, وكلام شيخنا (أبي العلاء الفرضي), وغيرهم, و أضفت إلى ذلك ما وقع لي أو تنبهت له
فاعلم أرشدك الله أن العمدة في مختصري هذا على ضبط القلم, إلا فيما يصعب ويُشْكِل, فيقيد ويُشَكَّل, وبالله أتأيد وعليه أتوكل, فأتقن يا أخي نسختك, واعتمد على الشكل والنقط ولا بد, وإلا لم تصنع شيئا, انتهى
قلت: ضبط القلم لا يؤمن التحريف عليه, بل تتطرق أوهام الظانين إليه, لا سيما عند من علمه من الصحف بالمطالعة, من غير تلق من المشايخ ولا سؤال ولا مراجعة, وهذا الكتاب أراد مصنفه زوال الإشكال, وبيان متشابه أسماء الرجال, لكن الإختصار والله أعلم قاده إلى كثير من الإهمال, فترك التقييد بالحروف واحتكم, وجعل اعتماد طالبه على ضبط القلم, فأشكل بذلك ما أراد بيانه, وخفي بسببه ما قصد إعلانه
فأوضحت ولله الحمد ما أهمله, وبينت ما أجمله, وفتحت ما أقفله, وأفصحت عما أغفله, ورفعت في بعض الأنساب, ونبهت على الصواب, مما وقع خطأ في الكتاب, غير أني لم أحول ترجمة من تبويبه, وإن كان نقلها إلى محلها أفيد في ترتيبه, غيرة على تغيير التصنيف, وفصلت ب(( قلت )) الزيادة, وب(( قال )) كلام المصنف ومراده, فصار الكتاب ولله الحمد والمنة كافيا في بابه, مسعفا بغرض طلابه
والله الكريم أسأل من آلائه الباهرة ونعمائه الغامرة, أن ينفع به دنيا وآخرة, فهو خير المسؤولين, وأكرم المعطين, وبه لا إله سواه نستعين (1)
المستفاد من مبهمات المتن والإسناد للحافظ أبي زرعة العراقي
بسم الله الرحمن الرحيم, اللهم صل على سيدنا محمد وآله و صحبه وسلم, الحمد لله على ما أفضل, والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه المرسل, وعبده الأكمل, الذي أزال ما أعضل, وأوضح ما أشكل, وعلى آله وصحبه ما أورق عود وأخضل
__________
(1) - طبع ((تبصير المشتبه) في (10) مجلدات بتحقيق (العرقوسي) ثم في دار الكتب العلمية 1424هـ في (5) مجلدات بتحقيق (محمد حسن إسماعيل)(5/72)
وبعد : فإن من المعلوم الواضح أن أجل العلوم بعد كتاب الله المنزل علم سنة نبيه المرسل, ومن أنواعه الزاهرة وأقسامه الباهرة تبيين الأسماء المبهمة الواقعة في متن أو إسناد, وكم له من فائدة تستجاد, أدناها تحقيق الشيء على ما هو عليه, فإن النفس متشوقة إليه, ومنها أن يكون ف لحديث منقبة لذلك المبهم فتستفاد بمعرفة فضيلته, فينزل منزلته, ويحصل الإمتثال لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
( أنزلوا الناس منازلهم ) (1), ومنهل أن يشتمل على نسبة فعل غير مناسب إليه, فيحصل بتعيينه السلامة من جولان الظن في غيره من أفاضل الصحابة, ومنها أن يكون ذلك المبهم سائلا عن حكم عارضه حديث آخر, فيستفاد بمعرفته هل هو ناسخ أو منسوخ, إن عرف زمن إسلام ذلك الصحابي وكان قد أخبر عن قصة شاهدها وهو مسلم, إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تخفى هذا في مبهمات المتن
وأما مبهمات الإسناد فلا يخفى شدة الإحتياج إلى معرفتها, لتوقف الإحتجاج بالحديث على معرفة أعيان رواته, وقد صنف في المبهمات جماعة من الأئمة,كأبي محمد عبد الغني بن سعيد المصري, وأبى بكر أحمد بن على الخطيب (2) البغدادي , وأبى القاسم بن بشكوال (3), وهو أنفس كتاب صنف في المبهمات, وأبي عبد الله بن طاهر المقدسي (4) و قد جمع فيه نفائس حسنة, إلا أنه توسع فيه,حتى ذكر مثل حديث عيسى بن يونس عن وائل بن داود عن البهي عن الزبير قال :
__________
(1) - أخرجه أبو داود في (سننه)( 4842 ) قال الألباني : ( ضعيف )
(2) - له كتاب ( الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ) وه مطبوع تقدم ذكر مقدمته
(3) - هو كتاب ( غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة ) طبع في عالم الكتب بيروت 1407هـ في مجلدين بتحقيق ( عز الدين السيد ) و( محمد كمال الدين عز لدين )
(4) - هو كتاب ( إيضاح الإشكال ) طبع في مكتبة المعلا الكويت 1408هـ بتحقيق ( باسم الجوابرة )(5/73)
( قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر رجلا من قريش, ثم قال : لا يقتل بعد اليوم رجل من قريش صبرا )
ثم قال : قال أبو حاتم : الزبير هذا هو ابن أبي هالة, انتهى, ومثل هذا لا يذكر في المبهمات, لأن صحابيه مسمى, و يستدعى ذكره ذكر كل حديث فيه اسم رجل لم يذكر أبوه, وهذا باب واسع جدا, ثم إن كتاب ابن بشكوال الذي هو أنفسها كما تقدم غير مرتب, فتصعب الإستفادة منه على من أراد ذلك, ورتب الخطيب كتابه على حروف المعجم, معتبرا اسم المبهم, وفي تحصيل الفائدة منه عسر, فإن العارف بالمبهم غير محتاج إلى كشفه, والجاهل به لا يدرى مظنته التي يذكر فيها, واختصر[ ه] الإمام أبو زكرياء النووي رحمه الله تعالى اختصارا حسنا بحذف الأسانيد (1), ورتبه على حروف المعجم, معتبرا اسم الصحابي الراوي لذلك الحديث, وزاد فيه أحاديث يسيرة, وهو أقرب متناولا, ومع هذا قد يصعب الكشف منه لعدم استحضار اسم صحابي ذلك الحديث, مع كونه فاته كثير من المبهمات
فوفقني الله تعالى وبه الإستعانة إلى جميع هذه الكتب في مصنف واحد, وترتيبه على أبواب الفقه, ليسهل الكشف منه على من أراد ذلك, وأوردت فيه جميع ما ذكره ابن بشكوال, والخطيب, و النووى مع زيادة عليهم مَنَّ الله الكريم بها, و أكثر ما زدته من المبهمات الواقعة في الإسناد, و هي أهم وأكثر نفعا, وأوردتها في آخر الأبواب غالبا
__________
(1) - سماه ( الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات ) وه مطبوع تقدم ذكر مقدمته(5/74)
وأما ابن طاهر فإنه أورد في أول كتابه فصلا طويلا فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, و لم أورده لكونه نوعا مستقلا أفرد بالتصنيف (1), وأوردت جميع ما فيه غير هذا, فما قرن ذكر المبهم فيه بإيراد الحديث الذي وقع إبهامه إما في متنه, وإما ما في إسناده أوردته على الأبواب كغيره, وكذا ما اقتصر فيه على ذكر المبهم من غير إيراد حديث, لكن ذكر حديثه في كتاب من الكتب المتقدم ذكرها, وما عدا ذلك أوردته في آخر الكتاب جاريا في إيراده على ترتيب ابن طاهر, ليكون كتابي مشتملا على جميع ما فيه إلا ما قدمته
__________
(1) - ممن أفرده بالتصنيف الحافظ الحافظ ابن أبي خيثمة, له ( جزء من روى عن أبيه عن جده), قال الحافظ السخاوي في (فتح المغيث)(3\199) : وهو فيما أعلم أول مصنف فيه اهـ , والحافظ أبو حفص بن شاهين له كتاب ( من روى عن أبيه من الصحابة والتابعين) والحافظ صلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي له كتاب ( الوشي المعلم في من روي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ) في مجلد كبير, وهو أجمع مصنف صنف في الباب, طبع في مكتبة المعلا الكويت 1988 بتحقيق ( باسم فيصل الجوابرة ), وعدد تراجمه (187) ترجمة وقد ألحق محققه بآخره مستدركا لما فاته, وقد لخصه الحافظ ابن جحر, وزاد عليه تراجم كثيرة جدا. سماه ( علم الوشي ), ذكره السخاوي في (فتح المغيث)(3\199)(5/75)
ورقمت على الأحاديث طلبا للإختصار, فما انفرد به الخطيب ( خ ), وما انفرد به ابن بشكوال ( ب ), وما انفرد به النووي ( و ), وما اتفق عليه ابن بشكوال والنووي ( ك ), وما انفرد به ابن طاهر ( ط ), وما اتفق عليه الخطيب وابن بشكوال وابن طاهر ( ع ), وما اتفق عليه الخطيب وابن بشكوال ( ق ), وما اتفق عليه الخطيب وابن طاهر ( خط ), وما اتفق عليه ابن بشكوال وابن طاهر ( طب ) وما زدته عليه ( 1 ), وقد أخل النووي في اختصاره ببعض ما أورده الخطيب, فما كان كذلك علمت مقابله ( ف ), إشارة إلى أن هذا فات النووي, وذلك خمسة أحاديث, وتركها النووي عمدا, وقال : لم تطب نفسي بذكرها , مع أنه لا فائدة في ذكرها انتهى, وستعلم أنها ليست كذلك
وإذا لم يكن تفسير ذلك المبهم إلا في كتاب واحد من هذه الكتب اكتفيت بذكر رقمه على الحديث عن إعادته عند ذكر المبهم, وكذا إذا كان في كتابين فأكثر واتفقا على تفسيره, فإني أجزم به, وإن اختلفا ذكرت قول كل واحد عقب رقمه, وكذا إذا حكى أحدهما قولا لم يحكه الآخر فإني أجزم بما اتفقا عليه, ثم أذكر رقم الذي زاد القول, وأورده عقبه, وما زدته في أثناء ترجمة ميزته بقولي ( قلت )(5/76)
وعلى الله اعتمادي, وإليه تفويضي واستنادي, وبه حولي وقوتي, وهو رجائي وعدتي, ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم, ورأيت أن أذكر أبواب الكتاب هنا ليسهل الكشف منه, وهي : كتاب الإيمان, كتاب العلم, كتاب الطهارة , كتاب الصلاة, باب الجمعة, كتاب الجنائز, وفي آخره فصل فيمن تكلم بعد الموت, وفصل في الصبر على موت الأولاد ونحوه, كتاب الزكاة, وفي آخره تسمية المؤلفة, كتاب الصيام, فصل في ليلة القدر, كتاب الحج, باب الأضحية, باب الأطعمة, باب الأشربة وآداب الأكل, باب الطب والرقى, باب التوكل, باب اللباس, باب النذر, كتاب البيوع , باب الربا, باب الرهن, باب المزارعة والمخابرة وفضل الزرع, باب القرض, باب الشفعة, باب الغصب, باب الجعالة, باب المناضلة, باب إحياء الموات, باب اللقطة, باب الهبة والعمرى ونحوهما, باب الوصية, باب العتق وصحبة المماليك, وباب الكتابة, كتاب الفرائض, كتاب النكاح, باب الوليمة, باب حق الزوج, باب عشرة النساء, باب الخلع, كتاب الطلاق, باب الظهار, باب اللعان, باب العدد, باب لحاق النسب, باب إثبات القائف, كتاب الأيمان, كتاب الرضاع, باب الحضانة, كتاب الحدود, باب حد الزنا, باب حد السرقة, باب حد الشرب, باب حد المحاربة, باب حد الساب, كتاب القصاص, باب الديات, كتاب السير, فصل في الفيء والغنيمة, فصل في الشهداء, باب الإمارة, كتاب القضاء و الشهادات, كتاب الأدب, كتاب الزهد, كتاب التفسير وأسباب النزول, كتاب القراءات, وفضل القرآن وأدب القراءة, كتاب الرؤيا, كتاب الفتن, كتاب بر الوالدين, كتاب الأدعية والذكر, كتاب علامات النبوة, كتاب المناقب, كتاب أخبار الأولين, كتاب ذكر القيامة (1)
تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل للحافظ أبي زرعة العراقي
__________
(1) - طبع في دار الوفاء القاهرة في ( 3 ) مجلدات, بتحقيق ( عبد الرحمن عبد الحميد البر )(5/77)
بسم الله الرحمن الرحيم, قال شيخي الإمام العالم العلامة الحافظ أبو زرعة ولي الدين أحمد ابن شيخنا الإمام العالم العلامة أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين ابن العراقي, أبقاه الله تعالى
أما بعد : الحمد لله الذي نضر وجوه أهل السنة, ونضر وجوههم على فئة أهل الفتنة, هذا استفتح به أبواب الجنة, وأسترجع به ميزان الثواب يوم المحنة, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الذين نظر إليهم بعين المنة
فإن معرفة المراسيل من أهم الأنواع, التي انعقد على استحبابها الإجماع, وقد صنف الإمام أبو محمد ابن الإمام أبي حاتم الرازي في ذلك (1), مرتبا أسماء الرواة على حروف المعجم, موضحا لتلك المسالك, وعقد لذلك الإمام أبو سعيد العلائي في كتابه ( جامع التحصيل في أحكام المراسيل ) بابا جمع فيه فأوعى, جمع بدعا, وأبدع جمعا, فرأيت إفراده بتصنيف أولى, وأبلغ في إدراك المطلوب منه وأعلى, فجمعته في هذه الأوراق مع زيادات ضممتها إليه مما رأيته في كلام الناس, ووقفت عليه, مميزا ما زاده العلائي على ابن أبي حاتم في أثناء ترجمته بقولي في أوله ( قال العلائي ), وفي آخره ( انتهى ), وما زاده عليه من ترجمه كاملة برقم صورة ( ع ) مقابله, أو فوقه, وما ترجمة بقولي في أوله ( قلت ) و في آخره (انتهى), وما زدته من ترجمة كاملة برقم ( ز ) مقابله, أو فوقه, وعلى الله اعتمادي, وإليه تفويضي واستنادي (2)
تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي لحافظ جلال الدين السيوطي
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي لا يعزب عن علمه شيء ولا يغيب, والصلاة و السلام على سيدنا محمد وآله وصحبه بأكمل تهذيب
__________
(1) - كتاب ( المراسيل ) طبع في دار الكتب العلمية 1983 بتحقيق ( أحمد عصام الكاتب ) عدد تراجمه
( 476 ) ترجمة
(2) - طبع في مكتبة الرشد بالرياض 1999 بتحقيق ( عبد الله نوارة )(5/78)
هذا جزء فيمن حدث بحديث ثم نسيه, لخصته من كتاب الخطيب, وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب (1)
أسباب ورود الحديث للحافظ جلال الدين السيوطي
بسم الله الرحمن الرحيم, وبه نستعين, الحمد لله مسبب الأسباب, ومسير السحاب, والصلاة والسلام على سيدنا محمد والآل والأصحاب
وبعد : فإن من أنواع علوم الحديث معرف أسبابه, كأسباب نزول القرآن, وقد صنف فيه الأئمة كتبا في أسباب نزول القرآن, واشتهر منها كتاب الواحدي, ولي فيه تأليف جامع يسمى ( لباب النقول في أسباب النزول ), وأما أسباب الحديث فألف فيه بعض المتقدمين, ولم نقف عليه (2), وإنما ذكروه في ترجمته, وذكره الحافظ أبو الفضل ابن حجر في (شرح النخبة), وقد أحببت أن أجمع فيه كتابا, فتتبعت جوامع الحديث, والتقطت منها نبذا, وجمعتها في هذا الكتاب
والله الموفق, والهادي للصواب (3)
__________
(1) - طبع في الدار السلفية الكويت 1404 تحقيق ( صبحي السامرائي )
(2) - قال السخاوي في (فتح المغيث)(3\55): اعتنى أبو حفص العكبري أحد شيوخ القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي, ثم أبو حامد محمد بن أبي مسعود الأصبهاني عرف ( بكوتاه ) بإفراده بالتصنيف وقال ابن النجار في ثانيهما إنه حسن في معناه لم يسبق إليه وليس كذلك فالعكبري متقدم عليه, وقول ابن دقيق العيد في أثناء البحث التاسع من كلامه على حديث الأعمال بالنيات من ( شرح العمدة ): شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيفه كما صنف في أسباب النزول, فوقفت من ذلك على شيء, مشعر بعدم الوقوف على واحد منهما, وقد أفرده بنوع شيخنا تبعا لشيخه البلقيني اهـ وذكر الحافظ ابن رجب في (ذيل طبقات الحنابلة)(4\159) في ترجمة الشيخ عبد الرحمن بن نجم الأنصاري الخزرجي المعروف بناصح الدين المتوفى سنة 634هـ أن له كتاب أسباب ورود الحديث في مجلدات عدة
(3) - طبع في دار الفكر بيروت 146 هـ في جزء صغير وعدد أحاديثه ( 98 ) حديثا(5/79)
البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف للشيخ إبراهيم بن محمد بن حمزة الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي سهل أسباب السنة المحمدية لمن أخلص له وأناب, وسلسل مواردها النبوية لمن تخلق بالسنن و الآداب, وأشهد أن لا أله إلا الله, شهادة تنقذ قائلها من هول يوم الحساب, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله, الذي كشف له الحجاب, وخصه بالإقتراب, صلى الله عليه وسلم وعلى الآل و الأصحاب, والأنصار والأحزاب.
أما بعد: فان أربح الأعمال أجرا, وأبقاها ذكرا, وأعظمها فخرا, وأضوعها في عالم الملكوت فتا ونشرا, كسب العلوم النافعة في الدنياو الآخرة, لا سيما علوم الأحاديث المصطفوية الكاشفة النقاب, عن جمال وجوه مجملات آيات الكتاب' وإن من أجل أنواع علوم الحديث معرفة الأسباب, وقد ألف فيها أبو حفص العكبري كتابا, وذكر الحافظ ابن حجر أنه وقف منه على انتخاب, ولما لم أظفر في عصرنا بمؤلف مفرد في هذا الباب, غير أوائل تأليف شرع فيه الحافظ السيوطي, ورتبه على الأبواب, فذكر فيه نحو مائة حديث, واخترمته المنية قبل إتمام الكتاب, سنح لي أن أجمع في ذلك كتابا تقر به عيون الطلاب, فرتبته على الحروف والسنن المعروف, ووضعت له تتمات تمس الحاجة إليها, وتحقيقات يعول عليها, وسميته :
( البيان والتعريف في أسباب الحديث الشريف), وجعلته خدمة لحضرة الحبيب الأكرم - صلى الله عليه وسلم - , و وسيلة لشفاعته يوم الحسرة والندم, ومن الله سبحانه أرجو التوفيق و الإعانة (1)
المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم للعلامة محمد طاهر بن علي الهندي
__________
(1) - طبع في الكتاب العربي بيروت 1401 تحقيق ( سيف الدين الكاتب )(5/80)
بسم الله الرحمن الرحيم, وصلى الله على سيدنا محمد وآله و صحبه أجمعين, الحمد لله الذي فضل بني آدم بتعليم الأسماء, وشرفهم بتشريف الإرسال و الإصطفاء, واصطفى بعضهم ليتميز الرائج من الكاسر من العلماء والأصفياء, وبعث إليهم الرسل والأنبياء, صلوات الله عليهم أجمعين, وختمهم بأشرفهم دينا و أمتنهم حجة, وأوضحهم بيانا, فبين طريق الحق بجواهر نظمه, وبحر علومه ولججه, وأزاح شبهات أهل الزيغ ببواهر [ حججه ], وجعل صحبه كالنجوم مبلغين ما نطق, وأتباع صحبه التابعين بالإحسان ناقلين ما فتق, فرضي الله عنهم أجمعين, ثم إنه تدرج في الناقلين من ليس منهم, فخلطوا بالحق ما ليس منه, فمن الله تعالى بتوفيق الأئمة الأعلام أن يميزوا غير الأهل عنه بكشف أحوالهم من مولدهم ومماتهم, وتعيين منشأهم ومعاشهم, وضبط أسمائهم, إذ به ينكشف حال ما نقلوه من صحة أو سقام, ويفتضح العوار فيما بلغوه في كل حال ومقام, فلا بد للطالب من صنعة الحديث أن يخدم العلم الكافل بذلك, فلذا اعتنى السلف الصالح لما هنالك, حتى صنفوا في الجرح والتعديل, والمستبهات و المختلفات ما أن مفاتحه لتنوء بعصبة أولي قوة شديد
وقال النووي: لكن اعتناءك بضبط ملتبس الأسماء أكثر من ملتبس المتون, إذ لا مدخل للمعنى و الذهن بضبط ملتبس الأسماء فيه, أولو باعتناء شديد(5/81)
وقد اتخذ في بلادنا ظهريا, وصار طلبه فريا, فلا تجد أكثرهم من كتاب منه إلا عريا, بل لا تجد عزماتهم عن طلب نفس الحديث إلا بريا, والله المستعان على هذه المصيبة الفضيعة, وإليه الملتجى في إزالة هذه الوقيعة, فتتبعت ما اتفق لي من كتب القوم, وكم من الليالي سهرت من النوم, فلبسطها وكثرة الشواغل رأيت الهمم عنها قاصرة, ولقلة الدواعي وجدت الرغبات إليها فاترة, مع قلة الاحتياج على مجرد الضبط في هذا الزمان, فامتدت أعناق فضلاء الأوان إلى كتاب يتضمن الضبط من غير كشف الأحوال, فتصفحت له بلاد العرب والعجم, ببذل ما في الوسع من الجهد والأموال, فلم أجد كتابا وافيا على نحو ما اقترحت لسان أحوالهم, فحداني الرفق على نفسي وعليهم إلى تخريج ضبط أكثر ما في الصحاح وغيرها, بطلب صريح أقوالهم, فاختطفت مما صرفته من بعض أوقاتي لتعليقات ( صحيح مسلم ) نبذة من الدهور, وشمرت عن ساعدي جدي في عدة من الشهور, فلما جاء بحمد الله على وفق ما راموا وجيزا, مغنيا عن مجلدات ذوات الخطر, وكافيا عن البحر المحيط بعدة القطر, سارعت في تبييضه ممتثلا إشارة من أمره مطاع, وحكمه يراع, إذ مننه سالفة سانية, وعزماته باهرة عالية, وما هو إلا باب رحمة واسعة, ومفاض أنوار إلهية شايعة, مخزن علوم لدنية, ذو دراسة الحقيقية والشرعية, والهمم العالية المرضية, معتنى من الوهاب بالبينة, مقنى من الرحمن بالقيمة, إمام المتقين, شهادة أعلام الأمة, وكاشف يوم القارعة عن محبيه الغمة, عارف اضطره الرحمن لأمر ما من الأرض القدسية, و فقيدة في الأرض الصعبة السفلية, فكم ممن أرشده وخلص عن الغواية من الخواص والعوام, وكم ممن أبرد حرارته للترفه من الواهين المتحيرين على الدوام, وكم ممن حرره من عبودية الكونين, وصيره وجيها مخلصا لخالق الثقلين, وكم نشر من العلوم النبوية والحقيقة وأشاع, فصار مجدد المائة في هذا القطر عند المنصفين بلا نزاع, وما دمت به إلا شكر شيء من نعمائه(5/82)
التامة, مقرأ بالعجز عن حقوقه العامة, وما ذاك إلا نبذة من نعماء ربنا تعالى العظيم, فنسأله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم, وأن يعصمني من الزلل والسهو بفضله الوافي, فهو حسبي ونعم الكافي, وهو عليه قدير, و بالإجابة جدير
مقدمة: اعلم أنهم يعبرون عن باء ذات نقطة بموحدة, وعن تاء ذات نقطتين فوق بمثناة فوق, وعن ياء ذات نقطتين تحت بمثناة تحت أو تحتية, وعن ثاء ذات ثلاث نقط بمثلثة, وعن الخاء والذال والشين والضاد والغين ذوات النقط بمعجمة, و عن الخالية عنها بمهملة, ويتميز كل عن البقية بالصورة, ويعبر عن الراء المهملة بهمزة بعد ألف , وعن الزاي المعجمة بمثناة تحت بعد همزة, والبقية متميز بالإسم
والخفة عدم التشديد لا الإسكان, وقد عبر عنهما بالسكون والشدة, وإذا سمعت زيدا بزاي فياء فدال بالعطف بالفاء فكل الحروف متصلة, وبالواو أعم, وحيث يقال بفتح لام وميم اشتركا فيه, بخلاف بفتح لام وميم أو شدة ميم
وتجد كل ما اشتبه من اسم الراوي, أو اسم والده, أو جده, أو كنيتهم, أو لقبهم في حرفه, والمشهور جمع الكل في حرف اسم الراوي, لكنه عسر تناوله لمن لم يعرفها, والأول أقرب تناولا, والله أعلم, وختمت كل باب بالنسب
رموز ذكر التاريخ أو ( من ) (للتهذيب), ( مق ) لمقدمة ابن حجر, ( عن ) ( لغنية اللبيب شرح التقريب ), ( ن ) للنواوي , ( ك ) للكرماني لما أخرجته قديما من النواوي والكرماني ( زر ) للزركشي, ( مس ) من أسماء (المصابيح) و (المشارق), فان عدم شيء أو وجد ( ج ) فمن (الجامع) (1)
كتب مختلف الحديث
مشكل الآثار للحافظ أبي جعفر الطحاوي
بسم الله الرحمن الرحيم, وصلواته على أفضل مخلوقاته, سيدنا محمد وعلى آله و صحبه وسلامه, قال : أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الطحاوي الأزدي
__________
(1) - طبع في الكتاب العربي بيروت 1402هـ بدون تحقيق(5/83)
أما بعد : فإن الله جل وعز بعث نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتما لأنبيائه الذين كان بعثهم قبله صلوات الله عليه وعليهم وسلامه, ورحمته وبركاته, وأنزل عليه كتابا خاتما لكتبه التي كان أنزلها قبله, ومهيمنا عليها, ومصدقا لها, وأمر فيها من آمن به بترك رفع أصواتهم فوق صوته, وترك التقدم بين يدي أمره, وأعلمهم أنه قد تولاه فيما ينطق به بقوله عز وجل : { وما )وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3\4), وأمرهم بالأخذ بما آتاهم به والانتهاء عما نهاهم عنه بقوله عز وجل { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ونهاهم أن يكونوا معه كبعضهم مع بعض بقوله تعالى : { َلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ...)(الحجرات:2), وحذرهم في فعلهم ذلك إن فعلوه حبوط أعمالهم وهم لا يشعرون, وحذر مع ذلك من خالف أمره بقوله عز وجل: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)
قال أبو جعفر : وإني نظرت في الآثار المروية عنه - صلى الله عليه وسلم - بالأسانيد المقبولة, التي نقلها ذوو التثبت فيها, والأمانة عليها, و حسن الأداء لها, فوجدت فيها أشياء مما يسقط معرفتها, والعلم بما فيها عن أكثر الناس, فمال قلبي إلى تأملها, وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها, ومن استخراج الأحكام التي فيها, ومن نفي الإحالات عنها, وأن أجعل ذلك أبوابا, أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك منها, حتى آتي فيما قدرت عليه منها كذلك, ملتمسا ثواب الله عز وجل عليه(5/84)
والله أسأله التوفيق لذلك, والمعونة عليه, فإنه جواد كريم, وهو حسبي ونعم الوكيل (1)
مشكل الحديث لابن قتيبة الدينوري
بسم الله الرحمن الرحيم, قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله تعالى الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, وصلى الله على محمد خاتم النبيين, وآله الطيبين الطاهرين
أما بعد : أسعدك الله تعالى بطاعته, وحاطك بكلاءته, ووفقك للحق برحمته, وجعلك من أهله, فإنك كتبت إلي تعلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلام أهل الحديث, و أمتهانهم وإسهابهم في الكتب بذمهم, ورميهم بحمل الكذب, ورواية المتناقض, حتى وقع الإختلاف, وكثرت النحل, و تقطعت العصم, وتعادى المسلمون, وأكفر بعضهم بعضا, وتعلق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديث, فالخوارج تحتج بروايتهم : ( ضعوا سيوفكم على عواتقكم, ثم أبيدوا خضرائهم ), و( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق, لا يضرهم خلاف من خالفهم ), و( من قتل دون ماله فهو شهيد )
