وعن الشيخ محي الدين النووي أن عدته بغير المكرر نحو أربعة آلاف(1)/(ر20/أ) قلت: وعندي في هذا نظر. وإنما لم يتعرض المؤلف لذلك، لأنه لم يقصد ذكر عدة ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم، بل السبب في ذلك ذكر المؤلف لعدة ما في البخاري أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلافا لقول ابن الأخرم(2).
لأن المؤلف رتب بحثه على مقدمتين:
إحداهما: أن البخاري قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح"(3).
والأخرى: أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا. فينتج أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر مما أخرجه.
والجواب عن هذا حاصل عند المؤلف من قوله: "إنهم قد يطلقون هذه العبارة على الموقوفات والمقطوعات والمكررات"(4)/(ب42) فباعتبار ذلك يمكن صحة دعوى ابن الأخرم.
__________
(1) التقريب مع تدريب الراوي ص51، وشرح الألفية للعراقي 1/50. وقد قام محمد فؤاد عبد الباقي المصري بتعداد أحاديث مسلم وترقيمها بأرقام مسلسلة، من أول حديث في الكتاب إلى آخره فبلغ عددها بغير المكرر ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثين حديثا 3033.
(2) هو الإمام الحافظ محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري له مؤلفات منها: المستخرج على صحيح مسلم مات سنة 344. تذكرة الحفاظ 3/864، والأعلام 8/17. وقول ابن الخرم الذي أشار إليه الحافظ في مقدمة ابن الصلاح ص27 قال: "قل ما يفوت البخاري مسلما مما يثبت من الحديث".
(3) تذكرة الحفاظ 2/556.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص16 وعبارته: "إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين، وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين" فالحافظ ذكرها بالمعنى.(17/36)
ويزيد ذلك وضوحا أن الحافظ أبا بكر محمد بن عبد الله الشيباني المعروف بالجوزقي(1) ذكر في كتابه المسمى بالمتفق أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا، فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا فإذا كان الشيخان مع ضيق(2) شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر هذا القدر، فما لم يخرجاه من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر - أيضا – أو يزيد/(ه20/ب) وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر - أيضا – أو يقرب منه، فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء من الصحابة والتابعين تمت/(ر20/ب) العدة التي ذكر البخاري أنه يحفظها.
بل/(ي35) ربما زادت على ذلك فصحت دعوى ابن الأخرم:
أن الذي يفوتهما من الحديث الصحيح قليل (يعني مما يبلغ شرطهما) بالنسبة إلى ما خرجاه. - والله أعلم -.
وأما قول النووي: "لم يفت الخمسة إلا القليل"(3). فمراده من أحاديث الأحكام خاصة أما غير الأحكام فليس بقليل(4).
ومما يتعلق بالفائدة التي ذكرها الشيخ وهي عدة كتاب مسلم المكرر ما ذكر الجوزقي - أيضا – في المتفق. أن جملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون في كتابيهما ألفان وثلاثمائة وستة وعشرون حديثا(5).
__________
(1) هو الحافظ الإمام أبو بكر محدث نيسابور وصاحب الصحيح المستخرج على صحيح مسلم، وكتاب المتفق الكبير يكون في ثلاثمائة جزء روى عن أبي العباس السراج وآخرين، وعنه الحاكم أبو عبد الله وآخرون مات سنة 388. تذكرة الحفاظ 3/1013، ومعجم المؤلفين 10/240.
(2) في (ب) صدق.
(3) في (ر) "قليل".
(4) التقريب مع تدريب الراوي ص47.
(5) ألف محمد فؤاد عبد الباقي كتابا سماه اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، فبلغ عدد الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان ألفي حديث وستة أحاديث 2006 وقد رقمها ترقيما دقيقا من أولها إلى آخر حديث منها.(17/37)
فعلى هذا جملة ما في الصحيحين خمسة آلاف حديث وستمائة حديث وخمسون حديثا تقريبا [هذا](1) على مذهب الجوزقي، لأنه بعد المتن إذا اتفقا على إخراجه ولو من حديث صحابيين حديثا واحدا، كما: إذا خرج البخاري المتن من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - وخرجه مسلم/(ب43) من طريق أنس - رضي الله عنه - وهذا غير جار(2) على اصطلاح جمهور المحدثين، لأنهم لا يطلقون الاتفاق إلا على ما اتفقا على إخراج إسناده ومتنه معا. وعلى هذا فتنقص العدة كما(3) ذكر الجوزقي قليلا ويزيد عدد(4)الصحيحين في الجملة فلعله: يقرب من سبعة آلاف بلا تكرير. - والله اعلم -.
وهذه الجملة تشتمل على الأحكام الشرعية وغيرها من ذكر الأخبار عن الأحوال الماضية من بدء الخلق وصفة المخلوقات/(ه/2/أ) وقصص الأنبياء والأمم وسياق المغازي والمناقب والفضائل والأخبار عن الأحوال الآتية من الفتن والملاحم وأشراط الساعة والبرزخ والبعث وصفة النار وصفة الجنة وغير ذلك، والأخبار عن فضائل الأعمال وذكر الثواب والعقاب/(ر21/أ) وأسباب النزول. وكثير من هذا قد يدخل في الأحكام، وكثير منه لا يدخل فيها.
فأما ما يتعلق بالأحكام خاصة. فقد ذكر أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي(5)
__________
(1) الزيادة من (ي).
(2) في (ه) "جاير".
(3) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب "فيما".
(4) في (ر) ويزيد على عدد بزيادة (على) ولا داعي لها.
(5) لعله: محمد بن الحسين أبو جعفر البرجلاني صاحب كتاب الزهد والرقائق نسبة إلى برجلان. قال ابن الأثير في اللباب: سكن بغداد، وقال في الأعلام: فاضل بغدادي من الحنابلة. وقال الخطيب: "سمع الحسين بن علي الجعفي وزيد بن الحباب. وقال ابن أبي يعلى: حدث محمد هذا والبغوي عن أحمد، وبين وفاة البرجلاني تسع وتسعون سنة. مات سنة 238".
تأريخ بغداد 2/222، وطبقات الحنابلة 1/290، واللباب 1/134، والأعلام 6/377.(17/38)
في كتاب التمييز له عن الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم: أن جملة الأحاديث المسندة عن/(ي36) النبي - - صلى الله عليه وسلم - - يعني الصحيحة بلا تكرير - أربعة آلاف وأربعمائة حديث.
وعن إسحاق بن راهويه(1) أنه سبعة آلاف ونيف.
وقال أحمد بن حنبل: وسمعت ابن مهدي يقول: الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة حديث.
وكذا قال إسحاق بن راهويه عن يحيى بن سعيد.
(وذكر القاضي أبو بكر ابن العربي)(2) أن الذي في الصحيحين من أحاديث الأحكام نحو ألفي حديث.
وقال أبو داود السجستاني(3) عن ابن المبارك: "تسعمائة، ومرادهم بهذه العدة ما جاء عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - - من/(ب44) أقواله الصريحة في الحلال والحرام. - والله أعلم –".
وقال: "كل منهم بحسب ما يصل إليه. ولهذا اختلفوا"(4).
[زعم العراقي أن الحميدي لم يذكر اصطلاحا في الزيادات:]
__________
(1) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهويه المروزي ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل. ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة 238/خ م د ت س. تقريب 1/54، وتذكرة الحفاظ 2/433.
(2) ما بين القوسين سقط من (ي).
وهو العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأشبيلي من حفاظ الحديث وبرع في الأدب والبلاغة وبلغ رتبة الاجتهاد، له مؤلفات منها شرح الترمذي وأحكام القرآن، مات سنة 543. تذكرة الحفاظ 4/1294، والأعلام 7/106.
(3) هو الإمام الحافظ سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي مصنف السنن وغيرها ثقة حافظ من كبار العلماء، مات سنة 275/ت س. تقريب 1/321، وتذكرة الحفاظ 2/591.
(4) نقل الصنعاني هذه الأقوال في توضيح الأفكار 1/62 من قوله: ذكر أبو جعفر البغدادي إلى هنا.(17/39)
7- قوله ع: "والزيادات الموجودة في كتاب الحميدي ليست في واحد من الكتابين، ولم يروها الحميدي بإسناده فيكون حكمها حكم المستخرجات ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد زوائد التزم فيها الصحة فيقلد فيها"(1). انتهى.
وقد اعتمد شيخنا رحمه الله تعالى هذا منظومته فقال: "وليت إذ زاد الحميدي ميّزا(2)/(ه 21/ب)...."
وشرح ذلك بمعنى الذي ذكره هنا: أن الحميدي(3) لم يميز الزيادات التي زادها في الجمع(4) ولا اصطلح على أنه لا يزيد إلا ما صح فيقلد في ذلك. وكان شيخنا – رضي الله عنه – قلد في هذا غيره وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها.
ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات/(ر21/ب) وتبعه على ذلك الشيخ سراج الدين النحوي، فألحق في كتابه "المقنع"(5) ما صورته: "هذه الزيادات ليس لها حكم الصحيح، لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا واشترط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك".
وقال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في "محاسن الاصطلاح" في هذا الموضع ما صورته: وفي "الجمع بين الصحيحين" للحميدي تتمات لا وجود لها في الصحيحين، وهو كما قال ابن الصلاح. إلا أنه كان ينبغي التنبيه على حكم تلك التتمات لتكمل الفائدة.
__________
(1) التقييد والإيضاح ص29.
(2) في جميع النسخ مميزا بميمين. وهو خطأ والتصويب من ألفية العراقي ص19.
(3) الحافظ الثبت الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي الأزدي الأندلسي الميورقي الظاهري، حدث عن ابن حزم فأكثر وعن ابن عبد البر، له مؤلفات: جذوة المقتبس في أخبار علماء الأندلس والجمع بين الصحيحين، مات سنة 488. تذكرة الحفاظ 4/1218، ومعجم المؤلفين 11/121.
(4) شرح العراقي لألفيته 1/63.
(5) في (ي) و(ر/ب) "تبع" بدل كلمة المقنع وهو خطأ.(17/40)
والدليل على ما ذهبنا إليه من أن الحميدي أظهر/(ي37) اصطلاحه لما يتعلق بهذه الزيادات موجود في خطبة كتابه إذ قال في أثناء المقدمة ما نصه: "وربما اضفنا إلى ذلك نبذا مما نبهنا له من كتب/(ب45) أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر الخوارزمي(1) (يعني البرقاني) وأبي مسعود الدمشقي(2) وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض أو تتميم لمحذوف أو زيادة من(3) شرح أو بيان لاسم ونسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم(4).
فقوله: "تتميم لمحذوف أو زيادة" هو غرضنا هنا/(ه22/أ) وهو يختص بكتابي الإسماعيلي والبرقاني، لأنهما استخرجا على البخاري. واستخرج البرقاني على مسلم.
__________
(1) هو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني الشافعي شيخ بغداد، صنف التصانيف وخرج على الصحيحين، مات سنة 425. تذكرة الحفاظ 3/1074، ومعجم المؤلفين 2/74.
(2) هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (أبو مسعود) محدث حافظ من مؤلفاته: الأطراف على الصحيحين، مات سنة 400. تذكرة الحفاظ 3/1068، ومعجم المؤلفين 1/101.
(3) في (ر) "في".
