بسم الله الرحمن الرحيم
توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
الجزء الأول
للعلامة البارع والحجة المتقن
محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني
المتوفى في عام 1182 من الهجرة
ترجمة العلامة الصنعاني
قال العلامة صديق حسن القنوجي رحمه الله في أبجد العلوم (3/191-193) : السيد العلامة بدر الملة النير المؤيد بالله محمد بن الامام المتوكل على الله اسمعيل بن صلاح الامير الصنعاني اليمني وهو الامام الكبير المحدث الصولي المتكلم الشهير قرأ كتب الحديث وبرع فيها وكان إماما في الزهد والورع يعتقده العامة والخاصة ويأتونه بالنذور فيردها يقول أن قبولها تقرير لهم على اعتقادهم أنه من الصالحين وهو يخاف أنه من الهالكين.
حكى بعض أولاده أنه قرأ وهو يصلي بالناس صلاة الصبح : (هل أتاك حديث الغاشية) فبكى وغشي عليه.
وكان والده ولي الله بلا نزاع من أكابر الائمة أهل الزهد والورع استوى عنده الذهب والحجر وخلف أولادا هم أعيان العلماء والحماء واعظمهم ولده هذا.
قال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي في ذخيرة الآمال في شرح عقد جواهر اللآل : الإمام السيد المجتهد الشهير المحدث الكبير السراج المنير محمد بن اسمعيل الامير مسند الديار ومجدد الدين في الاقطار صنف أكثر من مائة مؤلف وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه الحديث
، قال : أخذ عن علماء الحرمين واستجاز منهم وارتبط بأسانيدهم وقرأ على الشيخ عبد الخالق بن الزين الزجاجين والشيخ عليه واستجاز منه وأسند عنه مع تمكنه من علوم الآل وتاصله انتهى على ما نقله السيد حامد حسين المعاصر في كتابه عبقات الأنوار في إمامة الائمة الاطهار
ومن شيوخه الشيخ عبدالقادر بن علي البدري والشيخ محمد طاهر بن إبراهيم الكردي والشيخ سالم بن عبد الله البصري وغيرهم.(1/1)
وتتلمذ عليه أيضا خلق كثير منهم الشيخ عبد الخالق المزجاجي الزبيدي وهو أيضا استاذه وأيضا ولده السيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما.
له مصنفات جليلية ممتعة تنبئ عن سعة علمه وغزارة اطلاعه على العلوم النقلية والعقلية وكان ذا علم كبير ورياسة عالية وله في النظم اليد الطولي بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ولم يقلد أحدا من أهل المذاهب وصار إماما كاملا مكملا بنفسه وقد من الله تعالى علي بأكثر مصنفاته وهي أزيد من أن تذكر
منها سبل السلام شرح بلوغ المرام ، ومنها منحة الغفار حاشية ضوءالنهار ، وإسبال المطر على قصب السكر ، وجمع التشتيت في شرح أبيات التثبيت ، وتوضيح الأفكار في شرح تنقيح الانظار إلى غير ذلك من الرسائل والمسائل التي لا تحصى وكلها فريدة في بابها خطيب في مخرابها.
حج وزار واستفاد من علماء الحرمين الشريفين وغيرهم من فضلاء الأمصار فهو أكرم من أن يصفه مثلي وقفت له على قصائد بديعة ونظم رائق وكان له صولة في الصدع بالحق واتباع السنة وترك البدعة لم ير مثله في هذا الأمر.
توفي رحمه الله في سنة 1182 .
ترجمة العلامة ابن الوزير(1/2)
قال العلامة صديق حسن القنوجي في أبجد العلوم (3/190-191) : السيد محمد بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي الهادوي الامام العلامة والمحدث الأصولي النحوي المتكلم الفقيه البليغ الرحلة الحجة السني الصوفي كان فريد العصر ونادرة الدهر خاتمة النقاد وحامل لواء الاسناد وبقية أهل الاجتهاد بلا خلاف وعناد رأسا في المعقول والمنقول إماما في الفروع والاصول ، يقول واصفه في وصفه : كشاف أصداف الفرائد ، قطاف أزهار الفوائد ، فاتح أقفال اللطائف ، مانح أنفال الظرائف ، مصيب شواكل المشكلات بنوافذ أنظاره ، ومطبق مفاصل المعضلات بصوارم أفكاره ، مضحك كمائم النكت من نوادره ، ومفتح أنظار الظرف في موارده ومصادره ، عز الدين ، محيي سنة سيد المرسلين ، فلان الحسني نسبا على السماك عاليا ، والسني مذهبا ، إلى الصواب هاديا ، إلى آخر ما ذكره في ترجمته.
وبالجملة كان مولده في شهر رجب سنة 775 في شظب وهو جبل عال باليمن هكذا نقلته من خطه وحفظته من غيره من الأهل
وله مصنفات عديدة ومجموعات مفيدة منها : كتاب العواصم في الذب في سنة أبي القاسم أربعة أجزاء في الرد على الزيدية أشتمل من الفوائد على ما لم يشتمل عليه كتاب ، وكتاب البرهان القاطع في معرفة الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع ألفه في سنة 801 ، ومختصر جليل في علم الاثر ألفه بعد اطلاعه على نخبة الفكر سماه تنقيح الانظار صنفه في آخر سنة 813 ، ومنها الروض الباسم مختصر العواصم وكتاب التأديب الملكوتي مختصر فيه العجائب والغرائب ، وكتاب ( العزلة ) ، وقبول البشرى في التيسير ، وكتاب ( إيثار الحق على الخلق ) صنفه في سنة 837 إلى غير ذلك.(1/3)
وله ديوان شعر سماه مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق وشرحه سماه بفتح الخالق والحسام المشهور في الذب عن الامام المنصور وقد ذكر له الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه الدرر الكامنة ترجمة حافلة وأثنى عليه ثناء كثيرا جميلا لم يثن بمثله أحدا.
توفي رحمه الله في الطاعون الذي وقع في اليمن شهيدا في سنة 840 فكان جملة عمره ستا وستين سنة].
1 بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لك يا من صح سند كل كمال إليه فلا يحوم حوله قدح ولا إعلال وشكرا لك على أياديك الحسان المنزهة عن الضعف والإعضال والصلاة والسلام على رسولك المرسل الموصول بشرائف الخلال وعلى آله الذين أحاديث شرفهم مرفوعة غير موضوعة وعلوم حديثهم لمن أرادها غير مقطوعة ولا ممنوعة الموقوف على حبهم الفوز في المعاد الموضوع من ناوأهم عن الاعتماد وعلى أصحابه الذين عليهم يدور فلك الإسناد
وبعد فهذا شرح كتبته على تنقيح الأنظار تأليف الإمام الحافظ العلامة النظار محمد بن إبراهيم الوزير أسكنه الله جنات تجري من تحتها الأنهار فإنه جمع فيه نفائس تحقيقات أئمة الآثار وأضاف إليه من أنظاره ما هو نور للبصائر ولما أخذ علينا فيه بعض من لا يقنعه من التحقيق إلا أقصاه ولا يشفيه من الأبحاث إلا ما بلغ غايته ومنتهاه أمليت عليه من المعاني عند حل المباني ما يجب أن يدخره الأول للثاني فطلب كتب لفظه وإبرازه في الوجود الخطي إبقاء لحفظه فكتبت عليه ما هو قرة لعين طالب التوفيق ولا يستغني عنه إلا من يستغني التصور عن التصديق وسميته توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار والله أسأله أن ينفع به كاتبه وقارئه والناظر بعين الإنصاف في ألفاظه ومعانيه واعلم أن المصنف رحمه الله تعالى لم يجعل لمسائل كتابه عنوانا بمسألة ولا فصل ولا نوع ولا باب وفي عنوان المسائل بذلك مالا يخفى على ذوي الألباب(1/4)
2 وقد عنون ابن الصلاح كتابه بالأنواع والمصنف رحمه الله جعل اسم كل نوع ترجمته كقوله أصح الأسانيد وقوله المراد بالصحيح إلا أنه عنوان خفي فرأيت أن اجعل عنوان كل بحث لفظ مسألة إذ قد لا يتنبه الناظر لجعله أسماء الأنواع عنوانا وقد قال جار الله إنه بوب المصنفون في كل من كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم ومن فوائده أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن وأنبل وأفخم من أن يكون بيانا واحدا ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه وأبعث على الدروس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله إلى آخر كلامه وقد أضبط من أجوز خفاء ضبط لفظه من الرجال أو أذكر من حاله بعض ماله من الخلال ولا أتعرض لمن هو مشهود الصفات يعرفه طلبه الفن والإثبات كأهل الأمهات ومن شاركهم في الشهرة من الرواة أو أئمة المصنفات(1/5)
3 الحمد لله الذي رفع أعلام جمع علم وهو كما في القاموس العلم محركة الجبل الطويل والراية وله معان آخر وأنسبها هنا الراية إذ رفع العلم هنا كتابه عن علو الشان بالنصر ونحوه علوم الحديث شبه علوم الحديث بالجيش ثم أثبت لها لازمه وهو العلم فهو من باب أظفار المنية وفضل العلم النبوي هو كل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ويدخل القرآن في العلم النبوي إلا أن يحمل العلم على أن اللام فيه لعلم الحديث بقرينة سبق ذكره وأن كان قوله بالإجماع يناسب أن يراه به ما يشمل القرآن والسنة لأنه من المتفق على شرفه في قديم الزمان والحديث ولا ضير في إرادة الأعم وإن كان التدوين للأخص إذا الحديث شعبة من القرآن في معانيه وبيان ما فيه وقوله اشترك في الحاجة إليه والحث عليه بالقرابة وهم آله صلى الله عليه وسلم والصحابة يأتي تفسير الصحابي والسلف سلف الأمة فيشمل الصحابة ومن بعدهم إذ السلف كل متقدم كما يفيده القاموس والخلف هو من ذهب من الحي ومن حضر منه كما فيه أيضا والمراد هنا الآخر فهو علم قديم الفضل لحاجة السلف إليه وحثهم عليه شريف الأصل لأنه نبع من بحر النبوة
4 وتفرع من دوحة الرسالة فلا غرو ولأنه دل على شرفه العقل لأنه علم دل على كل ما يقرب إلى الله ويبعد عما سواه وأرشد إلى مصالح الدين والدنيا ودعا العباد إلى نيل الذروة العليا وما كان بهذه الصفات دل العقل على أن له الشرف الذي تقصر عن وصفه العبارات و كذلك دل على شرفه النقل عنه صلى الله عليه وسلم فإنه ورد مالا يدخل تحت الحصر من بيان شرف علم الحديث أخرج البيهقي من حديث ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من تمسك بسنتي عنه فساد أمتي فله أجر مائة شهيد وأخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الحافظ المنذري بإسناد لا بأس به إلا أنه قال أجر شهيد(1/6)
5 وكفى فيه بحديث معاذ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدي بأفعالهم وينتهي إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم فيستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخبار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة والتنكر فيه يعدل الصيام(1/7)
6 ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام وهو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء رواه ابن عبد البر في كتاب العلم قال وهو حديث حسن جدا وليس له إسناد قوي قال الحافظ ابن حجر أراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فإنه من رواية موسى بن محمد البلقاوي عن عبد الرحيم بن زيد العمي والبلقاوي هذا كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلي إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه وعبد الرحيم بن زيد العمي متروك أيضا انتهى ذكره استدلالا بأن أئمة الحديث قد يطلقون الحسن على الحديث الضعيف ويريدون حسن لفظه وسيأتي هذا في بحث الحسن وقال الحافظ المنذري وإسناده ليس بالقوي وقد رويناه من طرق شتى موقوفا انتهى ولا يخفي أن عليه حلاوة الكلام النبوي وطلاوته ولفصوله شواهد في شرف العلم والأحاديث كثيرة وكل حديث في الحث على العلم وفضله فإنه صادق على علم الحديث بل هو العلم الحقيقي والفرد الكامل عند إطلاق لفظ العلم العلم قال الله قال رسوله إن صح والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة بين النبي وبين قول فقيه وقال المصنف رحمه الله تعالى العلم ميراث النبي كذا أتى في النص والعلماء هم ورائه فإذا أردت حقيقة تدري بمن ورائه فكرت ما ميراثه ما خلف المختار غير حديثه فينا فذاك متاعه وأثاثه فلنا الحديث ورائه نبوية ولكل محدث بدعة أحداثه واعتضد من عضده كنصره أعانه الإجماعان إجماع السلف والخلف عليه أي على فضل العلم النبوي من بعد أي من بعد إجماع السلف وهو إجماع الخلف ومن قبل أي من قبل إجماع الخلف وهو إجماع السلف ويحتمل إجماع الصحابة والقرابة أو إجماع أهل العقل والنقل ولا ريب أن علم الحديث من أشرف العلوم وأفضلها لأنه ثاني أدلة علوم الإسلام ومادة علوم الأصول والأحكام لا يرغب في نشره إلا كل صادق تقي ولا يزهد في نصره إلا كل منافق شقي قال أبو نصر بن سلام وليس شيء أثقل على(1/8)
أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته وإسناده والصلاة والسلام على خاتم الرسل لما كانت هذه الصفة معينة للموصوف وهو محمد صلى الله عليه وسلم اكتفى بها عن تعيين اسمه وعلى أهله هم آله خير أهل له أو خير أهل لكل ذي أهل وعلى أصحابه كنوز الفضل في القاموس الكنز المال المدفون فقد جعل الفضل كالمال المدفون وجعل الصحابة محله الذي يستخرج منه وسيوف الفصل أي السيوف التي تفصل الحق من الباطل والمؤمن من الكافر وبعد أي بعد حمد الله والصلاة فهذا أي المعاني المخزونة في النفس بعد تزيلها المحسوس لكمال ظهورها لديه مختصر يشتمل على مهمات علوم الحديث وهو علم دراية لا رواية رسمه الشيخ عطا في مختصره المسمى بالقول المعتبر في مصطلح أهل الأثر بقوله علم يعرف به حال الراوي والمروي من جهة القبول والرد وموضوعه الراوي والمروي عنه من هذه الجهة وغايته معرفة ما يقبل وما يرد وأما الحديث فهو علم رواية ورسمه أيضا بأنه علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيل أو إلى صحابي فمن دونه قولا أو فعلا أو هما أو تقريرا أو صفة وقيل ما جاء عن النبي صلى عليه وآله وسلم
7 والخبر ما جاء عن غيره وعلم درايته اصطلاحي كما قال المصنف واصطلاحات أهله ولا غنى لطالب هذا العلم أي علم الحديث عن معرفته المختصر أو معرفة مثله وقد جعل ابن الصلاح أنواع علوم الحديث خمسة وستين نوعا وجعل النوع الأول معرفة الصحيح كما جعل المصنف أقسام الحديث أول أبحاثه
مسألة
في أقسام الحديث(1/9)
قال أقسام الحديث أي في اصطلاحات أئمة الحديث قسمه الخطابي هو الحافظ حمد بفتح الميم بغير همزة كما رواه الحاكم أبو عبد الله أنه سئل الخطابي عن اسمه قال اسمي حمد ولكن الناس كتبوا أحمد فتركته عليه والخطابي فقيه أديب محدث له مؤلفات منها معالم السنين على أبى داود وله أعلام السنن في شرح البخاري وغير ذلك وفاته سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة بمدينة بست بضم الموحدة وسكون السين المهملة ومثناه فوقية مدينة من بلاد كابل والخطابي بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبعد الألف موحدة نسبة إلى جده وقيل إنه ذوية زيد بن الخطاب في المعالم أي معالم السنن جمع معلم بفتح الميم وسكون المهملة في القاموس معلم الشيء كمقعد مظنته وما يستدل به عليها كالعلامة كرمانة والمراد مظنة السنن وما يستدل به عليها وبهذا سمى البغوي تفسيره معالم التنزيل إلى صحيح وحسن وسقيم وقال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث اعلم أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف وعرف الصحيح أي رسمه بأنه عندهم ما اتصل سنده(1/10)
8 السند هو الإخبار عن طريق المتن من قولهم فلان سند أي معتمد سمي سندا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعه عليه وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله وقد يستعمل كل منهما في مكان الآخر فقوله ما اتصل سنده احتراز عن المتقطع وهو الذي لم يتصل سنده بأقسامه ويأتي بيان أقسامه في كلام المصنف وعدلت نقلته احتراز عن المستور ومن قيه نوع جرح والعدل عندهم من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة ويأتي لنا بحث في رسم العدل بهذا ولم يشترط الخطابي في رسم الصحيح الضبط كما اشترط غيره من أئمة الحديث قال السيوطي في شرح ألفيته قال الحافظ ابن حجر قول الخطابي وعدلت نقلته مغن عن التصريح باشتراط الضبط لأن المعدل من عدلة النقاد أي وثقوه وإنما يوثقون من اجتمع فيه العدالة والضبط بخلاف من عرفه بلفظ العدل فيحتاج إلى زيادة قيد الضبط فلا اعتراض عليه ويؤخذ من هذا أنه إذا قيل فلان ثقة يخطئ ففيه مناقضة نعم يبقى الاعتراض عيه بعد زيادة قيد السلامة عن الشذوذ كما يأتي والضابط عندهم من يكون حافظا متيقظا غير مغفل ولا ساه ولا شاك في حالتي التحمل والأداء وهذا الضبط التام وهو المراد هنا واعلم أن الضبط قسمان ضبط صدر بأن يثبت الراوي ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء وضبط كتاب بأن يصونه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه لأن الناقل إن كان فيه نوع قصور عن درجة الإتقان دخل حديثه في حد الحسن وإذا نزلت درجته عن ذلك ضعف حديثه(1/11)
8 انتقوا المسند ويليه ما وافقها عليه بعض من ذكر ويليه ما انفردا بتخريجه فهذه أنواع للقسم الأول وهو ما اتفقا عليه إذ يصدق على كل منها أنهما اتفقا على تخريجه ثم قال فائدتان إحداهما إن اتفاقهما على التخريج عن راو من الرواة يزيده قوة فحينئذ ما يأتي من رواية من انفرد أحدهما أي بالرواية عنه والثانية أن الإسناد الذي اتفقا على تخريجه يكون متنه أقوى من الإسناد الذي انفرد به أحدهما ومن هنا يتبين أن فائدة المتفق إنما تظهر فيما إذا أخرجا الحديث من حديث صحابي واحد وفيه إشارة إلى خلاف الجوز في كما قدمنا ثم قال نعم قد يكون في ذلك الحديث أيضا قوة من جهة أخرى وهو أن المتن الذي تعددت طرقه أقوى من المتن الذي ليس له إلا طريق واحدة والذي يظهر من هذا أنه لا يحكم لأحد الجانبين بحكم كلي بل قد يكون ما اتفقا عليه ممن حديث صحابي واحد إذا لم يكن فردا غريبا أقوى مما أخرجه أحدهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه الآخر وقد يكون العكس إذا كان ما اتفقا عليه من صحابي واحد فردا غريبا فيكون ذلك أقوى انتهى كلامه والثاني من الأقسام السبعة ما أخرجه البخاري منفردا به والثالث منها ما أخرجه مسلم منفردا به فيقدم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم قال الحافظ ابن حجر هذه الأقسام للصحيح التي ذكرها المصنف يريد ابن الصلاح ماشية على قواعد الأئمة ومحققي النقاد إلا أنها قد لا تطرد لأن الحديث الذي انفرد به مسلم مثلا إذا فرض مجيئه من طرق كثيرة حتى يبلغ التواتر أو الشهرة القوية أو يوافقه على تخريجه مشترطو الصحة مثلا لا يقال فيه إن(1/12)
9 ولا اشترط الخطابي سلامة الحديث من الشذوذ احترازا عن الحديث الشاذ وسيأتي بيانه و لا اشترط سلامته من العلة والذي لم يسلم منها يقال له المعل أي الذي لم يسلم عن أسباب حفية قادحة كما ستعرفه في تعريف العلة في كلام المصنف فإن قيل هذا قيد مستدرك فإنه لا يخفى على الضابط الحازم مثل تلك القادحة قيل يقال الصارم قد ينبو والحازم قد يسهو ولا بد من اشتراط الضبط أي لا فراق ولا محالة كما في القاموس أي لا بد من اشتراط تمام الضبط ولا مطلقه كما ستعرفه من عبارات أئمة هذا الشأن وكأن المصنف أطلقه بناء على أن الضبط التام هو الفرد الكامل المتبادر كما هو الواقع في رسوم الصحيح عند علماء الفن قال ابن الصلاح أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه وقال الحافظ ابن حجر في النخبة بنقل عدل تام الضبط ومثله عبارة المصنف في مختصره في هذا الفن ووجه الاحتياج إلى هذا القيد في الرسم قوله لأن من كثر خطؤه عند المحدثين الظاهر تعلقه بقوله استحق الترك فلو أخره كان أولى فإن المعنى استحقاق كثير الخطأ الترك عند أئمة الحديث لا أن كثرة أخطائه عند المحدثين كما هو واضح ترشد إليه عبارته الآتية قريبا وإن كان عدلا إذا العدالة لا تنافي كثرة الخطأ في الرواية إذ مدرك ذلك عدم تمام الضبط ومدرك العدالة غيره وهذا في كثرة الخطأ وأما خفته فإنه يكون الراوي معه مقبولا ويصير حديثه حسنا كما قال الحافظ فإن حف الضبط فهو الحسن لذاته وقال المصنف في مختصره فإن خف الضبط وكان له من جنسه تابع أو شاهد فالحسن ويأتي تحقيق ذلك في بحثه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وكذلك أي يستحق الترك عند الأصوليين(1/13)
10 أي أهل أصول الفقه ولكن بشرط غير شرط الأولين وهو إذا كان خطؤه أكثر من صوابه واختلفوا أي الأصوليون لا أهل الحديث فإنه يعلم أنهم إذا تركوا من كثر خطؤه فتركهم من تساوي خطؤه وصوابه بالأولى والفرق بين كثيرا وأكثر ظاهر فهذان قسمان والثالث أشار إليه بقوله إذا استويا فالأكثر منهم أي الأصوليين على رده لعدم الظن بصدقه لأنه لا يحصل الظن بصدقه ولا يقبل إلا ما يظن صدقه وإلا كان تحكما وهذا ثالث الأقسام ورابعها أن يخف ضبطه وهذا لم يذكره المصنف وقد أشرنا إليه وخامسها من صوابه أكثر من أخطائه وهو مفهوم كلام المصنف حيث قال لأن من كثر خطؤه عند المحدثين واستحق الترك كما سلف وهذا يحتمل أنه الخفيف الضبط فهو مقبول عند المحدثين لكن حديثه حسن لا صحيح عندهم ويكون مقبولا عند الأصوليين ومنع رده جماعة منهم المنصور بالله عبد الله بن حمزة ولكنه قال طريق قبوله الاجتهاد ولا يخفي أن هذه كلها أخبار آحاد(1/14)
11 وطريق قبولها الاجتهاد وهو النظر في أدلة التعبد بأخبار الآحاد فما وجه تخصيص هذا القسم بالشرط المذكور ثم لا يخفى أنه إذا استوى ضبط الراوي وعدمه كان قبول روايته قبولا مع الشك فيها والشك لا يعمل به فإن أراد المنصور بالله أنه إذا حفته قرائن تقيد المجتهد ظن صدقه فليس يعلم بالمشكوك فيه من هذه الجهة بل من جهة ما حفه من القرائن كما هو قول عيى بن أبان بفتح الهمزة ذكره المنصور بالله في كتابه الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة للشيخ الحسن الرصاص وكذلك الفقيه عبد الله بن زيد العنسي ذهب إلى قبوله أي قبول من تساوى ضبطه وعدمه وأما قوله وادعى الإجماع على قبوله إن كان صوابه أكثر من خطائه فيحمل على أن ضمير قبوله في هذه الجملة للراوي المفيد بكثرة صوابه على خطائه لتصح دعوى الإجماع لا فيمن تساويا وإن كانت عبارته تقضي بعود الضمير إليه إذ الكلام فيه ولا يصح أن يجعل قوله إن كان صوابه أكثر من خطائه قيدا لقوله ذهب إلى قبوله لأنه غير محل النزاع فإن النزاع فيمن تساويا فيه ولا من كان خطؤه مكثورا فإن مفهوم قوله آنفا أنه يرد الأصوليون من كان خطاؤه أكثر من صوابه أن من كان صوابه أكثر من خطائه غير مردود عندهم وكذلك عند المحدثين لأن الأظهر أنه المراد بخفيف الضبط الذي جعلوا حديثه حسنا ولهذا راج للفقيه عبد الله دعوى الإجماع على قبوله ذكر الفقيه عبد الله ذلك كله في الدرر جمع درة(1/15)
12 وهو كتاب للفقيه في أصول الفقه وفي دعوى الفقيه عبد الله الإجماع نظر لمخالفة المحدثين اعلم أنه يتصور هنا أربع صور الأولى تام الضبط الثانية من تساوى ضبطه وعدمه الثالثة من كان ضبطه أكثر من عدمه الرابعة من عدم ضبطه أكثر من ضبطه وينضاف إليها صورتان الأولى من قل غلطه والثانية من كثر غلطه الأولى من الأربع بشرط الصحيح والخامسة شرط الحسن فإن قلة الضبط هي خفته والسادسة هي التي قال المصنف إنه يستحق صاحبها الترك عند المحدثين وأما من صوابه أكثر من خطائه وهي الصورة الثالثة فمفهوم كلام المصنف أن صاحبها مقبول عند الأصوليين ويحتمل أنها صورة خفة الضبط عند المحدثين فيكون مقبولا عندهم أيضا فأنا لم ترهم عينوا خفة الضبط برتبة يتميز بها عن غيره وعلى هذا فقد قبل المحدثون أهل هذه الصفة في رجال الحسن فلا يتم قول المنصف إن في دعوى الفقيه عبد الله الإجماع نظرا لمخالفة المحدثين فإن الفقيه عبد الله ادعى الإجماع على قبول من صوابه أكثر من خطائه وهو فيما يظهر لنا خفيف الضبط فيتم دعواه الإجماع على قبوله من الفريقين لكنه شرط للحسن والفقيه عبد الله إنما يتكلم على مجرد القبول لا على ما هو شرط الصحيح ويدل لذلك أن المحدثين جعلوا من القوادح في الراوي فحش غلطة أي كثرته وسوء حفظه وهو عبارة عمن يكون غلطة أكثر من إصابته هكذا ذكره الحافظ في النخبة وشرحها فالذي ذكر المحدثون أربع صور تام الضبط خفيفة كثير الغلط من غلطة أكثر من حفظه فالأوليان مقبول من اتصف بهما والأخريان مردود من اتصف بهما فعرفت أن قوله إلا أن يعني إجماع الصحابة وإجماع غيرهم كما أشار إليه لا حاجة إليه اللهم إلا أن يتبين أن المحدثين يفرقون بين من صوابه أكثر من خطائه وبين خفيف الضبط فيقبلون الثاني في الحسن ويردون الأول صح ما قاله المصنف رحمه الله تعالى(1/16)
13 وأما السلامة من الشذوذ والعلة عطف على قوله ولا بد من اشتراط الضبط أي وأما اشتراط السلامة من الشذوذ والعلة أي في رسم الصحيح كما صنعه جماعة من أئمة الحديث فقال الشيخ تقي الدين هو العلامة التقي محمد ابن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد في كتابه المسمى الاقتراح في هذين الشرطين نظر أي في ذكرهما في رسم الصحيح على مقتضى نظر الفقهاء لا على مقتضى نظر أئمة الحديث وقد صرح بهذا المفهوم بقوله إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء فليست عندهم شرطا في صحة الحديث واعلم أن بعض المحدثين يردون الحديث بالعلل سواء كانت قادحة أو غير قادحة كما صرح به الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح حيث قال وأما الفقهاء فلا يردونه إلا بالعلة القادحة كما ذكره الشيخ تقي الدين بقوله فإن كثيرا من العلل إلى قوله لا تجري على أصول الفقهاء فإن فيه ما يدل أن قليلا منها تجري على أصولهم وهي العلل القادحة لا غير القادحة قال الحافظ وأما العلل التي يعلل بها كثير من المحدثين ولا تكون قادحة أي عند الفقهاء فكثيرة منها أن يروي العدل الضابط عن تابعي مثله عن صحابي حديثا فيرويه عدل ضابط مثله مساو له في عدالته وضبطه وغير ذلك من الصفات العلية عن ذلك التابعي بعينه عن صحابي آخر فإن هذا يسمى علة عندهم أي المحدثين لوجود لوجود الاختلاف على ذلك التابعي في شيخه ولكنها غير قادحة لجواز أن يكون التابعي سمعه من الصحابيين معا ومن هذا جملة كثيرة انتهى(1/17)
14 قلت كلام الشيختقي الدين تنظير على شرطي السلامة من الشذوذ من العلة ولم يبين وجه النظر إلا في اشتراط السلامة من العلة دون الشذوذ فالعلة قاصرة عن المدعي ثم لا يخفى أنه قد حصل مما ذكر أن اصطلاح الفقهاء في صحة الحديث غير اصطلاح المحدثين إذ المحدثون يشترطون خلوه من العلة مطلقا والفقهاء يشترطون خلوه من العلة القادحة فهو اصطلاحهم أخص منه باصطلاح الفقهاء وإذا كان كذلك فلا يتم جمع الخاص والعام في رسم واحد فاعتراض الشيخ تقي الدين على رسم المحدثين بأنه غير موافق لاصطلاح الفقهاء غير وارد بل لا بد من مخالفة الرسمين لاختلاف الاصطلاحين قال ابن الصلاح هو كما قال الذهبي في التذكرة الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان الشهرزوري الشافعي صاحب كتاب علوم الحديث وقال أبو حفص بن الحاجب في معجمه إمام ورع وافر العقل حسن السمت متبحر في الأصول والفروع بارع في الطب وأثنى عليه الذهبي كثيرا ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة قال بان خلكان كان أوحد فضلاء عصره في التفسير والفقه وزين الدين هو العلامة الحافظ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن العراقي البغدادي كان إماما علامة مقرئا فقيها شافعي المذهب أصوليا منقطع القرين في فنون الحديث وصناعته ارتحل فيه إلى البلاد النائية وشهدت له بالتفرد فيه أئمة عصره وعولوا عليه ولى قضاء المدينة نحو ثلاث سنين وسلوك وانتفع به الأجلاء مع الزهد والورع والتحري في الطهارة وغيرها والتقنع باليسير التواضع والكرم والوفاء أفرد ابنه له ترجمة في تأليف مات في شعبان سنة ست وثمانمائة عن إحدى وثمانين سنة ذكره الحافظ السخاوي في شرح الألفية فالصحيح ما اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة قادحة ظاهره أن هذا رسم ابن الصلاح والزين بلفظه والذي رسمه ابن الصلاح(1/18)
15 ليس فيه لفظ قادحة بل لفظه كما قدمنا بعضه وتمامه وأن لا يكون شاذا ولا معللا وأما الزين فإنه زاد وصف العلة بالقادحة في رسمه فكأن المصنف أراد أن هذا الرسم مجموع رسميهما وإن ذكر أحدهما ما لم يذكره الآخر لكن عرفت أن الرسم على اصطلاح المحدثين إذ هذه الكتب ألف في بيان اصطلاح وعرفت أنهم يشترطون في الصحيح السلامة من العلة مطلقا فزيادة القادحة في وصف العلة زيادة قادحة في صحة الرسم على أصلهم فحذف ابن الصلاح لها هو الصواب وإثبات الشيخ زين الدين لها صير رسمه على اصطلاح الفقهاء وهو بصدد بيان اصطلاح المحدثين نعم قال ابن الصلاح في بيان فوائد قيود حده إنه احترز عما فيه علة قادحة يريد أنه وقع الاحتراز عن هذا بقوله معللا ومراده قادحة على رأي المحدثين وإن لم تكن قادحة عند الفقهاء بدليل أنه مثل في النوع الثامن عشر في بحث المعلل بأمثلة يقدح بها المحدثون ولا يقدح بها الفقهاء وسيأتي وبهذا تعرف أن وصفه للعلة بالقادحة عند بيان القيود وإهمالها في الرسم بيان منه لما عليه المحدثون فإن العلة تقدح عندهم في صحة الحديث وإن لم تقدح عند غيرهم فحذف وصفها بالقادحة في الرسم لأن ألفاظه إنما يؤتى بها للاحتراز والجمع والمنع فلو أتى بقيد القادحة في الرسم لحمل رسمه على اصطلاح الفقهاء فإنه يحترز به عن العلة التي ليست بقادحة عندهم وأتى به في بيان فوائد القيود وصفا كاشفا لا تحترز به عن شيء وبه تعرف أن وصف العلة بالقادحة عند الفقهاء احتراز عن علة لا يقدح بها وأن وصفها في لسان المحدثين إنما هو للكشف لا للاحتراز وقلنا في نظمنا للنخبة في رسم الصحيح وهو بنقل العدل ذي التمام في ضبط ما يروى عن الأعلام(1/19)
16 منصلا إسناد ما يرويه لا علة ولا شذوذ فيه يدعي الصحيح في العلوم عرفا فهذا كما ترى جامع مانع على اصطلاح أئمة الحديث وبهذا التحقيق تعلم أن اعتراض الشيخ تقي الدين ليس في محله وتعرف أن قول ابن حجر في جوابه عن اعتراضه إن ابن الصلاح لم يخل بذلك القيد بل قوله في الرسم ولم يكن معللا يريد علة خفيه قادحة مستدلا برسمه للحديث المعلل على اصطلاح المحدثين حيث قال أنه الحديث الذي اطلع في إسناده على علة خفيه قادحة غير صحيح لأنه لم يرد بوصف العلة بالقادحة في رسم العلل إلا القادحة عند المحدثين ولا مفهوم لها بل هي وصف كاشف وتعرف إتقان ابن الصلاح في رسمه وجريه على اصطلاح أئمة الحديث من غير ملاحظة لاصطلاح غيرهم وقد حذف المصنف في مختصره من رسم الصحيح قيد القادحة فهو غير موافق لما قررناه هنا فتأمل وتعرف أنه كان يحسن من المصنف تأخير كلام الشيخ تقي الدين وأن يفرد عبارة ابن الصلاح ثم يورد عقبيها اعتراض الشيخ تقي الدين فإنه اعتراض لرسم ابن الصلاح قال الشيخ تقي الدين لو قيل هذا أي الرسم الذي ذكره ابن الصلاح وزين الدين رسم الحديث الصحيح المجمع على صحته لكان قولا حسنا لأن من لا يشترط هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف يريد أنه لو قيل إن رسم ابن الصلاح الذي سبق اعتراضه له رسم للحديث الصحيح المتفق على صحته لكان حسنا لأن من العلماء من لا يشترط ما ذكر من الشروط فيما يجعله صحيحا فيكون هذا صحيحا عنده لأنه حوى ما شرطه وزيادة ومن شرط الحد الجمع لأفراد المحدود(1/20)
17 والمنع لدخول غيرها فقال ابن الصلاح هذا صحيح باتفاق أهل الحديث قلت ذلك لأنه قد جمع القيود المعتبرة عند أئمة الحديث وهي ثلاثة ثبوتية وهي اتصال السند وعدالة الناقل وضبطه وقيدان عدميان هما عدم الشذوذ والعلة فهذه الخمسة هي المعتبرة في حقيقة الصحيح عند المحدثين لكن تقييده هنا للعلة بالقادحة أخرج منه بعض أفراد الصحيح وهو ما فيه علة غير قادحة فإنه غير صحيح عند المحدثين كما عرفت فقوله صحيح باتفاق المحدثين مسلم لكنه غير جماع لخروج بعض أفراد الصحيح منه عندهم كما عرفت وقد قال الشيخ تقي الدين من شرط الحد الجمع والمنع وهذا الحد قد جمع أفراد المحدود ومنع ما عندها وإن خرج منه بعض أفراد الصحيح أئمة الحديث وتسمية مثل هذه الرسوم حدودا لا يتم على اصطلاح أهل الميزان فهو من باب التسامح في ذلك ويحتمل أن يراد بقوله ومن شرط الحد على آخره الاعتراض على الحد بأنه لم يشمل كل أفراد الصحيح على اصطلاح الفقهاء فلم يكن جامعا فإن أراد هذا فجوابه ما سلف أنه بصدد رسمه على اصطلاح المحدثين ومعناه أخص من معناه عند الفقهاء ولا يتم جمع الأخص والأعم في حد وقد أفصح ابن الصلاح عن مراده من بيان معناه عند الفقهاء بما نقله عنه المصنف من قوله فقال ابن الصلاح هذا صحيح باتفاق أهل الحديث ولفظ ابن الصلاح فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث انتهى فتسامح الزين في عبارته ولم ينقلها بلفظها وتبعه المصنف ثم رأيت بعد ككتب هذا بأيام في شرح الإلمام لابن دقيق العيد المتن والشرح له ما لفظه إن لكل من أئمة الفقه والحديث طريقا غير طريق الآخر فإن الذي تقضيه قواعد الأصول والفقه أن العمدة في تصحيح الحديث عدالة الراوي وجزمه بالرواية ونظرهم يميل(1/21)
18 إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي وعدم غلطه فمتى حصل ذلك وجاز أن لا يكون غلطا وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة لم يترك حديثه فأما أهل الحديث فإنهم قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول ثم تقوم لهم علل تمنعهم عن الحكم بصحته انتهى كلامه بنصه وهو صريح في اختلاف الاصطلاحين في مسمى الصحيح من الحديث كما قررناه والحمد لله واعلم أن ابن الصلاح قال في كتابه علوم الحديث أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل بإسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا ثم قال فهذا الحديث الذي تحكم له بالصحة بلا خلاف بين المحدثين انتهى كلامه بلفظه إذا عرفت هذا عرفت أن تعريف ابن الصلاح جامع مانع على رأي أهل الحديث كما قررناه ولكن المصنف لما أتى بالتعريف الذي نسبه إلى ابن الصلاح والزين وفيه تقييد العلة بالقادحة فخرج بزيادتها عن أن يكون جامعا على رأي المحدثين كما عرفناك ثم قال ابن الصلاح فهذا هو الحديث إلى آخره مشيرا إلى رسمه فكلامه صحيح وحده جامع مانع على رأي المحدثين فالخلل وقع من نسبة المصنف الحد الذي أتى به إلى الزين وابن الصلاح وزيادة قادحة للزين فقط وعرفت أن قول المصنف فقال ابن الصلاح هذا صحيح نقل لكلام ابن الصلاح بالمعنى على أنه إنما أشار بهذا إلى الحديث حيث قال فهذا الحديث الذي نحكم له بالصحة وعبارة المصنف رحمه الله تعالى قاضية بأن الإشارة إلى الحد الذي ذكره هو قال زين الدين إنما قيد أي ابن الصلاح نفى الخلاف بأهل الحديث لأن في المعتزلة من يشترط العدد أي زيادة عدد الرواة على الواحدة حكاه الحازمي هو الأمام الحافظ البارع النسابة أبو بكر محمد بن موسى بن حازم الهمذاني أثنى على الذهبي وذكر له عدة مؤلفات منها(1/22)
19 الناسخ والمنسوخ في الحديث وعدله أشياء غير ذلك في شروط الأئمة لفظ الزين في شرح ألفيته بعد نقل كلام ابن الصلاح إنما قيد نفي الخلاف بأهل الحديث لأن بعض متأخري المعتزلة يشترط العدد في الرواية كالشهادة إلى آخره فأفادت عبارته أنه أشار ابن الصلاح إلى من يقول أنه يشترط في الرواية عدد الشهادة وهو الاثنان وهذا العدد ذكره أبو منصور عن الجاحظ وعبارة المصنف بقوله العدد مجملة في قدر العدد فلذا نقلنا لفظ الزين وأنه يشترط في الرواية الاثنين عن الاثنين والمصنف قال قلت بل مذهب البغدادية من المعتزلة اشتراط التواتر وهو نقل جماعة عن جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب مع استواء الوسط والطرفين بشرط أن يسند إلى الحس ولا يشترط له عدد معين عند المحققين كما عرف في الأصول وكأن المصنف أراد بمجرد الإفادة أن من الناس من يشترط التواتر وإلا فأنه لا يصح تفسير عبارة الزين بمذهب البغدادية من المعتزلة لأن من يشترط التواتر لا يشترط عددا معينا وعبارة الزين أن بعض المعتزلة يشترط العدد في الرواية كالشهادة فلا يصح أن يجعل إشارة إلى القائلين منهم بشرطية التواتر فإن قلت لعل معتزلة بغداد يجعلون للتواتر عددا معينا فيصح تفسير ما قاله الزين بهم قلت لا يصح وإن قالوا بالعدد لاتفاق القائلين إنه لابد وأن يكون أهل التواتر أكثر من أربعةوزين الدين أشار إلى من يقول إن الرواية كالشهادة والشهادة عند الإطلاق تتبادر إلى الاثنين على أنا لو حملنا عبارته(1/23)
20 على أكثر نصاب الشهادة فهو أربعة كما في الزنا والتواتر لا يكفي فيه الأربعة واعلم أنه قال الحافظ ابن حجر إنه رأي في تصانيف الجاحظ أحد المعتزلة أن الخبر لا يصح عندهم إلا إن رواه أربعة وعن أبي علي الجبائي أحد المعتزلة كما حكاه أبو الحسين البصري في المعتمد أن الخبر لا يقبل إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر وعضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر أو يكون قد اشتهر بين الصحابة أو عمل بعضهم انتهى و وفي مختصر المنتهى لابن الحاجب أن الجبائي يقول لا يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا وأما وجوب العمل به فإنه نسب عدم وجوب العمل به إلى القاشاني وابن داود والرافضة وجعلها مسألتين وعندي أنه أي ابن الصلاح لو لم يقيد نقي الخلاف بذلك أي بقوله عند المحدثين كما فعل الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد فإنه قال لو قيل هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته فإنه أطلق الإجماع ولم يقيده بالمحدثين ولا غيرهم لكان أي الحد مع عدم التقييد صحيحا ويحمل على إجماع الصحابة أي يحمل رسم ابن الصلاح للصحيح بتلك القيود على أنه أراد إجماع الصحابة والمراد إجماعهم على قبول من له تلك الأوصاف لا أنهم رسموا الصحيح فإن هذا التقسيم للحديث عرف حادث بعد عصرهم ومن بعدهم من التابعين حتى حدث هذا الخلاف أي خلاف المعتزلة قلت في كلام المصنف رحمه الله تعالى أبحاث أحدها أن الصحابة لم يجمعوا على قبول من له هذه الأوصاف فإنه سيأتي للمصنف رحمه الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه يحلف الراوي وقد علم(1/24)
21 من كتب الحديث أن عمر رضي الله عنه رد خبر المغيرة ورد خبر أبي موسى حتى انضم إليهما غيرهما ورد خبر فاطمة بنت قيس ورد على رضي الله عنه خبر معقل بن سنان وقال أعرابي بوال على عقبيه وإن قيل إنه لم يصح عنه ثم كانوا يقبلون المرسل فإنهم قالوا إن ابن عباس رضي الله عنهما لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بضعة عشر حديثا وقيل أقل وروي الكثير الطيب عن الصحابة من دون ذكرهم وكذلك غيره الثاني أن ابن الصلاح قد صرح بمراده من قيد نقي الخلاف فإنه قال باختلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلاف في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل انتهى فأفاد أن المحدثين يختلفون في صحته لعدم وجود بعض الأوصاف التي هي الاتصال بنقل العدل الضابط عن مثله وعدم الشذوذ والعلة فإن وجدت فهو عندهم صحيح بلا خلاف بينهم وإن فقد البعض منها جاء فيه الخلاف ومثل بالمرسل لأنه فقد الاتصال وقد ذهب أقوام إلى أنه صحيح ولذا قال المصنف في مختصره في رسم الصحيح إنه نقل عدل تام الضبط متصل السند غير معل ثم قال وعند من يقبل المرسل نقل عدل غير مغفل بصيغة الجزم دون التمريض والبلاغ فجعل المرسل قابليه قسما من الصحيح وإذا عرفت هذا عرفت أن ابن الصلاح لم يرد بقوله بلا خلاف بين أهل الحديث الإشارة إلى من يشترط العدد من المعتزلة كما قاله زين الدين بل الإشارة إلى خلاف أهل الحديث الذين ألف كتابه في اصطلاحهم ولذا قال(1/25)
22 قد يختلفون أي أهل الحديث أنفسهم فالحديث إن جمع تلك القيود اتفقوا على صحته وإن فقد بعضها جاء فيه الخلاف بين أهل الحديث إذا منهم من لا يشترط تمام الضبط فيدخل الحسن في الصحيح كما يأتي وبه تعرف أنه لا بد من التقييد لنفي الخلاف بالمحدثين إذ التأليف على اصطلاحهم والخلاف بينهم لا أنه إشارة إلى من يشترط العدد وتعرف أنه لا يريد إجماع الصحابة وكيف يحمل كلامه على الإشارة إلى من يشترط العدد كما زعمه زين الدين وهو يقول لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض الأوصاف أي في شرطيته كالاتصال فان من يقبل المرسل لا يشترطه ولم يقل لاختلافهم هل تكفي هذه الأوصاف أو لابد من زيادة عليها حتى يفسرها باشتراط العدد وبه أيضا تعرف أن قول المصنف قلت بل مذهب البغدادية من المعتزلة اشتراط التواتر ليس في محله البحث الثالث أن من جعل ذلك القيد للإشارة إلى من يشترط العدد مبنى على أنه أريد بالعدل الضابط في الرسم الواحد فلا يدخل فيه الاثنان ولا أكثر منهما ولا تصح إرادته لأنه يخرج حينئذ عن الرسم الحديث العزيز وهو ما يرويه اثنان عن اثنين والمشهور وهو ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين والكل من قسم الآحاد ورسم الصحيح عام لهما فلابد من أن يراد بالعدل والضابط والجنس ليشمل ما ذكر وحينئذ لا يخرج عنه من يشترط العدد باثنين أو أكثر(1/26)
23 البحث الرابع كلام الزين والسيد محمد رحمهما الله تعالى أن شرط العدد إنما هو لجماعة غير أهل الحديث غير صحيح فإن أهل الحديث قاطبة قد اعتبروا العدد في العزيز وهو أحد أقسام الآحاد كما عرفت وإنما اختص الجبائي بأنه حصر المقبول من الآحاد عليه فما فوقه ثم أنه قد نقل ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول أن شرط الشيخين أن يروي الحديث الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المشهور وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري ومسلم متقنا مشهورا بالعدالة في روايته ثم قال وهذا الشرط الذي ذكرناه ذكره الحاكم ثم رد ابن الأثير على من قال إن هذا لا يتم إذ في البخاري أحاديث على غير هذا الشرط كما هو معروف في كتابه وقرر أن هذا شرط الشيخين وقال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها عند ذكر العزيز وهو أن لا يروي الحديث أقل من اثنين وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه وهو أبو على الجبائي من المعتزلة وإليه يومئ كلام الحاكم في علوم الحديث قال الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة وصرح به القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري(1/27)
24 ثم قال قال ابن رشيد ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أول حديث فيه مذكور انتهى قلت وإليه أشرنا في نظم النخبة بقولنا وليس شرطا للصحيح فاعلم وقيل شرط وهو قول الحاكم ومراده ابن رشيد بأول حديث إنما الأعمال بالنيات وهو مروي بالآحاد فإنه لم يروه إلا عمر رضي الله عنه ولم يروه عنه إلا علقمة ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن ابراهيم ثم تفرد به يحيى بن سعيد عن محمد وكذلك آخر حديث مذكور فيه وهو حديث كلمتان خفيفتان على اللسان إلخ لم يروه إلا أبو هريرة وتفرد به عنه أبو زرعة وتفرد به عنه عمارة بن القعقاع وتفرد به محمد بن فضيل وعنه انتشر وإذا عرفت هذا عرفت أن في اعتبار خلافا لبعض أئمة الحديث وادعي أنه شرط البخاري لكن التحقيق خلاف ذلك وسوف يأتي تعريف الحسن والضعيف وغيرهما إن شاء الله تعالى بعد استيفاء الكلام على ما يتعلق بالصحيح
مسألة في بيان مراد أهل الحديث بقولهم هذا حديث صحيح
المراد أي مراد أهل علوم الحديث بالصحيح والضعيف ذكره وإن كان تعريفه متأخرا ذكرا لحكم النقيض عند حكم نقيضه قال زين الدين وحيث يقول المحدثون هذا حديث صحيح فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد لا أنه مقطوع بصحته هو مأخوذ من كلام ابن الصلاح فإنه قال ليس من شرطه(1/28)
25 يريد الصحيح أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر وهذا كلام صحيح لجواز الخطأ والنسيان على الثقة سواء أريد المصحح له من الرواة إلا أنه لا يخفي أن هذا الإخبار عن مرادهم قليل الإفادة لأنه معلوم أن ما في نفس الأمر لا يطلع عليه إلا الله تعالى وأنه لا يكلف أحدا إلا بالعمل بما خوطب به وظهر له صحته أو غيرها وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم إنما أقطع له قطعة من نار لأنه يحكم بما أوجب عليه الحكم به عنده وهو حصول نصاب الشهادة مثلا وإن كانت كذبا في نفس الأمر وقد نقل إليه صلى الله عليه وسلم أن رجلا يأتي أم ولده فأرسل عليا عليه السلام لقتله فوجده محبوبا فتركه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أحسنت ولكنه ذكره المصنف ليتوصل به إلى قوله هذا هو الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم خلافا لمن قال إن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر كحسين الكرابيسي نسبة إلى الكرباس بالكسر الثوب الأبيض من القطن معرب فارسيته بالفتح غيروه لغزة فعلال والنسبة كرابيسي كأنه شبه بالأنصاري وإلا فالقياس كرباسي قاله في القاموس وغيره(1/29)
26 واعلم أن ظاهر مراده بالعلم العلم بالمعنى الأخص إذ العلم بالمعنى الأعم يشمل الظن لكن لما قال الظاهر قال الحافظ ابن حجر إنما يكون ذلك مخالفا لو قال يفيد العلم وأطلق فأما الظاهر وهو غلبة الظن على صحته فلا خلاف في أنه يفيده والله أعلم بمراد الكرابيسي فإن العبارة المذكورة هنا لا تصرح بالمقصود وقد نقل عن أبي بكر القفال مثلها وأول ذلك بغالب الظن لأن العلم لا يتفاوت قلت يعني لا يقال فيه ظاهر وغير ظاهر بخلاف الظن وحكاه ابن الصباغ بفتح الصاد المهملة فموحدة مشدده فغين معجمة بعد ألفه هو أبو نصر عبد الله بن محمد بن عبد الواحد فقيه العراقيين في وقته مؤلف كتاب الشامل في فقه الشافعية والعدة في الأصول في العدة عن قوم من أصحاب الحديث قد علم أن خبر الواحد يفيد الظن فإذا حفته القرائن أفاد العلم كما قال الحافظ في النخبة وشرحها وقد يقع فيها أي في أخبار الآحاد المنقسمة إلى مشهور وعزيز وغريب وهي أقسام الآحاد ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار وقلنا في نظم النخبة وقد يفيد العلم أعني النظري إذا أتت قرائن للخبر واعلم أن الأقوال في خبر الواحد في إفادته العلم ثلاثة كما ذكره ابن الحاجب والعضد وغيرهما الأول أنه يفيد العلم بنفسه مطردا أي كلما حصل خبر الواحد حصل العلم وهو قول أحمد بن حنبل(1/30)
27 والثاني أنه يحصل به العلم ولا يطرد أي ليس كلما حصل حصيل العلم به الثالث أنه لا يحصل العلم به إلا بقرينة والمسألة مستوفاة هنالك والمراد بيان أن المسألة من المسائل المعروفة والخلاف فيها واسع فأحد أقوال أحمد كقول الكرابيسي وكأنه الذي أراده ابن الصباغ بقوله عن قوم من أصحاب الحديث والحق أن فيه ما يفيد العلم كما هو أحج الأقوال وقد كان صلى الله عليه وسلم يبعث الآحاد إلى الأقطار يدعون إلى الإيمان ولابد فيه من العلم ولا يكفي فيه الدخول بالظن وكان يرتب على خبر الآحاد ما يرتب على ما يفيد العلم كقبوله خبر الوليد بن عقبة في قصة بني المصطلق وإرادته صلى الله عليه وسلم غزوهم استنادا إلى خبره حتى أنزل الله إن جاءكم فاسق بنبأ ثم المراد من العلم هنا بخبر الآحاد العلم بالمعنى الخاص وهو الاعتقاد الجازم المطابق الذي لا يبقى معه شك ولا شبهة فقول الزين العلم الظاهر يريد به هذا المعنى إذ العلم بالمعنى الأعم لا خلاف في إفادة خبر الآحاد له على أن قول الكرابيسي العلم الظاهر يحتمل أه لا يريد به ما في نفس الأمر بل أنه يفيد خبر الآحاد العلم المذكور ظاهر لا قطعا قال الباقلائي هو أبو بكر محمد بن الطيب الباقلائي بفتح الموحدة وبعد الألف قاف ثم لام ألف وبعده نون نسبة إلى الباقلا وبيعه وأنكر الحريري هذه النسبة وقال من قصر الباقلا قال باقلي ومن مد قال باقلاوي وباقلائي وفي جامع الأصول قولهم باقلائي على خلاف القياس مثل صنعائي ذكر ابن خلكان أنه سكن بغداد وصنف التصانيف الكثيرة في علم الكلام وسمع الحديث أنه أي القول بإفادة خبر الواحد العلم قول من لا يحصل علم هذا الباب أي باب ما تفيده أخبار الآحاد ولا يخفى ما تقدم من قول أحمد وغيره في إفادته إياه والحاصل أنه قبل(1/31)
28 بإفادته العلم وعدمها مطلقا وإفادته تارة وعدمها أخرى فكيف يقال أنه قول من لا يحصل على هذا الباب على أنه لا يخفي أن من أخبر نفسه بأنه حصل له العلم بأي سبب من الأسباب المحصلة له يصدق في نفسه وأما حكمه بأنه تحصل لغيره ما حصل له من العلم بذلك السبب فهذه دعوى على الغير مستندها القياس على النفس واختلاف الإدراك معلوم فلا يكاد يستوي اثنان في رتبه فالقول بأن هذا السبب الفلاني مثلا يفيد العلم أولا يفيده لكل من حصل له ليس بمقبول قال زين الدين إن أخرجه أي الحديث الصحيح الأحادي الشيخان البخاري ومسلم أي اتفقا على إخراجه على الصحابي أو انفرد أحدهما بإخراجه فاختيار ابن الصلاح القطع بصحته وخالفه المحققون كما سيأتي للمصنف في ذكر حكم الصحيحين ويأتي الكلام عليه وكذا قولهم أي أئمة الحديث هذا حديث ضعيف مرادهم فيما لم يظهر لنافيه شروط للصحة أي ولا الحسن لا أنه كذب في نفس الأمر هذا إذا كان تضعيفه لكذب راوية وإلا فإن أسباب التضعيف كثيرة كما يأتي فلو قال لا أنه ضعيف في نفس الأمر لكان أشمل وفي قوله وإصابة من هو كثير الخطأ إشارة إلى ما صوبنا به عبارته إذ كثير الخطأ ليس خبره كذبا بل مردودا لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ
مسألة من علوم الحديث في معرفة أصح الأسانيد
وأصح الأسانيد واختلفوا أي أئمة الحديث على ثلاثة أقوال إطلاقين وتفصيل كما ستعرفها هل يمكن معرفة المحدث أصح الأسانيد وكذا يجري(1/32)
29 في الحديث نفسه قال ابن الصلاح ولهذا ترى الإمساك عن إسناد أو حديث إلى آخره فليس الكلام مقصورا على الأسانيد كما هنا قلت كأنه حذف الزين قوله أو حديث لأنه قال الحافظ ابن حجر لا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن المروي به أصح من المتن المروي بالإسناد المرجوح لاحتمال انتفاء العلة عن الثاني ووجودها في الأول أو كثرة المنابعات وتواترها على الثاني دون الأول فلأجل هذا ما خاض الأئمة إلا في الأول خاصة وكأنه قال هل يمكن أو لا يمكن قال زين الدين والمختار أنه أي معرفة الأصح ذكر الضمير لإضافته إلى المذكر لا يصح الظاهر أن يقال لا يمكن أنه عنوان البحث فكأنه أراد الصحة الإمكان لأن تفاوت مراتب الصحة التي يفيدها صحيح وأصح إلا أن ابن الصلاح ذكر هذا البحث بعد بيان مراتب الصحة فإنه قال الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم قال إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر وهذا التفاوت في المراتب التي علل بها زين الدين لا يتضح إلا بعد معرفة هذه التقاسيم فلو أشار إليها كان أتم في الإفادة لقوله مترتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة ولا سبيل إلى معرفة تمكنه منها إلا بعد معرفة هذه التقاسيم ليعرف الأعلى مرتبة من الأدنى كما قال ويعز وجود أعلى درجات(1/33)
30 القبول في كل فرد فرد من الرواة بأن يكون أكمل رواة الأحاديث عدالة وضبطا بالنسبة إلى كل راو في الدنيا للحديث النبوي في رجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة إذ قد لا يعز في بعض الرواة أو في تراجم معقودة رواة متعددين كما يأتي أنه قد حكم على بعض التراجم بالنسبة إلى راو معين وهذا التعليل يشعر بأنه يمكن وإنما يعز ولو عبر المصنف في أول البحث بقوله يعز معرفة أصح الأسانيد لكان أوفق لما ذكره هنا نعم عبارة الحافظ بلفظ لا يمكن أن يقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد وكأنه لذلك قال المصنف وقريب من هذا أي من كلام الزين ما قاله الحاكم أي أبو عبد الله الإمام الكبير الحافظ الشهير الضبي النيسابوري متفق على إمامته وجلالته ويأتي ذكر كتابه المستدرك وكلام الأئمة فيه وهذا الذي ذكره المصنف ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث وسيأتي كلامه قريبا وهذا الإطلاق الأول في مسألة والإطلاق الثاني ما أفاده قوله قال ابن الصلاح إن جماعة من المحدثين خاضوا غمرة ذلك الغمرة بالغين المعجمة فيم ساكنة فراء من غمرة الماء غطاه ففي الكلام استعارة شبه البحث عن أصح الأسانيد بالبحر فأثبت له الخوض والغمرة وهذا دليل على أن هؤلاء الخائضين يرون إمكان معرفة أصح الأسانيد بل وجزموا فيما عينوه وهذا القسم يقابل قول المصنف يمكن وكأنه قال أولا ثم ذكر القسم الأول وأخذ في ذكر الثاني فاضطربت أقوالهم اختلفت في تعيين أصح الأسانيد فقال البخاري أصح الأسانيد زاد ابن الصلاح لفظ كلها وكذلك الحاكم في الرواية عن البخاري وما كان يحسن حذفها إذا فيها التنصيص على المارد أي كل سند في الدنيا ما رواه مالك الإمام المعروف عن نافع مولى عبد الله بن(1/34)
31 عمر عن ابن عمر هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب أخرج هذا الحاكم عن البخاري بسنده فهذا رأي البخاري ولا يصح أنه يريد أصح أسانيد عبد الله بن عمر عنده في نظره لأنه صرح بقوله كلها فإذا هذا الحكم بالنسبة إليه ليس محلا للخلاف إذ محله بالنسبة إلى كل حديث يروى ثم إذا كان البخاري عين الأصح عنده فلا يقال إنها اضطربت أقوال من عين رتبة الأصح عنده لأنه أخبر عن رأيه وما حصل عنده فكل قائل قوله غير مضطرب في نفسه ولا يلزمه القول بقول غيره إذ هو مخبر عما صح له وقال عبد الرزاق هو الصنعاني الإمام المعروف صحاب المسند وأبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بم محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف أصحها مطلقا الزهري هو محمد بن شهاب التابعي المعروف منسوب إلى زهرة بن كلاب بطن من قبيلة من قريش منهم أم النبي صلى الله عليه وسلم عن علي بن الحسين زين العابدين وإمام المتقين شهرة أمره تغني عن ذكره عن أبيه الحسين بن علي ريحانة المصطفى وسيد الشهداء وقتيل كربلاء عن جده على بن أبي طالب أمير المؤمنين أبي الحسن خامس أهل الكساء وسيد الأتقياء وإمام الشهداء قد بينا بعض ما يجب من بيان فضائله في الروضة الندية شرح التحفة العلوية سلام الله عليهم أجمعين وهذه الرواية عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة أخرجها الحاكم في علوم الحديث يسنده وفيها أصح الأسانيد كلها وقال أحمد هو إمام الحدثين أبو عبد الله أحمد بن حنبل صاحب المسند واسحق هو أبو يعقوب اسحق بن ابراهيم الحنظلي من أئمة الحديث عرف بابن راهوية أصحها مطلقا الزهري عن سلام ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب وقال عمر بن علي الفالس أخرجه الحاكم عنه وفي كتاب ابن الصلاح عمرو بفتح العين وهي نسخة في كتاب المصنف والفلاس بفتح الففاء فتشديد اللام فسين مهملة وسليمان ابن حرب وفي كتاب علوم الحديث للحاكم ابن داود وفي نكت الحافظ ابن(1/35)
32 حجر ابن حرب مثل ما هنا وعلي بن المديني وهو الحافظ المعروف شيخ البخاري أصحها محمد بن سيرين التابعي المعروف بتعبيره الأحلام عن عبيدة بفتح المهملة فموحدة فمثناة تحتية فدال مهملة السلماني بالسين المهملة وسكون اللام ويقال بفتحها وهو أحد الرواة عن علي بن أبي طالب عليه السلام إلا أن علي بن المديني قال أجود الأسانيد كأنه عبارة عن أصحها ليوافق ما تقدم من قوله أصحها عبد الله بن عون عن محمد ابن سيرين عن عبيدة عن علي فشرط أن يكون الراوي عن محمد بن سيرين عبد الله بن عون وقال سليمان بن حرب أصحها أيوب السختياني الثقة المعروف عن محمد بن سيرين بن عن عبيدة عن علي فشرط في الراوي عن ابن سيرين أن يكون أيوب فقد اتفق الثالثة أن أصحها محمد بن سيرين عن عبيدة عن عي وإن اختلفوا في الراوي عن محمد وظاهر هذا أن الفلاس لم يشترط راويا معينا عن محمد وقال ابن معين بفتح الميم فعين مهملة فمثناة تحتية فنون هو يحيى بن معين الإمام الحافظ صاحب الجرح والتعديل أصحها سليمان ابن مهران بسكر الميم وسكون الهاء فراء الأعمش بعين مهملة فشين معجمة حافظ مشهور ثقة عالم رأي أنس بن مالك ولم يرزق السماع منه فهو تابعي برؤية الصحابي وأما ما يرويه عنه فهو مرسل أرسل عن كبار التابعين عن ابراهيم بن يريد النخعي بفتح النون وفتح الخاء المعجمة فعين مهملة فقيه كوفي أحد الأئمة المشهورين تابعي رأي عائشة ولم يسمع منها وهو منسبوب إلى النخع قبيلة كبيرة من مذحج باليمين عن علقمة بعين مهملة مفتوحة(1/36)
33 فلام فقاف فقيه ثبت تابعي عالم ابن النفيس ابن عبد الله النخعي الكوفي عن عبد الله بن مسعود أخرجه الحاكم بسنده عن يحيى زاد فقال له أي ليحيى إنسان الأعمش مثل الزهري فقال برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري كان يرى العرض والإجازة وكان يعمل لبني أمية وكان الأعمش فمدحه فقال فقير صبور مجانب للسلطان فهذه الأقوال وهي خمسة ذكرها ابن الصلاح قال زين الدين بعد سياقه لكلام ابن الصلاح وفي المسألة أقوال أخر ذكرتها في الشرح الكبير الذي شرح به ألفيته وقد ذكر الحافظ ابن حجر أقوالا أخر نص أئمة من أئمة الحديث بأنها أصح الأسانيد غير ما ذكر وفيه أي في الشرح الكبير فوائد مهمة لا يستغني عنها طالب الحديث لنفعها في ذلك الفن فهذان الإطلاقان إلى هنا والتفصيل ما أفاده قوله قال أي زين الدين ولا يصح تعميم الحكم في أصح الأسانيد كسند حديث أبي هريرة مثلا في ترجمة لصحابي واحد بل ينبغي أن تقيد كل ترجمة منها بصاحبيها على جميع تراجم الصحابة أي لا يحكم بأنها أصح أسانيد الأحاديث كلها وهذا منه رد لما قاله من ساق كلامهم من الأئمة في حكمهم بأن أصح الأسانيد مطلقا رواية الصحابي الذي عينوه وهذا الكلام من كلام الحاكم فإنه قال بعد سياقه لما ذكر من التراجم التي حكم عليها بأنها أصح الأسانيد وهي التي سلف ذكرها قريبا ما لفظه إن هؤلاء الأئمة الحافظ قد ذكر كل واحد منهم ما أدى أليه اجتهاده في أصح الأسانيد ولكل صحابي رواة من التابعين ولهم أتباع وأكثرهم ثقات ثم ما نقله المصنف بقوله قال الحاكم لا يمكن أن يقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد ثم قال الحاكم فنقول وبالله التوفيق في بيان أصح الأسانيد وتقييد كل ترجمة بصحابيها إن أصح أسانيد أهل البيت عليهم السلام ما رواه جعفر هو جعفر الصادق ابن محمد هو محمد الباقر(1/37)
34 عن أبيه محمد عن جده علي بن الحسين زين العابدين وهذا الذي نقله المصنف هو لفظ الحاكم كما رأيناه في كتاب الحاكم إلا أنه لا يخفي أن الظاهر أن يراد بأبيه محمد لأن علي بن الحسين جد جعفر لا أبوه مع أنه مشكل فإن ضمير جده على هذا يكون لعلي بن الحسين فأنه جد جعفر ولكن علي بن الحسين لم يسمع من علي بن أبي طالب فيكون منقطعا فيكف يكون من أصح الأسانيد وإذا أعيد ضمير أبيه إلى علي بن الحسين وإن كان جدا لجعفر فإنه يصح إطلاق الأب عليه لغة وحينئذ فلا انقطاع إلا أنه لا يتم إلا بعد ثبوت سماع جعفر من جده علي بن الحسين ولأن هذا خلاف القاعدة لهم فإنهم إذا قالوا عن أبيه عن جده لا يريدون إلا أنه يروي عن أبيه وأبوه يروي عن جده وقد ثبت سماع جعفر عن جده علي بن الحسين لأن مولد جعفر سنة ثمانين ووفاة علي بن الحسين سنة ثلاث وتسعين فقد صحب جعفر جده علي بن الحسين ثلاث عشرة سنة فسماعه منه يقين كما أن سماع زين العابدين من أبيه الحسين السبط يقين فإنه حضر الطف مع أبيه وعمره ثلاث وعشرون سنة عن جده الحسين السبط عن علي رضي الله عنهم إذا كان الراوي عن جعفر ثقة نقل عن المصنف أنه إنما قيد الحاكم بذلك لكثرة رواية الضعفاء عنه قلت قال أحمد بن حنبل هذا إسناد لو مسح به على مريض لشفي رواه عن أحمد المنصور بالله عبد الله بن حمزة في المجموع المنصوري وذكره السمهودي في جواهر العقدين من طريق المحدثين يريد أنه يشفي لبركة هؤلاء الأئمة وكأنه يريد لو كتب ومسح به أولو قرئ على المريض ومسح بيده القارئ قال الحاكم وأصح أسانيد أبي بكر(1/38)
35 رضي الله عنه لفظ الحاكم الصديق عن أبي بكر وكذا نقله عن الزين ما رواه إسماعيل بن أبي خالد البجلي ثقة روي عن كبار التابعين عن قيس ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي وقيس هو أبو عبد الله الكوفي البلخي مخضرم من كبار التابعين وهو ثقة عن أبي بكر وأصح أسانيد عمر رضي الله عنه الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر بن أبيه عبد الله عن جده عمر وقال ابن حزم أصح طريق يروي في هذه الدنيا عن عمر رواية الزهري عن السائب بن يزيد عنه وأصح أسانيد أبي هريرة الزهري عن سعيد بن المسيب بفتح المثناة وروي عنه أه كان يقول بكسرها تابعي مشهور فاضل عن أبي هريرة وأصح أسانيد ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر وهي التي قال البخاري إنها أصح الأسانيد مطلقا كما سلف وأصح أسانيد عائشة عبيد الله بن عمر ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كان أحد الأعلام عن القاسم بن محمد ابن أبي بكر عن عائشة عمته أخت أبيه أخرج الحاكم عن يحيى بن معين أنه قال عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب وأصح أسانيد عبد الله بن مسعود سفيان هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالمثلثة مفتوحة وسكون الواو فراء نسبة إلى ثورين عبد مناف وهو رأس في العلم والورع والتقوى عن منصور هو ابن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن علقمة تقدم عن ابن مسعود وأصح أسانيد أنس بن مالك عن الزهري عن أنس فهذه أصح الأسانيد بالنظر إلى الصحابي من غير اعتبار محل وأما باعتبار المحلات فقال واصح أسانيد المسكين من الرواة سفيان بسين مهملة مثلثة الحركات ابن عيينة بضم العين المهملة وفتح المثناة التحتية وسكون المثناة التحتية وفتح النون هو أبو محمد سفيان ثبت حجة معروف عن عمرو ابن دينار بالدال بلفظ الدينار المعروف عن جابر بن عبد الله وأصح أسانيد اليمانيين جمع يماني منسوب ويقال في النسبة أيضا يمني ويمان كقاض كما في(1/39)
36 القاموس والمراد رواة معمر بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الميم الثانية فراء هو أبو عروة بن راشد الأزدي نزيل اليمن ثقة فاضل عن همام بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه هو تابعي وهو أخو وهب بن منبه اليماني صاحب الأخبار عن أبي هريرة وأثبت أسانيد المصريين أي أصحها الليث ابن سعد أحد أعلام عصرة عن يزيد بن أبي حبيب المضري أي حازم اسم أبيه سويد ثقة فقيه كان يرسل عن أبي الخير بالخاء المعجمة وتحتية اسمه مرثد بن عبد الله ثقة فقيه عن عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف فموحدة ابن عامر وعقبة صحابي معروف وأثبت أسانيد الشاميين جمع شامي منسوب إلى شام ويقال في النسبة إلى الشام أيضا شام وشامي كما في القاموس الأوزاعي بفتح الهمزة وسكون الواو فزاي مفتوحة مفهمة وهو أبو عمر عبد الرحمن ابن عمرو ثقة جليل عن حسان بمهملتين الثانية مشددة ابن عطية هو أبو بكر حسان الدمشقي فقيه عابد عن الصاحبة وأثبت أحاديث الخراسانيين الحسين بن واقد اسم فاعل من الوقود ولي قضا مرو وكان يحمل حاجته من السوق وثقة ابن معين وغيره واستنكر أحمد بعض حديثه عن عبد الله بن بريده تصغير برد الحالف التاء عن أبيه بريدة بن الحصيب الصحابي المعروف قال الحاكم بعد سياقه لهذا ولعل قائلا يقول هذا الإسناد لم يخرج منه في الصحيحين إلا حديثان فيقال له أوجدنا للخراسانيين أصح من هذا الإسناد وكلهم ثقات وخراسانيون وبريدة بن الحصيب مدفون بمرو انتهى وقال الحافظ ابن حجر بعد سياقه لكلام الحاكم هذا ما لفظه قلت وهذا الذي ذكره فد ينازع في بعضه ولاسيما في أصح أسانيد أنس فإن قتادة وثابتا البناتي أقعد وأسعد بخدمته من الزهري ولهما في الرواة جماعة فأثبت أصحاب ثابت البناني حماد بن زيد وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل غيره وإنما جزمت بشعبة لأنه كان لا يأخذ ع أحد ممن وصف بالتدليس إلا(1/40)
37 ما صرح فيه ذلك المدلس بسماعه من شيخه وقوله في أسانيد أهل الشام فيه نظر فان جماعة من أئمتهم رجحوا راوية سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس الخولاني عن أبى ذ ر ثم قال تنبيه لم يذكر المصنف يريد ابن الصلاح أوهى الأسانيد وقد ذكره الحاكم وأظنه حذفه لقلة جدواه بالنسبة إلى مقابله انتهى واعلم أن فائدة معرفة أصح الأسانيد مما ذكر وغيره أنه إذا عارضه حديث مما لم ينص فيه إمام على أصحيته يرجع ما نص على أصحيته عليه وإن كان صحيحا فان عارضه مه نص أيضا على أصحيته يرجع إلى المرجحات فأيهما كان أرجع حكم بقوله وإلا رجع إلى القرائن التي تحف أحد الحديثين فيقدم بها على غيره مسألة في ذكر أول من صنف في جمع الصحيح
أصح كتب الحديث أول من صنف صحيح البخاري هذا كلام ابن الصلاح قال الحافظ ابن حجر إنه اعترض عليه شيخ علاء الدين مغلطاى فيما قرأت بخطه بأن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمى قال وليس لقائل أن يقول لعله أراد(1/41)
38 الصحيح المجرد فلا يرد كتاب مالك لأن فيه البلاغ والموقوف والمتقطع والفقه وغير ذلك لوجود ذلك في كتاب البخاري قال وقد أجاب شيخنا يريد به زين الدين ثم ذكر جوابه واعتراضه بما هو حق ثم قال لكن الصواب في الجواب ثم ذكر ما حاصله أنه يصدق على مالك أنه أول من صنف الصحيح اعتبار انتقائه للرجال فكتابه أصح من الكتب المصنفة في هذا الفن من أهل عصره وما قاربه كمصنفات سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة الثوري وابن اسحق ومعمر وابن جريح وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم ولهذا قال الشافعي ما بعج كتاب الله اصح من كتاب مالك فكتابه أصح عنده وعند من يتبعه ممن يحتج بالمرسل والموقوف وأما أول من صنف الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف فأول من جمعه البخاري ثم مسلم كما جزم به ابن الصلاح وأما قول مغلطاي إن أحمد أفرد الصحيح فقد أجاب عنه الشيخ ابن الصلاح في التنبيه السادس من الكلام على الحديث الحسن انتهى كلام ابن حجر(1/42)
39 قلت يريد حيث قال الشيخ ابن الصلاح كتب المسانيد غير ملحقة والكتب الخمسة التي هي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما ورد فيها مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند اسحق ومسند عبد بن حميد ومسند الدرامي ومسند أبي يعلي الموصولي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متفيدين بأن يكون حديثا محتجا به أولا فلهذا أخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة انتهى ثم قال الحافظ وأما ما يتعلق بالدرامي فتعقبه الشيخ زين الدين بأن فيه الضعيف والمنقطع لكن بقي مطالبة مغلطاي بصحة دعواه أن جماعة أطلقوا على مسند الدرامي كونه صحيحا فأنى لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه ثم قال كيف ولو أطلق عليه ذلك من يعتمد لكان الواقع بخلافه لما في الكتاب المذكور من الأحاديث الضعيفة والمنقطعة والموضوعة والموطأ في الجملة أنظف أحاديث وأتقن رجالا منه ومع ذلك كله فلستأسلم أن الدارمي صنف كتابه قبل تصنيف البخاري الجامع لتعاصرهما ومن ادعى عليه ذلك فعليه البيان انتهى قلت ومن ادعى تقدم تصنيف البخاري على تصنيف الدارمي فعليه البيان أيضا وكأنه اغتر الحافظ العلائي بكلام مغلطاي فإنه قال ينبغي أن يجعل مسند الدارمي سادسا للخمسة بدل ابن ماجة فإنه قليل الرجال الضعفاء أكثر وأحاديثه الشاذة والمنكر غير نادرة(1/43)
40 إذا عرفت هذا فعلى تحقيق الحافظ ينبغي أن يقال أول صنف في الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف البخاري غير أن جواب الحافظ لم يتضح به رد كلام مغلطاي كل الاتضاح كما لا يخفى وكتابه أي البخاري أصح من كتاب مسلم عند الجمهور وقال النووي إنه الصواب واختاره زين الدين قالاهما أي النووي والزين وغيرهما من أئمة الحديث والمراد بالحكم بأصحية كتابه على مسلم أصحية ما أسنده دون التعليق يأتي تعريفه والتراجم جمع ترجمة وهي عنوان الباب الذي تساق فيه الأحاديث ولا بد أن تكون مناسبة لما يساق من الأحاديث قالوا وذلك لأن الصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أثم منها في كتاب مسلم وشروطه فيها أقوى وأشد أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبتت له لقاء من روي عنه ولو مرة واكتفي مسلم بمطلق المعاصرة وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط فلأن الرجال الذي تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عددا من الرجال البخاري فإن الذين انفرد بهم البخاري أربعمائة وخمسة وثالثون رجلا المتكلم منهم فيه بالضعف ثمانون رجلا والذين تفرد بهم مسلم ستمائة وعشرون رجلا المتكلم منهم فيه بالضعف مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه ولأن الذين تفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها أو أكثرها كنسخة عكرمة عن ابن عباس بخلاف مسلم فقد أخرج أكثر تلك النسخ التي رواها عمن تكلم فيه كأبي الزبيب عن جابر أتهيل عن أبيه(1/44)
41 عن أبي هريرة ونحوهم مع أن البخاري لم يكثر من إخراج أحاديث من تكلم فيهم وغالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم ولا شك أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه وبصحيح حديثهم من ضعيف ممن تقدم عن عصرهم بخلاف مسلم في الأمرين فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه من المتقدمين وقد أخرج نسخهم كما قدمنا ذكره ثم إن من يخرج لهم البخاري ممن تكلم فيه من المتقدمين يخرج أحاديثهم غالبا في الاستشهادات والمتابعات والتعليقات بخلاف مسلم فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم وأما رجحانه من حرث عدم الشذوذ والإعلال فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عدا مما انتقد على مسلم فإن جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما مائتا بألف التثنية حديث وعشرة اختص البخاري منها بأقل من ثمانين قلت هذا كلام الحافظ هنا وسيأتي نقل المصنف عنه أنه ذكر في مقدمة فتح الباري مما اعترض الحفاظ على البخاري مائة حديث وعشرة أحاديث وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى ثم قال ويشتركان في اثنين وثلاثين وباقيها مختص بمسلم مع أنه قد اتفق العلماء أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث منه وأن مسلما تلميذه وخريجه ولم يستفد إلا منه وتتبع آثاره حتى لقد كان يقول الدار قطني لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء ومن مرجحات البخاري أن مسلما صرح في أول صحيحه أن المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما انتهى قلت قال الملا على قاري فإن قلت كيف يكفي ذلك مع أن كتابه صحيح ولا بد فيه الاتصال قلت لعله جاء هذا الحديث في كتابه(1/45)
42 متصلا في آخر أ و كان اتصاله بمن روى مشهورا فالمراد بمن روى عنه من أدى عنه ظاهرا ولو كان بالواسطة وفيه أنه لو كان كذلك لكان الاختلاف لفظيا قال والصواب كون الخلاف حقيقيا انتهى قلت ولم يدفع الأشكال ثم قال الحافظ والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة وقد أظهر البخاري هذا المذهب في التاريخ وجرى عليه في الصحيح وهو مما يرجح به كتابه لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال فبهذا تعلم أن شرطه في كتابه أقوى اتصالا وأشد تحريا أفاد هذا الحافظ ابن حجر في مؤلفاته وأقول لا يخفي أن هذه الوجوه أو أكثرها لا تدل على المدعي وهو أصحية البخري بل غايتها تدل على صحته ثم إنه لا يخفي أيضا أن الشيخين اتفقا في أكثر الرواة وتفرد البخاري بإخراج أحاديث جماعة وانفرد مسلم بجماعة كما أفاده ما سلف من كلام الحافظ فهذه ثلاثة أقسام الأول ما اتفقنا على إخراج حديثه فهما في هذا القسم سواء لا فضل لأحدهما على الآخر لاتحاد رجال سند كل واحد منهما فيما رواه والقول بأن هؤلاء أرجح إذا روي عنهم البخاري لا إذا روي عنهم مسلم عين التحكم وهذا بناء على أن المراد بما اتفقا عليه الاتفاق على رجال الإسناد جميعا لا يقال لا تحكم لأنه شرط البخاري اللقاء دون مسلم لأنا نقول الفرض أنهم على شرط البخاري من حصول اللقاء لأنه روي عنهم ولا يروي إلا عمن وافق شرطه ومعلوم أنهم قد صاروا على شرط مسلم بالأولى لأنه ثبت اللقاء فقد ثبتت المعاصرة وإذا عرفت هذا فلا وجه للحكم بأصحية رواية البخاري فيما اتفق هو ومسلم(1/46)
43 على إخراجه ورجاله إلا جاء التحكم المحض وهذا القسم هو أكثر أقسامه قطعا وحينئذ فلا يصح الحكم على كتاب البخاري بالأصحية بالنسبة إلى هذه الأحاديث وكيف يتم القول بأن كتاب البخاري أصح على هذا والقسم الثاني ما انفرد البخاري بإخراج أحاديثهم فهذا القسم ينبغي أن يقال أنه أصح مما انفرد به مسلم لأنه حصل فيه شرائط البخاري منفردة وقد تقرر ببعض ما ذكر من المرجحات أنه أقوى من شرائط مسلم في الصحة وحينئذ فيتعين أن يقال ما في كتاب البخاري من الأحاديث التي انفرد بإخراجها أصح من التي انفرد مسلم بإخراجها وهذا القسم قليل كما عرفت ولا بد من تقييد ذلك بغير من تكلم فيهم وهذا التقسيم هو التحقيق وإن غفل عنه الأئمة السابقون فإن من المعلوم يقينا أ الصحة والأصحية ليستا بالنظر إلى ذات الشيخين بل بالنظر إلى رجال كتابيهما ثم لا يخفي أيضا أن كون من تكلم فيهم من رجال البخاري أقل ممن تكلم فيهم من رجال مسلم لا يقتضي أصحية أحاديث البخاري مطلقا غاية ما يقتضيه أن الصحيح فيه أكثر وليس محل النزاع على أن في شرطه اللقاء ولو مرة واحدة بحثا وهو أنه قد يكثر الشخص الحديث عمن لاقاه بحيث يعلم يقينا أنه لا يتسع لأخذه عنه تلك الأحاديث في الموقف الذي انحصر فيه اللقاء فلابد من تقييد ذلك بزيادة أن يتسع زمان اللقاء لكن ما عنه روي ثم رأيت بعد أيام مسلما قد ألزم البخاري حيث شرط اللقاء بهذا الإلزام في مقدمة صحيحه ورأيت الحافظ ابن حجر قد التزم هذا وقال يكفي اللقاء ولو مرة واحدة ولو كان بعض ما يرويه عمن لاقاه لا يستحق سماعه منه وسيأتي لنا ولم يقيد كلام البخاري بما قيدناه به من قولنا إن اتسع إلى آخره وإذا عرفت هذا فقد عاد إلى مجرد المعاصرة على أن المعاصرة لا تكفي مطلقا بأن يكون أحدهما في بغداد والآخر في اليمن بل لابد من تقارب المحلات ليمكن اتصال الرواة إلا كان من باب الإجازة والمكاتبة ولعلهم لا يكتفون به هنا(1/47)
44 واعلم أنا راجعنا مقدمة مسلم فوجدناه تكلم في الرواية بالعنعنة وأنه شرط فيها البخاري ملاقاه الراوي لمن عنعن عنه وأطال مسلم في رد كلامه والتهجين عليه ولم يصرح أنه البخاري وإنما اتفق الناظرون أنه أراده ورد مقالته ثم قال إن كل حديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روي الراوي قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له نه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث ثم قال إن هذا هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أ كل رجل ثقة روي عن مثله وجائز ممكن لقاءه والسماع منه لكونهما كانا جميعا في عصر واحد ولم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلى آخر كلامه وقد نقلنا فيما يأتي في بحث العنعنة إذا عرفت هذا عرفت أن الخلاف بين الشيخين في رواية العنعنة لا غير وهو الذي أفاده الحافظ في قوله ومن مرجحات البخاري أن مسلما صرح إلى آخره فشرط البخاري فيها اللقاء ومسلم المعاصرة وحينئذ فلا يرجح البخاري برمته على مسلم برمته بهذا الشرط بل يقال عنضة البخاري أصح وأرجح من عنعنة مسلم فالعجب كيف يعده الحافظ من وجوه ترجيح البخاري مطلقا ثم قد ظهر المراد بالمعاصرة أنها التي يمكن معها السماع ولا يكفي مطلقها فإن قلت إنما جعله ترجيحا للبخاري مطلقا لكون كل ما فيه من الأحاديث قد تم فيها شرطية اللقاء معنعنا وغيره قلت أما غير المعنعن وهو ما كان بنحو حدثنا فهو ومسلم سواء فيه فإنه لا يكون إلا بالمشافهة إنما الخلاف في رواية متصلة عند مسلم وبه يتضح لك ضعف ما قدمنا عن الملا على قاري سؤالا وجوابا وأنه بناه على عدم تحقيقه لمراد مسلم ثم جعل الحافظ ابن حجر كون شيوخنا البخاري هم الذي تكلم فيهم وجها(1/48)
45 مرجحا فيه تأمل لأنه قد يقال هم باب علمه وعنهم أخذ ومنهم استمد رواياته وقد علل الحافظ ذلك بما سمعته فانظر فيه ثم لا يعزب عنك أن قولهم أصح الحديث ما اتفق عليه الشيخان لا يوافق قولهم هنا إن أصح الكتابين كتاب البخاري لأنهم قد جعلوا ما اتفقا عليه أصح أقسام الحديث وقد عرفت أن الذي اتفقا عليه هو أكثر أقسام الكتابين ولم يتفقا عليه إلا بعد حصول شرائط الرواية عندهما في روايته فهما مثلان في هذا كما أسلفنا فلا يتم القول بأن كتاب البخاري أصح إلا باعتبار ما انفرد به وهو القليل الحقير ولا يحسن إطلاق صفة الجزء على الكل في مقام التقعيد والتمهيد على أن استثناءهم التعاليق والتراجم فقط من الحكم بالأصحية فاض بأن الحكم بها حكم على كل حديث لا أنه كما تأولنا من وصف الكل بصفة الجزء وقد ألحقوا بذلك ما تكلم فيه ثم صحيح مسلم بعده أي بعد صحيح البخاري فإن تعارضا قدم ما في البخاري وذهب بعض المغاربة أي بعض علماء الغرب وسيأتي أنه ابن حزم والحافظ أبو علي الحسين بن علي النيسابوري شيخ الحاكم يريد أبا عبد الله صحاب المستدرك إلى تفضيل صحيح مسلم على البخاري فقال أبو علي ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث بهذا اللفظ نقله عنه زين الدين والحافظ ابن حجر وحكاه أي تفضيل كتاب مسلم القاضي عياض عن أبي مروان الطبني بضم الطاء المهملة وبعدها هاباء موحدة مشددة مضمومة وقبل ياء النسبة نون كذا ضبطه ابن السمعاني وقيل بضم الطاء وسكون الموحدة حكاه ابن الأثير وغيره وهي بلدة بالغرب ينسب إليها جماعة قاله البقاعي واسمه عبد الملك بن زياد عن بعض شيوخه قال كان من شيوخي من يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري وحكاه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة مسلم عن محمد بن اسحق عن ابن منده قال أيضا مما تحت أديم السماء 46 أصح من كتاب مسلم في علوم الحديث وإليه ميل كلام القرطبي في خطبة تلخيصه لمسلم ونقله عن جماعة وغزاه في اختصاره للبخاري(1/49)
إلى أكثر المغاربة وعزا ترجيح البخاري إلى أكثر المشارقة ذكره الزركشي وقال ابن الصلاح بعد نقله لكلام أبي علي فهذا أي تفضيل صحيح مسلم إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح أنه لم يمازجه غير الصحيح قال ابن الصلاح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غر ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لا يسندها على الوجه المشروط في الصحيح فهذا لا بأس به أي لا بأس في التفضيل لصحيح مسلم من هذه الجهة إلا أنه معلوم أن عبارة أبي على لا تساعد هذا التوجيه كل المساعدة وإن كان المراد به أي يقول أبى علي أنه أصح كما هو المتبادر من عبارته فهذا مردود بما أسلفنا من مرجحات صحيح البخاري كما عرفت واعلم أن ظاهر كلام ابن الصلاح وزين الدين والمصنف أن بعض المغاربة ومن ذكر معه ذهبوا إلى تفضيل صحيح مسلم من حيث إنه أصح من صحيح البخاري فإن كان بعض المغاربة هو أبو محمد بمحزم وبه جزم الحافظ ابن حجر فإنه قال بعد ذكر ابن الصلاح لبعض المغاربة ما لفظه وقد وجدت التصريح بما ذكره المصنف من الاحتمال عن بعض المغاربة فذكر أبو محمد القاسم بن القاسم التجيبي في فهرسته عن أبي محمد بن حزم أنه كان يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري لأنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث المنفرد انتهى قال الحافظ قلت ما فضله به بعض المغاربة ليس راجعا إلى الأصحية بل هو لأمور أحدهما ما تقدم عن ابن حزم الثاني أن البخاري كان يرى جواز الرواية بالمعنى وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره بخلاف مسلم والسبب في ذلك أمران أحدهما(1/50)
47 أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته فقد روينا عنه أنه قال رب حديث سمعته بالشام فكتبته بمصر ورب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بخراسان فكان لأجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه فلا يسوق ألفاظه برمتها بل يتصرف فيه ويسوقه بمعناه ومسلم صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة شيوخه وكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق الثالث أن البخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه فاحتاج أن يقطع المتن الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه لأنه لو ساقه في المواضع كلها برمته لطال الكتاب ومسلم لم يعتمد ذلك يسوق أحاديث الباب كلها سردا عطفا بعضها على بعض في موضع واحد انتهى وقلت وبه تعرق أن بعض المغاربة هو أبو محمد بن حزم وتعرف أنه لم يفضل صحيح مسلم من حيث الأصحية وتعرف أنه ما كان ينبغي لابن الصلاح ومن تبعه جعل خلافه وخلاف أبى على النيسابوري واحدا وأنه من جهة واحدة ثم لا يخفي أن ما قاله الزركشي فيما نقلناه عنه آنفا إن دائرة الخلاف أوسع والذاهبون إلى ترجيح مسلم أكثر ممن ذكر وقال الحافظ ما قاله أبو علي النيسابوري فلم نجد عنه تصريحا قط بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري وإنما نفى الأصحية عن غير كتاب مسلم عيه ولا يلزم من ذلك أن يكون كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري فيجوز أن يوجد ما يساويه فإذا كان كلام أبى على محتملا لكل من الأمرين فجزم(1/51)
48 ابن الصلاح أن أبا علي قال صحيح مسلم أصح من صحيح البخاري غير صحيح وقد رأيت هذه العبارة في كلام الشيخ محيي الدين النووي والقاضي بدر الدين ابن جماعة والشيخ تاج الدين التبريزي وتبعهم جماعة وفي إطلاق ذلك نظر لما بيناه انتهى بمعناه قلت ولا يعزب عنك أن هذا التأويل الذي ذكره الحافظ خروج عن محل النزاع فإن الدعوى بأن البخاري أصح الكتابين وهذا التأويل أفاد أنهما مثلان فما أتى التأويل إلا بخلاف المدعي على أن قول القائل ما تحت أديم السماء أعلم من فلان يفيد عرفا أنه أعلم الناس مطلقا وأنه لا يساويه أحد في ذلك وأما في اللغة فيحتمل توجه النفي إلى الزيادة أعني زيادة إنسان عليه في العلم لا نفي المساوي له فيه والحقيقة العرفية مقدمة سيما في مقام المدح والمبالغة بقوله تحت أديم السماء ثم رأيت بعد هذا أنه قال البقاعي الحق أن الصيغة تارة تستعمل على مقتضى أصل اللغة فتنتفي الزيادة فقط وتارة على مقتضى ما شاع من العرف فتنتفي المساواة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم ما طلعت شمس ولا غربت على أفضل من أبي بكر وإن كان ظاهره نفي أفضلية الغير لكنه إنما سيق لإثبات أفضلية المذكور والسر في ذلك أن الغالب في كل اثنين هو التفاضل دون التساوي فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبتت أفضلية الآخر انتهى قال زين الدين وعلى كل حال سواء قيل البخاري أصح أو مسلم كتاباهما أصح كتب الحديث لأن من قال كتاب البخاري أصح قائل بأن بعده في الصحة كتاب مسلم ومن قال إن كتاب مسلم أصح كتاب بعده كتاب البخاري فقد اتفق الكل على انهما أصح كتب الحديث ولماصح أن الشافعي قال إن كتاب الموطأ أصح الكتب الحديثية قال الزين وأما قول الشافعي ما على وجه الأرض بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك فذاك قاله الشافعي قبل وجود(1/52)
49 الكتابين فكلامه صحيح نظرا إلى زمان تكلمه وهذه الرواية أخرجها عن الشافعي أبو بكر بن محمد بن ابراهيم الصفار عن طريق هرون بن سعيد الأيلي قال سمعت الشافعي يقول ما بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك ذكره الحافظ ابن حجر قال الحافظ ابن حجر أول من صنف في العلم وبوبه ابن جريح بمكة ومالك وابن أبي ذئب بالمدينة فإن ابن أبي ذئب موطأ أكبر من موطأ مالك بأضعافه حتى قبل لمالك ما الفائدة في تصنيفك فقال ما كان لله بقي والأوزاعي بالشأم والثوري بالكوفي وسعيد بن أبي عروبة والربيع ابن صبيح بالبصرة ومعمر باليمين قال وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يدري أيهم سبق
مسألة في انحصار الصحيح
عدم انحصار الصحيح في كتب الحديث قال زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي كان الأحسن ذكر اسمه ونسبه في أول ما نقل عنه المصنف حيث قال قال ابن الصلاح وزين الدين فالصحيح ما اتصل سنده إلخ لم يستوعب البخاري ومسلم كل الصحيح في كتابيهما فعلى هذا كان الأحسن في الترجمة أن يقول المصنف عدم انحصار الصحيح في كتابي البخاري ومسلم ليوافق ما قاله الزين وكما يأتي من الكلام الدال على أن الخوض فيهما لا غير وعبارة زين الدين في نظمه ولم يعماه إلخ أي لم يعم البخاري(1/53)
50 ومسلم كل الصحيح يريد لم يستوعباه في كتابيهما وعبارة ابن الصلاح لم يستوعبا الصحيح في صحيحيها ولا التزما ذلك ثم ذكر كلام البخاري ومسلم الآتي ولم يلتزما ذلك أي استيعاب الحديث الصريح وإلزام الدار قطني هو أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني إمام كبير وحافظ شهير ذكرنا بعضا من أحواله في التنوير شرح الجامع الصغير وغيره هو أبو ذر الهروي كما في شرح صحيح مسلم إياهما أي الشيخين بأحاديث صحيحة لم يخرجاها ولا أحدهما ذكر الدار قطني وغيره أحاديث من طرق صحاح لا مطعن في ناقليها ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا فيلزمها إخراجها على مذهبهما ليس بلازم لهما لعدم التزامهما الاستيعاب قال الحاكم أبو عبد الله في خطبة المستدرك بصيغة اسم المفعول هذا الجاري على الألسنة ويصح على اسم الفاعل من باب عيشة راضية ولم يحكما أي الشيخين ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه انتهى كلام الحاكم ساقه الزين كالاستدلال على ما ادعاه من عدم استيعابهما ولكن لما كان الحاكم لي بناقل عنهما فهو كالدعوى أيضا يحتاج إلى بينة قال الزين مستدلا لدعواه ودعوى الحاكم قال البخاري ما أدخلت في كتابي الجامع أي من الأحاديث إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول فدلت عبارته أنه لم يستوعب الصحيح وأن أحاديث جامعة صحيحة وقال مسلم ليس كل صحيح وضعته هنا أي في كتابه إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه لفظ ابن الصلاح قال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعته هاهنا ما أجمعوا عليه إلى هنا عبارة مسلم كما نقلها ابن الصلاح(1/54)
51 ثم قال ابن الصلاح مفسرا لقول مسلم ما أجمعوا عليه يريد ما وجد عنده فيه شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يوجد اجتماعها أي شرائط الصحيح في بعض أحاديث كتابه عند بعضهم أي لم يوجد عند بعض المجمعين من أئمة الحديث ولا يخفي أن كلام مسلم لا يفيد ما قاله ابن الصلاح من قوله وإن لم يوجد اجتماعها إلخ بل كلام مسلم أفاد أن جميع أحاديث كتابه مجمع على اجتماع شرائط الصحيح فيها فالأحسن أن يقال يريد ما وجد عنده فيه شرائط الصحيح المجمع عليه بحسب نظره واطلاعه وإن خالفه البعض في بعضها قاله أي هذا التأويل لكلام مسلم ابن الصلاح أي لا ما سلف من قول المصنف قال زين الدين عبد الرحيم إلى هنا فإنه كلام ابن الصلاح تنبيه إن قيل ما وجه التعرض لكون الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما ومن ادعى ذلك حتى يفتقر إلى نفيه قلت ادعاه الدار قطني عليهما وغيره كما عرفت وكأنه فهم هو ومن تابعه من التسمية بالصحيح أنه جميع ما صح وما عبداه حسن أو ضعيف فيفيد أنهما قد حصرا الصحيح وهو من باب مفهوم اللقب بعد التسمية به وإن كان قبلها من باب مفهوم الصفة وفهم ذلك الحافظ أبو زرعة فإنه ذكر النووي عنه أنه قال طرق يريد مسلما لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا إذا احتج عليهم بحديث ليس هذا في الصحيح قال سعيد بن عمرو راوي ذلك عن أبي زرعة فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال مسلم إنما قلت هو صحيح قال سعيد وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغني أنه خرج(1/55)
52 إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن واره فجاءه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قال أبو زرعة إن هذا يطرق لأهل البدع فاعتذر مسلم فقال إنما قلت هو صحيح ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث فهو ضعيف ذكر هذا النووي في شرح مقدمة مسلم مفرقا قلت قد اتفق ما حدسه أبو زرعة من ذلك التطريق فإنه ذكر الحاكم أبو عبد الله في خطبة المستدرك ما لفظه إنه صنف الشيخان في صحيح الأخبار كتابين مهذبين انتشر ذكرهما في الأقطار ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يسمون برواة الآثار بأن جميع ما صح عندهم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه المسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أكثر كلها سقيمة أو غير صحيحة فهذا هو الذي حدسه أبو زرعة وغيره قد وقع وفي قوله عشرة آلاف إشعار بعدة أحاديث الصحيحين فكأن هذا هو من الحوامل لأهل الحديث على التعرض لذكر أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما أما البخاري فقوله أحفظ مائة ألف حديث صحيح وكون الذي أخرجه في كتابه لا يبلغ عشر ما ذكره صريح في أنه لم يستوعب الصحيح إن قلت قول الحاكم في مواضع من المستدرك في الحديث على شرطهما ولم يخرجاه يشعر بخلاف ما نقله عنه في الخطبة وإلا فلا فائدة لقوله ولم يخرجاه قلت لعله لم يسق قوله ولم يخرجاه مساق الاعتراض عليهما بأنهما لم يخرجاه بل ذكر ذلك إخبارا بأنهما لم يخرجا كل ما كان على شرطهما فهو كالاستدلال لما قاله في خطبته من أنهما لم يستوعبا الصحيح ولا التزما ذلك وقد جرأ على هذا الوهم أعني أنهما حصرا الصحيح السيد على بن محمد بن أبي القاسم في ترسله على المصنف بالرسالة التي رد عليها بالعواصم فإنه قال وقد(1/56)
53 تعرضوا لحصر الصحيح فما لم يذكره غير صحيح عندهم ولكنه زعم أنهم قالوا إنما الصحيح محصور في الكتب الستة فزاد إلى الوهم الأصلي وهمين طارئين وقد بين المصنف الرد عليه في العواصم بما يفيده ما ذكرناه وقال النووي في شرح مسلم ما معناه إنه وقع اختلاف بين الحافظ في بعض أحاديث البخاري ومسلم فهي مستثناة من دعوى الإجماع على صحة حديثهما كأن المصنف نقل كلام النووي إيضاحا لكلام ابن الصلاح حيث قال وإن لم يوجد اجتماعها في بعض أحاديث كتابه عند بعضهم ومن هنا تعلم أنه كان ينبغي للزين أن يزيد فيما سلف في آخر المسألة الأولى حيث قال والمراد ما أسنداه دون التعاليق والتراجم قيدا وهو دون الأحاديث التي اختلف فيها وهذا الذي نسبه المصنف إلى النووي نقله النووي عن ابن الصلاح فإنه قال في أثناء كلام نقله عنه فإذا علم هذا فما أخذ البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول وما ذاك إلا في مواضع قليلة سننبه على ما وقع في هذا(1/57)
54 الكتاب منها إن شاء الله تعالى هذا آخر ما ذكره الشيخ أبو عمرو فالكلام لابن الصلاح نقله النووي واعلم أن هذا كلام كان يحسن تأخيره إلى مسألة حكم الصحيحين وذكر تلقي الأمة بالقبول لهما فإن هذا الاستثناء إنما هو مما تلقته الأمة بالقبول والإجماع ولم يسبق له هنا ذكر سوى قوله وكتاباهما أصح كتب الحديث وسيأتي مستوفى أن شاء الله تعالى عند ذكر المصنف له وقد ذكر أي النووي الجواب على من خالف في صحة تلك الأحاديث النادرة قال النووي وقد أحببت عن كل ذلك أو أكثره وستراه في مواضعه إن شاء الله تعالى ذكره في شرح مسلم بعد ذكره للأحاديث التي انتقدها الدار قطني وأبو مسعود الدمشقي على الشيخين وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى عند كلام المصنف على حكم الصحيحين قال زين الدين وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم بالخاء المعجمة والراء المهملة الشيباني المعروف أبوه بابن الكرماني ويقال له أيضا الأخرم إجراء للقب أبيه عليه كان صدر أهل الحديث بنيسابور قال لعبد الغفار الفارسي هو الفاضل في الحفظ والفهم صنف على الكتابين البخاري ومسلم وكان ابن خزيمة يراجعه في مهمة توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة شيخ الحاكم كلاما معناه قلما يفوت البخاري ومسلما ما ثبت من الحديث قال ابن الصلاح بعد نقله لكلام ابن الأخرم يعني ابن الأخرم في كتابيهما لكنه قال ابن الصلاح بعد هذا ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل على شيء كثير وإن يكن في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر لي من كلامه أعني ابن الأخرم أنه غير مريد للكاتبين وإنما أراد مدح الرجلين بكثرة الاطلاع والمعرفة(1/58)
55 لكن لما كان غير لائق يوصف أحد من الأمة بأنه جمع الحديث جميعه حفظا وإتقانا حتى ذكر عن الشافعي أنه قال من قال إن السنة كلها اجتمعت عند رجل واحد فسق ومن قال إن شيئا منها فات الأمة فسق فحينئذ عبر عما أراده من المدح بقوله فلما يفوتهما منه أي قل حديث يفوت البخاري ومسلما معرفة أو نقول سلمنا أن المراد الكتابان لكن المراد من قوله مما ثبت من الحديث الثبوت على شرطهما لا مطلقا قال النووي في التقريب والتيسير والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وقد ألحق بها عوضا عنه سنن ابن ماجة وعلى هذا بني الحافظ المزي في تهذيب الكمال ومن تبعه من مختصري كتابه كالحافظ ابن حجر الخزرجي قال زين الدين العراقي وفي كلام النووي ما فيه لقول البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح تمام حكاية البخاري ومائتي ألف حديث غير صحيح فإنه دال على كثرة ما فات الكتابين من الصحيح كما ستعرفه من عدد أحاديثهما فيما يأتي قريبا فلا يتم لابن الأخرم ما ادعاه وعلى كثرة ما فات غيرهما من الثلاثة أيضا فلا يتم ما ادعاه النووي أيضا قال الحافظ ابن حجر مراده أي النووي من أحاديث الأحكام خاصة أما غير الأحكام فليس بقليل قلت فلا يرد ما أورده عليه الزين قال النووي ولعل البخاري أراد بقوله مائة ألف حديث صحيح والأحاديث المكررة الأسانيد يعني المختلفة أي التي اختلفت أسانيدها واتحد متنها كما سنعرف قريبا والموقوفات على الصحابة والتابعين فإنه قد يطلق
56 عليه لفظ الحديث كما يدل له قوله وقال ابن الصلاح بعد حكاية كلام البخاري إلا أن هذه العبارة يعني قوله مائة ألف حديث صحيح قد يتدرج تحتها عندهم أي عند أئمة هذا الشأن آثار الصحابة والتابعين قال ابن الصلاح وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين باعتبار إسناديه مسألة في عدد أحاديث الصحيحين(1/59)
عدد أحاديث البخاري ومسلم كأن الباعث على ذكر عدة أحاديث الكتابين ما سبق ذكره عن الحافظ ابن الأخرم وما نقل عن عدد ما يحفظه البخاري قال الشيخ زين الدين بن العراقي عدد أحاديث البخاري بإسقاط المكرر أي من المتون أربعة آلاف حديث على ما قيل هكذا نقله ابن الصلاح بصيغة التمريض وعدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا وكذا جزم ابن الصلاح لكن قد عرفت أنه جعل عادة ما ليس مكرر رواية على غيره بصيغة التمريض فيحمل كلام الزين على جزم ابن الصلاح بالعدد الذي فهي المكرر فإنه جزم به ولم ينسبه لأحد وذكر المصنف في العواصم أن صحيحه يعني البخاري لا يشتمل إلا على قدر أربعة آلاف حديث من غير المكرر وكأنه يريد في عبارة العواصم أن عدة ذلك بالمكرر وإن خالف ما سلف من أن عدده سبعة آلاف وكسور قال الزين هو أي ما قاله ابن الصلاح في عدة أحاديث البخاري مسلم أي في عدته بالمكرر أو في عدته بغير المكرر يحتمل في رواية الفريري(1/60)
57 فرير كسبحل قرية ببخارى كذا في القاموس وهو محمد بن يوسف أحد رواة صحيح البخاري بل عمدتهم وأما رواية حماد بن شاكر فهي دونهما أي دون رواية الفريري بمائتي حديث ودون هذه أ ي رواية حماد بن شاكر بمائة حديث رواية ابراهيم بن معقل بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف ونقل المصنف هذا الكلام الذي ذكره وين الدين في الروض الباسم بلفظه وظاهر عبارته أن رواية ابراهيم بن معقل تنقص عن رواية الفريري ثلثمائة حديث وظاهره أيضا أن هذا نقص في روايتهما ونسخهما قال الحافظ ابن حجر بعد نقله لكلام شيخة زين الدين ما لفظه وظاهر هذا أن النقص في هاتين الروايتين وقع من أصل التصنيف أو مفرقا من أسانيد فإنه اعترض على ابن الصلاح في إطلاقه هذه المدة من غير تمييز قاعدة وليس كذلك بل كتاب البخاري في جميع روايات الثلاثة في العدد سواء وإنما حصل الاشتباه من جهة أن حماة بن شاكر وابراهيم بن معقل لما سمعا الصحيح على البخاري فإنهما من أواخر الكتاب شيء فروياه بالإجازة عنه وقدينه على ذلك أبو نصر ابن طاهر وكذا نبه الحافظ أبو على الجياني في كتاب المهمل على ما يتعلق بابراهيم بن معقل فروي بسند إليه قال وأما من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فأجازه لي البخاري قال أبو على الخياني وكذا فإنه من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك في باب قوله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله إلى آخر الباب وأما حماد بن شاكر ففاته من أثناء كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فتبين أن النقص في رواية حماد بن شاكر وابراهيم بن معقل إنما حصل(1/61)
58 من طريان القوت لا من أصل التصنيف وظهر أن العدة في الروايات كلها سواء وغايته أن الكتاب جميعه عند الفريري بالسماع وعند هذين بعضه بسماع وبعضه بإجازة والعدة عند الجميع في أصل التصنيف سواء فلا اعتراض على ابن الصلاح في شيء مما أطلقه انتهى بلفظه ثم قال زين الدين ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم هذا كلام الزين في شرح ألفيته وقال فيما كتبه إلى ابن الصلاح ما لفظه ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث كتاب مسلم بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخاري بكثرة طرقه انتهى وقال النووي قي التقريب والتيسير إنه نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر قال الحافظ ابن حجر ذكر الشيخ في شرح الألفية من أحمد بن سلمة أن عدة كتاب مسلم بالمكرر اثنا عشرة ألف حديث وعن الشيخ محي الدين النووي أن عدته بغير المكرر نحو أربعة آلاف قلت لم نجد في شرح الألفية الرواية التي ذكرها الحافظ عن أحمد بن سلمة وليس فيه إلا كلام النووي الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى ولعله في الشرح الكبير ثم قال الحافظ وعندي في هذا نظر وإنما لم يتعرض المؤلف يريد ابن الصلاح لذلك أي لعدة ما في صحيح مسلم لأنه لم يقصد ذكر عدة ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم بل السبب لذكر المؤلف عدة ما في أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين(1/62)
59 غير قليل خلاف لقول ابن الأخرم لأن المؤلف رتب بحثه على مقدمتين إحداهما أن البخاري قال أحفظ مائة ألف حديث صحيح والأخرى أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا فينتج أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر من الذي خرجه انتهى قلت لا يخفى أن ابن الأخرم جعل دعواه متعلقة بالصحيحين معا وأنه لم يفت مؤلفيهما إلا القليل مما ثبت من الحديث والجواب أن دعواه لا تتم إلا ببيان عدة أحاديث الكتابين ونسبة تلك العدة إلى الأحاديث الصحيحة مطلقا ليتبين أن ما فاتهما أكثر مما جعله فلا يتم دعواه وأما الاقتصار في الجواب عليه بأن عدة البخاري كذا والذي يحفظه البخاري كذا فيتم في البخاري ولكنه يقول الدعوى أنه لم يفت الكتابين إلا القليل واقتصرتم في الجواب على أحدهما دون الآخر فلابد من ذكر عدة أحاديث مسلم ليتم الجواب فنظر الزين وأراد على ابن الصلاح ودفع الحافظ غير واف بالمراد نعم لك أن تقول إنما لم يذكر عدة مسلم لأنه ليس إلا رد قول ابن الأخرم إن الفائت مما جمعه الشيخان من الصحيح قليل فإنه إذا كان البخاري يحفظه منه مائة ألف حديث صحيح وكتابه حوى سبعة آلاف وكسورا وهب أن مسلما حوى عشرين ألف حديث ولم يحوها قطعا فالفائت من الصحيح على الصحيحين زيادة على سبعين ألف حديث فكيف إذا انضم إلى الصحيح ما يحفظه مسلم مما لم يحوه كتابه وبهذا يتحصل عدم صحة ما قاله ابن الأخرم وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري أنه ترك التقليد في عدة أحاديث البخاري أي ترك التقليد للقائلين إن عدته ما ذكر ولا يخفي أن قبول روايته المذكورين لعدة أحاديث البخاري ليس من باب التقليد بل من باب قبول رواية العدل وليس من التقليد كما عرف في الأصول ويأتي للمصنف ذلك فالأولى أن يقول إنه اختبر ما قاله لما دون فوجدهم واهمين فإن الوهم جائز(1/63)
60 على العدل كما علمت ونقل عنه البقاعي أنه قال يعني ابن حجر أنه لما شرع في مقدمة شرح البخاري قلد الحموي يريد في عدة أحاديث البخاري إلى كتاب السلم فوجدته قال إن فيه ثلاثين حديثا أو نحو الشك مني قال فاستكثرتها بالنسبة إلى الباب فعددتها فوجدتها قد نقصت كثيرا فرجعت عن تقليده وعددت محررا بحسب طاقتي فبلغت أحاديث بالمكرر سوى المعلقات سبعة آلاف وثلثمائة وسبعة وتسعين حديثا إلى آخر ما قاله المصنف وحرز ذلك بنفسه فزاد على ما ذكروه مائة حديث واثنان وعشرون حديثا والجملة عنده بالمكرر من غير المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديث واعلم أن معرفة عدة أحاديث الصحيحين ليست من علوم الحديث وقواعده ولكن دعا إلى ذكرها ما عرفته من كلام ابن الأخرم وزاد الحافظ عدد المعلقات قال وجملة ما فيه من التعاليق ألف ثلثمائة وأحج وأربعون حديثا أكثرها مكرر مخرج في صحيح البخاري يعني في مواضع آخر لفظ ابن حجر في المقدمة مخرج في الكتاب أصول متونه فتسمية ما ذكره تعليقا بالنسبة إلى ذكره له غير مخرج لا بالنسبة إلى ما ذكره له غير مخرج لا بالنسبة إلى ما ذكره له مخرجا فإن المخرج منها وهو الموصول داخل في عدة أحاديثه المخرجة قال ابن حجر وليس فيه أي في المعلق أو في البخاري من المتون المعلقة التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثا فهذه في الحقيقة هي المعلقات لا غير لعدم تخريج البخاري لها قال بان حجر وقد أفردتها في كتاب لطيف هو المسمى بتغليق التعليق متصلة الأسانيد إلى من علقت عنه فعلى هذا لم يبق في البخاري حديث معلق في نفيس الأمر بل كلها متصلة ثم قال ابن حجر وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وأربعون حديثا فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر سبعة آلاف حديث واثنان وثمانون حديثا وهذه العدة خارجة عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم(1/64)
61 وقد استوعبت أصل جميع ذلك في كتابي تغليق التعليق انتهى قال ابن حجر وهذا تحرير بالغ لم أسبق إليه فإنه لم يتعرض من تقدم لعد المعلقات ولا لعد ما لم يخرج منها قال وأنا مقر بعدم العصمة من السهو والخطأ وأما عدة طرق الصحيحين فذكر الحافظ ابن حجر عن الحافظ الجوزقي أنه قال في كتابه المسمى بالمتفق أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا فكان مجموع ذلك خمسة وعشرون ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا وأما ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون فذكر الجوزقي أن حملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون في كتابيهما ألفان وثلثمائة وستة وعشرون حديثا تنبيه قال الزركشي إن عدة أحاديث أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث قال ابن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها هذه السنن فيها أربعة آلاف وثمانمائة المراسيل نحو ستمائة حديث قال أبو داود لم أصنف فيه كتب الزهد ولا فضائل الأعمال وهي أحاديث صحاح كثيرة وعنه ما في كتاب السنن حديث إلا وقد عرضته على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأما كتاب ابن ماجه فقال أبو الحسن بن القطان صاحبه عدته أربعة آلاف حديث وأما أحاديث الترمذي والنسائي فلم أر من عدهما وأما الموطأ فقال أبو بكر الأبهري جملة ما فيه من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثا المسند(1/65)
62 منها ستمائة حديث والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثا والموقوف ستمائة وثلاث عشر حديث ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون وذكر الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول أن موطأ مالك كان اشتمل على تسعة آلاف حديث ثم لم يزال ينتفي حتى رجع إلى سبعمائة فائدة ذكرها الحافظ ابن حجر عن أبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي أنه قال يف كتاب التمييز له عن النووي وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل أن جملة الأحاديث المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني الصحيحة بلا تكرر أربعة آلاف وأربعمائة حديث وعن اسحق بن راهوية أنه سبعة آلاف ونيف وقال أحمد بن حنبل وسمعت ابن مهدي يقول الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة وكذا قال اسحق بن راهويه عن يحيى بن سعيد وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أن الذي في الصحيحين من أحاديث الأحكام نحو ألفي حديث وقال أبو بكر السختياني عن ابن المارك تسعمائة وقال الحافظ ومرادهم بهذه العدة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله الصريحة في الحلال والحرام وقال كل منهم بحسب ما وصل أليه ولهذا اختلفوا والله أعلم
مسألة في بيان الصحيح الزائد على ما في البخاري ومسلم
الصحيح الزائد على الصحيحين أي هذا بحث الحديث الصحيح الذي لم يرو في الصحيحين وهو كالتتمة لكون الشيخين لم يستوعبا الصحيح كأنه قيل من أين يعرف الصحيح الزائد على ما فيهما قال زين الدين مما معناه ما نص على صحته إمام معتمد كأبي داود والنسائي والدار قطن ي والخطابي والبيهقي(1/66)
63 في مصنفاتهم المعتمدة فهو صحيح كذا قيده ابن الصلاح بمصنفاتهم إلا أن ابن الصلاح لم يذكر البيهقي والخطابي وذكر أبا بكر بن خزيمة ثم قال وغيرهم ولم أقيده بها يريد زين الدين إنه لم يقيد حيث قال ما نص على صحته ولم يقل في كتابه بل إذا صح الطريق إليهم أنهم صححوا ولو في غير مصنفاتهم لأن العلة الموجبة لاتصافه بالصحة إخبارهم بأنه صحيح سواء ثبت في تصنيف لهم أو غيره أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة كيحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين ونحوهما فالحكم كذلك على الصواب لأن الصحيح إخبار من العدل الثقة بأنه وجد في الحديث شرائط الصحة وإخباره بهذا مقبول لأنه من باب خير الآحاد وقد برهن في الأصول على قبوله فإذا ثبت له عنه فسواء كان له مؤلف أن لا وإذا ليس ذلك من شرائط أخبار الآحاد قال زين الدين وإنما قيده أي ابن الصلاح بالمصنفات لأنه ذهب إلى أنه ليس لأحد في هذه الأعصار أن يصحح الأحاديث هذا محل تأمل لأنه إذا قال ابن الصلاح لا يصح لأحد في هذه الأعصار أن يصحح وإنما التصحيح مقصور على من تقدم عصره فمن تقدم عصره إذا صحت الطريق إليه بأنه قال هذا الحديث صحيح مثلا فقد حصل ما يريده ابن الصلاح من أنه صححه من تقدم فاشتراط أن يذكر ذلك التصحيح في تأليف له لا يلزم من القول بأنه لا يصحح أهل عصره وهو واضح فما أظنه ذكر المصنفات قيدا للاحتراز بل قيد واقعي مبني على الأغلب بأن من صحح الأحاديث يصححها من مؤلفات له فلهذا لم يعتمد يعني ابن الصلاح على صحة السند إلى من صحح الحديث من غير تصنيف مشهور هكذا نسخة المصنف من غير ونسخة الزين في شرحه في غير وهي أولى لأن شرط ابن الصلاح أين يصحح في تصنيف لا أنه يصححه ذو تصنيف ولو في غير مصنفه ثم وجدنا في نسخة من التنقيح كعبارة ابن الصلاح وسيأتي كلامه في ذلك ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى قلت وسيأتي أيضا ذكر من(1/67)
64 خالفه أي ابن الصلاح في زعمه أنه ليس للمتأخرين التصحيح ورد عليه دعواه قال زين الدين ويؤخذ الصحيح أيضا أي كما يؤخذ مما نقض على صحته إمام معتمد يؤخذ من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط أي من الصفات التي لم يخلط فيها الصحيح بغيره كسنن أبي داود مثلا ولذا قال ابن الصلاح ولا يكفي في ذلك أي في صحة الحديث مجرد كونه موجودا في سنن أبي داود والترمذي وكتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه كصحيح أبي بكر محمد بن خزيمة وصحيح أب حاتم محمد بن حبان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع قال ابن النحوي في البدر المنير غالب صحيح ابن حبان منتزع من صحيح شيخه إمام الأئمة محمد بن حزيمة إلا أنه قال ابن الصلاح صحيح ابن حبان يقارب مستدرك الحاكم في حكمه ونقل ابن حجر الهيتيمي في فهرسته أنه قال الحاكم إن ابن حبان ربما يخرج عن مجهولين لا سيما ومذهبه إدراج الحسن في الصحيح إلى آخر كلامه ونقل العماد ابن كثير أيضا أن ابن الحبان وابن خزيمة التزما الصحة وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف إسنادا متونا وعلى كل حال فلا بد للمتأهل من الاجتهاد والنظر ولا يقلد هؤلاء ومن نحا نحوهم فكم حكم ابن خزيمة بالصحة لما لا يرتقي عن رتبة الحسن بل فيما صححه الترمذي من ذلك حملة مع أنه يرفرق الحسن والصحيح انتهى قلت فلا تأخذ ما قاله المصنف والزين وغيرهما مما ذكروه حكما كليا وكتاب مستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم على تساهل فيه أي التصحيح قال ابن الصلاح ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه لفظ ابن الصلاح اعتني الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك(1/68)
65 أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رواه على شرط قد أخرجا على رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة وإن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن انتهى وقد عرفت أن حكم صحيح ابن حبان حكم المستدرك كما قاله ابن الصلاح إلا أنه قال الزين إنه قال الحازمي إن ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم قال زين الدين ابن العراقي الحكم عليه بالحسن تحكم أي قول بأحد المحتملات بلا دليل والحق أن ما انفرد بتصحيحه تتبع بالكشف عنه بالنظر في رجال إسناده ويحكم عليه بما يليق بحاله المأخوذ من صفات رواته من الصحة أو الحسن أو الضعيف ولكن ابن الصلاح رأيه أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه ويأتي الكلام في ذلك قلت قد كشف عنه الحافظ أبو عبد الله الذهبي ويبنه في كتاب تلخيص المستدرك وذكر أن فيه قدر النصف صحيحا على شرط الشيخين كما ادعاه الحاكم وقدر الربع صحيح لا على شرطهما وهو الذي اجتهد في تصحيحه برأيه وقدر الربع مما يعترض عليه في تصحيحه قلت وفي النبلاء للذهبي ما لفظه في المستدرك شيء كثير على شرطيهما وشيء كثير على شرط أحدهما ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل فإن في ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما في الباطن لها علل ككثيرة مؤثرة وقطعة من الكتاب أسانيدها صالح وحسن وجيد وذلك نحو ربعه وباقي الكتاب مناكير وعجائب وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها(1/69)
66 وفيه مخالفة لكلام المصنف وفيه إنصاف يخالف ما حكاه الذهبي عن أبي سعيد الماليني أنه قال طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فم أر فيه حديثا على شرطهما قال الذهبي هذا غلو وإسراف منه وإلا ففي المستدرك حملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما وهو قدر النصف وفيه الربع مما صح سنده أو حسن وفيه بعض العلل وباقية مناكير واهيات وفي بعضها موضوعات قد أفردتها في جزء وللحافظ ابن حجر تفصيل وتقسيم لأحاديث المستدرك يطول ذكره من أخب راجعه في نكته على ابن الصلاح قلت ولعل عذره أي الحاكم في تصحيحه لما ليس بصحيح عند أئمة الحديث أنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث وصحح على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول فاتسع في ذلك ونسب لأجله إلى التساهل هذا عذر حسن إلا أنه لا يطابق قول الحاكم على شرطهما فيما يخرجه فإنه ظاهر أنه أيما يصحح ما يوجد فيه شرائط الصحة عند الشيخين على اصطلاح الأئمة من أهل الحديث بل على اصطلاح الشيخين ولفظ الحاكم في خطبة المستدرك وأنا أستعين بالله على إخراج أحاديث روايتها قد ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة انتهى فإنه علل بأنه الزيادة مقبولة أي زيادة رواة الصحيحين على ما فيهما وهو ظاهر في أنه روي عن رجالهما وقوله قد احتج بمثلها أي يمثل أحاديث رواتها ثقات وهم رواة الصحيحين أو أحدهما كما دل له قوله في أول حديث أخرجه في المستدرك فإنه أخرج حديث أبي هريرة مرفوعا أكل المؤمنين أمانا أحسنهم خلقا وقال إنه على شرط مسلم وقد استشهد بأحاديث القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة ومحمد بن عثمان وقد احتج لمحمد ابن عجلان فدل على أنهلا يخرج إلا لرجالهما سواء ذكروهما في الاستشهاد(1/70)
67 أو في الاحتجاج كما دل له قوله في القعقاع وفي محمد بن عجلان ولكنه قدم هذا في الخطبة ما لفظه أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها انتهى فإنه قال يحتج ولم يرد أو يستشهد فلا لد من حمل الاحتجاج على ما يشمل الاستشهاد مجازا ثم رأيت الحافظ ابن حجر نقل عن الحافظ العلائي أنه قال مراد الحاكم بقوله على شرط فلان أن رجال ذلك السند أي من نسب أليه الشرط أخرج لكل منهم احتجاجا هذا هو الأصل وقد يتسامح لاحاكم فيغضى عمن يتفق أنه وقع في السند ممن هو في مرتبة من أخرج له وإن لم يكن عينه وذلك قليل بالنسبة إلى المثل وتراه بنوع العبارة فتارة يقول على شرطهما وذلك حيث يخرجان له وتارة على شرط البخاري أو مسلم وذلك حيث يكون في السند من انفرد به أحدهما ومتى كان أكثر السند ممن لم يخرجا له قال صحيح الإسناد ولا ينسبه إلى شرط واحد منهما وربما أورد الخبر ولا يتكلم عليه كأنه أراد تحصيله وأخر التنقيب عليه فعوجل بالموت من قبل أن يتقن ذلك انتهى واستحسنه الحافظ ابن حجر وقال إنه لا مزيد عليه في الحسن وإذا عرفت هذا عرفت عدم تمام كلام المصنف في قوله إنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث إلخ وإن أراد المصنف أن هذا العذر فيا صححه باجتهاده وليس على شرطهما فالظاهر أن كل ما في كتابه قد زعم شرطهما وإنما عرف أن فيه ما ليس كذلك بالكشف عنه وحينئذ فتصحيحه مبني على اصطلاح أئمة الحديث لكنهم حين كشفوا عنه وجدوه ليس كما ادعاه وهذا الإشكال يرد على قوله وقد ذكر ابن الصلاح ما يؤيد هذا فإنه قد ذكر أن الظاهر من تصرفات الحاكم أنه يجعل الحديث الحسن صحيحا ولا يفرده أي الحسن باسم كما سيأتي فإنه لم يؤلف كتابه إلا لما هو شرط الشيخين(1/71)
68 على زعمه وليس عندهما حديث حسن بل كل ما هو على شرطهما صحيح ومن هنا تعرف صحة ما ذكرناه في رسم الصحيح من اختلاف اصطلاح الفقهاء واصطلاح أئمة الحديث في حقيقته وأنه لا يمكن جمعه في رسم واحد قال زين الدين إن الأولين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف ولم يذكروا الحسن يريد فهو يؤيد ما قيل من أن الحاكم جعل الحسن صحيحا وقد تقدم تفسير الخطابي للحديث إلى صحيح وحسن وسقيم قال زين الدين وكذلك يؤخذ الصحيح هو عطف على قوله سابقا قال زين الدين ويؤخذ الصحيح أيضا مما يوجد في المستخرجات على الصحيحين قال ابن الصلاح ككتاب أبي عوانة الإسفراييني وكتاب أبي بكر الاسماعيل وكتاب أبي بكر البرقاني وغيرهم من زيادة على حديث أو تتمة لمحذوف منه زاد ابن الصلاح أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي فإنه يحكم بصحته لما يأتي في بحث المستخرج وأن حكمه حكم ما استخرج عليه وهذا كله من قوله ما نص إمام على صحته إلى هنا إنما اشترط في حق أهل القصور عن بحث الأسانيد ومعرفة الرجال والعلل عند من يشترط معرفتها أي العلل وقد عرفت أنه يشترطها أئمة الحديث لا الفقهاء فإنهم إنما يشترطون القادحة وأما من كان أهلا للبحث عن الأسانيد والعلل مطلقا إن كان محدثا أو العلل القادحة إن كان فقيها فله أن يصحح الحديث ظاهر ما يأتي قريبا أن يقول فعليه متى وجد فيه شرائط الصحة المذكورة في كتب الأصول وعلوم الحديث ولا يجب الاقتصار أي على تصحيح الأولين إلا على رأي ابن الصلاح من أنه ليس لأحد ممن المتأخرين أين يصحح الحديث(1/72)
69 وهو أي رأيه مردود كما سيأتي بل لا يكون من يتبع الأولين على تصحيحهم مجتهدا منى قلد على الصحيح كما يأتي الكلام على الموصل فلذا قلنا إن الأولى أن يقال عليه وسيأتي تحقيق الكلام إن شاء الله تعالى أن من قبل قول الأئمة في تصحيح الأحاديث فليس بمقلد لهم بل عامل برواية العدل وليس العمل بها من التقليد كما سيأتي للمصنف نفسه
مسألة في المستخرجات
قال زين الدين موضوع المستخرج أ ي الكتاب الذي يستخرجه المحدثون والمراد به حقيقته لا الموضوع المصطلح عيه بل موضوع اصطلاحا الكتاب الذي يستخرج عليه فموضوع مستخرج أبي نعيم على البخاري أسانيده ومتونه لأنه يبحث في المستخرج عن كل منهما أن يأتي المصنف أي من يريد تصنيف المستخرج إلى كتاب بخاري أو مسلم لأنه لم يخرج أحد إلا عليهما كما هو المشهور ولذا اقتصر المصنف وزين الدين عليهما وإلا فإنه قد ذكر السيوطي في شرح تقريب النووي فائدة لا يختص المستخرج بالصحيحين وقد استخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن على سنن أبي داود وأبو علي الطوسي على الترمذي وأبو نعيم على التوحيد لابن خزيمة وأملي الحافظ العراقي على المستدرك مستخرجا لم يكمل رأيت البقاعي ذكر هنا ما لفظه بعد قوله المستخرج موضوعه ظاهره أنه لا يسعى مستخرجا إلا إذا كان على الصحيح وليس كذلك ثم ذكر من استخرج على غيرهما كما ذكرنا آنفا عن السيوطي ثم قال وعذر المصنف أن كلامه سابقا ولا حقا في الصحيح وحق العبارة أن يقال موضوعه أن يأتي(1/73)
70 المصنف إلى كتاب من كتب الحديث إلخ انتهى قال واعلم أنه ليس المراد الموضوع المصطلح عليه وإنما المراد حقيقة المستخرج ومعناه وأما موضوعه بحسب الاصطلاح فأحاديث الكتاب الذي يستخرج عليه فموضوع مستخرج أبي نعيم على البخاري كتاب البخاري أسانيده ومتون لأنه يبحث في المستخرج عن كل منهما فيخرج أحاديثه أي البخاري ومسلم بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم فيجتمع إسناد المصنف للمستخرج مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه أي شيخ البخاري أو مسلم ويسمونه أي هذا النوع موافقة لأنه وافق المستخرج اسم فاعل البخاري أو مسلما في شيخه أو يجتمع المستخرج مع البخاري أو مسلم في من فوقه فوق شيخ أحد الشيخين الأدنى وإلا فمن فوقه شيخ لهما أيضا إلا أن الشيخ في العرف لا يطلق إلا على من أخذ عنه البخاري مثلا ويسمونه أي هذا النوع من الموافقة عاليا لأنها موافقة فيمن فوق شيخ أي الشيخين بدرجة إن كان شيخ شيخ البخاري مثلا أو أكثر على حسب العلو ومنه بقوله فإذا اجتمع المستخرج مع صاحب الصحيح في شيخ شيخه كان عليا بدرجة وفي الثاني بدرجتين ونحو ذلك وذلك كالمستخرج على البخاري لأبي بكر الاسماعيل ولأبي بكر البرقاني بالموحدة مكسورة وسكون الراء وقاف مفتوحة في القاموس برقان بالكسر بلدة بخوارزم وبلدة بجرجان ولأبي نعيم الأصفهاني هذه كلها استخرج ت على البخاري والمستخرج على مسلم لأبي عوانة وأبي نعيم أيضا والمستخرجون لم يلتزموا في متن الحديث لفظ واحد من الصحيحين بل رووه بالألفاظ التي وقعت لهم من شيوخهم مع المخالفة لألفاظ الصحيحين أي والاتفاق في المعنى فقوله في بيان موضوع المستخرج فيخرج أحاديثه أي أحاديث ما يخرج عيه أي بقصد ذلك وإن اختلف لفظ ما استخرجه وما استخرج عليه وإنما سماها أحاديثه مسامحة أو باعتبار من ينتهي إليه الإسناد من شيوخه إلى الصحابي الذي ذكر حديثه في الصحيحين وربما وقعت المخالفة(1/74)
71 أيضا في المعنى بخلاف الأول فإنها تكون في اللفظ فقط والمعنى متحد وإذا تخالفا لفظا ومعنى فلا يجوز أن تعزي أي تنسب متون ألفاظ أحاديث المستخرجات إليهما أي إلى الشيخين إن خرج لهما معا ولا إلى أحدهما لأنه يكون كذبا إلا أن يعرف اتفاقهما أي اتفاق المستخرج عليه إن تفرد بالخريج له في اللفظ جاز أن ينسب متن الحديث المستخرج إلى المستخرج عليه وأن يقال فيه أخرجه البخاري مثلا لأنه يصدق عليه أنه قد أخرجه البخاري وإن كان رجاله غير رجال من ذكرهم في سنده وإنما وافقهم في شيخه أو شيخ شيخه إلى هنا كلام زين الدين فتحصل من هذا أن مخرج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين فلا يخلو إما أن يصرح بالمرادفة أو بالمساواة أولا يصرح إن صرح فذاك وإن لم يصرح كان على الاحتمال فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل الحديث منها أي من المستخرجات ويقول هو على هذا الوجه فيهما ولكن هل له أن ينقل منه ويطلق كما أطلق هذا محل بحث وتأمل قلت ومحل الاحتياط والتورع يقضي بأن لا يجزم بالنسبة إليهما وكونه يرد أن أصله فيهما لا دليل عليه إذا هو تعيين لأحد المحتملات بلا دليل ولذا ترى الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وغيره من المصنفين يقولون بعد عزو الحديث إلى من أخرجه وأصله في الصحيحين لأنهم قد عرفوا أن أصله فيهما وبه تعرف ضعف الجواب الأتي للمصنف رحمه الله تعالى قلت شرط المستخرج ألا يروي حديث البخاري ومسلم عنها بل يروي حديثهما عن غيرهما وقد يرويه عن شيوخهم أو أرفع من ذلك أي من شيوخهما أو شيوخهم كما عرفته ولكنه لا بد أن يكون بسند صحيح وقياس ما سلف أنه لا بد أن يكون على شرط من خرج عليه وفي المستخرجات فوائد ثلاث أحدها أن ما كان فيها من زيادة لفظ أو تتمة لمحذوف أو زيادة(1/75)
72 شرح في حديث قد قدمنا لك أن هذه الزيادة لك يذكرها زين الدين فيما مضى وذكرها هنا أو نحو ذلك هذه اللفظة ليست من كلام ابن الصلاح ولا الزين حكم بصحته لأنها خارجة من مخرج الصحيح فلذا قلنا لا بد أن يكون رجال السند فيها على شرط من خرج عليه وثانيها أنها قد تكون الرواية المستخرجة أعلى إسنادا ذكرهما أي هاتين الفائدتين ابن الصلاح فقط لم يزد عليهما ما زاده من قوله وثالثها ذكره الأحسن ذكرها زين الدين وهي قوة الحديث المستخرج والمستخرج عليه بكثرة طرقه عند المستخرج والمستخرج عليه للترجيح عند التعارض فإذا تعارضت الأحاديث رجح أكثرها طرقا واعلم أن هذه الفائدة التي ذكرها زين الدين قد ذكرها ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم ونقلها عنه الشيخ محي الدين النووي فاستدركها عليه في مختصره في علوم الحديث قاله الحافظ ابن حجر ثم قال وللمستخرجات فوائد أخرى لم يتعرض أحد منهم لذكرها إحداها عدالة من أخرج له فيه لأن المخرج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده فالرجال الذين في المستخرج ينقسمون أقساما منهم من ثبتت عدالته قبل هذا المخرج فلا كلام فيهم ومنهم من طعن فيه غير هذا المخرج فينظر في ذلك الطعن إن كان مقبولا قادحا فيقدم وإلا فلا ومنهم من لا يعرف لأحد قبل هذا المخرج فيه توثيق ولا تجريح فتخريج من يشترط الصحة لهم ينقلهم عن درجة من هو مستور إلى درجة من هو موثق فيستفاد من ذلك صحة أحاديثهم التي يروونها بهذا الإسناد ولو لم تكن في ذلك المستخرج الثانية ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع وهو في الصحيح بالعنعنة فقد قدمنا أنا نعلم في الجملة أن الشيخين اطلعا على أنه مما سمعه المدلس عن شيخه لكن ليس اليقين كالاحتمال فوجود ذلك في المستخرج بالتصريح ينفي أحد الاحتمالين(1/76)
73 الثالثة ما يعق فيها من حديث المختلطين عمن سمع منهم قبل الاختلاط وهو في الصحيح من حديث من اختلط ولم يبين هل سماع ذلك الحديث منه في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده الرابعة ما يقع فيها من التصريح بالأسماء المبهمة والمهملة في الصحيح في الإسناد أو في المتن الخامسة ما يقع فيها من التمييز للمتن المحال به على المتن المحال عليه وذلك في كتاب مسلم كثير جدا فإنه يخرج الحديث على لفظ بعض الرواة ويحيل باقي ألفاظه والرواة على ذلك اللفظ يورده فتارة يقول مثله فيحمل على أنه نظيره وتارة يقول نحوه أو معناه فيحمل على أن فيهما مخالفة بالزيادة والنقص وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفي السادسة ما يقع فيها من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس من الحديث ويكون في الصحيح غير مفصل السابعة ما يقع فيها الأحاديث المصرح برفعها وتكون في أصل الصحيح موقوفة أو كصورة الموقوفة إلى إن قال فكملت فوائد المستخرجات بهذه الفوائد التي ذكرناها عشرا انتهى وإذا عرفت أنه لا يجوز أن تعزي ألفاظه متون أحاديث المستخرجات إليهما ولا إلى أحدهما إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ فقد وقع لجماعة خلاف هذا فلهذا قال المصنف واعلم أنه قد يتساهل بعض المستخرجين فينسبون الحديث إلى البخاري أو مسلم وليس هو بلفظه فيهما ولا يعزب عنك أنه قد سبق أن المستخرجين قد يأتون بألفاظه ليست من الكتاب الذي استخرجوا عليه بألفاظها(1/77)
74 بل قد لا تكون بمعانيها وأنه لا يجوز لمن ينقل من المستخرجات أن يعزو ألفاظها إلى الصحيحين وهنا قال إنه قد يتساهل المستخرج نفسه وينسب الحديث إلى البخاري أو مسلم وليس كلام في المستخرج فإنه لا يتعرض لنسبة حديثه إليهما أو إلى أحدهما وإنما يسوق إسنادا لنفسه يجتمع قيه مع إسناد البخاري أو مسلم ولفظ ابن الصلاح الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم لم يلتزم مصنفوها موافقتهما موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ولا نقصان إلى قوله وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة كالسنن الكبرى وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري ومسلم انتهى وبه تعرف أن التساهل ليس للمستخرجين بل للمؤلفين في تصانيفهم المستقلة أي التي ليس المراد بها الاستخراج على أحد الكتابين وبه تعرف أن قوله وكذلك فصل البيهقي في السنن الكبرى والمعرفة وغيرهما من كتبه والبغوي في شرح السنة وغير واحد فإنهم يروون الحديث بأسانيدهم ثم يعزونه إلى البخاري أو مسلم مع اختلاف الألفاظ والمعاني صحيح في هؤلاء فإنه لم يقع العزو مع الاختلاف إلا لهؤلاء فقط لا لمن ذكره وأمثالهم ممن لم يرد تأليف مستخرج فلو اقتصر على هؤلاء كما فعله ابن الصلاح لكان صوبا وعبارة الزين كعبارة ابن الصلاح ببعض تغيير ألجأه إليه النظم فإنه قال الزين في ألفيته والأصل أعني البيهقي ومن عزا كأنه قيل فهذا البيهقي في السنن الكبرى والمعرفة وغيرهما والبعوي في شرح السنة وغير واحد يروون الألفاظ والمعاني انتهى فعرفت أن المستخرجين لا يقع لهم الصنع الذي ذكره المصنف إنما وقع لغيرهم من أهل التأليف التي لم يقصد بها المصنفون ما قصده المستخرجون والجواب عنهم عن البيهقي ونحوه(1/78)
75 أنهم إنما يريدون إذا عزوه إلى واحد من الشيخين أن أصل الحديث فيهما أو أحدهما لا أن ألفاظه كل معانيه كذلك هذا الجواب تقدم في شرح قوله إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ فتذكر ما فيه وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح فإنه قال بعد ذكره لصنع البيهقي ومن معه فلا يستفيد بذلك أي بعزو البيهقي الحديث أو أحدهما أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في بعض المعنى قلت يريد أي لا في كله إذ لو كان التفاوت في كل الألفاظ وكل المعاني لما كان بينهما اتصال في شيء ولا يصح أي يقال أصله فيهما ولذا قيدنا قول المصنف ومعانيه بقولنا كل فتدبر ثم قال وإذا كان الأمر في ذلك على هذا القياس فليس لك أن تنقل حديثا فيها وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو كتاب مسلم إلا أن يقابل لفظه أو يكون الذي أخرجه قد قال أخرجه البخاري بهذا اللفظ انتهى كلامه وهو كلام واضح في المؤلفات المستقلة لا المستخرجة فإن الكتب المستخرجة لا يذكر فيها مؤلفوها أخرجه البخاري أو مسلم كما عرفته من ذكر المصنف لموضوعها اللهم إلا أن يثبت أن أهل المستخرجات ينسبون ما أخرجوه إلى أحد الشيخين فإنا لم نر شيئا من الكتب المستخرجة فإن كان كذلك لم يتم له ما سلف في بيان شروط المستخرجات نعم اتفقت المستخرجات والمؤلفات المسندات بأسانيد مؤلفيها في أنه لا يجوز عزو ما فيها إلى لفظ البخاري أو مسلم اغترارا يكون المستخرج استخرج على الكتابين ويكون مؤلف الكتب المسندة بأسانيدها نسب ما ذكره إلى أحد الشيخين لأن الأول لم يقصد إخراج ألفاظه ما أخرج عليه إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ كما قرره المصنف فيما سلف بالنسبة إلى المستخرجات والثاني لم يقصد يعزوه إلى أحدهما إلا أن أصل الحديث فيهما ولذا قال المصنف وقد انتقد(1/79)
76 على الحميدي هو الحافظ أبو عبد الله محمد بن نصر أبي فتوح حفيد الأزدي الأندلسي الظاهري المذهب من أكبر تلامذة ابن حزم أنه أورد في الجمع بين الصحيحين ألفاظا وتتمات ليست في واحد منها أخذها من المستخرجات أو استخرجها هو ولم يميزها ولذا قال الزين في ألفيته وليت إذا راد الحميدي ميزا قال في شرحها يعني أن أبا عبد الله الحميدي زاد في كتابه الجمع بين الصحيحين ألفاظا ليست في واحد منهما من غير تمييز قال ابن الصلاح وذلك موجود فيه كثيرا فربما نقل بعض من لا يميز ما يجده فيه عن الصحيح وهو مخطئ انتهى تمام كلامه لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين وأما الجمع بين الصحيحين لعبد الحق بن عبد الرحمن الحافظ الحجة أبو محمد الأزدي الإشبيلي أثنى عليه الذهبي في التذكرة وذكر له عدة مصنفات منها الجمع بين الصحيحين وغيره وهذا عطف على مجموع ما سلف كأنه قال أما الجمع بين الصحيحين للحميدي فلا ينقل منه وأما الجمع لعبد الحق وكذلك مختصرات البخاري ومسلم كمختصر الحافظ المنذري له فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك المنقول إلى الصحيح لأنها ألفاظه ولذا قال ولو باللفظ بأن تقول أخرجه البخاري بلفظه لأنهم أتوا بألفاظ الصحيح قال زين الدين واعلم أن كلام ابن الصلاح وإنما قال زين الدين واعلم أن الزيادات التي تقع في كتبا الحميدي ليس لها حكم الصحيح خلاف ما اقتضاه كلام ابن الصلاح وإنما قال زين الدين ليس لها حكم الصحيح لقوله لأنه أي الحميدي ما رواه بسنده كالمستخرج لأن المستخرج أسند ما أخرجه بخلاف من يجمع بين الصحيحين فإنه ليس ما سند إلا سند الصحيحين والحال أنهما لم يوجد فيهما ولا ذكر أ ي الحميدي أنه يزيد ألفاظا واشتراط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك وهذا هو الصواب أي القول بأنه ليس لها حكم الصحيح(1/80)
77 ولا يخفى ما في قوله حتى يقلد وقد نبهنا عليه وسيأتي تحقيق ذلك قلت بل الصواب ما ذكره ابن الصلاح فإن الحميدي من أهل الديانة والأمانة والمعرفة التامة وهو من أئمة هذا الشأن بغير منازعة وهو أعقل من أن يجمع بين أحاديث الصحيحين ثم يشوبها بزيادات واهية ولو فعل ذلك كان خيانة في الحديث وجناية على الصحيح لا يخفي أن هذا هو الذي يقضي به حسن الظن إلا أن يعارضه أن هذه زيادات زادها لم يجدها الأئمة الباحثون في الصحيحين قالوا ولا ذكر أنه يزيدها من كتاب آخر ولا قال إنه ملتزم صحتها بل ظاهر تسمية كتابه جمع الصحيحين أن كل ما وجد فيه فهو منهما ولم توجد تلك الزيادة فانتفى حسن الظن به وأما ابن الصلاح فليس في كلامه ما يفهم صحة كلام الحميدي وإنما تكلم على زيادات المخرجين قال إنها ثبتت صحتها بهذه التخاريج لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو واحد منهما ولم يتكلم في زيادات الجمع للحميدي فقول المصنف قلت بل الصواب ما ذكره ابن الصلاح ليس في محله ثم ذكر المصنف مختار المحققين بقوله وقد اختار المحققون إلحاق ما جزم به البخاري من التعاليق والتراجم أ ي إلحاقه بالصحيح دون ما مرضه فكذلك ما جزم به الحميدي وألحقه بالصحيح ولم يميزه منه لعله يقال الفرق بين الأمرين واضح فإن الحميدي يقول هذه أحاديث الصحيحين ووجدنا في كتابه ما ليس فيهما فكيف نقول هو كتعاليق البخاري المجزومة فإن تلك تتبعت ووصلت مقطوعاتها كما عرفته مما نقلناه عن الحافظ ابن حجر بخلاف ما زاده الحميدي فتتبع فلم يوجد فيما قال إنه منه وهو وإن لم ينص على ذلك أي على صحة ما ألحقه وزاده فهو ظاهر من وضع كتابه يقال وضع كتابه لجمع الصحيحين لا غير فهذه الزيادات ليست فيهما وقرائن أحواله استدل المصنف لظاهر وضع كتابه وقرائن أحواله بقوله ألا تراه حذف من الجمع بين الصحيح ما علقه البخاري عمن لا يحتج به عنده مثل حديث بهز بن حكيم(1/81)
78 عن أبيه عن جده مرفوعا الله أحق أي يستحى منه قال ابن الصلاح إن هذا الحديث ليس من شرط البخاري قال ولهذا لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين وحديث الفخذ عورة فإن قال ابن الصلاح إن قول البخاري بابا ما يذكره في الفخذ ويروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة ثم ذكر أنه ليس من شرط البخاري ونحوها فلو كان الحميدي متسامحا لذكر ذلك مع الصحيح فكيف يحذف من كتاب البخاري ما هو منه لضعفه ثم يحشو فيه من الواهيات ما ليس فيه هذا ضعيف جدا يقال نعم هذه قرائن تفيد حسن الظن به لكن عدم وجود ما زاده يقلع هذه القرائن وإن أراد المصنف أن هذه الزيادات لها طرق عند الحميدي صحيحة فقد زعم الزين أنه لم يذكر شرطا ولا قال إنه رواها حتى يعتمد عليه في ذلك وقوله أيضا إنه لم يزد ألفاظا ويشترط فيها الصحة فيقلد في ذلك غير جيد يعني قوله فإن قبول الثقة ليس بتقليد بل واجب معلوم الوجوب بالأدلة الدالة على وجوب قبول الثقات في الأخبار والله أعلم لا شك أن القائل من الأئمة هذا حديث صحيح مخبر بأنها كملت عدالة رواته وضبطهم وسائر صفات الصحة وخبر العدل يجب قبوله وليس من باب التقليد له خبر بل من باب قبول خبر الآحاد كما عرف في الأصول لكنه تقدم للمصنف قبل مسألة المستخرجات أن من قلد في التصحيح لا يكون مجتهدا وهذا ينافيه والصواب هو هذا ويأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى وإذا عرفت هذا الكلام في جمع الحميدي فاعلم أن هذا مبني من ابن الصلاح والزين والمصنف على تقليد الآخر للأول وإلا فإنه قد تحقق الحافظ ابن حجر مما قاله الحميدي في ا لزيادات وما شرطه في كتابه فيما كتبه على كلام شيخه فقال بعد سياقه للكلام ما لفظه وكأن شيخنا رضي الله عنه قلد في هذا غيره وإلا فلو رأى كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على(1/82)
79 ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات وتبعه في ذلك الشيخ سراج الدين النحوي فألحق في كتابه ما صورته هذه الزيادات ليس لها حكم الصحيح لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا وشرط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك وقال شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في محاسن الاصطلاح في هذا الموضع ما صورته وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي تتمات ولا وجود لها في الصحيحين وهو كما قال ابن أل بصلاح إلا أنه كان ينبغي التنبيه على تلك التتمات لنكمل الفائدة انتهى كلامه قال الحافظ والدليل على ما ذهبت إليه من أن الحميدي أظهر اصطلاحه بما يتعلق بهذه الزيادات موجودة في خطبة كتابه إذا قال في أثناء المقدمة ما نصه وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما تنبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطنى وأبى بكر الاسماعيلى وأبي بكر الخوارزمي يعني البرقانى وأبي مسعود الدمشقي وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من نبيه على غرض أو تتميم لمحذوف أو زيادة من شرح أو بيان لاسم أو نسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم فقوله من تتميم لمحذوف أو زيادة هو غرضنا هنا وهو يختص بكتابي الإسماعيلي أو البرقاني لأنهما استخرجا على البخاري واستخرج البرقاني على مسلم وقوله من تنبيه على غرض أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم أو بيان لاسم أو نسب يختص بكتابي الدار قطني وأبي مسعود وذاك في كتاب التتبع وهذا في كتاب الأطراف وقوله مما يتعلق بالكتابين احتراز عن تصانيفهم التي لا تتعلق بالصحيحين فإنه لم ينقل منها شيئا هنا فهذا الحميدي قد أظهر اصطلاحه في خطبة كتابه ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن بعزوها لمن رواها من أهل المستخرجات وغيرها فإن عزاها لمن استخرجها أقرها وإن عزاها لمن لم يستخرجها تعقبها غالبا لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين أو من أحدهما(1/83)
80 ثم يقول فيه مثلا زاد فيه فلان كذا وهذا لا إشكال فيه وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد ثم يقول في عقبة اقتصر البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وهذا يشكل على الناظر غير المميز لنه الذي حذر ابن الصلاح منه لأنه حينئذ يعزو إلى أحد الصحيحين ما ليس فيه انتهى قلت بل لا إشكال فيه أيضا بعد قوله اقتصر منه البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وأي بيان أوضح من هذا البيان وكأنه لذلك قال يشكل على الناظر غير المميز ولكن هذا لا يخفي على مميز ولا غيره لا يخفي أن قول الحافظ هذا هو الذي حذر منه ابن الصلاح غير صحيح فإن ابن الصلاح قد زعم أن الحميدي لم يميز الزيادات أصلا بل ظاهره أنه سردها في ضمن أحاديث الشيخين من غير بيان ولا ذكر قاعدة وهذا مبني على الوهم الذي وقع له ولغيره من الأئمة ولم يكشف قناعه إلا الحافظ بما حققه عن خطبة الحميدي ثم ساق الحافظ أمثلة دالة على ما ذكره مقررة لما صدره ثم قال فهذه الأمثلة توضح أن الحميدي يميز الزيادة التي يزيدها هو أو غيره ثم قال وقد قرأت في كتاب الحافظ أبى سعيد العلائي في علوم الحديث له قال لما ذكر المستخرجات ومنها المستخرج على البخاري للإسماعيلي والمستخرج على الصحيحين للبرقاني وهو مشتمل على زيادات كثيرة في تضاعيف متون الأحاديث وهي التي ذكرها الحميدي ي الجمع بين الصحيحين منبها عليها هذا لفظه بحروفه وهو عين المدعي ولله الحمد انتهى قلت ولا يخفي أن هذه الفائدة تساوي رحلة فجزاه الله خيرا فقد تم الوهم على شيوخه وعلى المصنف قلت ولم نتابع الحافظ في كلامه بل راجعنا كتاب الحميدي فرأيناه ذكر ما ذكره الحافظ وصح الواقع للواهمين وهذا من شؤم متابعة الآخر والأول من غير بحث عما قاله(1/84)
81 ثم لنذكر بعض الأمثلة التي ذكرها الحافظ فإنه قال منها ما ذكره أي الحميدي في مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في أفراد البخاري عن أبي سعيد بن يحمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم أسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عباس قال ابن عباس من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر ولا تقولوا الحطيم فإن الرجل في الجاهلية يحلف فيلقي نعله أو سوطه وقوسه لم يزد يعني البخاري على هذا وزاد البرقاني في الحديث بالإسناد المخرج به وأيما صبي حج به أهله فقد قضت حجته عنه ما دام صغيرا فإذا بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج به أهله فقد قضت عنه ما دام عبدا فإذا بلغ فعليه حجة أخرى انتهى ما ذكره الحافظ نقلا عن كتاب الحميدي وهو صريح فيما ذكره عنه من البيان لما زاده قلت وقد راجعت جامع الأصول لابن الأثير وفروعه في كتاب الحج فوجدته قد ساق الرواية التي نسبها الحميدي إلى البخاري مقتصرا عليها ونسبها إلى البخاري ولم يأت بحرف من زيادة البرقاني وكذلك فروع الجامع صنعوا صنيعه من الاقتصار والعزو ثم راجعتها في باب حج الصبي فم أجدهم ذكروا زيادة البرقاني ولعل من تتبع الجامع لم يجده ينقل من كتاب الحميدي إلا ألفاظ الشيخين لا غير وحذف ما فيه من الزيادات التي زادها من غيرهما ومعلوم أنه حيث قد ميز الحميدي الزيادات وعزاها إلى من رواها أنه لا يأتي ابن الأثير وينقل الأصل(1/85)
82 والزيادة وينسبها معا إلى الشيخين فإن هذا ما يفعله عالم ولا تقي بل ولا عاقل نعم كان على ابن الأثير أن يقول في خطبة الجامع حيث قال واعتمدت في النقل عن البخاري ومسلم على جمعه الإمام أبو عبد الله الحميدي في كتابه إلا أنى اقتصرت على لفظهما وحذفت ما زاده من غيرهما ليندفع الوهم الذي يأتي للمصنف في التنبيه واعلم أن ابن الأثير حذف ما ذكره الترمذي من جامعه في قوله عقيب الحديث صحيح حسن غريب مجموعة تارة ومفرقة أخرى وهو إخلال بما فيه نفع كثير وغنية عن الكشف عن حال الحديث من تصحيح وغيره وإن كان في كلام الترمذي في هذه الصفات أبحاث تعرفها فيما يأتي وكذلك حذف ما تعقب به أبو داود بعض الأحاديث من بيان أنها واهية كما نقل عنه وسيأتي إذا عرفت هذا فليس لك أن تستدل بحديث الترمذي وأبي داود بمجرد وجدانهما في جامع الأصول وفروعه بل لا بد من الكشف عن حاله ولعل من هذا قول ابن الأثير في خطبة جامع الأصول ما لفظه وأما الأحاديث التي وجدناها في كتاب رزين رحمه الله تعالى ولم أجدها في الأصول في الأمهات الست فإنني كتبتها نقلا عن كتابه على حالها في موضعها المختصة بها وتركتها بغير علامة وأخليت لاسم من أخرجها موضعا لعلى أتتبع نسخا أخرى لهذه الأصول وأعثر عليها فأثبت اسم من أخرجها انتهى وكأنه وقع له ما وقع لمشايخ الحافظ في عدم مطالعتهم لخطبة الحميدي فإنه وجد نقل بخط بعض العلماء أن في لفظ خطبة رزين في كتابه ما لفظه واعلم أني أدخلت من اختلاف نسخ الموطأ لابن شاهين والدار قطني ومن رواية معن للموطأ(1/86)
83 أحاديث تفردت بها بعض النسخ عن بعض وكلها صحيحة وقال أيضا في موضع آخر إنه ظاهر ما اتفق عليه النسائي والترمذي واتفق عليه أحدهما مع بعض نسخ الموطأ بأحاديث يسيرة ثبتت له سماعها وهي مروية من طريق أهل البيت عليهم السلام عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما انتهى هذا صريح في أنه أخرج أحاديث من غير الستة الأصول وعزاها إلى من ذكره وإن ما زاده خاص برواية الموطأ لا غير وإنما قلت لعله وكأنه لأني لم أجد نسخة من رزين فأخبر عما نقل عنه على اليقين إلا أني أظن قوة ما نقل عنه في الخطبة لاستبعاد أن يريد جمع الأصول الستة ثم يأتي بأحاديث لا توجد في كتاب حديثي منها والعجب من الشيخ محمد بن سلمان أنه ينسب التخريج لرزين في كتابه الذي سماه جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد فإنه قال في خطبته إنه نقل ما بيض له ابن الأثير من روايات رزين التي لم ينسبها على كتاب فنسبها الشيخ لرزين كما ينسب روايات البخاري وغيره فيقول مثلا بعد سياق المتن للبخاري ويقول بعد سياق المتن لرزين فيوهم في نسبته إليه على حد نسبته إليه على حد نسبته إلى البخاري مثلا أنه أخرجه رزين وابن الأثير بيض له ولم ينسبه لرزين لأنه لم يخرجه والحال أن رزينا ليس من المخرجين للأحاديث على ما ذكره في خطبته وأن أحاديث رزين بيض لها بان الأثير فكان عليه أن يبيض لها كابن الأثير ا يتتبع مواضع ما يخرج منه(1/87)
84 فيخرجها فيأتي بفائدة يعتد بها وذكرت هذا لأنه يستبعد أ لا يطلع على رزين وقد كان في مكة وجمع من الكتب ما اشتهر عند أهل عصره أنه لم يجتمع عند أحد من أهل عصره مثله ثم إن ابن الديبع اختصر من جاع الأصول كتابه المسمىتيسير الوصول فصنع صنع الشيخ محمد بن سليمان في نسبة ما بيض له ابن الأثير إلى تخريج رزين فيقول أخرجه رزين وهو خلل كبير وكان الأولى أن يبيض له كما بيض له ابن الأثير وقد نبهت على هذا في التحبير شرح التيسير في محلات كثيرة والحمد لله تنبيه حكم ما نقله أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم ابن الأثير في جامع الأصول عن البخاري ومسلم حكم ما نقله الحميدي لأنه اعتمد كتاب الحميدي في الجمع لأحاديثهما كما ذكره في خطبة الجامع ومقدمته فإنه قال أي ابن الأثير في خطبة الجامع واعتمدت في النقل من كتاب البخاري ومسلم على ما جمعه الإمام أبو عبد الله الحميدي في كتابه فإنه أحسن في ذكر طرقه واستقصى في إيراد رواياته وإليه المنتهى في جمع هذين الكتابين وانتهى إذا عرفت هذا عرفت أن فيما ينسبه ابن الأثير إلى البخاري ومسلم إشكالا لأنه ينقل لفظهما من كتاب الحميدي والحميدي أنى فيه بزيادات صرح أنها من كتب المستخرجين عليهما وحينئذ فكيف يسوغ النقل عن جامع الأصول أو فروعه من كتاب(1/88)
85 البازري وتيسير ابن الديبع ومعتمد ابن بهران وجمع الفوائد لأفاظ الصحيحين من تلك الكتب لتصريح ابن الأثير أنه اعتمد في نقلهما على كتاب الحميدي وتصريح الذين اختصروا الجامع أو نقلوا منه من المذكورين وغيرهم بأن جامع الأصول أصلهم ومعتمدهم ثم ينسبون ألفاظ ما ينقلونه منه إلى الشيخين فهذا لا يجوز على كلام المصنف في هذا التنبيه نعم على ما قررناه آنفا من أنا راجعنا جامع الأصول فوجدناه يقتصر على ما في الصحيحين من دون ذكره لما زاده الحميدي من غيرهما وقدمنا لك مثال ذلك فلا يتم قول المصنف حكم ما نقله ابن الأثير حكم ما نقله الحميدي وقد سبق له ولابن الصلاح ولزين الدين أنه لا يجوز نسبة ما في كتاب الحميدي إلى الشيخين لما عرفت ولذا قال المصنف فيما سلف آنفا وأما الجمع بين الصحيحين لعبد الحق وكذلك مختصرات البخاري ومسلم فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك إلى الصحيح ولو باللفظ إذا عرفت هذا فهو إشكال لزم من كلام المصنف لا ينحل دال على عدم جواز ذلك هذا تقرير مراد المصنف رحمه الله تعالى وكلام من تقدمه وإلا فقد قدمنا لك من التحقيق ما يزيل هذا الإشكال فإن ابن الأثير قال إنه اعتمد في نقل الصحيحين على كتاب الحميدي ولم يقل نقل كتاب الحميدي ولا إشكال بعد تقرر ما نقلناه عن ابن حجر وما نقلناه من المثال واقتصار ابن الأثير فيه على كلام البخاري ومن له همة تتبع ألفاظ ابن الأثير وألفاظ جامع الحميدي فإنه يجد ما يقرر ما ذكرناه أو يقرر ما ذكره المنصف رحمه الله تعالى
86 مسألة في بيان مراتب الصحيح(1/89)
مراتب السند الصحيح عند المحدثين يحترز من مراتبه عند الفقهاء اعلم أن مراتب الصحيح متفاوتة وأن جمعها الاتصاف بالصحة يحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه وقد ذكر أهل علوم الحديث أي جمهورهم أن الصحيح ينقسم باعتبار ما ذكر سبعة أقسام القسم الأول أعلاه وهو ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم وهو الذي يعبر عنه أهل الحديث الناقلون من كتابي الشيخين بقولهم متفق عليه يطلقون ذلك ويعنون به اتفق البخاري ومسلم واتفاق الأئمة أيضا حاصل على ذلك لما تقدم من تلقيهم لها بالقبول كذا قاله البقاعي واعلم أنك قد عرفت مما أسلفناه في وجوب ترجيح البخاري أن شرطه أخص من شرط مسلم لأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بشرط المعاصرة مع إمكان اللقاء وكل من ثبت له اللقاء ثبتت له المعاصرة وليس كل ممن ثبتت له المعاصرة يثبت له اللقاء فرجح البخاري بخصوصية شرطه أي كان ذلك من المرجحات ووجود الأعم في ضمن الأخص ضروري فكل راو للبخاري قد حصل فيه شرط مسلم ضرورة وجود الأعم في الأخص وليس كل راو لمسلم يحصل فيه شرط البخاري الأخص وقد عرفناك أن هذا الشرط إنما هو فيما يروى بالعنعنة لا في غيره فعلى هذا يحسن أن يقال وإنه تقدم رواية البخاري على مسلم فيما يرويانه بالعنعنة لا مطلقا فقد أسلفنا لك في وجهوه الترجيح التي ذكرها ابن حجر مرجحات للبخاري مطلقا ما لا يتم به مدعاهم فتذكر هذا باعتبار(1/90)
87 أصل شرطهما لا باعتبار ما اتفقا عليه فانضمام مسلم في روايته إلى البخاري لم يأت بزيادة تقوى رواية البخاري وإنما القوة حصلت من حيث إنه صار للحديث راويان البخاري ومسلم إذ قد اشتركا في رواية الحديث من أول رجاله إلى آخرهم ومن حيث إنه وجد في الرواية الشرط الأخص إذ الغرض فيمن اتفقا عليه أنهم رواة البخاري الذين قيهم الشرط الأخص هذا إن أريد بالاتفاق ما ذكروا وإن أريد أنهما اتفقا على صحابيه فقط دون رجاله فليحقق المراد من مرادهم ثم المارد بما اتفقا عليه ما اتفقا على إخراج إسناده ومتنه معا وهذا عند جمهور المحدثين إلا عند الجوز في فإنه يعد المتن إذا اتفقا على إخراجه ولو من حديث صحابيين حديثا واحدا كما إذا أخرج البخاري المتن من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم من طريق أنس واعلم أنه تبع المصنف الزين وهو تبع ابن الصلاح في جعل أعلى أقسام الصحيح ما اتفقا عليه واعترض بأن الأولى أن يكون القسم الأول هو ما بلغ مبلغ التواتر أو قاربه في الشهرة والاستفاضة وأجاب الحافظ ابن حجر بأنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس أصله في الصحيحين أو أحدهما قلت ولا يخفي ما في جواب الحافظ ابن حجر فإنه لو سلم أن كل متواتر في الصحيحين فلا خفاء في أنه أرفع رتب الصحة وحينئذ فالمتعين أن يقال إلى المراتب في الصحة ما تواتر في الصحيحين من أحاديثهما ولك أن تقول الكلام إنما هو الصحيح من الحديث الأحادي فإن التدوين له وكذا في شرائطه وأما المتواتر فلا مدخل للبحث عنه هنا ثم قال الحافظ والحق أن يقال إن القسم الأول وهو ما اتفقا عليه يتفرع فروعا أحدها ما وصف بكونه متواترا ويليه ما كان مشهورا كثير الطرق وبينهما ما وافقهما عليه الأئمة الذين التزموا الصحة على تخريجه الذين أخرجوا السنن والذين(1/91)
89 ما انفرد البخاري بتخريجه إذا كان فردا ليس له إلا مخرج واحد أقوى من ذلك فليحمل إطلاق ما ذكر على الأغلب قلت أو يقال مرادهم أن ما انفرد به مسلم أو انفرد به البخاري مقيد بقيد الحيثية أي ما انفرد به مسلم من حيث انفراده دون ما انفرد به البخاري من تلك الحيثية فلا ينافي تقديم ما انفرد به مسلم من حيثية أخرى والرابع من الأقسام ما هو على شرطهما أي الشيخين ولم يخرجه واحد منهما وإلا لكان من القسم الثاني واعلم أنه قد قال ابن الهمام في شرح الهداية من قال أصح الأحاديث ما في الصحيحين ثم ما اشتمل على شرط أحدهما تحكم لا يجوز التقليد فيه إذا الأصحية ليست إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها فإذا وجدت تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين أفلا يكون الحكم بأصحية ما في الكتابين عين التحكم قلت قد يجاب بأن ما أخرجاه ونصا على رواته يعلم أنهما قد ارتضيا رواته وأما ما كان على شرطهما فإنه لم يتم دليل على تعيين شرطهما بل أئمة الحديث تتبعوا شرائط في الرواة وقالوا هي شرط الشيخين ولم يتفقوا على ذلك بل رد بعضهم على بعض كما سنعرفه فالحديث الذي يقال فيه على شرطهما لا يفيد إلا ظنا ضعيفا أنه على شرطهما لعدم تصريحهما بشرطهما بخلاف من رويا عنه في كتابيهما فإنه يحصل الظن بأنهما قد ارتضياه وإن قدح في بعض رجالهما والأغلب عدم ذلك والحكم للأغلب عند الظن نعم إذا روي حديث بنفس رجالهما من غير نقص فله حكم ما فيهما والخامس ما هو على شرط البخاري فيقدم والسادس ما هو على شرط مسلم كما قدم ما انفرد بإخراجه والعلة العلة والسابع ما هو صحيح عند غيرهما أي غير الشيخين من الأئمة المعتمدين وليس على شرط واحد منهما هذا التقسيم هو(1/92)
90 المعروف في كتب علوم الحديث وفائدة هذا التقسيم تظهر عند الترجيح هذا وأما الحاكم أبو عبد الله فإنه قسم الصحيح عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها ذكره ابن الأثير الأول من المتفق عليه اختيار الشيخين وهو الدرجة العليا من الحديث وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المعروف بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان تثقان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا متقنا مشهورا بالعدالة في روايته فهذه الدرجة العليا من الصحيح والأحاديث المروية بهذه الشرطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف الثاني من المتفق عيه الحديث الذي ينقله العدل عن العدل فيرويه الثقات الحفاظ إلى الصحابي وليس لهذا الصحابي غلا راو واحد مثل حديث عورة ابن مدرس الطائي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المزدلفة فقلت يا رسول الله أتيتك من جبل طي أكلل فرسي وأتعبت مطيتي والله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه الحديث فهو حديث من أصول الشريعة منقول بين الفقهاء ورواته كلهم ثقات ولم يخرجه البخاري إذ ليس له راو عن عروة بن مدرس إلا الشعبي والثالث من المتفق عليه إخبار جماعة من(1/93)