__________
(1) - طبع باسم ( شرح مشكل الآثار ) في دائرة المعارف العثمانية في ( 4 ) مجلدات قدر ثلث الكتاب, ثم طبع كاملا في دار البشير عمان في (26) مجلدا بتحقيق الشيخ ( شعيب الارناؤوط ), وقد اختصره القاضي ( أبو الوليد بن رشد ) رتبه ترتيبا حسنا حذف أسانيد الأحاديث ومكررها, واختصر كثيرا من ألفاظه من غير أن يخل بشيء من معانيه وفقهه,وزاد فيه من ( الموطأ ), ثم اختصر ( المختصر ) الشيخ ( أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي ) المتوفى سنة وسماه ( المعتصر من المختصر ) طبع في دائرة المعارف العثمانية الهند 1363 هـ في مجلدين, ثم صور في بيروت عن هذه الطبعة(5/85)
والقاعد يحتج بروايتهم ( عليكم بالجماعة, فإن يد الله عز وجل عليها ), و(من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ), و( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف ), و( صلوا خلف كل بر و فاجر), و( لا بد من إمام بر أو فاجر ), و( كن حلس بيتك, فإن دخل عليك فادخل مخدعك فإن دخل عليك فقل بؤ بإثمي و إثمك, وكن عبد الله المقتول, ولا تكن عبد الله القاتل )
والمرجئ يحتج بروايتهم ( من قال : لا إله إلا الله فهو في الجنة, قيل : وإن زنى وإن سرق ؟, قال : وإن زنى وإن سرق ) و( من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة, ولم تمسه النار ), و( أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )
والمخالف له يحتج بروايتهم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن), و( لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه, ولم يؤمن من لم يأمن المسلمون من لسانه ويده), و( يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره ), و( يخرج من النار قوم قد امتحشوا فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أو كما تنبت التغاريز )
والقدري يحتج بروايتهم ( كل مولود يولد على الفطرة, حتى يكون أبواه يهودانه, أو ينصرانه) , و(بأن الله تعالى قال: خلقت عبادي جميعا حنفاء, فاجتالتهم الشياطين عن دينهم )
والمفوض يحتج بروايتهم ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له, أما من كان من أهل السعادة فهو يعمل للسعادة, ومن كان من أهل الشقاء فيعمل للشقاء ), و( إن الله تعالى مسح ظهر آدم فقبض قبضتين, فأما القبضة اليمنى فقال: إلى الجنة برحمتي, والقبضة اليسرى فقال:إلى النار ولا أبالي ), و( السعيد من سعد في بطن أمه, والشقي من شقي في بطن أمه) هذا وما أشبهه(5/86)
والرافضة تتعلق في إكفارها صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بروايتهم ( ليردن علي الحوض أقوام, ثم ليختلجن دوني, فأقول: أي ربي أصيحابي, أصيحابي, فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ), و
( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ), ويحتجون في تقديم علي رضي الله تعالى عنه بروايتهم ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ), و( من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه ), و( أنت وصي )
ومخالفوهم يحتجون في تقديم الشيخين رضي الله عنهما بروايتهم ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ), و( يأبى الله ورسوله والمسلمون إلا أبا بكر ), و( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر )
ويتعلق مفضلو الغنى بروايتهم ( اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي, اللهم إني أعوذ بك من فقر مرب, أو ملب )
ويتعلق مفضلو الفقر بروايتهم ( اللهم أحيني مسكينا, وأمتني مسكينا, واحشرني في زمرة المساكين ), و( الفقر بالرجل المؤمن أحسن من العذار الحسن على خد الفرس )
ويتعلق القائلون بالبداء بروايتهم ( صلة الرحم تزيد في العمر والصدقة تدفع القضاء المبرم ), وبقول عمر : (اللهم إن كنت كتبتني في أهل الشقاء فامحني واكتبني في أهل السعادة )
هذا مع روايات كثيرة في الأحكام, اختلف لها الفقهاء في الفتيا, حتى افترق الحجازيون والعراقيون في أكثر أبواب الفقه وكل يبني على أصل من روايتهم, قالوا ومع افترائهم على الله تعالى في أحاديث التشبيه, كحديث عرق الخيل, وزغب الصدر, ونور الذراعين, وعيادة الملائكة, وقفص الذهب على جمل أورق عشية عرفة, والشاب القطط, ودونه فراش, الذهب, وكشف الساق يوم القيامة, إذا كادوا يباطشونه, وخلق آدم على صورته, ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتي, وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله تعالى(5/87)
ومع روايتهم كل سخافة تبعث على الإسلام الطاعنين, وتضحك منه الملحدين, وتزهد من الدخول فيه المرتدين, وتزيد في شكوك المرتابين, كروايتهم في عجيزة الحوراء إنها ميل في ميل, و فيمن قرأ سورة كذا وكذا, ومن فعل كذا كذا أسكن من الجنة سبعين ألف قصر, في كل قصر سبعون ألف مقصورة, في كل مقصورة سبعون ألف مهاد, على كل مهاد سبعون ألف كذا
وكروايتهم في الفأرة إنها يهودية, وإنها لا تشرب ألبان الإبل, كما أن اليهود لا تشربها, وفي الغراب إنه فاسق, وفي السنور إنها عطسة الأسد, والخنزير إنه عطسة الفيل, وفي الإربيانة أنها كانت خياطة تسرق الخيوط فمسخت, وأن الضب كان يهوديا عاقا فمسخ, وأن سهيلا كان عشارا باليمن, وأن الزهرة كانت بغيا عرجت إلى السماء باسم الله الأكبر, فمسخها الله شهابا, وأن الوزغة كانت تنفخ النار على إبراهيم, وأن العظاية تمج الماء عليه, وأن الغول كانت تأتي مشربة أبي أيوب كل ليلة, وأن عمر - رضي الله عنه - صارع الجني فصرعه, وأن الأرض على ظهر حوت, وأن أهل الجنة يأكلون من كبده أول ما يدخلون, وأن ذئبا دخل الجنة لأنه أكل عشارا, وإذا وقع الذباب في الإناء فامقلوه, فإن في أحد جناحيه سما, وفي الآخر شفاء, وأنه يقدم السم, ويؤخر الشفاء, وأن الإبل خلقت من الشيطان, مع أشياء كثيرة يطول استقصاؤها(5/88)
قالوا ومن عجيب شأنهم أنهم ينسبون الشيخ إلى الكذب, ولا يكتبون عنه ما يوافقه عليه المحدثون بقدح يحيى بن معين, وعلي بن المديني, وأشباههما, ويحتجون بحديث أبي هريرة فيما لا يوافقه عليه أحد من الصحابة, وقد أكذبه عمر, وعثمان, وعائشة, ويحتجون بقول فاطمة بنت قيس, وقد أكذبها عمر, وعائشة, وقالوا : لا ندع كتاب ربنا, وسنة نبينا لقول امرأة, ويبهرجون الرجل بالقدر, فلا يحملون عنه, كغيلان, وعمرو بن عبيد, ومعبد الجهني, وعمرو بن فائد, ويحملون عن أمثالهم من أهل مقالتهم, كقتادة, وابن أبي عروبة, وابن أبي نجيح, ومحمد بن المنكدر, وابن أبي ذئب, ويقدحون في الشيخ يسوي بين علي وعثمان, أو يقدم عليا عليه, ويروون عن أبي الطفيل عامر بن واثلة صاحب راية المختار, وعن جابر الجعفي, وكلاهما يقول بالرجعة, قالوا: وهم مع هذا أجهل الناس بما يحملون, وأبخس الناس حظا فيما يطلبون, وقالوا في ذلك :
زوامل للأشعار لا علم عندهم *** بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا *** بأحماله أوراح ما في الغرائر(5/89)
قد قنعوا من العلم برسمه, ومن الحديث باسمه, ورضوا بأن يقولوا فلان عارف بالطرق, وراوية للحديث, وزهدوا في أن يقال عالم بما كتب, أو عامل بما علم, قالوا: وما ظنكم برجل منهم يحمل عنه العلم وتضرب إليه أعناق المطي خمسين سنة, أو نحوها, سئل في ملأ من الناس عن فأرة وقعت في بئر, فقال : البئر جبار, وآخر سئل عن قوله تعالى : ( رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ) (آل عمران:117) فقال: هو هذا الصرصر, يعني صراصر الليل, وآخر حدثهم عن سبعة وسبعين, ويريد شعبة وسفين, وآخر روى لهم : يستر المصلي مثل آجرة الرجل, يريد مثل آخرة الرحل, وسئل آخر متى يرتفع هذا الأجل,فقال: إلى قمرين, يريد إلى شهري هلال, وقال آخر يدخل يده في فيه فيقضمها قضم الفجل, يريد قضم الفحل, وقال آخر : أجد في كتابي الرسول, ولا أجد الله, يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فقال المستملي : اكتبوا وشك في الله تعالى, مع أشياء يكثر تعدادها, قالوا: وكلما كان المحدث أموق كان عندهم أنفق, وإذا كان كثير اللحن والتصحيف, كانوا به أوثق, وإذا ساء خلقه, وكثر غضبه, واشتد حدة وعسرة في الحديث, تهافتوا عليه,ولذلك كان الأعمش يقلب الفرو و يلبسه, ويطرح على عاتقه منديل الخوان, وسأله رجل عن إسناد حديث فأخذ بحلقه وأسنده إلى الحائط, وقال: هذا إسناده, وقال : إذا رأيت الشيخ لم يطلب الفقه أحببت أن أصفعه, مع حماقات كثيرة تؤثر عنه, لا نحسبه كان يظهرها إلا لينفق بها عندهم(5/90)
قال أبو محمد : هذا ما حكيت من طعنهم على أصحاب الحديث, وشكوت تطاول الأمر بهم على ذلك من غير أن ينضح عنهم ناضح, ويحتج لهذه الأحاديث محتج, أو يتأولها متأول, حتى أنسوا بالعيب, ورضوا بالقذف, وصاروا بالإمساك عن الجواب كالمسلمين, وبتلك الأمور معترفين, وتذكر أنك وجدت في كتابي المؤلف في غريب الحديث, بابا ذكرت فيه شيئا من المتناقض عندهم, وتأولته, فأملت بذلك أن تجد عندي في جميعه مثل الذي وجدته في تلك من الحجج, وسألت أن أتكلف ذلك محتسبا للثواب, فتكلفته بمبلغ علمي, ومقدار طاقتي, وأعدت ما ذكرت في كتبي من هذه الأحاديث ليكون الكتاب تاما جامعا للفن الذي قصدوا الطعن به, وقدمت قبل ذكر الأحاديث, وكشف معانيها, وصف أصحاب الكلام, وأصحاب الحديث, بما أعرف به كل فريق, وأرجو أن لا يطلع ذو النهى مني على تعمد لتمويه, ولا إيثار لهوى, ولا ظلم لخصم, وعلى الله أتوكل فيم أحاول, وبه أستعين (1)
المعتصر من المختصر (مشكل الآثار) للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي
بسم الله الرحمن الرحيم, وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت, أحمد الله حمدا يليق بجلال ذاته, وجمال صفاته, و أشكره شكرا على تواتر نعمه وبركاته
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, عدد كلمات الله وآياته, وأشهد أن محمدا سيدنا وعبده أكرم مخلوقاته, وأشرف أولاد آدم وذرياته, المبعوث بمبشرات الحق وإنداراته, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه تكميلا لصلاته, وعلى التابعين من الأئمة والمجتهدين و الحفظة المستحقين لصلاته
__________
(1) - طبع باسم ( تأويل مختلف الحديث ) في دار الفكر بيروت 1995 بتحقيق ( محمد عبد الرحيم ), و في المكتب الإسلامي 1419هـ بتحقيق ( محمد محيي الدين الأصفر ),(5/91)
وبعد : فقد قال لي أستاذي وشيخي متعني الله والمسلمين بحياته, الشيخ الإمام العلامة المتقن جمال الدين مفتي المسلمين مفيد الطالبين, أبو المحاسن يوسف بن العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العلامة صلاح الدين أبي البركات موسى الحنفي, عامله الله بلطفه الجلي والخفي
لما طالعت كتاب ( مشكل الآثار ) للإمام الحافظ أبي جعفر أحد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي, المعروف بالطحاوي, سقى الله ثراه سجال الرحمة والرضوان وجدته مطولا, ورأيت همتي قاصرة, وهمومي متكاثرة, والكتاب يحتوي على معان حسنة عزيزة, وفوائد جمة غزيرة, ويشتمل على فنون من الفقه, وضروب من العلم, دعاه إلى ذلك ما ذك في خطبة كتابه قال:
إني نظرت في الآثار المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأسانيد المقبولة, التي نقلها ذوو التثبت فيها, والأمانة عليها, وحسن الأداء لها, فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفتها, والعلم بما فيها عن أكثر الناس, فمال قلبي إلى تأملها, وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها, ومن استخراج الأحكام التي فيها, ومن نفي الإحالات عنها, وأن أجعل ذلك أبوابا, أذكر في كل باب منها ما يهب الله لي من ذلك فيها, حين أبين ما قدرت عليه منها كذلك, ملتمسا ثواب الله عز وجل
ولقد أثابه الله على ذلك ثوابا جزيلا, كان تطويل كتابه بكثرة تطريقه الأحاديث, وتدقيق الكلام فيه حرصا على التناهي في البيان, على غير ترتيب ونظام, لم يتوخ فيه ضم باب إلى شكله, ولا إلحاق نوع بجنسه, فتجد أحاديث الوضوء فيه متفرقة من أول الديوان إلى آخره, وكذلك أحاديث الصلاة والصيام, وسائر الشرائع والأحكام, تكاد أن لا تجد فيه حديثين متصلين من نوع واحد, فصارت بذلك فوائده ولطائفه متشرة, مشتتة فيه, يعسر استخراجها منه إن أراد طالب أن يقف على معنى بعينه لم يجد ما يستدل به على موضعه, إلا بعد تصفح جميع الكتاب, وإن ذهب ذاهب إلى تحصيل بعض أنواعه افتقر إلى تحفظ جميع الأبواب(5/92)
فقصدت جمع فوائده, والتقاط فرائده في مختصر, وبقيت مترددا في جمعه بين الإقدام والإحجام, لصعوبة مدركه على مثلي, مع قلة بضاعتي, وكثرة مخالطتي, إلى أن ظفرت بمختصر الإمام الفقيه الحافظ القاضي أبي الوليد الباجي المالكي(1), اختصر كتاب ( مشكل الآثار ) اختصارا بديعا, ضم كل نوع فيه إلى نوعه, وألحق كل شكل بشكله, ورتبه ترتيبا حسنا, حذف أسانيد الأحاديث و تطريقها, واختصر كثيرا من ألفاظه, من غير أن يخل بشيء من معانيه وفقهه, يسهل على الطالب تحفظه, ويتيسر عليه فهمه وتفحصه, فشكرت الله على ذلك , وتحققت أن الله تعالى مَنَّ علي بإجابة دعائي, ويسر ما عسر على كثير من أمثالي, فشمرت عن ساعد الإجتهاد, وتيقنت بأن هذا الشيء يراد, وعزمت أن أنقي خلاصته, وأخلص نقاوته, غير ملتزم حكاية ألفاظه بأعيانها, ولا منظم لدرها كما هي وجمانها, ذاكرا لمعانيه أجمع بنصف ألفاظه, راجيا لمثابرة الطالب عليه و (الظاظه), مبتدئا بذكر الأحاديث المتضمنة لمعرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائه, وصفاته, ثم بمعجزاته, وسنه, ووفاته, ثم الشرائع والأحكام, كتابا كتابا, ثم ما كان منها من تفسير القرآن وأسباب النزول على ترتيب المختصر, من غير عدول عن ذلك في شيء, وفي أثناء الكلام أشير إلى اعتراضات القاضي واستدركاته, وإلى أجوبة بعضها مع إيراد جميع ما زاد فيه من (الموطأ), وتحصل في جميع الديوان تسع مائة حديث, وثلاثة وثلاثون حديث, سوى ما
__________
(1) - هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المالكي القرطبي, , زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب, ألف كتاب ( البيان و التحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل ) في (20) عشرين مجلدا, و( المقدمات لأوائل كتب المدونة ), و أجزاء كثيرة في فنون من العلم, توفي سنة 520 هـ , ويعرف ( بابن رشد الجد ) تفريقا بينه وبين حفيده الفيلسوف صاحب ( بداية المجتهد ) والمؤلفات الطبية و الفلسفية (الديباج المذهب)(1\278)(5/93)
سيق فيه على سبيل الاحتجاج للقول المختار, والحمد لله الذي هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, وسميته : ( المعتصر من المختصر ), سائلا ربي الكريم أن ينفعني والطالبين بما منح لنا , و استعملني وإياهم بما علمنا, و كفانا والمسلمين شر أنفسنا, وشر كل ذي شر هو آخذ بناصيته, إن ربي على صراط مستقيم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1)
كتب الأنساب
الإنباه على قبائل الرواة للحافظ أبي عمر بن عبد البر النمري
الحمد لله ذي القدرة والآلاء، والعظمة والكبرياء، فاطر الأرض و السماء، الذي خلقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبَث منهما رجالا كثيرا ونساء، وجعلهم شعوباً وقبائل، وباين بينهم بالفضائل، و تعبَدهم بالأقوال والأعمال، ليبلوهم أيكفرون أم يشكرون، لا لحاجة إليهم، إن الله لغَني عن العالمين. وصلى الله على محمد خاتم النبيين، و على آله أجمعين.
أما بعد : فإني ذكرت في كتابي هذا أمهات القبائل التي رَوت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقربت ذلك, واختصرته, وبيّنته، و جعلته دليلا على أصول الأنساب، ومدخلاً إلى كتابي في الصحابة (2)، ليكون عوناً للناظرين فيه، ومنبهاً على ما يُحتاج إليه من معرفة الأنساب، فإنه عِلْمٌ لا يليق جهلُه بذوي الهمم والآداب، لما فيه من صلة الأرحام، والوقوف على ما نَدب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ) , وروى أنس بن عياض، عن عبد الملك بن عيسى الثقفي، عن عبد الله بن يزيد، مولى المُنبعث، عن أبي هريرةِ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:
__________
(1) - طبع كتاب ( المعتصر ) في طبع في دائرة المعارف العثمانية الهند 1363 هـ في مجلدين بتحقيق العلامة ( عبد الرحمن المعلمي ) ثم صور في عالم الكتب بيروت
(2) - يعني كتابه ( الإستيعاب في معرفة الأصحاب ) تقدمت مقدمته(5/94)
( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل )(1)
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( تعلموا أنسابكم تصلوا أرحامكم ولا تكونوا كنبط السواد إذا سئل أحدهم ممن أنت ؟ قال : من قرية كذا, فوالله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء لو يعلم الذي بينه وبينه من دخلة الرحم لردعه ذلك عن انتهاكه), ولعمري ما أنصف القائل إن علم النسب علم لا ينفع, وجهالة لا تضر, لأنه بين نفعه لما قدمنا ذكره, ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق, وكفر بالله ادعاء إلى نسب لا يعرف)
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مثله, وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من ادعى إلى غير أبيه, أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله و الملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا )
فلو كان لا منفعة له لما اشتغل العلماء به, فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - كان أعلم الناس بالنسب, نسب قريش وسائر العرب, وكذلك جبير بن مطعم, وابن عباس, وعقيل بن أبي طالب, كانوا من أعلم بذلك, وهو علم العرب الذي كانوا به يتفاضلون, وإليه ينتسبون, وقد ذكر ابن وهب عن مالك بن أنس أنه قال: كان ابن شهاب من أعلم الناس بالأنساب, وكان أخذ ذلك من عبد الله بن ثعلبة بن صغير العذري وغيره, قال : فبينا هو يوما جالس عند عبد الله بن ثعلبة يتعلم منه الأنساب, إذ سأله عن شيء من الفقه, فقال له : إن كنت تريد هذا الشأن فعليك بهذا الشيخ, يعني سعيد بن المسيب
__________
(1) - أخرجه الترمذي( 1979 ) قال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه قال الألباني : ( صحيح )(5/95)
قال وسمعت مالكا يقول : لم يكن مع ابن شهاب كتاب, إلا كتاب فيه نسب قومه, يعني قريشا, وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوجوه الصحاح, ما يدل على علمه بأنساب العرب, منها الحديث الذي قدمناه في هذا الباب, وغيره
أخبرنا عبد الوهاب, ثنا قاسم, قال: نا أحمد بن زهير, قال نا منصور بن أبي مزاحم, قال نا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله تعالى (َجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ...) (الحجرات:13),قال : الشعوب البطون الجماع, والقبائل الأفخاذ
قال أحمد بن زهير, وأما محمد بن بكار, قال: نا أبو معشر, عن محمد بن كعب في قوله تعالى :
( وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (المعارج:13) قال : قبيلته التي ينسب إليها
قال: وأنا منصور بن أبي مزاحم, ويحيى بن معين, قالا: ثنا سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ) (الزخرف:44), قال يقال ممن الرجل؟ فيقال:من العرب, فيقال: من أي العرب ؟, فيقال: من قريش
وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان, قال: نا قاسم بن أصبغ, قال: نا محمد بن عبد السلام الخشني, قال: نا نصر بن علي الجهضمي, قال: نا الأصمعي, قال: نا يحيى بن طلحة, قال: جئت سعيد بن المسيب فسلمت عليه, فرد علي, فقلت: علمني النسب, فقال: أنت تريد أن تساب الناس, ثم قال لي: من أنت ؟, فقلت: أنا يحيى بن طلحة فضمني إليه, وقال: إئت محمدا ابني فإن عنده ما عندي, إنما هي شعوب, وقبائل, وبطون, وعمائر, وأفخاذ, وفصائل
وقال أبو عمر : قال الخليل : العمارة أكبر من القبيلة, قال : والفصيلة فخذ الرجل وقومه, وقال المفسرون في قول الله عز وجل : ( وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (المعارج:13) عشيرته الأدنون(5/96)
وقال أهل النسب : الشعوب الجماهير, والجراثيم التي تفرقت منها العرب, ثم تفرقت القبائل من الشعوب, ثم تفرقت العمائر من القبائل, ثم تفرقت البطون من العمائر, ثم تفرقت الأفخاذ من البطون, ثم تفرقت الفصائل من الأفخاذ, وليس دون الفصائل شيء, فصيلة الرجل رهطه الأدنى, وبنو أبيه, وقد قيل بعد الفصيلة العشيرة, وليس بعد العشيرة شيء فهي عندهم شعوب, وقبائل, ثم ما دون القبائل عمائر, وبطون, ثم ما دون البطون أفخاذ, وقبائل, وفي قوله الله تعالى : (وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13) دليل واضح على تعلم الأنساب, وبالله تعالى التوفيق
قال أبو عمر - رضي الله عنه - : هذا كتاب أخذته من أمهات كتب العلم بالنسب, وأيام العرب, بعد مطالعتي لها, ووقوفي على أغراضها, فمن ذلك كتاب أبي بكر محمد بن إسحاق, وكتاب أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي, وكتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى, وكتاب محمد بن سليمان, وكتاب محمد بن حبيب, وكتاب أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد العدوي في (نسب قريش), وكتاب الزبير بن بكار في (نسب قريش), وكتاب عمه مصعب بن عبد الله الزبيري في ذلك, وكتاب علي بن كيسان الكوفي في أنساب العرب قاطبة, وكتاب علي بن عبد العزيز الجرجاني, وكتاب عبد الملك بن حبيب الأندلسي, إلى فقر قيدتها من الحديث والآثار, ونوادر اقتطفتها من كتب أهل الأخبار, وأخذت من ذلك كله عيونه, وما يجب الوقوف عليه, ويجمل بأهل الأدب والكمال معرفته, والانتساب إليه, والله المعين, لا شريك له, وهو حسبي ونعم الوكيل (1)
اللباب في تهذيب الأنساب للعلامة عز الدين ابن الأثير الجزري
__________
(1) - طبع في دار الكتاب العربي بيروت 1405هـ بتحقيق ( إبراهيم الأبياري )(5/97)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه, وبدأ خلق الإنسان من طين, ثم جعل نسله من ماء مهين, ثم جعلهم شعوبا و قبائل ليتعارفوا ويتناصروا, وبطونا وفصائل ليتآلفوا ويتظاهروا, فتارة يتناسبون بالآباء والأجداد, وطورا بالصناعات والبلاد, ذلك من فضل الله, والله ذو الفضل العظيم, والصلاة والسلام على رسوله محمد سيد العرب والعجم, المرسل إلى كافة الأمم, وعلى آله وأصحابه وسلم
أما بعد : فإني رأيت العلم بالأنساب دائرا, والجهل به ظاهرا, وهو مما يحتاج طالب العلم إليه, ويضطر الراغب في الأدب والفضل على التعويل عليه, وكثيرا ما رأيت نسبا إلى قبيلة, أو بطن, أو جد , بلد , أو صناعة, أو مذهب, أو غير ذلك وأكثرها مجهول عند العامة, غير معلوم عند الخاصة, فيقع في كثير من التصحيف, ويكثر الغلط والتحريف, و كانت نفسي تنازعني إلى أن أجمع في هذا كتابا حاويا لهذه الأنساب, جامعا لما فيها من المعارف والآداب, فكان العجز عنه يمنعني, والجهل بكثير منه يصدني, ومع هذا فأنا ملازم الرغبة فيه, معرض عما يباينه وينافيه, كثير البحث عنه, و الاقتباس منه(5/98)
فبينما أنا أحوم على هذا المطلب ثم أجبن عن ملابسته, وأقدم عليه ثم أحجم عن ممارسته, إذ ظفرت بكتاب مجموع فيه, قد صنفه الإمام الحافظ تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني المروزي رضي الله عنه وأرضاه, و شكر سعيه, وأحسن منقلبه ومثواه, فنظرت فهي فرأيته قد أجاد ما شاء, وأحسن في تصنيفه وترتيبه وما أساء, فما لواصف أن يقول لولا أنه, فلو قال قائل: إن هذا تصنيف لم يسبق إليه لكان صادقا, ولو زعم أنه قد استقصى الأنساب لكان بالحق ناطقا, قد جمع فيه الأنساب إلى القبائل والبطون, كالقرشي الهاشمي, وإلى الآباء والأجداد, كالسليماني, و العاصمي, وإلى المذاهب في الفروع والأصول, كالشافعي, والحنفي, والحنبلي, و الأشعري, والشيعي, والمعتزلي, وإلى الأمكنة كالبغدادي, والموصلي, والى الصناعات, كالخياط, والكيال, والقصاب, والبقال, وذكر أيضا الصفات و العيون, كالطويل, و القصير, والأعمش, و الضرير, والألقاب, كجزرة, وكيلجة
