزبير بن عبد الواحد الأسد باذي والقاضي أبو بكر الأبهري وغيرهم وثقه أبو بكر الخطيب وغيره ولد سنة ثلاثين ومائتين ومات سنة ثلاثين وثلاثمائة. (سير أعلام النبلاء 15/253).(14/65)
* أبو هريرة: الإمام الفقيه المجتهد الحافظ صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة الدوسي اليماني سيد الحفاظ الأثبات اختلف في اسمه على أقوال أرجحها (عبد الرحمن بن صخر) حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علما كثيرا طيبا مباركا فيه لم يلحق في كثرته وأخذ عن أبي بكر وعمر وأسامة وعائشة والفضل وبسرة بن أبي بسرة وكعب الأحبار وغيرهم حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين فقيل بلغ أصحابه ثمانمائة له في البخاري ما يزيد على ثمانمائة حديث توفي سنة سبع وخمسين على ما ذكره خليفة بن خياط. (الاستيعاب 4/1772). (سير أعلام النبلاء 2/578).
* هشام بن عروة بن الزبير بن العوام أبو المنذر المدني مات بعد سنة خمس وأربعين ومائة روى عنه الثوري ومالك وشعبة وابن عيينة. (التأريخ الكبير 8/194).
* هشام بن محمد بن السائب الكلبي يروي عن أبيه عن أبي مخنف قال أحمد: ما ظننت أن أحدا يحدث عنه إنما هو صاحب سير قال الدارقطني: متروك. (الضعفاء والمتروكين 3/176) وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة. مات سنة أربع ومائتين. (ميزان الاعتدال 7/89).(14/66)
* الهيثمي: الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن عمر بن صالح رفيق الحافظ أبي الفضل العراقي ولد خمس وثلاثين وسبعمائة ورافق العراقي في السماع فسمع كل ما سمعه وكان ملازما مبالغا في خدمته جمع زوائد مسند أحمد على الكتب الستة ثم مسند البزار ثم أبي يعلى ثم معجم الطبراني الكبير ثم الأوسط والصغير ثم جمع هذه الستة في كتاب محذوفة الأسانيد وتكلم على كل حديث عقبه وله زوائد الحلية وزوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين وغير ذلك. مات سنة سبع وثمانمائة. (طبقات الحفاظ 1/546).
حرف الواو
* وزير بن عبد الله الجزري روى عنه بقية بن الولي. (الأسماء والكنى 1/137) روى عن الزبيدي عن الزهري حديثا مرسلا (من منحه المشركون أرضا فلا أرض له). (أحوال الرجال 1/176).
* وضاح بن حسان الأنباري روى عن طلحة بن زيد وروى عنه الحسين بن الحسن الشيلماني البغدادي الذي روى عنه موسى بن اسحاق الأنصاري. (الجرح والتعديل 9/41).(14/67)
* وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن مرسى أبو سفيان الرؤاسي من قيس بن عيلان كوفي روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة وعبد الله ابن عون روى عنه يزيد بن هارون ومسدد وابن نفيل والحميدي وأحمد بن حنبل وابن نمير وعثمان وعبد الله ابنا أبي شيبة وثقه أبو حاتم. (الجرح والتعديل 9/38). كان مولده سنة تسع وعشرين ومائة ومات في طريق مكة بقيد سنة ست وتسعين ومائة. (مشاهير علماء الأمصار 1/173).
* أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي الاندلسي سمع بمكة من أبي ذر عبد بن أحمد الهروي وببغداد من اسحق بن إبراهيم بن عمر البرمكي وغيره حدث عنه أبو بكر الخطيب وغيره قال الأشيري: كان مولده سنة ثلاث وأربعمائة وتوفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. (تكملة الأكمال 1/361).
حرف الياء(14/68)
* يحيى بن أكثم التميمي المروزي وهو ابن أكثم بن محمد الأسدي روى عن الفضل بن موسى وابن إدريس ووكيع قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه قلت ما تقول فيه؟ قال: فيه نظر، فما ترى فيه؟ قال: نسأل الله السلامة.. ثم قال: سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: كانوا لا يشكون أن يحيى بن أكثم كان يسرق حديث الناس ويجعله لنفسه. (الجرح والتعديل 9/129). (التأريخ الكبير 8/304).
* يحيى بن حرب المدني مجهول من الطبقة السابعة. (تقريب التهذيب 2/345).
* يحيى بن إحسان التميمي روى عن سليمان بن بلال الشامي مات سنة ثمان ومائتين أو نحوها. (التأريخ الكبير 8/269).
* يحيى بن سعيد أبو سعيد القطان البصري الأحول سمع أبا جعفر الخطمي وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر والثوري روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وأبو الوليد ومسدد وأحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة توفي سنة ثمان وتسعين ومائة. (الجرح والتعديل 9/150).(14/69)
* يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بالمدينة وله بضع وسبعون سنة. (تقريب التهذيب 2/358).
* يحيى بن يحيى أبو زكريا النيسابوري الحنظلي التميمي سمع مالك بن أنس والليث بن سعد. مات سنة ست وعشرين ومائتين. (التأريخ الكبير 8/310).
* يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد (ت 206هـ) وقد قارب التسعين. (تقريب التهذيب 2/372).
* يعقوب بن سفيان الفسوي أبو سيف الفارسي الحافظ روى عن سليمان ابن حرب وأبي عاصم والقعنبي وخلق. ورى عنه الترمذي والنسائي وعبد الله بن جعفر بن درستويه وخلق وثقه ابن حبان وقال النسائي: لا بأس به. مات سنة سبع وسبعين ومائتين. (طبقات الحفاظ 1/262).
* يونس بن أبي اسحاق السبيعي الكوفي الهمداني وهو يونس بن عمر بن عبد الله أبو اسرائيل سمع أباه والعيزار بن حريث روى عنه يحيى القطان. (التأريخ الكبير 8/408).(14/70)
المحتويات
اسم الموضوع رقم الصفحة
المقدمة ... ... ... ... ... ... ... ... 1
الفصل الأول: التثبت وأهميته في حياة المسلمين. ... ... 6
المبحث الأول: التثبت في القرآن الكريم. ... ... ... 7
المبحث الثاني: التثبت في السنة النبوية المطهرة. ... ... 21
المبحث الثالث: التثبت عند الصحابة الكرام والتابعين. ... 26
الفصل الثاني: في ماهية الجرح والتعديل. ... ... ... ... 45
المبحث الأول: تعريف الجرح والتعديل. ... ... ... 46
المبحث الثاني: التأصيل الشرعي لعلم الجرح والتعديل. ... 52
المبحث الثالث: أهميته ودواعيه. ... ... ... ... 57
المبحث الرابع: وسائل ثبوت عدالة الراوي وضبطه. ... 65
المطلب الأول: بم تثبت عدالة الراوي. ... ... ... 65
التعديل بشهادة الكتاب والسنة. ... ... ... 65
التعديل بالاستفاضة. ... ... ... ... ... 68 ...
التعديل بشهادة أئمة الجرح والتعديل. ... ... 69
التعديل بحكم القاضي. ... ... ... ... 70
التعديل بشهرة طلب العلم. ... ... ... ... 70
التعديل بشيوع الرواية عن الراوي. ... ... ... 71
التعديل بالعمل والفتوى بمقتضى رواية الراوي. ... 74
التعديل بعدم ثبوت الجرح في الراوي. ... ... 75(15/1)
المطلب الثاني: كيف يعرف ضبط الراوي. ... ... ... 77
معرفة ضبط الراوي بالشهرة والاستفاضة. ... ... 78
مقابلة مرويات الراوي بما هو محفوظ عن الثقات. 79
امتحان الراوي. ... ... ... ... ... 80
الفصل الثالث: المحاور التي يدور عليها الجرح والتعديل. ... 83
المبحث الأول: ما يتعلق بجهالة الراوي. ... ... ... 84
المطلب الأول: جهالة الراوي. ... ... ... 84
أسباب وقوع الجهالة. ... ... ... ... ... 87 ... ...
ما ترتفع به الجهالة. ... ... ... ... ... 88
المطلب الثاني: حكم رواية المجهول ... ... 95
حكم راوية المجهول باعتبار نوع الجهالة. ... ... 96
حكم رواية المجهول بالنظر إلى طبقته. ... ... 100
حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنه.101
المبحث الثاني: ما يتعلق بعدالة الراوي. ... ... ... 103
المطلب الأول: الفاسق وحكم روايته. ... ... 105
المطلب الثاني: منخرم المروءة وحكم روايته. ... 108
المطلب الثالث: المبتدع وحكم روايته. ... ... 113
المطلب الرابع: الكذاب والمتهم بالكذب وحكم روايتهما.118
المطلب الخامس: المدلس وحكم روايته. ... ... 121
المبحث الثالث: ما يتعلق بضبط الراوي. ... ... ... 129(15/2)
المطلب الأول: حكم رواية من عرف بالتساهل في حديثه. 131
المطلب الثاني: حكم رواية من اختلط وكان سيئ الحفظ. 134
المطلب الثالث: حكم رواية من كثر وهمه وغلبت عليه الغفلة.137
المطلب الرابع: حكم رواية من غلبت عليه المخالفة. 141
الفصل الرابع: الضوابط المعتبرة في الجرح والتعديل. ... ... 147
المبحث الأول: الصفات المعتبرة في الجارح والمعدل. ... 148
المبحث الثاني: الصفات المعتبرة في الجرح والتعديل. ... 152
المسألة الأولى: الجرح والتعديل بين الإبهام والتفسير. 152
المسألة الثانية: اشتراط العدد أو عدم ذلك في الجرح والتعديل. 156
المبحث الثالث: ضوابط الترجيح بين الجرح والتعديل عند التعارض.158
الفصل الخامس: ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها. ... ... ... 185
المبحث الأول: ألفاظ الجرح والتعديل. ... ... ... 186
المبحث الثاني: مراتب ألفاظ الجرح والتعديل. ... ... 198
الخاتمة. ... ... ... ... ... ... ... ...
ملحق تراجم الأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة. ... ... ... 206
المصادر والمراجع. ... ... ... ... ... ... ... 244(15/3)