(4) رجعت إلى الجمع بين الصحيحين 1: ل/أ فما بعدها في المقدمة وكان الكلام فيها في غاية الغموض ومع ذلك فقد استطعت أن أنقل منها الكلام الآتي: "قال الحميدي: نقلنا من الأئمة المخرجين على الصحيحين وأصحاب التعاليق كأبي بكر البرقاني، وأبي مسعود الدمشقي، وخلف الواسطي، وغيرهم من الأئمة وإنما فعلوا ذلك لتعجل الناظر في الأحاديث معرفة من رواها من الصحابة ومن رواها عنهم، ومعرفة ما لحق بها مما هو على شرط إسنادهما، أو ما يقع للباحث مما يريد اعتباره من الصحيح" ل4/أ. ثم راجعت مصورتين بمكتبة الجامعة الإسلامية إحداهما برقم 585، والثانية برقم 1430 فوجدت فيها ما قاله الحافظ بالحرف، أما أولاهما ففي 1/ل4، والثانية في 1/ل3.(17/41)
وقوله: "من تنبيه على غرض أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم أو بيان لاسم أو نسب"، يختص بكتابي الدارقطني وأبي مسعود، ذاك في "كتاب التتبع" وهذا في "كتاب الأطراف".
وقوله: "مما يتعلق بالكتابين"، احترز به عن تصانيفهم التي لا تتعلق بالصحيحين، فإنه لم ينقل منها شيئا هنا.
فهذا الحميدي قد أظهر اصطلاحه في خطبة كتابه. ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن يعزوها لمن(1) زادها من أصحاب المستخرجات وغيرها/(ر22/أ) فإن عزاها لمن استخرج أقرها وإن عزاها لمن لم يستخرج تعقبها غالبا، لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين أو من أحدهما ثم يقول: مثلا: زاد فيه فلان كذا. وهذا لا إشكال فيه وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد ثم يقول في عقبه مثلا: اقتصر منه البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وهذا يشكل على الناظر غير المميز، لأنه إذا نقل منه حديثا برمته وأغفل كلامه بعده وقع في المحذور الذي حذر منه ابن الصلاح، لأنه حينئذ يعزو على أحد الصحيحين ما ليس فيه، فهذا(2) الحامل لابن الصلاح على الاستثناء المذكور. حيث قال عن الحميدي/(ب46)... إلى آخره(3).
__________
(1) في (ب) إلى من.
(2) في (ب) و(ه) و(ي) "فهي" وهو خطأ.
(3) كلام ابن الصلاح في مقدمته ص19: "غير أن الجمع للصحيحين للحميدي الأندلسي منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث كما قدمنا ذكره، فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين".(17/42)
1- فمن أمثلة ذلك: أنه قال في مسند العشرة في حديث طارق/(ي38) بن شهاب عن أبي بكر - رضي الله عنه - في قصة وفد بزاخة(1) من أسد وغطفان وأن أبا بكر - رضي الله عنه - خيرهم بين الحرب المجلية(2) والسلم المخزية فساق الحديث بطوله وقال في آخره: "اختصره البخاري فأخرج طرفا منه"(3). وأخرجه بطوله أبو بكر البرقاني"(4).
2- ومن ذلك: قوله في مسند أبي سعيد الخدري/(ه22/ب) - رضي الله عنه - عن أبي صالح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا وأتمها إلا لبنة قال فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة".
__________
(1) قال الحافظ: "بزاخة ماء لطيء والمجلية - بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية - من الجلاء ومعناها الخروج من جميع المال. والمخزية - بخاء معجمة وزاي - مأخوذة من الخزي ومعناها القرار على الذل والصغار". فتح 13/210، وانظر النهاية لابن الأثير 1/390.
(2) قال الحافظ: "بزاخة ماء لطيء والمجلية - بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية - من الجلاء ومعناها الخروج من جميع المال. والمخزية - بخاء معجمة وزاي - مأخوذة من الخزي ومعناها القرار على الذل والصغار". فتح 13/210، وانظر النهاية لابن الأثير 1/390.
(3) خ 93 - كتاب الأحكام 51 - باب الاستخلاف حديث 7221. عن طارق بن شهاب عن أبي بكر رضي الله عنه قال لوفد بزاخة: "تتبعون أذناب الإبل حتى يرى لله خليفة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين أمرا يعذرونكم به". تحفة الأشراف حديث 6598 ج5 ص494.
(4) الجمع بين الصحيحين 1: ل11/ب.(17/43)
قال الحميدي: "أحال به مسلم على حديث أبي هريرة(1) - رضي الله عنه - في هذا المعنى ولم يسق حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - إلا(2) قوله: مثلي ومثل النبيين ثم قال، فذكر نحوه".
قال الحميدي: "وحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - الذي أحال عليه أزيد لفظا وأتم معنى، ومتن حديث أبي سعيد(3) - رضي الله عنه - هو الذي أوردناه بينه أبو بكر البرقاني".
3- ومنها: ما ذكره في مسند عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في/(ر22/ب) إفراد البخاري عن هزيل(4) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون"(5).
__________
(1) حديث أبي هريرة في مسلم 43 - كتاب الفضائل7 - باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين حديث 20 - 23.
(2) في (ب) إلى وهو خطأ لأن مسلما ساق قوله "مثلي ومثل النبيين" 43 - كتاب الفضائل حديث 24.
(3) هو الصحابي الجليل سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري له ولأبيه صحبة استصغر بأحد ثم شهد ما بعدها وروى الكثير فقيه نبيل توفي سنة 74/ع. تقريب 1/289، والكاشف 1/353، وتذكرة الحفاظ 1/44.
(4) هزيل بن شرحبيل الأودي الكوفي ثقة مخضرم من الثانية، خ4. تقريب 2/317، والكاشف 3/220، وقال عن طلحة وابن مسعود ولم يذكر أحد منهما سنة وفاته.
(5) خ 85 - كتاب الفرائض 20 - باب ميراث السائبة حديث 6753.(17/44)
قال الحميدي: "اختصره البخاري ولم يزد على هذا". وأخرجه بطوله أبو بكر البرقاني من تلك الطريق عن هزيل قال: "جاء رجل إلى عبد الله - رضي الله عنه - فقال: إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا". فقال عبد الله - رضي الله عنه -: "إن أهل الإسلام لا يسيبون كأهل الجاهلية، فإنهم كانوا يسيبون، فأنت ولي نعمته ولك ميراثه، فإن تأثمت(1) أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال"(2).
4- ومنها ما ذكره في مسند أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: "الحديث الحادي والثلاثون (يعني من أفراد/(ي39) البخاري) عن أبي سعيد المقبري كيسان(3) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - -: "من/(ه23/أ) لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه".
__________
(1) تأثمت - بالمثلثة قبل الميم -: خشيت أن تقع في الإثم وتحرجت - بالحاء المهملة ثم الجيم - بمعناه، (فتح 12/41) ثم إنه في جميع النسخ تأثمت وتحرجت وقال بعده: وفي رواية العدني "فإن تحرجت" ولم يشك.
(2) الجمع بين الصحيحين 1: ل75/أ، والفتح 12/41، إلا أنه عزاه للإسماعيلي ولعله سبق قلم.
(3) كيسان أبو سعيد المقبري، المدني مولى أم شريك، ويقال له العباس، ثقة ثبت من الثانية، مات سنة 100/ع. تقريب 2/137، والكاشف 3/12.(17/45)
قال الحميدي(1): "أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه من حديث أحمد بن يونس(2) عن ابن أبي ذئب(3) عن سعيد المقبري عن أبيه وهو الذي أخرجه البخاري(4) من طريقه فزاد فيه والجهل بعد قوله والعمل به". انتهى.
فانظر كيف لم يسامح بزيادة لفظة واحدة في المتن حتى بينها وأوضح أنها مخرجة من الطريق التي خرجها البخاري. فمن يفصل هذا التفصيل كيف يظن به أنه لا يميز بين ألفاظ الصحيحين اللذين جمعهما وبين الألفاظ المزيدة في رواية غيرهما.
__________
(1) الجمع بين الصحيحين 3: ل134/أ. وانظر الفتح 4/117.
(2) أحمد بن عبد الله بن يونس الحافظ أبو عبد الله اليربوعي الكوفي عن ابن أبي ذئب والثوري وعنه خ م د، مات سنة 227. الكاشف 1/63، والتقريب 1/19.
(3) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري أبو الحارث المدني ثقة فقيه فاضل من السابعة، مات سنة 158/ع. تقريب 2/184، والخلاصة ص348.
(4) في 30 - كتاب الصوم 8 - باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم حديث 1903. و78 - كتاب الأدب 51 - باب قول الله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} حديث 6057 وفيه زيادة "والجهل".(17/46)
5- ومنها: ما ذكره في مسند عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - في أفراد البخاري عن أبي السفر سعيد بن يحمد(1) قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: "يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا/(ر23/أ) فتقولوا قال ابن عباس: "من طاف بالبيت، فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا الحطيم(2)، فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه"(3) لم يزد (يعني البخاري)(4).
وزاد البرقاني في الحديث بالإسناد المخرج به: "وأيما صبي حج بأهله فقد قضت حجته عنه ما دام صغيرا، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى.
وأيما/(ب48) عبد حج به أهله، فقد قضت [حجته](5) عنه ما دام عبدا فإذا أعتق فعليه حجة أخرى.
__________
(1) سعيد بن يحمد - بضم التحتانية وكسر الميم - أبو سفر - بفتح المهملة والفاء - الهمداني الثوري الكوفي ثقة من الثالثة، مات سنة 112 أو بعدها بسنة/ع. تقريب 1/308، والكاشف 1/374.
(2) قال ابن الأثير في النهاية 1/403: "وفي حديث توبة كعب بن مالك إذن يحطمكم الناس أي يدوسونكم ويزدحمون عليكم، ومنه سمي حطيم مكة وهو بين الركن والمقام وقيل: هو الحجر المخرج منها سمي به لأن البيت رفع وترك هو محطوما، وقيل لأن العرب كانت تطرح فيه ما طافت به من ثياب فتبقى حتى تتحطم بطول الزمان".
(3) خ 63 - كتاب مناقب الأنصار باب القسامة في الجاهلية حديث 3848.
(4) في هامش كل من (ر/أ) و(ه) زيادة جملة "على هذا" بعد لفظة البخاري.
(5) الزيادة من (ي).(17/47)
ومن المواضع التي(1) تعقبها على غير أصحاب المستخرجات ما حكاه في مسند جابر عن أبي مسعود الدمشقي أنه قال – في الأطراف -: حديث أبي خثيمة زهير بن معاوية(2) عن أبي الزبير عن/(ه23/ب) جابر - رضي الله عنه - قال: جاء سراقة(3) فقال: يا رسول الله! بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن. أرأيت عمرتنا هذه لعامنا/(ي40) أو للأبد؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل للأبد".
قالوا يا رسول الله! فبين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن. فيم العمل اليوم...؟ الحديث.
قال أبو مسعود: رواه مسلم عن أحمد (يعني ابن يونس) ويحيى (يعني ابن يحيى) يعني كلاهما عن زهير.
قال الحميدي: "كذا قال أبو مسعود. والحديث عند مسلم في القدر(4) كما قال عن أحمد ويحيى(5)، وليس فيه هذه القصة التي في العمرة".
قال الحميدي: "والحديث في الأصل أطول من هذا، وإنما أخرجه مسلم منه ما أراد وحذف الباقي.
