تقسيم الحديث
إلى صحيح، وحسن، وضعيف
بين واقع المحدثين ومغالطات المتعصبين
"رد على أبي غدة، ومحمد عوامة"
تأليف
أ.د. ربيع بن هادي عمير المدخلي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية سابقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
... وبعد:
... فليس بغريب علي ما يكتبه أبو غدة ولست بغريب عليه فلي معرفة قديمة وجديدة بما يكتبه وما يعلقه على مؤلفات شيوخ ديوبند وغيرهم وبما تنطوي عليه تلك التعليقات من سموم يدسها ومن غلو زائد في شيوخه ومؤلفاتهم ومبالغات فيها لا تستساغ عقلا ولا شرعا ولا طبعا، وما يقابل ذلك من حط من مكانة أئمة الحديث والمنهج السلفي ومن عقائدهم وفقههم لدين الله.
... من أخفها هذا التعليق الذي سأقوم بمناقشته وتعقبه في الصفحات الآتية:
... أما الطعن والغمز واللمز والإهانة ومحاولات التضليل لبعض الأئمة فسأتركه لغيري ولا أطرقه إلا إذا ألجئت إلى ذلك.
... اللهم إلا أن يعلن توبته ويقوم بإصلاح ما أفسدته يداه.
... وإني أقول هذا إعذاراً إلى أولئك الذين لا يؤذيهم الطعون الكثيرة لأئمة السلف من قبل أبي غدة وزملائه وشيوخه الذين دأبوا على هذا المنهج البغيض ظلما وعدوانا من سنين طويلة وفي مؤلفات كثيرة.(1/1)
... وكل ذلك لا يؤذي من أشرت إليهم لكنهم يجزعون ويهلعون ويملؤن الدنيا ضجيجا خوفا على وحدة الأمة الإسلامية أن تتصدع وعلى صفوفهم أن تتمزق إذا رد بعض هذا الظلم وهذا العدوان على سادات الأمة وقادتها وعلى ألسُنَّةِ وحملتها ويرمى من يرد هذا العدوان بالشدة والتحامل على رموز الجهاد وقادة الفكر من تلاميذ الكوثري ومن دار في فلكهم، فلماذا لا تتعالى هذه الصيحات في وجه هؤلاء الظالمين ولماذا السكوت المطبق على الأقلام الحاقدة على خيار الأمة وفيهم أئمة الهدى من محدثين ومفسرين وفقهاء؟ لماذا مرة أخرى؟
... سوف نشرع في نصرة الحق ودحض الباطل لعلمنا أن هذه الصيحات فيها نصرة للباطل وخذلان لدين الله الحق وحملته الكرام، ولن يرضي ذلك ربنا عز وجل.
... قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } (1).
... وقال تعالى في بني إسرائيل { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } (2).
... نقل ظفر أحمد التهانوي، عن ابن تيمية وابن القيم أن الإمام أحمد يأخذ بالحديث الضعيف بشروطه، وأن المراد بالضعيف الذي يأخذ به الحديث الحسن، وأنه ليس أحد من الأئمة إلا وهو يوافق الإمام أحمد رحمه الله في الأخذ بهذا المبدء، وأن أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح، وحسن، وضعيف إنما هو الإمام الترمذي.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 110
(2) سورة المائدة الآيتان 78، 79(1/2)
... وسلم التهانوي بهذا كله رغبة في تشييد مذهبه، لكن أبا غدة وتلميذه محمد عوامة لم يعجبهما هذا الكلام وكيف يعجبهما أن لا يحتج الإمام أحمد إلا بالحديث الصحيح والحسن فشمر أبو غدة عن ساعد الجد لمناقشة كلام ابن تيمية وابن القيم واستنجد بتلميذه محمد عوامة لإنجاز هذا العمل ولما كان لا يمكنهما المناقشة العلمية على منهج طلاب الحق لجآ إلى التهويل والتمويه والزيادة والنقص فيما ينقلان من كلام العلماء.
... ومن العجائب التي تدل على هوى الرجلين وتعصبهما الأعمى أن الشيخ التهانوي قال عقب نقل كلام الإمامين ابن القيم وابن تيمية: "وبالجملة فالمراد بالضعيف في كلام أصحابنا "أن الحديث الضعيف مقدم على القياس" ما يسميه المتأخرون ضعيفا في ذاته حسنا لغيره إذا تأيد بالشواهد، ونحوها، وإذا سبرت الأحاديث التي ذكرها ابن القيم مثالا للضعيف الذي قدمه أبوحنيفة على القياس وجدتها كلها حسانا إما في ذاتها أو لغيرها كما يتضح لك حقيقة ذلك بمطالعة كتابنا هذا إن شاء الله تعالى(1).
... ومع أن هذا الكلام مخالف للواقع وكان الواجب عليهما مناقشته نصحاً لله ولدينه، لكن الهوى والتعصب المقيت فرضا عليهما السكوت حيث يجب النطق والكلام حيث يجب السكوت والتسليم.
... فالأحاديث التي مثل بها ابن القيم ضعيفة هالكة وقد حكم هو على بعضها بالبطلان. والمتعصبون من الأحناف الماتريدية يقدمون الرأي على القرآن وعلى النصوص الصحيحة والمتواترة فكيف تصح دعواهم أنهم يقدمون الحديث الضعيف على الرأي والقياس وسيأتي توضيح ذلك خلال هذا البحث إن شاء الله.
__________
(1) قواعد في علوم الحديث ص108(1/3)
... ولقد بذلت جهدي في تحري الحق والإنصاف في مناقشة أبي غدة وتلميذه محمد عوامة، ووضع الأمور في نصابها، سواء فيما نقلته عن الأئمة من المصادر المعتمدة أو في شرح النصوص وتحليلها وتوضيحها لاسيما النصوص التي رجع إليها أبوغدة واختطف منها لفظ "الحسن الذي هو مدار البحث – اختطافا دون إلتفات إلى مقاصد قائليه ودون مراعاة لسياقات تلك النصوص وعصور قائليها واصطلاحاتهم وشاركه في هذا التصرف – أيضا – تلميذه المذكور.
... ولقد وجدت في النصوص المشار إليها وفي أقوال العلماء السابقين واللاحقين وتصرفاتهم ومواقفهم ما يؤيد ما ذكره وذهب إليه الإمام ابن تيمية تأييداً واضحا.
... وإني لأرجو أن أكون قد أضفت جديداً وسددت فراغا في المكتبة الإسلامية يتطلع طلاب العلم لأمثاله.
... والله أسال أن يرزقني الإخلاص والصدق في القول والعمل، إن ربي لسميع الدعاء.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
ربيع بن هادي بن عمير المدخلي
تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي عند المحدثين رحمهم الله
الحسن لغة:
... قال أبومنصور محمد بن أحمد الأزهري (282 – 370) في مادة ( حَسُنَ ) قال الليث: الحسن نعت لما حسن، تقول: حسن الشيء حسناً، وقال الله عز وجل { وقولوا للناس حسناً } ، وقريء: { وقولوا للناس حسناً } .
... قال الفيروز آبادي في القاموس، في مادة ( حَسُنَ ).
... الحسن بالضم: الجمال ج محاسن على غير قياس وحسن ككرم، ونصر، فهو حاسن، وحسن، وحسين، كأمير، وغراب، ورمان ج حُسَّان وحُسَّانون.
إطلاق المحدثين (الحسن) بالمعنى اللغوي:
... أطلق كثير من المحدثين لفظ (الحسن) واختلفت مقاصدهم في اطلاقه.
... فتارة يطلقونه ويريدون به الغريب المستنكر ومن ذلك قول الخطيب البغدادي، وقد نقل باسناده إلى إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسن ما عنده.(1/4)
... قال أبوبكر: عنى إبراهيم بالأحسن: الغريب لأن الغريب غير المألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف، وأصحاب الحديث يعبرون عن المناكير بهذه العبارة.
... ولهذا قال شعبة بن الحجاج ثم ساق إسناده إلى أمية بن خالد، قال: قيل لشعبة مالك لا تروي عن عبدالملك بن أبي سليمان، وهو حسن الحديث؟.
... فقال: من حسنها فررت(1).
... ويظهر لي من النص الأخير أن السائل أراد بالحسن الغريب الصحيح وأن شعبة أراد به الغريب المستنكر – والله أعلم –
... ذلك أن عبدالملك بن أبي سليمان وإن قال فيه الحافظ صدوق له أوهام، فإن الذهبي قال فيه: ثقة.
... وبالتأمل في ترجمته يظهر رجحان ما قاله الذهبي.
... بل له تزكيات عطرة من الأئمة انظرها في تهذيب التهذيب وغيره.
... فالسائل أطلق الحسن على الغريب الصحيح إطلاقاً لغوياً حسب اعتقاده في عبدالملك وشعبة أطلق الحسن بمعنى الغريب المستنكر حسب تخوفه من أوهام عبدالملك مع أنه لم يهم إلا في حديث واحد هو حديث الشفعة.
... ونقل الرامهرمزي بإسناده إلى عبدالله بن داود أن سفيان الثوري كان إذا كان الحديث حسنا لم يكد يحدث به(2).
... وبإسناده إلى ثابت البناني أنه قال:
... "لولا أن تصنعوا بي ما صنع بالحسن لحدثتكم بأحاديث مؤنقة"(3) (أي حسانا معجبة) كما في تهذيب اللغة(4).
... وقال ابن عدي: "يزيد بن عطاء مع لينه هو حسن الحديث وعنده غرائب، ومع لينه يكتب حديثه"(5).
... وقال الحافظ العراقي رحمه الله.
... "قلت: قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن، وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى الإصطلاحي، فروى ابن عبدالبر في كتاب "بيان آداب العلم، حديث معاذ بن جبل مرفوعا" تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ..".
__________
(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/100-101).
والجرح والتعديل (1/146) وإسناده إلى شعبة جيد.
(2) المحدث الفاصل (ص563-564). والحسن هنا الغريب المستنكر.
(3) المحدث الفاصل، ص:564
(4) 9/323).
(5) الكامل: (7/2728).(1/5)
... قال ابن عبدالبر: وهو حديث حسن جدا، ولكن ليس له إسناد قوي.. انتهى كلامه.
... قال العراقي: فأراد بالحسن: حسن اللفظ قطعا، فإنه من رواية موسى بن محمد البلقاوي، عن عبدالرحيم بن زيد العمي، والبلقاوي هذا كذاب كذبه أبوزرعة وأبوحاتم ونسبه ابن حبان والعقيلي إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه، وعبدالرحيم بن زيد العمي متروك الحديث أيضا"(1).
... وتارة يطلقونه على الصحيح كما ثبت ذلك عن الإمام الشافعي والإمام أحمد والعجلي وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة والبخاري على أن أبا حاتم ويعقوب بن شيبة والبخاري اختلف إطلاقهم.
... فتارة يطلقونه على الصحيح، وتارة على رواية المجهول والضعيف، وستأتي الأدلة على ذلك إن شاء الله.
... وقد عقد القاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360هـ في كتابه "المحدث الفاصل"(2) بابا خاصا لما يطلق عليه "الغريب والحسن"، وساق فيه آثاراً تدل على كراهية أهل الحديث لما يسمى بالغريب والحسن ويظهر أن معناهما واحد عندهم.
... قال رحمه الله: باب من كره أن يروي أحسن ما عنده وساق فيه آثاراً المشار إليها.
... وساق الخطيب البغدادي بابا لما أشرنا إليه في "الجامع"(3) بعنوان: إستحباب رواية المشاهير والصدوف عن الغرائب والمناكير.
... وساق آثاراً تذم رواية الغرائب وذكر فيه أثر إبراهيم وشعبة السابقين.
... ويبدوا أنهما – رحمهما الله – لم يطلعا على إطلاق بعض الأئمة "الحسن" على الصحيح الغريب، والصحيح مطلقا.
... وقال ابن الصلاح – رحمه الله – في مقدمته في علوم الحديث(4):
__________
(1) التقييد والإيضاح، ص60، وانظر: جامع بيان العلم: (1/65).
(2) ص: (561-565).
(3) 2/100-101).
(4) ص: (35).(1/6)
... "الثامن: في قول الترمذي وغيره: "هذا حديث حسن صحيح إشكال، لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه.. على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس، ولا يأباه القلب، دون المعنى الإصطلاحي، الذي نحن بصدده فاعلم ذلك والله أعلم".
... وهو بمعنى قول الخطيب: "لأن الغريب غير المألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على قول شيخه العراقي.
... وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي.
... قال الحافظ:
... "أقول: قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي".
... قال إبراهيم النخعي:
... "كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه".
... وقيل لشعبة: كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟
... قال: "من حسنها فررت".
... ووجد "هذا من أحسن الأحاديث إسنادا". في كلام علي بن المديني وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة، وجماعة.
... لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده.
... فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل، فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك"(1).
... ثم ضرب مثالين فيهما إطلاق الشافعي لفظ الحسن على الصحيح ومثالا لاطلاق أحمد الحسن على الصحيح.
... ومثالا لإطلاق أبي حاتم الحسن مع احتماله المعنى اللغوي والإصلاحي.
... وذكر أن علي بن المديني أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في "مسنده" "وعلله" وأن ظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي وذكر مثالين عن البخاري وحملهما على المعنى الاصطلاحي.
... والشاهد من كلام الحافظ قوله:
... "فأما ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
__________
(1) النكت لابن حجر على ابن الصلاح: (1/424).(1/7)
... "والأحاديث التي تروى في هذا الباب – وهو السؤال بنفس المخلوقين – هي من الأحاديث الضعيفة الواهية، بل الموضوعة.
... ولا يوجد في أئمة الإسلام من احتج بها ولا أعتمد عليها مثل الحديث الذي يروى عن عبدالملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: إني أتعلم القرآن، ويتفلت مني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قل: اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وبموسى نجيك وعيسى روحك وكلمتك ... الحديث" ذكره رزين العبدري في جامعه، ونقله ابن الأثير في جامع الأصول ولم يعزه لا هذا ولا هذا إلى كتاب من كتب المسلمين لكن قد رواه من صنف في عمل اليوم والليلة كابن السني وأبي نعيم وفي مثل هذه الكتب أحاديث كثيرة موضوعة لا يجوز الإعتماد عليها في الشريعة باتفاق العلماء ... ورواه أبوموسى المديني من حديث زيد بن الحباب، عن عبدالملك بن هارون بن عنترة، وقال: هذا حديث حسن مع أنه ليس بالمتصل ...
... قال أبوموسى "وعبدالملك ليس بذاك".
... قال شيخ الإسلام: قلت: عبدالملك بن هارون بن عنترة من المعروفين بالكذب، قاله يحيى بن معين، وقال السعدي: دجال كذاب.
... وقال أبوحاتم: يضع الحديث(1)".. وذكر أقوال علماء آخرين.
... أقول: فإطلاق أبي موسى المديني الحسن هنا إطلاق لغوي القصد منه الإستنكار والاستغراب. ولا مجال للقول بأنه يقصد به المعنى الاصطلاحي لاسيما وقد جرح عبدالملك ابن هارون.
تعريف الحسن اصطلاحا:
... أما تعريف الحسن اصطلاحا فلم يعرفه القدامى من أئمة الحديث أي من قبل الإمام الترمذي، لأنهم كانوا لشدة إحتفائهم وإعتنائهم بالحديث وقوة معرفتهم لصحيحه من سقيمه وشاذه من منكره ومضطربه وغير ذلك من أنواع علوم الحديث في غنية عن التعاريف التي اهتم بها المتأخرون مع الفوارق الكبيرة بين المتقدمين والمتأخرين.
__________
(1) التوسل والوسيلة (ص: 88-89)، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت.(1/8)
... وقد جرى على منوال المتقدمين من بلغتنا مؤلفاتهم في علوم الحديث مثل القاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي (260–360) في كتابه "المحدث الفاصل".
... والحاكم أبي عبدالله النيسابوري (321-405).
... والحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (392-463) في كتابه: "الكفاية".
... فلم يعرفوا الحديث الحسن.
... والمشهور أن أول من عرف الحديث الحسن.
1- هو الإمام الترمذي – رحمه الله – وتعريفه ينطبق على الحسن لغيره.
قال رحمه الله. "وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى
1- لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب.
2- ولا يكون الحديث شاذا.
3- ويروى من غير وجه"(1).
ولم ينسب هذا التعريف إلى أهل الحديث، ولم يتجاوز به كتابه "الجامع" إلى مؤلفات غيره من أئمة الحديث.
2- وعرفه الإمام أبوسليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (319-388) فقال:
"ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام:
حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم.
فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته.
والحسن ما عرفه مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء"(2).
وثارت حول هذا التعريف للحسن اعتراضات كثيرة من علماء الحديث وفنونه.
3- وعرفه الحافظ أبوالفرج/ عبدالرحمن بن على بن الجوزي (510-597).
بأنه: "الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل ويصلح للعمل"(3).
4- قال الحافظ أبوعمرو عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح (577-643) بعد أن ساق هذه التعاريف:
__________
(1) جامع الترمذي (5/758)، كتاب العلل الصغير.
(2) معالم السنن مع مختصر المنذري وتهذيب ابن القيم لأبي داود: (1/11).
(3) الموضوعات (1/35).(1/9)
"قلت: كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح، وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان:
أ – أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روى مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
ب – القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا، وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي، فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك(1).
5- ولم تشف هذه التعريفات كلها القاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (639-733).
قال بعد أن ذكرها مع تعريف ابن الصلاح.
"قلت: وفي كل هذه التعريفات نظر.
أما الأول: والثاني: فلأن الصحيح أو أكثره كذلك أيضاً، فيدخل الصحيح في حد الحسن، ويرد على الأول الفرد من الحسن فإنه لم يرو من وجه آخر.
ويرد على الثاني: ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف.
وأما الثالث: فيتوقف على معرفة الضعف القريب المحتمل وهو أمر مجهول، وأيضا فيه دور، لأنه عرفه بصلاحيته للعمل به، وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنا.
__________
(1) علوم الحديث، ص: (26-28).(1/10)
وأما الأول من القسمين، فيرد عليه الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر.
ويرد على الثاني وهو أقربها المتصل الذي اشتهر راويه بما ذكر فإنه كذلك وليس بحسن في الاصطلاح.
ثم عرف الحسن بقوله:
"قلت: ولو قيل: الحسن كل حديث خالٍ عن العلل وفي سنده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع لما حددوه وقريبا مما حاولوه ... (1).
وأخصر منه: ما اتصل سنده وانتفت علله ... في سنده مستور، وله شاهد، أو مشهور غير متقن(2).
6- وقال العلامة الحسين بن عبدالله الطيبي (743) في خلاصته(3) بعد أن ذكر التعريفات السابقة واعتراضات ابن جماعة عليها وتعريفه للحسن.
"أقول: أعلم أن هذا المقام صعب مرتقاه وعقبة كؤودة من استعلى ذروتها، ثم انحدر منها وقف على أكثر اصطلاحات هذا الفن وعثر على جل أنواعه بإذن الله تعالى ولا يمكن الوقوف على الحق إلا بتحرير كلام يفصل بين الصحيح والسقيم والمعوج والمستقيم، فنحن نشرح الحدود على طريق يندفع عنها النظر"، ثم شرح الحدود وناقشها بنفس طويل.
ثم جاء بتعريف جديد فقال:
"فلو قيل: هو مسند من قرب من درجة الثقة أو مرسل ثقة وروى كلاهما من غير وجه وسلم عن شذوذ وعلة لكان أجمع وأبعد من التعقيد".
وهيهات هيهات من أن يسلم فما مسافة هذا القرب؟ والذي يحتاج إلى أن يأتي من وجه آخر هو الحسن لغيره، فكيف يكون أجمع وقد خرج منه الحسن لذاته أهم نوعي الحسن.
__________
(1) قال محقق المنهل حيث النقط ألفاظ انمحت في أصل الكتاب وزالت تماما.
(2) المنهل الروي ص: 53-54).
(3) ص: (38-43).(1/11)
7- وألقى أبوالفتح تقي الدين محمد بن علي بن وهب القشيري المعروف بابن دقيق العبد (625-702) نظرة فاحصة على هذه التعريفات الثلاثة(1) في كتابه "الاقتراح"(2) فقال: اللفظ الثاني الحسن" وفي تحقيق معناه اضطراب فذكر تعريف الخطابي، ثم قال:
"وهذه عبارة ليس فيها كبير تلخيص، ولا هي – أيضا – على صناعة الحدود والتعريفات.
فإن الصحيح – أيضا – قد عرف مخرجه وأشتهر رجاله فيدخل الصحيح في حد الحسن ثم مضى في عرض وجهات نظره وأخذه ورده فناقش تعريف الترمذي وعرج على تعريف ابن الجوزي فناقشه وذكر تعريف ابن الصلاح، ثم قال: وهذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض الألفاظ، ثم أبدى وجهة نظره بما لا يتسع له المقام ولا يشفي الغليل في الوقت نفسه.
8- ... وقال أبوالفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (734) متعقبا تعريفات الترمذي والخطابي وابن الجوزي.
وأما كلام الترمذي فقد اعترض عليه الإمام أبوعبدالله بن المواق بأنه لم يميز الصحيح من الحسن، فإنه ما من حديث صحيح إلا وشرطه: ألا يكون شاذا وألا يكون في رجاله متهم بالكذب وقد اعترض غيره بغير هذا الاعتراض.
وكذلك قول الخطابي: ما عرف مخرجه ... إلى آخره يدخل تحته أيضاً: قسما الصحيح والحسن.
وأما الذي قال فيه ضعف يسير محتمل، فلم يبين مقدار الضعف ما هو؟ ولا أتى بما تبلغ درجته أن يعرض عليه فيه، وبالجملة فأجود هذه التعاريف للحسن ما قاله الترمذي وعليه من الاعتراض ما رأيت، و هو أبوعذرة هذا المنزع ولم يسبقه أحد إلى هذا المراد بالحسن، ولم يعد من بعده مراده(3)، واستمر في الشرح والبيان لما أشار إليه – رحمه الله.
وقال الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (673-748) "الحسن": وفي تحرير معناه اضطراب.
__________
(1) أي تعريف الترمذي والخطابي وابن الجوزي.
(2) 7-11).
(3) النفح الشذي: (1/268-278).(1/12)
وساق تعريفات الخطابي والترمذي وابن الصلاح وأورد عليها اعتراضات ومؤاخذات، ثم قال: "وقد قلت لك إن الحسن ما قصر سنده قليلا عن رتبة الصحيح وسيظهر لك بأمثلة.
ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها فأنا على إياس من ذلك، فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح؟.
بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد فيوماً يصفه بالصحة ويوماً يصفه بالحسن ولربما استضعفه.
وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما، ولو انفك لصح باتفاق(1).
وأورد الحافظ ابن حجر مناقشة للعلائي والتبريزي لابن دقيق العيد ودافع عنه خلال كلامه ثم قال:
8- "وقد رأيت لبعض المتأخرين في الحسن كلاما يقتضي أنه:
"الحديث الذي في رواته مقال لكن لم يظهر فيه مقتضى الرد فيحكم على حديثه بالضعف، ولا يسلم من غوائل الطعن فيحكم لحديثه بالصحة".
9- وقال ابن دحية "الحديث الحسن هو مادون الصحيح مما فيه ضعف قريب محتمل، عن راو لا ينتهي إلى درجة العدالة ولا ينحط إلى درجة الفسق، ثم ناقشه الحافظ ثم أورد تعريف ابن جماعة السابق وناقشه من وجوه"(2).
10- ... وقال السخاوي (902) بعد مناقشات لتعريفات الحسن:
" ولذلك مع اختلال غيرها من تعاريفه قيل: أنه لا يطمع في تمييزه، ولكن الحق أن من خاض بحار هذا الفن سهل ذلك عليه كما قاله شيخنا، ولذا عرف الحسن لذاته، فقال:
"هو الحديث المتصل الإسناد برواة معروفين بالصدق في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيح ولا يكون معلولا ولا شاذا".
ومحصله أنه هو والصحيح سواء إلا في تفاوت الضبط، ثم شرح هذا التعريف.
__________
(1) الموقظة ص (26-29).
(2) النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/404-408).(1/13)
11- ... ثم قال: "وأما مطلق الحسن فهو الذي اتصل سنده بالصدوق الضابط المتقن غير تامهما أو بالضعيف بما عدا الكذب إذا اعتضد مع خلوهما من الشذوذ والعلة"(1).
والمتأمل يرى أن هذين التعريفين قد سارا في مضمار تلك التعاريف المضطربة.
فتعريف الحافظ غير جامع إذ اقتصر فيه على تعريف الحسن لذاته.
وتعريف السخاوي غيرمانع إذ يدخل فيه أنواع من الضعيف الشديد الضعف الذي لا ينجبر.
وهو ما قيل فيه ساقط وهالك وذاهب ومتروك وفيه نظر وسكتوا عنه ولا يعتبر به وليس بالثقة ورد حديثه أو حديثه مردود وضعيف جدا وواه بمرة، وقد طرحوا حديثه وارم به، مطرح، ليس بشيء لا يساوي شيئا، وهو من أعلم الناس بهذا وقد تكلم على هذه الألفاظ وشرحها وبين أنها من النوع الذي لا يعتبر به وانظر ذلك في كتابه فتح المغيث، ص: 371-375.
... عرضت للقاري هذه النقول والتعريفات للحسن وما دار حولها من مناقشات وكيف حار العلماء في تعريفه واضطربت أقوالهم فيه وامتد هذا قرونا إلى عصر السخاوي بل إلى يومنا هذا لأن أبا غدة وتلميذه وزميله محمد عوامه قد ذهبا في بحثهما الآتي عرضه ومناقشته إلى أن اصطلاح أئمة الحديث في الحديث الحسن قد تم وعرف قبل الإمام الترمذي وساقا أمثلة كثيرة لأئمة قبل الترمذي زعما فيها أن لفظ الحسن الوارد فيها قد أراد به الأئمة المعنى الإصطلاحي بما فيهم الإمام مالك المتقدم جدا على عصر الإمام الترمذي ومما قاله الشيخ أبو غدة:
... "فهذه الشواهد – وغيرها كثير – تفيد أن التعبير بوصف (الحسن) انتشر وشاع شيوعا لقي القبول وعرف منه المدلول قبل الترمذي بزمان ولهذا أكثر منه الترمذي هذه الكثرة البالغة، يريد أبوغدة بقوله: وعرف منه المدلول – أي: المعنى الإصطلاحي.
__________
(1) فتح المغيث ص: (66-67) تحقيق الأعظمي.(1/14)
... عرضت لك أقوال العلماء وإطلاقاتهم للحسن ومناقشاتهم واضطرابهم في تحديده ولم أستوف كل التعريفات والمناقشات لتدرك أن كل ما جلب به هذان الرجلان باطل في باطل يحدو كل ما صنعاه دوافع مذهلة.
... وسوف يتضح للقاريء من مناقشتهما فيما يأتي بطلان ما أرجفا به وركبا فيه كل صعب وذلول.
... نقل الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي في كتابه "قواعد في علوم الحديث" (1) عن الإمام ابن القيم – رحمه الله – وعن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – الكلام الآتي:
... "الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل(2) والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بالكذب بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، والضعيف عنده مراتب:
... فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه، ولا قول صاحب ولا إجماع على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقة على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس" أهـ.
... ونقل عن أصحاب أبي حنيفة أن الحديث الضعيف عندهم أولى من القياس وضرب لذلك أمثلة لعملهم بتقديم الحديث الضعيف على القياس.
... ثم قال التهانوي:
__________
(1) قواعد في علوم الحديث، ص: (99-100).
(2) نقل أبوداود – رحمه الله – أن أحمد تابع الشافعي في ترك الاحتجاج بالمراسيل – انظر رسالة أبي داود إلى أهل مكة، ص: 24 في آخر الجزء الثامن من مختصر المنذري وتهذيب السنن لابن القيم.(1/15)
... وقال الحافظ ابن تيمية: إثبات الحسن اصطلاح الترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح، ثم قد يكون متروكا وهو أن يكون متهما بالكذب أو كثير الغلط، وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب، وهذا معنى قول أحمد:
... والعمل بالضعيف أولى من القياس انتهى من إحياء السنن "نقلا عن التحفة المرضية".
... لم يعجب أبا غدة وتلميذه محمد عوامة نقل شيخهما التهانوي لهذين النصين عن الإمامين ابن تيمية وابن القيم.
... واستكثرا على الإمام أحمد أن يلتزم بهذا المنهج العظيم. أن يبتعد عن الاحتجاج بالضعيف الذي يشمل الباطل والمنكر بل إن الضعيف عنده قسم من أقسام الحسن كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله.
... فدفعتهما عصبيتهما العمياء إلى إثارة عاصفة هوجاء حول كلام ابن تيمية ارتكبا فيها من المغالطات والتعسفات لتحقيق غاية رديئة، ما لا يخطر ببال صاحب القلب السليم والعقل المستقيم.
... قال أبوغدة معلقا على ما نقله شيخه التهانوي:
1- "بحث أخي تلميذ الأمس وزميل اليوم، الأستاذ محمد عوامة في كلام الإمامين الشيخ ابن القيم والشيخ ابن تيمية – رحمهما الله تعالى – المنقول هنا: بحثا جيدا، ثم علقه على نسخته من هذا الكتاب، فأنا أنقله عنه مشكورا سعيه لينظر فيه ويستفاد منه، قال وفقه الله تعالى:
ينبغي أن يجعل الحديث الضعيف في هذا الباب أربعة أقسام:
1- الضعيف المنجبر الضعف بمتابعة أو شاهد، وهو ما يقال في أحد رواته: لين الحديث أو فيه لين.
وهو الحديث الملقب أي بالمشبه بالحسن من وجه وبالضعيف من وجه آخر، وهو إلى الحسن أقرب.
2- الضعيف المتوسط الضعف، وهو ما يقال في روايه ضعيف الحديث أو مردود الحديث أو منكر الحديث.
3- الضعيف الشديد الضعف، وهو ما فيه متهم أو متروك.
4- الموضوع.(1/16)
فالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله تعالى – يدخلان القسم الأول تحت كلام الإمام أحمد بناء على أنه يشمله اسم الضعيف من جهة واسم الحسن لغيره من جهة أخرى.
والظاهر – والله أعلم – إدخال القسم الثاني في مراد الإمام أحمد(1).
أقول: كيف ترضى العصبية القاتلة للشيخ محمد عوامة ولشيخه أبي غدة أن يتسنم الإمام أحمد ومنهجه ومذهبه هذه القمة السامقة ألا وهي الاحتجاج في دين الله بما ثبت من صحيح السنة وحسنها أي الحسن الذي فيه ضعف بالنسبة إلى الصحيح القوي.
كيف يسلمان لابن القيم قوله: "وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا مافي روايته متهم بالكذب.
بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن".
بل لابد أن يهويا بمنهج أحمد ومذهبه إلى الحضيض.
والطريق إلى ذلك أن يقال إن مراد أحمد بالضعيف ما يشمل القسم الثاني الذي فيه المردود والمنكر.
علما بأن المردود يقع في مرتبة رديئة جدا تلي مرتبة الكذابين والمتهمين عند العراقي وغيره من أهل الحديث، فمن هذه المرتبة الرديئة ما يقول فيه أهل الحديث مردود الحديث، ورد حديثه وضعيف جدا واه بمرة، وطرحوا حديثه، وارم به ومطرح الحديث، وليس بشيء، وألحق السخاوي بهذه المرتبة فلان لا يكتب حديثه أي لا احتجاجا ولا اعتبارا، ولا تحل كتبة حديثه ولا تحل الرواية عنه(2).
... وهذه المرتبة لا يحتج بها ولا يعتبر بها ولا يستشهد بها عند أهل الحديث.
والمنكر عند أبي غدة يشمل:
1- رواية المتهم بالكذب.
2- وفاحش الغلط.
3- والغافل عن الإتقان.
4- والفاسق بغير الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - (3).
هذا هو التحقيق العلمي الذي اكتشفه الباحث محمد عوامة وأيده شيخه أبوغدة.
__________
(1) التعليق طويل وسأقسمه إلى مقاطع إن شاء الله.
(2) انظر ألفية العراقي البيت: 342-344) وفتح المغيث شرح ألفية الحديث: (1/345) ط. السلفية.
(3) انظر فهرست قفو الأثر، ص:131.(1/17)
... وبهذا التحقيق الرائع يكون منهج أحمد في التعامل مع دين الله أردأ وأسوأ المناهج ومذهبه أحط المذاهب.
فأين إمامة أحمد في الإسلام وأين ورعه وأين علمه إذ ينسب إلى دين الله هذه الألوان الرديئة من المرويات؟.
بهذا الأسلوب الماكر هويا بالإمام أحمد إمام أئمة الحديث في الفقه والعلم والورع وتحري الحق والموت دونه وبمنهجه ومذهبه إلى أحط المستويات.
فاعتبروا يا أولي الأبصار كيف تفعل العصبية العمياء بأصحابها.
ومما لا ينقضي العجب منه أن هذين الرجلين ممن يتظاهر بحماية المذاهب الأربعة والغيرة عليها والدفاع عنها وعن أئمتها!!!
إن الإمام أحمد رحمه الله يتورع عن الاحتجاج في الحلال والحرام بأمثال محمد بن إسحاق أحد بحور العلم والحديث(1) ويتردد كثيرا في الاحتجاج بمثل عمرو بن شعيب من أهل العلم والحديث والتقى.
... كيف بالله يحتج بالأحاديث المردودة والمنكرة، والمنكر على اصطلاحكما. يشمل روايات الفساق والمتهمين بالكذب من أين لكما هذا الظاهر.
{ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } .
2- قال محمد عوامة وتابعه شيخه: والذي حمل الشيخ ابن تيمية – ومن تابعه – على هذا التفسير لكلام الإمام أحمد رأي آخر له أي لابن تيمية بنى عليه هذا التفسير وهو ادعاؤه أن الحديث عند المتقدمين ينقسم إلى صحيح وضعيف فقط، وأن الحسن اصطلاح أحدثه الترمذي، بل نقل ابن تيمية الإجماع على هذا الإدعاء كما في فتح المغيث للسخاوي ص5، وهذا غير صحيح، إذ أن إطلاق (الحسن) على الحديث وعلى الراوي – أيضا – وارد على لسان عدة من العلماء السابقين للترمذي من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه بل ورد هذا الإطلاق على لسان الإمام أحمد نفسه.
قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصلاح.
__________
(1) سيأتي الكلام عن محمد بن إسحاق وعمرو بن شعيب وأمثالهما في حينه إن شاء الله.(1/18)
"وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في مسنده "وفي علله" وظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد وعن البخاري أخذ الترمذي"(1).
أقول:
أولاً: إن هذا الرد غير منطقي وغير سليم وذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لم ينفيا عن المتقدمين على الترمذي إطلاق لفظ (الحسن) وإنما نفيا اصطلاحهم على تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام:
صحيح، وحسن، وضعيف.