91 التابعين عن الصحابة ثقات إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا الراوي الواحد الرابع من المتفق عليه الأحاديث الأفراد التي يرويها الثقات وليس لها طرق مخرجة في الكتب مثل حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجيء رمضان وقد أخرج مسلم أحاديث العلاء أكثرها في كتابه وترك هذا وأشباهه مما تفرد به العلاء عن أبيه عن أبي هريرة الخامس من المتفق عليه أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجده عبد الله بن عمرو ابن العاص ومثل بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وأحاديثهما على كثرتها محتج بها في كتب العلماء وليست في الصحيحين وأما الخمسة المختلف فيها فأولها المراسيل فقد اختلف الأئمة في قبولها والعمل بها ويأتي كلام المصنف فيها الثاني من المختلف فيه رواية ا لمدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرواية فيقولون قال فلان ممن هو معاصرهم رواه أو لم يروه ولا يكون لهم فيه سماع ولا إجازة ولا طريق من طرق الرواية وأنواع التدليس كثيرة وسيأتي ذكرها الثالث من المختلف فيه خبر يرويه ثقة من الثقات عن إمام من أئمة المسلمين بسنده ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلون وهذا القسم كثير وهو صحيح على مذهب الفقهاء والقول فيه عندهم قول من زاد في الإسناد أو المتن إذا كان ثقة وأما أهل الحديث فالقول عندهم فيه قول الجمهور الذين وثقوه وأرسلوه لما يخشى من الوهم على الواحد والرابع من المختلف فيه رواية محدث صحيح السماع صحيح الكتاب معروف بالرواية ظاهر العدالة غير أنه لا يعرف ما يحدث به ولا يحفظه قال الحاكم كأكثر محدثي زماننا هذا وهو محتج به عند أكثر أهل الحديث وجماعة من الفقهاء فأما أبو حنيفة ومالك فلا يريان الاحتجاج به الخامس من المختلف فيه روايات المبتدعة وأصحاب الأهواء(1/94)
92 وهي عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين وكان أبو بكر محمد ابن اسحق بن خزيمة يقول حدثني الصدوق في روايته المتهم في دينه وفي البخاري جماعة من هؤلاء وأما مالك فإنه كان يقول لا يؤخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم هذه وجوه الصحيح المتفقة والمختلفة قد ذكرناها لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم انتهى منقولا من مقدمات جامع الأصول وصوبه صاحب جامع الأصول وبني على ما قاله من شرط الشيخين وأطال في ذلك بما هو معروف وخالفه الحافظ ابن حجر فتعقب كلام الحاكم فقال بعد نقل معناه لولا أن جماعة من المصنفين كالمجد ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول تلقوا كلامه أي الحاكم بالقبول لقلة اهتمامهم بمعرفة هذا الشأن واسترواحهم إلى تقليد المتقدم دون البحث والنظر لأعرضت عن تعقب كلامه هذا فإن حكايته خاصة تغني اللبيب الحاذق فأقول أما القسم الأول الذي ادعى أنه شرط الشيخين فمتقوض بأنهما لم يشترطا ذلك ولا يقتضيه تصرفهما وهو ظاهر بين لمن نظر في كتابيهما وأما ما زعمه بأنه ليس في الصحيحين شيء من رواية صحابي ليس له إلا راو واحد فمردود بأن البخاري أخرج حديث مذكورة في أثناء الكتاب وأما قوله إنه ليس في الصحيحين من رواية تابعي ليس له إلا راو واحد فمردود أيضا بما أخرج البخاري عن الزهري عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم ولم يروه عنه الزهري في أمثلة قليلة وأما قوله إن الغرائب الأفراد ليس في الصحيحين منها شيء فليس كذلك بل فيهما قدر مائتي حديث قد جمعها الحافظ ضياء الدين المقدسي في جزء مفرد وأما قوله ليس فيهما من روايات من روي عن أبيه عن جده(1/95)
93 مع تفرد الابن بذلك عن أبيه فمنتقض برواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده برواية عبد الله ابن محمد بن علي عن أبيهما عن علي وغير ذلك ومن ذلكما تفرد به بعضهم وهو في الصحيحين أو أحدهما وأما الأقسام الخمسة التي ذكر أنه مختلف فيها وليس في الصحيحين منها شيء فالأول كما قال نعم قد يخرجان منه في الشواهد وفي الثاني نظر يعرف من كلامنا في التدليس وأما ما اختلفا في إرساله ووصله بين الثقات ففي الصحيحين منه جملة وقد تعقب الدار قطني بعضه في التتبع له وأجبنا عن أكثره وأما روايات الثقات غير الحفاظ ففي الصحيحين منه جملة أيضا لكنه حيث يقع مثل ذلك عندهما يكونان قد أخرجا له أصلا يقويه وأما روايات المبتدعة إذا كانوا صادقين ففي الصحيحين عن خلق كثير من ذلك لكنهم من غير الدعاة ولا الغلاة وأكثر ما يخرجان من هذا القسم في غير الأحكام نعم قد أخرجا لبعض الدعاة والغلاة كعمران بن حطان وعباد بن يعقوب وغيرهما إلا أنهما لم يخرجا لأحد منهم إلا ما توبع عليه وقد فات الحاكم من الأقسام المختلف فيها قسم نبه عليه القاضي عياض وهو رواية المستورين فإن روايتهم مما اختلف في قبولها وردها ولكن يمكن الجواب عن الحاكم في ذلك تلقي حديثهم اسم الصحة عليه بل الذين قبلوه جعلوه من قسم الحسن بشرطين أحدهما أن لا تكون روايتهم شاذة وثانيهما أن يوافقهم غيرهم على رواية ما رووه فقبولها حينئذ إنما هو باعتبار المجموعية كما قرر في الحسن انتهى قلت والوجه في هذا أي في تقديم ما انفق الشيخان عليه إلى آخر الأقسام السبعة أي دليل على ما ذهبوا إليه من الحكم بالصحة للأقسام(1/96)
94 السبعة وعلى ترتبيها المذكور عند أهل الحديث هو تلقي الأمة للصحيحين بالقبول ولا شك أنه أي التلقي من الأمة بالقبول للصحيحين وجه ترجيح اعلم أن معنى تلقي الأمة للحديث بالقبول هو أن تكون الأمة بين عامل بالحديث ومتأول له كما في غاية السول وغيرها من كتب الأصول وهذا التلقي لأحاديث الصحيحين يحتاج مدعيه في إثبات هذه الدعوى إلى دليل فتقول هذه الدعوى تحتاج إلى استفسار عن طرفيها هل المراد كل الأمة من خاصة وعامة كما هو ظاهر الإطلاق أو المجتهدون من الأمة وهو معلوم بأن الأول غير مراد فالمراد الثاني وهو دعوى أن كل فرد فرد من مجتهدي الأمة تلقي الكتابين بالقبول ولا بد مت إقامة البينة على هذه الدعوى ولا يخفي أن إقامته عليها من المتعذرات عادة كإقامة البينة على دعوى الإجماع فإن هذا فرد من أفراده وقد جزم أحمد ابن حنبل وغيره بأن من ادعى الإجماع فهو كاذب وإذا كان هذا في عصره قبل عصر تأليف الصحيحين فكيف بعده مع أن هذا الإجماع بتلقي الأمة لها لا يتم إلا بعد عصر تأليفهما بزمان حتى ينتشروا يبلغا مشارق الأرض ومعاربها وينزلا حيث نزل كل مجتهد مع أنه يغلب في الظن أن في العلماء المجتهدين من لا يعرف الصحيحين فإن معرفتهما بخصوصهما ليست شرطا في الاجتهاد قطعا ولاحاصل منع هذه الدعوى ثم إن سلمت هذه الدعوى في هذا الطرق ورد سؤال الاستفسار عن الطرق الثاني وهو هل المراد من تلقي الأمة لهذين الكتابين الجليلين معرفة الأمة بأنهما تأليف الإمامين الحافظين فهذا لا يفيد إلا صحة الحكم بنسبتهما إلى مؤلفيهما ولا يفيد المطلوب أو المراد تلقيها لك فرد فرد من أفراد أحاديثهما بأنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المفيد للمطلوب إذا هو الذي رتب عليه الاتفاق على تعديل روايتهما إذا التلقي بالقبول هو ما حكم المعصوم بصحته ضمنا كما رسمه المصنف في كتبه وهو يلاقي معنى ما أسلفناه عن الأصوليين من أنه ما كانت الأمة بين متأول له وعامل(1/97)
به
95 إذ لا يكون ذلك إلا بما صح لهم ولكن هذه الدعوى لا يخفي عدم تسليمها في كل حديث من أحاديث الصحيحين غيرما استثنى إذ المعصوم هو الأمة جميعا أو مجتهدوها ولا يتم أن كل حديث حكم المعصوم بصحته ضمنا إذا ذلك فرع إطلاع كل فرد من أفراد المجتهدين على كل فرد من أفراد أحاديث الكتابين على أن التحقيق أن الأمة إنما عصمت عن الضلالة لا عن الخطأ كما قررناه في الدراية حواشي شرح الغاية فحكم الأمة بصحة حديث من الأحاديث الأحادية وهو غير صحيح في نفس الأمر ليس بضلالة قطعا ولئن سلمنا أن مجتهدي الأمة كلهم تلقوا أحاديث الصحيحين بالقبول وصاروا بين عامل بكل فرد من أحاديثهما ومتأول فإنه لا يدل ذلك على المدعى وهو الصحة لأن الحسن يعمل ويتأول فلي التلقي بالقبول خاصا بالصحيح فقول المصنف إن التلقي بالقبول حكم من المعصوم بصحته ضمنا لا يتم إلا إذا لم يعمل المعصوم بالحسن ولا يتأوله والمعلوم خلافه ولئن سلم ما ادعاه المصنف ومن سبقه ووجه دعواهم ثم ذلك وجها لأحاديث الصحيحين لا غير لا لما هو على شرطهما إذ لا شرط لهما مقطوع به كم ستعرفه حتى يشمله التلقي بالقبول ولا يشمل ذلك الوجه القسم السابع وهو ما صححه إمام من الأئمة لاختصاص التلقي بالصحيحين ثم إذا كان وجه أرجحتهما هو التلقي المذكور فهما متلقيان على السوية فلا وجه لجعل ما اتفقا عليه مقدما على ما إذا انفرد كل واحد منهما ولا يجعل ما انفرد به البخاري أرجح من حيثية التلقي لاستواء الجميع فيه إذا عرفت ما في هذا الاستدلال على تقدم الصحيحين هو إخبار مؤلفيهما بأن أحاديثهما صحيحة وقد علم أنهما عدلان بلا ريب وخبر العدل واجب القبول فقول البخاري هذه أحاديث صحيحة بمثابة قوله رواة هذه الأحاديث عدول ضابطون ولا شذوذ فيها ولا علة وحينئذ فيجب قبول خبره كما يقبل تعديله للمجهول(1/98)
96 وإخباره بضبطه وخلوص الحديث عن العلة والشذوذ لأن لفظ صحيح متكفل بهذه المعاني كما قررناه في رسالتنا إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد تقريرا بليغا وقال المصنف في العواصم إن الثقة العارف إذا قال إن الحديث صحيح عنده وجزم بذلك وجب قبوله بالأدلة العقلية والسمعية الدالة على قبول خبر الواحد ولم يكن ذلك تقليدا له ولعله يأتي وأما أنهما أصح من غيرهما فقد يستأنس له بما علم من تحريهما في الرجال وعدم التساهل في ذلك بحال إلا أنه ليس حكما على كل حديث حديث بل حكم على الأغلب وقد بحثنا في استدلالهم بتلقي الأمة للصحيحين بالقبول بقريب مما هنا في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر وقد اختلف هل يفيد أي تلقي الأمة للصحيحين بالقبول القطع بالصحة لما فيهما كما سيأتي في مسألة حكم الصحيحين فأما قوة الظن فلا شك فيها أي في إفادته لها وإن لم يسلم فهم أي للمحدثين إجماع الأمة لأن دعواهم تلقي الأمة بالقبول يتضمن إجماعها فلا شك في إجماع جماهير النقاد من حفاظ الأثر وأئمة الحديث على ذلك والترجيح يقع بأقل من ذلك على ما يعرفه من له أنس بعلم الأصول هو كما قال إلا أنه خروج عن دعوى تلقي الأمة المتضمن للصحة كما قرره ورجوع إلى أن حديث الصحيحين أرجح من غيره من الصحيح وكأنه يقول المصنف إذا لم يتم التلقي بالقبول ثم الترجيح وعلى التقديرين فأحاديث الصحيحين أرجح من غيرها من جهة الصحة واعلم أن هذا الفصل يشتمل على أمرين أحدهما أن ما في البخاري ومسلم من الحديث المسند صحيح متلقي بالقبول من الأئمة لا يخفي أنه كان يكفي هذا عن قوله صحيح لن التلقي يتضمن الصحة بل هو دليلها وذلك هو الظاهر فقد ذكر صحتهما المنصور بالله عبد الله بن حمزة في كتابه العقد الثمين وفي غيره وذكر الأمير الحسين أي ابن محمد مؤلف كتاب شفاء الأوام صحيح البخاري في كتابه الشفاء بلفظ الصحيح وكذلك الزمخشري في(1/99)
97 الكشاف ذكره بلفظ الصحيح في العواصم للمصنف أن الزمخشري ذكر صحيح مسلم بلفظ الصحيح فينظر هل ذكر فيه البخاري أيضا كما هنا إلا أنه قد يقال إن ذكر من ذكرهما بلفظ الصحيح لا يدل على أنه قائل بصحتهما بالمعنى المراد هنا وذلك لأن لفظ الصحيح قد صار لقبالهما في العرف فإنه لا اسم لها إلا الصحيح البخاري وصحيح مسلم ثم إنه استدل بأنه ذكرهما من ذكر بلفظ الصحيح وليس من ذكر كل الأمة وكأنه يريد الاستدلال على قول الزيدية بصحتهما لا على قول الأمة إذ قد علم أن من عدا الزيدية قائل بصحتهما وإنما الحاجة إلى بيان أنهم قائلون أيضا بصحتهما فذكر منهم المنصور بالله والأمير الحسين إلا أنه لا يناسبه ذكر الزمخشري إذ ليس من الزيدية وإن وافقهم في بعض قواعد المعتزلة ثم ذكر جماعة من الزيدية بقوله ونقل عنهما وعن غيرهما أي عن غير الصحيحين ولا حاجة إلى ذكره إذ الكلام في الصحيحين المصنفون من الزيدية كالمتوكل على الله هو الإمام أحمد بن سليمان في كتابه أصول الأحكام والأمير الحسين في شفاء الأوام ولم يزل العلماء من الزيدية يحتجون بما فيهما قال المنصور بالله عبد الله بن حمزة في المهذب ولم يزل أهل التحصيل يريد من الزيدية لقوله يحتجون بأحاديث المخالفين لهم في الاعتقاد في المسائل الأصولية كخلق الأفعال والإمامة والرؤية ونحوها بغير مناكرة لعل هذا آخر كلامه ثم استأنف المصنف فقال وهذه يعني أحاديث الصحيحين إذ الكلام فيها وأصح أحاديث المخالفين بغير مناكرة وقد استمر ذلك أي استدلال أهل التحصيل بأحاديث المخالفين في الاعتقاد وشاع وذاع ولم ينقل عن أحد فيه نكير وهذه أي صورة الاستدلال الشائع الذائع الذي لم ينكره أحد طريق من طرق الإجماع السكوتي إذ حقيقته عند أئمة الأصول أن يقول المجتهد قولا(1/100)
98 أو يفعل وينتشر ويعلم به الباقون من المجتهدين ولا ينكرونه ويعلم أن سكوتهم رضا بقوله أوفعله وهذه صورة ثم هذا مبني على أن الإجماع السكوتي هنا حجة شرعية وقد بحثنا في ذلك في الدراية على الغاية والهداية وحققنا ما في القول بحجيته بل هذه أكثر طرق الإجماع المحتج به بين العلماء فإن غاية ما يقوله الباحثون والمدعون للإجماع إنه قيل هذا القول أو فعل هذا الفعل ولم ينكره أحد فكان إجماعا وأما الإجماع المحقق وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على قول في عصر بعده فقد قال أحمد بن حنبل من ادعاه فهو كاذب وذهب إلى إحالته جماعة من أئمة الأصول فلذا قال المصنف إن الإجماع السكوتي أكثر طرق الإجماع وهذا أي ما ذكر من استدلال أهل التحصيل إلى آخره في ديار الزيدية إلا أنه لا يخفي أنه قد يقال إنه لا يتم دعوى الإجماع المذكور لأن قبول أخبار المخالفين في الاعتقاد هي مسألة قبول كفار التأويل وفساقه وسيأتي أنها مسألة خلافية وقد تكرر أنه لا نكير في الخلافيات وحينئذ فالسكوت على ذلك وعدم النكير لكون المسألة خلافية لا أنه للرضا من الساكت حتى يكون هذا من الإجماع السكوتي فالحق أن هذا الاستدلال المذكور بأحاديث المخالفين فرع عن قبول كفار التأويل وفساقه فاستدلال من ذكر بأحاديثهم دليل على قبولهم وسيأتي دعوى الإجماع على ذلك وتحقيق المسألة إن شاء الله تعالى فأما بلاد الشافعية وغيرهم من الفقهاء أتباع مالك وأبي حنيفة وأحمد فلا شك في ذلك وقد أشرت إلى ذلك في العواصم وبينت أكثر من هذا فليطالع هنا لك قال فيها والظاهر بن إجماع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم القول بما قاله الفقهاء من صحة هذه الكتب إلا ما ظهر القدح فيه وإنما قلنا إن الظاهر إجماعهم على ذلك لأن الاحتجاج بصحيح ما في هذه الكتب ظاهر في مصنفاتهم شائع في بلادهم ثم ذكر نقل الإمام أحمد بن سليمان والأمير الحسين وعبد الله بن حمزة(1/101)
99 وأنه إجماع سكوتي ثم قال وأقصى ما في الباب أن ينقل إنكار ذلك عن بعض العلماء في بعض الأعصار فذلك النقل في نفسه ظني نادر واعتبار القدح بالظني النادر في عصر مخصوص لا يقدح في إجماع أهل عصر آخر وذكر مثل ما هنا وأيما أطال هنا لك في قول أبي نصر الوائلي السجزي حيث قال أجمع أهل العلم والقدماء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في البخاري مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صح عنه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا شك فيه أنه لا يحنث ولامرأة بحالها في حبالته فقال المصنف في العواصم بعد نقله الظاهر إجماعهم على ذاك وإجماع غيرهم لأن المعروف في كتب الفقه أن من حلف بالطلاق على صحة أمر وهو يظن صحته ولم ينكشف بطلانه لم يحنث لأن الأصل بقاء الزوجية ولا تطلق بمجرد الاحتمال المرجوح كما لو ظن في طائر أنه غراب فحلف بالطلاق أنه غراب ثم غاب عن يصره ولم يتمكن من أخذ اليقين في ذلك فإن زوجته لا تطلق انتهى ثم ذكر في هذا المحل أربعة عشر بحثا إلا أنه لا تعلق لها بما نحن فيه وأما الأمر الثاني وهو أن البخاري ومسلما أصح كتب الحديث فهذا مما لا يوجد للزيدية فيه نص والظاهر من مذهبنا أن رواية أئمتنا في العلم إذا تسلسل إسنادها بهم يأتي تفسير المسلسل ولم يكن بينهم من هو دونهم أنها أصح الأسانيد مطلقا لم يستدل المصنف لهذا الظاهر وقد قال الإمام عبد الله ابن حمزة مشيرا إلى هذا كم بين قولي عن أبي عن جده وأبي أبي فهو الإمام الهادي وفتى يقول روي لنا أشياخنا ما ذلك الإسناد من إسناد ولكنه يقل وجودها على هذه الصفة حتى إنه ذكر المصنف في إيثار الحق وغيره أنه ليس في كتاب الأحكام للإمام الهادي إمام مذهب الزيدية حديث مسلسل بآبائه إلا حديثا واحدا وهو قوله حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن(1/102)
100 أيها القسم بن ابراهيم عن أبيه عن جده ابراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا علي يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال لهم الرافضة إن أدركتهم فاقتلهم قتلهم الله إنهم مشركون انتهى بلفظه من الأحكام فلذا قال المصنف إنه يقل وجود الأحاديث بهذه الصفة لأهل مذهبه واعلم أن قول المصنف مذهبنا وأصحابنا جريا على المألوف وإلا فإنه لا يعنزي إلى فريق في مذهبه كما أشار إليه في أبياته الدالية ومنها والكل إخوان ودين واحد كل مصيب في الفروع ومهتدي هذي الفروع وفي العقدية مذهبي ما لا يخاف فيه كل موحد وأما كتب الحديث في أنفسها فلعل أصحابنا لا يخالفون في أن أصحها البخاري ومسلم لغزة شرطهما وما فيه وأي شرطهما من التحري والاحتياط ولما تكرر من المصنف ذكر شرطهما في تقسيم الصحيح وهنا توجه عليه ذكر شرطهما فقال وقد اختلف المحدثون في تفسير الصحيح وهنا توجه عليه ذكر شرطهما فقال وقد اختلف المحدثون في تفسير شرط البخاري ومسلم اعلم أنه لم ينقل عن الشيخين شرط شرطاه وعيناه إنما تتبع العلماء الباحثون عن أساليبهما وطريقتهما حتى تحصل لهم ما ظنوه شروطا لها ولذا اختلفوا فيه لاختلاف أفهامهم فيها فإنهم اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال الأول ما أفاده قوله فقال محمد بن طاهر المقدسي في كتابه في شروط الأئمة شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلته أي عدالة وضبطا إلى الصحابي المشهور فيه دليل على أنه يرى أن شرط الشيخين(1/103)
101 متحد وأنه شيء واحد قلت ولا يخفي أنه لا يوافق ما سلف من تقسيم الصحيح ومن قولهم ثم ما على شرط البخاري ثم ما على شرط مسلم قال زين الدين وليس مما قاله ابن طاهر بجيد حيث قال المجمع على ثقة نقلته فإنه غير صحيح لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهم الشيخان أو أحدهما فلم تتم دعوى ابن طاهر أن رواتهما مجمع على ثقتهم قلت ما هذا أي تضعيف جماعة من رواة الشيخين مما اختص به النسائي بل شاركه في ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل كما هو معروف في كتب هذا الشأن كأنه لم يرد الزين إلا التمثيل وإلا فإنه لا يخفى على مثله أن غير النسائي قدح في جماعة من رواتهما ولكنه أي ما ضعف به من قدح فيه من رواتهما تضعيف مطلق فسر المطلق بقوله غير مبين السبب فهو وصف كاشف وهو غير مقبول على الصحيح كما سيأتي بيان ذلك في موضعه من هذا المختصر سيأتي للمصنف رحمه الله تعالى في مراتب الجرح في الفائدة السادسة أن الجرح الذي لم يبين سببه غير مفيد للجرح ولكن يوجب الريبة والوقف في غير المشاهير بالعدالة والأمانة فلا يؤثر فيهم ولا مفتر بأن الجرح مقدم على التعديل فذاك الجرح المبين للسبب انتهى قلت إلا أنه لا يخفى أنه ليس كل من جرح من رجال الصحيحين جرحه مطلق مطلقا بل فيهم جماعة جرحوا جرحا مبين السبب منهم من جرح بالإرجاء(1/104)
102 كأيوب بن عائد بن مفلح أخرج له الشيخان قال النسائي وأبو داود كان مرجئا وقال غيرهما كان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق وبالنصب فإنه أخرج البخاري لثور بن يزيد الحمصي وكان يرمي بالنصب قال ابن معين كان يجالس قوما ينالون من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لكنه كان لا يسب وأخرج البخاري لجرير بن عثمان الحمصي قال الفلاس كان يبغض عليا قال الحافظ بن حجر جاء عنه ذلك من غير وجه وجاء عنه خلاف ذلك روي عنه أنه تاب وبالتشيع أخرج البخاري عن خالد القطواني قال ابن سعد كان متشيعا مفرطا وبالقدر أخرج لهشام بن عبد الله الدستوائي كان حجة ثقة إلا أنه كان يرمي بالقدر قاله محمد بن سعيد وفيهم عوالم ممن رمي ببدعة وقد سقنا في ثمرات النظر جماعة من ذلك وقد أخذوا السلامة من البدعة في رسم العدالة فالبدعة قادحة عندهم فيها وفيهم من هو داعية إلى بدعته حتى بالغ ابن القطان وقال في رجالهما من لا يعرف إسلامه(1/105)
103 نقله عن العلامة المقبلي وإن كنا لا نرى هذا إلا من العلو فأنه من المعلوم أنه لا يروى أئمة الحديث عن غير مسلم على أنه لو سلم للمصنف أنه ليس في رجالهما إلا من جرح جرحا مطلقا فإنه قال إنه يوجب الريبة والتوقف وهذا كاف يما تعقب به زين الدين ابن طاهر حيث قال إن شرطهما أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلته إذ الثقة لا يتوقف في قبول روايته لسلامته عن الجرح مطلقا مفسرا فقول المصنف وهو أي التضعيف المطلق غير مقبول على الصحيح خلاف يأتي له من أنه يقتضي الريبة والتوقف لا أنه يجزم بعدم القبول له كما هنا القول الثاني مما قيل إنه شرط الشيخين ما أفاده قوله قال الحازمي كما نقله عنه زين الدين في شروط الأئمة ما حاصله إن شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخفوا عنه ملازمة طويلة هذا لا يوافق ما نقل عن البخاري من أنه يشترط اللقاء ولو مرة بل هذا يدل على أنه إنما يكتفي بالمرة في حق أهل الطبقة الثانية الذين أشار إليهم بقوله وأنه قد يخرج أحيانا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلازموه إلا ملازمة يسيرة وأن شرط مسلم عطف على قوله أن شرط البخاري أن يخرج أحاديث هذه الطبقة الثانية لا يخفي أن مسلما لا يشترط اللقاء أصلا كما صرح به في مقدمة صحيحة كما يأتي لفظه وأهل هذه الطبقة يشترط فيهم اللقاء ولو يسيرا كما عرفت فإن أريد أن مسلما قد يخرج لأهل هذه الطبقة فنعم ويخرج لأهل الأولى وهم على شرطه وزيادة وليسوا شرطه إلا أن يريد هنا تخريجه بغير العنعنة إذ هي التي لا يشترط فيها اللقاء فلا بأس لكن كان عليه أن يصرح بذلك هنا وقد يخرج مسلم أحاديث من لم يسلم عن غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه كحماد بن سلمة في ثابت اللبناني وأيوب قال الذهبي في الميزان احتج مسلم بحماد بن سلمة في أحاديث عدة في الأصول وتحايده البخاري قال الحاكم في المدخل ما خرج مسلم(1/106)
لحماد بن سلمة في الأصول إلا في
104 حديثه عن ثابت قال الذهبي وحماد إمام جليل مفتي أهل البصرة مع اسحق ابن أبي عروبة انتهى ولم يذكر فيه جرحا إلا أنه ساق عنه أحاديث فيها نكارة قال زين الدين هذا حاصل كلام الحازمي ونقل النووي في شرح مسلم عن ابن الصلاح أن شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما عن الشذوذ والعلة وقال النووي أيضا ذكر مسلم في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث إلى ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون والنسائي ما رواه المستورون المتوسطون في الإتقان والحفظ والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من هذا القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم فقال الإمامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي إن المنية اخترمت مسلما قبل إخراج القسم الثاني وإنما ذكر القسم الأول قال القاضي عياض وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله وتابعوه عليه قال القاضي وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد فإنك إذا نظرت في تقسيم مسلم في كتابه الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال فذكر أن القسم الأول حيث الحفاظ وإنه إذ انقضى أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته وبقي من ذكره بعضهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا ووجدته ذكر في كتابه حديث الطبقتين الأوليين بالأسانيد الثابتة عنهما بطريق الاتباع للأولى والاستشهاد وحيث لم يجد في الباب من الأولى شيئا ذكر أقواما تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون وخرج حديثهم ممن ضعف أوانهم ببدعة وكذا فعل البخاري فتبين(1/107)
105 أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتبه في كتابه وبينه في تقسيمه وطرح الرابعة كما نص عليه قلت وهي التي تأتي في عبارته بقوله وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضا عن حديثه والحاكم لم يذكر إلا ثلاث طبقات كما عرفت فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة وليس ذلك مراده بل إنما أراد ما ظهر في تأليفه وبأن من غرضه أن يجمع ذلك على الأبواب ويأتي بأحاديث الطبقتين فيبتدئ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع حتى يستوفي جميع الأقسام الثلاثة ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم والثالثة هي التي طرحها وكذلك علل الأحاديث التي ذكرها ووعد أنه يأتي بها وقد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وذكر تصاحيف المصحفين وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وإدخاله في كتابه كل ماوعد به قال القاضي وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيي من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفا إلا صوبه وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع الأبواب انتهى قلت قد اضطرب العلماء في فهم مراد مسلم فلننقل لفظه ولنبين ما يفهمه قال مسلم في مقدمة صحيحه إنه يقسم الرواة على ثلاث طبقات من الناس(1/108)
106 أما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوه ولم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش ثم قال فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم فبلهم على أنهم وإن كانوا ممن وصفنا فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ثم قال وأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فأنا لا نتشاغل بتخريج أحاديثهم ثم قال وكذلك من كان الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضا عن حديثه ثم قال أيضا فلسنا نصرح بتخريج حديثهم ولا نتشاغل به لأن حكم هؤلاء عند أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما انفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأتقن في ذلك على الموافقة لهم انتهى جملة ما قاله بلفظه إلا حذف ما أتى به من تعداد رجال من أهل كل صنف إذا عرفت هذا فالذي عبارته أنه يخرج أحاديث أهل القسم الأول وهم أهل الاستقامة في الحديث والإتقان لما نقلوه وهؤلاء المعروفون بتمام الضبط المأخوذ قيدا في رسم الصحيح ثم يخرج أحاديث الصنف الثاني وهم الذين خف ضبطهم وهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم وهؤلاء هم شرط الحسن فإنهم الذي خف ضبطهم مع عدالته ثم ذكر أنه يترك الصنفين الآخرين بالكلية وهما قسمان الأول المتهمون عند أهل الحديث أو عند الأكثر والثاني من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط فإنه صرح بأنه لا يتشاغل بأهل هذين القسمين ولا يخرج أحاديثهم فعرفت أنه ذكر أنه قسم الرواة ثلاث طبقات وتحصل من كلامه أربع طبقات فكأنه جعل من لا يتشاغل بحديثه قسما واحدا وبعد تحقيقك لما ذكرناه تعرف أن قول القاضي إنه أتى مسلم بالطبقات الثلاث(1/109)
107 خلاف صريح قول مسلم بأنه لا يتشاغل بحديث المتهمين عند أهل الحديث أو عند الأكثر فإن هؤلاء هم أهل الطبقة الثالثة في كلامه وقول القاضي إنه طرح الرابعة صحيح لكنه أيضا طرح الثالثة فإنه حكم على أهل الثالثة والرابعة أنه لا يتشاغل بحديثهم وقول القاضي ويحتمل أنه أراد بالطبقات الثلاث من الناس الحفاظ ثم الذي يلونهم والثالثة التي طرح يقال هذا هو الاحتمال الذي يتبادر إليه كلام مسلم لكنه طرح الثالثة والرابعة أيضا وبعد هذا تعرف أن تأويل الحاكم بأنه إنما أتى بأهل الطبقة الأولى غير صحيح لأنه صرح مسلم أنه بعد تقضي أخبار أهل الطبقة الأولى يأتي بأهل الطبقة الثانية والظاهر أنه يأتي بهم في كتابه هذا لا في غيره فتبين أنه أتى بأهل طبقتين وترك أهل طبقتين هذا ما يفيده كلامه في المقدمة من دون نظر إلى ما في أبواب الكتاب ولا بد لنا من عودة إلى هذا ونذكر ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله فيما يأتي وقد اتضح لك أن صحيح مسلم في الصحيح والحسن بصريح ما قاله واتضح لك أن الأمر أوسع دائرة مما قاله الحازمي قلت ومراده أي الحازمي بإخراج مسلم لحديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة هو أي من لم يسلم من غوائل الجرح أن يكون متكلما عليه بضعف في حفظه لا في دينه فهو خفيف الضبط فإن ضعف الحفظ ينجبر بطول الملازمة فتلحقه طول الملازمة بالحفاظ المتقنين وهذا معروف من عرف المحدثين ولذا نجدهم يقولون في كثير من الرواة إنه قوي إذا روي عن فلان ضعيف إذا روي عن فلان فهذا كلام حسن جدا وفائدة جليلة فإنه قد يقول الناظر إذا رأي أئمة الحديث يقولون مثلا في إسماعيل بن عباس إنه مقبول إذا روى عن أهل الشام ضعيف في روايته عن غيرهم إنه كيف يقبل في قوم ويضعف في آخرين فإنه إذا كان فيه شروط الرواية كاملة قبل في الفريقين وإلا رد فيها ولذا وصى المصنف رحمه الله بمعرفة هذا بقوله فاعرف ذلك لنفاسته(1/110)
108 الثالثة مما قيل إنه شرط الشيخين ما أفاده قوله وقال النووي إن المراد بقولهم أي أئمة الحديث على تشرطهما أن يكون رجال إسناده في كتابيهما لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما قال زين الدين وقد أخذ أي النووي هذا من ابن الصلاح فإنه لما ذكر كتاب المستدرك للحاكم قال إنه أودعه ما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما إلى آخر كلامه وهو قوله أو على شرط البخاري وحده أو على مسلم وحده وعلى هذا الذي ذكره ابن الصلاح عمل الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري مثلا أي يقول بعد إخراجه في المستدرك على شطر البخاري ثم يعترض الشيخ تقي الدين عليه على الحاكم بأن فيه أي الحديث الذي صححه الحاكم على شرط البخاري مثلا فلانا ولم يخرج له البخاري وكذلك فعل الذهبي في مختصر المستدرك فدل هذا منه ومن الشيخ تقي الدين أنهما جعلا شرط البخاري ومسلم وجود رجال الإسناد في كتابيهما وأن شرطهما هو روايتهما عن الراوي في كتابيهما كما قاله النووي وتبعهم الحافظ ابن حجر فقال في النخبة وشرحها والمراد به أي شرطهما رواتهما مع باقي شروط الصحيح وليس ذلك منهم أي من ابن الصلاح والنووي وابن دقيق العيد والذهبي بجيد أي جعلهم شرط الشيخين ما ذكر غير جيد فإن الحاكم صرح في خطبة كتابه المستدرك بخلاف ما فهموه عنه فقال وأنا أستعين بالله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما فقوله بمثلها أي بمثل رواتها لا أنهم أنفسهم وحينئذ فلا يصح جعل شرطهما ما ذكره ابن الصلاح ومن تبعه إذا كان مستندهم هو صنيع الحاكم في المستدرك فإن كلامه في الخطبة لا يوافق ما قالوه قلت ولكنه يبقى الإشكال في قول الحاكم على شرطهما ولم يخرجاه فإنه قد أثبت لهما شرطا في الرواة فلينظر ما أراد بقوله على شرطهما فإنه غير مبين ولا معلوم ووجود من ليس من رواتها في حديث يقول فيه على شرطهما دليل(1/111)
على أنه
109 لا يقول بأن شرطهما رواتهما وكيف يجهل رجالهما مع شدة عنايته بكتابيهما ويجهل شرطهما مع أنه قد ذكر ابن الأثير في مقدمة كتابه جامع الأصول ما نقلناه عنه في البحث الرابع في الكلام على رسم الصحيح فإنه قال نقلا عن الحاكم شرط الشيخين أن يرويا حديث الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان إلى آخر ما قدمناه رجحه ابن الأثير وذهب إليه ابن العربي المالكي وهذا قول رابع في شرط الشيخين وحينئذ فإذا يقال الحاكم على شرطهما فالمراد ما ذكره هو وقد نقله عنه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة ولكنه رده كما قدمناه وإذا عرفت هذه الأربعة في شرطهما وعرفت أنها مدخولة كلها بما ذكر فاعلم أنه يرد على ما ذكروه من جعلهم لشرط الشيخين متحدا كما هو الذي دل له كلام محمد بن طاهر وكلام ابن الصلاح ومن تبعه من الثلاثة المحققين إشكال من جهتين الأول أنهم قسموا الصحيح أقساما أحدهما ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخاري ثم ما كان شرط مسلم وقد قرروا أن شرطهما شيء واحد متحد فكيف يتصور انفراد شرط أحدهما عن الأخر وحينئذ فيسقط قسمان من السبعة الأقسام من أقسام الصحيح وتبقى خمسة والثانية أنهم جعلوا ما هو على شرطهما قسما ولم يتعين لهما شرط فهو إحالة على مجهول نعم يتم انفصال شرط أحدهما على شرط الآخر على كلام الحازمي وهو الذي أفاده كلام الحافظ ابن حجر فيما نقلناه سابقا في مرجحات البخاري على مسلم وأن شرط البخاري اللقاء ولو مرة وشرط مسلم مجرد المعاصرة ولو يسيرة إلا أن الخلاف بين الشيخين في اللقاء وعدمه إنما هو في روايته العنعنة لا مطلقا(1/112)
110 قلت ولا يخفي أن هذا خلاف ما صرح به مسلم في مقدمة صحيحه بعدم شرطية اللقاء بل هجن على من اشترطه غاية التهجين كما سيأتي لفظه وقال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها إن الصفات التي تدور عليها شروط الصحة من العدالة وتمام الضبط في كتاب البخاري وأتم منها في كتاب مسلم وأشد وشرطه أي البخاري أقوى وأسد إلى آخر كلامه الصريح في اختلاف شرط الشيخين وأنا شديد التعجب حيث لم أجد من نبه على هذا مع وضوحه والتحقيق عندي أن العمدة في الصحة وجود شرط البخاري لأنه أخص من شرط مسلم كما قررناه ووجود الأخص لازم لوجود الأعم فإذا وجد الأخص فهو الأقوى وحينئذ فشرطهما وشرط البخاري قسم واحد وأقرب الأقوال إلى شرطهما كلام الحازمي لأنه فرق بين الشرطين إلا أنه يرد عليه أنه قال شرط مسلم أن يخرج عمن هم في أعلى درجات الإتقان ولازموا من أخذوا عنه ملازمة طويلة أو عمن ليسوا في أعلى درجات الإتقان ولا لازموا من رووا عنه ملازمة طويلة فأفاد أن مسلما يشترط اللقاء إذ هو لازم الملازمة طويلة كانت أو غير طويلة وقد عرفت أن مسلما صرح بخلاف هذا بل هو مهجن على من اشترطه إلا أن يخص كلام الحازمي بغير ما رواه مسلم بالعنعنة وفيه بعد هذا الحمل تأمل وأما الحافظ ابن حجر فإنه يتناقض كلامه في النخبة وشرحها فذكر ما سمعته قريبا من أن شرط بالبخاري غير شرط مسلم وذكر ما سمعنه قريبا من أن شرطهما وراتهما مع باقي شروط الصحة إلا أن يقال مراده شرطهما رواتهما وكل واحد منهما له في رواته شروط يمتاز بها عن رواة الآخر اتجه كلامه وسلم لكن قوله مع باقي شروط الصحة وهي السلامة عن الشذوذ والعلة يفت في عضد هذا لأن من كملت عدالته وأتقن ضبطه قد لا تسلم روايته عن العلة والشذوذ ثم من الأدلة على عدم اتحاد شرطهما ما ذكره النووي في شرح مسلم أن أبا الزبيير المكي وسهيل بن أبي صالح وحماد بن سلمة أحاديثهم صحيحة لأنهم على شرط(1/113)
111 مسلم اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم وكذا فيما أخرجه البخاري من حديث عكرمة عن ابن عباس واسحق بن محمد القروي وغيرهما مما احتج به البخاري ولم يحتج به مسلم انتهى بمعناه وهو مبني على أن شرطهما رواتهماكما سلف ولكنه لا يخفي بعد هذا كله أن جعل شرطهما ما ذكر من أحد الأربعة الأقوال إنما هو تظنن وتخمين من العلماء أنه شرط لهما إذ لم يأت عنهما تصريح ما شرطاه نعم مسلم قد أبان في مقدمة صحيحه من يخرج عنه حديثه كما عرفت ثم بقي بحث في تعقب الشيخ تقي الدين على الحاكم حيث يقول على شرطهما فيقول فيه فلان لم يخرج له البخاري وذلك أن ترك البخاري التخريج عن شخص ليس دليلا على أنه ليس على شرطه عند الحكم فإن الحاكم قائل بأن شرطهما على ما قدمناه عنه بلفظه وأشرنا غليه قريبا فتصريحه بشرطهما عنده يدل على أنه لا يقول بأن شرطها رواتهما وبما صرح به من شرطهما ينبغي أن يتعقب كلام ابن دقيق العيد في تعقبه للحاكم بأن فلانا لم يخرج له البخاري مثلا وذلك لأن عدم إخراج البخاري عن فلان ليس دليلا أنه ليس على شرطه عند الحاكم بل كل من وجدت فيه الصفات التي ذكرها الحاكم وجعلها شرط رواة الشيخين فهو على شرطهما وإن لم يخرجا عنه فإذا أريد الانتقاد على الحاكم إذا قال على شرطهما ثم وجدنا فيه رجلا لم يخرجا عنه نظرنا في صفات ذلك الرجل هل هو جامع لما ذكره الحاكم من الصفات في شرط رواتهما فلا اعتراض عليه بأنه لم يخرج له الشيخان مثلا فالمعتبر وجود الشرط في الراوي لا وجوده عندهما أو عند أحدهما وبعد هذا تعرف أن قوله في خطبة المستدرك قد احتج بمثلها أي مثل رواتها في صفاتهم التي ذكرها وقد يكونون هم أنفسهم أو من اتصف بصفاتهم إذ ذلك هو المعتبر عنده لا أن شرطهما عنده وجود الراوي في كتابيهما كما(1/114)
112 عرفته من كلامه الذي قاله عنه ابن الأثير والحافظ ابن حجر وإن كان كلاما غير مقبول لكن المراد تطبيق كلامه على ما صرح هو به لا على كلام غيره كما فعله زين الدين ويلزم زين الدين أن الحاكم لم يخرج عمن خرجا عنه في كتابه المستدرك أصلا ولذا قال الزين لا أنهم أنفسهم وهذا خلاف الواقع فلم يرد الحاكم في خطبته إلا مثل من كان على صفة رواتهما التي هي شرطهما عنده أعم من أن يكون نفس رواتهما أو غيرهما ممن له تلك الصفات ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث فيكون ضمير يمثلها للأحاديث لا لرواتها وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها وبهذا الاحتمال يتم ما ادعاه ابن الصلاح من تبعه قلت ولا يخفى ما قصدناه قريبا من أن الحاكم قد بين في كتابه المدخل شرط الشيخين وتصريحه مقدم على شيء تحتمله عبارة خطبته بل تصريحه يعين أحد المحتملين وقد أوضحناه قريبا إما العجب كيف يؤخذ من كلامة المحتمل شرط الشيخين ويترك ما صرح به من أنه شرطهما وإذا عرفت ما أسلفناه في شروطهما عرفت أنه يتعين الإمساك عن الجزم بوصف حديث لم يخرجا في كتابيهما بأنه على شرطهما لأن شرطهما غير معلوم جزءا فكيف تجزم بوصف حديث لم يخرجاه ونصححه مع الشك فيما يوجبه ويتفرع عنه تصحيحه والشك لا يتفرع عنه يقين ولا يهاب إطباق المحققين على قولهم في حديث لم يخرجاه إنه على شرط الشيخين فإن الحجة في الدليل لا في مجرد الأقاويل قال زين الدين وقد بينت المثلية في الشرح الكبير إلا أنه قال الزين قبل هذا وفيه نظر أي في احتمال أن يراد بمثل تلك الأحاديث نفس رواتها فأفاد أنه لم يرتض الاحتمال الذي به يتم مراد ابن الصلاح ومن تبعه ثم قال وقد بينت المثلية إلى آخره(1/115)
113 قلت المثلية تقتضي الغيرية أي حقيقة وإلا فإنه يأتي في الكتابة أنه قد يراد بالمثل غير المغاير نحو مثلك لا يبخل أي أنت لا تبخل ومنه قوله ولم أقل مثلك أعنى به سواك يا فراد بلا مشبه إلا أن قول المصنف وقد تبين أن مراد الحاكم ما ذكره زين الدين بإخراجه أ ي الحاكم لحديث من لم يخرج حديثه البخاري ومسلم يقتضي أنه لم يرد الحاكم بالمثل إلا الغير أو الأعم منه وكلامه أي الحاكم يقتضي ذلك من غير هذه القرينة التي هي إخراجه لحديث من لم يخرج له الشيخان فكيف معها والله أعلم واعلم أنه لا ريب أ في كتاب الحاكم جماعة من رجال الشيخين قطعا وجماعة من غير رجالها قطعا فلا يتم حمل المثلية في خطبة المستدرك على غير رواتهما وحصل فيه شرطهما الذي قرره الحاكم نفسه في المدخل كما قررناه قريبا فقول المصنف إنه قد تبين أن مراد الحاكم بالمثل ما ذكره الزين غير صحيح إذا ظاهر أنه ليس في كتاب الحاكم أحد رجال الصحيحين وهذا باطل وقول المصنف إنه قد أخرج حديث من لم يخرج له الشيخان مسلم لكن من أين له أنه لم يخرج لمن أخرج له الشيخان كيف وقد قدم المصنف كلام الذهبي بأن في المستدرك قدر النصف صحيحا على شرط الشيخين والمراد به أنه رواه برجالهما لأن ذلك شرطهما عند الذهبي كما قاله الزين آنفا ثم قال وقدر الربع على غير شرطهما أي ليس رجاله رجال الصحيحين فلذا قلنا قطعا في الطرفين وبه يتبين لك أن الحق في كلام الحاكم في المثلية ما ألهمنا الله إليه لا ما قاله زين الدين والمصنف
114 مسألة في إمكان التصحيح في كل عصر ومن كل إمام(1/116)
إمكان التصحيح مطلقا أي عصر من الأعصار ومن أي إمام من الأئمة اعلم أن التصحيح على ضربين أحدهما أن ينص على صحة الحديث أحد الحفاظ المرضيين المأمونين فيقبل ذلك منه وهذا القسم قد تقدم فإنه أحد الأقسام السبعة الماضية لكنه ذكره هنا استيفاء للأقسام ولأجل الاستدلال عليه بقوله للإجماع وغيره من الأدلة الدالة على وجوب قبول خير الآحاد كما ذلك مبين في موضعه من أصول الفقه وقد استدل ابن الحاجب بالإجماع بعد ذكره لخلاف القاشاني والرافضة وأبي داود واستدل أحمد والقفال وابن سريج وأبو الحسن على وجوب العلم بخير الآحاد بالعقل وبيانه بالدليل العقلي مذكور في مختصر ابن الحاجب واستدل الجمهور بإجماع الصحابة والتابعين قالوا بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى وقد تكرر ذلك مرة بعد أخرى وشاع وذاع بينهم ولم ينكر عليهم أحد غلا لنقل وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح وإن كان احتمال غيره قائما في كل واحد واحد هكذا قرر الاستدلال عضد الدين في شرح المختصر وتأتي الأدلة على ذلك في قبول رواية كفار التأويل وفساقه وهو من باب الاستدلال بالإجماع السكوتي ولا يجوز ترك ذلك أي العمل بخبر الواحد بصحة الحديث الذي نحن بصدده متى تعلق الحديث بحكم شرعي وذلك لأنا قد تعبدنا بالأحكام الشرعية قطعا وقد قام الدليل على وجوب قبول خبر الآحاد وأكثر تفاصيل الشرعيات أحادية فيجب قبوله وسره أن(1/117)
115 قول العدل هذا حديث صحيح في قوة هذا حديث عدلت نقلته وثبت إتقانهم في الضبط وسلم الحديث من الشذوذ والعلة والعدل إذا عدل غيره وجب قبول خبره وإذا شهد له بالإتقان في حفظه وجب قبول خبره أيضا وقد بسطنا هذا في رسالتنا المسماة إرشاد النقاد بسطا شافيا وبينا أن قول العدل فلان عمل عبارة إجمالية معناها أنه آت بالواجبات مجتنب للمقبحات ولما فيه خسة من الصغائر محافظ على المروءة وكما وقع الإجماع على قبول تلك العبارة الإجمالية يجب قبول قول القائل من الأئمة هذا حديث صحيح فإنه إخبار عما تضمنه الإجمال من التفصيل وهذا الذي ذكره المصنف هنا هو الحق لا ما تقدم له من قوله إن من قلد في ذلك لا يكون مجتهدا وسيأتي زيادة في بحث المرسل إن شاء الله تعالى إلا أن تظهر علة قادحة في صحة الحديث من فسق في الراوي حفي على من صحح حديثه أو تغفيل كثير أو غير ذلك من قبول الثقات حاصلة أن قبول خبر العدل بأن الحديث صحيح مقتض للعمل به ما لم يعارضه المانع واعلم أنه قد سبق أنه إذا صحح الحديث إمام من المتقدمين كابن خزيمة وابن حبان قبل تصحيحه وجوبا على ما ذكره المصنف إذا تضمن حكما شرعيا وهذان الإمامان اللذان نص على التمثيل بهما قد قدمناه ما قيل في كتابيهما ومثلهما تصحيح الترمذي فإنه قال ابن حجر الهيتمي في فهرسته فإن قلت قد صرحوا بأن عنده أي الترمذي نوع تساهل في التصحيح فقد حكم بالحسن مع وجود الانقطاع في أحاديث في سننه وحسن فيها بعض ما انفرد به رواته كما صرح هو بذلك فإنه يورد الحديث ثم يقول عقيبه إنه حسن غريب وحسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من الوجه قلت هذا كله لا يضره لأن ذلك اصطلاح جديد له ومن بلغ النهاية في الإمامة والحفظ لا ينكر عليه ابتداع اصطلاح يختص به وحينئذ فلا مشاححة في الاصطلاح وبهذا يجاب عما(1/118)
116 استشكلوه من جمعه بين الصحة والحسن على متن واحد مع ما هو معلوم من تغايرهما انتهى قلت إذا كان اصطلاح الترمذي أن الحسن والصحيح شيء واحد فإنه لا يصح حمل قوله صحيح على المعنى الذي نحن بصدده بل يحمل على أنه قسم من الحسن وسيأتي كلام آخر في وجه جمعه بين الوصفين على أنه لا يتم ما قاله ابن حجر إلا إذا أريد بالحسن الذي يرادف الصحيح في اصطلاح الترمذي الحسن لذاته لا الحسن لغيره فإنه قال ابن حجر أيضا إن أبا داود قال في خطبة كتابه ذكرت الصحيح وما يشابهه وما يقاربه ثم قال والذي يتجه أن المراد بما يشبه الصحيح الحسن لذاته وبمقاربة الحسن لغيره وقد تقرر أن كلام من هذين معتمد قال وإنما حملتهما على ذلك لأن الحسن لذاته في الاحتجاج به مثله أي مثل الصحيح اتفاقا بخلاف الحسن لغيره فإنه بعيد عن الصحيح لأنه باعتبار ذاته وحده ضعيف لكنه لما انجبر بغيره صارت له قوة عرضية وصار بسبب ما عرض له من تلك القوة حجة أيضا انتهى وقد وقع للبغوي في المصابيح اصطلاح آخر في الصحيح والحسن فجعل الصحيح ما رواه الشيخان أو أحدهما في كتابيهما والحسن ما رواه غيرهما واعترضه ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن تخصيصه الصحاح بما رواه الشيخان أو أحدهما في كتابيهما والحسان بما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدرامي اصطلاح لا يعرف بل هو خلاف الصواب إذا الحسن عند أهل الحديث ليس عبارة عن هذا الذي ذكره لما أنه وقع في كتب السنن الصحيح وهو كثير والضعيف وهو كثير وقد أجاب التاج التبريزي بأن هذا الاعتراض عجيب إذ من المشهور المقرر عند أرباب العلوم العقلية والنقلية أن لا مشاححة في الاصطلاح وحينئذ فتخطئه المرء في اصطلاحه بعيد عن الصواب وقد اخترع غيره له اصطلاحا(1/119)
117 آخر كالحاكم والخطيب فإنهما اصطلحا على إطلاق الصحة علىجميع ما يف سنن أبي داود والنسائي ورافقهما في النسائي جماعة منهم أبو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدار قطني انتهى ملتقطا من فهرسة ابن حجر الهيتمي وإنما نقله لئلا يقف الناظر على تصحيح الترمذي أو تحسين البغوي فيظن أنه من قسم ما صححه إمام من الأئمة أو تحسين بالمعنى الذي ذكره المصنف وغيره للصحيح بل لا بد من معرفة اصطلاح الإمام الذي قال صحيح أو حسن قبل ذلك على أنه قد تعقب الحافظ ابن حجر كلام التبريزي في اعتراضه على ابن الصلاح فقال وعندي أن ابن الصلاح لم يسق كلامه اعتراضا على البغوي وإنما أراد أن يعرف أن البغوي اصطلح لنفسه أن يسمي السنن الأربعة الحسان ليستغني بذلك عن أن يقول عقب كل حديث يخرجه منها خرجه أصحاب السنن أو بعضهم وكلامه يكاد يكون صرحا في ذلك حيث قال هذا اصطلاح لا يعرف فبين أنه اصطلاح وأنه حادث ثم قال وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك حتى لا يظن أنه ليس فيها إلا الحسن الذي تقدم تعريفه ثم قال الحافظ ابن حجر والحاصل أنا لا نسلم أن البغوي أراد الحسن المتقدم تعريفه ولا نسلم أن ابن الصلاح اعترض عليه انتهى الضرب الثاني من ضربي التصحيح أن لا ينص على صحة الحديث أحد من المتقدمين ولكن تبين لنا رجال إسناده أي الحديث وعرفناهم بصفاتهم من كتب الجرح والتعديل الصحيحة بنقل الثقات سماعا أو غيره من طرق النقل كالإجازة والوجادة يأتي بينهما فهذا الذي لم يصححه أحد من المتقدمين وقع فيه أي في تصحيحه خلاف لابن الصلاح فإنه ذكر أنا لا نجزم بصحة ذلك أي التصحيح بل ولا التحسين كما سنعرفه من لفظه لعدم خلو الإسناد في هذه الأعصار ممن يعتمد على كتابه من غير تمييز لما فيه لفظه إذا وجدنا فيما يروي من كتب الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد(1/120)
118 الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فأنا لا تتجاسر على سوم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من يعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذن في معرفة الصحيح إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة انتهى قال عليه الحافظ ابن حجر فيه أمور الأول قوله فيما يشترط في الصحيح من الحفظ فيه نظر لأن الحفظ لم يعده أحد من أئمة الحديث شرطا للصحيح وإن كان حكى عن بعض المتقدمين من الفقهاء ولكن العمل في الحديث والقديم على خلافه لا سيما عند رواية الكتب وقد ذكر المؤلف يريد به ابن الصلاح في النوع السادس والعشرين أن ذلك من مذاهب أهل التشديد هذا إن أراد المصنف بالحفظ حفظ مما يحدث به الراوي بعينه وإن أراد الراوي شرطه أن يعد حافظا فللحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا وهو المشهور بالطلب والأخذ من أقواه الرجال لا من الصحف والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم والمعرفة بالتجريح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون مما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا ولم يجعله أحد من أئمة الحديث شرطا للحديث الصحيح نهم المصنف لما ذكر حد الصحيح لم يتعرض للحفظ أصلا فما قاله يشعر هنا بمشروطيته ومما يدل أنه أراد حفظه ما يحدث بعينه أنه قائل به من اعتمد عل ما في كتابه فدل على أنه يعيب من حدث من كتابه ويصوب من حدث عن ظهر قلبه والمعروف عن أئمة الحديث خلاف ذلك كالإمام أحمد وغيره الأمر الثاني أن من اعتمد في روايته على ما في كتابه لا بعاب بل هو وصف أكثر رواة الصحيح من بعد الصحابة وكبار التابعين ثم قال الأمر الثالث قوله فآل(1/121)
119 الأمر إلخ فيه نظر لأنه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصا على صحته ورد ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين فيلزم على الأول تصحيح ما ليس بصحيح لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحة ولا سيما من لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن فكم في كتاب ابن خزيمة من حديث محكوم بصحته وهو لا يرتقى عن رتبة الحسن وكذا في صحيح ابن حبان وفيما صححه الترمذي من ذلك جملة مع أن الترمذي ممن يفرق بين الصحيح والحسن لكنه قد يخفي على الحافظ بعض العلل في حديث فيكم عليه بالصحة بمقتضى ما ظهر له ويطلع عليه غيره فيرد به الخبر وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل والعمل بما يقتضيه الإنصاف الأمر الرابع كلامه يقتضي الحكم بصحة ما تقل عن الأئمة المتقدمين مما حكوا بصحته في كتبهم المتقدمة المسرودة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم فإن أفاد الإسناد صحة لمقالة عنهم فليقد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره الأمر الخامس ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما فيها سند إلا وفيه من لا يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر لأن الكتاب المشهور المغني بشهرته عن اعتبار الأسانيد إلى مصنفه كسنن النسائي مثلا لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه فإذا روي حديثا ولم يعلله وجمع إسناده شروط الصحة ولم يطلع المحدث المطلع فيه على علة ما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على صحته أحد من الأئمة المتقدمين لا سيما وأكثر ما يوجد من هذا النقل ما رواته رواة الصحيح(1/122)
120 هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن ولذا قال المنصف وخالفه أي ابن الصلاح في دعواه النووي فقال الأظهر عندي جوازه أي التصحيح لمن تمكن وقويت معرفته قال زين الدين وهذا أي التصحيح لما لم يسبق تصحيحه عن أحد من المتقدمين وهو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح ومن بعده أحاديث لم يجر لمن تقدم فيها تصحيح كأبي الحسن ابن القطان والضياء المقدسي والزكي عبد العظيم المنذري ومن بعدهم انتهى كلام الزين من شرح ألفيته قال الحافظ ابن حجر أما استدلال شيخنا بأن من عاصر ابن الصلاح قد خالفه فيما ذهب إليه وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد لأحد من المتقدمين الحكم بتصحيحها فليس بدليل ناهض على رد ما اختار ابن الصلاح لأنه مجتهد وهم مجتهدون فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد وما أوردناه في نقض دعواه أوضح فيما يظهر انتهى واختار ذلك أي تصحيح المتأخرين لما لم يصححه المتقدمين ابن كثير في علوم الحديث له وذكر انتصارا لما اختاره أنه قد جمع في ذلك الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابا سماه المختار ولم يتم كان بعض مشائخنا يرجحه على مستدرك الحاكم قلت لا يخفى أن ذكر المصنف لاختيار ابن كثير وذكر ابن كثير لجمع الضياء كاستدلال الزين بعمل أهل عصر ابن الصلاح وغيرهم ويأتي فيه من النظر ما أتى في ذلك إلا أن يقال إن كلام الجميع إشارة إلى كون المسألة خلافية في عصر ابن الصلاح وبعده وإن لم يخرج ذلك مخرج الاستدلال بل مجرد حكاية الأقوال وسوف يأتي بيان كيفية التصحيح في هذه الأعصار في مسألة معرفة من تقبل روايته ومن ترد في آخر الفصل قبل مراتب التعديل ويأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى
121 مسألة في بيان حكم ما أسنده الشيخان أو علقاه(1/123)
حكم الصحيحين أي ذكر حكم ما أسنده في الصحيحين كما يرشد إلى تقدير ذلك قوله والتعاليق فإنه من مسمى الصحيحين وإن لم تشمله الصحة اختلف الحفاظ من المحدثين والنقاد من الأصوليين فيما أسنده البخاري ومسلم أو علقاه وهو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا قال ابن الصلاح في جزء له ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت لتلقي الأمة ذلك بالقبول وذلك يقيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة يفيد العلم النظري وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق انتهى فلما ما أسنداه أي الشيخان أو أحدهما فذكر ابن الصلاح أن العلم اليقيني النظري واقع به أي بما أسنداه أو أحدهما خلافا لقول من نفى ذلك أي إفادة اليقين وفي شرح مسلم ما يفيد أن هذا الخلاف لبعض محققي الأصوليين محتجا بأنه أي الحديث الصحيح لا يفيد في أصله أي في حق كل واحد من الأمة إلا الظن وأما قول ابن الصلاح في الاستدلال على إفادتهما اليقين يتلقى الأمة لها بالقبول فجوابه قوله وإنما تلفته أي حديث الكتابين الأمة بالقبول لأنه يفيد الظن ولأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ ولا يتم به اليقين قال ابن الصلاح وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا وهو كونه يفيد العلم اليقيني النظري هو الصحيح لأن(1/124)
122 ظن من هو معصوم عن الخطأ وهو الأمة لا يخطئ إلى آخر كلامه وهو قوله ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري ومسلم يتدرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما انتهى وقال إمام الحرمين لو حلف إنسان بطلاق امرأته بأن ما في كتاب البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع المسلمين على صحتهما قال النووي لقائل أن يقول إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلون على صحتهما للشك في الحنث فإنه لو حلف على ذلك في حديث ليس هذه صفته لم يخنث وإن كان رواية فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل الإجماع فلا يضاف إلى الإجماع قال والجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدك الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث حاصل محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام إمام الحرمين فهو اللائق بتحقيقه انتهى وأقول في هذا الكلام بحثان الأول أنه مبني على دعوى تلقي كل الأمة للكتابين بالقبول وقد قدمنا أن هذه دعوى على الأمة كلها وهي غير صحيحة كما أوضحناه في ثمرات النظر وغيرها وقد أقر ابن الصلاح بعدم تمامها فإنه قال إن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه ولا يخفى أن مسمى الأمة ودليل العصمة شامل لكل مجتهد والقول بأنه لا يعتد بمجتهد وإخراجه عن مسمى الأمة لا يقبله ذو تحقيق وإلا لادعى من شاء ما شاء بغير دليل وقد قدمنا سؤال الاستفسار عن هذا التلقي هل هو لأصل الكتابين من حيث الجملة أو لكل فرد فرد من أحاديثهما(1/125)
123 الأول مراد لا يفيد المطلوب الثاني هو المراد ولا يتم فيه الدعوى كما أشرنا إليه سابقا وقررناه في ثمرات النظر وفي غيرها البحث الثاني بعد تسليم الدعوى الأولى أن التحقيق أن الأمة معصومة عن الضلالة وعليها دلت الأدلة كما حققناه في حواشينا على شرح الغاية المسماة بالدراية وقد أشرنا إليه سابقا والخطأ ليس بضلالة وتأتي زيادة في هذا وقد سبقه أي ابن الصلاح إلى نحو ذلك محمد بن طاهر المقدسي وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف واختاره ابن كثير وحكى في علوم الحديث له أن ابن تيمية حكى ذلك عن أهل الحديث وعن السلف وعن جماعات كثيرة من الشافعية والحنابلة والأشاعرة والحنفية وغيرهم والله أعلم رأيت في بعض رسائل ابن تيمية ما لفظه ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله تارة بتواتره عندهم وتارة لتلقي الأمة له بالقبول وخير الواحد المتلقي بالقبول يفيد العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالأسفرائيني وابن فوزك فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن لكنه لما اقترن به إجماع علماء أهل الحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالصحة على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي انتهى وفيه أنه حكم على أكثر متون الصحيحين وأن ذلك إجماع أئمة الحديث وهذا حسن ولكنه ليس بالإجماع الذي ادعاه ابن الصلاح فإن أراد ابن كثير هذا الكلام الذي لابن تيمية فلا يخفى أنه لا يحسن ضمه إلى ابن الصلاح ومن سبقه لأن أولئك ادعوا الإجماع من الأمة على التلقي وابن تيمية يقول إنه تلقاه علماء الحديث أي تلقوا أكثر متونهما بالقبول وإنه بمنزلة الإجماع(1/126)
124 وإن علماء الحديث هم يعلمون علما قطعيا أنه صلى الله عليه وسلم قال ما في الصحيحين مما نسب إليه وهذا قول عدل إلا أن الدليل عليه كونه بمنزلة الإجماع ولا يخفى أن الدليل إنما هو الإجماع لا ما هو بمنزلة لأنه ليس إجماعا ضرورة واتفاقا إذ الدليل هو الإجماع كما في علم الأصول لا ما هو بمنزلة ثم رأيت الحافظ ابن حجر ابن تيمية إلا أنه بأبسط من هذه العبارة وضمه إلى من ضمه ابن كثير وقوله غير قول من ضموه إليهم ولا بد من حمل كلامهم على كلامه لأن من يعتبر تلقيه بالقبول إنما هو من يعرف الفن ويميز بين صحيحه وسقيمه ويعرف رجاله وذلك خاص بأهل الحديث وأئمة هذا الشأن وهم الذين تروج دعوى ذلك عليهم لا الأئمة كلها فلو قال ابن الصلاح وغيره مثل هذا لقبل منه وأما دعوى القطعية بعد تسليمه هذا القدر من التلقي ففيها خفاه وإنما قلنا إنه لا بد من رد كلامهم إلى كلامه لأنه الواقع وهو يفيد أرجحية ما فيها كما أشار إليه المصنف فيما سلف لا القطعية المدعاة قال النووي في شرح مسلم وخالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر ونحو ذلك حكى زين الدين عن المحققين واختاره قال النووي فإنهم أي المحققين قالوا إن أحاديث الصحيحين التي ليست متواترة إنما تفيد الظن لأنها آحاد والآحاد إنما تفيد الظن كما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيها وهذا متفق عليه فإن أخبار الآحاد في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد الظن وكذا الصحيحان وإنما يفترق الصحيحان وغرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر فيه وتوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى(1/127)
125 واعلم أنه قال الحافظ ابن حجر إن شيخه يريد زين الدين أفر كلام النووي هذا وفيه نظر وذلك أن ابن الصلاح لم يقل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما وكيف يسوغ له ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفصيل لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض أو ناسخ انتهى قلت ولا يخفي أنه وهم فإن القائل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما هو النووي نفسه لا أنه نقله عن ابن الصلاح ثم إن قوله أجمعت على العمل إنما مراده مما تعبدنا بالعمل به فالمنسوخ والمخصص قد خرجا من ذلك ثم إنه نقل عن الأستاذ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك تفصيلا في المتلقي بالقبول فقال الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته ثم فصل ذلك فقال إن اتفقوا على العمل به لم يقطعوا بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العلم بخبر الواحد وإن تلقوه بالقبول قولا وفعلا حكم بصدقه قطعا ثم قال إنما اختلفوا فيما إذا أجمعت الأمة على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أملا على قولين فذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحا بذلك وذهب عيسى ابن أبان إلى أنه يدل على صحته قال وقد تعقب شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح يريد به البلقيني قول النووي إن ابن الصلاح خالفه المحققون والأكثرون فقال هذا ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والحنابلة والمالكية أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول قلت وكأنه عنى بهذا البعض الشيخ تقي الدين ابن تيمية ثم ذكر ما أسلفناه من كلام ابن تيمية قلت إلا أن هاهنا بحثا فإنه لا يخفي اختلاف أحوال العلماء وغيرهم فيما يستفيدونه اعتقادا فمنهم من يفيده خبر الآحاد العلم وقد قدمنا في شرح رسم(1/128)
126 الصحيح شيئا من ذلك ومنهم من يفيده الظن ومنهم من لا يفيده علما ولا ظنا ولذا اختلف فيما يفيده خبر الآحاد الاختلاف الذي سبق ذكره هنالك أيضا فالتلقي بالقبول لا يجزم بإفادته القطع لكل أحد محقق لاختلاف الناس في الاعتقاد فدعوى إفادته القطع لكل أحد غير صحيحة وأيضا إنما يستوي الناس في البديهيات ككون الكل أعظم من الجزء ونحوه وأما في الأمور النقلية فلا فإنه يتواتر الأمر لشخص دون شخص فيكون حجة على الأول دون الثاني إذا عرفت هذا فالرد على ابن الصلاح بأن جماعة قالوا لا يفيد إلا الظن والرد على من رد عليه بأن جماعة قالوا يفيد القطع غير صحيح في الطرفين لأن هذه أمور وجدانية يختلف فيها الناس فلا يحكم أحد على غيره بما عند نفسه ولو كان المتلقي بالقبول يفيد القطع لكل أحد أو الظن لما وقع اختلاف في المسألة
ثم اعلم أن هذا التلقي المدعى مراد به تلقي العلماء هو من بعد تأليف الصحيحين وهي الطبقة الأولى من بعد ذلك وأما من بعدهم من أهل الأزمنة المتأخرة فالدليل عيه نقل تلك الطبقة التلقي بالقبول ولعله قد يكون آحادا فلا يفيده أو متواترا فتقوم الحجة بنقل تلقي الأمة لهما بالصحة ولما قال ابن الصلاح إن ظن من هو معصوم لا يخطئ قال المصنف قلت والمسألة دقيقة وقد بسطت القول عليها في العواصم وهي في أصول الفقه مذكورة وحاصل الجواب على ابن الصلاح في قوله إن ظن من هو معصوم ع الخطأ لا يخطئ أن المعصوم معصوم في ظنه عن الخطأ الذي هو خلاف الصواب قال المصنف في مختصره في علوم الحديث والحق أنه أي الخطأ لا يناقضها أي العصمة حيث خطؤه فيما طلب لا فيما وجب ولا يوصف خطؤه حينئذ بقبح لا عن الخطأ الذي هو خلاف الإصابة كالخطأ في رمي المؤمن الكافر حيث رماه فأصاب مؤمنا فإنه غير آثم قطعا وفي الحكم بشهادة العدلين في الظاهر وهما في الباطن غير عدلين ومن ذلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/129)
127 بزيادة كما في صلاته الأربع خمسا أو نقصان كم في صلاته الأربع اثنتين أخرجه الستة من حديث ابن بحينة وسماها الظهر حيث سها وظن أنه ماسها فإنه قال له صلى الله عليه وسلم ذو اليدين أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت قال لم تقصر ولم أنس وسيأتي فمن جوز هذا على المعصوم كالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه خطأ لغوي وهو الخطأ المرفوع عن الأمة في حديث رفع عن أمتي الخطأ وهو في الحقيقة صواب لأنه مأمور به مثاب عليه وقد استدل المصنف لجوازه بالعقل والنقل في مختصره حيث قال لنا لو وجب القطع بانتقائه لبطل كونه ظنا والفرض أنه ظن فهذا خلف ولوجوب الترجيح عند تعارض المتلقي بالقبول ولا ترجيح مع القطع ومن السمع قول يعقوب في قصة أخي يوسف بل سولت لكن أنفسكم أمرا وقوله ففهمناها سليمان وقوله في حديث إنما أقطع له قطعة من نار أخرجه الشيخان مرفوعا من حديث أم سلمة وأوله إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه شيئا الحديث وأحاديث سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ولا يمتنع أن يدخل الظن في استدلال الأمة ثم يجب القطع باتباعهم كخبر الواحد وطرق الفقه ولذلك يسمى الفقه علما فبطل القطع بأن حديث البخاري ومسلم معلوم كما ظنه ابن الصلاح وابن طاهر وأبو نصر قال جواب من جوز إن تلق الأمة لخبر الواحد لا يفيد العلم القاطع ومن لم يجوزه أي الخطأ الذي هو خلاف الصواب على المعصوم قال إنه يفيد العلم القاطع والله أعلم ثم لا يخفي أن ابن الصلاح قال في دعواه إن المتلقي بالقبول يفيد العلم اليقيني النظري قال الحافظ ابن حجر لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام أما العلم اليقيني فمعناه القطعي فلذلك أنكر عليه من أنكر لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع(1/130)
128 الترجيح بين مفهوماته ونحن نجد علماء هذا الشأن قديما وحديثا يرجحون بعض أحاديث الكتاب على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعا به ما بقي للترجيح مسلك انتهى وهذا مناد على أن مرادهم أنه تلقي بالقبول كل فرد فرد من أفراد أحاديث الصحيحين إلا ما استثنوه مما يأتي قال زين الدين ولما ذكر ابن الصلاح أن ما أسنداه مقطوع بصحته قال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد كالدار قطني وغيره كأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني الجباني وهي أي الأحرف اليسيرة معروفة عند أهل هذا الشأن قال البقاعي في النكت الوفية قال شيخنا إن الدار قطني ضعف من أحاديثهما مائتين وعشرة يختص البخاري بثمانين واشتركا في ثلاثين وانفرد مسلم بمائة قال وقد ضعف غيره أيضا غير هذه الأحاديث انتهى وقدمنا كلام الحافظ ابن حجر في عدة ذلك قال زين الدين روينا عن محمد بن طاهر المقدسي ومن خطة نقلت قال سمعت أبا عبد الله بن أبي نصر الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين يقول قال لنا أبو محمد بن حزم هو الظاهري المعروف صاحب المؤلفات البديعية ما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين لكل واحد منهما حديث تم عليه في تخريجه مع إتقانهما وحفظهما وصحة معرفتهما فذكر أبو محمد من البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن يوحى إليه وفيه شق صدره قال ابن حزم والآفة فيه من شريك وهو شريك بن عبد الله بن أبي نمير المدني تابعي صدوق قال ابن معين والنسائي ليس بالقوي وقال ابن معين في موضع آخر لا بأس به ذكر هذا الذهبي في المغني والحديث الثاني حديث عكرمة بن عمار بفتح العين المهملة وتشديد الميم عن أبي زميل بضم الزاي وفتح الميم وسكون المثناة التحتية فلام هو سماك ابن الوليد تابعي عن ابن عباس كان الناس لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي(1/131)
129 صلى الله عليه وسلم ثلاث أعطيكهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم الحديث قال ابن حزم هذا موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار قال النووي في شرح مسلم واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال لأن أبا سفيان إنما أسلم عام الفتح وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل وجزم ابن حزم أنه موضوع ويف رواية عنه أنه وهم والآفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي عن أبي زميل وأنكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح هذا على ابن حزم وبالغ في الشناعة عليه قال وهذا القول من جسارته وكان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم ولا نعلم أحدا نسب إلى عكرمة وضع الحديث وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة وأما ما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها فغلط منه وغفلة وجهل لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطبيبا لقلبه لأنه ربما رأى عليه غضاضة في رياسته ونسبه أن تزوج منه بغير رضاه وأنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد انتهى وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لأبي سفيان إنه يحتاج إلى تجديده فلعله قال له نعم وأراد أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة العقد وكأن المصنف لم يرتض هذا الجواب فقال قلت قد رد الحفاظ على ابن حزم ما ذكره وجمع ابن كثير الحافظ جزءا مفردا في بيان ضعف كلامه وفي الحديث غلط ووهم في اسم المخطوب لها النبي صلى الله عليه وسلم وهي عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي أخت أم حبيبة خطب أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وخطبته لها أختها أم حبيبة كما ثبت في الصحيحين فأخبرها بتحريم الجمع بين الأختين وقد ذكر له تأويلات كثيرة هذا أقربها ووجه قربه أن التأويل في لفظة واحدة أسهل(1/132)
130 والوجوب للتأويل ما علم من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان قلت ولم يتعرض المصنف لتأويل حديث شريك الذي أورده ابن حزم على صحيح البخاري وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في الحديث العاشر والمائة مما اعترض على البخاري تخريجه في صحيحه حديث شريك عن أنس في الإسراء بطوله وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس في سنده ومتنه ووجه إشكال حديث شريك ما فيه من قوله إن الإسراء كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم فإنه أخرجه الشيخان عن شريك ابن عبد الله بن أبي نمير بلفظ أنه سمع أنس ابن مالك يقول ليلة الإسراء أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وقد قال مسلم إنه قدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص يعني شريكا قال النووي في شرح مسلم في رواية شريك في هذا الحديث أوهام أنكرها عليه بعض العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله قدم شيئا وأخر وزاد ونقص وذلك قوله قبل أن يوحى إليه فإنه غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما فيه إنه كان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهرا وهو قول الزهري وقال الحربي كان ليلة سبعة وعشرين من ربيع قبل الهجرة بستة وقال الزهري كان ذلك بعد مبعثه بخمس سنين قلت ولعل للزهري فيه قولين وقال ابن اسحق أسري به وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل قال النووي وأشبه الأقوال قول الزهري وابن اسحق قلت ومثله قال القاضي عياض واستدل بقوله إذ لم يختلفوا أن خديجة صلت معه صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل بثلاث سنين وقيل بخمس كما أن العلماء مجمعون أنه كان فرض الصلاة قبل الإسراء فكيف يكون هذا كله قبل أن يوحى إليه قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين بعد ذكر رواية شريك إنه قد زاد فيه زيادة مجهولة(1/133)
131 وأتى فيه بألفاظ غير معروفة فقد روي حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتثنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقنادة يعني عن أنس ولم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وشريك ليس بالحفاظ عند أهل الحديث وكذلك أنكر من حديث شريك قوله إن شق صدره وغسله في تلك الليلة لأن المصحح أنه شق صدره وهو في بني سعد عند حليمة قال القاضي عياض وقد جود الحديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأتقنه وفصله حديثين وجعل شق الصدر في صغره والإسراء بعد ذلك بمكة وهو المشهور الصحيح إذا عرفت هذه الأقاويل عرفت أنه لا اعتراض على مسلم في إيراده لحديث شريك بعد بيانه ما فيه من الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وذكر الذهبي شرط مسلم في ترجمته من النبلاء وطول القول في ذلك وأجاد وأفاد فينبغي مراجعته ونقله من النبلاء قلت إلا أنه لا يخفي أنه شرط تخميني لتصريحهم بأنه لم ينقل عن الشيخين ولا عن أحدهما ذلك نعم مسلم قد ذكر في مقدمة صحيحه ما قدمنا لفظه فهو شرطه قال زين الدين وقد ذكرت في الشرح الكبير أحاديث غير هذين مما انتقده الحفاظ على الشيخين ويأتي غيرهما في كلام المصنف وقد أفردت كتابا لما ضعف من أحاديث الصحيحين مع الجواب عنها فمن أراد الزيادة في ذلك فليقف عليه أي على الكتاب الذي أفرده ففيه فوائد ومهمات قال الحافظ ابن حجر بعد نقل كلام شيخه ما لفظه كأن مسودة هذا التصنيف ضاعت وقد طال بحثي عنها وسؤالي من الشيخ أن يخرجها فلم أظفر بها ثم حكى ولده أنه ضاع منها كراسان أو لا فكان ذلك سبب إهمالها وعدم انتشارها واعلم أنه قد سبق عن ابن الصلاح أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول قال سوى أحرف يسيرة قد تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ قال(1/134)
132 زين الدين إن الذي استثناه من المواضع قد أجاب العلماء عنها ومع ذلك أنها ليست بيسيرة قال الحافظ ابن حجر تعقبا له اعترض الشيخ أولا على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة وبكونه قد جمعها وأجاب عنها وهذه لا يمنع استثناءها أما بكونها يسيرة فهو أمر نسبي نعم هي بالنسبة إلى ما لا طعن فيه في الكتابين يسيرة جدا وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع ذلك استثناءها لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع بالتلقي فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي فيتعين استثناءها انتهى قلت وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لكتاب مسلم قطعة حسنة في ذلك وذكر من صنف في ذلك كأبي مسعود الدمشقي وأبي على الغساني والدار قطني وذكر أنه يبين جميع ذلك أو أكثره ويجيب عنه في شرح مسلم وذكر فصلا مستقلا فيما عيب به مسلم فقال فيه عاب عائبون مسلم بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذي ليسوا من شروط الصحيح ولا عيب عليه في ذلك بل جوابه من أوجه ذكرها الإمام أبو عمرو بن الصلاح أحدها أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده بل نقل عن الخطيب وغيره أنه قال ما احتج به البخاري ومسلم وأبو داود من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت المؤثر مفسرا قلت وهذا هو الذي أشار إليه المصنف آنفا الثاني أن يكون واقعا في المتابعات والشواهد لا في الأصول الثالث أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه باختلاطه وذلك غير قادح فيما رواه من قبل في زمن الاستقامة الرابع أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل هذا الشأن ذلك وهذا العذر قد رويناه تنصيصا انتهى وذكر أمثلة لما ذكره(1/135)
133 يطول ذكرها قلت ولا يخفي على الناقد ما في هذه الوجوه قال النووي وينبغي أن يكون هذا مخرجا عن حكم المجمع على صحته المتلقي بالقبول مستثنى من الخلاف المقدم في القطع بصحة المجمع عليه وهذا هو الذي قد أشار إليه ابن الصلاح واستثناه بقوله سوى أحرف يسيرة وهذا الكلام فيما أسنداه وقد قصر هؤلاء في هذا الموضع وجوده الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري فذكر مما اعترضه حفاظ الحديث على البخاري مائة حديث وعشرة أحاديث وقال في نكته على ابن الصلاح إنه تتبع الدار قطني ما فيهما من الأحاديث المعلة فزادت على المائتين ولكنها اعتراضات لطيفة في مشكلات اصطلحوا عيها أكثرها من علم العلل التي لا يقدح بها الفقهاء وأهل الأصول ثم أشار إلى الخلاف في كل حديث في البخاري مروي عن مدلس بالعنعنة سيأتي بيان التدليس وأقسامه والعنعنة إن شاء الله تعالى وهذا غير ما ذكر في كل حديث روي من طريق راو مختلف فيه وهم أي الرواة المختلف فيهم خلق كثير ثم مسألة الخلاف فيما عدا ذلك كله فاعرف ذلك والله أعلم قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر جملة الانتقادات من قبل التفصيل من وجوه منها ما هو مندفع بالكلية ومنها ما قد يندفع فمنها الزيادة التي قد تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه فاحتمال كون هذا الثقة غلط ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة ومنها من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه فيعلل بكونه روي عنه بواسطة كالذي يروي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ويروي عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة فإن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون تلك الواسطة ويلتحق بهذا ما يرويه التابعي عن صحابي فيروي(1/136)
134 من روايته عن صحابي آخر فإن هذا يمكن أن يكون سمعه منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وهذا إنما يطرد حيث يستوي الضبط والإتقان ومنها ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير إلى أنه روي مرسلا فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله ومنها ما تكون علته مرجوحة بالنسبة إلى صحته كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا أو يرويه ثقة متصلا ويرويه ضعيف منقطعا ومسألة التعليل بالانقطاع وعدم اللقاء قل أن تقع في البخاري بخصوصه لأنه معلوم أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء وإذا اعتبرت هذه الأمور من جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ومن أراد حقيقة ذلك فليطالع المقدمة التي كتبتها لشرح صحيح البخاري فقد بينت فيها ذلك بينا شافيا بحمد الله بحذف يسير وأما ما وقع فيهما وهو عطف على قوله فأما ما أسنداه غير مسند وهو المعبر عنه بالتعليق أي المسمى به عندهم و حقيقته هو أن يسقط البخاري أو غيره عبارة النخبة من تصرف مصنف من أول إسناده أي بالنظر إليه ومنهم من يعبر عنه بمبدأ السند راويا فأكثر ولا يشترط التوالي بين الساقطين وإن صرح به ملا على قاري في حواشيه على النخبة وشرحها ويعزو الحديث إلى من فوق المحذوف بصيغة الجزم كقول البخاري في الصوم قال يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة قال فإذا قآء فلا يفطر قال ابن الصلاح ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط منه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره فلذا قال في حقيقته من أول إسناده ولا مستعملا فيما ليس فيه جزم كيروي بصيغة المجهول ولذا قال المصنف في حقيقته أيضا بصيغة الجزم قال زين الدين استعمل غير واحد من(1/137)
135 المتأخرين التعليق في غير المجزوم به منهم الحافظ المزي بكسر الميم وبتشديد الزاي نسبة إلى بلد بالشام وهو الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحيم بن يوسف القضاعي الكلبي في الأطراف كتابه له سيأتي ذكره وذكر حقيقتها قال زين الدين كقول البخاري في باب مس الحرير من غير لبس ويروي فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره في الأطراف وعلم عليه علامة تعليق البخاري قلت أما ما سقط فيه رجل من وسط الإسناد يسمى المقطوع والمنقطع ولذا قيل في رسم التعليق من أول إسناده وما سقط من آخره فهو المرسل كما يأتي جميع ذلك أي كل ما ذكر وأما إذا سقط الإسناد كله وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر الصحابي فقط من رجال الإسناد فقال ابن الصلاح تعليق قال ابن الصلاح إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد مثال ذلك قوله قال صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما كذا وكذا قال سعيد بن المسيب كذا وكذا عن أبي هريرة كذا وكذا قلت وبه تعرف أن ابن الصلاح نقله عن غيره لا أنه له ولذا قال الزين حكاه ابن الصلاح عن بعضهم وتعرف أيضا أنه إذا ذكر الصحابي أو التابعي يكون على هذا القول تعليقا أيضا واقتصر المصنف على الصحابي فقط ولم يذكره أي هذا القسم المزي تعليقا في الأطراف لفظ الزين ولم يذكر هذا المزي في الأطراف في التعليق بل ولا ما اقتصر فيه على ذكر الصحابي غالبا وإن كان مرفوعا وأما إذا روي أي البخاري عن شيخه بصيغة الجزم ولم يقل حدثنا ولا أخبرنا قال الزين كقوله قال فلان وزاد فلان فمتصل حكمه كحكم العنعنة كما يأتي قال الزين أي حكمه أي المعنعن الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس واللقاء في شيوخه أي(1/138)
136 البخاري معروف والبخاري سالم من التدليس فله حكم الاتصال انتهى قلت فهذا يختص بالبخاري ومن هو مثله في شرط اللقاء لا أنها قاعدة من قواعد علوم الحديث كذا عند ابن الصلاح واختاره الزين فإنه قال بعد نقله لكلام ابن الصلاح أنه الصواب قال ابن الصلاح ولا الثقات إلى أبي محمد ابن حزم الحافظ الظاهري في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبو مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي الحديث وسيأتي في كلام المصنف قريبا خلاف لبعض المغاربة والمزي وابن منده وهذا البعض من المغاربة غير ابن حزم لأنه ساق كلامه بعد رده على ابن حزم فإنه قال أي زين الدين بعد ذلك وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزدنا فلان فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال متى رأيت البخاري يقول وقال لي فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ لما جرى بينهم في المذكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قل ما يحجون بها قلت ما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف بالبخاري وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري فقد روينا عنه أنه قال كل ما في البخاري قال لي فلان فإنه عرض ومناولة وانتهى قلت ولا يخفي أنه لا يقوم كلام غيره حجة غيره حجة عليه بمجرد قوله وقال أي ابن الصلاح وذلك أي مثال ما يسقط من أوله واحد مثل قول البخاري عفان لفظ الزين قال عفان وقال القعنبي بالقاف مفتوحة فعين مهملة ساكنة فنون فموحدة نسبة إلى قعنب وأخطأ ابن الصلاح في تمثيل التعليق بذلك مع اختياره أنه ليس بتعليق عبارة الزين فقوله قال(1/139)
137 عفان قال القعنبي كذا في أمثلة ما سقط من أول إسناده واحد مخالف لكلامه الذي قدمناه عنه لأن عفان والقعنبي كلاهما شيخ البخاري حدث عنهما في مواضع من صحيحه متصلا بالتصريح فيكون قوله قال عفان قال القعنبي محمولا على الاتصال كالحديث المعنعن وهذا المثال ذكره ابن الصلاح في الفائدة السادسة من النوع الأول وهذا إيضاح لكلام المصنف قال ابن الصلاح وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار فال ملا على في شرح شرح النخبة انتقد المصنف يريد ابن حجر أخذه من تعليق الجدار ولعل وجهه أن الطرفين أو أحدهما في تعليق الجدار باق على حاله غير ساقط بخلاف تعليق الحديث وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال وقد ذكر ابن الصلاح أن التعليق وقع فيهما أي في الصحيحين قال وأغلب ما وقع ذلك في البخاري وهو في مسلم قليل جدا قال زين الدين في شرح ألفيته بعد نقل كلام ابن الصلاح في كتاب مسلم من ذلك أي من التعليق موضع واحد في التيمم وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث بضم الجيم وفتح الهاء فمثناة تحتية وهو عبد الله بن الحارث ابن الصمة وقع في صحيح مسلم أبو الجهم بفتح الجيم من دون مثناة قال النووي في شرح مسلم هكذا في مسلم وهو غلط وصوابه ما وقع في صحيح البخاري أبو الجهيم وضبطه بما ضبطناه فهذا المشهور في كتب الأسماء وكذا ذكره مسلم في كتابه في أسماء الرجال ابن الصمة بسكر الصاد المهملة وتشديد الميم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل بفتح الجيم والميم وفي رواية النسائي الجمل قال فيه مسلم وروي الليث بن سعد ولم يوصل مسلم إسناده إلى الليث قال النووي هكذا وقع في صحيح مسلم من جميع الروايات منقطعا بين مسلم والليث قال وهذا النوع يسمى معلقا وقد أسنده البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث ولا أعلم في مسلم بعد مقدمة الكتاب حديثا لم يذكره إلا تعليقا غير هذا الحديث وفيه(1/140)
138 مواضع أخر يسيرة رواها بإسناده المتصل ثم قال ورواه فلان وهذا ليس من باب التعليق إنما أراد ذكر من تابع رواية الذي أسنده من طريقه عليه أو أراد بيان اختلاف في السند كما يفعل أهل الحديث وبدل على أنه ليس مقصودة بهذا إدخاله في كتابه أنه يقع في بعض أسانيد ذلك من ليس هو من شرط مسلم كعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وهذا بناء على أن شرطهما رواتهما وقد تقدم الكلام فيه وقد بينت بقية المواضع التي علقها مسلم في الشرح الكبير انتهى كلام الزين فإذا عرفت هذا هو جواب قول المصنف وأما ما وقع فيهما وفيه نبوة والمعنى على أن قوله فاعلم هو الجواب إذا لا جواب أما أن المحققين قسموه أي التعليق ثلاثة أقسام ولكنهم ذكروا المعلق من حيث هو منقسم المردود مع أن بعض أقسامه مقبول يعمل به وإنما ردوه للجهل يحال من حذف من إسناده أحدهما ما يورده البخاري بصيغة الجزم ويكون رجاله غير من حذف فإنه مجهول رجال الصحيح فيحكم أي يوقع الحكم من الناظر فيه بصحته لأنه أي البخاري لا يستجيز أن يجزم بذلك أي بنسبته جزما إلا وقد صح عنده وقى قسم مثل هذا القسم في الصحة أشار إليه الحافظ أين حجر في شرح النخبة حيث قال وقد يحكم بصحته إن عرف المحذوف بالعدالة والضبط بأن يجيء مسمى أي موصوفا باسمه أو كنيته أو لقبه من وجه آخر أي من طريق أخرى انتهى ولا يخفى أن وجه هذا الثاني من التصحيح واضح وأما الأول فمرجع الحكم بصحته حسن الظن بالبخاري في أنه لا يجزم إلا بما صح إلا أن قوله وثانيها ما يورده بصيغة الجزم أيضا ولكن يجزم يه عمن لا يحتج به أي البخاري يفت في عضد حسن الظن في الطرف الأول إذ العلة هي جزمه وقد حصل في القسمين فليس فيه أي هذا الثاني ألا الحكم بصحته عمن أسنده إليه وجزم به عنه كقول البخاري في أول باب(1/141)
139 من آداب الغسل كذا قال بن الصلاح قلت ورجعت البخاري فرأيت كره في الثامن عشر من أبوب الغسل قال بهز بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاى وهو مقول البخاري عن أبيه هو حكيم عن جده هو معاوية بن حيدة صحابي معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحى منه هذا مقول قول بهز قال ابن الصلاح بعد سياقه لهذا الكالم فهذا أي بهز عن أبيه عن جده ليس من شرط البخاري قطعا ولذلك أي لكونه ليس من شرط البخاري لم يورده الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال الحافظ في الفتح إن يهزا وأباه ليسا من شرطه قال ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال ويذكر عن معاوية بن حيدة انتهى قلت وهذا مبني أيضا على أن شرط رواته كما سلف وفيه ما سلف وثالثها أن يورده أي البخاري ممرضا وصيغة التمريض عندهم وهي خالف صيغة الجزم أن يقول ويذكر أو يروي مبني للمجهول مضارع أو نقل وذكر ماضيا ونحوها فهذا لا يحكم بصحته واعلم أن هذا أمر عرفي وأن إتيان الراوي بصيغة المجهول دليل على ضعف ما يرويه وإلا فإن الإتيان بصيغة المجهول في علم البيان نكتا معروفة كقوله أي البخاري في بابا ما يذكر في الفخذ ويروي عن ابن العباس وجرهد بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء فدال مهملة هو ابن خويلد صحابي ومحمد بن جحش بالجيم المفتوحة فمهملة ساكنة فشين معجمة وهو محمد بن عبد الله بن جحش نسبة إلى جده ولأبيه عبد الله صحبة وكان محمد صغيرا في عصره صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم والفخذ عورة لأن هذه الألفاظ أ ي صيغ التمريض استعمالها في الضعيف(1/142)
140 أكثر وإن استعملت نادرا في الصحيح والحمل على الأغلب أولى واعلم أن ابن الصلاح جعل القسمين واحدا أي ما جزم به عمن يحتج به وما أورده بصيغة التمريض وقال إنهما ليسا على شرطه قطعا ولفظه قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس إلى آخر ما ذكره المصنف ثم قال وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز إلى آخره ثم قال فهذا قطعا ليس من شرطه انتهى وإنما كان حديث ابن عباس ليس من شرطه لأن فيه يحيى القنات بقاف ومثناتين من فوق وهو ضعيف وحديث جرهد ضعفه البخاري للاضطراب في إسناده وحديث محمد بن جحش فيه أبو كثير قال الحافظ ابن حجر لم أجد فيه تصريحا وكذا قوله أي البخاري وفي الباب يستعمل في الأمرين معا في الصحيح والضعيف إلا أنه لا أغلبية له في أحدهما على الآخر حتى يحمل عليه الفرد المجهول بل يتوقف الأمر على البحث قال ابن الصلاح ومع ذلك أي مع كونه أورده بصيغة التمريض فإيراده له أي البخاري للحديث عن الممرض في أثناء الصحيح أي كتابه المسمى بذلك مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه هذا كلام ابن الصلاح واعلم أن هذا يفيد أن التعليقات المجزومة ممن التزم صحة كتابه وإن لم يصرح بأن ما علقه صحيح يحكم بصحتها إذا لم يجزم بمن لا يحتج به وذلك بأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده وكذا أيضا بعض ما روي بغير بصيغة الجزم وهذا لا يوافق ما قاله الجمهور من أنه إذا قال راوي المعلق مثلا جميع من أحذفه ثقات فإن لا يقبل حتى يسمى قالوا لاحتمال أن يكون ثقة عنده دون غيره فإذا ذكر يعلم حاله وكذا قول من قال حدثني الثقة فإذا لم يقبل هذا فكيف يقبل قول من قال قد التزمت في كتابي أن لا أذكر إلا الصحيح فيجعل التزامه أبلغ من قوله حدثني الثقة بل غاية التزامه هذا يفيد ما يفيده قول الراوي برفعه وأما ما قيل من المناقشة لكلام الجمهور بأنه تقديم للجرح المتوهم على(1/143)
141 التعديل الصريح فليس بشيء لأن التعديل الصريح للمبهم المجهول ليس بشيء وشذ ابن حزم فلم يقبل شيئا من تعليقات الصحيح وتراجمه سواء أوردها بصيغة الجزم أو غيرها ولعل وجه ما ذهب إليه هو ما قدمناه قريبا من عدم قبول الجمهور لمسألة التعديل على الإبهام فالأولى عدم قبول تعليق من التزم الصحة ولما كان في صحيح البخاري ما ليس بصحيح قطعا احتاج المصنف أن يذكر ما قاله ابن الصلاح في التلفيق بين ما قاله البخاري وبين ما وجد في كتابه فقال وحمل ابن الصلاح قول البخاري ما أدخلت في كتابي الجماع إلا ما صح وقول الأئمة في الحكم بصحته أي صحة كتابه على مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها وقد تقدم هذا وأما الحافظ ابن حجر فصرح في مقدمة شرح البخاري المسماة هداية الساري بأن جميع تعاليقه بجزم أو تمريض غير صحيحة عنده أي عند البخاري يعني على شرطه وإن كان يمكن تصحيح بعضها على شرط غيره إلا أن يسند أي البخاري المعلق أي الحديث الذي علقه مرة ويعلقه أخرى ويكون تعليقه المرة الأخرى اختصارا قلت اعمل أن المصنف رحمه الله تعالى أجمل ما نقله عن مقدمة الفتح وبيانه أنه قسم في المقدمة تعليقات البخاري إلى قسمين الأول المعلق بصيغة الجزم ثم قسمة إلى صحيح على شرطه وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله إلا أن يسند المعلق وهذا في الحقيقة معلق صورة عنده لا حقيقة وإلى حسن تقوم به الحجة وإلى ضعيف بسبب انقطاع يسير الثاني ما علقه بصيغة التمريض فإنه قسمه إلى خمسة أقسام صحيح على شرطه صحيح على شرط غيره جزما لا إمكانا كما قاله المصنف حسن ضعيف غير منجبر ضعيف منجبر فهذه خمسة أقسام إذا عرفت هذا عرفت أن تعاليق البخاري لا يتم الحكم على المروي منها(1/144)
142 بشيء من الصحة ولا الحسن ولا الضعيف إلا بعد الكشف والفحص عن حال ما علقه وعرفت أن هذا الذي ذكره الحافظ في المقدمة مجمل لا بيان فيه وقد بسطت الكلام على كلامه في هامش مقدمة الفتح نعم قد بين الحافظ هذا الإجمال في نكته على ابن الصلاح وأتى بأمثلته فقال أقول الأحاديث المرفوعة التي لم يوصل البخاري إسنادها في صحيحه منها ما يوجد في محل آخر من كتابه موصولا ومنها ما لا يوجد إلا معلقا فإما الأول فالسبب في تعليقه أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئا إلا لفائدة وإذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها أو قطعه في الأبواب إذا كانت الجملة يمكن انفصالها من الجملة الأخرى ومع ذلك لا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما بشيوخه أو بشيوخ شيوخه أو نحو ذلك فإذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها فإنه والحال هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد وهذا أحد الأسباب في تعليق الحديث الذي وصله في موضع آخر وأما الثاني وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا فهو على صورتين إما بصيغة الجزم وإما بصيغة التمريض فأما الأول فهو صحيح إلى من علقه عنه وبقي النظر فيما أبرز من رجاله فبعضه يلتحق بشرطه والسبب في تعليقه له إما لكون لم يحصل له مسموعا وإنما أخذه على طريق المذاكرة أو الإجازة أو كان قد خرج ما يقوم مقامه فاستغنى بذلك من إيراد هذا المعلق مستوفي السياق أو لمعنى غير ذلك ولتقاعده عن شرطه وإن صححه غيره أو حسنه وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة وأما الثاني وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في مواضع أخر فلا يوجد ما يعلق بغير شرطه إلا مواضع يسرة قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى نعم فيه ما هو صحيح وإن تقاعد عن شرطه إما لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف وهو على قسمين(1/145)
143 أحدهما ما يجبر بأمر آخر وثانيهما ما لا يرتقي عن مرتبة الضعيف وحيث يكون بهذه المثابة فإنه يبين ضعفه ويصرح به حيث يورده في كتابه ثم سرد أمثلة لما ذكره انتزعها عن عدة أبواب من صحيح بخاري لا نطول بنقلها ثم قال فقد لاح بهذه الأمثلة واتضح أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من العليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه بصيغة التمريض حين أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف ينجبر وإن أورده في موضع الرد فهو ضعيف عنده وقد بينا كونه يبين كونه ضعيفا والله الموفق وجميع ما ذكرناه يتعلق بالأحاديث المرفوعة وأما الموقوفات فإنه يجزم بما صح عنده منها ولو لم يبلغ شرطه ويمرض ما كان من ضعف وانقطاع وإذا علق عن شخصين وكان لهما إسنادان مختلفان مما يصح أحدهما أو يضعف الأخر فإنه يعبر فيما هذا سبيله بصيغة التمريض والله أعلم وهذا كلام فيما صرح بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه أما ما لم يصرح بإضافته إلى قائل وهي الأحاديث التي يوردها في تراجم الأبواب من غير أن يصرح بكونها أحاديث فمنها ما يكون صحيحا وهو الأكثر ومنها ما يكون ضعيفا كقوله اثنان فما فوقهما جماعة لكن ليس شيء من ذلك ملتحقا بأقسام التعليق التي قدمناها إذا لم يسقها مساق الأحاديث وهي قسم مستقل ينبغي الاعتناء بجمعه والتكلم عليه وبه بالتعاليق يظهر كثرة ما اشتمل عليه البخاري من الأحاديث ويوضح سعة اطلاعه ومعرفته بأحاديث الأحكام جملة وتفصيلا انتهى إنما أطلنا بنقله لإفادته ولأن المصنف رحمه الله تعالى اختصر اختصارا مخلا مع الإشارة إلى كلام الحافظ وقد عرفت معنى قوله قال أي الحافظ ابن حجر وقد عرفت ذلك من مقصد البخاري فإن الحديث لو كان على شرطه في الصحة ما ترك وصل إسناده وهذا الذي ذكره هو الصواب ومن أمثلة التعليق(1/146)
144 المختلف فيها بين ابن الصلاح ومن تبعه وابن حزم قول البخاري قال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد قال ثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ثنا عطية ابن قيس قال ثنى عبد الرحمن بن غنم قال ثنى أبو عامر أو أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن في أمتي أقوام يتحلون الخز بالخاء المعجمة والزاي ويروى بالحاء المهملة والراء والحرير والخمر والمعازف بالعين المهملة والزاي بعد الألف ثم فاء قال في القاموس المعازف الملاهي كالعود والطنبور والعازف اللاعب بها والمعنى الحديث تمامه ولينزلن قوم إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم يأتيهم سائل لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم وتمسخ أخرى قردة وخنازير إلى يوم القيامة فنعد ابن الصلاح وزين الدين ومحيي الدين النووي أن حكمه حكم المتصل بالعنعنة مصدر مأخوذ من عن فلان عن فلان كالسبحلة والحولقة ويأتي تحقيقها وهي صحيحة ممن لا يدلس يأتي بيان التدليس وأقسامه البخاري ممن لا يدلس وذلك أي وجه كونها كالعنعنة من غير المدلس لأن هشام بن عمار من شيوخ البخارى حدث عنه بأحاديث متصلة بلفظ حدثنا وقد مثل المزي والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد التعليق بهذا الحديث وهذا على رأيهما لا على رأي ابن الصلاح فإنه ليس عنده بتعليق كما تقدم أنه إذا روي البخاري عن شيخه بصيغة الجزم فإنه متصل وتقدم تخطئه المصنف له حيث مثل المعلق بهذا الحديث وقال أبو عبد الله بن منده في جزء له في اختلاف الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة ما لفظه أخرج البخاري في كتابه الصحيح قال لنا فلان وهي إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا قلا الشيخ زين الدين انتهى كلام ابن منده ولم يوافق عليه وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى بضم الميم فحاء مهملة ولام مشدده من النحلية هذا حديث من قطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد ولا يصح في هذا الباب أي باب النهي عن(1/147)
145 المعازف شيء أبدا وكل ما فيه من حديث موضوع قلت قال ابن القيم في إغاثة اللهفان بعد ذكره لهذا الحديث وتصحيحه له ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده وجواب هذا الوهم من وجوه أحدهما أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه فإذا قال قال هشام فهو بمنزلة قوله عن هشام الثاني أنه لو لم يسمعه منه لم يستجز الجزم به إلا وقد صح عنه أنه حدث به وهذا كثير ما يكون لكثرة من رواه عن ذلك الشيخ وشهرته والبخاري أبعد خلق الله عن التدليس الثالث أنه أدخله في كتابه المسمى بالصحيح محتجا به فلولا صحته عنه ما فعل ذلك الرابع أنه علقه بصيغة الجزم دون صبغة التمريض فإنه إذا توقف في هذا الحديث أو لم يكون على شرطه قال ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر عنه ونحو ذلك فإذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جزم وقطع بإضافته إليه الخامس أنا لو أضربنا عن هذا صفحا فالحديث صحيح متصل عند غيره ثم ساقه بإسناده عن أبي داود انتهى وأما قول ابن حزم إن كل حديث في الملاهي موضوع فليس كما قال بل هي أحاديث منها حسن ومنها ما فيه لين وبمجموعها يثبت الحكم وقد أطلنا الكلام في ذلك في حواشينا على ضوء النهار قال ابن الصلاح ولا التفات إلى ابن حزم في رده ذلك وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح وكأنه قيل(1/148)
146 فإذا كان كذلك فلم صنع البخاري فيه هذا الصنيع فقال والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن الشخص الذي علقه عنه أو لكونه ذكره في موضع آخر من كتابه متصلا قلت هذا العذر يوهم أن قول البخاري وقال هشام غير متصل وأنه أخرج البخاري حديث هشام بن عمار متصلا في كتابه في موضع آخر وهو خلاف ما هو بصدد تقريره ولغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع قال الحافظ زين الدين مقررا لكلام ابن الصلاح والحديث أي حديث هشام بن عمار متصل من طرق طريق هشان وغيره فهو يرد قول من قال إنه غير متصل إلا أنه لا يخفي أن ابن حزم قال هو غير متصل عند البخاري ولم يتعرض طريقه نعم قوله توكل ما فيه فموضوع يشمل حديث هشام إلا أن يقال تقد كلامه عليه بخصوصه يخصصه عن العموم اللاحق قال أبو بكر الإسماعيلي في المستخرج على البخاري حدثنا الحسن وهو ابن سفيان النسوي الإمام قال ثنا هشام بن عمار فذكره فهذا اتصال بالاتفاق برجال البخاري وقال أبو أيوب الطبراني في مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد ثنا هشام بن عار انتهى كلام الزين قال المصنف والصحيح صحة الحديث أي حديث هشام بن عمار بلا ريب لما عرفت من ثبوت اتصاله ولكن دلالته على التحريم أي تحريم الملاهي ظنية معارضة أما كونها ظنية فلأنه ذمهم باستحلال مجموع أشياء بعضها أي استحلال بعضها كفر وهو استحلال الخمر أي عده حلالا لأنه رد لما علم من ضرورة الدين فالكفر من هذه الجهة والذم بمجموع أمور لا يستلزم القطع على تحريم كل واحد منها لجواز أن يذم الكافر الفاسق بأفعال بعضها مكروه مثاله قوله خذوه فغلوه إلى قوله إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين يريدوا الحض على طعام المسكين ليس بواجب ولك أن تقول إنه يجب ويراد به إطعامه لسد رمقه(1/149)
147 ويؤيده قوله ذلك وهم في دركات جهنم وقد قيل لهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ويحتمل أن قوله تعالى لا يحض على طعام المسكين لا يحض نفسه إلى إطعامه فيكون مثل ولم نك نطعم المسكين ويقوي هذا أنه جعل استحلال الخز بالخاء المعجمة والزاي وهذه اللفظة قد اختلف في ضبطها ففي تيسير الوصول أنها بالحاء المهملة والراء وهو الأوفق لعطف الحرير لما يأتي من جملة صفات أولئك المذمومين مع أن جماعة من جملة الصحابة والتابعين قد لبسوه واستحلوه فإن لبس الجملة من فريقي السلف للخز يدل على أنه لا نهي عنه ولا يتعلق به الذم الأولى بجلالة شأنهم وبعدهم عن المكروهات فلبسهم إياه دليل على لفظ الحديث عندهم الحر بالحاء المهملة والراء والمراد به استحلال الزنا وهذا أولى مما يفهمه كلام المصنف من أنه بالخاء المعجمة والزاي لأنه لا ريب في كراهة لبسه لهذا النهي وإن لك يكن محرما فيحتمل أن يكون وصفه أي النبي صلى الله عليه وآله وصل لهم أي القوم المذكورين في حديث هشام بن عمار بذلك أي بلبسهم الخز واستحلالهم المعازف تمييزا لهم عن غيرهم لا لأجل أن لوصفهم بذلك دخلا لهم في الخسف بهم والعقوبة لهم كما وصف صلى الله عليه وسلم الخوارج حين ذمهم بحلق الرؤوس وصغر الأسنان وخفة الأحلام ولفظ الحديث عند الشيخين من حديث علي رضي الله عنهم سيخرج أقوام في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فأن في قتلهم أجرا(1/150)
148 لمن قتلهم يوم القيامة وكون ذو الثدية بضم المثلثة فدال مصغر ثدي منهم ونحو ذلك والله أعلم وقد بين كيفية الثدية في حديث بلفظ آيتهم رجل أسود في إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر وفي رواية إن فيهم رجلا له عضد ليس ذراع على عضديه مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض وإذا عرفت هذا فمراد المصنف أن خفة الأحلام وحداثة الأسنان وحلق الرؤوس ليست من موجبات الأمر بقتلهم فما ذكرت تمييزا لهم عن غيرهم وليس فيه دلالة عن تحريم تلك الأمور فكذلك استحلال المعازف والخز ليس من أسباب المسخ بأولئك القوم فلا يدل الحديث على تحريم المعازف وأقول لا يخفي أنه أولا ليس في صفات الخوارج المذكورة هنا ضم شيء محرم من صفاتهم إلى مكروه أو مباح بل جميع ما ذكر من صفاتهم مباحة بضم بعضها إلى بعض للتمييز وثانيا أنه احتج في حديث الخوارج إلى ذكر ما يميزهم من الصفات لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتالهم فاحتيج إلى ذكر ما يميزهم من الصفات ليقدم على قتالهم على بصيرة لأنهم مسلمون محقونة دماؤهم في الظاهر بخلاف الذين يمسخون قردة فإنه لا حاجة إلى وصف لهم مميز إذ لسنا مأمورين فيهم بشيء والأصل فيما ذكر من الأوصاف ورتب عليه الحكم وهو المسخ هنا كل صفة لها دخل في إثبات الحكم إما بالاستقلال أو بالجزئية ولا يخرج عن هذا ويصير للتمييز إلا بقرينة كما ذكرناه في الخوارج واعلم إن المصنف جزم بأن الرواية بالخاء المعجمة والزاي لا غير(1/151)
149 وفي النهاية في حديث أشراط الساعة يستحل الحر والحرير هكذا ذكره أبو موسى بالحاء والراء وقال الحر بتخفيف الراء الفرج ثم قال بان الأثير والمشهور في هذا الحديث على اختلاف طرقه يستحلون الخز بالخاء المعجمة والزاي وهو ضر ب ثياب الإبريسم معروف وكذا جاء في كتاب البخاري وأبي داود ولعله حديث آخر كما ذكره أبو موسى فهو الحافظ عارف بما روي وشرح ولا يتهم قلت ولا يخفى أن عطف الحرير عليه يناسب أن يكون المهملة والراء لأن الحرير قد دخل فيه الخز بأحد معنييه وبالمعنى الآخر ليس منهيا عنه عال ابن الأثير في النهاية الخز المعروف أولا ثياب ينسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبيه بالعجم وزي المترفين وغن أريد بالخز النوع الآخر المعروف الآن فهو حرام لأن جميعه معمول من الإبريسم وعليه يحمل الحديث قلت في هذا الحمل إشكال فإن الحديث إنما يحمل على ما كان يسمى خزا في زمانه صلى الله عليه وسلم في عرف المخاطبين وأما الذي ذكره فهو داخل في تحريم الحرير وقد فرق في هذا الحديث بين الخز والحرير وعطف أحدهما على الآخر فدل على التغاير هذا الكلام صحيح لو تعين في الرواية بالخاء المعجمة لكن الرواية من حيث الدراية قد ترددت بين اللفظين فإن كان ابن الأثير رجح رواية المعجمة من حيث الرواية فهو معارض بترجيح رواية المهملة من حيث الدراية إذ ضم المحرمات في قرن وجمعها في حكم هو الأوفق ببلاغته صلى الله عليه وسلم ولأن الخز المخلوط بالإبريسم غير محرم ولأن الأصل فيما ترتب عليه حكم هو ما عرفناك من أنه السبب أو جزؤه فهذا مما يدل على أن دلالة الحديث على تحريم الملاهي ظنية والظني للمجتهد فيه نظرة هذا من(1/152)
150 حيث الدلالة وأما أنها معارضة فلأنه صلى الله عليه وسلم سمع زمارة الراعي بكسر الزاي وتخفيف الميم ككتابة اسم لفعل من الزامر يقال زمر يزمر بضم الميم وكسرها زمرا وزمر بتشديد الميم ترميزا غنى في القصب وفعلها زمارة ككتابة أفادة في القاموس ولم يكسرها ولا بين له تحريمها بل سد أذنيه عن سماعها وحديثهما صحيح على الأصح قد قال إن هذه واقعة عين قرر عليها الراعي فلا يدري على أي وجه وقع فلا تعارض ما ورد من أدلة كثيرة يفيد مجموعها التحريم وأما قوله وأباح الضرب بالدف في العرس والعيد وعند قدوم الغائب ولم يأمر بكسره فقد يقال هذه رخصة رخص فيها الأحوال لا غير فيقتصر عليها ولا شك في كراهة ذلك في غير العرس ونحوه مما ذكره وإنما الكلام في صريح التحريم الأحسن في قطعية التحريم إذ هو محل نزاعه فيما سلف والكف عن النكير عمن استحل ذلك من أهل العلم لأنه محرم ظني لا نكير فيه والمصنف استطرد هذا البحث في حكم الملاهي وليس هذا محله إذ كتابه مؤلف في اصطلاح أئمة الحديث وكون الغناء محرما أو غير محرم من علوم الحديث كما لا يخفي وقد يوجد محذوفا في بعض نسخ كتابه هذا
151 مسألة في أخذ الحديث من الكتب(1/153)
من علوم الحديث يجوز نقل الحديث من الكتب الصحيحة المعتمدة في الصحة والضبط لمن يسوغ له عمل بالحديث زاد ابن الصلاح والاحتجاج به لذي مذهب ثم بين المصنف من الذي يسوغ له العمل بقوله وهو العالم بشروط العمل بالحديث وكيفية الاستدلال به وجعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابلا بمقابلة ثقة على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة عبارة ابن الصلاح قد قابله هو أو ثقة غيره ثم قال ليحصل بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول قال الشيخ محي الدين النووي فأن قابلها بأصل معتمد محقق أجزاه قال الزين وفي كلام ابن الصلاح في موضوع آخر ما يدل على عدم اعتبار ذلك قلت المعتبر حصول الظن فإن كان الأصل صحيحا عليه خط إمام من الأئمة أو جماعة أجزأه وإن كان ليس كذلك فلا بد من ضم أصول غليه ليحصل الظن بالصحة قال زين الدين وقال بان الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن صحيح أو نحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه فقوله فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك أي تعدد النسخ وإنما هو مستحب وهو كذلك قال الحافظ ابن حجر تعقبا لشيخه ما لفظه ليس بين كلامه أي ابن الصلاح هنا مناقضة بل(1/154)
152 كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستدلال بإدراك الصحيح بمجرد الأسانيد لأنه علل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا فقصية ذلك إلا يعتمد على أحدها بل يعتمد على مجموع ما تنفق عليه الأصول المتعددة ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد وغما قوله في الموضع الآخر ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول فلا ينافي كلامه المتقدم لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا انتهى قلت ومراده بالعبارة ينبغي وقد وقعت في اللازم في حديث إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد مع ورودها في لفظ آخر بلفظ لا تحل ولكن الزين قد مرض ما قاله بقوله قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك فلم يجزم بإشارته إنما لا حط مجرد الاحتمال ثم استدل الزين لمختاره بما نقله بقوله قال الحافظ أبو بكر محمد بن خير بالمعجمة فمثناة تحتية ابن عمر الأموي بفتح الهمزة الأشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي قال وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار رواه الجم الغفير من الصحابة قبل أربعون وقيل اثنان وستون ومنهم العشرة المبشرة بالجنة ولم يزل العدد على التوالي في ازدياد وفي بعض الروايات علي مطلقا من غير تقيد بالتعمد قلت ومن روى بالوجادة الصحيحة فقد صار الحديث له مرويا بأوسط وجوه الروايات كما سيأتي في باب الوجادة وهي أن يجد بخطه أو بخط شيخه أو خط من أدركه من الثقات فيأخذ حظا من الاتصال وإن كانت منقطعة في الحقيقة ويقول إذا روي وجدت بخط فلان ويأتي كلام المصنف تاما في ذلك فهذا بعضه فلا معنى لاعتراض زين الدين بذلك على ابن الصلاح والنووي لا يعزب عنك أن الزين نقل عن الأموري الإشبيلي الاتفاق على أنه(1/155)
153 لا صح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القوم مرويا ولو على أقل وجوه الروايات فلعله يقول من روي بالوجاده فقد روي على وجه من وجوه الرواية ولعله المراد بأقلها فهو حينئذ داخل تحت شرط الاتفاق فليس كلام الزين اعتراضا على ابن الصلاح ومن تبعه لأن ابن الصلاح شرط في النقل مقابلة المنقول منه على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة وهذا نقل بوجادة صحيحة ثم نقل الزين تقرير ذلك عن الأموي وأنه اتفاق فأين الاعتراض إلا أنه لا يخفي أن كلام الأموي في الرواية عنه صلى الله عليه وسلم جزما ونسبة الحديث إليه وكلام ابن الصلاح في النقل والنقل أعم من الرواية إذ قد يكون للعمل لا للرواية ولهم في العمل شرائط غير شرائط الرواية كن يأتي وقد يقال أنه إذا امتنع في الوجادة أن يقال حدثنا امتنع فيما أن يقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فلا تكون الوجادة طريقا للرواية بلفظ قال فلا يفسر بها أقل وجوه الرواية في كلام الأموي فتأمل وأما قوله في بعض الروايات من كذب علي مطلقا من غير تقييد فالمطلق يحمل على المقيد فيكون الحكم للمقيد وشواهد هذا التقييد كثيرة في القرآن ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ونحوها وكثيرة في السنة رفع عن أمتي الخطأ ونحوه ولم يسلم من الوهم في الروايات أحد من الثقات غالبا والله أعلم قد عرفت أن الكذب عند الجمهور ما لم يطابق الواقع فمن أخبر به متعمدا كان كاذبا آثما ومن أخبر به غير متعمد كان كاذبا غير آثما فالواهم غير آثم قطعا إذا عرفت هذا فالراوي بالسماع عن الشيوخ مثلا حاك عنهم أنهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فهو غير كاذب قطعا ولو فرض أن الحديث كذب في نفس الأمر وكذا من رواه بأي الطرق الآتية فإنه راو لما كاتبه به فلان أو وجد بخطه أو أجاز له أن يروى عنه(1/156)
154 نعم لا بد أن يعرف من حدثه أو وجد بخطه صادق فيا رواه وإلا كان راويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجوز أنه كذب وراوي الكذب أحد الكذابين الحسن لما فرع المصنف من التكلم على الصحيح أخذ في التكلم على الحسن فقال القسم الثاني الحسن تقدم له أنه قسم الخطأ بي الحديث إلى ثلاثة أقسام ثانيهما الحسن قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إثبات الحسن اصطلاح للترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح ثم قد يكون متروكا هو أن يكون رواية متهما أو كثير الغلط وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب قال وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من صحاب القياس وفيه أي وفي هذا البحث المذكور فيه الحسن ذكر شروط أهل السنن الأربعة وشروط أهل المسانيد وغيرهم كأنه يريد أهل الأطراف اختلفت أقوال الأئمة من أهل الحديث في حد الحديث الحسن فقال في تعريفه أبو سليمان الخطابي الحسن ما عرف مخرجه بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء قال الحافظ ابن حجر إنه فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون الحديث من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلد كقتاة في البصريين وأبي اسحق السبيعي في الكوفيين وعطاء في المكيين وأمثالهم فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة مثلا كان مخرجه(1/157)
155 معروفا وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا واشتهر رجاله أي كان رجال سنده مشهورين غير مستورين وعرفه الحافظ في النخبة بتعريف الصحيح وإنما فرق بينهما بخفة الضبط في رجال الحسن ومثله صنع المصنف في مختصره في علوم الحديث وعليه مدار أكثر أهل الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء انتهى كلام الخطابي قال زين الدين ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن قوله ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وعن حديث المدلس قبل أن يبين تدليسه لا يخفي أن كلام ابن العربي الذي نقلناه آنفا دال على أنه خرج بذلك القيد الشاذ قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل الصحيح في حد الحسن على تعريف الخطابي قال الشيخ تقي الدين متأولا للخطابي وكأنه أي الخطابي يريد ما لم يبلغ درجة الصحيح قد أجاب عن هذا الشيخ أبو سعيد العلائي فقال إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف الحسن فقط أما وقد عرف الصحيح أولا ثم عرف الحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله عرف مخرجه واشتهر رجاله ما لم يبلغ درجة الصحيح ويعرف هذا من مجموع كلامه انتهى قلت هذا هو الجواب الذي أشار إليه الشيخ تقي الدين آخرا لكنه أورد عليه الحافظ ابن حجر أنه على تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط انتهى قلت ويقال للحافظ وكذلك تعريفك الحسن في النخبة وشرحها بقولك فإن خف الضبط أي قل مع بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح فحسن لذاته غير منضبط أيضا فإن خفة الضبط أمر مجهول ومثله تعريف المصنف له في مختصره والجواب بأنه مبني على العرف أو على المشهور غير نافع إذ لا عرف في مقدار خفة الضبط قال الشيخ تاج الدين التبريزي في كلام الشيخ تقي الدين نظر لأنه ذكر(1/158)
156 من بعد أن الصحيح أخص من الحسن ودخول الخاص وهوا لصحيح هنا في حد العام وهو الحسن هنا أمر ضروري لوجود العام في ضمن قيود الخاص ضرورة أن الخاص هو العام وزيادة والتقييد بما يخرجه أي الخاص عنه أي عن حد العام مخل للحد فإنه ليس ذلك حقيقة العام والخاص قال زين الدين وهو اعتراض متجه قال الحافظ بن حجر بين الحسن والصحيح عموم وخصوص من توجه وذلك بين واضح لمن تدبره فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن انتهى قلت بل هو أي تنظير التبريزي اعتراض غير متجه على ابن دقيق العيد لأن العموم والخصوص إنما يقع على الحقيقة في الحدود الحقيقية المعرفة للذوات المركبة المشتملة على الأجناس والفصول وليس في الحديث الصحيح والحسن شيء من ذلك قد عرفت مما سلف أن رسم الصحيح ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلخ ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه إلى آخره فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين إنما اختلفت صفة خفته وخلافها فقد تغايرا تغاير الخاص والعام فكل صحيح حسن وزيادة كما أن كل إنسان حيوان وزيادة والعموم والخصوص يجري بين(1/159)
157 المفاهيم عرضية كانت أو ذاتية نعم رسم الترمذي للحسن على ما سنحققه مغاير لرسم الصحيح مغايرة ظاهرة فإنه لا يشترط فيه الاتصال الذي لا بد منه في الصحيح لعدم اشتراطه في رجال ما يشترط في رجال الصحيح فأما قول الحفاظ إن بينهما عموما وخصوصا من وجه فلا يتم على تقدير إرادة الحسن لذاته أو الحسن لغيره بل على الأول بينهما عموم وخصوص مطلق وعلى الثاني بينهما تباين كما ستعرفه وقول المصنف لأن لكل واحد منهما أي من الصحيح والحسن أمارة يجب العمل عندها وبعضها أقوى في الظن من الأخرى صحيح لكنه لا ينافي كون أحدهما أخص من الآخر بل فيه الإقرار بأنه قد جمعهما وجوب العمل كما يجمع العام والخاص أمر يعمهما ثم يفترقان بأمر يختص به أحدهما لا أن القوية أي الإمارة القوية هي أمارة الصحيح متركبة من الضعيفة(1/160)
158 وهي أمارة الحسن ومن أمر آخر أي كما هو شأن الذاتيات مثل الإنسان والحيوان فإن الخاص مركب من الأعم بزيادة قيد الناطقية مثلا ويجاب بأنه قد حصل في مفهوم الرسمين من التغاير ما يحصل بين العام والخاص وأما كونه ذاتيا أو غير ذاتي فليس التغاير يختص بالذاتيات بل يقع بين المفاهيم وهو المراد هنا وقوله فإن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين لم يتركب من الحديث الحسن المروي عن ابن اسحق ومن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين وأمثال ذلك خارج عم محل النزاع إذ الكلام في رسم الصحيح والحسن ومفهومها لا في معروضها فهو انتقال من المعارض وهو الصحيح والحسن إلى المعروض وهو أفراد الأسانيد وبالجملة فالحد الحقيقي أي التام وهو الذي يجمع الجنس والفصل القريبين والناقص من الحد ما كان بالجنس البعيد والفصل القريب والرسم التام ما كان بالجنس القريب والخاصة والرسم الناقص ما كان بالخاصة وحدها أو بها وبالجنس البعيد متعذر هنا بل قد قيل إنه غير مقطوع به في مثل الحيوان الناطق الذي جزم به المناطقة بأنه حد حقيقي لجواز أنهما ليسا ذاتيين وعلى تجويز ذلك فيجوز أنهما غير قريبين وإنما تفيد تمييز الاعتبارات المصطلح عليها بعضها من بعض قد قدمنا لك هذا بعينه في أو لبحث الصحيح فتذكر وذكر الحدود المحققة أمر أجنبي عن هذا الفن فال حاجة إلى التطويل فيه قد عرفت قريبا أقسام التعريف الأربعة للحد والرسم إلا أن هاهنا بحثا وهو أن الرسوم يقال لها تعاريف كما يقال للحدود إذ تعريف الشيء هو الذي يلزم من تصوره تصور ذلك الشيء أو امتيازه عن كل ما عداه كما هو معروف في كتب الميزان الرسالة الشمسية وغيرها فالرسوم لا بد فيها من جنس قريب وخاصة وهو التام أو خاصة فقط أو مع الجنس البعيد وهو الناقص فإذا عرفت هذا عرفت أن العموم والخصوص يجري في الرسوم كما يجري في الحدود(1/161)
159 وقال أبو عيسى الترمذي وهو محمد بن سورة في العلل التي في أواخر الجامع ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده وحقيقته عنده هو كل حديث يروى ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حسن قلت قد أورد على كلام الترمذي أنه لا حاجة إلى قوله ولا يكون شاذا إذ قوله ويروى من غير وجه يغني عنه وقال الحافظ ابن حجر ليس في كلامه تكرار والشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء تفرد به أو لم يتفرد كما سرح به الشافعي وقوله ويروي من غير وجه شرط زائد على ذلك وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا وحمل كلام الترمذي على الأول أولى لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد سيما في التعاريف انتهى قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المواق عبارة الزين ابن المواق معترضا على الترمذي لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فإن شرائط الحسن هذه لا بد منها في الصحيح فلا يكون الحديث صحيحا إلا وهو غير شاذ كما عرفت في رسم الصحيح ويكون رواته غير متهمين لأنا قلنا في رسمه بنقل العدل الضابط والمتهم غير عدل بل ثقات فظهر من هذا الرسم الذي ذكره الترمذي للحسن أن الحسن عند أبي عيسى صفى لا تخص هذا القسم بل قد يشكره فيها الصحيح قال أبو عبد الله فكل الصحيح عنده حسن وليس كل حسن عنده صحيح ظاهر كلامه أن الترمذي أتى بقيود الصحيح في رسم الحسن ولم يميزه بقيد يخصه به وإذا كان كذلك فقياسه أن يقول فكل صحيح حسن وكل حسن(1/162)
160 صحيح قلت هذا أي القول بالأعمية والأخصية المطلقة مثل كلام تاج الدين التبريزي المقدم وقد رده المصنف بما رددناه وليس ما قاله ابن الموإق بلازم للترمذي من اتحاد الصحيح والحسن لأنه يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة قلت كلامهم كلهم ومنهم المصنف في مختصره وقد نقلنا عبارته قاض بأنه لا يخالف الحسن الصحيح إلا بخفة ضبط رواته لا بضعف العدالة على أن في تحقق ضعف العدالة تأملا لا يخفي وقوة الحفظ والإتقان هذا صحيح وبهذا تعرف أن الحسن يتميز عن الصحيح بزيادة شروط في القيود ولا يخفي أن الحافظ ابن حجر والمصنف لم يفرقا بين الصحيح والحسن إلا بخفة ضبط الراوي فقط وزاد المصنف هنا الإتقان في شرائط رواة الصحيح ولم يذكره فيما مضى إلا أن يقال إن قولهم في حد الصحيح الضبط التام عبارة تفيد شرطية الإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن حينئذ فالحسن يتميز عن الصحيح بزيادة قيود في شروط الصحيح وقد عرفت غير مرة أنه لم يفرق المصنف والحافظ ابن حجر بين الحسن والصحيح إلا بخفة ضبط الراوي لا غير ولكن يعترض عليه أي على الترمذي كونه لم يورد ذلك أي لم يورد ما يدل على اشتراطه بقوة رجال الصحيح عدالة وحفظا وإتقانا وقد يقال إذا لم يورد ذلك فبأي شيء عرف أنه يشترطه فأجاب بأنه يمكن أن يجاب عنه بأنه مفهوم من عبارته حيث شرط في رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب لأن الثقة الحافظ لا يوصف في عرف المحدثين بأنه غير متهم بالكذب فقط لأن عدم التهمة بذلك قد يوصف بها الضعفاء الذين ضعفوا بسوء الحفظ أو الغفلة أو نحو ذلك وقد بين مراده بقوله بعد ذلك ويروي من غير وجه نحو ذلك يعني حتى ينجبر ما فيه من الضعف فإنه لما خص رسم الحسن بهذا الاشتراط كان قرينة قوية على مراده في صفات رجاله وإلا لو حملنا صفة رجال الصحيح للزم من زيادة هذا القيد أن يكون الحسن أقوى من الصحيح والمعلوم خلافه(1/163)
161 على أنه لا يتم هذا إلا في القسم الثاني من الحسن كما ستعرفه من كالم المصنف وغرض الترمذي إفهام مراده لا التحديد المنطقي فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود من دعوى العموم والخصوص وقد عرفت ما فيه وأورد الشيخ زين الدين على كلام الترمذي هذا سؤلا متجها وذلك أنه شرط في الحديث أن يروي من غير وده وهو أنه قد حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد كحديث إسرائيل بن يونس بن أبي اسحق السبيعي عن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أبي بردة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك قال الترمذي فيه بعد روايته له حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف عن أبي برده ولا يعرف في هذا إلا حديث عائشة فوصفه بالحسن مع تصريحه بأنه لا يعرف هذا الباب غيره فدل على أنه لم يأتي من وجه آخر فكان نقضا لما رسم به الحسن وأجاب الشيخ أو الفتح اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير ما كان روايته في درجة المستور ويأتي تعريفه ومن لم تثبت عدالته ولا يخفي أن هذا زيادة قيد لم صرح به الترمذي وأكثر ما في الباب من أن الترمذي عرف الحسن بنوع منه لا بكل أنواعه والنوع الذي قد عرفه وهو ما كان في رواته مستور ومن لم تثبت عدالته وحديث عائشة هذا ليس فيه مستور ولا من لم تثبت عدالته قلت أظن أن أبا الفتح يريد أن الغرابة في الحديث إنما هي في رواية يوسف له عن أبيه عن عائشة ولم يتابع يوسف على هذا أحج ويوسف ثقة بغير خلاف وإذا كان كذلك فلا يشترط أن يأتي من وجه آخر وأما إسرائيل فمختلف فيه فلا بد بالنظر إليه من إتيان الحديث من وجه آخر وهذا مبني على أن مراده أي أبي الفتح اليعمري بقوله ومن لم تثبت عدالته لم يتفق على عدالته ليقابله المصنف بقوله مختلف فيه لكنه لم ينفرد(1/164)
162 إسرائيل بالحديث عن يوسف حتى يلزم أنه حديث فيه من لم تثبت عدالته ولم يرو من وجه آخر بل قد رواه عن يوسف غير إسرائيل إذا عرفت هذا فالحديث حسن أي من هذا النوع من الحسن بالنظر إلى رواية إسرائيل ويغره من الضعفاء لأنه قد وجد في رواته من لم تثبت عدالته وقد روي من وجه آخر عن جماعة من الضعفاء عن يوسف فهو من هذا النوع أعني الحسن الذي عرفه المصنف لاجتماع الشرائط فيه وغريب بالنظر إلى تفرد يوسف بروايته عن أبيه عن عائشة فيتم وصفه بالحسن والغرابة لوجودهما فيه واعلم أن إسرائيل اعتمده الشيخان في الأصول وقال الذهبي في الميزان هو في الثبت كالأسطوانة فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعفه وقال أحمد بن حنبل ثقة وكان يتعجب من حفظه وقال الحافظ ابن حجر في التقريب ثقة تكلم فيه بلا حجة وأما يوسف بن أبي برده فقال مقبول ولم يذكر فيه قدحا ولا ذكره الذهبي في الميزان لأنه ليس على شرطه وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي الموضوعات كتاب ابن الجوزي الحديث الذي يفه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن بشرط الترمذي الذي عرفته في التحسين وقال أبن الصلاح وقد أمعنت النظر في القاموس أمعن في الأمر أبعد وعبارته قد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي كأنه من تنقيح الشعر تهذيبه واتضح أن الحديث الحسن في اصطلاحهم في كلام قسمان أحدهما الذي لا تخلو رجال إسناده من مستور فسر الحافظ ابن حجر في التقريب المستور بقوله بأنه من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق قال وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال وفي شرح ملاقاري للنخبة وشرحها لابن حجر أن المستور الذي لم يتحقق عدالته ولا جرحه وقال السخاوي المستور الذي لم ينقل فيه جرح ولا تعديل(1/165)
163 وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما وفي حاشية تلميذه أن الراوي إذا لم يسم كرجل سمي مبهما وإن ذكر مع عدم تمييز فهو المهمل وإن لم يتميز ولم يرو عنه إلا واحد فمجهول وإلا فمستور انتهى ويأتي للمصنف كلام ف المستور غير هذا لم تتحقق أهليته غير أنه لي مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر من ه الكذب في الحديث ولا منهم بسبب آخر مفسق هذا في الراوي و في المروي عنه يكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن يروي مثله أو نحوه من وجه آخر والمثل ما يساويه في لفظه أو معناه والنحو ما يقاربه في معناه أو أكثر حتى يكون قد اعتضد بمتابعة من تابع راوية على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر مثله فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل قال الحافظ ابن حجر إن المعرف عند الترمذي هو حديث مستور قلت وهذا كما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن وليس هو نفي التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور بل يشترك فيه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالخطأ والغلط وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهو أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب ولا يكون الإسناد شاذا وأن يروي مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا وليس كلها في المرتبة على حد سواء بل بعضهم أقوى من بعض ومما قوي هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا بل أطلق ذلك ولهذا وصف كثيرا من الأحاديث المتقطعة بكونها حسانا(1/166)
164 ثم قال فمن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأبي حدرد وذكر جماعة غيرهم وعاصم بن عبيد الله قد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه وقد حسن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم ومثال ما حسنه وهو من رواية الضعيف الموصوف بالخطأ والغلط ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس عن مجالد بن أبي الوداك عن أبي سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت آية المائدة سألت رسول لله صلى الله عليه وسلم فقلت أنه ليتيم فقال صلى الله عليه وسلم أهر يقوه الحديث فقال هذا حديث حسن قلت ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس وغيره ثم قال ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه ما رواه من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن(1/167)
165 علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا حديث حسن قلت والمسعودي اسمه عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد بعد أن اختلط وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضهما عند المصنف أيضا ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثني بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بربده عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن يموت بعرق الجبين قال هذا حديث حسن وقد قال بعض أهل العلم لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة قلت وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روي هذا بصيغة العنعنة وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود وغيره ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد ما رواه من طريق عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في العباس رضي الله عنه إن عم الرجل صنو أبيه وكان عمر تكلم في صدقته وقال هذا حديث حسن قلت أبو البختري اسمه سعيد بن فيروز ولم يسمع من علي رضي الله عنه فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث بريدة وغيره(1/168)
166 وأمثلة ذلك عنده كثيرة ثم ساق الحافظ منها شطرا صالحا وذكر تصريح الترمذي بوصفه لأحاديث بالحسن مع تصريحه بانقطاعها فإنه قال في محلات هذا حديث حسن وليس إسناده بمتصل ثم قال الحافظ وذلك مصير منه إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية وإذا تقرر ذلك كان من رأيه أي الترمذي أن جميع ذلك إذا اعتضد بمجيئه من أوده أخر نزل منزلة الحسن احتمل أن لا يوافقه غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه ما إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكون حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده فيه انتهى قلت وبه تعرف عدم ورود ما أورده بدر الدين ابن جماعة على ابن الصلاح أنه يلزم حيث نزل كلام الترمذي على هذا القسم دخول المرسل والمنقطع في رسم الحسن عند الترمذي إذا كان في رجالهما مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر لما عرفت من التزامه دخول ذلك في رسم الحسن إذا روي من وجه آخر حسن لأنه لا يشترط الاتصال في الحسن وهو شرط في الصحيح اتفاقا وتعرف أيضا أن الحسن على اصطلاحه غير الحسن على اصطلاح الحافظ ابن حجر والمصنف كما أشرنا إلى ذلك القسم الثاني من الحسن أن يكون رواية من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لا يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به منكرا قال أي ابن الصالح ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا أو منكرا سلامته نائب يعتبر من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني ينزل كلام الخطابي حيث قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله كما نقله عنه المصنف آنفا قال أي ابن الصلاح فهذا كلام جامع لما تفرق في كلام من(1/169)
167 بلغنا كلامه في ذلك قال وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن بتعريفه لماضي وذكر الخطابي فيما مضى من كلامه النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه مشكل أو أنه غفل عن البعض أي غفل كل واحد من الترمذي والخطابي عما تركه وذهل انتهى كلام ابن الصلاح في تعريف الحسن قال الحافظ ابن حجر بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثالثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف وأما الذي سكت عنه وهو حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه عنده ليس من قبيل الحسن فقد صرح بأن رواية المجهول م قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل والمستور قسم من المجهول وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا بل المعروف عنده هو حديث المستور على ما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن قال أي ابن الصلاح ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من تصرفات الحاكم وهو لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم فهو إذا اختلاف في العبارة انتهى واعلم أنه تحصل من الأبحاث السابقة أن الحسن قسمان حسن لذاته وهو الذي قصد الخطابي تعريفه والذي عرفه الحافظ ابن حجر في النخبة والمصنف في مختصره فإنهما رسما الصحيح برسمه المعروف ثم قال فإن خف الضبط فهو حسن لذاته وظاهر كلامهما أنه لا يفارق الصحيح إلا بخفة الضبط لا غير ولذا قال ابن الصلاح إن رجاله رجال الصحيح لكنهم يقصرون عنهم في الحفظ والإتقان وهذا هو الذي يقال إنه أعم من الصحيح مطلقا(1/170)
168 والصحيح أخص منه وهذا القسم يشترط فيه الاتصال ولذا نقل المصنف عن البعض أن قول الخطابي ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وهذا هو القسم الثاني الذي ذكره ابن الصلاح فيما نقله عنه المصنف ونزل عليه كلام الخطابي وهذا القسم لم يتعرض له الترمذي إذ ليس من اصطلاحه وهو الذي أدرجه بعض المحدثين في الصحيح والقسم الثاني هو ما وقع عليه اصطلاح الترمذي وهو الذي لم يشترط فيه الاتصال ولا عدم تدليس راوية ولا وصفة بالغلط والخطأ ولا عدم ضعفه ولا عدم سماع الراوي من شيخه بعد الاختلاط كم قررناه كله بأمثلته عن كلامه وإنما اشترط أن يروي من غير وجه نحو ذلك فهذا يوصف بالحسن عند الترمذي وهو بهذا الرسم مباين للصحيح لا يلاقيه بعموم ولا خصوص مباين للحسن أيضا المعنى الأول قلت ومن هنا تعرف أن كلام ابن المواق غير صحيح حيث زعم أن كل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا بل هما عنده متباينان إن كان رأي ابن المواق في الصحيح رأي الجمهور وإنما هذا العموم والخصوص يجري في الحسن لذاته الذي رسمه الخطابي وغيره وتعرف أن قول المصنف فيما سلف إن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن غير صحيح فإن الترمذي لم يشترط في رجال الحسن إلا عدم التهمة بالكذب ولم يشترط عدالة ولا إتقانا لا قويا ولا ضعيفا وكيف يشترطهما وقد جعل من أقسام الحسن رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ورواية من روي عمن سمع عن المختلط ما سمعه منه اختلاطه وكيف وهو لا يخلو رجال إسناده عن مستور والمستور من لم يوثق وإنما هذه القيود التي ذكرها المصنف قيود الحسن لذاته فسافر ذهنه الشريف من أحد الحسنين إلى الآخر فوصف ما هو حسن بالغير بصفة ما هو حسن بالذات تنبيه عرف المصنف الحسن في مختصره بقوله فإن خف وكان له من(1/171)
169 جنسه تابع أو شاهد فالحسن وعرفه الحافظ ابن حجر في النخبة بقوله فإن خف الضبط فهو الحسن لذاته وقد عرفت مما قدمناه أن الحسن لذاته لا يحتاج إلى شاهد وتابع وهذا هو الحسن لذاته الذي عرفه الخطابي والثاني وهو الذي يحتاج إلى شاهد وتابع هو الحسن لغيره وهذا هو الذي أراده الترمذي وحملوا عليه عبارة الترمذي فإذا عرفت هذا عرفت أن المصنف رحمه الله خلط التعريفين فأخذ خفة الضبط من رسم الحسن لذاته وأخذ اعتبار الشاهد والتابع من رسم الحسن لغيره ف إن الحسن للغير لا يلاحظ فيه خفة ضبط رواته بل يقبل مع حصول ضعف الراوي أو غلطه كما لا يلاحظ الشاهد أو التابع في رسم الحسن لذاته فرسم المصنف غير صحيح على التقديرين ولا يقال هذا اصطلاح له لأنه بصدد بيان اصطلاح أئمة الحديث فإن قيل هل يجوز العمل بما حكم الترمذي بتحسينه وتصحيحه لإخفاء أن الكلام في تحسين الترمذي فذكر تصحيحه استطراد لأجل العلة المذكورة فإن ابن حزم قد زعم أنه أي الترمذي مجهول والمجهول لا يعتبر تحسينه ولا تصحيحه وأن الحفاظ قد يعترضونه في بعض ما يحسنه أو يصححه ويثبتون أنه يصحح حديث من لم يجتمع فيه صفات رواة الصحيح ويحسن حديث من ليس حديثه بحسن مثل حديث الصلح جائز بين السملين فإنه رواه الترمذي من طريق كثير بالمثلثة ابن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني ثم صححه وهذا الرجل يعني كثيرا متروك بالمرة ولم ينقل له توثيق عن أحد من أهل الحديث بل قال الشافعي وأبو داود إنه ركن من أركان الكذب وقال ابن حبان له رواية عن أبيه عن جده نسخة موضوعة قال الذهبي في ترجمته في الميزان قال ابن معين ليس بشيء وضرب أحمد على حديثه وقال الدار قطني وغيره متروك وقال أبو حاتم ليس بالمتين وقال النسائي ليس بثقة وقال الذهبي في الميزان وأما الترمذي فروى له حديث الصلح جائز(1/172)
170 يبن المسلين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي انتهى كلامه في الميزان في ترجمة كثير بين عبد الله المذكور قلنا قد قال الذهبي في الميزان في ترجمة الترمذي إنه حافظ علم ثقة مجمع عليه ولا الثقات إلى قول أبي بكر محمد بن حزم فيه إنه مجهول فإنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع ولا كتاب العلل التي له انتهى كلمه وقال الذهبي في التذكرة قال ابن حبان في كتاب الثقات كان الترمذي ممن جمع وصنف وحفظ وقال أبو سعيد الإدريسي كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ وقال الحاكم سمعت عمر بن علك يقول مات البخاري ولم يخلف بخرسان مثل أبي سعيد في العلم والحفظ والورع والزهد بكى حتى عمي وصار ضريرا سنين وقال فيها أيضا قال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي الجامع يريد كتاب الترمذي على أربعة أقسام قسم مقطوع بصحته وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا وقسم أخرجه الصدر وأبان عن علته وقسم رابع أبان عنه فقال ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء وقال فيها قال الترمذي صنفت كتابي هذا وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخرسان فرضوا به ومن كان في بيته هذا الكتاب يعني الجماع فكأنما في بيته نبي يتكلم انتهى وفيه أي في كلام الذهبي ما يدل على جواز الاعتماد على تصحيح الترمذي وتحسينه لانعقاد الإجماع الذي حكاه الذهبي على ثقته وحفظه في الجملة ولكنه لما ندر منه الغلط الفاحش استحسنوا اجتناب ما صح أو حسن ولما كان ظاهر كلام الذهبي التدافع وأنه لا يقبل تصحيح الترمذي ولا تحسينه ودفعه المصنف بقوله وأما قول الذهبي أن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه فلعله يريد لا يعتمدون على تصحيحه فيما روي عن كثير بن عبد الله كما ذلك موجود في بع النسخ أي من الميزان وقد قال ابن كثير الحافظ في إرشاده وقد نوقش الترمذي في تصحيح هذا الحديث ففي عبارته إرشاد إلي أن المناقشة(1/173)
171 في تصحيح هذا الحديث بخصوصه لا في ما صححه قلت هذا خطأ نادر والعصمة مرتفعة من الأئمة الحفاظ والعلماء وقد نص مسلم أنه ربما أخرج الحديث في صحيحه من طريق ضعيف لعلوه والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من ريق العدول ولكن بإسناد نازل روي هذا النووي في شرح مسلم عن مسلم تنصيصا عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري فقال مسلم إنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد روي الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى وكذا الترمذي يحتمل أنه صحح هذا الحديث لثبوته من غير طريق كثير بن عبد الله المزني هذا فالحديث روي من غير طريق أي من طرق كثيرة وقد رواه الحاكم أبو عبد الله في مستدركه من طريق كثير بن زيد المدني عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعا في الميزان كثير بن زيد الأسامي المدني قال أبو زرعة صدوق فيه ليس وقال النسائي ضعيف والوليد بن رباح بالراء والموحدة آخره مهملة قال في التقريب صدوق ولم يذكره الذهبي في الميزان وقال الحاكم صحيح على شرطهما ولكن كثير بن زيد لم يخرجا له وهو مقرون بعبد الله بن الحسين المصيصي نسبة إلى مصيصة بمهملتين بينهما مثناة تحتية بزنة سفينة ولا تشدد بلد الشام كما في القاموس قال في الميزان في ترجمة عبد الله بن الحسين المصيصي قال ابن حبان يسرق الأخبار ويقلبها ولا يحتج بما انفرد به فقول المصنف وهو ثقة عجيب فلم يوثقه أحد في الميزان ولا ذكره الحافظ في التقريب وأخرج الحاكم له شاهدين عن أنس وعائشة رواهما من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري في الميزان عبد العزيز بن عبد الرحمن النابلسي عن خصيف اتهمه أحمد وقال النسائي ليس بثقة وضرب(1/174)
172 أحمد على حديثه عن خصيف بالمعجمة فصاد مهملة مصغر في التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ خلط بأخرى رمي بالإرجاء وفي الميزان إنه ضعفه أحمد وقال مرة ليس بقوي وقال ابن معين صالح وقال مرة ثقة إذا عرفت هذا فقد وقع للمصنف سبق قلم يجعله عبد العزيز جزريا وهو نابلسي وإنما الجزري خصوف ثم قد عرفت أن المصنف أراد حمل تصحيح الترمذي لحديث كثير على ما قاله مسلم إذا روى الحديث عن ضعيف فهو لعلوه هو ثابت عن العدول بنزول وهذه الطرق الثلاث التي ساقها المصنف كلها لا تخلو عن مقال فلم يثبت حديث كثير عن العدول حتى يكون صحيحا على نحو ما قاله المصنف بل غابة ما تفيده هذه الطرق أن تصيره حسنا لغيره على رأي الترمذي على أنه لا يصح ذلك هنا على رأيه لأنه إما جعل حديث المستور أو الضعيف أو أحد الخمسة التي ذكرناها حسنا لغيره إذا روي من طرق وأما حديث من قال فيه الأئمة إنه ركن من أركان الكذب فلا ينطبق عليه ما قاله الترمذي من أنه حسن لغيره وحينئذ فلا يتم أن حديث كثير صحيح ولا حسن على القولين إذا عرف هذا فلم يبق عذر للترمذي في تصحيحه لحديث كثير بن عبد الله إلا قول المصنف إن هذا خطأ نادر وإن العصمة مرتفعة عن الحفاظ والعلماء وأما هذه التكلفات التي أراد بها المصنف ترويج ما وقع من تصحيح الترمذي لحديث كثير فإنها لم تفد ما دندن حوله وقد نسبه إلى غيره بقوله ذكر ذلك الإمام الحافظ تقي الدين في كتابه الإلمام لا شك في إمامة الشيخ تقي الدين فإن كان ما ذكره المصنف كله عنه ففيه ما سمعته من نصوص أئمة الحديثة في رجال ما ساقه من الأحاديث وأنه لا يتم معها صحة تصحيح حديث كثير ولا تحسينه وذكر الحافظ ابن كثير الشافعي في إرشاده أن أبا داود روى الحديث عن أبي هريرة بإسناد حسن هذا كله مع شهادة القرآن بذلك في قوله(1/175)
173 والصلح خير وفي قوله أو إصلاح بين الناس لكن عرفت أن الشواهد على تنفع في حديث من جزم بكذبه إنما تنفع فيما ذكرناه من أنواع الحسن لغيره وكأنه استشعر المصنف أنه يقال فإذا أثبت الحديث من طريق حفاظ لا مغمز فيهم فلم اختار الترمذي إيراده من طريق كثير فقال وأما اختيار الترمذي لإسناد الحديث من طريق كثير بن عبد الله فيحتمل وجهين أحدهما أنه لم يرد بالسماع من غير طريقه وقد عرفت قوته وصحته من طرق الوجادة والإجازة ومذاكرة الشيوخ لا يخفى أن المصنف قد اجتهد في البحث عن طرقه فذكر تلك الطرق التي لم تنهض على صحته ولا حسنة وثانيهما أن يكون قد رواه من طرق كثيرة في كل منها فقال فاكتفى بإيراد أحدهما كما قد صح عن مسلم أنه كان يفعله يريد ما تقدم من نصه لكنه قال إنه لا يفعل ذلك إلا والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من رواية العدول ولم يتم هذا في حديث كثير كما عرفت وكما صح عن أبي داود أيضا أنه كان يفعله بل قد صح عن البخاري مثل ذلك ولكنه قليل فأنه قد روى نادرا في الصحيح عمن ضعفه في تاريخه فيه ما سلف ومما يدل على ذلك أي على أن حديث كثير ثابت من غير طريقه أن الترمذي قد روى حديث التكبير في صلاة العيدين من طريق كثير بن عبد الله هذا وحسنه لفظ الترمذي ثنا مسلم بن عمرو وأبو عمر المدني ثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الأخرى خمسا قبل القراءة وفي الباب عن عائشة وابن عمر وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى يعني الترمذي حديث جد كثير حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عمرو بن عوف المزني والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهكذا روي عن(1/176)
174 أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى في المدينة نحو هذه الصلاة وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد واسحق انتهى ولم يصححه فلو كان تصحيحه لحديث الصلح اعتمادا على كثير بن عبد الله لصحح حديثه في صلاة العيدين ولكنه حسن حديثه في صلاة العيد لقصور شواهده عن مرتبة الصحة لا يخفى أنه ذكر الترمذي لحديث كثير شواهد عن ثلاثة من الصحابة وأنه عمل أهل المدينة وأنه ذهب غليه أربعة من أئمة المذاهب فهذه الشواهد حسنة وإن كنا عرفناك أنه لا يتم تحسين حديث من قيل إنه كذاب وصحح حديثه أي كثير في الصلح لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة اعلم أنه تطابق الأئمة الثلاثة الذهبي وابن كثير والمصنف على أن الترمذي صحح حديث كثير في الصلح وراجعت الترمذي فرأيت فيه ما لفظه بابا ما جاء في الصلح حدثنا الحسن بن علي الخلال ثنا أبو عامر العقدي ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلح جائز بين المسلين إلا صلحا حرما حلالا أو أحل حراما والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما انتهى بلفظه ولم يتبعه بحرف واحد من تصحيح ولا تحسين بل قال عقبه باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه ولا نسخة التي راجعناها ظاهرة الصحة فلينظر غيرها من أراد ذلك(1/177)
175 ثم أنه لم يذكر الترمذي لحديث الصلح هذا شاهدا واحدا وذكر لحديث في تكبير العيد ما عرفت من الشواهد التي حسنه لأجلها وتحسينه له مع كثرة شواهده مما يدلك ذلك أنه لم يصحح حديثه في الصلح أصلا لأنه لم يأت له بشاهد وأما قول المصنف لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة فقد عرفت أنه نقل المصنف ثلاثة شواهد لا يخلو واحد منها عن القدح فأيمرتبة صحة ترقي حديث الصلح يرتفع بها بل حديثه في تكبير العيد له شواهد أكثر مما سقناها من كلامه فلو صحح للشواهد لصححه لأجلها على أنه لم يمجعل حديث كثير في التكبير حسنا مطلقا بل قال إنه أحسن شيء روي في الباب على أن كلام المصنف هاهنا يناقض ما سلف له تقريبا من التصريح بأنه ضعيف بالمرة أي شديد الضعف مردود وذلك كأن يكون راويه متهما بالكذب فإن حديثه لا يعتد به ولا ترفعه الشواهد إلى درجة المقبول وسبق كلامه في كثير وأنه من أركان الكذب فتدبر والعجب أن ابن النحوي ذكر في خلاصته أي خلافة البدر المنير عن البيهقي أن الترمذي قال سألت البخاري عنه يعني حديث كثير بن عبد الله في صلاة العيد فقال ليس في الباب شيء أصح منه قلت بل العجب أن الحافظ ابن حجر قال في تلخيص الجبير بعد ذكره لحديث عمرو بن عوف في تكبير صلاة العيد إنه قال البخاري والترمذي إنه أصح شيء في هذا الباب انتهى وقد قدمنا لك لفظ الترمذي وأنه قال أحسن شيء في هذا الباب لا أصح ولم ينقل عن البخاري تصحيحه وقال ابن دقيق العيد في الإلمام في هذا الحديث في صلاة العيد إن البيهقي روى عن الترمذي عن البخاري أنه صحيح لكن ابن دقيق العيد رواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم عزاه إلى الترمذي وعقبه برواية البيهقي التي قال فيها إنه قال البخاري إنه صحيح ومحل التعجب أن المنقول عن البخاري إنما هو تصحيح رواية كثير ابن عبد الله ونقل البيهقي عن الترمذي إنما هي في رواية كثير وهي التي(1/178)
176 أخرجها الترمذي فاتفق الشيخ تقي الدين وهما أحدهما نقل كلام البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه صحح رواية عمرو بن شعيب الثانية عزوه حديث عمرو بن شعيب إلى الترمذي ولم يرو الترمذي في تكبير العيد إلا حديث كثير ابن عبد الله ورواية عمرو بن شعيب منسوبة إلى أبي داود وأحمد وابن ماجه في كثير من كتب الأحكام المستخرجة من الكتب الستة ولم يضفها أحد إلى الترمذي وكذلك هي غير موجودة في جامع الترمذي من طريق عمرو ابن شعيب والله أعلم إنما هي عنده من طريق كثير بن عبد الله كما عرفت واعلم أني راجعت سنن الحافظ أبي بكر البيهقي فرأيت فيه ما لفظه بعد سياقه لحديث كثير بن عبد الله قال أبو عيسى الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول وقال حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا انتهى بلفظه فعرفت أن البخاري صحح الحديثين حديث عمرو بن شعيب وحديث كثير بن عبد ا لله لأن قوله وقال يريد به البخاري لأن السياق فيه إلا أنه قال في حديث كثير أنه أصح شيء في الباب وقال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح وبعد هذا فلا عجب في نقل ابن دقيق العيد عن البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه قال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح فإنه نقل صحيح لا عجب فيه ولا وهم وإنما العجب من المصنف حيث ظن أن كلام الترمذي في نقله عن البخاري ليس في روايته بتصحيح رواية كثير بن عبد الله بل لرواية عمرو بن شعيب ولو تأمل لفظ ابن دقيق العيد الذي نقله لعلم أنه غير اللفظ الذي قاله البخاري في رواية كثير يعين وقد نقله المصنف قريبا فإن لفظها في رواية كثير إنها أصح شيء في الباب ولفظه في تصحيح رواية عمرو(1/179)
177 ابن شعيب أنه صحيح وهذا هو اللفظ نقله ابن دقيق العيد فلو تأمل العبارتين لعلم اختلاف اللفظين نعم عزو ابن دقيق العيد لرواية عمرو بن شعيب إلى الترمذي وهم بلا شك إن صح أنه عزاه إليه فإنا راجعنا سنن الترمذي في باب التكبير من صلاة العيد فلم نجد فيه إلا كثير بن عبد الله نعم كلامه الذي نقله عن البخاري ونقله عنه البيهقي لم نجده في جامع الترمذي وكأنه ثبت عنه في غير جامعه فإنه ليس في جامعه على ما رأيناه إلا قوله بعد سياقه لرواية كثير وهو أحسن شيء في هذا الباب ويف النسخة الأخرى أنه قال حسن صحيح ولم ينقل عن البخاري فيه شيئا وقد ذكر أن نسخ الترمذي كثيرة الاختلاط فتراجع نسخة ثم أنه قال الحاكم في رواية عمرو بن شعيب وكذلك ما روي عن عائشة وابن عمر وعبد العزيز وأبي هريرة أن طرقها كلها فاسدة وتقال ابن رشد في نهاية المجتهد إنما صاروا يريد في تكبير العيدين إلى الأخذ بأقاويل الصاحبة لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء انتهى قلت والمصنف قد ذكر رواية أبي هريرة وأنه قال الحاكم إنها صحيحه على شرطهما ثم ذكر الرواية عن أنس وعائشة وقد عرفت أن الحاكم ذكر أن طرق تلك الأحاديث فاسدة وساق منها حديث أبي هريرة فعارض ما نقله عنه المصنف وإنما قال الحاكم إن طرقها كلها فاسدة لأن في حديث عائشة ابن لهيعة قال الطحاوي في معاني الآثار ثنا ابن الجارود(1/180)
178 قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أبي واقد الليثي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس يوم الفطر والأضحى وكبر في الأولى سبعا وقرأ سورة ق والقرآن المجيد وفي الثانية خمسا وقرأ اقتربت وله طرق أخرى ساقها الطحاوي كلها تدور على ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف ولأنه اضطرب فيه فتارة يرويه عن عقيل وتارة عن خالد بن يزيد عن شهاب ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وأبي واقعد وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الطحاوي أيضا قال حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا عبدوس العطار عن الفرح بن فضالة عن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكبير العيد في الركعة الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ثم قال الطحاوي إنما تدور على عبد الله بن عامر وهو عندهم ضعيف وإنما أصل الحديث عن عمر نفسه وأما حديث عمرو بن شعيب فإنه يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس هو عندهم بالذي يحتج به هذا كلام الطحاوي قلت عرفت ما نقله البيهقي عن البخاري من أن حديث عمرو بن شعيب صحيح ونقله ابن دقيق العيد ونقله المصنف أيضا ويفه هذا الراوي الذي قال الطحاوي إنه لا يحتج به عندهم ورأيت في ترجمته في الميزان فقال عبد الله بن عبد الرحمن أبو يعلي الطائفي الثقفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال لابن معين صويلح وقال مرة ضعيف وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وكذا قال أبو حاتم قال ابن عدي أما سائر أحاديثه يعني عمرو بن شعيب فهي مستقيمة فهو ممن يكتب حديثه قال ثم خلط من بعده انتهى كلام الذهبي ثم قال الطحاوي ثم هذا أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وذلك عندهم ليس بسماع وأما حديث أبي هريرة فقال الطحاوي ثنا أبو بكرة ثنا روح ثنا مالك وصخر بن جويرة ونافع(1/181)