__________
(1) في (ر) و(ه) الذي وهو خطأ.
(2) زهير بن معاوية بن خديج أبو خثيمة الجحفي الكوفي ثقة ثبت من السابعة، مات سنة 173/ع. تقريب 1/265، والكاشف 1/327. وفي (ب) حديث أبي خثيمة عن زهير وهو خطأ.
(3) سراقة بن مالك بن حعشم - بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة - الكناني ثم المدلجي أبو سفيان صحابي مشهور من مسلمة الفتح، مات في خلافة عثمان سنة 24 وقيل بعدها./بخ 4. تقريب 1/284، والكاشف 1/349.
(4) م46 - كتاب القدر حديث 8 والأمر كما قال الحميدي ليس فيه ذكر العمرة، أما سؤال سراقة عن العمرة فهو في كتاب الحج 17 - باب وجوه الإحرام آخر حديث آخر حديث 141 من طريق عطاء عن جابر.
(5) يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي أبو زكريا، النيسابوري ثقة ثبت إمام من العاشرة، مات سنة 226 على الصحيح/خ م ت س. تقريب 2/360، والكاشف 3/271.(17/48)
وقد أورده بطوله أبو بكر البرقاني في كتابه بالإسناد من حديث زهير، ثم ساقه الحميدي(1) من عند البرقاني بتمامه. وهذا غاية في التمييز والتبيين والتحري.
6- ونظير هذا سواء. قال أبو مسعود أيضا في ترجمة قرة بن خالد(2) عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لقي الله تعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار"(3)/(ر23/ب).
قال: ودعا(4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحيفة عند موته، فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده، فكثر اللغط وتكلم عمر - رضي الله عنه - فرفضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) الجمع بين الصحيحين 2: ل255/ب وساقه الحميدي بتمامه كما قال الحافظ ومنه، عن أبي الزبير عن جابر قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج ومعنا النساء والولدان فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يكن معه هدي فليحلل..." فجاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! أرأيت عمرتنا هذه ألعامنا أم للأبد؟ فقال: "للأبد" فقال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنما خلقنا الآن. أرأيت العمل الذي تعمل الآن أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، ثم ذكر الحديث إلى آخره بنحو ما قدمنا، وقد فرقه بعض الرواة ثلاثة أحاديث، وأفرد لكل حديث واحد منها إسنادا. انتهى.
(2) قرة بن خالد السدوسي، البصري ثقة ضابط من السادسة، مات سنة 155/ع. تقريب 2/336، والكاشف 2/ 399. وقال: مات سنة 154.
(3) م1 - كتاب الإيمان 40 - باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة حديث 152. وتحفة الأشراف 2/ 336، حديث 2900.
(4) الواو سقت من (ب).(17/49)
قال الحميدي: من قوله: "ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" إلى آخره ليس عند مسلم(1) وهو في الحديث أخرجه بطوله البرقاني من حديث قرة ولكن/ (ب49) مسلما اقتصر على ما أراد منه(2).
7- ومن ذلك: ما ذكره في حديث ابن عباس عن علي - رضي الله عنهم - قال: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة في الركوع والسجود"(3)/ (ه 24/أ) قال زاد في الأطراف في روية ابن عباس عن علي - رضي الله عنهم - النهي عن خاتم الذهب وليس ذلك عندنا في أصل كتاب مسلم.
قال الحميدي: "ولعله وجد في نسخة أخرى"(4).
8- وقال في مسند أبي هريرة - رضي الله عنه - في الحديث الثالث: عن أنس بن مالك عن/(ي 41) عن أبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تفربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة"(5).
لفظ(6) حديث مسلم، زاد ابن مسعود - رضي الله عنه -: "وإن هرول سعيت إليه، والله تعالى أسرع بالمغفرة".
قال الحميدي: "لم أر هذه الزيادة في الكتابين"(7).
__________
(1) والواقع كما ذكر الحميدي فإن مسلما أورد منه إلى قوله "ومن لقيه يرشك به شيئا دخل النار".
(2) الحميدي الجمع بين الصحيحين 2/ 138.
(3) م4 - كتاب الصلاة 41 - باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود حديث 212 وليس فيه النهي عن خاتم الذهب.
(4) الجمع بين الصحيحين 1/ ل 46/أ.
(5) خ 97 - كتاب التوحيد - باب 49 حديث 7537، م- 48 –كتاب الذكر 6 - باب فضل الذكر والدعاء حديث 20 كلاهما من طريق أنس عن أبي هريرة.
(6) في هامش (ر/أ) و(ه): (ظ) هذا لفظ.
(7) الجمع بين الصحيحين 3/ ل57/ أ.(17/50)
قلت: والزيادة المذكورة تفرد بها محمد بن أبي السري العسقلاني(1) ولم يخرجا له. وقد بينت ذلك في تغليق التعليق.
فهذه الأمثلة توضح أن الحميدي يميز الزيادات التي يزيدها هو أو غيره خلافا لمن نفى ذلك, - والله أعلم -.
وقد قرأت في كتاب (الحافظ أبي سعيد)(2) العلائي في علوم الحديث له(3) قال – لما ذكر المستخرجات -: ومنها: المستخرج على البخاري للإسماعيلي. والمستخرج على الصحيحين للبرقاني وهو مشتمل على/(ر24/أ) زيادات كثيرة في تضاعيف متون الأحاديث، وهي التي ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين منبها عليها.
هذا لفظه بحروفه وهو عين المدعى ولله الحمد.
__________
(1) محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السري صدوق عارف له أوهام كثيرة من العاشرة، مات سنة 238/ د. تقريب 2/ 204؛ والكاشف 3/ 92.
(2) في (ب) أبي سلمة كما سقطت منها كلمة "الحافظ".
(3) كلمة "له" ليست في (ر).(17/51)
25- قوله (ص):/(ب 50) "فليس لك أن تنقل حديثا منها(1) وتقول: هو على هذا الوجه في كتاب البخاري ومسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي أخرجه قد قال: أخرجه البخاري"(2) بهذا اللفظ.
قلت محصل هذا أن مخرج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين فلا يخلو إما أن يصرح(3)/(ه 24/ب) بالمرادفة أو المساواة أو لا يصرح. إن صرح فذاك، وإن لم يصرح كان على الاحتمال.
فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل الحديث منها ويقول هو على هذا الوجه فيها، لكن هل له أن ينقل منه ويطلق كما أطلق؟ هذا محل بحث وتأمل.
فائدة:
استنكر ابن دقيق العيد عزو المصنفين على أبواب الأحكام الأحاديث إلى تخريج البخاري ومسلم مع تفاوت المعنى؛ لأن من(4) شأن من هذه حاله أن يستدل على صحة/ (ي42) ما بوب فإذا ساق الحديث بإسناده ثم عزاه لتخريج أحدهما أوهم الناظر فيه أنه عند صاحب الصحيح كذلك، ولو كان ما أخرجه صاحب الصحيح لا يدل على مقصود التبويب فيكون فيه تلبيس غير لائق ثم إن فيه (مفسدة(5) أيضا) من جهة أخرى وهو احتمال أن يكون في إسناد صاحب المستخرج من لا يحتج به كما بيناه غير مرة، فإذا ظن الظان أن صاحب الصحيح أخرجه بلفظه قطع نظره عن البحث عن أحوال رواته اعتمادا على صاحب الصحيح، والحال أن صاحب الصحيح لم يخرج ذلك، فيوهم فاعل ذلك ما ليس بصحيح صحيحا، هذا معنى كلامه.
__________
(1) كلمة "منها" في الموضعين سقطت من (ب).
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 19.
(3) في (ي) "يصح".
(4) كلمة "من" ليست في (ب) وهي في (ر) و(ه) ملحقة من المصححين.
(5) كلمة "مفسدة" في (ي) قدمت على كلمة "أيضا".(18/1)
ثم قال: "ولا/(24/ب) ينكر هذا على من صنف على غير الأبواب كأصحاب المعاجم(1) والمشيخات(2)، فإن مقصودهم أصل الإسناد لا الاستدلال بألفاظ المتون" والله أعلم.
26- قوله (ص): "بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين، فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أوأحدهما"(3).
محصله/ (ب51) أن اللفظ إن كان متفقا فذاك/ (ه 25/أ) وإن كان مختلفا فتارة يحكيه على وجهه وتارة يقتصر على لفظ أحدهما. ويبقى ما إذا كان كل منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر فهل للمختصر أن يسوق الحديث مساقا واحدا وينسبه إليهما ويطلق ذلك أو عليه أن يبين؟.
هذا محل تأمل، ولا يخفى الجواز وقد فعله غير واحد والله أعلم.
27- قوله (ص): في ذكر المستدرك للحاكم: "وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به، فالأولى أن نتوسط في أمره..." إلى آخر كلامه(4).
[زعم الماليني أنه ليس في المستدرك حديث على شرط الشيخين:]
__________
(1) المعجم في اصطلاح المحدثين ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الشيوخ سواء يعتبر تقدم وفاة الشيخ أم توافق حروف الهجاء أو الفضيلة ولكن الغالب هو الترتيب على حروف الهجاء ومن هذا القسم المعاجم الثلاثة للطبراني، مقدمة تحفة الأحوذي ص 66.
(2) المشيخات: جمع مشيخة - بفتح الميم وكسر الشين وإسكان الياء - وهي جمع شيخ وتطلق على الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم أو أجازوه وإن لم يلقهم. انظر مقدمة العجالة النافعة ص14 وهامش تدريب الراوي ص 153.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص19.
(4) بقية كلامه "فنقول: ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه" مقدمة ابن الصلاح ص18.(18/2)
أقول: حكى الحافظ أبو عبد الله الذهبي(1) عن أبي سعد الماليني(2) أنه قال: "طالعت المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثا على شرطهما"(3).
وقرأت بخط بعض/(ي 43) الأئمة أنه رأى بخط عبد الله بن زيدان المسكي(4) قال: أملى علي الحافظ أبو محمد عبد الغني(5) بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي سنة خمس وتسعين وخمسمائة قال: "نظرت إلى وقت إملائي عليك هذا الكلام فلم أجد حديثا على شرط البخاري ومسلم لم يخرجاه إلا ثلاثة أحاديث:
1- حديث أنس "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة"(6).
__________
(1) هو العلامة الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الفارقي صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة جمع تأريخ الإسلام فأربى فيه على من تقدم بتحرير أخبار المحدثين وله طبقات الحفاظ، وميزان الاعتدال، في نقد الرجال وغيرها من المؤلفات النافعة، مات سنة 748.
الدرر الكامنة 3/ 426، والنجوم الزاهرة 10/ 182، ومعجم المؤلفين 8/ 289.
(2) هو الحافظ الزاهد العالم: أحمد بن محمد بن أحمد الأنصاري الهروي الماليني كان ثقة متقنا صاحب حديث حدث عن عبد الله بن عدي وأبي بكر القطيعي وعنه البيهقي والخطيب، مات سنة 412. تذكرة الحفاظ 3/ 107، وتأريخ بغداد 4/371.
(3) طبقات الشافعية للسبكي 4/ 165 ونقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/65 وعزاه إلى النبلاء للذهبي.
(4) لم أقف لهذا الرجل على ترجمة، وكلمة المسكي من (ر) و(ه) وفي (ب) المكي.