فجاء الكتاب في غاية الملاحة, ونهاية الجودة والفصاحة, قد أتى مصنفه بما عجز عنه الأوائل, ولا يدركه الأواخر, فإنه أجاد ترتيبه وتصنيفه, وأحسن جمعه وتأليفه, وقد لزم في وضعه ترتيب الحروف في الأبواب والأسماء على ما تراه
فلما رأيته فردا في فنه, منقطع الحسن في حسنه, قلت هذا موضع المثل : ( أكرمت فارتبط, وأمرعت فاختبط ) , فحين أمعنت مطالعته, وأردت كتابته, رأيته قد أطال واستقصى حتى خرج عن حد الأنساب, وصار بالتواريخ أشبه, ومع ذلك ففيه أوهام, قد نبهت على ما انتهت معرفتي منها, وهي في مواضعها, فشرعت حينئد في اختصار الكتاب, والتنبيه على ما فيه من غلط وسهو, فلا يظن ظان أن ذلك نقص في الكتاب, أو في المصنف, كلا والله, وإنما السيد من عدت سقطاته, وأخذت غلطاته, فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء, وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(5/99)
( حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ), ليس المعنى بوضعه إعدامه, وإتلافه, إنما هو نقص يوجد فيه, و سياق الحديث يدل عليه, وكيف يكمل تصنيف والله تعالى يقول عن القرآن العزيز : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82), وينحصر مقصود هذا الكتاب الذي وضعته عليه في أحد عشر نوعا:
الأول: أنني اعتمدت على أصل صحيح, قد نقل من أصل المصنف, وسمعه الشيوخ بقراءة العلماء, فنقلت منه
الثاني: أني تتبعت المصنف في معاني كلامه في الذي أنقله, لا أغيرها, حتى إنه ينقل الشيء على الشك, وأعلمه يقينا, فأنقله على الشك, ويذكر الشيء متيقنا, وأنا أشك فيه, فأنقله على يقينه, ويذكر في الترجمة إنسانا غيره أولى بالذكر منه, وربما كان بعض من أدركناه, فأترك ما عندي كما ذكره حتى أنه قد ضبط تراجمه بجودة الترتيب, وحسن التقييد ضبطا يغني عن كثير من ذكر الأنقاط, ومع هذا فقد ذكرها فاتبعته في ذلك
الثالث: أنني أذكر جميع تراجم كتابه لا أخل منها بترجمة واحدة, فإن كان قد ذكر هو في الترجمة الواحدة عدة أشخاص أذكر أنا الترجمة واقتصر على ذكر واحد أو اثنين من الذين ذكرهم, مثاله أنه ذكر الأسدي, وذكر في الترجمة جماعة ممن ينسب هذه النسبة, ولو أراد أن يستقصي كل أسدي لاحتاج إلى عدة مجلدات, وكذلك البصري, والتيمي وغيرهم, فاقتصر هو على نفر يسير ممن ينسب إلى شيء منها, فرأيت أن المقصود من النسب ليس تعداد الأشخاص, إنما هو معرفة ما ينسب إليه لا غير, فاقتصرت أنا على الشخص أو الشخصين
فإن كان المنسوب إليه أجداد ذكرت كل منسوب إلى جده, ممن ذكره هو في كتابه في تلك الترجمة, فإنه إذا نسب زيدا إلى جده عمرو ونسب خالدا إلى جده عمرو فعمرو جد زيد غير عمرو جد خالد, فاحتجت إلى ذكرهم(5/100)
وكذلك العيوب والصفات, فإن زيدا الأعمش غير عمرو الأعمش, وكذلك زيد الطويل غير عمرو الطويل, فذكرتهما جميعا بخلاف زيد البصري, وعمرو البصري, فإنهما كليهما ينسبان إلى شيء واحد, فإن كان المنسوب إليه اسمين متفقين في اللفظ من ترجمة واحدة ذكرتهما جميعا, وذكرت عند كل اسم بعض من ينسب إليه, مثل ذلك البكري أو الأسدي فإن بكرا عدة قبائل وبطون, كذلك أسد, فأذكر القبائل والبطون التي ذكرها جميعها, وكذلك في الأماكن والصناعات وغيرها على ما تراه
الرابع : إذا ذكر الترجمة وليس فيها غير رجل واحد أو رجلين ذكرت ذلك, وربما أسقطت بعض ما ذكر من أحوال ذلك الشخص التي لا حاجة إلى ذكرها, ولا تزيد النسب وضوحا, وأعلم على الترجمة صورة ميم ( م ) أعني أنها تمام, لم أحذف منها رجلا ذكره هو في الترجمة, فإن كثيرا منه لم أحذف منه سوى ما ذكرته لأنه لم يحتمل الإختصار
الخامس : إذا ذكر في الترجمة نسبة إلى عدة قبائل وأجداد وغير ذلك متفقة أسماؤهم فهو لم يحسن ترتيبها, بل يذكر منسوبا إليه, ثم يذكر بعده بعض من ينسب إلى المنسوب إليه الأول, وهكذا في الثالث والرابع فلا يحصل الغرض إلا للنحرير الذي يعرف ذلك ويعلمه, ومن عداه فلا, فرتبته أنا ترتيبا حسنا, وذكرت أول الترجمة هذه النسبة إلى فلان و ينسب إليه فلان, وكذلك في الباقي, فسهل الأمر فيه, وتيسر ضبطه على الوجه الجيد(5/101)
مثاله: قد ذكر هو في ترجمة البشتي بالباء الموحدة والشين المعجمة والشين المعجمة والتاء المثناة من فوقها وهو موضع عند نيسابور, وذكر جماعة من أهله, ثم قال: وأما فلان بن فلان فمن بشت نيسابور, ومن ينسب إليه, وذكرت بعد ذلك بشت باذغيس ومن ينسب إليه, ولم أخلط أحدهما بالآخر, وربما ذكرت الجهات المنسوب إليها أولا متتابعة, ثم يقول بعد الأخير منها : وينسب إليها فلان وفلان, فمن لا يعرف الرجال ونسبتهم يظن جميع المذكورين من المنسوب إليه أولا , ومنهم من هو المنسوب إليه ثانيا, وأخيرا, فألحقت أنا كل منسوب بما ينسب إليه فصار ظاهرا معلوما
السادس: قد ذكر في كثير من التراجم بعض من ينسب إليها, ثم ذكر بعد ذلك الشخص المذكور عدة أشخاص ثم أعاد ذكر الأول وربما زاد في نسبه أو في بعض أحواله, أو نقص من ذلك, وربما ذكره في الترجمة الواحدة ثلاث مرات, فلا أدري أعلم أن الجميع واحد, وأعاد ذكره فهو قبيح في التصنيف, أو اثنين وثلاثة فهذا خطأ فاحش, فلم أفعل كفعله و أبين الخطأ فيه لئلا يكثر الرد عليه, ولظهوره ما أظنه يخفى, وقد نبهت عليه في مواضع يسيرة, وأشرت إليها
مثال ذلك ذو النون المصري, قد ذكره في الإخميمي في موضعين, وخالف بينهما في بعض الأشياء المذكورة في أحواله, وقد ذكر أيضا أبا ثعلبة الخشني في ترجمة الخشني في ثلاثة مواضع, وكذلك أيضا ذكر في هذه الترجمة محمد بن بشر في موضعين فلا أعلم سبب ذلك, على أن غالب ظني فيه رحمه الله تعالى أنه لم يشتبه عليه, ولعله قد عالجته منيته قبل تهذيب الكتاب, وإعادة النظر فيه على وجه الإعتبار والإصلاح
السابع: إذا ذكر النسب على بطن من قبيلة ولم يصل نسب البطن إلى القبيلة التي هو منها رفعت النسب حتى ألحقه بالقبيلة, كالسكوني من كندة وغير ذلك
الثامن: إذا ذكر نسبة إلى طائفة من أصحاب الكلام والأصول وذكر شيئا من مذهب تلك الطائفة فأنا أذكر جميع ما ذكر, لا أخل منه بشيء, إنما أنقل المذهب على وجهه(5/102)
التاسع : إذا ذكر شخصا وقال: روى عن فلان وفلان, وروى عنه فلان وفلان, فأنا أقصد ذكر أشهرهم ذكرا, و أكثرهم علما وفضلا, ليزداد ذلك الشخص تعريفا
العاشر: إذا عثرت على وهم في كتابه بينته, وأظهرت الحق فيه, لا قصدا لتتبع العثرات, علم الله, ولا إظهارا لعيبه, وإنما فعلت ذلك إرادة لإظهار الحق, لينتفع به الناس , وأن أنزه نفسي عن أن يقال رأى الخطأ فلم يعرفه, ولقد بقيت أقدم إلى هذا الغرض رجلا وأأخر أخرى, إلى أن قوي في ظني أن فعله أولى بالصواب وأحرى, والأعمال بالنيات لكل امرئ ما نوى
الحادي عشر: إذا أخل بمنسوب إليه من قبيلة, أو بلدة, أو صناعة أو غير ذلك ذكرته, ونبهت عليه إن عرفته, وإذا أهمل ضبط شيء من النسب ضبطه وقيدته, واعتمدت في أكثر ما نقلته على ما ذكره هشام الكلبي لأنه أشهر علماء النسب, وأحفظهم له, وأقلهم وهما, ولم أكثر من نقل أقاول الجميع, لئلا يطول الكتاب, وبالله التوفيق, ولم أستدرك عليه إلا بما كان قبله, وفي أيامه, وأما من حدث من حديث بعده فلا, لأنه بالتذييل أولى منه بالإستدراك
فهذا هو شرط كتابي, الذي سلكته في تصنيفه, وهو وإن كان سهلا لتحمل أبي سعد العبء الثقيل فيه, وجمع أشتات المتفرقة إليه, والتعب في جمعه وتصنيفه, فلي فيه أيضا تعب الإختيار, وجودة الترتيب, والبحث عن الحق ليعلم, إلى غير مما ذكرته
وقد سميته اسما يناسب معناه وهو كتاب : ( اللباب في تهذيب الأنساب ) (1)
لب الألباب في تحرير الأنساب للحافظ جلال الدين السيوطي
__________
(1) - فرغ في جمادى الأولى سنة 615هـ, وهو أحسن من الأصل على قول (ابن خلكان) .اهـ وقد طبع في دار الكتب العلمية 1420هـ في مجلدبن بتحقيق ( عبد اللطيف حسن عبد الرحمن )(5/103)
بسم الله الرحمن الرحيم, وبه ثقتي, الحمد لله المتنزه عن الأشباه و الأنساب, وأشهد أن لا إلا الله, وحده لا شريك له خاصة من الشك و الإرتياب, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, المخصوص بأشرف الأنساب, وأكرم الأحساب, صلى الله عليه وعلى آله و صحبه, المتمسكين بأقوى الأسباب
هذا ما اشتدت إليه حاجة المحدث اللبيب من مختصر في الأنساب, واف بالمقصود كاف عن التطلاب, خال عن التطويل ما يخرج عن ذا الباب, نقحت فيه ( اللباب ) لابن الأثير, واستوفيت ضبط ألفاظه, مع مزيد عليه كثير, وتتبعت فيه أشياء أهملها, واستدللت ألفاظا أغفلها, وميزت زوائدي ( بانتهى ) آخرها, و( قلت ) أولها
وسميته : ( لب الألباب في تحرير الأنساب ), جعله الله خالصا لوجهه, سالما من الخطل و الخلل وشبهه, إنه قريب مجيب, عليه توكلت, وإليه أنيب (1)
كتب المعاجم وغريب الحديث
غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري
__________
(1) - فرغ منه في صفر سنة 873هـ, طبع في دار الكتب العلمية1991 في مجلدين بتحقيق ( محمد أحمد عبد العزيز ) و( أشرف أحمد عبد العزيز ) وقد ذيل عليه الشيخ عباس بن محمد بن رضوان الشافعي المدني بكتاب سماه ( فتح رب الأرباب بما أهمل في لب الألباب من واجب الأنساب ), ثم اختصره, وقد طبع ( المختصر ) بذيل كتاب ( السيوطي ), وللشيخ ( احمد بن احمد بن محمد العجمي الوفائي المصري ) المتوفى سنة 1086هـ, ( ذيل ) عليه, مخطط في خزانة الرباط (277 أوقاف), وهو في الأصل تعليقات له على هامش نسخته من ( لب اللباب ) جردها من خطه ( عبد الرحمن الأشموني ) مرتبة على الحروف كتبت سنة 1089هـ قال (الزركلي)(1\92): يحسن طبعها اهـ(5/104)
بسم الله الرحمن الرحيم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم,قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال : الحمد لله أهل الحمد ووليه, والهادي إليه والمثيب به, أحمده بأرضى الحمد له وأزكاه لديه, على تظاهر آلائه, وجميل بلائه, حمدا يكافي نعمه, ويوافي مننه, ويوجب مزيده, وأسأله أن يشغلنا بذكره, ويلهجنا بشكره, وينفعنا بحب القرآن و اتباع الرسول عليه السلام وحسن القبول, لما أدياه ويصرفنا عن سبل الجائرين إلى سواء السبيل, وينور بالعلم قلوبنا, ويفتح بالحكمة أسماعنا, ويستعمل بالطاعة أبداننا, ويجعلنا ممن صمت ليسلم, وقال ليغنم,وكتب ليعلم, وعلم ليعمل, ونعوذ بالله من حيرة الجهل, وفتنة العلم, وإفراط التعمق, وأن يشغلنا التكاثر بالعلم, عن التفقه فيه, ويقطعنا ما وضعه الله عنا عما كلفنا فيه, وأن يسلك بنا إليه في غير طريقه, ويقحمنا فيه من غير بابه, فكم من طالب حظه العناء, وضارب في الأرض غنيمته الإياب, يجوب البلاد, ويغني التلاد, ويقطع الرحم, ويضيع العيال, صابرا على جفا الغربة, وطول العزبة, وخشونة المطعم, ورثاثة الهيئة, مبيته المساجد, ومصباحه القمر, وطعامه قفار, وهجوعه غرار, وهمه الجمع دون التفقه فيه, والطرق دون المتون, والغرائب دون السنن, والاستكثار من أسماء الرجال, حتى يعود كما بدأ لم يحل مما طلب إلا بأسفار حملها, ولم ينفعه علمها, ولو يسر للصواب لعلم أن أوجب عليه من حديث ( أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها و عصية عصت الله ), ومن الحديث في أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حبارى), أن تسأل عن معنى قوله عليه السلام في يوم الجمعة : ( من غسل واغتسل وبكر وابتكر واستمع ولم يلغ كفر ذلك ما بين الجمعتين), يعرف معنى ما غسل,واغتسل, ويعرف الفرق بين بكر وابتكر, فيأخذ به ليكفر الله عنه, وأن يسأل عن قوله للرجل الذي سأله أن يقضي بينه وبين خصمه بكتاب الله, ( لأقضين بينكما بكتاب الله ), ثم قضى بالرجم و(5/105)
التغريب, وليس لهما في القرآن ذكر, ليعرف ذلك فلا يقدح في صدره عارض من الشكوك, فيما يدعيه قوم من أهل البدع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ببتر القرآن, ونقصه, وتغير كثير منه عن جهته, فيهلك باتهام السلف البراء مما قرفوهم به, وأن يسأل عن قوله : ( لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق ), ليعلم معناه, ولا يدخل قلبه ريب إذا رأى المصاحف تحترق بالنار, ورأى الملحدين يغمزون بهذا الحديث, ويطعنون به على المسلمين, وأن يسأل عن قوله : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ) ليعلم تأويله فلا يعلق بقلبه الهول بالقدر
وعن قوله ( الحياء شعبة من الإيمان ),كيف جعل الحياء وهو غريزة شعبة من الإيمان, وهو عمل, ولم سمي الغراب فاسقا, والغراب غير مكلف, ولا مأمور, ولم تعوذ في وقت من الفقر, وسأل الله غناه وغنى مولاه, وسأل في وقت أن يحييه مسكينا, ويميته مسكينا, ويحشره في زمرة المساكين, وقال ( الفقر أحسن بالمؤمن من العذار الحسن على حد الفرس ) ليعلم معنى الحديثين, فلا يتوهم على نقلة الحديث ما يشنع به ذوو الأهواء عليهم, في مثل هذه الأحاديث من حمل الكذب والمتناقض, حتى قال بعضهم
يروي أحاديث ونروي نقضها(5/106)
وعن قوله ( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده, ويسرق الحبل فتقطع يده ), وأهل العلم مجمعون على أنه لا يقطع مما دون ثمن المجن المذكورة قيمته, والخوارج تخالفهم, وتوجب عليه القطع في كل شيء, قل أو كثر, لقوله عز وجل : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (المائدة:38) فإذا احتج عليهم محتج بهذا الحديث المجن عارضوه بهذا الحديث, مع ظاهر الكتاب, وأن يسأل عن قوله ( ضرس الكافر في النار مثل أحد, وكثاقة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار ), وعن قوله( لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن ), وعن قوله ( آ خر وطأة وطئها الله بوج ), وعن قوله ( إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن ), وأن يسأل عن قوله ( الكاسيات العاريات لا يدخلن الجنة ), ليعلم كيف يكون الكاسي عاريا, وعن قول أبي بكر - رضي الله عنه - ( سلوا الله العافية والمعافاة ) لعرف ما الفرق بينهما فنسأل الله ما يعلمه
وعن قول ابن عباس حين ذكر عنده قول علي عليه السلام في الجمع بين الأختين: ( حرمتهن آية, وأحلتهن آية ), فقال ابن عباس تحرمهن علي قرابتي منهن, ولا تحرمهن علي قرابة بعضهن من بعض, وأية قرابة بين الرجل وامرأته, وما الآية المحلة للجمع بين الأختين, والآية المحرمة له
ومثل هذا كثير يطول بذكره الكتاب, وفيما ذكرت فيه ما دل على ما أوردت, وستقف على تفسير هذه الأحاديث في أضعاف الكتاب إن شاء الله, وقد كان تعرف هذا وأشباهه عسيرا فيما مضى على من طلبه, لحاجته إلى أن يسأل عنه أهل اللغة, ومن يكمل منهم ليفسر غريب الحديث, وفتق معانيه, وإظهار غوامضه قليل, فأما زماننا هذا فقد كفى حملة الحديث فيه مؤنة التفسير و البحث, بما ألفه أبو عبيد القاسم بن سلام, ثم بما ألفناه في هذا بحمد الله(5/107)
وقد كنت زمانا أرى أن كتاب أبي عبيد قد جمع تفسير غريب الحديث, وأن الناظر فيه مستغن به, ثم تعقبت ذلك بالنظر والتفتيش والمذاكرة فوجدت ما تركه نحوا مما ذكر, أو أكثر منه, فتتبعت ما أغفل, وفسرته على نحو مما فسر, بالإسناد لما عرفت إسناده, والقطع لما لم أعرفه, وأشبعت ذلك بذكر الاشتقاق, والمصادر, والشواهد من الشعر, وكرهت أن يكون الكتاب مقصورا على الغريب, فأودعته من قصار أخبار العرب, وأمثالها, وأحاديث السلف وألفاظهم, ما يشاكل الحديث, أو يوافق لفظه لفظه, لتكثر فائدة الكتاب, ويمتع قارئه, ويكون عونا على معرفته,وتحفظه
ولم أعرض لشيء مما ذكره أبو عبيد إلا أحاديث وقع فيها ذلك, فنبهت عليه, ودللت على الصواب فيه, وأفردت لها كتابا يدعى كتاب ( إصلاح الغلط ), وإلا حروفا تعرض في باب ولا يعمل ذلك الباب إلا بذكرها, فذكرتها بزيادة في التفسير والفائدة, ولن يخفى ذلك على من جمع بين الكتابي,ن وكنت حين ابتدأت في عمل الكتاب أطلعت عليه قوما من حملة العلم, و الطالبين له, وأعجلتهم الرغبة فيه, والحرص على تدوينه عن انتظار فراغي منه, وسألوا أن أخرج لهم من العمل ما يرتفع في كل أسبوع, ففعلت ذلك حتى تم لهم الكتاب, وسمعوه, وحمله قوم منهم إلى الأمصار, ثم عرضت بعد ذلك أحاديث كثيرة, فعملت بها كتابا ثانيا, يدعى كتاب( الزوائد في غريب الحديث ), ثم تدبرت الكتابين فرأيت الأصوب في الرأي أن أجمعهما, وأقدم ما سبيله أن يقدم, وأؤخر ما سبيله أن يؤخر, وأحذف ما سبيله أن يحذف(5/108)
فمن رأى ذينك الكتابين على غير تأليف هذا الكتاب فليعلم أنها شيء واحد, وأن الاختلاف بينهما إنما هو بتقديم و تأخير, ومكرر من التفسير, و رأيت أن أفتح كتابي هذا بتبيين الألفاظ الدائرة بين الناس في الفقه وأبوابه, والفرائض و أحكامها, لتعرف من أين أخذت تلك الحروف, فيستدل بأصولها في اللغة على معانيها, كالوضوء, والصلاة, والزكاة, و الأذان, والصيام, والعتاق, و الطلاق, والظهار, والتدبير, وأشباهها مما لا يكمل علم المتفقه والمفتي إلا بمعرفة أصوله, ثم أتبعت ذلك تفسير ما جاء في الحديث من ذكر القرآن, وسوره, وأحزابه, وسائر كتب الله, ثم ما جاء في الحديث و الكتاب من ذكر الكافرين, و الظالمين, والفاسقين, والمنافقين, والفاجرين, والملحدين, ومن أين أخذ كل اسم منها, ثم ما جاء في الحديث من ذكر أهل الأهواء الرافضة, والمرجئة, والقدرية, والخوارج
ثم ابتدأت بتفسير غريب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وضمنته الأحاديث التي يدعى بها على حملة العلم حمل المتناقض, وتلوته بأحاديث صحابته, رجلا رجلا, ثم بأحاديث التابعين, ومن بعدهم, وختمت الكتاب بذكر أحاديث غير منسوبة, سمعت أصحاب اللغة يذكرونها, لا أعرف أصحابها, ولا طرقها, حسنة الألفاظ, لطاف المعاني, تضعف على الأحاديث التي ختم بها أبو عبيد كتابه أضعافا, وأرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحد فيه مقال
وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا, ويتغمد برأفته زللنا, ويوفقنا لصواب القول والعمل, ويجعل تعلمنا وتعليمنا لوجهه الكريم, وثوابه الجسيم, إنه سميع قريب (1)
غريب الحديث للحافظ ابن الجوزي
بسم الله الرحمن الرحيم, رب سهل وأعن يا كريم, قال الشيخ الإمام العالم, الصدر الكبير, جمال الدين, شيخ الإسلام, أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي, تغمده الله تعالى برحمته :
__________
(1) - طبع في دار الكتب العلمية 1408هـ في مجلدين(5/109)
الحمد لله الذي جعل الإنسان إنسان عين المخلوقات, وزينه بالنطق وتعلم الكلمات, و فضل اللغة العربية على سائر اللغات, أحمده على النغم السابغات, وأشكره على الأيادي البالغات, وأصلي على رسوله محمد أشرف الأنبياء وسيد السادات, وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الفصل والميقات, و سلم تسليما كثيرا دائما بدوام الأرض والسماوات
أما بعد : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عربيا, وكذلك جمهور أصحابه وتابعيهم فوقع في كلامهم من اللغة ما كان مشهورا بينهم, ثم وقعت مخالطة الأعاجم ففشى اللحن, وجهل جمهور الناس معظم اللغة, فافتقر ذلك الكلام إلى التفسير, وقد كان جمع شيئا من غريب الحديث النضر بن شميل, و أبو عبيدة معمر بن المثنى, والأصمعي في جماعة كانوا في ذلك الزمان, ثم جاء أبو عبيد القاسم بن سلام فألف ذلك المتفرق, وزاد فيه, وبسط الكتاب, حتى ظن أنه لم يبق شيء من الغريب, وإذا به قد أخل بأشياء كثيرة
وقال أبو سليمان الخطابي : بلغني أن أبا عبيدة مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة, يسأل العلماء عن ما أودعه من تفسير الحديث, وجمع الغريب إبراهيم الحربي, ثم جمع أبو محمد بن قتيبة ما فات أبا عبيدة, وقال: أرجو أن لا يكون بقي بعد كتاب أبي عبيد, وكتابي من الغريب ما فيه مقال, وقويت الظنون بأنه لم يبق شيء, وإذا أشياء قد فاتتهما ألفها أبو سليمان الخطابي, وفاتته أشياء,ثم جمع أبو عبيد الهروي صاحب (الغريبين) كتابا أوهم فيه أنه لم يبق شيء, وإنما اقتصر على ما ذكره الأزهري في كتاب (التهذيب)(5/110)
ورأيته قد أخل بأشياء, وذكر أشياء ليست بغريبة, فلا تحتاج إلى تفسير, فرأيت أن أبذل الوسع في جمع جميع غريب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه, تابعيهم, وأرجو أن لا يشد عني مهم من ذلك, وأن يغني كتابي عن جميع ما صنف في ذلك, وقد رتبته على حروف المعجم, وإنما آتي بالمقصود من شرح الكلمة, من غير إيغال في التصريف والاشتقاق, إذ كتب اللغة أولى بذكر ذلك, وإنما آثرت هذا الاختصار تلطفا للحافظ, والله الموفق (1)
مشارق الأنوار من صحاح الآثار للقاضي عياض اليحصبي السبتي
بسم الله الرحمن الرحيم, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم قال الشيخ الفقيه, الحافظ الناقد, القاضي أبو الفضل عياض بن موسى ابن عياض, رحمه الله تعالى, ورضي عنه :
__________
(1) - طبع في دار الكتب العلمية في مجلدين بتحقيق ( عبد المعطي أمين قلعجي )(5/111)
الحمد لله مظهر دينه المبين, وحائطه من شبه المبطلين, وتحريف الجاهلين, بعث محمدا عليه السلام إلى كافة خلقه, بكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وضمن تعالى حفظه فما قدر العدو على إدخال الخلل في لفظه, مع كثرة الجاحد الجاهد على إطفاء نوره, وظهرت المعادي المعاند لظهوره, وبين على لسان نبيه من مناهجه وشرعته, ما وكل نفي التحريف عنه لعدول أعلام الهدى من أمته, فلم يزالوا رضوان الله عليهم يذبون عن حي السنن, ويقومون لله بهداهم القويم الحسن, وينبهون على من يتهم بهتك حريمها, ومزج صحيحها بسقيمها, حتى بان الصدق من المين, وبان الصبح لذي عينين, وتميز الخبيث من الطيب وتبين الرشد من الغي, واستقام ميسم الصحيح, وأبدى عن الرغوة الصريح, ثم نظروا رحمهم الله بعد هذا التمييز العزيز والتصريح المريح, نظرا آخر في الصحيح, فيما يقع لآفة البشرية, من ثقات رواته من وهم وغفلة’ فنقبوا في البلاد عن أسبابها, وهتكوا ببارع معرفتهم ولطف فطنتهم سجف حجابها, حتى وقفوا على سرها, ووقعوا على خبيئة أمرها, فأبانوا عللها, وقيدوا مهملها, وأقاموا محرفها, وعانوا سقيمها, وصححوا مصحفها, وأبرزوا في كل ذلك تصانيف كثرت صنوفها, وظهر شفوفها, واتخذها العالمون قدوة, ونصبها العالمون قبلة, فجزاهم الله عن سعيهم الحميد أحسن ما جازى به أحبار ملة, ثم كلت بعدهم الهمم وفترت الرغائب, وضعف المطلوب والطالب, وقل القائم مقامهم في المشارق والمغارب, وكان جهد المبرز في حمل علم السنن والآثار نقل ما أثبت في كتابه, وأداء ما قيده فيه, دون معرفة لخطيئه من صوابه, إلا آحادا من مهرة العلماء, وجهابذة الفهماء, وأفرادا كدراري نجوم السماء, ولعمر الله أن هذه بعد لحظه, أعطي صاحب الشريعة للمتصف بها من الشرف والأجر قسطه, إذا وفى عمله شرطه, وأتقن وعيه وضبطه, فقال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها, فأداها كما سمعها, فرب(5/112)
حامل فقه ليس بفقيه, ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه), وقد كان فيمن تقدم من هو بهذه السبيل من الاقتصار على أداء ما سمع وروي, وتبليغ ما ضبط ووعى, دون التكلم فيما لم يحط به علما, أو التسور على تبديل لفظ, أو تأويل معنى, وهي رتبة أكثر الرواة والمشائخ, وأما الإتقان والمعرفة ففي الأعلام و الأئمة, لكنهم كانوا فيما تقدم كثرة وجملة, وتساهل الناس بعد في الأخذ والأداء, حتى أوسعوه اختلالا, ولم يألوه خبالا, فتجد الشيخ المسموع بشأنه وثنائه, المتكلف شاق الرحلة للقائه, تنتظم به المحافل, ويتناوب الأخذ عنه ما بين عالم وجاهل, وحضوره كعدمه, إذ لا يحفظ حديثه, ويتقن أداءه وتحمله, ولا يمسك أصله, فيعرف خطأه وخلله, بل يمسك كتابه سواه, ممن لعله لا يوثق بما يقوله ولا يراه, وربما كان مع الشيخ من يتحدث معه, أو غدا مستثقلا نوما, أو مفكرا في شئونه, حتى لا يعقل ما سمعه, ولعل الكتاب المقرؤ عليه لم يقرأه قط, ولا علم ما فيه إلا في نوبته تلك, وإنما وجد سماعه عليه في حال صغره, بخط أبيه أو غيره, أو ناوله بعض متساهلي الشيوخ ضبائر كتب, و ودائع أسفار, لا يعلم سوى ألقابها, أو أتته إجازة فيه من بلد سحيق, بما لا يعرف وهو طفل, أو حبل حبلة, لم يولد بعد ولم ينطق, ثم يستعار للشيخ كتاب بعض من عرف سماعه من شيوخه, أو يشتريه من السوق, ويكتفي بأن يجد عليه أثر دعوى بمقابلته, وتصحيحه, ثم ترى الراحل لهذا الشأن الهاجر فيه حبيب الأهل, ومألوف الأوطان, قد سلك من التساهل طبقة من عدم ضبطه لكتابه, وتشاغله أثناء السماع بمحادثته جليسه, أو غير ذلك من أسبابه, وأكثرهم يحضر بغير كتاب, أو يشتغل بنسخ غيره, أو تراه منجد لا يغط في نومه, قد قنعا معا في الأخذ والتبليغ, بسماع هينمة لا يفهمان معنى خطابها, ولا يقفان على حقيقة خطئها من صوابها, ولا يكلمان إلا من وراء حجابها, وربما حضر المجلس الصبي الذي لم يفهم بعد عامة كلام أمه, ولا استقل بالميز(5/113)