179 فأما مالك فالإمام المعروف ونافع مثله وصخر بن جويرة وثقة أحمد وجماعة وقال أبن معين صالح وقال أبو داود تكلم فيه وأما روح فهو ابن عبادة القيسي فقيه حافظ مشهور من علماء أهل البصرة تكلم فيه القواريري بلا حجة حدث عن مالك سماعا وأخرج له الستة أفاد هذا الحافظ الذهبي في الميزان وأما أبو بكرة فشيخ الطحاوي لا أعرف له ترجمة إلا أنه يعتمده الطحاوي كثيرا إذا عرفت هذا فأحسن الأحاديث في تكبير العيدين حديث أبي هريرة لما عرفت من رجال إسناده وتكون الأحاديث الأخر شواهد له فيقوي القول بهذه الصفة في التكبير ولعل بهذه الشواهد ينهض الدليل على ذلك ولو نقل المصنف رحمه الله هذه الشواهد لحديث كثير لقللت من التهجين على الترمذي في تصحيحه حديثه إن صح أنه صححه فهذا الكالم انسحب من ذكر شروط الترمذي في التحسين والعمل بما حسنه اعمل أنه يظهر من كلام المصنف أنه يعمل بما حسنه الترمذي وقد عرفت مما سقناه عن الحافظ ابن حجر أنه حسن الترمذي أحاديث فيها ضعفاء وفيها من رواية المدلسين ومن كثر غلطة وغير ذلك فكيف يعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة وقد نقل الحافظ عن الخطيب أنه قال أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به قال الحافظ أيضا وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل الغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام أن هذا القسم لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو طاهر القرآن وهذا حسن قوي رائق ما أظن منصفا يأباه ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به لأنه أخرج حديث خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين وقال بعده هذا حديث(1/182)
180 حسن وليس إسناده بذاك وقال في كتاب العلم بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم هذا حديث حسن وإنما لم يقل لهذا الحديث صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه فقال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة انتهى فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك لكن في كل من المثالين نظر لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما أنهما جاءا من وجه آخر كما تقدم تقريره لكن محل بحثنا هنا هل يلزم من الوصف بالحسن الحكم له بالحاجة أم لا بل يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميل انتهى كلامه وقد اختلف الناس في العمل بالحسن مطلقا أي على رأي الجمهور وعلى رأي الترمذي بعد تسليم حسنه فذهب البخاري إلى أن الحديث الحسن لا يعمل به في التحريم والتحليل واختاره القاضي أبو بكر بن العربي في عارضته أي في كتابه المسمى بعارضة الأحوذي شرح الترمذي والجمهور على خلافها والحجة مع الجمهور فإن راوي الحسن ممن تشمله أدلة وجوب قبول الآحاد لأنه من أخبار الآحاد فيقبل خبره وإذا قيل عمل به فإنه لا بد أن يكون راويه مظنون العدالة مظنون الصدق ومن ظن عدالته وصدقه وجب قبول خبره ولما ذكر أنه لا بد وأن يكون راوي الحسن مظنون العدالة والصدق أشكل عليه اصطلاح الترمذي فأورده ودفعه بقوله فإن قلت إنما شرط الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب ولا منفرد بالحديث فإنه معنى قول الترمذي في حقيقة الحسن ولا يكون الحديث شاذا وغير المتهم أعم من أن يكون ثقة مخبورا أو مستورا أو مجهولا فإن كان مجهولا وتابعه مجهول مثله لم يكن في الحديث حجة فيلزم قبول المستور والمجهول وأن يكون حديثهما حسنا إذا توبعا ولو بمثلهما قلت ولا يخفى عليك أن المصنف قد قدم أن الترمذي يشترط في رواة الحسن قوة الحفظ والإتقان وإنما(1/183)
181 يجعلها في رجال الصحيح أقوى وحينئذ فلا يرد السؤال بعد ذلك التقرير وإن كان ما قدمه عنه غير صحيح قلت الجواب أنه قد عرف من المحدثين أن مذهبهم رد المجهول وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك لا يقال قد قررت أنه أفاد كلامه عموم قبول المجهول فقال فهو من عموم المفهوم وفيه خلاف فكيف يعمل به مع ما علم من مذهب المحدثين فلو كان كلام الترمذي لفظا عاما عموم المنطوق وجب المصير إلى الخاص وهو ما عرف من عرفهم فيكف بالمفهوم وحينئذ فلا يفيد كلام الترمذي قبول المجهول ولكنه يبقى عليه أنه يفيد قبول المستور فقال المصنف فأما المستور فإنه مظنون العدالة ولو لم يكن كذلك لم يتميز منه المجهول قدمنا لك تفسير المستور من كلام ملا علي قاري في شرح شرح النخبة وقال الحافظ ابن حجر في مراتب الرواة في خطبة التقريب السابعة من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بمستور أو مجهول الحال انتهى فظاهره أن المستور هو المجهول حاله والمصنف قال هو مظنون العدالة لكنه غير مخبور خبرة توجب سكون النفس الذي يسميه كثير من المحدثين علما وهو الظن القوي وقد ورد تسميته بالعلم كثيرا في مثل قوله تعالى حكاية عن أخوة يوسف حيث حكوا لأبيهم أن أخاهم سرق وما شهدنا إلا بما علما فإنهم لم يعلموا سرقته لصواع الملك قطعا بل ظنوه لما وجد في متاعه فسموه علما وهذا كلام صحيح لكنه لا يناسبه قول الحافظ ابن حجر إن المستور من لم يوثق فمن أين حصل لنا ظن عدالته حتى نطلقها عليه وتحصل له م يطلق عليه لفظ العلم في كتاب ابن الصلاح قسمة المجهول إلى مجهول العدالة(1/184)
182 ظاهرا وباطنا وروايته غير مقبولة عند الجماهير ثم قال الثاني المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول يريد بالأول المجهول العدالة ظاهرا وباطنا وهو قول بعض الشافعية وبه قطع الإمام سليمان بن أيوب الرازي قال لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي إلى آخر كلامه وكلام المصنف قاض بأن المستور عدل يحصل بخبره ظن ضعيف بخلاف الظن الحاصل عن العدل المحققة عدالته فإنه يحصل على خبرة ظن قوي يطلق عليه العلم وكلام الحافظ ابن حجر أنه لم يوثق وكلام ابن الصلاح أنه العدل في الظاهر قلت ولا يخفي أن العدالة إنما تعرف ظاهرا بالمحافظة على خصالها وأما الباطن فلا يعلمه إلا الله تعالى فهذا اضطراب في تفسير المستور ينبغي تحقيقه واعلم أن الذي في كتب الأصول رسم العدالة باجتناب كبائر المقبحات وما فيه خسة والإتيان بالواجبات ولم يذكروا باطنه ولا ظاهره قالوا واختلف في رواية المجهول ويطلق عندهم على مجهول العدالة أو الضبط أو النسب أو الاسم ونقلوا عن الحنفية وآخرين قبوله واستدلوا على أن الأصل في دار الإسلام هو الإسلام والأصل في المسلم هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وهو قياس من الشكل الأول ينتج أن الأصل هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وحينئذ فال مجهول بل كل مسلم عدل ورد يمنع الكبرى مسندا بأن الأصل هو الغالب والفسق في المسلمين أغلب من الإيمان لقوله تعالى وقليل ما هم وقليل من عبادي الشكور وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وغير ذلك ولأنه الشاهد في كل عصر والفرد المجهول يجب حمله على الأعم الأغلب ولهذا يرد من غلب سهوه على حفظه اتفاقا ورجحوا المجاز على الاشتراك لغلبته فغلبه الفسق مظنة للفسق وحكم المظنة حكم المثنة بل ضبط الشارع الأحكام بالمظنة(1/185)
183 ويأتي بقية الكالم على المسألة في محلها وإنما هذا تنبيه على أن الذي ذكره المصنف من أن المستور هو العدل عدالة تفيد ظنا قويا وأن خبره احسن وأن العدل في رواة الصحيح يشترط قوة عدالته بحيث يفيد ظنا قويا يسمى علما شيء تفرد به لم يذكره أئمة الأصول كما انفرد ابن الصلاح بقوله إن عدالة المستور ظاهرة وعدالة غيره ظاهرة وباطنة وذكر الرافعي في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجح فيها إلى أقوال المزكين فعلى هذا كان يلزم أن يقال في رسم الصحيح ما رواه العدل ظاهرا أو باطنا أو ما رواه قوي العدالة كما ألزمناهما أنه كان يتعين أن يقال في رسم الصحيح بالنسبة إلى قيد الضبط تام الضبط كما أتى به الحافظ في النخبة وتابعه المصنف في مختصره واحترزوا به عمن خف ضبطه وهو راوي الحسن كما عرفناك وأما العدالة فإنهم جعلوا عدالة راوي الحسن لذاته والصحيح شيئا واحدا وهنا خالفوا ذلك فجعل المصنف المستور العدل الذي يفيد خبره ظنا غير قوي وابن الصلاح جعله العدل ظاهرا لا باطنا نعم لأهل الحديث كلام في المجهول كثير يأتي تحقيقه وقد ورد إطلاق المستور في عبارات أصحابنا والمراد به العدل كما استعمل ذلك أهل الحديث قال شيخ أحمد بن محمد الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي إنها أربعة أحدها أن يكون الراوي عدلا مستورا هذا لفظه ولم أعلم أحدا اعترضه من أهل الشروح على الجوهرة لا يخفى أنه إذا كان مستورا بمعنى عدل عندهم يكون قوله مستورا بعد قوله عدلا تكريرا ولا يخفى أيضا أن أهل الأصول من قبل الشيخ أحمد ومن بعده لا يجعلون كون العدل مستورا شرطا في الرواية بل الكتب الأصولية متطابقة على شرطية العدالة في الراوي ورسموا العدالة بما عرفت وجعل المستور شرطا يلزم منه أن كامل العدالة ليس من شروط الرواية ولعله يقول إنه يدخل بالأولى فالمستور في عرف المحدثين(1/186)
184 من قصر عن المتواترة عدالتهم أو المشهور شهرة تقري من التواتر اعلم لفظ ابن الصلاح في المستور أنه المجهول الذي جهات عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور هذا لفظه ثم قال وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته باطنا وقرر الزين كلام ابن الصلاح وقال مراد ابن الصلاح ببعض أئمتنا هو البغوي فهذا لفظه بحروفه في التهذيب وتبعه عليه الرافعي انتهى كلام زين الدين والمصنف قال إن المستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدا التهم أو المشهور شهرة تقرب من التواتر فعلى كلامه لا بد أن تكون عدالته أمرا بين الأمرين وهذا غير كلام ابن الصلاح ومن تبعه ومن تقدمه في تفسير المستور وتقدم أن الحافظ ابن حجر قال إن المستور من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق فلا أدري من أين جاء هذا التفسير الذي آتى به المصنف للمستور وزعم أنه اصطلاح المحدثين ثم هذه الرتبة التي ذكرها رتبة مجهولة فهذا كلامه في عدالة المستور أي من حيث العدالة وأما من حيث حفظه فقال أو من قصر عن الحفاظ في مرتبة الإتقان والضبط العظيم يريد أن المستور إما مستور العدالة فهو الذي فسره قريبا أو مستور الحفظ وهو الذي لا يبلغ ربة الإتقان والضبط وهو الذي خف ضبطه المذكور في تعريف الحسن لذاته قلت ولا خفاء أن هذا خلط لشرائط الحسن لذاته والحسن لغيره فإن الحسن لذاته هو من خف ضبط رواته كما سلف والسحن ليغره قد يكون راويه ضعيفا موضوعا لسوء الحفظ كرواية الترمذي عن عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وحسن الترمذي حديثه وروى عن مجالد وحسن حديثه وقد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وروى عن عبيد بن معقب وهو ضعيف جدا اتفق أئمة النقل على تضعيفه وقد قدمنا هذا وزيادة عليه فيما حققناه لك من أن الحسن عند الترمذي شرطه أن لا يتهم راويه بالكذب ولا ينفرد بالحديث(1/187)
185 ونحن أيها الزيدية نوافقهم أي المحدثين في الطرفين معا في قبول المستور وقبول لم يبلغ درجة المتقنين في الضبط أما الطرف الأول وهو الموافقة من الزيديدة في قبول المستور فقد ثبت نص الجوهرة حيث جعل من شروط قبول الراوي كونه عدلا مستورا قل إلا أنه لا يعزب عنك أن صاحب الجوهرة جعل ذلك شرطا للراوي مطلقا سواء كان من رواة الصحيح أو الحسن وأهل الحديث على رأي المصنف جعلوه شرطا للحسن غلا أنه لا يضر هذا فقد حصلت الموافقة في شرط الأعم التي هي مدرس الزيدية في عصر المصنف على ذلك يتعلق بنص مع أنه مما لا يختلف فيه الأصحاب من الزيدية فإن كتبنا الأصولية مشحونة بقبول كل من رجح حفظه على سهوه وهذا هو المراد لمن لمي يبلغ مرتبة أهل الأنفان في الحفظ والضبط إلا أن كلامه في عدالة المستور هذا من القسم الثاني وهو عدم بلوغ رتبة التقنين في الضبط واختلف أصحابنا إذا استويا فذهب المنصور بالله إلى أنه لا يجوز طرح حديثه وأن طريق قبوله الاجتهاد ذكره أي المنصور بالله في الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة تقدم الكلام على هذا أول الكتاب كما تقدم على قوله وذهب عبد الله بن زيد إلى قبوله وهذا كله يدل على قبول من حديثه حسن والله أعلم عند الفريقين الزيدية والمحدثين قد عرفت ما كررناه وقررناه أن الحسن قسمان حسن لذاته وحسن لغيره وأن الحسن عند الترمذي الذي يصف به أحاديث كتابه أو غالبها من القسم الثاني وقال الحافظ ابن حجر إنه نقل ابن الصلاح وغر واحد الاتفاق على أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة وهو القسم الذي ذكره الخطابي وقد علمت أن القسم الذي ذكره هو الحسن لذاته قال وأما الحسن الذي ذكره الترمذي بجميع أنواعه فإنه يظهر له أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني قال فإن(1/188)
186 الترمذي يطلق الحسن على الضعيف والمنقطع إذا اعتضده قال فلا يتجه إطلاق الاحتجاج به جميعه ويؤيد هذا قول الخطيب أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به وقد صرح أبو الحسن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام بأن هذا القسم لا يعمل به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن إلى آخر ما قدمناه من كلامه قريبا هذا من كلام الحافظ على نكته على كتاب ابن الصلاح ثم قال ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به أنه أخرج حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذلك وقد قدمنا ذلك وقد نص أهل الحديث في مراتب التعديل على أن صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار به ونصوا أيضا في مراتب التجريح على أن الضعيف بمرة والمردود والمتروك وغير ذلك من العبارات فبان لك أن الضعيف يكتب حديثه للاعتبار به بخلاف الضعيف عندهم هو صالح الحديث أخذ المصنف من قول الأئمة إن صالح الحديث وضعيفه يكتب حديثه أن صالح الحديث هو ضعيف الحديث لاشتراكهما بالحكم بكتب حديثهما وفي كتاب ابن الصلاح الرابعة أي من مراتب التعديل إذ قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار فجعل هذه المرتبة الرابعة للتعديل وقال مراتب التجريح أولهما إذ قالوا لين الحديث قال ابن أبي حاتم إذا جاءوا بان لين الحديث فإنه يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا الثانية قال ابن أبي حاتم إذا قولوا ضعيف ليس بالقوي فهو بمنزلة الأولى في كتب حديثه إلا أنه دون الثانية وإذا قالوا ضعيف الحدي فهو دون لاثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به انتهى فعرفت من كلامه(1/189)
187 أن صالح الحديث من هو في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وأن قولهم ضعيف ليس بقوي هو ثاني مراتب التضعيف وقولهم ضعيف الحديث هو ثالثها تكتب أحاديثهم للاعتبار وإن لم يصرح بكتب حديث من هو في هذه المرتبة لكنه صرح بأنه لا يطرح حديثه وأنه يعتبر به اعتبار بكتابته وبالجملة فقد جمع بين أهل المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وبين أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح للاعتبار بأحاديثهم وعدم الإطراح لها لكنها وإن جمعها ما ذكر فهي متفاوتة كما ذكره فقول المصنف إن الضعيف عندهم هو صالح الحديث غير صحيح لأن صالح الحديث من المعدلين ومن أهل مراتب التعديل بخلاف الضعيف على أقسامه الثلاثة إن جعلنا اللين منه وأنه مجروح للتضعيف وكونه جمع بينه وبين صالح الحديث كتب حديث كل منهما لا يلزم منه اتحادهما فقد قالوا في أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح إنه يكتب حديثهم فإن كان الضعيف هو صالح الحديث لكونه يكتب حديثه فالضعيف من أهل مراتب التعديل كما قال المصنف وانه أي الضعيف في المرتبة الرابعة من مراتب العدول كما سيأتي فيلزم أنه ليس للتجريح إلا مرتبة واحدة وهي مرتبة المتروك والكذاب ونحوهما وهو خلاف صريح كلامهم فيما يأتي ثم المراتب مختلفة كما عرفت فكيف برجال الحسن قد عرفت أن رجال الحسن لذاته ليسوا بضعفاء بل هم خفيفوا الضبط فهم الذي ينبغي أن يقال فيهم عند ذكر ضعفاء الرواة فكيف لا يقبل رجال الحسن وأما رجال الحسن لغيره ففيهم الضعفاء وأهل سوء الحفظ فلا يقال عند قبول ضعفاء الرواة فكيف برجال الحسن إذ هم من ضعفاء الرواة ليسوا قسما من غيرهم قلت ثم لا يخفى بعد هذا كله أن كتب الحديث للاعتبار ليس دليلا على قبول رواته والعمل بروايتهم في السياق من العمل بالحسن وقال ابن حجر الهيثمي في كتابه الفهرسة في ترجمة الترمذي ما لفظه اتفق الفقهاء كلهم(1/190)
188 على الاحتجاج بالحسن وعليه جمهور المحدثين والاصوليين بل قال البغوي أكثر الأحكام إنما ثبتت بالحسن ووافقه الخطابي وهو قسمان أحدهما حسن لذاته وهو أن يشتهر رواته بالصدق لكنهم لم يصلوا في الحفظ والإتقان إلى رتبة رواة الصحيح وثانيهما حسن لغيره وهو أن يكون في الإسناد مستور لم تتحقق أهليته غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب ولا ينسب إلى مفسق آخر واعتضد بمنابع أو شاهد وقد قال النووي إمام زمانه في هذه الصناعة في بعض أحاديث ذكرها وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعض بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره ويحمل ذلك على ما ضعفه ناشي عن سوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس مع كون رواته من أهل الصدق والديانة أما الضعف بنحو كذبه أو شذوذه فلا يجبره شيء والحاصل أن ما حسنه لذاته يحتج به مطلقا وما حسنه لغيره إن كثرت طرقه احتج به وإلا فلا وقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعف حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا مع كثرة طرقه نعم كثرة طرقه القاصرة عن جبر بعضها لبعض ترقيه عن درجة المنكر الذي لا يعمل به في الفضائل ولا غيرها إلى رتبة الضعف الذي يجوز العمل به في الفضائل إجماعا انتهى وهو كلام حسن واعلم أن ابن الصلاح رسم الضعيف من الحديث بقوله كل حديث لم تجتمع في صفات الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف وقد يرتقون أي الضعفاء إلى أرفع من مرتبة الضعف ولذا قالوا في ترجمة سفيان الثوير المجمع على ثقته وأمانته ونصحه لله ورسوله وللمسلمين إنه كان يدلس عن الضعفاء في الميزان سيفان بن سعيد الثوري الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء ولكن له نقد وذوق ولا عبرة بقول(1/191)
189 من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين انتهى فهؤلاء هم الضعفاء في عرف المحدثين الذي حديثهم منجبر بالشواهد ونحوها ويجب العمل قد عرفت أنهم جعلوا مراتب الجرح أربعا فقالوا في ثلاث منها أنه يكتب حديث أهلها للاعتبار وقالوا في الرابعة وهو من أطلقوا عليه متروك إنه لا يكتب حديثه فعلى كلام المصنف أنه لا يترك إلا من قالوا فيه كذاب ونحوه على أنه يأتي له في إطلاقهم كذاب ونحوه بحث فعلى تقريره الضعفاء ليسوا بمجاريح ولذا قال ولو كان سفيان يدلس عن المجروحين لكان مجروحا ولما أصفق بالصاد المهملة ففاء فقاف أي اجمع الثقات على الاحتجاج بحديثه وقد قال الذهبي الحجة الثبت بالاتفاق وهم يعرفون ذلك أي أنه لا يدلس عن المجروحين بل إنما يدلس عن الضعفاء والضعفاء ليسوا بمجاريح هذا تقرير مراد المصنف قلت ولا يعزب عنك أنه سيأتي لهم وقد أشرنا إليه أن ألفاظ التجريح أربع ثانيها ضعيف ليس بقوي ثالثها ضعيف الحديث فهاتان صيغتان في التجريح فكيف يقول هذا ضعيف وليس بمجروح هل هذا إلا تناقض نعم هؤلاء مجاريح غير كذا بين كما قال الذهبي إن سفيان كان يدلس عن الضعفاء ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين فالقياس على ما تفيده هذه العبارات أن يقال إن الضعفاء غير الكذابين يقلون ويقبل من يدلس عنهم وإن كانوا مجاريح فهو جرح لا يخرجون به عن الاعتبار وحاصله أنا نناقش المصنف في قوله إن سفيان لا يدلس عن المجروحين مع تصريحهم أنه يدلس عن الضعفاء والضعفاء مجاريح ولذا أثبت الذهبي تدليسه عن الضعفاء ونفي تدليسه عن الكذابين فهو يدلس عن ضعفاء مجاريح غير كذابين ولكن قليل المعرفة باصطلاحهم في عباراتهم لا يعرف ذلك أي لا يعرف(1/192)
190 أنهم يقبلون بعض الضعفاء بل يظن أن كل ضعيف فإن حديثه مردود ولهذا يتجه بتوجه على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث ويمعن النظر فيها لئلا يغلط عليهم إذا جهل اصطلاحاتهم فإن علوم الحديث تعرفه بذلك فتأمل ذلك فإنه مفيد جدا أي محقق مبالغ فيه كما في القاموس ووجه نفعه أنه إذا لم يعرف علوم الحديث واصطلاحهم أئمته غلط عليهم فبمعرفته لاصطلاحهم الذي أودعوه علوم الحديث لا يحصل له الغلط وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل فقال إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قبل لتقويه وإلا لم يقبل لضعفه بالانفراد وأما المجهول فليس يقوي حديثه بمتابعة مثله أي بمتابعة مجهول مثله قال ابن الصلاح إن المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من راو واحد ثم مثل بجماعة وقد ذكر ابن الصلاح نحو هذا الكلام فقال ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك أي مجيئه من وجوه قلت قد مثل ذلك بحديث ابن عمر في سد الأبواب إلا باب علي كرم الله وجهه وهو في مسند أحمد من رواية أحمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن عمرو ابن راشد عن ابن عمر وفيه ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن كون لي واحدة احب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لا يما مع ما له من الشواهد وله شاهد من حديث ابن عمر أيضا أورده النسائي في الخصائص بسند صحصح عن ابن اسحق عن العلاء ابن عرار فذكره والعلاء وثقة ابن معين ورواه ابن أبي عاصم من طريق(1/193)
191 عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي اسحق سألت ابن عمر فذكره وأخرجه أحمد من حديث سعد بن مالك قال الحافظ ابن حجر بإسناد حسن قال وأما ادعاه ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة فدعوى عرية عن البرهان وقد أخرج النسائي في الخصائص حديث سعد وفيه أيضا حديث زيد بن أرقم بإسناد صحيح وأخرج أيضا حديث ابن عباس وقال وسد الأبواب غير باب علي رضي الله عنه قال فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره في حديث طويل وأخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين وأخرجهما الترمذي لكنه قال في حديث ابن عباس بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد عن ابراهيم بن المختار عن شعبة عن أبى بلخ عن عمرو بن ميمون عنه غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم والطبراني روياه من طريق مسكن بن بكير عن شعبة وهي أصح من طريق الترمذي وأبو بلخ وثقة يحيى بن معين وأبو حاتم وقال البخاري فيه نظر انتهى ويشهد له حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك رواه الترمذي وقد ادعى أن هذا الحديث يعارض حديث أبي سعيد المخرج في الصحيحين لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت وإلا خوخة أبي بكر ولكنها دعوى غير صحيحه لأن الجمع ممكن بأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد ورد بيان سببه في حديث مرسل أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسنده عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأذن لأحد أن يمر من المسجد أو يجلس فيه وهو جنب إلا علي رضي الله عنه لأن بيته كان في المسجد أي مع بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فكان يحتاج إلى استطراق المسجد وحديث أ ي بكر فيما يتعلق بالخوخ فلا تعارض ولا وضع أفاد هذا الحافظ ابن حجر في نكته فهذا الحديث قد كان في رواته ضعف بسوء الحفظ فجاء من(1/194)
192 طرق كثيرة أزال ذلك الضعف وبه تعرف ما في قول ابن حجر الهيثمي إنه استقر الأمر على ضعف حديث يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك فإنه قال إنه أستقر الأمر على أنه حديث ضعيف ترقد يكون ضعف الرواة بما قاله ابن الصلاح ونقبله عفه المصنف بقوله بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ واريه مع كونه من أهل الصدف والديانة فإذا رأينا ما رواه أي الحديث الذي رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظ ولم يختل فيه ضبط له وقد حققناه بالمثال وهذا كلام حسن وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر قال أي ابن الصلاح ومن ذلك ضعف لا يزول بنجو ذلك أن بمجيئه من طرق لقوة الضعف في الراوي وتقاعد هذا الجابر عن جبره أي عن جبر ضعفه فتسميته جابرا مجاز وإلا فإنه لم يجبر هذا الضعف كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب فإن الجابر لا يقوى على زوال تلك التهمة ومثلوا ذلك بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء وفي لفظ بعثه فقيها عالما قال النووي إنه اتفق الحفاظ على ضعفه وإن كثرت طرقه بعد أن قال إنه روى عن علي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم بطرق كثيرات بروايات متنوعات قاله النووي في صدر الأربعينية التي جمعها وسماها دعائم الإسلام أو كون الحديث شاذا أي أن الجابر يتقاعد هن زلل الضعف عن حديث نشأ ضعفه من اتهام رواته بالكذب أو من كونه حديثا شاذا ويأتي بيان الشاذ انتهى كلامه أي ابن الصلاح وسيأتي أنه ليس يشترط في الشاذ الذي أشار إليه إلا أن لا يكون راويه في مرتبة الثقات الإثبات من رجال الصحيح ولا في مرتبة من دونهم من رجال الحسن كما سيأتي واضحا ذكر ابن الصلاح كلام(1/195)
193 الأئمة في الشاذ وتعقبه ثم قال فيقول إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردوعا وإن كان لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هذا أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه انتهى فمراده هنا بالشاذ الذي لا ينجبر هو الأول من القسمين فهذا بذلك على أن رجال الحسن مرتفعون عن مرتبة المجاهيل والضعفاء بمرة انتهى فكلام ابن الصلاح في الشاذ دل على أن رتبة رجال الحسن ليسوا من المجاهيل ولا الضعفاء قلت قد قدمنا لك أن الحسن لذاته ليس رجاله ضعفاء ولا مجاهيل والحسن لغيره في رجاله الضعفاء وغيرهم كما حققناه لك بالأمثلة والتنصيص على ذلك فالمصنف رحمه الله خلط اعتبارهم لصفات الحسن لذاته بصفات الحسن لغيره كما نبهناك عليه مرارا وقد نصوا على ذلك في علوم الحديث فجعلوا الضعيف غير المجهول قد قدمنا لك كلام ابن الصلاح في المجهول وأنه قسمان قال والمجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد ذكر هذا عن الخطيب البغدادي إلا أنه قال ابن الصلاح إن في رجال البخاري أحاديث عن قوم ليس لهم إلا راو واحد وممن ذكره وين الدين في قسم الضعيف من التبصرة ولكن يلزم هذا قبول المنفرد من رجال الحسن لأنهم إذا قالوا بأن الشاذ هو من ينفرد وليس في مرتبة رجال الصحيح ولا الحسن وأنه يرد لزم أنه إذا انفرد من هو من رجال الحسن أن يقبل ولا يجب مراعاة متابعة غيره قلت هذا ملتزم عندهم في الحسن لذاته فإنهم لم يعتبروا في رسمه إلا خفة ضبط رواته كما عرفت فإنهم قالوا فإن خف الضبط فالحسن لذاته وبكثرة طرق يصح فلم يجعلوا متابعة(1/196)
194 غيره له إلا شرطا لصحته لا لحسنه وأما الحسن لغيره فقد عرفناك مرارا أنه لا يصير حسنا إلا بمتابعة غيره وهذا لازم على قواعد الفقهاء والأصوليين ودفع هذا من المحدثين غير جيد والله أعلم قلت قد عرفناك غير مرة أن المحدثين لا يدفعون هذا ولا أدري كيف التبس على المصنف مع إمامته في كل فن قال ابن الصلاح وهذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة واعلم أن رجال الحسن متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأتت له طرق أخرى فلك أن تحكم بصحته هذا ذكروه في الحسن لذاته هذا عندهم هو الصحيح لغيره وقد حققه في النخبة وشرحها ولفظ ابن الصلاح إذا كان الراوي متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروى مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحة انتهى واعلم أنه لا بد من تقييد عبارة المصنف وابن الصلاح بخفة ضبط من اشتهر بالصدق ليكون من قسم الحسن وإلا كان من الصحيح لذاته فإن رجال الصحيح لذاته هم المشهورون بالصدق والعدالة كحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة قال ابن الصلاح بعد سياقه لما ساقه المصنف محمد بن عمرو ابن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم بسوء حفظه في الميزان أن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني الليثي شيخ مشهور حسن الحديث مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قد أخرج له الشيخان متابعة قال يحيى القطان أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته قال أبن عدي روى عنه مالك في الموطأ وغيره وأرجو أنه لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال النسائي ليس به بأس ذكر ذلك كله الذهبي في الميزان فحديثه(1/197)
195 من هذه الجهة حسن لأنه لم يتفق على إتقانه في الحفظ فهو ممن خف ضبطه فلما انضم ذلك كونه أي حديث السواك مرويا من طرق أخرى لفظ ابن الصلاح من أوجه أخر مثلها عبارة الزين نقلا عنه زال ذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظ وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحقق بدرجة الصحيح قلت كأنه مجرد مثال وإلا فهذا الحديث أخرجه الشيخان بلفظه من حديث أبي هريرة رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث ابن عبينة وهذا لفظ عندهما من المتفق عليه وسينبه المصنف على ذلك قال زين الدين وقد أخذ ابن الصلاح كلامه هذا الذي سلف قريبا من الترمذي فإنه قال بعد إخراجه من هذا الوجه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي صحيح قال الترمذي وحديث أبي سلمة إنما صح لأنه قد روى من غير وجه لفظ الزين وحديث أبي هريرة عوض أبي سلمة قلت قول إن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل لأن متن الحديث صحيح متفق عليه من طريق الأعرج عن أبي هريرة كما قدمنا لك قريبا واعلم أن كلام المصنف هذا إشارة إلى فائدة مهمة ذكرها ابن حجر في فهرسته فقال فائدة مهمة عزيزة النقل كثيرة الجدوى والنفع وهي من المقرر عندهم أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن الاجتماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى فلا تنافي بين قولهم هذا حديث صحيح لأن مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعا لعدم استلزام الصحة لكل فرد فرد من أسانيد ذلك الحديث فعلم أن التقييد بصحة السند ليس صريحا في صحة المتن ولا ضعفه بل هو على الاحتمال فهو دون الحكم بالصحة(1/198)
196 أو الحسن للمتن إذ لا احتمال حينئذ وبهذا تعرف قول المصنف رحمه الله وإنما انفرد محمد بن عمرو برواية الحديث من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فلم يتابع على الإسناد فلم يصح الإسناد وإنما توبع على الحديث فصح ولذا قال زين الدين وليس المراد بالمتابعة كونه رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير محمد بن عمرو ولكن متابعة شيخه أبي سلمة عليه عن أبي هريرة فقد تابع أبا سلمة عليه عن أبى هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أو سعيد وعطاء مولى أم حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج ولما كانت المتابعة نوعين أشار إليهما بقوله والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي لكلام عليه في فصل المتابعات والشواهد إن شاء الله تعالى
مسألة في بيان شرط أبي داود
شرط أبي داود قال ابن الصالح من مظان الحسن سنن أبي داود المظان جمع مظنة بكسر الطاء وهو مفعلة من الظن وقال المطرزي المنظة العلم من ظن بمعنى علم قال في المصباح وقد يستعمل الظن بمعنى اليقين ومنه المظنة بكسر الظاء للعلم وهو حيث يعلم الشيء قال النابغة فإن مظنة الجهل الشباب(1/199)
197 قال ابن الصالح وروينا في المصباح ما لفظه روى البعير الماء يرويه من باب رمى حمله فهو راوية والهاء للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقي عليها ومنه قيل رويت الحديث إذا حملته ونقلته وتعدى بالتضعيف فيقال رويت زيدا الحديث انتهى عن أبي داود أنه قال ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح قال الزين أي للاحتجاج ويأتي عن الحافظ ابن حجر احتمال أنه صالح للأعم من ذلك وبعضها أي بعض أحاديثه الدال عليه من حديث أصح من بعض قال أي ابن الصلاح ورينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه وروينا عنه أنه يذكر ما عرفه في ذلك الباب قلت أجاز ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الحفاظ العمل بما سكت عنه أبو داود لأجل هذا الكلام المروي عنه وأمثاله مما روى عنه قال الحافظ ابن حجر قول أبي داود وما فيه وهن شديد بينته يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه ومن هنا أن جميع ما سكت عنه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن إذا اعتضد وهذان القسمان كثير في كتابه جدا ومنه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا وكل من هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها كما نقل ابن مندة عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى من رأي الرجال وكذلك قال ابن عبد البر كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد فيما نقله ابن المنذر عنه أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره وأصرح من هذا ما روينا عنه فيما حكاه أبو العز بن كادس أنه قال لابنه لو أردت أن(1/200)
198 أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه هذا ما روي من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال سمعت أبي يقول لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه ذغل والحديث الضعيف أحب إلى من الرأي فهذا نحو ما حكى عن أبي داود ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد فغير مستنكر أن يقول قوله بل حكة النجم الطوقى عن العلامة تقي الدين بن تيمية أنه قال اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقا لشرط أبي داود ومن هنا تظهر لك طريقة من يحتج بكل ما سكت عنه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنه مثل ابن لهيمة وصالح مولى التوأمة وعبد الله بن محمد بن عقيل وموسى بن وردان وسلمة بن الفضل ودلهم بن صالح وغيرهم فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم بل طريقه أن ينظر هل ذلك الحديث متابع يعتضد به أو هو غريب فيتوقف فيه لا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن دحية وصدقة الدقيقي وعمرو بن واقد العمري ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني وأبي حيان الكلبي وسليمان بن أرقم وأسحق بن عبد الله بن أبي قروة وأمثالهم في المتروكين وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها ما أبهمت أسماؤهم فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه وتارة يكون لظهور شدة ضعفه ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من كلام(1/201)
199 على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته عنه أشهر ثم عد أمثلة من أحاديث السنن فيها ما يؤيد ما قاله ثم قال والصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما وصفنا من أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه والمعتمد على مجرد سكوته لا يروى ذلك فكيف يقلده فيه هذا جميعه إن حملنا قوله وما لم أقل فيه بشيء فهو صالح على أن مراده صالح للحجة وهو الظاهر وإن حملناه على ما هو اعم من ذلك وهو الصلاحية للحجية وللاستشهاد أو المتابعة فلا يلزم منه أن يحتج بالضعيف ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي سكت عليها وهي ضعيفة هل منها أفراد أولا عن وجد فيها أفراد تعين الحمل على الأول إلا حمل على الثاني وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عنه للاحتجاج مطلقا انتهى قال النووي إلا أن يظهر في تعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك أو كما قال لفظ الحافظ ابن حجر نقلا عن النووي أنه قال في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها فلا بد من تأويل كلامه قال والحق أن ما وجدناه في سننه مما لم ينبه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأي العارف في مسنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له حكم يضعفه ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود قلت وهذا هو التحقيق ولكنه خالف ذلك في مواضع كثيرة في شرح المهذب وفي غيره من تصانيف فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا تعثر بذلك انتهى قال ابن الصلاح ما معناه وعلى هذا ما وجدنا في كتابه مذكورا مطلقا ولم نعلم صحته عرفناه أنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون فيه ما ليس بحسن عند غيره ثم ذكر بعيد هذا مثل ما ذكره الحافظ من أنه قد يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال وقد اعترض(1/202)
200 ابن رشيد هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد الفهري الأندلسي علي ابن الصلاح لأن ما سكت عنه يحتمل عند أبي داود الصحة والحسن لفظ الزين أنه قال ابن رشيد ليس يلزم من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود يضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبي داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك وقال أبو الفتح اليعمري هذا تعقب حسن قلت لا يعزب عنك بعد تحقيق ما سلف عن الحافظ ابن حجر ما في كلام ابن الصلاح وفيما تعقب به قال زين الدين في شرح ألفيته وقد يجلب عنه أي عن تعقب ابن رشيد بأنه أي ابن الصلاح إنما ذكر ما لنا أن تعرف الحديث به الذي سكت أبو داود عنه عنده أي عند أبي داود والقدر المتحقق الحسن دون الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود لفظ زين الدين إنما ذكر ابن الصلاح ما لنا أن نعرف به الحديث عنده والاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود قال لأن عبارته أي أبي داود فهو أي ما سكت عنه صالح وهي تحتمل فإن كان يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف فالاحتياط ما قاله ابن الصلاح لأن الذي سكت عنه لم يحكم له بالصحة ولا بالضعف فيكون حسنا وهو مراده حينئذ بقوله صالح وإن كان رأيه أي أبي داود كالمتقدمين أنه أي الحديث من حيث هو ينقسم إلى صحيح وضعيف وأنه لا يقول بالحسن فما سكت عنه فهو صحيح عنده وإن لم تجتمع فيه شرائط الصحة التي سلفت في رسم الصحيح وذلك هو الصحيح الأخص قلت ولا يخفى أن قول أبي داود صالح حمله ابن الصلاح على حسن فألزمه بان رشيد أنه يحتمل الأمرين الصحة والحسن والمراد الصحة بالمعنى الأخص لأنه قابل بها الحسن فالإلزام مبني على رأي من يجعل الحديث ثلاثة أقسام لا على رأي من يجعل الصحة شاملة للحسن كما لا يخفي فلا بم ما قاله الزين نعم إن صح أن رأى أبي داود عدم الحسن كان ما سكت عنه صحيحا بالمعنى الأعم(1/203)
201 فيكون فيه الصحيح بالمعنى الأخص والحسن لكن ابن الصلاح وابن رشيد مبني على أنه يرى الأقسام ثلاثة قال زين الدين والاحتياط أن يقال صلاح لا صحيح ولا حسن كما عبر هو أي أبو داود عن نفسه لكن لا يخفى أن قوله صالح يحتمل أنه للاحتجاج به كما قال الزين ويحتمل أنه صالح لأعم من ذلك من الاحتجاج والمتابعة والاستشهاد كما قاله الحافظ ابن حجر وقد قدمنا كلامه فإن أريد الأول فالصلاحية للاحتجاج لازمة للصحيح والحسن وإن أريد الثاني فالصلاحية للمتابعة ليست لازمة للاحتجاج فترددت عبارته بين كون ما سكت عنه صحيحا أو حسنا أو ضعيفا فالتعبير بصالح لم يفد تعين الاحتجاج حتى يكون صحيحا على رأي القدماء أو حسنا على رأي المتأخرين نعم كلامه قد أقاد أن ما سكت عنه فليس فيه وهن شديد فخرج به قسم من الضعيف لا يشمله صالح وتحقيق عبارته أن الذي سكت عنه ليس فيه وهن شديد وهو يحتمل أن لا وهن فيه أصلا فيكون صحيحا أو حسنا ويحتمل أن فيه وهنا لكنه غير شديد وحينئذ فالصواب أنه يحتمل الثلاثة بالحسن والصحة والوهن غير الشديد لا كما قاله ابن الصلاح ولا كما قاله ابن رشيد وجود الذهبي الكالم في شرط أبي داود في ترجمته من النبلاء ويأتي كلامه في آخر هذا البحث وقال الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري في شرح الترمذي لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله في ذلك شبه عمل مسلم زاد الزين الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره فإنه اجتنب الضعيف الواهي كما قال أبو داود إنه يبينه وأما مسلم فلم يأت به وأتى أي مسلم بالقسمين الأول وهو الصحيح والثاني وهو الحسن وحديث من مثل أي مسلم به سيأتي من مثل بهم قريبا من القسمين الأول والثاني موجود في كتابه كتاب مسلم دون القسم الثالث وهو الواهي بخلاف أبي داود فالثالث(1/204)
202 موجود في كتابه لكنه بينه قال أبو الفتح فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح مسلما من ذلك ما ألزم أبا داود فمعنى كلامهما واحد وبين معنى كون كلامهما واحد بقوله وقول أبي داود إنه يخرج في كتابه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه يعنى يشببه في الصحة أو يقاربا فيها قال أبو الفتح وهو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أ ي سليم وعطاء بن السائب وزياد بن أبي زياد لما شمل الكل من اسم العدالة والصدق ولفظ مسلم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان أي وإن تفاوت مالك وصاحباه وليث وصاحباه فإن الثلاثة الأولين أكمل في الحال والمرتبة من الثلاثة الآخرين ولا فرق بين الطريقين طريق مسلم وأبي داود غير أن مسلما شرطه الصحيح فتحرج من حديث الطبقة الثالثة وهو من اشتد وهنه فإنهم خرجوا من كتابه ومراده أنه بقي في مسلم طبقتان والرواة أهل الصحاح وأهل الحسان وأن أبا داود لم يشترطه أي شرط الصحيح فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه قال أبو الفتح وفي قول أبي داود إن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة لما تقتضيه صيغة أفعل في الأكثر إذ قد يخرج عن ذلك نادرا كما عرف في النحو وحينئذ فقد شرط أبو داود الصحة في كتابه لأن قوله صالح بمعنى صحيح كما أرشد إليه وقوله بعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها وسماها صالحة أصح من بعض فدل أنه أراد بصالح صحيح وأراد بالصحة المعنى الأعم الشامل للحسن كما أن مسلما أراده في تسمية كتابه بالصحيح هذا تقرير مراد أبي الفتح والتحقيق في البحث قدمناه قريبا وأبو الفتح سوى في هذا الكلام بين مسلم وسنن أبي داود قال زين الدين في شرح ألفيته بعد نقله لكلام أبي الفتح والجواب أي عن أبي الفتح في إلزامه لابن الصلاح أن مسلما التزم الصحة في كتابه فليس لنا أن(1/205)
203 نحكم على حديث خرجه أنه حسن عنده أي عند مسلم قلت لا يخفى أنه إنما ألزم ابن الصلاح أن يسمي ما سكت عنه أبو داود صحيحا لا أن يسمى ما أخرجه مسلم صحيحا فتأمل لما تقدم من قصور الحسن عن الصحيح فكيف يحكم على حديث في كتابه بالحسن بعد تصريحه باشتراطه صحة ما يخرجه نعم قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وقوله فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم بعد التزامه الصحة يدل على أن في كتابه الصحيح والأصح وإن كان قوله كل الصحيح يفهم أن بعض الصحيح عند ليث مثلا وأن كلا من الفريقين من مالك ومن ذكر معه وليث ومن ذكر معه أحاديثهم مستوية في الصحة لكن سياق كلامه يأبى هذا المفهوم وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو صالح والصالح قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا قلت يعني إذا حمل كلامه على أن مراده صالح للاحتجاج كما هو حمل زين الدين لا إذا حمل على الأعم من ذلك كما عرفت عند من يرى الحسن رتبة دون الصحيح قيد لقوله وقد يكون حسنا ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا ولا يثبت الحسن فكان الاحتياط أن لا يرتفع ما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثاني ويحتاج إلى نقل وهو أنه يرى ما ليس بضعيف صحيحا قال الحافظ ابن حجر بعد نقل جواب شيخه على أبي الفتح وقد أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه هذا الذي قال ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت فلا نعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول إنما يخرجها في المتابعات والشواهد انتهى قلت ابن الصلاح لم يقل في مسلم شيئا إنما ألزمه أبو الفتح أن يجعل مسلما كأبي داود ولا وجه عندي لإلزام أبي الفتح له أصلا وذلك أن مسلما شرط أن لا يخرج إلا الصحيح وسمى كتابه به وقال ما أدخلت فيه إلا ما صح وأبو داود(1/206)
204 يقول ما سكت عنه فهو صالح وهي عبارة ليست نصا في شرطيه الصحة في المسكوت عنه بخلاف مسلم فعبارته صريحة غير محتملة فلأي شيء يقول إن في حديثه ما يتحمل الحسن كما في حديث أبي داود وأما قول العلائي إن درجات الصحيح متفاوتة وإنه لا يعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها وليس في مسلم منها شيء فهو مؤذن بأنه إذا أطلق الصحيح فلا يشمل إلا درجاته التي ليس فيها درجة دنيا ومسلم قد شرط الصحة في كتابه وسماه صحيحا وحينئذ فلا يدخل الحسن في كتابه أصلا قال الحافظ ابن حجر ما معناه كلام العلائي صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه إن الرواة ثلاثة أقسام فالأول كمالك وشعبة ونظرائهما والثاني مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبي يزيد وأمثالهما وكل من القسمين مقبول لما يشمل الكل من اسم الصدق والطبقة الثالثة أحاديث المتروكين فقال القاضي عياض وتبعه النووي وغيره إن مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث وقال الحاكم والبيهقي وغيرهما لم يخرج مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث واخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن محمد بن ابراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم قال صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها هذا الذي قرأه على الناس يعني الصحيح والثاني يدخل فيه عكرمة وابن اسحق وأمثالهما والثالث يدخل فيه الضعفاء قلت وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني مروية في صحيحه لكن حرف المسألة هل احتج بهم كما احتج بأهل القسم الأول أم لا والحق أنه لم يخرج شيئا مما تفرد به الواحد منهم وإنما يحتج بأهل القسم الأول سواء انفردوا أم لا ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول وكذلك إذا كان لحديث(1/207)
205 أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك وهذا ظاهر بين في كتابه ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه إلا تراه يخرج لعطاء بن السائب في المتابعات وهو من المكثرين ومع ذلك فما له عنده سوى مواضع يسيرة وكذا محمد بن اسحق وهو من يحور الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا سنة أو سبعة ولم يخرج لليث بن أبي سليم ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا وهذا بخلاف أبي داود فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي قول أبي داود ما كان فيه وهن شديد بينته فأفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه ومن هنا تبين أن ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل هو على أقسام منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة إلى آخر ما قدمناه في هذا البحث عن الحافظ ابن حجر وبهذا التحقيق يتضح لك ما في قول المصنف قلت الذي تلخص من عبارة أبي الفتح اليعمري وزين الدين بن العراقي أن ما سكت عنه أبو داود فهو في المعنى والصحة مثل حديث مسلم لا أدري لم زاد لفظ المعنى فإن المعاني في الحديثين قد تختلف وإن جمعهما وصف الصحة ولكن مسلم يسمي الحسن صحيحا كالحاكم والمتقدمين هذا مبني على وجود القسم الثالث في كتابه وقد عرفت ما فيه فيحكم أي مسلم بأن كل ما في كتابه صحيح عنده على معنى أنه يجب العمل به وعلى معنى أنه ليس فيه ضعيف وإن كان فيه ما هو حسن عند من يجعل الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف لا يخفى أن هذا لا يتم على تحقيق الحافظ الذي قدمناه وجزمه بأن مسلما لم يخرج إلا لأهل القسم الأول وهم أعلى مراتب الصحيح وأخرج لأهل القسم الثاني ما يكون صحيحا لغيره فليس في كتابه إلا الصحيح لذاته وهم أهل القسم الأول والصحيح لغيره وهم أهل(1/208)
206 القسم الثاني المتعاضدة أحاديثهم فليس في كتابه ما هو من قسم الحسن ولما كان مقتضى كلام المصنف أن يوصف أحاديث سنن أبي داود بالصحة كما وصف أحاديث مسلم بها مع قوله بأنهما مستويان أجاب عن هذا بقوله وإنما لم يجعل أحاديث سنن أبي داود صحاحا عنده كما جعلنا أحاديث مسلم صحاحا عنده لأنه أي الشأن لم يعرف هل ذهب أبو داود مذهب الحاكم والمتقدمين في تسمية الحسان صحاحا أم لا أي بخلاف مسلم فقد عرفنا ما عنده من تسمية الحسان صحاحا هذا تقرير الكلام عند زين الدين أما أبو الفتح اليعمري فجعل ما سكت عنه أبو داود صحيحا كمسلم لا يعزب عنك أن أصل كلام أبي الفتح لابن الصلاح بأنه يلزمه أن أحاديث أبي داود التي سكت عنها صحيحه كالقسم الثاني من أحاديث مسلم لكنه ساق من عبارته ما دل على أن ما ألزم به ابن الصلاح يراه قويا فلذا قال المصنف إنه يسمى ما سكت عنه أبو داود صحيحا وساعده أي أبا الفتح الزين في مساواة أحاديث أبي داود لأحاديث مسلم وإنما اعتذر الزين من إطلاق التسمية على ما سكت عنه أبو داود بأنه صحيح مضافة التسمية إلى اعتقاد أبي داود وهذا الاختلاف الذي وقع بينهما أي بين الزين وأبي الفتح قليل الجدوى لم يقع إلا في تسمية ما سكت عنه عنده عند أبي داود هل كان عنده يسمى صحيحا أ م كان عنده أي أبي داود منقسما في التسمية إلى حسن وصحيح كاصطلاح المتأخرين والأكثرين فإنهم قصروا اسم الصحيح على أحد قسمي المقبول وخصوا ما دونه باسم الحسن وهذا يقتضي المساواة بين حديث مسلم وبين ما سكت عنه أبو داود من حديث السنن كل هذا مبني على أن مسلما قد سمى الحسن صحيحا وأنه لم يرد بتسمية كتابه الصحيح إلا بمعنى المقبول وأنه لم يرد الصحة الاصطلاحية الخاصة أو أرادها وغلب الحسن في التسمية ومبني على أن إطلاق صحيح على ما سكت(1/209)
207 عليه أبو داود كإطلاق حسن عليه لا فرق بينهما في المعنى وإنما الخلاف لفظي بين الشيخين أبي الفتح والزين ونعم بتم أنه لا فرق بينهما حيث يراد بالصحيح في هذا الإطلاق معنى الحسن قلت إلا أنه لا خفاء في أن ظاهر قول الزين في العذر عن عدم إطلاق الصحيح على ما سكت عليه أبو داود لتحقق الحسن دون الصحة وقوله فكان الاحتياط أن لا يرفع ما سكت عنه أبو داود إلى الصحيح أن المراد بالصحيح هو الأخص وأن إطلاقه على ما سكت عليه رفع له إلى رتبة هو منحط عنها وغير متحققة له وأبو الفتح قال يطلق الصحيح على ما سكت عليه أبو داود بالمعنى الأعم فيشمل الصحيح الأخص والحسن لأن قول أبي داود إن ما سكت عنه صالح يحتمل الأمرين كما أن مسلما أطلق الصحيح على الأمرين معا وشملهما كتابه فابن رشيد لا يريد بالصحيح في إلزامه ابن الصلاح إلا معناه الأخص إذ معناه المرادف للحسن قد صرح ابن الصلاح بأنه الذي يحتمله ما كست عنه أبو داود والتحقيق أن إلزام ابن رشيد لابن الصلاح مبني على أن قول أبي داود إن ما سكت عليه صالح يحتمل صلاحيته للصحة بالمعنى الأخص وبالمعنى الأعم الشامل للحسن فلما قال ابن الصلاح إنه يحمل ما سكت عليه على الحسن قال أبو الفتح ابن رشيد بل ويحتمل الصحة بالمعنى الأخص فحمله على أحد محتمليه تحكم ثم قال بعد ذلك إنه يلزم ابن الصلاح حيث جعل الصالح بمعنى السحن وحمل عليه أن يلزم مسلما بأن في حديثه الحسن لأنه أتى بعبارة كعبارة أبي داود فإن لفظ الصحيح الذي سمى به كتابه يحتمل على أنه أراد به الصحيح بمعناه الأخص ويحتمل أنه المراد الأعم كاحتمال لفظ صالح عند أبي داود ثم إنه لما صرح في كتابه أنه ينقسم بانقسام الرواة إلى صحيح وأنزل منه وأنه أتى بهما فيه دل على أنه أراد به المعنى الأعم كما أن أبا داود قال إن الصالح المسكوت عنه بعضه أصح من بعض دل كلام كل(1/210)
208 واحد منهما على أنهما أتيا في كتابيهما بأحاديث تفاوت رتبها إلى صحيح وأصح والأصح هو الصحيح بالمعنى الأخص والصحيح هو الحسن فقد أراد مسلم بصحيح وصالح الصحيح بالمعنى الأعم الشامل للقسمين كما أراد أبو داود بصالح وبعد هذا تعرف أن قول الزين إن صالح يحتمل الصحيح والحسن مراده الصحيح بالمعنى الأخص ومارد اليعمري أنه لا احتمال فيه بل هو ظاهر في المعنى الأعم كما دل له قول أبو داود إنه أتى في كتابه بالصحيح وما يشابهه وما يقاربه أي يشابهه ويقاربه في الصحة وقوله بعضها أصح من بعض وقد وجد في كتابه الحسن قطعا فمراده بصالح صحيح بالمعنى الأعم كما أراد مسلم وأن قوله مسلما التزم الصحة في كتابه يقول اليعمري نعم لكنه إلتزمها بمعناها الأعم لما قرره من كلام مسلم واشترطها أبو داود بذلك المعنى لقوله صالح وبعضها أصح من بعض إذا عرفت هذا عرفت أن جواب الزين عن اليعمري لم يوافق بحثه ومراده أن اليعمري يقول إن الصالح بمعنى الصحيح بالمعنى الأعم وإن أبا داود كغيره يقول بانقسام الحديث إلى الثلاثة الأقسام لكنه عبر بلفظة صالح عن قسمين وبين الثالث بقوله وما كان فيه وهن شديد وقوله فكان الاحتياط أن لا يرتفع ما سكت عنه إلى الصحيح يقال عليه قد عرفت أن مراد أبي داود بما سكت عنه أي عن بيان وهنه الشديد لأنه لم يسكت على غيره إذ قد حكم بأن الذي لم يبين وهنه صالح فالذي سكت عنه قد جعله صالحا وليس بمسكوت عنه بل موصوف بالصالح وهو محتمل للأمرين كما عرفت ومنه تعرف أن أبا داود قائل برأي المتأخرين والأكثرين ويحتمل أن يريد زين الدين إن حملنا صالحا في عبارة أبي داود على الصحيح بالمعنى الأعم رفع له إلى فوق رتبة الحسن لأنه يشمل الصحيح بالمعنى الأخص الأحوط وصفه بالتحقق وهو الحسن لكنه قال أبو الفتح إن أبا داود لم يرسم شيئا بالحسن فكيف يثبت له شيئا لم(1/211)
209 يقله سيما وقد قال إنه صالح وبعضه أصح من بعض وبهذا علم أن رأي أبي داود هو الثاني أعني إدراج الحسن في الصحيح هذا وقول المصنف إن الشيخين جعلا أحاديث مسلم وأبي داود مستوية لا يخلو عن تأمل لأن الزين قال إن مسلما شرط الصحة فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن لما تقدم من قصور رتبة الحسن ووصف أحاديث أبي داود المسكوت عنها بالحسن الذي رتبته أنقص من رتبة الصحيح فهذا يشعر بأنه لم يسو بينهما وأما أبو الفتح فظاهر عبارته التسوية فأما أن يريدوا أي أبو الفتح والزين ومن تبعهما المساواة بينهما أي بين أحاديثهما في أن كل واحد منهما واجب القبول عند مخرجه فذلك قريب ولا يقتضي المساواة المطلقة أو يريدوا أنهما سواء على الإطلاق فذلك غير صحيح لما ذكره من قوله فإن من أنس بعلم الأثر وطالع كتب الرجال أي تراجم العلماء في كتب الرجال التي وضعت لبيان أحوال الرواة وغيرهم لم يشك أن مسلما كان أكثر احتياطا من أبي داود في ا لرواة كما لا يشك أن البخاري كان اكثر احتياطا من مسلم وإن كان مقصد الكل من الثلاثة حسنا فإن من تساهل منهم لم يحمله على التساهل هوى وإنما حمله أنه رأى أن قبول ما رواه واجب ورده حرام فاحتاط كل منهم للمسلمين فجزاهم الله أفضل الجزاء ومن الأدلة أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء فإنه يعتمده قوله وقد روى النووي في شرح مسلم أن مسلما ذكر أنه ربما أخرج الحديث في الصحيح أي في كتابه المسمى بالصحيح بالإسناد الضعيف لعلوه وله إسناد صحيح معروف عند أهل هذا الشأن فقد تركه نزولا استغناء بشهرته وهذا يدل بالنص على أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء لم يدل على أنه اعتمدهم ولذا ضعف المحققون قول من يقول صحيح على شرط مسلم لمجرد إسناده إلى رواة مسلم فإنه ليس كل من في صحيحه من(1/212)
210 الرواة غير ضعيف إذ قد صرح بأن فيهم الضعيف لكن ليس فيه حديث ضعيف وهذا جواب واضح على اليعمري وزين الدين عما زعماه من مساواة حديث مسلم لحديث أبي داود واعلم أن المقصود بهذا الكلام هو التعريف بأن حديث مسلم عند التعارض أرجح من حديث أبي داود لمن لم يتمكن من البحث عن إسنادهما والكشف عما قيل في رجالهما وجميع ما يتعلق بهما من علوم الحديث وذلك وأي وجه ترجيح حديث مسلم عند التعارض لما تقدم من أن جماعة من الثقات قد ادعوا الإجماع على صحة كتاب مسلم يقال كيف تتم هذه الدعوى مع أنه قد صرح أنه قد ينزل عن الثقات وأهل الإتقان إلى من هو دونهم فلا بد من حمل الصحة المتفق عليها على ما يشمل مراتب الصحة التي يدخل فيها الحسن لكن ظاهر ما سلف للمصنف أن الإتقان على الصحة بالمعنى الأخص وقد تقدم عن الحافظ ابن حجر ما نقلناه من تحقيق حال أحاديث مسلم بما يرفع درجته عن أحاديث أبي داود ولم يختلف في الترجيح لما تلقته الأمة بالقبول على غيره من الصحيح المقبول فإن ما تلقته الأمة بالقبول أرجح من غيره من الصحيح الغير المتلقي والتلقي من الأمة وقع للصحيحين كما سلف ولم يقع التلقي لسنن أبي داود فأحاديث مسلم أرجح إذا عارضها صحيح غير البخاري فكيف إذا عارضها ما فيه الحسن ونحوه وتقدم البحث عن دعوى التلقي وإنما وقع الخلاف بين الأمة في أن المتلقي بالقبول هل يفيد العلم الاستدلالي أم لا وقد مر ذلك ومر ما فيه فمن قال إنه يفيد العلم قدم مسلما على الإطلاق سواء كان من أهل البحث أو من غيرهم ومن قال إنه يفيد الظن فإن لم يكن من أهل الكشف أي البحث عن الأسانيد قدمه أيضا لأنه يجب العمل بالظن عند عدم أقوى منه وإن كان من أهل الكشف بحث عن أسانيد(1/213)
211 المتعارضين من حديث مسلم وحديث أبي داود فإن حصل له من البحث ظن أرجح إما بترجيح حديث مسلم أو ترجيح حديث أبي داود من الظن الحاصل من تلقي الأمة بالقبول صار إليه إلى ما رجع له لأنه لا يعمل بظن مرجوح عند وجود ظن راجح وإن كان تلقي الأمة بالقبول أرجح في ظنه عمل به وأهل الكشف هم المتمكنون من النظر في الأسانيد والكشف عن أحوال الرواة فإن قيل قد نقل الحافظ ابن النحوي في البدر المنير والحافظ زين الدين في التبصرة عن الحافظ أبي عبد الله بن منده أنه قال عن أبي داود إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال وقدمنا هذا قريبا وهذا يقتضي أن في ما سكت عنه ضعيفا عنده لا يجوز العمل به لأنه لا يعمل إلا بصحيح أو حسن وهذا خارج عنهما لأنه ضعيف لم يعضده خبر آخر بل لم نجد غيره وذلك الضعيف الذي صرح أبو داود بإخراجه في كتابه غير متميز عن غيره فوجب ترك الجميع أي جميع ما سكت عنه لأنه وإن كان فيه ما يصح به العمل لكنه لم يتميز عما لا يصح ولم يحل الاحتجاج بشيء منها إلا بعد الكشف عن أحوال رجالها في كتب الجرح والتعديل وهذا خلاف ما عليه العمل من العلماء فإنهم يحتجون بما سكت عنه أبو داود كما تقدم وخلاف ما نص عليه الحفاظ كابن الصلاح والنووي وزين الدين بن العراقي وسراج الدين بن النحوي وغيرهم فإنهم قالوا نحتج بما سكت عنه أبو داود إلا أن يظهر في بعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك كما نقله المصنف عن النووي قريبا وتقدم الكلام في أن ما سكت عنه أنه يحتمل الصحة والحسن قلت الجواب أن ذلك لا يشكل إلا على من كان لا يعرف ما اصطلح عليه القوم في باب مراتب الجرح والتعديل وغيره من أبواب علوم الحديث وأنت(1/214)
212 إذا بلغت هذا الباب من الجرح والتعديل عرفت أنهم يطلقون الضعيف على العدل في دينه المتوسط في مراتب الحفظ والإتقان لا يخفى أنهم إن أرادوا هذه فهذه صفة رواة الحسن الذي خف ضبطهم وقد نص زين الدين في مراتب التجريح الخمس على أن الضعيف وهو في المرتبة الرابعة منها أي من مراتب التجريح يكتب حديثه وحديث من في مرتبته لا فائدة لزيادته ومن في المرتبة الخامسة للاعتبار بهم وقد تقدم للمصنف هذا وتقدم ما عليه دون أهل المراتب المتقدمة من المجروحين فإنه لا يكتب حديثهم لذلك وروى عن أبي حاتم في أهل مراتب التعديل الخمس أن أهل المرتبة الرابعة منهم يكتب حديثهم للاعتبار بهم وهم أي أهل المرتبة من مراتب التعديل من قيل فيه إنه صالح الحديث قد عرفت أنه قال أبو داود إن ما سكت عنه من الحديث فإنه صالح وجعلوا هذه العبارة تحتمل الصحة والحسن أو محله الصدق أو شيخ أو وسط أو شيخ وسط أو مقارب الحديث أو نحو ذلك بفتح الراء وكسرها كما قال الزين واعلم أن ابن معين قال من قيل فيه إنه ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه نقله عن زين الدين وذكر في ذلك خلافا سيأتي بيانه كما سيأتي إن شاء الله في موضعه فعرفت بهذا أن الضعيف في رابعة مراتب الجرح هو صالح الحديث في رابعة مراتب التعديل ولكنه يوصف بالضعف بالنظر إلى من فوقه من الثقات الإثبات المتقنين ويوصف بصلاح الحديث بالنظر إلى صدقه وترفعه عن مرتبة المغفلين المكثرين من الخطأ وترفعه عن مرتبة المجروحين والمتهمين ويدل على ما ذكرته ما ذكروه في أقسام الضعيف كما يأتي من أن الحديث قد يسمى ضعيفا عندهم إذا كان من طريق رجال الحسن المستورين غير أنه لم يرد له شاهد ولا متابع ويدل على ما ذكرته ما تقدم من قول أبي الفتح بن سيد الناس إن شرط أبي داود كشرط مسلم لكنه لا يخفي أنه لم يرفضه المصنف فيما سلف ثم هذا كله يتم إن كان مراد أبي داود بقوله إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد(1/215)
213 في الباب غيره الإسناد الذي ليس فيه وهن شديد الذي التزم أنه يبينه وهذا محل تتبع لما في سنن أبي داود و يدل له ما رواه أبو الفتح عن مسلم قوله لي كل الصحيح تجده عند مثل مالك وشعبة وسفيان واحتاج أ ينزل إلى مثل ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان فدل هذا على أن رواة أبي هريرة الذي سكت عنهم من أهل الصدق والعدالة عنده وأن تفاوتهم إنما هو في الحفظ والإتقان هذا مبني على أنه لا فرق بين رجال مسلم وأبي داود فإن المصنف جعل عبارة مسلم في رواته دليلا على أن رواة أبي داود يتصفون بصفة رواة مسلم وهذا ينقض ما سلف له قريبا ولا يتم على كل تقدير لما علم بالخبرة أن في رجال أبي داود ممن يعتمدهم في الأصول رجالا لا يرتضيهم مسلم إلا في التوابع والشواهد كما قد سبقت أمثلة من ذلك فيما قدمناه ولا يتم قوله أيضا والضعيف منهم أي من رواة أبي داود إنما هو ضعيف الحفظ ضعفا متوسطا لا يحطه إلى مرتبة من لا يكتب للاعتبار لكنه لا يكون حجة يعمل بحديثه ولهذا جعلوا من قيل فيه أنه ضعيف بمرة في ثالثة مراتب الحرج وجعلوه ممن لا يكتب حديثه للاعتبار ومعنى الاعتبار عندهم الطلب التوابع والشواهد التي يعرف بها أن للحديث أصلا ويترقى حديث الضعفاء إلى مرتبة الحسن وسوف يأتي تعريف معنى الشواهد والتوابع والفرق بينهما في بابه إن شاء الله ويأتي تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله تعالى إلا أنك قد عرفت أن أبا داود قال إنه يذكر الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره فيبني عليه حكم ولذا قال إنه أولى من الرأي والرأي إنما يحتاج إليه عند رواة الحكم فهو لا يذكره للاعتبار بل ليبني عليه أحكاما ثم إنه مبني على أنه لم يجد في الباب غيره وأي شيء يعتبر هو به وإن أريد أن غير أبي داود من الأئمة يعتبر به فلا يكون عذرا لأبي داود يأت به إلا للحكم به فالإسناد الضعيف على هذا واجب القبول عند كثير من(1/216)
214 الأصوليين والفقهاء وإن لم يتابع راويه على روايته ولا يكون حسنا لذاته ولا لغيره وأما المحدثون فيذهبون إلى قبوله متى جمع شرائط الحديث الحسن لذاته أو لغيره إلا البخاري فلم يقبله كما تقدم وبوضح ما ذكرته أن الإسناد الضعيف الذي ذكره ابن منده في السنن مقبول عندهم هو ما قدمناه عن أبي داود من قوله إن ما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض لا يعزبعنك أن نقل ابن منده عن أبي داود أنه قال يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهذا نص منه أنه يخرج الضعيف وقال فيما سكت عنه إنه صالح ثم قال وبعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها أصح من بعض فعبارته تشعر بأن الذي سكت عنه صحيح أو أصح والذي أخرجه عند عدم وجود غير ورآه أولى من الرأي ضعيف فكيف يقول المصنف إن الذي ذكره ابن منده هو الذي قدمه عن أبي داود فليتأمل ولهذا قال ابن منده الأولى قال أبو داود لأن ابن منده راو للفظه ومراده قال راويا إنه أي أبا داود يورد الإسناد الضعيف ولم يقل الحديث الضعيف لأن الحديث في نفسه قد يقوي متنه لاجتماع الأسانيد الضعيفة إذا كان رواتها في مرتبة رجال الحسن ولم يكونوا ضعفاء بمرة لكنه غير خاف عليك أنه قال أبو داود إنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد غره فأين اجتماع الأسانيد الضعيفة التي ترقيه إلى الحسن إذ لو كان شيء يرقيه إلى مرتبة الحسن لما قال إذا لم يجد غيره وإن أراد أن غير أبي داود وجد له أسانيد عاضدة لحديثه الذي لم يجد غيره فلا ينفع ذلك بالنظر إلى أبي داود إذ قد أتى بضعيف لم يعضده شيء عنده ورتب عليه حكما ومنه تعرف ما في قوله ومن نفائس هذا الفصل أن لا تظن أيها المخاطب كما يرشد إليه قوله واهما الانفراد في أحاديث السنن إذا لم يورده أ ي الحديث الدال عليه الأحاديث أبو داود إلا بإسناد من الأسانيد الضعيفة واهما من ظن الانفراد في(1/217)
215 أحاديث السنن أنه أي أبا داود إنما ترك الشواهد والمتابعات لعدمها عند أبي داود فيظن الانفراد يظن الواهم أن شرط الحديث الحسن وجودها أي الشواهد والمتابعات فليس كذلك أي ليس كما ظنه من أن وجودها شرط فنصه أي أبي داود على أن ما سكت عنه فهو صالح يقتضي معرفته المتابعات وشواهد تقويه فيه بحثان الأول إن هذا الذي سكت عنه هو الذي أخبر عنه بأنه صالح والصالح صحيح أو أصح عنده كما عرفت والثاني أنه لم يسكت عما لم يجد في الباب غيره بل قال إنه ضعيف نعم يشكل وجود حديث في السنن مسكوت عنه فإنه يحتمل أن سكوته عنه لكونه صالحا أو أنه ضعيف فلا يعرف الفرق بينهما إلا بأن نجد حديثا ليس في الباب غيره فيحكم بضعفه ثم إنه مبني على أنه لا يأتي في باب من أبواب كتابه بما وهنه شديد وإن لم تجد إلا هو وهذا كله يفتقر إلى تتبع كتاب أبي داود لأن ما سكت عنه قد احتمل الضعف واحتمل أنه صالح من باب معرفة اصطلاحهم ومن باب الحمل على السلامة هذا كلام حسن لكنه يقال عليه إنه قد صرح أبو داود أنه يأتي بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره من تابع أو شاهد فحمله على السلامة إنما هو بقبول خبره عن نفسه فإن مثل أبي داود مع جلالته ومعرفته وأمانته يجب قبول خبره عن نفسه كما يجب قبول ما أخبر به عن غيره وقد أخبر عن نفسه بما عرفت وأما قوله لا يطلق ذلك أي لفظ صالح فيها سكت عنه على ما لا يستحق اسم الصحيح أو الحسن في عرفهم الشائع فقد عرفت أنه لم يطلقه إلا على صحيح أو حسن فكيف وقد روى الحافظ سراج الدين بن النحوي في مقدمات كتابه البدر المنير عن أبي داود أنه يخرج في الباب أصح الأسانيد ويترك بقيتها تخفيفا على طلبة هذا العلم الشريف هذا محمول على ما يخرجه في باب أحاديث الأحكام التي يذكر فيها كثيرة وأما ما يخرجه في باب أو في حكم لا يجد فيه إلا حديثا واحدا(1/218)
216 فإنه قد صرح بأنه ضعيف وهذا يدل على أنه إنما نص على صلاحية ما سكت عنه مما إسناده ضعيف لم عرف من شواهده قد عرفت أنه نص على صلاحية ما سكت عنه ونص على أنه يخرج الضعيف الذي لا يجد غيره في الباب ونص على أنه يخرج ما اشتد وهنه مع بيانه وإذا كان هذا نصه فليس لنا التحكم بأن ما سكت عنه فهو صحيح أو حسن حتى يعلم أن في الباب غيره إذ هو الذي صرح بأنه يخرجه مع ضعفه نعم الذي لا يجد في الباب غيره قليل بالنسبة إلى مقابله فقد يقال الحكم للأعم الأغلب وهو الصلاحية للمسكوت عنه إلا أن هذا لا يكفي في إثبات الأحكام وأما الذهبي كأنه قسيم إماما تقدم من الأقاويل أي هذا ما قال أئمة هذا الشأن غير الحافظ الذهبي فقال في ترجمة أبي داود من كتابه النبلاء قال أبو داود ذكرت في السنن الصحيح وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته قال الذهبي وقد وفى بذلك رحمه الله بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد غير محتمل وكاسر بالسين المهملة في القاموس كسر من طرفه غض أي غض أبو داود عما ضعفه خفيف محتمل غير شديد فلا يلزم من سكوته والحال عنده هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده لأنه قد سكت عما فيه ضعف محتمل وليس هذا بداخل في باب الحسن ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح وهو الحسن لذاته فإنه إنما يعتبر فيه خفة الضبط كما عرفت فإنه الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء أو الذي يرغب عنه البخاري كان الأولى الإتيان بكلمة الواو عوضا عن أو لأن الذي يرغب عنه البخاري هو الحسن لذاته ويمشيه مسلم وبالعكس لا أدري ما يراد به فينظر إذ المعروف أن البخاري لا يعمل بالحسن لذاته كما تقدم ومسلم يدخله في قسم الصحيح وعكس هذا ما أدرى ما أراد به الذهبي فهو أي المذكور بالحسن لذاته داخل في أدنى مراتب الصحيح(1/219)
217 كما قد عرفته من كلام العلائي وغيره فإنه أي الحسن لذاته لو انحط عن ذلك أي عن شرائطه بالاصطلاح المولد لخرج الاحتجاج وكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان وذلك نحو من شطر الكتاب وهذا كله تقرير لكون ما كاسر أبو داود عن ضعفه المحتمل وسكت عنه لا يدخل تحت الحسن ولا يحتج به لأنه قد انحط عن رتبته وهذا خلاف ما قاله المصنف في تقريره ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين كأن المراد به مسلم ورغب عنه الآخر البخاري ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيدا سالما من علة وشذوذ ثم يليه ما كان إسناده صالحا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا يعضد كل منهما الآخر ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص في حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبا ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه فهذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبا وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته والله أعلم انتهى بلفظه واعلم أنه قد تحصل من كلام الذهبي هذا أن أحاديث أبي داود على ستة أقسام على شرط الشيخين على شرط أحدهما ما كان إسناده ضعيفا لضعف حفظ راويه ما كان بين الضعف وأنت إذا قابلت بين هذا وبين كلام المصنف وجدت بين الكلامين اختلافا وكذا إذا قابلت بينه وبين ما نقل عن أبي داود وإنما هذا إخبار من الذهبي عن حقيقة أحاديث السنن باعتبار ممارسته لها لا باعتبار كلام مؤلفها وكأنه لهذا قال المصنف وأما الذهبي كما هو معروف من عوائد الحفاظ ولقد قال بعض حفاظ الحديث إن الحديث إذا لم يكن عندي من مائة طريق فأنا فيه يتيم اليتيم الفرد كما في القاموس وكأن هذا من قوله كما هو معروف إلى هنا معلق بقوله وأما الذهبي وفيه نوع خفاء وتعلقه بقوله لما عرف من شواهده أظهر وإن كان قد بعد بتوسيطه بنقل كلام الذهبي فهذا الكلام الذي أوردته يعرف شرط أبي داود(1/220)
218 ومن أحب الكشف عما سكت عنه فهو أولى وأقرب إلى التحقيق التام وهو طريقة أهل الإتقان الإتقان من طلبة هذا الشأن وأعون كتاب على ذلك أي على الكشف عن أحاديث أبي داود التي سكت عليها كتاب الأطراف للحفظ الكبير حمال الدين أبي الحجاج المزي بضم الميم وكسرها كما في القاموس وآخر زاي بلدة بدمشق لمعرفة طرق الحديث وكتاب الميزان للذهبي للكشف عن أحوال الرجال وأقرب منها مختصر الحافظ عبد العظيم أي المنذرين لسنن أبي داود فإنه تكلم على جميع ما فيها مما يحتمل الكلام وبين ما فيها مما في الصحيحين وغيرهما وصححه أو حسنه أبو عيسى الترمذي وجود الكلام على حديثهما غاية التجويد وجاء كتابه مع كثرة فوائده صغير الحجم لم يزد على مجلد ذكر الحافظ المذكور في خطبة مختصريه المذكور عن ابن داسة أنه قال سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ويكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث قوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات والثاني قوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث قوله لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والرابع الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات الحديث ثم ذكر فيها أيضا أنه حكى أبو عبد الله محمد بن اسحق بن منده الحافظ أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا إرسال وحكى عن أبي داود أنه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه انتهى وأعلم أنه قد أطال المصنف رحمه الله الكلام على شرط أبي داود ولم يسفر وجه إطالته عن شيء يعتمد عليه
219 مسألة في بيان شرط النسائي(1/221)
شرط النسائي هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في القاموس أن نسا بلدة وبلدة بسرخس ذكره في المعتل ولم يذكره في المهموز واعلم أن من الناس من يفضل كتاب النسائي في القوة والصحة على سنن أبي داود وقد أطلق الصحة عليه أو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدار قطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد قال ابن الصلاح وقد أطلق الخطيب السلفى الصحة على كتاب النسائي انتهى قال الحافظ ابن حجر أطلق الحاكم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي وقال أبو عبد الله بن منده الذي خرجوا الصحيح أربعة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأشار إلى ذلك أبو على بن السكن وقد روى أن له شرطا أعز من شرط البخاري قال الحافظ الذهبي في التذكرة إنه قال ابن طاهر سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه فقل قد ضعفه النسائي فقال يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم ولكنه لم يصح عنه دعوى ذلك ولا ذكر ذلك الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث ولا الحافظ زين الدين بن العراقي في التبصرة بل نقل زين الدين في التذكرة عن ابن منده أن شرط النسائي أن يخرج حديث من لم يجمع على تركه قد قدمنا أن هذا قاله الحافظ المنذري نقلا عن أبي داود في خطبة مختصر السنن ولكنه قال الحافظ ابن حجر إنما أراد بذلك إجماعا خاصا وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلوا عن متشددة ومتوسطة فمن الأولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه(1/222)
220 من الثانية يحيى بن القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد من عبد الرحمن ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد من أحمد ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه ثم قال ابن حجر فإذا تقرر ذلك ظهر أن ما يبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي يجتنب النسائي إخراج حديثه انتهى قال زين الدين هذا مذهب متسع قد عرفت مما نقلناه عن ابن حجر ما لا يتم معه هذا ذكر ذلك الذهبي في تذكرته أي تذكرة الحفاظ في ترجمة النسائي عن ابن طاهر عن سعد بن علي الزجاني قوله والله أعلم قد عرفته مما نقلناه من التذكرة عن ابن طاهر عن الزنجاني وأن دعواه أن شرط النسائي أشد من شرط البخاري ومسلم وظاهر كلام المصنف أن الذي في ترجمة النسائي من التذكرة هو هذا المنقول عن ابن منده ولم أجده في التذكرة في ترجمة النسائي وقال الذهبي في النبلاء في ترجمة النسائي إن ذلك صحيح أي ما قاله سعد الزنجاني وقال في النسائي هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم والترمذي وأبي داود وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة هذا كلام الذهبي وهو ينافي(1/223)
221 ما تقدم من أنه لم يصح عن النسائي دعوى ذلك إلا أن يقال أن النسائي لم يدع ذلك لكن الأئمة الحفاظ تتبعوا كتابه فوجدوه بهذه المثابة فحكموا له بهذا الحكم كما قلناه في شرط الشيخين وقد تكلم الحافظ سراج الدين أي ابن النحوي في أول البدر المنير على شرطه واستقصى كلام الحفاظ فيه وروى أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامعه يعني جامع الأصول أن النسائي سئل قال ابن الأثير إنه سأله عنه بعض الأمراء أي عن حديث سننه الكبرى أصحيح هو فقال لا فقيل له اختصر لنا الصحيح منه وحده فصنف كتاب المجتبي واقتصر فيه على ذكر الصحيح مما في السنن انتهى قال ابن الأثير إن ترك كل حديث مما تكلم في إسناده بالتعليل انتهى قلت والمجتبي هو السنن الصغرى ولهذا يقول المحدثون رواه النسائي في سننه الكبرى وهذا يقوي أنه لا يجوز العمل بحديث السنن الكبرى من غير بحث لا يخفى أنه قال أئمة هذا الشأن في سنن النسائي الكبرى بقولين الأول أن شرطه فيها أشد من شرط الشيخين الثاني أن شرطه فيها شرط سنن أبي داود وهو إخراج حديث من لم يجمع على تركه والمصنف قد أجاز العمل بما سكت عليه أبو داود بما طول فيه الكلام فليجعل سنن النسائي مثله وأما السنن الصغرى المسماة بكتاب المجتبي فيجوز أي العمل بما فيها من غير بحث ولعلها هي التي فصلت أي التي قيل إن رجالها شرط النسائي فيهم أشد من شرط البخاري لكن قال الذهبي في ترجمة النسائي في النبلاء إن هذه الرواية لم تصح أي التي ذكرها ابن الأثير بل المجتبي اختصار ابن السني تلميذ النسائي وقال في ترجمة ابن السني في تذكرة الحفاظ إ ابن السني صاحب كتاب عمل يوم وليلة وراوي سنن النسائي كان دينا خيرا صدوقا إلى أن قال واختصر السنن وسماه المجتبي انتهى بلفظه ولم يذكر في ترجمة النسائي أنه اختصر السنن قال الذهبي وهذا هو الذي وقع لنا من سننه سمعته ملفقا من(1/224)
222 جماعة سمعوه من ابن باقا ضبط بالقلم بالموحدة فألف فقاف بروايته عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه إجازة لفوت له محدد أي معروف حده في الأصل متعلق بمحدد قال أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حميد الدروي ثنا القاضي أحمد بن الحسين الكار أنا ابن السني عنه قال الذهبي وكتاب خصائص علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الذي ألفه النسائي بسبب دخوله دمشق فإنه قال دخلت دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله ذكره الذهبي في ترجمته في التذكرة داخل في سننه الكبرى وكأنه منه أخذ ابن السني كتابه عمل يوم وليلة زاد فيه ما ليس من السنن فمن أحب البحث عن حديثه والكشف عن رجاله استعان بمطالعة أطراف المزي وميزان الذهبي كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في سنن أبي داود وتقدم تحقيقه
مسألة في بيان شرط ابن ماجه
شرط ابن ماجه قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمته الحافظ الكبير المفسر هو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني هو صاحب السنن والتفسير والتاريخ لقزوين وأما سنن ابن ماجه فإنه دون هذين الجامعين يعني كتاب أبي داود وكتاب النسائي والبحث عن أحاديثها لازم وفيها حديث(1/225)
223 موضوع في أحاديث الفضائل وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن ماجه ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة وحفظ هذا الكلام نقله الذهبي في التذكرة عن أبي يعلي الخليلي لا من كلامه نفسه إلى أن قال وسنن أبي عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره بأحاديث واهية ليست بالكثيرة انتهى كلام الحافظ الذهبي ونقل الذهبي عن ابن ماجه أنه قال عرضت هذه السنن على أبى زرعة فنظر فيه وقال أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ثم قال لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف وأقر هذا الكلام في التذكرة ولكنه قال الذهبي في ترجمته في النبلاء وقول أبي زرعة لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في سنده ضعف أو نحو ذلك إن صح كأنما عنى بثلاثين حديثا الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف وقال فيه يف النبلاء كان حافظا ناقدا صادقا واسع العلم وإنما غض بالغين والضاد المعجمتين يقال غض منه نقص ووضع من قدره كما في القاموس من رتبة سننه ما فيها من المناكير وقليل من الموضوعات وإنما أراد الذهبي بقوله قليل تقليل الأحاديث الباطلة ولذا قال من الموضوعات وأما الأحاديث الضعيفة في عرف أهل الحديث ففيه قدر ألف حديث منها كما ذكر في النبلاء في ترجمة ابن ماجه وقدر بتشديد المهملة أي الذهبي الباطلة بعشرين حديثا فيحرر من النبلاء قال الذهبي في التذكرة وعدد كتب سننه اثنان وثلاثون كتابا قال أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجه في السنن ألف وخمسمائة باب وجملة ما فيها أربعة آلاف حديث انتهى وقال ابن حجر في الفهرسة إنه قال الحافظ المزي إن الغالب فيما انفرد به ابن ماجه الضعف ولذا جرى كثير من القدماء(1/226)
224 على إضافة الموطأ أو غيره إلى الخمسة قال الحافظ أول من أضاف ابن ماجه إلى الخمسة أبو الفضل بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف وكذا في شروط الأئمة الستة ثم الحافظ عبد الغني في كتابه في أسماء الرجال الذي هذا به الحافظ المزي وسبب تقديم هؤلاء له على الموطأ كثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ وممن اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثمالزي مع رجالها
مسألة في الكلام على جامع الترمذي
وأما جامع الترمذي فلم يتعرض كأنه يريد الذهبي لذكر شرطه لأنه أي الترمذي قد أبان عن نفسه وذكر الصحيح والحسن والغريب أي ذكره في كل حديث يسوقه فإن قلت قد يجمع بين الصفات الثلاث ومع تنافيها عرفا لا يعرف الناظر في كتابه مراده فيها قلت سيأتي الجواب عن هذا في كلام المنصف وما لم يصححه ول يحسنه فالظاهر أنه عنده ليس بحجة على أنه لا يعزب عنك ما أسلفناه فيما صححه أو حسنه من البحث فتذكر فمن أحب أن يعتمد على ما لم ينص الترمذي على صحته أو حسنه لزمه البحث عن رجال إسناده وقد صنف في الحديث غير واحد من الحفاظ كما هو معروف في مثل تذكرة الحفاظ وغيرها وإيراده لهذه الجملة لدفع ما يتوهم أنه لم يصنف في الأحاديث(1/227)
224 فالمشهور أن المنقطع ما سقط عن رواته راو واحد غير الصحابي انتهى إذ لو كان الساقط الصحابي لكان مرسلا واعلم أنهم يعلون الحديث بالانقطاع وتارة يضعفون به الإسناد ذكره زين الدين ولم يذكره ابن الصلاح نعم في كلامه ما يفيده في الجملة والثاني قوله وحكى الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه أي المنقطع ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد وإن كان الساقط أكثر من واحد اثنان فصاعدا وهي عبارة الزين في موضع واحد سمي معضلا وإن لا يكن أكثر من واحد فمنقطع في موضعين هذا ظاهر العبارة وليس هذا المفاد هو المراد بل المراد وإلا يكن الساقط هو المتصف بأنه أكثر من واحد في موضع واحد بل كان في موضعين مختلفين مفترقين فهو منقطع في موضعين كما تدل له عبارة الزين فإنه قال أما إذا سقط واحد من بين رجلين ثم سقط من موضع آخر من الإسناد واحد آخر فهو منقطع في موضعين ثم قال لم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه وإذا كان الانقطاع بأكثر من اثنين قيل منقطع بثلاثة أو أربعة أو نحوهما ويسمى المعضل أيضا منقطعا فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا إذ قد شرط فيه سقوط راو غير صاحبي والمعضل شرط فيه سقوط أكثر من واحد في موضع واحد فقد صدق على ما سقط فيه أكثر من واحد أنه سقط فيه الواحد فكلما سقط أكثر من واحد فهو منقطع ومعضل وأما ما لم يسقط فيه غير واحد فهو منقطع لا غير فعلى هذا كان ينبغي أن يرسم المنقطع بأنه سقط من رواته راو أو أكثر سواء كان على جهة التوالي أو لا قال الزين بعد كلام الحاكم فوق الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعا اعلم أن الحاكم ذكر في النوع التاسع من أنواع علوم الحديث أن المنقطع ثلاثة أنواع ثم قال مثال نوع منها ثم ساق حديثا فيه عن أبي العلاء وهو ابن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس قال(1/228)
225 كتب معتبرة إلا ما ذكر وكتب التفاسير للقرآن والرقائق كالكتب الوعظية من نحو الأحياء للغزالي وإن كان يشمله أيضا قوله والفقه فإنه جامع لذلك مع غيره والأصول وغيرها تشتمل على كثير من الحديث إذ علم الحديث هو الأدلة للأحكام والأصول والوعظ ولبيان معاني القرآن وحكم جميع ذلك موقوف أي العمل به على البحث عن صحة الحديث وحسنه وضعفه وكأن مراده بجميع ذلك ما عدا ما في الصحيحين نحوهما مما حكم الأئمة بصحته فإن هذه الكتب فيها من أحاديث الصحيحين والنظر في الرجال عند من لا يقبل المرسل مراده بالمرسل ما هو أعم مما هو معروف عند أئمة الحديث وللمرسل شروط تأتي في بابه إن شاء الله تعالى في أواخر الكتاب وبالجملة فمن روى حديثا من أئمة الحديث أو غيرهم من الفقهاء وسائر أهل العلم فإنه لا يجوز القوم بصحة الحديث بمجرد رواية من رواه وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة إذ مجرد روايته ليس تصحيحا إلا بنص منه أو من غيره على صحته وحده أو على صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية كما سيأتي في المرسل فأما مجرد الرواية فليست طريقا إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك ولأن أكثر الثقات ما زالوا يروون الحديث الضعيفة وسوف يأتي ذكر هذه المسألة في بحث هل رواية العدل تعديل وإنما ذكرت شروط أهل السنن كلهم كأنه جواب عما يقال إن أهل علوم الحديث لم يذكروا إلا شرط الشيخين وإن لم يكن من جملة علوم الحديث كأنه يريد مما لم يذكره من ألف في هذا الفن وإلا فإنها من علوم الحديث لأن ابن الصلاح وزين الدين ذكرا شروط البخاري ومسلم وأبي داود وبه تعرف أن مراد المصنف بقوله شروط أهل السنن ليس إلا النسائي وابن ماجه وأبو داود قد ذكروا شرطه والترمذي لا شرط له كما ذكره(1/229)
226 المصنف والمستدركين على البخاري ومسلم المستخرجين لأحاديثهما الظاهر في عبارته أن المستخرجين صفة للمستدركين ولكن قد عرفت مما سبق أن المستدركين هم الذي تتبعوا أحاديث كتابي الشيخين وانتقدوا رجالا من رواتهما كما صنعه الدار قطني وغيره وأما المستخرجون فليسوا بمستدركين كما عرف من ذكرهم وذكر شروطهم فيما تقدم على أن المستدركين لم يذكر لهم شرطا فيما سبق ولا ذكره الزين ولا ابن الصلاح وذكر زين الدين شرط النسائي باختصار كثير فرأيت ذكر شروطهم الجميع أكثر مناسبة وأكمل إفادة والله أعلم
مسألة في ذكر شرط المسانيد
شرط المسانيد جمع مسند والمعروف في التصريف جمع مفعل على مفاعل ولكن جمعه مع الياء شائع قال زين الدين في ألفيته في هذا البحث ودونها في رتبة ما جعلا على المسانيد فيدعى الجفلى بفتح الجيم والفاء معا مقصور وهي الدعوى العامة للطعام فإن الدعوة له عند العرب قسمين الجفلى وهي العامة التقوى وهي الخاصة واعلم أن أسانيد دون السنن في القوة وأبعد منها عن رتبة الصحة ولذا قال الزين ودونها أي دون السنن في الرتبة وفسر الزين الرتبة بالصحة كما قاله المصنف ووجهه أن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصحابي جميعه فيجمع الضعيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب فإن مؤلفه لا يورده لإثبات دعواه في الترجمة(1/230)
227 إلا الحديث المقبول وسيشير المصنف إلى هذا ولا خفاء أن عبارتهما تفيد أن السنن كلها بعيدة عن رتبة الصحة والذي قرره قريبا خلاف هذا وكأنه من باب التغليب قلت إلا أنه لإخفاء أن في المسانيد حسانا بل فيها صحيح وحسن بعضه قد يكون أرجح من أحاديث السنن فالتحقيق أنه لا يتم ترجيح مجموع من السنن على مجموع من المسانيد كمسند أحمد مثلا على مجموع من السنن كسنن أبي داود وإنما يتم ترجيح أفراد على أفراد كحديث معين من السنن على حديث من أحاديث المسند أو عشرة على عشرة أو نحو ذلك وإذا عرفت هذا فينبغي أن يحمل كلامهم على أن أغلب أحاديث السنن أرفع رتبة من أغلب أحاديث المسانيد إلا أن فيه بعد هذا بحثا وهو أنها تقل الفائدة في هذا الترجيح عند العمل فإنه إذا تعارض مثلا حديث من مسند أحمد وحديث من سنن ابن ماجه وقد علم أن فيه ضعيفا كثيرا وعلم أن في مسند أحمد حسنا فلا ترجيح لحديث ابن ماجه لجواز أنه من الأحاديث الضعيفة وجواز أن حديث المسند من الحسان فيتوقف العمل على البحث فعرفت أنه لم يأت الترجيح الجملى بفائدة ولا يقال فائدته أن يحمل الفرد المتنازع فيه على الأعم الأغلب كما عرف في الأصول والأغلب في أحاديث ابن ماجه الحسن وفي أحاديث مسند أحمد(1/231)
228 الضعيف لأنا نقول مثل هذا لا يكفي في إثبات الأحكام الشرعية إنما يجري ذلك في الأبحاث اللفظية كقولهم إذا تعارض الاشتراك والمجاز حمل اللفظ على المجاز لأنه الأغلب ولا يقال الأحكام اللفظية ترتب عليها أيضا أحكام شرعية فإذا كفى ذلك هنالك فليكف هنا فيكون هذا فائدة الترجيح الجملى لأنا نقوم هذا لا يطرد واعلم أني قلت هذا بحثا مني وبعد أعوام رأيت البقاعي قد نبه على هذا فقال بعد بيان كلام الزين والتفرقة بين السنن والمسانيد ما لفظه وليس ذلك من مسلم طردا ولا عكسا فإنه قد ينتقي صاحب المسند فلا يذكر إلا مقبولا كما صنع الإمام أحمد فإنه قال انتقيته من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث فما كان ينبغي أن يمثل به لما دون السنن وانه قال أي الزين إن في مسند أحمد الموضوع وقد هي شيخنا ذلك وصنف كتابا في المسند وكذا البزار انتقى مسنده وإذا ذكر ضعيفا بين حاله في بعض الأحايين وربما اعتذر عن إيراده بأنه ما وجد في الباب غيره أو بغير ذلك وكذا اسحق بن راهوية يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي إذا عرفت هذا عرفت أنه يتعين تأويل كلامهم بما قررناه وشرط أهلها أي أهل المسانيد أن يفردوا حديث كل صحابي على حدة بكسر المهملة الأولى يقال هذا على حدته وعلى وحده أي توحده أي يأتون بحديث كل صحابي على انفراد من غير نظر إلى الأبواب التي تلائم الحديث كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله القاعدة تقديم كل على أجمع فسجد الملائكة كلهم أجمعون لأن كلا وجميعا هنا تأكيد لحديث وأن لم يساقا مساقه في اللفظ وكأنه لذلك اغتفر الترتيب ولا فرق بين جميع وأجمع سواء رواه من يحتج به أو لا فقصدهم حصر جميع ما روى عنه ومن هنا ضعفت رتبته عن رتبة السنن كمسند أبي داود الطيالسي هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي(1/232)
229 الأصل البصري سمع ابن عون وشعبة بطبقتهم وعنه أحمد بن حنبل وغيره من أهل طبقته قال الفلاس ما رأيت أحفظ منه وقال ابن مهدي كان هو أصدق الناس قال الذهبي قلت كان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث مات سنة أربع ومائتين وكان من أبناء الثمانين ويقال أنه أول مسند صنف قال البقاعي الذي حمل قائل هذا القول عليه تقدم عصر أبي داود على أعصار من يصنف المسانيد وظن أنه الذي صنفه وليس كذلك فإنه ليس من تصنيف أبي داود وإنما جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين جمع فيه ما رواه يونس ابن حبيب خاصة عن أبي داود قال ويشبه هذا مسند الشافعي فإنه ليس من تصنيفه وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من الأم وسمعه عليه انتهى ومثل مسند أحمد بن حنبل فإنه من أجمع المسانيد للحديث وهو إمام الحفاظ وعلم الزهاد أفردت ترجمته في مصنفات و مسند أبي بكر بن أبي شيبة قال في حقه الذهبي الحافظ الكبير العديم النظير الثبت التحرير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف وغير ذلك سمع من ابن المبارك وابن عيينه وطبقتهم وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وعوالم قال الخطيب كان أبو بكر متقنا حافظا صنف المسند والأحكام والتفسير مات سنة خمس وثلاثين ومائتين و مسند أبي بكر البزار بفتح الموحدة فزاي مشددة هذا هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل ومسند أبي القاسم البغوي قال الذهبي هو الحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز مولده في رمضان سنة أربع عشر ومائتين سمع علي بن المديني وأحمد بن حنبل وخلقا كبيرا أزيد من ثلاثمائة شيخ وجمع وصنف معجم الصحابة والجعديات وطال عمره وتفرد في الدنيا وغيرهم ومن أوسعها مسند بقي بالموحدة فمثناة تحتية بزنة تقي ابن مخلد بالخاء(1/233)
230 المعجمة آخره مهملة بزنة مقتل قال فيه الذهبي الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرطبي صاحب المسند الكبير والتفسير الجليل الذي قال فيه ابن حزم ما صنف تيسير مثله أصلا مولده في رمضان سنة إحدى ومائتين قال وكان إماما علامة مجتهدا لا يقلد أحدا قدوة ثقة حجة صالحا عابدا مجتهدا أواها منيبا عديم النظير في زمانه قال أبو الوليد القرطبي ملأ بقاع الأندلس حديثا وعن بقي قال لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال وكان مجاب الدعوة وقيل إنه كان يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة وسرد الصوم وحضر سبعين غزوة مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين ومسند الحافظ البارع أبي الحسين بن محمد الماسرخسي قال الذهبي هو الحافظ البارع أبو علي كذا في التذكرة وفي نسخ التنقيح أبو الحسين ولعله غلط الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي النيسابوري صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف جزء وثلثمائة جزء وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل وخرج على صحيح البخاري كتابا وعلى صحيح مسلم وأدركته المنية ودفن علم كثير بدفنه مولده سنة ثمان وتسعين ومائتين ومات في تاسع رجب سنة خمس وستين وثلثمائة قال الذهبي فرغ مهذبا معللا في ثلاثة آلاف جزء قد سمعت قول الذهبي إنه ألف جزء وثلثمائة جزء وهذه المسانيد الكبار هي التي يذكر فيها طرق الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح والسنن تسهيلا على الطالبين ثم اختصرت الصحاح بحذف أسانيدها وجمع متونها ثم ضمت إليها السنن كل ذلك تسهيلا للطالبين ثم مراده بالصحاح ما يشمل السنن قال زين الدين وقد وعد ابن الصلاح مسند الدارمي في جملة المسانيد فوهم في ذلك لأنه مرتب على الأبواب لا على المسانيد قال الذهبي في حق(1/234)
231 الدرامي هو الإمام الحافظ شمس الإسلام بسمرقند أبو عبد الله بن عبد الرحمن صاحب المسند العالي ثم قال وله المسند وكتاب الجامع وأثنى عليه وسمي كتابه مسندا كما سماه ابن الصلاح وكأنه سماه مؤلفه بالمسند وإن لم يكن على ترتيب المسانيد قال الحافظ ابن حجر اشتهر تسميته بالمسند كما سمي البخاري كتابه بالمسند الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمعطلة والمنقطعة والمقطوعة قال هو ليس دون السنن في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير انتهى
مسألة في الكلام على الأطراف
قد مر الكلام في ذكر الأطراف وهي من جملة ما اصطلح على تسميته أهل الحديث وجعله نوعا من التأليف له صفة يتماز بها عن غيره فيحسن ذكرها إذ قد صارت من جملة علوم الحديث وإن لم يتعرض لها ابن الصلاح وزين الدين في كتابيهما وشرط أهل كتب الأطراف أن يذكروا حديث الصحابي مفردا كأهل المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا لا كأهل المسانيد يذكرون الحديث كله يعرف به ثم يذكرون جميع طرق الشيخين وأهل السنن الأربع وما اشتركوا فيه من الطرق وما اختص به كل واحد منهم أي ما اختص به أحد مؤلفي الكتب الستة من طرق ذلك الحديث وإذا(1/235)
232 اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو بعضهم أو انفرد بعضهم ذكروا أي أهل الأطراف أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه فيعرف موضعه ليقرب البحث عنه وإن ذكره أي الواحد من أهل الكتب الستة مفرقا في موضوعين أو أكثر ذكروا أي أهل الأطراف كل واحد من الموضوعين فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده وهذا أعظم فوائد تأليف الأطراف فإنه يكتفي الباحث بمطالعة كتاب منها أي من الأطراف عن مطالعة جميع هذه الكتب الستة إذا كان مقصوده معرفة طرق الحديث لأنها قد جمعت الأطراف لا إذا كان مقصوده معرفة ألفاظ المتون فإنها لا تكفي فيها لعدم اشتمالها على جميع ألفاظها ويتمكن بالنظر فيها من معرفة موضوع الحديث منها بنص صاحب الأطراف على محلها وقد صنف فيها غير واحد من الحفاظ وأجل ما صنف فيه أي في هذا الفن كتاب الحافظ أبي الحجاج المزي تقد ضبطه وهو إمام كبير ختم الحافظ الذهبي تذكرة الحفاظ بترجمته فقال شيخنا العالم الحبر الحافظ الأوحد محدث الشام ثم ذكر قراءته ورحلته إلى أن قال وكان ثقة حجة كثير العلم حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام جدا صادق اللهجة لم تعرف له صبوة كان متواضع حليما صبورا مقتصدا في ملبسه ومأكله كثير المشي في مصالحه ترافق هو وابن تيمية كثيرا في سماع الحديث وفي النظر وكان ذا سماحة ومروءة باذلا لكتبه وفوائده ونفسه كثير المجلس توفي في صفر سنة اثنين وأربعين وسبعمائة قال السيخ مجد الدين الشيرازي هو مؤلف قاموس أبو الطاهر الفيروز باذي كان يدعي أنه من ولد الشيخ أبي اسحق صاحب المهذب ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة وأقبل على الطلب في فنون العلم وأقبل على اللغة وعظم شأنه وألف كتبا نفيسة منها القاموس(1/236)
233 وشرح البخاري ولم يتم خرج في آخر أمره إلى اليمن وتزوج الملك الأشرف ببنته وولاه قضاء اليمن وتوفي بها في مدينة زبيد وقبره معروف ووفاته في شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة وأما تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف للحافظ الكبير الشيخ جمال الدين فإنه كتاب معدوم النظير مفعم الغدير بضم الميم فيعن مهملة بزنه مكرم أي مملوء من أفعم الإناء إذا ملأه يشهد لمؤلفه على إطلاع كثير وحفظ بتير بموحدة فمثناة فوقية فمثناة تحتية فراء في القاموس البتير القليل والكثير والعلماء يقولون محدث ما له أطراف كإنسان ما له أطراف وقد قصد أي أبو الحجاج المزي بوضعه أي وضع كتاب الأطراف تحصيل الكتب المعتبرة التي هي دواوين الإسلام المشتهرة وهي الأمهات الست بأسانيدها في مختصر وليس قصده ذكر تمام متون الأحاديث وسردها وإنما يذكر الراوي أولا وطرفا من الحديث إلى أن يتميز عن غيره من الأحاديث ثم يقول رواه فلان بسند كذا وفلان بسند كذا إلى أن يفرغ من ذكر من رواه من آهل الكتب فإذا نظره المحدث عرف من أول نظرة بدا بدا كذا في النسخ ولعله تصحيف بادئ بدء أو بادي بدا ومعناه أول شيء كما في القاموس وفيه لغات أخر علوه مفعول عرف والمارد علو سنده ونزوله بالنسبة إلى كل مصنف من الأئمة الستة وقد سبقه إلى ذلك الحافظ أبو مسعود الدمشقي وأطرافه أيضا كتاب نفيس مفيد وله فضل التقدم وكتاب الشيخ جمال الدين المزي اجمع وانفع واجل قدرا وارفع وسئلت عنهما أي عن الأطراف أبي مسعود وأطراف المزي في وقت فقلت بينهما بون بفتح الموحدة وتضم مسافة ما بين الشيئين كثير بلا مراء بلا ممارة ولا جدال وأشبه شرج بالشين المعجمة مفتوحة فراء ساكنة فجيم شرجا لو أن أسيمرا بالسين المهملة قال الزمخشري في مستقصى الأمثال شرج اسم موضع والأسمير تصغير الأسمر جمع سمرة قاله لقيم بن لقمان المادي(1/237)
234 حين أوقد له أبوه هذا الشجر في أخدود حفره على طريقه أراد سقوطه فيه وهلاكه حسدا له ففطن له لما لم ير السمر في مكانه يضرب في تشابه الشيئين وبينها أدى تخالف وتكافأت المكافأة المساواة الغواني بالغين المعجمة جمع غانية في القاموس الغنية المرأة التي تطلب ولا تطلب والغنية بحسنها عن الزينة أو التي غنيت ببيت أبوها ولم يقع عليها سباء أو الشابة العفيفة ذات زوج أولا لو أصبى وفيه أصبته وتصبته شاقته إلى الصبا فحن إليها غيره عزه بفتح المهملة وتشديد الزاي وهي لغة بنت الظبية والمراد هنا المرأة التي أصبت كثيرا وشبب بها في أشعاره وقصته معروفة وهو بصيغة تصغير كثير
مسألة في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه
المراد بصحة الإسناد وحسنه وضعفه اعلم أن من أساليب أهل الحديث أن يحكوا بالصحة والحسن والضعف على الإسناد دون متن الحديث فيقولون إسناد صحيح دون حديث صحيح ونحو ذلك أي حسن أو ضعيف لأنه يصح الإسناد لثقة رجاله ولا يصح الحديث لشذوذ أو علة كما سيأتي في الشاذ والمعلل وهذا كثير ما يقع في كلام الدار قطني والحاكم والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما ولا يصح المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى قال ابن الصلاح غير أن المصنف المعتمد أي الذي هو عمدة وقدوة منهم أي من أهل الحديث إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه أي متن الحديث صحيح في نفسه لأن عدم العلة هو الأصل والظاهر قال عليه الحافظ ابن حجر قلت لا نسلم أن عدم(1/238)
235 العلة هو الأصل إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح ماذا كان قولهم صحيح الإسناد يحتمل آن يكون مع وجود علة لم يتحقق عدم العلة فكيف تحكم له بالصحة وقوله عن المصنف المعتمد إذا اقتصر إلى آخره يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا تختص بغير المعتمد وهو كلام ينبو عن السمع لان المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد والذي يظهر لي أن الصواب هو التفرقة بين من يفرق في وصف الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق فمن عرف من حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا وقييده على الإسناد فقط ومن عرف من حاله انه لا يصف الحديث دائما أو غالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في حقه ما قاله المصنف آخرا والله أعلم ومراده بالإطلاق عدم ذكر السلامة بعد وصفه بالصحة وبالتقييد ذكرها وهو كلام متجه قال زين الدين وكذلك إذا اقتصر على قوله انه حسن الإسناد ولم يتعقبه بضعف قلت هذا الكلام من الشيخين متجه لأن الحفاظ قد يذكرون ذلك لعدم العلم ببراءة الحديث من العلة لا لعلمهم بوجود علة غذ لو علموا بوجودها ما جاز السكوت عن الإعلال ويصرحون لهذا كثيرا فيقول أحدهم هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعلم له أي للمتن الدال عليه ذكر الإسناد ولا يصح جعل الضمير للإسناد علة على أن الأصوليين والفقهاء وكثيرا منهم أي من المحدثين يقبلون الحديث المعل كما سيأتي قد عرفت مما سبق أنه لا بد في الصحيح من عدم العلة أو الشذوذ كما ذكر في رسمه عند المحدثين وأنه لا يشترط فقد العلة عند الفقهاء إلا إذا كانت قادحة فراجع ما قدمناه ثم القبول له لا يلزم منه أنه صحيح فإنهم يقبلون الحسن كما قال زين الدين في ألفيته والفقهاء كلهم تستعمله والعلماء الجل منهم يقبله أي الحسن(1/239)
237 سبق فلم أو غلط من النساخ وضعف الجوابين الشيخ تقي الدين فمزجت بالزاي والجيم من المزج وهو الخلط المجوابين أي جوابي ابن الصلاح بردهما للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد أفاد ذلك قوله قال ابن الصلاح غير مستنكر أن يراد بالحسن معناه اللغوي دون الاصطلاحي قد قدمناه تفسير ابن الصلاح للغوي قال الشيخ تقي الدين ردا عليه يلزم عليه الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ انه حسن إذ قد تميل إليه النفس ولا يأباه القلب مع انه لا يطلق عليه الحسن عندهم فلو أرادوا المعنى اللغوي لأطلقوا الحسن على الموضوع قال الحافظ ابن حجر هذا الإلزام عجيب لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح فحكمه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا قال ابن الصلاح وهو جوابه الأول كما عرفته مما سقناه من كلامه أو يريد أي الترمذي ونحوه بالحسن ما اختلف سنده هو صحيح بالنظر إلى إسناد حسن بالنظر إلى إسناد آخر قال الشيخ تقي الدين رادا عليه ويرد عليه الأحاديث التي قيل فيها حسن صحيح وليس لها إلا مخرجا واحد أي سند واحد فلا يتم الجواب قال الشيخ تقي الدين وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه فهو تصريح بأنه لا يعرف له إلا طريق واحد فكيف يتم الاتصاف بالأمرين لإسناد واحد وذلك كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا قال فيه الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ وحينئذ فلا يتم ما أجاب به ابن الصلاح قلت يمكن الجواب على الشيخ تقي الدين في هذا الاعتراض أي على مجرد ما مثل به وغيره بأجوبة الأولى بأن الترمذي أراد انه لا يعرف الحديث بذلك اللفظ كما قيد به في هذا المثال أتراد انه قد ورد انه قد ورد معناه بإسناد آخر أخذا من مفهوم قوله على هذا اللفظ والثاني قوله أو يريد أي الترمذي بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه من ذلك الوجه كما يصرح به(1/240)
238 في غير حديث أي لا نعرفه حسنا صحيحا إلا من هذا الوجه ونعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا الأمن هذا الوجه وتعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا من حديث أبي هريرة أو من حديث تابعي أو من دونه فيقول لا نعرفه أي صحيحا غريبا إلا من هذا الوجه ويكون صحيحا أي حديث التابعي أو غيره مشهورا من غير تلك الطريق ولا تنافي بين الصحة والغرابة بهذا الاعتبار والثالث قوله أو يردوا انه لا يعرف الحديث عن ذلك الصحابي الذي رواه عنه إلا بذلك الإسناد فقوله لا يعرف إلا من هذا الوجه أي عن ذلك الصاحبي وله إسناد آخر عن صحابي آخر يصحبه وصفه بالصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر يصحبه وصفه الصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر هو المسمى بالشاهد فإنه شاهد لهذا الحديث الذي تفرد بروايته صحابي بإسناد له وإنما عدم التابع وهو روايته أي ذلك الحديث بعينه عن ذلك الصحابي من طريق أخرى فالفرق بين الشاهد والتابع انه في الأول يختلف الصحابي والطريق والثاني تختلف الطريق ويتحد الصحابي وسيأتي تحقيقهما وقد عرف من طريقة المحدثين تسمية الحديث المروي عن صحابيين بحديثين وان كان لفظه أو معناه واحدا فلما اصطلحوا على ذلك رأي الترمذي أن ذلك الشاهد حديث آخر ليس هو هذا الحديث وان اتحد لفظا أو معنى غذ لا دليل على أن الصحابيين اللذين روياه سمعاه مرة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم بل يجوز انه صلى الله عليه وسلم كرره في مجالس فسمع كل في مجلس غير مجلس الآخر فعدوه حديثين باعتبار تكرره منه صلى الله عليه وسلم ولا يخفي انه لا دليل على انهما سمعاه كل واحد في مجلس بل هو محتمل لاتحاد المجلس ولتعدده فالحكم له بأحدهما تحكم ثم أجاب الشيخ تقي الدين في الاقتراح بعد رد الجوابين اللذين أجاب بهما ابن الصلاح المذكورين فيما تقدم تقريبا بجواب على الإشكال في جمع الترمذي مثلا بين(1/241)
الوصفين حاصله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة
239 وهذا دفع لعلة الإشكال لأنه قال المصنف والزين ويغرهما أن وجه إشكال وصف الحديث بالحسن والصحة معا هو قصور الحسن عن الصحيح فمنع الشيخ تقي الدين كون العلة القصور لا مطلقا ولذا قال إلا حيث انفرد الحسن فيراد بالحسن حينئذ أي حين إذ يفرد الحسن عن الصحة في صفة الحديث المعنى الاصطلاحي في الحسن وهو الذي يلزمه القصور عن رتبة الصحيح وأما أن ارتفع أي الحديث إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة لوجود صفاته في ضمن صفاتها لأن وجود الدرجة العليا وهي الصحة التي هي عبارة عما ذكره بقوله وهي الحفظ والإتقان لا تنافي وجود الدرجة الدنيا التي هي صفة الحسن التي هي كالصدق وخفة الضبط وإذا لم تنافه فيلزم أن يقال في صفة الحديث حسن باعتبار الصفة الدنيا ويقال فيه صحيح باعتبار الصفة العليا ولا يخفي أن معنى كونه حسنا اصطلاحا أن رواته ممن خف ضبطهم وكونه صحيحا أيضا أن رجاله مناهل الضبط التام ومعلوم انه لا يقال صحيح إلا وهم من آهل الضبط التام فكيف تلاحظ خفة الضبط وحاصله أن لازم الحسن خفة ضبط رواته ولازم الصحيح تمام ضبط رواته أي عجم خفته فما معنى وجود لازم الحسن فيمن تم ضبطه وإتقانه فإن أريد هذا اللازم للحسن غير مراد هنا كما يفيده قوله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة فهو عائد إلى أن المراد بالحسن الصحيح وان قوله حسن صحيح بمثابة قوله صحيح ولكنه لا يناسبه قول الشيخ تقي الدين لان وجود الدرجة العليا لا تنافي وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ما عديمه إلا الدرجة العليا لتنافى وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ماعدتمة إلا الدرجة العليا ويؤيد كون هذا الأخير مراده قوله قال ويلزم على هذا أي على عدم اشتراط قصور الحسن عن الصحة أن يكون كل صحيح عنده أي عند الترمذي حسنا فعلى هذا الحسن عندهم ثلاثة أطلا قات تارة يطلق على ما يطلق عليه الصحيح(1/242)
ويشترط فيه شرائط وتارة ما خف ضبط رواته وهو الحسن لذاته وتارة على ما حسنه بالقياس إلى غيره
240 قلت وهذا خلاف ما تقرر فيما سلف أن الترمذي ربما أتى في كتابه بالحسن لغيره كما صرح به كلامه المنقول عنه فيما سلف ويؤيده أي يقوي إطلاق الحسن على الصحيح قولهم حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى كلام ابن دقيق العيد الذي نقله عنه الزين في شرح ألفيته وقد وافقه أي الشيخ تقي الدين على هذا الذي زعمه من أن كل صحيح عند الترمذي حسن الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن المواق بتشديد الواو وآخره قاف فانه قال وكل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا قلت تلخيص هذا أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول النوع تحت الجنس كالإنسان تحت الحيوان قلت لا يذهب عنك انه قد تقدم في كلام الشيخ تقي الدين أن الصحيح أخص من الحسن قال الشيخ تاج الدين التبريزي ودخول الخاص في حد العام أمر ضروري وقال زين الدين أنه اعتراض متجه ونظره المصنف بما تقدم له ورددناه وهنا قال المصنف أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول الإنسان تحت الحيوان فجعل الحسن خاصا والصحيح عاما والذي تقدم خلاف هذا هو أن الصحيح أخص لأنه الحسن وزيادة كالإنسان فإنه الحيوان وزيادة وعبارتهم هنا قاضية بأخصية الصحيح فإنه قال أن كل صحيح حسن كما تقول كل إنسان حيوان فكان المتعين أن يقول المصنف أن الحسن يدخل تحته الصحيح بالضمير في تحته فيستقيم الكلام ويدل له قوله وقد تقدم فيه نظر يشير إلى ما تقدم له من قوله ردا على الزين لما قال أن اعتراض تاج الدين متجه قلت بل هو اعتراض غير متجه لأن العموم والخصوص إنما نقع على الحقيقة في الحدود إلى آخر كلامه وتقدم ما تعقبناه به وهو غير وارد هنا لأنه أي الذي مضى إشكال على صحة هذا أي هذا القوم بالعموم والخصوص في رسوم هذه الأقسام لا على صحة التسمية التي هي المراد هنا(1/243)
241 ممن اعتقد صحة هذا أي العموم والخصوص في هذه الرسوم كأنه يريد أن هذه التسمية تفرعت عن اعتقاد العموم والخصوص في رسوم هذه الأشياء فلا يرد الإشكال على الفرع على من اعتقد صحة الأصل وهذا لطيف جدا فتأمله وأورد أبو الفتح اليعمري هو ابن سيد الناس على ابن المواق كما صرح به زين الدين والمصنف قال على هذا وهو ما سلف عن ابن دقيق العيد وابن المواق أن الترمذي شرط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا انتهى قال الحافظ ابن حجر وهو تعقب وارد ورد واضح على من زعم التداخل بين النوعين قلت تقدم للمصنف الرد على ابن المواق بأن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن إلى آخر كلامه فأفاد أنه لا يقول الترمذي كل صحيح حسن قال زين الدين فعلى هذا أي على كون كل صحيح حسن الإفراد الصحيحة أي التي لم ترو إلا من وجه واحد ليست حسنة عند الترمذي لأنها لم ترو من وجه آخر وهو شرط الحسن عند الترمذي وذلك كحديث الأعمال بالنيات فإنه فرد بالنسبة إلى أول رتبة منه وما بعدها من رتبة فإنه تفرد به عنه صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ثم تفرد به عم عمر علقمة واستمر التفرد إلى يحيى بن سعيد وحديث السفر قطعة من العذاب فإنه تفرد به مالك وحديث نهى عن بيع الولاء وعن هبته فإنه تفرد به عبد الله بن دينار قال أي زين الدين وجواب ما اعترض به أي ابن سيد الناس أن الترمذي إنما يشترط ذلك في أسحن أي مجيء الحسن من وجه آخر إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح فإن بلغها لم يشترط ذلك فليس شرطه ذلك في الحسن مطلقا بدليل قوله أي الترمذي في مواضع من جامعه هذا حديث حسن صحيح غريب فلما ارتفع إلى رتبة الصحة اثبت له الغرابة باعتبار فرديته انتهى كلام(1/244)
242 الزين فهذا صريح في أنه يصف الحديث بأنه حسن إذا بلغ رتبة الصحيح وأن لم يأت إلا من وجه واحد قال المصنف وعندي جواب آخر يوجه به جمع الترمذي بين الحسن والصحة في صفة حديث واحد وهو أن يريد الترمذي أن الحديث صحيح في إسناده ومتنه مبتدأ خبره حسن في الاحتجاج به على ما قصد الاحتجاج به فيه ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي دون الاصطلاحي تقدم تفسير الحسن اللغوي بأنه ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب وهو صفة اللفظ وليس مدلولها الاحتجاج به ولا يرد على هذا ما أورده الشيخ تقي الدين على ابن الصلاح حيث حمل الحسن على اللغوي وهو من لزوم تحسين الموضوع لأن الموضوع وأن كان قد يكون حسنا لغة لكنه لا يحسن الاحتجاج به لأن ابن الصلاح أطلق الحسن اللغوي وقد قيده المصنف به لإخراج الموضوع ولم يقيده ابن الصلاح بحسن الاحتجاج فورد على إطلاقه والله أعلم قل إلا أنه لا يخفى أن زيادة قيد حسن الاحتجاج ليس من مدلول الحسن اللغوي كما أشرنا إليه فهذا معنى للحسن آخر ليس لغويا ولا هو الاصطلاحي المعروف وقال الحافظ ابن حجر نقلا عن غيره وقيل يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم فيريد حسن باعتبار إسناده صحيح باعتبار كونه من قبيل المقبول وكل مقبول يجوز أن يطلق عليه شيء من الإشكالات إلا ما عرفته من أنه ليس مدلوله ذلك لغة وكذلك يرد عليه أنه كان الحديث صحيح الإسناد ولامتن فالاحتجاج به معلوم لا يفتقر إلى ذكره ولأنه لم يأتي في اصطلاحهم وصف الحديث بالحسن مرادا به حسن الاحتجاج به ولا يحمل كلامهم إلا على اصطلاحهم ولأنه قد يكون الحديث صحيح الإسناد والمتن ويخلو عن الحسن اللغوي بأن يكون لفظه غريبا فإن الغريب لا تميل إليه النفس ثم أنه كان الأولى على تقدير إرادة ما ذكره المصنف أن يقال صحيح حسن(1/245)
243 لا حسن صحيح لأن الاحتجاج فرع عن صحته فإن قيل يرد عليه أي على هذا الجواب أنه يلزم منه أن يقول أي الترمذي في الحديث الحسن هذا حديث حسن حسن مرتين أحدهما يعني بها الحسن الاصطلاحي والأخرى يعني بها الحسن اللغوي قد عرفت مما سلف أن الإشكال وارد على جمع الوصف للحديث بين صفتي الحسن والصحة وأنه أجاب المصنف بأن المراد بالحسن الاحتجاج به وبالصحة صحة إسناده لو متنه حسن للاحتجاج به وهذا السؤال وارد على انفراد بصفة الحسن أو ليس فيه إشكال ومعلوم أنه لا يريد أن السؤال هذا وارد على محل الإشكال وأنه يريد أنه يلزم أن يقال حديث حسن حسن صحيح واحتمال إرادته هذا تكلف فالجواب أنه يجوز أن يريدهما أي الحسن اللغوي والاصطلاحي بلفظ واحد كما لو صرح بذلك فقال هذا حديث إسناده والاحتجاج به قد عرفت أن الاحتجاج به ليس معناه اللغوي لأن الحسن الاصطلاحي بعض أنواع الحسن اللغوي قد ينازع في هذا ويقال بينهما عموم وخصوص من وجه لوجود الحسن اللغوي في الموضوع ووجود الحسن الاصطلاحي فيما كان في لفظه غرابة واجتماعها فيما حسن إسناده وفيما تميل النفس إليه ولا يأباه القلب وليس الحسن مشتركا بينهما أن يعبر به عن كلا معنييه وهو اختيار الأصحاب يريد الزيدية وعبر ذلك هنا وفيما سلف وقدمنا رأيه في هذا في لفظ مولي في حديث من كنت مولاه فعلى مولاه أخرجه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس عن بريدة وأحمد وابن ماجه عن البراء والطبراني وابن جرير وأبو نعيم عن جندع الأنصاري وابن قانع عن حبشي بن جنادة وأخرجه أئمة لا يأتي علهم العد عن جماعة من الصحابة وقد عده أئمة من المتواتر وهذا بحث أصولي(1/246)
244 أي كون المشترك يطلق على معنييه أولا فإنه من مسائل الخلاف في الأصول الفقهية لكن لا يخفى أن هذا يتوقف على معرفة رأي الترمذي في اللفظ المشترك واعلم أنه قد أجاب الحافظ ابن حجر جوابا حسنا عن جمع الترمذي بين صفتي الحسن والصحيح للحديث فقال في النخبة وشرحها فإن جمعا فالمتردد في الناقل هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها وهذا حيث التفرد بتلك الرواية وألا يحصل التفرد فباعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح قال وعلى هذا فما قيل حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقوي أي تقوي الحديث من رتبة الصحيح إلى رتبة الأصح ثم أني بعد أي بعد ما ذكرت ما سلف فحذف المضاف إليه وبنيت بعد على الضم وقفت على كلام جيد يتعين المصير إليه إلا أنه كلام في وصف الترمذي للحديث بالحسن وليس له إلا طريق واحد مع قول الترمذي في الحسن إنه الذي يروي من غير وجه مع سائر ما ذكر من شروطه مع أنه يقول في بعض الأحاديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه لا أنه كلام في إشكال جمعه بين الحسن والصحيح الذي هو الإشكال الأصلي وقد أجاب عنه ابن حجر بأجوبة آخر وما تعقبها ثم قال وفي الجملة أقوى الأجوبة جواب ابن دقيق العيد ذكره أي الكلام الجيد حافظ العصر أي عصره وعصر المصنف فإنهما كانا في عصر واحد وتوفي المصنف قبله فإنه توفي في اليوم الرابع والعشرين من شهر محرم غرة سنة أربعين وثمانمائة وتوفي الحافظ في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة العلامة الشهير بابن حجر في شرح مختصره يريد شرج النخبة في علم الحديث فقال ما لفظه فإن قيل قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروي من غير وجه فكيف يقول في بعض الأحاديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه فإن هذا ينقضي بأن هذا الحسن لم يرد إلا من طريق واحد كما هو شرط الغريب فالجواب أن(1/247)
245 الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا بما نقله عنه المصنف قريبا ناسبا له إلى ابن حجر وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى مضمومة إليه من صحيح وغريب فلا يرد ما أورده ابن سيد الناس اليعمري من إيراده الذي سلف قريبا وذلك لأنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب إلى آخر الأقسام اختصر المصنف عبارة ابن حجر وعبارته هكذا وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب وتعريفه أي الترمذي إنما وقع على الأول وهو حيث يفرد الحسن هذا كلامه ثم قال وعبارته أي الترمذي ترشد إلى ذلك حيث قال في آخر كتابه وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أرادنا بأن حسن إسناده عندنا وكل استئناف وهو هكذا في الترمذي وفي شرح النخبة نفلا عن الترمذي لأن كل إلى آخره حديث يروى ولا يكون راويه متهما بكذب لفظ الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي إلى آخره فوقع تقديم وتأخير وإبدال فيما نقل من عبارته كأنه نقل بالمعنى ويروى من غير وجه أي بل من اوجه كثيرة والمراد فوق الواحد نحو ذلك ولا يكون شاذا تمامه فهو عندنا حديث حسن وما كان يحسن حذف المصنف له لأنه خبر قوله كل حديث ثم قال الحافظ بعد هذا فعرف بهذا أنه إنما عرف الذي يقول فيه حسن فقط أما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه صحيح فقط أو غريب فقط وكأنه ترك ذلك استغناء به لشهرته عند أهل هذا الفن واقتصر على تعريف ما يقول في كتابه حسن فقط لغموضه وأما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله عندنا ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي(1/248)
246 وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها انتهى كلام الحافظ وهو حسن إلا أنه مبني على أنه لم يقل الترمذي حسن فقط إلا في حديث يرويه من وجوه فليطالع الترمذي وقد تتبعت مواضع فوجدت كلام الحافظ في إفراده الحسن صحيحا ولم استوف ذلك
مسألة في بيان القسم الثالث هو الحديث الضعيف(1/249)
القسم الثالث من الثلاثة الأقسام وقد تقدم الصحيح والحسن وهذا القسم في الضعيف قال ابن الصلاح ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف قال زين الدين تعقبا له ذكر الصحيح غير محتاج إليه في بيان الضعيف لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الصحيح أقصر وأجاب عن ذلك بعض من عاصر الحافظ ابن حجر فقال مقام التعريف يقتضي ذلك إذا لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين قال ونظيره قول النحويين إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل فالحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل انتهى وأقول النظير غير مطابق لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوما وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف والحق أن كلام المصنف يعني ابن الصلاح معترض وذلك أن كلامه يقتضي أن الحديث حيث تنعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك لأن تمام الضبط 247 مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع ويسمى الحديث الذي اجتمعت في الصفات سواء حسنا ولا ضعيفا وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا ولو عبر بقوله حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان اسلم من الاعتراض وأخصر انتهى وان كان بعضهم يقول أن الفرد الصحيح لا يسمى حسنا على رأي الترمذي فقد تقدم رده هذا من كلام زين الدين دفعا لما يقال لو اقتصر ابن الصلاح على قوله ما لم يبلغ صفات الحسن للزم أن يدخل الفرد الصحيح في رسم الضعيف لأنه لم يبلغ صفات الحسن فلذا لم يسم حسنا فأجاب زين الدين بأنه قد تقدم رد هذا وأنه يسمى الفرد الصحيح حسنا قلت لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلزمه أن يحد الضعيف على رأي غيره وإنما كان يرى أن كل صحيح حسن أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملتزما لكل مكلف أن يسميه بذلك قد(1/250)
عرفت أن زين الدين قال في اعتراضه أن ذكر دعم بلوغ الحديث رتبة الحسن يفيد أنه لم يبلغ درجة الصحيح لأن الصحيح أخص من الحسن وإذا انتفي الأعم انتفى الأخص ضرورة انتفاء الأخص عند انتفاء الأعم والمصنف اعترضه بأنه لا يرد على ابن الصلاح ما أورده إلا بأحد الأمرين الأول أن يكون رأي ابن الصلاح أن كل صحيح حسن أو بأن يقوم على ذلك دليل قاطع ولم يوجد الأمرين كما أفاده قوله وليس كذلك أي ليس واحد من الأمرين موجودا وإنما هذا الكلام في اصطلاح أهل الأثر ولم يصطلحوا كلهم على أن كل صحيح حسن هذا كلام جيد إلا أن الذي تفيده عبارة ابن الصلاح أنه يقول بأن الصحيح أخص من الحسن فإنه قد تقدم عنه انه قسم الحسن إلى قسمين وأفاد فيما ذكره أخصية الصحيح ثم قال في آخر كلامه ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهذا مع(1/251)
248 ما فصله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأيه رأي من يقول بأن كل صحيح حسن فيتم الاعتراض عليه على أنه وان سلم أنه يقول أن الصحيح والحسن متحدان فالاعتراض وارد عليه لا غناء ذكر أحدهما عن الآخر فهذا كالم جملى في تعريف الضعيف وأما التفضيلي فتقول شروط الصحيح والحسن ستة وهي الضبط والعدالة والاتصال وفقد الشذوذ وفقد العلة وعدم العاضد عند الاحتياج كذا عدها البقاعي وهي شروط القبول وشروطه شروط الحسن والصحيح فإذا اختل شرط منها فاكثر ضعف الحديث فلت يشكل هذا بما إذا قدم تمام الضبط فإنه من شروط الصحيح وإذا فقد بأن خف صار الحديث حسنا وعبارة الزين أقسام الضعيف ما فقد فيه شط من شروط القبول قسم وشروط القبول هي شروط الصحيح والحسن انتهى فلا إشكال في عبارته ولا يرد عليه ما ذكرنا لأنه إذا خف الضبط فالحديث مقبول لأنه حسن فلا يكون الحديث ضعيفا على هذا الكلام إلا إذا فقد فيه شروط الصحيح وشروط الحسن ولا يشكل فالضعيف باعتبار اختلال شرط من شروطهما ستة أسباب أحدها عدم الاتصال الذي هو أول شروط الصحيح زاد الزين حيث لم يتميز المرسل بما يؤكده وكأن المصنف اكتفى عن هذا الشرط بقوله على الخلاف كما سيأتي في بحث المرسل وثانيها عدم عدالة الرجال وهو ثاني شروط الصحيح قلت وهذه عبارة الزين وكان الأحسن أن يقال الرواة ليشمل النساء تغليبا ولا يتأنى ذلك في لفظ الرجال وثالثها عدم سلامتهم من كثرة الخطأ وكثرة الغفلة وهذه عبارة الزين وقال الحافظ ابن حجر بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى انتهى قلت وجهه أنه يوافق ما سلف في رسم الصحيح من قولهم نقل عدل ضابط ورابعها عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما بالكذب عبارة(1/252)
249 الزين وليس متهما بالغلط قال الحافظ ابن حجر وكذا إذا كان فيه ضعف بسبب سوء الحفظ أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي أو كان مرسلا كما قررنا ذلك في الكلام الحسن المجبور وخامسها الشذوذ وسادسها الغلة وسيأتي بيان معنى الشذوذ والعلة والضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة قال الحافظ ابن حجر تلخيص التقسيم المطلوب أن قيد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه وبيانه في كلام المصنف لأن عدم الاتصال أي اتصال الحديث بالراوي يدخل تحت قسمان المرسل زاد زين الدين الذي لم يجبر والمنقطع على الخلاف فيهما كما سيأتي بل ويدخل فيه المدلس والمعلق والمعلل وما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم هو عدم الاتصال قسم آخر باعتبار ما انضم إلى الأول ويدخل تحته تحت هذا القسم اثنا عشر قسما لأن فقد العدالة الذي هو السبب الثاني من الستة الأسباب إذا انضم إلى السبب الأول يدخل فيه الضعيف إذ الضعيف مفقود العدالة والمجهول فإنه مفقودها أيضا وهذه أقسامه أي أقسام القسم الذي انضم إليه سبب آخر من الأسباب الستة بعد عدم الاتصال وهي اثنا عشر الأول المنقطع ويقال له المقطوع كما يأتي وهو قول التابعي وفعله الثاني المرسل يأتي أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عند أكثر المحدثين ويأتي فيه خلاف فهذان قسمان فقد فيهما الاتصال الثالث مرسل في إسناده ضعيف هذا مما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم ومثله الرابع منقطع فيه راو ضعيف ياي بيانه الخامس مرسل فيه راو مجهول يأتي تقسيمه إلى مجهول عين وعدالة السادس منقطع فيه راو مجهول إلى هنا أقسام فقد السبب الأول مع فقد الثاني وهذه أقسام فقد السبب الأول أيضا مع فقد الثالث الأول منها قوله السابع مرسل فيه(1/253)
250 راو مغفل يأتي بيانه كثير الخطأ وإن كان عدلا إذا لا ملازمة بين العدالة وعدم التغفيل الثامن وهو النسائي مما فقد فيه الأول والثالث منقطع فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ وإن كان عدلا التاسع وهو الأول مما فقد فيه الأول الرابع مرسل فيه مستور يأتي بيانه ولم ينجبر بمجيئه أي الخبر من وجه آخر العاشر وهو الثاني مما فقد فيه الأول والرابع منقطع فيه مستور ولم يجيء من وجه آخر الحادي عشر وهو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس مرسل شاذ الثاني عشر وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد في الخامس منقطع شاذ الثالث عشر هو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس مرسل معل من العلة يأتي بيانها الرابع عشر وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس منقطع معل فهذا ما اجتمع فيه سببان مضعفان هما عدم الاتصال ما انضم إليه واعلم أنها أربعة عشر قسما لأنك تضم عدم الاتصال إلى كل واحد من الخمسة الأسباب تحصل خمس صور ثم تضم المنقطع إلى كل واحد من الخمسة تحصل خمس أخرى كانت عشرا ثم قد عرفت أن الضعيف والمجهول قد دخلا تحت فقد العدالة فتضم عدم الاتصال إليهما يحيصل قسمان ثم تضم المنقطع إليهما يحصل قسمان كانت أربعة عشر وهي التي سردها المصنف إذا عرفت هذا نظرت ما المراد من قول المصنف إنه يدخل تحت هذا القسم اثنا عشر فإن الحاصل أربعة عشر وعبارة المنصف والأعداد هي بعينها عبارة الزين وأعداده وما اجتمع فيه ثلاثة مضعفات يدخل تحته عشرة أقسام وهي هذه ما عدا أربعة منها مضمومة في التعداد إلى ما تقدم من الصور الأربعة عشر أولها الخامس عشر مرسل شاذ وفيه عدل مغفل كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول من الستة الأسباب والثالث ووجد فيه الخامس من ذي الثلاثة(1/254)
251 السادس عشر منقطع شاذ فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول والثالث ووجد فيه ما وجد في المثال الأول الخامس عشر السابع عشر مرسل معل فيه ضعيف فقد فقد فيه الأول والثاني ووجد فيه السادس عشر الثامن عشر متقطع معل ضعيف هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما خالفه بأنه من قطع التاسع عشر مرسل معل فيه مجهول فقد فقد الأول والثاني ووجد فيه السادس العشرون منقطع معل فيه مجهول هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما تفاوتا انقطاعا وإرسالا الحادي عشر مرسل معل فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ فقد فيه الأول ووجد فيه الثالث والسادس الثاني والعشرون منقطع معل فيه مغفل كذلك هو كالذي قبله فقدا ووجودا الثالث والعشرون مرسل معل فيه مستور ولم ينجبر فقد فيه الأول ووجد السادس والرابع مع شرطه الرابع والعشرون منقطع معل فيه مستور كذلك أي لم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وهو كالذي قبله فقدا ووجودا لا يخفى أنه قد سبق للمصنف أن في اجتماع الثلاثة عشر صور والرابع والعشرون العاشر منها لكن الخامس والعشرون السادس والعشرون منها كما ترى قوله الخامس والعشرون مرسل شاذ معل فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس والسادس السادس والعشرون منقطع شاذ معل هو كالأول فيما ذكره ولا يخفى أنها صار أقسام ما اجتمع فيه ثلاثة اثني عشر قسما وأما زين الدين فعد العشر الصور إلى الرابع والعشرون ثم قال وهكذا فافعل إلى آخر الشروط فخذ ما فقد فيه شرط الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدم وهما السلامة من الشذوذ والعلة ثم خذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد هذه الشروط الثلاثة وهي هذه ثم ذكر الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين السابع والعشرون مرسل شاذ معل فيه مغفل كثير الخطأ فهذا اجتمعت فيه أربعة كما اجتمعت في قوله(1/255)
252 الثامن والعشرون منقطع شاذ معل فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ فهذان مثالان لما اجتمعت فيه أربعة وقدمنا كلام الزين في هذا وأما المصنف فسرد ما تراه من غير تنبيه ثم قال زين الدين بعد هذا ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط واحد غير ما بدأت به أولا وهو ثقة الراوي وتحته أقسام وهما التاسع والعشرون ما في إسناده ضعيف الثلاثون ما فيه مجهول فهذان القسمان فقد فيها عدالة الراوي ثم قال زين الدين ثم زد على فقد عدالة الرازي فقد شرط آخر غير ما بدأت به وتحته قسمان وهما الحادي والثلاثون ما فيه ضعيف وعلته الثاني والثلاثون ما فيه مجهول وعلته ثم قال زين الدين ثم كمل هذا العمل الثاني الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول أي تضم إلى فقد هذين الشرطين فقد شرط ثالث ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الرازي من الغفلة ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معا ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الرابع وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور ثم زد عليه وجود العلة ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الخامس وهو السلامة من الشذوذ ثم رد عليه وجود العلة بعد ثم اختم بفقد الشرط السادس ويدخل تحت ذلك عشرة أقسام وهي الثالث والثلاثون شاذ معل فيه عدل مغفل كثير الخطأ الرابع والثلاثون ما فيه مغفل كثير الخطأ زاد الدين معل كثير التساهل الخامس والثلاثون شاذ في مغفل كذلك أي كثير الخطأ السادس والثلاثون معل فيه مغفل كذلك كثير الخطأ السابع والثلاثون شاذ معل فيه مغفل كذلك كثير الخطأ والثامن والثلاثون ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يور من وجه آخر التاسع والثلاثون معل فيه مستور كذلك أي لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر الأربعون الشاذ الحادي والأربعون الشاذ المعل الثاني والأربعون المعل فهذه الأقسام(1/256)
253 الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع ذكرها الحافظ زين الدين قال وقد تركت من الأقسام التي يظن أنه ينقسم إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة أقسام هي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة ولا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ والله أعلم انتهى كلام زين الدين قلت من أقسام الضعيف ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر وهو بمعنى الشاذ كما سيأتي قلت هذا بلفظ كلام الزين فلا وجه لفصل قوله قال زين الدين وعد أبو حاتم محمد بن حبان البستي أنواع الحديث الضعيف تسعة وأربعون نوعا هذا نقله زين الدين من كلام ابن الصلاح ولفظه وأطنب أبو حاتم البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا قال عليه الحافظ ابن حجر لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك وتجاسر بعض من عاصرناه فقال هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك فإن الذي قسمه ابن حبان في أول كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف ثم إنه بلغ الأقسام المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين والحاصل أن الموضع الذي ذكر فيه ابن حبان ذلك لم نعرف موضعه انتهى قلت لعله أي ابن حبان عد ما ترك الزين مما تحتمله القسمة العقلية ويمنع عرفهم من اجتماعه والله أعلم حتى أبلغها تسعة وأربعين فائدة قال الحافظ ابن حجر تنبيهات الأول قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف على حد ما تقدم من قولهم صحيح الإسناد وصحيح ولا فرق الثاني من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا يريد زين الدين في منظومته وشرحها أن يتفق العلماء(1/257)
254 على العمل بمدلول الحديث فإنه يقبل حتى يجب العمل به وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ومن أمثلته قول الشافعي رحمه الله وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم منهم فيه خلافا وقال في حديث لا وصية لوارث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملت به حتى جعلته ناسخا لآية الوصية للوارث ثم ذكر الثالث من التبيهات وعد فيه ما قيل فيه إنه أو هي الأسانيد كما عدوا فيها سلف ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد وطول به فلم يذكره وقد ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث
مسألة في بيان الحديث المرفوع
المرفوع قدم على ما بعده لشرفه بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم وهو من أنواع علوم الحديث جعله ابن الصلاح النوع السادس اختلف في حد المرفوع فالمشهور أنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا له أو فعلا قلت أو تقريرا أو هما كما قررناه في حواشي شرح غاية السول سواء أصافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما سواء اتصل إسناده أم لا فعلى هذا التفسير يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق أيضا لعدم اشتراط الاتصال وقال أبو بكر الخطيب البغدادي المرفوع هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله فعلى هذا(1/258)
255 حيث خصص الصحابي لا يدخل فيه مراسيل التابعين ومن بعدهم قال الحافظ ابن حجر مقتضاه يعني كلام الخطيب أن يكون في السياق إدراجها وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال والحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال فمن لازم ذلك إن الموقوف إذا اتصل سنده قد يسمى مسندا ففيالحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند المتصل إلا في غلبة الاستعمال ثم نقل كلام ابن عبد البر والحاكم ثم قال بعد ذلك والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم إن المسند عندهم من سمع النبي صلى الله عليه وسلم بسند ظاهره الاتصال فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا مسلما أو في حال كفره وأعلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يسمع يخرج المرسل وبسند يخرج ما كان بلا سند كقول القائل من المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من قبيل المعلق وظهور الاتصال يخرج المنقطع لكن يدخل فيه ما كان فيه انقطاع فهو كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا ومن رأي مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت عبارته والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه فلم يشترط حقيقة الاتصال بل اكتفى بظهور ذلك كما قلته تفقها ولله الحمد وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع(1/259)
256 وتحصل السالمة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك والله أعلم انتهى قال ابن الصلاح ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل انتهى كلام ابن الصلاح في هذا النوع وقد ذكر في النوع الرابع من تفريعات النوع الثامن قوله من المرفوع قولهم عن الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به كحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش أو ينميه بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم كحديث مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك وهذا هو معنى نميت الحديث إلى فلان إذا أسندته إليه أو رواية رفع أي مرفوع بلا خلاف كما صرح به النووي وهو تفسير لرفع الحديث قال ابن الصلاح حكم ذلك أي قولهم عن الصحابي يرفع الحديث عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا إلا أنه ليس في كلام ابن الصلاح لفظ رفع بل لفظ أو رواية بالتنوين ليس بعدها لفظ قال الحافظ ابن حجر وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا وكذا قوله رواه وعبارة الزين في نظمه وقولهم يرفعه يبلغ به رواية ينميه رفع فانتبه وقد ذكر ابن الصلاح أمثلة ذلك قال زين الدين وإن قيلت هذه الألفاظ عن التابعي فمرسل بخلاف قول التابعي من السنة ففيه خلاف كما يأتي هذا كلام ابن الصلاح فإنه قال بعد قوله صريحا قلت وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم تنبيه ذكر الحافظ ابن حجر إن من أغرب المرفوع سقوط الصيغة مع(1/260)
257 الحكم بالرفع مع القرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس أيما عبد حج به أهله ثم عتق فعليه حجة أخرى الحديث رواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان إن ظاهره الرفع آخذه من نهي ابن عباس عن إضافة القول إليه فكأنه قال لا تضيفوه إلي أضيفوه إلى الشارع لكن يعكر عليه أمثلة البخاري رواه من طريق السفر سعيد بن محمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا عني ما أقول لكم واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولون قال ابن عباس قال ابن عباس وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أمثلة يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أمثلة يزيدوا فيه أهله ينقصوه انتهى قلت بل الظاهر مع أمثلة ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أمثلة يطلب عرض ما حديث به مع كثرة تحديثه ويزيد كلام ابن القطان قوة أمثلة هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع والله أعلم ثم قال تنبيهات قد يقال ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها إلى يرفعه وما يذكر معها قال الحافظ المنذري يشبه أمثلة يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث قلت وإنما ذكر الصحابي كالمثال وإلا فهو جار حق من بعده ولا فرق ويحتمل أمثلة يكون من صنع ذلك لطلب التخفيف وإيثار الاختصار ويحتمل أمثلة يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجزم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بل كنى عنه تحرزا بأيتهما ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه ولم يذكر ما إذا قال الصحابي عن النبي يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل ومثاله الحديث الذي(1/261)
258 رواه الداروردي عن عمر بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعه أمثلة المؤمن عندي له كل خير يحمدني وأنا انزع نفسه من بين جنبيه حديث حسن رواه أهل الصدق أخرجه الدارمي في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية وقد افردها جمع بالجمع انتهى
مسألة في بيان المسند
من أنواع الحديث المسند اختلف فيه أي في حقيقته على ثلاثة أقوال
الأول ما أفاد قوله فقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد هو ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة قال وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهذا مسند لأنه قد أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه انتهى قال زين الدين فعلى هذا يستوي المسند والمرفوع قال الحافظ ابن حجر وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المسند والمرسل يقولون أسنده فلان وأرسله فلان الثاني ما أفاده قوله وقال أبو بكر الخطيب البغدادي هو عند أهل الحديث الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه قال أبو الصلاح واكثر ما يستعمل ذلك فيا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن(1/262)
259 الصحابة وغيرهم قد قدمنا لفظ الخطيب في نوع المرفوع وما حققه الحافظ ابن حجر في المسند فقول ابن الصلاح هذا هو كما قال الحافظ ابن حجر معنى قول الخطيب إلا أمثلة اكثر استعمالهم هذه العبارة فيما اسند عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وتقدم تحقيقه فالمسند والمتصل سواء لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ولكن الأكثر استعمال المسند في الأول كما قاله الخطيب والثالث وما أفاده قوله وقال ابن الصلاح في العدة المسند ما اتصل إسناده فعلى هذا يدخل فيه المرفوع والموقوف ومقتضى كلام الخطيب أنه ما اتصل إسناده إلى قائله من كان فيدخل فيه المقطوع لأنه يصدق عليه أنه اتصل إسناده من رواته إلى منتهاه وهو قول التابعي ومن بعده إذا اتصل إلى أحدهما قال زين الدين وكلام أهل الحديث يأباه وقيل هذا قول رابع هو أي المسند ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل وبه أي بهذا القول الرابع قطع الحاكم أبو عبد الله في كتابه علوم الحديث فلم يحك فيه غيره وحكاه ابن عبد البر قولا لبعض أهل الحديث هكذا قاله الزين وقال الحافظ ابن حجر أمثلة الحاكم وغيره فرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع بأن المرفوع بنظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد فحيث يصح إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مرفوعا سواء اتصل إسناده أم لا ومقابله المتصل فإنه ينظر فيه إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أهله موقوفا وأما المسند فينظر فيه إلى الحالين معا فيجمع شرطي الاتصال والرفع فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق فكل مسند مرفوع ولك مسند متصل ولا عكس فيهما هذا على رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني والشيخ تقي الدين في الاقتراح انتهى وقد قدمنا ما قاله الحافظ ابن حجر مما ظهر في حقيقة المسند بالاستقراء
260 مسألة في بيان المتصل والموصول(1/263)
من أنواع الحديث المتصل والموصول قال الحافظ ابن حجر ويقال له المؤتصل بالفك والهمز وهي عبارة الشافعي في الأم في مواضع قال ابن الحاجب في التصريف له هي لغة الشافعي انتهى هما الأولى إفراد الضمير لأنه معنى واحد وإنما تعدد لفظه واتحد معناه وهو واحد إذ عبارة الزين المتصل والموصول هو ما اتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى واحد من الصحابة احتراز عما لم يتصل سنده صلى الله عليه وسلم ولا بصحابي كما قال وأما أقوال التابعين إذا اتصلت الأسانيد بهم فلا يسمونها متصلة بل يسمونها مقطوعة قال زين الدين وإنما يمتنع هذا أي إطلاق المتصل على أقوال الصحابة المتصلة الأسانيد مع الإطلاق فأما مع التقييد فجائز شائع في كلامهم كقولهم هذا متصل إلى سعيد بن المسيب بالتقييد يذكر من اتصل إليه قال ابن الصلاح وحيث يطلق المتصل يقع على المرفوع والموقوف إذ قد اخذ في مفهومه أهله إلى أحد من الصحابة وهو الموقوف
261 مسألة في بيان الموقوف(1/264)
الموقوف هو ما قصرته بلفظ الخطاب وهي عبارة زين الدين في نظمه فإنه قال وسم بالموقوف ما قصرته على واحد من الصحابة قولا له فعلا والمراد من القول هنا ه ما خلا عن قرينة تدل على أن له حكم الرفع كما يأتي والفعل المجرد فهل يكون له حكم عند من يحتج بقول الصحابي أمثلة لا قال الحافظ ابن حجر فيه نظر أهله نحوهما كه يريد ما يعمل أهله يقال في حضرتهم ولا ينكرونه والحكم فيه أنه إذا نقل في مثل ذلك حضور أهل الإجماع فيكون تقلا للإجماع وإن لم يكن فإن خلا عن سبب مانع من السكوت والإنكار فحكمه حكم الموقوف ويكون من باب الإجماع السكوتي ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قامت قرينة على رفعه سواء اتصل إسناده إلى أو لم يتصل قال الحافظ واشترط الحاكم في الموقوف أمثلة يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي وهو شرط لم يوافقه عليه أحد وقال أبو القاسم في شرح الألفية أمثلة القاسم الفورابي يضم الفاء نسبة إلى قرية بهمذان كما في القاموس من الخراسانيين الفقهاء وأطلق فإنه قال الفقهاء يقولون الخبر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم والأثر ما روى عن الصحابة انتهى قال الحافظ ابن حجر هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع والأثر في الأصل العلامة زاد غيره وما ظهر على الأرض من مشي الرجل قال زهير(1/265)
262 والمرء ما عاش ممدود له اثر ونقال النووي عن أهل الحديث انهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه تهذيب الآثار وهو مقصور على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا وأما كتاب شرح معاين الآثار للطحاوي فيشتمل على المرفوع والموقوف أيضا قال زين الدين هذا مع الإطلاق وأما مع التقييد فيجوز في حق التابعين فيقولون هذا موقوف على ابن المسيب ونحوه وفي كلام ابن الصلاح ما يقتضي أنه يجوز مع مع التقييد في حق غير التابعين أيضا فيقال هذا موقوف على الشافعي ونحوه فإنه قال وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا ثم أن الآثار نوعان هذا زيادة من كلام المصنف لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين فكان يحسن أمثلة يعنونه المصنف بلفظه قلت على قاعدته أحدهما ما لا يقال من قبيل الرأي فذكر الإمامان أبو طالب والمنصور بالله عليهم السلام أنه إذا كان للاجتهاد فيه وجه صحيح أهله فاسد فموقوف وإلا فمرفوع وهو قول الشيخ أبي الحسين البصري والشيخ الحسن الرصاص وحكة ذلك المنصور بالله أي عن الشيخين المذكورين وصاحب الجوهرة يعني حكاه عنهما وزاد المنصور بالله حكايته عن قاضي القضاة واحتج المنصور بالله على ذلك بأنه مقتضى وجوب تحسين الظن بالصحابة وأنهم لا يأتون في الأحكام إلا بما هو من طريق الأحاديث المرفوعة أهله من طريق الاجتهاد وذكر جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر أنه أي ما ليس للاجتهاد فيه وجه صحيح ولا فاسد في حكم المرفوع قالوا مثل قول ابن مسعود من أتي ساحرا أهله عرافا عراف كشداد الكاهن كما في القاموس وفي النهاية أراد بالعراف المنجم والحازي الذي يدعى علم الغيب وقد استأثر الله به فقد كفر بما(1/266)
263 أنزل على محمد ترجم عليه الحاكم في كتاب علوم الحديث بقوله باب معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها قلت وهذا المثال مما يظن أنه لا مدخل للرأي فيه وليس مما يقطع به أي بأنه عنه صلى الله عليه وسلم وقد يوجد عن الصحابة ما يقطع به أي بأنه ليس إلا عنه صلى الله عليه وسلم مثل ما رواه الأمير الحسين بن محمد في الشفاء عن علي عليه السلام أن الحيض ينقطع عن الحبلى لأنه جعل رزقا للجنين وإنما جعل هذا كالمرفوع حملا للصحابة على السلامة ولأن الظن يقضي برجحان رفعه لأنه لا يعرف إلا من طريق الوحي وخالف ابن حزم وشنع في ذلك وقال يحتمل أنه عن أهل الكتاب فقد صح حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج ولا يخفى أمثلة الحديث عنهم نادر والواقع من الموقوفات التي ليس للرأي فيها مسرح كثير وحسن الظن بالصحابي يقضي بأنه لا يطلق في مقام الأخبار عن الحكم في أمر بطريق اجتهادي أو نص إلا عن طريق شرعي من رواية معروفة أهله اجتهاد فإذا تعذر الثاني تعين الأول نعم يحتمل هذا في القصص والأخبار التي لا يعرفها الصحابي ولا هي مما يجتهد فيه أنها من أحاديث الكتابين فهذا التفصيل هو الذي ينبغي عليه التعويل النوع الثاني من نوعي الآثار ما يحتمل أنه قيل عن الرأي والاجتهاد وهو ما كان للاجتهاد في مسرح ووفقه الصحابي ففيه قولان للشافعي الجديد منهما أنه ليس بحجة لأنه قول صحابي مجتهد ذكره في الإرشاد والذي تقتضيه الأدلة أنه ليس بحجة إذا لم تقم الأدلة إلا على حجية الكتاب والسنة والقياس على خلاف فيه والإجماع على بعد في وقوعه وأما قوله وليس في ذلك أي في حجية قول الصحابي سنة صحيحة فهو من نفى المخاص بعد نفي العام إذ قد قدم أن الأدلة لم تقم على حجيته وأما أتى به ليتذرع به إلى قوله فأما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم أصحابي(1/267)