(5) هو الحافظ الإمام محدث الإسلام تقي الدين الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف منها: كتاب الجهاد، والعمدة في الحديث والصفات جزءان، مات سنة 600. تذكرة الحفاظ 4/1372، ومعجم المؤلفين 5/275.
(6) لم أجد هذا الحديث في المستدرك وهو في مسند أحمد 3/ 166 من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس وهو جزء من قصة طويلة.(18/3)
2- وحديث الحجاج بن علاط لما أسلم(1).
3- وحديث علي - رضي الله عنه - "لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع"(2)، انتهى.
وتعقب الذهبي قول الماليني فقال: هذا غلو وإسراف وإلا ففي المستدرك جملة وافرة/(ر25/أ) على شرطهما، وجملة كثيرة على شرط أحدهما، وهو قدر النصف، وفيه نحو الربع مما صح سنده أو حسن.
وفيه بعض العلل. وباقيه مناكير وواهيات/(ه25) وفي بعضها موضوعات قد أفردتها(3) في جزء/(ب52). انتهى كلامه.
وهو كلام مجمل يحتاج إلى إيضاح وتبيين.
من الإيضاح أنه ليس جميعه كما قال، فنقول:
أ- ينقسم المستدرك أقساما كل قسم منها يمكن تقسيمه:
__________
(1) الحجاج بن علاط - بكسر المهملة وتخفيف اللام - ابن خالد السلمي ثم الفهري يكنى أبا كلاب ويقال أبو محمد وأبو عبد الله قال ابن سعد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر فأسلم وسكن المدينة واختط بها دارا ومسجدا. أما الحديث المشار إليه فقال عبد الرزاق في المصنف 5/466 أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس: لما افتتح رسول الله خيبر قال الحجاج بن علاط: "يا رسول الله إن لي بمكة أهلا ومالا وإني أريد أن آتيهم فأنا في حل إن قلت شيئا" فأذن له... الحديث بطوله. راجع الترجمة في الإصابة 1/312، والقصة بطولها في طبقات ابن سعد 4/269، وحم 3/138، ومختصرة في الإصابة وتحفة الأشراف 1/153 ولكن في الإسناد معمر وهو على جلالته قال فيه ابن معين ضعيف في ثابت. انظر تهذيب التهذيب 10/224 ولم أجد القصة في المستدرك.
(2) المستدرك 1/33.
(3) طبقات السبكي 4/165.(18/4)
الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجا برواته(1) في الصحيحين أو أحدهما على صورة الاجتماع سالما من العلل، واحترزنا بقولنا على صورة الاجتماع عما احتجا برواته على صورة الانفراد كسفيان بن حسين عن الزهري، فإنهما احتجا بكل منهما، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين(2) عن الزهري؛ لأن سماعه من الزهري ضعيف دون بقية مشايخه.
فإذا وجد حديث من روايته عن الزهري لا يقال على شرط الشيخين؛ لأنهما احتجا بكل منهما. بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع، وكذا إذا كان الإسناد قد احتج كل منهما برجل منه ولم يحتج بآخر منه، كالحديث الذي يروى عن طريق شعبة مثلا عن سماك بن حرب(3) عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، فإن مسلما احتج بحديث سماك/(ي44) إذا كان من رواية الثقات عنه، ولم يحتج بعكرمة واحتج البخاري بعكرمة دون سماك، فلا يكون الإسناد والحالة هذه على شرطهما فلا يجتمع فيه صورة الاجتماع، وقد صرح بذلك الإمام أبو الفتح القشيري وغيره.
__________
(1) في (ب) و(ه) "برواية".
(2) سفيان بن حسين بن حسن أبو محمد الواسطي ثقة في غير الزهري باتفاقهم من السابعة مات في خلافة المهدي وقيل في خلافة الرشيد/ خت م 4. تقريب 1/310 والكاشف 1/377.
(3) سماك - بكسر أوله وتخفيف الميم - بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي الكوفي أبو المغيرة صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن، من الرابعة مات سنة 123. تقريب 1/323، والكاشف 1/403.(18/5)
واحترزت بقولي أن يكون سالما من العلل بما(1) إذا احتجا بجميع رواته على صورة الاجتماع إلا/(ر25/ب) أن فيهم من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره، فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا/(ه26/أ) من رواية المدلسين بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى/(ب/53)، وكذا(2) لم يخرجا من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحققا أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط. فإذا كان كذلك لم يجز الحكم للحديث الذي فيه(3) مدلس قد عنعنه أو شيخ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه، بأنه على شرطهما، وإن كانا(4) قد أخرجا ذلك الإسناد بعينه.
إلا إذا صرح المدلس من جهة أخرى بالسماع وصح(5) أن الراوي سمع من شيخه قبل اختلاطه، فهذا القسم يوصف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما.
ولا يوجد في المستدرك حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرا أو(6) أصلا إلا القليل كما قدمنا.
نعم وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما استدركها الحاكم واهما في ذلك ظنا أنهما لم يخرجاها.
(ب) القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونا بغيره. ويلحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنبا ما تفرد به أو خلفا فيه. كما أخرج مسلم من نسخة العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ما لم يتفرد به.
فلا يحسن أن يقال إن باقي النسخة على شرط مسلم؛ لأنه(7) ما خرج بعضها إلا بعدما تبين له أن ذلك مما لم ينفرد به. فما كان بهذه المثابة لا يلحق أفراده بشرطهما.
__________
(1) كذا في جميع النسخ ولعله "عما".
(2) في هامش (ر)، و(ظ)، "ولذا".
(3) كلمة "فيه" سقطت من (ر) وكتب في هامش(ر) (ظ عن).
(4) في (ر) كان.
(5) في النسخ جميعها "واحتج" وفي هامش (ر ظ) "وصح" وهو الصواب.
(6) في (ه) "ولا أصلا".
(7) في (ي) "كأنه" وكذا في نسختي (ر) إلا أنه صحح في الهامش.(18/6)
وقد عقد/ (ر26/أ) الحاكم في كتاب المدخل بابا مستقلا(1)/ (ي45) ذكر فيه من أخرج له الشيخان في المتابعات وعدد(2) ما أخرجا من ذلك، ثم أنه مع هذا الاطلاع يخرج أحاديث هؤلاء في المستدرك/ (ه 26أب) زاعما أنها على شرطهما.
ولا شك في نزول أحاديثه عن درجة الصحيح بل ربما كان فيها الشاذ والضعيف، لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسن/(ب54).
والحاكم وإن كان ممن لا يفرق بين الصحيح والحسن بل يجعل الجميع صحيحا تبعا لمشايخه كما قدمناه عن ابن خزيمة وابن حبان، فإنما يناقش في دعواه أن الحديث هؤلاء على شرط الشيخين أو أحدهما. وهذا القسم هو عمدة الكتاب.
(ج) القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات. وهذا قد أكثر منه الحاكم، فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها، لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم. وكثير منها يعلق القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها. كالحديث الذي أخرجه من طريق الليث عن إسحاق بن بزرج(3)
__________
(1) ل25/ ب فما بعدها.
(2) في (ب) "وعددها".
(3) إسحاق بن بزرج - بضم الموحدة والزاي وسكون الراء بعدها جيم معقودة - وقد تبدل كافا فارسي ومعناه الكبير. شيخ الليث له حديث في التجمل للعيد ضعفه الأزدي. قال الحافظ في لسان الميزان: "وذكره ابن أبي حاتم بروايته عن الحسن ورواية الليث عنه فلم يذكر فيه جرحا وقد ذكره ابن حبان في الثقات".
لسان الميزان 1/ 353، والميزان1/184، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/213.(18/7)
عن الحسن بن علي(1) في التزيين للعيد(2). قال في أثره:
"لولا جهالة إسحاق لحكمت بصحته" وكثير منها لا يتعرض للكلام عليه أصلا.
ومن هنا دخلت الآفة كثيرا فيما صححه، وقل أن تجد في هذا القسم حديثا يلتحق بدرجة الصحيح فضلا عن(3) أن يرتفع إلى درجة الشيخين - والله أعلم -.
ومن العجيب(4) ما وقع للحاكم أنه أخرج لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم(5). وقال بعد روايته:
__________
(1) الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط النبي صلى الله عليه وسلم وريحانته وقد صحبه وحفظ عنه مات شهيدا بالسم سنة 49/ع. تقريب 1/168، والكاشف 1/224.
(2) الحديث في المستدرك 4/230 من طريق الليث بن سعد عن إسحاق بن بزرج عن زيد بن الحسن بن أبيه رضي الله عنهما قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد..." الحديث. ويبدو أن ذكر زيد في الإسناد خطأ بدليل ما نقله الحافظ عن الأزدي وابن أبي حاتم أنه يروى عن الحسن ولم يذكر أحد منهم أنه يروى عن زيد.
(3) كلمة "عن" ليست في (ر،ب).
(4) من نسختي (ر) وفي (ي) و(ه) "أعجب".
(5) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي ضعيف من الثامنة مات سنة 182 ت ق، تقريب 1/480 وقال ابن حبان: "كان ممن يقلب الأخبار، وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك" كتاب المجروحين 1/ 57". وقال البخاري: "عبد الرحمن ضعفه علي جداً"، وعن يحيى بن معين: "ضعيف"، وضعفه النسائي وأحمد. ميزان الاعتدال 2/ 564.(18/8)
"هذا صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن"(1). مع أنه قال في كتابه الذي جمعه في الضعفاء:
"عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى/(ر26/ب) عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على(2) من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه".
وقال في آخر هذا الكتاب: "فهؤلاء الذين ذكرتهم قد ظهر عندي جرحهم؛ لأن الجرح/ / (ب55) (ه27/أ) لا أستحله تقليدا. انتهى.
فكان هذا من عجائب ما وقع له من التساهل والغفلة.
ومن هنا يتبين صحة (قول ابن الأخرم التي قدمناها)(3).
وأن قول المؤلف أنه يصفو له منه صحيح كثير غير جيد، بل هو قليل بالنسبة إلى أحاديث الكتابين؛ لأن(4) المكرر يقرب من ستة آلاف.
__________
(1) الحديث في المستدرك 2/ 615 بإسناد الحاكم إلى عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: "يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي" فقال الله: "يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟" قال: "يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمدا رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الأسماء إليك" فقال: "صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك". صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن قال الذهبي بل موضوع وعبد الرحمن واه. رواه عبد الله بن مسلم الفهري ولا أدري من ذا.
(2) كلمة "على" ليست في (ه) و(ب).
(3) ما بين قوسين هكذا في جميع النسخ هامش (ه) هكذا في الأم بالتأنيث ولعل الصواب "مقالة بن الأخرم..." الخ والحافظ يشير إلى كلمه ص298.
(4) كلمة "لأن" من (ر) وفي (ه) و(ب) "بغير" والصواب "لأنه بغير المكرر".(18/9)
والذي يسلم من المستدرك على شرطهما أو شرط أحدهما مع الاعتبار الذي حررناه دون الألف، فهو قليل بالنسبة إلى ما في الكتابين - والله أعلم -.
وقد بالغ ابن عبد البر فقال: ما معناه أن البخاري ومسلما إذا اجتمعا على ترك/ (ي46) إخراج أصل من الأصول فإنه لا يكون له طريق صحيحة وإن وجدت فهي معلولة.
وقال في موضع آخر: "وهذا الأصل لم يخرج البخاري ومسلم شيئا منه وحسبك(1) بذلك ضعفا".