فالرد المفحم إنما يكون بإثبات هذا التقسيم عن المتقدمين بالأدلة الواضحة والحجج القاطعة.
أما أن تذكرا مجرد ورود لفظ الحسن عن المتقدمين من غير أن تعلما مقاصد السلف في إطلاقه فهذا أسلوب العاجز بل الجاهل الذي لا يعرف كيف يقرع الحجة بالحجة ويقرع السنان بالسنان.
وقد مضى نماذج من مراد السلف من إطلاقهم لفظ الحسن وسيأتي الكثير إن شاء الله من ذلك مع بيان مقاصدهم مما لا يترك لأهل الهوس أدنى شبهة فضلا عن الحجج والبراهين.
ثانياً: في قول محمد عوامة في حق ابن تيمية ... وهو ادعاؤه .. بل نقل الإجماع على هذا الإدعاء، تطاول وإساءة أدب مع إمام واسع الإطلاع لا يبارى ولا يجارى في اطلاعه وفهمه كما لا يبارى في صدقه في النقل.
ففي قولكما هذا تكذيب له وتطاول عليه لا يحتمل من أمثالكما ممن يتخبط ويرسف في أغلال التقليد الأعمى، إن ابن تيمية مع سعة اطلاعه وصدقه لم يحك الإجماع.
فكيف تستروحان إلى فهم السخاوي حيث نسب إليه الإجماع.
إن مؤلفات الإمام ابن تيمية بين أيديكما، فلماذا لم ترجعا إليها لتتأكدا هل نقل الإجماع أو لا؟ وإنني – لقرائن كثيرة – أفهم جيدا أسباب استرواحكما فالله حسيبكما.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: (101-102).(1/19)
ثالثاً: وهي الطامة أن الشيخ محمد عوامة قد نقل هنا من كلام الحافظ ما يوافق هواه ويشيد بحثه وترك من كلامه ما يزلزل بحثه ويجعله يترنح ويضطرب، وهذا تصرف بغيض جدا تأباه النفوس الأبية التي تحترم صدق الكلمة وتعرف قدر الأمانة العامة فضلا عن أمانة العلم والنقل ولا أستبعد اطلاع شيخه أبي غدة على هذا التصرف الكريه واقراره عليه.
وأنا أنقل للقاريء الكريم الكلام الذي كتمه وأسدل عليه الستار محمد عوامة ليصل إلى هدفه وأقره عليه شيخه.
قال الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح".
قوله: (ع) (يعني شيخه العراقي):
"وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي".
قال الحافظ: أقول: قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي.
قال إبراهيم النخعي: كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه.
... وقيل لشعبة: كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟
... قال من حسنها فررت.
... ووجد: "هذا من أحسن الأحاديث إسناداً في كلام علي بن المديني وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة، وجماعة.
... لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده، فأمَّا ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل، فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك، فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسنا خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته.
... وكذا قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - في السهو.
... وأما أحمد، فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر، فقال: أصح ما فيها حديث أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها -.
... قال: وسئل عن حديث بسرة - رضي الله عنها -، فقال: صحيح.(1/20)
... قال الخلال: حدثنا أحمد بن أصرم أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة - رضي الله عنها - في مس الذكر فقال: هو حديث حسن. فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح.
... وأما أبوحاتم، فذكر ابنه في كتابه "الجرح والتعديل" في باب من اسمه عمرو من حرف العين عمرو بن محمد - روى عن سعيد بن جبير وأبي زرعة بن عمرو بن جرير روى عنه إبراهيم بن طهمان، سألت أبي عنه فقال: هو مجهول والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير حسن.
... قلت: وكلام أبي حاتم هذا محتمل، فإنه يطلق المجهول على ما هو أعم من المستور وغيره، فيحتمل أن يكون حكم على الحديث بالحسن، لأنه روى من وجه آخر، فيوافق كلام الترمذي.
... ويحتمل أن يكون حكم بالحسن، وأراد المعنى اللغوي أي أن متنه حسن - والله أعلم –(1) انتهى كلام الحافظ.
... فإذا ألقينا نظرة على كلام الأئمة الذين ذكرهم الحافظ ظهر لنا أن قول النخعي"كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه". إخبار عن أهل عصره من شيوخه وأقرانه أنهم يقصدونه بالحسن المعنى اللغوي أي أنهم يطلقون الحسن على الأحاديث الضعيفة والغريبة والمستنكرة التي ينمقها رواتها ويزخرفونها بالألفاظ الفصيحة والأساليب الخلابة.
... وظهر لنا من سؤال السائل للإمام شعبة وجواب شعبة قصد المعنى اللغوي، وقد رأينا قول الحافظ: "لكن منهم من يريد المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده.
... فأما ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد، فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك".
... وهنا نتساءل هل هذا الكلام يدعم بحث أبي غدة وتلميذه أو يزلزله ويجعله متهاوي الأركان.
__________
(1) النكت على ابن الصلاح (1/424-426) وانظر المحدث الفاصل ص (561) فقد أورد كلام النخعي، وكلام شعبة أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/146) والخطيب في تاريخه (10/395) وفي الجامع (2/101) بإسناد جيد.(1/21)
... والجواب أنه يزلزل بحثهما ويضره إلى حد بعيد.
... أعتقد أن محمد عوامة فكر وقدر ثم فكر وقدر ثم عبس وبسر ثم إخفاءه قرر.
... ثم مضيا في طريقهما الباطل يخطفان كلمة (الحسن) من هنا وهناك ويحرفان معانيها ويلويانها عن مقاصد من أطلقها موهمين القراء والسامعين أن كل من أطلق لفظ (الحسن) من قبل الترمذي إنما أرادوا به المعنى الاصطلاحي.
... وفعلاً انطلت هذه المغالطات والتمويهات على كثير من طلاب العلم بل انطلت على حملة الشهادات العليا من دكاترة وغيرهم. ولكن { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } .
الإمام علي بن المديني
ومراده من إطلاق لفظ "الحسن"
... رابعاً: سوف يأتي ما يتعلق بالإمام أحمد في موضعه إن شاء الله.
... وقول الحافظ: "وأما علي بن المديني، فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في "مسنده" و"علله"، فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد، وعن البخاري أخذ الترمذي".
... أقول: في كلام الحافظ هذا نظر.
... وذلك أن علي بن المديني وإن كان إماماً كبيراً في الحديث وعلومه وإن كان لايشك في أن الإمام البخاري ويعقوب وغيرهما قد استفادوا من علومه وارتووا من نميرها.
... لكن الذي يظهر لي أن الحافظ ومن في عصره بل وقبل عصره لم يدركوا من مؤلفات علي بن المديني إلا القطعة الموجودة إلى الآن من "علله" و"الأخوة والأخوات" و"سؤالات محمد بن أبي شيبة للإمام علي بن المديني".
... ومن الأدلة على ذلك:
أولاً: أن المسند قد تلف في حياة الإمام علي بن المديني نفسه.
قال الحافظ يعقوب بن شيبة – رحمه الله – المتوفى سنة سبع وسبعين ومائتين عن بضع وثمانين سنة، وأحد الأعلام من تلاميذ علي بن المديني – رحمه الله – في سياق قصة لعلي بن المديني في تأريخه(1).
__________
(1) المعرفة والتأريخ (2/137)، وانظر تاريخ بغداد (11/462)، وسير أعلام النبلاء (11/49).(1/22)
... " ... فأخبرني العباس بن عبدالعظيم، أو هذا الذي من ولد جويرية، قال: قال علي: كنت صنعت المسند على الطرق مستقصى، وكتبته في قراطيس، وصيرته في قمطر كبيرة، وخلفته في المنزل، وغبت هذه الغيبة(1)، فلما قدمت ذهبت يوما لأطالع ما كنت كتبت، قال: فحركت القمطر، فإذا هي ثقيلة رزينة بخلاف ما كانت، ففتحتها، فإذا الأرضة قد خالطت الكتب، فصارت طينا، فلم أنشط بعد لجمعه".
... هذه قصة المسند صارت أخبارا تروى من حياة المؤلف وتلاميذه إلى يومنا هذا، فكيف اطلع عليه الحافظ؟
... لاشك أن كلام الحافظ قام على الظن لا على الإطلاع على المسند وسبره ومعرفة منهج مؤلفه فيه.
... ثانياً: وأما العلل فأعتقد أن مصيرها مصير المسند وسائر كتب علي بن المديني المفقود معظمها من قبل الخطيب البغدادي، وما أعتقد بقي من العلل من وقت سابق لعهد الحافظ ابن حجر إلا القطعة الصغيرة الموجودة الآن بأيدي الناس.
... قال الدكتور عبدالمعطي قلعجي محقق القطعة الباقية من العلل: "ومخطوطة هذا الكتاب تقع في أربع عشرة ورقة محفوظة ضمن مجموعة في سراي أحمد الثالث رقم 624/24 (من 255-268،أ)، وذكر أنها كتبت سنة 728هـ وعنها صورة بمعهد المخطوطات 2، رقم743 ... وهي بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل البهنسي(2).
وللتأكد رجعت إلى فهرس معهد المخطوطات الجزء المذكور فوجدت المعلومات كما ذكر وأن وفاة الناسخ المذكور كانت سنة 728هـ إلا أنه ذكر أن القطعة تقع في 15ورقة ووصف الناسخ بأنه شافعي.
__________
(1) أي إلى اليمن.
(2) مقدمة العلل ص: 12.(1/23)
... ومن أجل معرفة ما إذا كان الحافظ قد وقف على العلل لابن المديني وقرأها فعلا أولا: رجعت إلى كتابه "تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة" المسمى بـ (المعجم المفهرس) للحافظ ابن حجر والذي هو مظنة ذكر هذا الكتاب وهو مصور بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 1719 عن نسخة دار الكتب المصرية راجعت الباب الثالث(1) في فنون الحديث ذكر فيه كتب علوم الحديث مثل "المحدث الفاصل" للرامهرمزي.
... و"علوم الحديث " للحاكم أبي عبدالله، و"الكفاية" والجامع للخطيب البغدادي، وغيرها.. ومن هذا الباب فصل في العلل.
... ذكر فيه جزأ فيه سؤالات أبي بكر الأثرم أحمد بن حنبل وسؤالات خطاب بن بشر للإمام أحمد.
... وكتاب "العلل" لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري.
... وكتاب "العلل" لابن أبي حاتم.
... وكتاب "العلل" للخلال، وكتاب "العلل" للدارقطني.
... و"جزء فيه المسائل" لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة.
... ولم أجد ذكرا لكتاب "العلل" لابن المديني.
... أفترى أن لو كان كتاب "العلل" لابن المديني في حوزته وداخل ضمن مروياته يهمله وفيه شرف كبير له؟
... بل لو كان موجوداً لذكره في طليعة هذا الفصل لأهميته ومكانته التي يعرفها الحافظ أكثر من غيره.
... بل إن الحافظ أبابكر محمد بن خير الأموي الاشبيلي (502-575هـ) لم ير هذا الكتاب ولم يدخل في نطاق مروياته ومسموعاته فلم يذكره في فهرسته وقد كان معاصراً لأبي طاهر السلفي (472-576) الذي كان يروي هذه القطعة بإسناده ولابن خير منه إجازتان بالمكاتبة فيما وقفت عليه من فهرسته(2).
__________
(1) الباب المذكور يقع في المعجم من (ل126-ل141)، وقد راجعت احتياطا فصلين من المسلسلات والشروح من (ل134-ل137) فلم أعثر على الكتاب المذكور ويقع في المطبوع من (ص: 153) إلى (ص: 188).
(2) انظر ص: 178، 430 من الفهرست المذكور.(1/24)
... بل روى عن أبي طاهر فهرسته عن غير واحد من أصحابه وأخذها عنه إجازة بالمكاتبة، فلو كان كتاب العلل أو شيء منه يستحق الرحلة لشد ابن خير إليه الرِّحال.
... وكذلك لم يذكره شمس الدين محمد بن جابر الوادي آشي (749هـ) في برنامجه.
... بل أعتقد أن القطعة المذكورة لم تصل إلى يد الحافظ ابن حجر إذ لو وصلت إليه لذكرها – والله أعلم – إذ همم أهل العلم لا تقصر عن مثل هذا لاسيما الحافظ ابن حجر – رحمه الله -.
... وفي ضوء ما سبق أستطيع القول:
... بأن قول الحافظ ابن حجر – رحمه الله -.
... "وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في "مسنده" وفي "علله" فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي وكان الإمام السابق لهذا الاصطلاح".
... هو قول قائم على ظن مجرد دفعه إليه شهرة ابن المديني لدى أهل الحديث بالمعرفة الواسعة بالحديث وعلله.
... وإذن فلا ينبغي التشبث بكلام الحافظ بعد معرفة واقع هذين الكتابين، وهذه أكبر قاعدة لبحث الشيخين أبي غدة وتلميذه محمد عوامة قد تهاوت والحمد لله تحت معاول البحث الجاد المنصف الذي يتحرى الحق ويأنف المغالطات والتلبيسات والتعصب الأعمى.
... ثم لتنتقل إلى القطعة الباقية من كتاب "العلل" لابن المديني لتبديد بقية الأوهام والخيالات التي قد يتعلق بها الباحثان أبوغدة ومحمد عوامة.
... إعلم أيها القاريء الكريم أنني لم أجد في القطعة المذكورة إلا حديثاً واحدا مما أطلق علي بن المديني عليه "لفظ الحسن" وهو: "قال علي في حديث عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني ممسك بحجزكم عن النار)".
... قال علي: هذا حديث حسن الإسناد، وحفص بن حميد مجهول لا أعلم أحداً روى عنه إلا يعقوب القمي. ولم نجد هذا الحديث عن عمر إلا من هذا الطريق وإنما يرويه أهل الحجاز من حديث أبي هريرة"(1).
__________
(1) ص102) الفقرة: 160، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي. و (ص117)، تحقيق عبدالمعطي قلعجي.(1/25)
... وقد روى هذا الحديث بهذا الإسناد يعقوب بن شيبة في (مسنده) من مسند عمر – رضي الله عنه(1).
... وقال: "هو حديث حسن الإسناد غير أن في إسناده رجلاً مجهولا، رواه يعقوب القمي، عن حفص بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس.. وحفص بن حميد هذا لا نعلم أحداً روى عنه إلا يعقوب القمي، ولا نحفظ هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه إلا من هذا الوجه.
... وقد رواه أهل المدينة عن أبي هريرة، وقد أخرجنا ما حضرنا بأسانيد حسان متفرقة، عن أبي هريرة وابن عباس، وأم سلمة، وأسماء بنت أبي بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
... وقد روى عبدالله بن أنيس، عن عمر رضي الله عنه من آخر هذا الحديث شيئاً نأتي به في موضعه إن شاء الله".
... فإطلاق علي بن المديني ويعقوب بن شيبة للفظ "الحسن"على إسناد فيه مجهول عندهما دليل واضح على أنهما لا يريدان المعنى الاصطلاحي، بل المعنى اللغوي.
... وهذا لا يدع مجالا للتعلق بقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله – "وظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي"، كما سبق أن قررناه من أن الحافظ لم يطلع على "العلل" ولا على "المسند" لابن المديني. ولقيام هذا الدليل الآن من كلام علي في "العلل" ولو كان كتاب العلل كاملاً لما بعد أن نجد الكثير من النصوص فيها إطلاق علي لفظ الحسن إطلاقا لغويا إما على الغريب المنكر وإما على الصحيح لوجود النوعين بكثرة عند المحدثين القدامى.
... ويمنع من إرادة علي للمعنى الاصطلاحي أن في إسناد هذا الحديث عللا:
الأولى: جهالة حفص بن حميد في نظره.
الثانية: أنه مع جهالته قد تفرد برواية هذا الحديث عن عمر.
الثالثة: مخالفته لعدد من الثقات من حفاظ أهل المدينة الذين رووا هذا الحديث عن أبي هريرة وغيره من الصحابة وليس فيهم عمر بن الخطاب.
ولو كان من حديث عمر لكانوا أولى الناس بحفظه وروايته فكيف يستأثر هذا المجهول بحفظ ماغاب عن حفاظ أهل المدينة من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-.
__________
(1) ص: (82-83).(1/26)
أضف إلى ما سبق أن من منهج أئمة الحديث الإعلال بالمخالفة فيعلون كثيرا من أحاديث الثقات بمخالفة من هو أرجح منهم بالكثرة أو بالحفظ أو بغيرهما من القرائن والمرجحات وعلي بن المديني من أهمهم.
فكيف لا يعل بمخالفة رجل غريب مجهول لعدد من حفاظ أهل المدينة يروونه عن أبي هريرة وغيره من الصحابة ليس فيهم عمر.
وهذه أمثلة للقارئ مما أعل فيها علي بن المديني بالمخالفة أخذتها من القطعة الباقية من "علله".
"قال علي: حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من جعل على القضاء فقد ذبح بغير سكين).
أ – ... فقال: رواه ابن أبي ذئب، عن عثمان بن محمد الأخنسي وروى عثمان هذا أحاديث مناكير، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
ب - ... ورواه عبدالله بن جعفر يخالف ابن أبي ذئب في إسناده.
ج - ... ورواه عن الأخنسي عن المقبري وعبدالرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، والحديث عندي حديث المقبري"(1).
... وقد وضح الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الاختلاف في طرق هذا الحديث في حاشيته على جزء "العلل" الذي حققه بأن الحديث روي عن ابن المسيب عن أبي هريرة وعن الأعرج عن أبي هريرة، وعن المقبري عن أبي هريرة فرجح ابن المديني أن الحديث عن المقبري عن أبي هريرة.
علل حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يدعو رافعا يديه
ص83
118- ... وقال علي: "حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يدعو رافعا يديه، عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة.
رواه جرير عن الأعمش عن أبي صالح مرسلا.
ورواه أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد.
ورواه وكيع عن الأعمش عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى سعدا.. والحديث عندي حديث القعقاع".
فقد رجح رواية القعقاع على رواية الأعمش.
وقد روى الحديث عنه أبو معاوية ووكيع وهما من هما.
... ص83
__________
(1) العلل لابن المديني، ص: 78 رقم 113 تحقيق: الأعظمي.(1/27)
120- قال: "حديث أبي هريرة (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، فقال: رواه مالك وابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي.
ورواه عبدالرحمن بن اسحاق فخالفهما، فرواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة.
... والحديث عندي حديث مالك وابن عجلان وأخطأ عبدالرحمن بن اسحاق".
... فقد رجح علي رواية اثنين على رواية عبدالرحمن مع الفرق بينه وبين حفص بن حميد الذي خالف أهل المدينة. وعبدالرحمن ابن اسحاق مشهور مختلف فيه بين أهل الحديث فمنهم من يوثقه ومنهم من تكلم فيه، وقال فيه الحافظ: "صدوق رمي بالقدر".
... ص91
... رقم 131- قال علي: حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إن الرحم شجنة من الرحمن).
... رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
... وهو عندي خطأ لاشك فيه.
... لأن الزهري رواه عن أبي سلمة عن أبي رواد الليثي عن عبدالرحمن بن عوف وهو عندي الصواب".
... مع أن الحديث ثابت من طرق إلى أبي هريرة.
... رواه البخاري(1) قال: حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان حدثنا عبدالله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه الإمام أحمد من طريق محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة(2) ومن طريق أبي رافع عن أبي هريرة(3).
... والشاهد: أن علي بن المديني أعل حديث أبي هريرة بالإختلاف وإن كان صحيحاً عند البخاري وغيره.
... فكيف لا يعل علي أحاديث المجهولين إذا خالفوا عددا من الثقات الحفاظ.
... ص85 حديث 123.
... قال علي: "حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عبدالله بن حذافة يطوف بمنى.
... فقال: رواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
... ورواه معمر، عن الزهري، عن مسعود بن الحكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ابن حذافة.
... والحديث حديث معمر.. وحديث صالح غلط".
__________
(1) في الأدب 13 – باب من وصل وصله الله حديث: 5988
(2) 2/259، 383، 406، 455).
(3) 2/ 344).(1/28)
... وصالح قال فيه الحافظ: ضعيف يعتبر به".
... فقد رجح علي رواية معمر وهو واحد في مقابل صالح.
... فكيف لا يرجح رواية جماعة من أهل المدينة على واحد مجهول في نظره.
... ص86-87 رقم 125.
... قال علي: حديث أبي هريرة، كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف بعض ما يكون بين الناس.
... فقال: رواه زائدة، عن عاصم، عن أبي صالح عن أبي هريرة، ورواه الأعمش يخالف عاصماً في إسناده.
... فرواه، عن أبي صالح عن أبي سعيد، ولا يحفظ من حديث سهيل، والأعمش أثبت في أبي صالح من غيره".
... فقد رجح واحدا على واحد بأن الأعمش أثبت من غيره في أبي صالح.
... وإذا تذكرت ما سبق من علل في حديث حفص بن حميد المجهول عنده، وعرفت منهج علي بن المديني في إعلاله الأحاديث بالمخالفة في ضوء القواعد المعلومة عند المحدثين وتبين لك جلياً أن إطلاق علي بن المديني لفظ الحسن على إسناد فيه مجهول رافقته علل أخرى، إطلاق لغوي لا يمتري في ذلك من شم رائحة علوم الحديث.
مراد البخاري من اطلاق لفظ الحسن
... لقد تتبعت إطلاق البخاري للفظ الحسن في أكبر مظانه ألا وهو "العلل الكبير" للإمام الترمذي، فوجدته يطلقه تارة على الضعيف وتارة على الصحيح وفي كثير من الأحيان يطلقه على الفرد الغريب سواء أكان من الأفراد الصحاح من روايات الثقات الحفاظ المتقنين كالثوري وابن عيينة وأمثالهما أم من أفراد المتوسطين من الرجال أم من أفراد الضعفاء حتى من شديدي الضعف.
... وسوف يظهر لك ذلك من خلال مناقشة الأمثلة التي ذكرها محمد عوامة وأبوغدة، ومن الأمثلة التي سأقوم باضافتها لتوضيح منهج البخاري في اطلاقه لفظ الحسن ومقصوده من اطلاقه.
3-قال محمد عوامة ناقلاً عن الحافظ ابن حجر:
... "فمن ذلك ما ذكر الترمذي في "العلل الكبير" أنه سأل البخاري، عن أحاديث التوقيت، في المسح على الخفين، فقال – أي البخاري – "حديث صفوان بن عسال صحيح، وحديث أبي بكرة حسن.(1/29)
... وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود فيه شرائط الصحة وحديث أبي بكرة على شرط الحسن لذاته"(1).
... أقول:
... أولاً: إن الشيخ محمد عوامة قد حذف من كلام الحافظ ابن حجر كلاماً لو أبقاه لاهتز بحثه وهو الكلام الآتي:
... "وحديث أبي بكرة الذي أشار إليه – رواه ابن ماجه من رواية المهاجر أبي مخلد" عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه – رضي الله عنه – به، والمهاجر، قال وهيب: إنه كان غير حافظ.
... وقال ابن معين: "صالح".
... وقال الساجي: "صدوق".
... وقال أبوحاتم: "لين الحديث، يكتب حديثه".
... فهذا على شرط الحسن لذاته، كما تقرر"(2) انتهى كلام الحافظ الذي حذفه محمد عوامة.
... ولعل القاريء يتساءل لماذا حذف هذا الكلام؟
... والجواب: يحتمل – والله أعلم – أن الباحث محمد عوامة رجع إلى ترجمة المهاجر في كتب الرجال، فوجد أن الحافظ ابن حجر نفسه قال في مهاجر إنه مقبول. وأن الإمام الذهبي قد حكى تليينه في كتبه الثلاثة "الميزان"(3)، و"ديوان الضعفاء"(4) و"المغني"(5).
... وهو يعلم أن الحافظ قد قال في التقريب أن من قال فيه مقبول أن ذلك عند المتابعة وإلا فلين الحديث.
... وهو – أي محمد عوامة – قد صنف في هذا البحث من يقال فيه لين الحديث في النوع الأول من الضعيف.
... وهو يريد أن يستفيد من كلام البخاري هذا، ومن كلام الحافظ ابن حجر أن البخاري أطلق لفظ "الحسن" مريدا به المعنى الإصطلاحي.
... لكن بالبحث والتأمل حتى في تقييم الحافظ نفسه للمهاجر ينتج أن البخاري أطلق لفظ "الحسن" على حديث أبي بكرة بالمعنى اللغوي أي أنه غريب والغريب هنا هو الضعيف.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص (102).
(2) النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/427-428).
(3) 4/194) نقل فيه تليين وهيب وأبي حاتم واقتصر على ذلك.
(4) ص: 309) اقتصر فيه على تليين وهيب.
(5) 2/680) اقتصر فيه على تليين وهيب.(1/30)
... فرأى محمد عوامة أنه لا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بحذف هذا الكلام حول المهاجر أبي مخلد.
... وبذلك يستقيم بحثه ويستوي على أشده.
... ويحتمل أن الحذف تم لقصد الإختصار وفيه بعد والله أعلم بحقيقة الحال وهو الذي لا تخفى عليه خافية وهو الرقيب على عباده.
... ثانياً: إن في نقل الحافظ ابن حجر – رحمه الله – عن الترمذي والبخاري – رحمهما الله – نظرا من جهتين:
... الأولى: أن الترمذي قال في "العلل الكبير"(1):
... "سألت محمدا فقلت: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟.
... قال: "حديث صفوان بن عسال، وحديث أبي بكرة حسن".
... ونقل البيهقي(2) هذا اللفظ عن الترمذي.
... ونقله الزيلعي(3) عن "علل الترمذي".
... وفرق بين ما قاله الترمذي ونقله عنه البيهقي والزيلعي وبين ما نقله عنه الحافظ، ويترجح لي الموجود في العلل ويؤكده النقل السابق عنه وربما كان ما نقله الحافظ سبق قلم أو ناشيء عن سهو.
... إن ما نقله الحافظ يفيد أن البخاري قد صحح حديث صفوان بن عسال، والموجود في العلل والمنقول عن الترمذي لا يفيد ذلك، وهذا أمر معروف لدى أهل هذا الشأن، والباحثان أبوغدة ومحمد عوامة يعرفان ذلك جيداً.
... وقد علق الشيخ أبو غدة على كلام شيخه التهانوي بما يأتي:
36- في (باب التكبير في صلاة العيدين): 3/286:
... وقال النووي في الأذكار في باب اذكار صلاة التسبيح، ص169 "لا يلزم من قولهم: (أصح شيء في هذا الباب كذا) صحة الحديث، فإنهم يقولون:هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفا ومرادهم أرجحه وأقله ضعفا".
__________
(1) 1/175) في المطبوع و (ل10) من المخطوطة.
(2) السنن الكبرى (1/276).
(3) نصب الراية: (1/168) وقال الترمذي عقب اخراج حديث صفوان، وهذا حديث حسن صحيح: وقال محمد بن إسماعيل: "أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن البخاري لا يريد بعبارته السابقة أن يحكم له بالصحة.(1/31)
... الثانية: إن في إسناد حديث صفوان بن عسال عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة. قال الذهبي فيه: "ثبت في القراءة وهو في الحديث دون الثبت صدوق يهم".
... قال يحيى القطان: ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.
... وقال النسائي: ليس بحافظ.
... وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.
... وقال أبوحاتم: محله الصدق.
... وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.
... قلت: هو حسن الحديث، وقال أحمد وأبوزرعة: ثقة، وقلت: خرج له الشيخان لكن مقرونا بغيره لا أصلا وانفرادا"(1).
... وقال الحافظ:"صدوق له أوهام"(2).
... ومن هذا حاله لا يستقيم تصحيح حديثه، بل يضعف وأحسن أحواله أن يحسن على اصطلاح المتأخرين.
... وعلى هذا فيكون حديث أبي بكرة دونه، فيكون مراد البخاري. أنَّ حديث صفوان بن عسال أرجح من حديث أبي بكرة وأقل ضعفا ويكون إطلاق الحسن على حديث أبي بكرة إطلاقاً لغويا لا اصطلاحيا، لأن المهاجر تفرد به فيكون الحسن بمعنى الغريب الفرد المنكر لأنه تفرد به راو ضعيف.
4- نقل الشيخ/ محمد عوامة عن الحافظ ابن حجر قوله:
... ذكر الترمذي – أيضا – في "الجامع" أنه سأله عن حديث شريك بن عبدالله النخعي عن أبي اسحاق، عن عطاء ابن أبي رباح، عن رافع بن خديج – رضي الله تعالى عنه – قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من زرع في أرض قوم بغير اذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته).
وهو من أفراد شريك، عن أبي اسحاق.
... فقال البخاري: "هو حديث حسن". انتهى.
... وتفرد شريك بمثل هذا الأصل، عن أبي اسحاق مع كثرة الرواة عن أبي اسحاق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به، لكنه اعتضد بما رواه الترمذي – أيضا – من طريق عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع – رضي الله تعالى عنه – فوصفه بالحسن لهذا" ... انتهى كلام الحافظ.
... وانظر في نصب الراية: (1/24) ففيه نص آخر في تحسين البخاري لحديث آخر(3)".
__________
(1) الميزان (2/357).
(2) التقريب.
(3) حاشية قواعد في علوم الحديث للتهانوي، ص: 102(1/32)
... أقول: لا يظهر قصد المعنى الإصطلاحي من قول البخاري هذا في حديث رافع.
... ولا في حديث عثمان في تخليل اللحية، المشار إليه في نصب الراية.
... أما حديث شريك فهو في جامع الترمذي(1).
... وقد قال الترمذي عقب روايته: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من.. حديث شريك بن عبدالله.
... والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق.
... وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال: "لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك".
... قال محمد: حدثنا معقل بن مالك البصري، حدثنا عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.
... وقال في العلل(2) الكبير للترمذي.
... قال – بعد أن روى الحديث من طريق شريك بإسناده -:
... "سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث شريك الذي تفرد به عن أبي إسحاق".
... قال محمد: ونا معقل بن مالك، عن عقبة بن الأصم عن عطاء، قال: نا رافع بن خديج بهذا الحديث ومعقل بن مالك بصري".
... وليس فيه ذكر التحسين فالله اعلم هل الصواب مافي العلل أو مافي الجامع إذ في نسخة اختلاف. خاصة في أحكام الترمذي بالصحة والحسن والغرابة، وهذا معروف لدى أهل الحديث، وقد نبه على ذلك ابن الصلاح وغيره.
... قال ابن الصلاح – رحمه الله – في مقدمته(3):
... "وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله: هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح، ونحو ذلك، فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول، وتعتمد على ما اتفقت عليه".
... والذي ينبغي أن نلاحظه ونفهمه بدقة أن الترمذي قد قال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من حديث شريك.
... وأن البخاري كذلك قال لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك.
__________
(1) 13- كتاب الأحكام 29- باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم حديث: 1366
(2) 1/563-564) والمخطوط لـ 79.
(3) ص: 32).(1/33)
... إذن فمراد البخاري بالحسن هنا هو الغرابة والتفرد لأن شريكا قد تفرد به عن أبي إسحاق وأغرب به.
... وأن البخاري كذلك قال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك.
... إذن فمراد البخاري بالحسن هنا هو الغرابة والتفرد، لأن شريكا قد تفرد به عن أبي إسحاق وأغرب به.
... ولا يريد بذلك المعنى الإصطلاحي قطعا.
... وأما حديث عثمان رضي الله عنه في تخليل اللحية المشار إليه في نصب الراية، فقد قال الترمذي رحمه الله في "جامعه"(1) بعد إخراجه حديث عمار: "قال محمد بن إسماعيل أصح شيء في هذا الباب، حديث عامر بن شقيق، عن أبي وائل عن عثمان.
... ثم رواه بإسناده من طريق عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان مرفوعاً ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح".
... وفي العلل الكبير(2) للترمذي.
... قال محمد: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان قلت: إنهم يتكلمون في هذا الحديث، فقال: "هو حسن".
... فالظاهر أنه يريد بلفظ "الحسن" المعنى اللغوي.
... وقد صححه الترمذي كما ترى ولعل هذا بناء منه على جواب البخاري.
... وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم، نقل ذلك الحافظ في تهذيب التهذيب(3). بعد أن نقل تصحيح الترمذي وجواب البخاري للترمذي في العلل، فإن قيل كيف يصحح حديثا وفيه كعامر بن شقيق وقد تكلم فيه، قلنا: قد عرف ذلك البخاري فلم يلتفت إلى الكلام فيه، وقد تكلم بعض الأئمة في رجال من رواة صحيحه ولم يلتفت إلى كلامهم لعدم ثبوت الجرح فيهم عنده.
... قال أبوغدة:
5- "وأزيد على ما تقدم ما جاء في إعلام الموقعين، لابن القيم 3/56، قال الترمذي في كتاب "العلل".
... سألت البخاري، عن حديث (لعن الله المحلل والمحلل له)، فقال: "هو حديث حسن".
... قلت: الحديث في "العلل الكبير"(4).
... قال الترمذي:
__________
(1) أبواب الطهارة 23-باب ما جاء في تخليل اللحية، حديث 30، 31
(2) 1/114، 115) والمخطوط ل 5.
(3) 5/69).
(4) 1/437).(1/34)
... "حدثنا محمد بن يحيى، نا معلى بن منصور، عن عبدالله بن جعفر المخرمي(1)، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن المحلل والمحلل له.
... فسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: "هو حديث حسن وعبدالله بن جعفر المخرمي صدوق ثقة، وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة، وكنت أظن أن عثمان لم يسمع من سعيد المقبري".
... إسناد هذا الحديث صحيح في نظر الإمام البخاري، فمحمد بن يحيى هو الإمام الذهلي.
... ومعلى بن منصور إمام من رجال السنة ثقة سني.
... وسعيد بن أبي سعيد المقبري من رجال الستة ثقة.
... وعبدالله بن جعفر المخرمي(2) قال فيه البخاري: صدوق ثقة.
... وعثمان بن محمد الأخنسي(3) قال فيه البخاري ثقة.
... فالحديث صحيح عند البخاري أطلق عليه لفظ الحسن إطلاقاً لغوياً لعله في نظره فرد غريب.
6- قال محمد عوامة – وتابعه شيخه أبوغدة – "ولهذا قال ابن الصلاح: "ويوجد – أي التعبير بالحسن الإصطلاحي في متفرقات من كلام بعض مشايخ الترمذي والطبقة التي قبله، كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما" انتهى.
... أقول:
... أولا: عبارة ابن الصلاح – رحمه الله – هي: "كتاب أبي عيسى الترمذي – رحمه الله – أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما".
__________
(1) في "العلل" "المخزومي" والتصويب من كتب الرجال وهو مشهور.
(2) انظر تهذيب التهذيب (5/173) حيث قال: وقال الترمذي مدني ثقة، وقال في "العلل" عن محمد بن إسماعيل: "صدوق ثقة".