264 كالنجوم بأبيهم اقتديتهم اهتديتم فهو حديث ضعيف قاله ابن كثير الشافعي وقال رواه عبد الرحمي بن زيد العمى بفتح المهملة وتشديد الميم عن أبيه قال ابن معين هو كذاب وقال السعدي هو ليس بثقة وقال البخاري تركوه وقال أبو حاتم حديثه متروك وقال أبو زرعة واه وقال أبو داود ضعيف أبوه ضعيف أو وقد روي هذا الحديث من غير طريق أي من طرق كثيرة ولا يصح شيء منها ذكر ذلك كله ابن كثير الشافعي في كلامه على أحاديث المنتهى وذكر الحافظ ابن حجر له طرقا كثيرة في تخريجه لأحاديث مختصر ابن الحاجب وأخرجه عن ابن عمر وجابر وابن عباس وعمر وأنس بألفاظ مختلفة وسردها برواتهما وضعفها وذكر طريق عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وساقه بلفظه أنه صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي عما يختلف فيه أصحابي من بعدي فقال يا محمد أمثلة أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما اختلفوا فيه فهو عندي على هدى ثم قال هذا حديث غريب أخرجه ابن عدي ثم قال وزيد العمى وأبوه ضعيفان وأبوه اضعف منه وقد سئل البزار عن هذا الحديث فقال لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ابن عبد البر فاحتج به في التمهيد وسكت عليه فلعله رأي مجموع تلك الطرق في تقوى متن الحديث أهله عرف له شواهد ما يقوى معناه والله أعلم قلت وذكر الحافظ في تخرج أحاديث المختصر انه ذكره ابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن شهاب بسنده وقال هذا إسناد ضعيف الراوي له عن نافع لا يحتج به قال الحافظ قلت هو متفق على تركه بل قال ابن عدي انه يضع الحديث قلت ويريد بالراوي له ن نافع سمرة الجزري
265 مسألة في بيان المقطوع(1/268)
المقطوع هو قول التابعي وفعله قال ابن الصلاح ويقال في جمعه مقاطيع ومقاطع يعني كالمسانيد والمساند والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعند الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك قال وجد التعبير بالمقطوع عن المتقطع في كلام الشافعي وأبي القسام الطبراني قال زين الدين ووجدته أو في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن الدار قطني قال ابن الصلاح وقد حكى عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي واستبعده ابن الصلاح قال زين الدين القائل بذلك هو الحافظ أبو بكر احمد بن هرون البردعي بموحدة مفتوحة فراء ساكنة وإهمال الدال والعين نسبة إلى بردعة بلدة في أقصى بلاد أذربيجان بينهما وبين بردعة اثنا عشر ميلا حكاه في جزء لطيف له انتهى فروع سبعة حسن إيرادهما بعد كل من المرفوع والموقوف
مسألة من السنة
هذا الفرع الأول وهو قول صحابي من السنة كذا محمول على أنه مسند مرفوع وادعى البيهقي انه لا خلاف بين أهل النقل في ذلك وسبقه إلى دعواه شيخه الحاكم في المستدرك وذلك لأن الظاهر انه لا يريد إلا سنة صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الزيدية ذكره(1/269)
266 المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة كقول علي ابن أبي طالب عليه السلام من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود في رواية ابن داسة بالمهملتين أحد رواة سنن أبي داود وابن الأعرابي أحد رواتها أو إمام حافظ أثنى عليه الذهبي وقال القاضي أبو الطيب هو ظاهر مذهب الشافعي لأنه احتج على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس على جنازة وقراءته بها وجوه وقال إنما فعلت ليعلموا أنها سنة وجزم ابن السمعاني أنه مذهب الشافعي وقال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم سنة الخمرين وأعلم انهم وان قالوا بأنه لا يريد بها الصحابي إلا سنته صلى الله عليه وسلم لكنهم قال لا يضاف اللفظ إلى فإنه نهى أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وقالوا لا يضاف حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود والترمذي بلفظه حذف السلام سنة فلا يقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذف السلام سنة قال الزين في تخرج الأحياء لا يعزو اللفظ إلى صلى الله عليه وسلم وإلا فقول الصحابي السنة كذا له حكم المرفوع على الصحيح وخالف بعضهم في ذلك منهم أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وغيرهما كابن حزم الظاهري بل حكاه إمام الحرمين عن المحققين ذكره في البرهان وجزم جماعة من أئمة الشافعية بأنه الجديد من مذهب الشافعية ذكر ابن القشيري وابن فورك وغيرهما وجزموا بأنه كان يقول في القديم إنه مرفوع وحكوا تردده في الجديد لكنه نص في الأم وهو من الكتب الجديدة على أنه مرفوع فإنه قال في بابا عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضاحك بن قيس رجلان من أصحاب النبي(1/270)
267 صلى الله عليه وسلم لا يقولا ن من السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في كتبا الأم في قول سعيد بن المسيب لأبي الزناد سنة وقد سئل سعيد عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما فقال له أبو الزناد سنة قال سنة قال الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة إن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال الحفاظ ابن حجر وحينئذ فله قولا ن في الجديد قلت ويحتمل أنه إنما جزم في الأول لما كان القائل صحابيا قال في الثاني يشبه لما كان القائل تابعيا هذا ودليل المخالفين إن لفظ السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة غيره كما قال صلى الله عليه وسلم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين وفي الحديث من سن سنة حسنة كان له أجرها جوابه أن الأظهر انهم لا يريدون إلا سنته صلى الله عليه وسلم وذلك لأمرين الأول أنه المتبادر إلى الفهم فالحمل عليه أولى الثاني إن سنته صلى الله عليه وسلم أصل وسنة الخلفاء تبع لسنته والأظهر من مراد الصحابي إنما هو بيان الشريعة ونقلها فإسناد ما قصد نقله إلى الأصل أولى من إسناده إلى الفرع بالحمل عليه سيما إن كان قائل ذلك أحد الخلفاء الأربعة إذ يبعد إن يرد من طريقتي كذا وقد كانوا يصرحون بما يقولونه رأيا أو اجتهادا كقول أبى بكر أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله الحديث واستدل أيضا لهذا القوم بما في البخاري إن الحجج سأل سالما كيف نصنع في الموقف يوم عرفة قال سالم إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة قال أبو عمر صدق قال الزهري فقلت لسالم أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهل يتبعون في ذلك إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما استدلال ابن حزم على ما ذهب إليه بما في البخاري من حديث أبى عمر أنه قال بحسبكم سنة نبيكم إ حبس أحدكم عن الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حيث يحج(1/271)
268 قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا قال ابن حزم لا خلاف بين أحد من الأئمة أنه صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا ولا بالمروة بل حيث كان بالحديبية وان هذا الذي ذكره ابن عمر لم يقع منه صلى الله عليه وسلم قط فلا يخفى أنه لم يرد من السنة الفعل منه صلى الله عليه ةآله وسلم بل لفظ سنة نبيكم تعم الفعل والقول والتقرير فكونه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما ذكره ابن عمر لم يبطل كونه لم يقله أو لم يقرره والحاصل أن ما أثبته ابن عمر أعم مما نفاه ابن حزم إذا عرفت هذا فقول الصحابي سنة النبي صلى الله عليه وسلم مضيفا لها إليه مرفوع عند الجماهير قطعا إلا عند ابن حزم وقال البلقيني في محاسن الاصطلاح أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا قال فأبعدها مثل قول ابن عباس الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ودونها قول عمرو بن العاص لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد كذا ودونها قول عمر لعقبة بن عامر أصبت السنة إذ الأول ابعد احتمال والثاني اقرب احتمالا والثالث لا إضافة فيه قلت وينظر فإنه لا فرق بين الأول والثاني إلا زيادة التكبير من ابن عباس تنبيه لم يذكر المصنف إن حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان الرفع وذلك مثل قول ابن مسعود من أتى ساحرا الحديث ومثله قول أبى هريرة ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وقول عمار رضي الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم فهذا كله له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز التأثيم على ما ظهر من القواعد والأول اظهر وبه جزم ابن عبد البر وادعى الإجماع عليه وجزم به الحاكم في علوم الحديث وفخر الدين الرازي في المحصول وهذا كله فما ينسبه الصحابي إلى سقته صلى الله عليه وسلم(1/272)
269 وأما التابعي إذا قال ذلك أي من السنة كذا فقيل موقوف متصل لأنهم قد يعنون بذلك سنة الخلفاء فلا يجزم بأنهم أرادوا منته صلى الله عليه وسلم لأنه جزم مع الاحتمال وربما كثر ذلك فيهم حتى لا يكون غيره راجحا وهذا جديد قول الشافعي وصححه النووي واعلم انه على قول من يقول بأن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع فهو محتمل لأقسام السنة الثلاثة القول والفعل والتقرير كما أشرنا إليه في الجواب عن دليل ابن حزم وإذا كان محتملا فإذا عارضه قول أو فعل أو تقرير غير محتمل فهو مقدم على قوله من السنة لعدم احتماله بخلافها
مسألة أمرنا ونهينا مغير الصيغة
إذا قال الصحابي امرنا أو نهينا أو قال أوجب أو حرم أو أبيح وبالجملة يأتي بشيء من الأحكام بصيغة ما لم يسم فاعله من نوع المرفوع والمسند عند المنصور بالله وقاضي القضاة والشيخ أبى عبد الله والشيخ الحسن الرصاص وحفيده أحمد بن محمد بن الحسن وكذلك عند أصحاب الحديث إلا أن المنصور بالله قال فرق بين أمرنا وأوجب قال إن الأول حجة وشرط للثاني إن لا يكون للاجتهاد فيه مسرح لجواز إن يرى الوجوب بطريق الاجتهاد والجمهور على أنه حجة مطلقا قال الزين عن ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل العلم لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر البيهقي إجماع أهل النقل على أنه مرفوع وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وعلل ذلك بكونه مترددا بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى القرآن أو الأمة بعض الأمة أو القياس أو الاستنباط قال وهذه الاحتمالات تمنع من الجزم بكونه مرفوعا وأجيب بأنها احتمالات بعيدة وعلى التنزل فما من القرآن مرفوع لأن الصحابة إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الأمة لا يمكن الحمل عليه لأنهم يأمرون أنفسهم وبضع(1/273)
270 الأمة إن أراد من الصحابة فبعيد لأن قوله ليس حجة على غيره وإن أراد الخلفاء بخصوصهم فكذلك لأن الصحابي مأمور بتبليغ الشريعة فيحمل على من صدر عنه الشرع وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأما حمله على القياس فبعيد كحمله على الاستنباط فإنه لا يتبادر ذلك لسامع واعلم أنه قال ابن الأثير في مقدمات جامع الأصول إن الخلاف فيما إذا كان قائل ذلك من الصحابة غير أبى بكر أما إذا قاله أبو بكر فيكون مرفوعا قطعا لأن غير النبي لا يأمر ولا ينهاه لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ووجب على الأمة امتثال أمره قال الزين وجزم به أبو بكر الصيرفي في الدلائل يحتمل أنه جزم بمثل قول الإسماعيلي أو بمثل قول الجمهور وقر به من الأول أنه به حزم وذلك مثل حديث أمر بلال إن يشفع الأذان ويوتر الإقامة أخرجه البخاري وغيره وكذلك قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم قال ابن الصلاح ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده إذ المتبادر منه أن الآمر الرسول مطلقا تنبيه قول الصحابي أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أسبه لأبين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المرفوع وقوله صلى الله عليه وسلم أمرت هو كقوله امرني الله تعالى وكقوله صلى الله عليه وسلم أمرت بقرية بأكل القرا يقولون يثرب الحديث لأنه لا آمر له صلى الله عليه وسلم إلا الله سبحانه وتعالى وأما إذا قال ذلك التابعي ففيه وجهان وهو كقوله من السنة سواء وقد تقدم تحقيقه
مسألة امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال زين الدين وأما إذا صرح أي الصحابي بالآمر فقال امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا(1/274)
271 أعلم فيه أي في كونه مرفوعا خلافا إلا ما حكاه ابن الصباغ في العدة وحكاه أيضا شيخه أبو الطيب الطبري عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال إذ يحتمل إن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر قلت إن عملنا يمثل هذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي وبطلت الرواية بالمعنى وهي أكثر الروايات بل قيل لم تتواتر رواية باللفظ إلا في حديثين ولا شك إن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي وان لم يكن كذلك في نفس الأمر ثم هذا الاحتمال الذي استدل به لداود يجري في الخبر إذ يحتمل أنه ظن ما ليس بخير خيرا فلا وجه لتخصيص الأمر وهو ضعيف مردود بما عرفته قال زين الدين إلا أن يريدوا أي داود من وافقه أنه ليس بحجة الوجوب ويدل تعليله أي ابن الصباغ للقائلين بذلك بان من الناس من يقول المندوب مأمور به ومنهم من يقول المباح مأمور به أيضا وهذه المسألة مبسوطة في أصل الفقه قال زين الدين فإذا كان ذلك مرادهم كان له وجه قلت قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبار بأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم بصيغة إنشاء وهي افعلوا كذا فهو كما لو قال الصحابي قال صلى الله عليه وسلم افعلوا ولفظ افعلوا الأصل فيه الإيجاب عند الجمهور كما عرف فلا وجه لتأويل كلام داود إلا أن يكون مذهبه في الأصول أن الأمر ليس للإيجاب فبحث آخر على أن افعلوا ونحوه ليس بحجة في الإيجاب هذا كله فيما كان ذلك من الصحابي فإذا قال التابعي أمرنا هل يكون مرسلا ففيه احتمالان للغزالي وجزم ابن السباغ في الشامل أنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك ابن المسيب وجهين كأنه خص سعيدا من التابعين لأنه قد عرف منه أنه لا يقول ذلك إلا مرفوعا وأما إذا قال الصحابي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/275)
272 أي بحذف المفعول فلم يذكرها أهل الحديث ولا كثير من أهل الأصول وذكرها في الفصول وجعلها مرتبة ثالثة بعد مرتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض عليه بأنها ليست مرتبة غير مرتبة غير مرتبة قال فإن الأمر والنهي قول فإذا أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الفاعل فهو إسناد للقول قطعا واختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة إلى حمل ذلك على الاتصال وسماع الصحابي منه عليه السلام وقال المنصور بالله لا نحكم له بذلك ونجوز أنه ثبت له ذلك بسماع فيتم الاتصال أو بواسطة ثقة فيكون مرسلا وإذا عرفت ان قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قال صلى الله عليه وسلم كما سلف فهو محتمل كما قاله المنصور بخلاف أمرنا وقال الشيخ أحمد الرصاص يحمل على ثبوته أي ثبوت رفعه عنده عند التابعي بطرق قاطع من سماع أو تواتر إذ حسن الظن يقضي بذلك إلا أنه لا يحتاج إلى القطع لأن المرسل متفق على جوازه وإن لم يتفق على حجيته ولا يشترط فيه الجزم بل الذي يحصل بالظن إذا عرفت هذا فقوله أمرنا كقوله قال لنا افعلوا وهو قول فإذا عارضه أرجح منه قدم عليه وإلا فهر قول مقدم على الفعل والتقرير وأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دونه لاحتماله الارسال احتمالا قويا فإذا عارضه امرنا فهو أرجح تنبيه أما إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتب الأصول أن الظاهر عند الأئمة من أهل البيت والمعتزلة بعض الأشعرية سماعه منه صلى الله عليه وسلم أي فيكون مرفوعا لأنه سمعه بغير واسطة ذكر ذلك في الفصول إلا أنه لم يستدل له على قاعدته في عدم ذكر أدلة الأقوال ولا يخفى أن معنى ظهور اللفظ في المعنى الذي دل عليه أنه الموضوع له أو الذي قامت عليه واضحة فلا بد من تقديم مقدمة لمدعي ظهور لفظ قال في المشافهة والسماع هي أنه موضوع للسماع ولا يستعمل في غيره إلا مجازا والمعلوم(1/276)
273 لغة أن قال موضوع لنسبة القول إلى فاعلة أعم من إن يكون السماع منه بلا واسطة أو معها فانه لا خلاف انه يصح إن يقول القائل قال زيد كذا وان لم يسمعه منه وإنما كان معرفته انه قاله بالواسطة كما يقال قال الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر احتماله للأمرين لا ظهوره في أحدهما ولذا أريد المشافهة والسماع قال قال لنا وقال لي مسألة كنا نفعل ونحوه
إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا فإما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم متفق عليه فالذي اختاره المنصور بالله في الصفوة به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وصححه الأصوليون مثل الشيخ أحمد في الجوهرة والفقيه علي بن عبد الله أي ابن أبي الخير شارح المختصر لابن الحاجب وغيرهما والرازي والآمدي وأتباعهما قال ابن الصلاح وهو الذي عليه الاعتماد ووجه ذلك قوله لأن ذلك يشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أي وجوه السنن أقواله وأفعاله وتقريراته وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه هكذا في شرح زين الدين نقلا عن ابن(1/277)
274 الصلاح وعبارته في كتابه فإنها أنواع منها أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعله ومنها تقريراته وسكوته عن الإنكار بعد إطلاعه فقوله وسكوته عطف على تقريره بتقدير وهي سكوته بيان الحقيقة التقرير وأنه عدم إنكار لم علمه من قول أو فعل أو تقرير صدرت من غيره وقرف صلى الله عليه وسلم بها ولا بد من زيادة فيه أنه لم يكن قد سبق عنه إنكارها وعلم منه ذلك لئلا يدخل فيه سكوته عن مرور ذمي إلى كنيسة كما عرف في الأصول قال أي ابن الصلاح وبلغني عن البرقاني تقدم أنه بفتح الموحدة وكسرها نسبة إلى برقانة قري بخوارزم وقرية بجرجان وهو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد سمع من خلائق منهم أبو بكر الإسماعيلي أخذ عنه بجرجان ومن جماعة بهراة ونيسابور ودمشق ومصر وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين وأخذ عنه البيهقي والخطيب وجماعة أنه سأل الإسماعيلي هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد ابن ابراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته ولد سنةسبع وسبعين ومائتين سمع من أئمة ومنه أئمة منهم الحاكم والترمذي وغيرهما وله معجم مروي وصنف الصحيح وأشياء كثيرة وله مستخرج على البخاري بديع قال الحاكم كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء بلا خلاف بين علماء الفريقين مات غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة عن أربع وتسعين سنة عن ذلك عن مثل قول الصحابي كنا نفعل فأنكر كونه من الفروع قال البقاعي أي أنكر هذا الإطلاق فإن لفظ مرفوع إذا أطلق انصرف إلى كونه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحا ولو سأله ما حكم هذا قال حكمه الرفع قال فيحمل عليه ابن الصلاح كلام الخطيب من أنه يريد ليس مرفوعا لفظا وهو مثل ما تقدم من قولهم من السنة كذا فكأنه حينئذ موافق ليسس بمخالف قال زين الدين أما إذا كان(1/278)
275 في القصة اطلاعه أي النبي صلى الله عليه وسلم فحكمه الرفع إجماعا لأنه يعلم منه تقريره له وبه تعرف أنه أراد بقوله في أول المسألة فأما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلع عليه وأما إذا لم يكن ذلك مقيدا بوقت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر المنصور بالله أن ذلك ليس بمرفوع لعدم العلم بتقريره صلى الله عليه وسلم له وكلنه يفيد الإجماع فيكون حجة وكذا قال صحاب الجوهرة لكن لا بد أن يعلم أن هذا الفعل الذي ذكره الصحابي وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ لا إجماع في عصره صلى الله عليه وسلم كما علم في الأصول وكما يأتي في قوله والإجماع من بعده ثم غايته أن يكون إجماعا سكوتيا لأنه معلوم عادة عدم إجماع الأمة على فعل معين فالمراد كان أكثرهم أو بعضهم يفعل والآخرون مقرون لهم فيكون إجماعا سكوتيا وفي كونه حجة نزاع في الأصول وقال المنصور بالله أيضا إن قولهم كانوا يفعلون مثال هذا في إفادة الرفع في زمانه والإجماع من بعده وقال أهل الحديث ليس في حكم المرفوع قاله زين الدين حكاية عن أهل الحديث أيضا وجزم به أي بعدم رفعه الخطيب وابن الصلاح وجعلاه إذا لم يقيد بعصره صلى الله عليه وسلم موقوفا وهو مقتضى كلام البيضاوي فإنه جعله موقوفا وخالف كثير من الأصوليين بل من أهل الحديث كما في منظومة زين الدين وشرحها منهم الرازي والجويني والسيف الآمدي فجعلوا منهم ذلك من قبيل المرفوع وإن لم يقيده بعصره صلى الله عليه وسلم وقال به أيضا كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى وقال ابن الصباغ في العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في السرقة في الشيء التافه في القاموس تفه كفرح تفها وتفوها قل وحقر والحديث أخرجه اسحق بن راهويه كما في فتح الباري واعلم أن حاصل ما قيل في المسألة أنه موقوف جزما والثاني التفصيل(1/279)
276 إن أضافه إلى زمن الوحي فمرفوع عند الجمهور وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف قال الحافظ ابن حجر وبقي مذاهب الأول أنه مرفوع مطلقا قلت وهو رأي الحاكم والجويني ومن ذكر قال وهو الذي اعتمده الشيخان في كتابيهما وأكثر منه البخاري ومذهب ثالث وهو التفصيل بين أن يكون الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا وبه قطع الشيخ أبو اسحق الشيرازي وزاد ابن السمعاني في كتاب القواطع فقال إذا قال الصحابي كانوا يفعلون كذا أو أضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان مما لا يخفي مثله فيحمل على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ويكون شرعا وإن كان مثله يخفي فإن تكرر حمل أيضا على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى ومذهب آخر هو إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فهو موقوف حكاه القرطبي وفي شرح المهذب للنووي وظاهر استعمال كثير من المحدثين وأصحابنا في كتب الفقه أنه مرفوع مطلقا سواء أضافه أو لم يضفه وهذا قوي لأن الظاهر من قوله كنا نفعل أو كانوا يفعلون الاحتجاج به على وجه يحتج به ولا يكون ذلك إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغه انتهى قال الحافظ ابن حجر ولم يتعرض الشيخ ولا ابن الصلاح لقوله ما كنا نرى بالأمر والفلاني بأسا وكذلك جميع العبارات المصدرة بالنفي وذلك موجود في عباراتهم وحكمه حكم ما تقدم انتهى واختلفوا في قول المغيرة ابن شعبة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير أخرجه الحاكم في علوم الحديث فقال الحاكم هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب في كتابه الجامع بين آداب الراوي والسامع مثل ذلك أي مثل كلام الحاكم إلا أنه أي الخطيب رواه من حديث أنس والظاهر أنهم كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وقيل(1/280)
277 لأن بابه لم يكن له حلق يقرع بها قال ابن الصلاح بل هو مرفوع وهو بذلك أحرى أي هو أحق بأن يكون مرفوعا من قولهم كنا نفعل لكونه جرى بإطلاعه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخفى عليه قرع بابه قال الحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع لأنه قد عد قوله كنا نفعل مرفوعا فهذا أحرى منه قلت الصواب ما ذكره الحاكم الخطيب من الحكم يوقفه وقد وهم ابن الصلاح في إلزام الحاكم حيث قال والحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع فإنه أي الحاكم إنما جعل قول الصحابي كنا نفعل مرفوعا وهو الذي وقع بسببه إلزام ابن الصلاح لأنه أي قولهم كنا نفعل ظاهر في قصد الصحابة إلى الاحتجاج بذلك وإلا لم يكن لذكره فائدة في مقام الاحتجاج به والظن بالصحابي أنه لا يعتقد أن ذلك حجة إلا أن يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لعلمه ب مجرد فعلهم من حيث هو فعلهم ليس بحجة والظن به أي الصحابي أيضا أنه لا يوهم الغير ذلك أنه حجة وليس بصحيح الظاهر أن يقول وليس بحجة فإنه إن فعل ذلك فيكون قد غر من سمعه من المسلمين في أمور الدين والظن في الصحابة خلاف هذا قلت ولا يخفى أن هذا يشمل ما قيده الصحابي بعصره صلى الله عليه وسلم وما لم يفيده وأما قرع الصحابة لباب النبي صلى الله عليه وسلم بالأظافير فليس فيه تعليق لذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم كأنه يريد ليس فيه تعليق حكم ولكنه لما استشعر أن فيه حكما هو جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فدفعه بقوله وأما الظن لاطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره عليه فيدل على جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فلا يؤخذ جواز ذلك من مجرد هذا الحديث فلذا قال لا تعليق له بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا دلالة على علمه بالقرع وتقريره لأن القرع بالأظافير خفي الصوت فإذا اتفق مرات يسيره فيحتمل أن لا يسمعه لا فباله على مهم من أمور الدين أو(1/281)
278 نومه أو غير ذلك قلت لا يخفى بعد هذا أن العبارة تفيد أنه كان ذلك عادة لهم فيبعد أن لا يطلع على ذلك مع تكرره وقد كان فيه بيته يفلي ثوبه ويعلف داجنه ويقم منزله ثم أنهم لا يقرعونه إلا ليشعروه بأنهم في الباب بل ليس في الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك وهو في البيت فلعلهم كانوا يخفون القرع أدبا مع نساء النبي صلى الله عليه وأله وسلم ولا يخفى بعد هذا التأويل وإن كان حاضرا في بيته استأذنوا فقد كان أنس يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذن لمن أراد أن يدخل عليه يقال عليه إنه كان يقع هذا تارة وهذا تارة فإنه قد يغيب الخادم أحيانا ويكون تارة داخل المنزل فيقرعون الباب ليخرج فيستأذن لهم بل يحتمل أن ذلك فعل في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة الظاهر من حديث المغيرة الإخبار عن توقيرهم النبي صلى الله عليه وسلم أو تأديبهم معه ولا يكون ذلك إلا وهو في منزله وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا وكان الدق قويا بحيث أن العادة تقضي برجحان سماعه لا خفاء أن قرب منزله من الباب يقصي بسماعه القرع بالأظافير ولو كان القرع لا يسمع لما فعلوه ولا لنسائه كما تأوله وقد كان منزله صلى الله عليه وسلم لاصقا بالأرض فيسمع منه خفق نعال من مرفضلا عن قرعه بابه بأدنى قارع لبعد أن يستمر اتفاق ذلك أي الذي دل عليه كان يقرع كما قدمناه وهو غائب إذ الوارد إلى منزله وهو غائب قليل وحينئذ فلا يتم التأويل بأنه كان يفعل ذلك وهو غائب بل وهو حاضر فيتم الاستدلال فدفعه بقوله وبعد أن يتفق ذلك كثيرا وهو في البيت وهو لا يسمع يقال عليه ومن أين أنه كان لا يسمع ليس في حديث المغيرة ذلك بل إنما قرعوا ليسمع ويدل لسماعه قوله فقد كان بيته صلى الله عليه وسلم صغيرا في نفسه وإن كان كبيرا في قدره لكبر قدر ساكنه صلى الله عليه وسلم ولما كان ظاهر كانوا يفعلون الاستمرار كما علم في(1/282)
279 الأصول وقد نفاه بقوله ولو كان مستمرا دفع ذلك بقوله ولفظه كان لا تقتضي ذلك وكأنه يريد لفظ كان يفعل وإلا فلفظ كان لا يفيد الاستمرار إلا إذا كان خبرها مضارعا لا مطلق كان فقد يطلق على التكرار اليسير الذي لا يحصل معه الظن أي ظن اطلاعه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا يخفى أن الأصل في كان يفعل الدلالة على الاستمرار وقد يخرج عنه للقرينة كما تفيده عبارة المصنف حيث قال فقد تطلق وأتى بقد ظاهر كلامه أن المراد استمرار القرع والحديث إنما سيق لبيان أنها كانت عادتهم قرعه بالأظافير في إتيانهم إليه صلى الله عليه وسلم ولا تعرض فيه لكثرة القرع نفسه أو قلته بل إنما يكون بحسب الحاجة حتى يسمع بقرعة أو أكثر مع أن الحديث صحيح المعنى لمن أراد أن يحتج به على مثل ذلك أي على جواز قرع أبواب المسلمين من غير إذن منهم لكن لا يخفى أنه لا يتم الاحتجاج إلا مع علمه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا حجة في مجرد فعلهم وأما قوله لموافقته أي الحديث المذكور لإجماع المسلمين المعلوم والله أعلم فهو خروج إلى الاستدلال بالإجماع في عصره ولا إجماع فيه وكأه يريد أنه معلوم أن أهل المدينة كانوا يقرعون الأبواب بعضهم على بعض وعلمه صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم وتقريره معلوم فهو رجوع إلى الاستدلال بتقريره صلى الله عليه وسلم بالإجماع قلت وقد ذكر بعض أصحابنا تقدم عن المنصور وصاحب الجوهرة أنهما يقولان إن قول الصحابي كنا نفعل ظاهر في دعوى الإجماع أيضا أي كما هو الظاهر في الرفع وذكره في الجوهرة وغيرها لأنه يقتضى بمفهومه أنهم فعلوا ذلك كلهم أو فعله بعضهم على وجه يعلمه الباقون ولم ينكروا فكان إجماعا سكوتيا وليس ما قالاه بجيد لأن هذه العبارة قد تطلق كثيرا إذا فعل ذلك كثير منهم أو فعله بعضهم على وجه يظهر وسكت الباقون(1/283)
280 وغن سكتوا عن غير علم بذلك ولا يكون إجماعا سكوتيا إلا إذا علموا ومن أين يعلم أن كل واحد علم ذلك وقد قدمنا قريبا من هذا وبحثنا في حجية الإجماع السكوتي في الدراية حاشية الغاية بما يضمحل به القول بأنه حجة وأما إذا قال الصحابي أوجب علينا أو حظر بالبناء المجهول أو نحوها كأبيح لنا فلم يذكرها أهل الحديث وقد قدمنا ذكرها وذكرها أصحابنا في خواص الصحابة وقالوا إنها تحمل على الرفع إلا أن المنصور بالله شرط في ذلك أن يكون مما لا مساغ للاجتهاد فيها حكاه عنه في الجوهرة وإن كان الظاهر أنه مرفوع والاجتهاد احتمال مرجوح وهاهنا فوائد يحسن ذكرها الأولى قول الصحابي كنا نرى كذا ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قولنا كنا نقول أو نفعل لأنها من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا أ استنباطا الثانية قول الصحابي كان يقال كذا قال الحافظ المنذري اختلفوا هل يحلق بالمرفوع أو بالموقوف قال والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ابن حجر ومما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال كان يقال صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ورواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أنها عندهم من صبغ الرفع والله أعلم الثالثة أنه لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات بل يلحق به النفي كقولهم كانوا لا يفعلون كذا ومنه قول عائشة كانوا لا يقطعون في الشيء التافه وتقدم
مسألة
هذا الفرع الثالث تفسير الصحابي أي للقرآن اختلف أهل(1/284)
281 العلم في تفسير الصحابي فذكر زني الدين وابن الصلاح أنه إن كان أي تفسير الصحابي في ذكر أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع وإلا فهو موقوف وجعل أي كل واحد منهما هذا هو المقول المعتمد وإليه ذهب الخطيب وأبو منصور البغدادي وتبعهما ابن الصلاح والزين أشار ابن الصلاح إلى الخلاف ولم يعين القائل بأن مطلق تفسير الصحابي مرفوع قال الزين وهو أي القائل يرفع تفسير الصحابي مطلقا الحاكم وعزاه إلى الشيخين فإنه قال في المستدرك ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند قال ابن الصلاح تعقبا للحاكم إنما ذلك في تفسير متعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي إلى أو نحو ذلك قال كقول جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته من ديرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكمم الآية قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر الخالف والحق أن ضابط ما يعبره الصحابي إن كان مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا منقول عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه أشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع وأما إذا فسر الآية بحكم شرعي فيحتمل أن يكون مستفادا من النبي صلى الله عليه وسلم أو عن القواعد فلا تجزم برفعه وكذا إذا قسر مفردا فقد يكون نفلا عن اللسان فلا تجزم برفعه وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي وابن مردويه في تفسيره المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين إلا أنه يستثنى من ذلك إذا كان المفسر له من الصحابة ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك(1/285)
كتب
282 كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان ربما قال له بعض أصحابه حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا عن الصحيفة
مسألة
قال قال هذا هو الفرع الرابع وهو بحث ذكره زين الدين في بيتين من ألفيته وهما قوله وما رواه عن أبي هريرة محمد وعنه أهل البصرة كرر قال بعد فالخطيب روى به الرفع وذا عجيب ما رواه أهل البصرة عن أبي هريرة قال قال ثم ساق كلاما بعد هذا بعد القول المكرر ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كرر لفظ قال بعد ذكر أبي هريرة لفظ زين الدين بعد البيتين أي وما رواه أهل البصرة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال فذكر حديثا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كرر لفظ قال بعد أبي هريرة فإن الخطيب روى من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي هريرة قال قال الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه وهذا يبين قول المصنف فإن الخطيب روى في الكفاية عن موسى بن هرون أنه قال إذا قال حماد بن زيد والبصريون قال قال فهو مرفوع قال الخطيب قلت للبرقاني أحسب أن موسى عني بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة قال كذا نحسب قال الخطيب ويحقق قول موسى ما قال محمد بن سيرين كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع فتين بهذا إن فاعل قال الثانية هو النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن هذا من حذف الفاعل ولا يجيزه النحاة وإن علم أنه معين كما هنا قال زين الدين ووقع في الصحيح من ذلك ما رواه البخاري في المناقب حدثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سييرين عن أبي هريرة قال قال أسلم وغفار الحديث تمامه وشيء من مزينة وجهينة(1/286)
282 إن الفتى ذرب اللسان مهذب إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق وأراد بحمص إشبيليه لأنه يقال لها ذلك قال ابن حجر إنه بلغ ابن العربي ذلك أي هذه الأبيات فعلم تعنتهم فحمله الحمق على كتمان ذلك ا لم يحمله وعلق عنه عائق ثم قال ابن حجر وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد فمن قال من الأئمة إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري فليس على إطلاقه وإنما المراد بشرط الصحة ومن قال كابن العربي إنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض ولا تعارض وقال ابن حبان لا يصح إلا من رواية مالك عن الزهري فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق وهذا بعينه حاصل في حديث إنما الأعمال بالنيات انتهى قال ابن الصلاح وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك كثيرة قال أي ابن الصلاح وقد قال مسلم بن الحجاج للزهري قدر تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيها أحد بأسانيد جياد قال الحافظ ابن حجر هو في صحيح مسلم في كتاب الإيمان والنذور منه أي في باب من حلف باللات والعزى من باب الإيمان والنذور وقوله بأسانيد جياد يتبادر منه قبول نفس المتون ولا يقال يحتمل أنه أراد جودة الأسانيد من الزهري إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر إرادة الجودة في جميع السند من مسلم إلى آخره واختلف النسخ في العدد والأكثر بتقديم السين على التاء قال ابن الصلاح فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر فيه على تفصيل نبينه ليس في هذا التفصيل من الشاذ إلا ما قاله أولاوهو الذي عرفه به الشافعي وأما الثاني فهو صحيح غريب وأما الثالث فهو حسن لذاته غييب وأما الرابع فإنه ضعيف إذا أتى ما يجبره صار حسنا لغيره فتقول إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن(1/287)
283 خير عند الله من تميم وهوازن وغطفان وهو عند مسلم من رواية ابن علبة عن أيوب أي عن محمد بن أبي هريرة مصرح فيه بالرفع ووقع من ذلك في سنن النسائي الكبرى من رواية ابن علية عن أيوب عن ابن أبي هريرة قال قال الملائكة تصلى على أحدكم في مصلاه ورواه الخطيب في الكفاية من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده إلى حماد بن زيد عن أيوب أي هن محمد بن أبي هريرة وقد قدمناه قريبا
مسألة في بيان المرسل
المرسل هو من أقسام علوم الحديث وهو الذي خرج من رسم الصحيح يفصل ما اتصل إسناده وحقيقته ما أفاده قوله هو عند الأكثرين من المحدثين قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قطع الحاكم وغيره من أهل الحديث وتخصيص القول لأنه الأكثر وإلا فلو ذكر التابعي فعلا أو تقريرا نبويا كان دخلا فيه واعلم أنه يرد على هذا الرسم ما سمعه بعض الناس حال كفره من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وحدث عنه بما سمعه منه فإن هذا والحال هذه تابعي قطعا وسماعه منه صلى الله عليه وسلم متصل وقد دخل في حد المرسل وحينئذ فلا بد من زيادة قيد في الحد بأن يقال وما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره(1/288)
284 واختلف في ما حد الإرسال لغة فقيل من الإطلاق وعدم المنع ومنه قوله تعلى إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين وذلك لأن المرسل أطلق الحديث وقيل مأخوذ من قولهم جاء القوم إرسالا أي متفرقين لأن البعض الإسناد منقطع عن بعضه وقيل من قولهم ناقة سل أي سريعة السير كأن المرسل للحديث أسرع فحذف بعض إسناده وهذا الرسم الذي ذكره المصنف هو القول الأول في رسمه والثاني قوله وقيل إنه يختص بما أرسله كبار كبار التابعين الذين أكثر حديثهم عن الصحابة كابن المسيب هو سعيد بن المسيب بفتح المثناة المشددة وروى عنه أنه كان يقول إنه بكسرها فإنه لقي جماعة كثيرة من الصاحبة وقيس بن أبي حازم مثله وعبيد الله بن عدي بن الخيار بالخاء المعجمة فمثناة تحتية آخره راء وهذا مثل به ابن عبد البر وتبعه ابن الصلاح وتبعه زين الدين وقال الحافظ ابن حجر إن التمثيل به معترض لأنه كان يمكنه أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن عبيد الله كان بمكة حين دخلها صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في منقولات كثيرة أن الصحابة من الرجال والنساء كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتبركون بذلك وهذا منهم لكن هل يحصل من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة أن يكون ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون مرسلا هذا محمل تأمل ونظر والحق الذي جزم به أبو حازم الرازي وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره وأن قولهم مراسيل الصحابة مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع أما من لم يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ولو مثل بمحمد بن أبي بكر الصديق الذي لم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أشهر لكان أولى دون صغارهم الذين(1/289)
285 لم يلقوا إلا الواحد والاثنين من الصحابة فأكثر حديثهم عن التابعين فأحاديث هؤلاء أي صغار التابعين منقطعة حكاه ابن عبد البر عن قوم من أهل الحديث ومثلهم ابن الصلاح بالزهري وهو محمد بن شهاب نسب إلى جده الأعلى وإلا فهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب وأبي حازم وهو سلمة دينار غير أبي حازم الأشجعي مولى عزة فاسمه سلمان وهو من مشايخ الزهري وقد هم من اعترض على ابن الصلاح بأنه ليس من صغار التابعين ظنا من المعترض بأنه أراد ابن الصلاح الأشجعي وليس كذلك فإنه إنما أراد سلمة بن دينار وهو ليسمع من الصحابة إلا من سهل بن سعد وأبي أمامة بن سهل بخلاف الأشجعي فإنه سمع من الحسن بن على عليهما السلام نعم حصل الاشتباه لما لم يقيد ابن الصلاح أبا حازم بشيء يميزه به ولكن قرينة الحال دالة على أنه المراد ولو لم يكن من القرائن إلا تقديمه الزهري عليه في الذكر لأن أبا حازم الأشجع يفي منزلة شيوخ الزهري أفاده الحافظ ابن حجر ويحيى ابن سعيد الأنصاري قال زين الدين تعقبا لابن الصلاح التمثيل بالزهري مع التعليل بقلة من لقي من الصحابة معترض فقد لفي الزهري من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وقال ابن خلكان إنه رأي عشرة من الصحابة انتهى ثم عدد الزين أولئك بقوله وهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وربيعة بن عباد وعبد الله بن جعفر ولم يسمع منه السائب بن يزيد وسفيان أبو جميلة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وأبو الطفيل ومحمود بن الربيع والمسور ابن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وقيل إنه سمع من جابر وقد سمع من محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبي مالك القرظي وهو مختلف في صحبتهم وأنكر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين سماعه من ابن عمر وأثبته على بن المدني والمثبت أولى من النافي قال الحافظ ابن حجر تعقبا لسيخه الزين تمثيله أي ابن الصلاح صحيح فإنه لا يلزم من كونه لقي 286 كثيرا من الصحابة أن يكون من لقيهم(1/290)
من كبار الصحابة حتى يكون من هو كبار التابعين فإن جميع من سموه مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغار الصحابة أو ممن لم يلقهم الزهري وإن كان روى عنهم أو ممن لم تثبت له صحبة وإن ذكر في الصحابة أو ممن ذكر فيهم بمقتضى مجرد الرؤية ولم يثبت له سماع فهذا حكم جميع من ذكر من الصحابة في مشايخ الزهري إلا أنس ابن مالك وإن كان من المكثرين فإنما لقيه لأنه تأخر عمره وتأخرت وفاته ومع ذلك فليس الزهري من المكثرين عنه ولا أكثر أيضا عن سهل ابن سعد الساعدي فتبين أن الزهري ليس من كبار التابعين وكيف يكون منهم وإنما جل روايته عن بعض كبار التابعين لا كلهم لأن أكثرهم مات قبل أن يطلب هذا العلم وهذا بين لمن نظر في أحوال الرجال انتهى قلت ولا يخفى أن ابن الصلاح جعل الزهري مثالا لمن وصفهم بأنهم لم يلقوا إلا الواحد والاثنين وهذا المثال غير صحيح لملاقاة الزهري لمن ذكر فاعترض الزين صحيح نظرا إلى عبارة ابن الصلاح وأما كونهم من صغار الصحابة أو كبارهم فلم يذكره ابن الصلاح بل جعل كبار التابعين من كان أكثر حديثهم عن الصحابة صفارا كانوا أو كبارا وجعل صغار التابعين من لاقوا الواحد والاثنين من الصحابة فتدبر القول الثالث في حقيقة المرسل أنه ما سقط من إسناده راو فأكثر من أي موضع فعلى هذا المرسل والمنقطع والمعضل واحد وهو مذهب الزيدية قال ابن الصلاح وهو المعروف في الفقه وأصوله وبه قطع من المحدثين الخطيب إلا أنه قال أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وبقي في رسمه قول رابع وهو قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا التعريف قال ابن الحاجب وقبله الآمدي والشيخ(1/291)
287 الموفق وغيرهم فيدخل في عمومه كل من لم تصح له صحبة وإن تأخر عصره قال الحافظ العلائي إطلاق ابن الحاجب وغيره يظهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم يريدون ما سقط منه التابعي مع الصحابي وأما ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك ولم أر من صرح بحمله على الإطلاق إلا بعض غلاة الحنفيه وهو اتساع غير مرضي لأنه يلزم منه بطلان اعتبار الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة وترك النظر في أحوال الرواة والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك ويؤيده أنه قال الأستاذ أبو اسحق الأسفراييني المرسل رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو تابع التابعي عن الصحابي فأما إذا قال تابع التابعي أو واحد منا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعد شيئا انتهى وقريب منه قول ابن القطان قال زين الدين إنه قال ابن القطان إن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه
مسألة في بيان اختلاف العلماء في قبول المرسل
في قبول المرسل ورده أقوال ذكر المصنف منها ثلاثة فقال وقد اختلف الناس في المرسل أطلق المصنف المرسل هنا وقيده في مختصره حيث قال واختلفوا في قبول المرسل وأنواعه مع الجزم من الثقة ومع عدم القدح فيه من ثقة آخر ثم عد هنا أقوالا للمقبول الأول قوله فقيل تقبل مراسيل أئمة الحديث الموثوق بهم المعروف تحريهم ويأتي الدليل على هذا والثاني قوله وقال الشافعي يقبل المرسل ممن عرف أنه لا يرسل إلا(1/292)
288 عن ثقة كابن المسيب فإنه لا يرسل إلا عن ثقة وقد لقي جماعة من الصحابة وأخذ عنهم ودخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهن وأكثر روايته عن أبي هريرة ثم عد للمرسل المقبول صورا الأولى قوله أو جاء المرسل عن ثقتين لكل واحد منهما شيخ غير شيخ الآخر عبارة الشافعي فيما نقله عنه الزين يؤدي هذا إلا أنه قدم الرتبة التي أخرها المصنفوهي الثانية من الصور التي يفيدها أو جاء مسندا أي مرفوعا متصلا من طريق الثقاة بمعناه ثم قال كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه وجعل هذه الرتبة أقوى من التي قبلها فإنه قال في الأولى كانت هذه دلالة تقوى له رسله وهي أضعف من الأولى فأفاد أن المرسل الذي جاء بمعناه مسندا مرفوعا أقوى من المرسل عن ثقتين إلى آخره فإذا تعارضا قدم الأقوى والثالثة منها قوله أو صح عن بعض الصحابة موقوفا قال الشافعي كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى الرابعة من الصور قوله أو قال بمقتضاه عوام من أهل القلم أي الكثير منهم وذلك أي قبول المرسل على جميع هذه التقادير كما دل قوله كله وكأه عام لرواية كبار التابعين أيضا مشروط بشرطين أحدهما أن يكون المرسل اسم فاعل من التابعين الذي رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن المراد الذين رأوا أكثر أصحابه لا كلهم ولا الأقل لبعد الأول وكون الثاني يدخل فيه صغار التابعين لأنهم قد رأوا الأقل من الصحابة ولو واحدا وإلا لما كان تابعيا وثانيهما أي الشرطين أن يعتبر صحة حديث هذا المرسل اسم فاعل بأشياء تفيد ظن صحته عد منها شيئين الأول موافقته للحفاظ في سائر حديثه فيعرف أنه حافظ قال الشافعي إذا شارك أحدا من الحفاظ في حديثه ولم يخالفه فإن خالف ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه انتهى فأفاد أن نقص حديث من أرسل عن حديث من وافقه لا يضر ولم يفده كلام المصنف إلا أنه قد يمكن تطبيقه عليه وأشار الزين(1/293)
إلى هذا بقوله
289 ومن إذا شارك أهل الحفظ وافقهم إلا بنقص اللفظ وإن كانت عبارته تفيد اشتراط نقص اللفظ إلا أنه معلوم أنه غير مراد وإنما ألجأه إليه النظم والثاني منها أن يكون إذا سمي من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرفوعا عن روايته قال الشافعي فيستدل بذلك على صحة ما روى عنه ثم قال أما إذا وجدت الدلائل بصحة حديثه كما وصفنا أحببنا أن نقبل مرسله روى ذلك أي كلام الشافعي الخطيب في الكفاية وأبو بكر البيهقي في المدخل بإسناديهما الصحيحين عن الشافعي ذكره زين الدين فيما زاده على ابن الصلاح قال زين الدين إن ابن الصلاح أطلق القول عن الشافعي بأنه يقبل مطلق المراسيل إذا تأكدت بما ذكره والشافعي إنما يقبل مراسيل كبار التابعين إذا تأكدت مع وجود الشرطين المذكورين في كتابي انتهى وقد حصل زبدة كلامه المصنف بما ساقه وفائدة قبول المرسل إذا أسند عن ثقات انكشاف صحته كأنه جواب ما يقال إنه إذا اشترط وجود المرسل مسندا فأي فائدة في مع وجود المسند ولا يخفى أن هذه فائدة الصور الثانية مما سقناه فيكونان حديثين حديث مسند مرفوع وحديث مرسل فإذا عارضهما مسند آخر كانا أرجح منه لاعتضاد المرسل بالمسند المرفوع القول الثالث قوله وذهب الزيدية والمالكية والحنفية إلى قبول المرسل قلت ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني فإنه صرح بأنه لا يقبل المراسيل ولفظه في خطبة كتابه شرح التجريد وشرطنا فيه أي في الحديث الذي يرويه السماع والعدالة ثم قال ولقد أدركت أقواما ممن لا يتهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحفظون السند ويرسلون الحديث فما قبلت أخبارهم ولا نقلتها عنهم وعندنا لا يحل لأحد أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما سمعه من فم المحدث العدل فحفظه ثم يحدث به كما سمعه ثم قال إن المراسيل عندنا وعند عامة الفقهاء(1/294)
290 لا تقبل انتهى كلامه ولم أنقله على ترتيبه لكن هذه ألفاظه وخالف في ذلك أكثر المحدثين فقالوا لا يقبل المرسل والقائلون بقولهم وهم من ذكرهم يقولون بقبوله مطلقا من غير شرط من الشروط الماضية إلا أنه لا بد من الاستفسار عن تعريف المرسل الذي قبلوه فقد مضت ثلاثة تعاريف للمصنف فلا ندري أيها المراد هنا والظاهر أنه الثالث وهو الذي في كتب أصول الزيدية وغيرهم لأن المرسل هو ما سقط فيه راو أو أكثر وهو الثالث من التعريفات التي ذكرها المصنف وذكر أنه مذهب الزيدية وحينئذ ففي انطباق الدليل الأول على مذهبهم نظر وهو قوله فاحتج أصحابنا في ذلك بوجوه الأول الإجماع وهو إجماع الصحابة وإجماع التابعين فأنه إن سلم إجماع الصحابة فإنما أجمعوا على مرسل خاص وهو مرسل الصحابي كما يدل له قوله أما إجماع الصحابة فلأنه اشتهر فيهم وظهر وشاع ولم ينكر من ذلك أن البراء بفتح الموحدة فراء ممدود ابن عازب بعين مهملة فزاي بعد الألف فموحدة صحابي معروف قال في حضرة الجماعة أي من الصحابة ليس كل ما أحدثكم به سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا لا نكذب أي لا نقول عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله بل نحدث عمن حدثنا عنه إلا أنك قد عرفت من تعريف المرسل أنه قول التابعي أو كبار التابعين وليس هذا منه وكأنه يريد أنه قد حصل المعنى الذي في المرسل نعم على تعريف الأصوليين يقال لهذا مرسل إلا أنه لا يعلم حديث رواه الصحابي أنه سقط منه راو إلا بإخبار الصحابي بذلك لأن الأصول فيما يرويه أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيما إذا عرف بالأخذ عنه والملازمة مثل أبي هريرة ونحوه وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ربا إلا في النسيئة ثم قال أخبرني بذلك أسامة بن زيد ذكر ذلك كله المنصور بالله رضي الله عنه في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة ولا يخفى أن هذا فيما أرسل عن صحابي(1/295)
291 وهو أخص من مدعي الزيدية كما أن قوله قلت ومن ذلك حديث أبي هريرة في فطر من أصبح جنبا وقوله حدثني الفضل بن العباس ولفظ الحديث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح جنبا أفطر وفي لفظ له من أصبح في رمضان جنبا فلا صوم له وله ألفاظ أخر فقال ما أنا قلتها ورب الكمية لكن محمدا قالها ولما عارضته أخبار نسائه صلى الله عليه وسلم بأنه ككان يصبح جنبا ويصوم ولا يقضي سئل عما حدث به فقال أخبرني الفضل ابن العباس وفي رواية أسامة بن زيد وكذلك ابن عباس أسند حديثه المذكور لما عورض فسئل وإذا عرفت هذا فلا يتم إطلاق من قال إن الصحابة كانوا يباحثون من أرسل ويطلبون منه الإسناد مستدلين بهذين الخبرين فإن الظاهر أنهم إنما كانوا يبحثون عند ظهور المعارض ومع عدم المعارض لا يبحثون ولا يسألون وحينئذ فيتم الاستدلال على قبول المرسل ما لم يعارض قلت ولا يخفى وقد أشرنا أن الأصل فيما يرويه الصحابي الرفع فيعمل عليه ما رواه ما لم يصرح بخلافه وقد قيل إن أكثر رواية ابن عباس كذلك أي مرسلة لصغر سنه وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسن ابن عباس في ثلاث عشرة سنة على أصح ما قيل وأما إجماع التابعين على قبول المراسيل فرواه العلامة محمد بن جرير الطبري الإمام المعروف صاحب التفسير والتاريخ الكبير وغيرهما حكاه عنه ابن عبد البر في مقدمة كتابه التمهيد وقال البلقيني بالموحدة مضمومة وكسر القاف نسبة إلى قرية بمصر وهو إمام كبير الشأن وهو شيخ الحافظ ابن حجر وغيره من الأئمة في علوم الحديث وذكر محمد بن جرير الطبري أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المراسيل ولم يأت عنهم إنكاره ول عن أحد(1/296)
292 من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين قال ابن عبد البر كأن ابن جرير يعني أن الشافعي أول من أبى قبول المراسيل انتهى لما قاله إلى رأس المائتين ولا يخفى أن التابعين قبلوا مراسيل التابعين إذ هي الموجودة في عصرهم ومراسيل الصحابة لكن لا خفاء أن هذا لا ينطبق على ما هو المراد بالمرسل عند الزيدية على أن هذا النقل الذي نقله ابن جرير وقوله إنه لم يأت عن أحد إنكاره إلى رأس المائتين ونقله ابن الحاجب أيضا فيه أمران الأول قد نقل عن سعيد ابن المسيب وهو من كبار التابعين كما عرفت أن المرسل ليس بحجة ومثله نقله الحافظ ابن حجر عن ابن سيرين وبه يعرف بطلان الإجماع وأن دعوى أنه لم يأت فيه خلاف إلا من بعد المائتين غير صحيح ويؤيد بطلان دعوى الإجماع أنه حكى عن أبي اسحق الإسفراييني أنه لا يقبل المرسل مطلقا حتى مرسل الصحابة قال لا لأجل الشك في عدالتهم بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين قال إلا أن يخبر الصحابي عن نفسه أنه لا يروى إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي فحينئذ يجب العمل بما يرويه وذكر ابن بطال عن الشافعي أن المرسل عنده ليس بحجة حتى مرسل الصحابة وبهذا تعرف أن المسألة غير إجماعية فلا يتم لهم ولمن تبعهم دليلا على ذلك وروى البلقيني قبول المراسيل عند أحمد بن حنبل في رواية وعدها أي روايته عنه من زوائد فوائده لأنه يروها أهل علوم الحديث عن أحمد قلت قد رواها أيضا تلميذ البقيني الحافظ ابن حجر ولكنها في مراسيل التابعين وإنما الاشتراط أن يكون المرسل من كبار التابعين بل ولو من صغارهم ولكن قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة ما لفظه وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حق جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره انتهى فينظر في نقل البلقيني وابن حجر عن أحمد(1/297)
293 الوجه الثاني من وجوه أدلة قبول المرسل عند الزيدية أن الأدلة الدالة على التعبد بخبر الواحد وهي معروفة في الأصول وعمدتها إجماع الصحابة والتابعين على العمل بها فهو عائد إلى الاستدلال الأول وهي لم تفصل بين كونه مسندا أو مرسلا لأن الكل يصدق عليه أنه خبر أحادي الوجه الثالث من الأدلة أن الثقة إذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جازما ذلك هذا هو الذي قيد به المسألة في مختصره كما ذكرناه هو احتراز عن أن يرويه بصيغة التمريض وهو يعلم أن من رواه مجروح العدالة كان الثقة قد أغرى السامع بالعمل بالحديث والرواية له وهي من العمل أيضا إلا أنها لما تعورفت فيما عداها عطفها عليه وذلك خيانة للمسلمين لا تصدر عن العدل والفرض أنه عدل ولهذا قبل المحدثون ما جزم به البخاري من التعاليق على أصح الأقوال مع أنها مراسيل وأجيب عنه بأنه اختص البخاري بقبول تعاليقه لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا ذلك وإن كان المشهور أن تعاليقه التي يحكم لها بالصحة هي ما علقه بصيغة الجزم لأنه يدل على صحة الإسناد بينه وبين من علق عنه وقال الحافظ ابن حجر إن كل ما أورده البخاري في كتابه مقبول إلا أن درجاته متفاوتة في الصحة ولتفاوتها تخالف بين العبارتين في الجزم والتمريض إلا في مواضع يسيرة جدا أوردها وتعقبها بالتضعيف أو التوقف في صحتها انتهى قلت هذا كلام الحافظ هنا والذي أفاد كلامه في مقدمة الفتح أن المعلق في الصحيح بصيغة الجزم يحتمل ثلاثة أقسام الأول معلق قد وصله في محل آخر فهذا موصول في الحقيقة وتعليقه عارض بسبب الاختصار والثاني قسمان معلق لا يلتحق بشرطه لكنه حسن وصلاح للحجية وثانيهما ضعيف(1/298)
294 بالانقطاع هذا كلامه وإذا عرفته عرفت أن ما أورده بصيغة الجزم متردد بين ما ذكر فلا يتم الحكم لما أورده بها شيء حتى يكشف عن حاله فمن قال ما أورده البخاري معلقا بصيغة الحزم صحيح فقوله غير صحيح لما عرفته من الاحتمال ثم ذكر الحافظ في المقدمة فيما يورده البخاري بصيغة التمريض أنه متردد بين خمسة أشياء صحيح على شرطه صحيح على شرط غيره حسن ضعيف فرد انجبر بالعمل على موافقته ضعيف فرد لا جابر له هذا خلاصة ما أفاده كلامه في المقدمة وإذا عرفت تردد الصيغة بين هذه الخمسة فهي مبهمة لا يتم معرفة المراد منها إلا بعد الكشف عن حقيقتها وعرفت أن في تسميتها صيغة تمريض بحثا فإن الثلاثة الأول مما يجزم به وكأن المراد أنها صيغة تمريض نظرا إلى شرط البخاري في غير القسم الأول فإنه على شرطه ومن هنا تعلم أن صيغة التمريض لا تدل على الضعف في اصطلاح البخاري ومن استدل بها على ضعف ما يرويه بها فقد جهل مراده ثم لا يعزب عنك أنه كان الأولى أن يجعل ما هو على شرط غيره من أقسام ما عبر عنه بصيغة الجزم كما أنه كان المتعين في القسم الأول من هذه الأقسام أن يعبر عنه بها وذلك لأنه قد جعل الحسن من أقسام ما يعبر عنه بصيغة الجزم وهو أنزل منه رتبة كما أنه كان يتعين جعل الضعيف بالانقطاع من هذا القسم أي من قسم ما يعبر عنه بصيغة التمريض لا مما يعبر عنه بصيغة الجزم وقد جعله من أقسام ما عبر عنه بصيغة الجزم وبعد هذا تعرف تقارب الصيغتين وتعرف أن تقرير الحافظ في النكت يخالف تقريره في المقدمة فتأمل ومنه تعرف أن قول المصنف ولهذا قبل المحدثون ما جزم به البخاري من التعاليق ليس على إطلاقه بل فيه التفصيل الذي سمعته(1/299)
295 واعتذر المحدثون عن هذه الحجيج التي استدل بها قابلوا المراسيل أما الإجماع الصحابة فلم يسلموا علمهم الجميع لتفرقهم في الآفاق ولا يسلموا أن سكوتهم عن رضا وقد عرفت أنهما ركنا الإجماع السكوتي وإن سلموا فلا حجة في ذلك لوجهين أحدهما أن قبول مراسيل الصحابة مجمع على جوازه ممن روى الإجماع عليه ابن عبد البر في تمهيده ذكره في حديث ابن عمر في المواقيت قد قدمنا الخلاف في مراسيل الصحابة عن أبي اسحق الإسفراييني وكذلك صرح أبو بكر الباقلاني في التقريب أن المرسل لا يقبل مطلقا حتى مراسيل الصحابة وذلك للعلة التي ذكرناها ونقل عدم قبول مراسيلهم عن الشافعي ابن بطال في أوائل شرح البخاري ذكر هذا كله الحافظ ابن حجر فالتابعون لم يتم إجماعهم وإن أريد إجماع الصحابة على قبول مراسيلهم فلا يسمى ما جاء عنهم مرسلا كما عرفت من تعريف المرسل إلا على التعريف بأنه ما سقط منه راو وإذا عرفت تعريف المرسل بكل تعريف عرفت أن لا يصح أن يقال مرسل الصحابة إذ لا مرسل لهم ففي قولهم مرسل الصحابة تسامح وثانيهما أي وجهي عدم حجية ما ذكر على تقدير التسليم أن المرسل اسم فاعل في ذلك الزمان لم يكن يرسل إلا عن عدل لأن العدالة غالبة في أهل ذلك العصر ألا ترى أن ابن عباس وأبا هريرة لما أخبرا عمن أرسلا كيف أسندا الحديث إلى عدلين أسامة بن زيد والفضل ابن العباس فإن جوزنا إسناد الرواية إلى غير عدل في ذلك الزمان فذلك نادر ولا نادر غير معتبر ولا يجب الاحتراز منه لأنه مرجوح والعلم على الراجح بل قال ابن سيرين إنهم أي الصحابة لم يكونوا يبحثون عن الإسناد حتى ظهرت البدع وحافظوا على الإسناد ليعرفوا حديث أهل السنة فيأخذوا به من حديث أهل البدعة فيتركونه ويأتي ما في هذا فإذا ثبت إجماع الصحابة على قبول مراسيل أهل ذلك العصر لم يكن حجة عامة على قبول كل مرسل لأن الدليل الخاص(1/300)
296 لا ينطبق على المدعي العام وبيانه أنه احتجاج بفعل وهو القبول من البعض والسكوت من الآخرين والفعل لا عموم له إذ العموم والخصوص من خواص الأقوال وهذا سؤال وارد فلعل الصحابة لو رأوا ما حدث في الناس من التساهل في رواية الحديث لبحثوا أشد البحث فقد روى مسلم عن ابن عباس أنه سمع رجلا هو بشير مصغر بشر بالمعجمة بعد الموحدة آخره راء بن كعب يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينظر إليه فقيل له ذلك القائل هو بشير فإنه قال لابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع فقال ابن عباس إنا كنا إذا سمعنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصغينا إليه فلما ركب الناس الصعب والذلول قال النووي في شرح مسلم أصل الصعب والذلول في الإبل والصعب العسر المرغوب عنه ولا ذلول السهل الطيب المرغوب فيه والمعنى سلكوا كل مسلك مما يحمد ويذم لم تأخذ من الناس أي من أحاديثهم إلا ما نعرف رواه مسلم في مقدمة كتابه الصحيح فقال ثنا أبو أيوب سليمان ابن عبد الله الغيلاني ثنا أبو عامر يعني العقدي أنبأنا رباح عن قيس ابن سعد عن مجاهد قال جاء بشير العدوي إلى ابن عباس الحديث فإذا كان هذا في زمن ابن عباس فكيف بعده إلا أنه لا يخفى أن في هذا دليلا على وجود من لا يوثق بروايته في زمن الصحابة وليس فيه دليل على قبول المرسل ولا على عدم قبوله على أنه قال الحافظ في التقريب في ترجمة بشير ما لفظه بشير مصغر ابن كعب بن أبي الحميري العدوى أبو أيوب البصري ثقة مخضرم والمخضرم بفتح الراء من التابعين من أدرك الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست لهم صحبة ولم يشترط بعض أهل العلم نفي الصحبة قال الزين والمخضرم متردد بين الصحابة المعاصرة بين التابعين لعدم الرؤية وظاهر كلامه أنه في الاصطلاح خاص بما ذكر والذي(1/301)
297 في القاموس أن المخضرم الذي مضى نصف عمره في الإسلام ونصفه في الجاهلية أو من أدركهما أو شاعر أدركهما كلبيد انتهى فالمذكور أحد معانيه اللغوية وبه يعرف أن بشيرا من كبار التابعين وأما الوجه الثاني من أدلة قابلي المراسيل وهو أن أدلة قبول الآحاد عامة للمراسيل والمسانيد فغير مسلم بل هي متناولة لقبول الصدر الأول ومن كان على مثل صفتهم على أنه لا يتحقق المرسل في عصر النبوة إلا نادرا أما الإجماع فهو على قبولهم هذا تكرار زاده ليعطف عليه قوله وكذا قبول رسل النبي صلى الله عليه وسلم المبعوثين إلى الآفاق فإنه من أدلة وجوب العمل بالآحاد وهو عطف على جملة أما الإجماع فهو على قبولهم وكلامنا في المراسيل عن غير أهل الصدر الأول وكذا قبوله صلى الله عليه وسلم الآحاد وقبول الصحابة لهم فإنه خاص بأهل ذلك العصر وهذه من أدلة قبول الآحاد وهي لا تشمل المرسل كما قاله من استدل بها على قبوله على أن رسله صلى الله عليه وسلم يبلغون عنه ما سمعوه منه أو يبلغون كتبه وهي كذلك غالبا وكذا قبوله الآحاد ليس دليلا أنهم يأتونه بمراسيل بل يخبرونه عمن شافهم فكيف يجعل دليل المسند دليلا للمرسل ويدعى شموله له وكذا الدليل العقلي الذي استدل القائلون بحجية الآحاد وأنها أدلة شاملة للمراسيل مقصور أي الدليل العقلي على ما يثمر الظن هذه إشارة من المصنف أن القائلين بأن الأمة متعهدة بقبول الآحاد عقلا وهذا قول أبي الحسين البصري والفقال وابن سريج واستدل أبو الحسين بأن العمل بالظن في تفاصيل الجمل المعلوم وجوبها عقلا واجب عقلا بدليل أن العقل يقضي بقبول خبر العدل في مضرة طعام معين وفي إنكار جدار يريد أن ينقض فيحكم العقل بأن الطعام لا يؤكل وأن الجدار لا يقام تحته وذلك تفصيل لما علم بالعقل إجمالا وهو وجوب اجتناب المضار وما نحن فيه كذلك للقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لتحصيل المصالح ودفع المضار(1/302)
298 وخبر الواحد تفصيل له فإذا أفاد الظن وجب العمل به مطلقا انتهى ولكن شارك أبا الحسين في مدعاه أدلة أخرى معروفة وقد أجاب من لم يقل بالدليل العقلي على خبر الآحاد وادعى بأنه ليس عليه دليل إلا من السمع عن هذا الدليل بما هو معروف في الأصول والمراسيل عند المخالف وهو القائل بأنها لا تقوم بها حجة لا تثمر الظن الراجح على الإطلاق وإن أثمر بعضها الظن الراجح فهو مقبول بالاتفاق كما سيأتي وإنما وقع الخلاف بين الفريقين فيما لا يثمر ظنا راجحا وما لا يرتقي إلى مرتبة أخبار الآحاد التي قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي في إفادة الظن وكأنه يريد فيما يثمر ظنا راجحا كما قلناه لا أنه يثمر ظنا ويقولون إنه يعمل به ولا يقول هذا أحد فإن العمل لا يكون إلا بعلم أو ظن ولا يجوز العمل تخمينا إلا أن ينص الشارع إلى وجوب العمل به وجب وإن لم يحصل ظنا كالحكم بالعدلين إذا شهدا فإنه يجب عليه الحكم حصل له ظن أول ولعل قابل الآحاد يقول إنه يجب العمل بها وإن لم تثمر ظنا فيتم ما قاله واعلم أن حقيقة الظن الاعتقاد الراجح بأحد المجوزين فالراجحية لازمة لحصول الظن فإن استواء الظرفين شك كما عرف في الأصول وبها يختلف قوة وضعفا فإذا عرفت هذا فالخبر المرسل إن أفاد الظن عمل به عند الفريقين وإن لم يثمره عمل به عند أحدهما فعرفت أن تقسيم المصنف للمرسل إلى ما يثمر ظنا راجحا وإلى ما يثمر ظنا غير راجح أو إلى مالا يثمر ظنا أصلا غير صحيح إلا أن يحمل راحجا على أن المراد قويا وغيره على ظن غير قوي أو يحمل قول راجح على أنه وصف كاشف ويراد بالآخر أنه لا يثمر ظنا أصلا وفي قوله وما يرتقي إلى آخره تأمل إلا أن يكون من عطف الخاص على العام وأما الوجه الثالث من وجوه قابل المرسل وهي الأولى وهو كأنه أنته لكونه في معنى الحجة حمل الراوي الأحسن المرسل على(1/303)
299 السلامة والقول بأن عدم القبول لما أرسله تهمة له بقبيح هو الكذب ونحوه فهذا الوجه مبني على أصلين لا يتم إلا بصحتها وسيعلم أنه لا صحة لهما فإن أحدهما قد انكشف خلافه وثانيهما متنازع فيه فأما الأول فهو أن المحدثين قالوا إن الحمل على السلامة يزول متى انكشف خلافه إذ الحمل على السلامة مجرد إحسان ظن فإذا ما يطل الظن دل على عدم صحة أمارته قالوا ونحن قد جربنا وساء لنا الثقات على ثلاثة أوجه الأول قوله فمنهم من أسند الرواية التي أرسلها إلى ما لا يرضاه المرسل هو بنفسه ولا غيره من ذلك قول أبي حنيفة ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وحديثه عنه موجود وقول الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذابا وحديثه عنه موجود والثاني قوله ومنهم من أسند الرواية إلى من يقبله هو وغيره لا يقبله فقد وقع الاختلاف في الجرح والتعديل كثيرا فقد أسند الشافعي عن ابن أبي يحيى وأسند مالك عن عبد الملك بن أبي المخارق وأحمد بن حنبل عن عامر بن صالح والكل متكلم فيه كما يأتي آخر هذا البحث والثالث قوله ومنهم من أسند الرواية إلى ثقة مقبول كما تقدم في حديث البراء وأبي هريرة إن قيل ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة إلى الإرسال قلت قال الحافظ ابن حجر إن له أسبابا منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده فيرسل اعتمادا على صحته عن شيوخه كما صح عن ابراهيم النخعي أنه قال ما حدثتكم عن ابن مسعود فقد سمعته عن غير واحد وما حدثتكم به وسميت فهو عمن سميت ومنها أن يكون نسى من حدثه وعرف المتن فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى فيذكر المتن لأنه المقصود في تلك الحالة(1/304)
300 دون السند ولا سيما إذا كان السامع عارفا بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب قالوا أي أئمة الحديث فلأجل اختلاف أحوال الثقات ممن يطوون ذكره عند الإرسال لم نأمن أن يكون المرسل ممن يرسل عن الضعفاء بمرة فاحترزنا وتركنا الجميع سيما وقد حصل لهم من التتبع أن المرسل عن الثقات المتفق عليهم قسما واحدا فصار معلوم بين القسمين الآخرين ومجهولا أيضا وأما الأصل الثاني من الأصلين الذين بنى عليهما الأصل الثالث وهو قول أصحابنا إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح وهو الكذب ونحوه والتهمة لا يجوز العمل عليها فهو أيضا يشتمل على نقض لجواب المحدثين المقدم وهو قولهم ونحن قد جربنا وساء لنا الثقات إلى آخره فلنقدم تحريره أي تحرير كلام الأصحاب ثم نورد عذر المحدثين فيه أما النقض الوارد عليهم أي المحدثين فلأصحابنا أن يقولوا قولكم إن في العدول أي الثقات كما هي عبارتهم آنفا من بحث مبنى للمجهول أي عن سند ما أرسله وتفصيل ما أجمله وكشف ما ستره وأهمله فأسند إلى من لا يقبل عنده وعند غيره وهو القسم الأول من الثلاثة غير مسلم عدالة من فعل ذلك فإنا ننازع في عدالة من فعل هذا لأنه خيانة للمسلمين وحمل على العمل والرواية عمن لا يجوز العمل بروايته ولا الرواية بما رواه قلت لا يعزب عنك أن هذا النقض لا يتم إلا بعد تقرر أن من نقض قائل إنه لا يقبل إلا مرسل من أرسل عن ثقة عنده أو ثقة مجمع عليه والذي تقدم أن الزيدية يقولون بقبول المرسل مطلقا كالحنفية وفي شرح الغاية وغيرها أن قبول المرسل مطلقا رأي أئمتنا أي أئمة الزيدية وقال المصنف في الروض الباسم في بحث كفار التأويل ما لفظه فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه قبلوا مرسل من يقبلهم وإن لم يقبلوا المجهول قبلوا مرسل من يقبله ولا يفرق(1/305)
301 بينهم من يحترز عن هذا البتة وهذا يدل على أن حديثهم أي الزيدية في مرتبة لا يقبلها إلا من يجمع بين قبول المراسيل بل المقاطيع وقبول المجاهيل وقبول كفار التأويل والفساق من أهل التأويل انتهى بلفظه فكيف يتم لهم هنا هذا الجواب القاضي بأن مراسيلهم لا تكون إلا عمن يرسل عن الثقات وقال أيضا قد بينا أن الزيدية أحوج الناس إلى قبول المبتدعة وأن مدار حديثهم على من يخالفهم وأن كثيرا من أئمتهم نصوا على قبول كفار التأويل وادعوا الإجماع على ذلك وأن أئمة الزيدية يقبلون مراسيل أولئك كالمنصور والمؤيد والإمام يحيى والقاضي زيد القاضي عبد الله بن زيد وغيرهم انتهى بلفظه قلت ومراده بالمؤيد أحمد بن الحسين الهاروني ولكن الذي رأيته في خطبة التجريد له ما لفظه وعندنا لا يحل لأحد أن يروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل فحفظه ثم يحدث كما سمعه فإن كان إماما تلقاه بالقبول وإن كان غير إمام فكذلك ثم رواه غير مرسل وصح عنده فإن المراسيل عندنا وعند عامة الفقهاء لا تقبل ولقد أدركت أقواما ممن لا يتهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحفظون السند فما قبلت أخبارهم ول نقبلها عنهم لعدم حفظهم للأسانيد انتهى بلفظه وجواب المحدثين على هذا النقض أنهم لا يسلمون إطلاق اسم القبيح على مثل هذا فلا يتم قولهم إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح لأن هذه المسألة أي الإرسال عمن ليس بعدل ظنية مختلف فيها فالمرسل أن يعتقد أن المرسل غير مقبول فيرسل عنه ويعتقد أن على من سمعه البحث لكن لا يخفى أن هذا الصنيع توعير لمسلك الشريعة السمحة السهلة فإن جاء المرسل بلفظه التمريض كروى ونحوه والبلوغ بلغنا كذا فظاهر أنه لم يجزم وعدم الجزم باعث على البحث عن الراوي فإنه يصدق فيه أنه بلغه سواء كان صحيحا أو ضعيفا وإن كان الراوي له مجروحا بل لا ينبغي أن يأتي بتلك(1/306)
302 الألفاظ إلا مع القدح في الراوي والعنعنة يأتي تحقيقها اشتقاقا وحكما قريبا قريب من ذلك في الاحتمال فإن لها احتمالات على أني لم أجد لأحد من أهل المذهب نصا أن هذا يسمى مرسلا قال المصنف في العواصم لا أعلم أحدا ذكر البلوغ أو الرواية بلفظ ما لم يسم فاعله في المراسيل ولا فيما يجب قبوله من أخباره الثقات وإن جاء بلفظ الجزم عطف على قوله فإن جاء بلفظ البلوغ إلى آخره فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أي الذي أتى فيه الراوي بصيغة الجزم هو الذي نص الأصحاب على تسميته مرسلا فالمحدثون اعتذروا عنه بأمرين أحدهما ما ذكره قاضي القضاة وهو أنا لا نسلم أن هذه الصيغة الجازمة تدل على ثقة المرسل بصحة ما أرسله وأنه لم يجزم بإرساله إلا لثقة من أرسل عنه فإن يجوز لمن ظن صحة الحديث ولو كان عن مجروح أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ذكره عنه أي عن قاضي القضاة والقياس عنهم لأنه للمحدثين أبو الحسين في المعتمد عند الكلام على الترجيح وعلى هذا لو ظن ذلك من خبر مجروح العدالة جاز له أن يقول ذلك وإن لم يجز له العمل لأنه لا يجوز العمل إلا بخير العدل لأنه الذي تعبدنا بالعمل بخيره وهذا مبني على أن الرواية ليست بعمل وإلا فالأقوال داخلة تحت الأعمال كما قررناه في حواشي شرح العمدة في الكلام على حديث إنما الأعمال بالنيات كما قد يجوز العمل حيث لا تجوز الرواية عند بعض العلماء كما يأتي في باب الوجادة وهي العمل بالخط وذلك أن للعمل شرطا وللرواية شرطا فشرط العمل الظن الصادر عن أمارة لم يرد الشرع بالمنع من العمل بها ولا عارضها أرجح منها ولا مثلها على خلاف في الأمارة المماثلة لها دليله أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وخشوا خروج الوقت قبل دخولها أي بني قريظة صلى جماعة عملا بظنهم أن الأمر مقيد بعدم خروج الوقت وعمل آخرون بخلافه ظنا أنه أمر(1/307)
303 مطلق فهذا عمل عن أمارة لم يرد المنع من الشرع بالعمل بها وقد تعارضت الأمارتان الإطلاق والتقييد إذ الكل قد ورد في الشرع فعملت كل طائفة بأمارة وأقرهم صلى الله عليه وسلم على ذلك وإنما اختلف في الأمارة المماثلة لما عارضها لأنه يكون العمل بإحداهما دون الأخرى تحكما ومن خالف قال هو مخير بين الأمارتين لتماثلهما وشرط الرواية عدم تعمد الكذب فهذا شرط في الراوي أن لا يتعمد كذبا لا سوى لا غير ذلك من الشروط إلا أنه لا يخفى أن شرط الراوي العدالة وهي أخص من هذا الذي ذكر ولا يصح أن يريد تعمد الكذب مع العدالة فإن عدم تعمده داخل في مفهومها وإليه الإشارة بحديث من كذب علي متعمدا أو إلى أن شرط الرواية عنه صلى الله عليه وسلم عدم تعمد الكذب وهذا مشكل إذ يلزم منه قبول رواية من ليس بمسلم إلا أن يريد مع كونه مسلما ثم رأيت المصنف قد أورد هذا السؤال على نفسه في مسألة قبول كفار التأويل وأجاب عنه بما يأتي واعلم أن بين الرواية والعمل عموما وخصوصا من وجه فقد يعمل بالقياس وقد يروى المنسوخ فما كل عمل برواية ولا كل رواية يعمل بها ويجتمعان في رواية يعمل بها وحينئذ يتحد شرط الرواية وشرط العمل فالتفرقة بين شرط الرواية وشرط العمل ليس له كثير فائدة على تقدير ثبوته وكأنه يريد أن هذا شرط لرواية لا يعمل بها كالإسرائيلات ونحوها لكنه لا يساعد عليه قوله هل جاز العمل أو لم يجز ويريد سواء عمل بها أو لم يعمل واستعمال هل في هذا المعنى لا أعرفه في العربية ويحتمل أن النسخة غلطا إلا أنى قد قابلتها على نسخ من التنقيح فقد يروي الثقة التعبير بالثقة عود إلى شرط رواية العمل وكان الأولى فقد يروى من لم يتعمد الكذب المنسوخ والمرجوح وعن الثقة والضعيف والمجروح مما لا يعمل به بل قد صح حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة أي لا إثم عليكم(1/308)
304 ولا تضييق في الحديث عنهم والمراد التحديث عن أحوالهم وتصاريفها وتقلبهم في البلاد لا عما يخبرون به عن الله وعن كتبه مما ل يصدقه كتابنا ولا كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه تعالى قد حكى أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه وأن منهم أميون لا يعملون الكتاب إلا أماني ويحتمل أن المراد حدثوا عن المؤمنين من بني إسرائيل ما يحدثونكم به من أخبار كتبهم وأحكامها وذلك كقوله تعالى فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك إلا أنه تعبد ول يتم به مراد المصنف وقد ورد في حديث آخر إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ومراد المصنف الاستدلال بأنه يؤاذن الشارع بالتحدث عن قوم ليسوا بمسلمين فضلا عن المجاريح وقد يروى عن المجروح متقويا به وهو متعمد في العمل على عموم أو قياس أو معتمد على الأصل وهو أحد الأمرين الإباحة أو الحظر على حسب رأيه في ذلك إذ العلماء مختلفون هل الأصل في الأشياء هو الإباحة أو الخطر كما هو معروف في الأصول ولو لم يكن معه إلا الحديث الذي رواه لم يستجز العمل وإن جاز أن يرويه فعمل الراوي بالحديث الضعيف لا يدل على أنه مستند إليه إلا أنه يشكل على هذا قولهم العمل على وفق الحديث الضعيف يدل على قوته أو على أن له أصلا أقصى ما في الباب أن يجويز هذا ضعف عند الناظر فيه إذ التجويزات تحمل جزم الثقات في الروايات على أنهم جزموا بالرواية عن الضعفاء والمجاريح تجويز مستبعد ضعيف لكنا قد رأينا العلماء والثقات يذهبون إلى مذاهب ضعيفة ولأجل تجويز ذلك عليهم على العلماء والثقات امتنع جواز تقليد المجتهد لهم بعد اجتهاده فيه أبحاث الأول أن امتناع تقليد المجتهد ليس لأجل أن المجتهد والرواة قد يذهبون إلى مذاهب ضعيفة بل علة امتناع تقليده لغيره هو الإجماع كما نقله ابن الحاجب واستدل به وأقره العضد وغيره وتبعه الآخذون من كتابه كالفصول ومؤلف الغاية وشرحها وإنما الخلاف هل يجوز له أن يقلد قبل اجتهاده في(1/309)
305 الحادثة فالجمهور على أنه أيضا يحرم عليه التقليد لغيره لأنه مأمور باتباع ظن نفسه الحاصل عن الأدلة لا باتباع ظنون المجتهدين واستدلوا أيضا على تحريمه بأن جواز تقليده لغيره حكم شرعي لا بد من الدليل عليه ولا دليل وبأن التقاليد بدل عن الاجتهاد جوز ضرورة لمن لا يمكنه الاجتهاد ولا يجوز الأخذ بالبدل مع التمكن من المبدل منه كالضوء واليتيم ولأن عمله يخالف ظنه جرأة منه محرم الثاني قوله إنه جعل قبول خبر الثقات تقليد وقد تقدم له أن قبول خبر الثقات ليس بتقليد اعترض بذلك عبارة الحافظ ابن حجر في عدد أحاديث البخاري الثالث قوله وامتنع الاحتجاج بأقوالهم إن أراد احتجاج المجتهد فهو الأول إذ الاحتجاج بها تقليد لهم وإن أراد احتجاج المقلد لهم فمشكل لأن أقوال المجتهدين حجة في حقه سواء كانت لهم مذاهب ضعيفة أولا فإنهم لم يشترطوا في الأصول أنه لا يقلد إلا مجتهدا ليس له قول ضعيف وإن أراد الاحتجاج بروايات المرسلين فمع عدم وضوح عبارته في هذا المراد فهو غير صحيح إذ هو محل للنزاع ولذلك أي ولأجل أن التجويز والاحتمال يمنع من الجزم بنسبة القول المحتمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المختار الذي صححه المنصور بالله وأبو طالب والجمهور أن الصحابي إذا قال قولا في أمر الشريعة من تلقاء نفسه ولم ينسبه إليه صلى الله عليه وسلم لم يكن حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم متى كان يحتمل وجها في الاجتهاد صحيحا أو فاسدا فجعلوا احتمال الوجه الفاسد مانعا من الجزم بنسبة القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك إذا احتمل قول التابعي أو غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عن ضعيف أو مجروح كان مانعا عن كون الصيغة الجازمة تدل على ثقة المرسل بصحة ما أرسله فمتى قدرنا أن قول الثقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه يستجيزه الثقة إذا سمعه من مجروح يظن صدقه فيستحل بروايته التي رواها عن المجروح الراوية(1/310)
دون العمل امتنع الجزم
306 بصحته سواء كان هذا الاحتمال صحيحا في نظرنا نحن أو ضعيفا كما أن قول الصحابي الذي احتمل وجها في الاجتهاد فاسدا ولا يحل معه نسبة ما قاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمجرد الاحتمال مانع إلا أنه لا يخفى الفرق بين المسألتين فإن الصحابي لم ينسب قوله إليه صلى الله عليه وسلم بخلاف المرسل فإنه نسبه إليه صلى الله عليه وسلم ثم الاحتمال في كلام الصحابي واضح بل الأصل أنه حيث لم ينسبه ليس إلا قولا له بخلاف الثقة المرسل فقد نسب ما رواه إليه صلى الله عليه وسلم فالعلة هي ما يفيده مما يأتي قريبا ثم إن من في كلام المصنف ما يشعر بأنه إذا لم يحتمل كلام الصحابي وجها في الاجتهاد جاز نسبة كلامه صلى الله عليه وسلم إليه وفيه بحث ظاهر وكن يغني عن قوله ولذلك كان المختار إلى آخره قوله قالوا وكيف لا يجوز هذا أي يجعله جائزا عن الثقات وقد جربناه في حق كثير من الثقات قد قدمنا شطرا من أمثلة ذلك والتجويز بعد التجوبة ضروري لا يمكن الإنفكاك عنه وصف كاشف للضروري وهذا هو الدليل الناهض على رد المرسل ولما استشعر من هذا أنه يقال وكيف يجوز للثقة أن يروي عن المجروح ويجزم بنسبة ما يحدث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عنه بقوله وإذا جاز هذا عليهم أي الثقات على جهة التأويل منهم للإرسال عن المجاريح لم يكن جرحا فيهم في الثقات المرسلين لأنه بالتأويل ينتفي الجرح والتأويل هو ما تقدم وبيان أنه ليس بجرح بعد التأويل لأن المسألة إن كانت ظنية فلا إثم عليهم وهي كذلك أي ظنية ولو كان خطؤهم قطعيا من باب الفرض فلا دليل على أنه فسق وذنب المتأول إذا لم يبلغ الفسق لم يقدح به إجماعا فكذلك لم يكن إرسال الثقات عن المجاريح قادحا في الثقات فإذا بلغ ذنب المتأول الفسق كانت مسألة فساق التأويل وسنأتي هكذا ذكره أصحابنا كأنه يريد من قوله وذنب المتأول بدليل قوله وذلك كخطأ المعتزلة عندنا في الإمامة فإنهم يقولون الإمامة(1/311)
بعد
307 رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترتيب الواقع بعد وفاته ويقولون بجوازها في غير أولاد علي رضي الله عنهم وفاطمة عليهم السلام والزيدية يقولون إن مسألة الإمامة قطعية ومخالفة القطعي عندهم فسق فليس التمثيل به كالممثل له فثبت أنه يجوز على الثقة انه يستجيز إرسال الحديث عن المجروح وإنا لو عرفنا أنه أي الإرسال عن المجروح فعله مستحلا لم نقدح في عدالته الذي سلف قريبا أنه لا يقدح في عدالته بذلك إن فعله متأولا وهذا ينافي ما سلف والذي تقدم هو الحق إذ من يستحل الرواية عن المجاريح والوضاعين والكذابين فقد استحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحلاله كبيرة وقيل كفر الأمر الثاني من اعتذار المحدثين عن قبول مرسل الثقة الذي جزم بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم أنه قال المحدثون سلمنا أن الثقة لا يصح على كل تقدير أن يستجيز الروايةأي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حيث يجوز العمل وأن ذلك أي استحلاله الرواية دون العمل لو فرض صدوره عنه كان قدحا في عدالته لإغرائه غيره على العمل بما لا يحل عنده العمل به لكن ما المانع من أن يثق بمن لا نستجيز معشر المحدثين الرواية عنه لو صرح المرسل به بمن روى عنه مثل تجويز أن يروى عن مجهول وحديثه عنده مقبول أو عن سيئ الحفظ مختلف فيه أو عن مجروح جهل هو جرحه وقد عرفنا نحن جرحه أو عن مغفل قد استوى حفظه وسهوه ومذهبه قبوله مطلقا أو قبوله مع الترجيح أو نحو ذلك مما اختلف فيه أما جهل المرسل لجرح من أرسل عنه فليس من مسائل الخلاف فإن إرساله عنه جاهلا لجرحه غير قادح في إرساله وإن كان قدحا في المرسل فما كان يحسن عده مما اختلف فيه كما لا يخفى فيؤدي أي قبول مرسل الثقة المجزوم به إلى تقليد المجتهد القابل للمرسل لغيره وهو المرسل في مسائل الاجتهاد كقبول المغفل ونحوه وبنائه أي المجتهد لاجتهاده على تقليد المرسل والمجتهد لا يجوز له التقليد(1/312)
308 فإن قلت قد تقدم للمصنف غير مرة أن قبول خبر العدل ليس تقليدا له قلت ذلك فيما إذا أخبر العدل عن غير إرسال إذ هو الذي قام الدليل على قبول خبره كما عرفت إن قلت هذا بعينه يجري في القدح المطلق والتعديل المطلق لا ختلاف العلماء فيما يقدح به وفيما يشترط في العدالة فقابل القدح المطلق والتعديل المطلق ينبغي أن يكون مقلدا لا مجتهدا لأنه يبني اجتهاده على رأي غيره تجريحا وتعديلا قلت لا محيص عن هذا ويأتي بسطه في محله وهذا العذر الثاني الذي ذكره المحدثون أقرب من الأول والجواب عليه من طرف قابل المرسل أصعب وتلخيصه أي هذا الجواب أن تصحيح العالم الحديث أمر ظني نظري اجتهادي زيادة في البيان وإلا فقد أغنى عنه نظري ولا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره في نحو ذلك لا يخفى أن التقليد لا يجوز للمجتهد في شيء فليس للظرف مفهوم ويأتي توفيه الكلام فيما ذكره قريبا ويرد على المحدثين هنا سؤالان أحدهما أن يقول من عرف بالإرسال عن المجاريح أي متأولا كانت هذه علة مانعة من قبول حديثه إن أريد حديثه الذي أرسله فهم قائلون بذلك فلذا لا يقبلون مرسله ولا مرسل غيره وإن أريد حديثه الذي أسنده فلا مانع عن جعله علة فيه أيضا وإن لم يكن إرساله عن المجاريح قدحا مؤثرا في دينه لما سلف من تأوله وأن ذنب المتأول لا يقدح به إجماعا ما لم يبلغ الفسق وذلك أنه يكون بإرساله عن المجاريح كالصدوق المغفل بمرة فإنه غير مقبول لكن الظاهر من الثقات أنهم لا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق صحيح لا يخفى أن هذا الاستدراك هو محل السؤال ولكنه قد تقدم م يغني عنه مرارا أقربها قوله إنهم جربوا فوجدوا الثقات أرسلوا عن غير العدول وهو معني أرسلوا عن غير طريق صحيح فهذه التجربة عارضت الظاهر ولهم أي للمحدثين أن يقولوا هنا(1/313)
309 ما تريدون بأن الظاهر أنهم لا يقولون ذلك من غير طريق صحيح هل صحيحة عندهم فمسلم على أحد التقادير وإلا فمن التقادير أنه قد يروى الثقة عن المجاريح اتكالا على بحث السامع عن سند الحديث كما تقدم في قوله فللمرسل أن يعتقد أن المرسل غير مقبول وأن على من سمعه البحث إلى آخره ولا يضر تسليمه على غير ذلك التقدير أو يريدون صحيحة مجمع على صحتها حتى يلزم قبول المرسل فغير مسلم لما عرفت أن إرسالهم من لا يرتضيه الأكثر وهو جواب متجه وقد عرفت من سياق السؤال والجواب أن المراد إذا كانت هذه علة مانعة من قبول حديثه أي المرسل وهو أحد شقي الترديد الذي قدمناه وعلمت أنه مراد المحدثين فليس محلا للسؤال ولا الجواب السؤال الثاني مما يرد على المحدثين على تقريرهم رد المرسل أن يقال لأهل الحديث أنتم قد أجزتم العمل بالحديث متى قال الحافظ الثقة إنه حديث صحيح وعلى هذا عمل المتأخرين وقد تقدم نصهم على جوازه حيث قسموا الصحيح إلى سبعة أقسام منها ما حكم إمام بصحة الحديث بل تقدم عن ابن الصلاح أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأزمنة بل عليه أن يرجع إلى ما صححه القدماء مع أن يحتمل أن يصحح الثقة الحافظ حديث المجهول والصدوق المغفل إذا لم يتحقق أن خطأه أكثر من صوابه أو نحو ذلك مما اختلف فيه أهل العلم وجاز على الثقة الحافظ أن يذهب إليه فإذا جاز العمل به مع هذه الاحتمالات جاز العمل بحديث المرسل مع تلك الاحتمالات من غير فرق ولهم أي المحدثين أن يجيبوا عن هذا السؤال فيقولوا أما قدماء الحفاظ فلم يعرف عنهم بالنص أنهم كانوا يجيزون ذلك أي تصحيح أحاديث من ذكرتم والصحيح أنه لا يكون العالم مجتهدا مع تقليده في تصحيح الحديث لجواز أن من قلده في تصحيح الحديث بنى ذلك التصحيح على قواعد مخالفة فيها فيكون قد بنى اجتهاده على تقليد غيره وإنما يكون من قلد غيره في تصحيح الحديث مرجحا(1/314)
310 لا سوى اعلم أنه تقدم للمصنف كلامان متناقضان في هذه المسألة ولنوف البحث حقه فيها فإنه لا غناء للناظر من تحقيقها وقد كنت كتبت فيها رسالة جواب سؤال سميتها إرشاد النقاد إلى تيسر الاجتهاد اشتملت على فصول تتعلق بأطراف سؤال ورد في غير ذلك فنذكر هنا ما يتعلق بالبحث هذا كما وعدنا به فيما سلف فنقول قد عرفنا أنهم رسموا الصحيح بأنه الذي اتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط عن مثله مع السلامة من الشذوذ والعلة فإذا قال العالم الحافظ كالبخاري مثلا هذا حديث صحيح فمعناه أنه متصل الإسناد وأن رواته كلهم عدول تام ضبطهم لم يخالف فيه الثقة ما رواه الناس وليس فيه أسباب خفية طرأت عليه تقدح في صحته فقوله صحيح يتضمن الإخبار بالجمل الخمس وقد تقرر بالبرهان الصحيح قبول خبر العدل وتقرر به أيضا أن قبوله ليس من باب التقليد كما عرف ذلك في أصول الفقه وقدم المؤلف ذلك فأخبار العدل بأنه حديث صحيح إخبار بعدالة رواته وتمام حفظهم وعدم شذوذ ما رووه وعدم إعلاله ولا يخفى أن قبول خبره قد يفيد بأنه سواء دل على تعديله بالتضمن أو التزام أو المطابقة وقد جعل أئمة الأصول والحديث من طرق التعديل حكم مشترط العدالة بالشهادة وعمل العالم بروايته ورواية من لا يروي إلا عن عدل ومعلوم أن دلالة هذه الطرق على عدالة الشاهد والراوي إلزامية فقول الثقة حديث صحيح يتضمن إخباره بالأمور الخمسة التي ذكرناها بالتضمن بل قول المعدل فلان عدل عبارة عن أنه آت بالواجبات مجتنب للمقبحات فلفظ عدل دل بالتضمن على الأخبار بالعدالة فكما أنا حكمنا بأن قوله عدل أو ثقة خبر يجب قبوله وليس قبوله تقليدا كذلك قوله صحيح فإن قلت إخباره بأن الحديث صحيح إخبار بما ظهر له ويحتمل أنه في نفس الأمر باطل(1/315)
311 قلت وكذلك إخباره بأن زيدا عدل إخبار عن ظنه بأن آت بالوجبات مجتنب للمقبحات بحسب ما رآه أو أخبر به مع جواز أنه في نفس الأمر غير مسلم وقد أمرنا بقبول خبر المعدل بأن فلانا عدل مثلا فهذه التجويزات لا نكلف بها على أن البخاري مثلا ليس معه في كون الرواة الذين لم يلقهم وهم شيوخ شيوخه عدولا إلا إخبار العدول بأنهم ثقات حفاظ فقبولنا لخبره بأن الحديث قد عدلت نقلته كقبوله لأخبار الثقات بأن الرواة الذين رووا عنهم حفاظ ثقات فكما أنهم لا يجعلون البخاري مقلدا في التصحيح مع أن عدالة من صحح أحاديثهم متلقاة عن إخبار من قبله فكذلك نحن في قبولنا لأخباره بعدالة رواة الحديث الذي صححه وأنت إذا نظرت إلى أئمة النقاد كالحاكم أبي عبد الله وأبي الحسن الدار قطني وابن خزيمة ونحوهم كالحافظ المنذري وجدت تصحيحهم لأحاديث قوم وتضعيفهم لأحاديث آخرين دائرا على الاستناد إلى كلام الحفاظ فبلهم كيحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم من أئمة هذا الشأن وأنه ثبت لهم عنهم أو عن أحدهم الأخبار بأن فلانا حجة أو عدل أو ثبت أو نحوها من عبارات التعديل وكذلك التضعيف يدور على إخبار أولئك وأمثالهم بأن فلانا كذاب أو نحوه ثم حكموا بصحة الحديث أو ضعفه مستندين في الأمرين على إخبار من قبلهم ألا ترى أنه تجنب الرواية عن ابن اسحق جماعة من أئمة الصحيح لكلام مالك وقدحه فيه وتجنب الرواية عن الحارث الأعور من تجنبها لقدح الشعبي فيه مع أنهم لم يلاقوا الحارث ولا ابن اسحق وإنما قبلوا أخبار من لاقاهم فعرفت أن البخاري ومسلما مثلا لم يلقيا إلا شيوخهما وبين شيوخها إلى الصحابة وسائط كثيرون اعتمدوا في توثيقهم وعدمه على الرواية عن الأئمة من قبلهم فإذا كان الواقع من مثل البخاري من تصحيحه الأحاديث تقليدا لأنه بناه على إخبار غيره عن أحوال الرواة الذين صحح حديثهم كان كل قابل لخبر من أخبار الثقات مقلدا وإن كان الواقع من التصحيح من البخاري(1/316)
312 مثلا اجتهادا مع بنائه على قبوله لأخبار من قبله عن صفات الرواة فيكون أيضا قبولنا الخبر البخاري عن صحة الحديث المتفرع عن إخبار الثقات اجتهادا فإنه لا فرق بين الأخبار بأن هؤلاء الرواة ثقات حفاظ وبين الأخبار بأن الحديث صحيح وإلا بالإجمال والتفصيل وكأهم عدلوا عن التفصيل إلى الإجمال اختصارا أو تقريبا لأنهم عقبوا كل حديث بقولهم رواته عدول تاموا الضبط ورووه متصلا ولا شذوذ فيهولا علة لطالت مسافة الكلام وضاق نطاق الكتاب الذي يؤلفونه من الاستيفاء لأحاديث الأحكام فضلا عما سواها من الأحاديث على أن هذا التفصيل لو جاءوا به لا يخلو عن الإجمال إذ لم يذكر فيه كل راو على انفراده بصفاته بل التحقيق أن قولهم عدل مراد به آت بالواجبات مجتنب للمقبحات محافظ عل المروءات فهو أيضا غير مفصل للمراد كما ذكرناه فإن قلت من شرائط الصحة السلامة عن الشذوذ والعلة وليس مدار هذين الأمرين الأخبار بل التتبع لطرق الأسانيد والمتون قلت أما أولا فالشذوذ والإعلال نادران والحكم للغالب لا للنادر ألا ترى أن الراجح العمل بالنص وإن جوز أنه منسوخ عملا بالأغلب وهو عدم النسخ وقد تقدم للمصنف أن ظاهر الحديث المعل السلامة عن العلة حتى تثبت العلة بطريق مقبولة وأما ثانيا فإن قول الثقة هذا حديث صحيح أي غير شاذ ولا معل إخبار منه أيضا بأنه لم يقع في رواته راو ثقة خالف الناس فيهولا وجدت فيه علة قادحة وهذا في الحقيقة خبر عن الراوي بصفة زائدة على مجرد عدالته وضبطه أو إخبار عن حال المتن بأن ألفاظه مصونة عن ذلك وليس هذا خبرا عن اجتهاد بل عن صفات الرواة والمتون وفي التحقيق هي أخبار عائدة إلى تمام ضبط الرواة وتتبع مروياتهم حتى أحافظ بألفاظها فالكل عائد إلى الأخبار عن الغير لا عن الاجتهاد الحاصل من دليل ينقدح للمجتهد به رأي وإذا كان خبرا فوجوب قبوله اجتهاد لا تقليد(1/317)
313 فإن قلت قد أشار المصنف إلى وجه كون قبول تصحيح الغير تقليدا له في التصحيح بأنه قد اختلف العلماء في شرائط القبول للتصحيح وقد يبني تصحيحه على شرط يراه من تابعه على تصحيحه ليس شرطا أو العكس قلت التحقيق أنه قد وقع الإجماع على أنه يشترط في الرواة الصدق والضبط لروايته وفي ديانته يشترط أن يغلب خيره على شره هذا أمر مجمع عليه ومنهم من زاد شروطا وهي السلامة من البدعة والمحافظة على المروءة وجعل العدالة اسما لما لا يكاد يتحقق إلا في معصوم وقد بينا في رسالة ثمرات النظر في علم الأثر الأدلة على ما قررناه هنا من أن الشرط هو الأمران وأنه محل وفاق وأنه من شرط تلك الشروط لم يتم له الوفاء بها بل قبل خبر المبتدع بقدرو إرجاء ونصب ورفض إذا كان صدوقا وقد بسطنا هنالك ما يجزم الناظر فيه بأنه الحق فمن قال إن فلانا عدل أفادنا خبره أنه صدوق وأن خيره غالب على شره وهو الذي يقبل عندنا والذي قام عليه الاتفاق وإن رمى ببدعة قدر ونحوها فإنها لا تقدح في رواية الصدوق وإذا عرفت هذا تحصل لك أن من قبل خبر الثقة في التصحيح فهو مجتهد في قبول خبره كما يقبل سائر الأخبار عن الثقات ولا يكون بقبولها مقلدا والحمد لله ولم نعلم أنا سبقنا إلى هذا التقرير وأما المتأخرون عطف على قوله أما قدماء الحفاظ وهم الذي تقدم نصهم على جواز العمل بتصحيح الثقة فلهم في الاعتذار عن العمل بتصحيح الغير أن يقولوا إنا لا نجوز العمل بتصحيح الثقة الحافظ إلا حيث قد عرفنا مذهبه في شرائط قبول الأخبار فعرفنا أنه لا يقبل المجهور ولا الصدوق السيئ الحفظ ولا غير ذلك من المواضع المختلف في قبولها الظاهر أن هذا لا بد منه كما أنا لا بد أن نعرف مذهب من يخبر بعدالة المجهول ولهذا أي لأجل شرط معرفة مذهب الثقة الحافظ فإنهم لا يكتفون بتصحيح الحاكم أبي عبد الله في(1/318)
314 المستدرك لما عرف من تساهله ورأيه في جعل الحسن صحيحا إلا من يذهب مذهبه في تصحيح الحسان بل في تصحيح بعض الأحاديث التي يجوز بل يجب قبولها على قواعد كثير من الفقهاء والأصوليين وهذا جواب صحيح لكنه يتضمن الإقرار بقبول بعض المراسيل فإن الثقة الحافظ على كلامهم متى قال هذا إسناد صحيح ولا علة له وجب قبوله وإن لم يرولنا ذلك الإسناد الذي حكم بصحته وأي فائدة لنا في مجرد سماع أسماء الرواة التي سردها الثقة إذا كان يجوز لنا العمل بالحديث والرواية له من غير بحث عن رجاله لعدم الفائدة إذ البحث عنهم لي إلا لنعرف صحة الحديث أو عدمها وإذ قد أخبر الثقة أنه صحيح فقد تضمن خبره أنهم ثقات فهو كما لو أخبرنا عن كل واحد أنه ثقة لم يبق لنا حاجة إلى البحث عنهم فثبت بهذا أن المتأخرين من المحدثين قد وافقوا على قبول بعض المراسيل قلت بل المتقدمون قد قبلوا تزكية من تقدسهم من الرواة وبنوا على ذلك تصحيح الحديث وتضعيفه فقبول المتأخرين للثقة في قوله إن المرسل صحيح كقبول المتقدمين للثقة في تزكية الرواة وغاية الفرق أنه في المرسل تزكية ضمنية وفي المسند تزكية مطابقية كما قررناه فلا عذر عن قبول المرسل الذي صححه وهو ما نص على صحته ثقة عارف بهذا الشأن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة إلا أن هذا شرط عزيز وإنما قال قد وافقوا على قبوله لارتفاع العلل الموهنة للمراسيل عن هذا النوع منها كما وافقوا على قبول مراسيل الصحابة لمثل ذلك ومراده بمراسيل الصحابة هو ما إذا صرح الصحابي بأنه لم يسمع الحديث منه صلى الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد عرفت من تعريف المرسل أنه لا يدخل تحته رواية الصحابة إلا عن رأي غير المحدثين وبهذا تعرف أن القصد حصول الثقة بصحة الحديث لا مجرد الإسناد فإن الإسناد إنما يحتاج إليه لينظر في رجاله فيصحح الحديث أو يضعف و يعرف أن المرسل حيث يكون كذلك أي مصححا مقبول مثل ما ذهب إليه الشافعي(1/319)
315 في المراسيل كما تقدم أو مثل ما اتفق عليه جماهير العلماء والمحدثين فيما علقه البخاري تعليقا مجزوما به فإنهم قبلوه لاشتراطه الصحة كما سلف وقد حصل الشرط في المرسل الموصوف وفي العلق بل المعلق مرسل على رأي بعض أئمة الأصول وتقدم تحقيق الكلام في تعاليق البخاري فتذكر ومثل ما ذكرنا من الاكتفاء بتصحيح أئمة الحديث فهذا أي قبول مراسيل من صحح المرسل إذن محل اجتهاد وكل واحد يعمل بظنه ولا حرج هذا عود إلى أن العامل بتصحيح الأئمة للحديث مجتهد كما قررناه ولله الحمد والمنة وقد استحب المحدثون على الإسناد في هذه الأعصار وإن أمكن الاستغناء عنه بما صححه الأئمة وإنما استحبوه لوجود ثلاثة أحدها تمكين من لم يستجز الاكتفاء بتصحيح الثقة من النظر في الإسناد بذكر رجاله على رأي من ذهب إلى أن هذا ممكن وهو غير ابن الصلاح ومن تبعه كما تقدم وتقدم ما فيه الوجه الثاني تمكين من استجاز ذلك أي الاكتفاء بتصحيح الثقة من مرتبة النظر في الأسانيد المقوية للظن وإن لم تكن واجبة لأنه مع الاكتفاء بما ذكر حصل له ما يجب عليه العمل به فهي مرتبة شريفة مستحبة بغير شك إذ العلم التفصيلي وإن أغنى عنه العلم بالجملى فإنه مستحب قطعا الوجه الثالث بقاء سلسلة الإسناد المخصوص بهذه الأمة المكرمة فإنها قد رويت آثار باختصاصها به ويلحق بها أي بمسألة المراسيل فائدتان إحداهما أن الإسناد إذا كان فيه عن رجل أو شيخ فهو منقطع لا مرسل في عرف المحدثين هكذا ذكره ابن الصلاح قاله الحاكم ونقله زين الدين وزاد قوله وابن القطان في بيان الوهم والإيهام وقال الحافظ ابن حجر فيه أمران أحدهما أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو أنه إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو منقطعا وإن روي من طريق(1/320)
316 مبهمة وطريق مفسرة فلا يسمى منقطعا لمكان الطريق المفسرة وذلك أنه قال في نوع المنقطع وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل ليس يسمى ولا يدخل في المنقطع مثاله رواية سفيان الثوري عن داود بن أبي هند قال حدثنا شيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين الفجور والعجز فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز قال ورواه وهب بن خالد وعلي بن عاصم عن داود بن أبي هند قال حدثني رجل من جديلة يقال له أبو عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه به قال الحاكم فهذا النوع الوقوف عليه متعذر إلا على الحفاظ المتبحرين قلت فتبين بهذه الرواية المفسرة أنه لا انقطاع في رواية سفيان وأما إذا جاءت رواية واحدة مبهمة فلم يتردد الحاكم تسمية منقطعا وهي قضية صنيع أبي داود في المرسل وغيره الثاني أنه لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي أما لو قال التابعي عن رجل فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أولا إن لم يصفه بها فلا يكون ذلك متصلا لاحتمال أن يكون تابعيا آخر بل هو مرسل على بابه وإن وصفه بها فإن كان التابعي سالما عن التدليس حملت عنعنته على السماع انتهى وأما الجويني فقال وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق من المرسل أيضا قال الجويني وكذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يسم حاملها ذكره في البرهان قال فيه وإنما ألحق هذا القسم بالمرسلات من جهة الجهل بناقل الكتب ولو ذكر من يعزو الخبر إلى الكتاب ناقل الكتاب وحامله التحق الحديث بالمسندات انتهى قال زين الدين وفي كلام غير واحد من أهل الحديث أنه متصل إلا أنه يقال في إسناده مجهول وحكاه الرشيد المطار في الغرر المجموعة عن الأكثر(1/321)
317 واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد يريد العلائي في كتاب جامع التحصيل انتهى كلام زين الدين قلت وهو الصحيح لأن من قال عن شيخ أو رجل فقد أحال السامع إلى رواية مجهولة فلا يحل له العمل بالحديث بخلاف المرسل اسم فاعل الذي جزم برفع الحديث وكان لا يرسل إلا عن عدل الفائدة الثانية مراسيل الصحابة مقبولة عندنا وعند المحدثين وعند الأكثرين من طوائف العلماء وهذا كما عرفت على اصطلاح غير المحدثين أو الأكثر منهم فإنهم ليس المرسل عندهم إلا ما سلف رسمه أه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم دعوى ابن عبد البر الإجماع على ذلك تقدم للمصنف الاستدلال بإجماع الصحابة على قبول مرسل الصحابي وعن ابن جرير الطبري نقل إجماع التابعين قال زين الدين وقد ادعى بعض الحنفية الإجماع عليه وهو غير جيد قال فقد خالف فيه الإسناد أبو اسحق الإسفراييني فلت لم ينفرد به الأستاذ بل قال القاضي أبو بكر الباقلاني وصرح في التقريب بعدم قبول المرسل مطلقا وتقدم التعليل بأنه ليس لأجل الشك في عدالة الصحابة بل لأنهم قد يروون عن التابعي مغلوبة كما يأتي قال وتعليل ابن الصلاح لذلك بأن روايتهم عن الصحابة مقبولة لأن الصحابة لا يرسلون إلا عن صحابة مثلهم وقد تقرر عدالة فتقبل مراسيلهم تعليل غير جيد لما يفيده قوله والصواب أن يقال إن غالب روايتهم عن الصحابة لا كلها إذ قد سمع جماعة من الصحابة عن بعض التابعين وسيأتي في كلام ابن الصلاح في رواية الأكابر عن الأصاغر أن ابن عباس وبقية العبادلة وهم ابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن الزبير وليس منهم ابن مسعود وغلط الجوهري قاله في القاموس رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين بالحاء المهملة والموحدة في القاموس كعب الحبر ويكسر ولا يقال الأحبار وفي نسيم الرياض(1/322)
318 يقال كعب الأحبار وكعب حبر بكسر الحاء وفتحها وقوله في القاموس ولا يقال كعب الأحبار غير صحيح انتهى وروي أيضا كعب عن التابعين فقد تأخذ عنه العبادلة ما رواه عن التابعين وقد ذكر ابن حجر أن بعض الصحابة روى حديث بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستة رواة وأن ذلك أكثر ما وجد من هذا القبيل قد قدمنا لك أن هذا وإن وقع فإنه نادر مغلوب والحكم للغالب على أنه لا يتم إلا في روايات صغار الصحابة أما كبارهم فأخذهم عن التابعين مستبعد جدا
مسألة في فوائد تتعلق بالمرسل
ويلحق بهذا فوائد ثلاث الأولى أن هذا الكلام كله في ما لم تتعارض أي المراسيل وعند التعارض يجب البحث عن الأسانيد لوجوب الترجيح حينئذ بالإجماع وتوقف الترجيح حينئذ على النظر في الأسانيد يقال قد تقدم أن ما صححه الشيخان أرجح مما صححه غيرهما فقد يكون المرسل حكم بصحته الشيخان فيرجح على ما عارضه من مرسل حكم بصحته أحد الأئمة غيرهما وكذا تقدم ما حكم البخاري بصحته كتعاليقه المجزومة على ما قالوه على مرسل صححه مسلم ونحوه ذلك فهذا ترجيح من غير احتجاج إلى النظر في الأسانيد وكأنه يريد المصنف ذكر الأغلب والفائدة الثانية من اختصر بعض المسندات فحذف أسانيدها لم يكن له حكم المراسيل وذلك كما صنعه ابن الأثير في الجامع الكبير ثم من تبعه في(1/323)
319 حذف أسانيد الأمهات وكذلك صنيع الحافظ السيوطي في جامعه الكبير والصغير ومن تبعه لأن العهدة عند المختصر على الراوي الأول والراوي الأول قد أسند ومن أسند ولم يصحح لم يتحمل عهدة لأنه قد أحال الناظر على النظر في رجال كتابه وأما من صحح من الشيخين فالعهدة عليهما والفائدة الثالثة من اعتقد أن العلماء لا يروون إلا عن عدول كان مرسله أضعف المراسيل أو كان غير مقبول وأمثلهم أي المرسلين من يشترط تصريح العالم أنه لا يروى إلا عن ثقة من غير أن يعرف مذهبه أي مذهب المشترط في إرساله عن الثقة في التوثيق أما إذا عرف مذهبه فيه فإنه قد أبان عمن يرسل ثم أمثلهم بعد ذلك من يشترط أن تكون عادته الرواية عن العدل من غير تصريح كأنه يريد من غير أن يصرح في روايته بتعديله بأن يقول أخبرني العدل ثم أمثلهم من لا يشترط العادة وهو آخر رتب الأمثلية في الإرسال ومن طالع تراجم العلماء علم ما في هذا المذهب وهو اعتقاده أنه لا يروى العلماء إلا عن عدل من المفسدة وهي وجود روايات عن العلماء من غير طريق العدول فقد روى مالك في الموطأ عن عبد الملك بن أبي المخارق بالخاء المعجمة آخره قاف وهو متكلم عليه قال المصنف في العواصم قال ابن عبد البر المالكي المجتهد في تمهيده كان مجمعا على تجريحه ولم يرو عنه مالك إلا حديثا واحدا في وضع الأكف وقد رواه من طريق صحيحة فرواه في الموطأ عن أبي حازم التابعي الجليل عن سهل بن سعد الصحابي انتهى ولم أجده في الميزان وروى الشافعي عن ابن أبي يحيى هو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي فال ابن عبد البر في التمهيد أجمعوا على تجريح ابن أبي يحيى قال المصنف في العواصم قلت أما الإجماع على تجريحه فلا فقد وافق الشافعي على توثيقه أربعة من الحفاظ وهم ابن جريج وحمدان بن محمد الأصبهاني وابن عدي وابن عقدة الحافظ الكبير لكن تضعيفه قول الجمهور بلامرية انتهى والزنجي بالزاي والجيم(1/324)
320 وهو مسلم بن خالد المخزومي المعروف بالزنجي وقال ابن حجر في تقريب التهذيب صدوق كثير الأوهام وقد تكلم عليهما وقد سمعته وروى أحمد بن حنبل عن عامر بن صالح ابن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام وانفرد بتوثيقه حتى قال أبو داود سمعت يحيى بن معي يقول جن أحمد يحدث عن عامر بن صالح قال الذهبي لعل أحمد ما روى عن أو هي منه وإنما روى عنه أحمد لأنه لم يكن عنده يكذب وكان عالما بالفقه والعلم والحديث والنسب وأيام العرب وقال أبو حاتم ما أرى بحديثه بأسا وغيره ممن ضعف وهؤلاء الثلاثة الأئمة هم الذين يعرفون باشتراط العدالة وقد رووا عن المجاريح فلا يوثق بإرسال من يشترط العدالة واعلم أنه قد عيب على الشافعي ذلك وأجيب عنه بأنه قد يعتري الحافظ الشك في التعيين أي تعيين اسم من روى عنه مع عدم شكه في عدالته فيتورع عن التعيين احتياطا وقال ابن الصباغ في العدة إن الشافعي إنما يطلق ذلك في ذكره لأصحابه أن الحجة عنده في هذا الحكم لا في مقام الاحتجاج به على غيره وكذا قال القاضي أبو الطيب قال وقد قيل إنه كان قد أعلم أصحابه بذلك قال ابن حبان إنه إذا قال الشافعي أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك أو عن الليث فهو يحيى بن حسان أو عن الوليد بن كثير فهو عمرو بن أبي سلمة أو عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد الزنجي أو عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحيى ذكر هذا البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه ثم نقل أقوالا غير هذه فيما يريده الشافعي بالثقة قلت وكلها تخمين وتظنن وروى أبو حنيفة عن غير واحد من الضعفاء والمجاهيل أي عن جماعة كثيرة وروى الإمامان الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم والقاسم بن إبراهيم المعروف بالرسي عن حسين بن عبد الله أي ابن ضميره عن أبيه عن جده كذا في نسخ التنقيح وفي الميزان الحسين بن عبد الله بن أبي ضميره سعيد الحميري المدني روى عن أبيه وعنه يزيد بن الخيار وغيره كذبه مالك وقال أبو حاتم(1/325)
متروك الحديث كذاب وقال أحمد لا يساوي شيئا وقال
321 ابن معي ليس بثقة ولا مأمون وقال البخاري منكر الحديث ضعيف وقال أبو زرعة ليس بشيء قاله في الميزان و روى الإمامان أيضا عن أبي هرون عمارة خوين الخاء المعجمه آخر نون بزنه التصرف العبدي قال في الميزان تابعي لين بمره كذبه حماده بن زيد وقال شعبه لان أقدم فتضرب عنق أحب ألي من أن أحدث عن أبى هرون وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن معين ضعيف لا يصدق في حديثه قال النسائي متروك الحديث وقد تكلم عليهما على الحسن بن أبي ضميرة وعلى أبي هرون كما عرفت والرواية عنهما في الأحكام للإمام الهادي وهي عن أبي ضميره كثيرة بل لا يسندن الفتح وحفيده الهادي عن غيره غالبا وكذا روى الهادي في المنتخب عن كادح بالمهملتين بن جعفر في المميزان رجلان كل واحد منهما اسمه كادح بن جعفر الأول يروي عن ابن لهيعه قال أبو حاتم صدوق وقال الأزدى ضعيف وقال أحمد بن حنبل رجل صالح خير فاضل والآخر كادح بن جعفر أبو أحمد عن سفيان الثوري قال الأزدي وغيره كذاب انتهى ولا أدري أيهما أراد المصنف ولعله الآخر و كذا روى الهادي أيضا عن حسين بن عبد الله بن عباس قال في الميزان إنه روى عن ربيعة بن عباد وكريب وعكرمة وعنه ابن جريج وابن المبارك وسليمان بن بلال وجماعة قال ابن معين ضعيف وقال أحمد له أشياء منكرة وقال البخاري قال علي تركت حديثه وقال أبو زرعة وغيره ليس بقوي وقال النسائي متروك وقال ابن معين مرة ليس بأس يكتب حديثه وقال الجوزجاني لا يشتغل به وروى الهادي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عمرو أحد علماء زمانه أخذ عن أبيه وطاووس وسليمان بن يسار وآخرين وروى عنه أمم ووثقه ابن معين وصالح حزرة وابن راهوية وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(1/326)
322 كأيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أبو عبيد الآجري قيل لأبي داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة قال لا ولا نصف حجة وقال أحمد بن حنبل له أشياء مناكير وإنما يكتب حديثه ليعتبر به وأما أن يكون حجة فلا وقال أبو زرعة وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقال إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وقد أطال الذهبي في الميزان في شأنه وذكر كلام الناس فيه ثم قال إنه ثبت سماع عمرو بن شعيب من جده وهو الذي وباه وروايته عن أبيه عن جده ليست مرسلة ولا منقطعة أما كونها وجادة أو بعضها سماعا وبعضها وجادة فهذا محل نظر ولسنا نقول إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح بل هو من قبيل الحسن انتهى كلامه وعرفت معنى قوله وفي كل منهم كلام وسمعته وروى السيد أبو طالب عن محمد بن الأشعث المتأخر لم أجده في الميزان فينظر و روى أيضا أبو طالب عن داود بن سليمان الغازي في الميزان داود بن سليمان الجرجاني الغازي عن علي بن موسى الرضي وغيره كذبه يحيى بن معين ولم يعفه أبو حاتم وبكل حال فهو شيخ كذاب وروى السيد المؤيد بالله عن نعيم هو ابن سالم بن قنبر كذبوه ومن طريقه روى المؤيد بالله صلاة الفرقان ورويا أبو طالب والمؤيد وأحمد بن عيسى وغير واحد من أئمتنا عن حسين بن علوان الكلبي قال الذهبي روى عن الأعمش وهشام بن عروة وقال يحيى بن معين كذاب وقال أبو حاتم والنسائي والدار قطني متروك الحديث وقال ابن حبان يضع الحديث على هشام وغيره ولا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب وساق أحاديث عن مناكير وروى أئمتنا أيضا عن أبي خالد الواسطي قال الذهبي يقال اسمه عمرو حدث عن زيد بن علي كذبه أبو حاتم وقال وكيع كان في جوارنا يضع الحديث فلما فطن له تحول إلى واسط وروى عياش عن يحيى قال كذاب(1/327)
323 ومثله عن أحمد بن حنبل ومثله عن الدار قطني وروى السيد أبو عبد الله الحسني عن الشيخ الأشبح بن أبي الدنيا في الميزان أبو الدنيا الأشبح المعري كذاب طرفي كان بعد الثلثمائة ادعى السماع من علي بن أبي طالب اسمه عمران ابن خطاب انتهى وكل هؤلاء الخمسة متكلم عليه بما عرفناك منسوب إلى تعمد الكذب مجمع على ذلك في أكثرهم بين أئمة الحديث وقد سمعته من الشيعة والسنية فلا يتوهم أن القدح فيهم خاص بالسنية بل لم تسلم رواة البخاري ومسلم مع شدة العناية من الشيخين في تنقيتهم وقد عرفت ما قيل في رجال الشيخين مما قدمناه في أوائل الشرح وإذا عرفت ما ساقه المصنف إلى هنا علمت اختلال القول بأن رواية العدل تعديل وتبين لك أنها قاعدة غير صحيحة ولا ينبغي الاعتماد عليها والتعويل وإن قال ابن الحاجب في مختصر المنتهى إن المختار إذا كان لا يروي إلا عن عدل فإن هذا الشرط لا يتم الوفاء به لأحد من أئمة الحديث وغيرهم مسألة في بيان المنقطع والمعضل
المنقطع والمعضل جمعهما المصنف لتقاربهما وإلا فهما نوعان مستقلان جعلهما ابن الصلاح كل نوع على حدة والمعضل بالضاد المعجمة مفتوحة اسم مفعول مأخوذ من أعضله بمعنى أعياه اختلفوا في صورتيهما على أقوال في المنقطع الأول قال زين الدين وابن الصلاح لو قدمه لكان أولى(1/328)
325 كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ثم قال هذا الإسناد مثل نوع من المنقطع للجهالة بالرجلين بين أبي العلاء بن الشخير وشداد بن أوس ثم قال وشواهده في الحديث كثيرة ثم قال وقد يروي الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع ثم ساق حديثا فيه حدثنا شيخ عن أبي هريرة وذكر حديث يأتي على الناس زمان بخير الرجل الحديث قد قدمناه ثم قال وقد يسمى ذلك الرجل في رواية فإذا هو أبو عمرو والجدلي قال فهذا النوع من المنقطع الذي لا يقف عليه إلا الحافظ المتبحر الفهم والنوع الثالث من المستفيض المنقطع الذي يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي ثم ذكر مثاله فهذا كلام الحاكم في جعل الأنواع الثلاثة من المنقطع وابن الصلاح نقل كلام الحاكم وجعل نوعين من المنقطع وهما ما سقط منه راو وهو ثالث أنواع الحاكم والثاني الإسناد الذي يذكر بعض رواته بلفظ منهم نحو رجل أو شيخ أو نحوهما وذكر مثاله وأدرج الأول في الثاني
326 مسألة في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن(1/329)
جمع الحديث بين الصحة والحسن أي جمع بعض الأئمة لوصف الحديث بالأمرين استشكل الجمع بين الحسن والصحة في حديث واحد كقول الترمذي في جامعه حديث حسن صحيح وقد يزيد غريب ولم يذكره المصنف لأن الغرابة لا تنافي الصحة والحسن ومثله وقع للبخاري على ما ذكره السخاوي ويعقوب بن شيبة فإنه جمع بين الصحة والحسن والغرابة في مواضع من كتابه وكأبي علي الطوسي فإنه جمع بين الصحة والحسن في مواضع من كتابه المسمى بالأحكام وكذا في شرح شرح النخبة لملا على قاري وإنما استشكل لأن الحسن قاصر عن الصحيح لخفة ضبط رواته كما سبق في تعريفه فكيف يجمع إثبات القصور بوصفه بالحسن ونفيه أي القصور بوصفه بالصحيح في حديث واحد وهل هذا إلا تناقض قال زين الدين وقد أجاب ابن الصلاح بجوابين ثم جوز جوابا آخر لفظ زين الدين وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثم جوز جوابا آخر انتهى ولفظ ابن الصلاح وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روى الحديث الواحد بإستادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أي أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على انه غير مستنكر أن يكون بعض من أراد ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده انتهى بلفظه فعرفت انه جوب بجواب واحد وجوز جوابا آخر جعله علاوة للأولى فكأن ما في نسخ التنقيح من قوله جوابين ودوز جوابا آخر(1/330)
326 إذا عرفت هذا فالمصنف لم يذكر إلا نوعا واحدا مما ذكره الحاكم وابن الصلاح ذكر نوعين وأدخل الأول في الثاني وقد تقدم للمصنف أن الإسناد الذي فيه عن رجل أو شيخ من المنقطع عند الحاكم ومن المتصل الذي في إسناده مجهول عند غيره واختاره فلهذا حذفه هنا وبني على دخول الأول في الثاني فأسقطهما وإنما ذكرت هذا لئلا يهم الناظر أن المصنف فاته ما ذكره ابن الصلاح وأن ابن الصلاح فاته ما ذكره الحاكم وقد نقلا عنه بعض كلامه الثالث من صور المنقطع ما أفاده قوله وقال ابن عبد البر المنقطع ما لم يتصل إسناده والمرسل مخصوص بالتابعي أي أنه ما قال التابعي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سلف فالمنقطع أعم لأنه يصدق على المرسل أنه لم يتصل إسناده والمرسل بعض صور المنقطع لما عرفت الرابع قوله قال ابن الصلاح عن بعضهم إن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان هذا لفظ ابن الصلاح وتثنية خبر كلاهما جائز والأولى إفراده كما في قوله تعالى كلتا الجنتين آتت أكلها وقول الشاعر كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا لكل ما لم يتصل إسناده قال وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته فهذه أربعة رسوم للمنقطع قال الحافظ ابن الحجر وفات المصنف يعني ابن الصلاح من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الإمام أبو الحسن الكيا الهراسي في تعليقه فإنه ذكر فيه أن اصطلاح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ذكر إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل قال ابن الصلاح هذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو كبسه انتهى قلت وكأه لما كان من كيسه ترك ذكره هنا(1/331)
327 قال ابن الصلاح ومن المعضل قسم ثان وهو أن يروى تابع التابعي عن التابعي حديثا مرقوفا على التابعي وهو معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند متصل اعلم أن هذا ليس لفظ ابن الصلاح وإنما هو لفظ زين الدين فإنه قال في ألفيته والمعضل الساقط منه اثنان فصاعدا ومنه قسم ثاني ثم قال في شرحه ومن المعضل قسم ثاني إلى آخره وأما ابن الصلاح فإنه نقله عن الحاكم ولفظه وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثا موقوفا عليه وهو حديث مسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل ثم ذكر مثاله ثم قال قلت هذا جيد حسن انتهى فكان يحسن من المصنف أن يقول قال زين الدين ومن المعضل قسم ثان لأنه عبارته ثم يحسن تطبيق قوله ابن الصلاح هذا جيد حسن عليه تطبيقا حسنا وأما تطبيقه على قوله قال ابن الصلاح ومن المعضل ثم يقول قال ابن الصلاح وهذا جيد حسن فإن تطبيقه عليه غير جيد وما كان يحسن من الزين والمصنف عدم التنبيه بأن ذلك من كلام الحاكم وإنما استحسنه ابن الصلاح واستجاده لأن هذا الانقطاع بواحد هو الذي بين تابع التابعي والتابعي مضموما إلى القف على التابعي يشتمل على تفسير الانقطاع باثنين هما الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى لأنه قد سقط فيه اثنان على الولاء ثم ورد مسندا متصلا ولا أدري ما وجه الأولوية فإن هذا قد ذهب إعضاله بإتيانه من طريق مسندا متصلا والقسم الأول لم يأت إلا معضلا فهو أولى بالإعضال من هذا الذي زال إعضاله في رواته قال ابن الصلاح والمحدثون يقولون معضل بفتح الضاد وهو من حيث الاشتقاق مشكل وقد بحثت عنه فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد قلت تعقبه السخاوي بأن أعضل بمعنى مستغلق لازم وإنما المتعدي(1/332)
328 أعضل بمعنى أعيا فإشكال المأخذ باق غير مندفع قال فالأولى أنه من أعضله بمعنى أعياه ففي القاموس عضل عليه ضيق وبه الأمر اشتد كأعضل وأعضله وتعضلا لداء الأطباء وأعضلهم فكأن المحدث أعضله وأعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى كأنه يريد أنه لم يأت إلا بفتح الضاد فلا التفات إلى غيره قال الشيخ زكرياء واعلم أن معضل يقال للمشكل أيضا هو بكسر الضاد أو بفتحها على أنه مشترك انتهى وقال الحافظ ابن حجر إنه اعترض على ابن الصلاح مغلطاي بناء على ما فهمه من كلامه أن مراده نفي جواز استعمال معضل بكسر الضاد فقال كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس غريبا وليس كذلك لأن صاحب المغرب حكاه في الأفعال عضل الشيء عضلا أعوج يعني فهو معضل قلت لم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لم يوجد منه معضل بفتح الضاد لأن معضل بكسر الضاد من رباعي قاصر والكلام إنما هو في رباعي متعد وعضل يدل عليه لأن فعيلا بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي وقد فسر أعضل بمستغلق بفتح اللام فتبين أنه رباعي متعد وذلك يقتضي صحة قولنا معضل بفتح الضاد وهو المقصود هكذا قرره شيخنا شيخ الإسلام انتهى فائدة قال الحافظ ابن حجر قد وجدت التعبير بالمعضل في كلام جماعة من الأئمة فيما لم يسقط منه شيء البته فمن ذلك ما قاله محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات صالح الهرابى حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن إبن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيمر بالمربض في البيت فيسلم عليه ولا يقف قال الذهلي هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة رضي الله عنها ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ذكر والوهم فيما ترى من ابن لهيعة ثم ساق أمثلة(1/333)
329 من كلام الأئمة في ذلك ثم قال فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين أو يكون المعضل الذي عرف به المصنف يريد إبن الصلاح وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد وهذا الذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد يعنون به المستغلق الشديد وبالجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا واعلم أنه الحافظ ابن حجر أن إبن الصلاح لم يذكر حكم المنقطع كما ذكر حكم المرسل قلت وكذلك المصنف قال وقد قال إبن السمعاني من منع من قبول المراسيل فهو أشد منعا لقبول النقطعات ومن قبل المراسيل اختلفوا قلت وعلى هذا مذهب من يفرق بين المرسل والمنقطع أما يسمى الجميع مرسلا على ما سبق تحريره فلأنه نقل عن الجوز جاني أنه قال في مقدمة كتابه في المطبوعات المعضل أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع أسوأ حالا من المرسل والمرسل لا تقوم به حجة قلت إنما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد فأما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال انتهى
330 مسألة في بيان العنعنة وحكمها(1/334)
العنعنة هي مصدر عنعن الحديث أي مصدر جعلى مأخوذ من لفظ عن فلان كأخذهم حولق وحوقل من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وسبحل من قول سبحان الله إذا رواه بلفظة عن من غير بيان من الراوي للتحديث والسماع إذ لو صرح بهما كان العمدة ما صرح به واختلفوا في حكمها أي العنعنة على قولين الأول الاتصال كما قال فالذي عليه العمل وهو الصحيح الذي ذهب إليه الجماهير من أئمة العلم أنه أي الحديث المروى بعن من قبيل الإسناد المتصل بشرط سلامة الراوي من التدليس وشرط ثبوت ملاقاة الراوي لمن روى عنه بالعنعنة زاد ابن عبد البر شرطا ثالثا لقبوله كما يأتي قال ابن الصلاح وكاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك قال الزين في شرح ألفيته لا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه قلت لفظه أي ابن عبد البر في مقدمة التمهيد اعلم وفقك الله تعالى أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهي عدالة المخبرين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء التدليس ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل العلم انتهى ذكره البرماوي في شرح ألفيته في الأصول فعرفت منه أنه إنما ذكر الإجماع على قبوله قال الحافظ ابن حجر ولا يلزم منه إجماعهم على(1/335)
331 أنه من قبيل المتصل قال ولذلك قال ابن الصلاح كاد انتهى قلت إذا كان لا يلزم من القبول الاتصال فلا وجه لكاد بل لا وجه للتأيد بكلام ابن عبد البر على الاتصال على أن في النفس شيئا من قول الحافظ لا تلازم فإن غير المتصل لا يقبل لجواز الانقطاع ونحوه فليتأمل ثم بعد كتب هذا رأيت في حاشية البقاعي فقال إنه يلزم من ذلك أي من قبوله أن يكون متصلا كما ذكرناه ولله الحمد وادعى أبو عمر الداني القارئ المشهور الحافظ وهو بالدال المهملة نسبة إلى دانية مدنية من مدن الأندلس إجماع أهل النقل على ذلك لكنه اشترط أن يكون معروفا بالرواية عنه نقل هذا عن الداني ابن الصلاح قال الحافظ ابن حجر إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فالعجب كيف نزل عن النقل إلى الداني انتهى قلت ولو نقل كلام الحاكم لكان صريحا فيما ادعاه من الإجماع على الاتصال قلت عبارة الحاكم بلفظها العنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل وكذا قال الخطيب إلا أن عبارته بلفظ أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس عن فلان صحيح معمول به إذا كان لقيه وسمع منه انتهى وكلامه مثل كلام ابن عبد البر لا مثل كلام الحاكم وقال الزين بعد نقل كلام الداني لكن قد يظهر عدم اتصاله بوجه آخر كما في الإرسال الخفي كما سيأتي فهذا استدراك لكونه قد لا يطرد اتصال الحديث المعنعن وإن جمع الشروط إلا أنه نادر والحمل على الاتصال هو الأصل وما ذكرناه من اشتراط ثبوت اللقاء يبين الراوي ومن عنعن عنه هو مذهب علي بن المديني والبخاري وغيرهما من أئمة أهل العلم وأنكر مسلم في خطبة صحيحه اشتراط ذلك وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن الشايع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا(1/336)
332 أنه يكفي في ذلك كونهما في عصر واحد قلت ولننقل لفظ مسلم في ذلك قال في مقدمة صحيحه وقد ادعى بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأحاديث وتسقيمها بقول لو اضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لا ماتته ولا إخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه إلى أن قال وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام عن الحكاية عن قوله والأخبار عن سوء رويته أن كل إسناد بحديث فيه عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث أن الحجة عنده لا تقوم بحديث جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم أنهما اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا أو تشافها بالحديث بينهما أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما أو تلاقيهما مرة في دهرهما فما فوقها ثم قال وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم والأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة راو عن مثله وجائز ممكن لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية به ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه ولم يسمع منه شيئا وأما والأمر مبهم على ما فسرنا فالرواية على السماع أبدا انتهى وقد طال في التهجين على من شرط اللقاء قال النووي في شرحه وقد أنكر المحققون ما ذهب إليه مسلم وقالوا إنه ضعيف والذي رده هو الصحيح المختار الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما قلت ومن هنا تعرف أن الخلاف بين البخاري ومسلم في شرطية اللقاء وعدمه إنما هو(1/337)
في الحديث المعنعن فاكتفي
333 مسلم بإمكان اللقاء وإنه لا يقول الثقة عن فلان إلا وقد لاقاه وإن لم نعلم ملاقاته إياه والبخاري يقول إنه لا بد من تحقق اللقاء ولو مرة وقد أورد عليه مسلم إيرادات وأطال الكلام ثم لا يعزب عنك أنه قد سبق ترجيح البخاري على مسلم بأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بإمكانه ومشترط التحقيق أولى من مشترط الإمكان ولا يخفى أن هذا شرط في مسألة من مسائل طرق الرواية هي رواية العنعنة والرواية في الصحيحين بها قليلة فلا يتم ترجيح جميع ما في الكتاب ببعض مسائل رواياته وغاية هذا أن تكون رواية البخاري بالعنعنة أصح من رواية مسلم بها فتذكر ما سلف فأنا لم نورد هذا هنالك قال ابن الصلاح وفيما قال مسلم نظر هو ما سمعته من كلام النووي واعلم أنهم هنا لم يستدلوا لما ذهب إليه البخاري وغيره من شرطية اللقاء ولا لما ذهب إليه مسلم من عدمه وما كان يحسن إهمال الدليل مع نقل الأقاويل وإلا كان تقليدا محضا وقد استدل ابن حجر لكلام البخاري فقال والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال فلو لم يكن مدلسا وحدث عن بعض عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه لأنه وإن كان غير مدلس فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم فاشترط أن يثبت أنه لقيه وسمع منه ليحمل ما يرويه منه على السماع لأنه لو لم يحمل على السماع لكان مدلسا والفرض السلامة من التدليس فتبين رجحان مذهبه وقال الحافظ أيضا وإذا ثبت اللقاء ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك قال وأما احتجاج مسلم على فساد ذلك بأن لنا أحاديث اتفق الأئمة على صحتها ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فلا يلزم من ذلك عنده نفيه في نفس الأمر انتهى قلت هذا الاستدلال ذكره مسلم في مقدمة صحيحه وكذلك ألزم البخاري(1/338)
334 أنه إذا ثبت اللقاء ولو مرة وروى أحاديث يعلم أنه لا يتسع لها زمن اللقاء أن يحملها على السماع فالتزم الحافظ ابن حجر ذلك قلت وفي كلامه أبحاث الأول أن الدلالة العقلية دلت على أنه لا يتسع زمن اللقاء لما رواه عنه ويقول يحمل على السماع فإنه لا يخفى أن افتقار الفعل والقول إلى زمن يتسع لوقوعهما فيه أمر ضروري مخالفته دالة على كذب مدعيه البحث الثاني أن قول الحافظ فلا يلزم من ذلك عنده أي عند البخاري نفيه في نفس الأمر غير دافع لما قاله مسلم لأن ما في نفس الأمر لا تكليف به وإلا فكل ظاهر يجوز خلافه في نفس الأمر والخطاب متعلق بالظاهر في التكاليف لا بما في نفس الأمر ألا ترى أن من عدل ثقة يجوز أنه غير عدل في نفس الأمر بل يجوز أنه غير مسلم مع أنا مكلفون بقبول تعديل الثقة وكذلك ما صححه الثقة يجوز أنه موضوع في نفس الأمر وبالجملة ما في نفس الأمر لا تكليف به البحث الثالث استدلال الحافظ ابن حجر للبخاري على شرطية اللقاء بتجويز أهل عصره للإرسال غير ناهض على الشرطية للقاء لأن هذا التجويز لا يرفع الأصل في إخبار الثقة وأنه محمول على اتصال السماع مع معاصرته لمن يروى عنه وإمكان اللقاء وإذ قد قبل البخاري عنعنة من ثبت له اللقاء ولو مرة مع احتمال أن بعض ما رواه لم يسمعه فقد حمله على السماع مع الاحتمال فليجزه مع احتمال الإرسال مع أنه احتمال بعيد واحتمال عجم السماع أقرب فيما يرويه السامع ويكثر في روايته مع حقارة زمن اللقاء وإذا عرفت هذا فمذهب مسلم لا يخلو عن القوة لمن أنصف وقد قال أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام اعمل أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان(1/339)
335 فكل ذلك محمول على السماع منه انتهى قلت ولا يخفى أن قد قدمنا عنه خلاف هذا في حديث المعازف فتذكره الثاني من الأقوال في العنعنة ما أفاده قوله قال الزين وذهب بعضهم إلى أن الإسناد المعنعن من قبيل المرسل والمنقطع أي فلا يحتج به ونقل عن النووي أنه قال هذا المذهب مردود بإجماع السلف قلت وهذا هو اختيار أبي طالب في عنعنة الصحابي وكذلك قال الشيخ الحسن الرصاص قال المنصور بالله هو يحتمل الاتصال والإرسال وكلامهم أي الثلاثة كله إنما رسموه في حق الصحابي فإن قلت وما الفرق بين الصحابي وغيره قلت الفرق أنه لم يثبت عن الصحابي أن ذلك يفيد السماع قلت لا يخفى ركة هذا الجواب فإن الصحابي ليس له عرف في روايته بل تارة يقول سمعت وتارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال البقاعي الفرق احتمال كون غير الصحابي ليس بثقة بخلاف الصحابة فكلهم عدول فهو مقبول بأي عبارة أتى لأنه دائر بين كونه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابيي وكونه سمعه من بعض التابعين بعيد جدا فلا يؤثر فيه هذا الاحتمال بخلاف غير الصحابي كالتابعي فإنه يحتمل احتمالا قريبا قويا أن يكون سمع معنعنة أو متونه من غير صحابي وأن يكون من سمعه من غير ثقة انتهى بمعناه فهذا هو الفرق وقد عبر البقاعي بالقبول بناء على أنه لازم للاتصال قلت والأحسن التفصيل فمن علم ملازمته له صلى الله عليه وسلم فروايته محمولة على السماع بأي عبارة أديت وإن كان من غير الملازمين فيحتمل الأمرين فقد كان عمر وهو من خواص الصحابة يتناوب النزول إلى مقامة صلى الله عليه وسلم هو وجار له فينزل عمر يوما ويأتي جاره بما استفاده ذلك اليوم وينزل جاره يوما فيأتي عمر بما استفاده ذلك اليوم كما هو مصرح به في صحيح البخاري وغيره في قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد قال أبو هريرة(1/340)
336 إنه كان يشغل أصحابه الصفق في الأسواق والأعمال في مزارعهم أي يشغلهم عن ملازمته صلى الله عليه وسلم وكان أبو هريرة لا يشغله شيء عن ذلك فالاحتمال الذي قاله المنصور بالله بالنظر إلى الطرق الأخير مما ذكرناه أقرب قال البرماوي إنه جرى البيضاوي والهندي على تصحيح الاتصال فيما إذا كانت العنعنة بين الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم وأما من ثبت عنه أنه أي المعنعن يفيد السماع كلمة من بيانية الضمير عنه من جماهير المحدثين فإنه يكون مفيدا لذلك في حقه مثلما أن المتأخرين لما استعملوا العنعنة في الأجازة وصار ذلك عرفا لهم لم نحكم فيها بالسماع في حقهم إذا عرفت أنه قد صار عرفا لهم فالحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية كما برهن على هذا في الأصول الفقيه ولا ينبغي أن يكون في هذا اختلاف بعد ثبوت العرف فيه وإنما الخلاف في حق من لم يثبت عنه نقل أي عرف في ذلك من الصحابة والتابعين والفقهاء والأصوليين والقليل من المحدثين قال الحافظ ابن حجر على كلام ابن الصلاح ما لفظه حاصل كلام المصنف أن للفظ عن ثلاثة أحوال أحدها أنها بمنزلة حدثنا أو خبرنا بالشرط السابق الثاني أنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت من مدلس وهاتان الحالتان مختصة بالمتقدمين وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة فهي بمنزلة أخبرنا لكنه إخبار جملى كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه هي الحالة الثالثة إلا أن الفرق بينها وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والأجازة لكون السماع أرجح وبقي حالة أخرى لهذه اللفظة وهي خفية جدا لم ينبه أحد عليها في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سباق قصة سواء أدركها الناقل أن لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف فيقدر مثال ذلك ما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه قال حدثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو اسحق عن(1/341)
337 أبيه عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه لم يرد أبو اسحق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص وما أشبه ذلك لأنه لا يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله ثم ذكر أمثلة لذلك ثم قال وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة انتهى
مسألة في بيان اختلاف العلماء في قول الراوي أن فلان
ومما اختلف فيه إذا قال الراوي أن فلانا قال فقيل هو كالعنعنة يأتي فيه ما أتى فيها وهو قول مالك فإنه سئل عن قول الراوي عن فلان أنه قال كذا أو أن فلانا قال كذا فقال هما سواء قال البرماوي إن كون محل النزاع مثل ما ذكره من التصريح بعد أن بلفظ قال فيه نظر فإن ذلك لا ينحط عن درجة قال المجردة عن أن إذا لم يرد فيه إلا ما يدل على التأكد قال والذي يظهر أن محل النزاع أن يقول مثلا فلان أن فلانا فعل كذا وأن لفلان كذا أو نحوه من غير أن يذكر لفظا يدل على أنه حدثه بذلك أو سمته منه انتهى وحكى ابن عبد البر في التمهيد عن الجمهور أنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة هذا القيد في غير الأعمى قال الزين يعني مع السلامة من التدليس وحكة أيضا أن أن وعن سواء حكاه عن الجمهور(1/342)
338 أهل العلم وحكة ابن عبد البر عن بعضهم أن حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع من جهة أخرى وهذا البعض هو أبو بكر البردنجي قال ابن عبد البر بعد نقله عنهه وعندي لا معنى لهذا وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله وضعفه ابن عبد البر محتجا على ضعفه بالإجماع على أن مثل ذلك يفيد الاتصال في حق الصحابة قلت لفظ ابن عبد البر لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت الإجماع غير مسلم في حق الصحابة خاصة وقال أحمد بن حنبل ليس أن وعن سواء وذلك أنه قيل له إن رجلا قال عروة عن عائشة وعن عروة أن عائشة هل هما سواء قال كيف يكونان سواء ليسا بسواء قال الزين معللا لكلام أحمد ابن حنبل لأن قول التابعي عن عائشة يفيد الإسناد إليها وقوله أن عائشة قالت لا يفيد ذلك فلعله أي التابعي استفاد من غيرها أي غير عائشة أنها قالت ذلك أو فعلت إلا أنه اعتبر الزين إدراك الراوي للقصة حيث قال قلت الصواب أن من أدرك ما رواه بالشرط الذي تقدما نحكم له بالوصل كيفما روى يقال أو عن أو بأن فسوى وأطال في شرحه بذكر الأمثلة والمصنف اختصر المقال قال ابن الصلاح والزين أما في الأعصار الأخيرة قد عرفت حدها مما قدمناه عن الحافظ ابن حجر فقد صارت العنعنة مستعملة في الأجازة دون السماع فافهم ذلك ولكنه لا يخرج الحديث عن الاتصال بنوع من الوصل لأن حكم الإجازة الوصل لا القطع قال ابن الصلاح كثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن أنه رواه بالإجازة قال ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى انتهى قلت ويأتي تحقيقه في بحث الأجازة
339 مسألة في حكم تعارض الوصل والإرسال(1/343)
تعارض الوصل والإرسال لعارض والرفع والوقف وهما مسألتان في الحقيقة الأولى تعارض الوصل والإرسال إذا كان ذلك في رواية راويين اختلف أهل العلم إذا وصل الحديث بعض الرواة وأرسله آخر اختراز عما إذا كان لا مرسل والواصل واحدا فإنه يأتي حكمه هل الحكم لمن وصل أو لمن أرسل أو للأكثر أو للأخفظ على أربعة أقوال أما إذا كان الذي أرسل واسند واحد مرة كذا ومرة كذا فقال البرماوي الظاهر المقبول وبه جزم الإمام وأتباعه ويأتي في كلام المصنف وقد استدل للمانع في هذه الصورة بأن المتحقق الإرسال والوصل زيادة وحذفها قد شكك في ثبوتها وإن لم يشكك في العدالة لجواز الغلط والنسيان والغفلة ونحو ذلك مما ليس بربية في الراوي وهو موجب للريبة في المروى فذلك علة كالاضطراب في الإسناد بل أشر لأنه ناقض نفسه فيه انتهى الأول من الأربعة أن الحكم لمن وصل معناه أنا نحكم لتلك الطريق المرسلة المرسلة أنها موصولة نظرا إلى ما بان بتلك الطريق الأخرى هذا هو المذهب المشهور في كتب الزيدية لا يكاد يعرف غيره عن أحد من أئمتهم وهو قول أكثر علماء الأصول وذلك لأن الوصل زيادة عدل وهي مقبولة فكما قبلنا إرساله لعدالته فنقبل وصله لله قال زين الدين وهو الصحيح كما صحح الخطيب قال ابن الصلاح وهو الصحيح في الفقه وأصوله هكذا قاله ابن الصلاح قال البقاعي إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة(1/344)
340 نظرا لم يحكه وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه وذلك أنهم لا يحكمون فيها يحكم مطرد وإنما يديرون ذلك على القرائن انتهى ويأتي ما يفيد هذا في كلام الحافظ ابن حجر وعنه أخذه البقاعي فإنه شيخه إلا أن عبارته دلت أن هذا لبعض حذاق المحدثين لا لكلهم كما أفاد أول كلامه قال الحافظ الذي صححه الخطيب شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا وأما الفقهاء والأصوليون فيقبلون ذلك مطلقا وبين الأمرين فرق كثير قال وههنا شيء يتعين التنبيه عليه وهو أنهم شرطوا في الصحيح ألا يكون شاذا وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفا فيه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا ثم قالوا تقبل الزيادة مطلقا فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا وهل يسمونه شاذا أم لا أو لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض والحق في هذا أن زيادة لا ثقة لا تقبل دائما ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين لم يصب وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بقيتهم لنفيها لفظا ولا معنى وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين وابن الأنباري شارح البرهان وغيرهما قال ابن السمعاني إذا كان راوي الناقصة لا يغفل وكانت الدواعي متوفرة على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الدواعي متوفرة على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة وكان المجلس واحدا فالحق أن لا تقبل رواية الزيادة هذا الذي ينبغي انتهى واعلم أن المصنف لم يستدل لهذا القول الأول بدليل بل ساق كلام الناس كما يسوق المقلد وكان عليه أن يستدل لهذا وفي مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد استدلال للفريقين بما محصله لنا أي دليل على القبول أنه أي راوي الزيادة عدل جازم بروايته في حكم ظني فوجب قبول قوله وعدم رواية غيره لا يصلح مانعا إذا الفرض جواز الغفلة قال من خالف الجمهور الظاهر نسبة الوهم إليه لوحدته وتعددهم فوجب رده وأجيب بأن سهو الإنسان(1/345)
فيما لم يسمع حتى جزم بأنه سمع
341 بعيد جدا بخلاف سهوه عما يسمع فإن ذهول الإنسان عما يجري بحضوره لاشتغاله عنه كثير الوقوع هذا إذا اتحد المجلس أما إذا تعدد فتقبل باتفاق انتهى فشرط للقبول شرطين اتحاد المجلس وأن يكون المروى مما لا يغفل مثلهم عن نقل لا زيادة فإن جهل كونه واحدا أو متعددا فأولى بالقبول مما اتحد لاحتمال التعدد وسئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي موسى وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس وأخرجه الطبراني في الكبير أيضا عن أبي أمامة وأخرجه الحاكم عن أبي هريرة وقد أرسله شعبة وسفيان الثوري وهما في الحفظ جبلان وأسنده إسرائيل بن يونس أي ابن أبي اسحق السبيعي الكوفي أحد الأعلام قال أحمد بن حنبل ثقة وجعل يتعجب من حفظه قال الذهبي بعد الثناء عليه نعم شعبة أثبت منه إلا في ابن أبي اسحق انتهى والحديث المذكور رواه شعبة وسفيان عن أبي اسحق السبيعي عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه إسرائيل عن جده أبي اسحق عن أبي برد ة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخرين فلا يقال الزيادة شذوذ في الحديث وتعيين بعض الآخرين يأتي قريبا فقال البخاري الزيادة من الثقة مقبولة وحكم لمن وصله فدل أنه يرى قبول الزيادة من الثقة مطلقا واعلم أنه لا يتم ما ذكرنا مثالا لما ذكر مما نحن فيه حتى يتحقق اتحاد المجلس أو يلتبس لما عرفت من أنه قال الحافظ ابن حجر رحمهالله إن الاستدلال الحكم للواصل دائما على العموم ليس من صنيع البخاري ولكنه في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة إنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول منها أن يونس بن أبي اسحق وابنه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي اسحق موصولا(1/346)
342 ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم ووافقهم على ذلك أبو عوانة وشريك النخعي وزهير بن أمية وتمام العشرة من أصحاب أبي اسحق مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان فإنما أخذاه عن أي اسحق في مجلس واحد فقد رواه الترمذي قال حدثنا محمود بن غيلان قال ثنا أبو داود الطيالسي في مسنده قال ثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا اسحق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي فقال أبو اسحق نعم فشعبة وسفيان إنما أخذاه معا في مجلس واحد عرضا كما ترى ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على مما أخذ عنه عرضا في محل واحد هذا إذا قلنا حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي يقول العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد فتبين أن ترجيح البخاري وصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل بما ظهر من قرائن الترجيح ويزيد ذلك ظهورا تقديمه للإرسال في مواضع أخرى مثاله ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن ابن أبي بكر هو ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أم سلمة قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إن شئت سبعت لك ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة قال البخاري في تاريخه الصواب قول مالك مع إرساله فصوب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له وصوب الوصل هناك لقرينة ظهرت له فتبين أنه ليس له عمل مطرد في ذلك القول الثاني من الأربعة أن الحكم لمن أرسل حكاه الخطيب عن أكثر أصحاب الحديث لم يذكر دليله أيضا وقد عرفت دليله من كلام ابن الحاجب والعضد وجوابه القول الثالث من الأربعة أن الحكم للأكثر فإن كان من أرسله(1/347)
343 أكثر ممن وصله فالحكم للإرسال والعكس ولم يذكر الدليل أيضا وكأنه يقول إن الظن يدور مع الكثرة القول الرابع أن الحكم للأحفظ قيل وليسا بشيء لأن مرجع ذلك إلى الترجيح ولا يدفع الريبة لأن الشك في أحد المتقابلين شك في الآخر والشك لا يعمل به وفاقا والذين قالوا إن الحكم للأكثر أو للأحفظ اختلفوا هل تكون مخالفة الأكثر والتحفظ قدحا في عدالته أي عدالة راوي الزيادة كما أنها قدح في روايته عند من ردها فيه قولان أصحها أنها لا تقدح في عدالته لأن الفرض أنه ثقة فروايته مقبولة وإن لم يروها غيره فهذه الأولى من مسألتي التعارض والثانية قوله وإذا اختلفا أي الراويان أو الخبران في الوقف والرفع فهي مثل هذه سواء إذ الرفع زيادة ثقة وتقدم قبولها أو عدمه هذا إذا اختلف الرافع والواقف وأما إذا كان واحدا فقد أشار إليها بقوله قالوا ومثل ذلك أي مثال تعدد الواقف والرافع أيضا أن يكون الرافع والواقف أو المسند والمرسل واحدا فإن الحكم للرفع على الوقف والوصل على الإرسال على الأصح لما عرفت من أنها زيادة ثقة فيما قاله زين الدين وقال هكذا صححه ابن الصلاح وقيل للأكثر من أحواله هذا القول نسبة الزين إلى الأصوليين فإن كان أكثر أحوال الراوي الرفع والوقف منه نادر فالحكم لرفع وكذلك العكس هو أن يكون الوقف أكثر أحوال الراوي والرفع منه نادر فيكون الحكم للوقف قال المصنف قلت وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال وهو موضع اجتهاده قلت وقد سبق ابن دقيق العيد إلى هذا وجعله للمحدثين فانه قال من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مسند ومرسل أو رافع وواقف أو ناقص زائد أن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانونا مطردا ومراجعة أحكامهم(1/348)
344 الجزئية تعرف صواب ما نقول وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان و أحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنه لا يحكم في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوي عند أحدهم في حديث حديث قال الحافظ ابن حجر وهذا العمل الذي حكاه عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح وأما ما لا يظهر فيه الترجيح فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة فإن غلب على الظن وهم الثقة في الرفع والوصل بقرائن تثمر الظن بمخالفة الأكثرين من الحافظ الذين سمعوا الحديث معه من شيخه في موقف واحد هذا رجوع إلى القول الثالث أن الحكم للأكثر إلا أن قوله ونحو ذلك من القرائن دال على أن الملاحظة ليست للكثرة لا غير كالقول الثالث بل الملاحظ القرائن والكثرة أحد القرائن فإن القرائن إذا حصلت في غير جانب الزيادة فإن الرفع والوصل حينئذ مرجوحان والحكم بهما حكم بالرجوح وهو خلاف المعقول والمنقول أما المعقول فظاهر فإن العقل يقضي بالعمل الراجح حيث كان وأما المنقول فلأن جماعة من الصحابة وقفوا عن قبول خبر الواحد عند الريبة وشاع ذلك ولم ينكر كما فعله عمر في حديث فاطمة بنت قيس في بأنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة المبتوتة أخرجه أحمد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى قال سلمة بن كهيل فذكرت ذلك لإبراهيم يعني النخعي فقال قال عمر لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لها النفقة والسكنى وأخرجه مسلم وأبو عوانة وابن حبان زاد مسلم في رواية في طريق أخرى لا ندري أحفظت أم نسيت وحققنا أن حديث فاطمة لا يرد بما قاله عمر بل هو معمول به كما أوضحناه في سبل السلام وحواشي ضوء النهار وكما فعله عمر في حديث أبي موسى في الأمر بالاستئذان أخرج مسلم أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاثا(1/349)
345 فلم يأذن له فرجع ففرغ عمر فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فقالوا رجع فدعاه فقال ما هذا قال كنا نؤمر بذلك فقال لتأتيني على هذا ببينة فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا لا يشهد لك على ذلك إلا أصفرنا فانطلق أبو سعيد الخدري فشهد له فقال عمر لمن حوله خفى هذا على من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق في الأسواق وله ألفاظ أخر وطرق وكما فعله أبو بكر في حديث المغيرة بن شعبة في ميراث الجده أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق من حديث قبيصة بن ذؤيب وغيره أن الجده جاءت إلى أبي بكر الصديق فسألته ميراثها فقالها مالك في كتاب الله شيء ولا علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك على هذا أحد فقال محمد بن مسلمة مثل ما قال المغيرة فانفذه لها أبو بكر بل كما فعله علي رضي الله عنه في استحلاف من اتهمه وثوقفه عن قبوله حتى يحلف رواه الحافظ الذهبي في التذكرة وقال هو حديث حسن ورواه المنصور بالله وأبو طالب عن علي عليه السلام قال كنت إذا سمعت حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعي الله به ما شاء فإذا سمعته من يغره استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ذكره المصنف في العواصم إلا أنه قد روى عن البخاري أن هذا غير صحيح عن علي رضي الله عنه بل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أن أخبره ذو اليدين أنه قصر صلاته فإنه أنكر ذلك لأجل سكوت الجماعة واختصاص ذي اليدين بالخبر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أحق ما يقول ذو اليدين أخرج أحمد والشيخان وغيرهم بألفاظ من طرق عن أبي هريرة قال صلى بنا(1/350)
346 رسول الله صلى عليه وآله وسلم إحدى صلاتي المشي فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم انطلق إلى خشية معروضة في مقدم المسجد فقال بيديه عليها هكذا كأنه عضبان وخرج سرعان الناس من باب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يسألاه وفي لاقوم رجل في يديه طول كان يسمى ذا اليدين فقال رسول الله أقصرت أم نسيت فقال لم أنس ولم تقصر الصلاة فقال صليت ركعتين فقال أكما يقول ذو اليدين فقالوا نعم الحديث هذا إذا كان أحد الرواة أكثر وأما إذا رواه ثقتان على سواء أو قريب من السواء فالحكم لمن زاد لأن لأنها زيادة ثقة لم يعارضها أرجح منها وكذلك إذا كان أحدهما مثبتا والآخر نافيا مع تساويهما أو تقاربهما فالحكم للمثبت لأنه عمل بالروايتين وبين ذلك مراتب في القوة والضعف لا يمكن حصرها بل ينظر الناظر في كل ما وقع فيه هذا التعارض ويعمل بحسب قوة ظنه بتتبعه للمرجحات المعروفة في الأصول
مسألة في بيان التدليس
التدليس قال الحافظ ابن حجر إنه مشتق من الدلس وهو الظلام قاله ابن السيد وكأنه أظلم أمره على الناظر لتغطيته وجه الصواب وقال البقاعي إنه مأخوذ من الدلس بالتحريك وهو اختلاط الظلام الذي هو سبب(1/351)
347 لتغطية الأشياء عن البصر ومنه التدليس في البيع يقال دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذيي في متاعه كأنه أظلم عليه الأمر قال في الجوهرة قد تعورف عنه العييب معناه الأصلي وهو أن يروى الراوي عن شيخ شيخه موهما أنه سمعه منه زاد النصف في العواصم من غير أن يكذب فيقول حديثي فلان والذي عليه علماء الزيدية أن المدلس مقبول لأن التدليس ضرب من الإرسال وقد تقدم دليل قبول المراسل ولا كلام أنه ينطبق دليل قبول المراسيل على قبول المدلس وقل من سلم من التدليس وقد روى أن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أحاديث يسيرة قال بعضهم أربعة أحاديث وبقية أحاديثه سمعها عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يكاد يذكر من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره المصنف في العواصم هكذا ذكره الإمام المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة وهو قول عامة الزيدية والمعتزلة فيما أعلم قلت وهو أي الحديث المدلس أولى بالقبول من المرسل لأنه إذا كان في الإسناد من لا يقبل فالحديث مردود لوجود من لا يقبل في روايته وإن كان عن ثقات عنده عند المدلس لا عند غيره فقد أوهم المدلس أنه صحيح لطيه ذكر شيخه مثلا وقصد إبهام ذلك إذ لولا القصد لما دلس بخلاف المرسل فهو وإن أوهم الصحة فلم تظهر منه قرينة تدل على أنه قصد الإيهام لكنه يحتمل صحته عنده فإن كان يعرف شرطه في الصحة أي شرط المدلس للصحة قبل أيضا أي حديث المدلس كما يقبل المرسل على مقتضى قواعد المحدثين المتأخرين كما مر في المرسل وإن لم يعرف شرطه في الصحة كان الحديث المدلس كالمرسل وإن جاء بعن لأنه قد قصد إيهام الصحة وحاصله أن المدلس أوهم الصحة وأتى بقرينة دالة على قصدها بخلاف المرسل فإنه(1/352)