هذا وإن كان لا يقبل منه فهو يعضد قول ابن الأخرم والله أعلم(2).
8- قوله (ع): "وكلام الحاكم مخالف لما فهموه"(3) (يعني ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي) من أنهم يعترضون على تصحيحه على شرط الشيخين أو أحدهما، بأن البخاري – مثلا - ما أخرج لفلان وكلام الحاكم ظاهر أنه لا يتقيد بذلك حتى يتعقب به عليه.
__________
(1) في (ب) "ومسند ذلك" وفي (ه) كلمة غير واضحة هنا.
(2) ما بين القوسين جاء في (ي) سابقا على الكلام الذي قبله والذي يبدأ من قوله "ومن هنا يتبين إلى قوله "فهو قليل بالنسبة إلى ما بين الكتابين" وفي (ر/ب) مشى على سياق (ي) ولكنه تنبيه فضرب على الكلام المتأخر وكتب في الهامش السياق الصحيح الذي في باقي النسخ.
(3) التقييد والإيضاح ص30.(18/10)
قلت: لكن تصرف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين(1) اللذين ذكرهما شيخنا - رحمه الله تعالى- فإنه إذا كان عنده الحديث قد(2) أخرجا أو أحدهما لرواته قال: "صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد حسب(3)/(ر27/أ).
ويوضح ذلك قوله – في باب التوبة – لما أورد حديث أبي عثمان(4)عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". قال: هذا حديث صحيح الإسناد "وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي ولو كان هو النهدي لحكمت(5) بالحديث على شرط الشيخين"(6).
فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما وهو عين ما ادعى ابن دقيق العيد و غيره.
__________
(1) قال العراقي في رده على ابن الصلاح: "الأمر الثاني أن قوله مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما فيه بيان أن ما هو على شرطهما هو ما أخرجا عن رواته في كتابيهما. ولم يرد الحاكم ذلك، فقد قال في خطبة كتابه المستدرك: وأنا أستعين بالله تعالى في إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما. فقول الحاكم بمثلها أي بمثل رواتها لا بهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث وفيه نظر" التقييد والإيضاح ص30 فالاحتمالان اللذان أشار إليهما الحافظ هما: الأول قوله: أي بمثل رواتها لا بهم أنفسهم. والثاني: قوله ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث. وتصرف الحاكم يقوي الثاني كما بينه الحافظ".
(2) كلمة "قد" من (ي).
(3) كذا في جميع النسخ.
(4) أبو عثمان مولى المغيرة بن شعبة قيل اسمه سعيد، وقيل عمران، مقبول من الثالثة/ خت د ت س. تقريب 2/450.
(5) في كل النسخ "لحكم" والتصحيح من المستدرك إذ الكلام للحاكم نفسه.
(6) المستدرك 4/249 الحديث وما بعده من الكلام.(18/11)
وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض. - والله أعلم -.
[فوائد المستخرجات:]
28- قوله/ (ي47) (ص): "ثم إن التخاريج على الكتابين يستفاد منها فائدتان" فذكرهما(1) قال شيخنا في التعقب عليه: "لو قال: إن هاتين الفائدتين من فوائد المستخرجات لكان أولى"(2).
ثم زاد عليه فائدة ثالثة هي تكثر طرق الحديث ليرجح بها عند المعارضة(3). وهذه الفائدة قد ذكرها المصنف في مقدمة شرح مسلم له(4).
وتلقاها عنه الشيخ محي الدين النووي، فاستدركها عليه في مختصره في علوم الحديث(5).
وللمستخرجات فوائد أخرى لم يتعرض أحد منهم لذكرها:
أحدها(6): الحكم بعدالة من أخرج له فيه، لأن المخرج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده.
فالرجال الذين في المستخرج ينقسمون أقساما منهم:
أ- من ثبتت عدالته قبل هذا المخرج, فلا كلام فيهم
ب- ومنهم من طعن فيه غير هذا المخرج فينظر في ذلك الطعن إن كان مقبولا قادحا فيقدم (وإلا فلا)(7).
ج- ومنهم من لا يعرف لأحد قبل هذا المخرج فيه توثيق ولا تخرج فتخريج من يشترط/(ر27/ب) الصحة لهم ينقلهم من درجة من هو مستور إلى درجة من هو موثوق. فيستفاد من ذلك صحة أحاديثهم التي/ (ه28/أ) يروونها بهذا الإسناد ولو لم يكن في ذلك المستخرج والله أعلم.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص19-20.
(2) التقييد والإيضاح ص32.
(3) 5.
(4) لم يذكرها النووي في التقريب، ولعلها في الإرشاد.
(5) في (ر) (أحدهم).
(6) كذا في جميع النسخ والصواب (إحداها).
(7) لم تذكر التكملة في جميع النسخ وهي من توضيح الأفكار 1/72.(18/12)
الثانية: ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع وهي في الصحيح بالعنعنة, فقد قدمنا أنا نعلم في الجملة أن الشيخين اطلعا على أنه مما سمعه المدلس من شيخه, لكن ليس اليقين كالاحتمال، فوجود ذلك في المستخرج بالتصريح ينفي أحد الاحتمالات.
الثالثة: ما يقع فيها(1) من حديث المختلطين عمن سمع منهم قبل الاختلاط (وهو في الصحيح في حديث من سمع منهم قبل ذلك)(2) والحال فيها كالحال في التي قبلها سواء بسواء(3).
الرابعة: ما يقع فيها من التصريح بالأسماء المبهمة والمهملة في الصحيح في الإسناد أو في المتن.
الخامسة: ما يقع فيها من التميز للمتن المحال به على المتن المحال عليه(4) وذلك في "كتاب مسلم/ (ي48) كثير جدا, فإنه يخرج الحديث على لفظ بعض الرواة ويحيل بباقي ألفاظ الرواة على ذلك اللفظ الذي يورده، فتارة يقول: مثله فيحمل على أنه نظير سواء.
وتارة يقول: نحوه أو معناه, [فتوجد](5) بينهما مخالفة بالزيادة والنقص وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى.
السادسة: ما يقع فيها من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس في الحديث ويكون في الصحيح غير مفصل.
__________
(1) في النسخ كلها (منها) والتصحيح من توضيح الأفكار.
(2) ما بين القوسين هكذا في النسخ كلها وفي توضيح الأفكار "وهو في الصحيح من حديث من اختلط ولم يبين هل سمع ذلك منه في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده" توضيح 1/73 وهو الصواب فتأمل.
(3) من (ر) وفي (ه) و(ب) (سواء سواء).
(4) في (ر/أ) (المحال به عليه).
(5) الزيادة من (ي).(18/13)
السابعة: ما يقع فيها من الأحاديث المصرح برفعها وتكون في أصل الصحيح موقوفة أو كصورة الموقوف، كحديث ابن عون(1) عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: "اللهم بارك لنا في يمننا/ (ر28/أ)... الحديث أخرجه البخاري(2) في أواخر الاستسقاء هكذا موقوفا، ورواه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من هذا الوجه مرفوعا بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه, في أمثلة كثيرة لذلك.
وكملت/(ه28/ب) فوائد المستخرجات بهذه الفوائد السبعة(3) التي ذكرناها عشر فوائد - والله الموفق -.
29- قوله (ص) - لما ذكر التعليق الممرض -: "و ليس(4) في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن(5) ذكره عنه... ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه"(6).
وقال - في ذكر التعليق الجازم -: "ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل(7) يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه"(8)... انتهى.
__________
(1) عبد الله بن عون بن أرطبان - بفتح فسكون - أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن من السادسة مات سنة 150/ ع. تقريب 1/439 والكاشف 2/116.
(2) 15 كتاب الاستسقاء 28 باب ما قيل في الزلازل والآيات حديث 1037، 92 - كتاب الفتن 16- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفتنة من قبل المشرق" حديث 7094 ولكنه في الفتن جاء مرفوعا، وحيث جاء في البخاري مرفوعا فكان التمثيل بغيره هو المتعين.
ملاحظة: نقل الصنعاني هذه الفوائد السبع في توضيح الأفكار 1/72- 73.
(3) كذا في جميع النسخ والصواب (السبع).
(4) الواو موجودة في كل النسخ وليست في مقدمة ابن الصلاح.
(5) في (ب) (على من ذكره).
(6) مقدمة ابن الصلاح ص21.
(7) في (ر) و(ب) "قليلا" وهو خطأ.
(8) مقدمة ابن الصلاح ص22.(18/14)
أقول: بل الذي يتقاعد عن شرط البخاري كثير ليس بالقليل إلا أن يريد بالقلة قلة نسبية إلى باقي ما في الكتاب فيتجه، بل جزم أبو الحسن ابن القطان بأن التعاليق التي لم يوصل البخاري إسنادها ليست على شرطه، وإن كان ذلك لا يقبل من ابن القطان على ما سنوضحه.
وأما قول ابن الصلاح - في التعليق الممرض -: "ليس في شيء منه حكم بالصحة على من علقه عنه" فغير مسلم لأن جميعه صحيح عنده، وإنما/(ي49) يعدل عن الجزم لعلة تزحزحه عن شرطه.
وهذا بشرط أن يسوقه مساق الاحتجاج به، فأما ما أورده من ذلك على سبيل التعليل له والرد أو صرح بضعفه، فلا.
وقد بينت ذلك على وجوهه وأقسامه في كتابي تغليق التعليق(1).
وأشير هنا إلى طرف من ذلك يكون أنموذجا لما وراءه فأقول:
[تقسيم التعليق في البخاري:]
الأحاديث المرفوعة التي لم يوصل البخاري إسنادها في صحيحه.
أ- منها: ما يوجد في موضع آخر من كتابه/(ر28/ب).
ب- ومنها: ما لا يوجد إلا معلقا.
فأما الأول: فالسبب في تعليقه أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئا إلا لفائدة، فإذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها، أو قطعة في الأبواب إذا كانت الجملة/(ب59) يمكن انفصالها من الجملة الأخرى. ومع ذلك فلا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما شيوخه أو شيوخ شيوخه ونحو ذلك.
فإذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد، واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها، فإنه والحالة والحالة هذه أما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد.
وهذا أحد الأسباب في تعليقه الحديث الذي وصله في موضع آخر(2).
وأما الثاني: وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا، فهو على صورتين:
إما بصيغة الجزم وإما بصيغة التمريض.
__________
(1) انظر تغليق التعلق 3/أ، فقد أشار إلى بعض ما نقله الحافظ هنا.
(2) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/142 من قول الحافظ أقول إلى هنا.(18/15)
فأما الأول: فهو صحيح إلى من علقه عنه، وبقي النظر فيما(1) أبرز من رجاله، فبعضه(2) يلتحق بشرطه.
والسبب في تعليقه له إما كونه(3) لم(4) يحصل له مسموعا، وإنما أخذه على طريق المذاكرة أو الإجازة، أو كان قد خرج ما يقوم مقامه، فاستغنى بذلك عن إيراد هذا المعلق مستوفي السياق أو لمعنى غير ذلك، [وبعضه](5)يتقاعد عن شرطه، وإن صححه غيره أو حسنه، وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة.
وأما الثاني: وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في موضع آخر فلا/(ي50) يوجد فيه ما يلتحق بشرطه إلا مواضع يسيرة، قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى كما نبه عليه شيخنا رضي الله عنه.