والكلام لما يعنيه من أمره, فيعتقدون سماعه سماعا لا سيما إذا وفي أربعة أعوام من عمره, ويحتجون في ذلك بحديث محمود بن الربيع, وقوله : ( عقلت من النبي - صلى الله عليه وسلم -مجة مجها في وجهي وأنا ابن أربع سنين ), وروى ابن خمس, وليس في عقله هذه المجة على عقله لكل شيء حجة, ثم إذا أكمل سماع الكتاب على الشيخ كتب سماع هذا الصبي في أصله, أو كتبه له الشيخ في كتاب أبيه, أو غيره, ليشهد له ذلك بصحة السماع في مستأنف عمره, وأكثر سماعات الناس في عصرنا وكثير من الزمان قبله بهذه السبيل
ولهذا ما نا الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الرحمان بن عتاب بلفظه رحمه الله وغيره عن الفقيه أبي عبد الله أبيه أنه كان يقول: لا غنى في السماع عن الإجازة, لهذه العلل والمسامحة المستجازة(5/114)
ونا أحمد بن محمد الشيخ الصالح عن الحافظ أبي ذر الهروي إجازة قال نا الوليد بن بكر المالكي قال نا أحمد بن محمد أبو سهل العطار بالإسكندرية قال : كان أحمد بن ميسر يقول : الإجازة عندي على وجهها خير وأقوى في النقل من السماع الردئ, وهبك صح هذا كله في مراعات صدق الخبر, أين تحرى المروي, وتعيين المخبر, لا جرم بحسب هذا الخلل, وتظاهر هذه العلل, ما كثر في المصنفات والكتب التغيير والفساد, وشمل ذلك كثيرا من المتون والإسناد, وشاع التحريف, وذاع التصحيف, وتعدي ذلك منشور الروايات إلى مجموعها, وعم أصول الدواوين مع فروعها, حتى اعتنى صبابة أهل الإتقان والعلم وقليل ما هم, بإقامة أودها, ومعاناة رمدها, فلم يستمر على الكافة تغييرها جملة, لما أخبر عليه السلام عن عدول خلف هذه الأمة (1), وتكلم الأكياس والنقاد من الرواة في ذلك بمقدار ما أوتوه, فمن بين غال ومقصر, ومشكور عليم, ومتكلف هجوم, فمنهم من جسر على إصلاح ما خالف الصواب عنده, وغير الرواية بمنتهى علمه, وقدر إدراكه, وربما كان غلطه في ذلك أشد من استدراكه, لأنه متى فتح هذا الباب لم يوثق بعد بتحمل رواية, و لا أنس إلى الاعتداد بسماع, مع أنه قد لا يسلم له ما رآه, ولا يوافق على ما أتاه, إذ فوق كل ذي علم عليم
__________
(1) - يشير إلى الحديث المروي من حديث العذري معضلا: (يحمل هذا العلم من خلف... ) الحديث وقد تقدم تخريجه (ص110)(5/115)
ولهذا سد المحققون باب الحديث على المعنى وشددوا فيه, وهو الحق الذي أعتقده ولا أمتريه, إذ باب الاحتمال مفتوح, والكلام للتأويل معرض, وإفهام الناس مختلفة, والرأي ليس في صدر واحد, والمرء يفتن بكلامه ونظره, والمغتر يعتقد الكمال في نفسه, فإذا فتح هذا الباب وأوردت الأخبار على ما ينفهم للراوي منها لم يتحقق أصل المشروع, ولم يكن الثاني بالحكم على كلام الأول بأولى من كلام الثالث على كلام الثاني, فيندرج التأويل, وتتناسخ الأقاويل, وكفى بالحجة على دفع هذا الرأي الفائل دعاؤه عليه السلام في الحديث المشهور المتقدم لمن أدى ما سمعه كما سمعه, بعد أن شرط عليه حفظه ووعيه, ففي الحديث حجة, وكفاية, وغنية في الفصول التي خضنا فيها آنفا, من صحة الرواية لغير الفقيه, واشتراط الحفظ والوعي في السماع, والأداء كما سمع, وصحة النقل, وتسليم التأويل لأهل الفقه والمعرفة وإبانة العلة في منع نقل الخبر على المعنى لأهل العلم وغيرهم, بتنبيهه على اختلاف منازل الناس في الدراية, وتفاوتهم في المعرفة وحسن التأويل, والصواب من هذا كله لمن زرق فهما, وأوتي علما, إقرار ما سمعه كما سمعه ورواه, والتنبيه على ما انتقده في ذلك ورآه, حتى يجمع الأمرين, ويترك لمن جاء بعد النظر في الحرفي,ن وهذه كانت طريق السلف فيما ظهر لهم من الخلل فيما رووه, من إيراده على وجهه, وتبيين الصواب فيه, أو طرح الخطأ البين والإضراب عن ذكره في الحديث جملة, أو تبييض مكانه, والاقتصار على رواية الصواب, أو الكناية عنه بما يظهر ويفهم, لا على طريق القطع, وقد وقع من ذلك في هذه الأمهات ما سنوقف عليه, ونشير في مظانه إليه, وهي الطريقة السليمة, ومذاهب الأيمة القويمة, فأما الجسارة فخسارة, فكثيرا ما رأينا من نبه بالخطأ على الصواب, فعكس الباب, ومن ذهب مذهب الإصلاح والتغيير, فقد سلك كل مسلك في الخطأ ودلاه رأيه بغرور, وقد وقفت على عجائب في الوجهين, وسننبه من ذلك على ما توافيه(5/116)
العبر, وتحقق من تحقيقه أن الصواب مع من وقف وأحجم, لا مع من صمم وجسر
وتتأمل في هذه الفصول ما تكلمنا عليه, وتكلم عليه الأشياخ والحفاظ, فيما أصلحه أبو عبد الله بن وضاح في ( الموطأ ) على يحيى بن يحيى فيمن تقدم, وعلى ما أصلحه القاضي أبو الوليد الكناني على هذه الكتب فيمن تأخر, وإظهار الحجج على الغلط في كثير من ذلك الإصلاح, وبيان صحة الرواية في ذلك من الأحاديث الصحاح
وكما وجدنا معظما من حفاظ المتأخرين المغاربة أصلا, البغداديين نزلا, قد روي حديث جليبيب, وقول المرأة لجليبيب أنيه فقيده الجليبيب الابنة لما كان الحديث في خطبة ابنة هذه المرأة وهي قائلة هذا الكلام, ولم ينفهم لمن لم يعرف معنى انيه والحاق بعض العرب هذه الزيادة الأسماء في الاستفهام عند الإنكار ظن أنه مصحف من الابنة, وكذلك فعل في حديث جويرية, وشك يحيى بن يحيى في سماعه اسمها في حديثه, وقوله أحسبه, قال جويرية أو البتة ابنت الحارث فقيده, أو اليته بفتح الهمزة وكسر اللام, بعدها ياء باثنتين تحتها مخففة, وظنه اسما, وأن شك يحيى إنما هو في تغيير الاسم, لا في إثباته, أو سقوطه, ويحيى إنما شك هل سمع في الحديث زيادة اسم جويرية, أو إنما سمع ابنة الحرث فقط, ثم نفى الشك عن نفسه بعد قوله أحسبه قال جويرية فقال أو البتة أي أني أحقق أنه قالها, ومثل هذا في حديث يحيى بن يحيى كثير وسنذكر منه في موضعه إن شاء الله(5/117)
وكذلك روي حديث إدام أهل الجنة باللام فقال باللاي يعني الثور, وهكذا وجدت معظما من شيوخنا قد أصلح في كتابه من مسلم في حديث أم زرع من روايته عن الحلواني عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة في قوله وعقر جارتها فأصلحه, وعبر بالباء وضم العين, اتباعا لما رواه فيه ابن الأنباري, وفسره بالاعتبار أو الاستعبار على ما نذكره, إذ لم ينفهم له ذلك في عقر, والمعنيان بينان في عقر, إذ هو بمعنى الحيرة والدهش, وقد يكون بمعنى الهلاك وكله بمعنى قوله في الرواية المشهورة وغيظ جارتها, وسنبينه في موضعه بأشبع من هذا إن شاء الله, في أمثلة كثيرة نذكرها في مواضعها إلا قصة جليبيب فهذا اللفظ ليس في شيء من هذه الأصول فبحسب هذه الإشكالات والإهمالات في بعض الأمهات, واتفاق بيان ما يسمح به الذكر, ويقتدحه الفكر, مع الأصحاب في مجالس السماع والتفقه, ومسيس الحاجة إلى تحقيق ذلك ما تكرر على السؤال في كتاب يجمع شواردها, ويسدد مقاصدها, ويبين مشكل معناها, وينص اختلاف الروايات فيها, ويظهر أحقها بالحق وأولاها, فنظرت في ذلك فإذا جمع ما وقع من ذلك في جماهير تصانيف الحديث وأمهات مسانيده ومنثورات أجزائه يطول ويكثر, وتتبع ذلك مما يشق ويعسر, والاقتصار على تفاريق منها لا يرجع إلى ضبط ولا يحصر,
فأجمعت على تحصيل ما وقع من ذلك في الأمهات الثلاث, الجامعة لصحيح الآثار, التي أجمع على تقديمها في الإعصار, وقبلها العلماء في سائر الأمصار, كتب الأيمة الثلاثة (الموطأ) لأبي عبد الله مالك بن أنس المدني, و (الجامع الصحيح) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, و(المسند الصحيح) لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري, إذ هي أصول كل أصل, ومنتهى كل عمل في هذا الباب, وقول وقدرة مدعي كل قوة بالله في علم الآثار وحول وعليها مدار أندية السماع وبها عمارتها, وهي مبادئ علوم الآثار وغايتها, ومصاحف السنن ومذاكرتها, وأحق ما صرفت إليه العناية, وشغلت به الهمة(5/118)
ولم يؤلف في هذا الشأن كتاب مفرد, تقلد عهده ما ذكرناه على أحد هذه الكتب أو غيرها, إلا ما صنعه الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في تصحيف المحدثين (1), وأكثره مما ليس في هذه الكتب, وما صنعه الإمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف (2), وإلا نكتا مفترقة وقعت أثناء شروحها لغير واحد لو جمعت لم تشف غليلا, ولم تبلغ من البغية إلا قليلا, وإلا ما جمع الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد الغساني شيخنا رحمه الله في كتابه المسمى ( بتقييد المهمل )فإنه تقصى فيه أكثر ما اشتمل عليه (الصحيحان) وقيده أحسن تقييد, وتقويمها إلى شرح غريبها, وبيان شيء من معانيها ومفهومها, دون نقص لذلك ولا اتساع, إلا عند الحاجة لغموضه, أو الحجة على خلاف يقع هنالك في الرواية, أو الشرح ونزاع, إذ لم نضع كتابنا هذا لشرح لغة, وتفسير معان, بل لتقويم ألفاظ و إتقان, وإذ قد اتسعنا بمقدار ما تفضل الله به وأعان عليه في شرحنا لكتاب (صحيح مسلم) المسمى (بالإكمال) و شذت عن أبواب الحروف نكت مهمة غريبة, لم تضبطها تراجمها, لكونها جمل كلمات يضطر القارئ إلى معرفة ترتيبها, وصحة تهذيبها, أما لما دخلها من التغيير أو الإبهام, أو التقديم والتأخير, أو أنه لا يفهم المراد بها إلا بعد تقديم إعراب كلماتها, أو سقوط بعض ألفاظها, أو تركه على جهة الاختصار, ولا يفهم مراد الحديث إلا به, فأفردنا لها آخر الكتاب ثلاثة أبواب :
أولها في الجمل التي وقع فيها التصحيف, وطمس معناها التلفيف, إذ بينا مفردات ذلك في تراجم الحروف
الباب الثاني في تقويم ضبط جمل في المتون والأسانيد, وتصحيح إعرابها, وتحقيق هجاء كتابها, وشكل كلماتها, وتبيين التقديم والتأخير اللاحق لها, ليستبين وجه صوابها, وينفتح للإفهام مغلق أبوابها
__________
(1) - ذكره ابن خير في (فهرسته)(329)
(2) - هو كتاب ( إصلاح غلط المحدثين ) طبع في دار المأمون للتراث 1407هـ دمشق بتحقيق ( محمد الرديني )(5/119)
الباب الثالث في إلحاق ألفاظ سقطت من أحاديث هذه الأمهات, أو من بعض الروايات, أو بترت اختصارا أو اقتصارا على التعريف بطريق الحديث لأهل العلم به, لا يفهم مراد الحديث إلا بإلحاقها, ولا يستقل الكلام إلا باستدراكها, فإذا كملت بحول الله هذه الأغراض, وصحت تلك الأمراض, رجوت ألا يبقى على طالب معرفة الأصول المذكورة إشكال, وأنه يستغني بما يجده في كتابنا هذا عن الرحلة لمتقني الرجال, بل يكتفي بالسماع على الشيوخ إن كان من أهل السماع والرواية, أو يقتصر على درس أصل مشهور الصحة, أو يصحح به كتابه, ويعتمد فيما أشكل عليه على ما هنا, إن كان من طالبي التفقه والدراية, فهو كتاب يحتاج إليه الشيخ الراوي, كما يحتاج إليه الحافظ الواعي, ويتدرج به المبتدئ, كما يتذكر به المنتهي, ويضطر إليه طالب التفقه والاجتهاد, كما لا يستغني عنه راغب السماع والإسناد, ويحتج به الأديب في مذاكرته, كما يعتمد عليه المناظر في محاضرته, وسيعلم من وقف عليه من أهل المعرفة والدراية قدره, ويوفيه أهل الإنصاف والديانة حقه, فإني نخلت فيه معلومي, وبتثه مكتومي, ورصعته بجواهر محفوظي ومفهومي, وأودعته مصونات الصنادق والصدور, وسمحت فيه بمضنونات المشائخ والصدور, مما لا يبيحون خفى ذكره لكل ناعق, ولا يبوحون بسره في متداولات المهارق, ولا يقلدون خطير دره إلا لبات أهل الحقائق, ولا يرفعون منها راية إلا لمن يتلقاها باليمين, ولا يودعون منها آية إلا عند ثقة أمين, وقد ألفته بحكم الاضطرار والاختيار, وصنفته منتقى النكت من خيار الخيار, و أودعته غرائب الودائع والأسرار, وأطلعته شمسا يشرق شعاعها في سائر الأقطار, وحررته تحريرا تحار فيه العقول و الأفكار, وقربته تقريبا تتقلب فيه القلوب والأبصار(5/120)
وسميته : ( بمشارق الأنوار على صحاح الآثار ), وإلى الله جل اسمه ألجأ في تصحيح عملي ونيتي, وإليه أبرأ من حولي وقوتي, ومنه أستمد الهداية لهمي وعزمتي, وإياه أسئل العصمة والولاية لجملتي, والعفو والغفران لذنبي وزلتي, إنه منعم كريم, باب ذكر أسانيدي في هذه الأصول الثلاثة
ورأيت ذكرها ليعلم مخرج الرواية التي أنص عليها عند الاختلاف, أو أضيفها إلى راويها ليكون الواقف عليها على إثارة من علمها
[ وذكر أسانيده في ( 4 ) صفحات ] والآن نبتدئ بترتيب الكتاب, وتقريب تلك الفصول الموعود بها و الأبواب, والله المعين إلى ما فيه رضاه المرشد للصواب (1)
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري
بسم الله الرحمن الرحيم, أحْمدُ اللّه على نعمه بجميع مَحامده، وأُثني عليه بآلائه في بادئ الأمر وعائِدِه، وأشكره على وافر عطائه ورافِدِه، وأعترف بلُطْفه في مَصادر التوفيق ومَوارده, وأَشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله، شهادَةَ مُتَحَلٍّ بقلائد الإخلاص وفرائِدِه، مستقل بإحكام قواعد التوحيدِ ومَعَاقدِهِ, وأصلي على رسوله جامعِ نَوافر الإيمان و شَوارِدِه، ورافع أعلام الإسلام ومَطارِدِه ، وشارع نَهْج الهُدى لقاصِدِه، وهادي سبيل الحق و ماَهِدِه، وعلى آله وأصحابه حُماة معالم الدين ومَعاهِدِه، ورَادَةِ مَشْرَعِهِ السائغ لوارِدِه.
__________
(1) - طبع في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب1982 في جزءين بتحقيق ( البلعشمي أحمد يكن ) و في دار الفكر بيروت1997 في مجلدين, قال السخاوي في (شرحه)(3\47):وهو أجل كتاب جمع فيه بين ضبط الألفاظ واختلاف الروايات و بيان المعنى لكنه خصه( بالموطأ) و (الصحيحين) مع ما أضاف إليه من مشتبه النسبة.اهـ(5/121)
أما بعد : فلا خلاف بين أُولي الألباب والعقول، ولا ارتياب عند ذَوِي المعارف والمحصول، أنّ علم الحديث والآثار من أشرف العلوم الإسلامية قَدْرا، وأحسنِها ذكرا، وأكملها نفْعا وأعظمها أجرا, وأنه أحَدُ أَقطاب الأسلام التي يَدُورُ عليها، ومعاقِدِهِ التي أضيفَ إليها، وأنه فَرْضٌ من فروض الكفايات يجب التزامُه، وحق من حقوق الدين يتعين إحكامه و اعْتزَامُه, وهو على هذه الحال من الاهتمام البيِّن والالتزام المُتعيِّن ينقسم قسمين: أحدُهما معرفة ألفاظه، والثاني معرفة معانيه. و لاشك أن معرفَةَ ألفاظه مُقَدّمةٌ في الرتبة, لأنها الأصل في الخطاب وبها يحْصُل التفاهم، فإذا عُرِفَتْ تَرتَّبتِ المعاني عليها، فكان الإهتمام ببيانها أوْلَى.
ثم الألفاظ تنقَسم إلى مفردة ومركبة، ومعرفة المفردة مقَّدمة على معرفة المركبة, لأنّ التركيب فَرْعٌ عن الإفراد, و الألفاظ المفردة تنقسم قسمين: أحدهما خاصٌّ والآخر عامٌّ, أما العام فهو ما يَشْتَرِك في معرفته جُمهور أهل اللسان العربي مما يَدُورُ بَينَهم في الخطاب، فهم في معرفته شَرَعٌ سَوَاءٌ أو قريبٌ من السَّواء، تَناقَلوه فيما بينهم وتَداوَلوه، وتَلقَّفُوه من حال الصِّغَر لضرورة التَّفاهُم وتَعَلموه, وأما الخاصُّ فهو ما يدور فيه من الألفاظ اللُّغَوية، والكلمات الغريبة الحشويَّة، التي لا يعرفها إلا من عُنِيَ بها، وحافَظَ عليها واستخرَجَها من مظانّها وقليلٌ ماَ هُمْ فكان الاهتمام بمعرفة هذا النوع الخاصّ من الألفاظ أهمَّ مما سواه، وأولى بالبيان مما عداه، ومُقَدَّماً في الرتبة على غيره، ومَبدُوًّا في التعريف بذكره, إذ الحاجة إليه ضرورية في البيان، لازمة في الإيضاح والعِرْفان.(5/122)
ثم معرفته تنقسم إلى معرفة ذاته وصفاته: أما ذاته فهي معرفة وَزْن الكلمة وبنائها، وتأليف حروفها وضَبْطها، لئلاّ يتبدّل حرفٌ بحرف أو بناءٌ ببناء. وأما صفاته فهي معرفة حركاتِه وإعرابِه، لئَلا يَخْتَلَّ فاعل بمفعول، أو خبر بأمر، أو غير ذلك من المعاني التي مَبْنَى فَهْمِ الحديث عليها، فمعرفة الذات استقل بها علماءُ اللغة والاشتقاق، ومعرفة الصفات استقل بها علماء النحو والتَّصريف، وإن كان الفريقان لا يكادان يَفْتَرِقاَنِ لاضْطِرارِ كلّ منهما إلى صاحبه في البيان.
وقد عَرفْت أيّدك اللّه وإيّانا بلُطفه وتوفيقه أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب لسانا، و أوضَحَهُمْ بيانا. وأعذَبَهم نُطقا، وأسَدَّهم لفظا. وأبيَنَهم لَهجَة، وأقومَهم حُجة. وأعرَفَهُم بمواقع الخطاب، وأهدَاهم إلى طُرق الصواب. تأييداً إلهِياً، ولُطفا سماويا. وعنايَةً رَبَّانية، ورعايَةً رُوحانية، حتى لقد قال له عليُّ بنُ أبي طالب كرم اللّه وجهه وسَمِعَهُ يخاطبُ وَفْد بَني نَهْد: يا رسول اللّه نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال: أدَّبني رَبّي فأحْسَنَ تَأديبي، وَرُبِّيتُ في بني سَعْد (1)
__________
(1) - رواه العسكري عن علي, قال السخاوي في ( المقاصد ) سنده ضعيف جدا، وإن اقتصر شيخنا يعني الحافظ ابن حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه ؛ ولكن معناه صحيح، وجزم به ابن الأثير في خطبة النهاية، وأخرج ابن السمعاني بسند منقطع عن ابن مسعود قال وبالجملة فهو كما قال ابن تيمية : لا يعرف له إسناد ثابت .(5/123)
, فكان - صلى الله عليه وسلم - يُخَاطب العرب على اختلاف شُعُوبهم وقبائلهم، وتَبَاين بُطونهم وأفخاذهم و فصائِلِهم، كلاًّ منهم بما يفهمون، ويُحادثُهم بما يعلمون. ولهذا قال صَدَّق اللّه قَولَه : أُمرْتُ أن أخاطبَ الناسَ على قَدْر عُقُولهم، فكأنّ اللّه عزّ وجل قد أعْلَمه ما لم يكن يَعْلَمُه غيرُه من بني أبِيه، وجمع فيه من المعارف ما تفرَّق ولم يوجد في قَاصِي العَرَب ودَانِيه. وكان أصحابُه - رضي الله عنهم - ومن يَفِدُ عليه من الْعَرَب يعرفون أكثرَ ما يقوله، وما جَهِلوه سألوه عنه فيوضحه لهم.(5/124)
واسْتمرَّ عصره - صلى الله عليه وسلم - إلى حين وفاته على هذا السَّنَن المستقيم, وجاء العصر الثاني وهو عصر الصحابة جاريا على هذا النَّمط سالكا هذا المَنهج, فكان اللسان العربي عندهم صحيحا مَحْرُوسا لا يَتَدَاخَلُهُ الخَلل، ولا يَتَطرَّقُ إليه الزَّلَل، إلى أن فُتحت الأمصار، وخالطَ العربُ غيرَ جنسهم من الروم والفرس والحبش والنَّبَط، وغيرهم من أنواع الأمم الذين فتح اللّه على المسلمين بلادَهم، وأفاَءَ عليهم أموالَهم ورقابَهُم، فاختلطتِ الفرق وامتزجت الألسُن، وتداخَلتِ اللغاتُ ونشأ بينهم الأولاد، فتعلموا من اللسان العربي ما لا بدّ لهم في الخطاب منه، وحفظوا من اللغة ماَلاَ غِنًى لهم في المحاوَرَةِ عنه، و تركو ما عداه لعدم الحاجة اليه، وأهمَلوه لقلّة الرَّغبة في الباعث عليه، فصار بعد كونه من أهمّ المعارف مُطّرَحاً مهجوراً، وبعد فَرْضِيَّتهِ اللازمة كأن لم يكن شيئا مذكورا. و تمادتِ الأيامُ والحالة هذه على ما فيها من التَّماسُك والثَّبَات، و اسْتَمرَّت على سَنَنٍ من الاستقامة والصلاح، إلى أن انقرض عصرُ الصحابة والشأنُ قريب، والقائمُ بواجب هذا الأمر لقلّته غريب. وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلُّوا في الإتقان عددا، واقْتَفَوْا هديَهُمْ وإن كانوا مَدُّوا في البيان يَدَا، فما انقضى زمانُهم على إحسانهم إلاّ واللسانُ العربيُّ قد استحال أعجميا أو كَاد، فلا ترى المُسْتَقِلَّ به والمحافِظَ عليه إلاّ الآحاد.(5/125)
هذا والعصرُ ذلك العصرُ القديم، والعَهدُ ذلك العهدُ الكريم، فجهِل الناس من هذا المُهِمّ ما كان يلزمُهم معرفَتُه، وأخّروا منه ما كان يجب تَقْدِمَتُه، واتخذوه وراءَهم ظِهْرِيًّا فصار نِسْياً منسياً، و المشتغل به عندهم بعيدا قصيّاً، فلما أعضَلَ الدَّاء وعزَّ الدَّواء، ألهمَ اللّه عز وجل جماعة من أولِي المعارف والنُّهَى، وذوي البصائر والحِجَى، أن صرفوا إلى هذا الشأن طَرَفاً مِن عنَايتهم، وجانبا من رِعايَتهم، فشَرَّعوا فيه للناس مواردا، ومهَّدوا فيه لهم معاَهدا، حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياَع، وحفظا لهذا المهِم العزيز من الاختلال.
فقيل إن أوّلَ من جَمعَ في هذا الفنّ شيئاَ وألَّف أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنّى التميمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث و الأثر كتابا صغيرا, ذا أوراق معدودات، ولم تكن قِلَّتُهُ لجهله بغيره من غريب الحديث، وإنما كان ذلك لأمرين: أحدهما أن كل مُبْتَدِئ لشىء لم يُسْبَق إليه، وَمُبْتَدِعٍ لأمر لم يُتَقَدَّم فيه عليه، فإنه يكون قليلا ثم يكثر، وصغيرا ثم يكبر. والثاني أنَّ الناسَ يومئذ كان فيهم بَقِيةٌ وعندهم معرفة، فلم يكن الجهلُ قد عَمّ، ولا الخطبُ قد طَمّ.
ثم جَمَع أبو الحسن النَّضْر بن شُميل المازنيّ بعده كتابا في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عُبيدة، وشرح فيه وبَسَطَ على صغر حجمه ولُطفه, ثم جمع عبدُ الملك بن قُرَيب الأصمعيّ وكان في عصر أبي عُبيدة وتأخر عنه كتابا أحسن فيه الصُّنْعَ وأجاد، ونيَّف على كتابه, وزاد، محمد بن المُسْتَنير المعروف بِقُطْرُب، وغيره من أئمة اللغة والفقه جمعوا أحاديث تَكَلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذواتِ عِدد، ولم يَكَدْ أحدُهم ينفردُ عن غيره بكبير حديث لم يذكره الآخر(5/126)
و استَمَرَّتْ الحال إلى زمن أبي عُبيد القاسم بن سلاّم وذلك بعد المائتين، فجمع كتابه المشهور َفي غريب الحديث (1) والآثار الذي صار وإن كان أخيراً أوّلا، لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة، والمعاني اللطيفة، والفوائد الجمَّة، فصار هو القدوةَ في هذا الشأن فإنه أفْنى فيه عمره وأطاب به ذكره، حتى لقد قال فيما يروى عنه: إني جَمَعْتُ كتابي هذا في أربعين سنة، وهو كان خُلاصة عمري, و لقد صدق رحمه اللّه فإنه احتاج إلى تَتَبُّع أحاديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على كَثْرتها و آثار الصحابة و التابعين على تَفَرُّقها وتعدُّدِها، حتى جمع منها ما احتاج إلى بيانه بطرق أسانيدها وحفظ رُوَتها، و هذا فن عزيز شريف لا يوفّقُ له إلا السعداء. وظنَّ رحمه اللّه على كَثرة تعبه وطول نَصَبه أنه قد أتى على معظم غريب الحديث وأكثرِ الآثار، وما علم أن الشّوْطَ بَطِين (أي بعيد) والمنهل مَعِين.
__________
(1) - طبع في دائرة المعارف العثمانية 1396 ثم بالمكتبة الأزهرية للتراث بالقاهرة, و في دار الكتب العلمية 1986 في مجلدين, وهناك ( فهرس غريب الحديث ) تأليف ( محمود ميرة ) طبع دار البشائر الإسلامية, ونقل الذهبي في(السير)(10\496) : وعن أبي عبيد أنه كان يقول:كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة,وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في الكتاب فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة, وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر خمسة أشهر فيقول:قد أقمت الكثير,وقيل:إن أول من سمع ( الغريب ) من أبي عبيد يحيى بن معين ,عن الطبراني سمعت (عبد الله بن أحمد) يقول: عرضت كتاب (غريب الحديث) لأبي عبيد على أبي فاستحسنه وقال:جزاه الله خيرا(5/127)
وبقي على ذلك كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه، ويعتمدون في غريب الحديث عليه، إلى عصر أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتَيْبَة الدِّيَنوَرِي رحمه اللّه (1)، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار، حذا فيه حَذْوَ أبي عبيد ولم يُودعْه شيئا من الأحاديث المودعةِ في كتاب أبي عبيد إلا ما دَعَتْ إليه حاجةٌ من زيادة وبيان أو استدراك أو اعتراض، فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه.