348 أوهم الصحة ولم يقم قرينة تدل على قصدها فكان قبول المدلس أولى من قبيل المرسل وفي كلامه نظر ولا يكفي في جرح المدلس أي في جرحنا بالتدليس لمن عرف به أنه دلس حديث راو ضعيف بغير الكذب بإسقاطه أو راو كذاب حتى يعرف أن الكذاب الذي أسقطه من السند متعمد للكذب لا مخطئ بأن يكون واهما و حتى يعرف أن المدلس قد عرف عتمده الكذب في الحديث وحتى يكون ما دله من الحديث في الحلال والحرام قلت أو المندوب أو المكروه إذ الكل أحكام شرعية وإنما اشتهر عن المحدثين أه يقبل الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب فكأنه لذلك قيده المصنف و حتى لا يكون يرويه من غير تلك الطريق هذه أربعة شروط ثلاثة وجودية وشرط عدمي يعز وجود واحد منها ولا يغرنك قول المحدثين فلان كذاب فقد يطلقون ذلك على من يكذب مخطئا لا متعمدا لأن الحقيقة اللغوية لمسمي الكذب تقتضي أنه كذاب إذ الكذب لغة الأخبار بخلاف الواقع ولا يشترط فيه العمدية نعم العمدية شرط في الإثم على أنه لا يخفى أن الأصل في إطلاق المحدثين للكذب فيمن يصفونه به هو الكذب حقيقة الصادر عن عمد يعرف ذلك من تصرفاتهم وإذا كان هو الأصل فلا بد من قرينة على أنهم أرادوا به الوهم كما أفاده قوله ولهذا وصفوا بذلك خلفا من أهل الصدق إذا وهموا فأن القرينة كونهم وصفوا بذلك من يعرف بالصدق والصواب أنه لا يسمى من وهم كذابا لأن العرف في الكذاب أنه المتعمد كما قاله الجاحظ فإنه يقول الكذب عدم المطابقة مع الاعتماد كما عرف في الأصول وعلم البيان من حقيقة مذهبه وقد رد أئمة الأصول والبيان ما ذهب إليه وأن التعمد أمر قلبي لا يطلع عليه فالأصل هو العمد ولهذا أي لأجل أن الكذب في عرف اللغة إنما هو للمتعمد قالت عائشة في ابن عمر ما كذب ولكنه وهم وهو أي اللفظ الذي(1/353)
349 قالته عائشة ثابت في الصحيح وهي من أهل اللسان فإنه أخرج مسلم بألفاظ كثيرة من طرق عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها قلت ولا يخفى أن عائشة رضي الله عنها لم تطلق الكذب على الوهم ولا الكذاب على الواهم الذي بحث المصنف فيه فما في كلامها حجة له فإنها نفت الكذب عن ابن عمر رضي الله عنهما وأثبتت له الوهم مع أنه قال المصنف إن الحقيقة اللغوية إطلاق الكذب على المخطيء غير المتعمد وابن عمر هنا عند عائشة مخط ونفت عنه الكذب وهي كما قال من أهل اللسان أي اللغة قبل هذا العرف الذي خصصه بالمتعمد فتأمل فلمثل هذا لم يجرح أئمتنا من دلس على الإطلاق ولم يستثنوا من دلس عمن تكلم فيه لأنه لا يكون مجروحا اللغوية إطلاق الكذب على المخطئ غير المتعمد وابن عمر هنا عند عائشة مخط ونفت عنه الكذب وهي إلا بتلك الشروط قلت لا خفاء أن من قال فيه الأئمة إنه كذاب فالأصل في الإطلاق الحقيقة العرفية وقدم المصنف أنها الكذب عن عمد فأقل أحوال من قيل فيه ذلك الوقوف عن قبول روايته ورواية من دلس عنه وإلا كان قبولا مع الريبة وعملا مع الشك وقد نهى مبني للمعلوم سفيان الثوري عن الرواية عن محمد بن السائب الكلبي هو أبو نصر الكوفي المفسر الأخباري روى عن الشعبي وجماعة قال الذهبي في الميزان قال الكلبي حفظت ما لم يحفظه أحد حفظت القرآن في ستة أو سبعة أيام ونسيت ما لم ينسه أحد فبضت على لحيتي لأخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة وذكر له أحاديث وذكر من يرتضي روايته ثم ذكر عن ابن معين أن الكلبي ليس ثقة وعن الجوزجاني وغيره وقال الدار قطني متروك وقال ابن حبان مذهبه في الدين ووضوح الكذب أظهر من أن يحتاج(1/354)
إلى
350 الإغراق في وصفه فقيل له لسفيان الثوري بعد نهيه عن الرواية عنه فلم تروى عنه قال لأني أعرف صجقه من كذبه قلت في بيان معرفته لصدقه من كذبه مثل أن يتذكر بروايته أو بما في كتابه ما كان حافظا له أو يرى معه خط ثقة يعرفه مع قرائن ضرورية وقال زين الدين التدليس على ثلاثة أقسام قال عليه البقاعي إن أراد أصل التدليس فليس إلا ما ذكر ابن الصلاح من كونهما اثنين باعتبار إسقاط الراوي أو ذكره وتعمية وصفه وإن أراد الأنواع فهي أكثر من ثلاثة بما يأتي من تدليس القطع وتدليس الضعف قال زين الدين مشيرا إليه ذكر ابن الصلاح منها قسمين القسم الأول تدليس الإسناد وهو أن يسقط الراوي المدلس شيخه ويروي عن شيخ شيخه يعني بالنسبة إلى هذا الحديث المدلس بعينه وإلا فشرط هذا الذي سماه شيخ شيخه أن يكون شيخه نفسه حتى تحصل الإيهام فالأحسن في العبارة أن يقال تدليس الإسناد أن يسند عمن لقيه ما لم يسمع منه بلفظ موهم أفاده البقاعي قلت وهو رسم قد اشتمل على الشرطين اللذين ذكرهما المصنف لو لا أنه أتى بالقاء عوضا عن المعاصرة وذلك يجري على رأي من يشترطه ولا يكتفي بها وقد أفاد كونه شيخا للمدلس قول المصنف إيهام أنه سمع فإنه إذا كان شيخا له وقع الإيهام وإلا فلا وله أي لتدليس الإسناد شرطان أحدهما أن يأتي بلفظ محتمل غير كذب مثل عن فلان ونحوه وثانيهما أن يكون عاصره لأن شرط التدليس إيهام أنه سمع منه ولا يتم إلا بالمعاصرة واللقاء عند شرطه وإذا لم يعاصره زال التدليس وصار كذابا أو مرسلا محضا هذا هو الصحيح المشهور وروى ابن عبد البر في التمهيد عن بعضهم أنهلا يشترط ذلك قال فجعل التدليس أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع وإلا لكان كذبا قال ابن عبد البر فعلى هذا ما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره(1/355)
351 مثله أي مثل التدليس في حكمه وذكره الشيخ وحذف الآلة أيضا من التدليس في الرواية أن يسقط أي الراوي أداة الرواية من حدثنا ونحوه ويسمى الشيخ فقط فيقول فلان فيكون فاعلا لفعل محذوف لا قرينة على تعيينه أو مبتدأ لا قرينة على تعيين خبره وهل هو قال أو حدث أو نحوه وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا قال علي بن خشرم بمعجمتين بزنة جعفر ثقة كنا عند ابن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عم معمر عن الزهري فيقدر في مثل هذا قال الزهري وقد مثل ابن الصلاح القسم الأول بهذا المثال فدل على أنه أراد بقوله شيخه مثلا فيشمل شيخ شيخه كما في المثال ثم حكى ابن الصلاح الخلاف فيمن عرف بهذا هل يرد حديثه مطلقا أو ما لم يصرح فيه بالاتصال وفيه أقوال ثلاثة أحدها أنه يرد مطلقا وإن صرح بالسماع لأنه مجروح حكاه ابن الصلاح عن فريق من أهل الحديث والفقهاء وحكاه عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح ومن ثبت أنه يدلس لا يقبل حديثه مطلقا قال وهو الظاهر على أصول مالك وثانيها قيل إن صرح بالسماع قبل كقوله سمعت وحدثنا وأنبأنا قيل هو الصحيح وإن لم يصرح به فعن النووي لا يقبل اتفاقا قال الزين وقد حكاه البيهقي في المدخل عن الشافعي وسائر أهل العلم بالحديث وحكاية الاتفاق هنا غلط وهو محمول على اتفاق من لا يقبل المرسل انتهى فقول المصنف قال زين الدين وهو محمول على اتفاق لا يقبل المرسل هو أحد الاحتمالين في كلام الزين ثم قال الزين واعلم أن ابن عبد البر قد حكى عن أئمة الحديث كأن المراد بهم غير الفريق الذين ردوه مطلقا أنهم قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريح ومعمر ونظرائهما وهذا ما رجحه ابن حبان وقال هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان(1/356)
352 يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولذا قيل أما الإمام ابن عيينة فقد اغتفروا تدليسه من غير رد ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل بقية بالموحدة والقاف وتحتية وهكذا في شرح الزين على الألفية وهو بقية بن الوليد ولست أدري ما مراد ابن حبان إن كان هذا لفظه هل هو مثال للثقة المدلس عنه كما هو ظاهر السياق بل لا يحتمل سواه فإن كان كذلك فبقية هو بن الوليد أبو محمد الحميري الحافظ أحد الأعلام قال ابن المبارك صدوق لكن يكتب عمن أقبل وأدبر وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال بعضهم كان مدلسا فإذا قال عن فليس بحجة وقال ابن حبان سمع عن مالك وشعبة أحاديث مستقيمة ثم سمع عن أقوام كاذبين عن شعبة ومالك فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت هذا كلام أبي حاتم وأبن حبان فيه فكيف يتم هاهنا مثالا للثقة والحجة وقال أبو مسهر أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية وأطال الذهبي في ترجمته بمثل هذا فكيف يجعل مثالا للثقة والعجب من الزين نقل كلام ابن حبان ولم يبين مراده وتبعه المصنف وظني والله أعلم أن في كلام ابن حبان سقطا وأن أصل عبارته وليسس مثل بقية أي ليس سفيان مثل بقية يدلس عن الكذابين والله أعلم ثم مثل ذلك أي شبه ابن حبان تدليس ابن عيينة بمراسيل كبار الصحابة فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي كما قد عرفت أن هذا هو الأغلب في مراسيلهم ونص أبو بكر البزار والحافظ أبو الفتح الأزدي وأبو بكر الصيرفي من الشافعية على قبول من عرف بالتدليس عن الثقات قال زين الدين بعد حكاية قول من رد المدلس مطلقا دلس عن ثقة أو عن غير ثقة والصحيح كما قال ابن الصلاح التفصيل فإن صرح بالسماع قبل يريد لو أنه قال مثلا في مجلس حدثني زيد وقد قال عمرو وفي مجلس آخر قال في ذلك بعينه عن عمرو فقد دلسه في هذا المجلس لكن تصريحه بسماعه عن شيخه وروايته عنه(1/357)
353 بالسماع دلت على أنه إنما رواه باختصار فدلسه ولا يضره تدليسه وإن لم يصرح بالسماع فحكمه حكم المرسل قال الزين وإلى هذا ذهب الأكثرون وممن رواه عن جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول شيخنا أبو سعيد العلائي في كتاب المراسيل وهو قول عن الشافعي وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم قال الخطيب جمهور من يحتج بالمرسل يقبل التدليس لما تقدم من استدلال المصنف من أنه أولى بالقبول قال الزين ومنهم من لا يقبل المدلس إذا روى بالعنعنة لأن شرط المرسل أن يروي بصيغة الجزم والعنعنة ليست بصيغة جزم وإنما نحكم لها بالاتصال إذا صدرت عن غير مدلس قلت وهو قياس قول أئمتنا وعلمائنا لأنهم مثلوا المرسل بقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجد فيهم أي في أئمة الزيدية وعلمائهم من ذكر العنعنة من المرسل ويحتمل أن يقبلوا المدلس بعن وإن لم يقبلوا ذلك من المرسل لأن المدلس قد ظهر منه قصد إيهام الصحة من جهتين كما قاله المصنف قريبا بخلاف المرسل فإنه إن أوهم لم يظهر منه قصد الإيهام كما تقدم وظاهر إطلاقهم أي الأئمة من علماء المذهب في قبوله يعم العنعنة والله أعلم إذا عرفت هذا القسم الأول وهو تدليس الإسناد فاعلم أن في رواة الصحيحين جماعة من المشاهير بالتدليس كالأعمش وهو سليمان بن مهران الكوفي أحد الأعلام معدود في صغار التابعين ما نقموا منه إلا التدليس كما في الميزان فالأعمش عدل صادق ثبت صاحب سنة ولكنه يحسن الظن بمن حدثه ويروى عنه ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذيي يدلسه فإن هذا حرام قال الذهبي ربما دلس عن ضعيف فلا يدري فمتى قال حدثنا فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فروايته عنهم تحمل على الاتصال وهشيم بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي الحافظ أحد الأعلام سمع الزهري وعمرو بن دينار أيام الحج وكان مدلسا وهو لين في الزهري وقال(1/358)
354 الجوزجاني هشيم ما شئت من رجل غير أنه كان يروى عن قوم لم يلقهم عبد الرزاق عن ابن المبارك قلت لهشيم لم تدلس وأنت كثير الحديث قال إن كثيرين قد دلسا الأعمش وسفيان وقتادة هو ابن دعامة الدوسي حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس ورمى بالقدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أرباب الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا والثوري هو سفيان بن سعيد الثوري في الميزان الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء لكن له نقدا وذوقا ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين وابن عيينة هو سفيان بن عيينة الهلالي في الميزان أحد الثقات الأعلام أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود منه أن لا يدلس إلا عن ثقة والحسن البصري في الميزان ثقة لكنه يدلس عن أبي هريرة فإذا قال حدثنا فهو حجة بلا نزاع وعبد الرزاق بن همام الصنعني في الميزان أحد الأعلام الثقات وساق من كلام الناس فيه ولم يذكره بالتدليس إلا أنه ساق من رواياته ما يدل على تدليسه والوليد بن مسلم هو أبو العباس الدمشقي مولى بني أمية في الميزان أحد الأعلام وعالم أهل الشام ثم قال أبو مسهر الوليد مدلس وربما دلس عن الكذابين ثم قال قلت إذا قال الوليد عن ابن جريج أو عن الأوزاعي فليس يعتمد لأنه يدلس عن الكذابين وإذا قال حدثنا فهو حجة قلت يقال عليه إن كان يعلم أن من دلس عنه كذاب أي من أسقطه وانتقل إلى شيخه الصدوق فهذا خيانة منه فلا يقبل إذا قال حدثني فضلا عن أن يكون حجة وإن كان لا يعلم أن من أسقطه كذاب وإنما علمه غيره فلا تحل بروايته تدليسه وغيرهم ولكن قال النووي إن ما فيهما أي في الصحيحين وفي غيرهما من الكتب الصحيحة التي التزم مصنفوها الصحة من المدلسين بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى قلت قال الإمام صدر الدين بن(1/359)
355 المرجل في كتاب الإنصاف في النفس من هذا الاستثناء غصة لأنها دعوى لا دليل عليها لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها وكذلك استشكل ذلك قبله المحقق ابن دقيق العيد فقال لا بد من الثبوت على طريقة واحدة إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما توجه به أحد أمرين إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها قال وهذا إحلة على جعاله وإثبات أمر مجرد الاحتمال وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الصحيحين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على هذا الخطأ وهو ممتنع قال لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه قال وهذا فيه عسر قال ويلزم على هذا ألا يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا نقول هذا على شرط مسلم مثلا لأن الإجماع المدعي ليس موجودا في الخارج انتهى قلت على أنا قد قدمنا لك ما في الجماع من نظر هذا وفي الأسئلة الإمام تقي الدين السبكى للحافظ أبى الحجاج المزى وسألت عما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول إنهما اطلعا على اتصالها قال كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما يوجد غير تلك الطريق التي في الصحيح قال الحافظ ابن حجر وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط وأما ما كان في المتابعات فيحتمل التسامح في تخريجها كغيرها ويأتي للمصنف وجه حمل روايات الشيخين على ما ذكر ثم إذا عرفت ما نقلناه عرفت ما في كلام الزين الماضي وما في كلام المصنف الآى من قوله وقال الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبي في(1/360)
356 كتاب القدح المعلى قال أكثر العلماء إن المعنعنات التي هي في الصحيحين منزلة منزلة السماع يقال هذه دعوى فأين دليلها قلت ويحتمل أنهما أي الشيخين لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه كما ادعاه لهما النووي لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدل على صحته مما لو ذكراه لطال قلت وعلى هذا يكون الصحيح الذي فيهما من هذا النوع صحيحا لغيره فاختارا أي الشيخان إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه ولم يكن في التابعين الثقات الذي تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلا وشهرة مثل أن يكون مدلس الحديث سفيان الثوري والحسن البصري أو نحوهما ويتابعه على روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه بالسماع من هو دونه من أهل الصدق ممن هو ليس بمدلس حاصل هذا الوجه أن الشيخين رويا عن المدلس ما هو ثابت عندهما من طريق غيره بالسماع إلا أنهما آثرا الإتيان برواية المدلس لجلالته وأمانته وإن كان الأتيان منهما بالأدنى دون الأعلى في الرواية ثم هذه دعوى لهما كدعوى النووي وصاحب القدح المعلي وفيهما ما سلف من الإشكال والمصنف قد أراد الجواب عنه بقوله فأن قلت فلم حملوا أي أئمة الحديث صاحبي الصحيح ونحوهما من أئمة الحديث على ذلك أي مع أنه لا دليل عليه قلت لأنه إذا ثبت عن الثقة البصير بالفن الفارس فيه كالشيخين أنه لا يقبل المدلس بعن وأن التدليس عنده مذموم ثم رأيناه يروى أحاديث على هذه الصفة أي مدلسة بعن وبحكم صحتها كان نصه على عدم قبولها الذي فرضناه يدل على أنه قد عرف اتصالها من غير تلك الطريق فهذا حكم لأئمة الصحيح بأن مارووه عن المدلسين فانه صحيح ومستند هذا الحكم إحسان الظن بهم لما عرف من قاعدتهم قلت إلا أنه قد يقال يلزم من هذا أن ما وجدناه ضعيفا من الرواة في كتاب الشيخين ونحوهما أن نحكم له بالصحة لما علم من أنهما قد التزما الصحة وقد عرفت أنه انتقد عليهما جماعة(1/361)
357 رويا عنهم وأقر الحافظ ذلك الانتقاد بخلاف من لم يعرف مذهبه في المدلسين فإنا لا نحكم له بهذا الحكم فيما دلسه وهذا الكلام ينزل منزلتين إحداهما أن يكون البخاري ومسلم ونحوهما ممن صحح حديث المدلسين قد نص على أن عنعنة المدلس غير صحيحة وأن يكون قد نص على أن ذلك المدلس مدلس عنده إذ من الجائز أنه لم يعرف أنه مدلس وقبل عنعنته بناء على عدالته فقد عرفت من مجموع ما سلف من كلام المصنف وكلامنا أن بين الشيخين في الحديث المعنعن خلافا فالبخاري يشترط اللقاء بين الراوي ومن عنعن عنه ومسلم يكتفي بإمكانه وكل من الشيخين يرى المعنعن الذي على شرطه متصلا وحينئذ فما رواه كل واحد منهما بالعنعنة في كتابه فهو متصل على أصله وحجة يجب العمل بها عنده وأما عنعنة المدلس فهي نوع من مطلقها وليس لهما كلام خاص فيها وكأنه لذلك تردد المصنف في ذلك وفي قوله بناء على عدالته تأمل لأنهم لم يجعلوا التدليس قادحا في الراوي كما عرفت وفي هذه المنزلة يقوى حمل أئمة الحديث على ذلك أي على أنهم قد عرفوا اتصال ما رووه عن المدلسين من غير تلك الطريق قوة مصدر تأكيدي بعد وصفه بقوله تطمئن إلخ صار نوعيا تطمئن بها النفس إلا أنه من البعيد أن يجهل الشيخان مثلا المدلسين من الرواة غاية البعد المنزلة الثانية أن لا يثبت نصهم على شيء من ذلك أي لا على أن عنعنة المدلس غير صحيحة ولا على أن ذلك المدلس مدلس أو يثبت نصهم على بعض ذلك كعدم صحة حديث المدلس دون بعض ولكن يغلب على الظن أي ظن الناظر المجهتد مع شهرة أولئك بالتدليس ومع معرفة أئمة الحديث(1/362)
358 لأحوال الرجال يغلب في الظن أنهم يعرفون تدليسهم ويغلب أيضا على الظن أنهم لا يقبلون عنعنة المدلسين والأمارة التي تثير هذا الظن هي قوله لأن حفاظ الحديث ونقلة مذاهب أئمته في الرواة ما نقلوا ذلك أي قبول عنعنة المدلسين عنهم عن رأي أئمتهم والعادة المعزوفة لنقلة الحديث ومذاهب أئمته تقضي بنقل مثله عن مثلهم فهذه المنزلة دون تلك في القوة بكثير أي في الدلالة على أن أئمة الصحيح قد عرفوا اتصال ما رووه بالعنعنة عن المدلسين من غير تلك الطريق ومن ظن صحتها وترجحت له بظن اتصالها كان له أن يعمل بها أي وجوبا كما يأتي ومن لم يحصل له ظن فله أن لا يعمل بها إذ مدار العمل على العلم أو الظن والأول قد تعذر فلم يبق إلا الظن إلا أن كلامه ظاهر في عدم وجوب العمل بها عند حصول الظن والظاهر أنه يجب إذا لم يجد غيرها وقوله فله أن لا يعمل بها بل الظاهر أنه يحرم عليه العمل لأنه لا يكون إلا عن علم أو ظن والفرض عدمهما فكان الأولى أن يقول فعليه أن لا يعلم بها ويختلف الناس فيها أي في المنزلة الثانية على حسب اطلاعهم على أحوال هؤلاء في كتب تواريخ الرجال ويحصل بذلك ظن الصحة أو عدمه لكن ليس لنا أن نحكم بتعذر المنزلة الأولى ولا بثبوتها إلا بعد البحث التام من أهل المعرفة التامة عن النصين اللذين ذكرهما المصنف والله أعلم وذلك لأن الحكم على الأمور والنقلية إثباتا ونفيا لا يتم إلا بعد كمال الإستقراء لكتب تاريخ الرجال وكذلك المنزلة الثانية ليس لنا أن نحكم بتعذرها أو عدمه إلا بعد البحث التام أيضا فإنهما من الأمور النقلية أيضا فهذا الوجه الذي ذكروه أي أئمة هذا الشأن في العذر عن رواية الشيخين عن المدلسين وهو ما نقله عن النووي وعن صاحب القدح المعلي وقد ذكر أيضا المصنف وجها من العذر لنفسه حيث قال قلت ويحتمل إلى آخره ثم(1/363)
359 قال وعندي وجه آخر أي في العذر عنهم في ذلك وسماه آخر إما بالنسبة إلى الوجه الذي تقدم له وهو غير هذا الوجه فإن الذي تقدم له هو احتمال أن الشيخين عرفا لما روياه عنه من الحديث المدلس توابع إلى آخر كلامه أو بالنسبة إلى ما اعتذر به غير أو بالنسبة إلى عذره السابق وعذر غيره وهو أن التدليس الصادر عن الثقات الرفعا مثل تدليس سفيان الثوري والحسن البصري ونحوهما نوع من المصنف في الرواية والقريب المختلف في قبوله فهو مما ينجبر بالمتابعات والشواهد حتى يصبر بهما صحيحا لغيره وقد عرفنا من طريق مشيخة الحديث أن الضعف القريب إذا انجبر بكثرة المتابعات ارتقى من الضعف إلى القوة حتى يصير صحيحا لغيره قال النووي وهذا أي انجبار الضعيف بكثرة المتابعات مشهور عنهم وروى النووي عن مسلم تنصيصا أي نص عليه مسلم أنه يروى الحديث بالإسناد الضعيف لعلوه ويترك الإسناد الصحيح النازل لذلك الحديث الذي رواه بالإسناد الضعيف لشهرته عند أهل هذا الشأن فيحصل للإسناد الضعيف بشهرة الإسناد الصحيح جابر متابع وشاهد للإسناد الضعيف الذي رواه به وهذا نص من مسلم أن في صحيحه رواية عن الضعفاء قلت وليس بالإسناد الضعيف بمعنى المردود وإنما هو المشتمل على رجال من أهل العدالة والصدق لكن من حفظهم ضعف لم يبلغ إلى مرتبة الرد كما بينته فيما تقدم وقد لا يكون قلت فلا وجه للحصر بأنما في قوله وإنما هو إلى آخره فافهم عرف القوم وهذا الوجه يزداد قوة إذا ثبت معرفة المصحح لأولئك المدلسين كما تقدم فإنه لا يصحح عن حديثهم إلا ما ثبت عنده اتصاله من طريق آخرى إذا عرفت هذا فقد استفيد من مجموع ما تقدم أن في الصحيحين أحاديث هي في نفسها ضعيفة لكنها منجبرات بمتابعات وشواهد ونحوها وإذا(1/364)
360 تذكرت ما تقدم لهم من صحة ما في الصحيحين إلا ما انتقد عليهما علمت أنها صحة للذات أو للغير واعلم أن في قول المصنف الرفعاء إشارة إلى أن في المدلسين في رواة الصحيحين أقواما ليسوا من الرفعاء وقد قال الحافظ ابن حجر المدلسون الذين خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك بل هم على مراتب الأولى من لم يوصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع والغالب أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن ويكون التحقيق بخلافه ثم عد جماعة وجعلهم ثلاث طبقات وسرد أسماءهم من دون بيان أحوالهم فاتبعنا كل اسم بيان حاله تكميلا للإفادة كما ستمر بك ثم قال فمن هذا أيوب السختياني قلت قال النووي في تهذيبهم الثقات هو إمام التابعين أبو بكر بن أبي تميم السختياني بكسر التاء قال ابن عبد البر وغيره كان يبيع السختياني بالبصرة وأي أنس بن مالك رضى الله عنه اتفقوا على جلالته وأمانته وحفظه وتوثيقه ووفور علمه وفقهه وسيادته وأطال الثناء عليه ولم يذكره بتدليس قال وجرير بن حازم قلت بالحاء المهملة وبعد الألف زاي هو الأزدي البصري أحد الأئمة الكبار الثقات قال الذهبي قال يحيى القطان كان جرير يقول في حديث الضبع عن جابر عن عمر ثم جعل بعد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال هي من الصيد انتهى فأفاد أنه دلس هذا ولم يصفه بالتدليس لأنه في روايته الأخرى صرح عن جابر عن عمر فلا تدليس قال والحسين بن واقد قلت أخرج له مسلم والأربعة وثقة ابن معين(1/365)
361 ويغره واستنكر له أحمد بعض حديثه وحرك رأسه كأنه لم يره قال وحفص بن غياث قلت أخرج له الستة قال الذهبي أحد الأئمة الثقات وثقة ابن معين والعجلي وقال أبو زرعة ساء حفظه بعد ما استقضى فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح قال وسليمان التيمي قلت هو ابن طرخان أبو المعتمر البصري نزل في التيمم فنسب إليهم ثقة عالم أخرج له الستة قال وطاووس قلت ابن كيسان اليماني يقال اسمه ذكوان وطاووس لقبه ثقة فقيه أخرج له الستة قال وأبو قلابة قلت بكسر القاف آخر موحدة وبعدها تاء تأنيث هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة فاضل الإرسال أخرج له الستة قال وعبد ربه بن نافع قلت هو ابن شهاب الكناني الحناط الحاء المهملة فنون صدوق يهم أخرجوا له ما عدا الترمذي قال والفضل بن ذكين قلت بالمهملة مضمومة بزنة التصغير أبو نعيم وهو الكوفي ثقة أخرج له الستة قال وموسى بن عقبة بن أبي عياش قلت بمثناة تحتية فمعجمة آخره هو الأسدي مولى آل الزبير فقيه ثقة إمام في المغازي لم يصح أن ابن معين لمينه أخرج له الستة قال وعبد الله بن وهب قلت هو ابن مسلم القرشي فقيه ثقة حافظ عابد أخرج له الستة قال وهشام بن عروة قلت أي ابن الزبير بن العوام ثقة فقيه ربما دلس أخرج له الستة قال ويحيى بن سعيد قلت هو الأنصاري المدني القاضي ثقة ثبت(1/366)
362 فهؤلاء الرفعاء من المدلسين في الصحيحين ممن لم يوصف بالتدليس إلا نادرا وغالب رواياتهم على السماع الثانية من أكثر الأئمة من أخراج حديثه إما لأمانته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كان لا يدلس إلا عن ثقة فمن هذا الضرب إبراهيم بن زيد النخعي قلت هو الفقيه الثقة يرسل كثيرا أخرج له الستة قال وإسماعيل بن أبي خالد عو الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت أخرج له الستة قال وبشير بن المهاجر هو الغنوي بالغين المعجمة والنون صدوق لين الحديث رمى بالأرجاء أخرج له الستة إلا البخاري قال والحسن بن ذكران قلت بالمعجمة هو أبو سلمة البصري صدوق يخطئ ورمة بالقدر كان يدلس قال والحسن البصري قدمنا بيان حاله قال والحكم بن عتيبة قلت بالعين المهملة فمثناه فوقيه فمثناه تحتية فموحدة مصغر أبو محمد الكندي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس أخرج له الستة قال وحماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس أخرجوا له قال وزكرياء بن أبي زائدة قلت هو أبو يحيى الكوفي ثقة كان يدلس أخرجوا له قال وسالم بن أبي الجعد قلت هو الغطفاني الأشجعي مولاهم كوفي ثقة كان يرسل كثيرا قال وسعيد بن أبي عروبة قلت أي ابن مهران اليشكري مولاهم(1/367)
363 أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة قال وسفيان الثوري قلت قدمنا بيان حاله وسفيان بن عيينة كذلك أيضا وشريك القاضي هو ابن عبد الله النخعي القاضي بواسطة أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه بعد ولي القضاء بالكوفة وكان عالما فاضلا عابدا وعبد الله بن عطاء المكي صدوق ويخطئ ويدلس قال وعكرمة بن خالد المخزومي ثقة قال ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير خازم بالخاء والزاي المعجمتين ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره قال ومخرمة بن بكير قلت ابن أبي عبد الله بن الأشج المدني صدوق وروايته عن أبيه وجادة من كتابه ويونس بن عبيد بن أبي دينار العبدي أبو عبيد البصري ثقة ثبت فاضل ورع انتهى وصف من ذكره ابن حجر في النكت مسرودا وأوصافهم نقلناها من كتابه التقريب ثم قال في النكت الثالثة من أكثروا التدليس وعرفوا به وهم بقية ابن الوليد قد قدمنا بيان حاله وحبيب بن أبي ثابت قلت هو الأسدي مولاهم أبو يحيى ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس أخرج له الستة قال وحجاج بن أرطاة قلت هو بفتح الهمزة أ و أرطاة النخعي الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس أخرج له مسلم والأربعة والبخاري في التأريخ(1/368)
364 قال وحميد الطويل قلت هو ابن أبي حمد الطويل أبو عبيد البصري ثقة مدلس أخرج له الستة قال وسليمان الأعمش قلت تقدم بيان حاله قال وسويد بن سعيد قلت هو أبو محمد صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول أخرج له مسلم والترمذي قال وأبو سفيان المكي وعبد الله بن أبي تحبيح قلت وهو يسار المكي ثقة رمى بالقدر وربما دلس قال وعباد بن منصور قلت هو الناجي بالنون والجيم أبو سلمة البصري القاضي رمى بالقدر صدوق وكان يدلس وتغير بأخرة أخرج له الأربعة وعبد الرحمن المحاربي هو أبو محمد الكوفي لا بأس به وكان يدلس وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو أخرج له الستة صدوق يخطئ وكان مرجيا أفرط ابن حبان فقال متروك أخرج له مسلم الأربعة وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج هو الأموي مولاهم المكي فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل أخرج له الستة وعبد الملك بن عمير ثقة فقيه عالم تغير حفظه ربما يدلس أخرج له الستة وعبد الوهاب بن عطاء الحفاف هو البصري العجلي مولاهم يرسل صدوق ربما أخطأ أنكورا عليه حديثا في العباس فقا دلسه عن تعمد وعكرمة بن عمار العجلي أبو عمار الناجي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن كثير اضطراب وعمرو بن عبيد الطنافسي بفتح الطاء والنون بعد ألفه فاء مكسورة ثم مهملة هو الكوفي صدوق أخرج له الستة وعمرو بن عبيد الله أبو اسحق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة(1/369)
365 مكثر ثقة عابد اختلط بأخرة أخرج له الستة وعيسى بن موسى عنجار بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم وهو أبو أحمد صدوق ربما أخطأ وربما يدلس يكثر من التحديث عن المتروكين وقتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت أخرج له الستة ومبارك بن فضالة يفتح الفاء وتخفيف المعجمة أبو فضالة البصري صدوق مدلس ويسوي لم يخرج له الشيخان وأخرج له ابن حبان والترمذي وأبو داود ومحمد بن اسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس أخرج له مسلم والأربعة ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي هو أبو المنذر البصري صدوق بهم أخرج له البخاري والأربعة غير ابن ماجه ومحمد بن عجلان هو المدني صدوق إلا أنها اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة أخرج له مسلم والأربعة ومحمد بن عيسى هو بن تحبيح البغدادي أبو جعفر ثقة فقيه لم يخرج له الشيخان إنما أخرج له الأربعة وابن حبان ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة وضم الراء الأسدي مولاهم صدوق إلا أنه يدلس أخرج له الستة ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري فقه حافظ متفق على جلالته وإتقانه قلت لم يذكره الذهبي في الميزان مع أنه ألفه لمن تكلم فيه فما كان يحسن أن يعده الحافظ ابن حجر في هذه الطبقة بعد قوله إنه اتفق على جلالته وإتقانه ومروان بن معاوية الفراري هو من شيوخ أحمد ثقة مشهور تكلم فيه(1/370)
366 بعضهم لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين كان ثبتا حافظا أخرج له الستة والمغيرة بن مقسم بكسر الميم هو الضبي مولاهم أبو هاشم الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس لا سيما عن إبراهيم أخرج له الستة ومكحول الشامي هو ثقة فقيه لكنه يكثر الإرسال أخرج له مسلم والأربعة وهشام بن حسان هو الأزدي أبو عبد الله البصري ثقة وأثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قال كان يرسل عنهما أخرج له الستة قال وهشيم بن بشير قلت بموحدة ومعجمة يزنة عظيم ثقة ثبت كثير التدليس أخرج له الستة قال والوليد بن مسلم الدمشقي قلت هو القرشي مولاهم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية أخرج له الستة قال ويحيى بن أبي كثير قلت هو الطائي مولاهم أبو نصر اليماني ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل قال وأبو حمزة قلت بالحاء المهملة والزاي المشددة هو خليفة الرقاشي بفتح الراء وبالقاف مشهور بكنيته قيل اسمه حكم ثقة فهذه أسماء من ذكر التدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا حديثه أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا ساقهم الحافظ ابن حجر في نكته وبينا أحوالهم من التقريب كثيرا ومن الميزان وهو الأقل وقوله ممن أخرجا حديثه أو أحدهما فيه نظرية ففي من عده من لم يخرجا له ولا أحدهما شيئا قال الزين في التدليس ذمة أكثر العلماء وهو مكروه جدا وروى الشافعي عن شعبة أنه قال لأن أزني أحب إلى من أن أدلس ضبطه بعضهم بالمهملة ثم موحدة مضموم الهمزة قال فإن الربا أخف من الزنا قال وفيه(1/371)
367 أيضا مناسبة فإن الربا أصله التكثر والزيادة ومتى دلس فقد كثر مروياته بذلك الشيخ الذي ارتقى إليه وأوهم كثرة مشايخه عند ما عمى أوصافهم قال شيخنا وقوله إن الربا بالموحدة أخف ليس كذلك ففي بعض الأحاديث لأن يأكل الرجل درهما من ربا أشد من كذا وكذا زنية قاله البقاعي قال ابن الصلاح وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير وذمه أيضا جماعة من أقران شعبة وأتباعه فروينا عن عبد الصمد ابن عبد العزيز عن أبيه أنه قال التدليس ذل وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا وقال وكيع لا يحل تدليس القوت فكيف تدليس الحديث وعن أبي عاصم النبيل قال أقل حالات المدلس عندي أن يدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ذكر ذلك الحافظ فائدة قال الحاكم أكثر أهل الكوفة يدلسون والتدليس في أهل الحجارة قليل جدا وفي أهل بغداد نادر والله أعلم القسم الثاني من التدليس تدليس الشيوخ قال ابن الصلاح وهو أخف من الأول لو قال الأول أشد من سدا لكان أولى لأنه ليس في واحد منهما خفة لكن قد يطلقون أفعل ولا يريدون حقيقة معناه والمراد هنا هذا أقل شدة من الأول وإن كانت العبارة لا تفي به وهو أن يصف المدلس شيخه الذي سمع منه بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو ذلك لكي يوعز يعسر الطريق على معرفة السامع له قال الحافظ ابن حجر ليس قوله مما لا يعرف به قيدا بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا كقول الخطيب أخبرنا علي ابن أبي على البصري ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي الحسن بن علي التنوخي(1/372)
368 وأصله من البصرة فقد ذكره بما يعرف به لكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهرا بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد ولهذا نظائر كصنيع البخاري في الذهلى فإنه تارة يسميه فقط فيقول حدثنا محمد ابن عبد الله فينسبه إلى جده وتارة يقول محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته بمحمد بن يحيى الذهلي والله الموفق كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله والحال أنه يريد عبد الله بن أبي داود السجستاني أو نحو ذلك من الأمثلة قال ابن الصلاح وفيه أي في هذا القسم من التدليس تضييع للمروى عنه بعدم معرفة عينه ولا حاله قال لزين الدين و فيه تضييع للحديث المروي أيضا بأن لا يتنبه له فيصير بعض رواته مجهولا فهذه مفسدة عظيمة في هذا القسم منه قلت وإنما كان أخف من القسم الأول من التدليس وهو تدليس الإسناد لأنه قال زال الغرر فإن شيخه الذي دلس اسمه لا يخلو إما أن يعرف فيزول الغرر أولا يعرف فيكون في الإسناد مجهول كما قاله زين الدين قال زين الدين ويختلف الحال في كراهية هذا القسم باختلاف المقصد للمدلس الحامل له على ذلك التدليس فشر ذلك أن يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه ضعيفا فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء وهذا غش للمسلمين قلت إذا كان يعتقد أن ضعف من دلسه ضعف يسير يحتمل وعرفه بالصدق والأمانة واعتقد وجوب العلم بخبره لما له من التوابع والشواهد وخاف من إظهار الرواية عنه وقوع فتنة من غال مقبول عند الناس ينهى عن حديث هذا المدلس ويترتب على ذلك سقوط جملة من السنن النبوية فله أن يفعل مثل هذا ولا حرج عليه لأنه إنما قصد بتدليسه نصح المسلمين في الحقيقة وإيثار المصلحة على المفسدة وقد دلس عن الضعفاء إمام أهل الرواية والدراية ومن لا يتهم في نصحه للأئمة سفيان بن سعيد الثوري سبق بيان(1/373)
369 حال إمامته في الدين فمن مثل سفيان في منقبة واحدة من مناقبه أو من يبلغ من الرواة إلى أدنى مرتبة من مراتبه ولو لا هذا المذر ونحوه من الأعذار الضروريات ما دلس الحديث أكابر الثقات من أهل الديانة والأمانة والنصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولجميع أهل الإسلام وقد روى أن رواة الحديث وأهل العلم في بعض أيام بني أمية وهي أيام عبد الملك وولاته كالحجاج وبعض بلدانهم كانوا لا يقدرون على إظهار الرواية عن علي عليه السلام لشدة عدوانهم له ولمن ذكره قال زين الدين وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه صغيرا في السن أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه وقد يكون الحامل إيهام كثرة الشيوخ قلت وهذا مقصد يلوح على صاحبه بمحبته الثناء وشوب الإخلاص إذا إيهام كثرة الشيوخ دال على محبته لمدحه بكثرة ملاقاة من أخذ عنه وهمته ورغبته مع أن له محملا صالحا إذا تؤمل وهو أن يكون كثير الشيوخ أجل قدرا مع من لا يميزوهم الأكثرون فيكون ذلك داعيا لهم إلى الأخذ عن الراوي وذلك أي الإيهام لكثرة الشيوخ ليأخذ عنه الناس يشتمل على قربة عظيمة وهي إشاعة الأخبار النبوية قال زين الدين وممن اشتهر بالقسم الثاني من التدليس وهو تدليس الشيوخ أبو بكر الخطيب فقد كان لهجابه في تصانيفه قال الحافظ ابن حجر ينبغي أن يكون الخطيب قدوة في ذلك وأن يستدل بفعله على جوازه فإنه إنما يعمى على غير أهل الفن وأما أهله فلا يخفى ذلك عليهم لمعرفتهم بالتراجم ولم يكن الخطيب يفعل ذلك إيهاما الكثرة فإنه مكثر من الشيوخ والمرويات والناس بعده عيال عليه وإنما يفعل ذلك تفننا في العبارة قال زين الدين ولم يذكر ابن الصلاح حكم من عرف بهذا النوع من التدليس مع ذكره لحكم من دلس تدليس الإسناد كما عرفته قال زين الدين وقد جزم ابن الصباغ في العدة بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس أي إذا كان الحامل له على تدليسه ذلك وإنما أراد(1/374)
370 أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب خبر من فقل ذلك أن لا يقبل خبره وإن كان هو أي المدلس يعتقد فيه أي فيمن دلسه الثقة فقط غلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه قلت وفي هذا الذي جزم به ابن الصباغ نظرا لأنه إما أن يغير اسمه إلى اسم ثقة آخر محتج به مع أن الذي دلسه ثقة عنده محتج به فليس فيه إلا أن يتضمن تعديلا غير مبين السبب لرجل مبهم غير معين وهو ذلك المدلس أي الذي طوى ذكره ووضع اسم الثقة موضع اسمه فكأنه قال حدثني الثقة وهذا تعديل إجمالي فأما الإجمالي في التعديل فالصحيح في الأصول وعلوم الحديث أنه يكفي لتعسر ذكر أسباب العدالة كما يأتي من أه يقبل التعديل الإجمالي وأما توثيق الرجل المبهم فالصحيح الذي عليه العمل جوازه وذلك لأن المتأخرين قد اتفقوا على العمل بما حكم بصحته الأئمة من غير بحث عن الإسناد كما قدمنا تحقيقه وأما قوله أي ابن الصباغ في تعليل عدم قبول المدلس تدليس الشيوخ إنه يجوز أن يعرف غيره من جرحه أي من جرح من طوى اسمه ما لا يعرفه الطاوي لاسمه المعتقد ثقته فذلك لا يمنع من توثيقه له أي من اعتقاد أنه ثقة ولا يمنع أيضا من قبول توثيقه من لأن الأصل عدم ذلك الجائز فإن من أخبر العدل أنه ثقة قبل خبره وارتفع تجويز عدم عدالته تجويزا يمنع من قبوله ومتى وقع ذلك الجائز وهو اطلاع الغير على حرج في ذلك الموثق فمن علم بذلك الجرح متعبد بعد علمه باجتهاده في قبول لا حرج إن كان مطلقا أو رده أو ترجيح الجرح على التوثيق أو العكس أو العمل بالمتأخر منهما كما هو معروف من الوجوه عند تعارض الجرح ولا تعديل ولو كان التجويز في الثقة أنه غير ثقة يمنع من العمل في الحال لم يحل لنا قبول ثقة قط تجويز أن نطلع نحن بعدحين على ما يجرحه والله أعلم خلاصته أنا نحن متعبدون بقبول من هو عدل ثقة في الحال الراهنة من غير نظر إلى تجويزخلاف ما عرفناه وهذا إذا دلسه المدلس وغير اسمه إلى(1/375)
371 اسم ثقة وأما إن غيره إلى اسم مجروح فالحديث مردود ولا تدليس لأن ذكر المجروح رفع التدليس وأما إن لم يغيره إلى اسم غيره بل أتى به باسمه غير المشهور بلفظه فقد غيره إلى مجهول الذات والإسلام في هذا الكلام تأمل فينظر في نسخ التنقيح ويحتمل أنه يريد المصنف أن كونه لم يغيره بل أسقطه فيكون قد أحال على مجهول الذات والإسلام إلا أنه لو أراد هذا لكان الصواب أن يقول فإن أسقطه فقد أحال على مجهول الذات والإسلام ويكون فقد خرج عن العهدة أي عهدة التدليس والنقل إلى رواية منقطعة إلا أن قوله فإن حكم إلخ يشعر أنه تفريع عن التدليس لا عن من أسقط الراوي بقوله فلا ذنب وقوله لأن المدلس قد حكم بها والذي ظهر لي أن كلام المصنف لا يخلو عن الاضطراب فقد خرج من العهدة فإن حكم أحد بصحة الحديث من غير معرفة فلا ذنب للمدلس وإن حكم بالصحة لأن المدلس قد حكم بها قد تبعه أي يتبع المدلس في القول بصحة الحديث واكتفى بمجرد تصحيحه من غير كشف ولا ذنب له في ذلك أيضا البتة واعلم أن المصنف قد ذكر عن الزين في الحامل على التدليس أنه قد يكون لصغر سن المروي عنه ولم يذكر حكم هذا القسم مع ذكره لحكم بعض الأقسام وقد ذكره الزين عن ابن الصباغ فقال وإن كان لصغر سنه فذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال فيه نظر لأنه يصير بذلك مجهولا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علما بذلك لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا وتلك أنزل مراتبه وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امنحنوا طلبتهم المهرة بمثل ذلك فشهد لهم بالحفظ لما تسارعوا إلى الجواب عن ذلك وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر في كتاب العلم لأبي بكر بن أبي عاصم فوقع في أثنائه حدثنا الشاعي حدثنا ابن عيينة(1/376)
372 فذكر حديثا فقال لعله سقط منه شيء فالتفت إلي فقال ما تقول فقلت الإسناد متصل وليس الشافعي هذا محمد ابن إدريس الإمام بل هذا ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه ولقد كان ظن الشيخ في السقوط قويا لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الشافعي الإمام بمدة وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد إن تدليس الثقة مصلحة وهي امتحان الأذهان في استحراج ذلك وإلقاؤه إلى من يراد اختيار حفظه ومعرفته بالرجال وفيه مفسدة من حيث إنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر قال الحافظ وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل من رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعيطة العوفي في تكنيته محمد ابن السائب الكلبي أبا سعيد فكان إذا حدث عنه يقول حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ انتهى قال الحافظ ابن حجر تنبيه ويلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد كما إذا قال المصري حدثني فلان بالأندلس فأراد موضعا بالقرافة أو قال بزقاق حلب وأراد موضعا بالقاهرة أو قال البغدادي حدثني فلان بما وراء النهر وأراد نهر دجلة أو قال بالرقة وأراد بستانا على شاطئ دجلة أو قال الدمشقي حدثني بالكرك وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق(1/377)
373 ولذلك أمثلة كثيرة وحكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشيع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا أن تكون هنالك قرينة تدل على عدم إرادة التكثر فلا كراهة انتهى القسم الثالث من التدليس وهو شر أقسام التدليس وهو تدليس التسوية وصورته أن يروي حديثا عن شيخ ثقة وذلك الثقة يرويه عن ضعيف غير ثقة عن ثقة فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأولى فيسقط الضعيف من السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل فيسوي الإسناد كله ثقات ولهذا سمي تدليس التسوية قال زين الدين إنه لم يذكر ابن الصلاح هذا القسم قال الحافظ ابن حجر وفيه مشاححة فإن التسوية على تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد فلم يترك قسما ثالثا وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه ثم قال والتسوية هي أعم من أن تكون بتدليس أو لم تكن قال ومثال التسوية التي لا تدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكا سمع عن ثور ين زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عباس ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس وحذف عكرمة لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه فهذا قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة وحذف من ليس بثقة فالتسوية قد تكون بلا تدليس وتكون بالإرسال فهذا تحرير القول فيها وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى وعد الحافظ روايات وقعت لمالك كذلك ثم قال فلو كانت التسوية تدليسا لعد مالك في المدلسين وقد أنكروا على من عده منهم ثم قال فعلى هذا فقول شيخنا(1/378)
374 وصورة هذا القسم ثم سرد ما سرده المصنف إلى آخر كلامه تعريف غير جامع بل حق العبارة أن يقول أن يجيء الراوي ليشمل المدلس وغيره إلى حديث قد سمعه من الشيخ وسمعه ذلك الشيخ من آخر عن آخر فيسقط الواسطة بصيغة محتملة فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل ثم ذكر أن من التسوية في اصطلاحهم أن يسقط من السند الواحد وإن كان ثقة فيكون السند غالبا مثلا فلا تختص التسوية بإسقاط الضعيف وهذا شر أنواع التدليس لأن شيخه وهو الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس فلا يتحترز الواقف على السند عن عنعنته وأمثالها من الألفاظ المحتملة التي لا يقبل مثلها من المدلسين ويكون هذا المدلس الذي يتحرز من تدليسه أي المدلس بالتسوية قد أتى بلفظ السماع الصريح عن شيخه فأمن بذلك من تدليسه قال زين الدين وفي هذا غرور شديد وممن نقل عنه أنه كان يفعل ذلك بقية بن الوليد وقد قدمنا ما قيل فيه بل وذكرنا جماعة ممن سوى فيما سردناه من ذكر الدليسين في الصحيحين أو أحدهما والوليد بن مسلم قال الذهبي أنكر ما أتى به الوليد بن مسلم حديث حفظ القرآن ورواه الترمذي والأعمش والنووي كما قدمنا في بيان حالهما وبقية والوليد بن مسلم ممن ينبغي الاحتراز من تدليسهما لا سيما تدليس الوليد ابن مسلم إذا أتى بعن عن الأوزاعي وابن جريج قال زين الدين قال أبو مسهرة كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وقال صالح جزرة سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال كيف قلت تروي عن الأوزاعي عن(1/379)
375 نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بنمرة وفروة قال أمثل الأوزاعي يروي عن هؤلاء قلت فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث ومناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من حديث الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي قال الذهبي وإذا قال يعني الوليد بن مسلم حدثنا فهو حجة قلت ما تغني من الأغنياء بالغين المعجمة والنون عنك حدثنا الأوزاعي إذا جاء بلفظ محتمل بعد الأوزاعي فلهذا قال الحافظ العلائي إن هذا الجنس أفحش أنواع التدليس وشرها قلت ولعل من جرح بالتدليس يحتج بأنه لا شك أن قصد المدلس الإيهام في موضع الخلاف فلا يؤمن تدليس التسوية من كل مدلس وإن لم يشعر به أحد وذلك يقتضي رد ما قال فيه سمعت وحدثنا وفي الإيهام في موضع الخلاف نوع من الجرح في الرواية وإن لم يجرح في الديانة ولذلك قال شعبة لأن أزني أحب إلى من أن أدلس والله أعلم قال البقاعي سألت شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر هل تدليس التسوية جرح قال لا شك أنه جرح فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور فقلت كيف يوصف به الثوري والأعمش مع جلالتهما فقال أحسن ما يعتذر به في هذا الباب أن مثلهما لا يفعل ذلك إلا في حق من يكون ثقة عنده ضعيفا عند غيره قلت وفي أقسام التدليس قسم رابع لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين وهو أن يقول المدلس حدثنا فلان وفلان وينسب السماع إلى شيخين فأكثر ويصرح بالسماع ويقصد قصر اتصال السماع على أول من ذكره ويوهم بعطف الشيخ الثاني عليه أنه سمع منه وإنما سمع من الأول يجعل الثاني في قصده مبتدأ خبره ما بعده مما يصح فيه ذلك أو نحوه من التأويلات المخرجة له عن تعمد الكذب وحكى هذا النوع الحاكم عن هشيم وحكم فاعله حكم(1/380)
376 الذي قبله قلت قد ذكر هذا القسم من التدليس الحافظ ابن حجر حيث قال وقد فاتهم من تدليس الإسناد نوع آخر وهو تدليس العطف وهو أن يروى عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضا وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع فقال وفلان أي حدث فلان مثاله ما رويناه في علوم الحديث للحاكم قال اجتمع أصحاب هشيم فقالوا لا نكتب عنه اليوم مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم سيئا قالوا لا قال بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا انتهى فهذا تهو الذي ذكره المصنف وقد سماه ابن حجر تدليس العطف ثم قال الحافظ وفاتهم فرع آخر أيضا وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في الكامل لأبي أحمد بن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول حدثنا ثم يسكت وينوى القطع ثم يقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انتهى قال البقاعي والتحقيق أنه ليس إلا قسمان تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ ويتفرع على الأول تدليس العطف وتدليس الحذف وأما تدليس التسوية فيدخل في القسمين فتارة يصف شيوخ السند بما لا يعرفون من غير إسقاط فتكون تسوية الشيوخ وتارة يسقط الضعفاء فتكون تسوية السند وهذا يسميه القدماء تجويدا فيقولون جوده فلان يريدون ذكر من فيه من الأجواد وحذف الأدنياء انتهى
377 مسألة في بيان الشاذ(1/381)
الشاذ في لغة الانفراد قال الجوهري شذ يشذ ويشذ بضم الشين وكسرها أي انفرد عن الجمهور اختلفوا فيه فقال الشافعي ليس الشاذ أن يروى الثقة مالا يرويه غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس أخرجه الحاكم عن الشافعي من طريق ابن خزيمة عن يونس ابن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي إلى آخره وذكر أبو يعلي الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز نحو هذا وقال الحاكم هو الذي يتفرد به ثقة وليس له أصل يتابع ذلك الثقة فلم يشترط مخالفة الناس قال البقاعي قال شيخنا أسقط يريد الدين من قول الحاكم قيدا لا بد منه وهو أنه قال وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ويشير إلى هذا قوله ويغاير المعلل قال الحافظ ابن حجر الحاصل من كلامهم أن الخليلي سوى بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح وغير(1/382)
378 الصحيح فكلامه أعم وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم لكن الشافعي صرح بأنه أي الشاذ مرجوح وأن الرواية الراجحة أولى وهي ما لا شذوذ فيها لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة محل توقف انتهى فإن قلت قد تقدم لهم في رسم الصحيح قيد أن لا يكون شاذا وهو يفيد أن الشاذ لا يكون صحيحا لعدم شمول رسمه له قلت لا يعذر لمن اشترط نفي الشذوذ عن الصحيح أن يقول بأن الشاذ ليس بصحيح بذلك المعنى إن قلت من كان رأيه أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وفسر الشاذ بأنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه أنه يقدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال أقل أو أكثر أحفظ أم لا فإذا كان راوي الإرسال أرجح ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف نحكم له بالصحة مع شرطهم في الصحيح أن لا يكون شاذا هذا في غاية الإشكال قلت قال الحافظ ابن حجر إنه يمكن بأن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في رسم الصحيح إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك فأهل الحديث يشترطون أن لا يكون الحديث شاذا ويقولون إن من أرسل عن الثقات فإن كان أرجح ممن وصل م الثقات قدم والعكس ويأتي فيه الاحتمال عن القاضي وهو أن الشذوذ إنما يقدح في الاحتجاج لا في التسمية(1/383)
379 وذكر أي الحاكم أنه أي الشاذ يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك فافترقا قال الحافظ ابن حجر وهو على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة انتهى وقال أبو يعلي الخليلي في تعريف الشاذ عن أهل الحديث الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غيره ثقة وملخص الأقوال أن الشافعي فيد الشاذ بقيدين الثقة والمخالفة والحاكم قيد بالثقة فقط على ما قاله المصنف والخليلي على نقله عن حفاظ الحديث لم يقيده بشيء ثم قال الخليلي فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل فإنه لا يقبل ولو كان حديثه غير شاذ فكيف معه وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به فإن قلت هذه زيادة ثقة لتفرده بما روى عن غيره كما ينفرد راوي الزيادة وقد قبل فما الفرق قلت يأتي لهم الفرق إن شاء الله تعالى ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس كما لم يشرطها الحاكم ولا تفرد الضعيف الأولى ولا تفرد الثقة لأنه الذي شرطه الأولون بل مجرد التفرد ورد ابن الصلاح ما قاله الخليلي والحاكم فقال ابن الصلاح بعد حكايته لما سلف ما لفظه أما ما حكم عليه الشافعي بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره يريد به الحاكم والخليلي فيشكل بما تفرد به العدل الحافظ الضابط ثم ساق أحاديث يأتي للمصنف بعضها بأفراد الثقات الصحيحة فإنه يصدق على أفراد الثقات الصحيحة عليه بأنه تفرد به الثقة ولكنه صحيح مقبول و رد ما قالاه أيضا بقول مسلم الآتي ذكره في ذكر ما تفرد به الزهري فقال أي ابن الصلاح أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا شك أنه غير مقبول تقدم لفظ ابن الصلاح وإنما(1/384)
380 كان غير مقبول لأنه خالف الناس وأما ما حكيناه عن غيره فيتكل بما يتفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات قال فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح فقول المصنف ثم ذكر مواضع التفرد منه هو ما ذكرناه آنفا من تفرد علقمة الخ قال الحافظ ابن حجر قد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرق والثاني أن حديث النية لم يتفرد به عمر بل قد رواه أبو سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سرد الجواب عن الاعتراضين هنا لك ثم قال ابن الصلاح وأضح منه حديث عبد الله ابن دينار عن ابن عمر مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار في الميزان عبد الله بن دينار مولى أبي بكر أحد الأعلام الإثبات انفرد بحديث الولاء فلذلك ذكره العقيلى في الضعفاء وقال في رواية المشايخ عنه إضراب ثم ساق له حديثين مضطربي الإسناد وإنما الاضطراب من غيره ولا يلتفت إلى نقل العقيلي فإن عبد الله حجة بالإجماع وثقه يحي وأحمد وأبو حاتم انتهى ووجه أرجحيته في الوضوح أن حديث الأعمال بالنيات وردت له متابعات فهو ليس بفرد وإن كانت تلك التابعات كلها واهية جدا بخلاف حديث بيع الولاء فلم يأت له متابع وحديث عبد الله بن دينار هو الذي مثلوا به للفرد المطلق أيضا و أوضح منه حديث مالك عن الزهرى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة أي عام الفتح وغلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهرى وكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إسناد واحد تفرد به ثقة أي ومع هذا فهي صحيحة مقبولة فلم يتم قول الخليلي إنه يتوقف(1/385)
381 فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به فهذا رد على الخليلي وأما الحاكم فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لا يقبل بل ذكر معناه ولم يذكر حكمه فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه وتلقي الزين ثم المصنف لما أورده عليه بالقبول فليتأمل ثم العجب قول الخليلي إن أهل الحديث يقولون إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به وقد اتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد ابن حنبل أن حديث إنما الأعمال ثلت الإسلام ومنهم من قال ربعه وقد أسند هذه الحكاية عنهم الحافظ في الفتح وأبان وجه كونه ثلثا أو ربعا للإسلام واعلم أنه قد تعقب زين الدين كلام ابن الصلاح في أنه تفرد بحديث المغفر مالك عن الزهري فقال قد روى من غير طريق مالك فرواه البزار من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس وذكر ابن عدي في الكامل أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطراف أن الأوزاعي رواه وقال ابن العربي إنه رواه من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وأنه وعد أصحابه بتخريجها فلم يخرج منها شيئا قال الحافظ ابن حجر وقد تتبعت طرق هذا الحديث فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك ثم سردها في نكته وأطال الكلام ثم قال وقد أطلت الكلام في هذا الحديث وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ والإرشاد إلى عدم الظن والرد بغير اطلاع قلت وهو إشارة إلى رد طعن من طعن على ابن العربي دعواه أنه رواه من ثلاثة عشر طريقا وقد طعن على ابن العربي بعض أهل بلدته لما لم يبرز لهم بيان ما ادعاه من الطرق فقال يا أهل حمص ومن بها أوصيكم بالبر والتقوى وصية مشفق فخذوا عن العربي أسماء الدجى وخذوا الرواية عن إمام متقي(1/386)
383 كان مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط كان ما تفرد به شاذا مردودا والثاني إن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره فإنه ينقسم إلى قسمين الأول قوله فينظر في هذا المتفرد الذي لم يخالف في روايته غيره وفيه قسمان الأول ما أفاده قوله فإن كان عدلا ضابطا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه قال ابن الصلاح كما سبق من الأمثلة الثاني ما أفاده قوله وإن لم يكن أي المنفرد بالرواية ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له بالخاء المعجمة والراء مزحزحا بالزاي والحاء المهملة مكررات أي مبعدا عن مرتبة الصحيح لفقد شرط رواته فيه ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة من كونه حديثا حسنا أو ضعيفا أو نحوهما بحسب الحال فيه وقد بينها بأنها قسمان الأول قوله فإن كن المتفرد به غير بعيد من درجة الحافظ المتقن وهو خفيف الضبط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك أي جعلناه حسنا ولم نحطه إلى قبيل الضعيف والثاني قوله وإن كان بعيدا من ذلك أي من درجة من ذكر رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر قال ابن الصلاح فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان أحدهما الفرد المخالف والثاني الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ قال القاضي ابن جماعة هذا التفضيل حسن ولكن أخل في القسمة الحاصرة بأحد الأقسام وهو حكم الثقة الذي خالفه ثقة مثله فإنه ما بين ما حكمه انتهى قلت قوله أحفظ منه وأضبط على صيغة التفضيل يدل على أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردودا قلت أما من تفرد من الرواة عن العالم الحريص على نشر ما عنده م الحديث وتدوينه ولذلك العالم كتب معروفة وقد قيد حديثه فيها وتلاميذه الآخذون عنه حفاظ حراص على ضبط حديثه وكتبه حفظا وكتابة فكلام(1/387)
384 المحدثين الذي نقله الخليلي من التوقف في رواية الثقة معقول يقبله العقل لأن في شذوذه ريبة قد توجب زوال الظن بحفظه على حسب القرائن وهو موضع اجتهاد ردا وقبولا وأما من شذ بحديث عمن ليس من مشايخه كذلك فلا يلزم رده إذ ليس محل ريبة وإلا فالأول لم يقل بأنه يرد بل جعله موضع اجتهاد وأن كان دون الحديث المشهور الذي خالفه في القوة وإلا يقبله لزم قول أبي علي الجبائي أنه لا يقبل إلا اثنين وكان يلزم أيضا في الصحابي إذا انفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ العلة هي الانفراد وقد حصلت ولا قائل من الجمهور وإن كان عمر رضي الله عنه قد كان يقبل ما انفرد الراوي كما عرفت فيما مضى وقول ابن الصلاح إن التفصيل الذي أورده هو الأولى لم يقل إنه الأولى بل قال بل الأمر على تفصيل إلى آخره نعم يفيد كلامه أنه الأولى فيه سؤال الاستفسار وهو أن يقال تريد أن مذهبك هو الأولى فذلك صحيح وهو مذهب حسن أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث فيحتاج إلى نقل والظاهر أنه أراد الأول إذ لم ينسبه إلى أحد فهو له وإن كان قوله مذاهب أئمة الحديث يشعر بأن تفصيله هو رأي أئمة الحديث فهو لهم ثم تضيعفه لما قاله الخليلي ولاحاكم حيث قال إنهما أطلقا ما فلصله هو غير لازم بما ذكره لأن الحاكم حكى ذلك ولم ينسبه إلى أحد فلم يرد عليه أن غيره من المحدثين خالفه في ذلك قد قال إن الحاكم بصدد تدوين علوم الحديث التي تعارفها أئمة الحديث لا بصدد تدوين يخصه فورد عليه أفراد الصحيح وهب أنه أراد أنه مذهبه فإنه يرد عليه ما أورده ابن الصلاح لأن الحاكم متابع للناس في الحكم بصحة ما في الصحيحين وقبول ما اشتملا عليه من الحديث وأما الخليلي فلم يحك ذلك عن جميع أهل الحديث حتى يقال إن إطلاقه يوافق مذاهب أئمة الحديث كما قاله ابن الصلاح بل قد نقل أهل الحجاز قريبا من مذهب ابن الصلاح فابن الصلاح إن نقل عمن نقل عنه الخليلي(1/388)
385 خلاف نقل الخليلي كانا روايتين عن مروى عنه واحد ولإنكار في هذا فقد يكون للعالم قولان في المسألة وقد يصدق الناقلان وإن اختلف ما نقلاه فلم يكن إبن الصلاح أولى بصحة النقل إلا أن يكون ما نقله هو آخر قولي الحافظ المختلف عنه النقل هذا إن كان النقل عن معينين وأما إن لم ينقل إبن الصلاح عمن نقل عنه الخليلي فلا يرد كلامه على الخليلى البتة لأن كل واحد ناقل عن غير من نقل عنه الآخر فلا اعترض على واحد منهما والظاهر أن إبن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك أي ما نقله الخليلي عن كثير من المحدثين ولهذا قال إبن الصلاح في نوع المنكر ما لفظه وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ موجود في الكلام كثير من أهل الحديث فهذا نص منه على أن كثيرا من أهل الحديث يطرح الشاذ مطلقا وهو زائد على ما نقله الخليلي فإنه نقل الرد في الضعيف والتقف في الثقة والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه يريد المصنف قوله آنفا قلت أما من تفرد عن العالم إلى آخر كلامه إلا أنه يرد عليه ما أورده هو على إبن الصلاح من السؤال ويجاب عنه بأنه يريد ما اختاره لنفسه ولذا قال الصواب أي بالنظر إلى الدليل الذي أبداه عن غيره يعني في هذا الباب الذي تقدم قريبا وهو الكلام على الشاذ وإذا عرفت أن الصواب ما ذكره الصنف رحمة الله من التفصيل عرفت صحة ما فرعه عليه من قوله فثبت بهذا أن قدح الحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل وأكثره ضعيف إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ فإنه يعلم منه وجه الرد أو غيره وقد يقع منهم أي من أئمة الحديث الرد بالشذوذ والنكارة في الموضوعين أحدهما القدح في الحديث نفسه بأن يقولوا إنه منكر أو شاذ والثاني القدح في راوي الشواذ والمناكير فيقدحون فيه بأنه يروى الشواذ والناكر فإذا بنقل الثقة عن الحفاظ أنهم يعيبون من العيب تفرد الثقة بالحديث وإن لم يخالف غيره فقد زادوا على أبى على(1/389)
386 الجبائى فإنه اشترط أن يكون الحديث مرويا ثقتين ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى بل وقف في قبول حديثه يرويه معه آخر والمحدثون قدحوا في المنفرد ولذا زادوا على أبي علي الجبائي وهذا غلو منكر وقد جرحوا كثيرا من أهل العلم بذلك وما على الحفاظ أن حفظوا وينسي غيرهم إذا لم يحفظ الحديث ولا عرفه بل من المشهور أن من حفظ حجة على من لم يحفظ كما قال أبو هريرة لابن عمر رضى الله عنهم في قصة معروفة وبهذا عرفت أن تفرد الثقة لا يكون قدحا فيما رواه ولا يعد شاذا يرد به حديثه وقول ابن الصلاح إن حديث إنما الأعمال بالنيات من الأفراد الصحاح معترض بأنه ليس من الأفراد وقد يتبع غيره في ذلك فقد قال بذلك جماعة أي بأنه من الأفراد وقد اعترضوا في ذلك وقدمنا شيئا من ذلك وقد رواه ابن حجر في كتاب شيخه شيخ الإسلام البلقيني عن عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم لكن من طرق ضعيفة وحينئذ فلا اعتراض ولا معارضة فتذكر قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري إن حديث إنما الأعمال بالنيات متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ قال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه من الأفراد لأنه لا يروي ذلك عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد قال الحافظ وهو كما قال فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدار قطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية ثم ساقها في الفتح وقد عرفت مما قدمناه عن ابن حجر أيضا أنه لا اعتراض ولا معارضة إذ المراد أنه فرد باعتبار طريقة(1/390)
387 الصحيحة غير فرد باعتبار مطلق الطرق كما قال المصنف لكن من طرق ضعيفة والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم
قد تمت بحمد الله تعالى وتوفيقه مراجعة الجزء الأول من توضيح الأفكار بشرح تنقيح الأنظار في علوم الآثار للشيخ الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني
وذلك في ضحوة يوم الخميس آخر رجب الفرد من عام 1366 من الهجرة
ويتبعه إن شاء الله الجزء الثاني
وأوله مسألة في بيان المنكر من الحديث
نسأل الله أن يوفق لإكماله بمنه وفضله(1/391)
بسم الله الرحمن الرحيم
توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
الجزء الثاني
للعلامة البارع والحجة المتقن
محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني
المتوفى في عام 1182 من الهجرة
3 مسألة في بيان حقيقة المنكر وأقسامه
المنكر اسم مفعول قال الحافظ أبو بكر أحمد بن هرون
4 البرديجي بموحدة مفتوحة وتكسر فراء ساكنة فدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية فميم فجيم نسبة إلى برديج بزنة فعليل بلدة بينها وبين برذعة نحو أربعة وعشرين فرسخا ينسب إليها هذا الحافظ وبرذعة بموحدة فراء ساكنة فذال معجمة فعين مهملة وهي مدينة بأران إن حقيقة المنكر هو الحديث الذي يتفرد به(2/1)
5 الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر هكذا رواه ابن الصلاح عن الحافظ أبي بكر بلاغا فقال بلغنا عن أبي بكر ثم اعترضه ابن الصلاح وقال هو ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ وهو بمعنى الشاذ قلت وكان يليق إلا يجعل نوعا وحده قال الحافظ ابن حجر على قول ابن الصلاح إنه ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ ما لفظه هما مشتركان في كون كل واحد منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة فالضعيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن فهذا أحد قسمي الشاذ فغن خولف فيما هذه صفته مع ذلك كان أشد شذوذا وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك المرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد في تسميته وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض أو الضعيف في بعض مشايخه بشيء لا متابع له ولا شاهد عليه فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث فإن خولف في ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالف انتهى وقال في النخبة وشرحها وشرح شرحها بعد ذكر نحو ما ذكره الحافظ هنا ما لفظه وعرف بهذا أي بما ذكرناه من التقرير الدال على الفرق بين الشاذ والمنكر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه وهو أنه يعتبر في كل منهما شيء(2/2)
6 لا يعتبر في الآخر ويعتبر في كليهما شيء آخر حيث اعتبر في كليهما مخالفة الأرجح وفي الشاذ مقبولية الراوي وفي المنكر ضعفه لأن بينهما اجتماعا في اشتراط المخالفة وافتراقا في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف أي لسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك قال وقد غفل أي عن الاصطلاح أو عن هذا التحقيق من سوى بينهما أراد به ابن الصلاح فإنه سوى بينهما انتهى وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري المعروف بفتح الباري في ترجمة بريد بضم بضم الموحدة هو ابن عبد الله بن أبي برده ابن أبي موسى إن أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة قال ابن الصلاح وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث قال ابن حجر قلت وهو ما ينبغي التيقظ له فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المنفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده انتهى
7 قلت وفي مقدمة صحيح مسلم وعلامة المنكر في حديث المحدث ما إذا عوضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ولم يكذبوا فيها فإذا كان الأغلب من حديثه ذلك كان مهجور للحديث غير مقبولة ولا مستعملة فعلى هذا رواية المتروك عند مسلم يسمى منكر قال الحافظ وهذا هو المختار
مسألة في بيان حقيقة الأفراد
من أنواع علوم الحديث الأفراد لم يفردها بتعريف لأنه يعرف إذ لا يخلو إما أن يكون الحديث فردا مطلقا أي غير مقيد بشيء كما يعرف من مقابله فحكمه حكم الشاذ والمنكر كما تقدم قال الحافظ ابن حجر إنه ينقسم المطلق إلى نوعين أحدهما تفرد شخص من الرواة بالحديث دون غيره(2/3)
8 والثاني قد ينقسم أيضا دون غيره قسمين أحدهما بقيد كون الفرد ثقة والثاني لا بقيد فأما أمثلة الأول فكثيرة جدا وقد ذكر شيخنا في منظومته له حديث ضمرة بن سعيد بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي واقد في القراءة في الأضحى قال شيخنا لم يروه أحد من الثقات غير ضمرة بن سعيد وله طريق أخرى من طريق عائشة سندها ضعيف انتهى قلت الحديث المشار إليه لفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة رواه مسلم وأصحاب السنن(2/4)
9 قال وأما أمثلة الثاني فكثيرة جدا منها في الصحيحين حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عن عبد الله بن عمر في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو وعمرو عن أبي العباس أبو العباس عن عبد الله بن عمر كذلك ومثال النوع الثاني حديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء له طريقان رواتهما كلهم مدنيون قال الحاكم تفرد أهل المدينة بهذه السنة أو يكون مقيدا وهو نوعان الأول قوله أو مقيدا بالنسبة إلى الثقات كقولهم لم يروه من الثقات إلا فلان فلا يحتج به إلا أن من رواه من غير الثقات قد بلغ مرتبة الاعتبار ويأتي تحقيقها قريبا كذا نص عليه الزين ولفظه إذا كان القيد بالنسبة لرواية الثقة كقولهم لم يروه ثقة إلا فلان فإن حكمه قريب من حكم الفرد المطلق لأن رواية غير الثقة كلا رواية إلا أن يكون قد بلغ رتبة من يعتبر بحديثه انتهى والصحيح أنه يأتي فيه ما يأتي في الشاذ من التفصيل وقد مضى ذلك والثاني قوله أو مقيدا بالنسبة إلى بلد كأفراد الكوفيين والبصريين فلا ضعف فيه لأنه ليس مفردا ما تفرد به جماعة من أهل الكوفة أو البصرة نعم إن تفرد به واحد منهم فهو الذي أشارة إليه بالاستثناء بقوله إلا أن ينسب إليه مجازا والمنفرد به واحد منهم كأن يقال تفرد به الكوفيين مثلا والمنفرد به واحد من أهل الكوفة فنسب التفرد إليهم مجازا من باب عقروا الناقة فيكون حكمه حكم ما انفرد به واحد كما تقدم لأنه هو إنما قال فيه بالنسبة قلت قد جعل الحافظ ابن حجر النسبي أربعة أنواع(2/5)
10 الأول تفرد شخص عن شخص كحديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق أخرجه البخاري وقد تفرد به عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وقد روى من غير حديث جابر وأمثلة ذلك في كتاب الترميذي كثيرة جدا بل قد ادعى بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من الغرائب من هذا القبيل وليس كما قال لتصريحه في كثي منه بالتفرد المطلق الثاني تفرد أهل بلد عن شخص كحديث القضاة ثلاثة تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد جمعت طرقه في جزء الثالث تفرد شخص عن أهل بلد أخرى مثاله ما رواه أبو داود من حديث جابر في قصة الشجوج إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه
11 خرقه قال أبي داود فيما حكاه الدار قطني في السنن هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحلها عنهم أهل الجزيرة انتهى قلت ظاهر هذا الكلام أن التفرد شامل لتفرد الصحابي وأنه يجرى فيه ما ذكر من الأحكام وهو مشكل فإنه كم من حديث تفرد به صحابي فإن خصوا هذا التفرد بمن عدا الصحابة فهو تخصيص لبعض الثقات عن بعض فلينظر وهذا يجرى فيما سلف من بعض أقسام الشاذ وهذا القسم وهو الأفراد أخره إبن الصلاح وزين الدين إلى ما بعد الاعتبار والمتابعات ورأيت تقديمه أكثر مناسبة لما بينه وبين ما سبقه من المناسبة والله أعلم
مسألة في بيان حقيقة الاعتبار والمتابعات والشواهد
من أنواع علوم الحديث الاعتبار والمتابعات والشواهد هكذا عبارة ابن الصلاح قال الحافظ ابن حجر عليها قلت هذه العبارة توهم أن الاعتبار
12 قسيم للمتابعات والشواهد وليس كذلك بل الاعتبار هي الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد وعلى هذا كان حق العبارة أن يقول معرفة(2/6)
13 الاعتبار للمتابعة والشاهد وما أحسن قول شيخنا في منظومته الاعتبار سيرك الحديث هل تابع راو غيره فيما حمل فهذا سالم من الاعتراض انتهى وذلك لأن الاعتبار هو نقس معرفة القسمين أو علة معرفتهما وليس قسيما لهما لعدم اندراج الثلاثة تحت أمر واحد فإن التقسيم هو ضم القيود المتباينة أو المتخالفة إلى القسم وليس هذا كذلك بل الاعتبار هيئة للتوصل إلى المتابع أو الشاهد فكيف يكون قسما لهما هذه ألفاظ يتداولها أهل الحديث بينهم فالاعتبار حقيقته أن يأتي المحدث إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره من الرواة واعتباره يكون بسيره أي المحدث أي بتتبعه طرق الحديث ليعرف المحدث هل يشاركه أي يشارك الراوي في رواية ذلك الحديث الذي سبر طرقه راو غيره أي غير ذلك البعض فرواه أي ذلك الغير عن شيخه عن شيخ البعض فيكون شيخا لهما فإذا لم يجد من يشاركه في شيخه تتبع الطرق فإذا لم يجد فيها من رواه عن شيخه فعن شيخ شيخه إلى الصحابي أي يكون السبر والتتبع إلى أن ينتهي إلى الصحابي فإن وجد من رواه عن أحد منهم من شيوخه فهو تابع أي المروى من طريق أخرى غير طريق البعض فإنه يسمى تابعا فالاعتبار طريق لمعرفة التابع فإن كان عن شيخه فهذه هي المتابعة التامة وظاهر كلامهم أنه لا يطلق عليها اسم الشاهد كما يطلق على ما يأتي في قوله وقد يسمى ما وجد من التوابع عن شيخ شيخه فمن فوقه شاهدا كما يسمى تابعا وهو ظاهر في أنه لا يسمى القسم الأول شاهدا وإن لم يجد بعد تتبع الطرق عن شيخه ولا عن الشيخ(2/7)
14 شيخه نظرت هل رواه أو معناه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق ذلك الصحابي فإن وجدت فهو شاهد ولا يسمى تابعا وسيأتي في مراتب الجرح والتعديل بيان من يعتبر به في التوابع والشواهد إن شاء الله تعالى فالمعتبر إما أن يجد من رواه عن شيخ ذلك الراوي الذي هو بصدد اعتبار روايته فهي المتابعة التامة أو لا يجده لكنه وجده عن شيخ شيخه فهي متابعة ويقال لها شاهدا أولا يجد إلا عن صحابي آخر فهو شاهد لا غير لكنه قسمان إما أن يجده بلفظه أو بمعناه فكانت الأقسام أربعة متابعة تامة متابعة غير تامة شاهد باللفظ شاهد بالمعنى مثال المتابعة التامة ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون ولا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت عن مالك بهذا الإسناد فأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه ودل أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا قاله الحافظ ابن حجر قلت لا عجب من البيهقي لأنه إنما ذكر أن الشافعي تفرد بذلك اللفظ عن رواية الموطات وهذا صحيح وليس في كلامه أنه لا متابع له بل القول بأن رواية البخاري متابعة تامة دليل تقرير كلام البيهقي في تفرد الشافعي ثم قال الحافظ وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر رضي الله عنهما أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث وفي آخره فإن غم عليكم فاقدروا(2/8)
15 ثلاثين الثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين فهذه متابعة أيضا لكنها ناقصة وأما شاهده فله شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن سعيد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ولفظه فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وثانيهما من حديثابن عباس أخرجه النسائي من رواية عمر وبن دينار عن محمد بن حنين بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر فهذا مثال صحيح بطريق صحيحة للمتابعة التامة والمتابعة الناقصة والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى انتهى وإن لم يجد شيئا من التوابع والشواهد فالحديث فرد من الأفراد ولم يمثله ابن الصلاح ولا زين الدين بمثال مرضي بل ولا غير مرضي فإنهما لم يذكرا له مثالا أصلا فائدة قال ابن الصلاح واعلم أن هذا التتبع يكون من الجوامع وهي الكتب التي جمعت فيها الأحاديث على ترتيب أبواب كتب الفقه كالأمهات الست أو ترتيب الحروف الهجائية كما فعله ابن الأثير في جامع الأصول أو ترتيبه عليها نظرا إلى أول حرف في كل حديث ومن المسانيد وهي من الكتب التي جمع فيها مسند كل صحابي على حدة على اختلاف في مراتب الصحابة وطبقاتهم والتزام نقل ما ورد عنهم صحيحا كان أو ضعيفا ومن الأجزاء وهي ما دون فيه حديث شخص واحد أو أحاديث جماعة من مادة واحدة
16 مسألة في زيادة الثقات(2/9)
من أنواع علوم الحديث زيادة الثقات هي فن لطيف تستحسن العناية قه وقد كان الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري مشهور بمعرفة ذلك وكذلك أبو الوليد حسان بن محمد القرشي تلميذ ابن سريج وغير واحد من أئمة الحديث هذا كلام ابن الصلاح وزين الدين وزاد وأبو نعيم الجرجاني ولكنه قال بزيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث قال عليه الحافظ ابن حجر مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما رواه الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن العلامة مغلطاوي استشكل ذلك على المصنف ودل أنه ما فهم مغزاه قال ابن حبان في مقدمة الضعفاء لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صنعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم 17 بزيادة كل لفظة زادها في الخبر حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن اسحق بم خزيمة فقط واختلف العلماء فيها أي في حكم الزيادة من الثقات فالذي عليه أئمة أهل البيت قبولها وهو الذي حكاه الخطيب عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث وادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا عند أهل الحديث فقال في مسألة الانتصار لا خلاف نجده بين أهل الصنعة أن الزيادة من الثقة مقبولة وشرط أبو بكر الصيرفي الشافعي والخطيب أن يكون راويها حافظا الظاهر أن هذا الشرط لا خلاف فيه للعمل بها و شرط ابن الصباغ في العدة أن لا يكون راوي الزيادة واحدا ومن روى الحديث ناقصا عن تلك الزيادة جماعة فاعل روى منصفين بأن لا يجوز عليهم الوهم ومجلس الحديث الذي سمع فيه راوي الزيادة وراوي النقص واحد فهذه ثلاثة شروط زادها ابن الصباغ وكأن دليله عليها أنه يبعد أن يحفظ واحد ولا يحفظ جماعة ومجلس السماع والشيخ واحد فإن الوهم يتطرق إلى الواحد دون الجماعة ولهذا تنتقض القاعدة المشهورة بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ بالتخصيص بمثل هذه الصورة ولم يستدل المصنف لهذا القول كما لم يستدل لغيره(2/10)
ولعله يقول دليل قبولها مطلقا ما علم من دليل وجوب قبول خبر الآحاد وبهذا احتج من قبل الزيادة مطلقا وهم الأولون فقالوا إن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولا فكذلك انفراده بالزيادة ورد هذا الاحتجاج من لم يقبله بأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان مقبولا كما سبق بيانه في نوع الشاذ وبالفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة فإن تفرده بالحديث لا يتطرق نسبة السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظا وأكثر عددا فإن الظن غالب بترجيح روايتهم على روايته ومبني هذا الأمر على غلبة الظن(2/11)
18 واحتج بعض الأصوليين أنه من الجائز أن يقول الشارع كلاما في وقت فيسمعه شخص ويزيده في وقت آخر فيحضره غير الأول ويؤدي كل ما سمع وبتقدير اتحاد ا لمجلس فقد يحضر أحدهما في أثناء الكلام فيسمع ناقصا وبضبطه الآخر تاما أو ينصرف أحدهما قبل تمام الكلام ويتأخر الآخر وبتقدير حضورهما فقد يذهل أحدهما أو يعرض له ألم أو جوع أو فكر شاغل أو نحو ذلك من العوارض ولا يعرض لمن حفظ الزيادة وأجيب عن هذا بأن الذي يبحث فيه المحدثون في هذه إنما هو في زيادة أحد روايتي التابعين فمن بعدهم أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة آخر من يخرج من النار وأنه تعالى يقول له بعد ما يتمنى لك ذلك ومثله معه وقال أبو سعيد الخدري أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ذلك وعشرة أمثاله معه ونحوه من الأمثلة كثير وأنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه كمالك عن نافع عن ابن عمر إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الإثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ وانفرد دونهم بعص رواته بزيادة فيه فإنها لو كانت محفوظة ما غفل الجمهور من رواته عنها وينفرد واحد بحفظها دونهم مع توفر دواعيهم إلى الأخذ عنه وجمع حديثه فإن ذلك يقتضي ريبة توجب التوقف عنها قلت وبمعرفتك محل النزاع تعرف عدم نهوض الاحتجاج بقبوله صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابي برؤية الهلال وقبول خبر ذي اليدين وأبي بكر وعمر كما استدل به البرماوي والقول الثاني هذا مقابل لقوله فالذي عليه أئمة أهل البيت فإنه القول الأول أنها لا تقبل الزيادة مطلقا ممن رواه ناقصا ومن غيره حكاه(2/12)
19 أبو بكر الخطيب البغدادي في الكفاية وابن الصباغ في العدة عن قوم من أصحاب الحديث وروايته للقبول ع جمهور المحدثين وروايته لعدم قبوله عن قوم منهم قال الحافظ ابن حجر والذي اختاره يعني الخطيب لنفسه أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدل حافظا متقنا ضابطا قال قلت وهذا متوسط بين المذهبين فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا ولا تقبل مطلقا والثالث من الأقوال التفصيل وهو أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا وتقبل من غيره من الثقات حكاه الخطيب عن فرقة من الشافعية وفي المسألة أقوال غير هذه
20 قلت ذكر البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه عشرة أقوال(2/13)
21 وقد قسمه أي ما يرى بالزيادة ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام أحدهما ما يقع منافيا لما قد رواه الحافظ فهو مردود كما مر في الشاذ الثاني ما تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما روى الغير لمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد ادعى فيه اتفاق العلماء وقد تقدم أيضا في الشاذ قال ابن الصلاح قد سبق مثاله في نوع الشاذ الثالث ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظ في حديث لم يذكرها تلك الزيادة سائر من روى ذلك الحديث المجرد عن الزيادة قال ابن حجر هذا التفصيل قد سبق المؤلف إليه يريد ابن الصلاح إمام الحرمين في البرهان فقال بعض أن حكى عن الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة هذا عندي فيما إذا سكت الباقون فإن صرحوا بنفي ما نقله هذا الراوي مع إمكان اطلاعهم فهذا يوهن قول قابل الزيادة وفضل أبو نصر ابن الصباغ في العدة تفصيلا آخرين أن يتعدد المجلس فيعمل بهما لأنهما كالخبرين أو يتحد فإن كان الذي نقل الزيادة واحدا والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة وإن كان بالعكس أو كان كل من الفريقين جماعة فالقبول وكذا إن كان كل منهما واحد حيث يستويان وإلا فرواية الضابط منهما أولى بالقبول وقال الإمام فخر الدين إن كان الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها فلا يقبل ذلك إن صرح بنفيها وإلا قبلت وقال الآمدي وجرى عليه ابن الحاجب إن اتحد المجلس فإن كان من لم يروها قد انتهوا إلى حد لا تقضي العادة بغفلة مثلهم عن سماعها والذي رواها واحد فهي مردودة وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فاتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة خلافا للجماعة ثم قال فائدة حكى ابن الصلاح عن الخطيب فيما إذا تعارض الوصل والإرسال أن الأكثر من أهل الحديث يرون أن الحكم للمرسل وحكى هنا عنه أن الجمهور من أئمة الفقه والحديث يرون أن الحكم لمن(2/14)
22 أتى بالزيادة إن كان منه وهو ظاهر التعارض ومن أبدى فرقا بين المسألتين فلا يخلو عن تكلف وتعسف وقد جزم ابن الحاجب أن الكل بمعنى واحد فقال إذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه أو وصله وقطعوه فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السابق ثم ذكر جوابا لا يخلو عن تكلف وتعسف ومثله ابن الصلاح بما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين قال ابن الصلاح فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة من المسلمين وروى عبيد الله مصعر ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة منهم الشافعي وأحمد قال الزين وهذا المثال غير صحيح فقد تابع مالكا على ذلك أي على زيادة من المسلمين عمر بن نافع أي العدوي مولى ابن عمر ثقة والضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي بكسر أوله وبالزاي أبو عثمان النهدي ويونس بن يزيد وعبد الله بن عمر البصري وأبو المظفر السري بالتشديد العطار والمعلي بن إسماعيل لم أجده في الميزان ولا في التقريب ثم رأيت في نكت البقاعي أنه قال فيه أبو حاتم الرازي ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان في الثقات وحديثه هذا أخرجه ابن حبان في صحيحه والدار قطني في سننه عن أرطاة بن منذر عن المعلي بن إسماعيل عن نافع بالزيادة المذكورة وكثير بن فرقد نزيل مصر ثقة وثقة ابن معين وأبو حاتم وأخرج له البخاري قاله البقاعي في نكته وروايته أخرجها الحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع وقال فيها من المسلمين وأخرجها الدار قطني في السنن وقال الحاكم هذا الحديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه واختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب واعلم أن أصل التمثيل للزيادة وقع(2/15)
23 للترمذي لأنه قال ما لفظه حديث ابن عمر رواه مالك عن نافع عن ابن عمر نحو حديث أيوب وزاد فيه من المسلمين ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين انتهى فتبعه ابن الصلاح واعترضه النووي بقوله لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به بل وافقه في الزيادة عمر بن نافع بن عمر والضحاك بن عثمان والأول في صحيح البخاري والثاني في صحيح مسلم وقد تعقب النووي الشيخ تاج الدين التبريزي بقوله إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه شيء وتعقب بأن ابن الصلاح أقره ورضيه فورد عليه ما ورد على الترمذي فعرفت أن القول بأنها زيادة تفرد بها مالك كلام الترمذي وأنه قد سبق بالاعتراض على ابن الصلاح النووي وقال ابن حبان أورده بالزيادة الحاكم والدار قطني والطحاوي وبدونها مسلم وللزيادة شاهد وهو حديث ابن عباس عند أبي داود فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأخرجه الحاكم والدار قطني ووجه الدلالة فيه أن الكافر لا طهرة له انتهى قال أي الزين والصحيح في المثال ما ذكره ابن الصلاح أيضا وهو حديث جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا زاد فيه وتربتها طهورا أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وانفرد بذلك من دون سائر الرواة قال الزين بعد هذا والحديث رواه مسلم والنسائي من رواية الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال عليه الحافظ ابن حجر وهذا التمثيل ليس بمستقيم أيضا لأن أبا مالك قد تفرد برواية جملة الحديث عن ربعي بن خراش كما تفرد بروايته ربعي عن حذيفه فإن أراد أن لفظة تربتها زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة فإنه يرد عليه أنها في حديث علي رضي الله عنه كما نبه عليه شيخنا وإن(2/16)
24 أراد أن أبا مالك تفرد بها وأن رفقته عن ربعي لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه فليس صحيح قلت وحديث علي أخرجه أحمد في مسنده بإسناد حسن بلفظ وجعل التراب لي طهورا وأخرجه البيهقي أيضا قال ابن الصلاح وفي هذا القسم شبه من القسم الأول المردود وهو أول الأقسام الثلاثة من تقسيم ابن الصلاح من حيث أن ما رواه الجماعة عام لأجزاء الأرض وهذا مخصوص بالتربة وفي ذلك نوع مخالفة ومغايرة وهي مغايرة الخاص والعام ويشبه القسم الثاني من الثلاثة وهو المقبول من حيث إنه لا منافاة بينهما إذ لا منافاة بين عام وخاص في الحقيقة ولذا قال في العبارة الأولى نوع مخالفة قلت وهو موضع ترجيح واجتهاد في القبول وعدمه وحيث لا يحصل موجب الرد فالأصل وجوب قبول الثقات وقد يقع الغلط في الحكم بالانفراد أي في حكم العالم بأن هذا الحديث أو الزيادة تفرد بها الراوي لأن الأصل عدمه فلا يحكم به إلا بدليل كذا عللوه والانفراد وعدمه ليس أحدهما أصلا بل يتوقف الحكم بهما على البحث والاستقراء فهذا ابن الصلاح غلط على مالك في ذلك كما عرفت آنفا وهو أي ابن الصلاح من أئمة هذا العلم فكيف بغيره قال ابن الصلاح وبين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه إذ الوصل زيادة ثقة وقد قدمنا الكلام عليه أي في القسم الثالث قال أي ابن الصلاح ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث وترجيحه أي الأرسال من قبيل تقديم الجرح على التعديل لأنه بإطراح من وصل كان كالجرح له قال ويمكن أن يجاب عنه بأن الجرح إنما قدم لما فيه من زيادة الثقة والزيادة هنا مع من وصل وليس في عبارة ابن الصلاح لفظ يمكن
25 مسألة في بيان المعل وأقسامه وحكمه(2/17)
من أنواع علوم الحديث المعل هو الذي يسمى عندهم المعلل والمعلول وهذا على خلاف قياس اللغة كما يأتي قال زين الدين ويسمى الحديث الذي شملته على معللا ولا يسمى معلولا فإنه قال وسم ما بعلة مشمول معللا ولا تقل معلول وقد وقع في عبارة كثير من أهل الحديث تسميته بالمعلول وذلك موجود في كلام الترمذي وابن عدي والدار قطني وأبي يعلي الخليلي والحاكم وغيرهم قال ابن الصلاح وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة وقال النووي أنه لحن قال زين الدين والأجود في تسميته المعل قال وكذلك هو في عبارة بعضهم وأكثر عبارتهم في الفعل أنهم يقولون أعله فلان بكذا وقياسه معل وهو المعروف في اللغة قال الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة وفي القاموس العلة المرض عل واعتل وأعله الله فهو معل وعليل ولا يقال معلول والمتكلمون يستعملونها وقال صحاب المحكم وهو علي بن أحمد بن سيده اللغوي النحوي الأندلسي أبو الحسن الضرير كان من أئمة اللغة عارفا بالأشعار واللغة وأيام العرب وفاته سنة ثمان وخمسين وأربعمائة واستعمل أبو اسحق لعله الزجاج لفظة المعلول في المتقارب من العروض قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا هذا هو مقول صاحب المحكم ثم قال وفي الجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج بالمثلثة واللام مفتوحتين وبالجيم وقال في القاموس ثلجت نفسي كنصر وفرح ثلوجا وثلجا اطمأنت انتهى لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم(2/18)
26 إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جنته ورسللته ولم يستعملا في الكلام واستفنى عنهما بأفعلت قال أي صاحب المحكن أو سيبويه وإذا قالوا أي العرب جن وسل بالبناء للمفعول فإنما يقولون إذا أرادوا الأخبار عما وقع فيه جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حزن بالحاء المهملة والزاي من الحزن هكذا رأيناه في التنقيح مضبوطا والذي في نكت البقاعي ما يفيد أنه بالقاف آخره قال إنه قال ابن الصلاح حرق الرجل كعنى زال حق وركه وفي مختصر العين للزبيددي والحارقة عصبة متصلة بين وابلة الفخذ والعضلة وإذا انقطعت الحارقة ولم تلتئم قيل رجل محروق وقد حرق انتهى والوابلة بالموحدة طرف رأس العضلة والفخذ أو طرف الكتف أو عظم في مفصل الركبة أو ما التف من عظم الفخذ قاله في القاموس وفسل بالفاء المهملة من الفسالة يقال فسل ككرم وعلم فسالة وفسولة والفسل الرذل الذي لا مروة له كالمفسول قاله في القاموس إذا عرفت هذا عرفت أن هذا البناء إنما يكون من المتعدي ولا تعدية هنا فجاء على خلاف القاعدة انتهى وهذا من اضبط تخميني إذ اللفظ في نسخ التنقيح غير واضح ولا متجه المعنى وهو منقول من شرح الأنفيه والزين نقله من المحكم فينظر وفي القاموس جن بالضم جنا وجنونا واستجن بنيا للمفعول وتجنن وتجانن وأجنه الله فهو مجنون انتهى وأما علله فيستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه عن الشيء وشغله من تعليل الصبي بالطعام يعني فلا يقال علل الحديث بمعنى أعله فليس بينهما مناسبة في اللغة وهو ظاهر إذ لا تلاقي بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي وهو المراد بالمناسبة قال أي زين الدين في تعريف العلة التي بحثنا فيها والعلة في اصطلاح أئمة الحديث عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت بالهمزة على الحديث(2/19)
27 فأثرت فيه أي قدحت في صحته ولذا أخذوا في رسم الصحيح أن لا يكون شاذا ولا معللا قلت وكان هذا تعريف أغلبي للعلة وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث ويأتي في آخر البحث تحقيق ذلك واعلم أن الرسم للعلة ذكره ابن الصلاح وتبعه الزين ونقله المصنف وقال الحافظ ابن حجر على كلام ابن الصلاح قلت هذا تحرير كلام الحاكم في علوم الحديث فإنه قال وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فتخفى عليهم عملته والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع معلولا ولا الحديث الذي في رواته مجهول أو مضعف معلولا وإنما يسمى معلولا إذا آل أمره إلى شيء من ذلك وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود انتهى وتدرك العلة بتفرد الراوي ومن التنبيه بالمثناة من فوق من نبه على ذلك على الإعلال بالتفرد والإشارة إليه قوله تعالى أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين بعد قوله تعالى أفلم يدبروا القول في الكشاف القول القرآن أفلم يدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستدعوه كقوله لتنذروا قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون أو ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وآباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان انتهى فالتنبيه بالآية على ما قاله المصنف يتم على أحد الاحتمالين ففيه أي في قوله(2/20)
28 تعالي أم جاءهم الآية دليل أن الفطر مجهولة مخلوقة على الشك في الشاذ في المنكر وأن العذر لمن رده بذلك شائع وهذا في نكارة القول وشذوذه وغرابته وفي الحديث حدثوا الناس بما تسعه عقولهم أتحبون أن يكذب الله ورسوله وهو أيضا دليل على نفرة العقول عن الشاذ من الأقوال المستغربة قلت ولو أتى المصنف بالآية الثانية وهي قوله أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون بكان آتيا بما فيه الإشارة إلى نكارة المخبر والراوي وأن عدم معرفته عذرا أيضا في عدم قبوله والتشكك في قوله وسيأتي أنه يعل بفسق الراوي وضعفه ويصدق عليه أنه لم يعرف بالعدالة التي هي مدار المقبول ومن ذلك أي من التنبيه والإشارة حديث ذي اليدين تقدم اسمه وقصته فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ما قاله لتفرده به حتى وافقه عليه الحاضرون حين سألهم صلى الله عليه وسلم عن حقيقة ما قاله ذو اليدين ومخالفة غيره غير الراوي له وهو عطف على قوله تفرد الراوي وهو الثاني مما تدرك به العلة مع قرائن تنضم إلى ذلك يهتدي الناقد بها إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك مما ذكر بحيث غلب على ظنه ذلك فأمضاه برده الحديث وحكم به أو تردد في ذلك فلم يرده ولم يعلم به فوقف وأحجم عن الحكم بصحة الحديث فإن لم يغلب ظنه صحة الإعلال أحسن المصنف بهذه العبارة وعدوله عن عبارة غيره بالتعليل بذلك فظاهر الحديث المعل السلامة من العلة أي من وجودها فيه حيث تثبت في طريق مقبولة تنتهض على صحة الإعلال قال الخطيب السبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع بين طرقه وتنظر في اختلاف رواته وتعتبر أي الخطأ والصواب بمكانهم من الحفظ وقد مثله ابن الصلاح والزين بحديث أنس ابن مالك في البسملة وهو مثال العلة في المتن وبحديث كفارة المجلس في علة الإسناد وقد أطال الكلام في ذلك الحافظ ابن حجر وأتى ببيان(2/21)
29 طرق الحديثين بما فيه طول فمن أراد التوسع طالع ذلك وقال ابن المديني الباب إذا لم تجتمع طرقه لم يتبين خطاؤه قال الحافظ ابن حجر وهذا الفن يعني التعليل أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما عاليا واطلاعا حاويا وإدراك المراتب الرواة ومعرفة شافية ولم يتكلم فيه إلا إفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله عز وجل فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك انتهى ثم أخذ في تقسيم محلات العلة فقال والعلة تكون في الإسناد كالوصل
30 في المرسل والرفع في الموقوف وهو الأغلب وقد تكون في المتن باختلاف ألفاظه ثم العلة في الإسناد تنقسم باعتبار القدح فإنها قد تقدح في المتن كالإعلال بالإرسال وقد لا تقدح فيه كالإعلال بوهم الراوي في اسم أحد رجال الإسناد مع ثبوت الإسناد عن الثقات على الصواب من غير رواية ذلك الراوي الذي وهم قال البقاعي الكلام الضابط أن يقال الحديث
31 لا يخلو إما أن يكون فردا أوله أكثر من إسناد فالأول يلزم من القدح في سنده القدح في متنه وبالعكس والثاني لا يلزم من القدح في أحدهما القدح في الآخر وقال الحافظ ابن حجر قلت إذا وقعت العلة في الإسناد فقد تقدح وقد(2/22)
32 لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن وكذا القول في المتن سواء فالأقسام على هذا ستة فمثال ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقا ما يوجد مثلا مدلسا بالعنعنة فإن ذلك يوجب التوقف عن قبوله فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح فيها بالسماع تبين أن العلة غير قادحة وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه فإن أمكن الجمع بينهما على طرائق أهل الحديث بالقرائن التي تحف الإسناد أن تلك غير قادحة ومثال ما وقعت العلة فيه في الإسناد ويقدح فيه دون المتن ما مثل به المصنف يريد ابن الصلاح من إبدال روايته وهو بقسم مقلوب المتن أليق فإن أبدل راو ضعيف براو ثقة وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن أيضا إن لم يكن له طريق أخرى صحيحة ومن أغمض ذلك أن يكون الضعيف موافقا للثقة في اسمه ومثال ذلك ما وقع لأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي أحد الثقات عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو من ثقات الشاميين قدم الكوفة فكتب عنه أهلها ولم يسمع منه أبو أسامة ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تيميم وهم من ضعفاء الشاميين فسمع منه أبو أسامه وسأله عن اسمه فقال عبد الرحمن بن يزيد فظن أبو أسامة أنه ابن جابر فصار يحدث عنه وينسبه من قبل نفسه فيقول حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة عن ابن جابر وهما ثقتان فلم يفظن لذلك إلا أهل النقد فميزوا ذلك ونصوا عليه كالبخاري وأبي حاتم وغير واحد ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن دون الإسناد ولا يقدح فيهما ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين إذا أمكن الجمع رد الجميع إلى معنى واحد فإن القدح ينتفي عنهما وسنزيد ذلك أيضاحا في النوع الرابع إن شاء الله تعالى(2/23)
33 ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن واستلزمت القدح في الإسناد ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه يكون خطأ والمراد بلفظ الحديث غير ذلك فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي فيعلل الإسناد ومثال ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ما ذكره المصنف من أحد الألفاظ الواردة في حديث أنس وهي قوله لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها فإن أصل الحديث في الصحيحين بلفظ البخاري وكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين ولفظ مسلم في رواية نفي الجهر وفي رواية أخرى نفي القراءة ثم تكلم على تلك الروايات بما يطول ذكره ولما ذكر زين الدين في منظومته ما أفاده قوله وكثر التعليل بالأرسال للوصل لا يقوي على اتصال وقد يعلون بنوع قدح فسق وغفلة ونوع جرح قال مشيرا إلى ذلك وقد يعلون أي أئمة الحديث الحديث بأشياء لست غامضة كالإرسال وفسق الراوي وضعفه وذلك موجود في كتب العلل وقد قدمنا لك أن التعريف للعلة أغلبي ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه ليعرف الرواة الإرسال والوصل والوقف والرفع وبعضهم أي بعض أئمة الحديث هكذا أجمله ابن الصلاح وبينه الزين بأنه أبو يعلي الخليلي كما ذكره المصنف يعل الحديث بما لا يقدح في صحته كإسناد منقطع أقوى من إسناد موصول قال الزين كالحديث الذي وصله الثقةالضابط فأرسله غيره حتى عد ذلك البعض من أنواع المعل ما هو صحيح معل فلا منافاة عنده بين الصحة والإعلال فعلى هذا فإنه يحذف قيد ولا ولا علة من رسم الصحيح كما أن من الحديث ما هو صحيح شاذ كأن المراد عند ذلك البعض فيحذف أيضا قيد ولا شاذ من الرسم وهو مذهب أبي يعلي(2/24)
34 الخليلي في الأمرين وعبارة الزين وقائل ذلك هو أبو يعلي الخليلي قال في كتاب الإرشاد إن الأحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه ثم ذكر ما مثل به الخليلي الصحيح المعل وأغرب ما ذكر من الإعلال جعل النسخ علة كما فعله الترمذي وأشار إليه زين الدين بقوله والنسخ سمى الترمذي علة فإن يرد في عمل فاجنح له وقال غنه من زوائده على ابن الصلاح وقول الزين فإن يرد بضم حرف المضارعة من الإرادة أي إن يرد الترمذي أن النسخ علة في العمل فهو صحيح ولهذا قال فاجنح من الجنوح أي من إليه وإن أراد علة في صحة نقله فلا لأن في الصحيح أحاديث منسوخة كثيرة انتهى مسألة في حقيقة المضطرب وأنواعه وحكمه
من أنواع علوم الحديث المضطرب يحتمل أنه مأخوذ من اضطرب بمعنى
35 اختل أو من اضطرب القوم إذا اختلفت كلمتهم وحقيقته هو ما اختلف كلام راويه فيه المراد جنس الراوي الواحد فلا يشمل اختلاف الأكثر لأنه سيذكره المصنف وقال زين الدين
36 مضطرب الحديث ما قد رودا مختلفا من واحد فأزيدا فرواهمرة على وجه ومرة على وجه مخالف له وهكذا إذا اضطرب فيه راويان فأكثر فرواه كل واحد على وجه مخالف للآخر قال الحافظ العلائي
37 وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غامضا واطلاعا حاويا وإدراك كالمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة انتهى قلت هو كما قاله الحافظ في بحث الإعلال والبحثان متقاربان جدا والاضطراب نوع من الإعلال ثم أشار إلى تقسيمه إلى قسمين فقال وقد يكون الاضطراب في المتن في ألفاظه وفي السند كذا قاله ابن الصلاح إلا أنه زاد بعد هذا وقد يكون من راو واحد وقد يكون من رواة انتهى ونقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي أنه قال الاختلاف تارة يكون(2/25)
38 في المتن وتارة في السند فالذي في السند يتنوع أنواعا أحدها تعارض الوصل والإرسال ثنيها تعارض الوقف ثالثها تعارض الاتصال والانقطاع رابعها أن يروي الحديث قوم مثلا عن رجل عن تابعي عن صحابي ويرويه ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه خامسها زيادة رجل في أحد الإسنادين سادسها الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددا بين ثقة وضعيف فأما الثلاثة الأول فقد تقدم القوم فيها وأن المختلفين إما أن يكونا متماثلين في الحفظ والإتقان أم لا فالمتماثلون إما أن يكون عددهم من الجانبين سواء أم لا فإن استوى مع استواء أوصافهم وجب التوقف حتى يترجح أحد الفريقين بقرينة من القرائن فمتى اعتضدت أحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكم بها ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث بل كل حديث يقوم به مرجح خاص لا يخفي على الممارس الفظن الذي أكثر من جمع الطرق ولهذا كان مجال النظر في هذا أكثر من غيره وإن كان أحد المتماثلين أكثر عددا فالحكم لهم على قول الأكثر وقد ذهب قوم إلى تعليله وإن كان من وصل أو رفع أكثر والصحيح خلاف ذلك وأما غير المتماثلين فإما أن يتساووا في الثقة أولا فإنتساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له ولا يلتفت إلى تعليل من علله بذلك أيضا وإن كان العكس فالحكم للمرسل والواقف وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة ولا يلتفت إلى تعليل م علله برواية غير الثقة إذا خالف هذا جملة تقسيم الاختلاف وبقي إذا كان رجال أحد الإسنادين أحفظ والآخر أكثر فقد اختلف المتقدمون فيه فمنهم من يرى قول الأحفظ أولى لإتقانه وضبطه ومنهم من يرى قول الأكثر أولى لبعدهم من الوهم ولا شك أن الاحتمال من الجهتين منقدح قوي لكن ذلك إذا لم ينته عدد الأكثر إلى درجة قوية جدا بحيث يبعد اجتماعهم على الغلط أو يتعذر أو يمتنع عادة فإن(2/26)
39 نسبة الغلط إلى الواحد وإن كان أرجح من أؤلئك في الحفظ والإتقان أقرب من نسبته إلى الجمع الكثير ثم ذكر أمثلة من ذلك وقال وأما النوع الرابع وهو الاختلاف في السند فلا يخلو إما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا فإن كانا ثقتين فلا يضر الاختلاف عند الأكثر لقيام الحجة بشكل منهما فكيفما دار الإسناد كان عن ثقة وربما احتمل أن يكون الراوي سمعه منها جميعا وقد وجد ذلك في كثير من الحديث لكن ذلك يقوى حيث يكون الراوي ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق وأما ما ذهب إليه كثير من أهل الحديث من أن الاختلاف دليل على عدم ضبطه في الجملة فيضر ذلك لو كانت رواته ثقات إلا أن يقوم دليل أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا فهو رأي فيه ضعف لأنه كيفما دار عن ثقة وفي الصحيحين من ذلك جملة أحاديث لكن لا بد في الحكم بصحة ذلك من سلامته من أن يكون غلطا أو شاذا وأما إذا كان في أحد الروايتين المختلف فيهما ضعيفا لا يحتج به فههنا مجال للنظر وتكون تلك الطريق التي سمى الضعيف فيها وحصل الحديث عنه لا لوقف أو إرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى فكل ما ذكرنا هناك من الترجيحات يجيء هنا ويمكن أن يقال في مثل هذا يحتمل أن يكون الراوي إذا كان مكثرا قد سمعه منهما أيضا كما تقدم فإن قيل إذا كان الحديث عنده عن الثقة فلم يرويه عن الضعيف فالجواب أنه يحتمل أنه لم يطلع على ضعف شيخه أو اطلع عليه لكن ذكره اعتمادا علىصحة الحديث عنده من الجهة الأخرى(2/27)
40 وأما النوع الخامس وهو زيادة الرجل بين الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النوع السابع والثلاثين إن شاء الله تعالى وأما النوع السادس وهو الاختلاف في اسم الراوي ونسبه فهو على أقسام أربعة الأول أن يبهم من طريق ويسمى من أخرى فالظاهر أن هذا لا تعارض فيه لأنه يكون المبهم في إحدى الروايتين هو المعين في الأخرى وعلى تقدير أن يكون غيره فلا تضر رواية من سماه وعرفه إذا كان ثقة رواية من أبهمه القسم الثاني أن يكون الاختلاف في العبارة فقط والمعنى بها في الكل واحج فإن مثل هذه لا يعد اختلافا أيضا ولا يضر إذا كان للراوي ثقة القسم الثالث أنيقع التصريح باسم الراوي ونسبه لكن مع الاختلاف في سياق ذلك ثم ذكر مثاله القسم الرابع أن يقع التصريح به من غير اختلاف لكن يكون ذلك من متفقين أحدهما ثقة والآخر ضعيف أو أحدهما يستلزم الاتصال والآخر الإرسال كما قدمنا ذلك ثم سرد المثال وأطال فيه المقال ثم قال فهذه الأنواع الستة التي يقع بها التعليل وقدمين كيفية التصرف فيها وما عداها إن وجد لم يخف إلحاقه بها وأما الاختلاف الذي يقع في المتن فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث وأمثلة ذلك كثيرة وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة لتصير ذلك قاعدة يرجع إليها فنقول إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان سياق الحديث في واقعة يظهر تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلان مثال الأول حديث أبي هريرة في السهو يوم ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وسلم من ركعتين ثم قام إلى خشية في المسجد فاتكا عليها فذكره ذو اليدين بسهوه صلى الله(2/28)
41 عليه وآله وسلم فسأل صلى الله عليه وسلم الصحابة فقالوا له نعم فصلى الركعتين اللتين سها عنهما وحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وآله سلم صلى العصر فسلم على ثلاث ثم دخل صلى الله عليه وسلم منزله فجاء الخرباق وكان في يديه طول فناداه صلى الله عليه وسلم فأخبره بصنعه فخرج صلى الله عليه وسلم وهو غضبان فسأل الناس فأخبروه فأتم صلاته وحديث معاوية بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم المغرب فسلم من ركعتين ثم انصرف فأدركه طلحة بن عبيد الله فأخبره بصنعه فرجع صلى الله عليه وسلم فأتم صلاته فإن هذه الأحاديث الثلاثة ليس الواقعة فيها واحدة بل سياقها يشعر بتعددها وقد غلط بعضهم فجعل حديث أبي هريرة وعمران ابن حصين قصة واحدة ورام الجمع بينهما على نوع من التعسف الذي نستنكره وسببه الاعتماد على قول من قال إن ذا اليدين اسمه الخرباق وعلى تقدير ثبوت أنه هو فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين ولا سيما أن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين وفي حديث عمران سلم من ثلاث إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين وكذا حديث معاوية بن خديج ظاهر أنها قصة ثالثة لأنه ذكر أنها المغرب وأن المنبه على السهو طلحة بن عبيد الله ومثال الثاني حديث علي بن رباح قال سمعت فضالة بن عبيد يقول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة وفيها خرز وذهب وهي من المغنم تباع فأمر صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن وحديث حنش الصنعاني عن فضالة قال اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب باثني عشر دينارا فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم(2/29)
42 فقال لا تباع حتى تفصل وفي لفظه له كنا نبايع يوم خيبر اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب إلا وزنا بوزن وفي رواية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم غام خيبر بقلادة فيها خرز وذهب ابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى يميز بينه وبينها الحديث وفي رواية لحنش كنا مع فضالة في غزوة فصارت لي ولأصحابي قلادة بها ذهب وجوهر فأردت أن أشتريها فقال لي فضالة انزع ذهبها واجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة فأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل وهذه الروايات كلها في صحيح مسلم فقال البيهقي وغيره إن هذه محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة فأداها كلها وحنش أداها متفرقة قلت بل هما حديثان لا أكثر رواهما جميعا حنش بألفاظ مختلفة وروى علي بن رباح أحدهما وبيان ذلك أن حديث علي بن رباح شبيه برواية حنش الثالثة وليست بينهما مخالفة إلا في تعيين وزنها في رواية حنش دون رواية الآخر فهذا حديث واحد اتفقا فيه على ذكر القلادة وأنها مشتملة على خرز وذهب وأنالنبي صلى الله عليه وسلم منع من بيعها حتى يميز الذهب من غيره وأما رواية حنش الأولى فليس فيها إلا ذكر المفاضلة في كون القلادة كان فيها أكثر من اثني عشر والمتن كان فيها اثني عشر فنهاهم عن ذلك وروايته الثانية شبيهة بذلك إلا أنها عامة في النهي عن بيع الذهب متفاضلا وتلك فيها بيان القصة فقط والآخرة شبيهة بالثانية والقصة التي وقعت فيها إنما هي للتابعي لا للصحابي فوضح أنهما حديثان لا أكثر والله أعلم ثم إن هذا كله لا ينافي المقصود من الحديث فإن الروايات كلها متفقة على(2/30)
43 المنع من بيع الذهب بالذهب ومعه شيء غيره فلو لم يمكن الجمع لما ضره الاختلاف والله أعلم فهذان مثالان واضحان فيما يمكن تعدد الواقعة فيه وفيما يبعد الجمع فأما إذا تعذر الجمع بين الروايات بأن لا يكون المخرج واحدا فلا ينبغي سلوك تلك الطريق والمالمتعسفة مثاله حديث أبي هريرة أيضا في قصة ذي اليدين فإن في بعض طريقه أن ذلك كان في صلاة الظهر وفي أخرى في صلاة العصر وفي أكثر الرويات قال في إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر فمن زعم أن رواية أبي هريرة لقصة ذي اليدين كانت متعددة وقعت مرة في الظهر ومرة في العصر لأجل هذا الاختلاف ارتكب طريقا وعرا بل هي قصة واحدة وأدل دليل على ذلك الرواية التي فيها الترددد هل هي الظهر أوالعصر فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما ففي بعض الأحيان كان يغلب على ظنه أحدهما فيجزم به فلذا وقع في بعض طرقه ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس ما يقول ذو اليدين قالو صدق وفي أخرى أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم وفي أخرى فأوموا أن نعم فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب ولا يلزم ن ذلك تعدد الواقعة قال العلائي وهذه الطريقة التي سلكها الشيخ محي الدين توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونا للرواة الثقات أن يتوجه الغلط إلى بعضهم ثم ذكر أمثلة من الأحاديث حملها الشيخ على تعدد الواقعة والأقرب خلافه ثم قال ومما يمكن فيه احتمال تعدد الواقعة ويمكن أيضا الجمع بين الروايات ولو اختلفت المخارج ما يكون الحمل فيه على طريق من المجاز كما في حديث أن عمر نذر باعتكاف ليله في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره وفي رواية اعتكاف يوم وكلاهما في الصحيح(2/31)
44 والتحقيق أنه نذر يوما بليلته وأمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره فعبر بعض الرواية عنه بيوم وأراد بليلته وبعضهم بليلة وأراد بيومها والتعبير بكل واحد من هذين عن المجموع من المجاز الشائع الكثير الاستعمال أو بتقييد في الأطلاق كما في حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في النهي عن مس الذكر باليمين فإن بعض الرواة عن يحيى أطلق وبعضهم قيد بحالة البول أو بتخصيص العام كما في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في زكاة الفطر وقوله فيه من المسلمين أو بتفسير المبهم وتبين المجمل كما في حديث وائل بن حجر في قصة صاحب النسعة فإن في رواية أبي هريرة عند الترمذي إبهام كيفية القتل وفي حديث وائل عند مسلم بيانها وأما ما يتعذر فيه احتمال التعدد ويبعد فيه أيضا الجمع بين الروايات فهو على قسمين أحدهما ولا تتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي فلا يقدح ذلك في الحديث وتحمل تلك المخالفات على خلل وقع لبعض الرواة إذا رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله مثاله حديث جابر في وفاء دين أبيه فإنه مخرج في الصحيح عن عدة طرق وفي سياقه تباين لا يتأنى الجمع فيهه إلا بتكلف شديد لأن جميع الروايات عبارة عن دين كان على أبيه ليهودي فأوفاهم ممن نخلة ذلك العام ففي رواية وهب بن كيسان أنه كان ثلاثين وسقا وأن النبي صلى الله عليه وسلم كلمه في الصبر فابى فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال جابر حد له فحدله بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث عبد الله بن كعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم أن يقبلوا تمر الحائط ويحللوه فأبوا وفي رواية الشعبي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذهب فبيدر كل تمر على ناحية وأنه صلى الله عليه وسلم طاف في أعظمها بيدرا ثم جلس صلى الله عليه وسلم فقال ادع أصحابك فما زال يكبل(2/32)
45 لهم حق أدى الله أمانة والدي وفي آخره قسلم الله البيادر كلها ففي هذه الروايات اختلاف شديد كما ترى وفي حملها على التعدد بعد وتكلف والأقرب ما أشرنا إليه وأن المقصود في جميعها البركة في التمر بسبب النبي صلى الله عليه وسلم وأن الاختلاف في ألفاظها وقع من بعض الرواة وكذا حديث جابر في قصة الجمل فإن الروايات اختلفت في قدو الثمن وفي الاشتراط وعدمه وقد ذكره البخاري مبينا في موضوعين من صحيحه وقال إن قول الشعبي بوقية أرجح وأن الاشتراط أصح وهو ذهاب منه إلى ترجيح بعض الروايات وأما دعوى التعدد فغير ممكن ومن ذلك حديث عائشة في ضياع العقد ونزول آية التيمم ففي رواية القاسم أن المكان كان البيداء أو ذات الجيش وفيها انقطع عقد لي وفيها أنهم باتوا على غير ماء وفيها فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته وفي رواية عروة أنها سقطت في الأبواء وفي رواية في مكان يقال له الصلصلوفي إن القلادة استعارتها عائشة من أسماء وفيها انسلت القلادة من عنقها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يلتمسانها فوجداها فحضرت الصلاة فلم يدريا كيف يصنعان وفي رواية أرسل ناسا وعين منهم أسيد بن حضير وفيها أن الذين أرسلوا حضرتهم الصلاة فصلوا على غير وضوء قال ابن عبد البر ليس اختلاف النقلة في العقد ولا في القلادة ولا في الموضع الذي سقط فيه ذلك لعائشة ولا كونه لعائشة أو لأسماء مما يقدح في الحديث ول يوهنه لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود هو نزول آية التيمم ولم يختلفوا في ذلك قلت وكلامه يشعر بتعذر الجمع بين الروايتين وليس كذلك بل الجمع بينهما ممكن بالتعبير بالقلادة عن العقد وبأن إضافتها إلى أسماء إضافة ملك(2/33)
46 وإلى عائشة إضافة يد وبأن انسلالها كان بسبب انقطاعها وبأن الإرسال في طلبها كان في ابتداء الحال ووجدانها كان في آخره حين بعثوا البعير وأما قوله إن الذين ذهبوا في طلبها هم الذين وجدوها فلا بعد فيه أيضا لاحتمال أن يكون وجدانهم إياها بعد رجوعهم وإذا تقرر ذلك كانت القصة واحدة وليس فيها مخالفة إلا أن في رواية عروة زيادة على ما في رواية القاسم من ذكر صلاة المبعوثين في طلبها بغير وضوء ولا اختلاف ولا تعارض فيها ومن الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه ما رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداع الحديث ورواه عنه سفيان بن عيينه وإسماعيل بن جعفر وروح ابن القاسم وعبد العزيز الدراوردي وطائفة من أصحابه وهكذا رواه عنه شعبة في رواة حفاظ أصحابه وانفرد وهب بن جرير عن شعبة بلفظ لا تجزى صلاة لا يقرأ فيه بفاتحة الكتاب حتى زعم بعضهم أن هذه الرواية مفسرة للخداع الذي في الحديث وأنه عدم الأجزاء وهذا لا يتأتى له إلا لو كان مخرج الحديث مختلفا فأما والسند متحد فلا ريب أنه حديث واحد اختلف لفظه فتكون رواية وهب بن جرير شاذة بالنسبة إلى ألفاظها بقية الرواة لا تفاقهم دونه على اللفظ الأول لأنه يبعد كل البعد أن يكون أبو هريرة سمعه باللفظين ثم نقل عنه ذلك ومن ذلك حديث الواهبة نفسها فإن مدارهه علىأبي حازم عن سهل بن سعد واختلف الرواة على ابي حازم فقال مالك وجماعة معه فقد زوجتكما وقال ابن عيينة أنكحتكما وقال ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن ملكتكها وقال الثوري أملكتكها وقال أبو غسان أمكنا كها أو أكثر هذه الروايات في الصحيحين فمن البعيد جدا أن يكون سهل بن سعد شهد(2/34)
47 هذه القصة من أولها إلى آخرها مرارا عديدة في كل مرة لفظ غير الذي سمعه في الأخرى بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع وأيضا فالمقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها في مرة واحدة تلك الساعة فلم يبق إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفظا منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى والله أعلم ثم إن الاختلاف في الإسناد إذا كان بين ثقات متساوين وتعذر الترجيح فهو في الحقيقة لا يضر في قبول الحديث والحكم بصحته لأنه عن ثقة في الجملة ولكن يضر ذلك في الأصحية عند التعارض مثلا فحديث لم يختلف فيه عن راويه أصلا أصح من حديث اختلف فيه في الجملة وإن كان ذلك الاختلاف في نفسه يرجع إلى من لا يلتزم القدح انتهى ما نقله الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي مع اختصار لبعض الأمثلة وهو وإن طال نافع جدا سما مع اختصار المصنف للمقال وهو مفتقر إلى الإطالة وذكرنا ما سردنا من الأمثلة فتكون طريقا تسلك أمثالها في أمثاله ولما ذكر المصنف أنه ما اختلف فيه كلام راويه أو رواته أبان أنه مقيد بقيد التساوي فقال ووإنما يسمي مضطربا إذا تساوت الروايتان المختلفان في الصحة ولا يخفى أنه كان ينبغي ذكر هذا القيد في رسم المضطرب وإن ترجحت إحداهما لم يطلق عليه اسم الاضطراب على الراجح إذ الذي عارضه كالعدم لمرجوحيته والحكم حينئذ له أي للراجح وأما حكم الاضطراب فأشار إليه بقوله والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعد ضبط رواته فإن كان واحدا فظاهر وإن كان أكثر من واحد فقد اشترك الكل في عدم الضبط وإنما يزول عن البعض بالترجيح ومن أمثلة مضطرب المتن حديث فاطمة بنت قيس المرفوع قالت سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال إن في المال لحقا(2/35)
48 سوى الزكاة رواه الترمذي هكذا بإثبات حق في المال غير الزكاة ورواه ابن ماجه عنها عن فاطمة بن قيس بلفظ ليس في المال حتى سوى الزكاة وإسناده واحد عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عنها قال الزين فهذا الاضطراب لا يحتمل التأويل وقول البيهقي إنه لا يحفظ لهذا اللفظ الثاني إسناد معارض بما رواه ابن ماجه انتهى وقال البقاعي هذا لا يصح أن يكون مثالا لمضطرب المتن أما أولا فلان أبا حمزة شيخ شريك ضيعف فهو مردود من قبل ضعف راويه لا من قبل اضطرابه وأما ثانيا فإنه يمكن تأويله بأنها روت كلا اللفظين عنه صلى الله عليه وسلم ويكون الحق المثبت في اللفظ الأول المراد به الحق المستحب الذي لم يجب كصدقة النفل وإكرام الضعيف ونحو ذلك كما يقال حقك واجب علي والحق المنفي في اللفظ الثاني هو الفرض وقوله مردود من قبل الضعف وذلك أن الشرط في المضطرب أن يكون علة رده هو الاضطراب لا غير ولولاه لكان صحيحا ومثال الاضطراب في الإسناد ما وقع في إسناده حديث أبي هريرة مرفوعا في السترة للمصلى فإنلم يجد عصا فليحفظ حظا فإنهم اضطربوا في اسم بعض رواته اضطرابا كثيرا وذلك أن الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من رواية إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليجعل شيئا تلقاء وجهه الحديث وفيه فإن لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا وقد اختلفوا فيه على إسماعيل اختلافا كثيرا فرواه بشر بن المفضل وروح ابن القاسم عنه هكذا ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه حميد بن الأسود عنه عن أبي عمرو بن محمد عن عمرو بن حريث ابن سليم عن أبي هريرة ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث عنه عن أبي عمرو ابن حريث عن جده حريث ورواه ابن جريج عنه عن حريث بن عمار عن(2/36)
49 أبي هريرة ورواه داود عليه الحارثي عنه عن أبي عمرو بن محمد عن جده حريث ابن سليمان قال أبو زرعة الدمشقي لا نعلم أحدا أثبته ونسبه غير داود ورواه سفيان بن عيينه عنه فاختلفت فيه على ابن عيينة قال ابن المديني عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي محمد عمرو بن حريث عن أبيه عن جده حريث رجل من بني عذرة قال سفيان لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه قال ابن المديني قلت له إنهم يختلفون فيه فتفكر ساعة ثم قال ما أحفظه إلا أبا محمد بن عمرو ورواه محمد بن سلام البيكندي عن ابن عيينة مثل رواية شريك بن المفضل وروح ورواه مسدد عن ابن عيينة عن إسماعيل عن عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه عمار بن خالد الواسطي عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي عمرو محمد بن عمرو بن حريث بن سليم وفيه من الاضطراب غير ما ذكرت انتهى من شرح ألفية الزين وقال تلميذه الحافظ ابن حجر بقي أمر يجب التيقظ له وذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع بينهم الاختلاف في اسمه أو كنيته وهل روايته عن أبيه أو جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحا واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك لأنه إن كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك ومع هذا كله فالطريق التي ذكرها ابن الصلاحثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا ثم قال الحافظظ تنبيه قول ابن عيينة لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه فيه نظر فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى(2/37)
50 الأشعري وفي إسناده أبو هرون العقدي وهو ضعيف ولكنه وارد على إطلاق ابن عيينة للنفي قلت يحتمل أنه يريد لم نجد شيئا صحيحا ولكنه لا يناسبه قوله ولم يجيء إلا من هذا الوجه فإنه ظاهر في نفي مجيئه من غيره مطلقا قال ثم وجدت له شاهدا آخر وإن كان موقوفا أخرجه مسدد في مسنده الكبير فقال حدثنا هشيم حدثنا خالد الحذاء عن أياس بن معاوية عن سعيد بن جبير قال إذا كان الرجل يصلى في فضاء فليركز بين يديه شيئا قإن لم يستطع أن يركزه فليعرضه فإن لم يكن معه شيء فليخط خطا في الأرض رجاله ثقات وقول البيهقي إن الشافعي ضعفه فيه نظر فإنه احتج به فيما وقفت عليه في المختصر الكبير للمزني والله أعلم ولهذا صحح الحديث أبو حاتم بن حبان والحاكم وغيرهما وذلك مقتضى ثبوت عدالته عند من صححه فما يضره بعد ذلك أن لا ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته انتهى
مسألة في بيان حقيقة المدرج وأنواعه وحكمه
من علوم الحديث المدرج اسم مفعول من أدرجه بمهملتين وجيم
50 أقسام أربعة كما يعدها المصنف قسم في المتن وثلاثة في الإسناد هكذا قسمه ابن الصلاح وتبعه الزين قال الحافظ ابن حجر قد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام وسيأتي ما ذكره الحافظ في تلخيصه لكلام الخطيب إن شاء الله تعالى
52 الأول ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض بعض رواته إما الصاحبي أو من بعده موصولا بالحديث من غير فصل تأكيد لم قبله فيلتبس على من لا يعلم الحال أي الكلام النبوي من غيره فيحسب الجميع موصولا وذلك
53 كحديث ابن مسعود وقوله بعد التشهد فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك تمامه إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أبو داود هذا من قوله فإذا فعلت إلى آخره موقوف على الصحيح من كلام(2/38)
54 ابن مسعود وقد أدرجه بعضهم في الحديث وهو زهير بن معاوية أبوخيثمة فأنه وصله بالمرفوع في رواية أبي داود هذه قال الحاكم قوله إذا فعلت هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود وكذا قال البيهقي في المعرفة وكذا قال الخطيب في كتابه الذي جمعه في المدرج إنها مدرجة وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة انتهى ويدل لادراجها رواية شبابة بن سوار عنه ففصله وبين أنه من قول ابن مسعود قال قال عبد الله فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه الدار قطني وقال شبابه ثقة وقد فصل آخر الحديث جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية من أدرج آخره ورواه غير شبابه وفصله وبين أنه من قول ابن مسعود فاحتجت به الحنفية على أن السلام لا يجب بناء منهم على عدم إدراج هذه الزيادة وهو خلاف ما قاله الأئمة الحفاظ كما عرفت قلت واستدل لهم الطحاوي على ماذهبوا إليه من عدم وجوب السلام في كتابه معاني الآثار بما أخرجه بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رفع المصلى رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته وبحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فلما سلم أخبر بصنيعه فثنى رجله وسجد سجدتين أخرجه الطحاوي أيضا بسنده من حديث ابن مسعود قال ففي هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل السلام ولم ير ذلك مفسدا الصلاة ولو رآه مفسدا لما إذا لأعادها فلما لم يعدها وقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم دل ذلك أن التسليم ليس من صلبها ألا ترى أنه لو كان جاء بالخامسة وقد بقي عليه مما قبلها جدة كان ذلك مفسدا للأربع لأنه خلطهن بما لييس منهن فلو كان السلام واجبا كوجوب(2/39)
55 سجود الصلاة لكان حكمه أيضا كذلك ولكنه بخلافه فهو سنة ثم قال وقد روى أيضا في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أو أربعا فليبن على اليقين ويدع الشك فإن كانت صلاته نقصت فقد أتمها وكانت السجدتان يرغمان الشيطان وإن كانت صلاته تامة كل ما زاد والسجدتان له نافلة فقد جعل صلى الله عليه وسلم الخامسة الزائدة والسجدتين اللتين للسهو تطوعا ولم يجعل ما تقدم من الصلاة بذلك فاسدا وإن كان المصلى قد خرج منها فثبت بذلك أن الصلاة تتم بغير تسليم وأن التسليم من سنتها لا من صلبها انتهى كلامه وإنما سقناه لتعلم أن الحنفية لهم أدلة غير هذه الزيادة المدرجة وإن كانت هذه الأدلة التي أتى بها الطحاوي مما يدخله التأويل على تكلف وهذا المثال في الأدراج في آخر الحديث وقد يكون الكلام المدرج في أوله أي الحديث قال الحافظ ابن حجر وهو نادر جدا مثل أن يتكلم الصحابي بأمر يذهب إليه ثم يحتج عليه بلفظ حديث ثم يقول هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعنى ما احتج به لا ما احتج عليه فيتوهم السامع أن الجميع مرفوع وقد يقع ذلك الأدراج في الأول مع فصل الصحابي لكلامه على جهة الوهم من السامع مثل حديث أبي هريرة أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار رواه الخطيب من رواية أبي قطن وشبابة فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار فقوله أسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة وصل الحديث في أوله فإن البخاري رواه عنه أي عن أبي هريرة في صحيحه عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه(2/40)
56 وسلم قال ويل للأعقاب من النار قال الخطيب وهم أبو القطن عمرو بن الهثيم وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله أسبغوا الوضوء كلام أبي هريرة وقوله ويل للأعقاب من النار كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جماعة من الحفاظ رووه عن شعبة وجعلوا الكلام الأول كلام أبي هريرة ولاكلام الثاني مرفوعا وقد عرفت مراده بقوله والراوي لهما جميعا عنه محمد بن زياد فإنه روى المدرجة الموصولة ولكن ليس الوهم من محمد بن زياد بل من أبي قطن وشبابة كما عرفت علىأن قوله أسبغوا الوضوء قد ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح قال الحافظ وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه فلم أجد له مثالا آخر إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة الآتي من رواية محمد بن دينار عن هشام بن حسان وقد يقع ذلك أي الأدراج في وسط الكلام مثل أن يروي حديث ومذهب فيسمعهما سامع فيحسبها حديثين فيرويهما على هذه الصورة وهي أي صورة الإدراج متقاربة وأكثرها وقوعا هو الأول وهو الإدراج في آخره ومثال هذا الأخير وهو وقوع الأدراج في الوسط ما رواه الدار قطني في سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر أي ابن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني قال النسائي يس به بأس وكذا قال أحمد وقال ابن معين ثقة عن هشام بن عروة بن الزبير وهشام إمام معروف كبير القدر ثقة عن أبيه عروة عن بسرة بضم الموحدة وسكون السين المهملة بنت صفوان وهي صحابية جليلة مرفوعا من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه تثنية رفض بضم الراء وتفتح وسكن الفاء فغين معجمة وهو واحد الأرفاغ وهو أصول المغابن كالأبط والحوالب وغيرهما من مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق قاله في النهاية فليتوضأ قال الدار قطني كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهم(2/41)
57 في ذكر الأنثيين والرفغ فجعلهما من المرفوع والمحفوظ أن ذلك من قول عروة وكذلك أي كونه من قول عروة رواه الثقات عن هشام منهم أيوب السختياني وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه أي الدار قطني من طريق أيوب السختياني بلفظ من مس ذكره فليتوضأ قال أي أيوب وكان عروة يقول إذا مس رفغية أو أنثيية أو ذكره فليتوضأ فبين أن ذلك من قول عروة لا أنه من المرفوع وقد ثبت أن أيوب أثبت من عبد الحميد وقد وافقه غيره فكان روايتهم دليلا على إدراج عبد الحميد لتلك الزيادة وكذا قال الخطيب إن عبد الحميد تفرد بذلك فحكم بأدراج ما تفرد به تقديما لرواية غيره عليه ممن هو أثبت منه وأما زين الدين فخالف كلام الدار قطني والخطيب وقال إنه أي عبد الحميد لم ينفرد بذلك فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية أبي كامل الجحدري عن يزيد بن زريع تصغير زرع قال في الميزان شيخ رملي لا يكاد يعرف يروي عن عطاء الخرساني ضعفه ابن معين قال الحافظ ابن حجر على كلام شيخ الزين هو كما قال إلا أنه مدرج أيضا والذي أدرجه أبو كامل الجحدري رواية عن يزيد وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري وأبو الأشعث أحمد بن المقدام وأحمد بن المقدام وأحمد بن عبيد الله العنبري وغير واحد فرووه عن يزيد بن زريع موصولا انتهى عن أيوب عن هشام عن أبيه عن بسرة مرفوعا بلفظ الحديث المعروف أولا سوى أي الذي فيه رفع الزيادة لكنه قال الحافظ أنه بين الدار قطني أنه مدرج قال زين الدين واختلف فيه على يزيد بن زريع عبارته وعلىهذا فقد اختلف فيه ورواه الدار قطني أيضا من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان بن الحمم بن أبي العاص يأتي بيان حاله عن بسرة بلفظ إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه ولم يذكر الرفغ وزاد في السند مروان بن الحكم(2/42)
58 قلت أما طريق ابن زريع فلا تنهض دليلا على صحة الحديث وأنه لا إدراج فيها لما وقع فيها من الاختلاف على يزيد ولأنه أي يزيد كما قال الذهبي لا يكاد أن يعرف ولما له من العلة بمخالفة أيوب وحماد وغيرهما من الثقات من سائر من روى حديث بسرة قال الحافظ ابن حجر إنه رواه عشرون من الحفاظ مقتصين على المرفوع منه فقط بل سائر من روى حديث من مس الذكر من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه رواه منهم جابر وأبو هريرة وعبد الله ابن عمر وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عمرو علي بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنس سردهم الحافظ ابن حجر في التلخيص ثم خرج رواياتهم وأما طريق ابن جريج فهي مردودة بمروان بن الحكم فهو مجروح عند أهل البيت وعند غيرهم بل لا يعلم في ذلك خلاف فإنه نقل المصنف في العواصم أنه قال ابن حبان في مقدمة صحيحه عائذا بالله أن نحتج بمروان وذويه في شيء من كتبنا وقال ابن قدامة الحنبلي في كتابه الكافي على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في باب صفة الأئمة في إمامة الفاسق بالأفعال روايتين إحداهما تصح لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر كيف بك إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة الحديث إلى قوله في الاحتجاج وكان الحسن والحسين عليهما السلام يصليان وراء مروان انتهى فيه بيان مقدار معرفتهم بمقدار أهل البيت وبموضع أعدائهم من الفسق انتهى وإنما روى عنه المحدثون أحاديث يسيرة لما رواها معه غيره من الثقات كما بينت ذلك في العواصم قال فيه فإن قلت فما الوجه في روايته عنهم فالجواب من وجهين الأول أن الرواية لا تدل على التعديل كما ذكره الإمام يحيى وابن الصلاح(2/43)
59 وقد روى زين العابدين وعروة بن الزبير عن مروان ولم يدل ذلك على عدالتهه عندهما فكذلك رواية المحدثين عنهم ثم ذكر ما قدمنااه من قول النووي في شرح مسلم إنه قد روى سلم في الصحيح عن جماعة من الضعفاء إلى آخر ما قدمناه قال المصنف فدل على أنهم قد يروون عمن ليس بثقة عندهم فإن قلت فما عذرهم في ذلك قلت لهم عذران فيه أحدهما الرغبة في علو الإسناد لما فيه من التسهيل على طلبة هذا الشأن مع كون الحديث معروفا عندهم بإسناد نازل من طريق الثقات وثانيهما وهو كثير الوقوع أن يكون الحديث مرويا من طرق كثيرة في كل منها ضعف لكن بعضها يجبر بعضا ويقويه ويشهد له مع كون بعض الرواة عدلا في دينه صدوقا في قوله كثير الوهم فلم يعتمد عليه وحده في التصحيح لولا ما جبر ضعفه في الشواهد والمتابعات التي يحصل من مجموعها قوة كبيرة توجب الحكم بصحة الحديث أو حسنه فيذكرون بعض طرقه الضعيفة ويتركون بعض الطرق للإختصار والتقريب على طلبة العلم ثم إنه سرد الأحاديث المروية عن مروان وهي لا تبلغ عشرة أحاديث وذكر من رواها غيره من الثقات ثم قال وبالجملة فلم يرو مروان إلا عن علي عليه السلام وعثمان وزيد بن ثابت وأبي هريرة وبسرة وعبد الرحمن بن الأسود وقد ذكرت جميع ما روى عنهم الوجه الثاني أن رواية المحدثين عنه مع تصريحهم بماله من الأفعال القبيحة تدل على ما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري أن روايتهم عنه كانت قبل أحداثه أيام كان عندهم في المدينة واليا من جهة الخلفاء قبل أن يتولى الخلافة انتهى قلت أما هذا العذر الذي ذكره المصنف عن الحافظ ابن حجر عذر باطل وإن أقره المصنف فإن أعظم ما قدحوا به على مروان قتله لطلحة أحد العشرة(2/44)
60 وقتله له كان يوم الجمل اتفاقا قال الذهبي وحضر الوقعة يوم الجمل وقتل طلحة ونجا فليته ما نجا وكذلك ذكره في النبلاء ومعلوم أنه لم يتول المدينة في عصر أحد من الخلفاء إنما ولاه إياها معاوية فلم يلها إلا بعد قتله لطلحة قال الذهبي في النبلاء إن مروان قتل طلحة ثم قال قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علي انتهى وإذا عرفت هذا فالعذر للمحدثين في الرواية من مروان هو الأول وقد تكلم عليه ابن عبد البر في الاستيعاب قال المصنف في العواصم وممن ذكر مروان أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ولم يذكره بتقوى ولا وصفه بديانة بل روى عن علي عليه السلام أنه نظر إليه يوما فقال ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك إذا شابت ذراعاك وكان يقال له خيط باطل وفيه يقول أخوه عبد الرحمن بن الحكم لما بويع له بالخلافة لحا الله قوما ملكوا خيط باطل على الناس يعطي من يشاء ويمنع والذهبي في النبلاء وقال أي ابن عبد البر أو الذهبي لكن اللفظ المذكور رأيناه لابن عبد البر في ترجمة طلحة من الاستيعاب إنه الذي قتله رماه بسهم على جهة للغدر وهو من جملة أصحابه فإن مروان خرج من أهل الجمل في حرب علي عليه السلام وقال أي الذهبي في الميزان في ذكر مروان قتل طلحة ونجا فليته ما نجا قال المصنف في العواصم فلو كان عنده من أهل الصحاح ما تمنى له الهلاك وكره له النجاة وقد نص في الميزان على أن له أعمالا موبقة قال المصنف وهذا تصريح بفسقه وذكر أبو محمد ابن حزم أنه كان فاسقا غير متأول أو كما قال ولفظه عنه في العواصم وقال ابن حزم في أسماء الخلفاء والأئمة وقد ذكر بعض مساوي مروان وهو أول من شق عصا المسلمين بلا شبيه ولا تأويل وقتل النعمان بن بشير أول مولود في الإسلام في الأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أنه خرج على ابن الزبير بعد أن(2/45)
61 بايعه على الطاعة وذكر البخاري والذهبي أنه أي مروان ليس بصحابي قلت بل كان عدوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرف ذلك من عرف أخباره وأكثر ما قيل فيه أي في تنزيهه أنه لم يكن منهما في الحديث وهذا لا ينفع إلا مع التأويل والتدين وهو منهما براء كما تقدم عن ابن حزم مع أن الحديث أي حديث مس الذكر مروي عنه من غير هذه الطريق بغير هذه الزيادة تقدم تعداد رواته من الصحابة من طرق عديدة قال الشيخ تقي الدين في الإقتراح إذا تقدم ذكر الأنثيين على الذكر ضعف الإدراج لفظه في شرح ألفية الزين وقد ضعف ابن دقيق العيد الطريق إلى الحكم بالإدراج في مثل هذا فقال في الاقتراح ومما يضعف فيه أن يكون مدرجا في أثناء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما إن كان مقدما على اللفظ المروي أو معطوفا عليه بواو العطف كما لو قال من مس أنثيية وذكره فليتوضأ بتقديم الأنثيين على الذكر فها هنا يضعف الإدراج لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى ثم قال زين الدين لم يرد مقدما في شيء من طرق الحديث قال البقاعي ليس كذلك فقد وقع في كتاب الثواب لابن شاهين من رواية محمد بن دينار عن هشام عن عروة من مس أنثييه وذكره فقد الأنثيين وإنما ذكره الشيخ مثالا فليعلم ذلك واعلم أن أمثلة الأدراج في وسط الحديث كثيرة منها حديث عروة عن عائشة في حديث بدء الوحي في قولها وكان يخلو بغار حراء يتحدث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد فقوله وهو التعبد مدرج من كلام الزهري في وسط الحديث كما بينه في فتح الباري ومنها حديث مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر وهو غير محرم فقيل له إن(2/46)
62 ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه فإن قوله وهو غير محرم من كلام الزهري أدرجه الراوي عنه وقد رواه أصحاب الموطأ بدون هذه الزيادة وبين بعضهم أنها من كلام الزهري ومنها حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله تعالى يذهبه بالتوكل رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة يريد ابن كهيل قال وسمعت محمدا يقول في هذا وما منا إلا عندي من قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال الحافظ ابن حجر قد رواه علي بن الجعد وغندر وحجاج بن محمد ووهب بن جرير والنضرين إسماعيل وجماعة عن شعبة فلم يذكروا فيه وما منا إلا وهكذا رواه اسحق بن راهويه عن أبي نعيم عن سفيان الثوري ومنها قوله في حديث عكرمة عن أبي هريرة في صفة نزول الوحي تنزل الملائكة من العنان والعنان السحاب الحديث قال قوله والعنان السحاب مدرج واعلم أن الطريق إلى معرفة المدرج من وجوه الأول أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مثل حديث ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرأمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك رواه البخاري فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ يمتنع أن يتمنى أن يصير مملوكا وأيضا فلم يكن له أم يبرها بل هذا من قول أبي هريرة أدرجه في المتن وقد بينه حبان بن موسى عن ابن المبارك فساق الحديث إلى قوله أجران ثم قال والذي نفس أبي هريرة بيده إلى آخره وكذا هو في رواية بن وهب عن يونس عند مسلم وهذا من فوائد المستخرجات كما تقدم(2/47)
63 وكذلك ما في حديث ابن مسعود من قوله الطيرة شرك وما منا إلا فإنه مدرج فإنه لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاستحالة أن يضاف إليه شيء من الشرك الثاني من الوجوه أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي صلى الله عليه وسلم كحديث ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار هكذا رواه أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن أبي بكر بن عياش بإسناده ورواه غيره عن أبي بكر بن عياش بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة من جعل الله ندا دخل النار وأخرى أقولها ولم أسمع منه صلى الله عليه وسلم من مات لا يجعل لله ندا دخل الجنة والحديث في صحيح مسلم عن ابن مسعود بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى فذكره فهذا يجزم بكونه مدرجا لكن لا يجزم بتعيين الجملة المدرجة هل هي دخول الجنة لمن لم يجعل لله ندا أو دخول النار فيمن جعل لله ندا لاختلاف الرواية الثالث أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع بإضافته إلى قائله ومثاله حديث ابن مسعود فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك تقدم وله أمثلة كبيرة قال الحافظ ابن حجر والحكم على هذا القسم الثالث بالأدراج يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد ول يوجب القطع بذلك بخلاف القسمين الأولين وأكثر هذا القسم الثالث يقع تفسيرا لبعض الألفاظ الواقعة في الحديث كما في أحاديث الشغار والمحاقلة والمزاينة ونحوها والأمر في ذلك سهل لأنه إن أثبت رفعه فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى من غيره وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن ذلك فسواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر فإن سبب ذلك الاختصار(2/48)
64 من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمجا من غير تفصيل فيقع ذلك ثم ذكر بسنده إلى أبي حاتم بن حبان أنه قال أحمد بن حنبل كان وكيع يقول في الحديث يعني كذا وكذلك كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير وكان بعض أقرانه يقول له أفصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ ابن حجر ثم قال وقد ذكرت كثيرا من هذه الحكايات وكثيرا من أمثلة ذلك في كتاب اسمه تقريب المنهج لترتيب المدرج أعان الله على تكميله وتبييضه إنه على كل شيء قدير القسم الثاني من أقسام المدرج أن يكون الحديث عند راويه بإسناد إلا طرقا منه فإنه عنده إسناد آخر فيجمع الراوي عنه أي عن الراوي المذكور طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول تاركا لإسناده للطرف الآخر مثاله حديث رواه أو داود من رواية زائدة اسم فاعل من الزيادة وهو ابن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة مقبولة وشريك فرقهما في الرواية و رواه النسائي م حديث سفيان بن عيينة كلهم أي زائدة وشريك وسفيان رووه ن عاصم بن كليب كما في شرح الألفية عن أبيه عن وائل بن حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم صحابي جليل كان من ملوك اليمن في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه ثم جئتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب وفي لفظ لأبي داود عن شريط عن عاصم ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم أكسية وبرانس تحرك أيديهم تحت الثياب أي لأجل رفعها عند التكبيرة الأولى قال موسى بن هرون الحمال وذلك عندنا وهم فقوله ثم جئت ليس هو بهذا الإسناد وإنما أدرج عليه وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل(2/49)
65 عن بعض أهله عن وائل وهكذا راه مبينا وهير بن معاوية وأبو بدر شجاع ابن الوليد فيما أثبت له ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل فهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير وشجاع وقال ابن الصلاح إنه الصواب القسم الثالث م أقسام المدرج أن يدرج بعض حديث في حديث آخر مخالف له في السند مثاله حديث سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ابن محمد ابن سالم أبي مريم الجمحي بالولاء أبو محمد البصري ثقة ثبت فقيه عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا لا تبا غضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا في النهاية لا يعطي كل منكم أخاه دبره وفقاه فيعرض عنه ويهجره انتهى ولا تنافسوا هو من الشيء النفيس وهو ما يرغب فيه ويبخل به لعزته وهو مضارع فلان وفلان مثل تقاتلا وهكذا بقية ألفاظ الحديث كلها أفعال مضارعة حذف منها حرف المضارعة تخفيفا ومعنى تنافسوا تقاسموا النفاسة بأن يعد كل منهمالشيء نفيسا فيتجاذبونه فيؤدي ذلك إلى فساد عريض فقوله ولا تنافسوا مدرجه في هذا الحديث أدرجها ابن أبي مريم فيه من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا بالجيم التفحص من الجاسوس صاحب سر الشر قال في القاموس أي خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله ولا تفحصوا عن بواطن الأمور ولا تبحثوا عن العورات والتحسس بالحاء قال فيه إنه الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخبر ولا تنافسوا ولا تحاسدوا وكلا الحديثين مخرج في الصحيحين متفق عليه من طريق مالك وليس فيه ولا تنافسوا وهي في الثاني هكذا الحديثان عند رواة الموطأ القسم الرابع من أقسام المدرج أن يروى بعض الرواة حديثا عن جماعة وبينهم في إسناده أو متنه اختلاف فيجمع الكل على إسناد واحد مما اختلفوا(2/50)
66 فيه ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق ومثاله حديث رواه الترمذي وساقه الزين في شرح الألفية فمن أراده فليراجعه فلم أجد نسخة منه أثق بالنقل منها قال زين الدين ولهذا لا ينبغي لمن يروي حديثا بسند في جماعة في طبقة واحدة مجتمعين في الرواية عن شيخ واحد أن يحذف بعضهم لاحتمال أن يكون اللفظ في السند والمتن لأحدهم وحمل رواية الباقين عليه قربما كان من حذفه هو صاحب ذلك اللفظ قال ابن الصلاح واعلم أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج فيه بحث وهو أنه قد ثبت إدراج أئمة كبار تفاسير ألفاظ الحديث كما تقدم في التحنث ونحوه وتقدم أن الأمر في ذلك سهل لأنه إن ثبت مرفوعا فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى فالقياس أن يقال إدراج ما هو من تفاسير الألفاظ لا يحرم وإدراج ما هو من غيرها مما فيه حكم شرعي وإيهام أنه مرفوع هو الذي لا يجوز قلت فقول زين الدين لا ينبغي لمن يروى حديثا بسند فيه جماعة إلى آخره محمول على الاستحباب كما تشعر به لفظة لا ينبغي ولأنه إنما علله بالاحتمال لأن الظاهر عدم الإدراج فلا يحكم به إلا بدليل وقد قدمنا الوجوه التي يستدل بها عليه و لأن عادة الحفاظ في ذلك إذا سكتوا فذلك منهم إشعار بأن الإسناد والمتن للجميع وإن لم يكن كذلك أي لم يكن الإسناد والمتن للجميع قالوا واللفظ لفلان قال الزين وهذا النوع يريد نوع الأدراج بأقسامه قد صنف فيه أبو بكر الخطيب البغدادي وقسمه إلى سبعة أقسام فشفى وكفى تقدم أنه قال الحافظ ابن حجر وقد لخصته أي كتاب الخطيب ورتبته على الأبواب والمسانيد وزدت على ما ذكره الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره وهذا(2/51)