نعم، فيه ما هو صحيح وإن تقاعد عن شرطه إما لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده/(ر29/أ)، ومنه(6): ما هم حسن، ومنها: ما هو ضعيف وهو على قسمين:
أحدهما: ما ينجبر بأمر آخر. وثانيهما: ما لا يرتقي عن رتبة الضعيف/(ه29/ب) وحيث يكون بهذه المثابة، فإنه يبين ضعفه ويصرح به حيث يورده في كتابه(7).
ولنذكر أمثلة لما ذكرناه:
فمثال التعليق الجازم الذي يبلغ شرطه ولم يذكره في موضع آخر:
__________
(1) في (ب) "عما" وهو خطأ.
(2) كلمة "فبعضه" سقطت من (ر/أ).
(3) في (ر/أ) أما كونه.
(4) كلمة "لم" سقطت من (ب).
(5) الزيادة من (ي).
(6) كذا في جميع النسخ بالإفراد والتذكير وفي توضيح الأفكار 1/142.
(7) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/142-143 من قول الحافظ: والثاني إلى هنا.(18/16)
أ- قوله في كتاب الصلاة(1): وقال إبراهيم بن طهمان(2) عن حسين المعلم(3) عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "كان رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - -يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر مسير ويجمع بين المغرب والعشاء".
وهو حديث صحيح(4) على شرط البخاري، فقد رويناه من طريق أحمد بن حفص(5) النيسابوري عن أبيه(6) عن إبراهيم بن طهمان هكذا(7). وأحمد وأبوه ومن فوقهما(8) قد أخرج لهم البخاري في صحيحه محتجا بهم.
__________
(1) 18 كتاب تقصير الصلاة 13 باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء حديث 1107.
(2) إبراهيم بن طهمان الخرساني أبو سعيد ثقة يغرب، تكلم فيه بالإرجاء ويقال: رجع عنه، من السابعة، مات سنة 168/ع. تقريب 1/36، والخلاصة ص18.
(3) الحسين بن ذكوان المعلم المكتب - بتخفيف التاء وقبلها كاف ساكنة - العوذي - بفتح المهملة وسكون الواو بعدهما معجمة - البصري ثقة، ربما وهم من السادسة مات سنة 145/ع. تقريب 1/135، والكاشف 1/23.
(4) في الحكم بصحته نظر لأن في إسناده أحمد بن حفص عن أبيه وكلاهما صدوق كما قال الحافظ في التقريب ومن كان كذلك فحقه أن يقال في حديثه حسن في نظر الحافظ وغيره.
(5) أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري عن أبيه وعدة، وعنه خ د س وابنا الشرقي وأبو عوانة وخلق، توفي سنة 258. الكاشف 1/55. والتقريب 1/13 وقال فيه صدوق.
(6) هو حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري قاضيها صدوق من التاسعة مات سنة 209/خ د س ق. تقريب 1/186. والخلاصة ص87.
(7) انظر السنن الكبرى للبيهقي 3/164 فقد أخرجه بهذا الإسناد.
(8) في جميع النسخ "فوقهم" وهو خطأ ظاهر.(18/17)
ب- وقوله في الوكالة وغيرها: "وقال عثمان بن الهيثم(1) ثنا عوف(2) ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "وكلني رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - -بزكاة رمضان... الحديث بطوله(3) وقد أورده في مواضع مطولا ومختصرا"(4).
وعثمان من مشايخه الذين سمع منهم الكثير ولم يصرح بسماعه منه(5) لهذا الحديث فالله أعلم هل سمعه أم(6) لا.
ومن الأحاديث التي علقها بحذف جميع الإسناد وهي على شرطه ولم يخرجها في موضع آخر:
ج- قوله/(ي51) في الصيام(7): "وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء".
__________
(1) عثمان بن الهيثم بن جهم بن عيسى العبدي أبو عمر البصري المؤذن ثقة تغير فصار يتلقن، من كبار العاشرة مات سنة 220. تقريب 2/15، الكاشف 2/257.
(2) عوف بن أبي جميلة - بفتح الجيم - الأعرابي العبدي البصري ثقة رمي بالقدر والتشيع من السادسة مات سنة 147. تقريب 2/89 والكاشف 2/356.
(3) خ 40 كتاب الوكالة 9 باب إذا وكل رجل فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل حديث 2311.
(4) خ 59 كتاب بدأ الخلق 11 باب صفة إبليس وجنوده حديث 3275، 66 كتاب فضائل القرآن 10 باب فضل سورة البقرة حديث 5010 أورده البخاري معلقا في كل هذه المواضع. قال الحافظ في الفتح: وقد وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق إلى عثمان المذكور وذكرته في تغليق التعليق من طريق عبد العزيز بن منيب وعبد العزيز بن سلام وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وهلال بن بشر الصواف ومحمد بن غالب الذي يقال له تمتام. فتح 4/488. وقد بحثت عن الحديث في المجتبى للنسائي فلم أجده وهو في جامع الأصول 8/475 وعزاه للبخاري فقط.
(5) كلمة "منه" ليست في (ب).
(6) هكذا في (ه) وروي، وفي (ب) غير واضح والأولى "أو".
(7) في جميع النسخ "الصلاة" والصواب "الصيام" لأن الحديث فيه أي 30 كتاب الصيام 27 باب السواك الرطب واليابس للصائم في صدر الباب بدون رقم. فتح 4/158.(18/18)
وأخرجه(1) النسائي قال: ثنا محمد بن يحيى(2) ثنا بشر بن عمر(3) ثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن(4)/(ر29/ب) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بهذا(5).
وأصل(6) هذا الحديث عند البخاري بلفظ آخر من/(ه30/أ) حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم/(ب/61) بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة"(7).
__________
(1) في (ر) "وأخرج".
(2) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري ثقة حافظ جليل من الحادية عشرة، مات سنة 158 على الصحيح/خ 4. تقريب 2/217، والكاشف 3/107.
(3) بشر بن عمر الزهراني البصري، عن عكرمة بن عمار وشعبة، وعنه الذهلي وأبو قلابة توفي سنة 206. الكاشف 1/156، والتقريب 1/100 وقال: ثقة من التاسعة/ع.
(4) حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، ثقة من الثانية، مات سنة 105 على الصحيح وقيل إن روايته عن عمر مرسلة/ع. تقريب 1/203، والخلاصة ص94 وقال مات سنة 95.
(5) لم أجد في سنن النسائي (المجتبى) وهو في الكبرى. انظر تحفة الأشراف 9/334 ثم هو في الموطأ 2 كتاب الطهارة 32 باب ما جاء في السواك حديث 115.
(6) من (ي) وهو الصواب وفي باق النسخ "وأما" وهو خطأ.
(7) 11 كتاب الجمعة 8 باب السواك يوم الجمعة حديث 887، 94 كتاب التمني 9 باب ما يجوز من اللو حديث 7240، (ن) 1/116، 214، (م) 2 كتاب الطهارة 15 باب السواك حديث 42، (د) 1 كتاب الطهارة 25 باب السواك حديث 46، (ط) 1 كتاب الطهارة 32 باب ما جاء في السواك حديث 114.(18/19)
د- ومثال التعليق الجازم الذي لا يبلغ شرطه وإن كان صحيحا قوله - في الطهارة - وقال بهز (بن حكيم)(1) عن أبيه عن جده (عن النبي صلى الله عليه وسلم)(2) "الله أحق أن يستحيى منه من الناس"(3).
وهو حديث مشهور أخرجه أصحاب السنن الأربعة(4) من حديث بهز، وبهز(5) وأبوه(6) وثقهما جماعة. وصحح حديث بهز غير واحد من الأئمة. نعم وتكلم في بهز غير واحد، لكنه لم يتهم ولم يترك.
__________
(1) قوله "ابن حكيم" هو كذا في جميع النسخ والذي في البخاري: "قال بهز" (فقط).
(2) قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في النسخ كلها، والسياق يقتضي ذكره وإن لم يذكر النبي كان موقوفا ولعله سقط على النساخ أو على الحافظ سهوا.
(3) 5 كتاب الغسل 20 باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ذكره بعد الترجمة مباشرة بدون رقم.
(4) 25 كتاب الحمام 3 باب ما جاء في التعري حديث 4017، (ت) 44 كتاب الأدب باب ما جاء في حفظ العورة حديث 2769 وقال عقبه قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، (جه) 9 كتاب النكاح 28 باب التستر عند الجماع حديث 1920.
(5) بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، أبو عبد الملك صدوق من السادسة مات قبل ستين ومائة/خت 4. تقريب 1/109. وقال الذهبي: "وقال ابن حبان: "كان يخطئ كثيرا". وقال أبو حاتم: "لا يحتج به". فأما أحمد وإسحاق فاحتجوا به". ميزان الاعتدال 1/353.
(6) حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه وعنه ابنه بهز والجريري، قال النسائي: "ليس به بأس". الكاشف 1/249، والتقريب 1/194 وقال من الثالثة/خت 4. وبعد معرفة بهز وأبيه تبين أن في حكم الحافظ بصحة حديثهما تساهل.
أما جده فهو معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة ومات بخرسان وهو جد بهز بن حكيم/ خت 4. تقريب 2/259، والكاشف 3/156.(18/20)
وقد علق البخاري حديثا من نسخة بهز بن حكيم فلم يذكر إلا الصحابي وهو معاوية بن حيدة جد بهز، فأتى بصيغة التمريض(1) وقوله في الطهارة(2) أيضا وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه". وقد اخرج مسلم(3) هذا الحديث من طريق خالد بن سلمة(4) عن عبد الله البهي(5) عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها واستغربه الترمذي(6).
وخالد تكلم فيه بعض الأئمة وليس هو من شرط البخاري وقد تفرد بهذا الحديث والله أعلم.
__________
(1) 67 كتاب النكاح 92 باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن قال: ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه غير أن لا تهجر إلى في البيت والأول أصح، (حم) 5/5، (د) 6 كتاب النكاح 42 باب ما جاء في حق المرأة على زوجها حديث 2142.
(2) 7 باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، في صدر الباب. 10 كتاب الأذان 19 باب يتبع المؤذن فاه ها هنا وها هنا في صدر الباب.
(3) 3 كتاب الحيض 30 باب ذكر الله في حال الجنابة وغيرها حديث 117، (د) 1 كتاب الطهارة 9 باب في الرجل يذكر الله من غير طهر حديث 18، (جه) 1 كتاب الطهارة 11 باب ذكر الله عز وجل على الخلاء، (حم) 6/70، 153 كلهم من طريق خالد بن سلمة به.
(4) خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي، الكوفي أصله مدني صدوق رمي بالإرجاء والنصب من الخامسة مات 132/ بخ م 4. تقريب 1/214 وقال الذهبي ثقة الكاشف 1/270.
(5) عبد الله البهي - بفتح الموحدة وكسر الهاء وتشديد التحتانية - مولى مصعب بن الزبير يقال اسم أبيه يسار صدوق يخطئ من الثالثة/ بخ م 4. تقريب 1/463، والكاشف 2/146.
(6) أخرجه في 49 كتاب الدعاء 9 باب أن دعوة المسلم مستجابة حديث 3384 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة به وعقبه بقوله: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة".(18/21)
ه- ومثال التعليق الجازم الذي يضعف بسبب الانقطاع:
قوله في كتاب الزكاة(1) وقال طاووس(2): قال معاذ (يعني ابن جبل رضي الله عنه) لأهل/(ي52) اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خميص(3) أو لبيس(4) في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
والإسناد صحيح إلى طاووس، قد رويناه في كتاب الخراج ليحيى بن آدم(5) عن/(ر30/أ) سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة(6) عن طاووس، لكنه منقطع؛ لأن طاووسا لم يسمع من معاذ(7) رضي/(ه30/ب) الله عنه - والله سبحانه وتعالى أعلم -.