وقال في مقدِّمة كتابه: وقد كنتُ زمانا أرى أن كتاب أبي عبيد قد جمع تفسير غريب الحديث، و أن النظر فيه مُسْتَغْنٍ به. ثم تَعَقبتُ ذلك بالنظر والتفتيش والمذاكرة فوجدت ما ترك نَحْوا مما ذكر، فتتبَّعْتُ ما أغفل وفَسرتُه على نَحْو مما فَسَّر، وأرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحدٍ فيه مقال
وقد كان في زمانه الإمام إبراهيم بن إسحاق الحَرْبيّ رحمه اللّه (2)، وجمع كتابه المشهور في غريب الحديث، وهو كتاب كبير ذو مجلدات عِدَّةٍ، جم
__________
(1) - تقدمت مقدمته
(2) - طبع في معهد البحوث العلمية و إحياء التراث الإسلامي بمكة في ( 3 ) مجلدات بتحقيق (سليمان بن إبراهيم بن محمد العايد ), ونقل عن راويه عنه محمد بن إسحاق المقرئ أن أبا اسحق الحربي مات ولم يتم الديوان, وأن الذي انتهى إليه بالتأليف حديث لابن عمر ( ليت الأشج من ولد عمر...).اهـ قال الذهبي في (السير)(13\359), قال الحاكم : سمعت محمد بن صالح القاضي يقول : لا نعلم بغداد أخرجت مثل (إبراهيم الحربي) في الأدب والفقه والحديث والزهد, ثم ذكر له كتابا في غريب الحديث لم يسبق إليه, وقال القفطي في ( تاريخ النحاة ) له: كان إبراهيم الحربي رأسا في الزهد عارفا بالمذاهب, بصيرا بالحدث حافظا, له في اللغة كتاب ( غريب الحديث ) وهو من أنفس الكتب وأكبرها في هذا النوع اهـ(5/128)
ثمَّ صَنّف الناس غيرُ من ذكَرنا في هذا الفنِّ تصانيف كثيرة، منهم شَمِرُ بن حَمْدَوَيه، وأبو العباس أحمد بن يحي اللغوي المعروف بثعلب, وأبو العباس محمد بن يزيد الثُّمالي المعروف بالمبرَّد, وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد بن الحسن الكنْدي, وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب, وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه و الحديث, ولم يَخْلُ زمانٌ وعصْرٌ ممن جمع في هذا الفن شيئا وانفرد فيه بتأليف، واستبدَّ فيه بتصنيف.
واستمرَّتِ الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن أحمد الخطَابي الْبُسْتي رحمه اللّه، و كان بعد الثلثمائة و الستين وقبلها، فألف كتابه المشهور في غريب الحديث (1)، سلك فيه نهج أبي عبيد وابن قُتَيْبة، واقتفى هَدْيَهُما، وقال في مقدمة كتابه بعد أن ذكر كتابَيْهما وأَثْنى عليهما : و بقيت ْبعدهما صُبَابةٌ للقول فيها مُتَبَرَّض توليتُ جمعها وتفسيرها، مُسْتَرْسلا بحسن هدايتهما و فضل إرشادهما، بعد أن مضى عليّ زمان وأنا أحْسِب أنه لم يبقَ في هذا الباب لأحدٍ مُتكلَّم، وأن الأوّلَ لم يترُكْ للآخر شيئا وأتّكلُ على قول ابن قُتَيْبَةَ في خطْبَةِ كتابه: إنه لم يبقَ لأحد في غريب الحديث مقال.
__________
(1) - طبع في معهد البحوث العلمية و إحياء التراث الإسلامي بمكة 1982 في( 3 ) مجلدات بتحقيق
( عبد الكريم العزباوي ), ذكر(الذهبي) في (السير)(13\4) عن (أبو طاهر السلفي)قال: ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبيد ولا ابن قتيبة في كتابيهما, وهو كتاب ممتع مفيد, ومحصله بنية موفق سعيد.اهـ(5/129)
وقال الخَطابي أيضا بعد أن ذكر جماعة من مُصَنفي الغريب وأثْنى عليهم: إلا أن هذه الكُتُبَ على كثرة عَدَدِها إذا حَصَلت كان مآلُها كالكتاب الواحد. إذ كانَ مصنفوها إنما سبيلهم فيها أن يتوالوْا على الحديث الواحد فَيَعْتَوِروه فيما بينهم، ثم يتَبَارَوْا في تفسيره ويدخل بعضهم على بعض، ولم يكن من شرط المسبوق أن يُفَرِّج للسابق عما أحْرَزَه، وأن يقْتَضِب الكلام في شيء لم يُفَسَّرْ قبله على شاَكلة ابن قُتَيْبَة وصنيعه في كتابه الذي عَقَّبَبه كتاب أبي عبيد، ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التي ذكرناها أن يكون شيئا منها على مِنْهاج كتاب أبي عبيد في بيان اللفظ و صحة المعنى وجَوْدَة الاستنباط وكثرة الفقه، ولا أن يكون من جنس كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحُجة وذكر النظائر وتخليص المعاني، وإنما هي أو عامَتُها إذا تقسمت وقعت بين مُقَصِّر لا يورد في كتابه إلا أطْرَافاً وسَواقطَ من الحديث، ثم لا يوفِّيها حقها من إشباع التفسير و إيضاح المعنى، وبين مُطِيل يسرُدُ الأحاديث المشهورة التي لا يكاد يُشْكل منها شيء، ثم يتكلفُ تفسيرها ويُطْنبُ فيها. وفي الكتابين غنى ومَنْدُوحَةٌ عن كلِّ كتاب ذكرناه قبلُ, إذ كانا قد أتَيَا على جماع ما تضمنتِ الأحاديث المودعة فيهما من تفسير وتأويل، وزادا عليه فصارا أحق به و أملك له، ولعل الشيءَ بعد الشيء منها قد يَفُوتُهَما.
بسم الله الرحمن الرحيم.قال الخطابي: وأما كتابنا هذا فإني ذكرت فيه ما لم يرد في كتابيهما، فصرفْتُ إلى جمعه عِنايتي، ولم أزل أتتبع مظانّها وألتقط آحادها، حتى اجتمع منها ما أحب اللّه أن يُوَفِّقَ له، واتسق الكتاب فصار كنحوٍ من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه.(5/130)
قال: وبلغني أن أبي عبيد مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث والأثر، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أُنُف، والحوضُ ملآن. ثم قد غادر الكثيرَ منه لمن بعده. ثم سعى له أبو محمد سَعْيَ الجَواد، فأسأر القَدر الذي جمعناه في كتابنا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذواتُ عددٍ لم أتيسر لتفسيرها تركتها ليفتحها اللّه على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشئٍ علم. قال اللّه تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُوم ) (الحجر:21)
قلتُ: لقد أحسنَ الخطابي رحمة اللّه عليه وأنصف، عرفَ الحق فقاله، وتحرَّى الصدق فنطق به، فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمَّهاتِ الكتب، وهي الدائرة في أيدي الناس والتي يُعَوِّلُ عليها علماء الأمصار، إلا أنها وغيرها من الكتب المصنفة التي ذكرتاها أو لم نذكرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتَّباً ومُقفَّى يرجع الإنسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي، وهو على طوله وعسر ترتيبه لا يوجد الحديث فيه إلا بعد تعبٍ وعناء، ولاخفاء لما في ذلك من المشقة والنَّصَب مع كون الحديث المطلوب لا يُعرف في أيّ واحد من الكتب هو، فيحتاج طالبُ غريب حديث إلى اعتبار جميع الكتب أو أكثرِها حتى يجد غرضه من بعضها.(5/131)
فلما كان زمنُ أبي عبيد أحمد بن محمد الهَروي (1), صاحب الإمام أبي منصور الأزْهَرِي اللغوي ، وكان في زمن الخطابي وبعده وفي طبقته، صنَّف كتابه المشهور السائر في الجمع بين غريبي القرآن العزيز والحديث (2)، ورتبه مقفى على حروف المعجم, على وضع لم يُسْبَقْ في غريب القرآن و الحديث إليه, فاستخرَجَ الكلمات اللغويةَ الغريبة من أماكنها وأثبتها في حروفها و ذكر معانيها, إذ كان الغرضُ والمقصد من هذا التصنيف معرفةَ الكلمة الغريبة لغةً وإعراباً ومعنًى، لا معرفةَ مُتُون الأحاديث والأحاديث والآثار وَطُرق أسانيدها وأسماء رُوَاتها، فإن ذلك علم مستقبل بنفسه مشهور بين أهله, ثم إنه جمع فيه من غريب الحديث ما في كتاب أبي عُبيد وابن قتيبةَ وغيرهما ممن تَقَدَّمه عصرهُ من مُصَنِّفي الغريب، مع ما أضاف إليه مما تتبعه من كلمات لم تكن في واحد من الكتب المصنَّفة قَبله، فجاء كتابهُ جامعا في الحُسن بين الإحاطة والوضع. فإذا أراد الإنسانُ كلمةً غريبةً وجَدَها في حرفها بغير تَعب، إلا أنه جاء الحديث مُفَرَّقاً في حروف كلماته حيث كان هو المقصودَ والغرضَ، فانتشر كتابهُ بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار، وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار
__________
(1) - هو أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن أبي عبيد العبدي المؤدب الهروي نسبة إلى (هراة)، إحدى مدن خراسان الكبار، الفاشاني، ، المتوفى سنة 401هـ ترجمته في(السير للذهبي)(13\84)
(2) - طبع في المكتبة العصرية بيروت في (6) مجلدات بتحقيق ( أحمد فريد المزيدي ), ولكتاب (الغريبين) عدة مختصرات منها:1- مختصر للفقيه أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي المتوفى سنة 447هـ , سماه (تقريب الغريبين), 2- ومختصر لأبي المكارم الوزير على بن محمد النحوي المتوفى سنة561 هـ ,وجمع أوهام (الغريبين) في تصنيف مستقل الحافظ (أبو الفضل محمد بن ناصر البغدادي) المتوفى سنة 550هـ,(5/132)
وما زال الناس بعده يَقْتَفُون هَدْيَه، ويَتْبَعُون أَثَره، ويَشكُرون له سَعَيه، ويَسْتَدرِكُون ماَ فَاتَه من غريب الحديث والآثار، ويجمعون فيه مجاميعَ, والأيامُ تَنْقَضِى، والأعمارُ تَفْنَى ولا تنقضى إلا عن تصنيفٍ في هذا الفن إلى عهد الإِمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخُوارَزمي رحمه اللَّه، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث وسماه : (الفائق) (1) ولقد صادف هذا الاسمُ مُسَمَّى، و كشف من غريب الحديث كل مُعَمَّى، ورتَّبه على وضعٍ اخْتارَه مُقَفَّى على حروف المعجم، و لكن في العُثُور على طلب الحديث منه كُلْفَةً ومشقة، وإن كانت دون غيره من مُتَقدم الكتب لأنه جَمعَ في التَقْفِيةِ بين إيراد الحديث مَسْرُوداً جميعه أو أكثره أو أقله، ثم شَرَحَ ما فيه من غريب فيجيء شرحُ كل كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف واحد من حروف المعجم، فترِدُ الكلمة في غير حرفها، وإذا تَطَلَّبها الإِنسان تَعِب حتى يَجدها، فكان كتابُ الهروي أقرب مُتَنَاولا وأسهل مأخذاً، وإن كانت كلماته متفرقة في حروفها، وكان النفع به أتمَّ والفائدة منه أعمَّ.
فلما كان زمنُ الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني، وكان إماما في عصره حافظا متقنا تُشدُّ إليه الرحال، وتُناط به من الطلبة الآمال، قد صنف كتابا (2)جمع فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث ينُاسبهُ قَدْراً وفائدة، ويُماَثلهِ حجمْاً وعائدة، وسلك في وضعه مَسْلَكه، وذهب فيه مَذهَبه، ورتَّبَه كما رتّبَه، ثم قال:
__________
(1) - طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بالقاهرة 1366 ه - 1947 م في ( 4 ) مجلدات بتحقيق ( علي محمد البجاوي ) و ( ومحمد أبو الفضل إبراهيم), ثم صور في دار الفكر
(2) - سماه ( المجموع المغيث في غريب القران والحديث), طبع في معهد البحوث العلمية و إحياء التراث الاسلامي1986 بمكة في ( 4 ) مجلدات بتحقيق ( عبد الكريم الغرباوي )(5/133)
واعلم أنه سيبقى بعد كتابي أشياء لم تقع لي ولا وقفتُ عليها, لأن كلام العرب لا ينحصر. ولقد صدق رحمه اللَّه فإن الذي فَاتَه من الغريب كثيرٌ، ومات سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
وكان في زماننا أيضا معاصرُ أبي موسى الإمامُ أبو الفرج عبدُ الرحمن بن علي ابن الجوْزِي البغدادي رحمه اللَّه، كان مُتَفنّناً في علومه, مُتَنَوِّعا في معارفه، فاضلا، لكنه كان يَغْلِبُ عليه الوعظ, وقد صَنَّفَ كتابا في غريب الحديث خاصَّة (1), نَهَج فيه طريق الهَرَوي في كتابه، وسلك فيه محَجَّته مجردا من غريب القرآن, وهذا لفظه في مقدمته بعد أن ذكر مُصَنَّفي الغريب: قال: فَقَوِيت الظُّنون أنه لم يَبْقَ شيء، وإذاً قد فاتَهُمْ أشْياء فرأيت أن أبذلَ الوُسع في جمع غريب حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتابعيهم، وأرجو ألاّ يَشذَّ عني مهِمّ من ذلك، وأن يُغْنِيَ كتابي عن جميع ما صُنّف في ذلك. هذا قوله.
ولقد تتبعت كتابه فرأيتُه مخْتَصراً من كتاب الهروي، مُنْتَزَعا من أبوابه شيئاً فشيئاً ووَضعاً فوَضْعاً، ولم يزد عليه إلا الكلمة الشّاذّةَ واللفظَة الفاذّة. ولقد قايَسْتُ مازاد في كتابه على ما أخَذَه من كتاب الهروي فلم يكن إلا جزءاً يسيرا من أجزاءٍ كثيرة.
وأما أبو موسى الأصفهاني رحمه اللّه فإنه لم يذكر قي كتابه مما ذكره الهروي إلا كلمة اضطر إلى ذكرها إما لخَلل فيها، أو زيادة في شرحها، أو وَجْهٍ آخرَ في معناه، ومع ذلك فإن كتابَهُ يُضَاهي كتاب الهروي كما سبق, لأن وضعَ كتابه استدراكُ ما فات الهَروي.
__________
(1) - تقدمت مقدمته(5/134)
ولما وقفت على كتابه الذي جعله مُكمّلا لكتاب الهروي ومُتَمِمّا وهو في غاية من الحسن والكمال، وكان الإنسان إذا أراد كلمة غريبة يَحْتَاجُ إلى أن يَتَطلّبها في أحد الكتابين فإن وجدها فيه وإلا طَلَبها من الكتاب الآخر، وهما كتابان كبيران ذَوَا مجلدات عٍدَّة، ولا خفاء بما في ذلك من الكلفة، فرأيتُ أن أجمع ما فيهما من غريب الحديث مُجرَّدا من غريب القرآن، وأضِيف كل كلمة إلى أختها في بابها تسهيلا لكُلْفة الطلب، وتمادت بي الأيام في ذلك أُقدِّم رجلا وأُؤخِّر أخرى، إلى أن قَوٍيت العزيمة وخلَصت النية، وتحقّقت في إظهار ما في القوة إلى الفعل، ويسَّر اللّه الأمر و سهَّله، وسنّاه ووفق إليه، فحينئذ أمْعَنْتُ النظر وأَنْعَمْتُ الفِكر في اعتبار الكتابين والجمع بين ألفاظهما، وإضافة كل منهما إلى نظيره في بابه، فَوَجَدْتُهما - على كثرة ما أُدع فيهما من غريب الحديث والأثر - قد فَاتَهُما الكثير الوافرُ، فإني في بادِئ الأمر و أوَّل النظر مرّ بِذكري كلماتٌ غريبة من غرائب أحاديث الكتب الصّحاح كالبخاري ومسلم, وكفاك بهما شُهْرَةً في كتب الحديث, لم يَرِدْ شيء منهما في هذين الكتابين، فحيث عرفتُ ذلك تنبهتُ لاعتبار غير هذين الكتابين من كتب الحديث المدَوَّنة المصنفة في أول الزمان وأوسطه وآخره. فتتبعتها واسْتَقْرَيْتُ ما حَضَرَني منها، واسْتَقْصَيْتُ مُطالَعتها من المَسَانيد والمجاميع وكتب السُّنَن والغرائبِ قديمها وحديثها، وكتب اللغة على اختلافها، فرأيتُ فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيرا، فَصَدَفْتُ حينئذ عن الاقتصار على الجمع بين كتابَيْهما، وأضفت ما عَثَرتُ عليه ووَجدتُه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها وأمثالها.(5/135)
وما أحْسَنَ ما قال الخطّابي وأبو موسى رحمة اللّه عليهما في مُقَدّمَتَيْ كتابَيْهما، وأنا أقول أيضا مُقْتَدياً بهما: كم يكونُ قد فَاتَنِي من الكلمات الغريبة التي تشتملُ عليها أحاديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه وتابِعيهم رضي اللّه عنهم، جَعَلَها اللّه سبحانه ذَخِيرة لغيري يُظْهِرُها على يده ليُذْكر بها. ولقد صَدَق القائل الثَّاني: كم ترك الأوَّل للآخر، فحيث حقق اللّه سبحانه النية في ذلك سَلَكْتُ طريقة الكتابين في التَّرتيب الذي اشتملا عليه، والوَضْع الذي حَوياه من التَّقْفِيَةِ على حروف المعجم بالتزام الحرف الأوّل والثَّاني من كلِّ كلمة، وإتْبَاعِهما بالحرف الثالث منهما على سِياق الحروف، إلا أنّي وجدتُ في الحديث كلماتٍ كثيرةً في أوائلها حروف زائدة قد بُنِيتِ الكلمةُ عليها حتى صارت كأنها من نفسها، وكان يَلْتَبِسُ مَوْضِعها الأصْلي على طالبها، لا سِيَّما وأكْثَرُ طَلَبةِ غريب الحديث لا يَكادُون يَفْرِقُون بين الأصلي والزائد، فرأيتُ أن أثبتَهما في باب الحرف الذي هو في أوّلها وإن لم يكن أصليّاً ونَبَّهتُ عند ذكره على زيادته لئَلاَّ يَرَاها أحد في غير بابها فيظنّ أني وضعتُها فيه للجهل بها فلا أُنْسَبُ إلى ذلك، ولا أكون قد عَرَّضتُ الواقف عليها لِلغيِبَة وسوء الظن، ومع هذا فإن المُصِيبَ بالقول والفِعْل قليل بل عَدِيم. ومَن الذي يأمَن الغلطَ والسهوَ والزَّلل؟ نسأل اللّه العصمةَ و التوفيق, وأنا أسأل مَن وَقَف على كتابي هذا وَرَأى خطأ أو خللا إن يُصْلِحه ويُنَبّه عليه ويُوضّحَه ويُشيرَ إليه حائزا بذلك مني شكرا جميلا، ومن اللّه تعالى أجرا جزيلا.
و جعلتُ على ما فيه من كتاب الهروي ( هاء ) بالحمرة، وعلى ما فيه من كتاب أبي موسى
( سينا ) وما أضفتهُ من غيرهما مهملا بغير علامة ليتميز ما فيها عما ليس فيها.(5/136)
وجميع ما في هذا الكتاب من غريب الحديث والآثار ينقسم قسمين: أحدهما مُضاف إلى مُسمًّى، والآخَر غير مُضاف، فما كان غيرَ مضاف فإن أكثره والغالبَ عليه أنه من أحاديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلا الشيء القليل الذي لا تُعْرف حقيقتُه هل هو من حديثه أو حديث غيره، وقد نبَّهْنَا عليه في مواضعه, وأما ما كان مضافا إلى مسمى فلا يخلو إما أن يكون ذلك المسمّى هو صاحبَ الحديث واللفظُ له، وإما أن يكون راويا للحديث عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أو غيره، وإما أن يكون سببا في ذكر ذلك الحديث أضيفَ إليه، وإما أن يكون له فيه ذكرٌ عَرف الحديث به واشتهر بالنسبة إليه
وقد سميتُه: ( النهايةَ في غريب الحديث والأثر ), وأنا أرغب إلى كرم اللّه تعالى أن يجعل سعيي فيه خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبلَهُ ويجعله ذخيرةً لي عنده يَجْزِيني بها في الدار الآخرة، فهو العالم بمُودَعَاتِ السَّرَائر, وخَفيَّات الضَّمائر. وأن يَتَغَمَّدَني بفضله ورحمته، ويَتَجاوز عنّي بسَعَة مغفرته, إنه سميع قريب. وعليه أتوكل وإليه أنيبُ.(1)
المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي
__________
(1) - طبع في مصر سنة 1322هـ وعلى هامشه ( الدر النثير ) للسيوطي, ثم في دار الفكر في ( 5 ) مجلدات بتحقيق ( طاهر أحمد الزاوي ) و ( محمود الطناحي ) وبدار الكتب العلمية1979 بتحقيق
( صلاح محمد عويضة ) وطبع في مجلد واحد في دار ابن الجوزي الرياض بتحقيق (علي الحلبي ), و ذيل عليه صفي الدين محمود بن أبى بكر الأرموي الشافعي المتوفى سنة 723هـ) واختصره الحافظ السيوطي مع ريادات وسماه ( الدر النثير ), طبع في مصر سنة 1322هـ على هامش (نهاية الغريب), ثم مفردا في دار الحديث بمصر2000 في مجلدين بتحقيق (مصطفى الذهبي), وله (التذييل والتذنيب على نهاية الغريب) نسبه لنفسه في (فهرست مؤلفاته)(ص 29 فن مصطلح الحديث)(5/137)
بسم الله الرحمن الرحيم, وأحمده على أن خول جزيل الطول, وسدد للإصابة في الفعل والقول, وأرشد إلى مناهج الهدى, وأنقذ من مدارج الردى, حمد من وفق لإصلاح ما فسد, وتنفيق ما كسد, ورقع ما خرقت أيدي التحريف, ورتق ما فتقت ألسن التصحيف, وأصلي على من ذرت له حلوبة البلاغة, وغزرت في عهده أخلاف الفصاحة, حتى استصفى بعد مخضها الزبد, ونفى عن محضها الزبد, محمد الموصوف بالبهجة, المخصوص بخلوص اللهجة, وعلى آله وأصحابه ذوي الأوجه الصباح, والألسن الفصاح, وأسلم تسليما كثيرا(5/138)
وقبل وبعد فهذا ما سبق به الوعد من تهذيب منصفي المترجم ( المعرب ), وتنميقه, وترتيبه على حروف المعجم وتلفيقه, اختصرته لأهل المعرفة, من ذوي الحمية والأنفة, من ارتكاب الكلم المحرفة, بعد ما سرحت الطرف في كتب لم يتعهدها في تلك النوبة نظري, فتقصيتها حتى قضيت منها وطري, (كالجامع) بشرح أبي بكر الرازي (1), و(الزيادات) بكشف الحلواني (2) , و (مختصر) الكرخي (3), بتفسير أبي الحسين القدوري, و(المنتقى) للحاكم الشيهد الشهير (4), و(جمع التفاريق) (5) لشيخنا الكبير, وغيرها من مصنفات فقهاء الأمصار, ومؤلفات الأخبار و الآثار, وقد أندرج في أثناء ذلك ما سألني عنه بعض المختلفة إلي, وما ألقي في المجالس المختلفة علي, ثم فرقت ما اجتمع لدي, وارتفع إلي من تتلك
__________
(1) - هو كتاب ( الجامع الكبير) في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى سنة 187 هـ وشارحه هو الإمام أبو بكر احمد بن علي المعروف بالجصاص الرازي صاحب ( أحكام القرآن ) المتوفى سنة 37 هـ
(2) - هو كتاب ( الزيادات ) في فروع الحنفية للإمام محمد بن الحسن الشيباني, وشارحه هو الإمام شمس الأئمة عبد العزيز بن احمد الحلواني المتوفى سنة 456هـ
(3) - (مختصر الكرخي) في فروع الحنفية للإمام أبى الحسين عبد الله بن الحسين الكرخي المتوفى سنة 34 هـ ذكره في ( كشف الظنون)(2\1634), وشارحه هو الإمام أبو الحسين احمد بن محمد القدوري المتوفى سنة 428هـ
(4) - هو كتاب ( المنتقى ) في فروع الحنفية للحاكم الشهيد أبي الفضل محمد بن محمد بن احمد المقتول شهيدا سنة 334 هـ, وفيه نوادر من المذهب, وقال الحاكم نظرت في ثلاثمائة جزء مؤلف مثل الأمالي والنوادر حتى انتقيت كتاب المنتقى ذكره في (كشف الظنون)(2\1851)
(5) - هو كتاب ( جمع التفاريق ) في فروع الحنفية للإمام زين المشايخ أبي الفضل محمد بن أبي القاسم البقالي الخوارزمي المتوفى سنة 586 ذكره في (كشف الظنون)(1ظ/595)(5/139)
الكلمات المشكلة, والتركيبات المعضلة, على أخوات لها, وأشكال خالعا عنها, ربقة الإشكال حتى أنضوى كل إلى مأرزه, واستقر في مركزه, ناهجا فيه طريقا لا يضل سالكه, ولا تجهل عليه مسالكه, بل يهجم بالطالب على الطلب عفوا من غير ما تعب
والذي اتجه لتلفيقه اختياري من البين, ترتيبت كتاب الغريبين, إذ هو الأكثر بينهم تداولا, و الأسهل عندهم تناولا, فقدمت ما فاؤه همزة, ثم ما فاؤه باء, حتى أتيت على الحروف كلها, و راعيت بعد الفاء العين ثم اللام, ولم أراع فيما عدا الثلاثي بعد الحرفين إلا الحرف الأخير الأصلي, ولم أعتد في أوائل الكلم بالهمزة الزائدة للقطع أو للوصل, ولا بالمبدلة في أواخرها, وإن كانت من حرف أصل, ولا بنون فنعل, ولا بالواو وأختها في فوعل, وفعول
وربما فسرت الشيء مع لفقه في موضع ليس بوفقه لئلا ينقطع الكلام, ويتضلع النظام, ثم إذا انتهيت إلى موضعه الذي يقتضيه أثبته, غير مفسر فيه, كل ذلك تقريبا للبعيد, وتسهيلا على المستفيد, ثم ذيلت الكتاب بذكر ما وقع في أصل المعرب من حروف المعاني, وتصريف كلمات متفاوتة المباني, وشيء من مسائل الإعراب, بلا إسهاب ولا إغراب, في عدة فصول محكمة الأصول, كثيرة المحصول, وأما ما أتفق لي من بسط التأويل فيما تضمن الكتاب من آي التنزيل وغير ذلك من بث الأسرار, وما يختص بعلم التاريخ والأخبار, فباقية على سكناتها, متروكة على مكناتها, لم يرفع عنه الحجاب, ولم يحل بها هذا الكتاب, ولقد تلطفت في الإدماج والوصل, بين الألفاظ المتحدة الأصل, حتى عادت بعد تباينها ملتئمة, وعلى تبددها منتظمة, وأعرضت لطالبها مصحبة في قران, لا كما يستعصي على قائده في حران(5/140)
وترجمته بكتاب : ( المغرب في ترتيب المعرب ), لغرابة تصنيفه, ورصانة ترصيفه, ولقرابة بين الفرع والمنمي, والنتيجة المنتمى, وإلى الله سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمة الإسلام, ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام (1)
تحرير التنبيه للحافظ النووي
بسم الله الرحمن الرحيم, وبه نستعين, الحمد لله رب العالمين, وصلواته وسلامه على سيدنا محمد خير خلقه وعلى سائر النبيين, وآل كل وسائر الصالحين, وأشهد أن لا إله لا الله, وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وزاده فضلا وشرفا لديه
__________
(1) - طبع في دار الكتاب العربي بيروت(5/141)
أما بعد : فإن ( التنبيه ) (1)من الكتب المشهورات, النافعات المباركات, المنتشرات الشائعات, لأنه كتاب نفيس حفيل, صنفه إمام معتمد جليل, فينبغي لمن يريد نصح الطالبين, وهداية المسترشدين, والمساعدة على الخيرات, والمسارعة إلى المكرمات, أن يعتني بتقريبه, وتحريره وتهذيبه, ومن ذلك نوعان, أهمهما ما يفتى به من مسائله, وتصحيح ما ترك المصنف تصحيحه, أو خولف فيه, أو جزم به خلاف المذهب, أو أنكر عليه من حيث الأحكام, وقد جمعت ذلك كله في كراسة قبل هذا, والثاني بيان لغاته, وضبط ألفاظه, وبيان ما ينكر مما لا ينكر, والفصيح من غيره, وقد استخرت الله الكريم الرؤوف الرحيم في جمع مختصر, أذكر فيه إن شاء الله تعالى جميع ما يتعلق بألفاظ ( التنبيه ), فأبين فيه إن شاء الله اللغات العربية, والمعربة والألفاظ المولدة, والمقصورة و المحدودة, وما يجوزان فيه, والمذكر والمؤنث وما يجوزان فيه, والمجموع والمفرد والمشتق, وعدد لغات اللفظة, وأسماء المسمى الواحد المترادفة, وتصريف الكلمة وبيان الألفاظ المشتركة ومعانيها, والفروق بينها, كلفظة الإحصان, وما اختلف في أنه حقيقة أو مجاز, كلفظة النكاح, وما يعرف مفرده ويجهل جمعه, وعكسه, وماله جمع, وما له جموع, وبيان جمل مما يتعلق بالهجاء, وما يكتب بالواو أو الياء أو الألف, وما قيل في جوازه بوجهي,ن أو بثلاثة, كالربا
__________
(1) - هو كتاب ( التنبيه ) من متون فقه الشافعية, تصنيف الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الشافعي المتوفى سنة 476هـ , صاحب ( اللمع ) و( المهذب ) وغيرها من الكنب المفيدة(5/142)