67 هو الكتاب الذي سماه الحافظ تقريب المنهج بترتيب المدرج وذكر أنه سأل الله تعالى الإعانة على تمامه وتبييضه واعلم أنه زاد الحافظ في مدرج الإسناد قسمين على هذه الثلاثة الأول منهما وهو الرابع أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفا منه فإنه لم يسمعه من شيخه فيه وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل وهذا مما يشترك فيه الإدراج والتدليس مثال ذلك حديث إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس في قصة العرنيين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها ولفظه وأبولها إنما سمعه حميد من قتادة عن أنس بينه يزيد بن هرون ومحمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية وآخرون كلهم يقول فيه فشربتم من ألبانها قال حميد قال قتادة عن أنس وأبوالها فرواية إسماعيل فيها إدراج وتسوية وثانيهما وهو الخامس أن لا يذكر المحدث متن الحديث بل يسوق إسناده فقط ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد مثاله في قصة ثابت بن موسى الزاهد مع شريك القاضي كما مثل به ابن الصلاح لشبه الوضع وجزم ابن حبان أنه من المدرج فهذه أقسام مدرج الإسناد قال الحافظ والطريق إلى معرفة كونه مدرجا أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة وتتقوى الرواية المفصلة بأن يرويه بعض الرواة مقتصرا على إحدى الجملتين
68 مسأل في الموضوع وحكمه من أنواع علوم الحديث الموضوع قال ابن دحية إنه في اللغة الملصق يقال وضع فلان على فلان كذا أي ألصق به وهو أيضا الحط والإسقاط قال الحافظ والأول اليق بهذه الحيثية هو شر الأحاديث الضعيفة هذه العبارة(2/52)
69 لابن الصلاح وسبقه إليها الخطابي واستنكرت لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي إذ أفعل لاتفضيل إنما يضاف إلى بعضه وقد يجاب بأنه لم يرد بالأحاديث الأحاديث النبوية بل أعم وهو ما يتحدث به وهو المكذوب ويقال له المختلق إذ الاختلاف الكذب ومنه قوله تعالى إن هذا الاختلاق
70 ويقاله له أيضا المصنوع بصاد مهملة من الصنعة أي واضحة اختلقه وصنعه قال زين الدين ومطلق وجود كذاب في السند لا يلزم منه أن يكون الحديث مكذوبا لجواز أنه ثابت منغيرر طريقه إلا أن يعترف بأنه وضع ذلك الحديث بعينه أو ما يقوم مقام اعترافه على ما ستقف عليه ويأتي ما فيه من الإشكال وجوابه وحكم الموضوع أنه لا يجوز لمن عرفه أي عرف أنه موضوع أن يرويه
71 من غير بيان لوضعه سواء كان في الحلال أو الحرام أو الترغيب أوالترهيب أو غير ذلك يدل لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهوأحد الكذابين انتهى ضبط يرى بضم الياء أي يظن وفي الكذابين
72 روايتان بصيغة التثنية وبصيغة الجمع وكفى بهذا الوعيد في حق من روى حديث يظن أنه كذب فضلا عن أن يروى ما يعلم كذبه ولا ييينه لأنه صلى الله عليه وسلم جعل المحدث بذلك مشاركا للكاذب في وصفه قال زين الدين بعد هذا الذي ذكره المصنف من حكم الموضوع ما لفظه
73 بخلاف غيره من الضعيف المحتمل للصدق حيث جوز روايته في الترغيب والترهيب انتهى لكن بقي هل يشترط في هذا الاحتمال أن يكون قربا بحيث يفوق احتمال كذبه أو يساويه أولا يشترط هذا محل نظر ولاذي يظهر من كلام مسلم وربما دل عليه الحديث المتقدم بأنه إذا كان احتمال الصدق احتمالا ضعيفا أنه لا يعقد به وقال الترمذي سألت أبا محمد يعني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن هذا(2/53)
74 الحديث يعني حديث سمرة المذكور فقلت له من روى حديثا وهو يعلم أن إسناده خطأ أيخاف أن يكون دخل في هذا الحديث أو إذا روى الناس حديثا مرسلا فأسنده بعضهم أو قلب إسناده فقال لا إنما معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثا ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الحديث أصلا فأخاف أن يكون دخل في هذا الحديث قال ابن الصلاح ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يذكر في الأحاديث الضعيفة قال زين الدين وأراد ابن الصلاح أبا الفرج بن الجوزي قال زين الدين في شرح ألفيته قال العلائي دخلت على ابن الجوزي الآفة من التوسع في الحكم بالوضع لأن مستنده في غالب ذلك ضعف رواته قال الحافظ ابن حجر وقد يعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها ويكون كلامهم محمولا على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه ويكون المتن قد روى من أوجه أخر لم يطلع هو عليها أو لم يستحضره حال التضعيف فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل في باب الترغيب والترهيب قليل من الأحاديث الحسان كحديث صلاة التسبيح وحديث قراءة آية الكرسي عقيب الصلاة فإنه رواه النسائي وصححه ابن حبان وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جدا فأما مطلق الضعيف ففيه كثير من الأحاديث نعم أكثر الكتاب موضوع وقد أفردت لذلك تصنيفا أشير على مقاصده انتهى والواضعون للحديث على أصناف بحسب الأمر الحامل لهم على ذلك فضرب من الزنادقة في القاموس الزنديق من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان أو هو معرب زن دين أي دين المرأة يفعلون ذلك ليضلوا به الناس كعبد الكريم(2/54)
75 ابن أبي العوجاء خال معن بفتح الميم وسكون العين المهملة ابن زائدة أي الشيباني الأمير المعروف الذي أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي أمير مكة قال الذهبي في الميزان أمير البصرة وقال في ترجمة عبد الكريم زنديق مبين قال أحمد بن عدي لما أخذ ليضرب عنقه قال لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل فيها الحرام ومثل بيان بفتح الموحدة فمثناة تحتية فألف فنون قال الذهبي هو ابن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المائة وقال بالهيية علي رضي الله عنه وأن فيه جزءا إلهيا متحدا بناسوتيته ثم بعده في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه أبي هاشم ثم في بيان هذا وكتب إلى أبي جعفر الباقر يدعوه إلى نفسه وأنه نبي انتهى الذي قتله خالد القسري بالقاف وسين مهملة فراء فياء نسبه وحرقه بالنار وقال ابن نمير قتله خالد بن عبد الله القسري وحرقه بالنار وقد روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث قلت ومعرفة قدر عددها دليل على تتبع الحفاظ من الأئمة لها ومعرفتهم إياها وضرب يفعلونه انتصارا لمذاهبهم كالخطابية بالخاء المعجمة وهم قوم من الرافضة ينسبون إلى أبي الخطاب كان يأمرهم بشهادة الزور على مخاليفهم كما في القاموس فقوله وبعض الروافض من عطف العام على الخاص وهم فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي عليه السلام ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى وقال أنا مع وزيري جدي فتركوه ورفضوه وأرفضوا عنه قاله في القاموس وبعض السالمية قلت ورواه أي وضع الأحاديث لنصرة المذهب المنصور بالله عبد الله بن حمزة عن المطرفية نسبة إلى مطرف بن شهاب وهم فرقة من الزيدية لهم أقوال ردية ومذاهب غير مرضية قاتلهم المنصور بالله وخرب ديارهم ومساجدهم وأخبارهم معروفة وله أشعار فيهم وفي حربهم في ديوانه وقد ألف عبد الله بن زيد العنسي العلامة كتابا في أخبارهم وبين فيه حقائق أحوال(2/55)
76 المطرفية وذكر أي المنصور أنهم صرحوا له بذلك في مناظراتهم نقلته من بعض رسائله وجادة من غير سماع عنه والظاهر بل المقطوع أن المصرح له بذلك بعضهم إذ من المعلوم يقينا أنهم لا يجمعون كلهم عند المناظرة فلا ينسب إلى الجميع منهم والله أعلم قال زين الدين وضرب يتقربون به إلى الأمراء والخلفاء بوضع ما يوافق فعلهم كما فعله غياث بكسر الغين المعجمة فمثناة تحتية آخره مثلثة ابن ابراهيم النخعي حيث وضع للمهدي وهو محمد بن عبد الله المنصور العباسي والدهرون الرشيد وقد دخل عليه فوجده يلعب بالحمام فساق في الحال إسنادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث لا سبق بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر سبقت أسبق وبفتح الموحدة ما يجعل من المال رهنا على المسابقة والمعنى لا يحل أخذ المال على المسابقة إلا في نصل بفتح النون وسكون الصاد المهملة حديدة السهم أو خف وهو الأبل أو حافر وهو للخيل رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة مقتصرين على هذا اللفظ فزاد فيه غياث ابن ابراهيم أو جناح بفتح الجيم وهو للطائر وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها وأمر بذبحها وقال المهدي أنا حملته على ذلك أي على الزيادة المكذوبة وقال السخاوي فأمر له ببدرة يعني عشرة آلاف فلما فقى قال أشهد علي قفاك أنه قفا كذاب وضرب من الوضاعين كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون به في قصصهم كأبي سعيد المدايني وكما ذكر الطيبي في خلاصته قال جعفر بن محمد الطيالسي صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهما قاص فقال حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه من مرجان(2/56)
77 وأخذ في قصة من نحو عشرين ورقة فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد فقال أنت حدثته بهذا فقال لا والله ما سمعت به إلا هذه الساعة قال فسكتا جميعا حتى فرغ فقال أي أشار يحيى بيده إلى أن تعال فجاءهما متوهما لنوال الخير فقال يحيى من حدثك بهذا قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فقال أن ابن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان ولا بد من الكذب فعلى غيرنا فقال أنت ابن معين قال نعم قال لم أزل أسمع أن ابن معين أحمق وما علمته إلا هذه الساعة قال يحيى وكيف علمت أني أحمق فقال كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما كتبت عن سبعة عشرة أحمد بن حنبل غير هذا قال فوضع أحمد بن حنبل كفه على وجهه وقال دعه فقام كالمستهزئ بهما انتهى من شرح شرح النخبة لعلى قاري وضرب امتحنوا بأولادهم أو وراقين كتاب لهم فوضعوا لهم أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي هكذا في شرح ألفية زين الدين وفي الميزان عبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي أحد الضعفاء له عن مالك مصائب وساق منها ويذكر أنه ابتلى بأولاد وورافين وضعوا عليه وليس في الميزان من يقال له القدامى سوى هذا وضرب يلجؤون إلى إقامة دليل على ما أفتوا به بأرائهم فيضعون كما نقل عن أبي الخطاب ابن دحية إن ثبت عنه كذا في شرح الزين وابن دحية هو عمر بن الحسن بن علي المديني الأندلسي قال في لسان الميزان متهم في نقله مع أنه كان من أوعية العلم دخل فيما لا يعنيه قال الحافظ الضياء لم يعجبني حاله كان كثير الوقيعة في الأئمة قال ابن نقطه كان موصوفا بالمعرفة والفصل إلا أنه كان يدعى أشياء لا حقيقة لها وقال ابن النجار رأيت الناس مجمعين(2/57)
78 على كذبه وضعفه وادعائه بسماع مالم يسمعه ولقاء من لم يلقه وضرب يقلبون سند الحديث ليستغرب أي من يسمع منهم ويرغب في سماعه منهم وسيأتي هذا في المقلوب وضرب يتدينون بذلك الترغيبب الناس في الخير يزعمهم وهم منسوبون إلى الزهد يحتسبون بذلك أي الأجر والمثوبة ويرونه قربة وهم أعظم الناس ممن يضع الحديث ضررا لثقة الناس بهم لزهدهم وقبوله منهم ولذا قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين أ كذب منهم في الحديث ويحيى إمام شهير متفق على إمامته ومراده أنه لم يرأ كذب من الصالحين وإن رأى غيرهم كذابين ولما كان الكذب في الحديث النبوي ينافي الصلاح فضلا على الأكذبية قال زين الدين يريد يحيى بن سعيد بذلك والله أعلم أي بقوله الصالحين المنسوبين إلى الصلاح بغير علم يفرقون به بين ما يجوز لهم من الرواية وما لا يجوز وعبارة زين الدين يفرقون به بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم فهو صلاح بغير علم وفي الحقيقة إنه ليس بصلاح فإنه لا صلاح إلا عن علم وإنما مراده أنه يعدهم الناس صالحين لما يرونه من تقشفهم وزهدهم مع أنهم من أهل الغباوة والجهل وهكذا العامة يعدون أهل الصلاح أهل هذا القسم ولذا قيل من عذيري من معشر هجروا العقل وحادوا عن الطريق القويمة لا يرون الإنسان قد نال حظا من صلاح حتى يكون بهيمه ويدل على ذلك أي على تأويل كلام يحيى بن سعيد ما رواه ابن عدي والعقيلي بسندهما الصحيح إليه أنه قال أي يحيى بن سعيد ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير قلت فهذا صرح بإضافة ذلك أي الأكثر منه إلى من ينسب إلى الخير يعني وليس من أهله فعليه تحمل العبارة المطلقة قال زين الدين بيانا منه لاحتمال آخر تحتمله عبارة يحيى بن سعيد أو يريد أن الصالحين حقيقة لا من لهم مجرد النسبة إلى الصلاح(2/58)
79 عندهم حسن ظن وسلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق فيكون نسبة الكذب أو الأكذبية إليهم مجازا أنهم يروون ما هو كذب في نفس الأمر وإن لم يكونوا كاذبين قلت ولكن هذا التأويل يخرجهم عن أهل الضرب الذي هو بصدده إذ ليسوا بوضاعين قال أي زين الدين ولكن الوضاعين ممن ينسب إلى الصلاح بناء على عدم صحة التأويل الآخر وتقييد العبارة الأولى وإن خفى حالهم على كثير من الناس فقبلوا عنهم ما رووه فإنه لم يخف على جهابذة الحديث جمع جهبذ بكسر الجيم وهوالنقاد الخبير كما في القاموس فعطف ونقاده من عطف التفسير فقاموا بأعباء جمع عبء بالكسر الحمل الثقيل من أي شيء ما حملوا فتحملوه من الكشف عن صحيح الأحاديث فكشفوا عوارها بتثليث العين المهملة العيب ومحوا عارها هو أيضا العيب حتى لقد روينا عن سفيان أنه قال ما ستر الله أحدا ليكذب في الحديث وروينا عن القاسم بن محمد أنه قال إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان وبنسيانهم يعرف كذبهم وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال لو أن رجلاهم أن يكذب في الحديث لأسقطه الله أي أظهر سقوط روايته وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قيل له هذه الأحاديث المصنوعة قال يعيش لها الجهابذة إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فجعل الأحاديث النبوية داخلة تحت لفظ الذكر وأيده المصنف بقوله قلت قد احتج بعض أهل الحديث النبوي بأن الحديث النبوي داخل فيما ضمن عز وجل يحفظه من الذكر الدال عليه وإنا له لحافظون وفي شرح شرح النخبة لعلي قاري أراد أن من جملة حفظ لفظ القرآن حفظ معناه ومن جملة معانيه الأحاديث النبوية الدالة على توضيح معانيه كما قال تعالى لتبين للناس مانزل إليهم فقي الحقيقة تكفل الله تعالى بحفظ الكتاب والسنة بأن(2/59)
80 يوجد من عباده من يجدد لهم أمر دينهم في كل أوان انتهى بقوله تعالى في وصف رسوله وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وإن كان قد يناقش في الاستدلال بأن الآية في وحي خاص هو القرآن كما يشعر به علمه شديد القوى إلى قوله تعالى فأوحى إلى عبده ما أوحى وقد أحسن القاسم بن محمد في قوله أن شاء الله تعلى أعاننا على الكذابين بالنسيان فإنهم يخلطون ويناقضون ويظهر عليهم بسبب النسيان ما يحمل على تأمل أحوالهم حتى يتبين أمرهم فهذا معنى إعانة الله عليهم بالنسيان قلت و أعاننا الله عليهم بسبب النسيان أيضا من تصريح الكذاب بالسماع في حتق راويين لا يمكن أنهما اجتمعا فينسب إليهما السماع فيعلم بإتيانه بما لا يمكن أنه كاذب أو نسبة حديث إلى وقت يعلم أنه لم يكن فيه أو طرح كذب معلوم على ثقة لا يحتمله أو سبق لسان الكذاب إلى إقرار بما يدل على التهمة وأما حكم الرواة والتعبد في العمل بروايتهم فقد أبانه المصنف بقوله على أنا غير متعبدين بالباطن أي مما في نفس الأمر مما لا نفعله من أحوال بواطن العباد ومتى صلح الظاهر حكمنا به ولا جرح ولله الحمد قلت إلا أن هذا ينبني على أن إالأصل العدالة أو على أن المراد أن العدل بعد ثبوت عدالته لا يبحث عن حاله ولنا صفوه أى الحديث وثوابه وعلى الكاذب كيده للإسلام بالكذب في أشرف علومه وعقابه ثم إستدل على التعبد بما في الباطن بقوله وقد فعل نحو هذا سيد المرسلين وقال إن أحدكم يكون ألحن بججته في النهاية المراد أن أحدكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره وإنما أقضى بنحو ما أسمع فمن حكمت له بشىء من مال أخيه فانما أقطع له قطعة من نار فإنه صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مكلفا إلا بالظاهر وأدلته كثير كحديث إننى لم أومر أن أفتش على قلوب الناس وحديث حتى يقولون لا إله إلا الله فهذا والوحى ينزل عليه وجبريل يهبط إليه وكذلك فعل أمير المؤمنين على عليه السلام من(2/60)
81 بعده وقد أمر بقطعيد السارق ثم بأن له لم يسرق فدل أنه حكم يخلاف ما في نفس الأمر وهذا مبني على أن فعل على عليه السلام حجة وقدكان يحلف من أتهمه في الرواية ثم يقبله والله أعلم مع أنه يحلفه لا ترتفع إلا التهمه ولا يعلم به ما في نفس الأمر قال زين الدين فمن أولئك الذين كانوا يكذون حسبة وتقربا إلى الله أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزىقاضي مرو وعالمها قال الذهبي يقال له الجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وإبن أبي ليلى والحديث عن ولى قضاء مرو في خلافة النصور وامتدت حياته سءل عنه بن المبارك فقال هو يفول لا إله إلا الله وقال أحمد يكن بذلك في الحديث وقال مسلم وغيره متروك الحديث وروى الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزى أنه قيل لأبي عصمة من أين لك عن عكرمة عنإبن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا فقال إني رأيت الناس قد أغرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازى ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة فيه أن أنفرد الراوى مظنةتهمة فلذا سألوه وهذا مثال تصريح الواضح بالوضع وكان يقال لأبي عصمة هذا نوح الجامع لجمعه الكمالات كما عرفت مما سقناه فقال أبو حاتم جمع كل شيء إلا الصدق قال البخاري منكر الحديث وقال إبن عدى عامة ماروى عنه لايتابع عليه قال الذهبى ومع ضعفه فهو ممن يكتب حديه ذكر ذلك في الميزان وقال الحاكم وضع حديث فضائل القرآن وروى إبن حبان في مقدمة كتاب تاريخ الضعفاء عن إبن مهدى قال قلت لمسيرة من عبد ربه ومسيرة بفتح الميم ومثناة تحتيه ساكنهة هو الفارسي وهو ميسرة بن عبد ربه البصرى الأ كال كان يأكل كثيرا روى عن ليث إبن أبي سليم وإبن جريح وموسى بن عبيده والأرزاعى وعنه جماعة من أين(2/61)
82 جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا قال وضعتها أرغب الناس بها وفي الميزان أنه قال لميسرة محمد بن عيسى بن الطباع بهذا الكلام في السؤال والجواب بلفظه إلا أنه قال وضعته لا يبعد أن كل واحد من ابن مهدي ومحمد بن عيسى سأله قال وكان ميسرة ممن يروي الموضوعات من الأثبات وقال أبو داود أقر بوضع الحديث وقال الدار قطني متروك وقال أبو حاتم كان يفتعل الحديث روى من فضائل قزوين أربعين حديثا وكان يقول إني أحتسب في ذلك قال البخاري ميسرة بن عبد ربه رمى بالكذب وهكذا حديث أبي ابن كعب الطويل في فضائل القرآن سورة سورة أي موضع فروينا عن المؤمل بزنة اسم المفعول أو الفاعل وهو أبو عبد الرحمن البصري مولى آل عمر بن الخطاب حافظ عالم يخطيء وثقة ابن معين وقال أبو حاتم صدوق شديد في السنة كثير الخطأ وقال البخاري منكر الحديث قاله في الميزان ابن إسماعيل أنه قال حدثني به شيخ فقلت للشيخ من حدثك فقال حدثني ردل بالمدائن وهو حي فصرت إليه فقلت من حدثك فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال حدثني شيخ بعبادان هي جزيرة أحاط بها شعبنا دجلة ساكبتين في بحر فارس فصرت أليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوة من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت ياشيخ من حدثك قال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن هكذا ساق الققصة زين الدين في شرحه وساقها الحافظ ابن حجر في نكته بزيادة فزاد بعد قوله حدثني رجل بالمدائن وهو حي فصرت إليه فقلت من حدثك فقال حدثني شيخ بواسط فصرت أليه إلى أن قال حدثني شيخ بالبصرة قال أي زين الدين وكل من أودع حديث أبي المذكور في تفسيره كالواحدي والثعلبي والزمخشري قلت والبيضاوي وأبي سعيد مخطئ في ذلك لأنه روى ما هو كذب بإقرار(2/62)
83 واضعه لكن من أبرز إسناده منهم فهو أبسط لعذره إذ قد أحال ناظره على الكشف عن سنده تمام كلام زين الدين وأما من لم يذكر سنده فأورده بصيغة الجزم فخطاؤه أشد كالزمخشري قال الحافظ ابن حجر والإكتفاء عن الحوالة على الإكتفاء بالنظر في السند طريقة معروفة لكثير من المحدثين وعليها يحمل ما صدر عن كثير منهم من إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها تصريحا وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان انتهى قلت ولا يتوهم الناظر أنه لم يثبت حديث في فضائل سور من القرآن فقد ثبتت أحاديث في سور معينة كالصمد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن وقد أودعها الجلال السيوطي في كتابه الدر المنشور قلت بل من لم يعتقد وضعه أعذر عن ذلك إذ كل ناظر إلى الإسناد لا يعرف أنه أسنده لهذه العلة بل ولايتهم ذلك ويقل في أهل المعارف من يتمكن من البحث في الإسناد فكيف بغيرهم لا يخفى قوة كلام المصنف هذا على منصف قال زين الدين وذكر الإمام أبو بكر محمد بن منصور السمعاني أن بعض الكرامية بتشديد الراء نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني وكان عابدا زاهدا إلا أنه خذل كما قال ابن حبان فالتقط من المذاهب أردأها من الأحاديث أوهاها وأطال الذهبي في الميزان وفي ترجمته وبيان فساد أحواله وقيل كرام بالتخفيف وأنشد عليه ابن الوكيل قول الشاعر الفقه فقه أبي حنيفة وحده والدين دين محمد بن كرام وقبله إن الذين لجهلهم لم يقتدوا في الدين بابن كرام غير كرام وهما لأبي الفتح البستي ذهب إلى جواز وضع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يتعلق(2/63)
84 به حكم من الثواب والعقاب ترغيبا للناس في الطاعة وزجرا لهو عن المعصية يقال هذا أيضا يتعلق به ثواب وعقاب واستدلوا لما أجاروه بأدلة أحدهما قوله بما روى في بعض طريق الحديث من كذب علي متعمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار أخرجه الطبراني عن عمرو بن حريث وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قالوا فتحل الروايات المطلقة على الروايات المقيدة كما بتعين حمل الروايات المطلقة عن التعمد على المقيدة به وأجيب بأن قوله ليضل به الناس مما اتفق الحفاظ على أنها زيادة ضعيفة وأقوى طرقها ما رواه الحاكم وضعفه من طريقق يونس بن بكر عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال الحاكم وهم يونس في موضعين أحدهما أنه أسقط بين طلحة وعمرو رجلا وهو أبو عمار الثاني أنه وصله بذكر ابن مسعود وإنما هو مرسل وعلى تقدير قبول هذه الزيادة فلا تعلق لهم بها لأن لها وجهين صحيحين أحدهما أن اللام في قوله ليضل لام العاقبة من باب ليكون لهم عدوا وحزنا قلت فيه تأمل لأن معنى لام العاقبة هنا ليكون عاقبة كذبه إضلال الناس وهم لا يضلون بكذبه لأن كذب الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم إما أن يعلمه الناس أو يجهلونه إن علموا أنه كذب فضلا لهم من حيث إنهم عملوا بالحديث الكاذب ولو كان من غير تعمد لإضلالهم وإن عملوا به مع جهلهم كونه كذبا فلا ضلال بل هم مأجورون لما عرفت قريبا من أنهم غير مخاطبين بما في نفس الأمر على أن حمل اللام على ذلك لا يجدي نفعا لأن مراد المستدل بمفهوم ليضل الناس أنه إن وضع ما لا إضلال فيه للناس فإنه غير داخل في الوعيد فكيف يصح عليه بأنها تحمل اللام للعاقبة وكأنه يقول من حملها على ذلك إنه لا مفهوم لها(2/64)
85 ولا نسلم فإنه باطل بالوجه الأول وثانيهما أنها للتأكيد ولا مفهوم لها من باب من فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس الآية لأن الافتراء على الله محرم سواء قصد به إضلال الناس أولا وحمل بعضهم حديث من كذب علي متعمدا على من قال أنه ساحر أو مجنون واستدلوا لذلك بحديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم قالوا يا رسول الله تحدث عنك بالحديث فتزيد وتنقص قال ليس ذلك أعنيكم إنما أعنى الذي كذب علي متحدثا بطلب به شين الإسلام الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وابن مردويه وجوابه ما قاله الحاكم إنه حديث باطل فيه محمد بن الفضل بن عطية العوفي اتفقوا على تكذيبه وقال صالح جزره كان يضع الحديث وقال بعض المخذولين ممن أجاز الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ترغيبا وترهيبا إنما قال من كذب علي ونحن نكذب له ونقوي شرعه وجوابه أن هذا جهل منهم باللغة لأنه كذب عليه في وضع الأحكام فإن المندوب قسم منها ولأنه يتضمن الأخبار عن الله في الوعد على ذلك العمل بالاثابة والاخبار بالعقوبة المعينة ولأنه تعالى قال اليوم أكملت لكم دينكم الآية فلا يحتاج إلى زيادة لنقويته كما قالوه نسأل الله اليلامة من الخذلان وروى العقيلي باسناده إلى محمد بن سعيد كأنه الضلوب كذا في شرح الزين لألفيته بالأتيان بكلمهة الشك وفي الميزان في ترجمة محمد بن سعيد المصلوب قال أبو زرعة الدمشقي حديثا محمود بن خالد عن أبيه سمعت محمد بن سعيد يقول لا بأس إذا كان كلاما حسنا إن يضع له إسنادا قال الذهبي إتهم بالزندقة فصلب وفي نكت البقاعي قال عن عبد الله إبن أحمد أبيه أنه قتله أبو جعفر على الزندقة حديثه حديث موضوع قلت مثل هذا لايخفي جوابه فإن الكذب على الله وعلى رسوله بالجملة معلوم تحريمه من الدين ضرورة فإن القرآن مملوء بذلك ففي حقه تعالى والسنة في حق رسوله صلى الله عليه وسلم ولأن الافتراء على الرسل(2/65)
إفتراء على الله هذا
86 بالنسبة إلى الجملة وبالنسبة إغلى الترغيب والترهيب معلوم تحريمه بالاستدلال بمجموع الكتاب والسنة والاجماع المعلوم قبل حدوث هؤلاء الزاعمين جوازه فإن تكرر تلك العمومات القرآنية مثل ومن أظلم ممن إفترى على الله الكذب ونحو من كذب على متعمدا والظواهر عطف عام على خاص أو تفسيرى من غير التفات من أحد من العلماء إلى تخصيص على طول الأزمان يؤثر في نفس المتأمل القطع على عدم هذا التخصيص ومستند القطع بعد النظر التام والتأمل ضرورى حاصل من مجموع تلك الأمور مع القرائن وقد ذكر الامام فخر الدين الرازى المعروف بابن الخطيب صاحب مفاتيح الغيب وغيره في المحصول كتابه الذي ألفه في أصول الفقه أن العلم بمقصود المتكلم من ألفاظه إنما يحصل بالقرائن التي تحفه وذلك لأن أصرح الألفاظ النص وهو محتمل إن ورد في أمور التحريم للنسخ وإن كان إحتمالا مرجوجا وفيها أى ألفاظ النص محتمل وفي غيرها لأمور كثيرة من التجوز والأشتراك والإضمار والتخصيص وغير ذلك حتى إن الأسم العلم الذي هو أبلغ نص في مسماه يحتمل التجوز فإنك إذا قلت جاء زيد إحتمل أنك تريد غلام زيد وغاية ما يقول المستدل بالنصوص أن هذه الأمور المذكورة بالإحتمال منتفية عن النص لكن دليله على ذلك الإنتقاء عدم الوجدان وهو ظنى وحينئذ فلا يحصل علم ضرورى عن النصوص فأجاب عن هذا الإيراد بالتزامه وأن النص من حيث هو نص لا يفيد إلا الظن ولكن قد يحصل العلم منه بأنا قد نعلم بعض المقاصد من الألفا ظ بالضروة الصادرة عن القرائن التى لا ترفع بالشك فيتم حينئذ ما ادعاه الصنف من أنه قد يحصل القطع من تلك الأمور مع القرائن قلت وما نزل عن مرتبة العلم من المطالب فليس علينا تكاليف في رفعه إليها إلى مرتبة العلم بل نقف حيث وقف الدليل من إفادة علم أو ظن ومثال ذلك أي مثال ما يحتمل غير المراد وتبين المراد فيه القرائن وتصيره قطعيا قوله تعالى(2/66)
87 فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فإنا نعلم مع احتماله للإباحة بالقرآئن أن هذا تمهيد لا إباحة وإن كان لفظه يحتمل الإباحة ثم أخذ في الرد على بعض الكرامية ورد دليلهم بقله نقول للكرامة لو جاز لنا أن نكذب في الترغيب والترهيب نصرة للدين كما قلتم لجاز للنبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وتجويز مثل ذلك عليه كفر بالإجماع القطعي قلت لعله يقال أما على رأي من يجيز التفويض إليه صلى الله عليه وسلم فلا يتصور الكذب في حقه فلا يتم الإيراد فما أدى فهو كفر باطل قطعا وقد أدى إليه مذهبهم وذلك يؤدي إلى الشك في الجنة والنار أيضا لجواز الكذب في الأخبار بهما وإنما ذكرهما ترغيبا وترهيبا إلا أنه قد يقال فد ثبت الأخبار بهما بالنصوص القرآنية والكلام في الأخبار النبوية إذ لا نزاع أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى إلا أنه يقال تجويز الكذب عليه صلى الله عليه وسلم يلزم منه جواز أن القرآن من كلامه وهذا خروج عن الإسلام وليس هذا موضع بسط للرد عليهم لكن هذه فائدة على قدر هذا المختصر قال زين الدين وحكى القرطبي بضم القاف نسبة إلى قرطبة مدينة بالأندلس في المفهم بزنة اسم الفاعل شرح على مسلم عن بعض أهل الرأي هم عند الإطلاق مراد بهم الحنفية إ ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزي ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء بإسناده إلى عبد الله بن يزيد المقري أن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته وتاب عنها فجعل يقول انظروا إلى هذا الحديث عمن تأخذونه فإناكنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا قلت لعل من جملة بدعة هذا الرجل يقول بجواز الكذب في نصرة ما اعتقده حقا إذ ليس كل صاحب بدعة كذلك أي يقول بجواز الكذب لنصرة مذهبه وأما الكذب فيشترك في ارتكابه المبتدع ولامحق وكذلك الصدق مشترك في وقوعه منهما فكم من صحيح العقيدة فاسق كذاب إذ لا ملازمة بين صحة العقيدة وعدم الفسق والكذب(2/67)
88 ومن مبتدع ناسك أواب لعدم التلازم أيضا بين الأمرين نسأل الله التوفيق للسلامة من كلاهاتين المعصيتين فائدة في حكم تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم والجمهور على أن تعمد الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كبيرة لأنه قد صدق عليها رسم الكبيرة بأنه ما توعد عليه بالعقاب وقال الجويني إنها أي هذه الكبيرة كفر ويدل على قوله قول الله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون فسوى الآية بين الكذب على الله وتكذيبه ولا شك أ تكذيبه كفر وأن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كالكذب على الله تعالى واستنكر الرب تعالى حيث أتى بالاستفهام الأنكاري أن يكون ذنب أي ظلم أعظم من ذلك قال الجويني ولأنه قد يكذب من يكذب على الله أو رسوله ما يرفع الحكم الضروري وذلك على الصحيح من القولين في نسخ المتواتر الذي أفاد الضرورة بالآحاد الذي فرض وضع الراوي له ورفع الضروري كفر لأنه تكذيب للشارع وهو كفر ولأن الكذب في الشريعة يدل على الإستهانة بها ضرورة والله أعلم وهذا من المصنف تقوية لكلام الحموي قال زين الدين ومن أقسام الموضوع ما لم يقصده وضعه وإنما وهم فيه بعض الرواة فسماه موضوعا قال ابن الصلاح إنه شبه الوضع من حيث إنه ليس بحديث في إرادة قائله ولا واضعه مثل حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار رواه ابن ماجه من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي كما في شرح الزين عن ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا قال الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله دخل ثابت على شريك والمستملي بين يديه بين يدي شريك وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر(2/68)
89 شريك المتن أي متن السنذ الذي ساقه فلما نظر شيرك إلى ثابت بن موسى عند دخوله عليه وفراغه من إملاء السند قال شريك يخاطب ثابتا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وإنما أراد شريك بقوله من كثرت صلاته ألخ ثابتا لزهده وورعه فأعرض عن ذكر متن ما ساق سنده إلى وصف ثابت بكثرة صلاته بالليل وحسن وجهه بالنهار فظن ثابت أنه أي شريكا روى هذا الحديث إلى آخر الكلام مرفوعا بهذا الإسناد ولا عجب من ظن ثابت لأن شبهته في ظنه قوية فإن شريك عقب قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من كثرت صلاته إلخ فكان ثابت يحدث عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال ابن حبان وهذا قول شريك قاله عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم فأدرجه ثابت في الخبر ثم سرقه منه جماعة ضعفاء فحدثوا به عن شريك فعلى هذا هو من أقسام المدرج قاله زين الدين ونحو هذه القصة ما قاله محمد بن عبد الله بن نمير لفظ الزين قال أبو حاتم الرازي كتبته عن ثابت فذكرته لابن نمير فقال الشيخ يعنى ثابتا لا بأس به والحديث منكر قال ابن عدي بلغنا عن محمد ابن عبد الله بن نمير أنه ذكر له هذا الحديث عن ثابت فقال باطل شبه على ثابت وذكر أن شريكا كان مزاحا وكان ثابت رجلا صالحا فيشبه أن يكون ثابت دخل على شريك وكان شريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فالتفت فرأي ثابتا فقال يمازحه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فظن ثابت لغفلته أن هذا الكلام حديث ذكر هذا الذهبي في الميزان وقال ابن عدي إنه أي من كثرت صلاته إلخ حديث منكر لا يعرف إلا بثابت وسرقه منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحر في الميزان أنه بصري روى عن مالك قال ابن حبان كان يسرق الحديث وكذا قال ابن عدي(2/69)
90 وعبد الله بن شبرمة الشريكي وليس هوابن شبرمة الفقيه فقد غلط من اعترض وقال ابن شبرمة ثقة فقيه وقال البقاعي لم أر له ذكرا أي لعبد الله بن شبرمة مع الفحص عنه وأظنه عبد الله بن شبيب الربعي تصحف على النقلة وكنيته أبو سعيد وهو أخباري علامة قال شيخنا في لسان الميزان يروى عن أصحاب مالك وآخر من حدث عنه المحاملي وأبو روق الهزاهزي لكنه واه بمرة واسحق بن بشر الكاهلي في الميزان إنه كذبه على بن المديني وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه إلا للتعجب وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسي في لسان الميزان إنه ابن عطاء الدمياطي البلقاوي الرملي المقدسي أبو طاهر روى عن مالك وشريك قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث قال أي ابن عدي وحدثنا به بعض الضعفاء عن رحمويه بالراء والحاء المهملتين في نسخ التنقيح وفي شرح الزين حمويه بدون راء ولم أجده في الميزان وإنما وجدنا فيه حمويه بن حسين وفي نكت البقاعي أن رحمويه اسمه زكرياء بن صبيح بالفتح الواسطي أحد الثقات ورحمويه لقب وكذب أي بعض الضعفاء فإن رحمويه ثقة لا يحدث بمثل ذلك وقال العقيلي إنه حديث باطل ليس له أصل ولا يتابعه أي ثابتا عليه ثقة وقال عبد الغني بن سعيد كل من حدث به عن شريك فهو غير ثقة وقال ابن معين في ثابت إنه كذاب وقال أبو حاتم وغيره ضعيف وقال أبو حاتم لا يجوز الاحتجاج بأخباره قلت وبمثل هذا حذرتك فيما مضى من اعتقاد تعمد الكذب فيمن أطلق عليه بعض المحدثين أنه كذاب فهذا يحيى بن معين على جلالته يطلق ذلك على ثابت الورع الزاهد ولم يتعمد ثابت شيئا من ذلك أي من الكذب بل ولم يظهر منه كثرة الخطأ قلت أخرج له النسائي لا غيره قال في الميزان عن ابن عدي إنه تفرد ثابت عن شريك بخبرين منكرين ثم ذكرهما أحدهما هذا الحديث الذي نحن بصدده ثم ذكر الثاني ثم قال ولثابت ثلاثة أحاديث معروفة وساقها في الميزان فهذا مراد(2/70)
91 المصنف من عدم كثرة الخطأة ولذلك وثقة مطين بضم الميم فطاء مهملة فمثناة تحتية فنون هو الحافظ الكبير أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الخضرمي الكوفي قال الذهبي في التذكرة كان من أوعية العلم وذكر له مؤلفات وقال الدار قطني ثقة جبل انتهى قلت لكن إذا تعارض كلامه وكلام يحيى بن معين فيرجح كلام يحيى لأنه أفقه بمعرفة الرجال باتفاق الحافظ ولمرجح آخر هو تقديم الجرح والصورة التي حكاها الحاكم محمد بن عبد الله بن نمير مما يوضح أن ثابتا رحمه الله معذور في الوهم فإنه سمع شريكا يسند حتى انتهى إلى جابر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم الحديث تمامه إذا نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشطا طيب النفس إلا أصبح خبيث النفس كسلان رواه مالك والشيخان وأبو داود وابن ماجه وقوله قافية رأس أحدكم المراد مؤخره ومنه سمي آخر بيت الشعر قافية واعلم أن الحاكم جزم بأنه دخل ثابت على شريك فسمعه يذكر السند إلى آخر ما تقدم وأما ابن نمير فلم يجزم بذلك بل قال كما نقله الذهبي في الميزان فيشبه أن يكون ثابت دخل على شريك إلى آخر ما قدمناه عنه قال ابن حبان فمن أين لثابت أن أوله من قول شريك لا سيما وقوله بعده يقعد الشيطان على قافية رأس أحدكم ملائم لأول الحديث أي الكلام الذي ظنه ثابت حديثا فإنه يتعلق بتخذيل الشيطان للإنسان عن قيام الليل الذي ذكر ما فيه من الفضيلة في أول الحديث وهي حسن وجه من كثرت صلاته بالليل فعلى هذا أي يتفرع على إطلاق يحيى على ثابت أنه كذاب مع ما عرف من حال ثابت قول المحدثين فلان كذاب من قبيل الجرح المطلق الذي لم يفسر سببه هو وصف كاشف للمطلق فيتوقف عند أطلاقه من إمام من(2/71)
92 أئمة الحديث فيمن هذه حاله أي حكال ثابت وزهده وورعه حتى يعرف السبب في إطلاق ذلك اللفظ عليه إن كان من أطلق عليه ضعيفا عمل بإطلاق ذلك اللفظ ويوثق من أطلق عليه الكذب إن كان من أطلق عليه شهيرا بالعدالة فإطلاق الكذب عليه لا يضره بل يوجب البحث عنه حتى يتبيل حاله كعمرو بن عبيد هو أبو عثمان المعتزلي البصري كان زاهدا ورعا متألها قال ابن معين لا يكتبت حديثه وقال النسائي متروك وقال أيوب ويونس يكذب وقال ابن حبان كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث فاعتزل مجلس الحسن هو وجماعة معه قسموا المعتزلة قال وكان يشئم الصحابة ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا قاله الذهبي في الميزان وأطال في ترجمته إن لم يصح أنه كان سيء الحفظ استثناء منقطع فإن سوء الحفظ لا ينافي عدالته ولذا قال وإن صح ذلك ضعف ولم يكذب فإن الكذب ينافي العدالة ولا ينافيها الضعف حتى لا يترك المعلوم من عدالته إلا بجرح مثلها في الصحة والظهور حاصله أنها إذا ثبتت فلا يرفعها إلا جرح ثابت لا محتمل ووصفهم بالكذب للمشاهير بالعدالة لا يريدون به حقيقة بل مطلق التضعيف مجازا ولذا قال ابن حبان في عمرو يكذب في الحديث وهما لا تعمدا فإن الحقيقة في الكذب الذي يقدح ما كان عن عمد أو يخرج عن العدالة أمر بين السبب متعذر التأويل وإن كان أخفى منها من العدالة شهرة وظهورا وإنما ذكرت هذا هنا وإن كان محله ما سيأتي حرصا على إظهار هذه الفائدة الجليلة وهي أن رمي الرجل الشهير بالعدالة بالكذب لا يوجب القدح فيه بل يوجب توقفا في قبوله حتى يبين سبب ضعفه وإن كان القدح بالكذب فيمن لم تعرف عدالته كان جرحا مبين السبب بأنه الكذب كما يدل له قوله فقد جرح بمثل هذا كثير من الثقات وما على الجارح إثم لأنه عمل بالظاهر ولم يعلم الباطن ولا على الغافل أيضا إثم لأنه قبل قول الثقة ولا يخفى أن هذا(2/72)
93 تخصيص للقاعدة المعروفة بأن الجارح أولى وقد صرحوا بتخصيصها ويأتي الكلام في هذا كله وقد اعترض على صاحبي الصحيحين البخاري ومسلم بروايتهما عن جماعة الثقات الرفعاء لشيء خفيف صدر عنهم من هذا القبيل فتجاسر من لا يلتفت إلى كلامه فتكلم عليهم على الرفعاء وعلى الشيخين في الإخراج عنهم وقد تقدم كلام أبي محمد بن حزم وغيره والعدالة غير العصمة ولله الحمد فلا ينافيها صدور شيء من المعاصي وفيه تأمل ولما كان الوضع دعوى تحتاج إلى معرفة لها ودال عليها قال المصنف قال زين الدين وابن الصلاح كان الأولى تقديمه إذ القول له وهو السابق
مسألة فيم يعرف به أن الحديث موضوع
ويعرف الوضع بالإقرار من واضعه وما يتنزل منزلة إقراره مثل ذلك الزين بما إذا حدث محدث عن شيخ ثم ذكر أن مولده في تاريخ يعلم تأخره عن وفاة ذلك الشيخ واعترض هذا بعين ما يأتي قريبا أنه يجوز أن يكذب في تاريخ مولده بل يجوز أن يغلط في التاريخ ويكون في نفس الأمر صادقا قال الحافظ ابن حجر الأولى أن يمثل لذلك بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح أنهم اختلفوا بحضور أحمد بن عبيد الله الجوبياري في سماع الحسن بن أبي هريرة فروى لهم حديثا بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سمع الحسن عن أبي هريرة(2/73)
94 قال ابن الصلاح وزين الدين أيضا وقد يفهمون أئمة الحديث الوضع للحديث من قرينة حال الراوي أو المروي قال الحافظ ابن حجر هذا الثاني هو الغالب وأما الأول فنادر قال ابن دقيق العيد وكثيرا ما يحكمون بذلك باعتبار يرجع إلى المروي وألفاظ الحديث وحاصله أنها حصلت لهم بكثرة محاولة ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم هيئة نفسانية وملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظه وما لا يجوز ثم مثل لقرينة حال الراوي بقصة عثمان بن ابراهيم مع المهدي وهذا أولى من التسوية بينهما فإن معرفة الوضع من قرينة حال المروي أكثر من قرينة حال الراوي ومن جملة القرائن الدالة على الوضع الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير وهذا كثير موجود في حديث القصاص والصوفية فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها اعترض على هذا بأن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى نعم أن صرح الراوي بأن هذه صيغة لفظ الحديث وكانت تخل بالفصاحة أولا وجه لها في الإعراب دل على ذلك وقد روى الخطيب وغيره عن الربيع بن خثيم التابعي الجليل بأن الحديث ضوء ا كضوء النهار يعرف وظلمة كظلمة الليل ينكر قلت ومما رد بوضعه لركاكة ألفاظه ونحوها وجزم العلماء بوصعه الكتاب الذي أبرزه يهود خيبر وزعموا أنه كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/74)
95 في إسقاط الجزية وقد ساقه بلفظه الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي وذكر أن من يعرف فصاحة ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرالتها يعرف أنه موضوع وإن كان لوضعه ادلة واضحة ذكر منها إثنى عشر وجها أحدها ما ذكر وقد استوفيت ذلك في رسالة جواب سؤال يحمد الله وقد استشكل إبن دقيق العيد الاعتماد على إقرار الراوي بالوضع لأن فبه عملا بقوله بعد إعترافه بالوضع فقال هذا كاف في رده أي الحديث ولكن ليس بقاطع في كونه موضوعا لجواز أن يكذب في هذا الاقرار بعينه فهم إبن الجزرى من كلام إبن دقيق العيد أنه لا يعمل بذلك الاقرار أصلا لاقطعا ولا ظناورد هذا الفهم الحافظ إبن حجر فقال كلام إبن دقيق العيد ظاهر في أنه لايستشكل الحكم بالوضع لأن الأحكام لايشترط فيها القطعيات ولم يقل أحد إنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار لأن إقرار الواضع بأنه وضع يقتضي موجب الحكم العمل بقوله وإنما نفى إبن دقيق العيد القطع يكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه فقط ولم يتعرض لتعليل ذلك ولم يقل إنه لا يلزم العمل بقوله بعد إعترافه لأنه لا مانع من يعمل بذلك لأن إعترافه بذلك يوجب ثبوت فسقه وثبوت فسقه لا يمنع العمل باقراره كالقاتل مثلا إذا إعترف بالقتل عمدا من غير تأويل فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك نقتله عملا بموجب إقراره مع إحتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الأقرار بعينه ولذلك حكم الفقهاء علىمن أقر أنه شهد الزور بمقتضى إقراره مع إعترافه وهذا كله مع إعترافه المجرد أما إذا إانضم إلى ذلك قرائن تقتضى صدقه في ذلك الاقرار كمن روى عن مالك عن نافع عنإبن عمر حديث الأعمال بالنيات فلا نقطع أنه ليس من رواية مالك ولا نافع ولا إبن عمر مع ترددنا في كون الراوي له هذه الصفة كذب أو غلط فإذا أقر غلط لم نرتب في ذل قال الحافظ ابن حجر في نكته علىابن الصلاح بعد سرده لما ذكر ما لفظه(2/75)
96 تنييه أخل المصنف بذكر أشياء ذكرها غيره مما تدل على الوضع من غير إقرارالواضع منها جعل الأصوليين من دلائل الوضع أن يخالف العقل ولا يقبل تأويلا بحال لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل وقد حكى الخطيب هذا في أول كتابه الكفاية تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأقره فإنه قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام ما تعرف صحته وما يعلم فساده وما يتردد بينهما ومثل الثاني بما يدفع العقل صحته بموضوعها والأدلة المنصوصة فيها نحو الأخبار عن قدم الأجسام وما أشبه ذلك ويلحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالخبر بالجمع بين الضدين كقول الإنسان أنا الآن طائر في الهواء ومكة لا وجود لها ومنها أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحاج عن البيت ثم لا ينقله منهم إلا واحد لأن العادة جارية بتظاهر الأخبار في مثل ذلك قلت ويمثله الأصوليون بقتل الخطيب على المنبر ولا ينقله إلا واحد من الحاضرين ومنها ما يصرح بتكذيب روايته جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب وتقليد بعضهم بعضا ومنها أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي ومنها أن يكون فيما يلزم المكلفين علمه وقطع العذر فيه فينفرد به واحد وفي تقييدنا السنة بالمتواترة احتراز عن غر المتواترة فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفة مطلقا وأكثر من ذلك الجوزقاني في كتاب الأباطيل وهذا إنما يأتي حيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه أما مع إمكان الجمع فلا كما زعم بعضهم أن الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة لايؤمن عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم موضوع لأنه(2/76)
97 قدصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب وغير ذلك لأنا نقول يمكن حمله على مالم يشرع للمصلي من الأدعية لأن الإمام والمأموم يشتركان فيه بخلاف مالم يؤثر وكما زعم ابن حبان في صحيحه أن قوله صلى الله عليه وسلم إني لست كأحدكم أطعم وأسقى جال على أن الأخبار التي فيها أنه كان صلى الله عليه وسلم يضع الحجر على بطنه من الجوع باطلة وقد رد عليه ذلك الحافظ ضياء الدين فشفى وكفى ومنها ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي أن الخبر إذا روى في زمن قد استقرت فيه الأخبار فإذا فتش عنه لم يوجد في بطون الأسفار ولا في صدور الرجال علم بطلانه فأما في عصر الصحابة حين لم تكن الأخبار قد استقرت فإنه يجوز أنه يروى أحدهم مالم يوجد عند غيره قال العلائي وهذا إنما تقوم به الحجة بتفتيش الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو بمعظمه كالإمام أحمد وابن المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة ومن دونهم كالنسائي ثم الدار قطني لأن المأخذ الذي يحكم به غالبا على الحديث أنه موضوع إنما هي الملكة النفسانية الناشئة عن جمع الطرق والإطلاع على غالب المروي في البلدان المتباينة بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي لعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع هذا مما يأباه تصرفهم انتهى
98 مسألة في المقلوب وأنواعه وحكمه
من علوم الحديث معرفة المقلوب هو من أقسام الضعيف وهو قسمان هكذا قاله زين الدين ولكن المصنف سيأتي له قسم ثالث سنذكر وجهه
99 أحدهما أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل في مكانه راو آخر في طبقته ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه كحديث مشهور روايته بسالم بن عبد الله يجعل(2/77)
100 مكانه نافع مولى عبد الله ونحو ذلك وممن كان يفعل ذلك من الوضاعين حماد بن عمرو النصيبي نسبة إلى نصيبين بالمهملة تثنية نصيب في القاموس
101 أنها بلدة قاعدة ديار ربيعة النسبة إليها نصيبيني قال في الميزان إنه قال الجوزقاني كان يكذب وقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك وقال ابن حبان كان يضع الحديث وضعا انتهى قال الزين مثاله حديث رواه عمرو ابن خالد الحراني عن حماد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤهم بالسلام الحديث فهذا حديث مقلوب قلبه حماد بن عمرو أحد المتروكين فجعله عن الأعمش وإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة(2/78)
102 هكذا رواه مسلم في صحيحه من رواية شعبة والثوري وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي كلهم عن سهيل قال أبو جعفر العقيلي لا نعرف هذا من حديث الأعمش إنما هو من حديث سهيل بن أبي صالح وإسماعيل ابن أبي حية بالحاء المهملة ومثناة تحتية اليسع لم يذكره الذهبي في الميزان ولا الحافظ في التقريب وفي نكت البقاعي قال البخاري منكر الحديث وقال ابن المديني ليس بشيء وقال ابن حبان روى عن جعفر وهشام مناكيره يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها قاله في لسان الميزان وبهلول بن عبيد الكندي في الميزان قال أبو حاتم ضعيف الحديث ذاهب وقال أبو زرعة ليس بشيء وقال ابن حبان يسرق الحديث وساق له أحاديث منها حدثنا المنجنيقي ثنا الحسن ابن قزعة حدثنا بهلول قال سمعت سلمة بن كهيل عن ابن عمر مرفوعا ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم الحديث وقد ساق له ابن حسان هذا المتن فقال عن سلمة عن نافع عن ابن عمر ثم قال ولا يعرف هذا إلا من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر القسم الثاني من قسمي المقلوب أن يؤخذ بالخاء المعجمة والذال كذلك إسناد متن فيجعل على متن آخر و يؤخذ متن هذا فيجعل بأسناد آخر وهذا القسم من المقلوب قد يقصد به الأغراب أيضا كما يقصد بالقسم الأول فيكون ذلك باعتبار القصد كالوضع وقد يفعل ذلك في الإسناد والمتن اختبارا من فاعله للحفظ من سامعه وهذا الاختبار يفعله أهل الحديث كثيرا وفي جوازه نظر لما يترتب عليه من تغليط السامع ويشمله حديث النهي عن الأغلوطات إلا أنه إذا عله أهل الحديث لم يستقر حديثا وقد يقصدون بذلك اختبار المحدث هل يقبل التلقين وممن فعل ذلك يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين بحضرة أحمد بن حنبل روى الخطيب من طريق أحمد بن منصور الروباذي قال خرجت مع أحمد ويحيى بن معين إلى عبد الرزاقق(2/79)
103 فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل أريد أن أمتحن أبا نعيم فنهاه أحمد فلم ينته فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على كل عشرة أحاديث حديثا ليس من حديثه ثم أتينا أبا نعيم فخرج إلينا فجلس على دكان حذاء بابه وأقعد أحمد عن يمينه ويحيى عن يساره وجلست أسفل فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث وهو ساكت ثم الحادي عشر فقال أبو نعيم ليس هذا من حديثي فاضرب ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني فقال وهذا أيضا ليس من حديثي فاضرب عليه ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ الثالث فتغير أبو نعيم ثم قبض على ذراع أحمد ثم قال أما هذا فورعه يمنعه عن هذا وأما هذا وأمأ إلى فأصغر من أن يعمل هذا ولكن هذا من عملك يا فاعل ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين حتى قلبه عن الدكان ثم قام فدخل داره فقال له أحمد ألم أنهك عن هذا وأقل لك إنه ثبت فقال يحيى هذه الرفسة أحب إلي من سفري انتهى وممن فعل ذلك شعبة وحماد بن سلمة إمامان من أئمة هذا الشأن ذكرهما في التذكرة وأنكر حرمي بمهملتين فمثناة تحتية بعد الميم هو أبو عمارة بن أبي حفص أخذ عنه ابن المديني وبندار وغيرهما قال ابن معين صدوق ولكن فيه غفلة على شعبة لما حدثه أي حدث حرمي بهز بموحدة فهاء ساكنة فزاي ابن أسد إمام حافظ أن شعبة قلب أحاديث علي أبان بن أبي عياش هذا هو المحدث به فقال حرمي يابئس ما صنع أي شعبة وهذا أي قلب الأحاديث متنا وإسنادا يخل بفهم السامع وحمل له على الغلط وهذا هو سبب الإنكار منه على شعبة وكان حرمي يرى تحريم ذلك ومما فعله أهل الحديث من التقليب للإختبار قصتهم مع البخاري لإختباره ببغداد وهي مشهورة أخرجها ابن عدي في مشايخ البخاري وأخرجها أبو بكر الخطيب في التاريخ في غير موضع وساقها الحافظ ابن حجر في نكته على ابن(2/80)
104 الصلاح بإسناده إلى أن قال سمعت أحمد بن عدي يقول سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ثم دفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث وأمر وهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خرسان وغيرهم من البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله ابتدر إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فما زال يلقي إليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه فكان الفقهاء في المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن فيهم من غير أولئك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة فسألة عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري لا أعرفه ثم سأله عن آخر فقال لا أعرفه فلم يزل يلقي إليه واحدا بعد واحد فلما فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم البخاري أنه قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فهو كذا وأما حديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أنى على العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك رد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر الناس له بالحفظ وأدعنوا له بالفضل قال الحافظ ابن حجر سمعت شيخنا يريد به الحافظ العراقي غير مرة يقول ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لا تساع(2/81)
105 معرفته وإنما نتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة قال الحافظ ابن حجر وممن امتحنه تلاميذه بذلك محمد بن عجلان روينا في المحدث الفاضل لأبي محمد الزامهرمزي ثنا عبد الله بن القاسم بن نصر ثنا خلف بن سالم ثنا يحيى بن سعيد القطان قدمت الكوفة وفيها محمد بن عجلان وفيها ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح وفيها وكيع وحفص بن غياث ويوسف بن خالد السمتي فكنا نأتي محمد بن عجلان فقال يوسف السمتي هل نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه قال ففعلوا فما كان عن سعيد جعلوه عن أبيه وما كان عن أبيه جعلوه عن سعيد قال يحيى فقلت لهم لا أستحل هذا فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر فيه فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ فقال أعد فعرض عليه فقال ماكان عن أبي فهو عن سعيد وما كان عن سعيد فهو عن أبي ثم أقبل على يوسف فقال أن كنت أردت سبتي وعيبي فسلبك الله الإسلام وقال لحفص ابتلاك الله في يديك وقال لمليح لا ينفعك الله بعلمك قال يحيى فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه وابتلى حفص في يديه بالفالج وفي دينه بالقضاء ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة القسم الثالث من أقسام المقلوب إلا أنه غير خاف عليك أن المصنف قسم المقلوب إلى قسمين في أول بحثه وتبع في هذا زين الدين فإنه قال في نظمه وقسموا المقلوب قسمين إلى ما كان مشهورا براو أبدلا ثم ذكر ما ذكره المصنف من القسمين ثم قال زين الدين ومن أقسام المقلوب ما انقلب على راويه ولم يقصد قلبه وذكر زين الدين مثاله فقال مثاله ما رواه جرير بن حازم عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني فهذا انقلب إسناده على جرير بن حازم وهذا الحديث مشهور ليحيى بن(2/82)
106 أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذارواه الأئمة الخمسة من طرق عن يحيى وهو عند مسلم والنسائي من رواية حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحييى وجرير إنما سمعه من حجاج بن أبي عثمان الصواف فانقلب عليه وقد بين ذلك حماد بن زيد فيما رواه أبو داود في المراسيل عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن حماد بن زيد قال كنت أنا وجرير بن حازم عند ثابت البناني فحدث حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلىالله عليه وسلم فذكره فظن جرير أنه إنما حدث به ثابت عن أنس وهكذا قال اسحق ابن عيسى الطباع حدثنا جرير بن حازم بهذا فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال وهم أبو نصر يعني جرير بن حازم إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني فذكر ما تقدم انتهى نوع آخر من المقلوب أي هذا وهو ما انقلب متنه على بعض الرواة كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة في السبعة الذي يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قال فيهم ورجل تصدق بصدقة فأخذها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله وإنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه كما أخرجه البخاري ومسلم معا في إحدى روايتيه في هذا الحديث ولأن المعروف عادة أن اليمين هي المنفقة وهذان هما الدليل على القلب إلا أنه قال الحافظ ابن حجر إن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان الإنفاق باليمين يستلزم إظهار الصدقة فإن الإنفاق بالشمال والحال هذا يكون أفضل من الإنفاق باليمين قلت ليس الكلام في الأفضلية بل في كون الحديث مقلوبا مخالفا للمعروف من الرواية المنفق عليها ومن العادة في الإنفاق ومثل ما أخرج البخاري عطفا على قوله كما أخرج من حديث أبي هريرة في محاجة الجنة والنار في تفسير قوله تعالى هل من مزيد وأما النار فينشي الله لها من يشاء وأما الجنة فلا يظلم ربك أحدا(2/83)
107 والإنشاء إنما هو للجنة لا للنار انقلب هذا على بعض الرواة وإنما هو وأما الجنة فينشيء الله لها من يشاء وأما النار فلا يظلم ربك أحدا وكذلك أي بهذا اللفظ الذي لا انقلاب فيه خرجاه الشيخان جميعا من حديث أبي هريرة هذا من غير طريق أي من طرق كثيرة وخرجاه كذلك غير مقلوب من حديث أنس من غير اختلاف كما وقع في الأول وكذلك قال الله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ومن ينشئه للنار يعذبه من غير بعثة رسول إليه ولا تكليف ولا يجوز عليه لقوله ولا يظلم ربك أحدا فهو من أدلة الأنقلاب وهي سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولما ذكر ابن الصلاح بعد فراغه من أقسام الضعيف أمورا مهمة وقد نظمها الزين في ألفيته فأشار المصنف إليها بقوله تنبيهات الأول إذا وقف أحد على إسناد ضعيف لم يكن له أن يحكم بضعف الحديث بل يحكم بضعف الإسناد يعني إذا وجدت حديثا بإسناد ضعيف فليس لك أن تقول الحديث أي متنه ضعيف بل تحكم بضعف الإسناد وعبارة زين الدين وإن تجد متنا ضعيف السند فقل ضعيف أيبهذا فاقصد(2/84)
108 وعبارة المصنف توهم اه لا يحكم به بضعف المتن أصلا وليس كذلك بل تحكم به مقيدا بذلك الإسناد وإنما لا نحكم مطلقا لجواز أنه قد رواه إمام بإسناد صحيح ثبت بمثله الحديث ولكنه قال الحافظ ابن حجر إذا بلغ الحافظ للتأهل الجهد وبذل الوسع في التفتيش عن ذلك المتن من مظظانه فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة فما المانع من الحكم بالضعف بناء على غلبة الظن انتهى ولا يتم قول المصنف ويقف في تضعيف الحديث على نص إمام على أنه ضعيف لا يصح له إسناد ولك أن تقول مراده بقوله إذا وقف أحد أي ممن ليس له أهلية البحث والتفتيش لا غيره فيوافق كلام ابن حجر ويدله ما يأتي من قوله ومن وقف غلخ ويبين أي الإمام الذي ضعف الحديث سبب التضعيف فإن لم يبين ففيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى هكذا قاله ابن الصلاح وأراد بالذي يأتي ما ذكره في النوع الثالث والعشرين في آخر فائدة ذكرها فيه والمصنف أراد بالذي يأتي له في أثناء مسألة من تقبل روايته وهو أن الجرح لا يقبل إلا مبين السبب ومن وقف على كتب الحافظ الذي يحصرون فيها طرق الحديث كلها وتمكن مما تمكن منه أهل الفن فله أن يحكم بمالهم أن يحكموا به وكذا إذا وجد كلام إمام من إئمة الحديث وقد جزم بأن فلانا انفرد به وعرف المتأخر أن فلانا المذكور قد ضعف بتضعيف قادح فما الذي يمنعه من الحكم بأن الحديث ضعيف الثاني من التنبيهات إذا أراد أحد أن يكتب حديث ضعيفا لم
109 يكتبه بصيغة الجزم وليكتبه بصيغة التمريض من نحو روي أو البلوغ أو نحو ذلك مثل ورد وجاء ونقل بعضهم الثالث منها لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع البيان في أي نوع كان وقد مر ذلك هذا في الموضوع وأما غير الموضوع كالأحاديث الواهية فجوزوا(2/85)
111 أى أئمة الحديث التسلهل فيه وروايته من غير بيان لضعفه إذا كان واردا في غير الأحكام وذلك كافضائل والقصص والوعظ وسائر فنون الترغيب والترهيب قلت وكأنهم يعنون باالأحكام الحلال والحرام وإلا الندب من الأحكام والترهيب وفضائل الأعمال ترد بما يفيده والعقائد كصفات الله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه ونحو ذلك فلم يروا التساهل فيه وممن نص على ذلك من الحفاظ عبد الرحمن بن مهدي وأحمدبن حنبل وعبد الله بن المبلرك وغيرهم وكأنهم يقولون الأصل براءة الذمة منأحكام الحلال والحرام فلا تثبت إلا بدليل صحيح فلا يتساهل في طرقه وكذلك صفات الله فانه جناب رفيع لا يثبت إلا بدليل صحيح لما فيه من الخطر بخلاف الترغيب والترهيب وفضائل الأعمل فالأمر فيها أخف وقد عقد ابن عدى في مقدمة كتابه الكامل و
112 أبو بكر الخطيب في الكفاية بابا في ذلك إلا إنه لا يخفي أن المصنف رحمه الله أهمل الأدلة في هذه التنبيهات كلهاكما أهملها ابن الصلاح والزين رحمهم الله أجمعين
114 مسألة في بيان من تقبل روايته ومن ترد روايته
من علوم الحديث معرفة المحدث من تقبل روايته من ترد روايته وذلك بمعرفة شرائط الرواة الذي في كتب أئمة الزيدية في الأصول أنه يشترط في قبول رواية الراوى أربعة شروط الأول أن يكون بالغا وكل على أصله فيما يحصل به البلوغ وهذا شرط للأداء للتحمل إجماعا الثاني
115 أن يكون عاقلا فلا تقبل رواية المجنون وهذا لا بد منه في حال الأداء والتحمل الثالث أن يكون مسلما فلا تقبل رواية الكافر وهذا شرط للأداء ويجوز(2/86)
116 أن يكون تحمل ما رواه وهو كافر الرابع أن يكون عدلا مستورا وسيأتي تفسير العدالة والتحقيق أنها تغني عن الشرائط لتضمنها إياها فلا يقبل المجهول في أحد احتمال أبي طالب من غير ترجيح لأحدهما في المجزئ كتابه في أصول الفقه ومرجوح احتمالية في أصول الفقه له كأن له كتابا في أصول الفقه غير المجزئ وإلا فالمجزئ فيها أيضا وأحد قولي المنصور بالله وهو المنصوص له في الصفوة أي صفوة الإختيار كتاب له في أصول الفقه وأما الفقيه عبد الله بن زيد العنسي فقال في الدرر كتابه في أصول الفقه المذهب أي للزيدية قبوله أي المستور في الرواية وهو ظاهر كلام المنصور بالله عليه السلام في كتابه هداية المسترشدين فكان مرجوحا في أحد احتمالية في الصفوة وظاهرا في كتابه الآخر وهو مذهب الحنفية وهو أي قبول المستور يلزم من يقبل مراسيلهم أي الحنفية لأن فيها المستور إذ مذهبهم قبوله والخامس من الشرط في قبول الرواية أن يكون الراوي ضابطا لما يرويه إلا أنه تقدم له أن الذي في كتب الزيدية أربعة شروط فهذا الخامس على رأي غيرهم إلا أنه لا يخفى أنه لا بد منه وقد مر جوابه وقد تقدم تفصيل كلام أصحابنا في ذلك أول الكتاب عبارة مشهورة تقدمت للمصنف وهو يناسب من يتمذهب بمذهب معين وينتسب إليه لا من طريقة الإنصاف وعدم التعبد برأي الأسلاف كالمصنف القائل في أبياته الدالية والكل إخوان ودين واحد كل مصيب في الفروع ومهتدي أول الكتاب حيث قال ولا بد من اشتراط الضبط وقال إنه إذا استوى خطاؤه وصوابه فهو مردود عند الأصوليين وقال المنصور بالله وعبد الله ابن زيد إنه يقبل وطريق قبوله الاجتهاد وتقدم ما فيه كأنه لمخالفته الزيدية لهذا لم يثبت لهم هنا شرطية الضبط وقال ابن الصلاح أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن(2/87)
117 يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه ثم فصل شروط العدالة والضبط وفسر العدالة بخمسة أشياء البلوغ والعقل والسلامة من الفسق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة والسلامة أيضا مما يخرم المروة وكأنه وقع سقط في نسخة المصنف فإنه فاته الخامس وهو الإسلام وعبارة ابن الصلاح وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه فإن كان محدثا بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني انتهى ولا أدري لماذا حذف المصنف بقية شروط العدالة فإنه لم يأت بعبارة ابن الصلاح بلفظها ولم تلم عبارته بمعناها وقد سبقه الزين في الألفية وشرحها ويرد عليه ما ورد على المصنف ثم اعلم أنه أجمل ابن الصلاح أسباب الفسق فبينها المصنف بقوله بارتكاب الكبيرة والإصرار على الصغيرة وهاهنا عد أئمة الأصول الكبائر وبينوا الخلاف في حقيقتها
118 فائدة فسر الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها العدالة بقوله والمراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة انتهى وفسر المروة وضبطها ملا على قارئ في حاشيته بقوله والمروءة بضم الميم والراء بعدها واو ساكنة ثم همزة وقد تبدل وتدغم وهو كمال الإنسان من صدق الإنسان واحتمال عثرات الإخوان وبذل الإحسان إلى أهل الزمان وكف الأذى عن الجيران وقيل المروءة التخلق بأخلاق أمثاله وأرانه ولداته في لبسه ومشيه وحركاته وسكناته وسائر صفاته وفي المفاتيح خوارم المروة كالدباغة والحياكة والحجامة ممن لا يليق به من غير ضرورة وكالبول في الطريقة وصحية الأرذال واللعب بالحمام ونحو ومجملها الاحتراز عما يذم به عرفا انتهى(2/88)
119 واعلم أ قد بحثنا في هذا الرسم في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر وبينا فساده وحققنا الحق في حقيقتها وكذلك في حاشيتنا منحة الغفار على ضوء النهار وبينا أن هذا الرسم لا دليل عليه وأنه لا يتم الرسم إلا في حق المعصومين وفي قوله وصدق اللسان قد دخل هذا الشرط في قيد اجتناب الكبائر وقوله وكف الأذى عن الجيران لا وجه لتقييده بذلك وإنما قاده إليه السجع ولو قال وكف الأذى عن أهل الإيمان لعم ذلك مع وفاء العبارة بالمراد على أنه قد دخل كف الأذى في اجتناب الكبائر لورود الوعيد عليه بقوله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإنما مبينا وفسر أي ابن الصلاح الحفظ المأخوذ في رسم العدل بما يرجع إلى موافقة الحفاظ أهل الإتقان إلا النادر الذي لا يخلو عنه أحد فإنه وقع النسيان لسيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم وعلى حسب موافقته لهم يعرف حفظه لفظ ابن الصلاح يعرف كون الراوي ضابطا بأن تعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط والإتقان فإن وجدنا روايته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتههم وفي الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه حافظا ثبا وفي النخبة وشرحها إنما الضبط ضبطان ضبط صدر أي إتقان قلب وحفظه وهو أي ضبط الصدر أن يثبت الراوي في صدره ما سمعه بحيث يتمكن(2/89)
120 من استحضاره متى شاء وضبط كتاب وهو صيانته لديه منذ سمعه فيه وصححه إلى أن يؤدي منه انتهى وبه تعرف أن تفسير ابن الصلاح إنما هو لأحد قسمي الضبط واعلم أن قدمنا لك أنهم اختاروا في رسم الصحيح أن يكون راويه تام الضبط كما قال في النخبة عدل تام الضبط وتبعه المصنف في مختصره كما قدمنا لفظه وفي شرح فلنخبة وقيد بالتمام إشارة إلى الرتبة العليا في ذلك قال ملا على والمعنى أنه لا يكفي في الصحيح لذاته بمسمى الضبط على ما هو المعتبر في الحسن لذاته وكذا في الصحيح لغيره يكتفي بمجرد الضبط انتهى ولا يخفي أن هذا في ضبط الصدر قال ملا على وأما ضبط الكتاب فالظاهر أن كله تام لا يتصور فيه النقصان ولهذا لا يقسم الحديث باعتباره وإن كان يختلف ضبط الكتاب بإختلاف الكتاب قلت وغير خاف عليك أن كلامهم هنا في شروط من تقبل روايته أعم من أن يكون حديثه صحيحا لذاته أو لغيره أو حسنا فلذا تركوا التقييد هنا بالتمام ليعم ولما كانت العدالة صفة للراوي لا تعرف بمجرد إيمانه افترقت إلى معرف لها فقال المصنف قال أي اين الصلاح والصحيح أن التعديل يثبت بواحد(2/90)
121 ولو امرأة على الصحيح واستدل ابن الصلاح لما جزم به بقوله لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه ولا تعديله بخلاف الشهادات انتهى قلت وفي المسألة ثلاثة أقوال الأول أنه لا يقبل في التزكية إلا رجلان في رواية وشهادة حكاه القاضي أبو بكر والباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم الثاني أنه يكفي واحد فيهما وهو اختيار القاضي أبي بكر فإنه قال والذي يوجب القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضى ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا لشاهد ومخبر الثالث التفصيل فيكفي في الرواية تزكية العدل ولا بد م اثنين في الشهادة ورجحه الإمام فخر الدين والسيف الآمدي وأقربها به أوسطها لأن التزكية من باب الأخبار ولا يشترط العدد في قبول رواية العدل وقوله على الصحيح يتعلق بقوله ولو امرأة لأنه قد اختلف في تعديل المرأة فحكى القاضي أبو بكر عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنها لا تقبل النساء في التزكية لا في رواية ولا في شهادة وقيل تقبل مطلقا
122 فيهما قاله صاحب المحصول واختار القاضي ذلك إلا أنه قال لا تقبل تزكيتها في الحكم الذي لا تقبل شهادتها فيه قال الخطيب والأصل في ذلك أي في التزكية وقبول الواحد أو الإشارة إلى قبول الواحد فقط سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لبربرة عن حال عائشة في حديث الأفك وجوابها عليه إشارة إلى ما وقع في حديث الأفك وجوابها عليه إشارة إلى ما وقع في حديث الإفك وهو أن عليا رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لما استشاره سل الجارية تصدقك فسألها فقالت ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على التبر أو كما قالت إلا أن في هذا إشكالان الأول في قول الخطيب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بربرة وبربرة إنما كانت(2/91)
123 عند عائشة رضي الله عنها بعد المكاتبة ولم تكاتب إلا بعد قصة الإفك بمدة طويلة وكان العباس حين كاتبها بالمدينة ولم يقدم العباس إلا بعد فتح مكة وأين قصة الإفك من ذلك وأجب عنه أن عليا رضي الله عنه إنما قال سل الجارية فوهم الراوي وسماها بربرة بنه على هذا ابن القيم والثاني أن عائشة رضي الله عنها كانت عدالتها معلومة عنده صلى الله عليه وسلم فلا تحتاج إلى تعديل وتزكية وإنما سؤاله صلى الله عليه وسلم الجارية من باب الاستثبات في باب الأخبار وقرائن الأحوال لا ليستفيد تزكية مجهول الحال التي هي مسألة الباب ولكنه أخذ منه الخطيب أنه يلزم من هذا شرعية السؤال عن تزكية من جهل حاله قال مقتضى السباق أن القائل الخطيب ولم أره عنه بل في شرح(2/92)
124 الألفية لم ينسبه إلى قائل وفي رواية الصغير المميز الموثوق به الذي لم يجرب عليه كذب وجهان أحدهما قبوله ومن يقبله لا يشترط في قبول الرواية بلوغ الراوي حكاهما البغوي نسبة إلى بغشور بلدة بين هراة وسرخس والنسبة بغوي على غير قياس معرب كوشر أي الحفرة المالحة قاله في القاموس وفي طبقات الأسنوي أن محيى السنة وهوالحسين بن مسعود منسوب إلى بغي بفتح الباء وهي قرية بخراسان بين هراة ومرو والجويني منسوب إلى جوين كزبير كورة بخراسان وبلدة بسرخس كما فيه أيضا والرافعي والنووي نسبة إلى نوى وتخفض بلدة بالشام وقرية بسمر قند والنووي من الأولى كما قاله فيه أيضا وقيد الرافعي والنووي الخلاف بالمراهق وصححا عدم القبول هذا النقل من شرح منظومه الزين ولفظه بعد ذكر البغوي والجويني وتابعهما الرافعي إلا أنه قيد الوجهين في التيمم بالمراهق وصحح في شرح المهذب عن الجمهور عدم القبول وتبعه عليه النووي وقيده في استقبال القبلة بالمميز وحكى عن الأكثرين عدم القبول وحكى النووي في شرح المهذب عن الجمهور قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل كالإفتاء ورواية الأخبار انتهى قال أي ابن الصلاح ومقتضى ما سبق أن القائل الخطيب وليس كذلك كما ستعرفه ومما تثبت به العدالة الإستفاضة والشهرة فلا يحتاج من اشتهر بها
125 إلى توثيق وهو الصحيح من مذهب الشافعي قال ابن الصلاح وعليه الإعتماد(2/93)
126 في أصول الفقه ثم قال وممن ذكره من أهل الحديث الخطيب ومثل لذلك بمالك وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد بن حنبل ويحيى بن معني وعلي بن المديني ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم وإنما يسأل عن عدالة من خفى أمره عن الطالبين ولم يذكر المصنف دليل هذه الدعوى وهكذا يصنع كثيرا ولا يليق به وقد استدل القاضي أبو بكر على ذلك أن العلم بظهور سيرتهما وظهور عدالتهما يريد الراوي والشاهد أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله وأغراض داعية إلى وصفه بغير صفته وقد سئل أحمد عن اسحق بن راهويه فقال مثل اسحق يسأل عنه وسئل ابن معين عن أبي عبيد فقال مثلي يسأل عن أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس وذكر الخطيب قول ابن عبد البر إن كل حامل علم معروف بالعناية فيه
127 فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين التحريف التغيير والغالي من غلافي الأمر غلوا جاوز حده وانتحال المبطلين من قولهم(2/94)
128 انتحله أي ادعاه لنفسه وهو لغيره والمبطل من أبطل إذا أتى بغير الحق ومعنى الحديث يبعدون عنه تغيير من يفسره بما يتجاوز فيه الحد فيخرج به عن قوانين الشرع ودعاء من يدعي فيه شيئا يكون باطلا لا يوافقه الواقع وكأنه يشير بالجملة الأولى إلى من يغير تفسير الأحاديث النبوية تعمدا أو تلبيسا وبالثانية إلى من يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بادعائه لحديث لم يحدث به ولا سمعه ينتحل باطلا وهذا الحديث الذي ذكره المصنف هو حديث مختلف فيه فقيل إنه مرسل أرسله ابراهيم بن عبد الرحمن العذري روى عنه معان بضم أوله وتخفيف المهملة ابن رفاعة السلامي بتخفيف اللام قال في التقريب لين الحديث كثير الإرسال ويأتي كلام العلماء فيه ورواه عن معان غير واحج ذكره الذهبي في الميزان وقد توبع معان فذكر الجلال في علله أن أحمد يريد ابن حنبل سئل عنه وقيل له كأنه كلام موضوع قال لا هو صحيح فقيل له ممن سمعه قال من غير واحد فقيل له من هم ثم رواه عن مسكين فقال حدثني مسكين قال لكنه قال عن القاسم بن عبد الرحمن لفظ الزين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن قال يعني تغلط في اسم ابراهيم فقال القاسم مكان ابراهيم بن عبد الرحمن ولعله ابن عوف الزهري قال أحمد ومعان لا بأس به ووثقه ابن المديني قلت قال ابن القطان خفى على أحمد من أمره ما علمه غيره ثم ذكر تضعيفه عن ابن معين وأبي حاتم وابن عدي وابن حبان قلت وأما ابراهيم فقال الذهبي تابعي مقل أي قليل الرواية ما علمته واهيا قلت وذكر في مختصرر أسد الغابة أنه كان صحابيا والله أعلم قلت إن كان هوابن عبد الرحمن بن عوف فقد قال الحافظ بن حجر في التقريب قد قيل إن له رؤية قال زين الدين وقد روى هذا الحديث مرفوعا مسندا من حديث علي بن أبي طالب وابن عمر بن الخطاب وابن عمرو وأبي هريرة وأبي أمامة وجابر(2/95)
129 ابن سمرة رضي الله عنهم وكلها ضعيفة تتمة كلامه لا يثبت منها شيء يقوي المرسل المذكور قال البقاعي وقد بقي عليه أسامة بن زيد فقد قرأت بخط بعض الفضلاء من أصحابنا أنه أورد الحافظ صلاح الدين العلائي هذا الحديث عن أسامة بن زيد مرفوعا وقال فيه حديث صحيح غريب وصححه ابن حبان قال قال ابن عدي ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن ابراهيم بن عبد الرحمن قال حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله قال وساق الحديث قلت فهذه يعني ما روى مرفوعا مسندا عن الصحابة رضي الله عنهم شواهد تقويه وقد اختلف الحفاظ هل الصحيح وفقه أو صله على ثلاثة أقوال فقال العقيلي الإسناد أي الوصل أولى من الإرسال ونازعن ابن القطان قائلا إن الإرسال أولى من الوصل وهو ثاني الأقوال وثالثها قوله وتوقف في ذلك ابن النحوي المعورف بابن الملقن قال الزين وممن وافق ابن عبد البر على هذا من المتأخرين الحافظ ابن المواق فإنه قال في كتابه بغية النقاد أهل العلم محمولين على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك وضعفه أي استدلال ابن عبد البر بالحديث زين الدين بوجهين فقد أبدى البقاعي ثالثا وهو أنه لو كان خبرا لم يسمع جرح أصلا فيبقى قوله حتى يتبين جرحه مناقضا لاستدلاله أحدهما من حيث الرواية وهو إرساله وضعفه كما عرفت وثانيهما من حيث الدراية وهو أنه لو كان بمعنى الخبر عن الشارع بأن كل حامل علم عدل فخبره واجب الصدق فلو كان كذلك لم يوجد حامل علم غير عدل ولاواقع خلافه فثبت أنه بمعنى الأمر ولفظ الزين فلم يبق له محمل إلا على الأمر ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم لأن العلم إنما يقبل عن الثقات انتهى فالمراد ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ويقوي ذلك أي أنه أريد به الأمر أنه قد ورد في بعض طرق أبي حاتم ليحمل هذا العلم بلام الأمر تحمل عليها رواية الخبر ولا يقال هلا عكستم لأنا نقول هنا مرجح لحمل(2/96)
130 الخبر على الأمر هو مخالفته الواقع لو حمل على الأخبار قلت ويمكن الجواب على الزين في هذا التضعيف الذي أبداه لاستدلال ابن عبد البر عن الوجهين معا أما الأول وهو الإعتراض من حيث الرواية فلا معنى للرد بالإرسال والضعف المحتمل المختلف فيه لأنها مسائل اجتهاد إلا أن يريداي زين الدين أن هذا أي إرسال الحديث وضعفه هو المانع له إذا كان مذهبه يقتضي ذلك فصحيح وأما إن أراد منع غيره من الذهاب إلى ذلك فلا يصح له إلا أن يثبت أن ابن عبد البر لا يعمل بالمراسيل ولا التضعيف المحتمل وأما الثاني وهو إعتراضه لاستدلال من حيث الدراية وهو حمل الخبر على الأمر فتقول في جوابه الأصل في الخبر والأكثرمن أن يقر على ظاهره من غير صرف له عنه إلى غيره والتأويل من غير ضرورة لا يجوز والقول بأن الضرورة الموجبة للتأويل عدم صدق الحديث إن حمل على الأخبار مدفوع بقوله ووجود التخصيص في مدلولات الأخبار لا يوجب صرفها من باب الأخبار إلى باب الأوامر فيحمل الخبر على التخصيص بوجود من ليس بعدل في حملة العلم ولا يقال فقد تأولم الخبر أيضا كما تأوله زين الدين واتفقتم الجميع على إخراج الخبر عن ظاهره لأنا نقول ورود التخصيص في الأخبار العامة أكثر من ورود الأخبار بمعنى الأمر والتأويل بالحمل على الأكثر أو لي من التأويل بالحمل على الأقل كما ذهب إليه الزين فإن قلت فعلى كلام المصنف قد آل معنى الحديث إلى الأخبار بأن بعض حملة العلم عدول ولزم من مفهومه أن بعضهم غير عدول وبهذا لا يتم دليلا لابن عبدالبر على مدعاه بأن كل حامل علم معروف بالعناية فيه فهو عدل قلت بل يتم به استدلاله وذلك لأن العام يعمل به على عمومه حتى يقوم(2/97)
131 دليل على تخصيصه فمن كان حامل علم معروفا بالعناية به فهو عدل حتى يظهر قادح في عدالته إن قلت الزين لم يحمله على الأمر بمجرد ما ذكر لأنه ورد بصيغة الأمر في رواية قلت أجاب عنه بقوله وأما رواية أبي حاتم فقد قدمت خطاب للزين أنها عندك ضعيفة وذلك لأنه قال الزين ورواه أي حديث بحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ابن أبي حاتم في مقدمة كتاب الجرح والتعديل وابن عدي في مقدمة الكامل وهو مرسل أو معضل ضعيف انتهى ولم يتقدم للمنصف نقل الزين تضعيفه عن أبي حاتم ونزيدك على ذلك أنها معلولة بمخالفة جميع الرواة إذ كلهم رواه بلفظ الخبر فالوهم أبعد عن الجماعة والله أعلم فيكون الواهم من رواه بلفظ الأمر وحينئذ فيتم الإستدلال بالحديث لابن عبد البر ثم إن ما ذهب إليه ابن عبد البر وابن المواق هو الذي عليه عمل الموافق والمخالف في أخذ اللغة عن اللغويين وأخذ الفتيا عن المفتين وأخذ الفقه ومذاهب العلماء عن شيوخ العلم وقد بينت ذلك في العواصم بينا شافيا فليطالع فيه في الجزء الأول من العواصم فإنه قال بعد إيراده للحديث الأول واستيفاء الكلام عليه بما ذكره هنا ما لفظه الأثر الثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقه في الدين رواه ابن عباس وأبو هريرة ومعاوية كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي وقال حديث صحيح وحديث أبي هريرة ذكره الترمذي تعليقا وحديث معاوية أخرجه البخاري وإنما ذكرته هنا لئلا يظن من وقف عليه في صحيح البخاري أنه لم يرو الحديث أحد سواه وزاد الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه أنه رواه عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وأنس فهذا الحديث دل على أن الله أراد بالفقهاء في الدين الخير والظاهر فيمن أراد الله به الخير أنه من أهله وهو مقو(2/98)
132 للدليل لا معتمد عليه على انفراده وفيه بحث بتشعب تركناه اختصارا الأثر الثالث قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وسأل عن أعبد أهل الأرض فدل عليه فسأله فأفتاه أنه لا توبة له فقتله ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل عليه فسأله فأفتاه بأن توبته مقبولة إلى آخر الحديث وفيه أنه من أهل الخير وفي قصته بعد المعرفة بالعلم أنه لم يسأل عن العدالة والحديث متفق عليه الأثر الرابع أنه لما قال الله لموسى عليه السلام إن لنا عبدا هو أعلم منك يعني الخضر عليه السلام فسأل موسى من الله لقاءه ليتعلم منه وسافر للقائه ولم يرو أنه سأل عن عدالته بعد أن أعلمه الله بعلمه مع أن من الجائز أن يكون العلام غير عامل كبلعم بن باعورا وغيره ولكنه تجويز بعيد قليل الإتفاق نادر الوقوع فلم يجب الإحتراز منه وفي بعض هذه الآثار أثر ضعف ولكنه ينجبر باجتماعها وشهادة القرآن لها وهي الحجة الثانية وهي قوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فأمر الله سبحانه وتعالى بسؤالهم وهو لا يأمر بقبيح فدل إطلاقه على جواز سؤال العلماء على العموم إلا من عرف بقلة الدين ثم ذكر أدلة من جهة النظر وسرد خمسة أنظار دالة على ما ذكره وأتى فيها بنفائس وأطال فيها المقال والجواب والسؤال بما يقوى ما جنح إليه ابن عبد البر واعلم أن هذا البحث جميعه مبني على المشهور في رواية يحمل إلخ أنها بفتح حرف المضارعة ونصب العلم ورفع عدوله لا على ما قاله الشيخ في النكت أن ابن الصلاح حكى في قواعد الرحلة أنه وجد حكاية مسندة إلى أبي عمرو محمد بن أحمد التميمي أنه يروي هذا الحديث بضم الياء من يحمل على أنه لما لم يسم فاعله ورفع الميم من العلم وفتح العين واللام من عدوله ومعناها أن الخلف هو العدول(2/99)
133 بمعنى عادل كما يقال شكور بمعنى شاكر والتاء للمبالغة كمما يقال رجل صرورة انتهى ومعناه على هذا يحمل عن الناس العلم من كل خلف عادل فلا يفيد ما استدل به ابن عبد البر بل هو إخبار بأنه لا يؤخذ العلم إلا ممن اتصف بالعدالة وتحقق قيامها به قال أي الزين والصحيح عندهم أن الجرح لا يقبل إلا مبين السبب أي الصحيح من الأقوال الأربعة المعروفة الأول هذا الثاني أنه يجب بيان
144 سبب العدالة ولا يجب بيان سبب الجرح لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها فيبني المعدلون على الظاهر حكاه صاحب المحصول وغيره والثالث أنه لابد من ذكر أسباب الجرح والعدالة جميعا حكاه الأصوليون قالوا وكما أنه قد يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك قد يوثق العدل بما لا يقتضي العدالة والرابع عكسه وهوأنه لا يجب ذكر سبب واحد منهما إذا كان الجارح والمعدل عالما بصيرا وهو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور وحكى الخطيب أنه ذهب إلى ذلك الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده كالبخاري ومسلم وغيرهما قال ابن الصلاح وهو الذي نص عليه الشافعي وقال الخطيب هو الصواب عندنا قال ابن الصلاح وهو ظاهر مقرر في الفقه وأصوله ودليله ما أفاده قوله لكثرة اختلاف الناس فيه فربما جرح بعضهم لاعتقاده أن ما جرح به مؤثر في سقوط العدالة وربما استفسر الجارح وذكر ما ليس بجرح فقد روى الخطيب عن محمد بن جعفر المدائني أنه قيل لشعببة لم تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون فتركت حديثه قال الزين فماذا يلزم من ركضه على برذون قد قيل ربما يلزم منه خرم مروءته وذلك إذا كان في موضع أو حال لا يليق بذلك وعليه تحمل رؤية شعبة تحسينا للظن به لما ثبت من جلالته واتساع معرفته حتى قال الإمام أحمد إنه أمة وحدة في هذا الشأن وروى أبو حاتم(2/100)
145 عن يحيى بن سعيد قال أتى شعبة المنهال بن عمرو فسمع صوتا فتركه والمنهال وثقة ابن معين والنسائي واحتج به البخاري في صحيحه قال ابن أبي حاتم في بيان الصوت الذي سمعه شعبة سمعت أبي يقول إنه سمع قراءة بألحان فكره السماع منه من أجل ذلك وقد روى الخطيب بإسناده إلى وهب بن جرير أنه قال قال شعبة أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت فقيل له أي لشعبة إلا سألت عنه ألا تعلم ما هو لعله كان المنهال غير عالم بذلك في منزله ويحتمل أن لا نعلم أنت ما هو فلعله غير طنبور قيل الورع ما فعله شعبة لأن الطنبور لا يضرب في بيت أحد لا يعلمه وذلك مما يخرم المروءة إن لم يكن فسقا قال الخطيب وروينا عن شعبة أنه قال قلت للحكم بن عتيبة لم ترو عن زاذان قال كان كثير الكلام يحمل ذلك على أنه فيما لا يعنيه فيكون خرما للمروءة وزاذان قال ابن حبان في الثقات كان يخطيء كثيرا انتهى وقال أحمد بن حميد الداري حدثنا جرير فقال المصنف وعن جرير أنه قال رأيت سمااك بن الحارث في شرح الزين بن حرب يبول قائما فلم أكتب عنه يحمل على أنه في مكان يخرم المروءة البول فيه فهذه أمثلة لما استفسر الجارح عن جرحه ففسره بما ليس بجرح واعلم أنه لا تصريح من المفسرين المذكورين بأنهم جرحوا من ذكر إذ شعبة لم يجرح من رآه يركض على برذون بل قال تركت حديثه ولم يجرحه وكأه رأي ذلك من خوارم المروءة وأنه يفسرها بسيرة أمثاله وأن مثل ذلك الرجل لا يركض على برذون وكذلك من سمع في بيته صوت الطنبور لم يجرحه بل قال كره السماع منه وكذلك من رآه كثير الكلام ولا شك أن هذا تعمق ومبالغة وقد عقد الخطيب لهذا بابا في الكتابة كما حكاه الزين في شرح ألفيته قلت أكثر من هذا الإختلاف في العقائد فإنها فرقت كلمة العباد وأورثت بينهم التعادي إلى يوم المعاد في مسائل أكثرها أو كلها ابتداع لم يقع لها(2/101)
146 ذكر في سلف الأمة التي يجب لها الإتباع كمسألة خلق القرآن أو قدمه والقول يخلق الأفعال أو عدمه ثم إن العداوة أمر زائد على مجرد اعتقاد الخطأ واعتقاده التكفير فإن العداوة إذا وقعت بين مؤمنين متفقي العقيدة لم يقبل كلام أحدهما في الآخر كيف أمر العقائد فإن التعادي عليها عظيم بل سفكت بسببها الدماء وهتكت المحارم وارتكبت القبائح بسببها والعظائم كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب التاريخ والرجال وتطلع إلى معرفة الحقائق والأحوال لا سيما في حق المتعاصرين ولا سيما في حق المتجاورين فقد جرح بذلك أي بأمر العقائد خلق كثير بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض والنصب والغلو في التشيع والقول يخلق القرآن وكل ذلك من مسائل الاعتقاد ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين لا سيما من كان داعية إلى مذهبه فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه اعلم أن في المقام بحثين الأول أن أصل الكلام هنا في أنه لا يقبل الجرح إلا مبين السبب وهذا الذي ذكره المصنف من اختلاف العقائد بحث آخر فإنه لا يقبل الجرح من المتعاديين مجملا ولا مفسرا لمانع العداوة والبحث الثاني في قوله سيما في حق المتعاصرين فإنه لا يعرف حال الشخص بجرح أو عدالة إلا من عاصره ولا طريق إلى العلم بأحواله لمن في عصره ممن غاب عنه ولمن يأتي بعده إلا من المعاصرين له إذ من قبلهم لا يعلمون وجوده ومن بعدهم لا يعرفونه إلا بنقل الأخبار عمن عاصره وشاهده وجالسه وأخذ عنه وقد سبق المصنف إلى مثل كلامه الحافظ الذهبي فإنه قال في الميزان في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أبي نعيم ما لفظه كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجومنه إلا من عصم الله وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهل من ذلك سوى النبيين والصديقين فلو شئت سردت من ذلك كراريس انتهى قال ابن السبكي قد عقد ابن عبد البر(2/102)
147 في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء انتهى وفيه البحث الذي عرفته فالأولى أن يناط رد كلام المتعاصرين بعضهم في بعض بمن يعلم بينهما مانع من عداوة أو تحاسد أو منافسة أو نحوها ممايقع بين الأقران وقد أطلنا في ذلك في ثمرات النظر في علم الأثر فليطالع قلت ومن أمثلة القدح بالمخالفة في الأعتقادات قول بعضهم في البخاري إنه تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ قال ابن السبكي فيالله ويالمسلمين أيجوز لأحد أن يقول البخاري متروك وهو حامل لواء الصناعة ومقدم أهل السنة والجماعة مع أن الحق في مسألة اللفظ معه إذ لا يتسريب عاقل أن تلفظه من أفعاله الحادثة اليت هي مخلوقة لله وإنما أنكرها الإمامأحمد لبشاعة لفظها انتهى والسبب الثاني لم يتقدم له ذكر الأول إلا أن ما قدمه من ذكر العقائد هو مقابل لما ذكره ثانيا فكأنه ذهب وهمه إلى أنه ذكر سببين الأول اختلاف العقائد والثاني التضعيف بالوهم والخطأ أي بكون الراوي واهما أو مخطئا فإنه قد أطلق عليه بسبب ذلك الضعف فبسبب هذين الأمرين أطلق كثير من المحدثين اسم الكذاب علىمن هو كاذب في اعتقاده أو غالط في بعض روايته لأن اسم الكذب يتناوله أي الواهم في روايته والغالط فيها في اللغة وإن كان العرف يأبى ذلك فإن الكذب فيه ما كان عن عمد حتى قوي عندي أن قولهم أي المحدثين فلان كذاب من جملة الجرح المطلق الذي لم يبين سببه والله أعلم قد تقدم للمصنف مثل هذا إلا أنه قيده هنالك بقوله إن قول المحدثين فلان كذاب من قبيل الجرح المطلق الذي لم يفسر سببه فيتوقف فيمن هذه حاله حتى يعرف السبب فقيده بمن حاله كحال ثابت البناني إذ كلامه هنالك في سياق ذكره فإنه قال فهذا يحيى بن معين يطلق ذلك أي الكذب(2/103)
148 على ثابت الورع الزاهد ولم يتعمد شيئا من ذلك بل لم يظهر منه كثرة الخطأ انتهى إذا عرفت هذا فكلامه هنا مطلق يقيده ما مضى هذا هو الصحيح في الجرح وأنه لا بد من ذكر سببه بخلاف العدالة كما قال وأما العدالة فلا يجب علىمن يعدل غيره ذكر سببها لأنه يؤدي إلى ذكر اجتناب جميع المحرمات وفعل جميع الواجبات كما أشار إليه الزين حيث قال إن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول ليس يفعل كذا ولا كذا ويعد ما يجب عليه تركه ويفعل كذا وكذا فيعد ما يجب عليه فعله فيشق ذلك ويطول تفصيله وكما بينته في العواصم فإنه قال فيها بعد سرده لوجوه أربعة في الاستدلال على ذلك خامسها وهو الوجه المعتمد أنما هذه الوجوه المتقدمة شواهد له ومقويات وهو أن اشترط التفصيل في التعديل إلى ذكرا اجتناب المعدل المحرمات وتأديته لجميع الواجبات على مذهب المعدل في تفسير العداله فإن كان ممن يشدد ذكر ذلك كله وإن كان ممن يترخص ذكر اجتنابه لجميع الكبائر معددا لها ولجمبع معاصي الأدنياء الدالة على الخسة وقلة الحياء وقلة المبالاة بالدين فيقول المعدلل مثلا إن فلانا ثقه عندي لأني شاهدته يقيم الصلوات الخمس ويحافظ عليها ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة يودي فريضة الحج إن كان ممن تلزمه هاتان الفريضتان ويذكر أنه يشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله وأن الله عالم قادر ويعدد سائر الصفات الذاتيه والمقتضاة وإنه يسحقها لذاته لا لمعنى ويذكر جميع ما يتعلق باعتقاده من مسائل الوعد والوعيدوالامانة والبر والولاء ثم ساق في تعداد ذلك ثم قال وغير ذلك مما لايكاد الانسان يحصيه مع التأمل الكثير وما زال المسلمون يعدلون الشهود ويعدلون حملة العلم والرواة من أول الاسلام إلى يوم الناس هذا ما نعلم أن أحدا منهم عدل على هذه الصفة ولاما يقار بها ولاما يدانيها ولا نعلم أن أحدا طلب هذا من المعدلين ولاثلثه ولاربعه وعمل القضاة مستر إلى يوم الناس على الإكتفاء بالتعديل الجملى انتهى(2/104)
149 قلت وسره أن العداله وصف ملتم من أمور كثيرة وضع لفظ عدل بازائها فكان القائل فلان عدل قال فلان آت بكل ما يجب مجتنب لما يحرم ولذا يشترط في المعدل أن يكون عالما بأسباب العدالة بخلاف القدح فإنه شيءواحد لأنه عبارة عن شيء خرم العدالة فلا يعسر ذكره ولايتعين ما هو حتى يعرب عنه قائله ولايشترط في قائله المعرفة بأسباب القدح فإنه لو قال من يجهل أن السرقة حرام إن فلانا رأيته يسرق كان قدحا وقد عرفت معنى قوله وهذا شيء لم ينقله أحد من الأمة أبدا ولأنها أي العدالة الأصل في أهل الإسلام اعلم أن هذه مسأله خلاف بين الأمة منهم من ذهب إلى أن الأصل الفسق مهر لذي ذهب إليه العضد وصرح به شرح مختصر ابن الحاجب وتبعه عليه الآخذون من كتابه مسدلين بأن العدالة طارئة وبأن الفسق أغلب وقد حققنا في ثمرات النظر أن الأصل أن كل مكلف يبلغ سن التكليف على الفطرة كما دل حديث كل مولود يولد على الفطرة وفي معناه عدة أحاديث وفسر به قوله تعالى فطرة الله التى فطر الناس عليها فإن بقى عليها من غير مخالطه بمفسق وأني بما يجب فهو عدل إلى فطرته مقبول الرواية وإن لابس مفسقا فله حكم مالا بسه وقد أشار سعد الدين في شرحه على شرح العضد إلى هذا وتعقبه صاحب الجواهر بما ليس بجيد وقد ذكرناه هنالك وقد استدل لهم بأن الأصل الفسق بأنهالغالب ولكنه قيده بعضهم بأن هذه الأغلبية إنما هيي في زمن تبع التابعين لافي رمن الصحابة والتابعين وتابعيهم لحديث خير القرون قرنى ثم الذين يلوبهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب وعلى هذا التقييد يتم القول بأن الأاصل أيالأغلب الفسق في القرون المتأخرة فلا يؤخذ الحكم كليا بأن الأصل الإيمان ولابأن الأصل الفسق بأن يقال في الأول إنه الأصل في القرون الثلاثه وفي الثاني إنه الأصل فيما بعدها(2/105)
150 وقد استدل الجلال في نظام الفصول على أن الأصل هو الفسق بقوله تعالى وقليل من عبادي الشكور وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين قلت ولا يخفى أنه غير صحيح إذ المراد من الآيات أن المؤمنين قليل بالنسبة إلى المسلمين الذين ليسوا بعدول وكذلك تفريعه عليه بأنه يحمل الفرد المجهول على الأعم الأغلب وهو أنه يحمل المسلم المجهول العدالة على الفسق غير صحيح لأنه ليس لنا أن تفسق مسلما مجهول العدالة لأجل أن الإغلب الفسق لأن هذا تفسيق بغير دليل من نص أو قياس مع قولهم لا تفسيق إلا بقاطع بل نقول يبقى المسلم المجهول العدالة على الإحتمال لا ترد خبره حكما بفسقه ولا نقبله حكما بعدالتته بل يبقى على الاحتمال حتى يبحث عنه ويتبين أي الأمرين يتصف به وينبغي أن يكون هذا مراد من يقول بأن الأصل الفسق وقول المصنف إن الأصل العدالة يقتضي أنه لا يحتاج على تعديل لأنه لا حاجة إليه إذ كون ذلك هو الأصل كاف وفي قوله فتقوت أي العدالة وترجحت بأدنى سبب وهو التعديل المطلق مايؤيد ذلك التأصل لأنه لا حاجة إلى التعديل إلا لتقوية الأصل كما يؤيده قوله ولهذا قال جماعة بقبول المجهول ونقل إجماع الصحابة على قبول مجاهيل الأعراب وقبل علي عليه السلام من اتهمه بعد يمينه وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابيين في شهادتهما على الهلال وقد استوفيت هذا المعنى في العواصم وذلك أنه لما قدح السيد علي بن محمد بن أبي القاسم على المحدثين بقبولهم المجهول حاله من الصحابة أجاب عنه المصنف رحمهما الله بأجوبة أحدها أن قبول مجهول الصحابة ليس مذهبا يختص به المحدثون بل هو مذهب مشهور منسوب إلى أكثر طوائف الإسلام إلى الزيدية والحنفية والشافعية والمعتزلة وغيرهم من أكابر العلماء أما الزيدية فنسبه إليهم علامتهم بغير منازعة الفقيه عبد الله(2/106)
151 ابن زيد في كتاب الدرر في أصول الفقه ولفظة فيها إن مذهبنا قبول المجهول قال المصنف هكذا على الإطلاق صحابيا كان أو غير صحابي وهو أكثر تسامحا من كلام المحدثين واحتج بقبوله صلى الله عليه وسلم للأعرابين في رؤية الهلال وبغير ذلك وأما الحنفية فمشهور عنهم وأما الشافعية فنسبه إليهم المنصور بالله في كتاب الصفوة وغيره وأما المعتزلة فذكره الحاكم أبو الحسين ولفظه في المعتمد ولا شبهة أن في بعض الأزمان كزمن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت العدالة منوطة بالإسلام وكان الظاهر من المسلم كونه عدلا ولهذا اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال عىل ظاهر إسلامه واقتصرت علىإسلام من كان يروي الأخبار من الأعراب انتهى ففي كلام إجماع الصحابة على قبول المجهول من الصحابة بل من الأعراب وحديث الأعرابيين معروف أخرجه أهل السنن الأربعة وابن حبان والحاكم وأما قوله وقبل علي عليه السلام فهو إشارة إلى ما أخرجه المنصور بالله وأبو طالب أنه عليه السلام كان يستحلف بعض الرواة فإن حلف صدقة وقال الحافظ الذهبي هو حديث حسن قال المصنف والتحليف ليس يكون للمخبورين المأمونين وإنما يكون لمن يجهل حاله ويجب قبوله فيتقوى عليه السلام بيمينه طيبة لنفسه وزيادة في قوة ظنه ولو كان المستحلف ممن يحرم قبوله لم يحل قبوله بعد يمينه وهذا أعظم دليل أنه عليه السلام إنما اعتبر الظن في الأخبار انتهى قوله وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابيين يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال يعني رمضان فقال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال نعم فقال يا بلال إذن في الناس أن يصوموا غدا تقدم من أخرجه إلا أن هذا الأعرابي واحد وهذا هو الذي ذكره المصنف ونسبه إلى من ذكرناه إلا أنه قال ابن حجر في التلخيص قال الترمذي إنه مرسل قال(2/107)
152 النسائي وهوأولى بالصواب وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة انتهى وأما قصة الأعرابيين فأخرجها أبو داود عن رجل من الصحابة وفيها أنه قدم أعرابيان فشهدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله لأهلا الهلال ورأياه أمس عشية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا إذا عرفت هذا أي أنه لا يقبل الجرح إلا مبين السبب فاعلم أن ابن الصلاح أورد سؤالا حسنا فقال ما معناه إنا إن لم نقبل الجرح المطلق(2/108)
153 أسند باب الجرح لأن عبارات الأئمة في كتب الجرح والتعديل لا حاجة إلى ذكر التعديل كما لا يخفي مطلقة في الغالب إذ مبين السبب قليل جدا وأجاب ابن الصلاح عن ذلك بما معناه إنا لم نقل إن من جرح من غير تفسير للسبب فهو يحتج به حتى يلزم أنا لم تقبل جرحا إلا مبين السبب بل نقول إما أن نبحث عن حاله أي حال من حرح جرحا مطلقا عن السبب وتبين ثقته وإتقانه بعد البحث عنه بحيث تضمحل تلك الريبة التي حصلت من إطلاق الجرح حكمنا بثقته لفظ ابن الصلاح وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أنا توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء على أن مثل ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ثم إن من زاحت عنه تلك الريبة منه بالبحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثهه ولم نتوقف ثم قال ما معناه مثل بعض رجال الصحيحين الذي مسهم مثل هذا الجرح الذي لم يبين سببه فافهم ذلك فإنه مخلص حسن وإلايحصل لنا بالبحث ثقته وإتقانه توقفنا في حاله فلا نحكم له ولا عليه أما الأول فلأنه وإن كان الأصل العدالة فقد أوجب الجرح الجملى التوقف في حاله فقت في عضد ذلك الأصل وأما إذا قلنا الأصل الفسق فأوضح ويترك حديثه لأجل الريبة القوية الحاصلة من القدح الجملى لا لأجل ثبوت الجرح واعلم أن هذا يشعر بأن البخاري لم يكن في رواته من قدح فيه إلا بقدح مطلق وقد تقدم للمصنف ذلك وأن الذي خرج لهم البخاري ممن قدح فيهم ليس إلا قدحا مطلقا عن بيان السبب وقرره هنا وليس بصحيح وقد بينا في ثمرات النظر خلافه ونقلنا كلام أئمة الجرح والتعديل في جماعة من رواة الشيخين قدحا مبين السبب وعرفه بما في عكرمة قلت وترك ابن الصلاح القسم الثالث وهو أن يبحث فتظهر صحة الجرح وإنما تركه لظهور الحال فيه وهو أنا قد تركنا قبول حديثه قبل البحث فبعد(2/109)
154 ظهور صحة القدح تركه بالأولى فرجال الحديث كالحلال البين والأمور المشتبهات وكلام ابن الصلاح في رجال الحديث ويجري مثله في الحديث وأن تضعيفه المطلق يوجب ريبة فيه وترك العمل به حتى يظهر سبب ضعفه ون هنا نعلم أن معنى قولهم لا يقبل الجرح إلا مفسرا أي لا يعمل به في الرد إلا مفسرا لا أنه لا يقبل مطلقا وأنه لا حكم له بل له حكم هو ثبوت الريبة وتركه قال الزين لما نقل الخطيب عن أئمة الحديث أنه لا يقبل الجرح إلامفسرا قال فإن البخاري احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين هذا مثال لمن خرج البخاري حديثه ممن قدح فيه قدحا مطلقا ولكنه غير صحيح ففي الميزان بسنده عن جرير بن يزيد قال دخلت على علي ابن عبد الله بن عباس فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش فقلت له ألا تتقي الله قال أن هذا الخبيث يكذب على أبي قال وروى عن ابن المسيب انه كذب عكرمة ثم أخرج بسنده عن أيوب عن عكرمة قال أنزل متشابه القرآن ليضل به قال الذهبي قلت ما أسوأها عبارة وأخبثها بل أنزله ليهدي به ويضل به الفاسقين وأخرج عن محمد بن سيرين أنه قال في عكرمة ما يسوءني أن يكون من أهل الجنة ولكنه كذاب وساق كلمات العلماء في جرحه مفسرا شيئا كثيرا فلا يتم هنا ما قدمه المصنف أن الكذب من الجرح المطلق فإنه لم يرد على بن عبد الله بن عباس وابن سيرين إلا الكذب حقيقة كما تفيده عبارتهما وقد وثق عكرمة أمة من الناس قال ابن منده أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من التابعين زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه قال ابن عبد البر عكرمة من جملة العلماء ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري كلام الناس فيه قدحا وتوثيقا ثم قال أنه لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه بعد ما ثبت له من الرتب السلية(2/110)
155 وإسماعيل بن أبي أويس في المتأخرين قال الحافظ ابن حجر لم يخرج عنه البخاري في الصحيح سوى حديثين مقرونا بغيره في كلمنهما قال ابن معين في إسماعيل هو وأبوه يسرقان الحديث قال الدولابي الضعفاء سمعت النصر بن سلمة الموزى يقول كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل وهب قال ابن معين إسماعيل بن أبى أويس يسوى فليس ثم فليس ا ه زاد الزين نقلا عن الخطيب وأما قثم بن على وعمرو بن مرزوق في التأخر ين عن التابعين قلت إسماعيل هذا قد أكثر القاسم عليه السلام أي ابن إبراهيم المعروف بالرسى من الراوية عنه كما ذلك ظاهر في كتاب الأحكام الذي ألفه حفيده يحيى بن الحسين الهادي لأنه يرويه عن جده عن إسماعيل قال المصنف في العواصم وغالب رواية القاسم في كتابه الأحكام تدور على الأخوين إسماعيل وعبد الحميد أبي ابنى عبد الله بن أبي ويس عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده قال الخطيب وهكذا فعل مسلم وتمام كلامه كما في شرح الزين فإنه أى مسلم إحنج بسويد بن سعيد وجماعة غيره إشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم قال وسلك أبو داود هذه الطريقة وغير واحد ممن بعده ثم روى ظاهر أن الراوي الخطيب لقوله عن الجويني والرازي والخطيب وغيرهم ولايصح وكأنه سقط من النسخة التى عندي ثم روى الزين فإن هذه الرواية رواها الزين فإنه قال قلت وقد قال أبو المعالي واختاره تلميذه الغزالي وابن الخطيب الحق أن نحكم بما أطلقه العالم بأسبابهما قال في شرحه هذا من الزوائد على ابن الصلاح وذلك أن إمام الحرمين أبا المعالى الجوينى قال في كتاب البرهان الحق أن المزكى إن كان عالما بأسباب(2/111)
156 الجرح والتعديل إكتفينا بإطلاقه وإلا فلا الذي وهو الذي إختاره أبو حامد الغزالى والأمام فخر الدين بن الخطيب إلا أنه لا يخفى أن الذيفي كلام المصنف الخطيب والذي في كلام الزين بن الخطيب فينظر أنهم صححوا الإكتفاء بالجرح المطلق من الثقه البصير بموقع الجرح العارف بإختلاف الفقهاء قبله قلت هذا يقوى إذا عرف مذهبه على النفصيل في جميع ما يمكن وقوع الخلاف فيه من مسائل الباب فلمن وافقه في مذهبه قبوله دون من خالفه قال الزين وممن إختاره من المحدثين أيضا الخطيب فقال بعد أن فرق بين الجرح والتعديل في بيان السبب على أنا نقول إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلا مرضيا في إعتقاده وأفعاله عارفا بصفة العدلة والجرح وأسبابهما عارفا بإختلاف الفقهاء في أحكام ذلك قبل قوله(2/112)
157 فيمن جرحه مجملا ولا يسأل عن سببه انتهى وفي نقل المصنف بعض إيهام لمن تأمله قال ابن السبكى في الطبقات ولنختم هذه القاعده وهي قاعدة الجرح والتعديل بفائدتين عظيمتين لايراهما الناظر في غير كتابنا هذا إحداهما أن قولهم إنه لايقبل الجرح إلامفسرا إنما هو في جرح من ثبتت عدالته واستقرت فإذا أراد رافع رفعها بالجرح قيل له ائت ببرهان على هذا وفي حق من يعرف حاله لكن ابتدرةجلرحان ومز كيان فيقال إذ ذاك للجارحين فسرا مارميتماه به أما من ثبت أنه مجروح فيقبل قول من أطلق جرحه لجريانه على الأصل المقرر عندنا ولا نطالبه بالتفسير إذ لافائدة في طلبه قلت بل الظاهر أنه لايجوز لنا طلب تفسيره لانه تفكه بعرضه بنير غرض ديني ثم قد أحسن بالتعبير بقوله أراد رافع رفعها فلا بد من التفسير فإنه إذا أطلق لم يرفعها لكنه يوجب توقفاوريبة قال والفائدة الثانية أنا لا نطلب التفسير من كل أحد بل إنما نطلبه حيت يحنمل الحال شكا إما في إمالاختلاف في الإعتماد أولتهمة يسيرة في الجارح أو نحو ذلك مما يوجب سقوط قول الجارح ولاينتهى إلى الإعتبار به على الإطلاق بل يكون بين أما إذا إنتفت الظنون وإندفعت التهم وكان الجارح خيرا من أاخيار الأمة مبرأ عن مظان التهمة وكان المجروح مشهورا بالضعف متروكا بين النقادفلا يتعلعم عند جرحه ولا يحوج الجارح إلى تفسير بل طلب التفسير منه والحال هذه طلب لغيبه لا حاجة إليها فنحن نقبل ابن معين في إبراهيم بن ثعيب شيخ روى عنه ابن وهب أنه ليس بشيء وفي إبراهيم بن الميني أنه ضعيف وفي الحسين بن الفرج الخياط أنه كذاب يسرق الحديث وعلى هذا وإن لم يتبين الجرح لأنه مقدم في هذه الصناعه جرح جماعه غير ثابتي العدالة قلت كأنه يريد بقبوله أنه يوجب توقفا وعدم قبول لحديث من اطلقجرحه لا أنه يحكم على من جرحه ك1لك أنه ليس بعدل وأنه مجروح(2/113)
158 قال ولا يقبل في الشافعي ولو فسر وأتى بألف إيضاح لقيام القاطع بانه غير محق بالنسبة إليه انتهى واالمصنف قد ألم بشيء من هذا قوله ثم ذكر مسألة تعارض الجرح والتعديل وذكر الخلاف فيها وأن فيها ثلاثة أقوال
161 الأول أن مقدم مطلقا وأن كثير المعدلون نقله الخطيب عن جمهور العلماء وقال ابن الصلاح إنه الصحيح وصححه الأصوليون كالامام فخر الدين والآمدى ةاستدلوا بأن مع الجارح زيادة علم يطلع عليها المعدل ولأن الجارح مصدق للمعدل فيما أخبرربه عن ظاهر حاله إلا أنه يختبر عن أمر خفى علىالمعدل الثاني إن كان عدد المعدلين أكثر قدم المعدلون ووجهه أن كثرة المعدلين تقوى حالهم وتوجب العمل بخبرهم وقلة الجارحين تضعف خبرهم وتعقب بأنه خطأ لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يختبرون عن عدم ما أخبربه الجارحون ولو أخبروا بذلك لكانت شهادة باطلة على نفى الثالث ما أشار إليه المصنف بقوله والصحيح الختار الترجيح وذلك لأن الجرح إما أن ينسب إلى من لايحتمله أولا أى لاينسب إلى من لايحتمله إن نسب إلى من لايحتمله من كبار الأئمة والعلماء والصالحين لم يقبل ووجه عدم قبول خبره وهو ثقه قوله لأن الخير إنما يقبل من الثقة لرجحان الصدق فيما أخبر به على الكذب ولنا كان ترجيح صدقه إلى كذبه دعوى ولا فإن خبره(2/114)
162 يحتمل الأمرين على السواء وإنما يرجح صدق الثقه لما ظهر عليه من أمارات الخبر وهي ما شر طناه فيه من وجود صفات العدالة فإنا نستبعد صدور الكذب من الثقة فلذا رجحنا صدق خبره فاذا جاء هذا الثقة ونسب إلى من هو أوئق منه ما هو حق الأوثق أبعد من تجويز الكذب على ذلك الثقه الرامي للأوثق بمراتب عظيمة فانا حينئذ إن قبلنا الثقه الجارح حملا له على السلامة فقد تركنا حمل المجروح الذي هو أوثق منه على السلامة فان قد قبلتموه من حيث إنه أرجح فكيف تردونه والأرجحية باقية فقال وإن قبلناه في جرحه لمن يحتمل ذلك من أجل أنه أرجح فقد صاؤ في هذه الصورة حيث جرح من لايحتمل ذلك مرجوحا لرميه من هو أوثق منه ولو سلمنا أنه أرجح ام تكن هذه صورة المسأله المفروضة إذ هي مفروضة في من هو أوثق منه ومثال ذلك أن يقول من ثبتت عدالته بتعديل عدل أو عدلين لاسوى إن زين العابدين على الحسين رضوان الله عليهم كان يتعمد وضع الحديث أو يأي إحدى الكبائر المعلوم كبرها أويطرح مثل ذلك على غيره من التابعين أوالزهاد العلماء مثل سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإبراهيم بن أدهم ومن فوق هؤلاء أو قريب منهم بحيث يغلب على الظن أن الكذب إلى المتكلم عليهم أقرب في الظن من صحةما ادعى عليهم ومن ذلك كلام النواصب كالخواح وغيرهم في على عليه السلام وكلام الروافض في أبي بكر ةعمر وعثمان رضى الله عنه وكلام عمرو بن بحر الجاحظ العتزلى والنظام من كبار المعتزله في حماعة من كبار الصحابة رضى الله عنهم قلت وكذلك عمرو بن عبيد فإنه قال الذهبي في ترجمته في الميزان إنه قال لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان رضي الله عنهم على شراك نعل ما قبلت شهادتهم ولما كانت القاعدة المعروفة عند أئمة الحديث والأصول أن الجارح أولى وإن كثر المعدل ينافي هذا الكلام قال المصنف وأما قولهم في الاستدلال على هذه القاعدة إن الجارح أثبت ما لم يعلم به المعدل والمثبت أولى هنا لأنه علم(2/115)
163 ما لم يعلمه غيرره فلا يرد هنا إذ الدليل المذكور تعارض الجرح والتعديل وليس الأمر هنا كذلك لأنا هنا لم نعارض بين من جرح ومن عدل بل بين من جرح ومن هو معلوم العدالة الظاهرة مظنون العدالة الباطنة ظنا مقاربا أو معلوما في العبارة تسامح بالإمارات كجوع الجائع فإنه أمر باطني قد نعلمه بالأمارات بل لم نأخذ عدالة هذا الجنس من معدل حتى تعارض بينه وبين الجارح بل اضطررنا إلى العلم بها بالتواتر ومن هنا تعلم أن القاعدة المعروفة إنما هي فيمن عرفت عدالته بأقوال المعدلين وجرحه بجرحهم قال ابن السبكي إن الجارح لا يقبل جرحه ولو فسره فيمن غلبت طاعته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي ومنافسة دنيويو كما يكون من النظراء أوغير ذلك فتقول مثلا لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذؤيب في مالك وابن معين في الشافعي والنسائي في أحمد بن صالح فإن هؤلاء أئمة صالحون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت لدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما قاله وقد أحسن ابن الحاجب حيث قال في كتابه في الفروع في هذا المعنى ويسمع التجريح في المتوسط العدالة باتفاق فقيد سماعه بالمتوسط دون أهل المرتبة الرفيعة والمراد بالسماع العمل بما يسمع وأما في مختصره في أصول الفقه فإنه اختار تقديم الجارح من غير تقييد فهذا الذي ذكره المصنف عنه فيمن لا يحتمل ما نسب إليه من الجرح وأما من يحتمله فإنه قد أشار إليه بقوله وأما إن تعارض الجرح والتعديل في من دون هذه الطبقة الشريفة بحيث يكون صدق الجارح أرجح وأقرب من كذبه ويكون صدور الجرح من المجروح أرجح من كذب الجارح وأقرب فهذان قسمان الأول فأما أن يكون الجرح مطلقا عن بيان السبب أو يكون مبين السبب إن كان مطلقا لم نحكم بصحته وإن أورث ريبة وتوقفا وبحثنا(2/116)
164 عن حال المجروح فإن تبين بالبحث وترجح أحد الأمرين حكمنا به وإلا وقفنا في حاله كما تقدم من كلام ابن الصلاح لأن الجارح هنا وإن كان صدقه أي الجارح أرجح فإنه لا ينافي توفقنا فلم ندر ما الذي ادعى من جرحه حتى نصدقه فيه لأنه أتى بجرح مجمل يحتمل توفقنا فيه تصديقا وتكذيبا والقسم الثاني ما أفاده قوله وأما إن بين الجارح السبب الذي جرح به نظرنا في ذلك السبب وفي العدل الذي ادعى عليه ونظرنا أي الجوائز الأمور الجائز وقوعها في حقه أقرب لنحكم به فإن افتضت القرائن والأمارات والعادة والحالة من العداوة ونحوها أن الجارح واهم في جرحه بجعله ما ليس بجارح جارحا أو كاذب في جرحه أو غاضب على من جرحه رجح له التغضب عند سورته بفتح المهملة وسكون الواو شدته قرينة ضعيفة فقال بمقتضاها ونحو ذلك قدمنا التعديل لعدم نهوض القادح على رفعه وإلا يحصل ما ذكر قدمنا الجرح والمنازعون هنا إما أن يكونوا من الأصوليين أو من المحدثين إن كانوا من الأصوليين فالحجة عليهم أن نقول أنتم إنما قدمتم الجرح المبين السبب لأنه أرجح فقط إذ كان القريب في المعقول أن الجارح يطلع على ما لم يطلع عليه المعدل قطعا إذ لو اطلع المعدل على الأمر القادح وعدل مع علمه به عد غير عدل فلا يقبل تعديله والفرض خلافه وفي قبوله أي الجارح حمل الجارح والمعدل على السلامة معا وتصديقهما معا لأن المعدل يقول مثلا أنا لا أعلم فسقا ولم أظنه والجارح يقول أنا علمت فسقا لو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا وإذا حكمنا بصدقه كانا معا صادقين ولم يقدموا الأئمة الجرح لمناسبة طبيعية بين اسم الجرح الذي حروفه الجيم الراو الحاويين صدق من ادعاه الجارح وحينئذ أي حين إذ عرفت هذا يظهر أن العبرة يعني في تقديم هذا النوع من الجرح بالترجيح فإن هذا الذي أوجب عندكم تقديم الجرح نوع من الترجيح وهو رجحان الجمع بين صدق الجارح والمعدل فإذا انقلب الحال في بعض الصور وقامت القرائن على أن(2/117)
التعديل أقوى
164 لقد ذكرني البارحة آية كنت أنسيتها وقد ورد علينا سؤال في هذا الشأن وكتبا فيه رسالة وأطلنا فيها البحث ولم أعلم من تنبه لذلك المرتبة الثالثة وهي التي جعلها ابن أبي حاتم الأولى وتبعه على ذلك ابن الصلاح قال ابن أبي حاتم وجدت الألفاظ في الجرح ولاتعديل على مراتب شتى جمع شتيت كمرضى ومريض فإذا قيل للواحد من الرواة إنهثقة أو متقن فهو محتج بحديثه قال ابن الصلاح وكذا إذا قال ثبت أو حجة فكل هذه الألفاظ من المرتبة الأولى وهذه الصفات قد تضمنت العدالة والحفظ فأما إذا أفرد الحفظ والضبط فلا تنضمن العدالة كما يشير إليه قوله وكذا إذا قيل في العدل أنه حافظ أو ضابط إذ مجرد الموصف بكل منها غير كاف في التوثيق بل بين المعدل وبينهما عموم وخصوص من وجه لأنه لا يوجد بدونها ويوجد أن بدونه ويوجد الثلاثة ويدل لذلك أن ابن أبي حاتم سأل أبا زرعة عن رجل فقال له هو صدوق وكان أبو سليمان بن داود الشاذ كوني من الحفاظ الكبار إلا أنه كان يتهم بشرب النبيذ وبالوضع حتى قال البخاري إنه أضعف عندي من كل ضعيف ورؤى بعد موته في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي قيل له بماذا قال كنت في طريق أصفهان فأخذني مطر وكان معي كتب ولم أن تحت سقف ولا شيء فاتكببت على كتبي حتى أصبحت وهذا المطر فغفر الله لي بذلك في آخرين انتهى قال السخاوي ومجرد الوصف بالإتقان كذلك قياسا على الضبط سوى إشعاره بمزيد الضبط قال الخطيب أرفع العبارات أن يقال حجة أوثقة فالحجة والثقة مستويان عنده وفي كلام ابن أبي داود حين سأله الآجري عن سليمان بن بنت شرحبيل فقال ثقة يخطيء الناس فقال الآجري فقلت هو حجة قال الحجة مثل أحمد بن حنبل وكذا قال ابن أبي شيبة في أحمد بن عبد الله ابن يونس ثقة وليس بحجة وقال في محمد ابن إسحق ثقة وليس بحجة وفي ابن(2/118)
165 في ظن الناظر في التعارض هل كان منكم أو من غيركم فيما يقتضي النظر هل يعمل بالراجح عنده فذاك الذي قلنا أو بالمرجوح عنده فترجيح المرجوح على الراجح خلاف المعقول ولا منقول هنا يوجب طرح المعقول هذا إذا كانت المناظرة في المسألة مع أهل الكلام والأصول وإن كان المخالف من المحدثين قلنا له في المناظرة أليس قد ثبت عندكم أن خبر الثقة بحديث معين مبين إذا أعل بعلل كثيرة أو علة واحدة يحصل معها مع العلة واحدة كانت أو متعددة للناقد ظن قوي بوهم ذلك الثقة فيما أخبر به فليس كل ثقة يقبل خبره فإن ذلك يقدح في خبره بأمر معين فكذلك خبره بالجرح المبين السبب إنما هو خبر بأمر معين فإذا أعل بما يقتضي وقوع الوهم فيه أوالعصبية أو القول عن الأمارات الضعيفة فإن ذلك يقدح فيه أي في خبره بالجرح المبين السبب ومن أمثلة ذلك على كثرتها قول مالك الإمام المعروف في محمد بن اسحق صاحب السيرة إنه دجال من الدجاجلة هو مقول قول مالك أي كذاب قال يحيى بن آدم ثنا ابن إدريس قال كنت عند مالك فقيل له إن ابن اسحق قال اعرضوا على حديث مالك فأنا بيطاره فقال مالك انظروا إلى دجال الدجاجلة ذكره الذهبي في الميزان فإن من هو في مرتبة مالك في الثقة من الأئمة قد أثنوا على محمد بن اسحق قال الذهبي في الميزان وثقة غير واحد ووهاه آخرون كالدار قطني وهو صالح الحديث ماله عندي ذنب إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنقطعة المنكرة والأشعار المكذوبة قال ابن معين ثقة وليس بحجة وقال علي بن المديني حديثه عندي صحيح وقال يحيى بن كثير سمعت شعبة يقول ابن اسحق أمير المؤمنين في الحديث ومن تكلم في ابن اسحق فما تكلم عليه بشيء من هذا أي من نسبة الكذب إليه قال محمد بن عبد الله بن نمير رمي بالكذب وكان أبعد الناس منه وقال أبو داود قدري وقال سليمان التميمي كذاب وقال وهيب سمعت هشام ابن عروة يقول كذاب وقال يحيى(2/119)
166 القطان أشهد أن محمد بن اسحق كذاب قال له ابن أبي داود وما يدريك أنه كذاب قال قال هشام بن عروة حدث عن أمرأتي فاطمة بنت المنذر وأدخلت علي وهو بنت تسع سنين وما رآها رجل حتى لقيت الله قال الذهبي وما يدري هشام بن عروة فلعله سمع منها في المسجد أو سمع منها وهو صبي أو أدخل عليها فحدثته من وراء حجاب وأي شيء هذا وقد كانت كبرت وأسنت إنما تكلم عليه بالتدليس وشيء من سوء الحفظ قد عرفت مما نقلناه عدم صحة هذا الحصر لكنه كان بينه وبين مالك وحشة قال وهيب سألت مالكا عن محمد بن اسحق فاتهمه وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أبان ومالك يجرحان ابن اسحق ولعل ذلك بسبب الاختلاف في الاعتقاد فقد كان محمد بن اسحق يرى رأي المعتزلة في بعض المسائل تقدم كلام ابن نمير إنه رمى بالقدر وكان أبعد الناس منه وقال أبو داود قدري معتزلي وكان مالك يشدد في ذلك ثم إنه بلغ مالكا أن ابن اسحق قال اعرضوا على علم مالك فأنا بيطاره تقدم من رواها فحين بلغه ذلك أغضبه فقال إنه دجال أي كذا بفقد قاله حال الغضب فلا اعتباره به ومن الجائزات على بعد أن يريد مالك كذاب في اعتقاده أو في حديثه الذي يهم فيه على بعد هذه العبارة من إطلاقها على من يهم في عرفهم فالحمل على ذلك بعيد جدا ولكن حال الغضب مع العداوة في الدين يقع فيها مثل هذا إما لمجرد غلبة الطبع أو لمجرد أدنى تأويل وعلى كل تقدير فلا يقبل ولا يعمل به لأن الجرح إخبار عن حكم شرعي وقد نهى رسول الله صلى الله لعيه وسلم أن يحكم الحاكم وهو غضبان والأصح عدم صحة حكمه في حال غضبه كما قررناه في سبل السلام(2/120)
167 واعلم أن التعارض بين التعديل والتجريح إنما يكون تعارضا عند الوقوع في حقيقة التعارض إذ الكلام في ذلك وهو ما يتعذر فيه الجمع بين القولين أما إذا أمكن معرفة ما يرفع ذلك فلا تعارض البتة مثال ذلك أن يجرح هذا بفسق قد علم وقوعه منه ولكن علمت توبته أيضا والجارح جرح قبلها قبل التوبة فإنه لا تعارض بين الجرح والتعديل على هذا أو يجرح بسوء حفظ مختص بشيخ أو بطائفة والتوثيق يختص بغيرهم أو سوء حفظ مختص بآخر عمره لقلة حفظ أو زوال عقل وقد تختلف أحوال الناس فكم من عدل في بعض عمره دون بعض ولهذا كان السعيد من كان خير عمله خواتمه فإذا اطلع على التاريخ أي تاريخ روايته وتاريخ اختلاطه فهو مخلص حسن وقد اطلع عليه في كثير من رجال الصحيح جرحوا بسوء الحفظ بعد الكبير والصحيح من أحاديثهم روى عنهم قبل ذلك فلا تعارض ثم ذكروا أي أئمة الحديث مسألة وهي توثيق من لم يعرف عينه ولم(2/121)
171 يسم مثل قول العالم الثقة حدثني الثقة فإن توثيق لمبهم غير معروف العين أو يقول جميع من رويت عنه ثقة قال الخطيب إذا قال العالم كل من رويت عنه فهو ثقة وإن لم يسمعه ثم روى عمن لم يسم فإنه يكون مزكيا غر أنا لا نعمل على تزكية واختاروا أنه لا يقبل كما ذكره الخطيب وأبو بكر الصير وابن الصباغ من الشافعية وغيرهم وحكى ابن الصباغ عن أبي حنيفة أنه يقبل واستدلوا على عدم القبول بقوله لجواز أن يعرف فيه جرح لو بينه قالوا بل إضرابه عن تسمية ريبة توقع ترددا في قلت السامع نعم قال الخطيب إذا قال العالم كل من أروى لكم عنه وأسميه فهو عدل تقي مقبول الحديث كان هذا القول تعديلا لكل من روى عنه وسماه هكذا حزم به الخطيب قال وكان ممن سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي زاد البيهقي مالك ابن أنس ويحيى ابن سعيد القطان وهذا الذي ذهب إليه أئمة الحديث ضعيف فإن توثيق العدل لغيره مبهما كان أو معينا يقتضي رجحان صدقه ولأنه يلزم على هذا بتقديم الجرح المتوهم على التعديل الثابت وهو خلاف النظر وتجويز وجود الجارح لو عرف هذا المعدل أي لو تعين اسمه لا يعارض هذا الظن الراجح حتى يصدر أي الجرح عن ثقة والفرض أنه لا جرح محقق بل مجوز ولو كان التجويز للقادح يقدح مع تسميته لأن التسمية لا تمنع من وجود جرح عند غير المعدل قد يقال إنه مع التسمية قد فتح لنا بابا إلى معرفته والبحث عنه ومع عدمها قد أغلق باب البحث إلا أنه قد يجاب بأن لا حاجة إلى البحث عنه بعد التزكية فإن قالوا لما لم يعلم أي فيمن سمى والمراد لم يعلم جرحا حكمنا بالظاهر(2/122)
172 حتى نعلم خلافه فكذلك هنا أي فيمن أبهم لا فرق بينهما إلا أن طريق البحث غير ممكنة عند الإبهام وقد يمكن عند التسمية فيكون الظن بعد البحث عن المعارض وهو وجود جارح فيمن سماه الثقة وعدله وعدم وجدانه أي المعارض وهو القادح أقوى فلذا قلنا يقبل فيمن سمى لافيمن لم يسم وهذا الفرق ركيك وإن حصلت قوة الظن كما ذكر لأنا لم نتعبد بأقوى الظنون في غير حال التعارض فإن الظن الحاصل عن توثيق العدل كلف لنا في العمل عند عدم التعارض ولأن الطلب المعارض في هذه الصورة لا يجب كمما سلف من قبول خبر العدل وكفاية الواحد في ذلك ولأن التمكي من البحث قد يتعذر مع التسمية كما قد أشار إليه بقوله وقد يمكن عند التسمية فيلزم طرح توثيق من الفرض أن قبوله واجب وهو الراوي الذي زكاه وسماه الثقة ويمكن نصرة القول الأول وهو عدم قبول تزكية المبهم بأن الخبر عن التوثيق كالخبر عن التصحيح والتحليل والتحرير يمكن اختلاف أهل الديانة والأنصاف فيه فلا بد من تعيين الراوي الموثق ولا يقبل توثيقه مبهما بخلاف الأخبار المحضة التي لا يتطرق إليها اختلاف باعتبار الديانة كأخبار زيد عن قيام عمرو وإذا كان التوثيق ليس من باب الأخبار المحضة فلا يجوز للمجتهد التقليد في التوثيق المبهم على هذا وهو محل نظر والله أعلم واعلم أن في المسألة قولا ثالثا حكاه البرماوي قال وهو الصحيح المختار الذي قطع به إمام الحرمين وجريت عليه في النظم وحكاه ابن الصلاح عن اختيار بعض المحققين أنه إن كان القائل بذلك من أئمة هذا الشأن العارف بما يشترط هو وخصومه في العدل وقد ذكر في مقام الاحتجاج فيقبل وقول رابع وهو التفصيل فإن عرف من عادته إذا أطلق أه يعني به معينا وهو معروف بأنه ثقة فيقبل وإلا فلا حكاه البرماوي أيضا عن حكاية شارح اللمع عن صاحب الإرشاد والثالث قد أشار إليه الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها(2/123)
173 فائدة قول الراوي وأخبرني من لا أنهم كما يقع في كلام الشافعي رحمه الله كثيرا يكون دون أخبرني الثقة قال الذهبي لأنه نفى التهمة ولم يتعرض لإتقانه ولا يكون حجة ورجح غير الذهبي أنه مثل قوله أخبرني الثقة
مسألة في المجهول وأنواع الجهالة وأحكامها
من علوم الحديث الكلام في المجهول أي الراوي الذي جهل عينا أو حالا والآخر قسمان قال تعالى أ لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون
182 قال في الكشاف أو لم يعرفوا محمدا وصحة نسبه وحلوله في سطة هاشم وأمانته وصدقه وشهادته عقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاحه خديجة بنت خويلد كفى برغائها مناديا انتهى
183 وفي هذا أشارة إلى ما في فطر العقول من الشك في خبر ما لا يعرف بما لا يوجب رجحان خبره إذ الآية سيقت مساق الإنكار عليهم لا نكارهم له عليه والسلام لعدم معرفته ومعناه تقرير معرفتهم إياه وأنه لا وجه لا نكاره وليس المراد إنكار ذاته بل إنكارهم وسالته وإخباره عن الله سبحانه كما يرشد إليه العنوان بقوله رسولهم وقد تكرر في كتاب الله تعالى ذم العمل بالظن كما قال تعالى إن يتبعون وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم والظن في اللغة الشك المستوي الطرفين في القاموس الظن خلاف اليقين وهي عبارة قاضية أنه يطلق على المستوى الطريفين وعلى الظن الراجح إذ الكل خلاف اليقين ويجب حمل الآيات الدالة على ذم الظن عليه أي على مستوى الطرفين لا يخفى أنه لا يتم حمملها عليه إلا بعد ثبوت أن الظن الراجح أحد ما يطلق عليه الظن لغة كما نقلناه عن القاموس وأما عبارة المصنف فهي قاضية أن الظن لغة منحصر في مستوى الطرفين فلا بد من تقدير يطلق على الشك أيضا إذ الآيات الدالة على حسن العمل بالظن كقوله وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره فإنه لا يعلم الغائب عنه أنه شطره إلا بالظن ومثل قوله تعالى فإن علمتوهن مؤمنات إذ(2/124)
184 ليس معهم إلا الظن أيمانهن وغيرها من الآيات ويوضح ذلك أي أن المذموم هو الظن بمعنى الشك أنه وصف الذين ذمهم باتباع الظن بالأفك والخرص الذي هو تعمد الكذب قال تعالى إن يتبعون إلا الظن وإنهم إلا يخرصون فالوصف بالخرص دال على أنه ليس عندهم ظن راجح قلت ويدل على استعماله لغة في الراجح قوله تعالى إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين فنفيهم اليقين دالى على أن عندهم ظنا راجحا ويحتمل الشك كما قدمناه عن القاموس وأيضا فمن الظاهر الواضح الراجح أن اتباع الظن الراجح من أمارات الأنصاف لأنه أخذ بالأرجح والأحوط ومن اتبعه كان باتباع العلم أولى وأحرى ثم أن عبادة الحجارة ليست مظنونة ظنا رجحا فتأمل ذلك قلت أما عند عبادها فالظاهر أنهم لم يعبدوها إلا وعندهم ظن راجح باستحقاقها العبادة وكأنه وجه أمره بالتأمل وحى الله عز وجل عن سليمان قوله في الهدهد قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين فإنه عليه الصلاة والسلام توقف في خبر الهدهد ولم يجزم بصدقه ولا كذبه لكونه مجهول الحال عند سليمان ولا يقال هذا من أحكام خطاب الطير فلا يستدل به هنا لأنا نقول فأشار المصنف إلى جوابه بقوله هذا مع قوله تعالى إلا أمم أمثالكم بعد قوله وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الآية فدلت على أن الأحكام واحدة للمماثلة فإنه ظاهر في أن المماثلة في التكليف لا في مجرد الحيوانية مثلا إذ هو معلوم ولأنه يشعر به قوله ثم إلى ربهم يحشرون ولا يقال سلمنا أنهم أمثالنا في التكليف فإنه يشتطر إيمان المخبر ومن أين لنا أن الهدهد مؤمن لأنا نقول من قوله وفي قصة الهدهد ما يدل على إيمانه حيث أنكر عليهم عبادة الشمس من دون الله وأثبت الإلهية له تعلى بقوله في صفته الذي يخرج الخبء في السموات والأرض وأثثبت له العلم بكل شيء حيث قال ويعلم ما تخفون ما تعلنون ووحدة وأثبت له العرش في قوله الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم فإن السياق قاض أنه من كلامه وهذه معاقد(2/125)
الإيمان وأمهات قواعد التوحيد وفي الآية أيضا دليل
185 على إعلال الحديث بالريبة وذلك لتوقفه عليه الصلاة والسلام حتى يبحث فيعلم صدقه أو كذبه وقد تقدم في أول المسألة إشارة إلى مذهب أئمة الزيدية في هذه المسألة وهي معروفة في كتبهم الأصولية وإنما تذكر هنا كلام المحدثين لعدم وجوده في غير هذا الفن ولمعرفة عرفهم إذا قالوا في بعض الرواة أنه مجهول ولهم فيه تقاسيم لا تعرف إلا في هذا الفن وقد ألم بها المصنف رحمه الله فنقول أي إذا عرفت ما سقنا فنقول قال المحدثون في قبول رواية المجهول خلاف وهو أي المجهول على ثلاثة أقسام مجهول العين ومجهول الحال ظاهرا وباطنا ومجهول الحال باطنا فهذه ثلاثة أقسام الأول وهو مجهول العين وحقيقته هو من لم يرو عنه إلا راو واحد وفيه أي في الحكم في خمسة أقوال الأول أن الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لايقبل ويأتي تحقيق الدليل عليه واختيار خلافه والثاني أنه يقبل مطلقا وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام زاد الزين واكتفى في التعديل بواحد ويأتي نصرة هذا القول والثالث التفصيل وهو إن كان الراوي المنفرد بالرواية عنه لا يروى إلا عن عدول قبل مثل ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان ومالك ومن ذكر بذلك أي بأنه لا يروى إلا عن عدل معهم وإلا لم يقبل والرابع تفصيل أيضا إلا أنه على غير الطريقة الأولى وهو أن الراوي إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد ومثلوه بمالك بن دينار أو النجده أي الغلبة ومثلوه بعمرو بن معدي كرب قبل وإلا يشتهر بشيء من ذلك فلا يقبل وهو أي هذا التفصيل الآخر قول ابن عبد البر كما سيأتي والخامس تفصيل على غير الطريقين الأولين وهو أنه إن زكاه أي الذي لم يرو عنه إلا راو واحد أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا يزيكه أحد فلا وإن روى عنه عدل وهو اختيار أبي الحسن بن القطان في كاتبه(2/126)
186 المسمى بيان الوهم والإيهام قلت و القول السادس إن كان مجهول العين صحابيا قبل لما يأتي من القول بأن الصحابة كلهم عدول وهو مذهب الفقهاء أي الأربعة وبعض المحدثين وشيوخ لاعتزال كأنه عطف على المحدثين ال على بعض لما تقدم له من أن الجاحظ والنظام قدحا في جماعة من الصحابة وكذلك عمرو ابن عبيد كما ذكرناه رواه عن المعتزلة ابن الحاجب في مختصر المنتهى واختاره الشيخ أبو الحسين البصري المعتزلي في كتابه المسمى المعتمد في أصول الفقه بل يأتي أنه قائل بعدالة أهل ذلك العصر جميعا وإن لم يكن صحابيا والحاكم المعتزلي وهو المحسن بن كرامة في كتابه شرح العيون وسوف يأتي بيان هذه المسألة على التفصيل عند ذكر الصحابة سيأتي تحقيقها في أواخر هذا الكتاب وسيصرح المصنف أن عدالة المجهول من الصحابة إجماع أهل السنة والمعتزلة والزيدية وقد عرفت أن حكاية المحدثين لهذا الخلاف في قبول مجهول العين يدل على أن مذهب جمهوهم أن من روى عنه عدل وعدله آخر غير الراوي فهو عندهم مجهول فإن حقيقة المجهول حاصلة فيه وهي تفرد الراوي عنه بل ظاهر كلامهم في مجهول العين أنه لو زكاه جماعة وتفرد عنه راو لم يخرج عن جهالة العين لأنه جعل حقيقته من لم يرد عنه إلا راو واحد ولا حاجة إلى قوله بل هو عندهم مجهول العين إذا البحث في ذلك وإنما دل حكاية الخلاف على ذلك لأنهم في علوم الحديث حكوا قبول من هذه صفته وهي تفرد الراوي عنه والمزكي اختيارا لأبي الحسن بن القطان فقط كما سلف في القول الخامس وهذا أي الذي دل عليه كلام الجمهور قول ضعيف فمن عرفه ثقة وعدله ثقة وروى عنه ثقة آخر لا يخفى أن الكلام فيمن تفرد عنه ثقة ووثقه ثقة فزيادة المصنف وعرفه ثقة لم يتقدم شرطيته ولفظ المصنف في مختصره فإن سمى المجهول أوانفرد واحد عنه فمجهول العين والحق عند الأوصليين أنه إلا وثقة ثقة الراوي أو غيره قبل خلافا لأكثر المحدثين والقول أي الصحيح قول الأصوليين انتهى لا معنى(2/127)
لتسميته مجهولا الذي في مختصره أيضا
187 ووجه قول المحدثين أنهيتنزل أي المجهول العين الموثق منزلة التوثيق المبهم إذا كان اسم الرجل وعينه لم تثبت إلا من جهة من وثقة فكأنه قال حدثني الثقة وذلك غير مقبول عند أهل الحديث كما تقدم والمصنف قد جعل قبوله محل تردد هذا كلامه في توجيه ما ذهب إليه أئمة الحديث فكيف يقول هنا لا معنى لتسميته مجهولا وقوله لأنهم أي أئمة الحديث لم يشترطوا العلم بعينه أي الراوي وبعدالته قد طوى مقدمة الدليل وهي قوله لأنه أي التعديل من الثقة والرواية منه أو من غيره تفيد أن الظن بل التوثيق وحده يفيده وهو يجب العمل بالظن هنا لأنهم لم يشترطوا إلخ ويوجبوا عطف على لم يوجبوا أن يبلغ المخبرون بها أي العدالة عدد التواتر ليفيد العلم ولو اشترطوا ذلك لم تساعدهم الأدلة عليه فيكون شرطا بغير دليل فلا يلتفت إليه فإن أخبار الآحاد الظنية يحتمل أنه بريد أن أدلة العمل بها ظني أو أنها في دلالتها على الحكم الذي وردت فيه لا تفيد إلا ظن الحكم وقوله واشتراط مقدمات علمية وهي تواتر عدالة الراوي في أمور ظنية وهي أخبار الآحاد تفيد أنه يريد الوجه الأخير غير مفيد فلا يتم الاشتراط لأنها لا تحصل إلا الظن فأي فائدة لشرطية علمية المقدمات في ظني النتائج بل الذي تقتضيه الأدلة أنه لو وثقه واحد ولم يرو عنه أحد أو روى عنه واحد ووثقه هو بنفسه لخرج عن حد الجهلة وصار مظنون العدالة والعمل بالظن واجب فقد نص أهل الحديث أن التعديل يثبت بخبر الواحد كما تقدم إلا أنه يقال إن ذلك فيمن قد عرف اسمه وإسلامه من غير جهة المعدل والمفروض هنا أنهما لم يعرفا إلا من جهته في أحد التقادير وكلامهم هنا على تقدير انفراد الراوي عنه وأن يكون هو المعدل هذا مع ما يعرض في التعديل من المصانعة والمحاباة وقد قبلتموه مع هذا المعارض فكيف لا تقولون يرد إلى الجهالة العيننية بالأخبار من العدل بالوجود لمن عدله أو روى عنه أو عدله وروى عنه(2/128)
فإن قول الثقة مثلا أخبرني زيد بن عمرو مثلا أو قال وهو ثقة
188 أو وثقه غيره ولم تعلم رواية عن زيد هذا ولا عرف اسمه لوا توثيقه إلا من كلام الراوي هذا مثلا عنه فقد تضمن إخبارا بوجوده لكنه غير مراد للراوي وإنما هو لازم خبره وإخبارا بأنه ثقة فلم لا يقبل خبره بوجود ويقبل خبره بأنه ثقة فكيف هذا الصنيع هذا تقرير مراد المصنف ولعلهم يقولون إنا نقبل خبره بأنه ثقة إن عرفنا وجوده من غير طريق غيره لا أنا عرفناهما معا من طريقه فإنه بمثابة قوله أخبرني الثقة يكون تعديلا مبهما ولذا قال المصنف في مختصره عن الجماهير إذ لو اشتهر أي الذي تفرد بالرواية عنه والتوثيق واحد لأمكن القدح فيه انتهى فأن هذا مشعر بأن المانع عن قبول ما ذكر هو الإبهام المانع عن تنحقيق حاله لا إنكار وجوده وعدم قبول خبر العدل فيه فإنهم يقولون نحن نقبل خبر العدل بانه موجود ونقبل خبره بأنه عدل عنده لكنا نريد معرفة عينه من طريق غيره وشهرته لتجويز وجود جارح فيه والحاصل أن هذه المسألة بعينها ملاقية لمسألة توثيق المبهم وبه تعرف ما في قوله فلم يعهد من عدل أنه يحتاج إلى اختراص وجود معدوم أي يكذب في خبره بأن المعدوم موجود فإذا قبل واحد في توثيق الراوي وإسلامه فهو أي الواحد في القبول في وجوده أولى وأحرى أي في قبولنا خبره بوجوده قد عرفت أنهم قابلون لخبره بوجوده كقبولهم لوجود الثقة إذا قال العدل أخبرني الثقة لكنهم يطالبون في غير ذلك كما عرفت واعلم أن المصنف أجاب عن الجمهور في مختصره بقوله والجواب أن الضرورة إذا ألجأت إلى التقليد جاز بناء الاجتهاد عليه كالتقليد في توثيق المعين وجرحه فإفاد كلامه أن جعل تفرد الراوي والموثق مزيلا للجهالة العينية ليس إلا من باب التقليد للضرورة وأن تعديل من ليس بمجهول العين وجرحه أيضا من باب التقليد والذي تقدم له أن قبول خبر العدل ليس من باب التقليد بل من باب الاجتهاد لقيام الدليل على وجوب قبول خبره والتزكية(2/129)
والجرح من باب الأخبار إذ مفاد قوله المزكي فلان عدل أي آت بالواجبات تارك للمقبحات
189 محافظ المروءة وقوله جرحا هو فاسق لشربه الخمر مثلا الكل إخبار عدل يجب قبوله لقيام الأدلة على العمل بخبر العدل وليس تقليدا لو كما سلف للمصنف رحمه الله نظيره في قول العدل هذا الحديث صحيح فإنه قال إنه خبر عدل وإن قبوله ليس من التقليد وإن كان ناقض نفسه في محل آخر وقد قررنا الصحيح من كلامه والحاصل أن الدليل قد قام على قبول خبر العدل إا عن فسه بأن يخبر بأنه ابن فلان أو أن هذه داره أو جاريته فهذا لا كلام في قبول خبره عنه بالضرورة الشرعية بل يقبل خبر الفاسق بذلك بل أبلغ من هذا أنه يجب قبول قول الكافر لا إله إلا الله ويحقن دمه وماله ونعامله معاملة أهل الإيمان لأخباره بالتوحيد وإن كان معتقدا لخلافه في نفس الأمر كالمنافق وإن كان خبره عن غيره كروايته للأخبار قبل أيضا وإن كان عن صفة غيره بأنه عدل أو فاسق قبل أيضا إذ الكل خبر عدل وقبول خبره ليس تقليدا له بل لما قام عليه من الدليل في قبول خبره هذا تقرير كلام أهل الأصول وغيرهم ولنا فيه بحث أشرنا إليه في أوائل حاشية ضوء النهار والمراد هنا معرفة ما في كلام المصنف من قوله إن الضرورة إذا ألجأت إلى تقليد جاز بناء الاجتهاد عليه كالتقليد في توثيق المعين وجرحه فإنه قاض بأن كل من عمل بكلام العدول تزكية وجرحا فإنه مقلد ومعظم الاجتهاد على ذلك فهذا من المصنف كالرجوع إلى القول بانه قد انسد باب الاجتهاد في الأخبار لا نبنانه التقليد وهو خلاف ما ألف لأجله العواصم وغيرها من كتبه وقد أشار ابن الصلاح إلى مثل ما ذكرته في أن ارتفاع الجهالة في التوثيق بالواحد تقتضي أن ترتفع جهالة العين بالواحد قد عرفت ما فيه فإنهم يقولون مجهول العين من لم يعرفه العلماء ولم يعرف حديثه إلا من جهة واحدة وقبولهم توثيق الواحد إنما هو فيمن عرفت عينه وجهلت عدالته ولم يردوا عليه ذلك بحجة وإنما ردوا(2/130)
عليه بكون ذلك عرف المحدثين وقد نص جماعة من كبار
190 المحدثين على هذا العرف منهم أبو بكر الخطيب سيأتي لفظه قريبا ومحمد ابن يحيى الذهلي كان لأحسن تقديمه على الخطيب كما فعله الزين لأنه السابق بهذه فإنه قال إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة وحكاه الحاكم عن البخاري ومسلم لكن رد ابن الصلاح ذلك فقال قد خرج البخاري في صحيحه عن مرداس الأسلمي ولم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنه غير أبي سلمة وذلك مصير منهما إلى خروجه عن هذه الجهالة برواية واحد انتهى فدل على خلاف ما حكاه الحاكم عن الشيخين وقد تعقب الشيخ محي الدين النووي كلام ابن الصلاح فقال الصواب ما ذكره الخطيب فهو لم يقله عن اجتهاده بل نقله عن أهل الحديث ورد الشيخ عليه بما ذكره عجب لأنه شرط في المجهول أن لا يعرفه العلماء وهذان معروفان عند أهل العلم بل مشهوران فمردس من أهل بيعة الرضوان وربيعة من أهل الصفة والصحابة كلهم عدول فلا تضر الجهالة بأعيانهم لو ثبت وأجيب عنه بأن هذا مسلم في حق الصاحبة والكلام أعم وذكر الذهبي ما يقتضي ذلك من عدم ارتفاع الجهالة في رواية الواحد فقال زينب بنت كعب بن عجرة مجهولة لم يرو عنها غير واحد وصف كاشف لقوله مجهولة إذا عرفت هذا فعلى هذا لا يكون قولهم في الراوي إنه مجهول جرحا صحيحا الأحسن صريحا عند مخالفيهم أن نقول بأن رواية لواحد تزيل الجهالة بل نقف حتى نبحث فعلى هذا يكون من الجرح المطلق ولذا قلنا الأحسن أن يقول صريحا إلا أنه غير خاف عليك أن القدح بجهالة العين معناها أنه لم برو عن إلا واحد ممن يكتفي به في إزالة جهالة العين لتوقفه بل نقبله إذ قد ثبتت عدالته من جهة هذا الواحد الراوي عنه أو غيره وكأنه يرد أنه يقف(2/131)
191 حتى يعرف عدالته إذا لم يكن قد عرفها ويكون هذا من جملة عبارات الجرح التي توجب الوقف وإن لم يكن جرحا في الرجل فهو قدح في قبول روايته أي موجب للتوقف فيها وقال أبو بكر الخطيب في الكفاية في تعريف المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد وقال الخطيب أقل ما ترفع به الجهالة أن يروي عنه اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم إلا أنه يثبت له حكم العدالة بروايتها عنه وإن انتفت عنه الجهالة قلت فزاد الخطيب في التعريف لعرفهم أمرين لا دليل عليهما أحدهما اشتهار المجهول بطلب العلم ومعرفة العلماء لذلك منه وثانيهما أن يكون الراويان عنه من المشهورين بالعلم في قوله في أقل ما ترتفع به الجهالة فهذا أي ما زاده الخطيب يزيدك بصيرة في عدم قبول حكمهم بجهالة الراوي فلا يقبل قولهم هذا مجهول العين لأنهم تعنتوا في حقيقته وأتوا بشرائط غير صحيحة لعدم الدليل عليها لأن العلم على الصحيح ليس من شروط الراوي لأنه من قبل العلماء رواية من ليس من العلماء كأعراب الصحابة رضي الله عنهم ولو كان العلم شرطا فيه لم يقبل كثير من الصحابة والأعراب لا يقال الصحبة كافية في القبول لأنا نقول قد شرطتم العلم في الراوي فلم تكن الصحبة لمجردها تفيد العلم وقد ثبت أن ذلك أي العلم لا يشترط في الشهادة وهي آكد من الرواية فإذا لم تشترط في الراوي فأولى أن لا تشترط فيمن روى عنه أو من روى عنه راو أيضا القسم الثاني من أقسام المجهول مجهول الحال في العدالة في الظاهر والباطن مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه وفيه أي في قبوله ثلاثة أقوال الأول أنه لا يقبل حكاه ابن الصلاح وزين الدين ناسبا له إلى ابن الصلاح عن الجماهير وذلك لأن تحقق العدالة في الراوي شرط ومن(2/132)
192 جهلت عدالته لا تقبل روايته والثاني يقبل مجهول عدالة الباطن والظاهر ومطلقا من غير تفصيل وإن لم تقبل رواية مجهول العين لأن معرفة عينه هنا أغنت عن معرفة عدالته والثالث التفصيل وهو أنه إن كان الراويان عنه اللذان بهما عرفت عينه لا يرويان إلا عن عدل قبل وإلا فلا هكذا سرد هذه الأقوال ابن الصلاح ونقلها عنه زين الدين ولم يذكرا دليلا عنهم كما فعله المصنف القسم الثالث من أقسام المجهول مجهول العدالة الباطنة والعدالة الباطنة عندهم هي ما يرجع إلى تزكية المزكين كما يأتي وهو عدل في الظاهر فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال في دليل القطع به لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الأخبار قد تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن وتفارق الرواية الشهادة فإنهما تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك أي معرفة العدالة الباطنة لأنهم يطلبون التزكية فإن وجدت عملوا فاعتبرت فيها العدالة في الظاهر والباطن قال ابن الصلاح يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة عن غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم اعلم أنهم شرطوا في الراوي كونه عدلا ثم رسموا العدالة بالتقوى وهي الإتيان باا يرجع إلى تزكية المزكين كما يأتي وهو عدل في الظاهر فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال في دليل القطع به لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الشهادة فإنهما تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك أي معرفة العدالة الباطنة لأنهم يطلبون التزكية فإن وجدت عملوا فاعتبرت فيها العدالة في الظاهر والباطن قال ابن الصلاح يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة عن غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم اعلم أنهم شرطوا في الراوي(2/133)
كونه عدلا ثم رسموا العدالة بالتقوى وهي الإتيان باا يرجع إلى تزكية المزكين كما يأتي وهو عدل في الظاهر فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال في دليل القطع به لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الشهادة فإنهما تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك أي معرفة العدالة الباطنة لأنهم يطلبون التزكية فإن وجدت عملوا فاعتبرت فيها العدالة في الظاهر والباطن قال ابن الصلاح يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة عن غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم اعلم أنهم شرطوا في الراوي كونه عدلا ثم رسموا العدالة بالتقوى وهي الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات مع عدم ملابسة بدعة ثم قالوا يكتفي تعديل الثقة لغيره بقوله عدل أو ثقة مثلا ومعناه إخباره أنه علم منه إتيانه بالواجبات واجتنابه المقبحات وعدم ملابسته لبدعة وهذا الخبر مستند إلى مشاهدته لفعله وتركه وهذه المشاهدة أمر ظاهر وأما معرفة باطنة فلا يعلمها إلا الله فالمزكي غايته كالمعدل بلا زيادة فشرط العدالة الباطنة شرط لا دليل عليه وإن أريد أن الخبرة تدل عليها فالخبرة لا بدمنها في المعدل أيضا ثم رأيت المصنف قد ثتبه لهذا آخرا ولله الحمد ولعلهم لما سموا العدالة عن غير تزكية عدالة ظاهرة سموا ما كان عن تزكية عدالة باطنة تسامحا وللتفرقة بين الأمرين والله أعلم(2/134)
193 وأطلق الشافعي كلامه في اختلاف الحديث أنه لا يحتج بالمجهول وحكاه البيهقي عنه في المدخل قل ولفظ الشافعي في كتاب اختلاف الحديث والظاهر في المجهول هو من لا تعرف عدالته عن خبرة أو عينه كما يدل له قوله ونقل الروياني عن نص الشافعي في اليأم أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان ولا يعرف حالهما من الفسق والعدالة انعقد النكاح بهما أي بشهادتهما في الظاهر وليس الخطاب إلا في انعقاده فيه لأن ظاهر المسلمين العدالة فالمسلمون عدول وهي عدالة يشهد بها إسلامهم وهذا يوافق من يقول الأصل في المسلمين العدالة وقوله الأول يخالفه وكثيرا ما يأتي له في المسألة قولان وهذا منها ذكره الروياتي في البحر نقل ذلك عن الروياتي زين الدين ولما ذكر اين الصلاح هذا القسم الأخير وهو من عرفت عدالته ظاهرا لا باطنا قال وهو المستور فقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته باطنا انتهى كلام ابن الصلاح قال الزين بعد نقله لكلام ابن الصلاح وهذا الذي نقل كلامه آخرا هو البغوي وتبعه عليه الرافعي وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح وقال النووي في شرح المهذب إن الأصح قبول روايته قال الزين كلام الرافعي في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى أقوال المزكين قد قدمنا لك أن التعديل والتزكية إنما مدارهما على الخبرة الظاهرة قلت ظاهر المذهب أي مذهب الزيدية قبول هذا المسمى عندهم بالمستور بل قد نص على قبوله وسماه بهذه التسمية الشيخ أحمد في الجوهرة كما تقدم ولم أعلم أن أحدا من الشارحين اعترضه والأدلة في قبول خبر الآحاد تناوله سواء رجعنا إلى دليل العقل وهوالحكم بالراجح لأن صدقه راجح من حيث عدالته الظاهرة أو رجعنا إلى دليل السمع وهو قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو كذلك أي معروف العدالة الظاهرة مجهول الباطنة كالأعرابيين في الشهادة بالفطر من رمضان يأتي تخريج حديثهما في آخر(2/135)
194 الكتاب وقد وسع المصنف الاستدلال للمسألة في الروض الباسم وساق ثمانية أخبار وتأتي المسألة آخر الكتاب والأعرابي بالشهادة بالصوم في أوله وسيأتي طرق هذين الحديثين في آخر الكتاب عند ذكر عدالة الصحابة وهذا أوسع دائرة مما اختاره سليم الراوي فإنه إنما اختار ذلك في الأخبار دون الشهادة كما عرفت ومما يدل على ذلك إرساله صلى الله عليه وسلم رسله كمعاذ وأبي موسى إلى اليمن وهما عند أهل الين مستوران وإن كانا عند من يخصهما في أرضها مخبورين لا يخفى أنه يريد الاستدلال بقبول أهل اليمن لأخبارهما مستوران عندهم وبأنه قد عرف صلى الله عليه وسلم ذلك فكان تقريرا منه ولكنه يقال أهل اليمن الذين يقبلون أخبارهما أحد رجلين إما كافر فلا يعتبر قبوله ولا عدمه وإما مؤمن وهو يقبل أخبارهما عن الشرائع والمؤمن يعلم أنه لا يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبعث بالشرائع من يبلغها عنه إلا وهو ثقة عدل فأحسن من هذا في الاستدلال قوله أورجعنا إلى إجماع الصحابة فقد حكى الشيخ أو الحسين وغيره قبولهم لأحاديث الأعراب من المسلمينن أو رجعنا إلى أهل البيت عليهم السلام فقد روى المنصور بالله رضى الله عنه والسيد أبو طالب وأهل الحديث عن علي عليه السلام أنه كان إذا اتهم الراوي استحلفه فإذا حلف له قبله وهذا يدل على أنه لم يعرف عدالته الباطنة قلت ولا الظاهرة إذا لو علمها لما اتهمه كما يدل له قوله أنه حكى أبو الحسين إجماع الصحابة على قبول من عرفت عدالته الظاهرة وعلي عليه السلام رأس الصحابة وهذا هو الغالب من مذاهب العترة والمعتزلة أهل الأصول إلا أنه يقال إذا كان كذلك فلا وجه لاشتراط التزكية والتعديل للراوي عندهم وذكر محمد بن منصور المرادي صاحب كتاب علوم آل محمد أنه يرى قبول المجاهيل ذكر ذلك في كتابه المسمى بالعلوم قلت هذا مذهب له ولا ينازع في مذهبه وقول المحدثين إنه لا بد من معرفة العدالة الباطنة مشكل إما لفظا فقط أو لفظا ومعنى فإن(2/136)
أرادوا
195 ما نص عليه الرافعي من أنهم عنوا بذلك من رجع في عدالته إلى أقوال المزكين أشكل عليهم ذلك لفظ لأن هذا المعنى صحيح ونحن نقول به ولكن هذه العبارة أي قبولهم عدالته الباطنة ركيكة موهمة أنه لا بد من معرفة باطن الراوي وتعديل المزكين لا يوصل إلى ذلك لأن المزكي إنما عرف الظاهر كما قررناه آنفا ثم أخبرنا به فقلدناه فيه فيه ما تقدم فكيف لا تحكم بالعدالة الباطنة إذا عرفنا ما عرف المزكي من غير واسطة خبره وتقليده كما زعم القائل بذلك وإذا عرف ذلك وجهلناه ثم أخبرنا به وقلدناه حصلت العدالة الباطنة كما قالوه فإن قالوا المراد بالعدالة الباطنة ما كان عن خبرة وهي التي تحصل للعدل والمزكي وبالظاهرة ما كان بمجرد الإسلام قلن من لم يعرف بغير مجرد الأسلام فقد تقدم في القسمين الأولين من أقسام المجاهيل وهذا قسم ثالث قد ارتفع عنهما ولا يرتفع عنهما إلا بخبرة لا يتم أن المراد بالعدالة الظاهرة ما كان بمجرد الإسلام فإن قالوا ليست العدالة الظاهرة مما عرفت بمجرد الإسلام بل ما تعرف بخبرة يسيرة توصل إلى مطلق الظن والباطنة ما عرف بخبرة كثيرة توصل إلى الظن المقارب العمل وسمعوا الظن المقارب للعلم علما لا أدري أي حاجة إلى زيادة هذا فإنهم لم يشترطوا العلم بالعدالة الباطنة بل قالوا لا بد من معرفة العدالة الباطنة ومعرفتها أعم من أن تكون بعلم أو ظن دون مطلق الظن تخصيصا له بما هو أولى به فإن الظن المقارب هو الفرد الكامل من الظنون ويسمى علما فإن مطلق الظن قد يسمى علما فكيف بأقواه قلنا الظن في القرة لا ينقسم إلى قسمين فقط كما أفادة كلامكم بل ينتهي إلى شيء معين ولا يقف على مقدار ولا يمكن التعبير عن جميع مراد به بالعبارة وأيضا فإنهم يختلفون في الظنون اختلافا كثيرا ومعرفة المزكي لكون ظنه مقاربا أو مطلقا أو وسطا بين المطلق والمقارب دقيقة عويصة فإنها أمور وجدانيه وأكثر المزكين لم يعرف معاني هذه العبارات بل ولا سمعها(2/137)
فكيف يكلف بها وهي مولدة اصطلاحية لم تأت عن الشارع