(3) انظر تهذيب التهذيب (7/152-153) حيث قال: ونقل الترمذي في كتابه عن البخاري انه وثقه، وهذا القول، الظاهر انه في "جامع الترمذي"، وقد رأيت توثيقه له في "العلل".(1/35)
... ولعل في كلامه هذا ما يؤيد كلام ابن تيمية – رحمه الله – في أن الترمذي هو السابق إلى هذا الإصطلاح، وهذا يؤخذ من قوله: "كتاب أبي عيسى أصل في معرفة الحديث الحسن".
... ولما كان هناك فرق بين استعمال الترمذي لهذا اللفظ وبين غيره يدركه ابن الصلاح وغيره، لفت النظر إلى هذا الفرق بقوله: "ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه.. (1)"الخ.
... ولو كان قصده أن المعنى الإصطلاحي موجود في كلام مشايخه لقال ابن الصلاح: "وقد تلقى الترمذي هذا من مشايخه أو نحو هذا، بل لاستغنى عن هذا التنبيه والتفريق".
... ثانيا: أدرج محمد عوامة وأقره شيخه – العبارة الآتية – أي التعبير بالحسن الإصطلاحي – في كلام ابن الصلاح، وعبارة ابن الصلاح هي: "ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه" الخ، فترتب على هذا الإدراج الخفي أن كثيرا من القراء لا يفهم إلا أن هذا الكلام كله كلام ابن الصلاح، وقد أجريت تجارب عديدة على نبهاء من طلاب الدراسات العليا وعلى بعض الدكاترة، فلم يفطنوا إلى هذا الإدراج الخفي، بل كانوا حين يقرأون هذا الكلام يعتقدون أنه كله كلام ابن الصلاح، ففي تصرف عوامة ومتابعة شيخه له تحميل كلام ابن الصلاح ما لا يحتمل، وإيهام القاريء الفطن فضلا عن غيره أن من كان قبل الترمذي يطلقون لفظ "الحسن" وهم يريدون به المعنى الإصطلاحي. وهذا أمر لم يفهمه أحد من كلام ابن الصلاح ممن شرح كتابه، أو انتقده، أو نكت عليه، - وما أكثرهم وما أشد فطنتهم لأن كلامه لا يدل عليه – حتى أتى أبوبجدة هذا الإكتشاف الشيخ محمد عوامة ففهم هذا المعنى الذي لا يخطر على بال أذكياء العلماء ودسه في كلام ابن الصلاح بطريقة تدل على براعة نادرة.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح: ص32.(1/36)
... فهذا أبوالفتح ابن سيد الناس يقول – معلقا على عبارة ابن الصلاح – "كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في "جامعه"، ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبلهم ..الخ" – يقول معلقا:
... "ولكن لم يذكر الإمام أبوعمرو: هل هو في مصطلح من تقدم الترمذي أو لا؟ بل لعله عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح، ويدخل في أقسامه، فإنهم لم يرسموا له رسما يقف الناظر عنده، ولا عرَّفوا مرادهم منه بتعريف يجب المصير إليه، ولم يذكر الترمذي في التعريف به ما ذكر حاكيا عن غيره ولا مشيرا إلى أنه هو الإصطلاح المفهوم من كلام من تقدمه، بل ذكر ما ذكر من ذلك حاكياً عن مصطلحه مع نفسه في كتابه "الجامع(1).. الخ. تأمل كلام هذا الفحل من فحول العلم، فمع توقد ذكائه وفطنته لم يفهم المعنى الإصطلاحي من عبارة ابن الصلاح، ويرى أن الترمذي اصطلح على ذلك لنفسه خاصة، ولم يشر إلى أنه اصطلاح من قبله ولا حكاه عنهم.
... وقد قلت لك: إن أول من فهم هذا الفهم من عبارة ابن الصلاح: إنما هو الشيخ محمد عوامة وتابعه شيخه ومع أنهما من أسرى ودعاة التقليد والجمود والتعصب. فقد أتيا بما لم تستطعه الأوائل.
... وقد تبين لك مما سبق عن أهل الحديث قبل البخاري بما فيهم علي بن المديني أنهم يكثرون من اطلاق الحسن اطلاقا لغويا، فحتى البخاري نفسه يكثر من اطلاق الحسن اطلاقا لغويا كما سيأتي إن شاء الله، أمثلة كثيرة من تصرفات البخاري.
7- قال الشيخ محمد عوامة:
... "وما جاء في فيض القدير للمناوي: 2/259-260- عند حديث (إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر.
__________
(1) النفح الشذي: (1/195-205).(1/37)
... قال السيوطي: رواه الطبراني، عن عمرو بن النعمان بن مقرن، فتعقبه المناوي بأنه متفق عليه. رواه الشيخان في "صحيحيهما"، ثم قال المناوي. وممن رواه الترمذي في "العلل" عن أنس مرفوعا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري، فقال: "حديث حسن" حدثناه محمد بن المثنى"(1).
... أقول: قال الترمذي في "العلل الكبير"(2).
1- حدثنا محمد بن بشار، نا حبان بن هلال، نا أبوخزيمة عن مالك بن دينار، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر).
ثم قال: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: "هو حديث حسن".
وقد حدثنا محمد بن المثنى.
قال أبوعيسى: واسم أبي خزيمة يوسف.
ماذا يريد البخاري هنا باطلاق الحسن؟
الجواب: إنه يريد الاستغراب والاستنكار. لأن في إسناد هذا الحديث أبا خزيمة يوسف بن ميمون الصباغ، قال فيه الإمام البخاري نفسه في "التاريخ الكبير"(3) وفي "الضعفاء"(4): "منكر الحديث جدا".
قال الذهبي: ونقل ابن القطان أن البخاري قال: "كل من قلت فيه: "منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه".
... فإذا كان هذا فيمن قال فيه البخاري: "منكر الحديث" فكيف بحال أبي خزيمة الذي قال فيه "منكر الحديث جدا".
فمن يقول: إن اطلاق البخاري على هذا الحديث لفظ "الحسن" إطلاق إصطلاحي، فإنه لا يدري ما يقول، فإن قيل: إن الحديث صحيح متفق عليه فلعل البخاري حسنه.
لأن حديث أبي خزيمة تقوى بمجيئه من تلك الطرق الصحيحة، قلنا: هذا بعيد جدا.
فقد قال البخاري: "إن من قلت فيه منكر الحديث لا تحل الرواية عنه. وقد فرق المحدثون بين الأحاديث الضعيفة التي تعتضد وتتقوى بمجيئها من طرق وبين الأحاديث الشديدة الضعف التي لا تتقوى ولا تنجبر بحال(5).
وهذا الحديث من طريق أبي خزيمة منها في نظر البخاري.
__________
(1) قواعد في علوم الحديث في الحاشية، ص: 103
(2) 2/955-956).
(3) 8/384).
(4) ص256).
(5) انظر مقدمة ابن الصلاح ص: 30-31(1/38)
قال العراقي في ألفيته في مراتب التجريح:
وأسوأ التجريح كذاب يضع
يكذب وضاع ودجال وضع
وبعدها متهم بالكذب
وساقط وهالك فاجتنب
وذاهب متروك أو فيه نظر
وسكتوا عنه به لا يعتبر
وليس بالثقة ثم ردا
حديثه كذا ضعيف حرا
وقال العراقي أيضاً في ألفيته:
وإن يكن لكذب أو شذا
أو قوي الضعف فلم يجبر ذا
فجعله العراقي في المراتب الثلاث التي هي أشد مراتب التجريح والتي لا يعتبر بها فلا تقوى غيرها ولا يقويها غيرها.
... أرأيت لو أن كذابا روى حديثا صحيحا كيف نحكم على الإسناد من طريق الكذاب؟، نحكم عليه بالوضع ونضعه في كتب الموضوعات، فلا علاقة له بالطرق الصحيحة ولا علاقة لها به، وكذا غيره ممن اشتد جرحه ومنها هذا الحديث من طريق أبي خزيمة لاسيما ونحن نحكم عليه من خلال موقف البخاري منه بل نأخذ حكمه من البخاري الذي طعنه في المقاتل، وما أظن أبا غدة ومحمد عوامة يكابران في هذا لاسيما وهما قد قرراه.
8- قال أبوغدة:
"وقال في "تهذيب التهذيب في ترجمة شهر بن حوشب 4: 371
وقال الترمذي عن البخاري: شهر حسن الحديث وقوى أمره".
أقول: إن شهرا قد اختلفت كلمة أئمة الجرح والتعديل فيه، فبعضهم يضعفه كابن عون، وموسى بن هارون، والجوزجاني، والنسائي، وبعضهم يوثقه، كالإمام أحمد ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة. ويعقوب بن سفيان، فما المانع أن يكون البخاري ممن وثقه.
... فمثلاً قال حرب بن إسماعيل عن أحمد فيه: ما أحسن حديثه، ووثقه وأظنه قال: هو كندي وروى عن أسماء أحاديث حسانا.
وقال حنبل عن أحمد: "لا ليس به بأس".
وقال يعقوب بن شيبه: ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه".
وقال يعقوب بن سفيان: وشهر، وإن قال ابن عون نزكوه، فهو ثقة"(1).
__________
(1) انظر هذه الأقوال في تهذيب التهذيب (4/371).(1/39)
فما المانع أن يكون قول البخاري في شهر: حسن الحديث. وتقويته لأمره، مثل قول أحمد: ما أحسن حديثه، ثم وثقه ويكون اطلاقه الحسن على حديثه اطلاقا لغويا لا اصطلاحيا، وسيأتي بيان أحاديث ضعيفة أطلق البخاري عليها لفظ الحسن اطلاقاً لغوياً.
1- فمما أطلق عليه البخاري لفظ "الحسن" وهو ضعيف استغرابا واستنكارا حديث: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها منه).
قال الترمذي: حدثنا محمد بن حميد، نا الفرات بن خالد نا خالد بن ميسرة، عن معاوية بن قره، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. قال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: "هو حديث حسن"(1).
ففي آسنا هذا الحديث محمد بن حميد الرازي، قال البخاري: "فيه نظر"(2).
وقال علي بن مهران: "أشهد أنه كذاب".
وقال صالح جزرة: "كنا نتهم ابن حميد في كل شيء يحدثنا ما رأيت أجرأ على الله منه، كان يأخذ أحاديث الناس فيقل
ب بعضه على بعض".
... وقال ابن خراش: حدثنا ابن حميد، وكان والله يكذب.
... وقال النسائي: "ليس بثقة".
... وكذبه أبو زرعة(3).
... فمن كانت هذه حاله عند البخاري وعند غيره كيف يقال: إن مراد البخاري بتحسين حديثه المعنى الاصطلاحي للحسن خصوصاً وقول البخاري فيه نظر يرد به.
2- ومن الأحاديث التي أطلق البخاري عليها لفظ الحسن وهي ضعيفة حديث أنس في (قتل عيسى عليه السلام الدجال) مريداً بإطلاقه المعنى اللغوي استغراباً له.
قال الترمذي: حدثنا إبراهيم بن سعيد، نا ريحان بن سعيد، عن عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (سيدرك رجال من أمتي عيسى ابن مريم، ويشهدون قتال الدجال).
قال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث، فلم يعرفه واستحسنه جدا.
وقال: حدثنا علي عن ريحان بن سعيد.
__________
(1) العلل الكبير (2/765-766).
(2) التاريخ الكبير (1/69) رقم : 167
(3) انظر هذه الأقوال في الميزان (3/530).(1/40)
قال: ويُروْىَ عن ريحان عن عباد بن منصور أحاديث بهذا الإسناد لا أراها عند علي وقد فاتته.
قال أبو عيسى: "ورأيت محمداً يستغرب أحاديث ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور، عن أيوب ويرضى به.
... وكلمة يرضى به من المطبوعة ولم تظهر لي في المخطوطة ولعل أصلها "ولا يرضى به" فسقطت لا فإنها لا تنسجم مع الكلام إلا على هذا الوجه.
... فهذا الحديث ضعيف في نظر البخاري مستغرب لأدلة منها:
... إنه لم يعرفه فيستبعد أن يصحح حديثا لا يعرفه وإذاً فالاستحسان لغوي بلا ريب ومنها – أن البخاري يستغرب أحاديث ريحان عن عباد بن منصور، والاستغراب هو رؤيتها غريبة أي ضعيفة منكرة.
... قال ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي(1).
... "وأما الحديث الغريب" فهو ضد المشهور، وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث، ويذمون الغريب منه في الجملة.
... ومنه قول ابن المبارك: "العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا"، يعني المشهور، خرجه البيهقي من طريق الترمذي عن أحمد بن عبدة، عن أبي وهب عنه.
... وبإسناده – أي البيهقي – عن مالك، قال: "شر العلم الغريب".
... وعن إبراهيم، قال: "كانوا يكرهون غريب الحديث وغريب الكلام".
... وعن أبي يوسف: "من طلب غرائب الحديث كذب".
... ونقل علي بن عثمان النفيلي، عن أحمد قال: "شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها، ولا يعتمد عليها".
... وقال المروذي: سمعت أحد يقول: "تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ما أقل الفقه فيهم".
... ونقل محمد بن سهل بن عسكر عن أحمد قال: "إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون هذا الحديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث أو خطأ من المحدث أو ليس له إسناد وإن كان قد رُوي عن شعبة وسفبان، وإذا سمعتهم يقولون: لا شيء فاعلم أنه حديث صحيح".
... وقال أحمد بن يحيى سمعت أحمد غير مرة يقول: "لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء".
__________
(1) 1/406-409).
(2) العلل الكبير (2/826 – 827).(1/41)
... هذا، وريحان بن سعيد قال فيه يحيى بن معين: "ما أرى به بأساً".
... قال النسائي: "ليس به بأس" ولم يرض به أبو داود.
... وقال الدارقطني: "بصري يحتج به".
... وقال ابن حبان في الثقات "يعتبر حديثه من غير روايته عن عباد بن منصور".
... وقال العجلي: "ريحان الذي يروي عن عباد منكر الحديث".
... وقال البرديجيي: "فأما حديث ريحان عن عباد، عن أيوب عن أبي قلابة فهي مناكير".
... وقال ابن قانع: "ضعيف"(1).
... فأحاديث ريحان عن عباد بن منصور خاصة منكرة ومن هنا كان يستغربها البخاري.
3- ... ومنها – حديث البراء بن عازب في راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... قال الترمذي في "العلل الكبير"(2).
... حدثنا أحمد بن منيع، نا ابن أبي زائدة، قال: حدثني أبويعقوب الثقفي، قال: حدثني يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم، قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب أسأله عن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "كانت سوداء مربعة من نمرة".
... قال: سألت محمدا، عن هذا الحديث فقال: "هو حديث حسن".
... وأبو يعقوب الثقفي اسمه: إسحاق بن إبراهيم الكوفي روى عنه ابن أبي زائدة والحسن بن ثابت، وعبد الله بن موسى".
... أقول: في إسناد هذا الحديث عدة علل.
... الأولى: ضعف أبي يعقوب الثقفي بل هو مجهول.
... ذكره البخاري ولم يتكلم فيه بجرح ولا تعديل، والزعم بأن سكوته توثيق زعم باطل.
... وذكره ابن حبان في ثقاته وهو كما هو معروف عنه يوثق المجهولين والضعفاء.
... وقال ابن عدي: روى عن الثقات ما لا يتابع عليه، وأحاديثه غير محفوظة.
... وقال العقيلي: في حديثه نظر، وروى عن مالك حديثا لا أصل له.
... وذكره الساجي في الضعفاء.
وقال الحافظ: وثقه ابن حبان، وفيه ضعف.
... وقال الذهبي في الكاشف: "ضعيف".
... والثانية: جهالة يونس بن عبيد.
__________
(1) 2/713).
(2) تهذيب التهذيب (3/301). وكلام الدارقطني في سؤالات البرقاني ص 30 رقم 151(1/42)
... قال الذهبي في ترجمته في المغني(1): "لا يدرى من ذا وثقه ابن حبان".
... وقال في الكاشف(2): "وثق وله حديث واحد".
... وقال الحافظ في التقريب(3): "مقبول".
... وقال في تهذيب التهذيب(4): "ذكره ابن حبان في الثقات".
... وقال ابن القطان: "مجهول".
... وقال الزبير: "لا يدرى من هو".
... وقال الذهبي في الميزان(5): "لا يدرى من هو".
... وقد ذكره ابن حبان في الثقات، ثم ذكر الذهبي حديثه في الراية، وقال: "حديث حسن ولعله قواه بحديث ابن عباس في الراية.
... والعلة الثالثة: أن محمد بن القاسم لم يدرك البراء بن عازب إذ البراء كان قد توفي سنة اثنتين وسبعين، ومحمد بن القاسم لم يولد بعد أو هو طفل لا شأن له بالجهاد، ذلك أن من الثابت تاريخيا أن الحجاج جهز ابن القاسم لقيادة الجيش المبعوث إلى الهند وعمره سبعة عشر سنة.
... قال الحافظ ابن كثير:
... "وفيها – أي سنة ثلاث وتسعين – افتتح محمد بن القاسم – وهو ابن عم الحجاج بن يوسف – مدينة الدبيل وغيرها من بلاد الهند، وكان قد ولاه الحجاج غزوة الهند وعمره سبع عشرة سنة، فسار في الجيوش، فلقوا الملك داهر(6).
... وذكر قتل الملك داهر بعد هزيمته.
... وفي محمد بن القاسم يقول حمزة بن بيض الحنفي:
إن المرؤة والسماحة والندى
لمحمد بن القاسم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة
ياقرب ذلك سؤددا من مولد
وقال آخر:
ساس الرجال لسبع عشرة حجة
ولداته عن ذاك في أشغال(7)
... وبعيد أن يجهل هذا الإمام البخاري وهو من أعلم الناس بالتأريخ.
وقد رمز الزركلي(8) لسنة ولادته بـ 60 واستشهد بقول حمزة بن بيض.
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الخ
__________
(1) 2/766).
(2) 3/304).
(3) ص613).
(4) 11/445).
(5) 4/482).
(6) البداية والنهاية (9/87).
(7) فتوح البلدان للبلاذري، ص: 428
(8) الأعلام (7/225).(1/43)
ولم يتنبه إلى ما بين التأريخ الذي ذكره لولادته وبين قول حمزة بن بيض من تضارب لو كانت ولادته سنة ستين لكان عمره حين غزوة الهند ثلاث وثلاثين سنة لا سبع عشرة سنة.
وعلى كل حال فإطلاق البخاري لفظ الحسن على حديث البراء إنما هو إطلاق لغوي اسغراباً واستنكارا على حسب عادته وعادة كثير من المحدثين في إطلاق الحسن على ما يستغربونه ويستنكرونه إذ يبعد مع وجود هذه العلل فيه أن يقصد به الصحة.
أما المعنى الاصطلاحي فلا وجود له في تعبيرات البخاري.
أحاديث أطلق عليها البخاري لفظ الحسن طلاقاً
لغويا وهي صحيحة عنده
1- منها – حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه - في التوقيت.
قال الترمذي – رحمه الله – في "العلل الكبير"(1) قال محمد: أصح الأحاديث عندي في المواقيت حديث جابر بن عبد الله، وحديث أبي موسى.
قال: وحديث سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه في المواقيت هو حديث حسن ولم نعرفه إلا من حديث سفيان.
وحديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة في المواقيت هو "حديث حسن".
... وقال الترمذي في "الجامع"(2) بعد أن روى حديث ابن عباس، وحديث جابر في المواقيت "هذا حديث حسن صحيح غريب".
وحديث ابن عباس "حديث حسن صحيح".
وقال محمد: "أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
وحديث جابر أخرجه النسائي في "سننه"(3) بإسناد صحيح غير إسناد الترمذي.
وحديث ابن بريدة، عن أبيه، أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(4) من طريقين:
إحداهما: إلى سفيان الثوري.
وثانيتهما: إلى شعبة، وكلاهما، عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأخرجه النسائي(5) كذلك، من طريق سفيان به.
__________
(1) 1/202-203).
(2) 1/278-282).
(3) 1/251)، 7- أول وقت العصر، حديث: 54.
(4) 5- كتاب المساجد، 31- باب أوقات الصلوات الخمس، حديث 613.
(5) 1/258)، 12- أول وقت المغرب، حديث 519.(1/44)
فهذا حديث صحيح أطلق عليه البخاري لفظ "الحسن".
أليس هذا إطلاقاً لغويا؟. لغرابته عنده.
وحديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه النسائي في "المجتبى"(1)، قال:
... أخبرنا الحسين بن حريث، قال: أنبأنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (هذا جبريل – عليه السلام – جاءكم يعلمكم دينكم فصلى الصبح حين طلع الفجر ... ) الحديث.
... وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(2)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3).
... من طريق محمد بن عمرو به.
... وأخرج له الحاكم والبيهقي متابعات وشواهد.
... وقال الحاكم: هو على شرط مسلم، وسكت عن ذلك الذهبي، فهذا الحديث أطلق عليه البخاري لفظ "الحسن" وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة.. فماذا يريد بهذا الإطلاق؟.
... لا يبعد أن يكون البخاري أراد به الصحيح، لأنه في السياق نفسه أطلق لفظ "الحسن" وأراد به "الصحيح"، والملاحظ أنه لم يعرف حديث بريدة إلا من حديث سفيان فأطلق الحسن عليه لأنه فرد وهذا كثير في تصرف البخاري.
... أما حديث محمد بن عمرو فيؤيد أنه أراد بالحسن الصحة انه أطلق الصحة على حديث محمد بن عمرو في موضع آخر.
... قال الترمذي في "العلل الكبير"(4):
... حدثنا محمد بن العلاء، نا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
... وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد الجهني، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل.. الحديث).
__________
(1) 1/249-250) حديث: 502.
(2) 1/194).
(3) 1/369).
(4) 1/105-106).(1/45)
... فسألت محمدا عن هذا الحديث أيهما أصح؟، فقال: حديث زيد بن خالد أصح، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي هو صحيح – أيضا – لأن الحديث معروف من حديث أبي هريرة، وفي حديث أي سلمة، عن زيد بن خالد زيادة ما ليس في حديث أبي هريرة، وكلاهما عندي صحيح".
... فحديث محمد بن عمرو وحديث محمد بن إسحاق كلاهما في اصطلاح المتأخرين حسن.
... وقد أطلق عليهما البخاري الصحة.
... وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري(1) ومسلم(2) وأبو داود(3)، كلهم من طريق أبي الزناد، عن العرج، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعا.
... وعلى كل فقط وثق محمد بن عمرو عدد من الأئمة، فلا يبعد أن يكون البخاري ممن يوثقه.
... وضعفه آخرون فلا يبعد أن يكون البخاري لم يثبت عنده هذا الجرح. فمن هنا صحح حديثه في موضع وأطلق عليه الحسن اللغوي في موضع آخر، والقول أنه يريد بالحسن الحسن الاصطلاحي يفقد الدليل.
2- ومنها – حديث عبدالرحمن بن كعب بن مالك في شهدا، أحد.
قال الترمذي في "العلل الكبير(4).
وسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: عبد الرحمن بن كعب عن جابر بن عبد الله في شهداء أحد هو "حديث حسن".
وقد أخرج البخاري هذا الحديث في "صحيحه"(5) من هذا الطريق فقال رحمه الله:
... وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول (أيهم أكثر أخذا للقرآن). فإذا أشير إلى أحد قدمه في اللحد وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا.
__________
(1) في الجمعة 8- باب السواك، حديث: 887.
(2) في 2- الطهارة، 15- باب السواك حديث: 252.
(3) 25- باب السواك، حديث: 46.
(4) 1/411).
(5) 64- المغازي: 26- باب من قتل من المسلمين يوم أحد. حديث: 4079.(1/46)
فهذا حديث صحيح أطلق عليه البخاري لفظ الحسن إطلاقاً لغويا.
3- ومنها – حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبا كما بدأ).
قال الترمذي في "العلل الكبير"(1).
حدثنا أبوكريب، ثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: وساق الحديث..
ثم قال: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: "لا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير حفص بن غياث وهو حديث حسن".
وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح. فهو صحيح غريب في نظر البخاري أطلق عليه لفظ الحسن(2) لغرابته.
وقد أخرجه أحمد وابنه عن ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث به.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(3) من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4- ومن ذلك حديث يعلى في القراءة على المنبر.
قال الترمذي: حدثنا قتيبة، نا سفيان، عن عمرو بن دينار عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر { ونادوا يا مالك.. } سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به(4).
وهذا الحديث من الأحاديث المتفق عليها أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
قال البخاري(5): حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا سفيان بن عيينة به.
وقال مسلم(6): حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق الحنظلي، جميعا، عن ابن عيينة، قال قتيبة عن عمرو به.
فتجلى لك مرارا أن البخاري لا يريد من إطلاق الحسن المعنى الاصطلاحي إذ هذا الحديث في غاية الصحة وقد أخرجه في صحيحه كما عرفت.
__________
(1) 2/854).
(2) في المسند (1/398).
(3) في كتاب الإيمان، حديث: (145، 146).
(4) العلل الكبير (1/275).
(5) في التفسير، في تفسير سورة الزخرف 1- باب { ونادوا يا مالك .. } حديث: (4819).
(6) 7- الجمعة 13- باب تخفيف الصلاة والخطبة، حديث (871).(1/47)
والظاهر أن البخاري أطلق عليه الحسن لأنه من أفراد سفيان، فالحسن هنا بمعنى الفرد الغريب ومن الغرائب ما هو صحيح ومنه غرائب الصحيحين.
5- ومنها – حديث أنس – رضي الله عنه – (صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر بعدما دفن).
قال الترمذي: "وسألت محمدا عن حديث أحمد بن حنبل عن غندر، عن شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ثابت، عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وذكر الحديث، فقال: "هو حديث حسن"(1).
قلت: فهذا الحديث صحيح بهذا الإسناد رجاله أئمة وإطلاق البخاري لفظ "الحسن" عليه إطلاق لغوي.
وقد أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(2).
قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي حدثنا غندر حدثنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ثابت، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (صلى على قبر ... ).
وأخرج له شواهد من حديث ابن عباس(3)، وأبي هريرة(4) - رضي الله عنهم -.
6- ومما أطلق البخاري عليه لفظ "الحسن" وهو عنده صحيح غريب حديث عائشة – رضي الله عنها – في "النهي عن التبتل"، قال الترمذي في "العلل الكبير"(5).
"حدثنا أبوهاشم الرفاعي وزيد بن أخزم، قالا: نا معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (نهى عن التبتل).
... حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، نا الأشعث عن الحسن عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التبتل).
__________
(1) العلل الكبير (1/413).
(2) 11- الجنائز: 23- باب الصلاة على القبر حديث رقم (954) في الباب المذكور وهو في البخاري في الأذان (897) وانظر في البخاري في الجنائز رقم: 1247-1319، 1321، 1322، 1326.
(3) 11- الجنائز باب الصلاة على القبر حديث (955).
(4) حديث رقم (956) في الباب المذكور وهو في البخاري في 13- الجنائز، حديث (1337).
(5) 1/423، 424).(1/48)
... سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: حديث الحسن عن سمرة محفوظ وحديث الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة هو حسن.
... قال محمد: "وقد روي عن سعد بن هشام عن عائشة موقوفا".
... فحديث عائشة هذا رجاله رجال الصحيح، سوى أشعث وهو ابن عبد الملك الحمراني، روى له البخاري تعليقا، وروى عنه الأربعة.
... قال فيه الحافظ: "ثقة فقيه".
... وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: "هو عندي ثقة مأمون".
... وقال ابن معين: "لم أدرك أحدا من أصحابنا أثبت عندي منه"(1).
... وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد وبشر بن المفضل يثبتون الأشعث الحمراني
إذن .. فإطلاق البخاري عليه لفظ "الحسن" إطلاق لغوي، لأن الحديث عنده من غرائب الصحيح.
... والحديث أخرجه النسائي(2).
... والترمذي(3) بإسناده إلى سمرة، ثم قال:
... "وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن، عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.
... ويقال: كلا الحديثين صحيح".
... فلعل هذا الحكم من الترمذي استناد على إجابة البخاري له بأن الحديث عن سمرة محفوظ.
... وحديث عائشة "حسن".
... فيكون كلام الترمذي مفسرا لمراد البخاري بلفظ الحسن ولعل قائلا يقول: إن مراد البخاري هنا أن حديث عائشة شاذ بدليل أنه قابله بأن حديث سمرة محفوظ، فنقول: هب أنه أراد ذلك.
... فهل ذلك إلا إطلاق لغوي على حديث فرد استغرابا له فلم يخرج عن كونه إطلاقاً لغويا.
7- ومما أطلق عليه البخاري لفظ "الحسن" لأن إسناده غريب فرد حديث عبد الله ابن أبي أوفى:
(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر الذكر).
قال الترمذي في "العلل الكبير"(4).
__________
(1) راجع هذه الأقوال في تهذيب التهذيب (1/357).
(2) في المجتبى (6/59)، حديث: (3213).
(3) في الجامع، كتاب النكاح، حديث (1082).
(4) 2/906) والثقات لابن حبان (5/528) وذكره مطولاً.(1/49)
حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، قال: نا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد،عن يحيى بن عقيل، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول .. "فذكر الحديث".
قال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: "هو حديث حسن".
وهو حديث الحسين بن واقد تفرد به.
قلت: فهذا الحديث رجاله ثقات غير يحيى بن عقيل، قال فيه كل من الذهبي والحافظ ابن حجر: "صدوق".
وقال ابن معين: ليس به باس".
وذكره ابن حبان في "الثقات"(1)، ولم يجرحه أحد.
وذكره البخاري في "التأريخ الكبير"(2) وسكت عنه.
... وسكوت البخاري وإن كان لا يعد توثيقا لاحتمال أن يكون المسكوت عنه مجهولا أو متروكا أو ضعيفا وقد يكون ثقة عنده. لكن سكوته عن يحيى بن عقيل يغلب على ظني أنه عنده ثقة لأني لم أقف على جرح فيه من أحد من الأئمة.
... بل وقفت على توثيقه كما تقدم، فلا يبعد أن يكون ثقة عند البخاري.
... ومما يؤيد ما ذهبت إليه أنه صحح حديثا ذكره الترمذي في "العلل" قبل هذا الحديث مباشرة.
... فيه خالد بن سلمة، وهو صدوق.
... وفيه عبد الله البهي، وقد ذكره البخاري في "تأريخه"(3). ساكتا عنه.
... وذكره ابن حبان في "الثقات".
... وقال ابن سعد: "كان ثقة معروفاً بالحديث".
... وقال ابن أبي حاتم في "العلل عن أبيه": "لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث"(4).
... فيظهر من تصرف البخاري في الحديثين وهما قريب من السواء أنه أطلق "الحسن" على ما يعتقد أنه صحيح لغرابته وتفرد راويه به، كما عرفنا ذلك عنه في كثير من الأحاديث الصحيحة يطلق عليها لفظ الحسن إطلاقاً لغويا.. والله أعلم.
8- ومما أطلق البخاري عليه لفظ "الحسن" وهو صحيح عنده، حديث أنس، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما في الصلاة على الميت بعدما دفن.
__________
(1) الثقات (5/528)، وتهذيب التهذيب (11/259).
(2) 8/292).
(3) 5/56).
(4) تهذيب التهذيب (6/90).(1/50)
قال أبوعيسى: سألت محمدا عن حديث أحمد بن حنبل عن غندر عن شعبة عن حبيب بن الشهيد، عن ثابت، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (صلى على قبر بعدما دفن). فقال: "هو حديث حسن".
قال محمد: نا أحمد بن واقد، نا حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر).
وأما سليمان، وهؤلاء فإنما كان عندهم عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال وحديث أبي هريرة: "هو حديث حسن"(1).
فكل من حديث أنس وحديث أبي هريرة صحيح.
وحديث أنس أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(2).
وحديث أبي هريرة أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه"(3).
قال رحمه الله: حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة، .. وذكر الحديث.
وكذا أخرجه مسلم(4) قال: وحدثني أبو الربيع الزهراني وأبوكامل ... قالا:حدثنا حماد (وهو ابن زيد) به.
فهذان حديثان صحيحان أحدهما اتفق عليه الشيخان، والآخر أخرجه الإمام مسلم، وأطلق عليهما البخاري لفظ الحسن إطلاقاً لغويا.
واعتقد أن بعض هذه الأمثلة المتنوعة عن الإمام البخاري في استعماله لفظ الحسن استعمالا لغويا كاف لدحض المزاعم القائلة بأن البخاري يطلق الحسن ولا يريد به إلا المعنى الاصطلاحي.
إطلاق الإمام أحمد الحسن بالمعنى اللغوي
9- قال عوامة:
"وأما الإمام أحمد فقد نازع الحافظ ابن حجر ابن الصلاح في هذا وقال:"الظاهر أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي".
إلا أن هذا النفي من الحافظ ابن حجر لا يعكر على المراد، ويبقى الإشكال قائما في تفسير كلمة (الضعيف) الواردة في كلامه –بـ (الحسن).
__________
(1) العلل الكبير (1/413-414).
(2) في الجنائز 23-باب الصلاة على القبر، حديث (955).
(3) الجنائز 66- باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، حديث (1337).
(4) 11- الجنائز، 23- باب الصلاة على القبر، حديث: (956).(1/51)
وقد عبر الإمام أحمد بالحسن عما هو حسن اصطلاحا (دون الصحيح وفوق الضعيف) فقد قال في ابن إسحاق صاحب المغازي: "حسن الحديث"، كما في الميزان للذهبي: 3/469) ولم يرد أنه ثقة صحيح الحديث، بدليل ما قاله فيه: "هو كثير التدليس جدا، قيل له فإذا قال أخبرني وحدثني فهو ثقة؟.
قال: هو يقول: (أخبرني) ويخالف.
وظاهر أن هذا الكلام لا يقوله الإمام أحمد فيمن يعتبره ثقة صحيح الحديث(1).
أقول: إن على هذا الكلام مآخذ:
أولا: ليس هناك نزاع بين ابن حجر وابن الصلاح.
ثانيا: إن القضية ليست قضية نزاع بين ابن الصلاح وابن حجر، إنما هي قضية أخطر بكثير وكثير من هذا وذاك، إنها قضية الخيانة في عرض القضايا العلمية!
ومن عرض كلام الحافظ ابن حجر يتبين لك فداحة ما عمله محمد عوامة وتابعه عليه شيخه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله (ع) (يعني شيخه العراقي):
وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي".
... أقول: قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي.
... قال إبراهيم النخعي: كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه.
... وقيل لشعبة: كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟
قال: من حسنها فررت.
ووجد "هذا من أحسن الأحاديث إسناداً" في كلام علي بن المديني وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة، وجماعة، لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي. ومنهم من لا يريده، فأما ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله، بل وفي عبارة أحمد بن حنبل، فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك"انتهى(2).