وأنبه فيه على جمل من مهمات قواعد التصريف المتكررة, وأذكر فيه جملا من الحدود الفقهية المهمة, كحد المثلي, وحد الغضب, ونحوهما, والفرق بين المتشابهات, كالهبة, والهدية, وصدقة التطوع, وكالرشوة, والهدية, وبيان ما قد يلحن فيه, وما أنكر على المصنف, وعنه جواب, وما لا جواب عنه, وما غيره أولى منه, وما هو صواب, وتوهم جماعة أنه غلط, وما ينكر من جهة نظم الكلام وتداخله, والعام والخاص, وعكسه, وما صوابه أن يكون بالفاء دون الواو,وعكسه, وبيان جمل مهمة ضبطناها عن نسخة المصنف وهي صواب, وفي كثير من النسخ خلافها, وبيان ما أنكر على الفقهاء وليس منكرا, وبيان جمل من صور المسائل المشكلة, مما له تعلق بالألفاظ, وغير ذلك من النفائس المهمات, كما ستراها في مواضعها إن شاء الله تعالى واضحات, وألتزم فيه المبالغة في الإيضاح, مع الاختصار المعتدل, والضبط المحكم المهذب, وقد أضبط ما هو واضح ولكن قد يخفى على بعض المبتدئين, وحتى ما ذكرت فيه لغتان, أو لغات, قدمت الأفصح, ثم الذي يليه, إلا أن أنبه عليه, وما كان من لغاته ومعانيها غريبا أضيفه غالبا إلى ناقله, وهذا الكتاب وإن كان موضوعا للتنبيه على ما في ( التنبيه ) فهو شرح لمعظم ألفاظ كتب المذهب, وعلى الله اعتمادي, وإليه تفويضي واستنادي, وهو حسبي ونعم الوكيل (1)
تهذيب الأسماء واللغات للحافظ النووي
__________
(1) - طبع ( تحرير التنبيه ) مفردا في دار الفكر دمشق بتحقيق ( محمد رضوان الدية ) و( فايز الداية ) و طبع بذبل (التنبيه) في دار الكتب العلمية 1995 بتحقيق ( أيمن صالح شعبان )(5/143)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله خالق المصنوعات وبارىء البريات و مدبر الكائنات ومصرف الألسن الناطقات مفضل لغة العرب على سائر اللغات, المنزل كتابه والمرسل رسوله وحبيبه محمدا بها تنويها وتعريفا بعظم محلها وارتفاع مكانها, أحمده ابلغ الحمد وأكمله وأزكاه وأشمله, وأشهد أن لا إله إلا الله اللطيف الكريم, الرؤوف الرحيم, وأشهد محمدا عبده و رسوله وحبيبه وخليله - صلى الله عليه وسلم - وعلى سائر النبيين, وآل كل وسائر الصالحين(5/144)
أما بعد : فإن لغة العرب لما كانت بالمحل الأعلى, والمقام الأسنى, وبها يعرف كتاب رب العالمين, وسنة خير الأولين و الآخرين, واكرم السابقين واللاحقين صلوات الله عليه وعلى سائر النبيين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اجتهد أولو البصائر والأنفس الزاكيات, والهمم المهذبة العاليات, في الاعتناء بها والتمكن من إتقانها, بحفظ أشعار العرب, وخطبهم, ونثرهم, وغير ذلك من أمرهم, وكان هذا الاعتناء في زمن الصحابة - رضي الله عنهم - مع فصاحتهم نسبا ودارا, ومعرفتهم باللغة استظهارا, لكن أرادوا الاستكثار من اللغة التي حالها ما ذكرنا, ومحلها ما قدمنا, وكان ابن عباس وعائشة وغيرهما يحفظون من الأشعار واللغات ما هو من المعروفات الشائعات, وأما ضرب عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما أولادهما لتفريطهم في حفظ العربية فمن المنقولات الجلية, وأما المنقول عن التابعين ومن بعدهم في ذلك فهو أكثر من أن يحصر, وأشهر من أن يذكر, وأما ثناء إمامنا الشافعي رحمه الله وحثه على تعلم العربية في أول ( رسالته ) فهو مقتضى منصبه, وعظم جلالته, ولا حاجة إلى الإطالة في الحث عليها, فالعلماء مجمعون على الدعاء إليها, بل شرطوها في المفتي, والإمام الأعظم, والقاضي, لصحة الولايات, واتفقوا على أن تعلمها وتعليمها من فروض الكفايات,.فلما كان أمرها ما ذكرته وجلالتها بالمحل الذي وصفته أردت أن أسلك بعض طرق أهلها, لعلي أنال بعض فضلها وأؤدي بعض ما ذكرته من فروض الكفاية, وأساعد في معرفة اللغة من له رغبة من أهل العناية, فأجمع إن شاء الله الكريم الرؤوف الرحيم ذو الطول والإحسان والفضل و الامتنان كتابا في الألفاظ الموجودة في (مختصر أبي إبراهيم المزني) (1)
__________
(1) - ( مختصر المزنى ) في فروع الشافعية من تأليف الشيخ الإمام إسماعيل بن يحيى المزني تلميذ الإمام الشافعي المتوفى سنة 264 هـ, وهو أحد الكتب الخمس المشهورة بين الشافعية التي يتداولونها أكثر تداول, وهى سائرة في كل الأمصار, كما ذكره النووي في ( التهذيب ), وله شروح كثيرة من أحسنها و أكبرها شرح العلامة أبو الحسن الماوردي المسمى ( بالحاوي ) طبع في دار الكتب العلمية في (20) مجلدا بتحقيق ( عادل عبد الموجود ) و( علي معوض ) ولأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري اللغوي المتوفى سنة 370 هـ كتاب في تفسير ألفاظه وغريبه(5/145)
, و(المهذب)(1) و(التنبيه) (2), و(الوسيط) (3)
__________
(1) - ( المهذب ) في الفروع للشيخ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الشيرازي الفقيه الشافعي المتوفى سنة 476 هـ بدأ في تصنيفه سنة 455 هـ وفرغ منه في جمادي الآخرة سنة 469 هـ وهو كتاب جليل القدر اعتنى بشأن فقهاء الشافعية بشرحه أحسنها وأعظمها شرح الشيخ الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ بلغ فيه إلى باب الربا وللشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفي سنة 756 هـ تتمة ولم يتمه, وأكمله الشيخ محمد نجيب المطيعي الشافعي المصري المتوفى سنة , وهو مطبوع في دار الفكر بيروت في ( 20 ) مجلدا
(2) - ( التنبيه ) في فروع الشافعية, للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه الشيرازي المتوفى سنة 476 ه, وهو أحد الكتب الخمس المشهورة المتداولة بين الشافعية, وأكثرها تداولا كما صرح به النووي في ( تهذيبه ), أخذه من تعليقة الشيخ أبي حامد المروزي, بدأ في تصنيفه في أوائل رمضان سنة 452 هـ, طبع في دار الكتب العلمية بتحقيق ( أيمن صالح شعبان ) ومعه كتاب ( تحرير التنبيه ) للنووي في تفسير غريبه,وتأتي مقدمته, و( للتنبيه ) شروح كثيرة, طبع منها شرح الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في دار الفكر بيروت في مجلدين, وهو شرح ممزوج سماه ( الوافي ), وللحافظ ابن كثير الدمشقي عليه كتاب ( إرشاد النبيه على أدلة التنبيه ) طبع في مؤسسة الرسالة 1416هـ في مجلدين بتحقيق ( بهجت يوسف أبو الطيب )
(3) - (الوسيط) في الفروع للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي المتوفي سنة 505 هـ, وهو ملخص من (البسيط ) له مع زيادات, وهو أحد الكتب الخمسة المتداولة بين الشافعية التي تتداول كما ذكره النووي في تهذيبه وقد شرحه تلميذه محيي الدين محمد بن يحيى النيسابوري الخبوشاني المتوفى سنة 548 هـ, وسماه ( المحيط ), في ستة عشر مجلدا, وعلق أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح الشهر زوري المتوفي سنة على الربع الأول تعليقه في جزئين, و خرج أحاديثه سراج الدين عمر بن علي الملقن الشافعي المتوفي سنة 804 أربع وثمانمائة وسماه ( تذكرة الأخيار مما في الوسيط من الأخبار), وهو في مجلد(5/146)
, و(الوجيز) (1), و(الروضة) (2), وهو الكتاب الذي اختصرته من (شرح الوجيز) للإمام أبي القاسم الرافعي, رحمه الله, فإن هذه الكتب الستة تجمع ما يحتاج إليه من اللغات, وأضم إلى ما فيها جملا مما يحتاج إليه, مما ليس فيها, ليعم الانتفاع به إن شاء الله تعالى اللغات العربية, والعجمية, والمعربة, و الاصطلاحات الشرعية, والألفاظ الفقهية, وأضم إلى اللغات ما في هذه الكتب من أسماء الرجال, والنساء, والملائكة, و الجن, وغيرهم ممن له ذكر في هذه الكتب, برواية وغيرها, مسلما كان أو كافرا, برا كان أو فاجرا, وخصصت هذه الكتب بالتصنيف لأن الخمسة الأولى منها مشهورة بين أصحابنا, يتداولونها أكثر تداول, وهي سائرة في كل الأمصار, مشهورة للخواص والمبتدئين في كل الأقطار, مع عدم تصنيف مفيد يستوعبها, وقد صنف جماعة في أفرادها مستوفاة, وفي كثير منها إنكار وتصحيف, فيقبح بمنتصب للإعادة أو التدريس إهمال ذلك, وأرجو من فضل الله الكريم إن تم هذا الكتاب أن يشفي القلوب الصافيات, ويملأ الأعين الصحيحات الكاملات
__________
(1) - ( الوجيز ) في الفروع للإمام حجة الإسلام أبى حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي اخذه من (البسيط), و ( الوسيط ) له وزاد فيه أمورا, وهو كتاب حليل عمدة في مذهب الشافعي, وقد اعتنى به الأئمة فشرحه الامام فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606 هـ
(2) - ( الروضة ) في الفروع أ, ( روضة الطالبين وعمدة المتقين ) للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي وقد اعتنى عليه جماعة من الشافعية فشرحوه, و كتب جلال الدين السيوطي حاشيته المسماة ( بأزهار الفضة ) وهي الكبرى كتب منها الحواشي الصغرى, وله ( الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع ), وله ( مختصر الروضة ), واختصره شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري المتوفى سنة 836 هـ وجرده من الخلاف وسماه ( الروض )(5/147)
وأرتب الكتاب على قسمين: الأول في الأسماء, والثاني في اللغات, فأما الأسماء فضربان: الأول في الذكور, والثاني في الإناث, فأما الأول فثمانية أنواع الأول في الأسماء الصحيحة, كمحمد, و إبراهيم, وإسماعيل, وإسحاق,وزيد, وعمرو, وشبهها, الثاني في الكنى, كأبي القاسم, وأبي بكر, وأبي حفص, ونظائرها, الثالث الأنساب, والألقاب, و القبائل, كالزهري, و الأوزاعي, و البويطي, والمزني, وكالأعمش, والأصم, وكقريش, وخزاعة, وخثعم, الرابع ما قيل فيه ابن فلان, أو ابن فلانة, أو أخوه, أو أخته, أو عمه, أو خاله كابني سعية, وابن أبي ليلى, وابن أبي ذئب, و ابن جريج, و كابن أم مكتوم, وابن اللتبية, وكأخوي عائشة رضي الله عنها, وأختيها, وعم عباد بن تميم, و نظائرها, الخامس ما قيل فيه فلان عن أبيه عن جده, السادس زوج فلانة, وزوجة فلان, السابع المبهمات كرجل, شيخ, وبعض العلماء, ونحوه, الثامن ما وقع من الأسماء و الأنساب غلطا
وأما الضرب الثاني وهو النساء فهو سبعة أنواع على الترتيب المذكور في الرجال, ويسقط منهن النوع الخامس, فليس في هذه الكتب فلانة عن أمها, عن أمها, عن جدتها, أو عن أبيها, عن جدها, وباقي الأنواع موجودة, وسترى كل ما ذكرته في موضعه موضحا, إن شاء الله تعالى
وأرتب جميع ذلك على حروف المعجم, لكن أبدأ فيه بمن اسمه محمد كما فعل عبد الله البخاري و العلماء بعده - رضي الله عنهم - لشرف اسم النبي - صلى الله عليه وسلم -, ثم أعود إلى ترتيب الحروف, فأبدأ بحرف الهمزة, ثم الباء, ثم التاء, ثم الثاء, ثم الجيم إلى آخرها و أعتمد في الاسم الحرف الأول فأقول حرف الهمزة, ثم أذكر فيه اسم كل من في اسمه ألف مقدما منهم من بعد الألف فيه الأول فالأول, فأقدم آدم على إبراهيم, لأنهما وإن اشتركا في أن أولهما همزة لكن بعد همزة آدم همزة أخرى, وبعد همزة إبراهيم باء والهمزة مقدمة على الباء, ثم كذلك في باقي حروف الإسم(5/148)
وأعتبر ذلك في باقي الحروف فأقدم أبيض بن حمال على أبي بن كعب لأنهما وإن اشتركا في الهمزة والباء والياء, فرابع أبيض ضاد, ورابع أبي ياء أخرى, فإن اشترك اثنان في جميع الحروف, كإبراهيم وإبراهيم قدمت بالآباء, فأقدم إبراهيم بن آزر على إبراهيم بن إبراهيم, وإبراهيم بن بن إبراهيم على إبراهيم بن أحمد, وإبراهيم بن أحمد على إبراهيم بن أدهم, فإن استويا في اسمهما و اسم أبويها كإبراهيم بن أحمد, وإبراهيم بن أحمد قدمت بالجد, فأقدم إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم على إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل, فإن استويا في الجد أيضا اعتبرت أبا الجد, ثم جده, ثم هذا المثال في جميع الحروف إلى حرف الياء
وكذلك أصنع في الكنى, والأنساب, والألقاب, والقبائل ونحوها, فأقدم ترجمة أبي إبراهيم على ترجمة أبي إسحاق, و ترجمة الأنماطي على الأوزاعي, والأصمعي على الأعمش, وبني تميم على بني حنيفة, وكذلك في الأبناء ابن أم مكتوم على ابن اللتبية, وكذا الأخوة وغيرهم, وكذا الزوج و الزوجة, وكذا بهز بن جكيم عن أبيه عن جده, على طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده, وكذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وأما المبهمات والأغاليط فأذكرها على ترتيب وقوعها في هذه الكتب, وأفعل مثل جميع ذلك في النساء إن شاء الله تعالى
وأما اللغات فأرتبها أيضا على حروف المعجم على حسب ما سبق من مراعاة الحرف الأول والثاني وما بعدها مقدما الأول فالأول, معتبرا الحروف الأصلية ولا أنظر إلى الزوائد, وربما ذكرت بعض الزوائد في باب على لفظه, ونبهت على أن الحرف الفلاني زائد وقد ذكرته في موضعه الأصلي, وإنما أفعل هذا لأن هذا الكتاب قد يطالعه بعض المتفقهين ممن لا يعرف التصريف, فربما طالع اللفظة محلها الأصلي متوهما أن حروفها كلها أصول فلا يجدها هناك, ولا يعلم لها مظنة أخرى, فأردت التسهيل عليهم, فإن خير المصنفات ما سهلت منفعته, و تمكن منها كل أحد(5/149)
وأذكر إن شاء الله تعالى في آخر كل حرف اسم المواضع التي أولها من تلك الحروف, و أعتبر الحرف الزائد على عادة العلماء في أسماء الأشخاص, والأماكن, لأنها قليلة, وذكرها في حرفها الأول أقرب إلى وصول المتفقهين إليه
وأضبط إن شاء الله تعالى من أسماء الأشخاص واللغات, والمواضع كل ما يحتاج إلى ضبط بتقييده بالحركات, والتخفيف والتشديد, وأن هذا الحرف بالعين المهملة, أو الغين المعجمة, وما أشبهه, و أنقل كل ذلك إن شاء الله تعالى محققا مهذبا, من مظانه المعتمدة, وكتب أهل التحقيق فيه, فما كان مشهورا لا أضيفه غالبا إلى قائليه لكثرتهم وعدم الحاجة إليه, وما كان غريبا أضفته إلى قائله أو ناقله, وما كان من الأسماء وبيان أحوال أصحابها نقلته من كتب الأئمة الحفاظ الأعلام المشهورين بالإمامة في ذلك والمعتمدين عند جميع العلماء (كتاريخ) البخاري, وابن أبي خيثمة, وخليفة بن خياط المعروف بشباب, و(الطبقات الكبير), و (الطبقات الصغير), لمحمد بن سعد, كاتب الواقدي, وهو ثقة وإن كان شيخه الواقدي ضعيفا, ومن (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم, و(الثقات) لأبي حاتم بن حبان بكسر الحاء, و(تاريخ نيسابور) للحاكم أبي عبد الله, و(تاريخ بغداد) للخطيب, و(تاريخ همذان), و(تاريخ دمشق) للحافظ أبي القاسم بن عساكر, وغيرها من كتب التواريخ الكبار وغيرها.
ومن كتب أسماء الصحابة (كالإستيعاب) لابن عبد البر, وكتاب ابن منده, وأبي نعيم, وأبي موسى, وابن الأثير, وغيرها, ومن كتب المغازي والسير, ومن كتب ضبط الأسماء (كالمؤتلف و المختلف) للدراقطني, وعبد الغني بن سعيد, والخطيب البغدادي, وابن ماكولا, وغيرها(5/150)
ومن كتب طبقات الفقهاء, (كطبقات الفقهاء) لأبي عاصم العبادي, وطبقات الشيخ أبي إسحاق, وطبقات الشيخ أبي عمرو بن الصلاح, وهي مقطعات, وقد شرعت في تهذيبها وترتيبها (1), وهو نفيس لم يصنف مثله, ولا قريب منه, ولا يغني عنه في معرفة الفقهاء غيره, ويقبح بالمنتسب إلى مذهب الشافعي جهله, وأجمع فيه عيونا من روايات كتب الحديث, وكتب الفقه, وكتب الأصول وغيرها
ومن الأنساب, (كالأنساب) لأبي سعد السمعاني وغيره, ومن كتب المبهمات, ككتاب الخطيب البغدادي, وابن بشكوال, وغيرهما
وأما اللغات فمعظمها من (تهذيب اللغة ) للأزهري, وكتاب (شرح ألفاظ مختصر المزني) و(المحكم) في اللغة, و(جامع) القزاز, و(الجمهرة) لابن دريد, و(المجمل) لابن فارس, و(صحاح) الجوهري, وغيرها من الكتب المشهورة في اللغة
ومن كتب غريب الحديث (كغريب) أبي عبيد ة, وصاحبه أبي عبيد, وابن قتيبة, والخطابي, و الهروي
ومن كتب التفسير القرآن (كالبسيط) للواحدي, وكتاب الرماني المعتزلي, وغيرهما من التفاسير الجامعة للغات, ومن كتب المصنفة في أنواع من مفردات اللغة (كغريب المصنف) لأبي عبيد القاسم بن سلام, و(إصلاح المنطق) لابن السكيت, و(أدب الكاتب) لابن قتيبة, وشروحه, و كتاب (الزاهر) لابن الأنباري, وشروح (الفصيح), ومن الكتب المصنفة في لحن العوام للمتقدمين والمتأخرين, وهي كثيرة مشهورة
ومن شروح الحديث كشرح الحديث (كمعالم السنن) للخطابي في شرح (سنن أبي داود), و (الأعلام) له في شرح (البخاري), و(التمهيد) لابن عبد البر في شرح (الموطأ), و(شرح البخاري) لابن بطال, و(شرح الترمذي) لابن العربي, و(شرح مسلم) للقاضي عياض,و(المشارق) له, و (مطالع الأنوار) لابن قرقول, وغيرها
__________
(1) - طبع باسم ( مختصر طبقات الفقهاء ) في مؤسسة الكتب الثقافية 1416هـ بتحقيق ( عادل عبد الموجود) و( علي معوض)(5/151)
ومن كتب الفقه والأصول والكلام, كبيان حقيقة العقل, والنبي, والمعجزة, والكرامة, و السحر, والرزق, والتوفيق, والخذلان, والكلام, والوجود, والآجال, والأقدار, والمعالم, والمسيخ, والبداء, وغير ذلك مما لا يوجد متقنا إلا في كتب الأصول والكلام
ومن كتب الأماكن ككتاب أبي عبيد البكري, و(الإشتقاق) لأبي الفتح الهمذاني, و(المؤتلف و المختلف) في الأماكن للحازمي, وغيرها, وسترى إن شاء الله ما أنقله من هذه الكتب مضافا إليها كلها في مواطنها, وكذا من غيرها, مما لم أذكره مما ستراه, وتقر به عينك إن شاء الله تعالى
وأرجو من فضل الله تعالى أن هذا الكتاب يجتمع فيه من الأسماء واللغات, والضوابط والكليات, والمعاني المستجادات, جمل مستكثرات, ينتفع بها في تفسير القرآن والحديث وجميع الكتب المصنفات, فإني لا أقتصر فيه على ضبط الألفاظ و حقيقتها, بل أنبه مع ذلك على كثير من المعاني اللطيفة, والمسائل الحقيقية, بأوضح العبارات المختصرات, إن شاء الله تعالى, وأضبط فيه إن شاء الله تعالى من حدود الألفاظ الفقهية ومجامعها, ما يصعب تحقيقه إلا على النادر من أهل العنايات,كضبط حقيقة الهبة, والهدية, والصدقة, والفرق بينها, وما يتعلق بالألفاظ الجامعة كقولنا الجماع يتعلق به نحو مائة حكم كذا وكذا, وتلك الأحكام كلها تتعلق بالوطء في دبر المرأة إلا سبعة أحكام, ويتعلق معظمها بالوطء في دبر الرجل, ووطء البهيمة, وأن الأحكام كلها تتعلق بتغييب الحشفة من سليم الذكر, وفي مقطوعها تفصيل نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى(5/152)
ومن ذلك حقيقة الإكراه وكذا هو يسقط إثر الفعل إلا في نحو ثلاثين مسألة وهي كذا وكذا, و من ذلك حرم مكة حده من كل جهة كذا وكذا , ويخالف غيره من البلاد في كذا وكذا حكما, ومن ذلك الحيض يتعلق به أحكام وهي كذا و كذا, وتلك الأحكام كلها يتعلق بالنفاس كذا و كذا, والميتة كلها حرام ونجسة إلا كذا وكذا مسألة, وأشباه هذه الأمثلة غير منحصرة, وستراها إن شاء الله تعالى في مواضعها
كذلك أوضح إن شاء الله تعالى من بيان المواضع و حدودها وضبطها ما لا أظنك تجد مجموعها في غير هذا الموضع إلا بتعب, إن وجدته, وأنبه على ما يشتبه منها كذي الحليفة ميقات أهل المدينة وبقربه أربعة مواضع تشبهه في الخط, و هجر المذكورة في مسألة القلتين, غير هجر المذكورة في باب الجزية وأشباه ذلك كثيرة
وأما الأسماء فهي إن شاء الله تعالى أتقن ما تجده وأجمعه للنفائس, وعيون أخبار أصحابها, فأحققها أكمل تحقيق, وأبلغ إيضاح, ثم أسلك في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى طريقة مستحسنة من مستجادات التصنيف, وهي أن ما كان فيه من الأسماء والألفاظ متكررا تكرارا كثيرا, أو معروف الموضع شرحته من غير بيان موضعه غالبا, وما كان يخفى موضعه على بعض المتفقهين و شبهه بينت موضعه, فأقول مثلا قوله في أعطى في باب كذا, أو في أوله, أو أوائله, أو أواخره, أو في أثنائه, مثاله الكراز ذكره في (المهذب) في باب السلم في فصل السلم في الآنية وهو بضم الكاف وتخفيف الراء الخ شرحه, وروضة خاخ ذكرها في كتاب السير, وبزاخة ذكره في قتل المرتد, وأشباه ذلك(5/153)
وكذا أسماء الأشخاص إن كان الشخص متكررا كالمزني, وابن سريج, لا أضيفه إلى موضع, وإن لم يكن متكررا, أو تكرر في موضعين, أو ثلاثة بينت موضعه,.فأقول مثلا البخاري ومسلم صاحبا (الصحيحين), ذكرهما في المهذب في باب قسم الخمس, ولا ذكر لهما في المهذب إلا هنا,وذكر في الوسيط البخاري في صفة الصلاة قفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم لا ذكر له في هذهين الكتابين إلا في هذين الموضعين, وتكرر ذكرهما في الروضة, وأبو داود ذكره في (المهذب) في آخر زكاة الفطر, وفي قسم الخمس فحسب, ولا ذكر له في باقي الكتب إلا في (الروضة) فتكرر فيها, وأبيض بن حمال الصحابي, لا ذكر له في هذه الكتب الستة, إلا في إحياء الموات من (المهذب), والنجاشي في الجنائز وأشباه هذا, وإذا تكرر الإسم في موضعين بلفظتين يوهمان الإختلاف وليس يختلفان أو عكسه بينته فقلت مثلا أبو شريح الخزاعي في (المهذب) في باب العفو عن القصاص هو أبو شريح الكعبي المذكور في باب استيفاء القصاص ثم في باب العفو عن القصاص, وعبد الله بن زيد الأنصاري المذكور في (المهذب) في صفة الوضوء, وصلاة الإستسقاء, وأول باب الشك في الطلاق هو واحد, هو غير عبد الله بن زيد المذكور في باب الأذان من (المهذب), و(الوسيط), والفرق بينهما من كذا و كذا, ومرادي بهذا كله التيسير والإيضاح للطالبين, رجاء رضاء رب العالمين, فقد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ), وأذكر إن شاء الله تعالى في آخر ترجمة كل واحد من فقهاء أصحابنا مسائل غريبة عنه, سواء كان قوله فيها راجحا أو مرجوحا, وأبين أن قوله راجح أو مرجوح, وأكثر ذلك من المرجوح(5/154)
والمقصود من تراجم الصحابة وغيرهم بيان الإسم, والكنية, والنسب, والبلد, والمولد, والوفاة, ونفيسة من مناقبه, و عيون أخباره, وينضم إلى هذا في فقهاء أصحابنا أنه على من تفقه, ومن تفقه عليه, وما صنف, وأن تصنيفه نفيس أم لا, وأنه يعتمد أم لا, وأنه قليل المخالفة للأصحاب أو كثيرها, وسترى في كل ذلك إن شاء الله تعالى ما تقر به عينك, و ترغب بسببه في مراجعة كتب العلماء من كل فن
وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يحصل لصاحبه مقصود خزانة من أنواع العلوم التي يدخل فيه, واستمدادي في ذلك وفي غيره من أموري التوفيق والكفاية والإعانة والصيانة و الهداية من الله الكريم الوهاب, اللطيف الحكيم التواب, أسأله التوفيق لحسن النيات, وتيسير أنواع الطاعات, و الهداية لها دائما في ازدياد حتى الممات, ومغفرة ما ظلمت نفسي به في المخالفات, وأن يفعل ذلك بوالدي ومشايخي وأهلينا وأحبابنا وسائر المسلمين والمسلمات وأن يجود علينا أجمعين برضاه ومحبته ودوام طاعته ويجمع بيننا في دار كرامته وغير ذلك من أنواع المسرات, وأن ينفعنا أجمعين بهذا الكتاب ويجمع لنا المثوبات, ألا ينزع منا ما وهبه لنا ومن به علينا من الخيرات, وألا يجعل شيئا من ذلك فتنة لنا وأن يعيذنا من كل المخالفات, إنه سميع الدعوات جزيل العطيات, اعتصمت بالله توكلت على الله, ما شاء الله, لا قوة إلا بالله,حسبي الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, أقدم في أول الكتاب فصولا تكون لمحصله قواعد وأصولا
[ وذكر فصلا في معرفة أسماء الرجال, وفصلا يتعلق بالتسمية, والأسماء, والكنى, والألقاب, و فصل في عادة الأئمة, و فصل في حقيقة الصحابي, والتابعي,وبيان فضلهم, ومراتب الصحابة, و التابعين, وأتباعهم, وفصلا في سلسلة التفقه لأصحاب الشافعي, وفصلا في بدء التاريخ الهجري, ثم قال ](5/155)
وهذا حين أشرع في مقصود الكتاب مستعينا بالله الكريم الوهاب, مبتدئا بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم من اسمه محمد لشرف اسمه, ثم أعود على ترتيب الحروف المشروطة في الخطبة (1)
الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير للحافظ جلال الدين السيوطي
بسم الله الرحيم الرحيم, أحمد الله على ما أنعم, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم, هذا مؤلف لخصته من كتاب ( النهاية في غريب الحديث ) لابن الأثير
وسميته : ( بالدر النثير ) حيث لم أغادر فيه شيئا, ولم التزم باليسير, وضممت إليه مما فاته القدر الكثير, وبالله تعالى أعتصم, فنعم المولى, ونعم النصير(2)
تصحيفات المحدثين لأبي أحمد العسكري
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله على سابغ فضله, وجزيل صنعه,حمدا يوجب رضاه, ويمتري مزيده, وصلى الله على سيدنا
__________
(1) - طبع ( تهذيب النووي ) في المطبعة المنيرية في ( 4 ) أجزاء, بدون تاريخ, وفي دار الفكر 1416هـ في ( 3 ) مجلدات
(2) - طبع في دار الحديث مصر 2000في مجلدين بتحقيق ( مصطفى الذهبي )(5/156)