196 ولا عن أهل اللغة ولو كلف كل مزك أن يزكي على هذا الوجه أي تزكية صادرة عن الظن المقارب لم يفعل أو لم يعرف ولم تزل التزكية مقبولة من قبل حدوث هذه الاصطلاحات فكيف تناط أمور شرعية بهذه الاصطلاحات الحادثة العرفية والعدالة حكم منضبط يضطر إليها العامة أي عامة الناس في الشهادة في الحقوق والنكاح ورواية الأخبار وقبول الفتوى من المفتي وصحة قصاء القاضي ومعنى اضطرارهم إليها أنهم يحتاجون إلى العدول في هذه الأمور التي تعم بها البلوي ولا بد أهم عارفون بمعناها باعتبار ما يظهر لهم قتعليقها بأمر خفي غير منضبط وهوالظن المقارب بغير نص يدل على ذلك التعليق ولا عقل يحكم به غير مرضىفإنه لا يعلق حكم بأمر إلا بدليل يدل عليه وإلا كان تحكما بل نقول مطلق الخبرة المفيدة للظن مطلقا كافية وتزكية المزكي لا تفيد غير ذلك أي الظن المطلق إلا أن يكون المزكي من أهل هذا العرف فلا يزكي إلا عن ظن مقارب فإن قلنا مثل ذلك شرطنا في المزكي أن يقول بمثل مقالتهم هذه وهذا شرط بعيد غير معروف عند الأصليين وغيرهم هذا تقرير إشكال عباراتهم لفظا وأما الوجه الثاني وهو اختلال عباراتهم لفظا ومعنى فذلك أي بيان إشكالها إن أرادوا أنها على ظاهرها ولم يتأولوها بالتجوز وذلك أي حمل كلامهم على الحقيقة أن يقولوا في اسم العدالة الظاهرة هي ماعرف بالخبرة الموجبة للظن و أن يقولوا في اسم العدالة الباطنة العدالة في الباطن والظاهر زاده استطرادا هي العدالة المعلومة بالقرائن الضرورية مثل عدلة المشاهير المتواترة عدالتهم مثل العشرة من الصحابة الذين جمعهم المصنف في قوله شعرا للمصطفى خبر صحب نص أنهم في جنة الخلد نصا زادهم شرفا هم طلحة وابن عوف والزبير مع أبي عبيدة والسعدان والخلفا وعمان بن ياسر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه مليء إيمانا وسلمان الفارسي الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم(2/138)
سلمان منا وأبي
197 ذر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصدق من بينهما وأمثالهم من أهل ذلك الصدر أي عصر الصحابة ولا يخفى أن المحدثين قائلون أن الصحابة مطلقا ليس فيهم مستور وقد تقدم الرد على ابن الصلاح من النووي حيث زعم أن مرداسا وربيعة بن كعب الأسلمي مجهولان ما عرفته قريبا نعم يتجه التمثيل بقوله ومثل زين العابدين وهو علي ابن الحسين وسعيد بن المسيب من التابعين والحسن البصري وأمثالهم ومثل إبراهيم بن أدهم من المتعبدين ومثل القاسم بن ابراهيم الرسي و يحيى بن الحسين الهادي حفيده من الأئمه الهادين فلم أى شارطى العدالة الباطنة أن يقولوا عدالة هؤلاء معلومة ظاهرا وباطنا وليس ذلك أي معرفة الغدالة الباطنه من قبيل علم الغيب بل من قبيل العلم الصادر عن القرائن فانا نعلم أن القاسم رضي الله عنه لم يكن في الباطن منافقا بل نجد اعتقادنا جازما بصحة الأولى إيمانه وفضله ولما كان الجزم بعلم ما في الاعنقاد باطنا مستعبدا إذ لا يحصل إلا بأخبار من الله تعالى كما قال تعالى في عمار إلا من أكره وقلبه مطمئن الإيمان أشار المصنف بأنه قد قال أهل العلم بمثل هذا في خبر الواحد إذا انضمت إليه القرائن مثل الخبر الآحادي بموت ولد رجل كبير مع بكاء ذلك الرجل بين الناس واستقامته لمن يعزيه وبكاء النسوان في بيته واجتماع الناس للتعزية إليه وظهور الجنازة ونحو ذلك فإن هذا خبر آحادي وقد أفاد العلم بموت ولد الرجل للقرائن المحتفة به وكبار الأئمة والعلماء قد أخبروا عن أنفسهم بالعدالة كقول بعضهم إنه ما عصى الله منذ عرف يمينه من شماله وظهر عليهم من القرائن بصحة إخبارهم ما يوجب علم ذلك أي علمنا به هذا تقرير مراده إن أرادوه فالجواب عليهم أن هذا يحتل عليهم من وجهين أحدهما أن الناس مختلفون في صحة هذا فليست المسألة اتفاقية كما يعرف من أصول الفقه وإن صح فهو علم ضروري غير مستمر لكل أحد بل قد يحصل لناس دون ناس ولذا وقع فيه(2/139)
الخلاف والتعبد
198 بخبر الواحد يشمل الجميع أي جميع المكلفين ممن يحصل له هذا العلم الضروري وهم الأقل وغيرهم وهم الأكثر وهذا القول يؤدي إلى اشتراط أن يخلق الله العلم الضروري بعدالة الراوي في الباطنة وهذا خلاف الإجماع وثانيهما أي وجهي الجواب أن العدالة في الراوي تشتمل على أمرين أحدهما في الديانة التي تفيد مجرد صدقه وأنه لا يتعمد الكذب أما هذا فمحل النزاع كما لا يخفى وثانيهما في الحفظ ولئن سلم لهم ذلك في الديانة فلا يصح العلم الضروري أن الراوي لم يخط في روايته من غير عمد ولا قائل بذلك يتأمل في هذا على أن البالغين إلى هذه المرتبة الشريفة هم الأقلون عددا ولو اشترط ذلك أهل الحديث لم تتفق لهم سلامة إسناد غالبا إذ ليس كل حديث يكون رجاله من ذلك الطبقة العالية وقد نص مسلم في أول صحيحه علىأنا لا تجد الحديث الصحيح عند مثل مالك وشعبة والنوري الذي لا خلاف في إمامتهم ديانة وحفظا وإذا لم نجد مثلهم فلا بد من النزول إلى مثل ليث ابن أبي سليم وعطاء بن السائب وهم من طبقة غير تلك الطبقة في الأمرين إذا عرفت هذا فكن هلى حذر من تضعيف من يرى رد أهل العدالة الظاهرة لكثير من الرواة وتفظن لذلك في كتب الجرح والتعديل فإنهم يردون كثيرا بجهالة باطنة ويسمونه مستوارا والله أعلم
مسألة في قبول رواية الفساق المتأولين
من علوم الحديث الكلام في قبول أهل التأويل من كفاره وفساقه
199 وغيرهم وردهم الظاهر من مذهب أئمة الزيدية قبول المتأولين على خلاف يسير وقع في ذلك ولفظه في الروض الباسم الظاهر من مذهب الزيدية قبول أهل
212 التأويل مطلقا كفارهم وفساقهم وادعوا على ذلك إجماع الصحابة وذلك في كتب الزيدية طاهر لا يدفع ومكشوف لا يتقنع(2/140)
213 قال الأمير علي بن الحسين في كتاب اللمع حكاية عن المؤيد بالله في كفار أهل التأويل ما لفظه فعلى هذا شهادتهم جائزة عند أصحابنا انتهى وهذا اللفظ يعني لفظ أصحابنا يقتضي العموم لأنه من صيغ العموم ذكره غير واحد من أهل العلم أي من أن النكرة إذا أضيفت اقتضت العموم وقد خالف في ذلك أي في قبول كفارة التأويل السيد الإمام أبو طالب وروى الخلاف فيه عن الناصر رضى الله عنه على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى وقد ذكرت هذه المسألة في كتاب العواصم في الجزء الأول منه واستوفيت الأدلة وما يرد عليها وعقد أيضا فصلا لقبول فساق التأويل وذكر خمسا وثلاثين حجة على قبولهم منها آيات قرآنية نحو قوله فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون الآية وأطلق أهل الذكر فدل على قبول خبر من كان من أهله ولو كان فاسق تأويل وهي الحجة الخامسة عشرة فيما عده والسادسة عشرة قوله تعالى فمن جاء موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وقوله تعالى فأما يأتينكم مني هدى وهذا عام لكل ما جاء عن الله سواء كان في القرآن أو على لسان رسوله وحديث المتأولين مما جاء عن الله وعن رسوله الحجة السابعة عشرة قوله وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ذمهم الله تعالى بعدم الإستماع وهو مطلق في كل ما جاء عن الله من معلوم ومظنون فخرج المجمع على رده وبقي المختلف فيه إلا ما خصه دليل ثم ساق في العواصم من الآيات الدالة بعمومها على قبول أخبار المتأولين ومن الأحاديث مافيه مقنع للناظر وسكون القلب لقبول أخبارهم للمناظر فلا نطيل فقد أطال وأطاب وخرج من الإيجاز إلى الإطناب ووشحه بفوائد لا توجد إلا فيه ولم تخرج إلا من فيه جزاه الله خيرا ونقلت ألفاظ أهل المذهب بنصها من كتب كثيرة قال في العواصم إن السيد يريد شيخه علي بن محمد بن أبي القاسم الذي جعل العواصم جوابا على رسالته لم يذكر عن أحد من العشرة أنه يقبل خبر المتأولين إلا عن المؤيد بالله(2/141)
214 كأنه لا يعرف هذا القول منسوبا إلى غيره وما هذا علم المتصف ثم ذكر ما أشار إليه قريبا عن اللمع الذي لا يزال السيد بالتدريس فيه مشتغلا وفيه ما لفظه والأظهر عند أصحابنا أن شهادته جائزة ثم نقل كلام القاضي حسن النحوى والفقيه على الوشلي وغيرهما مما يلاقي ما نقله عن اللمع وأطال في ذلك وأنا أشير هنا إلى نكت كافية إن شاء الله تعالى فأقول المتأولون أقسام الأول من لا يكفر ولا يفسق ببدعته أي المتأول الذي لا يكفر ولا يفسق ببدعته كالمعتزلة عند الزيدية لأنهم عندهم مبتدعون متأولون قال القاضي شرف الدين حسن بن محمد النحوي رحمه الله في تذكرته في فقه الزيدية إن المخالف في الإرجاء أي القائل به وهو القائل بأنها لا تضر مع الإيمان معصية كذلك لا يكفر ولا يفسق وكذلك القاضي فخر الدين عبد الله ابن حسن الداوري ذكر أنه لا يكفر ولا يفسق وكذلك الحاكم المحسن اب كرامة الجشمي في شرح العيون وذكر الفقيه حميد المعروف بالشهيد في عمدة المسترشدين معنى ذلك وذكر الحاكم في شرح العيون والفقيه حميد في العمدة والقاضي عبد الله الدواري في تعليق الخلاصة أن المرجئة صنفان عدلية وغير عدلية وقال الحاكم في الشرح في فصل عقده فيما أجمع عليه أهل التوحيد والعدل إن اسم الاعتزال صار في العرف لمن يقول بنفي التشبيه والجبر وافق في الوعيد أو خالف وافق مسائل الأمامة أو خالف وكذا في فروع الكلام ولذا تجد الخلاف بين الشيخين أبي علي وأبي هاشم والبصرية والبغدادية من المعتزلة يؤيد الخلاف بينهم وبين سائر المخالفين انتهى بلفظه وإنما لم يفسق من خالف في الأمامة كالمعتزلة فإنهم فساق تأويل عند الهدوية بمخالفتهم في الإمامة والأرجاء وقدمنا لك أنه القول بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة قال المصنف إن الإرجاء ليس بكفر ولا فسق عند أهل المذهب نص عليه القاضي شرف الدين(2/142)
215 في تذكرته والحاكم في شرح العيون وقال الشيخ مختار في المجتبئ ما لفظه لم يكفر شيوخنا المرجئة لأنهم يوافقونهم في جميع قواعد الإسلام لكنهم قالوا عنى الله بآيات الوعيد الكفرة دون بعض الفسقة أو التخويف دون التحقيق وأنه ليس بكفر انتهى والأعواض وتفضيل الملائكة على الأنبياء وسائر فروع الكلام لأن الأدلة السمعية القاطعة لم ترد بذلك ولا دليل إلا السمع على ذلك وقد بينت ذلك في العواصم وأنه لا تفسيق إلا بقاطع والعقل لا مدخل له هنا والسمع لم يرد فيه دليل على تفسيق من ذكر القسم الثاني من أقسام المتأولين من فسق بتأويله ولم يكفر وقد روى الإجماع على قبوله من طرق كثيرة ثابتة عن جلة من الأئمة والعلماء تذكر منها أي من طرق رواية الإجماع على ذلك عشر طرق وزاد في العواصم الحاية عشرة والثانية عشرة إلا أنه قد دخلها فيما سرده هنا أحدها وهو الأولى طريق الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة فإنه ادعى الإجماع على ذلك أي على قبول رواية فساق التأويل في كتابيه الأول الذي ألفه في أصول الفقه وسماه صفوة الإختيار والثاني كتابه في الفقه الذي سماه المهذب ولكن في الصفوة بالنص الصريح الاحتجاج الصحيح فإنه قال فيه بعد ذكر خبر الفاسق حكى شيخنا الحسن بن محمد عن الفقهاء بأسرهم والقاضي وأبي رشيد أنه يقبل إلى أن قال وهوالذي تختاره والذي يدل على صحته إجماع الصحابة على قبوله وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه وفي المهذب ما يقتضي مثل ذلك فإنه قال فيه ما لفظه وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات وروى عنهم المحققون بغير منا كرة ذكره في كتاب الشهادات محتجا به على قبول شهادتهم قال في العواصم والدليل على أنه ادعى الإجماع في المقام من وجه أولها وهو أقواها أنه احتج على جواز الشهادة بالقياس على الأخبار ولم يحتج على قبولهم الأخبار قال لأن(2/143)
216 الأخبار نوع من الشهادة ويجرى مجرها في بعض الأحكام فاحتج بأن المحصلين ذهبوا إلى ذلك بغير منا كرة وأراد بالمحصلين العلماء وأنه لم يناكر الآخرن ولفظه صالح لإفادة دعوى الإجماع في اللغة من غير تعسف الطريق الثانية طريق الإمام يحيى بن حمزة ذكره في الانتصار في كتاب الأذان مرة فإنه قال وأما كفار التأويل وهم المجبرة والمشبهة والروافض والخوارج فقد اختلف أهل القبلة في كفرهم والمختار أنهم ليسوا بكفار لأن الأدلة في كفرهم تحتمل احتمالات كثيرة وعلى الجملة من حكم بكفرهم أو إسلامهم قضى بصحة أذانهم وقبول أخبارهم وشهادتهم وقال في كتاب المعيار ما لفظه إن الإجماع منعقد على قبول رواية الخوارج مع ظهور فسقهم وتأويلهم قلت ما خلا الخطابية هكذا كلامه في كتاب المعيار وفي كتاب الشهادات مرة ثانية فإنه قال ومن كفر المجبرة المشبهة قبل أخبارهم وأجاز شهادتهم على المسلمين وعلى بعضهم وناكحوهم وقبروهم في مقابر المسلمين وتوارثوا هم المسلمين الطريق الثالثة طريق القاضي زيد ذكرها في كتاب الشهادات من شرحه المعروف ورواها عنه الأمير الحسين في التقرير فإنه قال فيه ما لفظه وفي الوافي لا بأس بشهادات أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقة بتصديقه وقبول يمينه تخريجا قال القاضس زيد وذلك لأن الإجماع قد حصل على قبول خبرهم فجاز أن تقبل شهادتهم هكذا كلام القاضي زيد قال في العواصم بعد نقله وكلام زيد يعم الكفار والفساق الرابع من طرق رواية الإجماع طريق الفقيه عبد الله بن زيد ذكرها في الدرر المنظومة فإنه قال عند ذكره كافر التأويل وفاسقه والمختار أنه يقبل خبرهما متى كانا عدلين في مذهبهما إلى أن قال والذي يدل على صحة مذهبنا أن الصحابة أجمعت على ذلك وإجماعهم حجة الخامس طريق الأمير الحسين بن محمد ذكرها في كتاب شفاء الأوام(2/144)
217 في كتاب الوصايا في باب ما يجوز من الوصية ومالا يجوز فإنه قال فأما الفاسق من جهة التأويل فلسنا نبطل شهادته في النكاح ونقبل خبره الذي نجعله أصلا للأحكام الشرعية بإجماع الصحابة على قبول أخبار البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام وإجماعهم حجة السادس طريق الشيخ أبي الحسين محمد بن علي البصري ذكرها في كتاب المعتمد فإن قال وعند جل الفقهاء أن الفسق في الاعتقادات لا يمنع من قبول الحديث لأن من تقدم في قبل بعضهم حديث بعض بعد الفرقة وقبل التابعون رواية الفريقين من السلف السابع من طريق رواية الإجماع طريق الحاكم أبي سعيد المحسن بن محمد ابن كرامة ذكرها في شرح العيون فإنه قال فيه ما لفظه الفاسق من جهة التأويل يقبل خبره عند جماعة الفقهاء وهو قول أبي القاسم البلحي وقاضي القضاة ابن رشيد ووجهه ما قاله الفقهاء إجماع الصحابة والتابعين لأن الفتنة وقعت وهم متوافرون وبعضهم يحدث عن بعض مع كونهم فرقا أو أحزابا من غير نكير الطريق الثامنة والتاسعة طريق الشيخ أبي محمد الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص وحفيده والشيخ أحمد بن محمد بن الحسن ذكرها حفيده في الجوهرة لنفسه فإنه قال فيها ما لفظه واختلف في قبول الفاسق من جهة التأويل فذهب الفقهاء بأسرهم إلى أنه يقبل خبرهه إلى أن قال ووجه ما قاله الفقهاء إجماع الصحابة على قبول خبر فاسق التأويل فإن الفتنة لما وقعت في الصحابة ودارت رحااها وشبت لظاها كان بعضهم يحدث عن بعض ويسند الرجل إلى من يخالفه كما يسند إلى من يوافقه من غير نكير من بعضهم على بعض في ذلك فكان إجماعا انتهى وذكرها في كتاب غرر الحقائق عن مسائل الفائق عن جده الحسن بن محمد بن الحسن فإنه قال حكى رضي الله عنه قبوله عن الفقهاء(2/145)
218 إلى قوله ووجه القول الأول أي القول بالقبول إجماع الصحابة وساق في ذلك نحو ما ذكره قريبا الطريق العاشر طريق ابن الحاجب ذكرها في المنتهى فإنه قال في الاستدلال للقابل خبر الفاسق المتأول ما لفظه قالوا أجمعوا على قبول خبر قاله عثمان رضي الله عنه فهذه الطرق تقوي صحة الإجماع عن الصحابة لصدورها أي الطريق عن عدد كثير مختلفي المذاهب والأغراض متباعدي البلدان والأزمان وأكثرهم أي رواة الإجماع من أهل الورع الشحيح فلا يجوز أن أحدهم ينقل ما لا يعلم وجميعهم من أهل المعرفة التامة فلا يجوز أنه يجهل الخلاف عن الصحابة ولو كان موجودا في المسألة وليس يظن بواحد منهم أنه يقول ما يعلم لا سيما وقد ادعواهم وأكثرهم العلم بذلك أي بوقوع إجماع الصحابة كما ثبتت ألفاظهم في كتاب العواصم فإنه صرح الشيخ الحسن الرصاص بقوله أما أنهم أجمعوا فمعلوم من أحوالهم وقال أبو طالب في المجزي إن القائلين بقبول أخبار المتأولين قالوا لأن المعلوم من أحوالهم أي الصحابة أنهم كانوا يراعون في قبول الشهادة والأخبار الإسلام إلى قوله وإنهم كانوا مجمعين على التسوية بين الكل إلى آخر كلامه قال المصنف بعد نقله وهذه حكاية عن أبي طالب عن جميع الفقهاء أنهم ادعوا العلم الإجماع على أن السيد أبا طالب ذكر عنه في اللمع أن كل من قبلهم ادعى الإجماع من الصحابة على قبولهم وقال رضي الله عنه في المجزي كتابه في الأصول إن الفقهاء كلهم ادعوا العلم بثبوت هذا الإجماع قد قدمنا نصفه تقريبا وتوقف عليهم في ثبوت الإجماع ولم يجزم برده بل قال أن حجة من قبلهم الأجماع وحجة من ردهم القياس على الفاسق المصرح أي غير المتأول فإن روايته ورد بها النص في قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ الآية قال فإن صح الإجماع فلا معنى للقياس أي لا يقدم على الإجماع لقوة الإجماع(2/146)
219 وتوقف في ثبوت الإجماع ولذا قال فإن وأتى بكلمة إن دون إذا زيادة في ثبوت التوقف واعلم أن ابن الحاجب وتبعه من أخذ من كتابه كصاحب الغاية احتجوا لرد رواية فاسق التأويل بالآية المذكورة وليس استدلالا صحيحا ولذا قال أبو طالب ابن دليل الرد القياس على المصرح وذلك لأن الآية وردت في فاسق التصريح لأنها نزلت في الوليد بن عقبة في قصة بني المصطلق وكذبه عليه بأنهم أرادوا قاله والقصة معروفة فسقه إما بكذبه أو بشربه الخمر ولا يقال العام لا يقصر على سببه ووقوعه لأنا نقول هو عام في فساق التصريح دون فساق التأويل إذ لا وجود لهم عند نزول الآية ولأنه لا يطلق اللفظ إلا على ما كان في عرف اللغة وعرف اللغة لم يكن فيه أطلاق الفاسق على المتأول وقد أورد المصنف على استدلال ابن الحاجب بالآية على رد رواية فاسق التأويل سبعة عشر إشكالا سردها في العواصم لأن علي بن محمد بن أبي القاسم الذي رد عليه المصنف بالعواصم نقل دليل ابن الحاجب مستدلا به وهاهنا فائدة وهي أن أحدا من الأئمة لم يدع الإجماع على رد الفساق المتأولين وإنما ادعى الإجماع على قبولهم كما عرف فقطع بثبوته طائفة من العلماء وقد عرفت أنهم الأكثر وشك في ثبوت الإجماع على قبولهم آخرون وهم الأقل فهذا الكلام في فساق التأويل قبولا وردا
مسألة
وأما كفار التأويل أي وأما الحكم في قبول رواية كفار التأويل وردها فالمدعون للإجماع على قبولهم أقل من أولئك أي الذين ادعوه في فساق التأويل في معرفتي فالذي عرفت من طرق دعوى الإجماع على قبولهم أربع طرق عن أربعة من ثقات العلماء وكبرائهم وهم الإمام يحيى بن حمزة في كتاب الانتصار في باب الأذان نصا صريحا قال المصنف في العواصم إنه قال وأما كفار التأويل وهم المجبرة والمشبهة والروافض والخوارج فهولاء اختلف أهل القبلة في كفرهم(2/147)
220 والمختار أنهم ليسوا بكفار لأن الأدلة بكفرهم تحتمل احتمالات كثيرة وعلى الجملة فمن حكم بإسلامهم أو كفرهم قضى بصحة أذانهم وقبول أخبارهم وشهادتهم وقد تقدم هذا والثاني المنصور بالله عبد الله بن حمزة في كتاب المهذب عموما ظاهرا وقد قدمنا لفظه وبيان عمومه والثالث الفقيه عبد الله بن زيد في الدور نصا صريحا تقدم أيضا نصه بلفظه والرابع القاضي زيد في الشرح والتقرير نصا صريحا تقدم أيضا لفظه لأن التقرير ليس القاضي زيد بل للأمير الحسين وإنما نقل عنه الأمير في التقرير ذلك كما تقدم للمصنف قريبا فالمراد أنه نص عليه في الشرح نصا صريحا ونقله عنه في التقرير وقد تقدم قول المؤيد بالله رضي الله عنه أن ذلك مذهب أصحابنا هكذا على العموم من غير استثناء الكلام في الناقلين من طرق الإجماع على قبول كفار التأويل لا في القائلين لذلك فهو الذي تقدم وكأنه يريد أنه لا يقول مذهب أصحابنا إلا استنادا إلى إجماع أصحابه ولكن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد ذكر أن كفار التأويل لا يقبلون بالإجماع فهذا خلاف ما رواه غيره وقال الشيخ أحمد بن محمد الرصاص إنه روى عن أبي طالب قريب من الإجماع يعني على ردهم والجواب عن التعارض في النقلين أن تلك الدعوى أي دعوى الإجماع على قبولهم أرجح بالكثرة فإن رواتها خمسة قال في العواصم والترجيح يحصل بزيادة واحد فكيف أربعة وهذا الترجيح بكثرة العدد و تترجح أيضا الزيادة في رواتها في الفضل والعلم وعدم الإبتداع عند من يوافقهم في المذهب فإنهم غير مبتدعين عنده للقول بعدم قبول المتأول قلت وقد يعارض بأنهم مبتدعون عنه من يخالفهم وليس اعتبار مذهب من يوافقهم بأولى من اعتبار مذهب من يخالفهم واعلم أن هذا إشارة إلى كلام السيد علي بن محمد بن أبي القاسم صاحب الرسالة المردود عليها بالعواصم فإنه قال إن رواية العدل المنزه عن البدع مقدمة على رواية المبتدع(2/148)
221 بالإجماع وقاضي القضاة مبتدع عند الجميع لمخالفته لأهل البيت في مسائل قطعية توجب ترجيحهم عليه وهذه أي رواية الإجماع على عدم قبولهم تفرد بها القاضي عبد الجبار كما تقدم وقد رد ذلك عليه الشيخ أبو الحسين في المعتمد فإنه قال وأما الكفر بتأويل فإنه ذكر قاضي القضاة أيده الله أنه يمنع من قبول الحديث قال لاتفاق الأمة على المنع من قبول خبر الكافر قال والفقهاء قبلوا أخبار من هو كافر عندنا لأنهم لم يعتقدوا فيه أنه كافر قال أبو الحسين والأولى أن يقبل خبر من هو كافر أو فاسق بتأويل إذا لم يخرج من أهل القبلة وكان متحرجاا لأن الظن بصدقه غير زائل وادعى الإجماع على نفي قبول خبر الكافر على الإطلاق ولا يصح لأن كثيرا من أصحاب الحديث يقبلون خبر سلفنا كالحسن وقتادة وعمرو مع علمهم بمذهبهم وإكفارهم من يقول بقولهم وقد نصوا على ذلك انتهى قال المصنف بعد نقله له وقول أبي الحسين على الإطلاق يعني أنه لم يقيد بالكفر المجمع على رد صاحبه بالكفر المخرج عن الملة وهذا الرد لقول قاضي القضاة وعلمنا من المخالفين الذي ادعى عليهم الموافقة أنهم يخالفون في ذلك فلم يتم دعواه وأما السيد أبو طالب فإنما حكى الشيخ أحمد عنه ما هو قريب من الإجماع والقريب من الشيء غير الشيء والحجة إنما هو الإجماع لا القريب منه على أنه رواه عنه بصيغة التمريض قلت وما أحسن قول المصنف في العواصم على هذه العبارة حيث قال وليت شعري ما حد مقاربة الإجماع فقال مالفظه وكذلك السيد أبو طالب حكى الإجماع في كفار التأويل انتهى وأنكر المصنف وجود هذا عن أبي طالب وقال إنما المروي عنه ما ذكره الشيخ أحمد الرصاص وكذا ابن الحاجب لم(2/149)
223 يدع في مسألة كفار التاويل وردهم إجماعا قط كما بينه في العواصم وذلك أن السيد علي بن أبي القاسم ادعى أن ابن الحاجب حكى الاجماع في رد روايه كفار التأويل فقال المنصف ما لفظه والمبتدع بما يتضمن التفكير كالسافر عند المكفر قال المنصف المكفر بعض الأمة فلم يلزم أن تجمع الأمة على رده فان قلت كلامه يقضي بأن الذين لم يكفره لردوا روايته قلت ليس كلامه يقتضي هذا لوجهين أحدهما أن الذي لم يكفر لا يسمى مكفر إلا حقيقةولا مجازا وابن الحاجب إنما روى عمن يكفر وإذا ثبت أن الأمة غير مجمعة على التفكير فقد تعذر الإجماع وهو مأخوذ من نص ابن الحاجب ثم قال الوجه الثاني أن زبدة الكلام أن السيد توهم من ابن الحاجب أنه قال إن الذين لم يكفروا لو كفروا لما قبلوا من كفروه وهذا ليس بدعوى الإجماع البتة بل هذا دعوى على أهل الإجماع وفرق بين دعوى إجماع الأمة ودعوى الإجماع على الأمة قال ابن الحاجب لو نص على هذا لماصدق ولا صدق لأن هذا من قبيل علم الغيب فمن أين له أن الذين لم يكفروا لو كفروا لردوا روايتهم وما أمنه أنهم يكفرونهم من أنهم يقبلونهم كما قال بذلك الشيخ أبو الحسين وغيره انتهى باختصار ويرجع هذا يعنى دعوى إجماع الأمة على قبول كفار التأويل بأشياء أحدها أن دعوى هؤلاء وهم المنصور بالله والإمام يحيى ومن ذكر معها إجماع الأمة يشمل دعوى إجماع العترة قال المصنف في العواصم ولا شك أن هؤلاء الذي ادعوا الإجماع نم المشاهير بتعظيم العترة ومن أهل الورع والإطلاع وذلك يقضي أنهم ما ادعوا إجماع الأمة حتى عرفوا إجماع أهل البيت أولا خاصة في ذلك العصر فإن أهل البيت عليهم السلام في زمان حدوث الفسق في المذاهب لم يكونوا إلا ثلاثة على وولداه وإجماعهم حجة ومعرفته متيسرة سهلة لانحاصرهم واشتهارهم فأقل أحوال الإمام المنصور بالله رضي الله عنه والإمام يحيى بن حمزة أنهما لا يدعيان إجماع الصحابة إلا وهما يعرفان ما مذهب علي(2/150)
223 عليه السلام وولديه فإنهما لو لم يعرفا مذهبهم لكانا مجازفين بدعوى الإجماع وهما منزهان عن ذلك بإتفاق الجميع على إمامتهما وسعة اطلاعهما وعلى دعوى أنه مذهب علي عليه السلام لا سيما والمدعون لذلك من أئمة أولاده وهما الإمامان المذكوران قال في العواصم فإن ذلك يقتضي أنهما عرفا أن قبول المتأولين مذهب علي عليه السلام لأن أقل أحوالهما حين ادعيا العلم بمذهب جميع الصحابة المشهور والمغمور أن يكونا قد عرفا أن ذلك مذهب إمام الأئمة وأفضل الأمة وكفي به عليه السلام حجة لمن أراد الهدى وعصمة لمن خاف الردى وكبار شيعتهم من الفقيه عبد الله بن زيد والقاضي زيد وكذلك ذلك أي دعوى إجماع الأمة على قبولهم يقوي أنه مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام لأنها من أعيان الأمة ويبعد أن يخالفا إجماع الصحابة كما هو تخريج المؤيد بالله وأحد تخريجي أن طالب وظاهر رواية أبي مضر وذلك أرجح من أحد تخريجي أبي طالب والله أعلم في العوصام أنه خرج السيد المؤيد بالله للهادي أنه يقبلهم ورواه عنهم الفقيه علي بن يحيى الوشلي في تعليقه بلفظ التخريج ورواه عنه القاضي شرف الدين الحسن بن محمد النحوري في تذكرته بلفظ التحصيل ولم يختلف في ذلك عن المؤيد بالله وكذلك السيد أبو طالب نسب ذلك إلى الهادي في أحد تخريجه رواه الفقيه علي بن يحيى الوشلي في تعليقه ونص في اللمع على ذلك فقال قال السيد أبو طالب وأما شهادة أهل الأهواء من البغاة والخوارج فإن جواز شهادتهم لا يمتنع أن يخرج على اعتباره لكون الملة واحدة لأن الواحدة لأن هؤلاء كلهم من أهل ملة الإسلام وهذا لفظه في اللمع وظاهر رواية أبي مضر قال فيها أيضا إن القاضي أبا مضر من أئمة مذهب الزيدية والجلة وقد روى عن الهادي والقاسم عليهما السلام قبول المتأولين رواية غير تخريج وذلك أرجح من أحد تخريجي أبي طالب قال فيها أيضا لأن السيدين الأخوين إماما مذهب الهادي وقد تطابقا على تخريج قبوله رواية المتأولين(2/151)
ولم يتطابق على تخريج رده لهم بل انفرد
224 بهذا أبو طالب قثبت بهذا ترجيح تخريج رواية قبولهما وإنما ذكر المصنف هذا لأن السبب علي بن أبي القاسم رجح تخريج أنهم لا يقبلون عند الهادي والقاسم على رواية تخريج قبولهم فرده المصنف بإيراد ستة إشكالات على كلامه وأتى هنا بزبدة ما في تلك الإشكالات فإن قيل كيف يصغي إلى قبول دعوى الإجماع وقد علم وقوع الخلاف هذا السؤال وارد على رواية الإجماع على قبول رواية فساق التأويل وعلى رواية قبول كفار التاويل فلا يتوهم أن إتيانه به هنا أنه يختص برواية إجماع كفار ا لتأويل قلت إنما أصغي إلى دعوى الإجماع لأن دعوى الإجماع لم يتحد بمتعلق الخلاف قد أورد المصنف السؤال في العواصم على كلام المعيار للإمام يحيى فقال فإن قيل فقد روى الإمام الخلاف في المعيار فناقض قلنا شرط التناقض عزيز إذا لا يصح مع إمكان الجمع والجمع ممكن في ذلك بأن يكون الخلاف الذي في المعيار منسوبا إلى أهل عصر والإجماع الذي رواه في الإنتصاد منسوبا إلى أهل عصر آخر ووذلك كثير في مسائل الإجماع انتهى وعد عين أهل الإجماع في قوله بل الإجماع المدعى إجماع الصدر الأول ولم ينقل عن أحد منهم نص على رد المتأولين أبدا فلم يكن في عصرهم خلاف والخلافإنما وقع بين أهل عصر آخر فلا تناقض إذا من شرطه اتحاد الزمان قال المصنف في العواصم واعلم أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه لا يقبلهم البتة وكذلك لم يدع أحد من الخلف ولا السلف أن الأمة أحمعت على رد فساق التأويل فتأمل هاتين الفائدتين انتهى فإن قيل لعل الصحابة المدعى إجماعهم إنما قبل بعضم بعضا أيام الفتنة وهي من حين حصار عثمان وبعدها تحقق حصول فساق التأويل من غير تمييز منهم لما وقع من ذلك المروي قبلها حيث لا فاسق تأويل أو بعدها وهو بعد(2/152)
225 حصوله وكذلك التابعون إنما قبلوا مع ذلك وإما لم يمزوا بين الواقع بعدها وقبلها الأمور ثلاثة أي لأحدها الأول إما لأنهم لم يعلموا بوقوع المعصية من أولئك الذين رووا عنهم بخصوصهم وإذا لم تعلم لم يتحقق أنهم قبلوا فاسق التأويل الثاني أوعلموا بوقوع ذلك منهم ولكنهم اعتقدوا إصابتهم توقفوا فيها في المعصية فلم يجزموا بأنهم عصاة الثالث أو علموا ذلك وانه معصية ولكن ما علموا أنه فسق حتى يتم القول أنهم أجمعوا على قبول رواية فساق التأويل قلت هذا السؤال أورده ابن الحاجب ولكن لم يحرره هذا التحرير إنما أورده ابن الحاجب جوابا على القائلين حيث قال ورد بالمنع أو بأنه مذهب بعض الصحابة قال عضد الدين في شرحه وتفسير كلامه الجواب لا نسلم القبول إجماعا على كون ذلك بدعة واضحة حتى يلزم الإجماع على قبول ذي البدعة الواضحة بل كان ذلك مذهبا لبعضهم فإن أهل القبلة لا يرون ذلك وكذلك كثير من الآخرين ويجعلونه اجتهاديا انتهى وسماه المصنف سؤالا وإن كان منعا لأن المنع سؤال إذ هو طلب الدليل على المدعى وهذا سؤال ركيك لأن مضمونة أن هؤلاء الذين ادعوا العلم بثبوت الإجماع وقطعوا بصحته قالوا بغير علم وقطعوا في موضع الشك ولو قبل مثل هذا السؤال لورد مثله أيضا على من روى خبرا نبويا أو غير ذلك فيقال لعل هذا الخبر النبوي موقوف على بعض الصحابة أو نحو ذلك وعبارته في العواصم وأما رده لرواية الثقات من الأئمة والعلماء بقوله لعل بعض الصحابة لم يقبل المتأولين فمثل هذا الكلام لا يصدر عن المحصل فإن هذا مجرد ترج صدر من صاحبه فقد نقل أهل العدالة والأمانة والإطلاع على العلوم والتواريخ أقوال السلف والخلف والإجماع وحرصهم على أنهم قد علموا انعاده وإخبارهم لنا وأنهم أخبروا بذلك عن علم يقين لا عن مجازفة وتبخيت وحاصل هذا الاعتراض أن صاحبه قال لعل راوي الإجماع غير صادق فيما رواه ولا متحقق لما ادعاه ولو كان مثل هذا يقدح في رواية الثقات لبطلت(2/153)
225 ومثله ما كتبه أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي كما أورده الخطيب في الكفاية والقاضي في الألماع كتابي إليكم فافهموه فإنه رسولي إليكم والكتاب رسول فهذا سماعي من رجال لقيتهم لهم ورع مع فهمهم وعقول فإن شئتموا فارووه عني فإنما تقولون ما قد قلته وأقول ألا واحذر والتصحيف فيه فربما يغير عن تصحيفه فيحول قال غيره وأكره فيما قد سألتم غروركم ولست بما عندي من العلم أبخل فمن يروه فليروه بصوابه كما قاله القراء فالصدق أجمل وكتب إجازة لبعض العلماء واشتملت هذه الأبيات على إجازة ونصيحة وكثيرا ما أكتبها في غالب الإجازات هي أجزتكموا يا أهل ودي روايتي لم أنا في علم الأحاديث أرويه على ذلك الشرط الذي بين أهله وفي شرحنا التوضيح تنقيح ما فيه فأسند إلينا بالإجازة راويا لغير الذي عني سمعت سترويه وإن ترو عني ما سمعت فأروه بحدثنا الشيخ المشافه من فيه كذاك أجزنا ما لنامن مؤلف إذا كنت تقريه وعني ترويه ألا واعلموا العلم أشرف مكسب وقد صرتمو فيه شموسا لأهليه بأن أساس العلم تصحيح نية وإخلاص ما تبديه منه وتخفيه وبذلكمو منه لما قد عرفتمو وحققتمو من لفظه ومعانيه مع الصبر في تفيهم من ليس فاهما فكم طالب عد الجلي كخافيه وأن تلزموا في الاعتقاد طريقة لأسلافنا من غير جبر وتشبيه وأوصيكمو بالصبر والبر والتقي فهذا الذي بني الأنام تواصيه به أمرتنا سورة العصر فاشكرو لمولاكمو ما جاءكم من أياديه(2/154)
226 الروايات فما من رواية تصدر عن ثقة في الإجماع أو في الحديث أو في الشهادة إلا ويمكن أن يقال لعل راويها وهم فيها وقالها بغير علم يقين وأصدرها إما لمجرد اعتقاد الصحة أو ظنها أو نحو ذلك مما لا يلتفت إليه من تطريق الشك إلى فهم الثقات بمجرد كونه تجوزا على البشر ولو كانت روايات الثقات العلماء تعارض بمجرد ترحبي كذبهم أو تمني صدور الدعوى منهم على سبيل التبخيت من غير تحقيق لبطلت طرق النقل وتعطلت فوائد الرواية انتهى وقد ذكرت في العالم العواصم أشياء من الأدلة مما يقوي القول بقبولهم أي بقبول رواية كافر التأويل وفاسقه منها وهي الحجة الرايعة في العواصم أنا لو لم نقبلهم أي كفار التأويل وفساقة لم نقبل الصحابة زاد في العواصم أجمعين ولا أهل البيت المطهرين إذ لم يصرحوا بالسماع من النبى صلى الله عليه وسلم لأن هؤلاء العدول لذين ادعوا الإجماع من الأئمة وغيرهم قد أخبروا بأنهم قد علموا ذلك من الصحابة وعدالتهم أي الرواة للإجماع تقتضى هذا حتى يعلموا قول الصحابة كلهم فيكون إجماعا قوليا أو قول أكثرهم وسكت عنه الباقون سكوت رضى فيكون إجماعا سكوتيا قال في العواصم فلا بد أن يفيد العلم أو الظن بأنهم كانو كذلك أقصى ما في الباب أن ذلك يفيد الشك في قبولهم للفساق التأولين فلو كانو مردودين بالقطع وحصل الشك أن رواية بعض العدول مستندة إليهم لم يجز قبوله إلا إذا حصلت قرينة صحيحة يحصل معها الظن الراجح أن روايته غير مستندة إلى من لا يقبل قطعا ومنها إن ردهم يؤدي إلى أنا لانقبل من يقبلهم إو روى عنه إنه يقبلهم هذا هو الوجه الثاني في العواصم من الأوجه التي جعلها أدلة على قبولهم قال فيه إن الزيدية يروون عن المخالفين ويدروسن كتب المخلفين في مدارسهم إلى أن قال وأما كتب الأوصول فالزيدية يعتمدون على كتاب أبى الحسين مع أنه يقبل فساق التأويل وكفارهم ومعتمدهم في هذه الأزمنة الأخيرة كتاب الشيخ(2/155)
227 أحمد الجوهرة مع شهرة بغيه على الإمام الشهيد أحمد بن الحسين وكتاب منتهى السول لابن الحاجب فإنه معتمد عليه هذه الأعصار في بلاد الزيدية وكتب الأوصول وإن كانت نظرية فإن فيه آثارا كثيرة ولا بد فيها من عدالة الرواة وأما كتب القراءات فلا زال الناس يعتمدون على كتاب الشاطبية آخذين ما وجد فيها مماليس بمتواتر وأما كتب العربية فلم يزل الناس من الزيدية يقرؤون مقدمة طاهر وشرحه وكذلك كتب ابن الحاجب في النحو التصريف مع ما اشتملت عليه من رواية اللغة والإعراب وأما المعاني والبيان فالمعتمد عليه في هذه الأزمنة الأخيرة كتاب التلخيص في ديار الزيدية وغيرها وهو من رواية الأشعرية وهذا يؤدي إلى رد حديث كثير من الأئمة كالمنصور والمؤيد بالله ويحيى بن حمزة والقاضي زيد بل يؤدي إلى التوقف في قبول حديث القاسم والهادي لرواية أبي مضر عنهما ذلك أي قبول رواية فساق التأويل كمت قدمناه وتخريج المؤيد بالله لها وأحد تخريجي أبي طالب كما تقدم ذلك كله بل يؤدي إلى عدم الانتفاع بتصانيف المتأخرين في الحديث من زمن المؤيد بالله مثل أصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان والشفاء للأمير الحسين والكشاف لأنهم صرحوا بالرواية عنهم ومن لم يستجز الرواية عنهم روى عمن عنهم فإن من لم يقبل كفار التأويل من الزيدية لم يرد حديث المؤيد بالله رضي الله عنه وأمثاله من أئمة العترة لكونهم بقبلون فإن مذهب الزيدية قبول مراسيل العدول من غير استثناء وكتبهم معروفة ولا يخفى أن هذا إلزام لا تجيص عنه والحامل للمصنف رحمه الله على الإطالة في المسألة أن السيد علي بن محمد بن أبي القاسم كثر في رسالته وبالغ في عدم قبول رواية أهل التأويل ثم استدل على ردهم بالكتاب ولاسنة والإجماع فسرد المصنف ذلك كله في العواصم وأشار هنا إلى زبدة ما أتى به هنالك ومن جملة أدلة السييد على القياس المتأول على المصرح فأشار المصنف إليه وإلى رده بقوله(2/156)
228 فإن قيل قد وقع الإجماع على رد الفاسق المصرح والعلة في رده الفسق وهو حاصل في المتأول هذا هو دليل السيد علي وقد أورد عليه المصنف في العواصم أحد عشر إشكالا تضمن كلامه هنا بعضها فالجواب من وجوه متنشرة متداخلة الأول أن هذا قياس مصادم للنص فلا يسمع وفاقا إذ قد اتفق أئمة الأصول أن القياس إذا تصادم النص فهو قياس فاسد الاعتبار فلا حكم له والنص هنا آيات أوردها أيضا في العواصم وهي تسع آيات دالة بعمومها على قبول فساق التأويل وكفاره أحدها قوله تعالى فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وهو شامل للسؤال عن الأدلة وعام لكل مسلم من أهل الذكر فيشمل الفساق ولاكفار تأويلا وثانيها فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وهو عام في كل مما جاء عن الله وعن رسوله ولما كان لقائل أن يقول هذه عمومات خصصت بالقياس أشار إلى رد القياس بوجه آخر فقال الثاني أنه قياس مخصص لكثير من القرآن والسنة فلا يقبل مطلقا في كل ما ورد فيه ويبقى للناظر فيه نظرة وقد بينت تلك الآيات وهي تسع كما عرفناك والآثار في العواصم وقد ذكرت منها قدر ثلاثين حجة هو كما قال وقد عد هنالك ثمانية وعشرين حجة سنذكر هنا بعضها الثالث أنه قياس ظني يتوقف في كونه حجة على الخصم على موافقة الخصم على صحته ويأتي قدحه فيها ثم يتوقف على موافقته على عدم معارضته بقياس أقوى منه والأقوى بالعمل به أولى والمعارضة ممكنة له فيهما في الصحة والمعارضة بيانه في قوله وأما المنازعة في صحته فذلك يتم ببيان أن علة القايس ليست الفسق كما قاله المعترض بل ما أفاده قوله فلأن الظاهر أن العلة أي في قبول خبر الفاسق تأويلا حصول الظن بخبرة لوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فأمر الله تعالى باشهاد رجلين من المؤمنين وهو يدل على أن العلة في ذلك ليست هي العدالة فلو كانت العلة مجرد العدالة وكون الراوي والشاهد(2/157)
229 منصبا لها إشارة إلى قول السيد علي أن قبول الشهادة والرواية منصب رفيع يلزم الخلق أحكاما شديدة فيلتزمونها فأي رفعة أعظم منها فالعلة هي هذه وهي موجودة في فاسق التأويل مثلها في المصرح انتهى لكفى الواحد قد يقال فد كفى في الرواية عند الجماهير لذلك وأما الشهادة فورد النص باعتبار العدد فإن قيل لو كان العلة الظن كما قلتم لكفى الواحد لحصوله قلنا القصد الظن الأقوى تقدم للمصنف إن الظن لا ينقسم إلى قسمين ولا يقف على مقدار ولا يمكن التعبير عن جميع مراتبه بالعبارة فتذكر وأيضا فالظن يحصل بالإثنين غالبا ويحصل أيضا بخبر الواحد بل قد يحصل به العلم كما قدمناه أول شرحا هذا فقبوله ولا عبرة والنادر غير ظاهر بخلاف الواحد فوقوع الشك في شهادتته كثير يتحقق هذا من أصل صحيح الثاني من الأدلة على أن العلة حصول الظن قوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل أحدهما فإنه دال على أن المراج الصدق والتحير فيه لا رفع المناصب الثالث من الأدلة على ذلك قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فجعل العلة خوف الخطأ والرغبة في تحرى الإصابة ولو كانت العلة المنصب لقال قتبيوا أن تعظموا فاسقا بجهالة والعمل بالظن لا يسمى جهالة كما في خبر العدل والمفتي والمؤذن على أن الآية لم تدل على عدم قبول رواية الفاسق فإنه قال تعالى فتبينوا ولم يقل تقبلوه والتبين هوالنظر فيما يدل على صدق خبره أو كذبه إذ ليس القطع برده وتكذيب خبره يسمى تبينا في اللغة ولا في الشرع ولا في العرف فإن التبين تفعل من البيان وهو تطلب البيان وذلك لا يكون مع بيان رده ولا مع بيان قبوله ويوضح هذا أنه جاء التبين في القرآن الكريم غير مراد به الرد والتكذيب كقوله تعالى إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا فإنه ورد في سبب نزولها أن جماعة من الصحابة لقوا رجلا في عنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت الأية(2/158)
إذا عرفت هذا فليس في الآية دليل على رد فاسق
230 التصريح الذي جعله الرادون دليلا على الرد فصلا عما قاسوه في الرد عليه وهو فاسق التأويل إنما فيها الأمر لما أخبره به هل هو صادق أو كاذب فهو نظير قول سليمان عليه السلام في خبر الهدهد قال سننظر أصدقت أن كنت من الكاذبين وانظر لما أرد تعالى رد شهادة القاذف قال ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وقال لو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم وقوله في القذفة واولئك عند الله هم الكاذبون الرابع قوله تعالى أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت فأجازة شهادة كافر التصريح عند الضرورة فدلعلى أن القصد الظن الأقوى هو حاصل بالعدلين من المسلمين فحين لم يحصل اكتفى بالظن الضعيف الحاصل من شهادة الكفار تصريحا وفي العواصم وفي هذه وجهان أحدهما أن الله تعالى شرع قبول الكفار عند الحاجة إليهم وهم لا يستحقون التعظيم ومنصب التكرمة والتبجيل وثانيهما ما أفاده قاوله في هذه الآية جواز تخصيص العلة سواء كانت العدالة أو الظن الأقوى فإنه قبل الظن الضعيف وهذا إشارة إلى منع السيد ابن أبي القاسم لتخصيص العلة كما في العواصم الخامس قوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها في العواصم فقوله ذلك أدنى تنبيه ظاهرعلى أن المقصود قوة الظن وما هو أقرب إلى الصدق السادس قوله تعالى ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا قال فيها وأصل الآية وإن كانت في الكتابة فقد دخلت معها الشهادة بقوله وأقوم للشهادة(2/159)
231 السابع ورود الشرع بشاهد ويمين قال فيها أيضا واليمين فيها تهمة للحالف ولا رفع فيها للتهمة البتة فقامت مقام إشهاد آخر في قوة الظن لا في التعظيم وهذا شاهد قوي على أن العلة قوة الظن الثامن رد حديث العدل المغفل الذي لا يتقن حديثه وفي العواصم زيادة على هذا فإنه قال ولنذكر مسائل مما نص العلماء فيها على التعديل بالظن الأقوى قالوا إن من سمع الحديث من غير حجاب فروايته أولى ممن سمعه من وراء حجاب ولا شك أن العلة في هذا قوة الظن لا أن من سمع من غير حجاب أفضل الثانية أن يكون أحد الراويين مثبتا والآخر نافيا مع أ المثبت ليس بأفضل من النافي الثالثة أن يكون أحدهما عالما بالعربية والآخر غير عالم بها وإن كان عالما بما هو أفضل منها مما لا يتعلق بالرواية الرابعة أن يكون أحد الراويين لا يجيز الرواية بالمعنى فإن روايته أرجح الخامسة أن يكون أحد الراويين أكثر ذكاء وفطنة فإنه أرجح ممن ليس كذلك فإن الظن بصدقه أقوى وأمثال هذه المسائل مما لا تحصى كثرة وهي مذكورة في كتب الأصول التاسع أن علماء الأصول عملوا في باب الترجيح بتقديم خبر من قوى الظن بإصابته لا من كثر ثوابه ومنزلته عند الله تعالى ومن ذلك قال العلماء لا يشهد العدل لنفسه ولا يحكم الحاكم لنفسه وإن كان عدلا تقيا وعللوه بقلة الظن المستفاد من العدالة لقوة الداعي الطبيعي إلى ذلك عند الحاجة والخصوصة ومحبة القلب وغيط الحاسد ومسرة الصديق من الدواعي الطبيعية المضعفة لعلة الصدق ولا يبقى فيها إلا ظن ضعيف لا يصح الاعتماد عليه في الحقوق ولما كانت الداعية الطبيعية قوية في شهادة الإنسان لنفسه وحكمه لنفسه أجمع أهل العلم على المنع من ذلك وقد عد المصنف في العواصم مسائل كثيرة من هذا(2/160)
232 العاشر أن الإجماع انعقد على قبول من عصى تأويلا ولم يفسق ولم يكفر وإن كثر ذلك منه كخطأ كثير من المعتزلة في الإمامة وكثير من فروع الكلام ولا شك أن من كثرت معاصيه من غير تأويل أنه مجروح بل من عصى عمدا وإن لم يكثر إذا أصر أو كانت المعصية مما تدل على الخسة فدار الرد للراوة والقبول لهم مع الجراءة والقبول مع التأويل في هذا الوضع وهو حيث كان عصيانه متأولا متكررا ولم يوجب كفرا ولا فسقا فقلتم أنه يقبل فقسنا عليه من عصى متأولا بما لا يوجب فسقا ولا كفرا قلت ولا يخفى أنه قد يقال المعصية التي اقتضت فسقاأو كفر أشد مما لا يقتضيه وأغلط ولا يقاس الأخف على الأغلط كما علم في الأصول وفيما سبق من الأدلة غنية عن هذا القياس فإن قيل إذا كانت علة القبول هي ظن الصدق يلزم قبول من ظن صدقه من المصرحين ورهان النصاري والبراهمة أقول هذا أورده السيد علي بن محمدبن أبي القاسم صاحب الرسالة التي رد عليها المصنف بالعواصم فإنه قال وأما أن عللنا بتهمته بالكذب وترى أنه يعاقب عليه ويكون عند نفسه مطيعا لله تعالى فيلزم من أرباب الملل الخارجة عن الإسلام أن تقبل روايته مثل رهبان النصارى وعباد اليهود ومثل البراهمة فإنهم يتحرزون عن الكذب أشد تحرز ويتنزهون عنه أعظم تنزه انتهى فأورد المصنف سؤالا وأجاب عنه بقوله قلنا هذا مخصوص وتخصيص العلة جائز ولا بد للمخالف منه أي من تخصيص علته التي علل بها فإنه علل بالعدالة وهي مخصصة كما أفاده قوله فإن من علل العدالة خص من العدول المغفل فإنها لا تقبل روايته مع عدالته لمانع تغفيله والآية المقدمة في الوجهة الرابع وهي قوله تعالى أو آخران من غيركم حجة على تخصيص العلة فتأملها بل خصصت شرطية إسلام الشاهد فضلا(2/161)
233 عن عدالته وهووأن كان الضرورة فقد صدق عليه أنه تخصيص علة وقد بسطت القول في هذه المسألة أي مسألة قبول المتأولين في العواصم احتجاجا وسؤالا وانفصالا وجمعت فيها مالم يجمع في كتاب فيما أعلم ولعل الذي جمعت فيها يأتي جزءا وسطا هو كما قال وذلك لأن السيد علي صاحب الرسالة أطال في القول بعدم قبول رواية فساق التأويل وكفاره واستدل بالكتاب والسنة والإجماع فأورد عليه المصنف من الإشكالات مائة وزيادة على سبعين إشكالا وشحها بعلوم وفوائد لم يشتمل عليها سوى كتابه كتاب وذلك لكثرة الحاجة إليها وأنبناء كثير من الأحكام الشرعية عليها فمن أراد الإستقصاء فليطالعها في هذا الكتاب المشار إليه في كتاب العواصم في الجزء الأول منه وقد نقلنا في غضون هذه الأبحاث زبدا منه مما يتعلق بذلك وهذا غير ما ذكره أئمة الحديث في المسألة وأما ما ذكره الحدثون في هذه المسألة فقد ذكروا في فساق التأويل أقوالا ثلاثة فيما يتعلق بفساق التأويل فقط الأول أهم لا يقبلون كالمصرحين أي كما لا نقبل الفاسق فسقا صريحا روى هذا القول عن مالك وقال ابن الصلاح إنه بعيد متباعد الشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة كما سيأتي ومن المبتدعة فساق التأويل وقال السخاوي في شرح ألفية الزين قال الخطيب في الكفاية إن هذا القول يروى عن طائفة من السلف منهم مالك وكذا نقله الحاكم عنه ونصه في المدونة في غير موضع يشهد له وتبعه أصحابه وكذا جاء عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأتباعه بل نقله الآمدي عن الأكثر وجزم به ابن الحاجب انتهى وقال السخاوي أيضا بعد نقله كلام ابن الصلاح ما لفظه وكذ ا قال شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر(2/162)
234 إنه يفيده قال وأكثر ما علل به أن في الرواية ترويجا لأمره وتنويها بذكره وعلى هذا لا ينتفي أن يروى عن مبتدع شيئا يشاركه فيه غير مبتدع قلت وإلى هذا التفصيل مال ابن دقيق العيد حيث قال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخمادا لبدعته وإطفاء لناره يعنى أنه كما يقال من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه وإن لم يوافقه ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفناه من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته القول الثاني إن كان يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإلا قبل وإن كان داعية إلى مذهبه عزاه الخطيب إلى الشافعي كما نقله عنه الخطيب في الكفاية لأنه قال أقبل من غير الخطابية ما نقلوا قال لأنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه فمن لم يستحل الكذب كان مقبولا لأن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه قال الخطيب ويحي أيضا أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ونحوه عن أبي حنيفة بل حكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث وقال الفخر الرازي في المحصول إنه الحق ورجحه ابن دقيق العيد الثالث من الأقوال في المسألة إن كان فاسق التأويل أو كافره داعية إلى مذهبه لميقبل وإلا قبل وهو مذهب أحمد بن محمد بن حنبل كما قاله الخطيب قال ابن الصلاح وهذا مذهب الكثير أو الأكثر وهو أعد لها وأولاها قال ابن حبان هو قول أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا عبارة الزين ونقل ابن حبان فيه الإتفاق فغيرها المصنف إلى أنه قال لا نعلم فيها خلافا وقد نقل السخاوي في شرح الألفية الخلاف في ذلك فكأنه لذلك غير المصنف العبارة وعبارة ابن حبان في ترجمة أحمد بن جعفر بن سليمان الضبعي في ثقاته بلفظ(2/163)
235 ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعوا إليها إن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره انتهى قال السخاوي بعد نقله وليس صيرحا في الإتفاق لا مطلقا ولا بخصوص الشافعية ثم قال وقد قال شيخنا إن ابن حبان أعرب في حكاية الأتفاق قلت هذا تقرير من شيخه وهو الحافظ ابن حجر أن عبارة ابن حبان تفيد الإتفاق على قبول ذي البدعة غير الداعية إذا كان صدوقا وهي تفيده في إتقاف أئمة الشافعية وإن قال السخاوي ما قال ولكن يشترط مع هذين أعني كونه صيدوقا غير داعية أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشدها ويزينها فأنا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى أفاده شيخنا وإليه يومي كلام ابن دقيق العيد الماضي بل قال شيخنا نص على هذا القيد في المسألة الحافظ أبو إسحق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ النسائي وكذا حكى بعض أصحاب الشافعي عن أصحاب السافعي أنهم لا يتختلفون في ذلك هذا كله في فساق التأويل وأما كفار التأويل فلم يذكرهم كثير منهم أي من أئمة الحديث لأنهم لا يقولون بتكفير أحد من أهل القبلة إلا من علم كفره بالضرورة من الذين كالباطية ومنهم من ذكرهم فحكى الخلاف فيهم ممن ذكرهم زين الدين بن العراقي فحكى عن إمام المحدثين بلا مدافعة الحافظ الثبت الخطيب البغدادي الشافعي أنه حكى عن جماعة من أهل النقل ولامتكلمين أنهم يقبلون أهل التأويل وإن كانوا كفارا أو فساقا قال زين الدين واختاره يصاحب المحصول قلت الجمهور منهم على رد الكافر قال زين الدين ونقله السيف الآمدي عن الأكثرين وبه جزم أبو عمرو بن الحاجب فإنه قال في مختصر المنتهى ولامبتدع بما يتضمن التكفير كالكافر عند المكفر وأما غير المكفر فكالبدع الواضحة ثم اختار رد أهل البدع الواضحة قال السخاوي وحكى الخطيب في(2/164)
235 قال ابن الصلاح إنه هو الصحيح وإنه منحط عن التحدث تمام كلامه لفظا والإجازة قراءة والأخبار ونقل زين الدين الإتفاق على صحتها وإن اختلفوا في صحة الإجازة المجردة قال وإنما اختلفوا في موازاتها بالزاي مساواتها للسماع قال وقد حكى الإتفاق علىصحتها القاضي عياض في الإلماع وعبارته فيه وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين وسمي جماعة وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر انتهى وأما أن تقترن بها إجازة ولاقال المناول للطالب أروعني ما في هذا الكتاب ولا نحو ذلك فإن أهل العلم اختلفوا في جواز الرواية بها قال زين الدين الأصح أنها باطلة وحكى النووي البطلان عن الفقهاء وأصحاب الأصول ذكره في تقريبه والأحسن قول ابن الصلاح إنه عاب غير واحد من الفقهاء الأصوليين على المحدثين تجويزها وإساغة الرواية واختلافهم مبني على أن هل الرواية من شرطها لأذن من الشيخ للطالب أولا والصحيح أن الإذن غير مشترط في الإخبار إذ الأصل جواز إخبار الإنسان عن عيره وإن لم يأذن في الأخبار عنه إلا أن يكون أمرا خاصا به لا يجب اطلاع أحد عليه فكذلك تجوز هاهنا أي في باب الرواية إذ هي قسم من الإخبار فإنه إذا أخبر الشيخ أن الكتاب سماعه وأن النسخة صحيحة وناولها الطالب لينتسخها أو ينقل منها فإن ذلك يكفي عن الإذن والوجه في ذلك أنه خبر جملى فينزل منزلة كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينفذبها إلى الآفاق مع الرسل ولم تكن الرسل تحفظها وتسمعها على النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الذي قدمناه لك أن الرواية من الأبلاغ المأمور به وإنما يخبرون الرسل من أرسلوا إليه خبرا جمليا أنها كتب النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما فيها منسوب إليه قلت ويستأنس لذلك بما وقع من المناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهوية بحضرة أحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي دباعها طهورها(2/165)
236 الكفاية عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة وإن كانا كفارا أو فساق التأويل وقال صاحب المحصول الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنعه منه قال السخاوي قال شيخنا والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لأن كل طائفة تدعى أن مخاليفها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا معلوما من الدين بالضرورة أي إثباتا ونفيا فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله أصلا وقال أيضا ولاذي يظهر أن نحكم بالكفر على من كان الكفر صريح قوله وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه أمامن لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافرا ولو كان اللازم كفرا قال وينبغي حمله على غير القطعي ليوافق كلامه الأول وسبقه ابن دقيق العيد فقال الذي تقرر عندنا أن لا تعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي من الشريعة فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه التقوى والورع فقد حصل معتمدالرواية وهذا مذهب الشافعي حيث قال تقبل رواية أهل الأهواء قال وأعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام قال الشافعي في الأم ذهب الناس في تأويل القرآن الأحاديث إلى أمور تباينوا فيها ثباينا ششديدا واستحل بعضهم من بعض بما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم فلم نعلم من سلف الأمة ممن يقتدي به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله عليه ولا يرد أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمل وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال انتهى نقله السخاوي في شرحه
237 قال المصنف ونلحق بهذه مسائل خمس
المسألة الأولى(2/166)
من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة وكان متعمدا
ويظهر تعمده بإقراره أو نحوه بحيث ينتفي أن يكون أخطأ أو نسى ثم تاب وحسنت توبته فإنه لا تقبل روايته أبدا في شيء مطلقا
241 سواء كان المكذوب فيه أو غيره ولا يكتب عنه شيء ونحتم جرحه أبدا نعلم قال الإمام تقبل توبته بينه وبين الله وعدم قبوله مطلقا هو كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي وهو يصاحب الشافعي وشيخ البخاري واسمه عبد الله بن الزبير ونقله الخطيب في الكفاية والحازمي في شروط الستة عن جماعة والذهبي عن رواية ابن معين وغيره واعلم أنه يلتحق بتعمد الكذب في هذا الحكم من أخطأ ثم أصر على خطئه وصمم بعد بيان ذلك له مما يوثق بعلمه مجرد عناد قال السخاوي وأما من كذب عليه في فضائل الأعمال معتقدا أن هذا لا يضر ثم عرف ضرره وتاب(2/167)
242 فالظاهر كما قال بعض المتأخرين قبول روايته وكذا من كذب دفعا لضرر يلحقه من عدو قال اللصيرفي وليس بطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول أي الخبر الذي رواه واعترف بالكذب فيه ولا يقبل خبره بعد ذلك أي مؤاخذة له بإقراره قال النووي ولم أر للقول بعدم قبوله دليلا ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفستدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة ثم قال وهذا الذي ذكره الأئمة ضيعف مخالفللقواعد الشرعية والمختار القطع بصحة توبته في هذا أي في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة قال فهذا هو الجاري على قواعد الشرع وقد أجمع على صحة رواية من كان كافرا فأسلم قال وأجمعوا على قبول شهادته والرواية في هذا وكذا قال في الإرشاد هذا مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا انتهى وقال الذهبي إن من عرف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحصل لنا ثقة بقوله إني تبت يعني كما قيل في مسألة المعترف بالوضع قلت وما كان يحسن من المصنف ذكر المسألة من دون ذكر دليلها ويأتي له تفصيل فيها وأما الكذب في حديبث الناس وغيره من أسباب الفسق فنقبل رواية التائب منه وممن ذكر هذه المسألة أبو بكر الصيرفي الشافعي فإنه ذكر في كتبه في الأصول أنه لا يعمل بذلك الخبر ولا بغيره من روايته وزاد أيضا أن من ضفنا خيره لم نجعله قويا وذكر أبو المظفر السمعاني أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه لأنه صار محل ريبة قلت كلامهم في رد الكذب في الحديث ولو بعد إظهار التوبة فوى فيما يتعلق من الأحاديث بالمصالح لئلا يتوصل الكذابون بإظهار التوبة إلى قبول أباطيلهم هذا في التضعيف بالكذب وأما من ضعف من أجل حفظه وهو الذي زاده(2/168)
243 الصيرفي ثم قوى حفظه وهو من أهل الديانة والصدق فلا وجه لقول الصيرفي إنا لا تجعله قويا والله أعلم قلت كما لا وجه لرد رواية الكذاب في الحديث بعد صحة توبته إذ بعدصحتها قد اجتمعت فيه شروط الرواية فالقياس قبوله
المسألة الثانية
من روى عن ثقة فكذبه الثقة
والمسألة مشهورة في الأيصول وذلك أنه قد تعارض كلام الراوي والمروي عنه فذلك صرح بالراية وهو ثقة وشيخه صرح بكذبه عليه فلذا قال المصنف والصحيح فيها أنها موضع اجتهاد إذ لكل جهة ترجيح أما الراوي فلكونه مثبتا
246 أما الشيخ فلكونه نفى ما يتعلق به مع احتمال نسيانه فينظر في أيهما أصدق وأحفظ وأكثر جزما وأقل ترددا وكذلك أيهما أكثر من الكثرة بالثلثة الفرع وهو الراوي أو الأصل وهو شيخه فقد يدعي الواحد على الجماعة فيكذبونه والجماعة على الواحد فيكذبهم فإذا استوفيت طرق الترجيح المعروفة في الأصول وغيرها مما يقود إليه المقام حكم بالراجح وقال التاج السبكي عدالة كل واحد منهما متيقنة وكذبه مشكوك فيه ولايقين لا يرفع بالشك فتساقطا يعني فيقبل الخبر وهو اختيار أبي المفظر السمعاني وبه قال أبو الحسن القطان وقد عرفت ما حققه النووي والمصنف جنح إلى الترجيح مستدلا بقوله فإنهما خبران متعارضان فيجب استعمال طرق الترجيح المعروفة بينهما(2/169)
247 كسائر الأخبار المتعارضة وإلى الترجيح مال الفخر الرازي وقال إن الرد إنما هو عند التساوي فلو رجح أحدهما عمل به ولا يلزم جرح واحد منهما بكذيبه الآخر وأما تكذيب الشيخ فواضح وأما تكذيب الفرع له فلأن جزمه بكونه حدثه يستلزم تكذيبه في دعواه أنه كذب لاحتمال النسيان من الأصل والقطع بالتأويل فقد يقول الأصل لو كان لذكرت ونجعل هذا دليلا قاطعا على كذب الفرع وهو موضع النزاع لأن الفرع يقول أنه نسي والأصل يزعم أنه لم ينس والغالب في هذه المسألة سقوط الحديث بالتعارض بين الأصل وفرعه ولكن هذا الغالب لا يوجب إسقاط الحكم النادر إذا قويت القرائن بنسيانه وغلب في الظن صدق الراوي عنه فإن النظر إلى القرائن والترجيح بها لا بد منه وهذا كله من الحكم المذكور إذا كذبه أي كذب الأصل فرعه أما إذا قال أنسيت بالبناء للمجهول ولم يقطع بتكذيبه صدق أي الفرع في روايته قال السخاوي فإن جزم بالرد بدون تصيرح كقوله ما رويت هذا أو ما حدثت به قط أو أنا عالمأنني ما حدثتك أو لم أحدثك فقد سوى ابن الصلاح تبعا للخطيب وغيره بينهما أيضا وهو الذي مشى عليه شيخنا في توضيح النخبة لكن قال في الفتح الراجح عندهم أي المحدثين القبول وتمسك بصنع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار عن أبي معيد عن ابن عباس ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير مع قول أبي معبد لعمرو لم أحدثك به فإنه دال على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا وكذا صحح الحديث البخاري وغيره وكأنهم حملوا الشيخ في ذلك على النسيان ويؤيده قول الشافعي في هذا الحديث بعينه كأنه نسى وقيل هذا أي تصديقه إذا لم يصرح بتكذيبه مذهب جمهور الفقهاء(2/170)
248 والمحدثين وأهل الأصل قال السخاوي وصححه غير واحد منهم الخطيب وابن الصلاح وشيخنا بل حكى فيه إتفاق المحدثين لأن الفرض أن الراوي ثقة جزما فلا يطعن فيه بالاحتمال إذ المروى عنه غير جازم بالنفي بل جزم الراوي فيه وشكه قرينة لنسيانه خلافا لبعض أصحاب أبي حنيفة فقالوا برده وحكاه ابن الصباغ في العدة عن أصحاب أبي حنيفة كلهم لكن قال السخاوي في التعميم نظر إلا أن يريد المتأخرين منهم قلت ونسبه في شرح مسلم للكرخي ولكنه قال الكيا الطبري إنه لا يعرف لهم في مسألتنا بخصوصها كلام إلا أن أخذ لهم ذلك في ردهم حديث إذا نكحت المرأة بدون إذن وليها فنكاحها باطل لأنه جعل ابن الصلاح من أمثلة من حدث فنسى قلت قال ابن الصلاح إن الحنفية ردوا حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة الحديث من أجل أن ابن جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه انتهى وأما إذا روى الشيخ ذلك الخبر لغير هذا الذي كذبه الشيخ أو روى عنه ثقة آخر قبل كذا ذكره الزين قلت إذا كان إنما أنكر رواية ذلك الفرع عنه ولم ينكر أنه يروى الحديث أو أنه رواه لغيره قبل ذلك منه لعدم الريبة في الشيخ وإلا أي وغلا ينكر الشيخ رواية الفرع فقط بل أنكر الحديث نفسه لم تقبل من الشيخ روايته إذا وقعت قبل الأنكار ولا رواية غيره عنه قبله أيضا لأن اضطراب يقدح في الحديث كما تقدم وهذا أشد من الاضطراب إذ هو قبول للحديث مع الريبة في الرواة إلا أن يحكم بقبول الجميع ويجعلها أي روايات الشيخ وفرعه توابع يقوي بعضها بعضا فقبولها قوي إما إذا استفاد الشيخ الحديث الذي أنكر التحديث به بعد أي بعد(2/171)
249 إنكاره فرواه وروى عنه عن فرعه فلا إشكال لأنه حدث به بعد يقين لحمله له من الثقة وكأنه يشير إلى مثال معروف للمسألة وهو ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية ربيعة بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال ذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبدالعزيز وقد كانت أصابت سهيلا على أذهبت بعض عقله ونسى بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدث عن ربيعة عن أبيه وزاد أبو داود أيضا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة قال فلقيت سهيلا فسألته عن قصة الحديث فقال ما أعرفه قلت أن ربيعة أخبرني به عنك قال إن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني وقد كره جماعة من العلماء التحديث عن الأحياء من العلماء لأن النسيان(2/172)
250 غير مأمون على الإنسان فيبادر إلى جحود ما روى عنه قال السخاوي لكن قد قيد هذه الكراهة بعض المتأخرين بما إذا كان له طريق أخر غير طريق آخر غير طريق الحي أما إذا لم يكن له سواها وحدث فلا معنى للكراهة لما في الإمساك من كتم العلم وقد يموت الراوي قبل المروى عنه فيضيع العلم وهذا حسن إذا المصلحة محققة والمفسدة مظنونة وكذا يحسن تقييد ذلك بما إذا كانا في بلد واحد أما إذا كانا في بلدتين فلا لاحتمال أن يكون الحامل له على الإنكار النفاسة وقد حدث عمرو بن دينار عن الزهري بأشياء وسئل الزهري عنه فأنكره فاجتمع بالزهري فقال أليس يا أبا بكر قد حدثتني بكذا فقال ما حدثتك به ثم قال والله ما حدثت به وأنا حي إلا أنكرته حتى توضع أنت في السجن انتهى قلت إذا صحت هذه عن الزهري فهي قادحة فيه روى عن الشعبي أنه قال لابن عون لا تحدثني عن الأحياء رواه عن الشعبي الخطيب في الكفاية بأسناده إليه وعن معمر أنه قال لعبد الرزاق أن قدرت أن لا تحدث عن رجل حي فافعل رواه عنه أيضا الخطيب في الكفاية وعن الشافعي أنه قال لابن عبد الحكم واسمه محمد بن عبد الله إياك والرواية عن الأحياء وفي رواية البيهقي في المدخل قال الشافعي لابن الحكم لا تحدث عن الحي فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان قاله الشافعي لابن عبد الحكم حين حكى عنه حكاية فأنكرها ثم ذكرها قال اسخاوي وذلك فيما روينا في مناقبه والمدخل كلاهما للبيهقي من طيرق أبي سعيد الخصاص عن محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال سمعت من الشافعي حكاية فكيتها عنه فنميت إليه فأنكرها قال فاغتم أبي لذلك غما شديدا وكنا نجله فقلت له
251 أنا أذكره لعله يتذكر فمضيت إليه فقلت يا أبا عبد الله أليس تذكر يوم كذا وكذا في الإسلام فوقفته عن الكلمة فذكرها ثم قال يا محمد لا تحدث عن الحي فإن الحي لا يؤمن عليه أن ينسى انتهى
المسألة الثالثة
من أخذ أجرة على الرواية
اختلفوا أي أئمة الحديث فيه(2/173)
253 أي في قبول من أخذ أجرة على التحديث منهم من لم يقبله وهو مذهب أحمد ابن حنبل وإسحق بن راهويه وأبي حاتم الرازي قالوا لأنه يخرم من مروءة الإنسان وإن استحله الأخذ أي رآه حلالا لأنه قد تقدم في رسم العدالة أنه لا بد من السلامة عما يخرم المروءة فمن خرمها فليس بعدل بخلاف أخذ الأجرة على القرآن أي على تعليمه قالوا لأن هناك العادة جارية بأخذ الأجرة فلا يخرم مروءة الآخذ قالوا و لأن الظن يساء بفاعل ذلك أي(2/174)
254 فاعل قبض الأجرة على الرواية قال الخطيب وإنما منعوا ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الرواية عثر على تزيده وادعائه مالم يسمع لأجل ما كان يعطي ولذا بالغ شعبة فيما يروي عنه وقال لا تكتبوا عن الفقراء شيئا فإنهم يكذبون قال الزين إلا أن يقترن بذلك عذر ينفي ذلك عنه أي سوء الظن وخرم المروءة كما روى عن أبي الحسين بن النقور ضبط بالنون والقاف آخره راء أنه فعل ذلك أي أخذ الأجرة على الرواية لأن أصحاب الحديث منعوه عن النكب لعياله فأفتاه بجوازذلك في هذه الحال الشيخ أبو اسحق الشيرازي فهذا مع العذر وأما مع عدمه فتقدم من منع ذلك ومنهم من رخص فيه أي في أخذ الأجرة منهم أبو نعيم الفضل بن دكين بالدال المهملة مضمومة شيخ البخاري روى عنه فأكثر وروى عنه الإمام أحمد وإسحق بن راهوية وابن المبارك وخلق وكان أبو نعيم من أحفظ الناس وأشدهم إتقانا وثقة الأئمة وكان يأخذ العوض على التحديث بحيث أنه كان إذا لم يكن معهم دراهم صحاح بل مكسورة أخذ صرفها ذكره البخاري ومنهم عفان أحد الشيوخ الحفاظ الأثبات شيخ البخاري أيضا قال حنبل سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول شيخان كان الناس يتكلمون فيهم ويذكرونهما وكنا نلقي من الناس في أمرهما ما الله به عليم قاما الله بأمر لم يقم به أحد أو كثير أحد يقل ما قاما به عفان ونعيم يعني بقيامهما عدم الإجابة في المحنة وتكلم الناس فيهمامن أجل أنهما كانا يأخذان على التحديث وقد عد السخاوي جماعة أخذوا على التحديث قال ابن حزم سمعت أبا نعيم يقول يلومونني على الأخذ ويف بيتي ثلاثة عشر وما في بيتي رغيف
255 المسألة الرابعة(2/175)
رد أهل الحديث من عرف بالتساهل في السماع كالنوم أي كمن ينام هو أو شيخه في حال السماع ولا يبالي بذلك ولذا قال سواء صدر من الشيخ أو من التلميذ فإنه قدح فيمن صدر عنه ثم اعتد بذلك السماع من غير تمييز لما سمعه مما نام عند سماعه وذلك لأنه يثبت ماسمع ولا بضبطه رد أهل الحديث روايته ومثل من روى الحديث من غير أصل مقابل على أصله أو أصل شيخه مع كونه هو أو القارئ أو بعض السامعين غير حافظ كما يأتي في بابه ومن ذلك من كان يحدث بعد ذهاب أصوله واختلاج حفظه كابن لهيعة حكاه هشام بن حسان
257 قال جاء قوم ومعهم جزء قالوا سمعناه من ابن لهيعة فنظرت فلم أجد فيه حديثا واحدا من حديثه فأتيته فأعلمته بذلك فقال ما أفعل يجيئوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به قال السخاوي ولاظاهر أن الرد بذلك ليس على الإطلاق وإلا فقد عرف به أئمة من الجماعة المقبولين وكأنه لما انضم إليهم من الثقة وعدم الإتيان بمالا ينكر وكذا رد من عرف بقبول التلقين الباطل مما يتقنه إياه والتلقين في اللغة التفيهم وفي العرف إلقاء كلام إلى الغير يف الحديث أي إسنادا أو متنا وبادر إلى التحديث بذلك ولو مرة وهو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه فلا يقبل لدلالته على(2/176)
258 مجازفته وعدم تثبته وسقوط الوثوق بالمتصف به كموسى بن دينار في الميزان قال علي سمعت يحيى القطان قال دخلت على موسى بن دينار أنا وحفص فجعلت لا أريده على شيء إلا لقنته وقال أبو حاتم مجهول وقال الدار قطني ضعيف ونحوه وكذلك ردوا حديث من كثرت المناكير والشواذ في الروايات من حديثه قال ابن الصلاح في وجه رده وذلك لأنه يخرم الثقة بالراوي وضبطه كما قال شعبة لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ أي النادر وجوده في الرواة وكذلك قيل هل أي لشعبة من الذي يترك الرواية عنه قال إذا أكثر من الرواية عن المعروف بما لا يعرف أو أكثر غلطه وقال القاضي أبو بكر الباقلاني فيما حكاه الخطيب عنه من عرف بكثرة الغفلة والسهو وقلةالضبط رد حديثه قال السخاوي وأما من لم تكثر شواذه ولا مناكيره أو كثر ذلك مع تمييزه له وبيانه فلا يرد وكذلك ردوا حديث من عرف بكثرة السهو إذا لم يحدث عن أصل صحيح وأما من أصر على غلطه بعد البيان فورد عن ابن المبارك وأحمد ابن حنبل والحميدي وغيرهم أنها تسقط روايته ولا يكتب عنه لأن إصراره على الغلط يبطل الثقة بقوله قال ابن الصلاح وفي هذا نظر قال السخاوي وكأنه لقوله قد لا يثبت عنه ما قيل إما لعدم اعتقاده علم المبين له وعدم أهليته أو لغير ذلك وهو غير مستنكر إلا إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك وقال ابن مهدي لشعبة من الذي تترك الرواية عنه فقال إذا تمادى على غلط مجمع عليه ولا يتهم نفسه عند الإجتماع أي إجتماع الحفاظ على خلافه أي خلاف مارواه أو رجل يتهم بالكذب وقال ابن حبان إن من تبين له خطأه وعلم بخطئه فلم يرجع عنه وتمادى في ذلككان كذابا بعلم صحيح قال التاج التبريزي لأن المعاند كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل وأما إذا كان عن جهل فأولى بالسقوط لأنه ضم إلى جهله إنكاره الحق وكان هذا يفمن يكون يف نفسه جاهلا مع اعتقاده علم من أخبر
259 المسألة الخامسة(2/177)
قال زين الدين ما معناه أعرض الناس في هذه العصور المتأخرة عن اعتبار مجموع هذه الشروط التي شرحت فيما مضى في الراوي وضبطه فلم يتقيدوا بها في علمهم لعسرها وتعذر الوفاء بها بل استقر عندهم العمل على اعتبار بعضها كما أشار إليه بقوله فيكتفي في أهلية الشيخ كونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق وما يخرم المروءة زاد لزين ظاهرا والمراد بكونه مستور الحال فهذا في العدالة ويكتفي في اشتراط ضبط الراوي بوجود سماعه مثبتا بخط ثقة غير متهم وبروايته من أصل موافق الأصل شيخه وقد سبق إلى نحو ذلك أي ماقاله الزين الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي لما ذكر توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذي لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك أي وجه الأكتفاء بما ذكر وكأنه نقل كلام البيهقي بمعناه وعبارة ابن الصلاح بلفظ ووجه ذلك يعني البيهقي بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت في الجواع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها لتدوين الحديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث قال البيهقي فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم أي الأئمة الجامعين للأحاديث التي عرفت عندهم لم نقبل منه لأنه يبعد أن لا يأتي أحد من الأئمة في كتبهم ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه حال كونه لا ينفرد بروايته بل رواه غيره فالحجة قائمة بحديثه من رواية غيره فأن قيل فما فائدة السماع منه فجوابه قوله والقصد بروايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة وهي سلسلة الإسناد بلفظ التحديث والأخبار التي خصت بها هذه الأمة فإنه لم يكن ذلك في الأمم الماضية شرفا خبر ليبقى على أنه فعل ناقض على قول أو مفعول له أو حال من الكرامة لنبينا صلى(2/178)
260 الله عليه وسلم تبقى أخباره على هذه الطريقة التي لا انقطاع فيها قلت ولا يعزب عن ذهنك أن المصنف قد سرد في آخر بحث المرسل هذه الفائدة وزاد عليها فائدتين فتذكر وكذا الاعتماد في روايتهم على الثقة المفيد لهم لا عليهم والحاصل أنه لما كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشديد بمجموع تلك الصفات ولما كان الغرض آخرا هو الاقتصار في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بمامر ذكره وتقريره وهذا كله توصل من الحفاظ إلى حفظ الأسانيد إذ ليسوا من شرط الصحيح إلا على وجه المتابعة فولا رخصة العلماء لما جارت الكتابة عنهم لأنهم ليسوا على شرط من كتب حديثه ولا جازت الرواية إلا عن قوم منهم انتهى كلام الحافظ البيهقي قال زين الدين وهذا هو الذي استقر عليه العمل قال الذهبي في مقدمة كتابه الميزان العمدة في زماننا يلس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين قال ثم من المعلوم أنه لا بد من صون المروى وستره أي صائنا لعرضة ساترا لنفسه عن الأدناس وما يعيببه عليه الأكياس من الناس كذا فسره البقاعي ويظهر لي أنه أراد صوته لكتاب سماعه بدليل قوله المروي وستره له عمن بغيره ويفسده والله أعلم واعلم أنه ذكر هذا في الميزان علة لقوله وكذلك من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه أو على التوقف منه واتضح أمره من الرواة والعمدة إلى آخره ثم قال والحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس ثلثمائة ولو فتحت على نفسي تلبين هذا الباب لما سلم مني إلا القليل إذا الأكثر لا يدرون ما يرو و(2/179)
261 ولا يعرفون هذا الشأن إنما سمعوا في الصغر واحتيج إلى علو سندهم في الكبر فالعمدة على من قرألهم وعلى من أثبت صفات السماع لهم انتهى قلت هذا الذي يرجع إليه أهل الحديثهو بعينه الذي بدأ به أهل البيت عليهم السلام أي الزيديه منهم فإنه قد عد المنصف في العواصم عدة من علماء أهل البيت ليسوا على مذهب الزيدية بل في كل فرقة من فرق الأئمة الأربعة علماء من أهل البيت مذاهبهم على طربقة من هم بين اظهرهم وهو قبول المراسيل من العدول الثقات الأمناء وذلك لأن هؤلاء الرواة من المتأخر ين صرح أئمة الحديث بأنه ليس الإعتماد عليهم بل على المحدثين المفيدين وإذا كان الأعتماد عليهم لم يكونوا الإعتماد عليهم بل على المحدثين المفيدين وإذا كان الإعتماد عليهم لم يكونوا رواة فالذي يروي من طريقهم مرسل وإن كان موصولا صورة ولكن لابد من تقييد المراسيل بما تقدم في بابها والله أعلم حيث قال فأن المتأخرين من المحدثين وافقوا على قبول المراسيل وهو ملنص على صحته ثقه عارف بهذا الشأن لارتفاع العلل الموهية للمراسيل عن هذا النوع إلى آخر كلامه هنالك
مسألة
في ذكر مراتب التعديل
من علوم الحديث ذكر مراتب التعديل مصدر عدله نسبه إلى العدالة مثل فسقه قال زين الدين هذه الترجمة معقود لبيان ألفاظهم في التعديل التي يدل تغابرها على تباين أحوال الرواة في القوة وقد رتب ابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن الإمام أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي في مقدمة(2/180)
262 كتاب الجرح والتعديل طبقات ألفاظهم فيها فأجاد وأحسن كما قاله ابن الصلاح وقد أوردها ابن الصلاح وزاد فيها ألفاظا أحذها من كلام غيره أي غير ابن أبي حاتم قال زين الدين وقد زدت عليها ألفاظا من كلام أهل هذا الشأن غير متميزة بقلت أي لا يميزها عن غيرها بقوله قلت ولكنني أوضح ما زدته عليها هنا إن شاء الله تعالى انتهى كلام الزين ثم قال مراتب التعديل أربع أوخمس وقال السخاوى ست وسأوضح مازاده فالمرتبة الأولى العليا من ألفاظ التعديل ولم يذكرها ابن أبى حاتم ولاابن الصلاح فيما زاده عليه وهو أن يكرر لفظ التوثيق الذكور في هذه الرتبة الأولى إما مع تباين اللفظين مع تقارب المعنى كقولهم ثبت بسكون الموحدة الثابت القلب واللسان والكتاب وأما ثبت بالفتح ففما يثبت فيه للمحدث مسموعه مع أسماء الشاركين له فيه لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره حجة أو ثبت حافظ أو ثقه ثبت أوثقه متقن هو الضابط الجيد الضبط فلا بد حينئذ مما يدل على العدالة فاذا قال ثبت أفاد ذلك وزيادة فان معناه ما تطمئن به النفي وتقنع به فيثبت عندها أي لاتطلب عليه مزيدا إذ ذلك لايكون إلا لمن جمع مع الضبط العدالة قال في القاموس ثبته عرفه حق المعرفة والإثبات الثقات انتهى وفي النهايه الثبت بالتحريك الحجة والبينة وحينئذ يكون من الرتبة التى قبلها أو نحو ذلك كقولهم كأنه مصحف هذا مع اختلاف اللفظين أومع إعادة الفظ الأول بعينه كقولهم ثقة ثقة تأكيد لفظي لزيادة التقرير أو نحوها وذلك لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الحاكي عنه قال السخاوي وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلا يكون أعلى منهما كقول ابن مهدي ثقه ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث قال وأكثر ماوقفنا عليه(2/181)
263 من ذلك قول ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة سبع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه فهذه المرتبة أعلى العبارات في الرواة المقبولين كما قاله الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مقدمة كتابه ميزان الإعتدال فأنه قال فأعلى العبارات في المقبولين ثبت حجة إلى آخر ما هنا وقال السخاوي إن أعلاها كما قاله شيخه الحافظ ابن حجر الإتيان بصيغة أفعل كأن يقال أوثق الناس أوأثبت الناس أو نحوهما كقول حسان لبن هشام حدثنى أصدق من أدركت من البشر محمد بن سيرين لما تدل عليه هذه الصيغة من الزيادة وألحق بها شيختا المنتهى في الثبت ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند بعضهم كقولهم فلان لايسأل عن مثله ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند الذهبي والزين انتهى قلت الذي في مقدمه التقريب للحافظ أنه جعل أفعل وتكرير الصيغة مرتبة واحدة هي أول المراتب واعلم أنه جعل الحافظ ابن حجر أول المراتب كونه صحابيا فإنه قال وبإعتبار ما ذكرته انحصر لى الكلام على أحوالهم في ثنتى عشرة فأولها الصحابة والثانية من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس إلى آخر كلامه فأول المراتب توثيقا كون الراوى صحابيا وظاهر هذا أن كونه صحابيا قد تضمن أنه ثقه حافظ فصفة الصحبة قد تكفلت بالعدالة والضبط وهذا لا إشكال فيه بالنظر إلى العدالة على أصل أئمة الحديث ولكن بالنظر إلى الضبط والحفظ لا يخلو عن الإشكال إذ الحفظ وعدمه من لوازم البشرية لا ينافي الصحبة بل لا ينافي النبوة فقد صح عنه صلىالله عليه وسلم أنه نسى في صلاته وغيرها فكيف يجعل كون الراوي صحابيا أبلغ من الموصوف بأوثق الناس ونحوه والصحبة لا تنافي النسيان وعدم الحفظ بل قد ثبت في صحيح البخاري نسيان عمر لقصة التيمم وتذكيرر عمار له بها ولم يذكر بل قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم رحم الله فلانا(2/182)
265 أويس صدوق وليس حجة المرتبة الثالثة قولهم ليس به بأس أولا بأس به فإن قيل إنه ينبغي أن يكون لا بأس به أبلغ من ليس به بأس لعراقه لا في النفي أجيب بأن في العبارة الأخرى قوة من حيث وقوع النكرة في سياق النفي فسارت الأولى في الحملة أو صدوق على صيغة المبالغة لا محله للصدق فيأتي أنها دونها أو مأمون أو خيار من الخير ضد الشر ومن ذلك الوصف لسيف بن عبيد الله أنه من خيار الخلق كما في أصل حديثه من سنن النسائي وجعل ابن أبي حاتم وأبن الصلاح هذه المرتبة الثانية لا الثالثة واقتصرا فيها على قولهم صدوق أو لا بأس به وأدخلا فيها قولهم محله الصدق وقال ابن أبي حاتم من قيل فيه ذلك فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه قال ابن الصلاح لأن هذه اللفظة لا تشعر بشريطة الضبط فينظر حديثه الخبير حتى يعرف ضبطه وأخرت هذه اللفظة وهي محله الصدق إلى المرتبة التي تلي هذه تبعا لصاحب الميزان فإنه هكذا صنع وهذه اللفظة دالة على أ صاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق فهي ون يصدوق لأنه وصف بالصدق على طريقة المبالغة ولذا جعل صدوق من المرتبة الثانية ومحله الصدق من المرتبة الرابعة والمرتبة الرابعة قولهم محله الصدق أورووا عنه أو على الصدق ما هو يعني ليس ببعيد عن الصدق وقال البقاعي معناه عند أهل الفن أنه غير مدفوع عن اليصدق وتحقيق معناها في اللغة أن حرف الجر يتعلق بما يصلح التعليق به وهو هنا قريب فالمعنى فلان قريب إلى الصدق ويحتمل أن تكون ما نافية وحينئذ يجوز أن يكون المعنى ما هو ثريب منه فيكون نفيا لما أثبتته الجملة الأولى فتفيد مجموع العبارة التردد فيه قلت بل المعنىعلى هذا فلان قريب إلى الصدق وهي الجملة الاولى ما هو قريب وهي الثانية فتفيد تناقض الجملتين لا التردد فلا ينبغي حمل كلامهم على هذا الأحتمال(2/183)
266 قال ويحتمل ماهو بعيد فيكون تأكيدا للجملة الأولى قلت هذا متعين قال ويحتمل أن تكون استفهامية فكأنه قيل هو قريب إلى الصدق ثم سألت عن مقدار القرب فقال ماهو قليل أو كثير قلت هذا يبعده السسباق لأن القائل إلى الصدق ما هو هو الذي عدل من وصف فكيف يسأل غيره عنه فأولى التوجيهات هو الأول ومعنى ماهو ا تكون ما نافية وهو اسمها وخبهرا محذوف أي ماهو بعيد عن الصدق ولاجملة تأكيد لما قبلها أو شيخ وسط أو سط أو شيخ أو صالح لحديث أو مقارب الحديث بفتح الراء ومعناه حديثه يقارب حديث غيره وكسرها ومعناه أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات وبالكسر صبطت في الأصول الصحيحة من كتب ابن الصلاح المقروءة عليه وكذا ضطها النووي في مختصر يه وابن الجوزي كما حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي وبهما ضبطه ابن دحية والبطليوسي وابن رشد في رحلته قال ومعناه يقارب الناس في حديثه ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر أو يقال فيه جيد الحديث من الجودة أو حسن الحديث أو صويلح أو صدوق إن شاء الله تعالى بخلافه إذا لم يقيد بالشيئة فإنه من الثالثة كما عرفت أو أرجو أنه ليس به بأس واقتصر ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من كلامه على قولهم شيخ وقال هو بالمنزلة التي قبلها يكتب حديثه وينظر فيه إلا إنه دونها واقتصر ابن أبي حاتم في المرتبة الرابعة على قولهم صالح الحديث وقال إن من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار قال ابن الصلاح وإن لم يستوف النظر المعرف بكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم من بيان طريقة الاعتبار في محله(2/184)
267 ثم ذكر ابن الصلاح من ألفاظهم أي أئمة الحديث في التعديل على غير ترتيب قولهم فلان روى عنه الناس فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان ما أعلم به بأسا قال وهو دون قولهم لا بأس به فإنه جزم فيها بنفي البأس وهنا ينفي علمه والفرق بين الأمرين واضح أما تمييز الألفاظ التي زدتها الأولى أن يقدم قبل هذا قال الزين لأن هذا كلامه وليس في عبارة المصنف إشعار به على كتاب ابن الصلاح فهي المرتبة الأولى بكاملها وفي الثالثة مأمون وخيرا وفي الرابعة إلى الصدق ماهو وشيخ وسط ووسط وجيد الحديث وحسن الحديث وصويلح وصدوق إن شاء الله تعالى وأرجوا أنه لا بأس به وهو نظير ما أعلم به بأسا إذ الأولى وهي وأرجو أرفع لأنه لا يلزم من عدم العلم حصول الرجاء لذلك وقد روى عن الإمام يحيى بن معين أنه إذا قال لرجل ليس به بأس فهو ثقة وإذا قال هو ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه ولما كان هذا خلاف ما سلف عن ابن أبي حاتم جمع ابن الصلاح بينهما كما نقله عنه المصنف بقوله وقال ابن الصلاح إنه أي ابن معين حكى هذا ع نفسه لا عن غيره بخلاف ما ذكره ابن أبي حاتم يعني فإنه نسبه إلى أهل الحديث وأجاب الزين بغير هذا كما أفاده قوله وقال زين الدين ولم يقل ابن معين إن قولي ليس به بأس مثل قولي ثقة حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين إنما قال إن من قال فيه هذا فهو ثقة وليس لفظ الثقة يطلق على مرتبة معينة بل كما قال وللثقة مراتب فالتعبير عنه بأنه ثقة أرفع من التعبير عنه بأنه لابأس به وإن اشتركا في مطلق الثقة وعن عبد الله بن إبراهيم في شرح البخاري عبد الرحمن ابن إبراهيم دحيم وهو الذي كان في أهل الشام مثل ابن أبي حاتم قال أهل الشرق مثل كلام يحيى بن معين قال أبو زرعة قلت لعبد الرحمن ما تقول في علي بن حوشب الفزاري قال لا بأس به قال قلت ولم لا تقول ثقة ولا نعلم إلا خيرا قال قلت لك إنه ثقة و روى عن عبد الرحمن بن مهدي(2/185)
268 مثل ما تقدم في الفرق بين العبارتين وذلك أنه سأله عمر بن علي الفلاس حين روى عن أبي جلدة بالجيم وسكون اللام وهو خالد بن دينار التميمي فإنه قيل أي قال له الفلاس في رجل هو أبو جلدة أكان ثقة قال كان صدوقا وكان مأمونا وكان خبرا وفي رواية وكان خيارا ثم قال الثقة شعبة وسفيان الثوري وفي بعض الروايات عن ابن مهدي بدل سفيان مسعر يصرح بأن حجيته ثقة على كل من صدوق وخيرا ومأمون التي كل منها من مرتبة ليس به بأس ولا يخدش فيه قول ابن عبد البر كلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ إذ أبو جلده ثقة عند جميعهم كما صرح به الترمذي حيث قال هو ثقة عند أهل الحديث فإن هذا لا يمنع الاستدلال المشار إليه قاله السخاوي وعن أحمد بن حنبل أنه سئل عن عبد الوهاب بن عطاء هل هو ثقة فقال للسائل أتدري ما الثقة إنما للثقة يحيى بن سعيد القطان وكان ابن مهدي فيما ذكر أحمد ابن سنان ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول رجل صالح الحديث فيجعله منحطا عن رتبة ليس به بأس ولما فرغ من مراتب التعديل أخذ في بيان مراتب التجريح فقال
مسألة في مراتب الجرح
مراتب التجريح هي خمس مراتب وجعلها إن أبى حاتم أربعاوتبعمه ابن الصلاح وسوقها المنصف كالزين في التدلي إلى الأدنى معأن العكس كما فعله ابن أبي حاتم وابن الصلاح كان أنسب لتكون مراتب القسمين منخرطة في سلك واحد بحيث يكون أولها الأعلى من التعديل وآخرها الأعلى من التجريح(2/186)
269 الأولى من المراتب الأربع وهي أسوؤها أن يقال فلان كذاب أو يكذب أو يضع الحديث أو وضاع الحديث أو وضع حديثا أو دجال وذكر السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر أنه جعل المرتبة الأولى مادل على المبالغة كأكذب الناس وإليه المنتهى في الوضع وهو ركن الكذب قال فهذه المرتبة الأولى ثم يليها كذاب إلى آخر ما سرده المصنف قلت والذي في مقدمة التقريب أنه جعل المرتبة الثانية عشر من أطلق عليه اسم الكذب ولاوضع هذا لفظه وهي أول المراتب هنا وفي النخبة وشرحها العن يكون بعشرة أشياء إلى أن قال وهذا ترتيبها على الأشد فالأشد في موجب الرد لأن الطعن إما يكذب الراوي ثم قال وهو الموضع فجعل الوصف بالكذب أول المراتب بأي عبارة كان وأدخل ابن أبي حاتم والخطيب بعض ألفاظ المرتية الثانية وفي هذه المرتبة قال ابن أبي حاتم إذا قالوا متروك أو ذاهب الحديث أو كذب فهو ساقط لا يكتب حديثه وقال الخطيب أدون العبارات أن يقال كذاب ساقط الحديث قال الزين بعد نقله لهذا الكلام وقد فرقت بين هذه الألفاظ تبعا لصاحب الميزان يعني الحافظ الذهبي فإنه جعلها من الثانية المرتبة الثانية وألفاظها فلان متهم بالكذب أو الوضع فلان ساقط وفلان هالك وفلان ذاهب أو ذاهب الحديث أو متروك أو متروك الحديث أو تركوه أول يعتبر به أو بحديثه أوليس بالثقة أو غير ثقة ولا مأمون أو نحو ذلك وفيه نظر وسكتوا عنه قال الزين وهاتان العبارتان للبخاري فيمن تركوا حديثه المرتبة الثالثة فلا رد حديثه أو ردوا حديثه أو مردود الحديث أو ضعيف جدا أو واه بمرة قال الحافظ ابن حجر أي قولا واحدا لا تردد فيه أو طرحوا حديثه أو مطروح الحديث وارم به وفلان ليس بشيء أو لا شيء أو(2/187)
270 لا يساوي شيئا أو نحو ذلك قال زين الدين بعد سرده لهذه الألفاظ وكل من قيل فيه ذلك من أهل هذه المراتب الثلاث لا يحتج به ولا يعتبر ولا يستشهد به انتهى قال المصنف ونلحق بذلك فائدة وهي أن الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة شرح البخاري في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري أنه ذكر ابن القطان الفاسي بالفاء نسبة إلى فاس أن مراد ابن معين بقوله في بعض الرواة ليس بشيء يعني أن أحاديثه قليلة جدا فلا يكون إطلاق ذلك اللفظ جرحا المرتبة الرابعة فلان ضعيف أو منكر الحديث أوواه أو ضعفوه أو لا يحتج به وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة يزيد بن عبد الله بن خصيفة ضبطه الحافظ في التقريب بمعجمة ثم مهملة وقال إنه ثقة الكنذي إن أحمد بن حنبل يطلق على من يغرب أي يأتي بالغرائب على أقرانه في الحديث أنه منكر الحديث قال عرف ذلك بالإستقراء من حاله قال وابن خصيفة احتج به مالك والأئمة كلهم مع قول أحمد ذلك فيه فاصطلاح أحمد غير اصطلاح غيره فينبغي أنه يتنبه له وكذا قال الحافظ إن مذهب البرذتجي تقدم لنا ضبطه أن المنكر هو الفرد وإن تفرد به ثقة فلا يكون قوله في الراوي إنه منكر الحديث جرحا ذكره في ترجمة يونس بن القاسم الحنفي اليماني المرتبة الخامسة فلان يقال فيه أو ضعف أو فيه ضعف أو في حديثه ضعف أو فلان تعرف وتنكر أو ليس بذلك أو ليس بذاك القوى أو ليس بالقوي أو ليس بالمتين أو ليس بحجة أو ليس بعمدة أو بالمرضي أو للضعف ما هو هي مثل قوله إلى الصدق ما هو واللام بمعنى إلى أو فيه خلاف أو طعنوا فيه أو مطعون فيه أو سيء الحفظ أو لين أو لين الحديث أو فيه لين أو تكلموا فيه ونحو ذلك قال ابن المديني بعد سرده لما ذكر وكل مبتدأ مضاف إلى من ذكر في المرتبة الرابعة أو الخامسة فإنه خبر كل وأدخلت الفاء كما عرف في النحو يخرج حديثه للاعتبار وتقدم بيانه(2/188)
271 قال ابن أبي حاتم إذا أجابوا في رجل أنه لين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينتظر في اعتبارا وهو من أهل المرتبة الخامسة كما عرفت وإذا قالوا ليس بقوي فهو من أهل المرتبة الرابعة فهو بمنزلة لين الحديث في كتابه حديثه إلا أنه دونه وإذا قالوا ضعيف فهو دون الثاني أي دون قولهم ليس بقوي لا يطرح حديثه بل يعتبر فيه قال زين الدين وقد تقدم في كلام ابن معين ما قد يخالف هذا من أن من قال فيه ضعف فليس بثقة لا يكتب حديثه وتقدم أن ابن الصلاح أجاب عنه بأنه لم يحكه عن غيره من أهل الحديث كما سلف وسأل حمزه السهمي الدرا قطني أيش تريد أصله أي شيء فخفف ووصل إذا قلت فلان لين قال لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة قال الزين وأما تمييز ما زدته من ألفاظ الجرح على ابن الصلاح فهي فلان يضع ووضاع ودجال ومتهم بالكذب وهالك وفيه نظر وسكتوا عنه ولا يعتبر به وليس بالثقة ورد حديثه وضعيف جدا رواه بمرة وطرحوا حديه وارمبه ومطرح ولا يساوي شيئا ومنكر الحديث رواه وضعفوه وفيه مقال أو ضعف ويعرف وينكر أي يأتي مرة بالمناكير ومرة بالمشاهير فينبغي أن ينظر حديثه ولا يؤخذ ما رواه مسلما وهو قريب من قولهم في التوثيق محلقه الصدق وما معها من ألفاظ المرتبة الرابعة وليس بالمتين وليس بحجة وليس بعمدة وليس بالمرضي وللضعف ما هو وفيه خلاف وطعنوا فيه وسيئ الحفظ وتكلموا فيه فهذه لم يذكرها ابن أبي حاتم ولا ابن الصلاح وهي موجودة في كلام أئمة هذا الشأن انتهى كلام زين الدين ثم ذكر المصنف فوائد لم يذكرها الزين وهي خلاصة ما ساقه فقال ويلحق به فوائد الأولى أن أهل المرتبتين الرابعة والخامسة من أهل الديانة والصدق والعدالة وإنما تكلم عليهم لشيء في حفظهم فعلى هذا كل تلك العبارات مراد بها خفة الضبط لا غير ولهذا لا يكذبون كأهل المرتبة الأولى ولا يتهمون بذلك(2/189)
272 ولا يترك حديثهم ولا يقال في واحد منهم ليس بثقة فكل هؤلاء هم أهل المرتبة الثانية من مراتب التعديل لكن لا يخفى أن أهل المرتبة الثانية من قيل فيه متقن ثبت حافظ ضابط حجة ثقة وهذه الألفاظ تنافي عبارات أهل الرابعة والخامسة إذ هي ضعيف منكر الحديث ضعفوه ونحوها وكأنه أشار بقوله فتأمل إلى هذا فإن أهل المرتبة الرابعة والخامسة أرفع من أن يقال في أحدهم ليس بثقة كمن ذكرنا من أهل المرتبة الثانية من مراتب التجريح الفائدة الثانية أن أهل المرتبة الثالثة من مراتب التجريح أرفع من أن يقال لأحدهم ليس بثقة ولا يتهمون بالكذب مع أن حديثهم مردود ومطروح لقولهم فيها فلان ردوا حديثه أو مردود الحديث أو ضعيف جدا فبهذا تعرف أن أهل المرتبة الثالثة أيضا ممن لا يكذب ولايتهم بذلك الكذب ولا ينزل إلى ن يوصف بأنه غير ثقة لترفعه عن تعمد ذلك ولكنهم أهل وهم كثير حكم برد حديثهم لأجل ذلك فقط فعلى هذا قولهم فلان ليس بشيء أو لاشيء أو لا يساوي شيئا يعني كثير الوهم وإنما قلت ذلك لأن التهمة والحكم بقي الثقة هو حكم أهل المرتبة الثانية حيث قالوا فيهم فلان منهم فلان ليس بثقة وكل ما حكم به على أهل مرتبة لم يحكم به على من هو أرفع منها وإلا لتداخلت المراتب وضاع التقسيم الفائدة الثالثة أنك لا تصف أهل مرتبة بصفة من فوقهم ولا تصفهم بصفة من دونهم وذلك لأن لأهل كل مرتبة أحكاما وأوصافا تختص بها ولا تقول في الكذاب أي فيمن وصفوه بذلك أنه متهم بالكذب لأن الأولى تفيد أنه معروف به والثانية تيفد نفي ذلك وإنما عنده مجرد تهمة ولا تقول في الكذاب متروك الحديث وإلا أن تشك في أنه كذاب وتحقق أنه متروك لأنه من أهل المرتبة الثالثة على غير قول ابن أبي حاتم وكذاب من أهل الأولى على قوله فإن قلت أليس الكذاب متروك الحديث قلنا بلى أي متروك الحديث ولكن قد صار ترك الحديث عبارة عمن لم يعرف بأنه كذاب فقد فرق(2/190)
273 العرف بينهما وإن تصادفا في الحكم وهو ترك حديث كل منهما كما أن الكذاب ضعيف غير قوي ولا يقال فيه ذلك أي أنه متهم بالكذب لأنه يفيد أنه عدل صدوق ولكنه يهم في حديثه كما يفيده إطلاق متهم عليه فإن أحببت أن تقول كذا ب متروك الحديث فلا بأس لأن الإيهام قد ارتفع بالجمع بين الوصفين فإن قلت أي فرق بين متروك الحديث ومردود الحديث حتى توصف أهل المرتبة الثانية بالمتروك وأهل الثالثة بالمردود قلت لا فرق بينهما في اللغة ولكن أهل العرف من المحدثين جعلوا بينهما فرقا فالفرق عرفي لا لغوي فالمتروك يطلق على من ترك لجرح دينه أو تهمة بالكذب والمردود يطلق على من لم يعتمد ذلك ولا يتهم به ولكن كثر خطؤه حتى لم يقبل ولا يكتب حديثه ولا يعتبر به كما في حقيقته فمرتبة المردود أجنى من مرتبة المتروك الفائدة الرابعة أن أهل المرتبة الرابعة والخامسة من المجروحين ممن قيل فيه ضعيف أو منكر الحديث أو واه أو فيه مقال أو ضعف هم أهل المرتبةالرابعة من المعدلين وهو من قيل فيه محلح الصدق أو رووا عنه أو نحوه لما تقدم في كل واحد منهم أنه يكتب حديثه للاعتبار كما تقدم عن ابن أبي حاتم أنه قال كل من كان من أهل المرتبة الرابعة والخامسة فإنه يكتب حديثه للاعتبار ولكنهم حين يقصدون رفعهم عمن لا يعتبر به ولا يكتب حديثه يوردون الأدنى من ألفاظ التعديل نحو محله الصدق وحين يريدون حطهم عمن يحتج به في الصحيح يوردون الأعلى من عبارات التجريح فيقولون ضيعف أو منكر الحديث فهم أهل صدق وديانة ولكنهم ضعفاء بالنظر إلى من فوقهم في الإتقان من الحفاظ وهم لأجل صدقهم وتوسط حطتهم بين الكثرة المردودة والندرة التي لا حكم لها صالحون لا بأس بهم إذا وجد لهم متابع أو شاهد بالنظر إلى من دونهم من الكذابين والمتروكين بالنسبة إلى من كثر خطؤه فرد حديثه هذا على قواعد(2/191)
274 المحدثين وقد تقدم هذا للمصنف في بحث الحسن وتقدم ما فيه فتذكر وأما على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول فيجب قبولهم من غير اعتبار متابع ولا شاهد لما تقدم من قبولهم من كثر صوابه على خطئه الفائدة الخامسة لم يذكر زين الدين المجهول في مراتب التجريح وإن كان قد ذكره فيمن يرد حديثه ولا بد من ذكره فيها أي في مراتب التجريح إذ قد رد حديثه وحيث لا بد من ذكره فأما أن يجعل مرتبة منفردة أو يلحق بأهل الثالثة لأنه عند أهل الحديث ممن لا يقبل حديثه وإن كان بعض من سماه مجهولا يوجب قبوله كما تقدم تحقيق ذلك في بحث الحسن الفائدة السادسة إن أكثر هذه العبارات في التجريح غير مبينة السبب فهي من باب الجرح المطلق فتكون غير مفيدة للجرح الموجب لإطراح الرواية ولكن تكون موجبة للريبة والوقف في قبول من قيلت فيه ورده في غير المشاهير بالعدالة والأمانة فلا تؤثر فيهم ولما ورد على هذا ما تقرر في الأصول من أن الجرح مقدم على التعديل قال في جوابها ولا يغتر مغتر بأن الجرح مقدم على التعديل فإنهم وإن أطلقوا العبارة في ذلك فذلك الجرح المبين السبب لأن مالم يبين سببه فلا يتحقق أنه خرج يوجب الرد على أن المختار فيه أي في مبين السبب هو مامر من التفصيل يرد قوله وأما أن بين السبب نظرنا في ذلك السبب وفي العدل الذي ادعى عليه ونظرنا أي الجوائز أقرب إلى آخر كلامه فإذا لم يكن الجرح مبين السبب فهو مقبول فيمن اشتهر بالعدالة أصلا أو غير مقبول في الرد جزما بل يوجب توقفنا على الصحيح فضلا عن أن يقدم على التوثيق المقبول وأقل الأحوال أن يكون موضع ترجيح لأنه يحتمل مع إطلاقه أن الجارح جرح الراوي بما لو ظهر لنا لم نجرح به كما يحتمل أن الراوي جرح بما لم يعلم به من عدل وهذا الاحتمال هو الذي أوجب الوقف لا الرد مطلقا ولا القبول فإن قلت فأي هذه الألفاظ جرح مبين السبب قلت ليس فيها(2/192)
275 صريح في ذلك ولكن أقربها إلى ذلك قولهم وضاع ويضع الحديث فإنها مستعملة فيمن عرف بتعمد الكذب إما بإقراره أو ما يقوم مقامه ويليهما في الدلالة على التعمد منهم بالوضع وتقدم أنه من الرتبة الثانية من رتب الجرح وكذاب من الأولى ولما كان كذلك قال وأما كذاب فقد اختلف عرفهم فيها اختلافا لا يحصل معه طمأنينة أن من قبلت فيه متعمد الكذب لأن كثيرا منهم يقولون ذلك في حق صالحين كثر خطؤهم في الحديث ليسوا ممن يتعمد الكذب وهذا موضع صعب فإن خطأ الموجب لعدم القبول مختلف فيه صعب المأخذ كما تقدم تحقيق مراد المصنف وقواعد الأصوليين تقتضي أنه يجب قبوله لأنه مسلم عدل حتى يظهر ما يوجب جرحه والذي يوجب جرحه عند جماهير النظار هو استواء حفظه ووهمه أو ترجيح وهمه على حفظه وتحقيق ذلك أو ظنه مدرك حفى والله أعلم بل لا يكذا يقف عليه إلا علام الغيوب الفائدة السابعة أن هذه الألفاظ الجارحة إسناد مجازي أي الجارح قائلها إذا صدرت مع اختلاف الاعتقاد بين الجارح والمجروح كفريقي الأشعرية والمعتزلة أو صدرت من الأقران جمع قرن بكسر القاف وهو المثل المتنافسين المتحاسدين أو صدرت عند الغضب من الجارح على من يجرحه أو نحو ذلك من الأسباب فإن كان ذلك الجرح صاجرا عمن ذكر فينبغي أن تكون دلالتها أي الألفاظ الجارحة على الجرح أضعف من دلالتها عليه عند صدورها من غير من ذكر فإن ذلك أي الأختلاف ونحو من أسباب الجرح المجرد عند كثير منهم أي من الجارحين فإذا انضم إليه أي إلى ما ذكر أقل شيء مما ينجبر به فلا يوجب قدحا لولا مخالفة العقيدة انتهض أي أقل شيء مما ينجبر لو اتفقت العقيدة سببا للذم من الجارحين ومثيرا للوصم بالصاد المهملة العيب وقد يستحل بعضهم ذم الرجل لأجل بدعته أي يجعل ذمه حلالا كأنه ليحذر الناس عن اتباعه على بدعته غير قاصد بذمه لتضعيف حديثه(2/193)
276 إلا أنه لا يعزب عنك أنه قد أخذ في رسم العدلة أن لايكون معها بدعة فالمبتدع حديثه مردود فكيف يقال لا يقصد تضعيف حديثه بذكر بدعته فتؤخذ ألفاظ التجريح في ذلك الذم فيرد حديثه لأجلها لأجل ألفاظ التجريح واستدل لما ذكر بقوله ولقد تركوا حديث داود بن علي الأصيهاني الظاهري قال الخطيب في تاريخه كان ورعا ناسكا زاهدا وفي كتبه حديث كثير لكن الرواية عنه عزيزة جدا وقال أبو إسحاق مولده سنة إثنين ومائتين وأخذ العلم عن إسحاق وأبي ثور وكان زاهدا متقللا وكتب ثمانبة عشر ألف ورقة وقال أبو إسحاق كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر وإنما تركوا الرواية عنه لأجل قوله بأن القرآن محدث قال الذهبي أراد داود الدخول على الإمام أحمد فمنعه وقال كتب إلى محمد بن يحيى الذهلي في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربنى فقيل يا أبا عبد الله إنه ينتقي من هذا وينكره فقال محمد ابن يحيى أصدق منه وتطابقوا على تركه حتى عزت الرواية عنه مع ما في كتبه من الحديث الكثير وعبروا عنه بأنه متروك لم أجد هذا التعبير عنه في الميزان وكأنه في غيره قلت وإذ قد عرفت أنهم شرطوا في العدالة عدم البدعة وقد عرفت أن الحق أن القول بأن القرآن قديم أو محدث بدعة فردهم حديث داود جار على ما قعدوه في العدالة لكن يلزمهم رد من قال قديم كما قررناه في محل آخر وهذا أى قولهم في داودإنه متروك يفيد أنه من أهل المرتبة الثانية من مراتب التجريح أو هو أرفع من ذلك لاأعرف لزيادتها وجها إلا عند من يرد المأول المستحق للرد والمختار للمصنف وغيره من المحققين عدم رده كما عرفت والظاهر انه أي داود لم يذهب إلى التحسيم ولا غيره من الكبائر أي المعدودة كبيرة في الإعتقاد وغن لن تكن من كبائر الذنوب لأنهم لم ينقموا عليه إلا كلامه في القرآن أما شنع جمع شيعة مسائله الفرعية فليست مما يجرح به ةإن كان الصحيح أنه أخطأفي بعضها قطعا فذلك الخطأ لاينهض فسقا لأنها مسائل(2/194)
277 ظنية ولاتقسيق إلا بقاطع فقد علم أنهم لم يتركوه إلالقوله القرآن محدث وأكبر بالباء الموحدة من هذا قول بعضهم في عمرو بن عبيد عابد شيوخ الاعتزال الذي ليس في زهده وورعه مقال والذي تضرب بعبادته الأمثال إنه كذاب هو مقول قول البعض قال الذهبي في الميزان في ترجمة عمرو بن عبيد قال أيوب ويونس يكذب وقال حميد كان يكذب على الحسن وقال ابن حبان كان من أهل الورع والعبادة إلا أن أحدث ما أحدث فاعتزل مجلس الحسن هو وجماعة قسموا المعتزلة قال وكان يشتم الصحابة ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا قال الفلاس عمرو متروك صاحب بدعة وحدت عنه الثوري أحاديث قال سمعت عبد الله بن سلمة الحضرمي يثول سمعت عمرو بن عبيد يقول لو شهد عندي علي عليه السلام وطلحة والزبير وعثمان رضي الله عنهم على شراك نعل ما أجزت شهادتهم انتهى وما كان عمرو ممن يطرح عليه مثل هذا وإن كان يهم في الحديث كثيرا أو قليلا فقد وهم والوهم لا يوجب الرمي بالكذب إلا أن ابن حبان قد قيد ذلك بقوله وهما لا تعمدا فقد وهم فيه أي الحديث أبو حنيفة وضعفه كثيرون لم يترجم لأبي حنيقة في الميزان وترجم له النووي في التهذيب وأطال في ترجمته ولم يذكره بتضعيف وحملوا ألفاظ تضعيفه أي أبي حنيفة كأنهم لم يأتوا بعبارات خاصة كما أتوابها في عمرو بن عبيد وما أظن عمرو بن عبيد كان في دون مرتبة أبي حنيفة في الحفظ والأتقان والله أعلم وإذا كان كذلك فما الحامل على القدح في عمرو إلا المخالفة في العقيدة قال الذهبي في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أبي نعيم الأصبهاني ما لفظة كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به في القاموس ما أعبأ فلان ما أبالي به ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله وما علمت أن عصرا من الأعصار يسلم أهله من ذلك إلا الأنبياء عليهم السلام والصديقين فلو شئت لسردت من ذلك كراريس انتهى وأنت إذا رمت(2/195)
278 النظر في كتب الرجال وتأملت ما ذكرت لك عرفت أنه الحق إن شاء الله تعالى قلت قد عيب علي الذهبي ما عابه في غيره قال ابن السبكي في الطبقات نقلا عن الحافظ صلاح الدين العلائي ما لفظه الشيخ شمس الدين الذهبي لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول ولكنه غلب عليه منافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى أثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن أهل التنزيه وميلا قويا إلى أهل الإثبات فإذا ترجم أحدا منهم أطنب في محاسنه وتغافل عن غلطاته وإذا ذكر أحدا من الطرف الىخر كالغزالي وإمامه الجويني لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن فيه وإذا ظفر لأحد منهم بلغطة ذكرها وكذا يفعل في أهل عصرنا وإذا لم يقدر على التصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقيدة انتهى قال ابن السبكي وقد وصل يريد الذهبي من التعصب وهو شيخنا إلى حد يسخر منه وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين والذي أفتى به أنه لا يجوز الاعتماد على شيخنا الذهبي في ذم أشعري ولا مدح حنبلي قلت لا يخفى أن الصلاح العلائي وابن السبكي شافعيان حادان أشعريان وأن الذهبي إمام كبير الشأن حنبلي الاعتقاد شافعي الفروع وبين هاتين الطائفتين الحنابلة والأشعرية في العقائد في الصفات وغيرها تنافر كلي فلا يقبلان عليه بعين ما قالاه فيه وقال ابن السبكي قد عقد ابن عبد البر بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير دب فيكم داء الأمم فبلكم الحسد والبغضاء وقال ابن السبكي وقدعيب على ابن معين تكلمه في الشافعي وتكلمه في مالك وابن أبي ذؤيب وغيره وأقول إذا كان الأمر كما سمعت فيكف حال الناظر في كتب الجرح والتعديل وقد غلب التمذهب والمخالفة في العقائد على كل طائفة حتى إن طائفة تصف رجلا بأنه حجة وطائفة أخرى تصفه بأنه دجال باعتبار(2/196)
279 اختلاف الاعتقادات والأهواء فمن هنا كان أصعب شيء في علوم الحديث الجرح والتعديل فلم يبق للبحاث طمأنينة إلى قول أحد بعد قول ابن السبكي إنه لا يقبل الذهبي في مدح حنبلي ولا ذم أشعري وقدصار الناس عالة على الذهبي وكتبه ولكن الحق أنه لا يقبل على الذهبي ابن السبكي لما ذكره هو ولما ذكره الذهبي من أنه لا يقبل الأقران بعضهم على بعض واعلم أن مرادهم بالأقران المتعاصرين في قرن واحد والمتساوون في العلوم وعلى التقديرين فإنه مشكل لأنه لا يعرف حال الرجل إلا ممن عاصره ولا يعرف حاله من بعده إلا من أخبار من قارته إن أريد الأول وإن أريد الثاني فأهل العلم هم الذين يعرفون أمثالهم ولا يعرف ذا الفصل إلا أولو الفضل فإذا عرفت هذا فالأولى إناطة ذلك بمن علم أن بينهما منافسية وتحاسدا فيكون ذلك سببا لعدم قبلو بعضهم في بعض لا لكونه من الأقران فإنه لا يعرف عدالته ولا جرحه إلا من أقرانه وأعلم ما فرق بين الناس هذه العقائد والاختلاف فيها فقول المصنف فيما نقله عن الذهبي ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد هو الذي ينبغي أن يناط به القبول والرد وقوله وأنت إذا رمت النظر في كتب الرجال الأحسن إذا نظرت وتأملت ما ذكرت لك عرفت أنه الحق إن شاء الله تعالى وقد حققنا هذا البحث تحقيقا شافيا في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر والحمد لله الفائدة الثامنة قد تقرر فيمن برد حديثه أن جمهور أهل الحديث على رد المبتدع الداعي إلى بدعته قال في النخبة وشرحها إن البدعة إما أن تكون بكفر أو بفسق فالأولى لا يقبل صاحبها الجمهور والثاني يقبل مالم يكن داعية إلى بدعته لأن تزيين مذهبه قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه في الأصح والأكثر على قبول غير الداعية إلا أن يروي ما يقوي بدعته فيرد فعلى هذا يجوز أن يجعلوه من أهل المرتبة الثانية ويقولوا فيه متروك(2/197)
280 وهالك أو نحو ذلك فلا يخفى عليك موضع ذلك من كتب الجرح والتعديل فإنهم قد يطلقون ذلككعلى من يعتقدونه مبتدعا وليس كذلك أي ليس في نفس الأمر مبتدعا بل في اعتقادهم وقد يطلقونه على من يوافقهم على بدعتهم ولكن لا يوافقهم على أنها كبيرة وقد يطلقونه على من يوافقهم على تكفيره إن كانت بدعته تقتضي تكفيره أو تفسيقه إن كانت تقتضيه ولكن هذا وإن وافقهم على تكفير من ذكر أو تفسيقه لا يوافقهم على الفرق الذي اصطلحوا عليه وهو رد الداعية من المبتدعة دون غيره من المبتدعة مع اشتراكهم أي الداعية وغيره في القول بالبدعة وإنما افترقا في الدعاء إليها وعدمه و اشتركهما في التدين والتورع عن المحرمات وفي اعتقاد تحريم الكذب ولعلهم إنما تركوا داود الظاهري لقوله بحدوث القرآن ودعايته إلى مذهبه ومناظرته عليه والله أعلم قد قدمنا رواية الذهبي في الميزان عن داود أنه أنكر قبله بحدوث القرآن ولم يذكر مناظرته عليه فإن قلت ما الفرق بين الداعية وغيره من المبتدعة عندهم فإنهم فرقوا بينهما قبولا وردا قلت ما أعلم أنهم ذكروا فيه شيئا فقد قدمنا عن ابن حجر ذكر تعليل رده قريبا ولكني نظرت فلم أجد غير وجهين أحدهما أن الداعية شديد الرغبة في استمالة قلوب الناس إلى ما يدعوهم إليه فربما حمله عظيم الرغبة في ذلك على تدليس أو تأويل كما زعموا أن عمرو بن عبيد أفتى بمسألة فقال هذه من رأي الحسن في الميزان في ترجمة عمرو قال الشافعي عن سفيان أن عمرو ابن عبيد سئل عن مسألة فأجاب عنها وقال هذه من رأي الحسن يرد نفسه وليس هذه ما يفيده قوله فسئل الحسن عنها فانكرها فقيل لعمرو في ذلك فقال إنما قلت من رأيي الحسن يعني من رأي نفسه وهذا مثل تدليس الداعية إلا أنه لا يعرف أن فيها تقوية لمذهبه إلا لو ذكر المسألة وأما المبتدع غير الداعية فليس له من الحرص على الرواية بتلك الصفة ما يلجئه إلى هذا إذ لا حامل عليه والوجه الثاني من الوجهين اللذين وجدهما المصنف(2/198)
281 فرقا بين الداعية ويغره أن الرواية عن الداعية تشتمل على مفسدة وهي إظهار أهليته للرواية وأنه من أهل الصدق والأمانة وذلك يغري بالغين المعجمة والراء بمخالطته وفي مخالطة العامة لمن هو كذلك مفسدة كبيرة قلت هذا الوجه ذكره أبو الفتح القشري فقال إن ترك الرواية عنه إهانة وإطفاء لبدعته نقله عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري والجواب عن الاول أنها تهمه ضيفه لا تساوي الوازع الشرعي الذي يمنع ذلك المبتدع المتدين من الفسوق في الدين وارتكاب دناءة الكذب الذي تنزه عنه كثير من الفسقه المرتدين كيف الكاذب دناءة الكذب الذي تنزه عنه كثير من الفسقة لا يخفى تزويره وعما قليل ينكشف تبذيله وتغريره من الغرر ويتهمه النقاد وتتناوله ألسن والمراد كفى الكاذب من الشر أن يسمع عنه وأهل المناصب الرفيعه يأنفون من ذلك أى من الكذب من غير ديانه فكيف إذا كانوا من اهل الجمع بين الصيانه لأعراضهم والأمانه لا يعزب عنك أن أصل الدعوى في الوجه الثاني أنه قد تحمله الرغبه في الدعاء إلى بدعته واستمالة القلوب إليه على التدليس أو التأويل لا على تعمده لا رتكاب صريح الكذب والجواب إنما يوافق ذلك احتج أهل الحديث بمن هو على أصوالهم دعيه إلى البدعه لما قويت عندهم عدالته وأمانته كقتادة ابن دعامه الدوسى فانه كان يدلس ورمى القدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أهل الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا انتهى بلفضه الميزان وأثنى عليه في التذكرة وغيره فإن قتادة كان يرى المعتزله ويدعو إليه قال الذهبي في التذكرة كان يرى القدر ولم يكن يقنع حتى يصيح به صياحا قالت افضه في التذكرة وكان يرى القدر قال ضمرة بن شوذب ما كان قتادة يرضى حتى يصيح به صياحا يعني القدر قال الذهبي نقله عن غيره ثم قال قال ابن أبي عروبة والدستوائى قال قتادة ل شيئ بقدر إلا المعاصي قلت ومع هذا الاعنقاد الردئ ما تأخر(2/199)
282 أحد عن الاحتجاج بحديثه انتهى من التذكرة قلت دعاة المبتدعة من الخوارج والجبرية وغيرهم هم أبعدهم عن القائح وأصدقهم لهجة وتهمتهم مرجوحة إلا الخطابية من الخوارج قلت الخطابية من غلاة فرق الشيعة ينسبون إلى أبي الخطاب الأسدي كان يقول بالحلول في جماعة من أهل البيت على التعاقب ثم ادعى الألهية قاله السخاوي في شرح ألفيته العراقي وقال المناوي في التعريفات أنهم يقولون الأئمة أنبياء وأبو الخطاب نبي وهم يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم وقالوا الجنة نعيم الدنيا والكرامية من الجبرية هم نسبة إلى محمد بن كرام وفي ضبط كرام ثلاثة أقوال الأول بالفتح وتخفيف الراء ولاثاني بتثقيل الراء قيده به السمعاني وابن ماكولا قال إبراهيم وهو الجاري على الألسنة الثالث بكسر الكاف على لفظ جمع كريم قال الذهبي قال ابن حبان إن ابن كرام خذل حتى إلتقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها قال الذهبي قد سقت أخبار ابن كرام في تاريخي الكبير وله أتباع ومريدون وقد سجن بنيسابور لأجل بدعته ثماينة أعوام ثم أخرج وسار إلى بيت المقدس ومات بالشام قال ابن حزم قال ابن كرام الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه هو مؤمن قال الذهبي قلت هذا منافق محض في الدرك الأسفل من النار فأيش ينفع ابن كرام أن نسميه مؤمنا انتهى ولم يذكر الذهبي تجويزه الكذب وذلك الوجه في أبعدينهم عما ذكر لأن الداعي إلى المذهب من أشد الناس رغبة إلى إشادته والعمل به ومن جملة ما ذهبوا إليه أي أي الخوارج والجبرية تحيرم الكذب إلا هاتين الفرقتين وهم الخطابية ولاكرامية فمن جملة بدعتهم تجويز الكذب فدعاتهم وكان الأظهر دعاتهما أكذبهم وأسرعوا إلى ذلك بخلاف غيرهم فيتعين ردهم مطلقا دعاة كانوا أولا ولو سلمنا تهمتهم أي دعاة المبتدعة لما كانت إلا فيما يخصهم من المذاهب دون سائر الأحكام هذا هو رأي المحدثين في المبتدع غير الداهية أنه يرد من حديثه ما يقوى بدعته كما(2/200)
صرح به
283 الحافظ في النخبة وشرحها لأنها تهمة بتدليس أو نحوه من أمره يستجيزونه أما لو اتهمناهم بتعمد الكذب بقرائن راجحة على قرينة صدقهم لأجل الوازع الشرعي لم يكن في ردهم إشكال لأجل التهمة بالكذب وأما الوجه الثاني وهم التعليل بعدم قبول الداعية بالمفسدة في قبوله فالجواب عليه أن نقول إما أن يقوم الدليل الشرعي على قبولهم أولا يقوم إن لم يدل الدليل الشرعي على وجوب قبولهم لم نقبلهم لعدم الدليل على القبول هل كانوا دعاة أو غير دعاة أي سواء كانوا وإتيان هل لهذا المعنى لا أعرفه وإن دل الدليل الشرعي على وجوب القبول كما هو المفروض لم يصلح ما أورده ما نعا من امتثال الأمر بقبولهم ولا مسقطا بمعلوم الفرض من قبولهم قلت وهاهنا بحثان في قبول مطلق المبتدع داعية كان أو غيره وذلك لأن أهل الأصول أخذوا عدم البدعة في رسم العدالة فالمبتدع ليس بعدل فكيف يقبل حديثه فإنه قبله أهل الحديث كما سمعت ولم يردوا إلا الداعية لا لأجل بدعته بل لأنه داعية إليها وفسر الحافظ ابن حجر العدالة بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروة وفسر بالتقوى بأنها اجتناب الأعمال السيئة من شرك وفسق أو بدعة فأفادة أن ترك البدعة من ماهية العدالة فطابق كلام الأصوليين فالمبتدع لا يكون عدلا على رأي الفريقين ثم إنه قسم البدعة إلى قسمين ما يكون ردا لأمر معلوم من الدين ضرورة أو إثباتا لأمر معلوم بالضرورة أنه ليس منه انتهى قلت ولا يخفى أن من كان بهذه الصفة فإنه كافر لرده ما علم ثبوته أو إثباته لما علم نفيه وكلا الأمرين كفر لأنه تكذيب للشارع وهذا ليس من محل النزاع إذ الكلام في المسلم المبتدع وأما ما يكون ابتداعه بفسق فقد اختار لنفسه ونقل عن الجمهور أنه يقبل ما لم يكن داعية وحينئذ فلا يرد إلا الداعية ورده لا لأجل بدعته بل لكونه داعية وهذه مسألة قبول أهل التأويل والمصنف(2/201)
284 قد نقل في كتبه الأربعة العواصم ومختصره الروض الباسم وهذا الكتاب ومختصره في أصول علم الحديث إجماع الصحابة على قبول فساق التأويل ولا يخفى أن هذا ينافي القول بشرطية عدم البدعة في الراوي ورسم العدالة منافاة ظاهرة وقد تقرر كون البدعة من الكبائر عند أئمة العلم ودلت عليه عدة أحاديث قد أودعناها رسالة حسن الإتباع وقبح الإبتداع وسقنا شطرا منها صاحلحا في رسالتنا ثمرات النظر وأطلنا القول في هذا البحث فيها وإذا عرفت هذا فلا يخلو قابل المبتدع إما أن يقول إنه عدل وإن ابتداعه لا يخل بعدالته فهذا رجوع عن رسم العدالة أو يقول إنه لا يشترط عدم البدعة في العدل وإنه لا يطابق أحاديث الزجر عن البدعة البحث الثاني أن تفسير العدالة بما ذكره الحافظ ابن حجر تطابقت عليه كتب أئمة الأصول والحديث وإن حذف البعض قيد الأبتداع فإنهم قد اتفقوا على أنها ملكة ولا يخفى أنه ليس هذا معناها لغة ففي القاموس العدل ضدالجور وإن كان كلامه في هذه الألفاظ قليل الإفادة لأنه يقول والجور نقيض العدل فيدور وفي النهاية لابن الأثير العدل الذي لا يميل به الهوى وهو وإن كان تفسيرا للعادل فقد أفاد المراد به وفي غيرهما العدل الإستقامة ولأئمة التفسير أقوال في تفسيرها قال الفخر الرازي في مفاتح الغيب بعد سرده الأقوال إنه عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط ولاتفريط قلت وهو قريب من تفسيره بالإستقامة فإنه فسرها الصحابة وهم أهل اللسان العربي بعدم الرجوع إلى عبادة الأوثان وأنكر أبو بكر الصديق على من فسرها بعد الإتيان بذنب وقال حملتم الأمر على أشده وفسرها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالإتيان بالفرائض والحاصل أن تفسيرهم العدالة بالملكة ليس هو معناها لغة ولا أتى عن الشارع في ذلك حرف واحد وتفسيرها بالملكة تشديد لا يتم وجوده إلا في المعصومين(2/202)
285 وأفراد من خلص المؤمنين بل في الحديث إن كل بني آدم حطاؤون وخير الخطائين التوابون وفيه أنه من من نبي إلا عصى أوهم إلا يحيى ابن زكريا ولا يخفى أن حصول هذه الملكة لكل رواه من رواة الحديث معلوم أنه لا يكاد يقع ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك يقينا فالتحقيق أن العدل هو من قارب وسدد وغلب خيره على شره وفي الحديث المؤمن واه راقع أي واه ما أذنب راقع بالتوبة وتمامه والسعيد من ماتعلى رقعه أخرجه البزار وإن كان فيه ضعف فإنه يشهد له حديث لو لو تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وهو حديث صحيح وقد أطلنا البحث في هذا في ثمرات النظر وفي هذا هنا كفاية ولما قرر المصنف في كلامه ما يفيد قبول رواية المبتدع الداعية استشعر أنه قد يقال قد ثبت رد شهادة من له غرض في الشهادة أو من يتهم بمحاباة أو عداوة أو نحو ذلك أجاب عنه بقوله وعلى العامة أي العلماء أن يفرقوا بين قبول الرواية والشهادة فإن لكل منهما شروطا معروفة وأن يفرقوا بين اعتقاد ماليس عليه دليل من البدعة أي وبين ما قام دليل عليه وقبول الداعية قد قام الدليل عليه كما قرره فابتداعه في أمر لا يمنع عن قبوله في غيره ومتى تعدوا العامة في ذلك أي بقبولهم له في بدعته أتوا من قبل أنفسهم في اتباعهم للداعية في بدعته فإن الدليل لم يقم على ذلك مثال ذلك أنا لو خشينا مثل ذلك من العامة إن سرنا في البغاة أي في معاملتهم بغير السيرة في المشركني لم يلزمن أن نسير فيهم مثل سيرتنا في المشركين كما أن السيرة فيهم بغير السيرة في المشركين متعين فيإنه لا يغنم من أموالهم شيئا إلا الكراع والسلاح عند البعض ولا يسترقون ولا يذفف على جريحهم ولا يتبع مديرهم لئلا يتوهم بذلك العوام أن البغاة محقون أو محترمون لم يلزمنا دفع وهم العامة بأن نسير في البغاة مثل سيرتنا في المشركين لئلا يتوهم العامة أن البغاة محقون أو محترمون احتراما يوجب ترك قتالهم أو يشكك في جوازه(2/203)
كذلك لا تترك رواية المبتدع الداعية لئلا تغري
286 العامة بقبول روايته على مخالظته على أن هذه المفسدة وهي مخالظة العامة للمبتدع الداعية مأمونة الوقوع بالرواية لحديث منقد مات من دعاة المبتدعة وتقادم عهده فتأمل ذلك والله أعلم كأنه يريد أنه قد يقال إن المفسدة في قبوله في حياته فإن بقبوله فيها يحصل التدليس بما يقوي بدعته فيحصل قبول مادلسه بعد مماته
مسألة في بيان السن التي يصلح تحمل الحديث فيها
متى يصلح تحمل الحديث أي في أي سن يصلح تحمل الراوي عن غيره الرواية العبرة في ذلك أي في سن التحمل أو زمنه بالعقل أي بتعقل الراوي والتمييز لما يرويه لا بحين معين ووقت متحد بين الرواة وقد يخلف(2/204)
292 الناس في ذلك وتختلف الأمور التي تحفظ فالأمور العظيمة التي يعظم وقعها ويندر حصولها ربما حفظت في حال الصغر بخلاف الألفاظ ولم أجد هذا في شرح الزين ولا في كلام ابن الصلاح وبالجملة متى ثبت العقل والبلوغ والعدالة ذكر العقل والبلوغ مع العدالة زيادة إيضاح وإلا فإن ذكرها يكفي لأنها لا يكون منصفا بها إلا عاقل بالغ وجزم فعل ماض عطف على قوله ثبت الثقة بأنه يحفظ من صغره شيئا لم يكن لأحد تكذيبه قال زين الدين ومنع من ذلك قوم وهو خطأ مردود عليهم وقد مثل من تحمل في صباه برواية الحسنين وعبد الله بن الزبير والنعمان بن بشير وابن عباس والسائب بن يزيد والمسور ابن مخرمة ونحوهم وقبل الناس روايتهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده وأما سن السماع فاختلفوا فيها على أقوال الأول أن أقله خمس سنين حكاه القاضي عياض في الألماع عن أهل الصنعة وقال ابن الصلاح هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه ولانسائي وابن ماجه من حديث محمود بن الربيع قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين بوب عليه البخاري متى يصح سماع الصغير قال زين الدين وليس في حديث محمود سنة متبعة إذ لا يلزم منه أن يميز الصغير تمييز محمود بل قد ينقص عنه وقد يزيد ولا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك سنه أقل من ذلك ولا يلزم من عقل المجة أن يعقل غير ذلك مما سمعه انتهى قلت على أنه أخبر عن نفسه ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم قول ولا تقرير ولا رواه في حياته صلى الله عليه وسلم وإنما فيه دليل على جواز المجة في وجه الصبي مداعية له وتبريكا عليه وكأنه يقول الدليل أنه رواه محمود وعين وقت تحمله وقبله العلماء ولم يردوه فيكون إجماعا على ذلك ولئن(2/205)
293 سلم ففيه ما قاله الزين ثم مما يدل على عدم اعتبار حد معين لسن التحمل أنه روى الخطيب بإسناده إلى القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبدالرحمن الملبان الأصهاني قال سمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين وأحضرت عند أبي بكر بن المقري ولي أربع سنين فأرادوا أن يسمعوا لي ما حضرت قراءته فقال بعضهم إنه يصغر عن السماع فقال ابن المقري اقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال أقرأ سوة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها فقال ابن المقري اسمعوا له والعهدة على وفي شرح السخاوي أنه روى الخطيب من طريق أحمدبن نصر الهلالي قال سمعت أيب يقول كنت في مجلس ابن عيينة فنظر إلى صبي دخل المسجد فكأن أهل المجلس تهاونوا به فقال سفيان كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وذيلي بمقدار ونعلي كآذان فار أختلف إلى علماء الأمصار مثل الحسن وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلتي كالموزة وقلمي كاللوزة إذا دخلت المسجد قالوا أوسعوا للشيخ الصغير قال النووي في ترجمة ابن عيينة في التهذيب قال سفيان قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين وكتبت وأنا ابن سبع سنين القول الثاني من الثلاثة أنه متى فهم الخطاب ورد الجواب كان سماعه صحيحا وإن كان ابن أقل من خمس وإن لم يكن كذلك لم يصح وإن زاد على الخمس قال زين الدين وهذا هو الصواب ولعل أهل القول الأولى يشترطون فهمه الخطاب ورجه الجواب القول الثالث إنه إذا عقل وضبط وهو قول أحمد بن حنبل قلت وهو قريب من الثاني الرابع قول موسى بن هرون الحمال يجوز سماع الصغير إذا فرق بين البقرة(2/206)
294 والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار قال الحافظ ابن حجر الذي يظهر أنه على سبيل المثال إلا أن يكون الخبر الذي تحمله الراوي حال صغره ورواه بعد كبره أمرا يعلم بطلانه بالضرورة أو الدلالة فإنه لا يقبل قلت لإخفاء في أنه ما كان كذلك فإنه لا يقبل ممن تحمل بعد تكليفه ومثل هذا لم يقع فلا نطول بذكره وكذا تقبل رواية من سمع وهو كافر وروى ذلك بعد الإسلام فالعبرة بحال الأداء أي حال تأديته ما سمعه قال زين الدين مثاله حديث جبير بن مطعم المتفق على صحته أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وكان قدم في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم وفي رواية للبخاري وذلك أول ما وقر الأسلام في قلبي خاتمة قال ابن الصلاح وينبغي بعد أن صار الملحوظ بقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغار في أول زمان يصح فيه سماعه وأما الإشتغال بكتب الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص انتهى ونقل زين الدين عن الزبير بن أحمد من الشافعية أنه قال يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجمع العقل قال وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض قال الحافظ ابن حجر المراد ما يجب على الشخص وجوب عين لا علم المواريث وقال موسى بن إسحاق كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة وقال موسى بن هرون الحمال أهل البصة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين
295 مسألة في بيان أقسام التحمل
أقسام التحمل قال زين الدين الأخذ للحديث وتحمله عن الشيوخ ثمانية أقسام
الأول لفظ الشيخ أي سماع لفظه قال الزين سواء أحدث من كتابه(2/207)
297 أو من حفظه بإملاء أو بغير إملاء وهو أرفع الأقسام وأعلاها عند الجمهور وأرفع ألفاظه في حال الأجاء فيما سمعه من الشيخ قال الخطيب أرفع العبارات سمعت فإنها أرفع العبارات وأما سمعنا بطريق الجمع فيطرقه احتمال سماع أهل بلد هم فيهم ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا وأخبرني وهو كثير في الإستعمال هذا لفظه وهو أرفع من سمعت من جهة أخرى وهو أنه ليس في سمعت دلالة على أنه خاطبه به وفيها دلالة على أنه خاطبه به ورواه له ثم أنبأنا وأنبأني وهو قليل في الإستعمال وإنما يستعمل الأنباء في الرواية بالإجازة لا بالسماع من لفظ الشيخ ثم إستعمل أنبأنا في عرف أهل الأزمان الأخيرة لما قرئ على الشيخ وأما قال لنا أو قال لي ذكر نا أولى أو نحوه فهو مثل ماتقدم في الاتصال فهو مثل حدثنا غير أنه في الغرف لما ثيل في حال المذاكرة قال ابن الصلاح إنه لا ثقة به وهو أشبه من حدثنا وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك فقا لفيما رويناه له أن البخاري حيث قال قال لي فلان هو إجازة وحيث قال قال فلان فهو تدليس ولم يقبل العلماء كلامه هذا وقال ابن القطان إن رواية ذلك عن البخاري لم يصح قال الحفاظ ابن حجر قالوا إن ما قال فيه البخاري قال لنا فهو ما حمله إجازة قال واستقرينا ذلك فوجدناه في بعض ما قال فيه ذلك يصرح فيه بالتحديث في موسع آخر فأما قال وذكر من غير حرف جر وضمير من لنا أولى فهو دونها قال ابن الصلاح إنها أوضع العبارات ومع ذلك فهي محمولة على السماع بالشرط المذكور في المعنعن وهوحيث حصل الشرط الديني ولذا قال المصنف وهي كالمعنعنة متصلة إذا علم اللقاء وسلم القائل لذلك من التدليس(2/208)
298 لا سيما من عرف منه أنه لا يروي إلا ما سمعه كحجاج بن محمد هو المصيصي الأعور أحد الثقات روى عن ابن جريج وشعبة وعنه أحمد وابن معين ولاذهلي روى الأترم عن أحمد أنه قال ما كان أحفظه وأصح حديثه وأشد تعاهده للحروف ورفع أمره جدا فروى كتب ابن جريج هو عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي أحد الأعلام الثقات يدلس وهو في نفسه مجمع على ثقته مع أنه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح المتعة كان يرى الرخصة في ذلك كان فقيه أهل مكة في زمانه بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها لأنه قد وجد فيها شرط المعنعن المتصل من علم اللقاء والسلامة من التدليس وزيادة أن راويها لا يروي إلا ما سمعه
الثاني من أقسام الأخذ والتحمل القراءة على الشيخ وهو يسمع(2/209)
303 ويسميها أكثر المحدثين عرضا قال زين الدين بمعنى أن القاري يعرض على الشيخ ذلك سواء قرأت ذلك على الشيخ من كتابه أو سمعته بقراءة غيرك من كتاب أو من حفظه أيضا وسواء كان الشيخ حافظا لما عرضت أو غرض غيرك عليه أو غير حافظ له وسواء أمساك الشيخ أصله بنفسه أوثقة غيره خلافا لبعض الأصوليين فيما إذا لم يمسك أصله بنصه وهو القاضي أبو بكر الباقلاني فإنه حكى القاضي عياض عنه أنه تردد فيه وأكثر سيله إلى المنع وإليه نحا الجويني يعنى إمام الحرمين قال القاضي وأجازه بعضهم وصححه وبهذا عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث وقال ابن الصلاح إنه المختار وقوله ثقة احتراز عما إذا كان الممسك للأصل لا يعتمد عليه ولا يوثق به فذلك السماع مردود غير معتد به وأجمعوا على صحة الرواية بالعرض قال ابن الصالح كما يعرض القرآن على المقري وقال هنا أجمعوا وإن خالف في صحته من يأتي ذكره فإنهم كما قال المصنف وردوا في ذلك الخلاف عن أبي عاصم النبيل وذلك أنه كان لا يرى يعني أبا عاصم الرواية بالعرض وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري أحد الأثبات قال الذهبي أجمعوا على توثيق أبي عاصم وقد قال عمر بن سعد والله ما رأيت مثله ردوا ما رووا عن أبي عبد الرحمن بن سلام الجحي فإنه لم يكتف بذلك فإنه حكى أبو خليفة عنه أنه سمعه يقول دخلت على مالك وعلى بابه من يحجبه وبين يديه ابن أبي أويس يقول له حدثك نافع حدثك الزهري حدثك فلان ومالك يقول نعم فلما فرغ قلت يا أبا عبد الله عوضني مما حدثت بثلاثة أحاديث تقرؤها علي فقال أعراقي أنت أخرجوه عني انتهى
واعلم أن قول المصنف إنهم ردوا قوليهما لم يردوه إلا بقولهم إنه لا يعتد بخلافهما ولا يخفى ضعف هذا الرد إذ المسألة تحتمل النظر والخلاف(2/210)
304 ورجحه مالك وأبو حنيفة وغيرهما على السماع من لفظ الشيخ الذي أعلى رتب الأخذ والتحمل قلت والذي في شرح الألفية أن مالكا يقول بالتسوية كأهل القول الثاني قال السخاوي والتسوية هي المعروفة عن مالك قال وذكر ابن فارس عن مالك والخطيب في الكفاية كقول أبي حنيفة فإنه روى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال كان أبو حنيفة يقول قراءتك على المحدث أثبت وأوكذ من قراءته عليك إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ ما في الصحيفة وإذا قرأت عليه فقال حدث عني ما قرأت فهو تأكيد وهذا القول الأول في المسألة والثاني قوله والجمهور على أنهما سواء قال الزين ذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والبخاري إلى التسوية بينهما قلت قد قدم المصنف أن أرفعهما السماع من لفظ الشيخ وأسنده إلى الجمهور ثم عد العرض رتبة ثانية وهنا قال عن الجمهور إنهما سوءا ومثله قال الزين في ألفيته إن السماع من لفظ الشيخ إلى وجوه الأخذ عنه الأكثرين ولكنه لم يقل في القول بالتسوية إنه قول الجهور فلم يناقض عبارته وفي شرح السخاوي أن مالكا كان يأبى أشد الأباء على المخالف ويقول كيف لا يجزئك هذا في الحديث ويجزئك في القرآن والقرآن أعظم ولذا قال بعض أصحابه وصحبته سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرؤه عليه وقال إبراهيم بن سعد يا أهل العراق لا تدعون تنطعكم العرض مثل السماع والثالث قوله وذهب جمهور أهل الشرق إلى ترجيح السماع منه من لفظ الشيخ على القراءة عليه المسماة بالعرض قال السخاوي لكن محله ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى وذلك بأن يكون الطالب أعلم وأضبط ونحو ذلك كأن يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأضبط وأيقظ منه في حال قراءته هو وحينئذ فالحق أن ما كان فيه الأمن من الخطأ والغلط أكثر كان أعلى رتبة وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ(2/211)
305 الشيخ بأصله وأحد السامعين مقابل بأصل آخر ليجتمع فيه للفظ والعرض انتهى قلت وأخذوا في العرض القراءة على الشيخ وهي بأن يأخذ التلميذ لفظ ما يروى فلا يسمى مجرد المقابلة لما يمليه الشيخ عرضا إلا أن يريدوا أو يقرأ السامع أيضاما قرأه الشيخ وإذا روى من تحمل بالعرض ما يحمله فله في ذلك عبارات وأجود العبارات في العرض أن تقول قرأت على فلان أن كان هو الذي قرأ عليه وإلا قوى عليه وأنا أسمع عبارة ابن الصلاح أجودها أن تقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا شائع من غير إشكال ودون هذه العبارة أن يقول حدثنا أو أنبأنا فلان بقراءتي عليه إن كان القارئ وإلا قال قراءة عليه وأما أسمع وإنما كانت دون الأولى لإيهامها أولا قبل التقييد أنه شافهه الشيخ وأسمعه ما رواه عنه أو يقول قلا فلان قراءة عليه أو نحو ذلك مما يفيد أنه رواه بالعرض حتى استعملوه أي هذا التركيب في الإنشاد قالو أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه ولم يستثنوا مما يجوز في القسم الأول إلا سمعت فقالوا لا يقال في الرواية في هذا القسم سمعت بل يختص بالقسم الأول وجوزه بعضهم كالسفيانين ومالك حكاه عنهم القاضي عياض وهو كما قال ابن دقيق العيد تسامح خراج عن الوضع ليس له وجه قال وربما قرنه بعضهم بأن قال سمعت فلانا قراءة عليه والصحيح الأول وصححه الباقلاني واستبعد ابن أبي الدم الخلاف وقال ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريح في السماع لفظا وأما إطلاق الأخذ بالعرض عند روايته لما أخذه بإطلاقه حدثنا وأخبرنا من غير تقييد بالقراءة فاختلفوا على ثلاثة أقوال الأول المنع وهو مذهب أحمد بن حنبل والنسائي وخلق من أهل الحديث وقال الباقلاني إنه الصحيح والثاني الجواز وهو مذهب الزهري والثوري وأبي حنيفة ومعظم أهل الكوفة(2/212)
306 والحجاز وثالثها الفصيل وهو منع إطلاق حدثنا جواز أخبرنا وهو مذهب ابن وهب والشافعي ومسلم وأكثر أهل الشرق وهو الشائع الغلب على أهل الحديث عبارة ابن الصلاح الفرق بينهم اصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف وخير ما يقال فيه إنه اصطلاح كما قال المصنف وكأنه اصطلاح للتمييز بين النوعين قراءة الشيخ والعرض عليه وقال ابن دقيق العيد حدثنا في العرض بعيد من الوضع اللغوي بخلاف أخبرنا فهو صالح لما حدث به الشيخ ولما قرى عليه فأخبر به فلفظ الأخبار أعم من التحديث فكل حديث إخبار ولا ينعكس وهنا تفريعات ثمانية ذكرها الزين بلفظ تفريعات وإذا قرأ القاري وسكت الشيخ بعد قول الطالب أخبرك فلان كما قاله في شرح الألفية وكان يحسن من المصنف تقييده به كون الشيخ غير منكر مع إصغائه وفيهمه ولم يقر باللفظ وذلك بأن يقول الشيخ عند تمام السماع عليه بعد أن يقول له القاري هو كما قرأت عليك فيقول نعم كفى ذلك في العرض من غير إقرار الشيخ لفظا عند جمهور الفقهاء والمحدثين ولانظار قال ابن الصلاح وسكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ أي اكتفاء بالقرائن الظاهرة قال السخاوي قلت وأيضا فسكوته خصوصا بعد قوله هل سمعت فيما ليس بصحيح موهم للصحة وذلك بعيد عن العدل لما يتضمن من الغش وعدم النصح وهذه المسألة مما استثنى من قول الشافعي لا ينسب إلى ساكت قول وشرطه أي الأقرار باللفظ بعض الظاهرية وحكاه الخطيب عن بعض أصحاب الحديث وبه أي بقول بعض الظاهرية عمل جماعة من مشايخ أهل الشرق وقطع به بالمنع من الرواية حتى يصرح بالأقرار باللفظ جماعة من الشافعية أبو الفتح سليم الرازي وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ إلا أنه قال ابن الصباغ له أن يعمل بما قرأ عليه ولم يقر به وإذا(2/213)
307 روى عنه فليس له أن يقول حدثني ولا أخبرني بل يقول في الرواية قرأت عليه أو قرئ علهي وهو يسمع وصححه أي قول ابن الصباغ الغزالي قال الزين وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدثنا ولا أخبرنا هذا الذي صححه الغزالي وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه وحكى الآمدي تجويزه أي إطلاق الرواية عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة هذه عبارة زين الدين بلفظها في شرح الألفية وفي مختصر ابن الحاجب ما لفظه وقراءته عليه من غير نكير ولا ما يوجب سكوتا مطلقا على الأصح ونقله الحاكم عن الأئمة الأربعة قال عضد الدين فتقول وأما قراءتتته على الشيخ منغير أن ينكر الشيخ عليه ولا وجد أمر يوجب السكوت عنه من إكراه أو غفلة أو غيرهما من المقدرات المانعة عن الأنكار فقد اختلف في انه هل يعمل به أولا فمنعه بعض الظاهرية والصحيح أنه معمول به إلى أن قال فنقول عند الرواية حدثنا أو أخبرنا قراءة عليه وهل يقول حدثنا وأخبرنا مطلقا منغير ذكر القراءة قلا الحاكم القراءة إخبار عهدة على ذلك مشايخنا ونقل ذلك عن الأئمة الأربعة وإن أشار الشيخ زادالزين برأسه أو بأصبعه بالإقرار ولم يتلفظ فجزم صاحب المحصول بأنه لا يقول الراوي عنه حدثني وأخبرني ولا سمعت قال الزين وفيه نظر كأن وجهه أنه إذا جاز أن يقول ذلك مع سكوته كما سلف فمع إشارته بالأولى واستحبوا الإجازة من الشيخ لتلميذه عقب السماع خوفا من الغفلة اليسيرة عن الكلمة والكلمتين فإن تحقق السهو ولم تحصل إجازة بطل السماع في القدر المشكوك فيه لأنه لا رواية إلا مع علم بالتحديث أو الظن لا مع الشك وقال زينالدين نقلا منه عن ظاهر صنيع المحدثين إنه يعفي عن القدر اليسير كالكلمة والكلميتن إلحاقا منهم للأقل بالأكثر وللمغلوب بالغالب قال السخاوي بل تسعوا أكثر من ذلك حتى صار الملاحظ إبقاء سلسلة الأسناد بحيث كان(2/214)
308 يكتب السماع عن المزي وبحضرته لمن يكون بعيدا عن القاري والصبيان الذين لا يضبط أحدهم بل يلعبون غالبا ولا يشتملون بمجرد السماع حكاه ابن كثير وإذا لم يسمع التلميذ كلام الشيخ واستفهم التلميذ عن كلام شيخه من عنده من السامعين فأخبره لم يروه أي ما استفهم عنه عن الشيخ إلا بواسة من حدثه فإن الذي أخبر به قد صار شيخا له فيما أخبره ونزل به درجة عن السماع وجوزه بعضهم كأنه نظر إلى اتحاد المجلس والصحيح خلافه كما عرفت وأما المستملي فهو بمنزلة القاري على الشيخ فإذا سمع المستملي ما يقول المملي فلمن سمع السمتملي أن يروي عن المملي ويقيد ذلك بذكر الإملاء كالقراءة قال السخاوي هذا هو الذي عليه العلم عند أكابر المحدثين ال1ي كان يعظم الجمع في مجالسهم جدا ويجتمع فيه الفئام من الناس بحيث يبلغ عددهم ألوفا مؤلفة ويصعد المستمي على الأماكن المرتفعة ويتلقون عن المشايخ ما يملون هذا فيما يكون فيه السماع لا من وراء حجاب إذ هو الأصل ويجوز السماع إذا كان يحدث من لفظه بصوت وهو يعرف الصوت من وراء حجاب مع معرفة الصوت أو تعريف ثقة به أي بصوته فيما إذا حدث بلفظه أو بحضوره فيماإذا قرى عليه صح السماع لقوله صلى الله عليه وسلم كلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم قال السخاوي وقد يناقش فيه بأذن الأذان لا قدرة لسماع الشيطان لألفاظه فيكف بقوله وذلك مع الحجة لنا أيضا ثم ذكر ما أفاده قوله ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحدثن من وراء حجاب وينقل عنهن من يسمع ذلك من غير نكير إجماعا
309 مسألة
الثالث من أقسام التحمل الإجازة(2/215)
هي مصدر وأصلها إجواز تحركت الواو وانفتح ما قبلت ألفا وحذفت إحدى الألفين إما الزائدة وإما الأصليه على الخلاف بين سيبويه والأخفش وفي مأخذها أقوال قيل التجوز وهو التعدي كانه عدى روايته حتى أدخلها إلى المروى عنه وقيل من المجاز كأنه القراءة والسماع هي الحقيقة وما عداها مجاز وقيل من الجواز يمعنى الإباحه فإنه أباح المجيز من أجازه أن يروى عنه وأذن له في ذلك
310 واعلم أنهم اختلفوا في مرتبة الأجازة والمصنف بني على كلام الزين أنها رتبة ثالثة وأن العرض أقوى منها وقيل أقوى منه لأنها أبعد من الكذب وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخللص عن الرياء والعجب قاله أبو القاسم عبد الرحمن بن منده وقال بقي بن مخلد ومن تبعه إنهما سواء وبه قال ابن خزيمة فقال المناولة والإجازة عندي كالسماع الصحيح وهي أنواع كثيرة عدها زين الدين تسعة أنواع أصحها أن يجيز العالم
317 كتابا معينا لرجل معين فيعين المجاز له والمجاز به فيقول أجزت لك أن تروى عني كتاب فلان قال زين الدين إنه حكى القاضي عياض الإتفاق على جواز هذا النوع ودون هذا أن يجيز الشيخ لرجل معين جميع مسموعاته من غير تعيين للمجاز به وهذه الثانية والثالثة قوله ودون هذا أن يجيز جميع مسموعاته لجميع الموجودين من المسلمين لعدم تعيين الأمرين معا ولا أحدهما والرابعة قوله ودون هذه أن يجيز ذلك أي جميع مسموعاته لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين ووجه تأخرها عما قبلها ظاهر واختار الخطيب صحتها قال إذا أجاز لجميع المسلمين صحت الأجازة وكذلك الحافظ ابن منده فإنه(2/216)
318 أجاز لمن قال لا إله إلا الله وإليه ذهب الحافظ السلفى فإنه كتب من الاسكندريه في بعض مكاتباته إحازة لأهل بلدان عدة منهابغداد وواسط وهمدان وإصبهان وزنجان قال القاضي عياض إن الا جازة العامه للمسلمين من وجد منهم ومن لم يوجه ذهب إ ليها جماعة من مشايخ الحديث قال زين الدين وأنا أتوقف عن الرواية بها ولها صور غير هذه قد قدمنا لك عن الزين أن صورها تسع فهذه منها أربع وفي كل منها أى من هذه المذكورة أو من المحذوفة خلاف والقائلون بكل صورة أكثر من القائلين نما دونها وادعى الباجي أنه لاخلاف في جواز الرواية بالأجازة من سلف هذه الأمه وخلفها قال زين الدين إن حكايته الأجماع غلط وقال ابن الصلاح إنه باطل قلت تقدم عن القاضي عياض أنه الأولى من الصور والذي إعتمد عليه من أجازها إختلفوا في معناها إختلافا تفرع عنه إختلاف آخر فمنهم من قال هي خبر جملى وكل ما جاز في الأخبار الجملية جاز فيها فمن هنا أى من حيث كونها خبرا جمليا قال بعضهم أى بعض من أجاز الأجازة لأيجوز لغير معين ولا لمعدوم لأن الأخبار لايكون إى لمعين موجود مشافهة أومكاتبة فلم يجبيروا إلا القسم الأول منها وهو حيث تعين المجاز له ومن اجاز ذلكفي حق المجهول كأجزت لأهل مصر مثلا والمعوم وحده كأجزت لمن سيوجد أو مع الموجودين إحتج من يقول بجواز ذلك بأنه يجوز أن يقول أخبرنا الله في كتابه بكذا كما يقول أمرنا بكذا وإن كنا وقت الأخبار والأمر غير موجودين ولا معينين قال المنصف وهذا الدليل ضعيف لوجهين الأول أنه لو جاز لنا القياس على هذا أي على قولنا أخبرنا الله بكذا لجاز لنا أن نرى عمن لم يجز لنا من المحدثي فإن جواز قولنا أخبرنا الله لايتوقف على أن الله أجاز لنا الرواية عنه قلت لم لا يقال إنه قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم لبيلغ الشاهد الغائب وقال بلغوا عنى ولوآية وهو(2/217)
319 خطاب للأمه الموجودين أو لمن شافهه بأن يبلغوا عنه ما أني به من عند الله من كتاب وسنة فهذه إجازة منه صلى الله عليه وسلم في الأبلاغ عنه ما جاء به فهو يروي القرىن عن جبريل عن الله تعالى ثم أمرنا بابلاغه فإذا عرفت فقولنا أخبرنا الله بكذا ممستندا إلى هذا الأمر الذي هو إجازة وزيادة وغايته أن يكون قولنا أخبرنا الله بكذا خبرا مرسلا لأسقاطنا الواسطة ولا يلزم أيضا أن يكون إخباره صلى الله عليه وسلم لنا عن الله بالقرآن وبالأحاديث القدسية التى بلغها إليه النلك خبرا مرسلا لأنه من الأخبار المعلوم صدقها فلذا وجب قبول خبره صلى الله عليه وسلم لأجل المعجزة فليس كالأخبار المرسلة في الروايات لأن المختبر هنا معصوم عن الكذب رواية عن غيره وقولا عن نفسه وصل خبره بذلك الواسطة وهو جبريل أو غيره من الملائكة أولا وقد صرح صلى الله عليه وسلم في بعض رواياته عن الله تعالى بذكر جبريل والأكثر حذفه وإذا تقرر هذا فلم يتم قول المنصف إنه لايتوقف قولناأخبرنا الله تعالى أنه أجازلنا الرواية عنه بل قد أجاز لنا تعالى الرواية عنه على لسان رسوله حيث قال هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانو من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم فإنه معطوف على الأمين أو على ضمير مفعول يعلمهم فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة والكل إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن الله كما تقرر أن الحق أن السنةوحى وهى المراد بالحكمة في الآيه ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يعلموامن يأتي بعدهم ويبلغوهم الكتاب والحكمة ثم هلم جرا إلى إنقضاء دار التكليف وكل ذلك إخبار عن الله بالأخازة منه صلى الله عليه وسلم وهي أمره لهم بالابلاغ فإخباره صلى الله عليه وسلم عن ربه كله بالإجازة عنه تعالى فإن أمره تعلى له صلى الله(2/218)
عليه وسلم بإخباره لنا عنه أمره ونواهيه
320 وكلامه هو عين الإجازة له بالابلاغ غايته أنه تعلى أوجب عليه ذلك الابلاغ كما أوجب صلى الله عليه وسلم على الأمة الأبلاغ عنه وعن الله فقولنا أخبرنا الله بكذا مرسل بل المراد أخبرنا من علمنا كلام الله عن رسول الله عن جبريل عن الله ومن علمنا بينهم وبين من علمهم وسائط لاينحصرون لكن الأخبار المتواترة كالقرآن والواجبات الخمسة ونحوها لا ينظر فيها إلى الرواة ولا إلى صفاتهم وإلا فالكل رواية فليتأمل فإنه قد يقال إن إنقسام الرواية إلى مرسل وغيره إنما هو في الأحاديث لا في المتواترات لأنه قد يقال أول رتبه آحاد إلا أن يقال التصديق بالمعجزة صير قبول الخبر ضروريا من صاحبها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والضرورة هي العلة في قبول الأخبار المتواترة فهي كالتواتر وأقوى منه في أول رتبة فلينظر فلم تجد هذا البحث لأحد وإنما هو من فتح الله وله الحمد كله ولو جاز ذلك عن الله لجاز لنا أيضا أن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة يقال عليه سؤال الاستفسار وهو ما معنى بغير واسطة هل يختلف عليه فهذا ليس بإخبار عنه لغة قطعا وإن أريد بغير واسطة أي بغير راو لنا عنه فنحن إنما طريق ما يبلغنا عنه التعليم أما القرآن فمن أفواه حفاظه أو من خطوط الثقات من حفاظه والكل وساطة وتعليمهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو السنة ولا تبلغنا إلا من أفواه الرواة أو من خطوط ثقاتهم النقلة والكل إبلاغ لنا ورواية فإذا نقلنا عن الله تعالى أمرا وعن رسوله صلى الله عليه وسلم سنة فهي لا تكون إلا بواسطة قطعا ولا يشترط أن يقال لنا المبلغ أرووا عني لأنه قدأمرنا الشارع بالرواية عنه والإبلاغ بحيث لوقال لنا من علمنا قد حجرتكم عن الرواية عني لكان كلاما لاغيا وكان به آثما وإذا عرفت وجوب الرواية عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما صح لك من كتاب وسنة وأنك لا تحتاج فيه إلى إجازة أصلا(2/219)
321 نعم إذا أردت سلسلة الإسناد بأنه أخبرك فلان عن فلان فلا بد لك من طريق يصح لك بها الأخبار وباه أخبرك فمن أجاز للمعدومين فمعناه الإبلاغ إليه بأنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقوله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني عام للموجودين ولو كانوا غائبين وللمعدومين على خلاف في الأصول والإبلاغ عنه صلى الله عليه وسلم رواية فقد أجاز صلى الله عليه وسلم الرواية للمعدومين بل أمر بها وإذا تحققت هذا علمت بطلان السؤال والجواب الذي تضمنهما قوله فإن قلت إنما أجاز في حقه تعلى من غير أجازة لنا بخلاف غيره قد عرفت أن أمره تعالى لنا بالأبلاغ عنه وعن ورسوله صلى الله عليه وسلم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إجازة لنا وزيادة لأنه تعالى أراد خطاب جميع المكلفين بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما خاطب من سمعه نعم الخطاب الشفاهي هو لمن سمعه كما عرف فيالأصول لكنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالبلاغ عنه وهو إجازة منه لمن بلغه أن يبلغ عنه ثم ظاهر كلامه أن المراد من قوله فإما من خاطب من سمعه أنه أراد الخطاب الشفاهي لأنه المسموع لمن يخاطب به ولا يخفى أنه تعالى لم يشافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء فإنه كان بغير وساطة وأما القرآن ويغره فإنه جاءه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك فلا يتم قوله أراد خطاب جميع المكلفين لأنه تعالى لم يخاطب الخطاب الشفاهي الذي جعله وجه الشبه لا الموجودين ولا المعدومين بل خاطب جبريل عليه السلام على كيفية ال يعلمها إلا هو وكذا شيوخ المحدثين إنما خاطبوا من أخذ عنهم الكلام في أعم من الخطاب وهو البلاغ فأجازته للمعدومين إبلاغ لهم بأن يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كأمره صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه قلت كون الله قصد خطاب المعدومين كما أفاده إيراد السؤال من المكلفين ينبغي أن المراد أي قصد أن يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه(2/220)
تعالى
322 كما قصد أن يخاطب جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم إلا أنه تعالى خاطب الموجودين الخطاب الشفاهي الذي علق به النزاع وكما دل له قوله مختلف في صحته لكنه لا يخفي أنه إذا حمل على ما ذكرنا خرج عما نحن بصدده
واعلم أن مسألة الخطاب الشفاهي هي محل الخلاف في الأصول بين الحنابلة والجماهير ولا يخفي أنه لا يصح أن تراد هنا فإن المحدث الذي أجاز للمعدومين غير مخاطب لهم مشفاهمة ضرورة عقلية لكنه يبلغ بأجازته كأمره صلى الله عليه وسلم بقوله بلغوا عني فإنه أجازة لمن في عصره ولمن جاء بعده ووجد بعد فقده وقوله المعدومين يدل على أن الموجودين لا خلاف في قصد خطابهم وفيه الخلاف بل الحق أن الخطاب الشفاهي لا يكون إلا للحاضرين لا غير وذلك مثل يا أيها الناس وأما الغئبون ومن سيوجد فإنما يدخلون في الحكم لأدلة عموم التشريع كما عرفت في الأصول الفقية وعلى تقدير صحته فليس ينزل منزلة الأخبار كما لا ينزل منزلة التكليم يقال عليه مسلم ولذا لا يقال في الرواية بالإجازة كلمني فلان ولا شافهي ولا سمعته وإنما يقال أجاز لي ونحوه ألا ترى أن موسى عليه السلام كلم الله تعالى من دون سائر من آمن به وإن كان الله قد أمرهم ونهاهم وأخبرهم يقال فرق بين الأمرين فإنه تعالى كلم موسى عليه الصلاة والسلام بغير واسطة والذين أمرهم وأخبرهم ونهاهم كانوا بواسطة الرسل وكان فيمن أمرهم تعالى من هو معدوم قطعا فأمر الرسل بإبلاغهم والرواية عنه تعالى لهم وأمرت الرسل أصحابهم بإبلاغهم فهم مأمورون بأمر الله بالواسطة الأحياء في عصر الرسل الذي لم يشافههم الرسول كالمعدومين في ذلك إنما تعددت الوسائط فظهر من هذا أن قول القائل أخبرنا الله مجاز يقال فما حقيقة هذا المجاز هل المراد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مجاز بل قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى إذا اعتبرت الأخبار الشفاهي مجاز ويكون من المجاز الذي لا حقيقة له بل الأظهر أن(2/221)
قولنا نحن مثلا
323 أخبرنا الله مثل قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله الكل حقيقة في العبارتين أو مجاز فيهما إذا الكل إخبار عنه تعالى بواسطة غايته كثرة الوسائط في حقتا وقلتها في حقه صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغنا وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالإبلاغ عنه أو يقال لا يشترط في الأخبار عن الغير المشافهة بل تحقق أنه قاله وأمرنا بإبلاغه فيكون الكل حقيقة والذي حسنه أي هذا المجاز ولا يخفى أن الأولى أن يقول صححه وضوح القرينة الدالة على المقصود وعدم أيهام حقيقة التكليم الخاص وذلك أن وضوح القرينة في المعنى الجازي مصححه لا محسنه إذ لو خفيت لما صح ودليله أي أنه مجاز أنه يقبح من أحدنا أن يقول أخبرني زيد بكذا ولم يخبره بذلك مشافهة لما كان الظاهر وهو الحقيقة هنا ممكنا ولا مانع منه أي من مشافهة زيد له بالخبر وقد يقال لا نسلم القبح بعد ثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى ولعل هذا القبح عرفي لا لغوي الوجه الثاني من وجهي الضعف أن ذلك غير مفيد للمقصود من الأجازة وإن قدرنا صحته في مجاز اللغة أو حقيقتها بمعنى أن قائله أي قائل أخبرني الله لا يوصف بالكذب وذلك لأن المقصود بالإجازة اتصال الإسناد وعدم انقطاعه فلو جاز مثل ذلك وهو الإجازة للمعدومين لجاز لنا أن نروي عمن بيننا وبينه قرون عديدة ممن قد أجاز لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين كالحافظ ابن منده قدمنا قريبا أنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وقدمنا غير ابن منده وقد اتفق علماء الإسناء على القدح في الإسناد يكون الراوي لم يدرك زمان من روى عنه يقال أين الإتفاق وهذا ابن منده من أئمة الإسناد قد أجاز ذلك وأجازه غيره من الأئمة كما قدمنا جماعة منهم ثم القد المذكور إنما يكون إذا أفهم سماعه منه بال وساطة ولا كذا هنا ولا فرق بين قبول من هذه صفته وبين قبول المراسيل والمقاطيع في المعنى قال ابن الصلاح ولم يرو ولم(2/222)
يسمع عن أحد ممن