ثم ضرب الحافظ أمثلة لاطلاق كل من الأئمة الشافعي، وأحمد، وأبي حاتم والبخاري.
وبين من أطلق منهم لفظ "الحسن" على الصحيح كأحمد والشافعي، ومن يقصد منهم المعنى الاصطلاحي كالبخاري وعلي بن المديني.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: 103.
(2) النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/424-429).(1/52)
ومن يحتمل اطلاقه الحسن: الإصطلاحي واللغوي كأبي حاتم.
وستأتي دراسة وافية مفصلة بأمثلتها وأدلتها عن كل واحد من هؤلاء الأئمة.
ما رأيك في قول الشيخ محمد عوامة؟
"وأما الإمام أحمد فقد نازع الحافظ ابن حجر ابن الصلاح في هذا، وقال: الظاهر أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي".
هل رأيت نزاعا بين الرجلين في الإمام أحمد؟.. وهب أن بينهما نزاعا فعلا، فهل هذا النزاع خاص بأحمد بن حنبل وحده؟
أين الإمام إبراهيم النخعي؟ وأين الإمام الكبير شعبة بن الحجاج؟ وأين الإمام العظيم الشافعي وبقية الأئمة؟.
لماذا أهملتهم وفي أي مفازة أضعتهم يا عوامة؟
إن لسان حال كل واحد منهم يقول في أسى:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
... { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } .
... ثالثا: أن الحافظ ابن حجر نقل من كلام الإمام أحمد ما يدل على أنه يطلق لفظ الحسن على الصحيح، فتلاعب محمد عوامة، وتابعه شيخه أبو غدة قصدا منهما إلى إخفاء الحق والحقيقة.
1- قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
"وأما أحمد فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر، فقال: أصح ما فيها حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها.
قال وسئل عن حديث بسرة – رضي الله عنها – فقال: صحيح.
قال الخلال: حدثنا أحمد بن أصرم أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة – رضي الله عنها – في مس الذكر، فقال: هو حديث حسن.
فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح(1). انتهى.
يريد أن أحمد حكم أولا بأن أصح أحاديث هذا الباب حديث أم حبيبة وهذا الحكم يجعل حديث أم حبيبة أرجح من حديث بسرة وأصح. مع حكمه لحديث بسرة بالصحة.
__________
(1) النكتب لابن حجر (1/425-426).(1/53)
ثم أطلق الحسن على حديث أم حبيبة الذي هو أصح من حديث بسرة وغيره، فهذا من الأدلة أن أحمد يطلق الحسن على الصحيح، مما يؤكد أنه إذا أطلق الحسن فإنه لا يريد به المعنى الإصطلاحي.
... وهذه الحقائق الناصعة التي كشف عنها الحافظ عن أحمد والشافعي ومن قبلهما لا تتناسب مع الباحثين المحققين فماذا يصنعان؟.
... لقد عرف القاريء ماذا صنعا!
... رابعاً: قول عوامة:
... إلا أن هذا النفي من الحافظ ابن حجر، لا يعكر على المراد ويبقى الإشكال قائما في تفسير كلمة "الضعيف" الواردة في كلامه بـ "الحسن".
... أقول: لقد عجز محمد عوامة وشيخه أن يثبتا أن تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف كان اصطلاحا مستقرا وتقسيما ثابتا قبل الترمذي.
... وهو أساس الزوبعة التي أثاراها في هذا البحث المتهاوي، فلما عجزا عجزا واضحا لجآ، إلى شيء آخر يتشبثان به تشبث الغريق بالقشة – كما يقال – وهو ما يزعمانه من تفسير ابن تيمية الضعيف الوارد في كلام أحمد بـ "الحسن". لجآ إلى هذا بعد كتمان محمد عوامة وإقرار شيخه له كلام الحافظ فيما يتعلق بالأئمة السابق ذكرهم الذي بين فيه البيان الواضح أن الإمامين الشافعي وأحمد ومن قبلهما لا يريدون من إطلاق لفظ "الحسن" المعنى الاصطلاحي وبعد تقطيع أوصاله وطمس معالمه ثم عرض ما بقي منه في صورة هزيلة مشوهة.
... ويؤكد محمد عوامة هذا بقوله: "ومما ادعاه ابن تيمية في هذه المسألة أن الضعيف عند الإمام أحمد يقابله ما يحسنه الترمذي أو يصححه".(1/54)
... وبقوله: "ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة (ضعيف) بالحسن؟ مع أن ظاهر كلام الإمام أحمد يشير إلى أن مراده بالضعيف الضعيف الذي لم تتحقق فيه شروط القبول، فإنه يريد أن الرأي لا يعتد به عنده مادام قد نقل في المسألة نص، ولو ضعيفا، فإن الضعيف خير من الرأي". ونقل عن ابن حزم بإسناده إلى عبد الله بن أحمد أنه قال: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه، وأصحاب رأي فتنزل به النازلة من يسأل؟.
... فقال أبي: يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من الرأي"(1).
... انظر إليه كيف يلح على شيخ الإسلام ابن تيمية ويلاحقه بعد أن خيل له أنه قد كسب الجولة وظفر بالنصر الحاسم في هذه المعركة.
... وهو في هذه الملاحقة قد لبس ثياب أهل الحديث في التمسك بالسنة ومحاربة الرأي بل لبس ثياب داود وابن حزم إمامي أهل الظاهر في محاربة الرأي لكن لداود وابن حزم فقه وعلم غزير، وخلع لباس المذهبية والمدرسة القائمة على الرأي التي وجه لها أحمد بن حنبل وابن حزم هذه الضربة القاصمة.
... ولقد وجه لها ضربات وضربات قاتلة(2) يعرفها الباحثان – في اعتقادي – أيما معرفة.
... ماذا يريد محمد عوامه وشيخه أبو غدة من الإلحاح على هذه القضية تقديم الإمام أحمد الحديث الضعيف على القياس؟.
... أنهما يريدان توجيه ضربة قاصمة لمنهج الإمام أحمد ومذهبه وأن مذهبه يقوم – لعله إلى حد بعيد – على الأحاديث الضعيفة.
... فما نوع هذه الأحاديث الضعيفة أذن؟.
... والجواب عند الشيخ محمد عوامة وشيخه أبي غدة.
... فإن الشيخ عوامة – وتبعه شيخه أبو غدة -، قسم الحديث إلى أربعة أقسام:
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث ص: 106، ثم متى ادعى ابن تيمية أن الضعيف عند أحمد يقابل الصحيح عند الترمذي وأين قاله ابن تيمية؟ اثبته وإلا فليعلم الناس من أنت وشيخك الذي أقرك على هذه الفرية.
(2) منها قوله: لا تكاد ترى رجلا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل.(1/55)
1- الضعيف المنجبر الضعف بمتابعة أو شاهد وهو ما يقال في أحد رواته: لين الحديث أو فيه لين.. وهو الملقب بالمشبه بالحسن من وجه وبالضعيف من وجه آخر، وهو إلى الحسن أقرب.
2- الضعيف المتوسط الضعف، وهو ما يقال في راويه ضعيف الحديث أو مردود الحديث أو منكر الحديث.
3- الضعيف الشديد الضعف، وهو ما فيه متهم أو متروك.
4- الموضوع.
ثم قال عوامة: "فالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله تعالى – يدخلان القسم الأول تحت كلام الإمام أحمد بناء على أنه يشمله: اسم الضعيف من جهة، واسم الحسن لغيره من جهة أخرى.
والظاهر – والله أعلم – إدخال القسم الثاني في مراد الإمام أحمد"(1).
... وأنا أسال الشيخين الكريمين من سبقكما إلى جعل المنكر والمردود في القسم الثاني والضعيف المتوسط الضعف"؟.
... وأرجو الإجابة المقنعة:
... ألا تعلمان أن المردود وما في مرتبته من الضعيف الشديد الضعف الذي لا يَنجبر ولا يتقوى بحال ولا يجوز الاعتبار به فضلا عن الاحتجاج به وبناء الأحكام عليه عند علماء الإسلام وعلى رأسهم أحمد.
... ألا تعرفان ما سجله العراقي في مراتب التجريح بقوله "بعد المرتبتين الأوليين أشد مراتب التجريح:
"وليس بالثقة ثم ردا
حديثه كذا ضعيف جدا
واه بمرة وهم قد طرحوا
حديثه وارم به مطرح
ليس بشيء لا يساوي شيئا"(2).
... وهنا تنتهي هذه المرتبة الرديئة التي لا يجوز الاستشهاد ولا الاعتبار بها بحال.
... وأشار إلى عدم الاعتبار بها وبما قبلها بقوله – في نهاية مراتب التجريح -:
تكلموا فيه وكل من ذكر
من بعد شيئا بحديثه اعتبر
... أي وما ذكر قبله من أول المراتب إلى قوله: "لا يساوي شيئاً لا يجوز الاعتبار به.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث (ص: 100-101).
(2) فتح المغيث (1/343) ط. السلفية.(1/56)
... قال السخاوي – رحمه الله – في شرح هذه المرتبة: "ثم يليها رابعة (أي في ترتيبه هو) وهي (ردا حديثه) بالبناء للمفعول يعني بين المحدثين أو ردوا حديثه أو مردود الحديث (وكذا) فلان (ضعيف جداً)، و فلان (واه بمرة) أي قولا واحدا لا تردد فيه.
... (و) وفلان (هم) أي أهل الحديث (قد طرحوا حديثه و) فلان (أرم به) (مطرح) أو مطروح الحديث، وفلان لا يكتب حديثه أي لا احتجاجا ولا اعتبارا ولا تحل كتبة حديثه ولا تحل الرواية عنه ومنه قول الشافعي: الرواية عن حرام بن عثمان حرام وفلان (ليس بشيء) أو لا شيء أو فلان لا يساوي فلسا أو لا يساوي شيئا ونحو ذلك".
... ثم قال: "والحكم في المراتب الأربع الأول أنه لا يحتج بواحد من أهلها ولا يستشهد به ولا يعتبر به.
... (وكل من ذكر من بعد (لا يساوي شيئا) وهو ما عدا الأربع) بحديثه اعتبر) أي يخرج حديثه للاعتبار لإشعار هذه الصيغ بصلاحية المتصف بها وعدم منافاتها لها"(1).
... أي إمامة وأي علم وأي ورع تبقى للإمام أحمد إذا كانت هذه المرتبة دعامة في بناء مذهبه.
... وأي مذهب إسلامي هذه إحدى دعائمه وأي مزية له على مذاهب الفرق الضالة لاسيما مذهب الرافضة.
... فإذا قيل إن مذهب الإمام أحمد قائم على الكتاب والسنة وأن الإمام أحمد لا يحتج بالأحاديث الضعيفة وما روي عن الإمام أحمد أنه يقدم الحديث الضعيف على الرأي فمراده بالحديث الضعيف "الحديث الحسن" الداخل في أنواع الحديث المحتج به.
... استطاع أن ينبري له أي رافضي أو كوثري ليقول له:
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
... إن إمامكم إنما يريد بالحديث الضعيف الأحاديث المنكرة والمردودة والضعيفة جدا والمطروحة والمرمي بها وغيرها مما لا يجوز كتابته ولا الاحتجاج به ولا الاعتبار به فأي قيمة لإمام هذا حاله وأي قيمة لهذا المذهب وهذه المرويات – الهالكة المتهاوية – من قواعده وأركانه.
__________
(1) فتح المغيث (1/345).(1/57)
... إنني أكره التعصب المذهبي أشد الكراهة، وأدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة وأكره الفرقة وأسبابها وأكره الظلم ومنه ظلم متعصبي المذاهب لغير مذاهبهم وقد رأيت من هذا اللون من الظلم العجائب خصوصا في متعصبة الحنفية.
... هذا ولا يعزب عن البال أن للبحاثة الكبير أبي غدة مذهبا جديدا في "المنكر" وهو مذهب منكر وأي منكر، قال:
... في فهرست قفوا الأثر (ص 131).
... الحديث المردود لطعن في الراوي. الطعن يكون بعشرة أشياء.
1- كذب الراوي ويسمى حديثه الموضوع.
2- تهمة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
3- فحش غلطه.
4- غفلته عن الإتقان.
5- فسقه بغير الكذب على رسول الله.
حديث هؤلاء الأربعة يسمى المنكر.
قد يقال: إن الحافظ ابن حجر قد قال في نزهة النظر ص45: "فمن فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر".
فالجواب نعم قرر ذلك ابن حجر، ولكن المنكر على أبي غدة إضافته رواية المتهم بالكذب إلى هذه الثلاث التي ذكرها ابن حجر، وقد أطلق ابن حجر على حديث المتهم وصف المتروك، ثم إن أشد من هذا نكارة ادعاؤه مع تلميذه أن المنكر والمردود وما في مرتبة المردود داخلة في الحديث الذي يسميه أحمد ضعيفاً.
إن هذا طعن في منهج الإمام أحمد الذي كان نموذجاً عاليا لاحترام الحق وحبه له فهل التمسك بالأحاديث المردودة والمنكرة من الحق في شيء.
إن محمد عوامة وشيخه يصران على أن مراد الإمام أحمد بالحديث الضعيف ما يشمل القسمين الأولين من تقسيمهما لأنواع الضعيف فالمردود والمطروح إلى آخر هذا المرتبه مما ذكره العراقي مما يحتج به أحمد في نظرهما.
وابن تيمية يرى أن مراد الإمام أحمد بالضعيف ما يشبه الحسن عند الترمذي(1).
__________
(1) انظر مجموع الفتاوي (18/25). وانظر أيضاً (1/252). هذا ولم يقل ابن تيمية ما يشبه الصحيح.(1/58)
وهذا ابن رجب الحنبلي يشارك ابن تيمية في قوله، قال في شرح العلل(1): "وكان الإمام أحمد يحتج بالضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف. قريب من مراد الترمذي بالحسن".
... ومعروف أن الإمام ابن تيمية من أعرف الناس بمذهب الإمام أحمد ومنهجه بل شهد له كثير من المنصفين ممن عاصروه أنه أعرف بالمذاهب من أهلها الذين عاصروه حيث كانوا يستفيدون منه ما لا يعرفونه ولا يدركونه من مذاهبهم وأنا أستبعد أن تكون هناك أدنى نسبة بين ابن تيمية وأبي غدة وتلميذه في معرفة مذهب الإمام أحمد ومنهجه فيما يؤخذ ويترك من الحديث.
... وإذا كان هذا هو حال ابن تيمية وحال أبي غدة وتلميذه فما كان يجوز لهما أن يخوضا في مناقشة ابن تيمية في شيء لا يعرفانه ولا يهتديان إلى طرق النقاش الصحيحة فيه، لقد خاضا في النقاش مع ابن تيمية في أمر يجهلان كل متطلباته.
... وهي:
1- معرفة مناهج المحدثين خصوصا القدامى منهم في إطلاق كلمة الحسن.
2- وهل هم فعلا كانوا قد قسموا الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف.
3- توفر الأدلة الواضحة الكافية لإثبات ذلك.
4- الخبرة الكافية بمذهب أحمد ومعرفة العديد من مسائل هذا المذهب التي بنيت على روايات من قيل فيهم مردود الحديث مطروح الحديث واه بمره.. إلى آخر هذه المرتبة التي يصران أنها مما يشمله مراد أحمد بالضعيف.
فمن يستطيع أن يقول: إن الرجلين قد ارتقيا إلى هذا المستوى أو حتى حاما حوله.
ومن يجد أي أثر في بحثهما لهذه المتطلبات الضرورية. بل من يجد أي أثر لواحد منها:
يشمر للج عن ساقه
ويغمره الموج في الساحل
... إنني مع ضعفي وعجزي إذا أردت البحث في قضية ما أحاول جهد المستطاع أن آخذ بالأسباب التي تقودني وتوجهني إلى السداد أو المقاربة في الحكم عليها، فإن توفرت لي تلك الأسباب وإلا فررت منها وابتعدت عنها وأعتقد أن هذا هو أسلوب كل عاقل يتسم بالإنصاف ويربأ بنفسه عن الخوض في المسائل العلمية بجهل أو جهل وتعصب.
__________
(1) 1/337).(1/59)
... ولعل القارئ يشاركني في أن هذين الرجلين قد خاضا في مناقشة ابن تيمية في هذا الموضوع بجهل مطبق وتعصب أعمى أعاذنا الله منهما.
... ولعل القارئ يتطلع إلى ما يؤيد قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه.. وأول من عرف أنه قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف – هو أبو عيسى الترمذي في "جامعه" والحسن عنده:
1- ما تعددت طرقه.
2- ولم يكن في رواته من يتهم.
3- وليس بشاذ.
فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفا ويحتج به ولهذا مثل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري ونحوهما"(1).
فعمرو بن شعيب مثال لراوي الحديث الحسن لذاته، وإن سماه ضعيفا وإبراهيم الهجري مثال لراوي الحديث الضعيف الذي ينجبر ويرتقي إلى الحسن لغيره(2) وقد تقدم موقف أحمد من ابن إسحاق(3).
... يؤيد كلام شيخ الإسلام رحمه الله قول الأثرم: "سئل أحمد عن عمرو بن شعيب فقال: ربما احتججنا بحديثه، وربما وجس في القلب منه. انظر الجرح والتعديل (6/238)، والميزان (3/265)، وقال الذهبي في الميزان، قال عبد الملك الميموني سمعت أحمد بن حنبل يقول: عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، وإنما نكتب حديثه لنعتبر به فأما أن يكون حجة فلا".
... وعلى هذه الرواية تهبط رواية عمرو بن شعيب عن درجة الحسن لذاته.
... ونقل ابن المنذر عن أحمد أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إذا لم يكن في الباب غيره(4).
... ويزيد الأمر وضوحاً أن الإمام أحمد قد ترك الرواية عن جماعة من الرواة منهم من هو ثقة عنده وذلك مما يؤكد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
__________
(1) التوسل والوسيلة (ص88) تحقيق محب الدين الخطيب.
(2) وأما تقسيم الحديث فقد تقدم الكلام عليه.
(3) وانظر شرح العلل لابن رجب (1/74).
(4) النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/436). وانظر بحر الدم ص: (320)(1/60)
... فمنهم:
1- وقال أحمد بن إسحاق الحضرمي، أخو يعقوب الحضرمي بصري ثقة، وثقه النسائي وغيره.
وقال أحمد: لم يكن به بأس تركته من أجل ابن أكثم دخل له في شيء"(1).
2- الأحوص بن حكيم.
قال ابن إبراهيم سألته عنه، فقال: ضعيف لا يسوى حديثه شيئاً وقال كان له عندي شيء فخرقته"(2).
قال ابن المديني: ليس بشيء، وضعفه النسائي.
وقال ابن معين: لا شيء.
وقال ابن المديني: كان ابن عيينة يفضل الأحوص بن حكيم على ثور في الحديث وأما يحيى بن سعيد، فلم يرو عنه، وهو يحتمل.
وقال ابن عدي: وليس فيما يرويه الأحوص حديث منكر إلا أنه يأتي بأسانيد لا يتابع عليها".
3- أسباط بن نصر الهمداني:
توقف فيه أحمد(3).
ووثقه ابن معين وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال الحافظ في التقريب: صدوق كثير الخطأ يغرب/م4.
4- أسد بن عمرو أبوالمنذر صاحب رأي.
قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: كان صدوقاً ولكن كان من أصحاب أبي حنيفة، لا ينبغي أن يروى عنه شيء.
وقال ابن معين: أسد بن عمرو أوثق من نوح بن دراج.
وقال يزيد بن هارون: لا يحل الأخذ عنه(4).
قال الدارقطني: يعتبر به.
وقال ابن عدي: لم أر له شيئا منكرا.
5- أصرم بن غياث النيسابوري.
قال أحمد: منكر الحديث.
وكتب عنه أحمد أحاديث منكرة، ثم خرقها(5).
وقال الدارقطني والبخاري: منكر الحديث.
وقال ابن عدي: إلى الضعف أقرب وهو مقل.
وقال النسائي: متروك الحديث.
6- حمزة بن زياد الطوسي:
تركه أحمد:
وقال ابن معين: ليس به بأس(6).
وفي تأريخ بغداد(7).
__________
(1) الميزان (1/82) وبحر الدم (ص41).
(2) بحر الدم (ص:61)، والميزان: (1/167).
(3) بحر الدم (ص63)، والميزان (1/175-176).
(4) الجرح والتعديل: (2/337-338)، والميزان: (1/206-207).
(5) الميزان (1/273)، ولسان الميزان (1/462-463) وبحر الدم: (ص: 75).
(6) الميزان (1/607). ولسان الميزان (2/359)، وبحر الدم: (ص: 125).
(7) 8/179).(1/61)
قال مهنا: سألت أحمد عن حمزة الطوسي، فقال: "لا يكتب عن الخبيث".
قال مهنا: وسألت يحيى – يعني ابن معين – عن حمزة الطوسي فقال: ليس به بأس".
7- سعيد بن زكريا القرشي، المدائني:
قال الأثرم: سألت أحمد عنه، فقال: كتبنا عنه ثم تركناه، لم يكن به بأس في نفسه فيما أرى ولكن لم يكن بصاحب حديث.
وقال ابن معين: ليس به بأس.
وقال البخاري: صدوق، كان ابن معين يثني عليه.
وقال محمود بن خداش: سألت أحمد وابن معين عنه فوثقاه. وقال أبو داود سألت ابن معين عنه فقال: ليس بشيء وقال أبوحاتم: ليس بذاك القوي، ووثقه صالح جزرة(1)".
فإذا كان أحمد يترك أمثال هؤلاء وفيهم الثقة والصدوق ومن لا بأس به فهل يجوز لمحمد عوامة وأبي غدة أن يقولا إن مراد أحمد بالضعيف ما يشمل المردود وما جرى مجراه، إن ما أقدما عليه لم يكن نتيجة دراسة منصفة يُتحرى فيها الحق والصواب، وإنما هو من باب الرجم بالغيب حملهما عليه التعصب الأعمى.
... ولقد اتضح أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أقرب إلى الصواب بل أرجو أن يكون عين الصواب، والأمر يحتاج إلى دراسة واسعة منصفة تشمل أحكام أحمد على الرواة، ثم تطبيقه فعلا في الأخذ عنهم والرد وبناء أحكامه ومسائله وفتواه على المرويات.
... وهل هو أمر منهجي التزمه أحمد وكان يتحرى تطبيقه. وفي ضوء دراستي المحدودة وحسن ظني بالإمام أحمد يترجح لي ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ومن يدعي خلاف ذلك فعليه أن يقيم البراهين الواضحة على صحة دعواه لا كما فعل عوامة وأبو غدة اللذان يقذفان بالغيب من مكان بعيد.
__________
(1) الميزان (2/137)، وبحر الدم ص: 172.(1/62)
... هذا ويجب أن نفرق بين ما يحتج به أحمد في الأحكام والعقائد والحلال والحرام وبين ما يرويه في مسنده وما يرويه في الفضائل والترغيب والترهيب أقول هذا في مواقف أحمد وتصرفاته. قال رحمه الله: وأما محمد بن اسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث – يعني المغازي ونحوها – فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا. وتذكر الرجال الذين رد رواياتهم وضرب عليها وهذه التفرقة معروفة لدى ابن تيمية وغيره من العلماء. ويذكره ابن تيمية في كتبه.
... قال محمد عوامة:
... "وقد عبر الإمام أحمد بالحسن عما هو حسن اصطلاحاً (دون الصحيح وفوق الضعيف)، فقد قال في ابن إسحاق صاحب المغازي: "حسن الحديث كما في الميزان".
... ولم يرد أنه ثقة صحيح الحديث، بدليل ما قاله فيه: "هو كثير التدليس جدا، قيل له: فإذا قال: أخبرني وحدثني فهو ثقة؟ قال: "هو يقول أخبرني ويخالف".
وظاهر أن هذا الكلام لا يقوله الإمام أحمد فيمن يعتبره ثقة صحيح الحديث أقول:
أولاً: يجب أن تخبرنا متى تم هذا الاصطلاح؟ وأين؟ ومن هم الأئمة الذين تم على أيديهم هذا الاصطلاح؟ حتى إذا أطلق الإمام أحمد وغيره لفظ الحسن تعين معناه الاصطلاحي؟
... إن من يعرف اضطراب العلماء في تعريف الحسن وتحديد معناه والمناقشات في تعريفه والأخذ والرد فيه إلى قرون بعد الإمام أحمد وطبقته لا يجزم بأن أحمد أو من في عصره إذا أطلق لفظ الحسن لا يريد إلا معناه الدقيق.
ثانياً: "سبق لك أن الإمام أحمد يطلق الحسن إطلاقاً لغويا على الصحيح، فإذا وجدنا أن أحمد أطلق الحسن على حديث أحد فمن الخطأ أن نقول إنه ما أراد إلا المعنى الاصطلاحي.
ثالثاً: أن ابن تيمية رحمه الله لم ينازع في إطلاق أحمد وغيره لفظ الحسن بل هو يعلم ذلك وينقله ولكنه ينازع في إرادة المعنى الاصطلاحي.
وينازع في التقسيم الثلاثي: فعلى من يعارض ابن تيمية إثبات ما نفاه بالأدلة الواضحة، ودون إثبات ذلك خرط القتاد.(1/63)
وأما ما يتعلق بمحمد بن إسحاق فدونك كلام أحمد فيه لتعرف هل المراد من إطلاقه لفظ الحسن على حديثه الحسن الاصطلاحي أو الحسن اللغوي.
1- فقد تقدم لك أنه أطلق الحسن على حديث قد حكم هو بصحته.
2- وأطلق في مسنده(1) الصحة على حديث رواه ابن إسحاق قال فيه: ثنا يزيد بن هارون أنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته إلى أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد.
قال عبدالله: قال أبي في حديث الحجاج: "رد زينب ابنته".
قال: هذا حديث ضعيف، أو قال: واه، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيدالله العرزمي، والعرزمي لا يساوي حديثه شيئاً.
والحديث الصحيح الذي روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهما على النكاح الأول.
والحديث الذي صححه هو حديث ابن عباس من رواية محمد بن إسحاق أخرجه أبوداود(2) والترمذي(3) وابن ماجة(4) وابن سعد(5) والبيهقي(6) كلهم من طريق محمد بن اسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: (رد النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا).
قال الترمذي عقبة: "هذا حديث ليس باسناده بأس ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن الحصين من قبل حفظه".
وكان الترمذي قد روى حديث عمرو بن شعيب من طريق حجاج ثم قال عقبة: "هذا حديث في اسناده مقال" وفي الحديث الآخر مقال والعمل على هذا الحديث (يعني حديث عمرو بن شعيب) عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس والاوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق".
__________
(1) 2/207-208).
(2) 2/272).
(3) 3/438-439).
(4) 1/648).
(5) 8/33).
(6) 7/178).(1/64)
والشاهد في هذا الحديث أن الإمام أحمد أطلق الصحة على حديث ابن إسحاق.
وإن شأن أحمد شأن غيره من أئمة الجرح والتعديل تختلف أقوالهم أحياناً في الرجل الواحد.
وقد اختلفت أقواله فعلا في محمد بن إسحاق.
1- قال أبو داود سمعت أحمد ذكر ابن إسحاق، فقال: رجل يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه(1).
2- وقال المرّوذي: "قال أحمد: كان ابن إسحاق يدلس وقد روى حديث ابن إسحاق في مسنده ولم يكن يحتج به"(2).
وقال عباس بن محمد الدوري: "سمعت أحمد بن حنبل يقول – وهو على باب أبي النضر – وسأله رجل فقال: يا أبا عبدالله ما تقول في محمد بن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي؟، فقال: أما موسى بن عبيدة، فكان رجلا صالحا حدث بأحاديث مناكير، وأما محمد بن إسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث – يعني المغازي ونحوها – فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا.
قال أحمد بن حنبل بيده وضم يديه وأقام أصابعه الإبهامين(3) وسئل عن ابن أخي الزهري وابن إسحاق في حديث الزهري أيهما أحب إليك؟، قال: ما أدري، كأنه ضعفهما".
وقال ابن إبراهيم: قلت: محمد بن إسحاق في الزهري؟.
قال: هو ثقة ولكن معمر ومالك وهؤلاء أوثق منه(4).
وقال – أيضاً – أوثق أصحاب نافع عندي أيوب ثم مالك نقلها ابن هانيء – أيضاً – وزاد في روايته قال: "ومحمد بن إسحاق ليس بذلك القوي وهو كذا وكذا".
وقال قلت له محمد بن إسحاق حجة؟
قال: هو صالح الحديث واحتج به أيضاً(5).
"وقال عبد الله بن أحمد وسأله رجل عن محمد بن إسحاق فقال: كان أبي يتتبع حديثه ويكتبه كثيرا بالعلو والنزول ويخرجه في المسند وما رأيته أتقى حديثه قط.
قيل له: يحتج به، قال: لم يكن يحتج به في السنن".
__________
(1) بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، ص: 362.
(2) بحر الدم، ص: 363.
(3) التاريخ لابن معين، ترتيب الدكتور أحمد نور سيف (2/504-505).
(4) بحر الدم ص: 363-364
(5) المرجع السابق.(1/65)
وقيل لأحمد يا أبا عبد الله إذا انفرد بحديث تقبله؟ قال: لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من ذا(1).
وقال أبو عبد الله: قدم محمد بن إسحاق إلى بغداد فكان لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره(2).
وقال المروذي وسألته عن محمد بن إسحاق كيف هو؟، فقال: هو حسن الحديث، ولكنه إذا جمع عن رجلين.
قلت: كيف؟
قال: يحدث عن الزهري ورجل آخر فيحمل حديث هذا على هذا(3).
فهذه أقوال الإمام أحمد في ابن إسحاق.
بعضها يفيد أنه لا يحتج به.
وبعضها يفيد أنه يكتب عنه في المغازي ونحوها.
ولا يكتب عنه الحلال والحرام.
وفي بعضها أنه ثقة.
وفي بعضها أنه ليس بالقوي.
وفي بعضها أنه صالح وأنه احتج به.
وفي قول ابنه عبد الله أنه يكتب عنه ولا يحتج به في السنن.
وفي بعضها نوع من الجرح.
وفي بعضها أن حديثه حسن.
وصحح له حديثا كما مر بنا.
وقضية ابن إسحاق مشكلة ولذا اضطربت فيه أقوال ابن معين وغيره كما حصل للإمام أحمد.
والحاصل أن أقوال أحمد كثرت في ابن إسحاق كما ترى فالتشبث بقول واحد من أقواله وهو قوله في حديث ابن إسحاق إنه حسن وأنه يقصد به المعنى الاصطلاحي وإهمال أقواله الأخر من التصحيح والتوثيق والجرح والتوقف عن الرواية عنه في الحلال والحرام فيه بعد عن العدل والإنصاف واتباع للهوى وتعصب أعمى(4).
ولعله اتضح للقارئ فيما يخص الإمام أحمد أنه إذا أطلق الحسن أنه لا يريد به إلا المعنى اللغوي لاسيما وقد وجدنا نصين أطلق فيهما لفظ الحسن على الصحيح.
11- قال محمد عوامة – وتابعه شيخه -:
__________
(1) عيون الأثر، ص: 11-12.
(2) العلل والمعرفة لأحمد رواية المروذي وغيره. رقم 57.
(3) العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد رواية المروذي وغيره، ص: 61- رقم (55).
(4) ومما يلفت النظر أن محمد عوامة وشيخه يعرفان أقوال أحمد في ابن إسحاق ثم يختاران من أقواله ما يوافق هواهما ويغفلان منها ما لا يوافق هواهما.(1/66)
ونقل الشيخ ابن تيمية نفسه في رسالته في تفضيل أبي بكر على علي – رضي الله عنهما – المطبوعة بحلب سنة 1372هـ عن الإمام أحمد والترمذي تحسينهما حديث (من كنت مولاه فعلى مولاه) (1).
أقول: هذا الحديث صحيح في نظر أحمد وقد خرجه في مسنده في عدد من المواضع عن عدد من الصحابة.
فقد خرجه في مسند علي (1/84، 118، 119، 152).
وخرجه في مسند ابن عباس (1/330-331).
وخرجه في مسند البراء بن عازب (4/281).
وخرجه في مسند زيد بن أرقم (4/368، 370، 372). و(5/370).
وخرجه في مسند بريدة (5/347، 358، 361، 350) من طرق منها الصحيح ومنها الضعيف، موضعان منها فيما أذكر من زوائد عبد الله.
وخرجه في مسند أبي أيوب (5/419).
وخرجه في أحاديث رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (5/366).
وأخرجه الإمام أحمد – أيضاً في الفضائل برقم 947، 1177.
والحديث مخرج في دواوين السنة، المسانيد، والمعاجم، والمصنفات، وفي سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وغيرها من دواوين الإسلام فالحديث صحيح عند الإمام أحمد.
وأخرج الترمذي(2) من طريق محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم – شك شعبة – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
... وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح".
وأخرجه الإمام النسائي في خصائصه بأسانيد كثيرة منها الصحيح ومنها الضعيف.
فاطلاق أحمد لفظ الحسن في حكمه على هذا الحديث – بناء على ما أسلفناه من اعتنائه به وإخراجه له في كثير من المواضع في المسند والفضائل – إطلاق لغوي.
مما يدل على ما قرره الإمام ابن تيمية أن تقسيم الحديث ما كان إلا ثنائيا قبل الإمام الترمذي.
12- قال محمد عوامة:
__________
(1) قواعد في علوم الحديث، ص: 103.
(2) السنن، في مناقب علي رضي الله عنه (5/633) حديث: 3713.(1/67)
"وممن استعمل كملة (حسن) وأراد بها الحسن الاصطلاحي وهو سابق للترمذي الحافظ محمد بن عبد الله بن نمير، شيخ شيوخ الترمذي المتوفى سنة 334هـ، فقد نقل عنه ابن سيد الناس في عيون الأثر: 1/10 قوله في ابن إسحاق – أيضا – "حسن الحديث صدوق".
أقول: هذا من الرجم بالغيب، وأثبت العرش أولا، ثم انقش فلا يستقيم لك هذا الزعم إلا إذا أثبت بالأدلة الواضحة استقرار هذا الاصطلاح في عهد محمد بن عبد الله بن نمير وقبله، ودونه خرط القتاد. ويا خيبة من يدخل في معركة بدون أسلحة ولا ذخيرة وما أفشلها من معركة.