هذا كتاب شرحت فيه الأسماء والألفاظ المشكلة التي تتشابه في صورة الخط, فيقع فيها التصحيف, واختصرته من الكتاب الكبير الذي كنت عملته في سائر ما يقع فيه التصحيف, فسئلت بالري وبأصبهان إفراد ما يحتاج إليه,رواة الحديث, ونقلة الأخبار, فانتزعت منه ما هو من علم أصحاب اللغة, والشعر, وأهل النسب, و جعلته في كتاب مفرد, واقتصرت في هذا الكتاب على ما يحتاج إليه أصحاب الحديث, ورواة الأخبار, من شرح ما يصحف فيه من ألفاظ الرسول صلوات الله عليه وسلامه, وتبيين ما يصحف فيه, فذكرت منها ما يشكل, ويصحفها من لا علم له, وشرحت بعدها من أسماء الصحابة, والتابعين, ومن يتلوهم من الرواة والناقلين, جل ما يقع فيه التصحيف, مثل حباب, وحتات, وخباب, وجناب, وحيان, وحبان, وحبيب, و خبيب, وحارثة, وجارية, وبشر, وبسر, وعباس, و عياش, وحمزة, وجمرة, وحازم, وخازم, و رباح, ورياح, وأشباهها, وجعلتها أبوابا تبلغ المائة أو تقاربها(5/157)
وذكرت في كل باب اسما منها, وشرحت ما يقيد منه, وتضبط به حروفه, من الشكل, والنقط, و العجم, وذكرت أكثر من يسمى بذلك الاسم من المشهورين, فلا يشكل على من يقرؤه, ويسلم به من قبح التصحيف وشناعته, فقد عير به جماعة من العلماء, وفضح به كثير من الأدباء, وسموا الصحفية, ونهى العلماء عن الحمل عنهم, واطرحوا حديثهم, و أسقطوهم, وبدأت بذكر جملة من أخبار المصحفين, وبعض ما وهم فيه العلماء, غير قاصد للطعن على أحد منهم, ولا الوضع منه, وما يسلم أحد من زلة ولا خطا, إلا من عصم الله (1)
التوقيف على مهمات التعاريف للشيخ محمد عبد الرؤوف المناوي
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي من تعرف إليه في الرخاء عرفه في الشدة ومن التجأ إلى حماه وفقه وهداه و ألهمه رشده والصلاة والسلام على المبعوث بمكارم الأخلاق وآله وصحبه المحفوظ كمال لباسهم عن الإخلاق
__________
(1) - طبع في نصفه الأول بهامش ( النهاية لابن الأثير ) سنة 1326هـ وهي طبعة مشوهة, ثم طبع كاملا في دار الكتب العلمية 1988 بتصحيح ( أحمد عبد الشافي ),منسوبا لتلميذه أبي هلال العسكري واختصره مؤلفه في جزء صغير,سماه ( أخبار المصحفين ) طبع في عالم الكتب 1406 هـ بتحقيق ( صبحي البدري السامرائي ) وهو بالأسانيد, وله أيضا كتاب ( التصحيف والتحريف وشرح ما يقع فيه ) طبع الجزء الأول في مطبعة الظاهر سنة 1327 هـ ذكره في ( معجم المطبوعات العربية) (2\1327)(5/158)
وبعد : فقد وقفت على كتاب لبعض المتقدمين ملقب ب (الذريعة إلى معرفة ما أصلت عليه الشريعة ), المحتاج إليها في العلوم الشرعية الثلاثة, ولا يستغني مفسر, ولا محدث, ولا فقيه, عن معرفتها, ورأيت المولى العديم المثال, الإمام شمس الدين بن الكمال, قد انتقى من ذلك الكتاب تعريفات و اصطلاحات, ولم يستوعبه لكن زاد من غيره قليلا, وألفيت الإمام الراغب ألف كتابا في تحقيق مفردات ألفاظ القرآن, أتى فيه بما يدهش الناظر, ويذهل الماهر, وذكر أن ذلك نافع في كل علم من علوم الشرع
فجمعت زبد هذه الكتب الثلاثة, ووشحتها بفوائد استخرجتها من بطون الدفاتر المعتبرة, وطرزتها بفرائد اقتنصتها من قاموس كتب غير مشتهرة, لا يطلع عليها كل وافد, ولا يسرح في روض رياضها إلا الواحد بعد الواحد, جلت شرعة الله أن تكون منهلا لكل وارد, والقرائح مراتب, و الفضائل مواهب, والعلم عباب زاخر, وكم ترك الأول للآخر, ولم أتعرض إلا لما تمس الحاجة إليه, ويتوقف فهم أسرار الشريعة عليه, وتركت ما لا يحتاج إليه فيها إلا نادرا, وإن كان بديعا فاخرا, وسميته : ( التوقيف على مهمات التعاريف ), والله أسأل أن يقربني إليه, وأن يجعل اعتمادي في كل الأمور عليه, إنه حسبي وكفى
المزهر في علوم اللغة والأدب للحافظ جلال الدين السيوطي
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله خالق الألسن واللغات, واضع الألفاظ للمعاني بحسب ما اقتضته حكمه البالغات, الذي علم آدم الأسماء كلها, وأظهر بذلك شرف اللغة وفضلها, و الصلاة والسلام على سيدنا محمد أفصح الخلق لسانا, وأعربهم بيانا, وعلى آله وصحبه أكرم بهم أنصارا وأعوانا(5/159)
هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه, واخترعت تنويعه وتبويبه, وذلك في علوم اللغة وأنواعها, وشروط أدائها و سماعها, حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع, وأتيت فيه بعجائب و غرائب حسنة الإبداع, وقد كان كثير ممن تقدم يلم بأشياء من ذلك ويعتني في بيانها بتمهيد المسالك غير أن هذا المجموع لم يسبقني إليه سابق ولا طرق سبيله قبلي طارق
وقد سميته : ( بالمزهر في علوم اللغة ), وهذا فهرست أنواعه :
النوع الأول - معرفة الصحيح الثابت, الثاني - معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت, الثالث - معرفة المتواتر و الآحاد, الرابع - معرفة المرسل والمنقطع, الخامس - معرفة الأفراد, السادس - معرفة من تقبل روايته ومن ترد, السابع - معرفة طرق الأخذ والتحمل, الثامن - معرفة المصنوع وهو الموضوع ويذكر فيه المدرج والمسروق, وهذه الأنواع الثمانية راجعة إلى اللغة من حيث الإسناد, التاسع - معرفة الفصيح, العاشر - معرفة الضعيف والمنكر و المتروك, الحادي عشر - معرفة الرديء المذموم, الثاني عشر - معرفة المطرد والشاذ, الثالث عشر - معرفة الحوشي و الغرائب والشوارد والنوادر, الرابع عشر - معرفة المهمل والمستعمل, الخامس عشر - معرفة المفاريد, السادس عشر - معرفة مختلف اللغة, السابع عشر - معرفة تداخل اللغات, الثامن عشر - معرفة توافق اللغات, التاسع عشر - معرفة المعرب, العشرون - معرفة الألفاظ الإسلامية, الحادي والعشرون - معرفة المولد, وهذه الأنواع الثلاثة عشر راجعة إلى اللغة من حيث الألفاظ, الثاني والعشرون - معرفة خصائص اللغة, الثالث والعشرون - معرفة الإشتقاق, الرابع و العشرون - معرفة الحقيقة والمجاز, الخامس والعشرون معرفة المشترك, السادس والعشرون - معرفة الأضداد, السابع و العشرون - معرفة المترادف, الثامن والعشرون - معرفة الإتباع, التاسع والعشرون - معرفة الخاص والعام, الثلاثون - معرفة المطلق والمقيد, الحادي والثلاثون - معرفة المشجر,(5/160)
الثاني والثلاثون - معرفة الإبدال, الثالث والثلاثون - معرفة القلب, الرابع والثلاثون - معرفة النحت, وهذه الأنواع الثلاثة عشر راجعة إلى اللغة من حيث المعنى, الخامس و الثلاثون - معرفة الأمثال, السادس والثلاثون - معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات, السابع و الثلاثون - معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف, الثامن والثلاثون - معرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب, التاسع والثلاثون - معرفة الملاحن والألغاز وفتيا فقيه العرب, وهذه الأنواع الخمسة راجعة إلى اللغة من حيث لطائفها وملحها, الأربعون - معرفة الأشباه والنظائر, وهذا راجع إلى حفظ اللغة و ضبط مفاريدها, الحادي والأربعون - معرفة آداب اللغوي, الثاني والأربعون - معرفة كتاب اللغة, الثالث و الأربعون - معرفة التصحيف والتحريف, الرابع والأربعون - معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء, الخامس والأربعون - معرفة الأسماء والكنى والألقاب و الأنساب, السادس والأربعون - معرفة المؤتلف و المختلف, السابع والأربعون - معرفة المتفق و المفترق, الثامن والأربعون - المواليد والوفيات, وهذه الأنواع الثمانية راجعة إلى رجال اللغة و رواتها, التاسع والأربعون - معرفة الشعر والشعراء, الخمسون - معرفة أغلاط العرب(5/161)
وقبل الشروع في الكتاب نصدر بمقالة ذكرها أبو الحسين أحمد بن فارس في أول كتابه (فقه اللغة), قال : اعلم أن لعلم العرب أصلا وفرعا, أما الفرع فمعرفة الأسماء والصفات, كقولنا رجل, وفرس, وطويل, وقصير وهذا هو الذي يبدأ به عند التعلم, وأما الأصل فالقول على وضع اللغة, وأوليتها ومنشئها, ثم على رسوم العرب في مخاطباتها, وما لها من الافتنان تحقيقا ومجازا, و الناس في ذلك رجلان : رجل شغل بالفرع, فلا يعرف غيره, وآخر جمع الأمرين معا, وهذه هي الرتبة العليا, لأن بها يعلم خطاب القرآن والسنة, وعليها يعول أهل النظر والفتيا, وذلك أن طالب العلم اللغوي يكتفي من أسماء الطويل باسم الطويل, ولا يضيره ألا يعرف الأشق, والأمق, وإن كان في علم ذلك زيادة فضل, وإنما لم يضره خفاء ذلك عليه لأنه لا يكاد يجد منه في كتاب الله تعالى شيئا, فيحوج إلى علمه, ويقل مثله أيضا في ألفاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كانت ألفاظه - صلى الله عليه وسلم - هي السهلة العذبة, ولو أنه لم يعلم توسع العرب في مخاطباتها لعي بكثير من علم محكم الكتاب و السنة, ألا ترى قوله تعالى : ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ...) (الأنعام:52) إلى آخر الآية فسر هذه الآية في نظمها لا يكون بمعرفة غريب اللغة والوحشي من الكلام, وإنما معرفته بغير ذلك مما لعل كتابنا هذا يأتي على أكثره بعون الله, والفرق بين معرفة الفروع ومعرفة الأصول, أن متوسما بالأدب لو سئل عن الجزم والتسويد في علاج النوق فتوقف, أو عي به, أو لم يعرفه, لم ينقصه ذلك عند أهل المعرفة نقصا شائنا, لأن كلام العرب أكثر من أن يحصى, ولو قيل له هل تتكلم العرب في النفي بما لا تتكلم به في الإثبات ثم لم يعلمه لنقصه ذلك في شريعة الأدب, عند أهل الأدب, لا أن ذلك يرده عن دينه, أو يجره لمأثم, كما أن متوسما بالنحو لو سئل عن قول القائل : لهنك من عبسية لوسيمة *** على هنوات كاذب من(5/162)
يقولها
فتوقف, أو فكر, أو استمهل, لكان أمره في ذلك عند أهل الفضل هينا, لكن لو قيل له مكان لهنك ما أصل القسم, و كم حروفه, وما الحروف المشبهة بالأفعال التي يكون الاسم بعدها منصوبا, وخبره مرفوعا, فلم يجب لحكم عليه بأنه لم يشام صناعة النحو قط, فهذا الفصل بين الأمرين, ثم قال : والذي جمعناه في مؤلفنا هذا مفرق في أصناف كتب العلماء المتقدمين - رضي الله عنهم -, و جزاهم عنا أفضل الجزاء, وإنما لنا فيه اختصار مبسوط, أو بسط مختصر, أو شرح مشكل, أو جمع متفرق انتهى, وبمثل قوله أقول في هذا الكتاب
وهذا حين الشروع في المقصود بعون الله المعبود (1)
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون للعلامة حاجي خليفة الجلبي
بسم الله الرحمن الرحيم, زواهر نطق يلوح أنوار ألطافه من مطالع الكتب والصحائف, و بواهر كلام يفوح أزهار إعطافه على صفحات العلوم والمعارف, حمد الله الذي جعل زلال الكمال قوت القلوب و الأرواح, وخص مزايا العرفان بفرحة خلا عنها أفراح الراح, وفضل الذوق الروحاني على الجسماني تفضيلا لا يعرفه إلا من تضلع أو ذاق, وأودع في كنه الفضل لطفا لا يدركه إلا من تفضل وفاق, والصلاة والسلام على الذي كمل علوم الأولين والآخرين بكتاب ناطق آياته بينات وحجج قرآنا عربيا غير ذي عوج صلى الله تعالى عليه وعلى آله الأبرار, وصحبة الأخيار, ما طلع شموس المعاني من وراء حجاب السطور والدفاتر, وأنار أنوار المزايا من أشعة رشحات الأقلام والمحابر
__________
(1) - طبع في دار الفكر في مجلدين بتحقيق ( محمد أحمد جاد المولى ) و( محمد البجاوي ) و( محمد أبو الفضل إبراهيم ), وفي دار الكتب العلمية 1998 بتحقيق ( فؤاد علي منصور )(5/163)
وبعد : فلما كان كشف دقائق العلوم وتبين حقائقها من أجل المواهب, واعز المطالب, قيض الله سبحانه وتعالى في كل عصر علماء قاموا بأعباء ذلك الأمر العظيم, وكشفوا عن ساق الجد والاهتمام في التعليم والتفهيم, سيما الأئمة الأعلام من علماء الإسلام, الذين قال فيهم النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام : ( علماء الإسلام أمتي كأنبياء بني إسرائيل ) (1)فإنهم سباق غايات, وأساطين روايات ودرايات, فمنهم من استنبط المسائل من الدلائل, فأصل وفرع, ومنهم من جمع وصنف فأبدع, ومنهم من هذب وحرر, فأجاد وحقق المباحث فوق ما يراد, رحم الله أسلافهم, وأيد أخلافهم, غير أن أسماء تدويناتهم لم تدون بعد على فصل وباب, ولم يرو فيه خبر كتاب, ولا شك أن تكحيل العيون بغيار أخبار آثارهم على وجه الاستقصاء لعمري إنه أجدى من تفاريق الصعا, إذا العلوم والكتب كثيرة, والأعمار عزيزة قصيرة, و الوقوف على تفاصيلها متعسر, بل متعذر, وإنما المطلوب ضبط معاقدها في أحوال العلوم, والشعور على مقاصدها,
وقد ألهمني الله تعالى جمع أشتاتها, وفتح على أبواب أسبابها, فكتب ما رأيت في خلال تتبع المؤلفات, وتصفح كتب التواريخ والطبقات, ولما تم تسويده في عنفوان الشباب بتيسير الفياض الوهاب, أسقطته عن حيز الاعتداد, وأسبلت عليه رداء الإبعاد, غير أني كلما وجدت شيئا ألحقته إلى أن جاء أجله المقدر في تبييضه, وكان أمر الله قدرا مقدورا
__________
(1) - تقدم تخريجه في (ص74)(5/164)
فشرعت فيه بسبب من الأسباب, وكان ذلك في الكتاب مسطورا, ورتبته على الحروف المعجمة (كالمغرب), و (الأساس) (1),حذرا عن التكرار والإلتباس, وراعيت في حروف الأسماء الى الثالث والرابع ترتيبا, فكل ماله اسم ذكرته في محله مع مصنفه, وتاريخه, ومتعلقاته, ووصفه تفصيلا وتبويبا, وربما أشرت إلى ما روى عن الفحول من الرد و القبول, وأوردت أيضا أسماء الشروح, والحواشي, لدفع الشبهة ورفع الغواشي, مع التصريح بأنه شرح كتاب فلاني, وأنه سبق أو سيأتي في فصله, بناء على أن المتن أصل والفرع أولى أن يذكر عقيب أصله, وما لا اسم له ذكرته باعتبار الإضافة إلى الفن, أو إلى مصنفه في باب التاء, والدال, والراء, والكاف, برعاية الترتيب في حروف المضاف إليه, (كتاريخ) ابن الأثير, و( تفسير) ابن جرير, و(ديوان) المتنبي, و (رسالة) ابن زيدون. و(كتاب) سيبويه. وأوردت القصائد في القاف, و شروح الأسماء الحسنى في الشين, وما ذكرته من كتب الفروع قيدته بمذهب مصنفه على اليقين, وما ليس بعربي قيدته بأنه تركي, أو فارسي,. أو مترجم ليزول به الإبهام, أو أشرت إلى ما رأيته من الكتب بذكر شيء من أوله للإعلام, وهو أعين على تعيين المجهولات, ودفع الشبهة, وقد كنت عينت بذلك كثيرا من الكتب المشتبهة
وأما أسماء العلوم فذكرتها باعتبار المضاف إليه, فعلم الفقه مثلا في الفاء, وما يليه كما نبهت عليه, مع سرد أسماء كتبه على الترتيب المعلوم, وتلخيص ما في كتب موضوعات العلوم, (كمفتاح السعادة), ورسالة المولى لطفي الشهيد, و (الفوائد الخاتمانية), وكتاب شيخ الإسلام الحفيد
وربما ألحقت عليها علوما وفوائد, مثل أمثال تلك الكتب, بالعزو إليها, وأوردت مباحث الفضلاء وتحريراتهم, بذكر ما لها وما عليها
__________
(1) - هو كتاب ( أساس البلاغة ) للعلامة الزمخشري(5/165)
وسميته بعد أن أتمته بعون الله وتوفيقه : ( كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ), ورتبته على مقدمة وأبواب وخاتمة, وأهديته إلى معشر أكابر العلماء, وزمرة الفحول والفضلاء, وما قصدت بذلك سوى نفع الخلف, وإبقاء ذكر آثار السلف, وقد ورد في الأثر عن سيد البشر ( من مرخ مؤمنا فكأنما أحياه ), والله هو الميسر لكل عسير, نعم الميسر ونعم النصير, ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم (1)
تاج العروس شرح القاموس للشيخ أبي الفيض محمد مرتضى الزبيدي
بسم الله الرحمن الرحيم, أحمد من قلدنا من عقد صحاح جوهر آلائه، وأولانا من سيب لباب مجمل إحسانه وإعطائه، وأفاض علينا من قاموس بره المحيط فائق كرمه وباهر إسدائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يوردنا صدق قولها المأنوس مورد أحبابه ومشارب أصفيائه وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا السيد المرتضى، والسند المرتجى، والرسول المنتقى، والحبيب المجتبى، المصباح المضيء المزهر بمشكاة السر اللامع المعلم العجاب، والصبح اللامع المسفر عن خبايا أسرار ناموس الصدق والصواب، مستقصى مجمع أمثال الحكم, بل سر ألف با في كل باب وكتاب، والأساس المحكم بتهذيب مجده المتلاطم العباب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، مطالع العز الأبدي من موارد الفخر والكمال، ومشارق المجد والجلال، ما أعرب المعرب عن كل مغرب، وسحب ذيل إعجازه على كل مسهب، ونطق لسان الفصيح في نهاية جمهرة مجدهم الصريح المرقص المطرب، وسلم تسليما كثيرا كثيرا
__________
(1) - طبع في دار الفكر ودار الكتب العلمية بيروت في مجلدين كبيرين, وبذيله كتاب ( إيضاح المكنون ) و( هدية العارفين )(5/166)
وبعد : فإن التصنيف مضمار تنصب إليه خيل السباق من كل أوب ثم تتجارى، فمن شاط بعيد الشأو، وساع الخطو، تشخص الخيل وراءه إلى مطهم سباق في الحلبة ميفاء على القصبة، ومن لاحق بالأخريات، مطرح خلف الأعقاب، ملطوم عن شق الغبار، موسوم بالسكيت المخلف، ومن آخذ في القصد، متنزل سطة ما بينهما، قد انحرف عن الرجوين، وجال بين القطرين، فليس بالسباق المفرط، ولا اللاحق المفرط. وقد تصديت للإنصباب في هذا المضمار تصدي القاصد بذرعه، الرابع على ظلعه، فتدبرت فنون العلم التي أنا كائن بصدد تكميلها، وقائم بإزاء خدمتها وتحصيلها، فصادفت أصلها الأعظم الذي هو اللغة العربية خليقة بالميل في صغو الاعتناء بها، و الكدح في تقويم عنادها، وإعطاء بداهة الوكد وعلالته إياها, وكان فيها كتاب (القاموس المحيط)، للإمام مجد الدين الشيرازي أجل ما ألف في الفن، لاشتماله على كل مستحسن، من قصارى فصاحة العرب العرباء، وبيضة منطقها وزبدة حوارها، والركن البديع إلى ذرابة اللسان و غرابة اللسن، حيث أوجز لفظه وأشبع معناه، وقصر عبارته وأطال مغزاه، لوح فأغرق في التصريح، و كنى فأغنى عن الإفصاح، وقيد من الأوابد ما أعرض، واقتنص من الشوارد ما أكثب، إذا ارتبط في قرن ترتيب حروف المعجم ارتباطا جنح فيه إلى وطء منهاج أبين من عمود الصبح، غير متجانف للتطويل عن الإيجاز، وذلك أنه بوبه فأورد في كل باب من الحروف ما في أوله
الهمز، ثم قفى على أثره بما في أوله الباء، وهلم جرا، إلى منتهى أبواب الكتاب، فقدم في باب الهمزة إياها مع الألف عليها مع الباء، وفي كل باب إياها مع الألف على الباءين، وهلم جرا، إلى منتهى فصول الأبواب، وكذلك راعى النمط في أوساط الكلم وأواخرها، وقدم اللاحق فاللاحق(5/167)
ولعمري هذا الكتاب إذا حوضر به في المحافل فهو بهاء، وللأفاضل متى وردوه أبهة، قد اخترق الآفاق مشرقا ومغربا، و تدارك سيره في البلاد مصعدا ومصوبا، وانتظم في سلك التذاكر، و إفاضة أزلام التناظر، ومد بحره الكامل البسيط، و فاض عبابه الزاخر المحيط، وجلت مننه عند أهل الفن وبسطت أياديه، واشتهر في المدارس اشتهار أبي دلف بين محتضره وباديه، وخف على المدرسين أمره إذ تناولوه، وقرب عليهم مأخذه فتداولوه وتناقلوه
ولما كان إبرازه في غاية الإيجاز، وإيجازه عن حد الإعجاز، تصدى لكشف غوامضه ودقائقه رجال من أهل العلم، شكر الله سعيهم، وأدام نفعهم، فمنهم من اقتصر على شرح خطبته التي ضربت بها الأمثال، وتداولها بالقبول أهل الكمال، كالمحب ابن الشحنة، والقاضي أبي الروح عيسى ابن عبد الرحيم الكجراتي ، والعلامة ميرزا علي الشيرازي, ومنهم من تقيد بسائر الكتاب، وغرد على أفنانه طائره المستطاب، كالنور علي بن غانم المقدسي (1)، والعلامة سعدي أفندي (2)، والشيخ أبي محمد عبد الرءوف المناوي، وسماه (القول المأنوس) (3), وصل فيه إلى حرف السين المهملة، و أحيا رفات دارس رسومه المهملة، كما أخبرني بعض شيوخ الأوان، وكم وجهت إليه رائد الطلب، ولم أقف عليه إلى
__________
(1) - هو الشيخ نور الدين علي بن محمد الخزرجي المقدسي المعروف بابن غانم المتوفى سنة 1004هـ وحاشيته في مجلد متوسط مخطوطة
(2) - هو المولى سعد الله بن عيسى القسطمولي الشهير بسعدي جلبي وبسعدي أفندي المتوفى سنة 945هـ استخرجها تلميذه عبد الرحمن بن علي الأماسي ما كان يطرر به على نسخته من ( القاموس )
(3) - المناوي الحدادي الشافعي المتوفى سنة سنة 1031 هـ سماه ( القول المأنوس بشرح مغلق القاموس), وله ( حاشية ) مختصرة منه, وذكر خليفة في (كشف الظنون)( ) :أن للشيخ عبد الباسط بن خليل بن شاهين الحنفي المعروف بابن الوزير المتوفى سنة 920هـ (حاشية) باسم ( القول المأنوس في حاشية القاموس ) أيضا(5/168)
الآن، والسيد العلامة فخر الإسلام عبد الله، ابن الإمام شرف الدين الحسني ملك اليمن ، شارح (نظام الغريب) المتوفي بحصن ثلا، سنة 973هـ، وسماه (كسر الناموس), والبدر محمد بن يحيى القرافي (1)، وسماه (بهجة النفوس، في المحاكمة بين الصحاح و القاموس), جمعها من خطوط عبد الباسط البلقيني, وسعدي أفندي، و الإمام اللغوي أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الفيلالي (2)، المتشرف بخلعة الحياة حينئذ، شرحه شرحا حسنا، رقى به بين المحققين المقام الأسنى، وقد حدثنا عنه بعض شيوخنا, ومن أجمع ما كتب عليه مما سمعت, ورأيت
__________
(1) - المتوفى سنة 1008ه, وذكر له أيضا (القول المأنوس بتحرير ما في القاموس ) وهو مطبوع
(2) - هو أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي المدغري المتوفى سنة 1175هـ(5/169)
شرح شيخنا الإمام اللغوي أبي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد الفاسي (1)، المتولد بفاس سنة 1110هـ، والمتوفى بالمدينة المنورة سنة 1170هـ، وهو عمدتي في هذا الفن، و المقلد جيدي العاطل بحلى تقريره المستحسن، وشرحه هذا عندي في مجلدين ضخمين, ومنهم كالمستدرك لما فات، و المعترض عليه بالتعرض لما لم يأت، كالسيد العلامة علي بن محمد معصوم الحسيني الفارسي (2)، والسيد العلامة محمد بن رسول البرزنجي (3)، وسماه : (رجل الطاووس)، والشيخ المناوي في مجلد لطيف، و الإمام اللغوي عبد الله بن المهدي بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي الحميري، الملقب بالبحر، من علماء اليمن، المتوفي بالظهرين من بلاد حجة سنة 1061، استدرك عليه, وعلى الجوهري في مجلد، وأتهم صيته وأنجد، وقد أدركه بعض شيوخ مشايخنا، و اقتبس من ضوء مشكاته السنا، والعلامة ملا علي بن سلطان الهروي وسماه (الناموس)، وقد تكفل شيخنا بالرد عليه، في الغالب، كما سنوضحه في أثناء تحرير المطالب، ولشيخ مشايخنا الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي عليه كتابة حسنة (4)، وكذا الشيخ ابن حجر المكي له في (التحفة)(5)
__________
(1) - هو الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الطيب بن محمد الصميلي الفاسي المعروف بالشرقي نسبة إلى شراقة قبيلة عربية بشرقي فاس , وحاشيته اسمها ( إضاءة الراموس وإفاضة الناموس على إضاءة القاموس ) طبع في وزارة الأوقاف
(2) - هو السيد علي بن أحمد الحسيني الشيعي المعروف بعلي خان بن ميرزا أحمد والمشهور بابن معصوم المتوفى سنة 1119هـ
(3) - الحسيني الشهرورزي ثم المدني المتوفى سنة 1103هـ صاحب ( الإشاعة في أشراط الساعة )
(4) - هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الدلائي المعروف بالمسناوي المتوفى سنة 1136هـ
(5) - هو كتاب ( تحفة المحتاج في شرح المنهاج ) في فروع الشافعية تأليف الشيخ شهاب الدين أحمد ابن حجر الهيثمي صاحب ( الزواجر في الكبائر ) و( الصواعق المحرقة ) المتوفى سنة 974هـ(5/170)
مناقشات معه, وإيرادات مستحسنة، وللشهاب الخفاجي (1) في العناية محاورات معه و مطارحات، ينقل عنها شيخنا كثيرا في المناقشات
وبلغني أن البرهان إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة 900هـ ، قد لخص (القاموس) في (جزء) لطيف, وأيم الله إنه لمدحضة الأرجل، ومخبرة الرجال، به يتخلص الخبيث من الإبريز، ويمتاز الناكصون عن ذوي التبريز
فلما آنست من تناهي فاقة الأفاضل إلى استكشاف غوامضه، والغوص على مشكلاته، ولا سيما من انتدب منهم لتدريس علم غريب الحديث، وإقراء الكتب الكبار من قوانين العربية في القديم و الحديث، فناط به الرغبة كل طالب، وعشا ضوء ناره كل مقتبس، ووجه إليه النجعة كل رائد، و كم يتلقاك في هذا العصر الذي قرع فيه فناء الأدب، وصفر إناءه، اللهم إلا عن صرمة لا يسئر منها القابض، وصبابة لا تفضل عن المتبرض من دهماء المنتحلين بما لم يحسنوه، المتشبعين بما لم يملكوه، من لو رجعت إليه في كشف إبهام معضلة لفتل أصابعه شزرا، ولاحمرت ديباجتاه تشررا، أو توقح فأساء جابة، فافتضح وتكشف عواره، قرعت ظنبوب اجتهادي، واستسعيت يعبوب
اعتنائي، في وضع شرح عليه، ممزوج العبارة، جامع لمواده بالتصريح في بعض وفي البعض بالإشارة، واف ببيان ما اختلف من نسخه، والتصويب لما صح منها من صحيح الأصول، حاو لذكر نكته ونوادره، والكشف عن معانيه والإنباه عن مضاربه ومآخذه بصريح النقول، والتقاط أبيات الشواهد له
مستمدا ذلك من الكتب التي يسر الله تعالى بفضله وقوفي عليها، وحصل الاستمداد عليه منها، و نقلت بالمباشرة لا بالوسائط عنها، لكن على نقصان في بعضها نقصا متفاوتا بالنسبة إلى القلة و الكثرة، وأرجو منه سبحانه الزيادة عليها.