324 يقتدى به أنه إستعمل هذهالإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة الماموس الشرذمة بالكسر القليل من الناس المتاخر ال1ذين سوغوها انتهى قال السخاوى وقد انصف ابن في قصر النفي على روايته وسماعه قلت عبلرة ابن الصلاح في نفي الرواية والسمع مسندة إلى المجهول كأنه يريد لم يرو أحد بدليل أنه أبى الواو وفي شرذمة قال السخاوى لأنه إستعملها جماعات ممن تقدمه من الأئمة المقتدى بهم كالحافظ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي والحافظ السلفي حدث بها عن ابن جيرون فيما قاله ابن دحية وغيره وحدث بها أيضا الحافظ أبو بكر بن حسين الأشبيلي المالكي وإن أبي العمرني كتلب علوم الحديث عن السلقى وجدث بها أبو الخطاب ابن دحية في تصانيفه عن أبي الوقت والسلفى وإستعمالها خلق كثير بعد ابن الصلاح وعمل بها النووى فإنه قال كما قرأته بخطه في آخر بعض تصانيفه وأجزت روايته لجميع المسلمين حتى إنه لكثيرة من جوزها أقردهم الحافظ أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أبي البدر البغدادي الكاتب في مصنف رتبهم فيه على حروف المعجم وكذا جمعهم أبو رشيد بن الغزالى الحافظ في كتاب سماه الجمع المبارك وقال النووى مشيرا إلى التعقب على ابن الصلاح إنه لم ير من إستعملها حتى ولا من سوغها إن الظاهر من كلام من صححها جواز الرواية بها وهذا يقتضى صحها وأى فائدة لها غير الرواية بها وإعلم أنهم يشترطون فيمن يجيزون له الأهلة وكأن المراد أنهم يجيزون للمعدومين عند كما لهم وما أحسن قول أبي شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي جوابا على الحافظ السلفى وقد طلب منه الإجازة فقال إني أجزت لكم عني روايتكم بما سمعت من أشياخي وأقراني من بعد أن تحفظوا لجواز لها مستجمعين لها أسباب إتقان أرجوا بذلك أن الله يذكرني يوم النشور وإياكم بغفران(2/223)
326 فعضوا عليها بالنواجذ واصبورا فقد فرق الناس الكلام بما فيه ففيه الدواهي القاتلات لأهلها وكم فيه من داء يعز مداويه فكم مقصد نحو المقاصد مظلم وكم موقف نحو المواقف يخزيه كذلكم الغايات غاية بحثها شكوك بلا شك ومن غير تمويه فيا حبذا القرآن كم من أدلة حواها لتوحيد وعدل وتنزيه فماكان في عصر الرسول وصحبه سواه دليلا قاهرا لأعاديه فلا تأخذوا إلا مقالته التي تنادي إلى دار النعيم دواعيه عسانا نلبي من دعانا إلى الهدى ننال غدا من ربنا ما ترجيه وما خلتموه مشكلا متشابها فقولوا وكلناه إلى علم باريه وقف عند لفظ الله والراسخون قل هو المبتدا ما بعده خير فيه وفيه لدينا فوق عشرين حجة ولا يستطيع النظم شرح معانيه فقد ضل بالتأويل قوم جهالة ويعرف ذا النقاد من غير تنبيه فعطل أقوام وجسم فرقة وفاز امرؤ ما حام حول مبانيه أتى كل ما فيه من الأمر تاركا ومجتنبا إتيانه لنواهيه وقدصبر الكشاف جل كلامه تعالى مجازا فاحذروا من دواهيه وفيه يالله در كلامه مباحث تفي كل داء وتشفيه خذوا واتركوا منه وكل مؤلف كذلك فيه ما يروج وما فيه وليس سوى الرحمن يجذب عبده إلى كل ما يرضيه منه ويهديه أقيموا على باب الكريم وداوموا على قرعه فهو المجيب لداعيه ودونكم نصحا أتى في إجازة ودأبي نشر العلم مع نصح أهليه ولا تتركوني من دعائكمو عسى عسى دعوة تشفي الفؤاد وتحييه وتهدي إلى حسن الختام فإنه مناي الذي أدعو به وأرجيه وأحمد ربي كل حمد مصليا على أحمد والآل أقمار ناديه ورض على أصحاب أحمد متبعا لتابعهم أهل الحديث وراويه(2/224)
327 وقالت طافة ممن سوغ الأنوع في الأجازة إنها إذن لاخير جملى إلا أنه لم يتقدم ذكرما جعلوه إذنا للمجازله في كلام المصنف وذلك أنهم ذكروا من أنواعها أن يأذن المجيز للمجازله أن يروى عنه ما يتحمله من الروايات بعد الأجازة له فيرويه عنه المجازلة بعد أن يتحمله قال الزين هذا النوع من الاجازة باطل وشبهوها بالوكاله قال ابن الصلاح إنها على القول بأنها إذن تنبنى على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما ام يملكه الآذن بعد كأن يوكله في بيع العبد الذى يريد أن يشت يه وعلى جواز هذا النوع قال بعضهم وإذا جاز التوكل فيما لايملكه بعد فالإجارة أولى بدليل صحه إجاز الطفل دون توكيله وعلى المعتمد فيتعين كما قال ابن الصلاح تبعا لغيره على من يريد أن يروى عن شيخ بالإجازه أن يعلم أن يعلم ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته انتهى قال السخاوى يلحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإجازه من نظم أو تأليف وهذا أى تشبيه الأجازة بالوكالة قول ساقط لأن باب الرواية غير باب الوكلة يقال هم مسلمون بكونه غيره إنما قاسوه عليه فكان الأحسن أن يقول وقياسها على الوكالة باطل فإن الرواية خبر عما مضى يدخله الصدق والكذب والوكالة إنشاء يتعلق بتصحيح أحكام مستبقلة ولهذا لكونها تتعلق بالأحكام المستقبلة يصح عزل الموكل للوكيل ويدخل فيها الشروط والاستثناء بخلاف الرواية أما الشروط والاستثناء فالظاهر دخولهما في الأجازة فإنهم يشترطون أهليةمن يجيزون له ويستثنون بعض ما لم يسمعوه ولا يخفى أن الأجازة معناها إنشاء مثل أجزت لك فإنه من باب بعث ونحوه فهي مثل وكلتك في معناها ثم أن المجاز له والموكل هما المخبران وخبرهما هو الذي يحتمل الصدق والكذب فإنه يقول المجاز له أخبرني فلان ويقول وكلني زيد في مطالبة عمرو بحق عنده له فكلاهما مخبران ومستندهما جمل إنشائية فقول المصنف هذا خبر وهذا إنشاء كأنه من إلتباس العارض بالمعروض وأما منع الشيخ من أجاز(2/225)
328 له أو سمع منه روايته عنه فقد قال الزين ولا يضر سامعا أن يمنعه الشيخ أن يروي ما قد سمعه كأن يقول له لا ترو عني أو ما أذنت لك أن تروي عني ما ما سمعته لا لعلة أو ريبة في المسموع فإنه قال ابن خلاد في المحدث الفاضل إن له الرواية عنه ولا يضره منعه وتبعه القاضي عياض وصرح به غير واحد من أئمة هذا الشأن وهذا هو الصحيح وقد حدثه وهو شيء لا يرجع فيه فلا يؤثر منعه انتهى قلت وهذا يقوي ما قدمناه لك من أنه إبلاغ فلا أثر لمنعه عنه وقال السخاوي عن بعض علماء غفريقة أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض من أخذ عنه لأمر نقمه عليه وكذلك عن بعض علماء الأندلس وقال لعله صدر عنهم تأدينا وتضعيفا لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيرة انتهى وأقول إن النوعين الأولين قويان والأول أقوى الأجازة بمعين لمعين وكأن قوته من حيث تعيين المسموع من أول الأمر وإلا فإن الصورة الثانية لا بد فيها من تعين المسموع ضرورة وإلا كانت إجازة بمجهول وباقي أنواعها أي الأجازة ضعيف وفائدتهما أي الأولين اتصال الإسناد لا جواز العمل فإنه لا بد فيه من معرفة صحة النسخة المروي منها أما بمناولة أو بوجادة صحيحة كما سيأتي الأمران معا إلا أن تكون الأجازة لنسخة صحيحة معينة عند المجيز فتكون الإجازة لها مفيدة لاتصال الإسناد لا حاجة إليه فقد علم وجواز العمل وقد قصر مصنفوا علوم الحديث في بيان الحجج في الإجازة وطولوا الكلام بذكر أنواها وذكر تعداد أسماء المختلين في كل نوع منها ما كان يليق ترك الأدلة عليها
329 مسألة الرابع من طرق الرواية المناولة
وهي لغة العطية ومنه(2/226)
333 حديث الخضر فحملوهما بغير نول أي عطاء واصطلاحا إعطاء الطالب شيئا من مروياته مع إجازته له به صريحا أو كناية وأخرت عن الإجازة مع أنها أعلى منها على المعتمد لأنها جزء لأول نوعيه والأصل فيها ما علقه البخاري حيث ترجم له في العلم من صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا وقال له لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذاوكذا فلما بلغ المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعزا البخاري الاحتجاج لبعض علماء الحجاز وقد وصله الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في المدخل من طريق أبي سوار عن جنب بن عبد الله يرفعه ثم المناولة أعلاها أن يناول الشيخ الطالب العلم كتابا من سماعه أو مما قوبل على كتابه ويقول هذا من سماعي أو روايتي عن فلان فأروه عني ونحو ذلك وإنما كانت أعلاها لما فيها من التعيين والتشخيص بلا خلاف بين المحدثين فيه ثم قال زين الدين أعلى هذه الرتبة أن يملكه الشيخ الكتاب هبة أو بالقيمة ويليها عاريته كتابه يقابل عليه أو ينقل منه فيجوز لطالب العلم أن ينقل عن هذا الكتاب ويعمل بما فيه والثانية دون هذه الصورة وهي أن يأتي الطالب بكتاب الشيخ أو بما قابل عليه فيعرضه على الشيخ فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يناوله الطالب ويقول هو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه أو نحو ذلك فأروه عني(2/227)
334 ونحو ذلكوهذه الصورة الآخرة سماها غير واحج من الأئمة عرضا فيكون مرض المناولة وتقدم عرض السماع وهذه المناولة أي في الصورتين معا كما تفيده عبارة الزين فإنه قال بعد ذكر الصورتين وهذه المناولة المعروفة إن اقترنت بها إجازة فهي حالة محل السماع عند بعضهم كما حكاه الحاكم عن ابن شهاب الزهري وربيعة الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك عبارة ابن الصلاح ومالك بن أنس الإمام في آخرين من المدنيين ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعي والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناحي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن القاسم في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين ورأي الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك انتهى وغيرهم من أهل المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام ومصر وخراسان وروى الخطيب في الكفاية أنه قال إسماعيل بن أبي أويس السماع على ثلاثة أوجه القراءة على المحدث وهو أصحها وقراءة المحدث والمناولة وقال الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الإسلام الذي أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه أي عرض المناولة سماعا منهم الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة والثوري وابن حنبل وابن المبارك وابن راهوية ويحيى بن يحيى قال الحاكم وعليه عهدنا أئمتنا إليه ذهبوا وإليه نذهب واحتج الحاكم بقوله صلى الله عليه وسلم نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها وبقوله صلى الله عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم فإنه لم يذكرفيهما غير السماع فدل على أفضليته لكن قال البلقيني إن ذلك لا يقتضي امتناع تنزيل المناولة على ما تقدم منزلة السماع في القوة على أني لم أجد من صريح كلامهم يقتضيه قال السخاوي وفيه نظر ولم يبين وجهه(2/228)
336 قال إسحاق قال حديث ابن عباس عن ميمونه هلا انتقعم يجلدها يعنى الشاة فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبى صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر لاتنتفعوا من الميته با هاب ولاعصب يشبه أن يكون ناسخا له لأنه قبل موته بتسير فقال الشافعي هذا كتاب وذلك سماع فقال إسحاق إن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكأن حجة عليهم فسكت الشافعي مع بقاء حجته كما قاله ابن المفضل الماكي فإن كلامه في ترجيح السماع في إبطال الإستدلال بالكناب وكأن إسحاق لم يقصد الردلأنه ممن يرى أن أنقص من السماع مسأله كيف يقول بالمناولة والأجازة كان الأولى تقديم الأجازة ليوافق ما سلف من الأجازة لكنها وقعت في عبارة الزين مؤخرة فتبع المنصف طريقه الذي عليه الجمهور واختاره أهل الترى والورع النع من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما في النولة والأجازة مطلقا من غير تقييد ويجوز مع تقييد ذلك بعبارة يتبين مهعا الواقع في كيفيه التحمل ويشعر به فيقول أخبرنا أو حدثنا إجازة أو مناولة أو إذنا أو نحو ذلك ومنهم وهم غير الجمهور من أجاز إطلاق حدثنا وأخبرنا من غير تقييد بما ذكر في الرواية بالمناولة قال زين الدين إنه أجازه ابن شهاب الزهرى ومالك بن أنس وهو أى الإطلاق يليق بمذهب من قال الناولة المقرونة بالإجازة منزلة السماع وتقدم من قال ذلك ومنهم من أجاز حدثنا وأخبرنا الإجازة مطلقا وكل عن ابن جريح ومالك وأهل المدينه(2/229)
337 والجوينى وجماعة من المتقدمين قال الزين قال القاضي عياض إنه حكى ذلك أى جواز الرواية بحدثنا مطلقا في الأجازة ابن جريح وجماعه من المتقدمين وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالك وأهل المدينة وذهب إلى جوازه إمام الحرمين وخالفه غيره من أهل الأصول واستعمل بعض أهل العلم هم جماعة أهل الأصول في الروايه في الأجازة ألفاظ غير مشعرة بالأجازة منها شافهنى فلان وأخبرني مشافهة قال زين الدين إذا كان قد شافهه باالأجازة لفظا وما كان يحسن أن يحذفه المنصف واستعمل بعضهم في الأجازة بالكتابه كتب إلى أو كتب لى أو أخبرنا كتابه قال الزين وهذه الألفاظ وإن استعملها طائفة من المتأخرين فلا يسلم من استعملها من الإبهام وطرف من التدليس أما المشافهة فيؤهم مشافهته بالتحديث وأما المكاتبه فتوم أنه كتب إليه ذلك الحديث بعينه كما يفعله المتقدمون ومنها لفظ أن فيقول أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره ومنها أنبأنا وهى عند المتقدمين بمنزلة أخبرنا واعلم أنه استدل من أجاز إطلاق التحديث بالإجازة بأن مدلول التحديث لغه إلقاء المعاني إليك سواء ألقلها لفظاأو كتابة أو إجازة وقد سمى الله تعالى القرآن حديثا حدث به عباده وخاطبهم به فكل محدث أحدث إليك شفاها أو بكتابة أو بإجازة فقد حدثك به وأنت صاجق في قولم حدثني قال الحاكم الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض علىالمحدث فأجاز له روايته شفاها أبنبأني فلان وكان البيهقي يقول أبنأنا فلان إجازة ومنها لفظ عن وكثيرا ما يأتي بها المتأخرون في موضع الإجازة قال ابن الصلاح وذلك قريب إذا كان قد سمع منه بأجازة من نسخة إن لم يكن سماعا ومنها خبرنا بتشديد الباء روى عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بذلك زاد زين الدين ومنها قال لي فلان وكثيرا ما يعبر بها البخاري وقال أبو عمر محمد ابن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومتاولة وقد تقدم(2/230)
338 أنها محمولة على السماع وأنها كأخبرنا وأنهم كثيرا ما يستعملونها في المذاكرة
مسألة
الخامس من طرق الرواية المكاتبة
وهي أن يكتب الشيخ شيئا من حديثه يخظه أو يأمر غيره فليكت عنه بإذنه سواء كان غائبا عنه أو حاضر في بلده والرواية بها متصلة صحيحة عند كثير من المحققين من المتقدمين
340 المتأخيرن وتقدم في مناظرة الشافعي وإسحاق دليلها وهي أي الكتابة أرفع ورتبة من الإجازة المجردة وإلى هذا ذهب قوم من الأصليين منهم إمام الحرمين وكأنه لما فيها من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول الأمر ومنع الرواية بها قوم منهم الإمام أبو الحسن الماوردي ولكن قال القاضي عياض إنه غلط بل العمدة صحة الرواية بها واستدل له البخاري في صحيحه بنسخ عثمان رضي الله عنه المصاحف والاستدلال بذلك واضح لأصل المكاتبة لا خصوص المجردة عن الإجازة فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على مافي تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا ثبوت أصل القرآن فإنه متواتر كذا قيل وفيه تأمل وقال بعضهم هو سيف الدين الآمدي لا يجوز أن يروى عن الكاتب إلا أن يسلطه على ذلك فيقول ارو عني ما كتبت إليك أو يكتب ذلك إليه وحجة من أجازها أنها من أقسام الأعلام الحاصل بالأخبار فهي ميثله في الفائدة المعقولة وهي حصول الظن بخبر الواحد ولهذا استعمل العقلاء الكتاب إلى الغائب ونزلوه منزلة المشافهة في جميع ما يقصدون فيه طلب المنافع ودفع المضار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فقد بعث بكتبه إلى الملوك كسرى وقيصر وغيرهما وكتابه المعروف بكتاب عمرو بن حزم فيه عدة من الأحكام وعليه اعتمد علماء الأسلام وخلفاء الأنام وكذلك الخلفاء من بعده فإنه كتب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما في أمور عظائم ومهمة وبها كانت تقوم الحجة وفي الصحيحين عدة أحاديث بعضها اتفقا عليه وبعضها انفرد به أحدهما وهي معروفة فلا نطول(2/231)
بها ويكفي في ذلك معرفة خط الكتاب على الأصح وإن لم تقم بينة على الكتاب
341 برؤيته وهو يكتب ذلك أو بالشهادة عليه أو أنه خطه وفيه خلاف فقال قوم لا يعتمد على الخطوط واشترطوا البينة بالرؤية أو الإقرار قالوا للإشتباه في الخطوط بحيث لا يتميز أحد الكتابين عن الآخر ورده ابن الصلاح وقال إنه غير مرضى لندرة ذلك اللبس فإن الظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلتباس والحكم للأغلب وحاصله أنه إن حصل الظن بأنه خط فلان جاز العمل وإن شك فلا يعمل مع الشك ولاحجة على ذلك من النظر أنه يحصل به الظن والظن يجب العمل به والحجة عليه من الأثر الحديث الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما محق امرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته مكتوبة تحت رأسه أو كما قال وهو حديث متفق عليه وله ألفاظ هذا أحدها ففيه دليل على العمل بالخط وإلا فأي فائدة في كتابته والقول بأنه أراد مكتوبة عنده بالشهادة عليها خلاف الظاهر وتقييد للحديث بالمذهب ثم علم الناس شرفا وغربا وشاما وعدنا على الإعتماد على الكتب في كل أمر من الأمور وأجاز بعضهم هو الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر أنبأ ونبأ في الرواية بالكتابة قال الزين تبعا لابن الصلاح وقاله ابن الصلاح تبعا للخطيب والمختار الصحيح اللائق بمذهب أهل التحري والنزاهة أن يقيد عند الرواية ذلك فيقول أخبرنا كتابة أو كتب إلى أو نحو ذلك تحرزا
مسألة
السادس من أقسام أخذ الحديث وتحمله
إعلام الشيخ الطالب لفظا(2/232)
343 بشيء من مرويه من غير إذن له في روايته عنه وذلك نحو أن يقول الشيخ هذا سماعي على فلان ولا يأمره بروايته عنه ولا بالنقل عنه ولا يناوله ولا بخبره إلا بمجرد الأعلام وفيه خلاف بين طائفتين عظيمتين من أهل العلم فمنعه أبو حامد الطوسي واختاره ابن الصلاح ويغره وأجازه ابن جريج وطوائف من المحدثين وصاحب الشامل وهو أبو نصر بن الصباغ والحجة للجواز القياس على الشهادة فيما إذا سمع المقر يقر بشيء وإن لم يأذن له كما تقدم في المناولة المجردة وقال القاضي عياض إن اعترافه له به وتصحيحه أنه من روايته كتحديثه له بلفظه وقراءته عليه وإن لم يجز له ومبناه أي الخلاف على أن السماع قد يكون فيه خلل يمتنع السامع من أجله من الاعتماد على ذلك السماع فمن نظر إلى هذا التجويز منع ذلك لأنه يكون عملا مع الشك ومن نظر إلى أن الأصل السلامة منه حتى يظهر أجاز الرواية عنه بمجرد الأعلام ولا يخفى أن هذا التجويز يجري في الإجازة والمناولة بل والسماع ولكن البناء على أن المخبر ثقة عدل ولذا قال المصنف والأظهر أن الأصل عدم الخلل في السماع فإن ظهرت قرينة تدل على وجود الخلل فيه أو على عدمه قوي العلم بها وإن لم تظهر علم به أي بالإعلام وفيه نوع ضعف لأجل الإحتمال وقد عرفت ما في الإحتمال فيجب أن يبين الراوي كيفية التحمل بهذا النوع وأنه أخذه بالإعلام وحكى القاضي عن محققي أصحاب الأصول أنهم لا يختلفون في وجوب العمل بهذا النوع وإنما يختلفون في الرواية بأعلام الشيخ والله أعلم
مسألة
السابع من طرق أخذ الحديث وتحمله الوجادة
بكسر الواو وهي مصدر(2/233)
344 الأثر وذلك مما يدل على إنصاف أئمة الحديث وعدم تعصيهم ولذلك أي لتسويتهم بين المنحرفين لم يقدموا في سعد بن عبادة أحد النقباء من الأنصار مع أنه تخلف عن بيعة أبي بكر وخرج إلى الشام قال أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب تخلف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر وخرج عن المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بأرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر انتهى ولا يقدحون فيمن حارب عثمان وهم جماعة من الصحابة وللشيعة مثل ذلك في اعتقادهم لمساوي جماعة في حق قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأولا د علي كاغتفار أئمة الحديث لمساوي جماعة من الصحابة فإنهم أي الشيعة لا يولعون ذكر مساوي أحد منهم من القرابة ولا يولعون بسبب مبتدع منهم ولا فاسق تصريح كل ذلك تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل تركهم أي الشيعة ما روى عن الجاحظ عمرو بن بحر فإنها رويت عنه قوادح لكنه لما كان معتزليا لم تولع الشيعة بذكر مساويه لأنه يجمع بينهم وبينه الاعتزال وابن الزيات بفتح الزاي وتشديد المثناة التحتية فمثناة بعد الألف نسبة إلى الزيت وهو أبو جعفر محمد بن عبد الملك وزير المعتصم له ما للوزراء من الظلم والإعانة عليه وهو صاحب تنور الحديد لاذي صنعه لتعذيب العمال وغيرهم والصاحب الكافي وهو أسماعيل بن أبي الحسن عبد الوزير مؤيد الدولة ابن بويه وله قوادح لا تخلوعنها الوزراء وأتباع الملوك وتراجم هؤلاء الثلاثة مبسوطة في كتب التاريخ والمعروف من هؤلاء الثلاثة بشدة التشيع الصاحب وقد جعلهم مثالا لفساق التصريح و للشيعة مثل ذلك في المبتدعة أيضا لبعض أقوال واصل ابن عطاء وهو أبو حذيفة واصل ابن عطاء المعتزلي وهو أول من أثبت المعتزلة بين المنزلتين وعمرو بن عبيد وهو أبو عثمان مشهور بالزهد من أئمة المعتزلة وله في الميزان ترجمة مطولة ولهم أي للخمسة المذكورين في ذلك أشياء(2/234)
347 مولد محدث لوجه يجد قال المعافى بن زكريا النهراوني إن المولدين في القاموس الموالدة المحدث من كل شئ ومن الشعراء لحدوثهم إنتهى فعلى هذا مولدين بفتح اللام فرعوا قولهم وجادة فيما أخد من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولامناولة أي ولا كتابة ولا إعلام من تفريق العرب متعلق بفرعوا بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلة للفظ وجد وبيان المعاني المختلفة لتلك الألفاظ أفادة قوله بمعنى أنهم يقولون وجد ضالته وجدانا وأجدانا الأول بكسر الواو بضم الهمزة و يقولون وجد مطلوبه وجدا بضم الواو ووجدانا بضمها أيضا و يقولون في الغضب وجد موجدة بفتح الميم وسكون الواو وجدة بكسر الجيم ووجدا بافتح للواو ووجدانا و يقولون في الغنى وجد وجدا مثلث الواو وجدة بكسر الواو حكاها الجوهري وغيره هو ابن سيدة وهذا الكلام أخذه المصنف مما ذكره ابن الصلاح وزاد فيه زين الدين وزاد المصنف في العواصم وفي الحب وجدا وهو في شرح الزين قال زين الدين وقرئ بالثلاثة في قوله تعالى أكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فتجرى الحركات الثلاث في الوا وكلها من الوجد بمعنى الغنى وقال البقاعي لم أرفيها قراءة بالفتح وإنما قرأنوح عن يعقوب بالكسر وقرأ الباقون بالضم وكأن المنصنف واكتفى عن بيان حقيقها بما ذكره عن المعاني بن زكريا وقال زين الدين الوجادة أن تجد بخط من علصرته لقيته أو لم تلقة او لم تعاصره بل كان عندك أحاديث ترويها أو غير ذلك مما تسمعه منه ولم يجزه لك وقد تكون الوجادة بخط نفسه وخط شيخه وخط من أدركه من الثقات فيأخذ حطا من الإتصال وإن كانت منطقعة في الحقيقة قال الزين وكله أى المروى بالوجادة المجرد سواء وقعت بخطه أو لامنقطع إلا أن الأول وهو أنه إذا وثق أنه خطه قد أخذ شوبا من الإتصال قال ابن كثير فيما نقل عنه الوجادة ليست من باب الرواية وإنما هي حكاية عما وجده وقد يتساهل فيما بعض الناس فيروى بعن أونحوها مثل قال فلان مما يوهم أخذه(2/235)
إجازة أو سماعا في موضع الوجادة
348 وذلك مثل رواية بهزين حكيم عن أبيه عن فإنها صحيفة على ما قيل وكذا قال صالح جزره في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال مثله ابن المينى في رواية وائل عن ولده بكر وهو تدليس قبيح لايهامه السماع وإنما يقال فيها وجدت يخط فلان أو وجدت بخط ظننته خط فلان أو قال لى الثقة إنه خط فلان مثل بخط ذكر كلنبه أنه خط فلان بن فلان وقد جازف بعضهم فأطلق في الوجادة حدثنا وأخبرنا فإنتقد ذلك على فاعله قال ابن المدينى حدثنا أبو داود الطيالسى حدثنا صاحب لنا من أهل الرأى يقال له أشرس قال قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق فجعل يقول حدثنا الزهرى قال فقلت له أبن لقيته قال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له حكاه القاضى عياض ايضا قال القاضي عياض لاأعلم من يقتدى به أنه أجاز ذلك ولا من يعده معد المسند عبارة الزين قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل عنه بحدثنا وأخبرنا ولا من يعده معد المسند قال الزين هذا الحكم في الرواية بالوجادة وأما العمل بها فقال القاضى عياض إختلفت أءمة الحديث والفقه والأصول فمعظم المحدثين والفقهاء من الأباء وهو الإمتناع وذلك لما تقدم من أن معظمهم لايرون العمل به قيل ويحتمل أنه بالمثناة الفوقية من الإتيان يعنى يعملون به لوضوح دليله وهو أن مدار وجواب العمل بالحديث الموسوق بنسبته إلى الشارع صلى الله عليه وسلم لاتصاله بالرواية بأى طرقها وحكى عن الشافعي جواز العمل به وقالت به طائفة من نظار أصحابه وهو الذي نصره الجوني وإختاره فيره من أرباب التحقيق قال ابن الصلاح قطع بعض المحققين من أصحابه أى الشافعى في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة والمراد به الجوني فإنه(2/236)
349 نصره وإختاره غيره من أرباب التحقيق قال وهو الذي لايتجه غيره الأعصار المتأخرة وذلك أنها قصرت الهمم فيها جدا وحصل التوسع فيها فلو توقف العمل فيها إلى الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية في هذا الزمان يعنى فلم يبق إلا مجرد وجدان قال النووى هذا هو الصحيح وقد إستدل العماد بن كثير للعمل بها بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أى الخلق أعجب إليكم إيمانا قالوا الملائكة قال وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم وذكروا الأنبياء فقال كيف لايؤمنون والوحى ينزل عليهم قالوا فنحن قال وكيف يؤمنون وأنا بين أظهركم قالوا فمن يا رسول الله قال قوم يأتون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بها قال فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة قال البلقيني وهو إستنباط حسن قال السخاوي قلت وفي الإطلاق نظر فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل فقلت مقيد بما علم من وجود يوثق به كما دلت له قواعد العلم قلت وهو الذي اختاره أئمة أهل البيت عليهم السلام منهم الإمام عبد الله بن حمزة المنصول بالله وادعى إحماع الصحابة على ذلك ذكره في صفوة الأختيار في أصول الفقه ومنهم الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ذكره في كتابه المعيار في أصول الفقه ولكنه اختار جواز العمل دون الرواية فإنه قال والمختار عندنا جواز العمل على ذلك دون الرواية لأن العمل إنما مستنده عليه الظن وهو حاصل هاهنا فأما الرواية فلا بد فيها من أمر وراء ذلك القطع بمستند تجوز معه الرواية قال المنصور بالله وإجماع الصحابة وكتاب عمرو بن حزم لا يتهضان إلا إلى ما ذهب إليه الإمام يحيى ذكره المصنف في العواصم ومنهم الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان حكاه عنه الإمام المهدي محمد بن المهر في عقود العقيان واختاره في محمد بن المظهر لنفسه وحكاه عن أبيه المطهر بن يحيى ذكر ذلك كله في عقود العقيان في شرح قوله(2/237)
350 روينا سماعا عن إمام محقق أبي القاسم الحبر المفسر بالفضل وذكر الخلاف في ذلك الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج له بما يقتضي أنه إجماع لاصحابة ولاتابعين وكذلك الشيخ أبو الحسين البصري ذكرمثل ذلكفي المعتمد واختاره الفقيه عبد الله بن زيد العنسي في كتابه الدرر والمنظومة واحتج له بمثل ذلك وقال وهو قول طائفة من العلماء قلت وقد احتجوا على ذلك بحجج ثلاث الأولى منها أن ذلك يفيد الظن وهو العلة الموجبة لقبول أخبار لآحاد و الثانية منها الإجماع وهو إجماع الصحابة رواه الإمام المنصور بالله والإمام المهدي محمد وعبد بن زيد والحاكم وأبو الحسين والرازي والحافظان يعقوب بن سفيان وإسماعيل بنكثير الشافعي والثالثة منها حديث بن حزم لذى أمر النبى صلى الله عليهوآله وسلم أن يكتب له أنصبة لزكوات ومقادير الديات ورجع إليه الصحابه وتركواله آراء هم وقد صح عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجع إليه في دية الأصابع حكاه ابن كثير في الإرشاد ونقلنا لفظه في شرح بلوغ المرام المسمى سبل السلام وقال ابن كثير وروى هذا الحديث يعنى حديث عمرو بن حزم مسندا ومرسلا أما المسند فروااه جماعة من الحفاظ وائمة الأثر النسائى في سننه والإمام أحمد في مسنده وأبو داود في كتاب المراسيل وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى بالمهملة مفتوحه وكسر الراء نسبة إلى دارم حى من تميم وأبو يعلى الموصلى ويعقوب بن سفيان في مسانيدهم ورواه الحسن بن سفيان العسوى وعثمان بن سعيد الدرامى وعبد الله بن عبد العزيزالبغوى بالموحدة وغين معجمة نسبة إلى بغشور بلدة بين هراة وسرخس والنسبة بغوى على غير القياس قاله في القاموس وقد تقدم وأبو زرعة الدمشقى وأحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي الكبير وحامد بن محمد بن شعيب البلخى والحافظ الطبرانى نسبة إلى طبران بلدة بتخوم قومس كما في القاموس سقنا ترجمته في(2/238)
351 التنزير شرح الجامع الصغير كما سقنا ترجمة غيره ممن ذكر وأبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه وظاهر طريق سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق وقال ثقة مأمون وقال الحافظ ابن أبو بكر البيهقي أنني عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعثمان بن سعيد الدارمي وقال البيهقي هو حديث موصول الإسناد حسن فهذه الطرق المسندة وأما المرسل فقد روى من وجوه رواها ابن كثير وذكر اختلافا في صحة إسناده وطول الكلام فيه ثم قال وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أئمة الإسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه ويفرعون في مهمات هذا الباب إليه كما قال يعقوب بن سفيان لاأعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون يرجعون غليه ويدعون آراءهم وتقدم من الأدلة حديث ابن عمر مرفوعا في الوصية وهو متفق عليه وقد سرده المصنف في العواصم من أدلة الوجادة قلت ول غناء عن القول بها كما قاله النووي وغيره ولما ألقى الله وله الحمد الولوع بهذا الشأن وكان علماء الحديث لا وجود لهم بهذه الأوطان وكان مشايخنا رحمهم الله وأنزلهم غرف الجنان الذين عنهم أخذنا علوم الآلات من نحو وتصريف وميزان وأصول فقه ومعان وبيان ليس لهم إلى هذا الشأن نزوع وإنما يدرسون فيما تجرد عن الأدلة من الفروع ووفقت على قول بعض الأئمة إن علم الحديث علم رجال تركوا الإبتداع للإتباع فإذا جن ليلهم كتبوه وإذا أصبحوا غدوا للسماع قلت مجيزا لها قد أردنا السماع لكن فقدنا من يفيد الأسماع بالإسماع فرجعنا إلى الوجادة لما لم تجد عارفا به في البقاع فلسان الأسفار تملي ومنها نتلقى سرا سماع البراع
352 تم من الله وله الحمد بالبقاء في مكة والإجتماع بأئمة من علماء الحرمين ومصر وإملاء كثير من الصحيحين وغيرهما وأخذ الإجازة من عدة علماء والحمد لله
مسألة في كتابة الحديث وضبطه(2/239)
كتابة الحديث وضبطه اختلف الصحابة والتابعون في كتابة الحديث أي اختلف في ذلك كل فريق في عصره فكرهه كراهة تحريم كما صرح به
363 جماعة ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وآخرون من الصحابة بل قالوا تحفظ عنهم حفظ قلب كما أخذه عنهم حفظا والتابعين منهم الشعبي والنخعي لقوله صلى الله عيله وآله وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وفي رواية أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب
364 الحديث فلم يأذن له وجوزهاي كتب الحديث وفعله جماعة من الصحابة منهم علي وابنه الحسن وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وابن عباس وابن عمر في رواية والحسن وقال البلقيني في محاسن الإصطلاح أعلى من روى عنه ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان روى عن عمر أنه قال قيدوا العلم بالكتابة ونحوه عن عثمان وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصحابة والتابعين قال القاضي ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف بناء على وقوع الإجماع بعد الخلاف والإعتداء به وهي مسألة خلاف في الأصول(2/240)
ومما يدل على الجواز أي في عصره صلى الله عليه وسلم فضلا عما بعده ما ذكره زين الدين من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح اكتبوا لأبي شاه بالشين المعجمة وهاء منونة في الوقوف والدرج على المعتمد وهو أمر منه صلى الله عليه وسلم بكتب خطابته التي سمعها أبو شاه يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن تكتب له فأمر صلى الله عليه وسلم بكتابتها له قال ابن عبد البر في الإستيعاب إن أبا شاه رجل من أهل اليمن حضر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة فقال أبو شاه أكتب لي يا رسول الله الخطبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه قال ابن عبد البر وهو من ثابت الحديث وأما قول البلقيني يجوز أن يدعي أنها واقعة عين فقد نظره السخاوي وكأن وجهه أن الأصل التشريع العام ومن الأدلة على الجواز ما ي صحيح البخاري من حديث أيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا الحديث و من الأدلة على جوازها ما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص قال كنت أكتب كل شيء سمعته عن رسول الله وذكر الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له اكتب وفي لفظ قلت يا رسول الله أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا قال نعم فإني لا أقول إلا حقا وكانت تسمى صحيفته تلك الصادقة رواه ابن سعد وغيره وفي صحيح(2/241)
365 البخاري من حديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو كان يكتب فإنه قال أبو هريرة ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب قلت وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات لأبي بكر الصديق وهو في صحيح البخاري قلت وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وملك مصر وعمان وغيرهم وكتب لعمرو بن حزم الديات والزكوات كما قدمنا في الوجادة وكتب علي عليه السلام صحيفة كانت معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل ومقادير الديات وهو صحيح أظنه في صحيح البخاري هو كما ظنه رحمه الله وأوله فيه ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة وبالجملة فلو تركت الكتابة في الأعصار الأخيرة لكان ذلك سبيلا إلى الجهل بالشريعة وموت كثير من السنن بل قد كتب عمر بن عبدالعزيز في عصره إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فانى خشيت دروس العلم وذهاب العلماء وعن الشافعي إن هذا العلم يند كما تند الإبل ولكن الكتب له حماة والأعلام عليه رعاة وبالجملة فقد استقر الأمر جواز الكتابة قال ابن حجر لايبعد وجوبها على من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ونحوه قول الذهبى إنه يتعين من المائة الثالثة وهلم جرا وأول من دون الحديث الزهرى بأمر عمر بن عبد العزيز وبعث به إلى كل أرض له عيله سلطان وقد إختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد الدال على النهي عن الكتابه والجمع بينه وبين أحاديث الإذن في الكتابه كحديث أبي شاه فأجيب بجوابات ثلاثة الأول ما أفاده قوله فقيل إن النهى منسوخ بها وكان النهي في أول الأمر لخوف إختلاطه أى الحديث بالقرآن أي بسبب أنه لم يكن قد إشتد إلف الناس بالقرآن ولم يكثر حفاظه والتقنون له فلما ألفه الناس وعرفوا أساليبه وكمال بلاغته(2/242)
وحسن تناسب فواصله وغايته صارت لهم ملكة يميزونه بها
366 من غيره فلم يخش اختلاطه بعد ذلك فلذا قال أمن ذلك أذن فيه وهذا الجواب جنح إليه ابن شاهين فإن الإذن لأبي شاه كان في فتح مكة قال الحافظ وهو أي هذا الجمع أقربها و الثاني قيل إن النهي في الحق من وثق بحفظه وهذا كما قال ثعلب إذا أردت أن يكون عالما فالكسر القلم والإذن لمن لم يثق والثالث قيل النهي عن كتابه الحديث مع القرآن في صحيفةواحدة لانهم كانوا يسمعون تأويل الآيه فريما كتبوه معه قال الحافظ ابن حجر ولعل ما قرىء في الشاذ في قوله ما لبثوا حولا في العذاب المهين قلت هذه قراءة ذكرها ابن خلكان لابن شنبوذ وذكر غيرها في شواذه وذكر لها قصة فلا يصح تمثيل به إذ الكلام فيما كان يكتبه الصحابة فهوا عن ذلك عن خلط كتابه القرآن بتأويل في صحيفة لخرف الإشتباه والله أعلم
مسألة
ويبنغي إستحبابا مؤكدا بل عبارة بن خلاد وعياض تقتضى الوجب وعبارة ابن الصلاح ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبطه إلى آخر فأدت عبارته الوجوب لطالب الحديث العناية في تجويد كتابه بأعجاب أى بالنقط ما يلتبس منه لو ترك إعجابه والإجام إزلة العجمة وذلك بالنقط نحوه فيميز الخاء المعجمة من الحاء المهملة والذال المعجمة من الدال المهملة كما في مثل عليكم بمثل حصى الخذف فيعجم كلا من الخاء والذال بانقط وروى عن الثورى أنه قال الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة قال وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع إشكاه لاسيما إعجام أسماء الرواة كخباب بالعجمة وأبي الجوزاء باجيم والزاى وأبي الحوراء بالحاء المهملة والراء ويعرف عطف على العناية أي وينبغي له أن يعرف ما اصطلح عليه أهل الحديث فلهم اصطلاحات في تخريج الساقط قال زين الدين إنهم(2/243)
367 يسمون ما سقط من أصل الكتاب فألحق في الحاشية أو بين السطور اللحق بفتح اللام والحاء معا قال وأما كيفية ما يسقط من الكتاب فلا ينبغي أن يكتب بين السطور لأنه يضايقها ويعكس ما يقرأ خصوصا إن كانت السطور ضيفة متلاصقة والأولى أن يكتب في الحاشية فإن كان السقط من وسط السطر فينبغي أن يخرج له إلى جهلة اليمين لاحتمال أن يبقى في بقية السطر سقط فيخرج له إلى جهلة الشمال ثم أطال في هذا البحث بآداب قد أعرض عنها الكتاب في هذه الأزمنة ولاتخيرج أي صفة التخريج قال الزين أما صفة التخريج للساقط فقال القاضي عياض وأحسن وجوهها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافا يشير إليه والتمريض والتضبيب قال الزين التمريض هو كتابة صورة ض هكذا في الحرف الذي يشار إليه تمريضه وقال القاضي عياض في الإلماع شيوخنا من أهل المغرب يتعاملون أن الحرف إذا كتب عليه صح أن ذلك علامة لصحة الحرف فوضع حرف كامل على حرف صحيح وإذا كان عليه صاد مممدودة دون حاء كان علامة أن الحرف غير مستقيم وأما التضبيب فهو مثناة فوقية مقتوحة فضاد معجمة فموحدة بعدها مثناة تحتية فموحدة وهو عطف تفسيري للتمريض فإنه عبارة عن الصورة التي قالها القاضي عياض فإنه قال إن ذلك علامة على أن الحرف لا يستقيم إذا وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على أختلال الحرف قال ويسممى أيضا ذلك الحرف ضبة أي أن الحرف مقفل لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها والكشط والمحو والضرب قال الزين لما تقدم إلحاق الساقط تعقيبة بإبطال الزائد فإذا وقع في الكتاب شيء زائد يلس منه فإنه ينبه عليه إما بالكشط وهوالحك وإما بالمحو بأن يكون الكتاب في لوح أورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب وقد أطال زين الدين في هذه الثلاثة في شرحه والعمل في اختلاف الروايات والإسناد بالرمز أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين فأكثر(2/244)
في نسخة
368 واحدة فالعمل أن يبني الكتاب أولا على رواية واحدة ثم ما كان من رواية أخرى ألحقها في الحاشية أو غيرها مع كتابة اسم راويها معها أو الإشارة إليه أي بالرمز إن كان زيادة وإن كان الاختلاف بالنقص أعلم على الزائد أنه ليس في رواية فلان باسمه أو الرمز إليه وأما الرمز في الإسناد فهو ماجرت عادة أهل الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق فإنهم يقتصرون من حدثنا على ثنا وربما اقتصروا على الضمير فقط فقالوا نا وربما اقتصروا على حذف الحاء فقط فكتبوا دثنا قال ابن الصلاح إنه رآه في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي والبيهقي ومن ذلك أخبرنا اقتصر وافيها على الألف والضمير أعنى أنا وربما لم يحذف بعضهم الراء فيكتب أرنا وبعضهم بحذف الخاء والراء ويكتب أبنا وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين قال ابن الصلاح وليس بجيد ومما جرت عادة أهل الحديث حذف قال في أثناء الإسناد في الخط والإشارة إليه بالرمز فرأيت في بعض الكتب المعتمدة الإشارة إليها بقاف فبعضهم بجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا يرد قال حدثنا وبعضهم يفردها فيكتب في ثنا وهذا اصطلاح متروك قال ابن الصلاح جرت العادة بحذفها خطا قال ولا بد من ذكرها حال القراءة لفظا ومما جرت به عادتهم عند الإنتقال من سند إلى سند وذلك أنه إذا كان للحديث إسنادان فأكثر وجمعوا بين الأسانيد في متن واحد أنهم إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد آخر كتبوا بينهما حاء مفردة مهملة صورة ح والذي عليه عمل أهل الحديث أن ينطق القاريء بها كذلك مفردة واختاره ابن الصلاح ونقل كلاما كثيرا في ذلك وكتابة التسميع قال الخطيب في كتاب الجامع يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه قال وصورة ما ينبغي أن يكتب حدثننا أبو فلان فلان بن فلان بن فلان الفلاني قال حدثنا فلان ويسوق ما سمعه من الشيخ على لفظه قال وإذا كتب الطالب(2/245)
369 الكتاب المسموع فإنه ينبغي أن يكتب فوق صدر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع قال وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلاهما قد فعله شيوخنا قال إن كان سماعه للكتاب في مجالس عديدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ والتقطيع كما يكتب في أول الكتاب فعلى هذا شاهدت أصول جماعة من شيوخنا مرسومة وقد ذكروا في هذا النوع آدابا كثيرة وفوائد حسنة أو دعوها هذا النوع من كتب علم الحديث وإنما اختصرتها لطول الكلام فيها واعتمادي على ما يتعلق به التحليل والتحريم غالبا وقد ذكرنا مما ذكروه محل الحاجة
مسألة في بيان صفات راوي الحديث وآدابه
صفة رواية الحديث وآدابه قال زين الدين اختلفوا في الإحتجاج
390 بمن لا يحفظ حديثه وإنما يحدث من كتابه معتمدا عليه علىأقوال الأول قوله فذهب الجمهور إلى جواز ذلك إذا كان الراوي قد ضبط سماعه أو قابل كتابه هو أوثقة على نسخة شيخه أو نسخة مقابلة بنسخة شيخه على الوجه الصحيح(2/246)
391 وإلى هذا ذهب الشافعي وأكثر أصحابه أن كان كتابه محفوظا مصونا لديه وروى عن أبي حنيفة ومالك أن لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه فإن غاب عنه كتابه بضياع أو عارة أو نحو ذلك بأن سرق عليه فاختلفوا أيضا فذهب أهل التشديد إلى أنها لا تجوز الرواية منه لغيبته عنه وجواز التغيير فيه والأصح عند الجمهور جواز الرواية إذا كان الغالب عليه السلامة من التبديد لا سيما إذا كان مما لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك أو شيء منه لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن قال الخطيب والسماع من كتاب البصير الأمي والضرير الأعمي اللذين لم يحفظا لكن كتب لها ما سمعا أي كتبه لهما ثقة قد منع منه غير واحدمن العلماء وهي عبارة الخطيب ورخص فيه بعضهم قال ابن الصلاح في الضرير الذي لا يحفظ حديثه من فهم من حدثه إذا استعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه واحتاط في ذلك بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته قال ابن الصلاح غير أنه أولى بالخلاف من البصير وهذا أي ما ذكر من أول المسألة كله في رواية الراوي من أصله الذي سمع منه أو مما قوبل على أصله فأما روايته عن أصل شيخه وما قوبل عليه فالأكثر والأصح المنع منه قلت إلا أن قراءته في أصله كان بمنزلة المقابلة على أصل شيخه أي جاز وهذا كثير خاصة إذا كان شيخه معتمدا في التسميع على الكتاب دون الحفظ فإنه يوثق بكتابه والله أعلم وهذا إذا لم يختلف حفظه وكتابه فإذا اختلف حفظه وكتابه فإن وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما يحفظه فإن كان حفظه مأخوذا من كتابه رجع إيه وأن كان من شيخه قدم الحفظ قال زي الدين والأحسن أي يجمع بينهما أي أن يقول حفظي كذا وفي كتابي كذا فهكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ ومثله ما إذا حفظ شيئا وخالفه فيه بعض الحفاظ المتقنين فإنه يحسن فيه أيضا بيان الأمرين فيقول حفظي كذا(2/247)
392 وكذا وقال فيه فلان كذا وكذا ونحو ذلك وقد فعله سفيان الثوري مسألة في آراء العلماء في رواية الحديث بالمعنى
والرواية للحديث بالمعنى أي روايته بمعناه بعبارة من عند الراوي محرمة على من لا يعلم مدلول الألفاظ ومقاصدها وما يحيل معانيها فإن هذا لا يمكنه أن يروى المعنى لأنه لا يعرفه فتحرم عليه الرواية بلا خلاف واختلفوا في من يعلم ذلك مدلول الألفاظ وما ذكر معها هل تجوز له الرواية بالمعنى والأكثر على الجواز لجواز رواية الحديث بالمعجمة للعجم فإنه جائز بالإتفاق وهو رواية بالمعنى ولأن الصحابة رووا أحاديث بألفاظ تختلفة في وقائع متحدة قال زين الدين وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في معرفة الصحابة من حديث عبد الله بن سليمان بن أكتمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع من ك يزيد منك حرفا أو ينقص حرفا قال إذا لم تحلوا حراما ولا تحرموا حلالا وأصبتم بالمعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا هكذا نقله زين الدين وقال السخاوي بعد ذكره وهو حديث مضطرب لا يصح بل رواه الجوزجاني في الموضوعات واعلم أنه أسقط المصنف رحمه الله مسألة الإقتصار على بعض الحديث وذكرها زين الدين بعد مسألة الرواية بالمعنى فقال اختلف العلماء في جواز الإقتصار على بعض الحديث وحذف بعضه على أقوال أحدها المنع مطلقا ثانيها الجواز مطلقا
393 قال وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعليقا بخل بالمعنى حذفه كالإستثناء والحال ونحو ذلك الثالث إن لم يكن رواه على التمام مرة أرى هو أوغيره لم يجز وإن كان رواه على التمام هو أو غيره جاز الرابع وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح أنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما تركه غير متعلق به بحيث لا يخل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بتكر ما تركه قال فهذا ينبغي أن يجوز لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين(2/248)
مسألة في التسميع بقراءة اللحان وذي التصحيف
التسميع بقراءة اللحان صيغة مبالغة ولعله يغتفر إذا كان لحنه قليلا كما يدل له مفهوم المبالغة والمصحف اسم فاعل وليحذر الشيخ أن يروى حديثه بقراءة لحان أو مصحف فقد روينا عن الأصمعي قال إن أخوف ما أخاف على طالب العلم أي علم الحديث أو ما مزج به من الأدلة إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار زاد زين الدين لأنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فقد كذبت عليه صلى الله عليه وسلم قال زين الدين وروينا نحو هذا عن حماد بن سلمة فإنه قال لإنسان إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي فإتي لا ألحن وكان حماد إماما في ذلك وروى أنه شكاه بعضهم إلى الخليل بن أحمد فقال سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في جل رعف فانتهرني وقال أخطأت إنما هو مرعف بفتح العين فقال الخليل صدق أتلقي بهذا الكلام أبا أسامة هو مما ذكر أنه سبب تعلم سيبويه العربية(2/249)
394 قلت وإنما قال الأصمعي أخاف ولم يجزم لأن من لم يعلم بالعربية وإن لحن يكن متعمدا الكذب وروى الخطيب عن شعبه قال من طلب الحديث ولم يتعلم العربية كمثل رجل عليه برنس وليس عليه رأس في القاموس البرنس بالضم قلنسوة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أوجبة أو قمطرا وروى الخطيب أيضا عن حماد بن سلمة قال مثل الذي يطلب الحديث ولا يطلب النحو مثل حمار عليه مخلاة ولا شمير فيها نظمه من قال مثلوا طالب الحديث ولا يحسن نحوا ولا له آلات كحمار قد علقت ليس فيها من شمير برأسه مخلاة فسبب السلامة من المحن يكون بتعلم النحو أي تعلم قد يعرف بالأعراب وأما السلامة من التصحيف فسببها الأخذ من أفواه أهل العلم لا من الكتب فقلما سلم من التصحيف من أخذ العلم من الصحف من غير تدريب المشايخ كأنه مأخوذ من المدرب من الإبل وهو المخرج المؤدب قد ألف الركوب وتعود المشي في الدروب كما في القاموس ويقال لا تأخذ القرآن من مصحف ولا العلم من مصحفي وإلى من روايته من الكتب أشار من قال ومن بطون كراريس روايتهم لو ناظروا باقلا يوما لما غلبوا والعلم إن فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف ولا طنب واعلم أنه ذكر هاهنا نوعا أهمله المصنف وهو إصلاح اللحن والخطأ قال الزين وإن أتى في الأصل لحن وخطا فقيل يرويه كما جاء غلطا فإن كان في الأصل رواه كما تلقاه من غير إصلاح وهذا قول جماعة وذهب جماعة من المحدثين أنه يصلح ذلك اللفظ وهو قول الأكثر فإن كان اللحن يختلف به المعنى فاتفقوا على أنه يعربه وإن كان لا يختلف فالأرجح أنه
395 يعر به واختار ابن عبد السلام أنه لا يروى اللفظ الملحون والمصحف إذا كان سماعه به لأنه إذا أعربه فالذي سمعه غير معرب وإن لحن فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله إلا معروفا فإن كان في كتاب شيخه أو سماعه ملحونا قالوا فالصواب بقاؤه كذلك وكتب في الحاشية كذا والصواب كذا انتهى وقد أطال هنا زين الدين
مسألة(2/250)
السماع على نوع من الدهش بمهملة مفتوحة وهاء مفتوحة وشين معجمة في القاموس دهش كفرح فهو دهش تحير وذهب عقله من ذهل أو وله إذا سمع الراوي الحديث من الشيخ من حفظه في حال المذاكرة فعليه أي الراوي بيان ذلك بقوله حدثنا مذاكرة ونحو ذلك لأنهم يتساهلون في المذاكرة والحفظ خوان ولهذا كان أحمد بن حنبل يمنع من رواية ما يحفظه إلا من كتابه وقد منع عبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء
مسألة في بيان العالي والنازل وأنواهما
العالي أي الإسناد العالي وهو الذي قلت الوسائط في سنده(2/251)
399 أو قدم سماع روايته وزمانه والنازل وهو يقابله واعلم أنه طوى المنصف من كلام الزين آداب المحدث وآداب طالب الحديث وهو نحو من كراس في القطع الكنعان متنا وشرحا ثم اعلم أن أصل الإسناد من حيث هو خصيصة خاصة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكذة وروى السخاوي عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه يقول إن الله أكرم هذه الأمة وفضلها وشرفها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد وإنما هو صحف في أيديهم وخلطوا بكتبهم أخبارهم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما أخفوه بكتبهم من الأخبار عن غير الثقات وهذه الأمة إنما ينص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة والضبط عن مثله حتى تنتهي أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ والأضبط والأطول مجالسة يميزونه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من أكثر من عشرين وجها حتى يهذبوه من الغلط والخلل ويحفظون حروفه ويعدونها عدا فهذا من أغظم نعم الله على هذه الأمة فنستوزع الله شكر هذه النعمة قال المصنف استحب أكثر أهل الحديث الإسناد العالي قال أحمد بن حنبل طلب الإسناد العالي سنة ممن سلف وقال محمد بن أسلم الطوسي قرب الإسناد قرب أوقربة إلى الله تعالى وقال الحاكم طلب الإسناد العالي سنة صحيحة وحكى حديث أنس في مجيء الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أنانا وسولك فزعم كذا الحديث قالوا فلو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب(2/252)
400 لأنكر عليه سؤاله عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره به الرسول وفيه احتمالات أخر لا يتهم معها به الاستدلال لما ذكر ولم يحك الحاكم اختلافا في تفضيل العلو لما ذكر ولكنه حكى الخطيب في ذلك اختلافا وحكاه قبله ابن خلاد عن بعض أهل النظر أنه قال الأسناد النازل أفضل مبناه على أن الإسناد أكثر مشقة لكثرة رجاله والعناية بمعرفة عدالتهم لأنه يجب على الراوي معرفة عدالة من يروي عنه وتعديله والإجتهاد في أحوال رواة النازل أكثر قطعا قال ابن الصلاح وهو مذهب ضغيف الحجة قال ابن دقيق العيد لأن كثرة المشقة التي عللوا بها أفضلية النازل ليست مطلوبة لنفسها ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهي الصحة أولى انتهى قال ابن دقيق العيد ولا أعلم وجها لترجيح العو إلا أنه أقرب إلى الصحة وقلة
401 الخطأ فإن الطالبين يتفاوتون في الإتفاق والغالب عدم الإتقان فإذا كثرت الوسائط ووقع من كل واسطة تساهل كثر الخطأ والزلل وإذا قلت الوسائط قل انتهى وهذا أي تفضيل العالي كله مع الثقات أما إذا كان العالي ضعيفا فالنازل خير منه بغير شك قال ابن دقيق العيد وحينئذ فمحل الخلاف عند التساوي في جميع الأوصاف ما عدا العلو واعلم أنهم قسموا العلو إلى خمسة أقسام ذكرها الزين في نظمه وشرحه
مسألة في بيان الغريب والعزيز والمشهور
الغريب والعزيز والمشهور قسم الحافظ ابن حجر في النخبة الحديث(2/253)
406 أربعة أقسام الأول المتواتر فقال الأول أن يكون للخبر طرق بلا عدد معين أو مع حصر بما فوق الإثنين أو بهما أو بواحد فالأول المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه وهو المستفيض على رأي والثاني المشهور والثالث العزيز والرابع الغريب وكلها آحاد ما عدا الأول قال ابن الصلاح الغريب هو الذي ينفرد به بعض الرواة وسواء انفرد بالحديث كله أو بشيء منه أو في سنده وقال ابن منده ما معناه الغريب من الحديث انفراد الراوي بالحديث عن إمام قد جمع حديثه وحفظ وذلك الإمام مثل قتادة ابن دعامة و محمد بن شهاب الزهري ممن حفظت أحاديثهم وجمعت فإذا انفرد الراوي عن أحدهم من بين من أخذ عنهم بحديث سمي غريبا فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا سمي عزيزا واعلم أن العزيز على تفسير ابن منده يكون بينه وبين المشهور عموم وخصوص من وجه وخص بعضهم المشهور بالثلاثة ولاعزيز بالإثنين واختاره الحافظ ابن حجر كما عرفت من كلامه السابق وسمي عزيزا إما لعزة وجوده من قولهم عز الشيء يعز عزا وعزازة إذا قل بحيث لا يكاد يوجد وإما من قولهم عز يعز بفتح المهملة فيه عزا وعزازة إذا اشتد وقوى ومنه قوله تعالى فعززنا بثالث لمجيئه من طريق أخرى كما أفاده في النخبة شرحها فإذا(2/254)
407 روى الجماعة ثلاثة أو أكثر عنهم سمي مشهورا عند المحدثين احترازا عن المشهور على ألسنة العامة سمي بذلك لوضوحه أي شهرته لكونه رواية أكثر من أثين قال الحافظ ابن حجر وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء سمي بذلك لانتشاره من فاض الماء يفيض قبضا أي زاد حتى خرج من جوانب الأناء كما في شمس العلوم وقد ذكر الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها الخلاف في هذا وبيان إطلاقه على غيره قال الزين وهكذا ذكر محمد بن طاهر المقدسي وكأنه أخذه من كلام ابن منده قال زين الدين وليست الغرابة والعزة والشهرة تنافي صحة الحديث ولا تنافي ضعفه إذ قد علم من رسمها أنه لا منافاة بينها وبينهما قا لزين الدين ومثل ابن الصلاح المشهور الذي ليس بصحيح بحديث طلب العلم فريضة علىكل مسلم وتبع ابن الصلاح الحاكم في ذلك فإنه مثل به له قال زين الدين وقد صحح بعض الأئمة طرق الحديث هذا كما بينه في كتاب تخريج أحاديث الأحياء بعني فلم يتم التمثيل به لما ذكره قلت بحثت في تخريج أحاديث الأحياء للحافظ الزين رحمه الله من نسخة فيها يخطه الكثير وقد ذكر الحديث الغزالي في الجزء الأول من باب العلم فلم أجد فيه له عليه كلاما أصلا فراجعت الجامع الكبير للسيوطي فرأيته نسب تخريجه إلى ابن عدي والحاكم في الكني وابن عبد البر في العلم والطبراني في الكبير الخطيب وابن عساكر وابن النجار من طرق متعددة عن أنس والبيهقي وتمام عن ابن مسعود والطبراني في الأوسط وتمام عن ابن عباس وتمام وابن عساكر والخليلي والرافعي عن ابن عمر قال ابن عساكر غريب جدا والخطيب وابن عساكر عن علي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وتمام والخطيب وابن عساكر عن أبي سعيد والخطيب وابن السمان عن الحسن بن علي انتهى كلامه قال وذكر ابن الصلاح في أمثلته ما بلغه عن أحمد بن حنبل ما أخرجه(2/255)
408 عنه ابن الجوزي في آخر باب الجهاد من موضوعاته أنه قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق لا أصل لها الأول من بشرني بخروج أذار بشرته بالجنة وأذار بفتح الهمزة فذال معجمة فألف فراء قال في القاموس هو السادس من الشهور الرومية والثاني آذى ذميا فأنا خصمة يوم القيامة والثالث تحركم يوم صومكم والرابع للسائل حق ولو أي جاء على فرس قال زين الدين في شرح الألفية لا يصح هذا عن أحمد بن حنبل فقد أخرج هذا الحديث الرابع في مسنده بإسناد جيد من حديث الحسين بن علي وأخرجه أبو داود أي من حديث الحسين بن علي عليهما السلام وسكت عنه وأخرجه أبو داوداي من حديث علي عليه السلام وفي إسناده من لم يسم ورويناه من حديث ابن عباس والهرماس بن زياد وأما حديث من آذى ذميا وهو الثاني فقد رواه بنحوه أبو داود وكست عنه وأسناده جيدولفظه ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة وإن كان فيه من لم يسم فأنهم عنده من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة فقد روينا عن البيهقي لفظ الزين فقدرويناه في سنن البيهقي وفيه عن ثللاثينن من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحديثان الآخران وهما الثالث والرابع فلا أصل لهما كما ذكر أي عن أحمد فالمراد من قوله ولا يصح هذا عن أحمد أي لا يصح كله لا بعضه ويحتمل أن يقرأ كما ذكر مغير الصيغة أي ذكره من نقله عن أحمد وأما مثال المشهور الصحيح فلم يذكره لكثرته وأما أمثال الغريب الصحيح وهو القسم الأول فأفراد الصحيح كثيرة منها حديث مالك عن يحيى بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا السفر قطعة من العذاب تمامه يدع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته(2/256)
409 من وجه فليعجل الرجوع إلى أهله أخرجه مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه عن أبي هريرة عن عائشة وأما مثال الغريب الذي ليس بصحيح وهوالقسم الثاني فهو الغالب على الغرائب قال أحمد لا تكتبوا هذه الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء وقال مالك شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه النسا وروينا عن عبد الرزاق أنه قال كنا نرى غريب الحديث خير فإذا هو شرك قال زين الدين وقسم الحاكم الغريب إلى ثلاثة أنواع غرائب الصحيح وغرائب الشيوخ وغرائب المتون وقسمه ابن طاهر إلى خمسة أنواع ونقل عن ابن الصلاح تقسيما للغريب باعتبار سنده ومتنه وأطال في ذلك قلت روى الذهبي في النبلاء في ترجمة الزهري عن الزهري أنه قال حدثت علي بن الحسين أي ابن علي حديثا فلما فرغت قال أحسنت بارك الله فيك هكذا حدثناه بالنباء المجهول ويصح للمعلوم قال الزهري أراني حدثتك بحديث أنت أعلم به مني قال لا تقل ذلك فليس من العلم ما لا يعرف وإنما العلم ما عرفت وتواطأت عليه الألسن فأفاد ما أفاده كلام من تقدم قبله فهذا التقسيم في الغريب والمشهور يقابله وهو أي المشهور ينقسم أيضا كما انقسم إلى صحيح وضعيف فهو ينقسم إلى مشهور متواتر و مشهور غير متواتر فالمتواتر ما تعلم صحته بالضرورة لكثرة رواته في الطرفين والوسط ذكره الأصوليون ولهم فيما فيده خلاف هل ضروري أم لا وذكره من المحدثين جماعة منهم الحاكم وابن حزم وابن عبدالبر ومن أمثلته ما يأتي قال ابن الصلاح ومن سئل عن إبراز مثال ذلك أعياه تطلبه ثم قال نعم حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فإنه رواه بعض المحدثين وهو أبو بكر البزار في مسنده كما قاله زين الدين عن نيف في القاموس النيف الفضل والإحسان ومن واحد إلى ثلاثة وأربعين من الصحابة فيهم العشرة رضي الله عنهم المبشرة(2/257)
410 بالجنة الذين يجمعهم قول المصنف للمصطفى خير صحب نص أنهمو في جنة الخلد نصا زادهم شرفا هم طلحة وابن عوف والزبير مع أبو عبيدة والسعدان والخلفا ثم قال وليس في الدنيا حديث اجتمعت على روايته العشرة غير هذا ذكره زين الدين قلت بل حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام رواه خمسون صحابيا منهم العشرة ورواه بعضهم عن نيف وستين المراد به ابن الجوزي فإنه أخرجه كذلك ثم قال لا يعرف حديث في الدنيا عن ستين من الصحابة غير هذا الحديث الواحد ذكره زين الدين وصنف الحافظ أبو الحجاج يوسف ابن خليل المزي تقدم ضبطه في طرقه جزءين فرواه عن مائة صحابي واثنين وروى عن بعض الحفاظ و كما قاله الزين ابن الجوزي أنه رواه ما ئتان من الصحابة واستبعده زين الدين هكذا ذكره في شرح ألفيته وذكر هذه الرواية الحافظ ابن حجر في شرح النخبة واعلم أن النزاع في عزة المتواتر كما قاله ابن الصلاح والمراد المتواتر لفظا لا التواتر المعنوي فهو كثير وقد جمع الحافظ السيوطي كتابا في ذلك وفي الأبحاث المسددة للعلامة المقبلى شيء من ذلك كثير وقد تعقب الحافظ ابن حجر في شرح النخبة كلام ابن الصلاح في العزة وأتى في تعقبه بغير المراد لابن الصلاح فراجعه ومن أمثلة ذلك حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام بالصلاة فإنه روي عن طرق كثيرة قال ابن عبد البر رواه ثلاثة عشر من الصاحبة وقال السلفي أربعة عشر وقال ابن كثير عشرون أو نيف وعشرون وجمع زين الدين رواته فبلغوا خمسين عبارة زين الدين قلت وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين ولله الحمد انتهى كلامه وأما قوله فيهم العشرة المبشرة رضي الله عنهم فليس من كلام الزين بل قاله عن ابن منده وغيره وكذلك قال الحاكم ابن البيع أن العشرة المبشرة اجتمعوا على روايته(2/258)
411 وجعل ذلك من خصائص هذه السنة الشريفة قال البيهقي سمعته أي شيخه الحاكم يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافء الأربعة ثم العشرة الذي شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله رضي الله عنه فقد رويت هذه السنة عن العشرة وغيرهم انتهى واعلم أنه لايكفي كثرة رواية أول رتبة في التواتر حتىيستمر ذلك في الطرق كلها فكان الأحسن أن يزيد المنصف في هذه الأمثلة ولم تزل طرقها متكاثرة الطرقة تكاثرا تواتريا إلى الآن وكأن تركه للعلم به من أمثلة ذلك حديث المسح على الخفين قال صاحب الإمام عن ابن المنذر روينا عن الحسن البصري أنه قال حدثنا سبعون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين وذكر ابن عبد البر أنها من السنن المتواترة قال زين الدين رواه اثر من ستين من الصحابة منهم العشرة رضي الله عنهم ذرك ذلك أبو القسام عبد الرحمن بن محمد بن أسحاق بن منده في كتباب له سماه المستخرج من كتب الناس ومنها أي ومن أمثلة المتواتر لفظا حديث تقتلك يا عمار الفئة الباغية قال الذهبي في النبلاء إنه متواتر وغير ذلك مما يكثر تعداده هذا لا يتم إلا في المتواتر المعنوي كما عرفت وتعرف صحته صحة دعوى التواتر فيما ذكر م البحث عن طرق هذه الأحاديث والله أعلم وقد يحصل التواتر لبحاث دون باحث لأن المدار على كثرة الإطلاع وليس الناس يفه سواء
412 مسألة في بيان غريب الحديث
غريب الحديث ألفاظ الحديث هذا خلاف الغريب الماضي ذكره قريبا(2/259)
413 فذاك يرجع إلى الإنفراد من جهة الرواية وأما هنا فهو ما يخفى من ألفاظ المتون ولو كانت متواترة ولذا أضافه المصنف إلى الألفاظ ووجه غرابته قلة استعماله بحيث يبعد فهمه ويحتاج إلى التفتيش عنه من كتب اللغة ولعله في عصره صلى الله عليه وسلم وحين تكلمه به ولم يكن غريبا إنما لما تطاولت الأزمنة واختلطت الألسنة صار غريبا ومن علوم الحديث معرفة غريب ألفاظه إذ لا يتم فهم معناه حتى يعرف ويبحث عنه وقد صنف فيه جماعة من الأئمة ذكرهم ابن الأثير في خطبة النهاية ومن أحسن ما صنف فيه كتاب النهاية لأبي السعاداتالمبارك بن محمد بن الأثير الجزري واختلفوا في أول من صنف فيه فقال الحاكم في علوم الحديث أول من صنف الغريب في الأسلام النضر بن شميل ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه الكبير وقيل غير ذلك وعد زين الدين أئمة ألفوا في ذلك ثم قال زين الدين وبلغني أن الإمام صفي لادين محمود بن محمد الأرموي ذيل ذيلا لم أره وبلغني أنه كتبه حواشي على أصل النهاية فقط وأن الناس أفردوه قال زينالدين وكنت كتبت على نسخة كانت عندي من النهاية حواشي كثيرة وأرجو أن أجمعها وأذيل عليه بذيل كبير أن شاء الله تعالى قلت وقد اختصر السيوطي النهاية في كتاب سماه الدر النثير مختصر نهاية ابن الأثير وقال إنه زاد على ما فيها زيادات كثيرة وقد وصى زين الدين في العناية بالغريب ومعرفته وذكر ما وقع من التصحيف بسبب عدم العناية به أو تقليد من لا يقلد فيه
414 مسألة في بيان المسلسل
المسلسل هو لغة إيصال الشيء بالشيء ومنه سلسلة الحديد وهو من صفات الإسناد المسلسل الذي توارد رجاله أي الإسناد على صفة
415 واحدة سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد أو حال واحد سواء كان ذلك يرجع إلى صفة الإسناد مثل أن تكون صفة أدائه ومتعلقاته من الرواية أو من المكان وسواء كانت أحوال الرواة أو صفاتهم أقوالا أو أفعالا ومتسلسلة بحدثنا(2/260)
416 أو أخبرنا أو سمعت وقد كثرت الأمثال وفي ذلك وعد زين الدين أمثلة كثيرة للأنواع المذكورة وقد ألفت فيها كتب وهي شيء ليس له دخل في صحة الحديث ولا ضعفه ولا حكم من أحكامه فلا نطيل بذكرها وعند الحاكم أن المسلسل إنما هو بما يدل على اتصال السماع وإن اختلفت الصيغ مثل سمعت وحدثنا ونحو ذلك وتكون فائدته معرفة كون الحديث متصلا وكذا إذا تسلسل بصفة تعلق بالرواة مثل أن يكونوا مدنيين أي من المدينة النبوية كلهم أو فقهاء كلهم أو نحو ذلك وأمثلته كثيرة
مسألة في بيان الناسخ والمنسوخ
الناسخ والمنسوخ النسخ عبارة عن رفع الشارع حكما من أحكامه سابق بحكم من أحكامه لا حق ومن أجل علوم الحديث معرفة الناسخ والمنسوخ وقد صنف فيه غير
418 واحد من الحفاظ من أحسن كتبه كتاب الإعتبار للحازمي بالحاء المهملة فزاي بعد الألف نسبة على جده حازم الهمذاني فإنه محمد بن يونس بن عثمان بن حازم ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمع من الأئمة الكبار وكان حجة ثقة نبيلا زاهذا عابد ورعا لازم الخلوة والتصنيف وبث العلم وله كتاب الناسخ والمنسوخ وله عجالة المبتدي في الأسباب والمختلف والمؤتلف في أسماء البلدان ذكره لاذهبي وأثنى عليه واعلم أنه يعرف الننسخ بأمور الأول نص الشارع عيه كقوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيادة القبول فزوروها وقوله كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدالكم والثاني أن ينص عليه صحابي كقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وهكذا قول الصحابي هذا متأخر لا إذا قال هذا ناسخ قالوا الجواب أنه قاله اجتهادا وقال أهل الحديث يثبت به النسخ قال زين الدين والذي قالوه أوضح وأشهر والنسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي وإنما يصار إليه عند معرفة التاريخ(2/261)
419 والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير معرفة تاريخ تأخر الناسخ عنه الثالث معرفةالتاريخ الواقعتين كحديث أفطر الحاجم والمحجوم له في بعض طرقه أنه قال ذلك زمن الفتح وذلك سنة ثمان والرابع أن يجمع على العمل به كحديث من شرب خمرا فاجلدوه ثم قال في الرابعة فاقتلوه قال النووي إنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه قاله في شرح مسلم وتعقب بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به وقال به ابن حزم
مسألة في بيان التصحيف
التصحيف هتو تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها معرفة التصحيف أمر مهم وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ منهم أبو الحسن
421 الدار قطني وصنف فيه أبو محمد العسكري بفتح العين والسين الساكنة المهملتين وفتح الكاف وبعدها راء هذه النسبة إلى عدة مواضع وأشهرها عسكر مكرم وهي مدينة من كور الأهواز وأبو أحمد المذكور من هذه المدينة واسمه الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري أحد الأئمة في الأدب والحفظ وهو صاحب أخبار ونوادر ورواية متسعة وله التصانيف المفيدة منها كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعى وغير ذلك وكانت ولادته يوم الخميس لست عشرة خلت من شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة رحمه الله تعالى وأخذ عن أبي بكر بن دريد انتهى(2/262)
422 من تاريخ ابن خلكان باختصار كثير كتابه المشهور في ذلك وهو أي التصحيف ينقسم إلى تصحيف البصر وهو الأكثر وإلى تصحيف السمع وإلى تصحيف المتن مثاله ما ذكره الدار قطني أن أبا بكر الصولي أملى في الجماع حديث أبي أيوب مرفوعا من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال بالشين المعجمة والياء المثناة من تحت وكقول وكيع في حديث معاوية لعن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم الذين يشفقون الخطب بالحاء المهملة وإنما هو بضم المعجمة وروى أن ابن شاهين صحفة كذلك وهو بجامع المنصور فقال بعض الفلاحين كيف نعمل والحاجة ماسة يشير إلى أن ذلك م حرفته وصحف بعضهم حديث يا أبا عمير ما فعل النغير إلى ما فعل البعير فروى عمير بفتح المهملة وهو بضمها مصغر وبموحدة فمهملة ووإنما هو بالنون فمعجمة وهذا النوع واسع جدا ويقع التصحيف أيضا في الإسناد مثاله ما روى عن محمد بن جرير أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من بني سليم وفيه عتبة بن البدر بالموحودة والذال المعجمة وإنما هو بالنون مضمومة والدال المهملة وإلى تصحيف اللفظ كما مثلناه وهو الأكثر وإلى تصحيف المعنى كما رواه الدار قطني أن أبا موسى العنزي قال يوما نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم وإنما العنزة هنا الحربة تنصب بين يديه وأعجب مارواه الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال ما حلقت رأسي قبل أربعين سنة فهم منه تحليق الرأس وإنما المراد تحليق الناس حلقا كما ذلك مبين في موضعه
423 مسألة في مختلف الحديث
مختلف الحديث أي اختلاف مدلوله ظاهرا وهو من أهم الأنواع يضطر إليه جميع الطوائف من العلماء قال السخاوي هذا فن تكلم فيه الإئمة(2/263)
426 الجامعون بين الفقه والحديث وقواعده مقرره في أصول الفقه وأول من تكلم فيه الشافعية وكان إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة من أحسن الناس كلاما فيه ومن أبوابه في أصول الفقهاء باب الترجيح وكثير منه يدور على معرفة العموم والخصوص مثل قوله صلى الله عليه وسلم في العموم فيما سقت السماء العشر أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفيه زيادة فهذا عام لكل كثير وقليل سقى بماء السماء مع قوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أو سق صدق أخرجه أحمد والشيخان وأهل السنن فالحديثان ظاهران في الأختلاف والجمع بينهما تقديم الخاص في العمل على العام ونحو ذلك وأمثلته مذكورة في شروح الحديث وفي غيرها وقد ألف فيه أبو جعفر الطحاوي مشكل الآثار وهو من أنفس كتبه قلت وألف معاني الآثار وفيها من هذا شيء كثير
مسألة في معرفة الصحابة
من علوم الحديث معرفة الصحابة ومن أنواع علوم الحديث معرفة
433 الصحابة رضي الله عنهم بأسمائهم وأحوالهم قال أبو عمر بن عبن البر في الاستيعاب ولا خلاف علمته بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوكذ علم الخاصة وأرفع علم الخير وبه ساد أهل السير وما أهل دين من الأديان إلا وعلماؤهم يعتنون بمعرفة أصحاب أنبيائهم لأنهم الواسطة بينهم وبين نبيهم انتهى ومعرفة الصحابة فن جليل وفائدته التمييز للرسل والحكم لهم بالعدالة ونحو ذلك ومعرفة طبقاتهم وهي اثنتا عشر طبقة الأولى من تقدم إسلامه بمكة الثانية أصحاب دار الندوة الثالثة المهاجرة على الحبشة الرابعة بيعة العقبة الأولى الخامسة بيعة العقبة الثانية السادسة المهاجرين الذين وصلوا إليه صلى الله عليه وسلم بقباء قبل دخوله المدينة(2/264)
434 السابعة أهل بدر لاثامنة المهاجرين بين البدر والحديبية التاسعة أهل بيعة الرضوان العاشرة المهاجرون بين الحديبية وفتح مكة الحادية عشرة مسلمة الفتح الثانية عشرة صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الواداع وغيرهما وقد صنف في ذلك أي معرفة لاصحابة غير واحد من الحفاظ قال الحافظ ابن حجر إن البخاري أول من صنف في ذلك فيما علم وصنف شيخه علي بن المديني في ذلك كابن حبان وابن مندة وابن عبد البر ألف الإستعاب قال النووي إنه من أحسنها وأكثرها فوائد لولا ما شابه بما شجر بين الصحابة وحكايته عن الإخباريين قال السخاوي واختصر محمد بن يعقوب الخليلي الإستيعاب وسماه إعلام الإصابة بأعلام الصحابة وألف أبو الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير أخو أبي السعادات صاحب النهاية في الغريب كتابا حافلا سماه أسد الغابة جمع فيه عدة من الكتب السابقة في هذا الفن وعليه المعول لمن جاء بعده حتى اختصره كل من النووي والكاشغري و جاء الحافظ الذهبي فاقتصر على تجريده وزاد زين الدين عليه عدة أسماء وغيرهم وقد عد السخاوي أنه ممن ألف في الصحابة ثم قال إنه يعسر حصرهم ثم قال وقد انتدب شيخنا يريد الحافظ ابن حجر لجمع ما تفرق من ذلك واتنصب لفتح المغلق منه على السالك مع تحقيق لغوامض وتوفيق بين ما هو بحسب الظاهر كالمتناقض وزيادات جمة وفوائد مهمة في كتاب سماه الإصابة جعل كل حرف منه غالبا على أربعة أقسام ثم سرد بقية الأقسام وقال أنه مات ولم يأت بالمهمات ومن مهمات هذا الباب أي باب معرفة الصحابة القول بعدالة الصحابة كلهم في الظاهر واعلم أنه استدل الحافظ ابن حجر في أول كتابه الإصابة على عدالة جملة الصحابة فقال الفصل الثالث في بيان معرفة حال الصاحبة من العدالة اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ(2/265)
435 من المبتدعة وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك فقال عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس وقوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا وقوله لقد رضي الله عن المؤمنين إذيبا يعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم وقوله والسابقون الأولون إلى آخر الآية وقوله يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وقوله للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم إلى قوله إنك رؤف رحيم إلى آيات كثيرة وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق علىأنه لو لم يرد من الله ورسوله شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الأسلام وبذل المهج والأوموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان اليقين لقطع بتعديلهم والإعتقاد لنزاهتهم وأنهم أعدل من جميع المخالفون بعدهم الذين يجيثون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله الأحاديث الوارده في تفصيل الصحابة كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله ابن المفضل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي ولا نتحذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فيبغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذاني الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه وقال أبو محمد بن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال الله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل إلى قوله وكلا وعد الله الحسنى وقال إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة قال المازري متعقبا فإن قيل التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة يخرج من لم يتصف(2/266)
بذلك
436 وهي أصرح آية في المقصود ولهذا قال المازري لسنا نعنى بقولنا الصحابة عدول كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه لأمر ما اجتمع به لغرض وانصرف وإنما نعني بهم الذي لا زموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون انتهى والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة كلام الحافظ في أوائل كتابه الإصابة قلت ولا يخفى ضعف الجواب على كلام المازري وأن كلامه هو الأوضح الجاري على الحقيقة وابن حجر حمل الآية على المجاز وهو زحلقة لها عما سيقت له من بيان التفرقة بين من أنفق وقاتل بالفعل وبين من لم ينفق ولم يقاتل وابن حجر جعل الأمرين على سواء ثم حديث خلوا أصحابي ونحوه يرد هذا التأويل ردا صريحا ويأتي للمصنف الاستدلال على عدالة مجهول الصحابة غلا من قام الدليل علىأنه فاسق تصريح ولما كان هذا الإستثناء منكرا لأن أهل الحديث يطلقون القول بعدالتهم من غير استثناء قال المصنف ولا بد من هذا الإستثناء على جميع المذاهب وأهل الحديث وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم عند الإجمال فإنهم يستثنون من هذه صفته عند تفاصيلهم لإفراد الصحابة وإنما لم يذكروه في مقام الإجمال لندورة فنزلوا النادر منزلة العدم فإنهم قدبينوا ذلك الإستثناء في كتب معرفة الصحابة ولما كان قد يستبعد أهم فعلوا ذلك قال وقد فعلوا مثل هذا أي الإطلاق مع إرادة خلافة في قولهم إن المراسيل لا تقبل على الإطلاق من غير استثناء مع أنهم يقبلون مراسيل الصحابة وبعضهم يقبل ما علقه البخاري بصيغة الجزم وهو مرسل ويقبل البعض منهم ما حكم بعض الحفاظ بصحة إسناده وإن لم يبين إسناده ونحو ذلك من المسائل وقد زاد المصنف هذه الدعوى بيانا بقوله وأنا أنقل(2/267)
437 أي من كتبهم نصوصهم على ذلك لتعرف صحة ما ذكرته من الإجماع على صحة هذا الإستثناء فممن ذكروه بالفسق الصريح الوليد بن عقبة ابن أبي معيط من بني عبد شمس بن عبد مناف كان الوليد أخا لعثمان بن عفان من قبل أمه أسلم عام الفتح قال ابن عبد البر وأظنه يومئذ قد ناهز الإحتلام قال ابن عبد البر وولاه عثمان بن عفان الكوفة وعزل عنها سعد ابن أبي وقاص فلما قدم الوليد على سعد قال سعد والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك قال لا تجز عن أبا إسحاق إنما هو الملك يتغداه قوم ويتعاشه آخرون قال سعد أراكم والله ستجعلونها ملكا انتهى فإنه ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه شرب الخمر وقامت عليه البينة وأمر عثمان بحده وحده على شربها قال ابن عبد البر في الإستيعاب أخباره في شرحه الخمر كثيرة مشهورة ونذكر منها طرفا ذكر عمر ابن شبة حدثنا هرون بن معروف حدثنا ضمرة بن ربيعةعن ابن شوذب قال صلى الوليد بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ثم إلتفت فقال أزيدكم فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مازلنا معك في زيادة منذ اليوم ثم ساق بسنده أنه قال الخطيئة في القصة شهد الحطيئة يوم يلقي ربه أن الوليد أحق بالعذر نادي وقد تمت صلاتهم أأزيدكم سكرا ولم يدر فأبوا أبا وهب ولو أذنوا لجمعت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو تركوا عنانك لم تزل تجري وذكروا له شعرا غير هذا في ذلك قال ابن عبد البر وقوله أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقله الحديث والأخبار قال وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه أنه شرب الخمر وأنه صلى بهم الفجر أربعا فقال عثمان لعلي عليه السلام أقم(2/268)
438 الحد عليه فقال علي عليه السلام لابن أخيه عبد الله بن جعفر أقم عليه الحد فأخذ السوط فجلده وعثمان يعد حتى بلغ أربعين وذكره بشرب الخمر الذهبي وابن عبد البر وغيرها قال ابن عبد البر في الإستيعاب له أخبار فيها نكارة وشناعة نقطع على سوء حاله وقبح فعاله وحكى ابن عبد البر في الإستيعاب عن أبي عبيدة الأصمعي وابن الكلبي وغيرههم أنهم كانوا يقولون إنه كان فاسقا يشرب الخمر قال ابو عمر وأخباره في شره الخبر ومنادته أهلها مشورة يسمج بنا ذكرها كأنه يريد استيعابها وإلا فقد سمعت ما ذكره منها وقال أحمد ابن حنبل في الحديث الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسه ولم يدع له إن الوليد متع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسابق علمه فيه هذا كلام إمام أهل الحديث والسنة قلت يشير المصنف إلى ما قاله ابن عبدالبر فيما رواه من طريق جعفر بن برقان عن ثابت عن أبي موسى الهمذاني ويقال الهمذاني كذلك ذكره البخاري على الشك عن الوليد بن عقبة أنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤسهم ويدعو لهم بالبركة فأتى بي إليه وأنا متضمخ بالخلوق فلم يمسح على رأسي من أجل الخلوق لكنه قال ابن عبد البر قالوا وأبو موسى هذا مجهول والحديث منكر مضطرب لا يصح ولا يمكن أن يكون من يبعث مصدقا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا يوم الفتح انتهى قلت يعني أنه ثبت بلا بردد أنه صلى الله عليه وسلم بعث الوليد لأخذ صدقات بني المصطلق وعاد يزعم أنهم ارتدوا وأنزل الله إن جاءكم فاسق بنبأ الآية فيكف يكون صبيا سنة ثمان وهو عام الفتح وذكر ابن عبد البر غير هذا مما يدل على فساد الخبر وما كان يحسن من المصنف عدم الإشارة على ذلك وإيهام صحته وذكر الذهبي في النبلاء وابن عبد البر في الإستيعاب وغيرهما أنه سكر صلى بأصحابه الفجر أربعا ثم التفت إليهم وقال أزيدكم تقدمت(2/269)
439 القصة قريبا وذكر الذهبي أنه أي الوليد قال لعلي عليه السلام أنا أحد منك ستانا وأذرب بالذال المعجمة فراء فموحدة حدة اللسان لسانا وأشجع جنانا فقال علي عليه السلام اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال الذهبي إسناده قوي وقال ابن عبد البر في كتابه الإستيعاب لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن هذه الآية نزلت في الوليد ظاهره أن المراد بالآية أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ولكن لفظ ابن عبد البر في الإستيعاب لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا نزلت في الوليد بن عقبة انتهى ثم ذكر من حديث الحكم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد ابن عقبة في قصة ذكرها أفمن كان مؤمنا كمن فاسقا لا يستوون انتهى فقوله لا خلاف بين أهل العلم في الآية الأولى نعم ليس في الدر المنثور في سبب نزول الآيتين رواية أنهما يف غير الوليد فهما فيه إتفاقا فإنها لو وردت رواية أنهما أو إحداهما نزلت في غيره لرواها فإنه متوسع في النقل لا أظن أحدا بلغ مبلغه في ذلك وذكر المصنف في العواصم كلام ابن عبد البر على الصواب فأصاب قلت ممن ذكر ذلك الواحدي في أسباب النزول والوسيط والقرطبي وصاحب عين المعاني وعبد الصمد الحنفي والرازي في تفاسيرهم لم يذكر أحد منهم سواه مع توسعهم في النقل فهذا أوضح دليل على ظهور الأمر عند أهل السنة في جرح الوليد وفسقه وقد اعترضهم بعض الشيعة كأنه يريد شيخه السيد علي بن محمد ابن أبي القاسم بتعديله أي بتعديلهم إياه زعم أنهم رووا حديثه في الصحاح ووهم على القوم في ذلك أي في الأمرين وهو تعديلهم إياه فإنه تقدم ذكرهم له بالفسق فأين التعديل وكونهم رووا حديثه في الصحاح فإنها إذا اطلقت(2/270)
440 أريد بها صحيح البخاري وصحيح مسلم ولم يخرجا له ولا رويا عنه وإنما روى له أبو داود وليس كتابه من الصحاح عندهم بل من السنن الأربع حديثا واحدا في كراهية الخلوق للرجال تقدم الحديث وما قيل فيه آنفا ولم يرو له إلا متابعة وقد عرفت أنهم يتساهلون في المتابعات بعد أن روى هذا المعنى وهو كراهية الخلوق من طرق كثيرة وقد ا ستوفاها المصنف في العواصم وحققها قدر الست بل هي ست كما في العواصم فيها طريق صحيحة عن أنس فإنه أخرجها مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي كما قاله المصنف في العواصم وبقيتها أي الطرق وهي خمس شواهد وقال ابن عبدالبر في ترجمة الوليد في الإستيعاب إنه لم يرو الوليد بن عقبة سنة يحتاج إليه فيها وممن ذكروه أئمة الحديث بالفسق بسر بضم الموحدة فسين مهملة ابن أبي أرطاة بفتح الهمزة فراء القرشي قال ابن عبدالبر يقال أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فبض وهو صغير هذا قول الواقدي وأحمد وابن معين وغيرهم قال في الإصابة عن الواقدي إنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين حكى ابن عبدالبر عن الدار قطني أنه قال كان له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم أجد هذا اللفظ عن الدار قطني في الإستيعاب إلا أن النسخة التي عندي منه لا تخلو عن الخطأ والغلط نعم لم أجد هذا في الإصابة للحافظ ابن حجر مع توسعه في النقل وإنما قال عن الدار قطني أنه لبسر صحبة فقط ولكني أظن أنه حذف قوله ولم تكن له استقامة لكونه يرى أنه لا يخاض فيما شجر بين الصحابة فإنه قال في ترجمته والفتن لا ينبغي التشاغل بها وله غلو في الصحبة حتى قال في مروان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه هذا لفظه في مقدمة فتح الباري وجزم في التقريب بأنها لم تثبت له صحبة وفي كلام الحافظ ما يدل على أنه إذا ثبت أن مروان وأن صحابي ولو بالرؤية فإنه لا يقدح فيه أي جرح وهو ينافي(2/271)
441 ما قاله المصنف من الإستثناء هو أي بسر الذي قتل طفلين لعبيد الله بن عباس وهما قتم وعبد الرحمن أن أباهما عبيد الله كان واليا لعلي عليه السلام على صنعاء فولى معاوية بسر بن أبي أرطأة اليمن وبعته إليها فهرب عبيد الله فدخل بسر صنعاء ووجد ابني عبيد الله فقتلهما قال ابن عبد البر فنال أمهما عائشة بنت عبد الله بن المدان من ذلك أمر عظيم فأنشأت تقول شعرا هامن أحس يا بني اللذين هما كالدرتين تصدي عنهما الصدف هامن أحس يا بني اللذين هما عقلي وسمعي فعقلي اليوم مختطف حدثت عشرا وما صدقت ما زعموا من قتلهم ومن الإثم الذي اقترفوا قال ثم وسومت وكانت تفق في المواسم تنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها انتهى كلام ابن عبد البر في الإستيعاب قال أبو عمر ابن عبد البر كان يحيى ابن معين يقول إنه أي بسرا رجل سوء قال أبو عمر ذكر ذلك لعائظم ارتكبها في الإسلام ثم حكى أنه أي بسرا أول من سبى المسلمات قال ابن عبدالبر وفي هذه الخرجة يرد خرجة بسر إلى اليمن أغار على همذان فقتل وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام ذكر ذلك كله في الإستيعاب قال فيه أن معاوية بعد التحكيم أرسل بن أبي أرطاة في جيش الشام حتى قدم المدينة وكان عامل عليه السلام فيها أبو أيوب الأنصاري ففر منه أبو أيوب ولحق بعلي عليه السلام ودخل بسر المدينة ثم صعد منبرها فقال أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس يعني عثمان ثم قال يا أهل المدينة لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت فيها مختلما إلا قتلته وهدم دورا بالمدينة وساق من أخباره شيئا كثيرا وليس لبسر في الصحيحين حديث وله في السنن أي سنن أبي دواد حديثان أحدهما في غير الأحكام بل هو في الدعاء وهو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا(2/272)
442 وعذاب الآخرة وفي الإصابة أنه أخرجه ابن حبان عن بسر ولم ينسبه لأبي داود والثاني في الأحكام وهو حديث لا تقطع الأيدي في المغازي هذا لفظ ابن عبد البر وفي الإصابة ما لفظه وفي سنن أبي داود بإسناد مصري قوي عن جنادة بن أبي أمية قال كنا مع بسر بن أيب أرطأة في البحر فأتى بسارق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقطع الأيدي في السفن انتهى وله أي لما روى عن بسر شواهد ذكرها التركماني وغيره فأعرف ذلك ولما ذكرهذا أبو عمر عرف أنه تحصيص عموم القول بعدالة الصحابة مع أنه في أول كتابه ذكر يفيد القول بعدالتهم أجمعين فأورد الحجة على جواز هذا التخصيص وروى في هذا الموضع وهو ترجمة بسر على فرض أنه صحابي حديث فأقول أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا لمن بدل بعدي لفظه في هذا الإستيعاب حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن حدثنا محمد بن يوسف حدثنا البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثني محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل ابن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليذادن عني أقوام أعرفهم ويقرفونني ثم بحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل قلت نعم قال فأني أشهد على أبي سعيد الخدري أني سمعته وهو يزيد فيها فأقول هؤلاء مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي انتهى وذكر ابن عبد البر أن في هذا أحاديث كثيرة وأنه تقصاها في كتاب التمهيد فإنه قال والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا قد نقصيتها في ذكر الحوض من كتاب التمهيد وقد ذكر شراح الحديث من أهل السنة في تأويل هذا الحديث أن جماعة ممن تطلق عليهم الصحبة ارتدوا عن الإسلام والردة(2/273)
443 أكبر المعاصي ومن جازت عليه الردة جازت عليه سائر الكبائر وإنما ذكرت هذا لأن بعض المتعصمين على أهل الحديث زعموا أنهم يقولون بعصمة الصحابة كلهم ويعدون كبائرهم صغائر هذا إشارة إلى ما قاله شيخه لاسيد علي بن محمد بن أبي القاسم فإنه قال في رسالته التي رد عليها المصنف بالعواصم ما لفظه إن المحدثين يذهبون إلى أن الصحابة لا تجوز عليهم الكبائر وأنهم إذا فعلوا المعصية الكبيرة عدوها صغيرة وقد أطال المصنف في الرد على ما قاله في الجزء الأول من العوصام وليس كذلك ولكن القوم ال يولعون بالسب لأحد من الصحابة وإن صح فسقه ولا يلهجون بذكر ذلك تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامثتالا لقوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا وعملا بما ورد من النهي عن اللعن ففيه أحاديث جمة منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء بلفظ أن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط على الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان كذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها وفيه عدة أحاديث وهم أي أئمة الحديث يعرفون فسق الفاسق وجرحه والنهي عن قبوله وهم يسوون في ذلك أي في الجرح بين المنحرفين عن علي عليه السلام وعن عمر وعن أبي بكر رضي الله عنهم فليس لهم عصبية تحملهم على خلاف هذا فإنهم كما يقدحون بالغوا في الرفض يقدحون بالنصب والرفض محبة علي وتقديمه على الصحابة وسب الشيخين والنصب بغض علي عليه السلام وتقديم غيره عليه كما صرح بهذا الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح الباري فالمنحرف عن علي عليه السلام هو الناصبي والمنحرف عن الشيخين هو الغالي في الرفض وقد سووا في الجرح بكل واحدة من الصفتين وقد حققناه في رسالتنا ثمرات النظر في علم(2/274)
445 من البدع والأمور المستنكرة ليس هذا موضع شرحها بذكر هذا بيان أن قصد الجميع من أهل السنة والشيعة في ترك المبالغه الأولى حذفها في ذكر المساوى والسب راجع إلى إحترام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتغاضي عن مساوى من فضل بصحبة أو قرابة لا أنه راجع إلى محبة أحد من أولئك العصاة أو المبتدعة لمعصيتهم فمحبة العاصي لخصلة خير فيه من عقيدة أوجهاد أو غير ذلك من خصال الخير قلت ولايخفي أنه يتم هذا العذر فيمن عدا الخمسة المذكورين آنفا فمحبة العاص لخصلة خير فيه جائزة عند الزيدية والإسلام أعظم خصال الخير فلا يقال إنهم أحبوا أولئك الخمسة مثلا لخصلة خير فيهم لإنه يلزم أن يحب كل مسلم لا سلامه وتخصيص خصلة الخير لا دليل عليه فما ذاك إلا أنهم أحبوهم احتراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ولا يعزب عنك أن الكلام في ذكر مساوى من له مساوى وسنة لا إلى محبته فهو غير محل النزاع وعند أهل السنة تجب كراهة معصية المسلم ولاتجب كراهيته واستدل لكون ذلك كلامهم بقوله الذهبى في الميزان في ترجمة عباد بن يعقوب أحد غلاة الشيعة قال في صدر ترجمته عباد بن يعقوب الأسدى الرواحى من غلاة الشيعةوروؤوس البدع ثم قال وكان يشتم عثمان رضى الله عنه ويقول الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة قاتلا عليا بعد أن بايعاه وساق في ذلك عجائب ثم قال روى الخطيب عن أبي المظفر الحافظ في الميزان الخطيب عن أبي نعيم عن أبي المظفر عن محمد بن جرير سمعت عباد يقول من لم يبرأ في صلاته كل يوم من أعداء آل محمد حشر معهم قال الذهي بعد نقله لها فقد عادى آل على آل العباس والطبقتان آل محمد قطعا فممن نبرأ هذا على ما يراه أهل السنة بل نستعفر للطائفتينونبرأ من عدوان المعتدين كما تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم مما صنع خالدلما أسرع في قتل نبى جذيمة(2/275)
446 كما هو معروف في السيرة النبوية فغنه قال صلى الله عليه وسلم لما بلغه فعل خالد اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ولم يتبرأ من خالد ومع ذلك فقال فيه خالد سيف سله الله على المشركين فالتبرؤ من ذنب سيغفر بمشيئة اله تعالى لا يلزم منه البراءة من الشخص انتهى كلام الذهبي وإنما أوردته ليعرف مذهبهم منه البراءة من الشخص اتنهى كلام الذهبى وإنما أوردته ليعرف مذهبهم ومرادهم فيه والله أعلم وقال الإمام أحمد بن عيسى عليه السلام في العواصم وقال محمد بن منصور الكوفي في كتابه المعروف بكتاب أحمد بن عيسى ما لفظه فإن جهل لولاية رجل فلم بتوله أى أمير المؤمنين لم تقطع بذلك عصمته وإن تبرأ من أمير الؤمنين وقد علم أى علم أحوال امير المؤمنين وفضائله ومزاياه وانقطعت منا ولايته أى موالاته منا وكان منا في حد براءة نقول براءة مما دان به وأنكر من فرض الولاية الواجبة لغلى عليه السلام وبين البراءة بانها براءة لاأن يخرج بها من حد الناكحة والموارثة وغير ذلك مما تجرى به أحكام المسلمين بينهم بعضهم في بعض على مثل من وافقنا في الولاية وإيجابها في الناكحة والموارثة غير أن هذا الموفق لنا في الولاية معتصم بما إعتصمنا به من الولاية ونحن من الآخر في حدو براءة من فعله وقوله على مثل هذه الجهة لاعلى مثل البراءة منا من أهل الشرك زاد في العواصم واليهود والنصارى والمجوس هذا وجه البراءة عندنا فيمن خالفناه وفيه أى كلام أحمد بن عيسى شبه كلام الذهبى حيث تبرأ من فعله وقوله لامنه والله أعلم ذكره صاحب الجامع الكافي في مذهب الزيدية آخر المجلد السادس منه قال الصنف بعد نقله في العواصم وبمعناه لايزيد على ما علم بالتواتر عن على عليه السلام أنه لم يسرفي أهل صفين والجمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين ولا حكم بسبي النساء والذدارى ولو كانو جحدوا ما يعلم من الدين ضرورة كان الواجب تكفييرهم عند جميع المسلمين فدل على أن فعلهم(2/276)
مما يدخله التأويل ونحوه نحو كلام أحمد بن غيسى ما ذكره القاضي حسن بن محمد النحوى في تذكرته
447 رواية عن زيد بن على عليه السلام في جواز الصلاة للجنازة على الفاسق هذا فيمن لم يحارب عليا عليه السلام من من الصحابة وأما المحاربون لأمير المؤمنين عليه السلام من أهل الجمل وصفين فإنهم أى أهل السنة لا يخالفون في قبح فعلهم ولافي أنهم بغاة فإنه نقل العامرى الإجماع من أهل السنة على بغي من حارب عليا عليه السلام فيما الفرق بينهم وبين الشيعة فإنهم لا يزيدون على اعتقاد بغي أولئك فأشار إلى الفرق بقوله ولكنهم أي أهل السنة يخالفون الشيعة بعد الإتفاق في الحكم بالبغي في ثلاثة أصول أحدها في أنهم أي محاربي علي عليه السلام متأولون في حربه غير مصرحين بالبغي ولاثاني أن مسألة الإمامة أي إمامة علي عليه السلام ظنية والشيعة يقولون إنها قطعية ولاثالث على تقدير أن إمامته عليه السلام فإنهم يقولون في ذلك إن المخالف في القطيعات غير آثم ولم تكن القطيعات التي حكموا بأن مخالفها غير آثم معلومة بالضرورة من الدين كوجوب الصلوات ونحوها فإن مخالفها آثم عندهم فهذه الثلاثة أصول الخلاف بينهم وبين الشيعة لكنه قدم المصنف الإجماع على قبول المتأولين من عشر طرق وأضعف أصولهم الثلاثة هذه الأصل الأول وهو أن البغاة عليه عليه السلام متأولون لاعترافهم أي أهل السنة بتواتر حديث عمار وأمثال ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم إنها تقتله الفئبة الباغية خرجه أهل الصحاح والسنن والمسانيد والتواريخ وجميع أهل البيت عليهم السلام وأهل الحديث والشيعة وحكم علماء الحديث بتواتره منهم الذهبي ذكره في النبلاء في ترجمة عمار وهو مذهب أئمة الفقهاء ومذهب أهل الحديث كما نقله عنهم العلامة القرطبي في آخر كتاب التذكرة في التعريف بأحوال الآخرة انتهى قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي إنه قد أخرج حديث عمار مسلم من حديث أبي قتادة وأم(2/277)
448 سلمة وأبي سعيد الخدري وأصل حديث أبي سعيد عند البخاري إلا أنه لم يذكر مقصود الترجمة كمانبه على ذلك الحميدي ووهم من زعم أنه ذكره انتهى قلت أي حديث تقتلك الفئة الباغية وإنما أخرج البخاري حديث ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ثم قال وقد أخرجه الإسماعيلي والبرقاني من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فذكرها قلت أي ذكر كل واحد من الإسماعيلي والبرقاني رواية تقتلك يا عمار وهما مستخرجان على البخاري ثم قال وأخرجه الترمذي من حديث خزيمة بن ثابت وهو عند أحمد الطبراني من حديث عمر وعثمان وعمارة وحذيفة وأبي أيوب وزياد بن الفرد وعمرو بن حزم ومعاوية وعبد الله بن عمرو وأبي رافع ومولاة لعمار بن ياسر وغيرهم وقال ابن عبد البر تواترت الأخبار بذلك وهو من أصح الحديث وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية ونقل ابن الجوزي عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد قلت وفي تخريج الزركشي على أحاديث الرافعي ذكر ألفاظ هؤلاء المخرجين للحديث وقيل عن أبي دحية أنه قال كيف يكون فيها اختلاف وقد رأينا معاوية نفسه حين لم يقدر علىإنكاره قال إنما قتله من أخرجه ولو كان حديثا فيه شك لرده وأنكره وقد أجاب علي رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حمزة حين أخرجه وهذا من على إلزام لا جواب عنه انتهىبلفظه قال الزركشي وقد صنف الحافظ بن عبد البر جزءا سماه الإستظهار في طريق حديث عمار وقال هذا الحديث من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب وأعلام نبوته وهو من أصح الأحاديث ثم قال الزركشي وهذا الحديث احتج به الرافعي لإطلاق العلماء بأن معاوية ومن معه كانوا باغين(2/278)
449 ولا خلاف أن عمار كان مع علي رضي الله عنه وقتله أصحاب معاوية وقال إمام الحرمين في الإرشاد وعلي كرم الله وجهه كان إماما حقا في ولايته ومقاتلوه كانوا بغاة ومقتضي حسن الظن بهم يقتضي أن نظن بهم قصد الخير وإن خطؤوه وقال الإستاذ عبد القاهر البغدادي أجمع فقهاء الحجاز والعراق ممن تكلم في الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من التكلمين أن عليا عليه السلام مصيب في قتاله لأهل صفين كما أصاب في قتاله أهل الجمل وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمين له لحديث عمار واجمعوا على ذلك ونقل العبادي في طبقاته قال محمد ابن إسحاق كل من نازع على بن طالب فهو باع على هذا عهدت مشايخنا وهو قول ابن إدريس يعني الشافعي انتهى بلفظه من تخريج الزركشي نعم أما ما نقله ابن حجر في تخريج الرافعى تلخيص الحبير من قوله ونقل ابن الجوزى عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد أنه قال قد روى هذا الحديث يريد حديث عمار من ثمانية وعشرين طريقا ليس فيها طريق صحيح وقال في البدر وجماعة من الحفاظ طعنوا في الحديث فقد قال المصنف رحمة الله تعقبا لما في التلخيص ما لفظه قلت والإسترواح إلى ذكر هذا الخلاف الساقط من غير بيان لبطلانه من مثل ابن حجر عصبية سناة إلى ذكر هذا الخلاف الساقط من غير بيان لبطلانه من مثل ابن حجر عصبية سنية فأما ابن الخوزى فلم يعرف هذا الشأن وقد ذكر الذهبي في ترجمة في التذكرة كثيرة خطائه في مصنفا وهو أجهل وأحقر من أن ينتهض لمعارضة أئمة الحديث وفرسانه وحفاظه كابن عبد البر والنخاري ومسلم والحميدي ثم ذكر المصتف من ذكرناه ممن أخرجه وما ذكرناه من إتفاقهم على تواتره قلت ولايخفي أن كلام المصنف في غير محله لأن ابن الجوزي ناقل عن(2/279)
450 غيره عن حكايه عن أحمد رواها التمريض فالحبوب على نقل ابن الجوزى أن يقال هذه الحكايه التى نقلها الخلاد وأظنه الخلال باللام مروية بصيغة التمريض فكيف يقدح بها في شيء فالراوية متواترة وقد نقلت نصوصهم وألفاظهم ثم نعارضه بما ذكره الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي فإنه قال الإمام أحمد جاء هذا يعني حديث عمار في غير حديث صحيح ورواه خلق كثير من الصحانة وكأنه يريد عمارا أحد أمراء على صفين وقوله في غير حديث صحيح أى بل في عدة كثيرة من الأحاديث الصحيحة وقال قال يعقوب بن لأبي شينة سمعت أحمد يقول في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكره أن يتكام في هذا أكثر من هذا فهذا نقل صحيح عن أحمد بكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة يفي هذا المعنى وقد أخرج أحمد نفسه في مسنده حديث خزيمة بن ثابت وهذه الحكاية التي نقلها ابن حجر عن ابن الجوزي لم ينقلها الزركشي مع توسعه في النقل أكثر منه ثم قال المصنف وأما الذهبي فإنه حقق صحة دعواه أي لتواتره بما أورد من الطرق الصحيحة الجمة والمنع من الصحة بغير حجة صنيع من لا علم له بل من لا عقل له ولا حياء سيما مع تخريج البخاري له ومسلم من طرق مختلفة مع هذه الشهرة والتواتر الذي في كتب خصوم علي وعمار في أمر التقديم والتفضيل قلت كان الأولى في العبارة أن يقول فقد أخرجه البخاري إلى آخره لأن الأصل عدم الصحة فمنعها طلب للتصحيح وجوابه أنه قد صححه من ذكر إلى آخره وقوله كتب خصوم علي وعمار لا يخلو عن تأمل فإنه إن أراد في تقديم الشيخين أي المشايخ عليا عليه السلام كما هو رأي من سماهم(2/280)
451 خصوما وهذا لايعرف فيه رأي علي ولا وعمار وإن أراد فيتقديم معاويةة وتفضيله فهذا لا يقوله أحد وكأنه بني ذلك على رأي الشيعة فيما يعتقدونه أن عليا عليه السلام وعمار يعتقدان تقدم علي وفضله عليها أو عليهم قال أي المصنف وأما تركت البخاري لأوله قادح لأن آخره أشد وعيدا من أوله ولعله إنماترك أوله تقية من المعتصبين فقد ثبت في ترجمته أنه امتحن وذكر ابن حجر أنه مات وكتابه مسودة لم تبيض ثم قال ويدل على تقية البخاري في شأن عمار أنه لم يذكر حديثه هذا في مناقبه في صحيحه وإنما أحتمال لذكره في مواضع لا ينتبه الطلبة فيها مثل باب مسح الغبار في كتاب الجهاد والتعاون في بناء المساجد في كتاب الصلاة وهما أنه ما أورده إلا للتعريف بهذه الأحكام المعلومة التي لا يهم محصل بإيثارها على معرفة الحق من الباطل في فتنة أهل الإسلام انتهى كلام المصنف على هوامش التلخييص ثم ذكر ما ذكرناه عن يعقوب بن أبي شيبة قلت البخاري أخرج في باب بناء المساجد بسنده إلى عكرمة قال قال لي ابن عباس ولابنه علىانطلقا على أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أني على بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه فقال يح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال فقال عمار أعوذ بالله من الفتن انتهى لفظ البخاري واعلم أن المصنف اعتذر للبخاري بما ذكره في عدم إخراجه أول الحديث وأما لاحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال في الإعتذار للبخاري عن عدم إخراجه ما لفظه واعلم أن هذه الزيادة يريد ما قاله قبيل هذا ويح عمار تقتله الفئة الباغية إلخ لم يذكرها الحميدي في الجمع وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا وكذا قال أبو مسعود قال الحميدي ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها(2/281)
452 قال ابن حجر قلتيظهر في أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكته خفية وهي أن أبا سعيد اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي ثبتت فيها ليست على شرط البخاري وقد أخرجها البزار من طريق هند بن أبي داود عن أبي بصرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية انتهى وابن سمية عمار وسمية أمه ثم قال وقد بين أبو سعيد من حدثه بذلك ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الإطلاع على علل الأحاديث انتهى من فتح الباري قلت العجب من الحافظ ابن حجر في قوله إنه حذفها البخاري بعد سماع أبي سعيد لها من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله حدثني أصحابي وقوله حدثني من هو خير مني أبو قتادة ولا يعلم أنهم يعلون حديثا بكونه لم يشافه النبي صلى الله عليه ولم به الصحابي الذي رواه أو بكون راويه سمعه من صحابي آخر يزكيه ويفضله على نفسه فقوله إن حذفها دال على تبحر البخاري في الإطلاع على علل الأحاديث أعجب فأي علة أبداها ويلزم على جعل هذه علة أن جميع رواية ابن نعباس كلها معلولة لتصريحهم بأنه لا يبلغ ما سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة عشرين حديثا وكذلك غيره من صغار الصحابة إذا عرفت هذ فعذر المصنف للبخاري أرفع من عذر ابن حجر ولابن حجر في شرح الحديث في فتح الباري كلام تمجه الأسماع عند من له تحقيق وإطلاع وقد بينا ما فيه في حواشيه وروايته عن أحمد صحة الحديث وأمثال ذلك(2/282)
453 وليس هذا موضع بسط حجج الفريقين وبالجملة ليس لأولئك المختلف فيهم من بغاة الصحابة بين الشيعة وأهل الحديث سنة انفردوا بها رواية مما فيه تحليل وتحريم يريد أنه ليس لمعاوية وعمرو بن العاص وغيرهما حديث فيه حكم شرعي انفردوا بروايته وقد استقصيت أحاديثهم وشواهدها في كتاب الروض الباسم وفي كتاب العواصم والقواصم في نصرة سنة أبي القاسم عد في الكاتبين الأحاديث التي في الأمهات الست من رواية معاوية وهي ثلاثون حديثا وعد ما لعمرو بن العاصص يفها من الأحاديث فبلغت عشرة أحاديث ثم ما للمغيرة بن شعبة فيها فعدها ثلاثة وعشرين حديثا وقد رأيت تمام الإفادة بنقل كلامه من الروض الباسم باختصار غير مخل قال فهؤلاء الثلاثة أذكر هنا ما يدل على صحة حدثهم وأقتصر على ما يتعلق بالأحكام من ذلك اختصارا وذلك يتم بذكر ما لهم من الأحاديث المتعلقة بالأحكام وما لأحاديثهم من الأحاديث المروية عنه عليه الصلاة والسلام ونشير إلى ذلك على أقل ما يكون من الأختصار المفيد إن شاء الله تعالى فنقول المروي في الكتب الستة من طريق معاوية في الأحكام ثلاثون حديثا قلت إنما قال في الأحكام لأنه ذكر النووي في تهذيب الأسماء أنه روى له مائة حديث وسنة وثلاثون حديثا قال المصنف الأول حديث تحريم الوصل في شعور النساء رواه عنه الشيخان وغيرهما ويشهد لصحة ذلك رواية اسماء وعائشة وجابر أما حديث أسماء فأخرجه الشيخان والنسائي وكذلك حديث عائشة خرجه من ذكره وحديث جابر خرجه مسلم الثاني حديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق أخرجه الشيخان ورواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص وأخرجه أبو داود والترمذي عن ثوبان ورواه الترمذي عن معاوية بن قرة وأبو داود عن عمران بن حصين(2/283)
454 الثالث حديث النهي عن الركعتين بعد العصر رواه البخاري وقد رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أم سلمة الرابع حديث الإلحاف في المسألة رواه عنه مسلم ورواه الشيخان والنسائي عن عبد الله بن عمر وأبو داود ولاترمذي والنسائي عن سمرة بن جندب ولانسائي عن عائد بن عمرو ولاشيخان ومالك في الموطأ والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وروى عن غيرهم الخامس إن هذا الأمر لا يزال في قريش رواه عنه البخاري ورواه عنه الشيخان عن عبد الله بن عمر والشيخان عن أبي هريرة السادس حديث جلد شارب الخمر وقتله في الرابعة رواه عنه أبو داود والترمذي فأما جلده فمعلوم من الدين ضرورة والأحاديث يفه كثيرة وأما قتله في الرابعة فرواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ورواه أبو داود عن قبيصة ابن ذؤيب وعن نفر من الصحابة السابع حديث النهي عن لباس الحرير وجلود السباع رواه عنه أبو داود والترمذي والسنائي فأما شواهد تحريم لباس الذهب والحرير فأشهر من أن تذكر وأما جاود اليباع فله شاهد عن أبي المليح أخرجه أبو داود والترميذي والنسأئي الثامن حديث إفتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة رواه عنه أبو داود وروى الترمذي مثله عن أبي عمرو ورويا مثله أيضا عن أبي هريرة التاسع النهى عن سبق الإمام بالركوع والسجود رواه عنه أبو داود وقد رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ومالك في الموطأ عنه أيضا ومسلم والنسائى عن أنس العاشر النهى عن الشغار رواه عنه أبو داود وقد رواه الشيخان عن ابن وهو مشهور عن غير واحد من الصحابة الحادي عشر أنه تؤضأ كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود(2/284)
455 وليس فيه ما يحتاج إلى شاهد إلا زيادة صب الماء على الناصية والوجه وقد رواه أبو داود عن على عليه السلام الثاني عشر النهى النوح رواه عنه ابن ماجه وهو أشهر من أن يحتاج إلى شاهد الثالث عشر النهى عن الرضا بالقيام رواه عنه الترمذي وأبو داود وله شواهد في الترمذي عن أنس وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة وغيرها الرابع عشر النهى عن التادح رواه عنه ابن ماجه وقد رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة وعن أبي بكرة والشيخان عن أبي موسى ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن سحرة والترمذى عن أبي هريرة الخامس عشر تحريم كل مسكر رواه عنه ابن ماجه ورواه الجماعة إلا ابن ماجهعن ابن عمر ومسلم والنسائي عن جابر وأبو داود عن ابن عباس والنسائي عنه أيضا السادس عشر كحم من سها في الصلاة رواه النسائي وله شواهد في سنن أبي داود عن ثوبان السابع عشر النهى عن القران بين الحج والعمرة رواه عنه أبو داود وله شاهد عن ابن عمر ورواه مالك في الموطأ مرفوعا وعن عمر وعثمان ورواه مسلم موقوفا عليهما الثامن عشر أنه قصر للنبي صلى الله عليه وسلم بمشقص بعد عمر ته وبعد حجه رواه عنه الشيخان وأبو داود والنسائي وله شواهد عن على عليه السلام أخرجه مسام وعن عثمان أخرجه مسلم أيضا وعن سعد بن وقاص رواه مالك في الموطأ والنسائي والترمذى وصححه ورواه النسائى عن ابن عباس عن عمر والترمذى عن ابن عمر والشييخان عن عمران بن حصين ورواه الترمذي والنسائي عن ابن عباس أن معاوية لما روى هذا الحديث قال ابن عباس هذه(2/285)
456 على معاوية لأنه يهنى عن المتعة التاسع عشر ما روى عن أخته أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليفي الثوب الذي يجمامعها فيه مالم ير فيه أذى رواه أو داود والنسائي وتشهد لمعناه أحاديث كثيرة منها أنه صلى الله عليه وسلم كان صلى في نعليه ما لم ير فيهما أذى أخرجه الشيخان عن سعيد بن زيد ورواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري ويشهد له فلا ينصرفن حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا وهو متفق علي صحته إلى أشباه لذلك كثيرة تدل على جواز الإستصحاب للحكم المتقدم الموفي عشرين نهى من أكل الثوم والبصل عن دخول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من روايته عن أبيه وله شواهد كثيرة فروى الشيخان ومالك عن جابر بن عبد الله والشيخان عن أنس ومسلم ومالك عن جابر بن عبد الله والشيخان عن أنس ومسلم ومالك عن أبي هريرة وأبو داود عن حذيفة والمغيرة والشيخان وأبو داود عن ابن عمر والسنائي عن عمر وأبو داود عن أبي سعيد الحادي والعشرون حديث هذا يوم عاشوراء لم يكتب عليكم صومه رواه عنه الشيخان ومالك والنسائي وقد روى الشيخان عن ابن عباس ما يشهد لصحة معناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشار إليه بعد سؤاله عن سبب صوم اليهود فأنا أحق بموسى وقوله صلى الله عليه وسلم فيمن يصومه تعظيما له الثاني والعشرون حديث لا تنقطع الهجرة رواه عنه أبو داود ولم يصح عنه قال الخطابي في إسناده مقال وله شاهد رواه النسائي عن عبد الله ابن السعدي الثالث والعشرون حديث النهي عن لبس الذهب إلا مقطعا رواه عنه أبو داود وله شاهد عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي(2/286)
457 الرابع والعشرون النهي عن الغلوطات أخرجه عنه أبو داود قال الخطابي لم يصح عنه في إسناده وقد روى في جامع الأصول له شاهد عن أبي هريرة وفي البخاري عن أنس نهينا عن التكلف وهو يشهد لمعناه الخامس والعشرون حديث الفصل بين الجمعة والناقلة بعدها بالكلام أو الخروج وراه عنه مسلم وله شاهد عند الشيخين عن ابن عمر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السادس والعشرون فضل حب الأنصار رواه عنه النسائي وفضلهم مشهور بل قرآني معلوم السابع والعشرون حديث كل ذنب عسى الله يغفره غلا الشرك وقتل المؤمن رواه عنه النسائي وله شاهد عن أبي الدرداء رواه أبو داود وله شاهد في كتاب الله تعالى الثامن والعشرون اشفعوا تؤجروا أخرجه أبو داود وهو حديث معروف أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى وفي القرآن ما يشهد لمعناه وهو مجمع على مقتضاه التاسع والعشرون كراهية تتبع عورات الناس أخرجه أبو داود وله شاهد في الترمذي عن ابن عمر وحسنه وفي سنن أبي داود عن بريدة الأسلمي وعقبة بن عامر وزيد بن وهب وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة الموفي الثلاثين حديثا حديث من يرد الله به خيرا يفقه في الدين رواه عنه البخاري وله شاهدان عن ابن عباس وأبي هريرة ذكرهما الترمذي وصحح حديث ابن عباس فهذه عامة أحاديث معاوية التي هي صريحة في الأحكام أو يؤخذ منها حكم وهي موافقة لمذاهب الشيعة والفقهاء وليس فيها مالا يذهب إليه جماهير العلماء إلا قتل شراب الخمر في الرابعة لأجل النسخ وقد رواه الهادي إلى الحق يحيى(2/287)
458 ابن الحسين عليه السلام فأعجب لمن شنع على أهل الصحاح برواية هذه الأحاديث وإدخالها في الصحيح قال المصنف وله أحاديث غير هذه نشير إليها إشارة تركناها وشواهدها اختصارا وذلك حديثه في فضل المؤذنين وفضل إجابة الأذان وفضل حلق الذكر وفضل ليلة القدر ليلة سابع وعشرين وفضل حب الأنصار قلت تقدم وفضل طلحة وتاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وحديث اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت وقد رواه مسلم عن علي عليه السلام وحديث الخير عادة والشر لحاجة ولم يبق في الدينا إلا بلاء وفتنة وإنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله أعلاه وفيمن نزلت إن الذين يكنزون الذهب والفضة وأثران موقوفان عليه في ذكر كعب الأحبار وفي تقبيل الأركان فهذه جملة ما له في جميع دواوين الإسلام لا يشذ عن ذلك شيء إلا ما لا يعصم عنه البشر من السهو وليس في حديثه ما ينكر قط وفيها ما لا يصح عنه وما في صحته عن خلاف وجملة ما اتفق على صحته عنه في الأحكام ثلاثة عشر حديثا اتفق الشيخان فيها على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة ثم قال المصنف وأما حديث عمرو بن العاص فله في الأحكام عشرة أحاديث الأول في النهي عن صيام أيام التشريق رواه عنه أبو داود وله شواهد فرواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عقبة بن عامر ومسلم عن نبيشة الهذلي ومسلم ومالك عن عبد الله بن حذافة والبخاري عن ابن عمر وعائشة بلفظ لم يرخص في صومها إلا لمن لم يجد الهدى الثاني التكبير في صلاة الفطر سبعا في الأولى وخمسا في الثانية رواه عنه أبو داود وقد رواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة والترمذي عن عمر وابن عوف عن أبيه عن جده وقال ابن النحوي في الباب أحاديث كثيرة(2/288)
459 الثالث حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسة عشر سجدة في القرآن ثلاث في المفصل وفي صورة الحج سجدتان رواه عنه أبو داود وابن ماجه وهذا الحديث لم يصح عن عمرو قاله ابن النحوى وعزاه إلى ابن القطان وابن الجوزى ثم ساق المصنف له شواهد لاجابة هنا إلى ذكرها بعد قوله لم يصح عنه الرابع حديث تقرير صلى الله عليه وسلم لعمرو على التيمم حين إحتج أنه يخاف على نفسه الموت من شدة البرد وهو قوله تعلى ولاتقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما وله على ذلك وهو الإجماع أول وما أخرجه أبو داود عن ابن عباس ثانيا الخامس حديث إذا إجتهد الحاكم فأصاب فله أجران الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما وقد رواه الترمذى عن أبي هريرة السادس حديثه في الحث على السحور لكونه فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب رواه عنه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه وقد وردت في الحث على ذلك أحاديث فروى الشيخان وغيرهما عن أنس وأبو داود عن أبي هريرة وفيه عن جماعة من الصحابة عند أهل السنن السابع حديث أن الني صلى الله عليه وسلم نهى أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن رواه عنه الترمذي وحسنه ولد شاهد عن عمرو بن الأحوص رواه عنه الترمذى وصححه وله شواهد أخر الثامن حديث في تكفير الإسلام والحج والهجرة لنا قبلها رواه عنه مسلم فأما تفكير الإسلام لما قبله فإجماع والشواهد عليه كثيرة وأما تفكير الحج لما قبله فله شاهد في الترمذى والنسأئى عن ابن مسعود ورواه النسائي عن ابن عباس والشيخان وغيرهما عن أبي هريرة وأما تكفير الهجرة لما قبلها ففى النسائي عن فضالة بن عبيد ما يشهد لذلك لكن بزيادة الإسلام والإيمان وهذه الزيادة في حكم المذكورة في حديث عمرو إذ لا عبرة(2/289)
460 بهجرة الكافر إجماعا بل صحتها غير متصورة كصلاته وسائر قرباته الشرعية مع ماله من الشواهد العامة من القرآن والسنة كقوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وقوله صلى الله عليه وسلم ابتع السيئةالحسنة تمحها رواه النووي في مباني الإسلام التاسع حديث قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت فمن الرجال قال أبوها رواه مسلم والترمذي والنسائي وله شاهد وأما في حب عائشة فعن أبي موسى بلفظ حديث عمرو رواه الترمذي وأما في أبيها فله شاهد بمعناه في أحاديث كثيرة لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا رواه البخاري من حديث ابن عباس ومسلم والترمذي من حديث ابن مسعود العاشر قوله في عدة المتوفي عنها إنها أربعة أشهر وعشر يعني وإن كانت أو ولد رواه أبو داود وابن ماجه وهو موقوف عليه وعموم القرآن حجة فهذه جملة مالعمرو بن العاص في الأمهات الست مما فيه حكم ظاهر أو يمكن استخراج حكم منه وبقي له حديثان حديث كنا مع عمر في حج أو عمرة فلما كان بمر الظهران إذا نحن بامرأة في هودجها وثانيهما حديث فزع الناس بالمدينة فرأيت سالما احتبى بسيفة وجلس في المسجد لم أعرف تمامهما فيبحث هل فيهحكمم شرعي وهل له شاهد ويلحق بذلك وأما المغيرة فله فيما يتعلق بالأحكام بالحلال ولاحرام ثلاثة وعشرون حديثا أو أقل الأول حديث المسح على الخفين وهو حديث مجمع على صحته ولكن ادعة بعض الشيعة أنه منسوخ وهذا الحكم مع صحته مروي من طرق كثيرة رواه الشيخان عن جرير ورواه البخاري ومالك عن سعد بن أبي وقاص ورواه الحسن البصري عن سبعين صحابيا وأما المسح على الجوزبين فلم يصح عن المغيرة كما قاله الحافظ عبدالرحمن بن مهدي ومع ذلك فله شاهد عن أبي موسى وكذلك مسح أسفل الخف لم يصح عن المغيرة(2/290)
461 الثاني حديثه في الصلاة على الطفل وله شاهد رواه أبو داود عن عبد الله التميمي مصعب بن الزبير ورواه الترمذي عن جابر بشرط الاستهلال وله شواهد مرسلة وموقوفة الثالث حديث بعث عمر في أبناء الأنصار أخرجه البخاري ويفه أن المغيرة قال لكسرى إن نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وهذا يشهد له حديث عبدالرحمن بن عوف سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهو صحيح وإنما قلت ذلك لأن كسرى مجوسي الرابع حديث النهي عن إسبال الأزرار وقد رواه الشيخان عن ابن عمر والنسائي عن ابن عباس الخامس حديث المسح على العمامة وقد رواه أبو داود عن ثوبان وأنس ورواه أحمد وأبو داود وسعيد بن منصور عن بلال السادس حديث تحريم بيع الخمر وله شواهد أكثر من أن تذكر السابع كسفت الشمس يوم مات إبراهيم فأما تأريخ الكسوف بيوم مات إبراهيم فرواه مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر وأما بقية الحديث الذي يتعلق به الحكم فأشهر من أ تذكر شواهده الثامن حديث ترك التشهد الأوسط وسجود السهو لنسيانه وله شاهد من حديث عبد الله بن يحينة أخرجه الشيخان وهو أيضا شاهد لما في حديث المغيرة من أنه يسجد للسهو فيه قبل السلام وأخرجه الترمذي عن عمران بن حصين وأبو داود عن ابن مسعود التاسع حديث لا تسبوا الأموات وقد رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة وأبو داود عن ابن عمر العاشر حديث أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما وقد رواه الشيخان وغيرهما من حديث حذيفة(2/291)
462 الحادي عشر حديث دية الجنين غرة وقد رواه الشيخان من حديث أبي هريرة الثاني عشرة لا يصلى الإمام في الموضع الذيصلى فيه حتى يتحول وقد رواه أبو داود عن أبي هريرة الثالث عشر حديث من اكتوى واسترقى فقد بريء من التوكل وقد رواه بمعناه أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبيد الله وعبدالله ابن حكيم ورواه الشيخان عن ابن عباس الرابع عشر حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار رواه عنه الشيخان وغيرهما وهو حديث متواتر مستغن عن ذكر الشواهد الخامس عشر حديث من نيح عليه فإنه يعذب بمانيح عليه وهو طرف من الحديث قبله وله شواهد كثيرة فرواه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث عمر بن الخطاب والنسائي عن عمران بن الحصين والترمذي عن أبي موسى وله شواهد غير هذه السادس عشر فرض الجدة اسلدس وقد رواه البخاري عن محمد بن مسلمة وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود عن بريدة وهو إجماع السابع عشر حديث ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد عن الدجال أكثر ما سألته قلت ويقولون معه جنة ونار قال هو أهون على الله من ذلك وله شواهد وجميع ما ورد في الصحيحين وغيرهما عن غير واحد من الصحابة أنه قال صلى الله عليه وسلم ناره جنة وماؤه نار وهو يعضد حديث المغيرة فإنها مبنية نفي أن يكون مع الدجال جنة ونار حقيقة الثامن عشر لا يزال أناس من أمتى على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون(2/292)
463 التاسع عشر إن المرأة يعقل عنها عصبتها ويرثها بنوها وله شواهد منها عند الجماعة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة مثال حديث المغيرة وفي سنن أبي داود عن ابن عباس الموفي عشرين حديث ترك الوضوء مما مست النار وله شواهد فرواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس وعمرو بن أمية وميمونة ومسلم عن أبي رافع ومالك وأبو داود عن جابر الحادي والعشرون حديث سعد بن عبادة وفيه أتعجبون من غيرة سعد إنه لغيور وفيه ما أحد أغيره من الله ولهذا المعنى المتعلق بحديث الصفات شاهد في الصحيحين عن عائشة الثاني والعشرون نهى آكل الثوم عن دخول المسجد وقد مرت شواهده في أحاديث معاوية الثالث والعشرون حديث مشي الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء وهذا ليس فيه ششء من الأحكام المتعلقة بتحليل أو تحريم ثم إنه لم يقل بصحته عن المغيرة إلا الحاكم وابن السكن وصعفه غيهرما ولم يصححوا عن المغيرة الرابع والعشرون حديث كان إذا ذهب المذهب أبعد رواه عنه أهل السنن الأربعة إلا ابن ماجه وقد رواه النسائي عن عبد الرحمن بن أبي بردة ومنالعدب أن هذا الحديث وحديثا نحوه من حديث المغيرة هما أول ما في كتاب شفاء الأوام من كتب الزيدية أو ردهما مصنفة بأرسالهما إلى المغيرة واحتج يهما من غير ذكر غيرهما وهم ينكرون على المحدثين مثل ذلك انتهى كلام المصنف من الروض الباسم ببعض اختصار وأما القول بعدالة المجهول منهم أي من الصحابة فهو إجماع أهل السنة والمعتزلة والزيدية قال ابن عبد البر في التمهيد أنه مما لا خلاف فيه وقال أيضا في خطبة الإستيعاب ونحن وإن كان الصحابة قد كفينا البحث عن أحوالهم(2/293)
464 لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة علىأنهم كلهم عدول انتهى ثم أبان المصنف صحة دعواه لأجماع من ذكر فقال أما أهل السنة فظاهر وأما المعتزلة فذكره أبو الحسين في كتابه المعتمد في أصول الفقه بل زاد عن المحدثين فإنهم قائلون بعدالة الصحابة لا غير وأبو الحسين ذهب إلى عدالة أهل ذلك العصر فقال هم عدول وليس كلهم صحابة وإن لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم هذا زيادة تأكيد وإلا فهو معلوم أنه لم يراكل أهل ذلك العصر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحاكم المحسن بن كراممة المعتزلي مثل مذهب المحدثين في كتابه شرح العيون وروى ذلك ابن الحاجب في مختصر المنتهى عن المعتزلة وأما الزيدية فإن رأيهم أوسع دائرة أوسع دائرة من المعتزلة في هذا فإنهم يقبلون المجهول مطلقا سواء عندهم في ذلك الصحابي وغيره ذكر ذلك الفقيه عبد الله بن زيد في الدرر المنظومة وهو أحد قولي المنصور بالله ذكره في هداية المسترشدين وهو أرجح احتمالي أبي طالب في جوامع الأدلة وأحدا احتماليه في المجزيء وهذا المذهب مشهورا عن الحنيفة والزيدية مطبقون على قبول مراسيل الحنفية فقد دخل عليهم حديث المجهول على كل حال وإن كان المختار عند متأخريهم أي الزيدية رده أي المجهول فذلك لا يغني مع قبولهم مراسيل من يقبله والقصد بذكرهم هذه الأقوال أن لا يتوهم أن المحدثين شذوا بهذا المذهب وهو القول بعدالة مجهول الصحابة بل هو رأي غيرهم بل غيرهم أوسع دائرة منهم وأوسع دائرة ما أفاده قوله وذكر المنصور بالله في مجموعه أن الثلاثة القرون الأول مقبولون لقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم أخرجه بلفظ خير الناس قرني إلى آخره ورواه الترمذي والحاكم عن عمران بلفظ إن خيركم إلخ وقال المنصور بالله أن ذلك معروف عند أهل العلم وهذا أوسع من قول(2/294)
465 المحدثين كما ترى وهو ظاهر وقد عارض دليله حديث أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره أخرجه الترمذي من حديث أنس وصححه ابن حبان من حديث عمار وله شواهد وابن عساكر عن عمر وبن عثمان مرسلا بلفظه أمتى مباركة لا تدري أولها خير أو آخرها وقد جمع بينهما سعدالدين التفتازاني بأن الخيرية تختلف بالاعتبارات فالقرون السابقة بنيل شرف قرب العهد ولزوم سيرة العدل والصدق واجتناب المعاصي ونحو ذلك وأما باعتبار كثرة الثواب فلا يدري أولها خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الآخر لأيمانه بالغيب طوعا ورغبة مع انقضاء مشاهدة زمن آثار الوحي وظهور المعجزات وبالتزامه طريقة السنة مع فساد الزمان وشيخنا رحمه الله تعالى تعقب عليه في رسالة قرأناها عليه لا نطيل هنا بذكرها ثم اعلم أن هذا الاستدلال من المنصور بالله وذكر معارضة الحديثين مبني على أن حديث خير القرون قاض بأن التفضيل بين القرون بالنظر إلى كل فرد فرد وإلى هذا ذهب الجمهور وذهب ابن عبد البر إلى أن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد احتج بحديث أمتي كالمطر إلخ ما تقدم قريبا ربما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة يرفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وبحديث عمر يرفعه أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني أخرجه الطيالسي وهو وإن كان ضعيفا فإنه يشهد له ما أخرجه أحمد أحمد والدرامي والطبراني من حديث أبي حمعة قال قال أبو عبيدة يا رسول الله أحد خيرمنا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم واستثنى ابن عبد البر أهل بدر والحديبيه وأجاب الجمهور بالجمع بين الأحاديث مم يلاقي كلام سعد الدين الذي أسلفناه(2/295)
466 إلا أنهم زادوا بأن ذلك يكون في حق بعض الصحابة وأما مشاهير الصحابة فإنهم جازوا مراتب السبق في كل نوع من أنواع الخبر قالوا وأيضا فالمفاضلة بين الأعمال بالنظر إلى الأعمال المتساوية في النوع ونضولة الصحبة مختصة بالصحابة لم يكن لمن عدالة شيء من ذلك النوع وإذا عرفت هذا عرفت أن استدلال المنصور بالله مبني على ما ذهب إليه الجمهور وأما الحجج على عدالة مجاهيل الصحابة هم الذي لم يعرف لهم شيء سوى الصحبة فكثيرة جدا وقد ذكرت منها جملة شافية في العواصم والقواصم ذكر فيها اثنين وثلاثين دليلا على قبول فساق التأويل وهي أدلة شاملة للمجاهيل من أهل ذلك العصر لأنه إذا لم يعرف للصحابي إلا الإسلام الصحبة فقبوله أولى من قبول من كان مسلما فاسق تأويل وقد أجمع على قبوله فالأولى قبول مجهول الصحابة وفي المختصر من الروض الباسم وأناأشير إلى شيء من ذلك فمن ذلك ماروى ابن عمر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذي يلونهم ث يفشو الكذب الحديث تمامه يحلق الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد رواه أحمد والترمذي ورواه أبو داود الطيالسي من طريق أخرى عن شعبة عن عبد الملكابن عمير عن جابربن سمرة عن عمر وله طريق أخرى ثالثة وهو حديث مشهور جيد قال ذلك الحافظ ابن كثير في إرشاده وفي العواصم أنه ذكر أبو بن عبد البر في أول كتاب الاستيعاب له شواهد كثيرة عن عمران بن حصين والنعمان بن بشير وبريدة الأسلمي وجعدة بن هبيرة قلت وفيه دليل على أنه أراد بأصحابه أهل زمانه من المسلمين لقوله فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فتأمله وذلك لأن قوله ثم الذين يلونهم عام لكل فرد من الأزمنة التي بعد القرن الأول فيكون كذلك في القرن الأول وأنه سمى كل من عاصره صلى الله عليه وسلم صحابيا إن كان مسلما إلا أنه(2/296)
467 يرد سؤال وهو أن الموصي بهم هم الأصحاب وهم أهل العصر جميعا فمن المراد بالوصية فإن أريد به أوصي بعضكم في بعض فهي من لازم أخوة الإيمان فكل أهل الإيمان في أي عصر كان كذلك ولعل الأظهر أنه يراد أوصيكم أيها الأمة ويراد إبلاغ الأمة من بعد القرون الثلاثة أن يرعوا أهل عصره وتابعيهم وتابعي تابعيهم وأن يعرفوا لهم حق الصحبة والعلم والإبلاغ أو يراد الوصية في شيء خاص وهو تصديقهم فيما يبلغونه عنه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة كما يرشد إليه قوله ثم يفششوا الكذب والمعنى أن الصدق فيهم هو الأصل وإن وقع الكذب فهو نادر وفي لفظ يفشو دلالة عليه فيكون على تقدير هذه المعاني غير دال على أن المدعى من عدالة كل صحابي على رسم الجماهير لها وإنما يكون دليلا علىأن الأصل فيمايروونه الصدق خصيصة لهم من الله تعالى فتحملوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فلا شك أنه وقع في آخر القرن الأول وما بعد من القرون أمراء جورة وفقهاء خونة وسفكت الدماء بغير حقها ويشأ من الإبداع ما يصك الأسماع وهل بدعة الخوارج ونحوها إلا في أثناء القرن الأول فتأمل ومن ذلك أي من الأدلة على عدالة مجهول الصحابة ماروى عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال يعين رمضان فقال تشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال إذن في الناس أن يصوموا غدا رواه أهل السنن الأربع ابن حبان صاحب الصحيح والحاكم أبو عبدالله في المتسدرك وقال هو حديث صحيح واحتج به أبو الحسين المعتزلي في المتعمد وذكره الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج به الفقيه عبد الله بن زيد العنسي الزيدي في كتاب الدرر ووجه الدلالة واضح فإنه رجل مجهول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا سأله عن الشهادتين ولم يسأله عن غيرهما فدل على أن مجاهيل ذلك العصر من المسلمين يقبلون وإقراره(2/297)
468 بكلمة الشهادة لم تخرجه عن الجهالة ويشهد له ما رواه ابن كثير أيضا في إرشاده عن أبي عمير عن أنس عن عمومته من الأنصار أن الناس اختلفوا في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلا لهلال أمس عشية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا أن يغدوا إلى مصلاهم ورواه بنحوه أحمد وابن ماجه ورواه أحمد أيضا وأبو داود بهذا اللفظ المتقدم وهو لفظ أبي داود من طريق أرى عن ربعي بالموحدة ساكنة فعين مهملة ابن حرش بكسر الحاء المهملة فراء آخر شين معجمة عن رجل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ووجه الدلالة ظاهر في قبوله صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابيين إنه أنه قد يقال إنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف عدالتهما وكأنه لهذا جعله شاهدا ولم يجعله دليلا مستقلا ومن ذلك أي من أدلة قبول مجهول الصحابة حديث عقبة بن الحارث المتفق على صحته بين الشيخين وفيه أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمه سودا فقالت قد أرضعتكما قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني قالت فتنحيت فذكرت ذلك له فقال كيف زعمت أن قد أرضعتكما هذا لفظ البخاري ومسلم وفيه أعتبار خبر هذه الأمة السوداء والتفريق بين زوجين مسلمين بكلامها ولم يأمره بطلاق ولا أخبره أن الطلاق يستحب مع جواز تركه بل ظاهره أنه أمر بفسخ النكاح بخبر المرأة وفي رواية الترمذي لحديث عقبة بن الحارث أنه زعم أنها كاذبة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عنها أي عن المرأة التي تزوجها وهو حديث حسن صحيح وقال ابن عباس تقبل المرأة الواحدة في مثل ذلك أي في إخبارها بإرضاعها مع يمينها وبه قال أحمد وإسحاق ولما كانت اليمين لا دليل عليها في الحديث قال المصنف قلت وإنما اعتبروا اليمين من أجل حق المخلوقين ويأتي على هذا وكذا منخالف من العلماء في هذه المسألة وقال لا تقبل المرضعة إنما خلف من أجل(2/298)
469 تعلقها بحقوق المخلوقين فإن القواعد الشرعية قاضية بأنها لا تقبل دعوى على أحد إلا بما أشار إليه قوله وكون عموم وجوب الإشهاد على كل دعوى واليمين على كل منكر كالمعارضين لهذه الواقعة فألحقوا بهذا الفرد العام وقد حقق البحث في كتب الأحكام وأما حقوق الله فخبر الواحد مقبول فيه ذكرا كان الواحد أو أنثى وفاقا والله أعلم فهذا في الأدلة من الأثر زاد المصنف في العواصم ما لفظه الرابع وهو أثر صحيح ثابت في جميع دواوين الإسلام بل متواتر النقل معلوم بالضرورة وهو عندي حجة قوية صالحة للاعتماد عليها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا ومعاذا رضي الله عنهما إلى اليمن قاضيين ومفتيين ومعلمين ولا شك أن القضاء مرتب على الشهادة والشهادة مبنية على العدالة وهما لا يعرفان أهل اليمن ولا يخبران عدالتهما وهم بغير شك لا يجدون شهودا على ما تجري بينهم من المخصوصات إلا منهم فلولا أن الظاهر العدالة في أهل الإسلام في ذلك الزمان لما كان إلى حكمهما بين أهل اليمن سبيل ومن النظر عطف على قوله من الأثر أي والأدلة على ما ذكر من النظر ما ذكره الشيخ أبو الحسين في المعتمد فإنه قال ما لفظه واعلم أنه إذا ثبت اعتبار العدالة وجب أن كان لها ظاهر أن تعتمد عليه وإلا لزم اختبارها وإلا فلا شبيهة في أن بعض الأزمان كزمن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت العدالة منوطة بالإسلام وكان الظاهر من المسلم كونه عدلا ولهذا اقتصر صلى الله عليه وسلم على قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال على ظاهر إسلامه واقتصر الصحابة على إسلام من كان يروي الأخبار من الأعراب قلت لا يخفى أن هذا الدليل من باب الأثر لا من باب النظر وكأن المصنف يريد أن التفصيل الآتي من باب النظر وهو الذي أفاده قوله فأما الأزمان التي كثرت فيها الخيانات ممن يعتقد الإسلام فليس الظاهر من إسلام الأنسان كونه عدلا فلا بد من اختباره وقد ذكر الفقهاء هذا التفصيل انتهى كلام الشيخ(2/299)
أبي الحسين وقد استوفيت
470 الكلام في هذه المسالة في غير هذا الموضع قد قدمنا قريبا أن المصنف ساق في العواصم زيادة على ثلاثين حجة يف ذلك ثم قال منها أن من النظر أن صدقهم مظنون وفي مخالفته مضرة مظنونة والعمل بالظن من غير خوف مضرة حسن عقلا ومع خوف المضرة المظنونة واحد عقلا وإنما خصصناهم بذلك لما علمنا من صدقهم وأمانتهم في غالب الأحوال والنادر غير معتبر وقد يجوز أن يكذب الثقة ولكن ذلك تجويز مرجوح نادر الوقوع فلم يعتبروا الذي يدل على صدق ما ذكرنا أن أخس طبقات أهل الإسلام من يتجاسر على الأقدام على الفواحش من الزنا وغيره من الكبائر لا سيما فاحشة الزنا وقد علمنا أن جماعة من أهل الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعوا في ذلك من رجال ونساء فهم فيما ظهر لنا أقل الصحابة ديانة وأقلهم آمانة ولكنهم مع ذلك فعلوا ما لإيكاد يفعله أورع المتأخين ومن تحق له منصب الأمانة في زمرة الأولياء والمتقين من بذلهم الروح في مرضاة الله والمسارعة بغير إكراه إلى حكم الله أو إلى حكم الشرع كمثل المرأة التي زنت فجاءت إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم تقر بذنبها وتسأله أن يقيم عليها الحد فجعل عليه السلام يسنثبت في ذلك فقالت يارسول الله إني حبلى فأمرها أن تمهل حتى تضع فلما وضعت جاءت بالولد فقالت يا رسول الله هذا قد ولدته فقال لها أرضعيه حتى يتم رضاعته فأرضعته حتى أتمت مدة الرضاع ثم جاءت به في يده كسرة خبز فقالت يا رسول الله هذا هو يأكل الخبز فرجمت فانظر إلى عزمها المدة الطويلة على الموت في مرضاة الله تعالى وكذلك الرجل الذي سرق فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه أن يقيم عليه الحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده فلما قطعوها قال السارق الحمد لله الذي أبعدك عنى أردت أن تدخلني ومثل ما روى عن الذي وقع بامرأته في رمضان وحديث الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال(2/300)
471 يا رسول الله إني أتتني امرأة فلم أترك شيئا مما يفعله الرجال بالنساء إلا فعلته إلا أني لم أجامعها وغير ذلك انتهى وإلى هنا انتهى ما أردت جمعه من علوم الحديث مما يتعلق بأصل الفقه أو يتعلق بتفسير اصطلاحهم في وصف الحديث ببعض الأوصاف من بيانية الأوصاف الصحة والحسن والغرابة والشهرة وأمثال ذلك من بيان المرسل والعلة والشذوذ وما تقدم وهو كثير وفي علوم الحديث قوائد غزيرة من الغزارة بالمعجمة وهي الكثرة وعلوم عزيزة بالمهملة وتكوير الزاي من العزة وهي القلة هنا أي يقل وجودها في غير علوم الحديث أو دعوها تضاعيف كلامهم في هذا الفن يفما تقدم من أنواعه مما اختصرت منه وفيما بفي مما لم أختصر منه أي لم يتعرض لذكره فقد بقي من أواعه كثير بينهما بقوله مثل الكلام على معرفة التابعين جمع تابعي واختلفوا في رسمه فقال الحاكم وغيره التابعي منلقي واحد من الصحابة فأكثر وطبقاتهم قال الحاكم في علوم الحديث هم خمس
473 عشرة طبقة آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة ومن لقي عبد الله بن أبي أو في من أهل الكوفة ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة وقيل في عد طبقاتهم غير هذا مما هو مبسوط في مظنته ومعرفة رواية الأكابر عن الأصاغر
474 والأصل فيه روايه النبي صلى الله عليه وسلم عن الدارى الجياسة وهو في صحيح مسلم وقسموها إلى ثلاثه أقسام الأول أن يكون الراوى أكبر قدرا من المروى عنه لعلمه وحفظه والثاني أن يكون أكبر سنا والثالث أن يجتمعا معا وذكروا
475 أمثلة ذلك وروايه الأقران بعضهم عن بعض والقرينان عندهم من إستويا(2/301)
476 في الإسناد والسن غالبا والمراد به المقارنه قال الحاكم إنما القرينان إذا تقارنت سنهما وإسنادهما وقد يكتفون بالإسناد دون السن وقسموه إلى قسمين أحدهما ما يسمونه المبج بضم الميم وفتح الدال المهمله ونشيد الموحده آخره جيم وذلك أن يروى كل من الفريقين عن الآخر وألف الدار قطني كتابا حافلا ومثاله رواية عائشه عن أبي هريرة وروايته عنهما والثاني ماليس بمديح وهو أن يروى أحد القرنيين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما يعلم و رواية الأخوة والأخوات بعضهم عن بعض قال زين الدين قد أفرد أهل الحديث هذا النوع
477 بالتصنيف وهو معرفة الأخوة من العلماء والرواة وصنف فيه على بن المدينى وغيره وعدهم ثلاثه فأربعة فخمسة فستة فسبعة ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته ولعدم الحاخة إليه في غرضنا ههنا ومثال الأخوين كثير في الصحابة وغيرهم كعبد الله بن مسعود وعتبه بن مسعود وكلاهما صحابيان ومما يستغرب من الأخوين أن موسى بن عبيدة الزيدى بينه وبين أخيه عبد الله بن عبيدة ثمانون سنة في العمر وروايه الآباء عن الأبناء وعكسه صنف فيه الخطيب كتابا حافلاو ذكر روايتة العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل وفيه أمثله كثيرة وصنف الوائلى كتابا في رواية الآباء عن الأبناء وذكر فيه نفائس وأحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه
480 عن جده وما يشانهه وروابة السابق والللاحقعن الأئمة والحفاظ قال زين الدين ألف الخطيب كتابا سماه السابق واللاحق وموضوعه أن يشترك راوايان في الرواية عن شخص واحد وأحد الراويين والآخر متأخر بحيث
481 يكون بين روايتهما أمد بعيد قال ابن الصلاح ومن فوائد ذلك نقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب ثم ذكر امثلة لذلك و روايته من لم يرو عنه إلا راو واحد قال زين الدين من أنواع علوم الحديث معرفه(2/302)
482 من لم يرو عنه إلا راوواحد من الصحابة والتابعين ومنن بعدهم وصنف فيه مسلم كتابا المسمى بكتاب المنفردات والحدان وذكر امثلة لذلك كثيرة و رواية من عرف بنعوت متعدد ة أى من ذكر من الرواة بأنواع من التعريفات من الأسماء أو الكنى أو الألقاب أو الأنساب إما من جماعة الرواة عنه فعرفه كل واحد منهم بغير ما عرفه الآخر أو من راوواحد فعرفه مرة بهذا ومرة بذاك فيلتبس ذلك على من لامعرفة عنده بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ وإنما يقعل ذلك كثيرا المدلسون وقد نقدم عند ذكر التدليس أن هذا أحد انواعه ويسمى تدليس الشيوخ وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدى كتابا نافعا سماه إيضاح الأشكال وصنف فيه الخطيب البغدادي كتابا كبيرا سماه الموضح لاوهام الجمع والتفريق وسد زين الدين من ذلك أمثله كثيره ومعرفه أفراد الأسماء ومعرفه الأسملء والكنى جمع كنية والألقاب جمع لقب فالأسماء الأعلام والكنى ماصدر بأب وأم ةالقب ما دل على مدح أوذم قال الزين
482 معرفة أفراد الأعلام نوع من أنواع علوم الحديث صنف فيه جماعة ثم قال وقد مثل ابن الصلاح بجملة من الأسماء ولكني مرتبة على حروف المعجم واقتصرت من ذلك على مثال واحد لكل قسم فمن أمثلة أفراد الأسماء لبي بن لبا صحابي من بني أسد وكلاهما باللام والباء الموحدة وهو وأبوه فردان فالأول مصغر على وزن أبي بن كعب والثاني مكبر على وزن فتى ومثال أفراد الألقاب مندل بن علي العبري واسمه عمرو ومندل لقب له وهو بكسر اسم وفتحها كما أفاده كلام الزين ومثال الأفراد ف يالكنى أبو معيد بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره دال مهملة واسمه حفص بن غيلان تنبيه من علوم الحديث معرفة أسماء ذوي الكنى ومعرفى كنى ذوي(2/303)
487 الأسماء وينبغي العناية بذلك فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته ومرة باسمه فيظن من لا معرفة له بذلك أنهما رجلان وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معا فتوهمه بعضهم رجلين كالحديث الذي رواه الحاكم من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن سداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعا من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة قال الحاكم عبد الله بن سداد هو بنفسه أبو الوليد بينه علي بن المديني قال الحاكم ومن تهاون بمعرفة الأسماء أو ورثه مثل هذا الوهم ولهم في الألقاب تقاسيم وأمثلة ذكرها ابن الصلاح والزين ومعرفة المؤتلف خطا والمختلف لفظا قال الزين من فنون الحديث المهمة
488 معرفة المؤتلف خطا المختلف لفظا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها وينبغي لطالب الحديث أن يعتني بذلك وإلا كثر عناؤه وافتضح بين أهله وصنف فيه جماعة من الحفاظ مكتبا مفيدة وعد الزين من صنف فيه ثم قال والمؤتلف والمختلف ينقسم قسمين أحدهما ما ليس له ضابط يرجع أليه وإنما يعرف بالنقل والحفظ وهو الأكثر والثاني ما يدخل تحت الضبط ثم عد أمثلة كثيرة تبعا لابن الصلاح مثل سلام بتشديد اللام وسلام بالتخفيف فحصروا المخفف وقد أطال زين الدين في منظومته وشرحها في هذه المادة بما يزيد على كراس من القطع الكامل ومعرفة المتفق خطا ولفظا المفترق معنى قال الزين ومن أنواع علوم الحديث ما اتفق
493 لفظه وخطه واختلف مسماه وللخطيب فيه كتاب نفيس ثم قال وإنما يحسن إيراد ذلك إذا اشتبه الراويان المتفقان في الإسم لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما أو في الرواية عنهما وذلك ينقسم إلى ثمانية أقسام الأول من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم مثاله الخليل بن أحمد ستة رجال ثم أطال في التقاسيم نظما ونثرا ومعرفة تلخيص المتشابه وهو نوع يتركب من النوعين(2/304)
494 اللذين قبله وهو أن يتفق الإسمان في الخط واللفظ ويفترق اسما أبويهما في بعض ذلك وقد طول الزين في هذا مثل الأول بموسى بن علي وموسى بن علي الأول مكبر والثاني مصغر وعد جماعة من ذلك ومثل الثاني وهو عكس الأول بسريج ابن نعمان وشيرح بن النعمان وكلاهما مصغر فالأول بالسين المهملة والجيم وهو سريج بن النعمان بن مروان اللؤلؤي البغدادي روى عنه البخاري وأصحاب السنن والثاني بالشين المعجمة والحاء المهملة شريح النعمان الصائدي الكوفي له
495 في السنن الأربعة حديث واحد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم عد من ذلك أسماء كثيرة أو يكون الإتفاق في الأسماء في حق الأبوين والاختلاف في حق الإبنين قد مثلهما الزين وتقريب ابن حجر كافل فيما يحتاج إليه من أمثلة ذلك معرفة المشتبه المقلوب قال الزين هذا النوع مما يقع فيه الإشتباه في الذهن لا في الخط وذلك بأن يكون اسم أحد الراويين كاسم أب الآخر خطا ولفظا أو اسم الآخر كاسم أب الأول فينقلب على بعض أهل الحديث كما انقلب على البخاري ترجمة مسلم ابن الوليد المدني فجعله أبوالوليد بن مسلم كالوليد الدمشقي المشهور وخطأه في ذلك أبو حاتم ومعرفة مننسب بالبناء للمجهول إلى غير أبيه قال الزين
496 المنسوبون إلى غير آبائهم علىأقسام الأول من نسب إلى أمه كبني عفراء وهي أمهم وأسم أبيهم الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني المحار شهد بنو عفراء بدرا وقتل منه فيها أثنان والثاني من نسب على جده عليا كان أو دنيا كيعلي بن منيه الصحابي المشهور اسم أبيه أمية بن عبيد ومنية اسم أم أيبه كما قاله الزبير بن بكار وابن ماكولا وقال الطبري إنها أم يعلي نفسه ورجحه المزي ثم عد أمثلة لبقية الأقسام ومعرفة المنسوب غلىخلاف الظهر قال الزين قد ينسب الراوي إلى(2/305)
497 نسبة من مكان أو قبيلة أو ضيغة وليس الظاهر الذي سبق إلى الفهم من تلك النسبة بمراد بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان أو تلك القبيله أونحو ذلك ومثاله أبو مسعود البدرى واسمه عبيد بن عمرو الأنصارى الخزر جى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يشهد بدرا في قول أكثر أهل العلم ثم ذكر الخلاف في هذا وبقيه أقسام ما ذكره إجمالا ومعرفة الميهمات هو معرفه من ذكر منهما في الحديث وفي الإسناد
498 من الرجال والنساء وقد صنف في ذلك جماعه من الحفاظ وذكر من صنف وذكر أمثلة من ذلك ومعرفه تاريخ الرواة والوفاء قال تازين الحكمه في وضع أهل
500 الحديث التاريخ لوفاة الرواة ومواليدهم وتواريخ السماع وتاريخ قدوم فلان مثلا البلد الفلاني ليختبروا بذلك من ام يعلموا صحة دعواه كما رويناه عن سفيان الثورى قال لما استعمل الناس الكذب استعملنا لهم التاريخ أو كما قال أطال الزين هنا بذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة ثم بقية العشرة وجماعة من أعيان الصحابة والتابعين والأئمه الستة أصحاب الأمهات وجماعة من المشاهير من أئمة الحديث ومعرفة الثقات والضعفاء فإنه من أجل أنواع علوم
502 الحديث فإنه المرقاه إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسيقمه وفيه للأئمة تصانيف منها ماأفرد في الضعفاء وصنف فيه البخاري وغيره ومنها ما أفرد للثقات وصنف فيه ابن حبان وابن شاهين وغيرهما ومعرفة من اختلط من الثقات قال ابن الصلاح
503 هذا فن عزيز مهم لم يعلم أحد أفراده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا قال زين الدين قلت وبسب كلام ابن الصلاح أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء حدثتا به ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه ثم عد زين الدين جماعة كثيرة من اختلط من الرواة الثقات ومعرفة طبقات(2/306)
504 الرواة قال الزين من المهمات معرفة طبقات الرواة فإنه قد يتفق إسمان في اللفظ فيظن أحدهما الآخر فيتميز ذلك بمعرفة طبقتهما إن كانا من طبقتين فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر وربما عرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة ثم ذكر ما يحصل به التمييز وذكر طبقات الصحابة وطبقات التابعين جملة ومعرفة الموالي من العلماء والرواة من المهمات كما قاله الزين معرفة الموالي من العلماء ولارواة وأهم ذلك أنينسب على القبيلة مولى لهم مع إطلاق النسب فربما ظن أنه منهم صليبة بحكم الظاهر من الأطلاق وربما وقع خلل في الأحكام الشرعية في المشروط فيها النسب كالإمامة العظمي والنكاح ونحو ذلك ومعرفة أو طان الرواة وبلدانهم قال الزين مما يحتاج إليه معرفة أوطان الرواة وبلدانهم فإنهم
505 ربما ميز بين الإسمين المتفقين في اللفظ قال وربما حدث للعرب الإنتساب إلى البلاد والأوطان لم اغلب عليها سكني القرى والمدائن وضاع كثير من أنسابها فلم يبق لها غير الإنتساب إلى البلدان وقد كانت العرب تنتسب قبل ذلك إلى القبائل فمن سكن في بلدين وأراد أن ينتسب إليها فليبدأ بالبدلة التي سكنها أولا ثم بالثانية
506 التي انتقل إليها ويحسن أن يأتي بثم في النسبة للبدلة الثانية فيقول المصري ثم الدمشقي ومن كان من أهل قرية من ذي بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضا وإلى النحاية التي منها تلك البدلة فمن هو من أهل دار مثلا فله أن يقول الداري والدمشقي والشامي فإذا أراد الجمع بينهما فليبدأ بالأعم فيقول الشامي الدمشقي الداري.(2/307)
فعليك أيها الطلب للحديث بالنظر في علوم الحديث والتأمل لما في تضاعيفها من الفوائد والبحث عما ذكروه فيها في علوم الحديث من الصنفات الحوافل البحاء المهملة والفاء يقال نحف الوادي إذا جاء بملء جانبيه والمراد هنا التي جاءت بملئها علوما استعارة فإنهم إنما وضعوه ليبصروك في علومه ويدلوك على ما صنفوا في ذلك لطالبه والحمد لله الذي حفظ بهم الشريعة وكفانا بهم المؤنة نسأل الله أن يجزيهم عن أفضل ما جزى أمثالهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام بيان لأمثالهم ومنهم المصنف رحمه الله تعالى وجزاه خيرا فلقد أفاد وأجاد وأتى فيما جمعه بما هو غاية المراد اللهم وألحقنا بهم تفضيلا واشملنا في جوارهم تطولا وارزقنا خدمة سنة نبيك أبدا ما أحييتنا ووقفنا على العمل بها وتعظيمها إذا توفيتنا والحمد لله أولا وآخرا حمدا يدوم بدوام الله على جميع نعمه.
قال المصنف رحمه الله :
انتهى تبييض هذا الشرح من المسودة عقيب صلاة العصر يوم الخميس لعله سادس وعشرين شهر شعبان من شهور سنة 1166
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
قال في الأم المنقول منها
إنه فرغ من تحصيلها تاسع شهر جماد أول من شهور سنة 1180
وصلى الله وسلم على النبي الأمي الطاهر الزكي وعلى آله الطاهرين في كل وقت وأوان وحين آمين.(2/308)