ماذا يريد يعقوب بن شيبة باطلاق لفظ (الحسن)
13- والآن يحمل لواء المعركة ضد شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ الأستاذ أبو غدة فقد حسر عن ساعديه وكشر عن أنيابه وشمر عن ساعد الجد وخاض المعركة بجزم وعزم وقوة، فلننتظر كيف تنتهي هذه المعركة الحامية الوطيس فيقول:
"ممن استعمل كلمة (حسن) مريدا بها الحسن الاصطلاحي وأكثر منها جداً كثرة بالغة الحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي البصري البغدادي وهو سابق للترمذي ومعاصر للبخاري ومسلم، توفي سنة 262هـ، وقول الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" ص38، والسيوطي في "التدريب" ص96: أن يعقوب بن شيبة ألف "مسنده" بعد الترمذي مردود، فقد فرغ الترمذي من كتابه سنة 270 كما في تهذيب التهذيب، ويعقوب توفي قبل ذلك بسنين فدونك كتابه "المسند الكبير المعلل" الذي قال الذهبي فيه في "تذكرة الحفاظ" ص577 "ما صنف مسند أحسن منه ولكنه ما أتمه"، فقد جاء في القطعة الصغيرة منه والتي عثر عليها منه في مسند عمر بن الخطاب – طبعت في بيروت في المطبعة الأمريكية سنة 1359هـ نحو الثلاثين حديثا جاء فيها تعبيره بقوله: "هذا حديث حسن الإسناد" في تسعة مواضع ص: 40، 43، 46 و 59و 60و 74و 83و 93و 96.
ويقول في ص60: "هذا حديث حسن الإسناد وهو صحيح، ويقول في ص83: "حديث إسناده وسط وليس بالثبت ولا الساقط، هو صالح.(1/68)
ويقول في ص92-93: "حديث صالح الإسناد".
فإن كان هذا الشيخ ضبط هذا الحديث، فقد جوده وحسنه يعني أنه يرتفع حينئذ من صالح إلى جيد وحسن.
وقد حدد في هذه الجمل مراده من قوله (حسن الإسناد) تحديدا واضحاً وهو فوق الصالح ودون الصحيح فهذه نحو عشر مرات جاءت في هذه القطعة الصغيرة التي لا تبلغ نحو الثلاثين حديثا، فكيف بالمسند كله؟، وقد قال الذهبي:
"قيل: إن نسخة بمسند أبي هريرة منه شوهدت بمصر فكانت مائتي جزء، وبلغني أن مسند علي منه خمس مجلدات:
ويقول الكتاني في الرسالة المستطرقة ص96.
"وشوهد – أيضا – منه بعض أجزاء من مسند ابن عمر يذكر فيه الأحاديث بأسانيدها وعللها أي كالقطعة المطبوعة من مسند عمر ولو تم لكان في مائتي مجلد"(1).
انتهى كلام أبى غدة.
أقول إن الطبعة التي ذكرها أبو غدة للقطعة المذكورة في مسند يعقوب ليست عندي لكن عندي طبعة مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى سنة 1405هـ فالحوالات ستكون على صحائفها وأرقامها.
1- قال يعقوب بن شيبة – رحمه الله – في ص51 رقم 8.
"وحديثه في يوم حنين أن فلانا قتل شهيدا.
وقد ذكر الغلول، حديث حسن الإسناد، رواه عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك الحنفي،عن ابن عباس عن عمر – رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وعكرمة بن عمار يمامي ثقة ثبت.
..
__________
(1) قواعد في علوم الحديث ص104، 105.(1/69)
حدثني غير واحد من أصحابنا منهم عبدالله بن سعيد سمعوا يحيى بن معين يقول: عكرمة بن عمار ثقة ثبت ... ، ثناه علي بن حفص المدائني وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبو النضر هاشم بن القاسم الليثي وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي قالوا: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل قال أبو النضر:حدثني سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: لما كان يوم حنين، قال أبو الوليد في حديثه قتل نفر يوم حنين(1)، وقال علي بن حفص: قتل أناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجعلوا يقولون: فلان شهيد.
وقال أبو النضر: أقبل نفر من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: فلان شهيد حتى مروا برجل، فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كلا، إني رأيته في النار في بردة أو عباءة غلها)، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا عمر أخرج فناد أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون) قال: فخرجت فناديت أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
... وهذا الحديث خرجه مسلم في صحيحه(2).
قال: حدثني زهير بن حرب، حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب.. وساق الحديث.. وأخرجه الترمذي.
فالحديث صحيح كما ترى ويعقوب بن شيبة يراه صحيحا وقد وقد وثق عكرمة بن عمار ونقل عن الإمام يحيى بن معين أن عكرمة ثقة ثبت، ومع هذا قال: "حديث حسن الإسناد"، فهذا إطلاق لغوي لا اصطلاحي.
2- ص54 رقم 9.
قال يعقوب بن شيبة:
__________
(1) كذا وفي صحيح مسلم: خيبر.
(2) كتاب الإيمان: 48، باب غلظ تحريم الغلول، حديث: 114.(1/70)
"وحديثه (1) في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة "حديث حسن الإسناد" رواه أيضاً عكرمة بن عمار عن سماك أبي زميل عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه قال علي بن المديني في هذا الحديث بعينه "لا نعلمه روى عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه"، قال: ولم يروه أهل الحجاز ولا أهل البصرة ولا أهل الكوفة.
وهو كما قال علي:
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذا الحديث من وجوه صحاح، تأتي في مسند علي إن شاء الله".
وحديث علي متفق عليه.
ثم أقول: فإن كان يعقوب يريد بهذا الكلام أن يعل حديث عمر بحديث علي فاطلاقه للحسن على حديث عمر من إطلاق الحسن على الضعيف المعلل.
وإن كان يريد أن يقويه ويشده بحديث علي فهو من الطلاق الحسن على الصحيح. والراجح الأول في نظري وهو إطلاق لغوي على الحديث الغريب الفرد الذي شذ به راويه.
... وفي كلا الحالين فهو إطلاق لغوي لا اصطلاحي كما يزعم أبو غدة.
3- ص55 حديث رقم 10
قال يعقوب:
"وحديثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل مكة يوم الحديبية" حديث حسن الإسناد.
وهو أيضاً مما تفرد بروايته عكرمة بن عمار وما قل – أيضاً – من رواه عن عكرمة ثناه أبو حذيفة موسى بن مسعود. قال: ثنا عكرمة بن عمار، بالإسناد السابق".
وهذا فيه سواء كان يراه صحيحا كما تقدم أو معلا فهو إطلاق لغوي.
والراجح الاحتمال الثاني أطلق عليه لفظ الحسن استغرابا واستنكاراً لتفرد راويه به.
4- ص56 حديث رقم 11
قال يعقوب: "وحديثه في قصة الأسرى يوم بدر ومشاورة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه فيهم "هو حديث حسن الإسناد" ولا نحفظه عن عمر إلا من هذا الطريق.
رواه عكرمة بن عمار أبي زميل عن ابن عباس عن عمر ورواه عن عكرمة أبوحذيفة وعبدالله بن المبارك وعمر بن يونس اليمامي وقراد أبو نوح.. وكلهم ثقة..
__________
(1) يعني عمر.(1/71)
فأما أبوحذيفة فإنه جاء به مختصرا وجعله كله عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما عبدالله بن المبارك فجاء به أتم وأدخل فيه كلمة عن عبد الله بن مسعود من حديث الأعمش وجعله كله عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتفق.. هو وأبو حذيفة في الإسناد.
وأما حديث عمر بن يونس اليمامي فجوده وحسنه وفصله فجعل بعضه عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضه عن ابن عباس خاصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر في الحديث كلاما لم يذكره غيره".
ثم ساق الحديث من روايات من ذكرهم سابقا.
فيقال فيه ما قيل سابقا لأنه إسناد واحد مداره على عكرمة بن عمار، وإنما سقت كلام يعقوب بهذا الطول ليعرف القارئ العارف بهذا الشأن مقصود يعقوب بن شيبة بقوله "جوده وحسنه وفصله" وأنه يريد أن يبين تفاوت الرواة في سياقة هذا الحديث فهذا يختصر وهذا يروي الحديث تاما ويبين ما دخل فيه من كلام عبد الله بن مسعود من طريق ابن المبارك.
وهذا يجعل بعضه عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضه عن ابن عباس خاصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يريد أن يبين درجة الإسناد إذ قد بينه مراراً ولا يريد أن يبين درجة المتن.
وإنما هذا منه وصف لما امتازت به سياقة رواية عمر بن يونس على غيره، لا كما يفهم أبو غدة من هذا الإطلاق أن يعقوب يريد به المعنى الاصطلاحي كما فهم من كلام مماثل هذا الفهم البعيد.
5- ص65 رقم 16
قال يعقوب: وحديثه في اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، وهو حديث حسن الإسناد.
ثناه أبوحذيفة قال: ثنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل قال: أخبرني ابن عباس أن عمر – رضي الله عنه – حدثه قال: لما اعتزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه فكان وجد عليهن فاعتزلهن في مشربة هي خزانته".
وأشار إلى جمل من الحديث:(1/72)
فهذا من إطلاق لفظ الحسن على ما يعتقده صحيحا. فردا غريبا.
وهذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه(1) عن عكرمة بن عمار نفسه قال رحمه الله: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، عن سماك أبي زميل حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عمر بن الخطاب قال: (لما اعتزل نبي الله نساءه)، وهو حديث طويل.
وهذا يؤكد أن يعقوب لم يستخدم لفظ "الحسن" في معناه الاصطلاحي، ولعله لم يخطر على باله ولا كان يعرفه.
6- ص66 حديث رقم 17
قال: "وحديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أتاني آت من ربي عز وجل، فأمرني أن أصلي في الوادي المبارك).
"حديث حسن الإسناد وهو صحيح" رواه علي بن المبارك والأوزاعي جميعا عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وعلي والأوزاعي ثقتان.
والأوزاعي أتثبتهما، في روايته عن الزهري خاصة شيء، ورواية علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير خاصة فيها وهي وقد سمع من يحيى وكان يحدث عنه بما سمع منه، ويحدث عنه بما كتب به إليه ويحدث عنه من كتاب كان يحيى تركه عنده.
وهذا الحديث خاصة يروى أنه مما سمعه علي بن المبارك من يحيى".
ماذا يفهم أهل العلم المختصون في الحديث وطلاب الحق المنصفون من هذا التعبير "حسن الإسناد وهو صحيح".
من إسناد فيه الأوزاعي وعلي بن المبارك الإمامان الثقتان، وإذا كان في الرواية عن طريق المكاتبة أو من الكتاب نوع من الضعف عند بعض العلماء فقد نفى يعقوب هاتين الشبهتين عن رواية علي بن المبارك لهذا الحديث خاصة.
وأنه يروي أنه مما سمعه من يحيى بن أبي كثير ولا شبهة في رواية الإمام الأوزاعي.
وقد أخرج البخاري حديثه هذا في صحيحه في موضعين:
الأول: في كتاب الحرث(2) قال:
__________
(1) 18-كتاب الطلاق (5) باب في الإبلاء واعتزال النساء، حديث (1479).
(2) 16- باب حديث 2337 من الكتاب المذكور.(1/73)
حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي قال: حدثني يحيى عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال: (الليلة أتاني آت من ربي وهو بالعقيق أن صل في هذا الوادي وقل: عمرة في حجة).
والثاني: في كتاب الحج(1).
قال: حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد وبشر بن بكر التنيسي قالا: حدثنا الأوزاعي به.
فهل هناك مجال للقول أن مراد يعقوب هنا بالحسن الحسن الاصطلاحي، وهل يطلق الحسن الاصطلاحي على إسناد الأوزاعي الإمام، وعلي بن المبارك أحد رجال الصحيحين بل الستة.
والجدير بالذكر أن يعقوب روى هذا الحديث من طرق منها قوله: وثنا زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي(2) به.
7- ص82 رقم 23، قال يعقوب بن شيبة: "حديثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(اني ممسك بحجزكم عن النار).
"هو حديث حسن الإسناد" غير أن في اسناده رجلا مجهولا.
رواه يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن عكرمة عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه: (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ).
وحفص بن حميد هذا لا نعلم أحدا روى عنه إلا يعقوب القمي ولا نحفظ هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه إلا من هذا الوجه.
وقد رواه أهل المدينة، عن أبي هريرة أو بعضه.
وقد أخرجنا ما حضرنا بأسانيد حسان متفرقة، عن أبي هريرة وابن عباس، وأم سلمة، وأسماء بنت أبي بكر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد روى عبد الله بن أنيس، عن عمر رضي الله عنه من آخر هذا الحديث شيئاً نأتي به في موضعه إن شاء الله ..".
ثم ساق الحديث بإسناده، وهو حديث طويل.
نتساءل ما مراد يعقوب بإطلاقه الحسن على إسناد فيه رجل مجهول؟.
__________
(1) 16- باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - العقيق واد مبارك من الكتاب المذكور حديث: 1534، وأنظره برقم 2337، 7343.
(2) ص: 81 من مسنده.(1/74)
والجواب كما هو واضح لا يريد به إلا المعنى اللغوي من إطلاق الحسن على الغريب المنكر على سنن بعض أهل الحديث يطلقون لفظ الحسن ويريدون به الغريب المنكر.
ذلك أن حفصا قد خالف حفاظ أهل المدينة الذين رووا الحديث عن أبي هريرة وغيره ممن ذكره يعقوب ولم يروه أحد منهم من حديث عمر رضي الله عنه.
فكانت رواية حفص بن حميد – وهو غريب مجهول – الحديث عن عمر مما يستنكر ويستغرب فجرى على عادة أهل الحديث من إطلاقهم الحسن على الحديث المنكر، وقد ذكرنا علل هذا الإسناد فيما سبق عند الحديث عن علي بن المديني ورأيه في هذا الحديث(1).
ثم إن نقاد الحديث في مثل مخالفة هذا الرجل المجهول في نظر يعقوب وشيخه علي بن المديني لا يترددون في إعلال حديثه والحكم عليه بالنكارة، بل لو خالف مثل هذا العدد ثقة كبير القدر. لا يتردد كثير من أهل الحديث في إعلال حديثه والحكم عليه بالشذوذ، هذا لا يتوقف فيه من يعرف مناهج القوم.
ثم قال في ص85: وأما ما رواه أهل المدينة فيه:
ثنا أحمد بن شبيب قال: ثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يارب أصحابي فيقول: انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى) (2).
أحمد بن شبيب قال فيه الحافظ في التقريب "صدوق".
قال ابن عدي قبله أهل العراق، ووثقوه وكتب عنه علي ابن المديني وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال أبو الفتح الأزدي: "منكر الحديث غير مرضي".
قال الحافظ: "لم يلتفت أحد إلى هذا القول، بل الأزدي غير مرضي".
__________
(1) ص: 34-35).
(2) هذا في المرتدين كما قاله البخاري رحمه الله.(1/75)
ويعقوب عراقي بصري بغدادي فهو ممن قبله ووثقه وكتب عن أحمد شيخ يعقوب وهو علي بن المديني فهو يحذو حذوه ونحن نحكم هنا على أحاديثه في ضوء منهجه ومقاييسه لا باصطلاح المتأخرين خصوصا في مثل هذا الأمر الذي ليس لدينا أدلة واضحة بل ولا غير واضحة في أن مصلحه في "الحسن" كاصطلاح المتأخرين.
وأما أبوه شبيب بن سعيد فقال فيه ابن المديني "ثقة" وكتابه كتاب صحيح، وقال أبو زرعة: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: "كان عنده كتب يونس بن يزيد، وهو صالح لا بأس به".
وقال النسائي: "ليس به بأس".
وقال الحافظ: "لا باس به".
وقال ابن عدي: "ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير.
وقال الدارقطني: "ثقة"، ونقل ابن خلفون توثيقه(1) عن الذهلي وبقية الإسناد أئمة.
فالحديث صحيح.
لاسيما على منهج ابن المديني، ويعقوب تلميذه يحذو حذوه، وبعيد جدا اطلاق الحسن هنا على المعنى الاصطلاحي.
ثم قال ص86:
وثناه عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. وساق الحديث، العلاء صدوق ربما وهم، كما قال الحافظ، وهذا خلاصة ما قيل فيه وعبد العزيز "صدوق كان يحدث من كتب غيره".
فالحديث حسن على اصطلاح المتأخرين ولا نستطيع أن نحكم على يعقوب أنه يريد هذا المعنى ولا يبعد أن يكون يرى صحة حديثهما كيف لا والدراوردي من رجال الشيخين والعلاء من رجال مسلم.
والحديث أخرجه مسلم(2) قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي حدثنا الربيع (يعني ابن مسلم) عن محمد بن زياد عن أبي هريرة نحوه.
فالحديث مما حفظه العلاء وعبد العزيز رحمهما الله تعالى والحسن هنا حسن لغوي.
ثم قال في ص87.
__________
(1) تهذيب التهذيب: (4/307).
(2) 43- كتاب الفضائل 9- باب إثبات حوض نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث: 2302.(1/76)
... ثنا يعلى بن عبيد قال: ثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة، قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم ذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال: (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني، أقول: لا أملك لك شيئا..) الحديث.
... أقول: وهذا إسناد صحيح عظيم رجاله رجال الشيخين.
والحديث أخرجه الشيخان بهذا الإسناد.
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد(1).
قال البخاري: حدثنا مسدد ثنا يحيى عن أبي حيان قال: حدثني أبو زرعة قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره.
وقال مسلم(2): وحدثني زهير بن حرب: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ساقه من طرق أخرى مدار بعضها على أبي حيان التيمي به.
ومدار بعضها على أبي زرعة به.
ولنتساءل كيف يطلق يعقوب بن شيبة لفظ الحسن الاصطلاحي على حديث هذا شأنه؟
ثم قال في ص88 حديث رقم 26.
"وأما حديث ابن عباس أخرجناه مختصرا حتى نأتي به في موضعه إن شاء الله.
ثناه أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر النمري وهو أبو عمر الحوضي وسياق الحديث لأبي الوليد، قالا: ثنا شعبة، قال: أخبرني المغيرة بن النعمان من النخع، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر كلاما ثم قال: (ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: كما قال العبد الصالح { وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد } الآية، وساق الحديث.
__________
(1) في صحيحة 33 – كتاب الإمارة 6 – باب غلظ تحريم الغلول حديث: 1831
(2) 189 – باب الغلول، حديث: 3073(1/77)
ثم قال: حدثناه قبيصة بن عقبة، وشاذان الأسود بن عامر ومحمد بن كثير وأبوحذيفة، وسياق الحديث لقبيصة، قالوا: ثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر الحديث.. ثم ساق يعقوب طائفة منه.
وهذان إسنادان صحيحان.
والحديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه(1).
حدثنا أبوالوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خطب رسول الله صلى الله عليهم فقال: (يا أيها الناس انكم محشرون إلى الله حفاة عراة غرلا.. إلى أن قال: ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال..).
ثم ساقه مرة أخرى.
حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان وساقه مختصراً.
وأخرجه في الأنبياء، قال: حدثنا محمد بن كثير به.
وأخرجه مسلم في صحيحه(2) من طريق وكيع ومعاذ بن معاذ العنبري ومحمد بن جعفر عن شعبة عن المغيرة بن النعمان به.
ولعل هذا يقطع دابر كل التعللات والتأويلات الباطلة إن بقي شيء منها.
ولا يسع ذوي العقول إلا أن يقولوا: لعل يعقوب لم يخطر بباله ما يعوله به أبو غدة وينسبه إليه من إطلاق الحسن قاصدا به المعنى الاصطلاحي في أي مكان أطلقه.
ثم قال في ص90 رقم 27: "وأما حديث أم سلمة فحدثناه الأسود بن عامر، قال: ثنا شريك عن عاصم، عن أبي وائل عن مسروق عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من أصحابي من لا يراني..) الحديث.
__________
(1) كتاب التفسير سورة المائدة 14- باب { وكنت عليهم شهيدا } ، 15- باب { إن تعذبهم فإنهم عبادك } رقم 4625، 4626، وفي الأنبياء حديث: 3349، وأنظره في خ: 4740، 6524، 6525، 6526.
(2) 51- كتاب الجنة وصفة نعيمها، حديث: 2860 (58).(1/78)
قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة، قالت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على هذا المنبر (أيها الناس إني سلف لكم على هذا الكوثر).
وساقه وفي معناه شيء من المخالفة لما قبله.
وفي الإسناد الأول.
شريك بن عبد الله، قال الحافظ: صدوق يخطئ كثيرا.
قال الذهبي في الكاشف: وثقه ابن معين. وقال غيره: سيء الحفظ.
قال الذهبي: هو أعلم بحديث الكوفيين من الثوري، قاله ابن المبارك.
وقال يعقوب بن شيبة: شريك صدوق ثقة سيئ الحفظ جداً.
وعاصم هو ابن كليب الجرمي: قال فيه الحافظ: صدوق رمي بالإرجاء.
ووثقه ابن معين والنسائي والعجلي.
لكن لا نذهب بعيدا.
فقد قال يعقوب في إسناد فيه عاصم "إسناده وسط ليس بالثبت ولا الساقط هو صالح رواه عاصم بن كليب" ثم قال: قال علي بن المديني. وعاصم بن كليب صالح ليس مما يسقط ولا مما يحتج به وهو وسط.
فهذا تليين منه لهذا الإسناد.
والإسناد الثاني رجاله ثقات يوسف بن بهلول ثقة من رجال البخاري وعبد الله بن رافع ثقة من رجال مسلم، ومحمد بن إسحاق صدوق يدلس ورمي بالقدر والتشيع. وقد تقدم الكلام فيه، ويعقوب قال فيه: إنه حسن الحديث، لكن قد عرفنا من منهج يعقوب أنه يطلق لفظ الحسن على الصحيح إطلاقاً لغويا فالظاهر أنه يحكم بصحة هذا الإسناد.
والذي هو واحد من أسانيد صحيحة أطلق عليها أنها حسان ولعلها عنده من غرائب الصحيح وحديث أم سلمة رواه مسلم في صحيحه(1).
قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا عبدالله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيراً حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي عن عبدالله بن رافع عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق الحديث.
ثم قال في ص92 رقم 28.
__________
(1) 43- كتاب الفضائل حديث: 2295.(1/79)
"وأما حديث أسماء ابنة أبي بكر فحدثناه يوسف بن كامل قال: ثنا نافع بن عمر الجمحي، قال: ثنا ابن أبي مليكة عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وساق حديثها في الحوض وذود بعض الناس عنه.
رجال هذا الإسناد رجال الصحيحين إلا يوسف بن كامل شيخ يعقوب بن شيبة.
فقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وسكت عليه.
وذكره ابن حبان في الثقات.
ولا يبعد أن يوثقه يعقوب، فإنه يبدو من منهجه أنه متساهل لاسيما وقد أدخله ضمن الأسانيد التي قال: أنها حسان. وهذا الحديث في صحيح مسلم(1) وكذا البخاري(2).
قال رحمه الله: وحدثنا داود بن عمر الضبي، حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (حوضي مسيرة شهر..) وساق الحديث. ثم قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر(3): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساق حديثها في الحوض.
فقد ظهر لك من دراسة هذه الأسانيد أن معظمها في قمة الصحة ومع ذلك فإن يعقوب يسميها حسانا.
مما يدل دلالة واضحة أنه لا يريد من إطلاق الحسن المعنى الاصطلاحي.
8- ص93 حديث 29
قال يعقوب بن شيبة – رحمه الله -:
... "وحديثه في ليلة القدر، حديث إسناده وسط ليس بالثبت ولا الساقط وهو صالح، رواه عاصم بن كليب عن أبيه، عن خاله الفلتان بن عاصم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
... ورواه أيضاً عن أبيه عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
... قال علي بن المديني: وعاصم بن كليب: "صالح، ليس مما يسقط ولا مما يحتج به، وهو وسط".
__________
(1) 43- كتاب الفضائل حديث: 2293.
(2) 81- الرقاق 53- باب في الحوض، حديث 6593، وفي 92- الفتن حديث 7048 في الموضعين من طريق نافع بن عمر به.
(3) وليس هذا تعليقا وإنما بناه مسلم على إسناده السابق فهو مسند متصل.(1/80)
... ثم بين أن عدداً من الثقات رووه عن عاصم بن كليب رواه عنه على وجهين عن أبيه عن خاله الفلتان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عاصم عن أبيه عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال: وقد روى هذا الحديث، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه تثبت هذا الحديث.
... ثم روى الحديث من طرق عن عاصم كعادته.
... وبعد.. فما هي درجة عاصم بن كليب في نظر يعقوب بن شيبه وشيخه علي بن المديني.
... لقد: قالا: "إنه صالح وليس مما يسقط ولا مما يحتج به وهو وسط (وفي الأصل "سط")" فلاشك أن هذه درجة من يعتبر به فليس هو من الساقطين المتروكين ولا هو من الإثبات الثقات الذين يعتمد عليهم ويحتج بهم ولو كان حديثه حسنا عند يعقوب وكان اصطلاح المحدثين في الحسن مستقراً والتقسيم الثلاثي للحديث ثابتا لأطلق عليه يعقوب بن شيبة الفظ الحسن لاسيما وهو يكثر من استعمال هذا اللفظ ولكن لا هذا ولا ذاك فسقطت مزاعم أبي غدة.
... أيكثر يعقوب من استعماله؟ فيطلقه على الصحيح والضعيف ومفردا وجمعا، حتى إذا جاء موطن استعماله في نظر أبى غدة فإذا به كأنه لا يعرفه، فيقول: "صالح ليس مما يسقط ولا مما يحتج به وهو وسط".
... إن هذا لأقوى دليل على أن الحسن بالمعنى الاصطلاحي لم يكن مستقراً في عهد يعقوب ولا يعرفه بهذا المعنى.
... وعلى هذا مشى المتأخرون، قال الحافظ العراقي بعد ذكر المراتب المحتج بها.
... ... ... ... ... ... وتلا محله الصدق رووا عنه إلى
الصدق ما هو كذا شيخ وسط
أو وسط فحسب أو شيخ فقط
وصالح الحديث أو مقاربه
جيده حسنه مقاربه
صويلح صدوق إن شاء الله
أرجو بأن ليس به بأس عراه
... قال السخاوي في فتح المغيث (1/340) بعد أن شرح هذه المرتبة وما قبلها، مع مرتبتين أضافهما إلى ما ذكره العراقي.
... ثم إن الحكم في أهل هذه المراتب الاحتجاج بالأربعة كذا الأولى، وأما التي بعدها، فإنه لا يحتج بأحد من أهلها، لكون ألفاظها لا تشعر بشريطة الضبط بل يكتب حديثهم ويختبر".(1/81)
... فعاصم قال فيه علي ويعقوب صالح ووسط ولا يحتج به، هذه الألفاظ يؤكد بعضها بعضا في عدم الاحتجاج به، وأنه ممن يعتبر به.
9
- ... ص98 حديث 34.
قال يعقوب: وحديثه في المال الذي كان بين يديه.. حديث صالح الإسناد وسط، رواه أيضاً – عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس عن عمر – رضي الله عنه.
ثنا علي بن عبدالله قال: ثنا سفيان، قال: ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه عن ابن عباس، قال: كان عمر رضي الله عنه كلما صلى صلاة جلس للناس".
وساق حديثا طويلا.
قال: صالح الإسناد وسط: من أجل عاصم.
وعلي بن عبدالله هو ابن المديني الإمام وسفيان هو ابن عيينة الإمام وقد تقدم الكلام على درجة عاصم.
10- ص100 حديث 35
... قال يعقوب: "وحديثه في العاني حديث صالح الإسناد – أيضاً ... رواه عن عبدالله بن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن عمر – رضي الله عنه – ولم يرو هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ولا يحفظ عن كليب أبي عاصم أنه سمع من عمر – رضي الله عنه – شيئاً إلا هذا الحديث إذ(1) كان ثبت، وإنما روايته المعروفة التي يرويها عاصم بن كليب، عن أبيه عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه.
... فرواه عن ابن إدريس غير واحد، علي بن المديني وغيره، فقالوا جميعا عن عاصم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه.
... ورواه شيخ من أهل الكوفة معروف(2) بالسماع يقال له: حسين بن عبد الأول عن ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم عن عمر رضي الله عنه فخالف من رواه عن ابن إدريس وأدخل هو فيما بين كليب أبي عاصم وبين عمر الفلتان بن عاصم خاله، فإن كان هذا الشيخ ضبط هذا الحديث فقد جوده وحسنه".
... وألفت النظر إلى أمور:
أولها: قد تقدم الكلام على منزلة عاصم بن كليب.
ثانيها: قوله صالح الإسناد مع أن في الإسناد عللا.
__________
(1) قوله إذ كذا والظاهر "إن".
(2) في المطبوع معروفا وهو خطأ مطبعي أو من الأصل، ولعل أصله لم يكن معروفاً والسياق يقتضيه فتأمل.(1/82)
منها- مخالفة حسين بن عبد الأول لأصحاب ابن إدريس وفيهم الإمام الحافظ علي بن المديني بقوله عن عاصم عن أبيه عن الفلتان عن عمر.
ثالثها: أن حسين بن عبد الأول مجروح جرحا شديداً.
... قال فيه أبو حاتم: تكلم الناس فيه.
... وكذبه ابن معين
... رابعها: في الكتاب: رواه شيخ من أهل الكوفة معروف بالسماع يقال له حسين بن عبد الأول.
... وقوله: فإن كان هذا الشيخ ..الخ.
... كل ذلك يدل أن يعقوب لا يعرف هذا الرجل ولو كان يعرفه لقال رأسا وخالفهم حسين بن عبد الأول.
... والظاهر أن في الكلام سقطا وهو لفظ "غير" أو "لم يكن"، إذ السياق يقتضي أن يكون الكلام، ورواه شيخ من أهل الكوفة غير معروف بالسماع، أو لم يكن معروفاً".
... خامسها: قوله: "فإن كان هذا الشيخ ضبط هذا الحديث فقد جوده وحسنه يريد به يعقوب جودة سياقة متن الحديث وحسن عرضها.
... ويريد بالضبط ضبط ما خالف فيه أصحاب عبدالله بن ادريس وهي زيادة الفلتان في الإسناد التي لم يذكرها أصحاب ابن إدريس.
... فقول أبي غُدَّة يعني أنه يرتفع حينئذ من صالح إلى جيد وحسن غلط إذ كيف يجوده يعقوب ويحسنه التحسين الاصطلاحي وفيه هذه العلل إذن فالتحسين لغوي لا اصطلاحي.
11- ص102 رقم 38
... كان يعقوب: "وحديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح".
حديث حسن الإسناد ثبت:
... رواه قتادة عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمر، رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
... ورواية قتادة، عن أبي العالية مرسلة كلها إلا أربعة أحاديث سمعها من أبي العالية.
... هذا الحديث أحد الأربعة.
... فرواه عن قتادة.
1- سعيد بن أبي عروبة.
2- وهشام الدستوائي.
3- وشعبة.
4- ومنصور بن زاذان.
5- وهمام بن يحيى.
6- وأبان العطار(1).
7- وأبو هلال الراسبي(2) انتهى.
__________
(1) هو ابن يزيد العطار. قال الحافظ: ثقه له افراد.
(2) هو محمد بن سليم البصري. قال الحافظ: صدوق.
ولا يحتاج الباقون إلى ترجمة لأنهم أعلام شوامخ.(1/83)
لاشك أن كل ذي عقل وفهم وذوق لا يجرؤ أن يقول: إن مراد يعقوب هنا بالحسن الحسن الاصطلاحي فحديث يرويه سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي وشعبة ومنصور عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يقال إنه حسن بالمعنى الاصطلاحي، بل لو رواه واحد من هؤلاء بالإسناد المذكور هل يقال له أنه حسن بالمعنى الاصطلاحي؟
... لو لم يكن إلا هذا النص الواضح وضوح الشمس في استعمال يعقوب بن شيبة لفظ الحسن مريدا به المعنى اللغوي لكفى في هدم وبطلان دعوى أبي غدة أنه يطلقه ويريد به المعنى الاصطلاحي، فكيف وقد تبين بطلان كل ما ادعاه على يعقوب في إطلاق لفظ "الحسن".
... وتهويله بما ورد في هذه القطعة، وتهويله بمسند يعقوب ظانا أنه لو بقي لوجدنا فيه الألوف من اطلاقات يعقوب الحسن مريدا بها المعنى الاصطلاحي.
... ونحن نعتقد أنه لو كان موجوداً لزاد الأمر وضوحاً على وضوح.. أن يعقوب لا يريد بإطلاق لفظ الحسن إلا المعنى اللغوي.
... وقد وجدت نصا من كلام يعقوب في تهذيب الكمال أحببت نقله، قال المزي "وقال يعقوب (يعني ابن شيبة): "بقية بن الوليد هو ثقة حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين ويحدث عن قوم متروكي الحديث، وعن الضعفاء ويحدث عمن هو أصغر منه، وحدث عن سويد بن سعيد الحدثاني".
... والشاهد في قوله: "هو ثقة حسن الحديث" فإنه من إطلاق لفظ الحسن على الحسن اللغوي.
... والحمد لله الذي تكفل بنصرة الحق وأهله.. جعلنا الله منهم ..
12- إطلاق أبي حاتم لفظ الحسن إطلاقاً لغوياً.
قال أبوغدة: "وممن استعمل (الحسن) في وصف الحديث، قبل الترمذي – أيضاً – الإمام أبو حاتم الرازي، المولود سنة 195هـ، والمتوفى سنة 277هـ.
... ففي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم في ترجمة إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي (1/1/148).
... "سمعت أبي يقول: يكتب حديثه، وهو حسن الحديث". وفي ترجمة محمد بن راشد المكحولي 2/3/: 253) (1).
__________
(1) صوابه (1/2/148).(1/84)
... "قال أبي: كان صدوقا حسن الحديث".
... وبتتبع الكتاب تبلغ الأمثلة الكثير (1)
... أقول:
... أولاً: مما يلفت النظر أن الحافظ ابن حجر رحمه الله كان قد ذكر في نكته(2) على ابن الصلاح عدداً من أئمة الحديث ممن أطلق لفظ الحسن بالمعنى اللغوي.
ثم قال:
... "وأما أبو حاتم، فذكر ابنه في كتابه "الجرح والتعديل" في "باب من اسمه عمرو" من حرف العين، عمرو بن محمد – روى عن سعيد بن جبير، وأبي زرعة بن عمرو بن جرير.
... روى عنه إبراهيم بن طهمان سألت أبي عنه فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير حسن.
... قلت: وكلام أبي حاتم هذا محتمل، فإنه يطلق المجهول على ما هو أعم من المستور غيره.
... فيحتمل أن يكون حكم على الحديث بالحسن، لأنه روي من وجه آخر، فيوافق كلام الترمذي.
... ويحتمل أن يكون حكم بالحسن، وأراد المعنى اللغوي أي أن متنه حسن – والله أعلم..".
... أقول:
... أولا: إني أستبعد جداً أن يكون أبو غدة قد جهل كلام أبي حاتم هذا وما قبله.
... وكتاب النكت في حوزته.
... وهو المصدر الرئيس والمحور الأساسي لبحثه هذا وإنني أكاد أجزم أنه كان حين كتابة هذا البحث وبعده على علم به.
... لكنه لما رأى هو وتلميذه محمد عوامة أن بحثهما لا تقوم له قائمة إن هما أبرزا هذا الكلام لجآ إلى إخفائه وكتمانه وذهب أبو غدة يبحث هنا وهناك عما يظن أنه يشيد بحثه.