__________
(1) - هو الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي الشافعي المصري المتوفى سنة 1069هـ(5/171)
فأول هذه المصنفات وأعلاها عند ذوي البراعة وأغلاها كتاب (الصحاح) للإمام الحجة أبي نصر الجوهري (1)، وهو عندي في ثماني مجلدات، بخط ياقوت الرومي، وعلى هوامشه التقييدات النافعة لأبي محمد بن بري (2)، وأبي زكريا التبريزي (3)، ظفرت به في خزانة الأمير أزبك, و(التهذيب) للإمام أبي منصور الأزهري (4), في ستة عشر مجلدا, و(المحكم) لابن سيده (5), في ثمان مجلدات, و (تهذيب الأبنية و الأفعال) لأبي القاسم ابن القطاع (6)
__________
(1) - هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي المتوفى سنة 393هـ وكتابه اسمه ( تاج العربية و صحاح العربية ) سماه كالصحاح لأنه التزم فيه صحيح اللغة واقتصر فيه على عليه دون سواه كما فعل البخاري في صحيحه في الحديث, قال في مقدمته : أما بعد فقد أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة التي شرف الله تعالى منزلتا الخ, طبع ( الصحاح ) على الحجر في تبريز سنة 1270 هـ و في بولاق مصر 1282هـ مع تقديم الشيخ ( نصر الهوريني ), ثم سنة 16956 بتحقيق ( أحمد عبد الغفور عطار)
(2) - هو العلامة أبو محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار النحوي اللغوي المتوفى سنة 852 هـ
(3) - هو الشيخ أبو زكريا يحيى بن علي بن الخطيب التبريزي المتوفى سنة 502 هـ
(4) - هو العلامة أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة الأزهري الهروي الشافعي المتوفى سنة 370هـ , و( تهذيبه ) طبع في مصر في ( 15 ) جزءا بين سنتي 1964 و1967 بتحقيق جماعة من الأساتذة منهم ( عبد السلام محمد هارون ) و( محمد أبو الفضل إبراهيم )
(5) - هو أبو الحسن علي بن أحمد المرسي الأندلسي الضرير المعروف بابن سيده المتوفى سنة 458هـ , وكتابه ( المحكم والمحيط الأعظم ) طبع في صدر منه (6) أجزاء في مطبعة الحلبي القاهرة 1958 و 1972 بتحقيق ( مصطفى السقا ) و( حسين نصار ) وطبع في دار الكتب العلمية( 11 ) مجلدا بتحقيق ( عبد الحميد هنداوي )
(6) - طبع باسم ( الأفعال ) في دار الكتب العلمية2002 بتحقيق ( إبراهيم شمس الدين ) وهو تهذيب لكتاب الأفعال) أبي بكر محمد بن عمر بن القرطبي المعروف بابن القوطية المتوفى سنة 367هـ(5/172)
، في مجلدين, و(لسان العرب) للإمام جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الإفريقي (1)، ثمان وعشرون مجلدا، وهي النسخة المنقولة من مسودة المصنف في حياته، التزم فيه (الصحاح)، و(التهذيب)، و(المحكم)، و(النهاية)، و(حواشي) ابن بري، و(الجمهرة ) لابن دريد (2)
__________
(1) - مطبوع متداول
(2) - هو كتاب (الجمهرة في اللغة) لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد اللغوي المتوفى سنة 321 هـ, و هو كتاب معتبر, ذكر فيه انه ألفه لأبي العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن مكيال, وسماه بذلك لأنه اختار له الجمهور من كلام العرب, يقال انه أملى الجمهرة في فارس ثم أملاها بالبصرة ثم ببغداد من حفظه ولذلك تختلف النسخ, والنسخة المعول عليها هي الأخيرة, وآخر ما صح نسخة عبيد بن أحمد بن حجاج, لأنه كتبها من عدة نسخ وقرأها , ثم اختصرها شرف الدين محمد بن نصر بن عنين الشاعر المتوفى سنة 63 هـ , واختصرها أيضا الصاحب إسماعيل بن عباد وسماه ( الجوهرة )
طبع (الجمهرة) في(5/173)
, وقد حدث عنه الحافظان الذهبي, والسبكي، ولد سنة 630 هـ وتوفي سنة 711هـ, و(تهذيب التهذيب) لأبي الثناء محمود ابن أبي بكر بن حامد التنوخي الأرموي الدمشقي الشافعي (1)، في خمس مجلدات، وهي مسودة المصنف، من وقف السميساطية بدمشق، ظفرت بها خزانة الأشرف بالعبرانيين، التزم فيه: (الصحاح), و(التهذيب)، و(المحكم)، مع غاية التحرير والضبط المحكم، وقد حدث عنه الحافظ الذهبي، وترجمه في معجم شيوخه، ولد سنة 647هـ, وتوفي سنة 723هـ, وكتاب (الغريبين) لأبي عبيد الهروي , و (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير الجزري, و(كفاية المتحفظ) لابن الأجدابي (2), وشروحها, و (فصيح ثعلب) (3)، شروحه الثلاثة: لأبي جعفر اللبلي، وابن درستويه، والتدميري, و (فقه اللغة)(4)، و (المضاف والمنسوب) (5)، كلاهما لأبي منصور الثعالبي, و(العباب) (6), و(التكملة على الصحاح)، كلاهما للرضي الصاغاني، ظفرت بهما في خزانة الأمير صرغتمش, و (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير) (7)
__________
(1) - المتوفى سنة 723هـ
(2) - هو كتاب ( كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ ) لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الطرابلسي المعروف بابن الأجدابي المتوفى أخر القرن السادس الهجري
(3) - ( الفصيح ) أو ( اختيار فصيح الكلام ) لأبي العباس احمد بن يحيى الشيباني الكوفي المعروف بثعلب المتوفى سنة 291هـ طبع في بيروت 1321هـ ومصر 1325هـ وبها أيضا بعض شروحه
(4) - طبع في دار الحكمة دمشق 1409 هـ تحقيق ( سليمان البواب )
(5) - طبع في دار المعارف مصر 1384هـ تحقيق ( محمد أبو الفضل إبراهيم )
(6) - ( العباب الزاخر ) في اللغة في عشرين مجلدا للإمام حسن بن محمد الصغاني مات سنة 65 هـ, قبل أن يكمله بلغ فيه إلى الميم و وقف في مادة ( بكم ), وترتيبه ( كصحاح ) الجوهري, وقد حقق الشيخ محمد حسن آل ياسين بعضه وطبع في بغداد بين سنتي 1977و 80
(7) - تأليف أبي العباس أحمد بن محمد الفيومي المتوفى سنة 770هـ , وكتابه مطبوع متداول(5/174)
, و (التقريب) (1) لولده المعروف بابن خطيب الدهشة, و(مختار الصحاح) للرازي (2), و(الأساس) (3), و(الفائق) (4), و(المستقصى في الأمثال)(5)، الثلاثة للزمخشري, و (الجمهرة) لابن دريد (6)، في أربع مجلدات، ظفرت بها في خزانة المؤيد, و(إصلاح المنطق) لابن السكيت (7)، و(الخصائص) لابن جني (8)، و (سر الصناعة) له أيضا, و(المجمل) لابن فارس (9), و(إصلاح الألفاظ) للخطابي (10), و(مشارق الأنوار) للقاضي عياض, و(المطالع ) لتلميذه ابن قرقول (11)، الأخير من خزانة الديري, وكتاب (أنساب الخيل), و(أنساب العرب) و (استدراك الغلط) ، الثلاثة لأبي
__________
(1) - هو نور الدين أبي الثناء محمود بن أحمد بن محمد الفيومي المتوفى سنة 834هـ وكتابه ( التقريب في علم الغريب ) وهو في مجلد مخطوط
(2) - هو زين الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الرازي المتوفى سنة 666هـ , وكتابه مطبوع متداول
(3) - و ( أساس البلاغة ) للعلامة أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري المعتزلي المتوفى سنة 538هـ, وهو مطبوع متداول, و اختصره الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب ( غراس الأساس ) طبع أيضا
(4) - طبع في القاهرة في ( 3 ) مجلدات بتحقيق ( محمد أبو الفضل إبراهيم ) و( علي البجاوي ), وصور عنها في دار الفكر
(5) - طبع في دار الكتب العلمية في مجلدين
(6) - لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري المتوفى سنة 321هطبع في جيدرأباد 1928 في ثلاثة أجزاء مع رابع خاص بالفهارس
(7) - لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت المتوفى سنة 244هـ طبع ضمن سلسلة الذخائر 1949 بتحقيق ( أحمد محمد شاكر ) و( عبد السلام هارون )
(8) - طبع في دار الكتب العلمية 2001 في ( 3 ) مجلدات بتحقيق ( عبد الحميد هنداوي )
(9) - طبع في دار الفكر بيروت بتحقيق ( )
(10) - هو ( إصلاح غلط المحدثين )
(11) - هو كتاب ( مطالع الأنوار على صحاح الآثار ) لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف الحمزي المعروف بابن قرقول المتوفى سنة 569 , و كتابه مخطوط(5/175)
عبيد القاسم بن سلام, وكتاب (السرج و اللجام والبيضة والدرع)، لمحمد بن قاسم بن عزرة الأزدي, وكتاب (الحمام والهدى) له أيضا, وكتاب (المعرب) للجواليقي (1)، مجلد لطيف، ظفرت به في خزانة الملك الأشرف قايتباي، رحمه الله تعالى, و (المفردات) للراغب الأصبهاني (2)، في مجلد ضخم, و(مشكل القرآن) لابن قتيبة (3), وكتاب (المقصور والممدود) (4)، و(زوائد الأمالي)، كلاهما لأبي علي القالي (5), وكتاب (الأضداد) لأبي الطيب عبد الواحد اللغوي (6), و(الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي، في أربع مجلدات, و(بغية الآمال في مستقبلات الأفعال) لأبي جعفر اللبلي (7), و (الحجة في قراآت الأئمة السبعة) لابن خالويه (8), و(الوجوه والنظائر) لأبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (9), و(بصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب الله العزيز) (10)
__________
(1) - هو أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفى سنة 540هـ طبع في القاهرة 1365هـ بتحقيق ( أحد محمد شاكر ) ثم في دار الكتب العلمية 1998 بتحقيق ( خليل المنصور )
(2) - ه أبو القاسم الحسين بن محمد الأصفهاني المتوفى سنة 502هـ , طبع كتابه في دار الكتب العلمية 1418هـ باسم (معجم مفردات ألفاظ القرآن) بتحقيق (إبراهيم شم الدين)
(3) - طبع باسم ( تأويل مشكل القرآن ) في المكتبة العلمية 1401هبتحقيق الشيخ ( أحمد ضقر )
(4) - ذكره ابن خير في ( فهرسته)( )وقال في عشرة أجزاء, وهو مخطوط حقق في رسالة جامعية
(5) - هو أبو علي إسماعيل بن القاسم بن عبدون المعروف بالقالي المتوفى سنة 356هـ
(6) - هو أبي الطيب عبد الواحد بن علي الحلبي المتوفى سنة 359هـ, وكتابه طبع في دمشق 1963هـ في جزءين بتحقيق (عزت حسن)
(7) - هو أبو جعفر أحمد بن يوسف الفهري اللبلي المتوفى سنة 691هـ, وكتابه طبع في الدر التونسية للنشر 1972 بتحقيق (جعفر ماجد)
(8) - هو أبو عبد الله حسين بن احمد المعروف بابن خالويه النحوي المتوفى سنة 370هـ
(9) - طبع في دار الكتب العلمية
(10) - طبع في دار الكتب العلمية في (6) مجلدات بتحقيق ( محمد علي النجار )(5/176)
، و(البلغة في أئمة اللغة) (1)، و(ترقيق الأسل في تصفيق العسل)(2)، و(الروض المسلوف فيما له اسمان إلى الألوف) (3)، و (المثلثات) (4)، الأربعة للمصنف، و(المزهر) (5)، و(نظام اللسد في أسماء الأسد) (6)، و(طبقات أئمة النحو و اللغة)، الثلاثة للحافظ السيوطي, و(مجمع الأنساب) لأبي الفداء إسماعيل ابن إبراهيم البلبيسي الحنفي ، جمع فيه بين كتابي الرشاطي, وابن الأثير, والجزء الثاني والثالث من (لباب الأنساب) للسمعاني, و (التوقيف على مهمات التعريف) للمناوي (7), و(ألف با للألبا) (8) لأبي الحجاج القضاعي البلوي, وكتاب (المعاليم) للبلاذري، ثلاثون مجلدا, (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) للحافظ ابن حجر العسقلاني، بخط سبطه يوسف بن شاهين, و (شرح ديوان الهذليين) لأبي سعيد السكري، وعليه خط ابن فارس صاحب (المجمل) والأول والثاني و العاشر من (معجم ياقوت) (9)، ظفرت به في الخزانة المحمودية, و(معجم البلدان) لأبي عبيد البكري (10), و(التجريد في الصحابة)، و (المغني)، و(ديوان الضعفاء)، الثلاثة للحافظ الذهبي (11), و (معجم الصحابة)، للحافظ تقي الدين ابن فهد، بخطه, و(الذيل على إكمال
__________
(1) - طبع في طبع مركز المخطوطات الكويت 1407هـ بتحقيق ( محمد المصري )
(2) - وسماه بعضهم ( تثقيف الأسل )
(3) - مخطوط في ليدن
(4) - طبع باسم ( الدررالمبثثة في الغرر المثلثلة ) في الدار العربية للكتاب طرابلس 1987 بتحقيق ( الطاهر الزاوي )
(5) - طبع في دار الفكر في مجلدين يتحقيق ( محمد أحمد جاد المولى) و( علي محمد االبجاوي ) و(محمد أبوالفضل إبراهيم )
(7) - تقدمت مقدمته
(8) - طبع في عالم الكتب بيروت 1405هـ في مجلدين بدون تحقيق
(9) - هو كتاب ( معجم البلدان )
(10) - اسمه ( معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ) طبع في لجنة التأليف والترجمة بالقاهرة 1949هـ , ودار الكتب العلمية في (3) مجلدات بتحقيق ( جمال طلبة )
(11) كتب الذهبي كلها مطبوعة وقد تقدمت مقدماتها(5/177)
الإكمال) لأبي حامد الصابوني (1), و (تاريخ دمشق)، لابن عساكر، خمس وخمسون مجلدا, وبعض أجزاء من (تاريخ بغداد) للحافظ أبي بكر الخطيب, و (الذيل) عليه للبنداري, وبعض أجزاء من (تاريخ ابن النجار) و كتاب (الفرق) للحكيم الترمذي, و(أسماء رجال الصحيحين) للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ، ولابن رسلان أيضا, و(طبقات المفسرين) للداودي, و(طبقات الشافعية) للتاج السبكي، وللقطب الخيضري, و (التكملة لوفيات النقلة) للحافظ زكي الدين المنذري (2), وكتاب (الثقات) لابن حبان, وكتاب (الإرشاد) للخليلي (3), و(الجواهر المضية في طبقات الحنفية) للحافظ عبد القادر القرشي, و(لباب الأنساب) للسيوطي, والذيل عليه للداودي, و(مجمع الأقوال في معاني الأمثال)، لمحمد بن عبد الرحمن أبي البقاء العكبري (4), و(نزهة الأنفس في الأمثال) لمحمد بن علي العراقي, و(شرح المقامات الحريرية) للشريشي (5), و(الوافي بالوفيات) للصلاح الصفدي, ومن (تاريخ الإسلام) للذهبي (6)، عشرون مجلدا, و(شرح المعلقات السبعة) لابن الأنباري (7), و(الحماسة) لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي، المشتملة على عشرة أبواب, وبعض أجزاء من (البداية والنهاية) للحافظ عماد الدين بن كثير, و(الراموز) لبعض عصريي المصنف (8)
__________
(1) - طبع في دار عالم الكتب بيروت 1406هـ في مجلد بتحقيق ( مصطفى جواد )
(2) - طبع في بتحقيق ( بشار عواد معروف )
(3) - طبع دار الفكر بيروت بتحقيق ( )
(4) - لمحمد بن عبد الرحمن بن أبى البقاء بن عبد الله بن الحسين البكري وهو ست مجلدات قيل انه جمعه من أربعين كاتبا
(5) - طبع في دار الكتب العلمية 1998 في ( 3 ) مجلدات بتحقيق ( إبراهيم شمس الدين )
(6) - تقدمت مقدمته
(7) - طبع دار المعارف مصر 1400هت بتحقيق ( عبد السلام محمد هارون )
(8) -هو من تأليف ( حسام الدين محمد بن الحسن بن علي الأدرنوي ) المتوفى سنة 866هـ جرد فيه الصحاح من الشواهد والأمثال والأنساب, وأضاف إليه زيادات من ( فائق) الزمخشري, و( نهاية ) ابن الأثير, و ( مغرب ) المطرزي(5/178)
, و(المثلثات) لابن مالك (1), و (طرح التثريب) للحافظ ولي الدين العراقي (2), و (الطالع السعيد) للأدفوي (3), و(الأنس الجليل) لابن الحنبلي, و(الكامل) لابن عدي (4)، في ثمان مجلدات، من خزانة المؤيد, و(حياة الحيوان) للكمال الدميري (5), و(ذيل) السيوطي عليه, ومستدركاته, و(الإتقان في علوم القرآن) له أيضا (6), و (الإحسان في علوم القرآن) لشيخ مشايخنا محمد بن أحمد بن عقيلة, و(شرح الشفاء) للشهاب الخفاجي (7), و(شفاء الغليل) له أيضا (8), و (شرح المواهب اللدنية) لشيخ مشايخنا سيدي محمد الزرقاني (9)
__________
(1) - اسمه ( إكمال الأعلام بتثليت الكلام ) وهو كتاب منثور وله أرجوزة في ( 2755 ) بيتا طبعت في المطبعة الجمالية مصر سنة 1329هـ بتحقيق الشيخ ( أحمد بن الأمين الشنقيطي )
(2) - طبع في (4) مجلدات وفي دار الكتب العلمية 2000 بتحقيق ( عبد القادر محمد علي )
(3) - هو كتاب ( الطالع السعيد الجامع لأسماء فضلاء الصعيد ) لكمال الدين أبى الفضل جعفر بن الادفوى الشافعي المتوفى سنة 749هـ طبع في مصر
(4) - تقدمت مقدمته
(5) - هو الشيخ كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي المتوفى سنة 808 هـ, قال خليفة في (كشف الظنون): هو كتاب مشهور في هذا الفن, جامع بين الغث والسمين, لان المصنف فقيه فاضل محقق في العلوم الدينية, لكنه ليس من أهل هذا الفن كالجاحظ
(6) - مطبوع متداول
(7) -, سماه ( نسيم الرياض في شرح شفا القاضي عياض ) طبع في دار الكتب العلمية2001 في ( 6 ) مجلدات بتحقيق ( محمد عبد القادر عطا )
(8) - هو كتاب ( شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ), طبع في دار الكتب العلمية 1998 تحقيق ( محمد كشاش )
(9) - سماه (إشراق مصابيح السيرة المحمدية بمزج أسرار المواهب اللدنية) طبع في مطبعة مصطفى البابي مصر 1390هـ, ثم في دار المعرفة 1393هـ في (6) مجلدات بدون تحقيق, وبهامشها (زاد المعاد لابن القيم), ثم طبع مفردا في دار الكتب العلمية 1996 في (12) مجلدا بتحقيق ( محمد عبد العزيز الخالدي )(5/179)
, و(قوانين الدواوين) للأسعد بن مماتي, و(مختصره) لابن الجيعان, و(الخطط) (1) للمقريزي, و(البيان والإعراب عمن بمصر من قبائل الأعراب) له أيضا, و(المقدمة الفاضلية) لابن الجواني نسابة مصر, و(جمهرة الأنساب) لابن حزم (2), و(عمدة الطالب) لابن عنبة نسابة العراق (3), و (التذكرة) في الطب للحكيم داود الأنطاكي (4), و(المنهاج), و(التبيان) كلاهما في بيان العقاقير, و كتاب (النبات) لأبي حنيفة الدينوري (5), و (تحفة الأحباب) للملك الغساني, وغير ذلك من الكتب والأجزاء، في الفنون المختلفة، مما يطول على الناظر استقصاؤها، ويصعب على العاد إحصاؤها.
ولم آل جهدا في تحري الاختصار، وسلوك سبيل التنقية والاختيار، وتجريد الألفاظ عن الفضلات التي يستغنى عنها في حط اللثام عن وجه المعنى عند ذوي الأفكار
__________
(1) - هو كتاب ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) المعروف ( بالخطط المقريزية ) جمع فيها أخبار مصر وأحوال سكانها, طبع قديما في بولاق 1270 هـ في مجلدين كبيرين, ثم في دار الكتب العلمية 1998 في (4) مجلدات بتحقيق (خليل المنصور)
(2) - طبع في دار المعارف مصر 1382هـ بتحقيق ( عبد السلام هارون ), وصور في دار الكتب العلمية بيروت 2001
(3) - هو الشيخ جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 828هـ, وكتابه
( عمدة الطالب في أنساب أل أبي طالب ) طبع في مؤسسة أنصاريان إيران 1417ه تحقيق (محمد صادق بحر العلوم )
(4) - هو كتاب ( تذكرة أولي الألباب في و الجامع للعجب العجاب) للشيخ داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الضرير نزيل مصر المتوفى سنة 1005هـ , وهو في وصف الأعشاب والأدوية المفردة, وهو مطبوع
(5) - هو أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري المتوفى سنة 282هـ نشر المستشرق السويدي لوين قطعة منه بليدن سنة 1953 والدكتور محمد حميد الله جزأه الثالث وقسما من الخامس و وهو أجل ما صنف في لغة النبات(5/180)
فجاء بحمد الله تعالى هذا الشرح واضح المنهج، كثير الفائدة، سهل السلوك، موصول العائدة، آمنا بمنة الله من أن يصبح مثل غيره وهو مطروح متروك، عظم إن شاء الله تعالى نفعه بما اشتمل عليه، وغني ما فيه عن غيره, وافتقر غيره إليه، وجمع من الشواهد والأدلة ما لم يجمع مثله مثله، لأن كل واحد من العلماء انفرد بقول رواه، أو سماع أداه، فصارت الفوائد في كتبهم مفرقة، و سارت أنجم الفضائل في أفلاكها، هذه مغربة وهذه مشرقة.
فجمعت منها في هذا الشرح ما تفرق، وقرنت بين ما غرب منها وبين ما شرق، فانتظم شمل تلك الأصول والمواد كلها في هذا المجموع، وصار هذا بمنزلة الأصل وأولئك بمنزلة الفروع، فجاء بحمد الله تعالى وفق البغية، وفوق المنية، بديع الإتقان، صحيح الأركان، سليما من لفظة لو كان، حللت بوضعه ذروة الحفاظ، وحللت بجمعه عقدة الألفاظ، وأنا مع ذلك لا أدعي فيه دعوى فأقول: شافهت، أو سمعت، أو شددت، أو رحلت، أو أخطأ فلان أو أصاب، أو غلط القائل في الخطاب، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها شيخنا لقائل مقالا، ولم يخل لأحد فيها مجالا، فإنه عني في شرحه(5/181)
عمن روى، وبرهن عما حوى، ويسر في خطبه فادعى، ولعمري لقد جمع فأوعى، وأتى بالمقاصد و وفى, وليس لي في هذا الشرح فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بها، سوى أنني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من منطوق ومفهوم، وبسطت القول فيه ولم أشبع باليسير وطالب العلم منهوم، فمن وقف فيه على صواب أو زلل، أو صحة أو خلل، فعهدته على المصنف الأول، و حمده وذمه لأصله الذي عليه المعول، لأني عن كل كتاب نقلت مضمونه، فلم أبدل شيئا فيقال: (...فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ...) (البقرة:181) بل أديت الأمانة في شرح العبارة بالفص، وأوردت ما زدت على المؤلف بالنص، وراعيت مناسبات ما ضمنه من لطف الإشارة، فليعد من ينقل عن شرحي هذا عن تلك الأصول والفروع، وليستغن بالاستضواء بدري بيانه الملموع، فالناقل عنه يمد باعه ويطلق لسانه، ويتنوع في نقله عنه لأنه ينقل عن خزانة، والله تعالى يشكر من له بإلهام جمعه من منة، ويجعل بينه وبين محرفي كلمه عن مواضعه واقية وجنة، وهو المسئول أن يعاملني فيه بفضله وإحسانه، ويعينني على إتمامه بكرمه وامتنانه، فإنني لم أقصد سوى حفظ هذه اللغة الشريفة، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بغوامضها يعلم ما يوافق فيه النية اللسان و يخالف فيه اللسان النية, وقد جمعته في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح عليه السلام الفلك وقومه منه يسخرون(5/182)
وسميته. : ( تاج العروس من جواهر القاموس ), وكأني بالعالم المنصف قد اطلع عليه فارتضاه، وأجال فيه نظرة ذي علق فاجتباه، ولم يلتفت إلى حدوث عهده, وقرب ميلاده، لأنه إنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته, ورداءته في ذاته، لا لقدمه وحدوثه، وبالجاهل المشط قد سمع به فسارع إلى تمزيق فروته، وتوجيه المعاب إليه، ولما يعرف نبعه من غربه ولا عجم عوده، ولا نفض تهائمه ونجوده، والذي غره منه أنه عمل محدث, ولا عمل قديم، وحسبك أن الأشياء تنتقد أو تبهرج لأنها تليدة أو طارفة، ولله در من يقول
إذا رضيت عني كرام عشيرتي *** فلا زال غضبانا علي لئامها
وأرجو من الله تعالى أن يرفع قدر هذا الشرح بمنه وفضله، وأن ينفع به كما نفع بأصله، وأنا أبرأ إلى الله عز وجل من القوة والحول، وإياه أستغفر من الزلل في العمل والقول، لا إله غيره، ولا خير إلا خيره، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين
تم(5/183)