فائدة:
__________
(1) 24 كتاب الزكاة 33 باب العرض في الزكاة، في صدر الباب.
(2) طاووس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسين، يقال اسمه ذكوان وطاووس لقب، ثقة فقيه، فاضل من الثالثة مات سنة 106/ع.
تقريب 1/377، والكاشف 2/41.
(3) قال في النهاية 2/ 79: "الخميس الثوب الذي طوله خمسة أذرع، وقال الجوهري الخميس ضرب من برود اليمن، وجاء في البخاري خميص بالصاد، قيل إن صحت الرواية فيكون مذكر الخميصة وهي كساء صغير فاستعارها للثوب". وانظر الفتح 3/312.
(4) أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول فتح 3/ 312.
(5) ص 176، ويحيى بن آدم هو الإمام أبو زكريا الأموي مولى آل معيط من ثقات أهل الحديث فقيه واسع العلم، من أهل الكوفة له مصنفات منها: كتاب الخراج والفرائض مات سنة 203. الأعلام 9/160، وتهذيب التهذيب 11/175.
(6) إبراهيم بن ميسرة الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ من الخامسة مات سنة 132/ع. تقريب 1/44.
(7) هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن، من أعيان الصحابة شهد بدرا وما بعدها، وكان إليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن مات سنة 18/ع. تقريب 2/255، وتذكرة الحفاظ 1/19.(18/22)
سمى الدمياطي(1) ما يعلقه البخاري عن شيوخه حوالة، فقال في كلامه في حديث أبي أيوب(2) في الذكر(3): "أخرجه البخاري حوالة فقال: "قال موسى بن إسماعيل(4): ثنا وهيب(5) عن داود(6) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى(7)
__________
(1) تقدمت ترجمته ص273.
(2) هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من كبار الصحابة شهد بدرا ونزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عليه. مات غازيا بالروم سنة 50 وقيل بعدها/ع. تقريب 1/213، والكاشف 1/268، والإصابة 1/404.
(3) 80 كتاب الدعوات 64 باب فضل التهليل حديث 6403 ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه" وأصل المتن حديث أبي هريرة ثم أحال بحديث أبي أيوب عليه. وانظر تحفة الأشراف 1/94 حديث 3471 فقول الحافظ إن الدمياطي سمى ما يعلقه البخاري عن شيوخه حوالة فيه نظر لأنه إنما سماه حوالة لأن البخاري ذكره أولا من حديث أبي هريرة ثم أعقبه بأسانيد مرجعها أبو أيوب ولم يذكر المتن استنادا على ذكره سابقا عن أبي هريرة فهو حوالة حقيقية وعلى هذا الأساس سماه الدمياطي حوالة لا لأنه جاء معلقا.
(4) موسى بن إسماعيل المنقري - بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف - أبو سلمة التبوذكي ثقة ثبت من صغار التاسعة مات سنة 223/ع. تقريب 2: 280، والكاشف 3: 180.
(5) وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت، لكنه تغير قليلا بآخره، من السابعة مات سنة 165 وقيل بعدها/ع. تقريب 2: 339، والكاشف 3: 246.
(6) داود بن أبي هند القشيري مولاهم أبو بكر أو أبو محمد البصري ثقة متقن، كان يهم بآخره من الخامسة مات سنة 140 وقيل قبلها./ خت م 4. تقريب 1: 235، والكاشف 1: 292.
(7) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من الثانية اختلف في سماعه من عمر مات في وقعة الجماجم سنة 86/ع. تقريب 1: 409، والكاشف 2: 183.(18/23)
عن أبي أيوب".
و- ومثال التعليق الممرض الذي يصح إسناده ولا يبلغ شرط البخاري لكونه لم يخرج لبعض رجاله.
قوله في الصلاة(1): "ويذكر ع عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: "قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون عليهما السلام أو ذكر عيسى عليه السلام أخذته سعلة فركع".
وهو حديث صحيح رواه مسلم(2) من طريق محمد بن عباد بن جعفر(3) عن أبي سلمة بن سفيان(4) وعبد الله بن عمرو القاري(5) وعبد الله بن المسيب(6) - ثلاثتهم عن عبد الله بن السائب(7)
__________
(1) خ 10- كتاب الأذان 106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة في صدر الباب.
(2) 4- كتاب الصلاة 35 - باب القراءة في الصبح حديث 163، د - كتاب الصلاة حديث 649 ن 2: 137- باب قراءة بعض سورة، جه 5- كتاب الإقامة 5 - باب القراءة في صلاة الفجر حديث 820، حم 3: 411، وتحفة الأشراف 4: 346.
(3) محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي المكي ثقة من الثالثة. /ع. تقريب 2: 174، وتهذيب التهذيب 9: 343، والكاشف 3: 57.
(4) هو عبد الله بن سفيان المخزومي أبو سلمة مشهور بكنيته، ثقة من الرابعة/ م د س ق. تقريب 1: 420، والكاشف 2: 92 وقال عن عبد الله بن السائب.
(5) عبد الله بن عمرو بن عبد القاري - بالراء المشددة - مقبول من الرابعة/ م د تقريب 1: 436، والكاشف 2: 114 وقال: المخزومي العابدي عن عبد الله بن السائب وعنه محمد بن عباد بن جعفر.
(6) عبد الله بن المسيب بن أبي السائب بن صيفي بن عابد - بموحدة - ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم صدوق من كبار الثالثة مات سنة بضع وستين/ م د. تقريب 1: 451، والكاشف 2: 131 وقال: وعنه ابن أبي مليكة ومحمد بن عباد بن جعفر وثق.
(7) عبد الله بن المسيب بن أبي السائب بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المكي له ولأبيه صحبة وكان قارئ أهل مكة وهو قائد ابن عباس مات سنة بضع وستين/ بخ م 4. تقريب 1: 419، والكاشف 2: 89.(18/24)
- رضي الله تعالى عنه - به.
ولم يخرج البخاري بهذا الإسناد شيئا سوى ما لم(1) يبلغ شرطه، لكونه معللا(2).
__________
(1) في "ي" ما لا.
(2) ما أشار إليه الحافظ هنا من كونه معللا قد بينه في الفتح 2/256 حيث قال: "واختلف في إسناده على ابن جريج، فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجه.
وقال أبو عاصم (يعني النبيل) عنه (يعني ابن جريج) عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة. وكأن البخاري علقة بصيغة (ويذكر) لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم به الحجة.
أقول: الظاهر أن البخاري ما علق هذا الحديث إلا لأنه ليس على شرطه لكونه لم يخرج لبعض رجاله كأبي سلمة بن سفيان لا من أجل الاختلاف على ابن جريج لأن الاختلاف ليس محصورا بين ابن عيينة وأبي عاصم كما صورة الحافظ. إذ قد وافق أبا عاصم ثلاثة من الأئمة الحفاظ وهم:
1- خالد بن الحارث ثقة ثبت في (س).
2- وحجاج بن محمد المصيصي (الأعور) ثقة ثبت في (حم).
3- وعبد الرزاق في مصنفه 2/112.
فهؤلاء أربعة من الأئمة الحفاظ خالفوا ابن عيينة وإن كان إماما حافظا لكن مخالفته لكثرة من الحفاظ تجعل روايته شاذة كما هو معلوم من علوم الحديث من أن الشاذ هو أن يخالف الثقة من هو أوثق أو أكثر منه، وإذن - والله أعلم - أنه ليس سبب تعليق البخاري لهذا الحديث هو الاختلاف على ابن جريج وإنما هو قصور بعض رجال الإسناد عن شرطه إذ لو كان الإسناد كله على شرطه لما صده هذا الاختلاف عن إخراجه من الجانب الراجح عن أبي عاصم أو حجاج أو غيرهما لأنه قد خرج أحاديث في صحيحه مع وجود الاختلاف في أسانيدها وقد يكون الاختلاف فيها شديدا كحديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة..." الحديث 156 مع الاختلاف الشديد فيه أخرجه من الطريق الراجحة في نظره، وله نظائر.(18/25)
وقوله - في الصيام - "ويذكر عن أبي خالد(1) (يعني الأحمر) عن الأعمش عن الحكم(2) ومسلم البطين(3) وسلمة بن كهيل(4) عن سعيد بن جبير(5) وعطاء(6) ومجاهد(7) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أختي ماتت..."(8) الحديث.
__________
(1) هو سليمان بن حيان الأزدي أبو خالد الأحمر الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة. مات سنة 190/ع. تقريب 1/323، والكاشف 1/392.
(2) الحكم بن عتيبة - بالمثناة ثم بالموحدة مصغرا - أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة مات سنة 113 أو بعدها/ع. تقريب 1/192، وتهذيب التهذيب 2/ 433.
(3) مسلم بن عمران البطين - بفتح الباء - ويقال ابن أبي عمران أبو عبد الله الكوفي ثقة من السادسة /ع. تقريب 1/246، الكاشف 3/141.
(4) سلمة بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي ثقة من الرابعة /ع. تقريب 1/318، والكاشف 1/386.
(5) سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه من الثالثة قتل بين يدي الحجاج سنة 95/ع. تقريب 1/292، الكاشف 1/357.
(6) عطاء بن أبي رباح - بفتح الراء الموحدة - القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال من الثالثة قيل إنه تغير بآخره ولم يكن ذلك منه مات سنة 114/ع. تقريب 2/22، الكاشف 2/265.
(7) مجاهد بن جبر أبو الحجاج مولى السائب بن أبي السائب المخزومي ثقة إمام في التفسير والعلم من الثالثة مات سنة 104/ع. تقريب 2/229، والكاشف 3/120.
(8) 30 كتاب الصوم 42 باب من مات وعليه صوم حديث 1953 وتكملته إنما هي حوالة على حديث ابن عباس نفسه: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم. فدين الله أحق أن يقضى".(18/26)
وهذا الإسناد صحيح(1).
إلا أنه معلل بالاضطراب لكثرة الاختلاف في إسناده(2)
__________
(1) ماذا يريد الحافظ بقوله: "هذا الإسناد صحيح" إن كان يريد من الطرق الأخرى إلى الأعمش كزائدة أو أبي معاوية فمسلم، وإن كان يريد من هذا الوجه أبي خالد الأحمر عن الأعمش فليس بمسلّم لأن أبا خالد صدوق يخطئ ففي تحسين الحافظ إسناده نظر فضلا عن تصحيحه.
(2) هذا الاختلاف ليس خاصا بالإسناد بل هو في الإسناد والمتن وقد حكاه البخاري في صحيحه 30 كتاب الصوم 42 باب من مات وعليه صوم حديث 1953 حيث قال:
أ- حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم فدين الله أحق أن يقضى".
ب- قال سليمان فقال الحكم وسلمة - ونحن جميعا جلوس حين حدث مسلم بهذا الحديث - قالا: سمعنا مجاهد يذكر هذا عن ابن عباس.
ج- ويذكر عن أبي خالد حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أختي ماتت"
د- وقال يحيى وأبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت".
ه- وقال عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن أبن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر".