... ولو كان كلام أبي حاتم ومن قبله يصلح له لاستخرجه من الأعماق ولو فاته وقت بحثه لاستدركه { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } .
... وغدا تكشف السرائر، وإن غدا لناظره قريب.
... ثانياً: ما تعلق به أبو غدة مما اختطفه سريعا من الطلاق أبي حاتم للفظ الحسن لا يغني عنه شيئاً.
__________
(1) حاشية قواعد على علوم الحديث (ص:105).
(2) 1/426).(1/85)
... فإن أبو حاتم يختلف مراده من إطلاق لفظ "الحسن" فهو تارة يطلقه على الصحيح، إطلاقاً لغويا وتارة يطلقه على رواية المجهول وتارة على رواية الصدوق الذي يمكن أن يقال أن حديثه حسن، ويمكن أن يقال أن حديثه صحيح.
... وهذا الاختلاف في إطلاقه هذا اللفظ أقوى دليل على أنه يريد به المعنى اللغوي لا المعنى الاصطلاحي وعلى أنه إلى وقته ووقت ابنه لم يستقر المعنى الاصطلاحي للفظ الحسن.
1- فمما أطلقه أبو حاتم من لفظ الحسن وهو يريد به المعنى اللغوي ما نقله عنه ابنه في كتابه "العلل"(1).
قال رحمه الله:
... "سألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن أبي شيبان عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أبي إدريس عن عبد الله بن حوالة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "يجندون أجنادا".
قال: "هو صحيح حسن غريب".
وإبراهيم بن أبي شيبان قال فيه أبو حاتم: "لا بأس به"(2).
... ويونس بن ميسرة ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل(3) وسكت عنه.
... وقال الحافظ في التقريب: "ثقة عابد".
... وأبو إدريس هو الخولاني التابعي الجليل المشهور، وعبدالله بن حوالة صحابي كريم.
فهذا حديث صحيح في نظر أبي حاتم أطلق عليه أبو حاتم لفظ "الحسن" إطلاقا لغويا.
... لا يقال: لعله جمع له بين الصحة والحسن باعتبار إسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن لذاته فهو يريد الحسن الاصطلاحي.
والجواب أنه ليس الأمر كذلك.
فلا يعرف له أبو حاتم إلا إسناداً واحدا هو هذا الإسناد الذي أجرى عليه هذا الحكم.
ولذا قال: "غريب" فأطلق عليه الحسن تأسياً بغيره إذ يطلق بعض أهل الحديث الحسن على الفرد الغريب.
2- ومن إطلاقه لفظ "الحسن" على الصحيح إطلاقاً لغويا قوله في عبد ربه بن سعيد "لا بأس به"*.
قال ابنه: "قلت يحتج بحديثه"؟
قال: "هو حسن الحديث ثقة"(4).
__________
(1) 1/337).
(2) الجرح والتعديل: (2/105-106).
(3) 9/246).
(4) الجرح والتعديل: (6/41)، تهذيب التهذيب (6/126-127).(1/86)
وعبد ربه قال فيه الحافظ في التقريب: ثقة من الخامسة وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري ورمز له بـ (ع).
قال فيه يحيى بن سعيد القطان: كان وقادا حي الفؤاد.
وقال ابن معين: "ثقة مأمون"(1).
فظاهر جدا أن إطلاق أبي حاتم لفظ "الحسن" على حديث عبد ربه بن سعيد الثقة إطلاق لغوي.
3- ومن إطلاقه "الحسن" مريداً به المعنى اللغوي قوله في حديث عمرو بن محمد "حسن" مع أنه مجهول.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم.
عمرو بن محمد روى عن سعيد بن جبير.. سألت أبي عنه، فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير فهو حسن.
والحديث الآخر الذي رواه عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، فإنه يرويه الناس"(2).
فالظاهر أنه يريد بالحسن هنا الغريب المستنكر.
وعمرو بن محمد قال فيه الذهبي:
"عمرو بن محمد، عن سعيد بن جبير مجهول"(3).
فالظاهر أن أبا حاتم يريد بقوله فيه "مجهول" جهالة العين.
ويريد بإطلاق الحسن على حديثه الاستغراب والاستنكار بدليل أنه قال في حديثه عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير "يرويه الناس".
فمفهوم هذا القول أن حديثه عن سعيد غريب، وأنه قد تفرد به عن سعيد بن جبير فليس له متابع ولا شاهد.
ولو كان أحد قد شارك عمرو بن محمد في رواية حديث سعيد لذكره لاسيما إذا كان قصده بتحسين حديثه المعنى الاصطلاحي.
فلما لم يحصل ذلك من أبي حاتم اتضح لنا أن قصده بإطلاق لفظ الحسن على رواية عمرو المجهول، المعنى اللغوي استغرابا له واستنكارا كما يفعل ذلك كثير من أئمة الحديث.
4- ومن إطلاق أبي حاتم لفظ "الحسن" على الصحيح إطلاقاً لغويا على ما يترجح لي من الدراسة، قوله في حديث محمد بن راشد المكحولي "حسن الحديث".
ومحمد بن راشد المكحولي.
نقل ابن أبي حاتم عن شعبة أنه قال: "إنه صدوق".
وعن أحمد: إنه ثقة.
وعن ابن معين: إنه ثقة
وعن عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أورع في الحديث منه.
__________
(1) المصدران السابقان.
(2) الجرح والتعديل: (6/262).
(3) الميزان: (3/287).(1/87)
ثم قال: وسألت أبي عنه فقال: "كان صدوقاً حسن الحديث"(1).
ونقل الحافظ عن أحمد أنه قال: "ثقة ثقة".
وعن ابن معين أنه: "ثقة صدوق".
وعن النسائي أنه: "ثقة"، وفي موضع آخر "لا بأس به".
وفي موضع آخر: "ليس بالقوي".
وعن ابن حبان: أنه "كان من أهل الورع والنسك ولم يكن الحديث من صنعته كثير المناكير في روايته فاستحق الترك".
وقال الدار قطني: "يعتبر به".
وقال ابن عدي: "يروي عن مكحول أحاديث وليس برواياته بأس، وإذا حدث عنه بقية فحديثه مستقيم".
وعن ابن معين: "لم يكن به بأس".
وعن ابن المديني: "ثقة" وقال الساجي: "صدوق".
وقال ابن خراش: "ضعيف الحديث"(2). ولا يعتد بقول ابن خراش فهو نفسه مجروح.
وقال الحافظ في التقريب: "صدوق يهم رمي بالقدر".
وقال الذهبي وثقه أحمد وجماعة، وقال: دحيم يذكر بالقدر"(3).
وعن أبي مسهر، قال: كان يرى رأي الخوارج".
فمن سياق ترجمة محمد بن راشد في الجرح والتعديل ومن أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه يبدو أن أبا حاتم أطلق لفظ الحسن على حديثه إطلاقاً لغوياً من إطلاقه على الصحيح. ويبعد أن يريد به المعنى الاصطلاحي للأسباب التي ذكرناها سابقا، فإن قيل: كيف يرى صحة حديثه وهو يقول فيه: صدوق، قيل: وكيف صحح حديث إبراهيم بن أبي شيبان، وقد قال فيه: "لا بأس به"، أليس محمد بن راشد الذي قال فيه: صدوق، والذي وثقه عدد من كبار الأئمة أولى بهذا الحكم؟
ولو سلمنا أن منزلة محمد بن راشد عند أبي حاتم منزلة راوي الحسن عند المتأخرين، فإن من المجازفة بمكان أن نقول: إن مراده بتحسين حديثه الحسن الاصطلاحي لما سبق من تصرفاته في هذا اللفظ، مما يدل دلالة واضحة أنه لا يريد بإطلاقه إلا المعنى اللغوي.
ومما يزيده بعدا عدم استقرار المعنى الاصطلاحي في عهده وعهد من قبله من أهل الحديث.
قال أبو غدة:
__________
(1) الجرح والتعديل (7/253).
(2) تهذيب التهذيب: (9/158-159-160).
(3) الكاشف (3/42).(1/88)
مراد الإمام الشافعي من إطلاق لفظ الحسن.
13- "وممن استعمل (الحسن) قبل أبي حاتم: الإمام الشافعي المولود سنة 150، المتوفي سنة 204هـ.
قال الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح ص8.
"ولم أر من سبق الخطابي إلى التقسيم المذكور – صحيح، وحسن، وضعيف – وإن كان في كلام المتقدمين ذكر (الحسن).
وهو موجود في كلام الشافعي والبخاري، وجماعة.
ثم ذكر في ص38 نصوص الشافعي فيه"(1).
أقول: لنا أن نسأل أبا غدة: لماذا تركت كلام الحافظ في النكت الذي صرح فيه بأنه لم يظهر له المعنى الإصلاحي من كلام الشافعي ولا من كلام من قبله؟.
... ولماذا تركت قول الحافظ(2) عقب هذا التصريح: "فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسناً خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته(3).
... وكذا قال الشافعي في حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه – في السهو"(4)؟.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: 105
(2) النكت (1/425).
(3) أخرجه البخاري (4- الوضوء 12- باب من تبرز على لبنتين حديث 145، ثم 148، 149 ومسلم في 2- الطهارة. 17- الإستطابة حديث: 266.
(4) البخاري 8- الصلاة حديث 401، 404 وأطرافه في 1226، 6671، 7249 ومسلم – المساجد 19- باب السهو في الصلاة، 572 من طرق إلى منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.(1/89)
... ولماذا تركت قول الحافظ العراقي عن الإمام الشافعي: "فقال في كتاب اختلاف الحديث. عند ذكر حديث ابن عمر: (لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا) الحديث: حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد، وقال فيه أيضا – وسمعت من يروي بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ركع دون الصف) (1)؟.
... لماذا تفعل كل هذه الأفاعيل؟
... أخشيت أن يعرف القراء منهج الشافعي ومن قبله، بل ومنهج أحمد أنهم يطلقون الحسن بخلاف المعنى الاصطلاحي الذي تريد أن تحمل عليه كل لفظة وردت في كلامهم بلفظ الحسن.
... لماذا اقتصرت على قولك، ثم ذكر في ص38 نصوص الشافعي ولم تنقل هذه النصوص التي ذكرها العراقي؟ ليعرف الناس هذه النصوص ويعرفوا من خلالها منهج الشافعي في اطلاق الحسن بحرية كاملة وبصيرة واضحة دون أن تحملهم حملا على اعتقاد ما تريد؟.
... ألست تعرف أن هذه النصوص التي تعمدت تركها: من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها؟.
... لكنك أدركت أن ذكر هذا الكلام وذاك سيكشف الأغطية والحجب عن أبصار القراء وبصائرهم فيعرفوا أن منهج المحدثين قبل الإمام الترمذي في إطلاق الحسن على خلاف المعنى الاصطلاحي وفي ذلك تأييد لما ذهب إليه ابن تيمية وإحباط لما تقرره أنت وتلميذك.
إطلاق أبي زرعة لفظ الحسن مريدا به المعنى اللغوي
14- قال أبو غدة:
"وممن استعمله – أيضا – أبو زرعة الرازي المولود سنة 200 والمتوفى سنة 264 شيخ أبي حاتم ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في ترجمة (عبدالله بن صالح كاتب الليث 2/2: 87 "سألت أبا زرعة عنه فقال: لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب، وكان حسن الحديث".
__________
(1) البخاري 10- الأذان 114- حديث (783)، وأبو داود 2- الصلاة 101- باب الرجل يركع دون الصف حديث 683، 684، 10 - كتاب الإمامة 63- الركوع دون الصف حديث (871- 872، وأحمد (5/39، 42).(1/90)
... ونقله الحافظ ابن حجر في التهذيب: 5/258، وهدي الساري ص412 و 2: 137"(1).
أقول:
أولا: لا يظهر قصد المعنى الاصطلاحي من عبارة أبي زرعة، لأنه لم يكن قد استقر في عهده هذا الاصطلاح في لفظ "الحسن".
ثانياً: ان ابازرعة إنما نفى عنه تهمة الكذب التي اتهمه بها بعض نقاد الحديث.
قال سعيد بن عمرو البردعي: قلت لأبي زرعة أبو صالح كاتب الليث، فضحك، وقال: حسن الحديث.
قلت: إن أحمد يحمل عليه، قال: "وشيء آخر"(2)!
انظر إلى السياق والجو الذي اكتنف هذا التحسين من ضحك أبي زرعة فإنه ينم أنه كان يحس شيئاً من وراء هذا السؤال، فلما قال له البردعي: إن أحمد يحمل عليه، قال: "وشيء آخر" أظنه إشارة إلى أمر خطير وهو أن بعض الناس يكذبه وبعضهم يرى أنه يروي الكذب الذي يدس عليه ولا يحس بهذا الدس.
... قال صالح بن محمد الملقب جزرة المولود سنة 205 والمتوفى سنة 293 "وكان ابن معين يوثقه وعندي أنه يكذب"(3).
... وقال أبو حاتم: "الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره التي أنكروا عليه نرى أن هذه مما افتعل خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه، وكان سليم الناحية، وكان خالد بن نجيح يفتعل الحديث ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلاً صالحاً"(4).
... اعتقد أن قول أبي زرعة: "وشيء آخر" يرمي إلى هذه الأشياء وكذلك ضحكه.
... ففي هذا الجو والملابسة أطلق أبوزرعة كلمة الحسن ولا أستبعد أنه يريد أن أحاديثه فيها غرابة ونكارة، جرى فيها على سنن السلف في اطلاق لفظ الحسن على ما يستغربونه ويستنكرونه، ولكل مقام مقال.
ملاحظتان:
... الأولى: على قول أبي غدة عن ما نقله ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: "ونقله الحافظ في التهذيب وهدي الساري".
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: 106
(2) هدى الساري: (2/187)، ط. الحلبي.
(3) هدي الساري: (2/178)، ط. الحلبي.
(4) الجرح والتعديل (5/87)، وهدي الساري: (2/178).(1/91)
... لم ينقل الحافظ قول ابن أبي حاتم، إنما نقل قول سعيد البردعي في الكتابين المذكورين.
... الثانية: قال أبوغدة عن أبي زرعة: "شيخ أبي حاتم ومسلم والنسائي وابن ماجه".
... أقول: في عده من شيوخ أبي حاتم نظر.
... فإن أبا حاتم أكبر منه سنا إذ كانت ولادته سنة 195هـ وولادة أبي زرعة سنة 200، وقال الذهبي: "بعد نيف ومئتين"(1).
... وقال الذهبي في ترجمة أبي حاتم:
... "حدث عنه ولده الحافظ الإمام أبومحمد عبدالرحمن بن أبي حاتم ويونس بن عبدالأعلى، والربيع بن سليمان المؤذن شيخاه وأبوزرعة الرازي رفيقه وقرابته وأبوزرعة الدمشقي"(2).
... ولعل أبا غدة راجع ترجمتي أبي زرعة وأبي حاتم في تذكرة الحفاظ(3)، فرأى قول الذهبي: حدث عنه من شيوخه حرملة وأبوحفص الفلاس وجماعة.
... ومسلم وابن خالته الحافظ أبو حاتم والترمذي وابن ماجه.
... فظن أن أبا زرعة من شيوخ أبي حاتم وإنما هو قرينه بل أصغر منه سنا، لكن كلا منهما أخذ عن الآخر وهذا شأن المحدثين يأخذ الأقران عن أقرانهم بل يوجد عندهم رواية الأكابر عن الأصاغر والعكس.
... الثالثة: نقلت كلام سعيد بن عمرو البردعي عن أبي زرعة السابق من هدي الساري ثم علقت عليه بما يفهم منه ومن غيره، ثم راجعت تهذيب التهذيب(4) فوجدت الكلام على النحو الآتي:
... "وقال سعيد البردعي: قلت لأبي زرعة: أبوصالح كاتب الليث، فضحك، وقال ذاك رجل حسن الحديث.
... قلت: أحمد يحمل عليه، قال: وشيء آخر، سمعت عبدالعزيز بن عمران يقول: قرأ علينا أبوصالح كتاب عقيل فإذا في أوله: حدثني أبي عن جدي، فإذا هو كتاب عبدالملك بن شعيب ابن الليث، قلت: فأي شيء حاله في يحيى بن أيوب، ومعاوية بن صالح والمشيخة. قال: كان يكتب لليث والله أعلم، وفي نسخة: وأثنى عليه بدل والله أعلم.
__________
(1) سير أعلام النبلاء (13/65) ثم تردد في عام ولادته.
(2) سير أعلام النبلاء (13/248).
(3) 2/557).
(4) 5/258).(1/92)
... فهذا تفسير لضحكه ولقوله: وشيء آخر، وذلك أنه لا يميز بين حديث شيخه الليث وحديث عقيل وقد يكون هناك فروق كبيرة في المتون والشيوخ كل ذلك مع ملازمته لليث وروايته لأحاديثه، هذا ما يمكن أن نقوله في تفسير قوله: وشيء آخر في هذا النص.
... وهو في الواقع يؤكد ما قاله أبوحاتم "الأحاديث التي أخرجها أبوصالح في آخر عمره التي أنكروا عليه مما أفتعل خالد بن نجيح..الخ. أي أنه يحدث بما دسه عليه خالد ولا يستنكره ولا يميزه.
... وكذلك لم يفرق بين أحاديث عقيل وأحاديث الليث التي مارسها، لأدنى سبب وهو ظنه أن الكتاب كتاب عقيل بينما هو كتاب عبدالملك بن شعيب بن الليث الذي يرويه عن أبيه عن جده، وهذه نهاية الغفلة أخذها عليه أبوزرعة.
... فظهر أن قول أبي زرعة أن عبدالله بن صالح حسن الحديث إنما يريد به الاستغراب والاستنكار ولا مجال للقول بأنه يريد به المعنى الاصطلاحي لهذه الأدلة وغيرها.
... هذا ولا مانع أن يكون أبوزرعة يريد بقوله: وشيء آخر ما ذكره وما يجري حوله من إنكار المحدثين لحديثه وما ذكره أبوحاتم من قصة خالد بن نجيح.
... وقد يطلق أبوزرعة الحسن على حديث يراه صحيحا كغيره من الأئمة أحمد والشافعي والبخاري وأبي حاتم رضي الله عنهم.
... قال الترمذي – رحمه الله – في "العلل الكبير"(1).
... "وسألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه" يعني حديث أم حبيبة في نقض الوضوء بمس الذكر.
... وكان الترمذي قد سأل عنه البخاري فأعله بأن مكحولا لم يسمع من عنبسة.
... وقال البيهقي في "السنن الكبرى"(2):
... "وبلغني عن أبي عيسى الترمذي، قال: "سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه"(3).
... وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4).
__________
(1) 1/161).
(2) 1/130)، وانظر النكت لابن حجر (1/424).
(3) 1/130 وانظر النكت لابن حجر (1/424).
(4) 1/124).(1/93)
... وأما حديث أم حبيبة، فصححه أبوزرعة والحاكم وأعله البخاري بأن مكحولاً لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان. وكذا قال يحيى بن معين، وأبوزرعة، وأبوحاتم، والنسائي أنه لم يسمع منه.
... وخالفهم دحيم، وهو أعرف بحديث الشاميين فأثبت سماع مكحول من عنبسة.
... وقال الخلال في "العلل": "صحح أحمد حديث أم حبيبة".
... وقال ابن أبي حاتم: سئل أبوزرعة، عن حديث أم حبيبة في مس الفرج، فقال: "مكحول لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئاً".
... وهذه الأقوال عن أبي زرعة فيها اختلاف:
... فيمكن أن يقال: انه كان يرى أن مكحولا لم يسمع من عبسة ثم تبين له أن مكحولا سمع من عنبسة، فحكم بصحة الحديث فإن كان أطلق الاستحسان في هذه الحال فهو من إطلاق الحسن على الصحيح إطلاقاً لغويا.
... وإن كان الأمر بالعكس بأن تبين له في الأخير أن مكحولا لم يسمع من عنبسة فتكون روايته عنه منقطعة أي ضعيفة، فيكون استحسانه لحديث أم حبيبة استغرابا واستنكارا ولا يخرج الأمر عن هذين الحالين.
... ولا يستقيم القول بحال أنه أراد بالاستحسان هنا المعنى الاصطلاحي، لأمور كثيرة.
... منها: ما فصلناه سابقا.
ومنها: ما سبق أن ذكرناه عن منهج المحدثين في إطلاق لفظ الحسن.
... وأنه لم يكن عندهم اصطلاح في هذا اللفظ إلى عهد أبي زرعة – رحمه الله –
الإمام مالك وإطلاقه لفظ الحسن
15- قال أبوغدة:
"بل قد جاء هذا الوصف بالمعنى الاصطلاحي في عهد متقدم جدا عن الترمذي.
... جاء في كلام الإمام مالك، المولود سنة 93، والمتوفى سنة 179هـ، ففي مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص: 31-32 نقل قول الإمام مالك في حديث المستورد بن شداد في تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، إن هذا الحديث حسن(1)".
... أقول: إن تعجب فعجب قول أبي غدة.
... "بل قد جاء هذا الوصف بالمعنى الاصطلاحي في عهد متقدم جدا عن الترمذي".
__________
(1) الاستدراك 6 على قواعد في علوم الحديث، ص: 548(1/94)
... بهذا الأسلوب الجازم الواثق فيه بما يقول، ونحن لا يسعنا إلا أن نقول: { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } بين لنا متى تم هذا الاصطلاح؟.
... هل تم في عهد مالك ومعاصريه أو قبله في عهد الصحابة أو التابعين، وهل نقل هذا الاصطلاح أئمة الحديث عن مالك أو عمن قبله؟
... وهل عرف هذا الاصطلاح أصحاب مالك أو جهلوه؟، وإذا لم يحصل شيء من هذا فكيف عرفته يا أبا غدة؟
... أما كان أجمل بك وأرفق بحالك إن كنت لابد مقدما على هذا القول أن تقول: وقد وجد التعبير بالحسن في كلام الإمام مالك، حتى تسلم من اقتحام المآزق التي يصعب عليك الخروج منها.
... من تخاطب ولمن تكتب يا أبا غدة؟
... أتظن أنه قد خلا لك الجو!!!
... كلا.
... ففي كتاب الجرح والتعديل للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم (المولود 240 أو 241 – والمتوفى 327).
... حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن عبدالرحمن بن أخي بن وهب، قال: سمعت عمي يقول: سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال: ليس ذلك على الناس، قال: فتركته حتى خف الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: وما هي؟
... قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي، قال:
... (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه).
... فقال: إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة، ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع"(1).
... أقول: إن هذه القصة لا تثبت:
... أولاً: إن ابن أبي حاتم لم يلق أحمد بن عبدالرحمن بن أخي بن وهب وليس من شيوخه.
... لذا تجده يسأل أباه وغيره عن حاله، ولو كان لقيه وسمع منه لعده في شيوخه ولعرف حاله وعرفه للناس.
__________
(1) الجرح والتعديل: (1/31-32).(1/95)
... قال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سألت محمد بن عبدالله بن عبدالحكم عنه فقال: ثقة ما رأينا إلا خيرا. قلت: سمع من عمه؟ قال: إي والله، قال: عبدالرحمن: سمعت أبا زرعة. يقول: أدركناه ولم نكتب عنه وسمعت أبي يقول: أدركته وكتبت عنه.
... سمعت أبا زرعة وأتاه بعض رفقائي فحكى عن أبي عبدالله بن أخي ابن وهب أنه رجع عن تلك الأحاديث، فقال أبوزرعة أن رجوعه مما يحسن حاله، ولا يبلغ به المنزلة التي كان قبل ذلك.
... فهذه النصوص تفيد أنه ما لقيه ولا سمع منه.
... وانظر إلى تعبير شيخه أبي زرعة وتعبير أبيه بـ "أدركناه" مما يبعد جداً أن يكون لقيه عبدالرحمن بن أبي حاتم، وبناء على هذا لا يكون حديثه عن أحمد بن عبدالرحمن إلا بوسائط.
... ثانياً: لو فرضنا أنه لقيه لما كان هذا اللقي إلا بعد اختلاط أحمد بن عبدالرحمن، فإنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر، كما ذكر ذلك الحاكم أبوعبدالله(1)وابن أبي حاتم صغير لا يحتمل سماعه قبل اختلاط أحمد بن عبدالرحمن فتكون روايته عنه بعد الاختلاط ضعيفة.
... ثالثاً: وبناء على ما سبق يتبين أن صيغة التحديث "نا" رمز حدثنا حصل فيها تحريف من النساخ لكتاب الجرح والتعديل أو حصل هذا التحريف من الطابعين للكتاب – والله أعلم – ولو فرضنا جدلا صحة هذه القصة عن الإمام مالك.
... فمن البعيد جداً أن يريد بـ (الحسن) المعنى الاصطلاحي، إذ الجزم بإرادة المعنى الاصطلاحي لا يصدر من عاقل إلا بإثبات أن هذا الاصطلاح قد تم قبل الإمام مالك أو في عهده وعهد شيوخه وانتشر في طبقته وشاع فيهم وتوارثه تلاميذه ومدرسته فإن مثل هذا لا يخفى عليهم ودون ذلك خرط القتاد.
... وهذه الدعاوي مما لم يسبق إليها أبوغدة وتلميذه.
أبو الحسن العجلي واستعماله لفظ الحسن ومراده منه
__________
(1) انظر صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط، ص: 95-96(1/96)
16- ... قال أبوغدة: "وممن استعمل الوصف بكلمة (حسن) أيضاً – بالمعنى الاصطلاحي: أبو الحسن العجلي (أحمد بن عبدالله العجلي)،المولود سنة 182، والمتوفى سنة 261،فقد جاء الوصف بها غير مرة في كتابه "الثقات" الذي رتبه التقي السبكي وسماه "ترتيب الثقات"، وهذه بعض نماذج منه.
"إبراهيم بن الزبرقان التيمي، ثقة، حسن الحديث، عبدالواحد بن زياد العبدي، بصري ثقة، حسن الحديث، فطر بن خليفة، كوفي ثقة، حسن الحديث، مجالد بن سعيد،كوفي حسن الحديث"(1).
... أقول: انظر أولا ما قدمناه في الرد على مثل هذه الدعوى في دعواه أن الإمام مالكا استعمل هذا الوصف بالمعنى الاصطلاحي.
... ثانياً: متى اصطلح المحدثون على إطلاق الحسن على روايات الثقات، وأين ذكروا هذا؟
... وما هو الفرق بين الحسن والصحيح إذا كانوا قد اصطلحوا على أن الثقة روايته حسنة وفي الوقت نفسه يطلقون على رواية الثقة أنها صحيحة؟.
... نرجو الجواب الواضح الحاسم حتى لا يدخل طلاب الحديث في دوامة من الحيرة والبلبلة.
... أما كان الأولى لك تجنب هذه الأمثلة التي ذكرتها عن العجلي إن كنت مصمما على المضي قدما في هذا البحث المتهاوي؟ بل أما كان في وقوفك عليها ما يدفعك إلى الرجوع إلى الحق؟
... إن مناطحة الكبار مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ليست بالسهلة، ويفتقر صاحبها إلى علم وتقوى وفضل من الذكاء والإنصاف والعدل، ولقد رأيت العجائب من أهل الباطل والبدع في مقارعة الحق وأهله إذ يرتكبون كل صعب وذلول في دعم باطلهم ولكن الحق يعلو ويظهر، وللباطل جولة ثم يتلاشى.
... { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض } .
هذا وسأعرض للقارئ، أمثلة يتجلى فيها أن العجلي لا يريد باطلاق الحسن فيها إلا المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.
... وسأحيل على بعض أرقام التراجم في كتاب العجلي:
102- الأسود بن قيس كوفي تابعي ثقة حسن الحديث.
__________
(1) الاستدراك السادس الملحق بقواعد علوم الحديث، ص: 548(1/97)
158- بشر بن المفضل الرقاشي ثقة فقيه البدن ثبت في الحديث حسن الحديث صاحب سنة.
قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة ثبت فاضل، فهل يريد العجلي بقوله: حسن الحديث الحسن الاصطلاحي؟ كلا.
428- داود بن أبي هند بصري ثقة جيد الإسناد رفيع، وكان خياطا وكان رجلاً صالحا ثقة حسن الإسناد.
625- سفيان بن سعيد بن مسروق بن ربيع (الثوري).
ثقة كوفي رجل صالح زاهد عابد ثبت في الحديث، فقيه صاحب سنة واتباع وأطال في ترجمته وذكره مرة أخرى ص411.
فقال: ... ... وكان ثقة ثبتا في الحديث زاهدا فقيها صاحب سنة واتباع.
قال العجلي: أحسن إسناد الكوفة سفيان عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله.
فهل يريد العجلي المعنى الاصطلاحي من إطلاق لفظ "الأحسن" على إسناد من أصح الأسانيد.
يا أولي الألباب؟؟
631- قال العجلي: سفيان بن عيينة الهلالي كوفي ثقة ثبت في الحديث وكان بعض أهل الحديث يقول هو أثبت الناس في حديث الزهري وكان حسن الحديث، وكان يعد من حكماء أصحاب الحديث.
فهل يريد العجلي من إطلاق لفظ الحسن على حديث سفيان الإمام الجبل المعنى الاصطلاحي أو المعنى اللغوي.. أيها العقلاء؟
690- قال العجلي: سهل بن حسان المعروف بابن أبي خدويه بصري ثقة حسن الحديث حسن العقل.
قال ابن أبي حاتم: "وكان من الحفاظ تقادم موته روى عنه حاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وعبدالرحمن بن مهدي ... وروى عنه أحمد بن حنبل وغيره(1).
1143- قال: عبدالواحد بن زياد العبدي بصري ثقة حسن الحديث، قال الحافظ ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مثال.
1897- قال العجلي: هشام بن حسان الفردوسي بصري ثقة (حسن الحديث، يقال إن عنده ألف حديث حسن ليست عند غيره).
قال الذهبي: "قال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث الحسن"(2).
وقال الحافظ: ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال: "لأنه قيل كان يرسل عنهما".
__________
(1) الجرح والتعديل (4/197).
(2) تذكرة الحفاظ (1/163).(1/98)
1994- وقال العجلي: يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة حسن الحديث.
قال الحافظ: ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل.
ماذا يريد العجلي بقوله: "حسن الحديث"
لعل أبا غدة يأتينا بمذهب جديد.
هذا ولقد رأيت عدداً كثيراً ممن يقول فيهم العجلي لا بأس به وفيهم الثقة والصدق وفيهم من ضعف.
فلو كان العجلي يريد بالحسن المعنى الاصطلاحي لوصف هؤلاء بقوله حسن الحديث بدلا أن يطلقه على السفيانين وغيرهما من الثقات العظماء الذين ذكرناهم فيما سبق أنه لو كان للمعنى الاصطلاحي وجود في عهده لبرز جلياً في تصرفه فإذا كان الواقع بالعكس فماذا يفهم المنصفون.
انظر على سبيل المثال:
131- إياس بن عامر الغافقي قال فيه مصري تابعي لا بأس به.
قال فيه الحافظ: "صدوق".
253- حبال بن رفيده كوفي لا بأس به".
وثقه ابن معين وضعفه غيره، ووثقه ابن حبان.
282- قال: [حريث بن السائب التميمي لا بأس به].
قال الحافظ "صدوق يخطيء".
341- قال: الحكم بن نافع أبواليمان الحمصي بهراني: لا بأس به".
قال الحافظ: ثقة ثبت.
342- وقال عقبة الحكم بن هشام الثقفي ... وكان ثقة".
وقال الحافظ فيه: صدوق.
409- قال: خلف بن تميم بن أبي عتاب كوفي لا بأس به".
قال الحافظ فيه: صدوق عابد.
441- قال: رباح بن زيد: ... ... لم يكن صاحب حديث إلا أنه لا بأس به رجل صدوق". قال الحافظ ثقة فاضل.
557 – قال: سعد بن إبراهيم [أخو يعقوب بن إبراهيم] بن سعد – لا بأس به قال الحافظ ثقة.
687- ... قال: سنان البرجمي كوفي لا بأس به".
... قال الحافظ: صدوق فيه لين.
718- قال: شجاع بن الوليد أبوبدر كوفي لا بأس به".
قال الحافظ: صدوق ورع وله أوهام.
842- قال: [عباد بن منصور الناجي لا بأس به يكتب حديثه].
قال الحافظ: صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بأخرة.
918- قال: [عبدالله بن عبدالله بن الأسود الحارثي، كوفي لا بأس به.
يكتب حديثه كان يلي السلطان].
قال الحافظ فيه "صدوق".(1/99)
1004- قال: عبدالجبار بن العباس الهمداني كوفي (صويلح) لا بأس به وكان يتشيع".
قال الحافظ: "صدوق يتشيع".
1008- قال: عبدالحميد بن بهرام، لا بأس به".
قال الحافظ: صدوق.
1075- قال: عبدالرحمن بن محمد المحاربي كوفي لا بأس به".
قال الحافظ: "لا بأس به وكان يدلس".
والأمثلة كثيرة من هذا النوع لا ينبغي الإطالة بها.
17- قال أبوغدة:
... فهذه الشواهد – وغيرها كثير 0 تفيد أن التعبير بوصف "الحسن" انتشر وشاع شيوعاً لقى القبول، وعرف منه المدلول، قبل الترمذي بزمان، ولهذا أكثر منه الترمذي هذه الكثرة البالغة التي ترى في "جامعه"(1).
... أقول: إن إطلاق "الحسن" وجد التعبير به بالمعنى اللغوي فحسب، أما بالمعنى الاصطلاحي الذي يريده أبوغدة من قوله "وعرف منه المدلول قبل الترمذي بزمان، فلا وجود له فضلا عن أن يكون له شيوع وانتشار.
16- قال أبوغدة:
وقد انتقد الإمام الكشميري في "فيض الباري": 1/57 قول الشيخ ابن تيمية إثبات الحسن اصطلاح الترمذي، فقال: "دعواه غير صحيحة لأن البخاري، وعلي بن المديني ممن يفرقان بينهما حتى جاء الترمذي، وتبع في ذلك شيخه – يعني البخاري – فشهره ونوه بذكره وعليه مشى في جميع كتابه"(2).
أقول:
أولاً: ... لعل قول الكشميري هذا هو الدافع لأبي غدة وعوامة لإثارة هذا البحث الذي خابت آمالهما فيه.
ثانيا: ... إن شيخ الإسلام ابن تيمية لم ينكر إثبات الحسن وإنما أنكر أن يكون المحدثون قبل الترمذي قد قسموا الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف.
ثالثا: ... ما هو مرجع ضمير في بينهما في قول الكشميري ممن يفرقان بينهما.
رابعا: هل يرى أبوغدة تناقضاً بين قوله:
فهذه الشواهد – وغيرها كثير – تفيد أن التعبير بوصف "الحسن" انتشر وشاع شيوعا..الخ.
وبين قول الإمام الكشميري: "حتى جاء الترمذي وتبع في ذلك شيخه فشهره ونوه بذكره أولاً".
__________
(1) قواعد في علوم الحديث ص106
(2) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: 106(1/100)
فإن كلام الكشميري يفيد أن الحسن لم يكن مشهورا قبل الترمذي، فلما جاء الترمذي شهره ونوه به.
وكلام أبي غدة يفيد عكس هذا وهو أنه قد تم شيوعه قبل الترمذي بزمان.
خامساً: هل الإمام الكشميري الذي انتقد الشيخ ابن تيمية على حد تعبير أبي غدة قام بدراسة جادة واستقراء شامل لمنهج علي بن المديني والبخاري في استعمال الحسن حتى وصل إلى نتيجة حاسمة تفيد "أنهما ممن يفرقان بينهما" على حد تعبيره.
ولا أدري هل يفرقان بين الحسن والصحيح أو يفرقان بين الحسن والضعيف أو أن الإمام الكشميري قلد تقليدا أعمى في أمر لا يدري حقيقته ولا يعرف أبعاده ولا يعرف أساسه.
18- قال الشيخ محمد عوامة:
... فهذه النصوص تنقض دعوى الشيخ ابن تيمية أن الترمذي اصطلح على إيجاد الحديث الحسن وأحدثه دون سابق ذكر له بين الأئمة السابقين له.
... وإذا صح هذا النقض كان ما بناه عليه منقوضاً أيضاً(1).".
... أقول:
... أولا: إن ابن تيمية لم ينكر سبق ذكر الحسن بين الأئمة قبل الترمذي.
... وإنما أنكر أن يكونوا قد قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح، وحسن، وضعيف.
... ثانياً: أن الزبد لا ينقض القلاع المحكمة، بل يذهب جفاء، فبقى البناء الذي شيده الإمام العظيم ابن تيمية شامخاً لا تهزه الزلازل والأعاصير فضلاً عن الزبد والغثاء.
... لأنه قام على أساس صحيح وشيد بعلم وخبرة، وليس هذا الكلام ناشيء عن تعصب، وإنما قام على دراسة شاملة كشفت عن شيء عجيب هو أنك لا تجد في كتب الحديث والرجال والعلل وعلوم الحديث إلا ما يؤيد ما ذكره ابن تيمية – رحمه الله –
إذا قالت حذام فصدقوها
فإن القول ما قالت حذام
19- قال محمد عوامة
... "ومما ادعاء الشيخ ابن تيمية في هذه المسألة أن الضعيف عند الإمام أحمد يقابله ما يحسنه الترمذي أو يصححه، وهذا قول يصعب إثباته، ومما يجب عليه أن يثبته لصحة هذه الدعوى.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث. ص106(1/101)
... أن تصحيح الترمذي أو تحسينه لم يكن نتيجة تساهله وهو خلاف المعروف عند العلماء.
... وقد نبه الذهبي مرارا في الميزان إلى تساهله فقال: 4/416: "فلا يغتر بتحسين الترمذي فعند المحاققة غالبها ضعاف وكرر التنبيه إلى هذا في 3/407و 515.
أقول:
... أولا: أين قال ابن تيمية أن الضعيف عند أحمد يقابل الصحيح عند الترمذي.
... فأبوغدة ومحمد عوامة يجب أن يطالبا بإثبات ما نسباه إلى شيخ الإسلام من كتبه وهذه أقواله في هذه القضية في كتبه وهي بين أيديهما فليثبتا هذا الأمر الخطير.
... والذي أعتقده أن محمد عوامة قد قول ابن تيمية ما لم يقل وأقره على ذلك شيخه.
... ثانياً: قال شيخ الإسلام في التوسل والوسيلة(1).
... "ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحبا بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع.
... ولا كان أحمد ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن، فقد غلط عليه، لكن كان في عرف أحمد ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين صحيح وضعيف والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به وإلى حسن كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال وإلى ضعيف خفيف لا يمنع ذلك.
... وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام – صحيح، وحسن، وضعيف – هو أبو عيسى الترمذي في "جامعه"، والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم بالكذب وليس بشاذ".
... فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفا ويحتج به، لهذا مثل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري ونحوهما وهذا مبسوط في موضعه".
... هذا ما قاله شيخ الإسلام هنا، وكلامه في سائر كتبه في معناه فترى أن الإمام ابن تيمية.
1- ينزه جميع أئمة الإسلام عن أن يثبتوا في دين الله شيئاً واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف.
__________
(1) ص: 87)(1/102)
أيسوء هذا أبا غدة ومحمد عوامة فيعز عليهما أن يكون هذا هو موقف أئمة الإسلام؟
أم يصعب عليهما أن يكون هذا هو موقف أحمد؟
2- نزه ابن تيمية مرة أخرى أئمة الإسلام بقوله:
"ولا كان أحمد ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، أيشرق أبوغدة وتلميذه وأمثالهما من أهل الأهواء من هذا الكلام؟
فيريدون أن يكون لهم وضع آخر وواقع آخر كواقع الرافضة وغيرهم من فرق الضلال والجهل.
أم يقصدون الإمام أحمد من بينهم أم ماذا يريدون؟
3- قال شيخ الإسلام: لكن كان في عرف أحمد ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح، وضعيف.
والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به وإلى حسن.
فماذا يحب أبوغدة وعوامة وأمثالهما لأئمة الإسلام بما فيهم الإمام أحمد..
أيريدون منهم أن يعتمدوا على الأحاديث المتروكة.. فابن تيمية بين واقعهم ونظرتهم إلى المرويات قسم منها ضعيف متروك ولا يحتجون به ولا كرامة.
وقسم حسن أو في معنى الحسن فهذا يحتجون به.
أفيما نسبه ابن تيمية ما يرفع مكانتهم ويبين منزلتهم في الدين وحراستهم له أم فيه تنقص لهم يوجب معارضة ابن تيمية ومحاولة النيل منه والإساءة إليه.
أفي ما قاله الإمام ابن تيمية منكر..؟ كلا.. ثم كلا.
ليس في كلامه ما يوجب الاعتراض ولا المعارضة.. فهذا والله ما نظنه في علماء الإسلام.
وإذا قال ابن تيمية أو ابن القيم إن الأئمة يحتجون بالضعيف فإنما يريدون بالضعيف ما يسمى بالحسن الذي اصطلح عليه الترمذي.
هذا منهجهم ولا نرضى منهم إلا ذلك وقد أرضونا وشرفونا ورفعوا هاماتنا فوق السحاب فرضي الله عنهم وأرضاهم، ماذا يقال في أناس لا يرضيهم كلام شيخ الإسلام في بيان منهج أئمة الإسلام وشرح مواقفهم المشرفة.
أتراهم يعبثون حينما وضعوا قواعد المصطلح وأصول الفقه وعلم الجرح والتعديل وعلم العلل والمؤلفات العظيمة في هذه العلوم.(1/103)
4- إن كتاب الترمذي كما قال فيه صاحبه – من كان عنده هذا الكتاب فكأنما عنده نبي يتكلم، إن الترمذي بشر يخطيء وليس بالمعصوم لكن كتابه ليس كما يتصوره أبوغدة ومحمد عوامة اللذين استغلا كلام الذهبي وابن دحية.
5- ثم تعالوا ندرس تنبيهات الذهبي.
قال الذهبي – رحمه الله – في الميزان (4/416).
يحيى بن يمان [م عو] العجلي الكوفي.
قال أحمد: "ليس بحجة".
وقال ابن المديني: "صدوق فلج فتغير حفظه".
وعن وكيع قال: "ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث من يحيى بن يمان كان يحفظ في المجلس الواحد خمسمائة حديث ثم نسي".
وقال ابن معين والنسائي: "ليس بالقوي".
فترى الإمام أحمد من أشد النقاد فيه قولا لقد صرح بأنه ليس بحجة افتراه يحتج به؟
ثم قال الذهبي: يحيى بن يمان عن المنهال بن خليفة، والمنهال،قال البخاري:فيه نظر عن حجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبراً ليلا فأسرج له سراج) حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف. انتهى.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الجنائز(1).
قال – رحمه الله – حدثنا أبوكريب ومحمد بن عمرو السواق، قالا: حدثنا يحيى بن اليمان، عن المنهال بن خليفة، عن الحجاج بن أرطأة عن عطاء، عن ابن عباس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله إن كنت لأواهاً تلاء للقرآن وكبر عليه أربعا).
قال: وفي الباب، عن جابر ويزيد بن ثابت وهو أَخو زيد بن ثابت أكبر منه.
قال أبوعيسى: حديث ابن عباس حديث حسن.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وقالوا: يدخل الميت القبر من قبل القبلة.
وقال بعضهم: يسل سلا.
ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل. انتهى.
قلت: ما في هذا الحديث جزء منه في الفضائل.
وجزء منه عمل به بعض أهل العلم.
__________
(1) 62- باب ما جاء في الدفن في الليل، حديث: 1057(1/104)
وجزء رخص فيه أكثر أهل العلم.
قال ابن القيم: كانت هذه النار للإضاءة، ولهذا ترجم له أبوداود باب الدفن في الليل، وقال الإمام أحمد: لا بأس بذلك.
وقد دفن أبوبكر ليلا، ودفن علي فاطمة ليلا، وممن دفن ليلا عثمان، وعائشة، وابن مسعود، وفي حديث عائشة سمعت صوت المساحي من آخر الليل في دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورخص في ذلك عقبة بن عامر وابن المسيب وعطاء والثوري والشافعي وإسحاق وكرهه الحسن وأحمد في إحدى الروايتين عنه والآثار في جواز الدفن بالليل أكثر"(1).
ومع أن هذا هو واقع الحديث، فإن الإمام الترمذي قد مشى على شرطه ووفى به.
فليس في إسناد الحديث متهم بالكذب.
وقد جاء الحديث من غير وجه، وقد صرح بذلك في قوله "وفي الباب عن جابر ويزيد بن ثابت".
وليس الحديث بشاذ.
فحديث جابر أخرجه أبو داود في سننه(2) قال:
حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع، حدثنا أبو نعيم، عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار أخبرني جابر بن عبد الله أو سمعت جابر بن عبد الله قال: رأى ناس ناراً في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، وإذا هو يقول: (ناولوني صاحبكم فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر).
رجاله رجال الصحيح ومحمد بن مسلم هو الطائفي روى له مسلم حديثا واحدا والبخاري تعليقا.
وثقه ابن معين، وقال البخاري عن ابن مهدي "كتبه صحاح"، وقال أبوداود "ليس به بأس".
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال ابن عدي: له أحاديث حسان غرائب وهو صالح الحديث.
وضعفه الإمام أحمد، فهو عند بعض الأئمة يحتج به، وعند بعضهم يعتبر به.
ويبحث عن حديث يزيد بن ثابت(3).
__________
(1) حاشية أبي داود: 3/513-514
(2) 41- باب في الدفن بالليل، (3/513-514)، حديث: 3164
(3) ثم وجدته في "المعجم الكبير" للطبراني (2/239-240) وشرح معاني الآثار (1/513).(1/105)
فظهر لك أنه لا عتب على الإمام الترمذي في رواية هذا الحديث ومعنى الحديث ليس فيه ما ينكر وعرفت من عمل به.
اذن.. فالعتب على الإمام الذهبي – رحمه الله – حيث هول على الترمذي بسبب روايته هذا الحديث ونظر إلى عمل الترمذي من زاوية ضيقة وعرفت قول الإمام أحمد في يحيى بن يمان.
الإحالة على: 3/407 هي على ترجمة كثير بن عبد الله المزني.
قال الذهبي: قال ابن معين: "ليس بشيء".
وقال الشافعي وأبوداود: "ركن من أركان الكذب".
وضرب أحمد على حديثه.
وقال الدارقطني وغيره: "متروك".
وقال أبوحاتم: "ليس بالمتين".
وقال النسائي: "ليس بثقة".
وقال ابن حيان: "له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة".
وأما الترمذي، فروى من حديثه: (الصلح جائز بين المسلمين) (1) وصححه، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي (2).
وفي "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد(2):
قال عبد الله: "سمعت أبي يقول: حسين بن عبد الله بن ضميرة، وكثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف لا يسويان شيئاً جميعاً متقاربان ليس بشيء.
وضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ولم يحدثنا بها في المسند".
وقال أبو طالب: سألت أحمد (يعني ابن حنبل)، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، فقال: منكر الحديث ليس بشيء"(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولهذا نزه أحمد "مسنده" عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن – كأبي داود والترمذي.
مثل مشيخة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وإن كان أبوداود يروي في سننه منها فشرط أحمد في "مسنده" أجود من شرط أبي داود".
فهذا هو موقف أحمد من كثير بن عبد الله وأمثاله بل أجود منه ولقد طاش السهم المسموم الذي وجهه إليه الباحثان أبو غدة وعوامة.
__________
(1) الميزان: (3/407).
(2) 3/213) رقم: 4922
(3) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: (7/154)(1/106)
أما الترمذي، فقد روى عن كثير بن عبد الله في جامعه خمسة أحاديث فقط، لكن ما عذره في الرواية عن كثير وهذا حاله عند من سبق ذكره من الأئمة؟
فالجواب أن هناك من الأئمة من لهم وجهة نظر أخرى في كثير كأنه لم يثبت عندهم الجرح فيه.
وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري عنه وهو يتهم عكرمة.
وروى عنه ابن خزيمة في صحيحه.
قال الحافظ ابن رجب:
"ومنهم كثير بن عبد الله بن عوف(1)، فإن الترمذي يصحح حديثه.
وقد مشى أمره غير واحد، وتركه الأكثرون.
وضرب على حديثه أحمد ولم يخرجه في المسند(2).
وقال: والترمذي رحمه الله يخرج حديث الثقة الضابط ومن يهم قليلا،ومن يهم كثيرا، ومن يغلب عليه الوهم يخرج حديثه نادرا ويبين ذلك ولا يسكت عنه، وقد خرج حديث كثير بن عبدالله المزني، ولم يجمع على ترك حديثه بل قد قواه قوم، وقدم بعضهم حديثه على مرسل ابن المسيب، وقد ذكرنا ذلك في مواضع.
وقد حكى الترمذي في العلل، عن البخاري أنه قال في حديثه في تكبير العيدين، وهو أصح حديث في هذا الباب، قال: "وأنا أذهب إليه"(3).
وقال العراقي: "ومن عادة الترمذي أن الحديث الحسن إذا روي من غير وجه ارتفع إلى درجة الصحة، وقد صرح بذلك عند حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
فصححه، ثم قال: وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه.
وعادة الترمذي تحسين افراد محمد بن عمرو، وصحح هذا.
وعلل ذلك بأنه روي من غير وجه وقرر ابن الصلاح هذه القاعدة في علوم الحديث.
فحديث كثير بن عبد الله في الصلح قد اعتضد بحديث أبي هريرة فلذلك صححه الترمذي – والله أعلم -، انتهى كلام العراقي.
وقال المباركفوري:
__________
(1) أي ممن اختلف فيه وهو متهم بالكذب وقد عد منهم عكرمة وجابر الجعفي ومحمد بن إسحاق.
(2) شرح علل الترمذي، ص: 328
(3) شرح العلل: (1/397-398).(1/107)
"واعتذر له الحافظ فقال: وكأنه اعتبر بكثرة طرقه".
كذا قال الشوكاني في النيل وذكر فيه طرقه، وقال بعد ذكرها:
"ولا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسناً"(1).
وقد دافع العتر(2) عن الإمام الترمذي دفاعا مجيدا ورد الحملات عليه وساق لأحاديث كثير ويحيى بن اليمان وأمثالهما شواهد صحيحه من الصحيحين وغيرهما مما يدل على سلامة منهج الترمذي وبعد نظره وعمق علمه بالحديث وطرقه وفقهه. فهذه مواقف العلماء ومحبي السنة النبوية وأهلها لا تهويشات أهل الشغب على السنة وأهلها الذين يستغلون هفوات الأئمة وزلات أقلامهم ليشفوا غيظهم.. ويأبى الله إلا نصر أوليائه والدفاع عنهم وكبت خصومهم.
الإحالة إلى (3/515).
إلى ترجمة محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني الكوفي.
قال الذهبي: "قال ابن معين: قد سمعنا منه، ولم يكن بثقة ".
وقال مرة: "كان يكذب".
وقال أحمد: "ما أراه يسوى شيئا".
وقال النسائي: "متروك".
وقال أبو داود: "ضعيف".
وقال مرة: "كذاب".
وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي".
قال الذهبي: حسين بن عبد الأول حدثنا محمد بن أبي يزيد الهمداني، حدثنا عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد – مرفوعا: يقول الله: (من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين). حسنه الترمذي فلم يحسن"(3).
الحديث أخرجه الترمذي – رحمه الله – في كتاب "الفضائل"(4).
وقد عرفت قول أحمد في الرجل: "ما أراه يسوى شيئا".
وفي الجرح والتعديل: "ضعيف الحديث ما أرى يسوى شيئاً"(5).
__________
(1) تحفة الأحوذي (4/585).
(2) انظر كتاب "الإمام الترمذي" ص: (282).
(3) الميزان (3/514 - 515).
(4) 5/184) حديث: (2926).
(5) 7/225).(1/108)
وفي العلل ومعرفة الرجال: "ما أراه يسوى شيئاً"(1).
فما يهدف إليه أبو غدة ومحمد عوامة بشأن الإمام أحمد وابن تيمية قد طاشت سهامهما عنهما.
وأما الترمذي فقد روى الحديث.
فما هو عذره في رواية هذا الحديث عن محمد بن الحسن؟
الجواب:
أولا: أن أئمة الجرح لم يجتمعوا على إتهام محمد بن الحسن بالكذب فأحمد لم يكذبه وابن معين كذبه في رواية.
وفي أخرى قال: ليس بثقة، وقال يعقوب وابن حبان: ضعيف، وقال أبو حاتم ليس بالقوي.
فالترمذي فيما يبدو ممن يذهب إلى القول بأنه ليس بكذاب لأنه لم تثبت عنده تهمة الكذب.
ثانيا: أن الحديث في الفضائل وليس في الحلال والحرام وكان السلف يتساهلون في رواية الفضائل عن الضعفاء فلم ينفرد الترمذي بهذا.
ثالثا: رجعت إلى الموجود من نسخ الترمذي المطبوعة فوجدتها قد اتفقت على عبارة "حسن غريب" لكني رأيت هذا الحديث في سنن الدارمي(2) بهذا الإسناد وعلق عليه السيد عبدالله هاشم اليماني المدني بقوله: "ورواه الترمذي، وقال: حديث غريب" ولا أعرف أي نسخة اعتمدها.
رابعا: أن نسخ الترمذي تختلف خصوصا في أحكامه بالصحة والحسن والغرابة وقد نبه على ذلك ابن الصلاح وغيره.
وقرروا أنه للوصول إلى الحكم الصحيح لابد من جمع نسخ الترمذي ثم اعتماد ما اتفقت عليه وأعتقد أن الإمام الذهبي لم يفعل هذا.
خامساً: لا أستبعد أن يكون الترمذي أراد بالحسن المعنى اللغوي لأن الحسن بالمعنى الإصطلاحي عنده إنما هو خاص بنوع معين من أنواع الحسن حيث قال: "وما قلنا في كتابنا حديث حسن، فإنما أردنا به حسن اسناده عندنا إذ كل حديث يروى:
1- لا يكون راويه متهما بكذب.
2- ويروى من غير وجه نحو ذلك.
3- ولا يكون شاذا.
فهو عندنا حديث حسن.
قال الحافظ ابن حجر:
__________
(1) 3/299) رقم (5328). وانظر: تاريخ البخاري الكبير (1/67) خلال ترجمة محمد بن الحسن الواسطي. وانظر: تهذيب التهذيب (9/120).
(2) 2/317) رقم: (3359).(1/109)
"فإن قيل: قد صرح الترمذي: بأن شرط الحسن أن يروى من غير وجه، فكيف يقول في بعض الأحاديث: "حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه"؟.
فالجواب أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا وإنما عرفه بنوع خاص منه وقع في كتابه، وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى.
وذلك أنه يقول: في بعض الأحاديث حسن، وفي بعضها صحيح، وفي بعضها غريب، وفي بعضها حسن صحيح غريب.
وتعريفه إنما وقع على الأول فقط وعبارته ترشد إلى ذلك"(1).
ثم ذكر تعريف الترمذي.
سادسا: أنا أرى أن هذا الحديث من محمد بن الحسن ثم عطية العوفي شديد الضعف لا يقبل التقوية ولا ينجبر.
ولا يمنعني ذلك أن أتلمس الأعذار لهذا الإمام الجليل الذي لم يأل جهدا في خدمة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تبوأ منصب الإمامة لدى الأمة الإسلامية بجدارة.
وأقول: كفى المرء نبلا أن تعد معايبه، ولا أسلم بحملة الذهبي وابن دحية على الإمام الترمذي التي استغلها أبوغدة وعوامة وأرجفا بها على الإمام أحمد والإمام الترمذي والإمام ابن تيمية رحمهم الله.. وقصدا بهذا الارجاف إلى تشويه منهج الإمام أحمد والحط من علم ابن تيمية ومكانته.
20- قال محمد عوامة – وتبعه شيخه -:
... "ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة (ضعيف) بالحسن؟ مع أن ظاهر كلام الإمام أحمد يشير إلى أن مراده بالضعيف: الضعيف الذي لم تتحقق فيه شروط القبول فإنه يريد أن الرأي لا يعتد به عنده مادام قد نقل في المسألة نص، ولو ضعيفاً، فإن الضعيف خير من الرأي.
... روى ابن حزم في "المحلى: 1/68" عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه وأصحاب رأي، فتنزل به النازلة من يسأل؟.
... فقال أبي: يسأل صاحب الحديث، ولا يسأل صاحب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من الرأي".
__________
(1) نزهة النظر: (ص: 33-34).(1/110)
... ولا عتب عليه في هذا التقديم والاعتبار، لأنه معلوم ومقرر أن التضعيف – ومثله التصحيح – أمر اجتهادي فقد يضبط المغفل المختلط المتغير، وقد يحفظ سيئ الحفظ وهكذا"(1).
... أقول: بل ما الذي دعاكما إلى الخوض في أمر لا تعرفانه ولا تدركان أبعاده؟
ثم إن لشيخ الإسلام ابن تيمية أهدافا سامية منها بيان مناهج أئمة الإسلام في الاحتجاج بالسنة وتحريهم فيما يأخذون به في أبواب الدين من العقائد والحلال والحرام،وأنهم لا يحتجون فيما يجب أو يستحب إلا بما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الصحيحة والحسنة.
ثم الرد على من يزعم أن الأئمة ومنهم الإمام أحمد يحتجون بالأحاديث الضعيفة في هذه الأبواب المهمة.
وهذا أمر يحمد عليه ابن تيمية ويشكر عليه، وقد تقدم كلامه في هذا الأمر قبل قليل، وبينا هناك احترام الإمام ابن تيمية لأئمة الإسلام فارجع إليه.
وفي اعتقادي أن اللوم الشديد يجب أن يوجه إلى أبي غدة وتلميذه اللذين لم يفهما كلام ابن تيمية ولم يعرفا أهدافه النبيلة، فيتساءلان ما هو الداعي لكذا وما هو الداعي لكذا؟ ظانين أنهما قد أمسكا بخناق ابن تيمية وأنى له المخرج في نظرهما؟
ثم لنا أن نسألهما: لقد ادعى شيخكما ظفر أحمد التهانوي لمذهب الأحناف أو أهل الرأي مثل ما ادعاه الإمام ابن تيمية لمذاهب أئمة الحديث ومنهم أحمد.
ولقد سدد ابن تيمية أو قارب فيما يدعيه لفقهاء المحدثين وأبعد شيخكما التهانوي النجعة فيما ادعاه لأهل الرأي والواقع أكبر شاهد.
فلماذا لم تناقشا التهانوي فيما أدعاه؟
لماذا سكتما عنه سكوتا مطبقا؟
ألا يدل هذا على تعصبكما الأعمى وأنكما لا تنشدان الحق.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: 107(1/111)
ألم يقل شيخكما عقب كلام الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم: "وبالجملة فالمراد بالضعيف في كلام أصحابنا (أن الحديث الضعيف مقدم على القياس): ما يسميه المتأخرون ضعيفا في ذاته حسنا لغيره. إذا تأيد بالشواهد ونحوها، وإذا سبرت الأحاديث التي ذكرها ابن القيم مثالا للضعيف الذي قدمه أبوحنيفة على القياس وجدتها كلها حسانا إما في ذاتها أو لغيرها كما يتضح لك حقيقة ذلك بمطالعة كتابنا هذا إن شاء الله تعالى"(1).
هل هذا الكلام حق؟، كلا إنه لباطل عريض، ألم يرد أصحابكم عشرات الأحاديث من الصحاح وأصح الصحاح بالقياس والرأي الباطل؟.
لماذا سمي أصحابكم أهل الرأي: أليس لتقديمهم الرأي وتقديمهم له على السنن الصحيحة الثابتة أثبت من الجبال الرواسي.
بل إن كثيرا من أصحابكم يردون نصوص القرآن بالرأي والهوى.
بماذا ردت نصوص علو الله واستوائه على عرشه وهي تتجاوز مئات النصوص من القرآن والسنة ومن ورائها العقل والفطرة.
بماذا ردت أحاديث النزول وقد تجاوزت حد التواتر وتؤيدها نصوص من القرآن.
بماذا عطلت نصوص الرحمة التي هي من أعظم صفات الله، ونصوصها في القرآن وحده في أكثر من خمسمائة آية مؤكدة ومكررة وإلى جانبها النصوص الصحيحة الكثيرة من السنة النبوية، بماذا عطلت كثير من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة؟.
ألم يعطلها ويردها أصحابكم بالرأي والهوى ومتابعة جهم بن صفوان وبشر المريسي وأمثالهما من أئمة الضلال والتجهم والإعتزال؟.
أما رد أصحابكم حديث "المصراة".
وأحاديث "القسامة".
وأحاديث "رفع اليدين" المتواترة.
وحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
وحديث: "لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في ركوعه وسجوده".
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا قمت إلى الصلاة فكبر).
وحديث: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم).
وحديث: (القرعة).
وحديث: (خمس رضعات يحرمن).
وحديث: (الصوم عن الميت والحج عنه).
__________
(1) قواعد في علوم الحديث، ص: 108(1/112)
وحديث: (لا يقتل مسلم بكافر).
وحديث: (العرايا).
وحديث: (البيعان بالخيار).
وحديث أم سلمة: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلى.. الحديث).
وحديث: (للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم).
وحديث: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج رجلا بامرأة على ما معه من القرآن).
وغيرها وغيرها من الأحاديث الكثيرة الصحيحة.
وقال قائل منكم: "الأصل كلام أصحابنا فإن كان هناك ما يعارضه من القرآن تأولناه وإن كان هناك حديث معارض رددناه".
فهذا يبين أن كلام شيخكما دعوى عريضة يهدمها واقع أصحابكم، فلماذا سكتما عنه سكوت المؤمن المقرر في أمر معروف واضح البطلان وأصررتما على مناقشة ابن تيمية في أمر يعلمه وأنتما لا تعلمانه وتتظاهران بعلمه.
ولقد أراد شيخكما أن يستفيد من كلام ابن القيم فضيعتما عليه وعليكما الفرصة لتهوركما.
قال شيخكما: وإذا سبرت الأحاديث التي ذكرها ابن القيم مثالا للضعيف الذي قدمه أبو حنيفة على القياس وجدتها كلها حسانا إما في ذاتها أو لغيرها كما يتضح لك حقيقة ذلك بمطالعة كتابنا هذا إن شاء الله".
وليس الأمر كما ذكر التهانوي بل هذه الأحاديث شديدة الضعف وفيها الباطل وقد نقدها ابن القيم نفسه وحكم بضعفها ووصف بعضها بالبطلان(1).
أراد شيخكما أن يستفيد من كلام ابن القيم المجمل فأبت لكما حماقتكما إلا تضييع هذه الفرصة ولله في خلقه شؤون.
بل لقد كان في كلام ابن تيمية ما يمكن أن يستفيد منه الأحناف ويدفعهم إلى التعلق به وإلى الابتعاد عن الإثارات التي تعود عليهم وعلى مذهبهم بالضرر والكشف عن واقع هذا المذهب، فأبت لكما عصبيتكما إلا رجم الناس بالحجارة مع أن بيتكما من زجاج، فأنتما تتحملان ما يلحق بهذا البيت من الأضرار.
__________
(1) أنظر: أعلام الموقعين (1/32)، (3/51)، (2/302، 307) حيث نص على بطلان بعض الأخبار التي أخذ بها الأحناف.(1/113)
وقول محمد عوامة: روى ابن حزم في المحلى (1/68) عن عبدالله بن أحمد قال: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه..الخ.
في نقله هذا عن ابن حزم نظر من وجوه:
الأول: أن ابن حزم يحرم سؤال أهل الرأي تحريما جازما.
قال: "مسألة – وإذا قيل له – إذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين: هذا صاحب حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا صاحب رأي وقياس.
فليسأل صاحب الحديث، ولا يحل له أن يسأل صاحب الرأي أصلا.
الثاني: ساق ابن حزم الأدلة على ذلك.
ثم قال: حدثنا أحمد بن يونس وساق إسناده إلى عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: "الحديث الضعيف أحب إلينا من الرأي".
ثم روى بإسناده إلى عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه وأصحاب رأي فتنزل به النازلة من يسال؟، فقال أبي: "يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي وضعيف الحديث أقوى من رأي أبي حنيفة"!.
وقد ذكر عبد الله بن أحمد هذا النص في مسائله(1).
قال: سألت أبي عن الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان والطلاق وغيره وفي مصره من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي، فلمن يسأل؟
لأصحاب الرأي أو لهؤلاء أعني أصحاب الحديث على ما قد كان من قلة معرفتهم؟
قال: يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث خير من رأي أبي حنيفة.
ولنا أن نسأل محمد عوامة لماذا لم تنقل هذا النص كما هو عند ابن حزم؟
أليس في هذا دليل واضح أن هذا الرجل تنقصه الأمانة في النقل.
أليس من حق النصوص أن تحافظ عليها؟
ثم إذا كانت لا تعجبك أو لا يعجبك بعض ما فيها أن تناقشها أليس هذا هو النهج الأقوم والطريق الأشرف والأسلم ولكن لله في خلقه شؤون.
__________
(1) 3/1312-1313).(1/114)
الثالث: أن هذا ليس منهج أحمد بن حنبل رحمه الله كما يريد محمد عوامة وشيخه.
بل هذا كان منه جواب مسألة مفروضة فرضا قد يواجهها سائل مضطر في ظروف لا يجد فيها العالم بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن تتوفر فيه صفات العالم الحق والمفتي الذي يحق له أن يفتي، ففي هذه الظروف الصعبة يجيز الإمام أحمد لمن هذه حاله أن يسأل المحدث أو أهل الحديث الذين تنقصهم المعرفة بالصحيح والضعيف ولا يجيز له أن يسأل أصحاب الرأي.
ولعله اتضح للقارئ الفرق الهائل بين ما يفيده جواب الإمام أحمد على هذا السؤال وبين ما ينسبه محمد عوامة وشيخه إلى الإمام أحمد من أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة التي منها المردود والمنكر وما في رتبتهما.
وما يريدان أن يلزما به الإمام ابن تيمية.
يوضح أن الأمر كما ذكرت ما قرره أحمد قبل الإجابة على هذا السؤال.
قال عبد الله : "سألت أبي عن الرجل يكون له الكتب المصنفة فيها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختلاف الصحابة والتابعين، وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك منها، فيفتي به ويعمل به؟.
قال: "لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح يسأل عن ذلك أهل العلم"(1).
فعند وجود أهل العلم لا يجوز لمن ليس له بصر بالحديث أن يعمل حتى يسأل أهل العلم فيكون يعمل على أمر صحيح ولا يجوز له الإقدام على الفتيا ولا العمل حتى يسأل من يميز من أهل العلم بين الصحيح والضعيف.
ويؤكد هذا أنه قال في حق محمد بن إسحاق: .. أما إذا جاء الحلال والحرام أردنا رجالا هكذا وقبض يديه.
وقول محمد عوامة: "ولا عتب عليه (يعني الإمام أحمد) في هذا التقديم والاعتبار، لأنه معلوم ومقرر أن التضعيف – ومثله التصحيح – أمر اجتهادي، فقد يضبط المغفل المختلط المتغير، وقد يحفظ سيئ الحفظ وهكذا"(2).
__________
(1) مسائل عبد الله (3/1311-1312).
(2) حاشية قواعد في علوم الحديث، ص: 107(1/115)
أقول: في هذا الكلام خلط بين الصحيح والضعيف وتشكيك في الصحيح الذي حكم أئمة الحديث له بالصحة وأخشى أن يرمى بهذا إلى تصحيح الإمام أحمد، بل أخشى أن يرمى إلى أحاديث الإمامين البخاري ومسلم في صحيحيهما فإن للكوثريين وأشباههم تشكيكات وتشككات في أحاديث الصحيحين وغمزات ولمزات لما لهما من ميزات.
وانظر إليه كيف يريد أن يسوى بين الصحيح والضعيف لأنه كما يزعم أمر مقرر أن التضعيف والتصحيح أمر اجتهادي ونسي الفرق الكبير بينهما.
وأن الحديث الصحيح فيه ما تلقته الأمة بالقبول فهو يفيد العلم عند جماهير السلف والخلف وفيه ما حفته القرائن وهو كذلك يفيد العلم عند كثير من أئمة الأصول، وفيه أحاديث الصحيحين وهي تفيد العلم إلا القليل(1) كما حكى ذلك إمام الحرمين وابن حجر وادعى إمام الحرمين على ذلك الإجماع والبحث في هذا طويل وإنما القصد الإشارة إلى هذا الأمر المهم.
ثانياً: فيه خلط بين المغفل والمختلط والمتغير، وهناك فروق بينها فالمغفل غير المختلط لأن المختلط قد يكون إماما ضابطا متقنا واسع الحفظ ثم يطرأ عليه الاختلاط كما حصل لعدد من الأئمة الكبار والمتغير غير المختلط والمغفل، فالتغير دون الاختلاط كما هو معروف عند أهل الحديث.
أما المغفل فهو من الأصل ليس بحافظ ولا متقن ولا متيقظ لما يرويه، فكل ما يرويه يحكم عليه بالضعف بخلاف من كان حافظاً متقناً يقظاً ثم طرأ عليه الاختلاط فإنه يجب قبول ما رواه قبل الاختلاط بشروطه ويتوقف فيما رواه بعد الاختلاط أو لم يتميز بحيث لا يدري أرواه قبل الاختلاط أو بعده.
فهذا الخلط يدل على عدم التمييز بين الموصوفين بهذه الصفات التي خلط بينها مع الأسف.
__________
(1) أي مما انتقده الحفاظ كالدارقطني.(1/116)
21- قال محمد عوامة:"وإذا فسرنا (الضعيف) بالحسن – بقسميه – فأي فائدة في هذا التنصيص من الإمام أحمد على أن الحسن مقدم على الرأي؟ إذ أن هذا أمر ثابت مقرر، فالحسن حجة في كافة وجوه الاحتجاج، ولم ينقل عن أحد من المتقدمين نفي الاحتجاج بالحسن، إلا ما نقل عن أبي حاتم ثم عن القاضي ابن العربي وشيخه.
وأما أبو حاتم، فقد أطلق (الحسن) على ما فيه راو مجهول كما في ص26 من فتح المغيث للسخاوي، وكأنه لهذا لم يحتج بالحسن الذي اصطلح عليه هو.
وأما ابن العربي وشيخه، فالأمر يحتاج إلى الوقوف على كلامهما، ثم دراسته والجواب عنه(1)".
أقول: تظهر فائدة كلام الإمام أحمد إذا عرفنا أن الأحناف وخاصة من سلك منهم مسلك المعتزلة والجهمية – يردون الأحاديث الصحيحة بالرأي بل يردون به نصوص القرآن، فهنا تظهر لقول أحمد فائدة كبرى ترفع مكانة السنة وتهبط بالرأي إلى الحضيض.
ثانياً: قوله "إذ أن هذا أمر ثابت مقرر فالحسن حجة في كافة وجوه الاحتجاج".
قد تقدم لك ما لا يدع مجالا للشك أن المحدثين قبل الترمذي لم يقسموا الحديث إلا إلى قسمين: صحيح وضعيف.
وأن الحسن ما كان يطلق في عباراتهم إلا إطلاقاً لغويا.
ومن سياق كلامهم تظهر مقاصدهم فتارة يطلقونه على الغريب المستنكر وتارة على الغريب الصحيح كما في عبارات البخاري وتارة يطلقونه على الصحيح كما في عبارة الشافعي وأحمد.
... فإذا كان الأمر والواقع كذلك بالنسبة لمن قبل الترمذي – وهم موضع الخلاف بين ابن تيمية ومحمد عوامة وشيخه أبي غدة – يصبح قول عوامة وشيخه من نسج الخيال فإذا كابرا فنقول لهما:هاتوا برهانكم على أن السلف قبل الترمذي قد استقر عندهم الحسن بالمعنى الاصطلاحي. وهاتوا برهانكم على أن الحسن كان حجة عندهم في كافة وجوه الاحتجاج.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث ص: 107(1/117)
... نعم لو قلت أن الحسن المصطلح عليه عند المتأخرين حجة عندهم، وأما عند المتقدمين فمنهم من يدخله في الصحيح ومنهم من يدخله في الضعيف وذكرت كلام ابن تيمية وغيره من العلماء في هذا الصدد لنجوت من التعلق بالخيال.
... أما ما يتعلق بأبي حاتم فقد تقدم أنه يطلق الحسن إطلاقاً لغويا تارة على رواية المجهول، وتارة على الصحيح الغريب.
... أما ابن العربي فلم أقف على كلامه ولا أدري من هو شيخه الذي أبهمه عوامة فللرجل شيوخ كثير.
22- قال محمد عوامة وتابعه شيخه:"وعلى كل حال فكلام الإمام أحمد يحمل على ظاهره، وأنه يريد الضعيف المتوسط وما فوقه مما هو إلى الحسن أقرب – والله أعلم(1)".
أقول: عرفت مراد محمد عوامة وأبي غدة بالضعيف المتوسط وأنه يشمل المنكر والمردود وما في مرتبة المردود من المطروح وما لا يحل كتابته من الحديث إلى آخر هذه المرتبة الرديئة.
وهذا منهما جر لمنهج الإمام أحمد إلى هاوية سحيقة هما حفراها، ثم أمعنا في تعميقها كافأهما الله بما يستحقان، وقد تبين لك منهج أحمد الأحمد ولا نريد أن نكشف عما يحوي مذهبهما الذي يحاميان عنه من عظائم تقشعر لهولها الجلود وتصخ لها الأسماع.. وإن ربك لبالمرصاد.
أقول وتصرفات تدعم ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في أن أهل الحديث قبل الترمذي كانوا يقسمون الحديث إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف
... فمنهم الحافظ أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي (المتوفى سنة 458هـ).
... قال الحافظ ابن حجر رحمه الله مؤيدا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
... "ويؤيده قول البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني الأحاديث المروية ثلاثة أنواع:
1- نوع اتفق أهل العلم على صحته.
2- ونوع اتفقوا على ضعفه.
3- ونوع اختلفوا في ثبوته.
__________
(1) حاشية قواعد في علوم الحديث (ص108).(1/118)
فبعضهم يضعف بعض رواته بجرح ظهر له وخفي على غيره، أو لم يظهر له من عدالته ما يوجب قبول خبره وقد ظهر لغيره أو عرف منه معنى يوجب عنده رد خبره أو عرف أحدهما علة حديث ظهر بها انقطاعه أو انقطاع بعض ألفاظه أو أدراج لفظ من ألفاظ من رواه في متنة أو دخول إسناد حديث في إسناد غيره خفيت تلك العلة على غيره، فإذا عرف هذا وعرف بمعنى رد(1) منهم خبرا أو قبول من قبل منهم هذا الوقف عليه والمعرفة به إلى اختيار أصح القولين"(2).
فأنت ترى أن البيهقي قد أعاد النوع الثالث إلى النوعين الأولين الصحيح المتفق على صحته أو الضعيف المتفق على ضعفه.
... ولم يذكر الحسن الذي اشتهر عند المتأخرين وصار قسيما للصحيح والضعيف(3).
... 2،3،4 ومنهم الأئمة ابن خزيمة وابن حيان والحاكم على ما لهم من جهد عظيم في حمل أعباء السنة وعلومها وعلى ما كان لهم من مكانة علمية واطلاع لا يبارون فيه.
ما كان عندهم هذا التقسيم الثلاثي.
بل كان الحديث عندهم ينقسم إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف.
ويؤيد هذا تقسيم ابن حبان الرواة إلى قسمين: الثقات،في كتابه الثقات المجروحين في كتابه المجروحين.
__________
(1) كذا العبارة مضطربة ولعل أصل الكلام هكذا (وعرف رد من رد منهم خبرا الخ).
(2) المجلد الأول من الرسائل المنبرية (2/286-287) والنكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/386) وقد اختصر الحافظ كلام البيهقي فأكملته من رسالته المذكورة.
(3) * وقد أطلق الدارقطني الحسن. انظر سننه (1/50-56) والظاهر أنه يريد به المعنى الاصطلاحي متابعا في ذلك الإمام الترمذي وقد نقل عنه البيهقي تحسين عدد من الأحاديث. انظر على سبيل المثال (1/46، 114).والذي يبدو لي أنه إلى حين كتابته الرسالة إلى أبي محمد الجويني لم يكن قد عرف هذا الاصطلاح لأن الجويني توفي سنة 438 وكانت وفاة البيهقي سنة 458 أي بعد عشرين سنة من وفاة الجويني ولعل كتاب البيهقي للجويني قبل وفاة الجويني بزمن طويل.(1/119)
... ومن تأمل شروطه في مقدمات كتبه الصحيح(1) والثقات(2) والمجروحين يتجلى له أنه لا يقسم الحديث إلا إلى قسمين: صحيح وضعيف وأنه لا خبر للحسن عنده ولا أثر.
... وإن كان متساهلا في شروطه وتطبيقه لكنه بحسب اجتهاده لا يقبل إلا ما صح عنده وإن كان عنده كثير مما يسميه صحيحا حسنا عند المتأخرين وإن كان هناك رواة يعتبرهم من رواة الصحيح وغيره يعتبرهم من رواة الحسن فالمقصود هو أنه لا يقسم التقسيم الثلاثي المشهور عند المتأخرين.
... قال الحافظ ابن حجر في خلال مناقشته لابن الصلاح رحمه الله " ... فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف (يعني ابن الصلاح)، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمة، قد صرح ابن حبان بشرطه"(3).
5- منهم علماء الشرق والغرب كما حكاه السلفي.
قال الحافظ ابن الصلاح:
... "التاسع: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع ما يحتج به، وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحفاظ في تصرفاته، وإليه يومئ في تسيمته كتاب الترمذي بـ (الجامع الصحيح)، وأطلق الخطيب أبو بكر – أيضاً – عليه اسم الصحيح، وعلى كتاب النسائي، وذكر الحافظ أبو طاهر السلفي الكتب الخمسة، وقال: اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب".
... قال ابن الصلاح: وهذا تساهل، لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفاً أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف..الخ.
... أقول إن الشاهد من عمل هؤلاء أنهم لا يفرقون بين الحسن والصحيح لاسيما حكاية السلفي اتفاق علماء الشرق والغرب على صحة الكتب الخمسة على هذا الأساس مع معرفة العلماء بتفاوت أحاديث الكتب في مراتب الصحة التي منها الحسن الاصطلاحي عند المتأخرين.
__________
(1) 1/139-144).
(2) 1/11-13).
(3) النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/290).(1/120)
... ويبدو أن عملية تقسيم الترمذي الحديث إلى ثلاثة أقسام لم تنتشر ولم تتسع دائرتها في مدارس أهل الحديث في الشرق والغرب إلا في عصور متأخرة.
... لعلها اتسعت بعد عصر البيهقي فمن بعده.
... ومن هنا لا ترى هذا التقسيم والاعتناء به في مؤلفات الرامهرمزي والحاكم والخطيب في علوم الحديث.
6- ومنهم الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي (446هـ) – وهو من تلاميذ المخلص والدارقطني والحاكم – في كتابه الإرشاد(1) قال:
"اعلموا رحمكم الله: أن الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقسام كثرة: صحيح متفق عليه، وصحيح معلول، وصحيح مختلف فيه، وشواذ وافراد وما أخطأ فيه إمام وما أخطأ فيه سيئ الحفظ يضعف من أجله وموضوع وضعه من لا دين له.".
فهذا يشبه تقسيم البيهقي إذ الصحيح المعلول يدخل في الصحيح والصحيح المختلف فيه يشبه القسم الثالث عند البيهقي فما توفرت فيه شروط الصحة عند المجتهد أدخله في الصحيح وما اختل فيه شرط من شروط الصحة التحق بأنواع الضعيف.
7- ومنهم أبو الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (734) في كتابه "النفح الشذي"(2):
قال: :قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن، وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات، من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبلهم، كأحمد بن حنبل والبخاري – المفضل - ولكن لم يذكر الإمام أبو عمرو هل هو في مصطلح من تقدم الترمذي كما هو في مصطلحه أو لا؟.
__________
(1) 1/157)
(2) 1/195-205) مع تعليق أحمد معبد عبد الكريم.(1/121)
بل لعله عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح ويدخل في أقسامه، فإنهم لم يرسموا له رسما يقف الناظر عنده، ولا عرفوا مرادهم منه بتعريف يجب المصير إليه، ولم يذكر الترمذي في التعريف به ما ذكر حاكيا عن غيره، ولا مشيرا إلى أنه هو الإصطلاح المفهوم من كلام من تقدمه، بل ذكر ما ذكر من ذلك حاكيا عن مصطلحه مع نفسه في كتابه الجامع، فقال: وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن فإنما أردنا حسن إسناده عندنا ... وذكر الشروط الثلاثة التي ذكرها الترمذي ثم قال: فهذا كما ترى إخبار عن مصطلحه في هذا الكتاب، فلو قال في كتاب غير هذا عن حديث بأنه حسن، وقال قائل: ليس لنا أن نفسر الحسن هناك بما هو مفسر به هنا إلا بعد البيان لكان له ذلك".
وهذا كلام رصين يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام هو الترمذي فهو يعترف بأن إطلاق الحسن موجود في كلام من قبل الترمذي ولكنهم لم يرسموا له رسما يقف الناظر عنده، ولا عرفوا مرادهم منه بتعريف يجب المصير إليه، بل لعله عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح.
ولو قال عند بعض قائليه من المتقدمين لأصاب كبد الحقيقة لأن بعضهم يطلقه على الصحيح كما مر بك، وبعضهم يطلقه على الغريب والمنكر.
8- ومنهم الحافظ الذهبي (673 – 748هـ) قال:
"وأما الترمذي، فهو أول من خص هذا النوع باسم الحسن وذكر أنه يريد به أن يسلم روايه.
1- من أن يكون متهما.
2- وأن يسلم من الشذوذ.
3- وأن يروى نحوه من غير وجه"(1).
قال أبوغدة معلقا على هذا الكلام:
"تابع الحافظ الذهبي في قوله هنا (الترمذي أول من خص هذا النوع باسم الحسن): شيخه الإمام الحافظ ابن تيمية – رحمهما الله – والصواب أن استعمال الحسن موجود ومعروف قبل الترمذي بزمن طويل كما بسطته فيما علقته على قواعد في علوم الحديث لشيخنا العلامة ظفر أحمد التهانوي – رحمه الله تعالى – ص 100-108..الخ.
__________
(1) الموقظة، ص: 27(1/122)
أقول: كيف يتابع الذهبي ابن تيمية ويقلده في هذا الموضوع وهو من أهل الاستقراء بل عديم النظير فيه.
بل أقول: انطلقت هذه الحقيقة من صدره بعد اطلاع واسع ودراسة واعية لا تقليدا أعمى كما يتصوره أبوغدة أو يصوره لغيره.
وقال الذهبي – رحمه الله – أيضاً:
قال ابن داسة: سمعت أبا داود يقول: ذكرت في السنن الصحيح، وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته.
قلت: فقد وفى رحمه الله – بذلك بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد، ووهنه غير محتمل،وكاسر عما ضعفه خفيف محتمل،فلا يلزم من سكوته – والحالة هذه – عن الحديث أن يكون حسنا عنده، ولاسيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري ويمشيه مسلم، والعكس ، فهو دال في أدانى مراتب الصحة فإنه لو إنحط عن ذلك لخرج، عن الاحتجاج، ولبقي متجاذباً بين الضعف والحسن"(1).
وقال في ترجمة محمد بن طلحة بن مصرف:
"ويجيء حديثه من أداني مراتب الصحيح، ومن أجود الحسن، وبهذا يظهر لك أن الصحيحين "فيهما الصحيح وما هو أصح منه، وإن شئت قلت فيهما الصحيح الذي لا نزاع فيه والصحيح الذي هو حسن".
وبهذا يظهر لك أن الحسن قسم داخل في الصحيح,، وأن الحديث النبوي قسمان، ليس إلا صحيح وهو على مراتب، وضعيف وهو على مراتب – والله أعلم"(2).
9- ومنهم الحافظ ابن القيم – رحمه الله (691-751) حيث يقول:
__________
(1) سير أعلام النبلاء: (13/213-214).
(2) سير أعلام النبلاء: (7/339).(1/123)
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل، الحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه – يعني الإمام أحمد – على القياس وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف،بل إلى صحيح وضعيف وللضعيف عنده مراتب،فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه، ولا قول صاحب، لا إجماعً على خلافه كان العمل به عنده أولى من القياس"(1).
10- ومنهم الحافظ عبد الرحمن بن احمد بن رجب (736-795) في كتابه "شرح علل الترمذي"(2): قال:
"وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى هذا التفرد بهذا التقسيم، ولاشك أنه هو الذي اشتهرت عنه هذه القسمة.
... وقد سبقه البخاري إلى ذلك، كما ذكره الترمذي عنه في كتاب العلل أنه كان في حديث البحر: "هو الطهور ماؤه" هو حديث حسن صحيح.
... وأنه قال في أحاديث كثيرة "هذا حديث حسن".
... وكذلك ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال في حديث إبراهيم بن أبي شيبان، عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس، عن عبدالله بن حوالة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ستجندون أجناداً ... الحديث) قال: "هو صحيح حسن غريب" وقد كان أحمد وغيره يقولون: "حديث حسن" وأكثر ما كان الأئمة المتقدمون يقولون في الحديث: إنه صحيح، أو ضعيف.
... ويقولون: منكر، وموضوع، وباطل.
... وكان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن".
... فقد أيد في كلامه هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أن الترمذي أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام، ونسب ابن رجب ذلك إلى طائفة من العلماء.
... وأيده في أن مراد أحمد بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن".
__________
(1) أعلام الموقعين (1/31)، والفروسية (ص49).
(2) 342-344).(1/124)
... وبعد أن بين أن البخاري وأبا حاتم وأحمد وغيره يقولون حديث حسن بين أن أكثر الأئمة يقولون في الحديث إنه: صحيح أو ضعيف، ويقولون منكر وموضوع وباطل.
أي ولا يذكرون الحسن.
... وهذا معناه أن أكثر أئمة الحديث لا يطلقون لفظ الحسن فضلا عن أن يكونوا قد اصطلحوا عليه وجعلوه قسيما للصحيح والضعيف.
... ولا يجوز لمنصف أن يتعلق بقوله:
... وقد سبقه البخاري إلى ذلك أنه سبقه إلى المعنى الاصطلاحي بل يريد أنه قد سبقه إلى مجرد ذكر الحسن.
... وكذلك ما قاله في شأن أبي حاتم وأحمد وغيرهما، فلو أراد ذلك لصرح بأنهم قد سبقوه إلى التقسيم الثلاثي وأنهم يريدون بلفظ الحسن المعنى المصطلح عليه، ولو أراد أنهم سبقوه إلى الحسن المصطلح عليه لما مثل بقول البخاري "هو حديث حسن صحيح"، ولما مثل بقول أبي حاتم "هو صحيح حسن غريب"، فإنه لا شاهد فيها على قصد المعنى الاصطلاحي بل هو شاهد على قصدهما المعنى اللغوي.
11- ومنهم الحافظ زين الدين عبدالرحمن بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806، قال: عند ذكر ابن الصلاح في مقدمته إن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف.
واعترض عليه أحد العلماء ولعله العلامة مغلطاي فجلى الحافظ العراقي(1) هذا الاعتراض بقوله:
"الأمر الثاني أن ما نقله عن أهل الحديث من كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد، فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف.
وقد ذكر المؤلف هذا الخلاف في النوع الثاني في التاسع من التفريعات المذكورة فيه، فقال:
... "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح.
... لاندراجه في أنواع ما يحتج به قال: وهو الظاهر من كلام أبي عبدالله الحاكم في تصرفاته إلى آخر كلامه، فكان ينبغي الاحتراز عن هذا الاختلاف.
__________
(1) التقيد والإيضاح ص19.(1/125)
... قال العراقي: "والجواب أن ما نقله المصنف عن أهل الحديث قد نقله عنهم الخطابي في خطبة معالم السنن، فقال، اعلموا أن الحديث ينقسم عند أهله على ثلاثة أقسام:
... حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم ولم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك، وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن، وهو موجود في كلام الشافعي رضي الله عنه، والبخاري، وجماعة، ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة، فتبعه المصنف على ذلك هنا ثم حكى الخلاف في الموضع الذي ذكره، فلم يهمل حكاية الخلاف والله أعلم"(1).
... والشاهد من قول العراقي: "ولم أر من سبق الخطابي وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام الشافعي".
... فالعراقي مع سعة اطلاعه لم ير هذا التقسيم عند من سبق الخطابي ولو كان يرى أن وجوده عند من سبق الخطابي بالمعنى الاصطلاحي لصرح بذلك بل لاعتذر به عن ابن الصلاح والخطابي".
... وقال ابن الصلاح(2) رحمه الله في تفريعات حديث الحسن: الرابع كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما:". فقال العراقي رحمه الله معلقا ومنكتا على كلام ابن الصلاح:
... ":وقد وجد التعبير به "في شيوخ الطبقة التي قبله – أيضا – كالشافعي – رحمه الله – فقال في كتاب "اختلاف الحديث" عند ذكر حديث ابن عمر (لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا..الحديث) (3).
... حديث مسند حسن الإسناد.
__________
(1) التقييد والإيضاح، ص: 19
(2) التقييد والإيضاح، ص: 52
(3) أخرجه البخاري في 4- الوضوء 12- باب من تبرز على لبنتين، حديث 145 وأطرافه في 148، 149، 3104 ومسلم 2- الطهارة 17- باب الاستطابة، حديث: 266(1/126)
... وقال فيه – أيضا – وسمعت من يروي بإسناد حسن (أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم – أنه ركع دون الصف ... الحديث) (1) ومثل العراقي بحديثين في غاية الصحة.
... وقد تقدم موقف أبي غدة من نصوص الشافعي هذه وبينا هناك أن الشافعي أطلقها بالمعنى اللغوي.
... واعترض ابن رشيد على ابن الصلاح في تحسينه لما يسكت عليه أبو داود، فدافع العراقي عن ابن الصلاح، وقال في خلال كلامه:
... " ... فإن كان أبو داود يرى الحسن ربتة بين الصحيح والضعيف، فالاحتياط، بل الصواب ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين أن الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف، فما سكت عنه فهو صحيح والاحتياط أن يقال: فهو صالح"(2).
... ففي هذا الكلام تصريح من العراقي رحمه الله بما يوافق رأي ابن تيمية – رحمه الله – أن المتقدمين كانوا يقسمون الحديث إلى قسمين فقط صحيح وضعيف، وقد صرح سابقا أنه لم ير التقسيم الثلاثي، وإن كان ذكر الحسن موجودا في كلام بعضهم كالشافعي والبخاري فلو كان يرى أنهم يقصدون بذكره المعنى الاصطلاحي لما نفى رؤية التقسيم الثلاثي ولما ذكر في الأخير أن المتقدمين ينقسم الحديث عندهم إلى صحيح وضعيف.
12- ومنهم الحافظ ابن حجر.
قال معلقا على تعريف الخطابي للحسن وقد نازعه الشيخ تقي الدين ابن تيمية، فقال: "إنما هذا اصطلاح للترمذي، وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح، ثم قد يكون متروكا، وهو أن يكون راويه متهما أو كثير الغلط، وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب، قال: وهذا معنى قول أحمد العمل الضعيف أولى من القياس.. ".
ثم أيده بقوله: "ويؤيده قول البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني الأحاديث المروية ثلاثة أنواع:
1- نوع اتفق أهل العلم على صحته.
2- ونوع اتفقوا على ضعفه.
__________
(1) أخرجه البخاري في الأذان 114- باب إذا ركع دون الصف، حديث 783
(2) التقييد والإيضاح، ص: 53(1/127)
3- ونوع اختلفوا في ثبوته فبعضهم صححه وبعضهم يضعفه لعلة تظهر له بها(1) الخ..".
13- وأشار السخاوي إلى رأي ابن تيمية والظاهر أنه يريد الاحتجاج به(2).
14- ونقل الصنعاني كلام شيخ الإسلام، والظاهر أنه يريد أن يحتج به(3).
15- وذكر الشيخ ظفر أحمد التهانوي كلام ابن تيمية محتجا به رغم تعصبه على ابن تيمية وأمثاله.
16- وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقالاته(4) خلال رده على من يحتج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة "ولا قائل بقول خبر الكاذب، على أن مراد أحمد هنا بالضعيف غير المتروك لا الشامل المتروك وغيره، كما حققه ابن تيمية في منهاجه وابن تلقيم في أعلام الموقعين".
فهو يحتج ببحث الإمام ابن تيمية الذي اعترضه تلميذه أبوغدة وتلميذه محمد عوامة.
ويعتبره الكوثري تحقيقاً يعتمد في مراد أحمد بالضعيف.
فهل الكوثري على عصبيته الهوجاء وتهوره في بحوثه أكثر تعقلا وانصافا من أبي غدة، وهل الكوثري أقل حساسية من تلاميذه بالنسبة لابن تيمية.
... ثم .. لقد ظهر لك جليا صواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن يتمية أن من قبل الإمام الترمذي لم يقسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام: (صحيح وحسن وضعيف) وإنما كان الحديث عندهم قسمين فقط: صحيح وضعيف.
... وقد أيد قوله العلماء الذين سقنا أقوالهم بقصد منهم وبغير قصد ولا نطمع في أبي غدة ومحمد عوامة من وراءهم أن يثبتوا هذا التقسيم الثلاثي بالحجة والبرهان فإن فحول العلماء والباحثين ما بين مسلم لابن تيمية وما بين مؤيد سواء بالقصد أو بالاتفاق.
خاتمة
1- لقد تبين من هذه الدراسة التي قصد بها الاستقصاء في حدود الطاقة أن أئمة الحديث وأعلامه قبل الإمام الترمذي كانوا يطلقون لفظ الحسن لكنه لم يظهر من إطلاقهم قصد المعنى الاصطلاحي الذي جرى عليه المتأخرون.
__________
(1) النكت لابن حجر على ابن الصلاح (1/385-386).
(2) فتح المغيث، ص: 10
(3) توضيح الأفكار: (1/154).
(4) ص: 43).(1/128)
وظهر لنا أن ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف إنما هو الإمام الترمذي – رحمه الله – كلام لا يعدو الصواب. وأن من يتصدى لمناقشته فيه لابد أن يلجأ إلى التمويه والمغالطات وتحريف الكلم عن مواضعه وإلى التزيد في الكلام والنقص منه.
2- ولا يستطيع منصف أن يرد قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولم يقل أحد من أئمة الحديث أنه يجوز أن الشيء يكون واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف، ومن قال: هذا فقد خلاف الإجماع، ولا كان أحمد، ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه".
فلا يستطيع منصف أن يقول أن من منهج أئمة الإسلام الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة في الحلال والحرام واستباحة الفروج والأموال والدماء.
... وإن محاولة أبي غدة ومحمد عوامة ومن على شكالتهما إثبات نسبة ذلك إلى الإمام أحمد ذنب عظيم وجناية كبرى لا يجوز إقرارهم عليها ومنهج أحمد وتصرفاته ومواقفه من الرواة والروايات تكذب ذلك الإفك وتدحضه.
... وكذلك تصرفات سائر الأئمة وأقوالهم ووضعهم قواعد الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف والتعليل كل ذلك براهين وضاحة على صحة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في حق الأئمة رضوان الله عليهم.
ولا يعكر على هذا المنهج بعض التصرفات الفردية القائمة على الاجتهاد واختلاف وجهات النظر في بعض الرواة فلا يجوز لمسلم أن يتعلق بها ليوهم الناس أن ذلك منهج للإمام فلان ومذهب له. أو منهج للأئمة جميعا.
وقد مرت نماذج من الرواه الذين تحاشى الإمام أحمد الرواية عنهم وضرب على روايتهم، ومر قوله في ابن اسحاق وأمثاله الذين تعتبر روايتهم في أعلى مراتب الحسن.(1/129)
وأن تقديم الإمام احمد ضعيف الحديث على الرأي إنما قصده بذلك أن البلدة التي لا يجود بها إلا صاحب رأي ومحدث لا يميز بين الصحيح والسقيم أن المستفتي المضطر يقدم صاحب الحديث الذي هذا وصفه على صاحب الرأي فإذا وجد العالم المميز بين الصحيح والضعيف فلا يجوز العدول عنه إلى صاحب رأي أو محدث لا يميز بين الصحيح والضعيف هذا هو مراد أحمد وكلامه صريح فيه.
3- وأن تشبيه الحديث الضعيف الذي يحتج به الإمام أحمد وغيره بالحسن عند الترمذي لا ينبغي المكابرة فيه فإن هذا أصله ضعيف تقوى بالمتابعات والشواهد ويؤيده تردد الإمام أحمد في الاحتجاج بمثل محمد بن إسحاق وعمرو بن شعيب وتصريحه أحياناً بعدم الاحتجاج بأمثالهما وقد تقدم نقل ذلك عنه، ومناقشة شيخ الإسلام في هذا وغيره قد تبين بطلانها.
أما إدخال السلف هذا النوع من الضعيف في الصحيح أو في الضعيف فيرى الإمام ابن تيمية أن السلف قبل الترمذي يدخلونه في الضعيف إذ الضعيف نوعان نوع متروك لا يجوز العمل به ونوع يجب العمل به وهو المسمى بالحسن عند المتأخرين ويرى الذهبي أن السلف كانوا يدخلونه في الصحيح ويرى ابن سيد الناس ذلك مع التردد.
ودليل شيخ الإسلام ابن تيمية احتجاج الإمام أحمد أحيانا بابن إسحاق وعمرو بن شعيب مع تردده فيهما وتضعيفه لهما أحيانا.
ولم يقم الذهبي وابن سيد الناس على ما ذهبا إليه دليلا والقلب أميل إلى ما قاله شيخ الإسلام بن تيمية والأمر في ذلك سهل مادامت آراؤهم متفقة في القضية الجوهرية وهي تقسيم السلف الحديث إلى قسمين فقط صحيح وضعيف.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وما قدمته في هذا البحث هو جهد المقل الضعيف وما أخالني أسلم من الهفوات والخطأ والتقصير وأرجو من إخواني طلاب العلم إن وجدوا من ذلك شيئا أن ينبهوني عليه في حياتي وأن يستدركوه بعد وفاتي. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا الى يوم الدين.(1/130)
كتب الفقير إلى مغفرة ربه ورضوانه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
وكان الفراغ منه في ثمانية من شهر شوال سنة 1410هـ
الفهرس
م
الموضوع
رقم الصفحة
1 ... المقدمة ... 1
4 ... تعريف الحسن وبيان معناه اللغوي ... 2
4 ... إطلاق المحدثين الحسن بالمعنى اللغوي ... 3
8 ... تعريف الحسن اصطلاحاً ... 4
16 ... تقسيم عوامة للحديث الضعيف والرد عليه ... 5
17 ... تعريف أبي غدة للحديث المنكر ... 6
17 ... والرد عليه وكشف ما ينطوي عليه هذا التعريف. ... 7
18 ... تحامل محمد عوامة على ابن تيمية ومتابعة أبي غدة له والرد عليهما ... 8
20 ... ماذا فعل محمد عوامة بكلام ابن حجر ... 9
23 ... مراد الإمام علي بن المديني من إطلاق لفظ الحسن ... 10
23 ... تلف مسند علي بن المديني في حياته ... 11
24 ... مصير كتاب العلل لعلي بن المديني ... 12
27 ... إطلاق ابن المديني لفظ الحسن على حديث في إسناد مجهول ... 13
27 ... علل أخرى في إسناد هذا الحديث ... 14
27 ... أمثلة أعل فيها علي بن المديني أحاديث بالمخالفة ... 15
32 ... مراد البخاري من إطلاق لفظ الحسن ... 16
32 ... ماذا فعل محمد عوامة بكلام الحافظ ابن حجر ... 17
36 ... مراد البخاري من تحسين حديث شريك ... 18
38 ... مراد البخاري من تحسين حديث لعن الله المحلل ... 19
20
والمحلل له ومناقشة أبي غدة فيه
38
م ... الموضوع ... رقم الصفحة
21 ... مناقشة أبي غدة وعوامة في تفسير كلام ابن الصلاح ... 39
22 ... قصد البخاري من تحسين حديث "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر". ... 41
23 ... قصد البخاري من تحسين حديث شهر بن حوشب ومناقشة أبي غدة في ذلك. ... 43
24 ... أحاديث ضعيفة أطلق عليها البخاري لفظ الحسن إطلاقاً لغوياً. ... 44
25 ... أحاديث صحيحة أطلق عليها البخاري لفظ الحسن إطلاقاً لغوياً. ... 49
26 ... إطلاق الإمام أحمد الحديث الحسن بالمعنى اللغوي. ... 58
27 ... تحميل محمد عوامة كلام ابن حجر ما لا يحتمل وتصرفه فيه ومناقشته في ذلك. ... 58
28 ... عجز عوامة وشيخه عن أن يثبتا تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف. ... 60
29 ... الهدف من إلحاح عوامة وشيخه على تقديم أحمد. ... 62(1/131)
30 ... الحديث الضعيف على القياس ومناقشتهما في ذلك. ... 62
31 ... رواة تركهم الإمام أحمد. ... 67
32 ... دعوى محمد عوامة أن أحمد يطلق لفظ الحسن بالمعنى الاصطلاحي والرد عليه. ... 70
33 ... إطلاق أحمد لفظ الحسن على الصحيح. ... 74
34 ... زعم محمد عوامة أن ابن نمير أطلق لفظ الحسن بالمعنى الاصطلاحي والرد عليه. ... 75
35 ... دعوى أبي غدة كثرة إطلاق يعقوب بن شيبة في مسنده الحسن بالمعنى الاصطلاحي والرد عليه بعدد من الأمثلة ... 76
م ... الموضوع ... رقم الصفحة
36 ... إطلاق أبي حاتم لفظ الحسن على حديث صحيح ... 93
37 ... إطلاق أبى حاتم لفظ الحسن على حديث في إسناده مجهول ... 94
38 ... مراد الإمام الشافعي من إطلاق لفظ الحسن وتصرف أبي غدة في كلام الحافظ ابن حجر ... 98
39 ... إطلاق أبي زرعة لفظ الحسن مريدا به المعنى اللغوي ... 100
40 ... ملاحظتان على أبي غدة ... 101
41 ... الإمام مالك وإطلاقه لفظ "الحسن" والرد على أبي غدة في ذلك ... 105
42 ... مراد العجلي من إطلاق لفظ الحسن ... 108
43 ... عدة أمثلة لإطلاق العجلي لفظ "الحسن" مريداً به الصحيح ... 109
44 ... إدعاء أبي غدة شيوع الحسن ومعرفة مدلوله قبل الترمذي والرد عليه ... 112
45 ... تعلق أبي غدة بنقد الكشميري لابن تيمية والرد عليه ... 112
46 ... نسبة محمد عوامة إلى ابن تيمية أن الضعيف عند أحمد يقابله ما يحسنه الترمذي أو يصححه، والرد عليه ... 113
47 ... تأكيد عوامة لدعواه بنقد الذهبي للترمذي ومناقشته في ذلك ... 116
48 ... خوض عوامة وشيخه في أشياء لا يعرفانها ... 124
49 ... دعاوى عريضه يدعيها التهانوي ... 124
50 ... لمذهب أبي حنيفة لم يناقشه فيها عوامة ... 125
51 ... وشيخه وبيان زيف تلك الدعاوى ... 125
52 ... إخلال محمد عوامة بنقل ابن حزم عن أحمد ... 127
53 ... وإيراد كلام أحمد على وجهه والقصد منه. ... 127
54 ... قول عوامة إذا فسرنا الضعيف بالحسن بقسميه فأي فائدة في هذا التنصيص من الإمام أحمد على أن الحسن مقدم على الرأي ... 130
م ... الموضوع ... رقم الصفحة
55 ... والرد عليه وبيان الفائدة من ذلك. ... 130(1/132)
56 ... مراد عوامة وشيخه من الحديث الضعيف وحمل كلام أحمد عليه ومناقشته في ذلك. ... 131
57 ... أقوال وتصرفات علماء تدعم ما ذهب إليه ابن تيمية في أن أهل الحديث قبل الترمذي كانوا يقسمون الحديث إلى قسمين فقط صحيح وضعيف. ... 132
58 ... الخاتمة. ... 143(1/133)