و- وقال أبو حريز: حدثنا عكرمة عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: ماتت أمي وعليها صوم خمسة عشر يوما".(18/27)
ولتفرد أبي خالد بهذه السياقة/(ي3) وقد خالفه فيها من هو أحفظ وأتقن(1) فصار حديثه شاذا/(ر30) للمخالفة.
وقد أخرجه مع ذلك ابن خزيمة/(ب63) في صحيحه(2) وأصحاب السنن(3) وأخرجه مسلم(4) في المتابعات ولم يسق لفظه.
__________
(1) وهم: يحيى بن سعيد وأبو معاوية وزائدة وشعبة وعبد الله بن نمير وعبثر بن القاسم وعبيدة بن حميد وآخرون كلهم اتفقوا على أن شيخ مسلم البطين فيه سعيد بن جبير خلافا لأبي خالد الأحمر في أن شيوخ مسلم البطين هم سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد. فتح الباري 4/195، ومقدمة الفتح ص359.
(2) 3/272 حديث 2055 من طريق أبي خالد وقال ابن خزيمة عقبه قال أبو بكر: "لم يقل أحد عن الحكم وسلمة بن كهيل إلا هو" (يعني أبا خالد الأحمر).
(3) 6 كتاب الصيام 22 باب ما جاء في الصوم عن الميت حديث 716، (جه) 7 كتاب الصيام 51 باب من مات وعليه صيام من نذر حديث 1758، وتحفة الأشراف 4/415 حديث 5513 ورمز له بـ (خ م ت س ق د) 16 كتاب الأيمان والنذور 26 باب ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه من طريق يحيى وأبي معاوية عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير مرفوع، (ن) 7/19 من طريق شعبة عن الأعمش به.
ملاحظة: قد يفهم من قول الحافظ: "وأصحاب السنن" أن أصحاب السنن الأربعة قد أخرجوه جميعا من طريق أبي خالد الأحمر وليس الأمر كذلك إذ لم يخرجه من طريقه إلا الترمذي وابن ماجه. أما أبو داود والنسائي فقد أخرجاه من غير طريقه كما ترى.
(4) 13 كتاب الصيام 27 باب قضاء الصيام عن الميت.(18/28)
ز- ومثال التعليق الممرض الذي يكون إسناده حسنا قوله في الزكاة: "ويذكر عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق"(1).
وهذا الحديث وصله هكذا(2) سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه في حديث طويل في الزكاة.
وقد قدمنا(3) أن رواية سفيان بن حسين عن الزهري ليست على شرط الصحيح؛ لأنه ضعيف فيه وإن كان كل منهما ثقة.
لكن له شاهد من حديث أبي بكر الصديق(4) رضي الله تعالى عنه وغيره(5) فاعتضد به حديث سفيان بن حسين وصار حسنا.
__________
(1) 24 كتاب الزكاة 34 باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع، (د) زكاة باب زكاة السائمة حديث 1568، (ت) 5 كتاب الزكاة 13 باب صدقة الغنم حديث 1805 من طريق سليمان بن كثير ثنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني سالم كتابا كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفاه الله..."، حم 2/15 من حديث سفيان بن حسين وكذلك د، ت 9 والحاكم في المستدرك 1/392.
(2) كلمة "هكذا" موجودة في كل النسخ وقول الحافظ وصله سفيان بن حسين يريد أنه وصله في خارج الصحيح كسنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد كما تراه أمامك.
(3) ص314.
(4) حم 1/12، ن 5/19. بل له متابعة من حديث يونس عن الزهري في د 3 كتاب الزكاة حديث 157 وفي المستدرك 1/393 وهو وجادة للزهري قال هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة.
(5) كحديث ابن عمر في جه 8- كتاب الزكاة 13- باب صدقة الغنم حديث 1807 وحديث سويد بن غفلة د 3- كتاب الزكاة - حديث 1579، 1580، جه 8- كتاب الزكاة - حديث 1801.(18/29)
وقوله في كتاب البيوع: "ويذكر عن عثمان رضي الله عنه أن النبي - - صلى الله عليه وسلم - - قال له: "إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل" وهذا الحديث(1) رواه أحمد(2) والبزار وابن ماجه(3) من طريق ابن لهيعة(4) عن موسى بن وردان(5) عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان(6) رضي الله عنه وابن لهيعة ضعيف، لكنه اعتضد برواية يحيى بن أيوب المصري(7) وهو من رجال البخاري عن عبيد الله(8) بن المغيرة(9)
__________
(1) الحديث في خ 34- كتاب البيوع 5- "باب الكيل على البائع والمعطي في أول الباب". قال الحافظ في الفتح 4/344: "وصله الدارقطني من طريق عبد الله بن المغيرة المصري عن منقذ مولى سراقة عن عثمان بهذا وعثمان مجهول الحال".
(2) 1/62، 75.
(3) 12- كتاب التجارات 38- باب بيع المجازفة حديث 2230 بلفظ "إذا سميت الكيل فكله".
(4) عبد الله بن لهيعة - بفتح اللام وكسر الهاء - ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما. وله في مسلم بعض شيء مقرون. مات سنة 174/ م د ت ق. تقريب 1/444، والكاشف 2/122.
(5) موسى بن وردان العامري مولاهم أبو عمر المصري مدني الأصل صدوق ربما أخطأ من الثالثة. مات سنة 117./ بخ د ت س ق. تقريب 2/289، والكاشف 2/190.
(6) هو الخليفة الراشد عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أمير المؤمنين ذو النورين أحد السابقين الأولين والخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة استشهد في ذي الحجة سنة 35 وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة/ ع. تقريب 2/12، والإصابة 2/455.
(7) يحيى بن أيوب الغافقي - بمعجمة وفاء وقاف - أبو العباس المصري صدوق ربما أخطأ من السابعة مات سنة 168./ ع. تقريب 2/343، والكاشف 3/250.
(8) في جميع النسخ عبد الله وهو خطأ والتصحيح من التقريب والكاشف وسنن الدارقطني.
(9) عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب - بالمهملة والقاف والموحدة - مصغرا أبو المغيرة السبائي - بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة مقصورا - صدوق من الرابعة مات سنة 131/ ت ق. تقريب 1/539، والكاشف 2/234، وتهذيب التهذيب 7/49.(18/30)
وهو ثقة عن منقد مولى ابن سراقة(1) وهو مستور ولم يضعفه أحد عن عثمان رضي الله عنه.
كذلك رويناه في فوائد سمويه(2) وفي سنن الدارقطني(3).
فاعتضد هذا الإسناد بهذا الإسناد فصار حسننا.
ح- ومثال التعليق الممرض الذي يكون إسناده ضعيفا فردا لكنه انجبر بأمر آخر.
قوله/(ي54) في الوصايا(4): "ويذكر أن/(ر31/أ) النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية".
وهذا الحديث رواه الترمذي(5) وغيره(6) من رواية أبي إسحاق السبيعي(7)
__________
(1) منقذ بن قيس المصري مولى ابن سراقة مقبول من الثالثة./ بخ. تقريب 2/277.
(2) هو إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي الأصبهاني أبو بشر حافظ متقن وسمويه لقبه. له الفوائد في الحديث ثمانية أجزاء. الرسالة المستطرفة ص80، والأعلام 1/314 توفي سنة 267.
(3) 3/8.
(4) الباب التاسع في أول الباب.
(5) 30- كتاب الفرائض 5- باب ما جاء في ميراث الأخوة من الأب والأم حديث 2094، 2095.
(6) جه 22 - كتاب الوصايا 7- باب الوصية قبل الدين حديث 2715، حم 1/79، 131، 144.
(7) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة - مكثر، ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره، مات سنة 129 وقيل قبل ذلك/ع.
تقريب 2/73، والكاشف 2/334.(18/31)
عن الحارث(1) عن علي - رضي الله تعالى عنه -، والحارث ضعيف/(ه ل 31: ب) جدا وقد استغربه الترمذي(2) ثم حكى إجماع أهل العلم على القول بذلك فاعتضد الحديث بالإجماع - والله أعلم -.
(ط) ومثال التعليق الممرض الذي لا يرتقي عن درجة الضعيف ولم ينجبر بأمر آخر، وعقبه البخاري بالتضعيف - قوله في الصلاة:
"ويذكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - رفعه "لا يتطوع الإمام في مكانه". ولم يصح(3).
وكأنه أشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود(4) من طريق ليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد(5) عن إبراهيم بن إسماعيل(6)
__________
(1) الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني - بسكون الميم - الحوتي - بضم المهملة والمثناة فوق - الكوفي أبو زهير صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين مات في خلافة ابن الزبير./ 4. تقريب 1/141. وانظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/222، وميزان الاعتدال 1/435.
(2) قال الترمذي بعد رواية الحديث: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث. والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم".
(3) 10- كتاب الأذان 157 - باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام وهو تابع لحديث 848.
(4) 2- كتاب الصلاة 194 - باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي يصلى فيه المكتوبة حديث 1006 والمصنف لابن أبي شيبة 2/208.
(5) حجاج بن عبيد ويقال: ابن أبي عبد الله يسار مجهول من السادسة/ د ق.
تقريب 1/153، والكاشف 1/207.
(6) إبراهيم بن إسماعيل ويقال: إسماعيل بن إبراهيم حجازي عن أبي هريرة وعائشة وعنه حجاج بن عبيد وعمرو بن دينار قال أبو حاتم: مجهول.
الكاشف 1/76، والتقريب 1/153 عنه "د" "ق".(18/32)
عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - نحوه. وليث بن أبي سليم(1) ضعيف وقد تفرد به وشيخ شيخه لا يعرف.
وقوله - في كتاب الهدية -: "ويذكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - مرفوعا. "إن جلساءه شركاؤه" ولم يصح"(2).
وهذا الحديث لا يصح رفعه، فقد رويناه في مسند(3) عبد(4) بن حميد وفي كتاب الحلية(5) وغيرها - من طريق مندل بن علي(6) عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها".
ومندل بن علي ضعيف. والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفا كذلك رويناه في مصنف عبد الرزاق(7) وفي فوائد الحسن بن رشيق من طريقه، عن محمد بن مسلم الطائفي(8) عن عمرو بن دينار موقوفا.
__________
(1) ليث بن أبي سليم صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك من السادسة مات سنة 148/ خت م 4. تقريب 2/138.
(2) 51- كتاب الهبة 25 - باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق.
(3) في مسند ابن عباس منه مرفوعا.
(4) في "ر" و"ب" عبد الله وفي "ه" عبيد الله والصواب عبد بدون إضافة، وهو عبد بن حميد بن نصر الكسي، - بكسر الكاف وبسين مهملة ويقال بالمعجمة - أبو محمد قيل: اسمه عبد الحميد وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة 249/ خت م ت. تقريب 1/529، والكاشف 2/222.
(5) 3/351.
(6) مندل بن علي - مثلث الميم ساكن الثاني - العنبري - بفتح المهملة والنون أبو عبد الله الكوفي ويقال: اسمه عمرو ومندل لقب ضعيف من السابعة مات سنة 168/ د ق.
تقريب 2/274، والكاشف 3/174.
(7) لم أجده في مصنف عبد الرزاق بعد بحث كثير لا سيما كتاب الهدية والهبة.
(8) محمد بن مسلم الطائفي واسم جده سوس وقيل سوسن بزيادة نون في آخره، صدوق يخطئ من الثامنة./ خت م 4. تقريب 2/207، والكاشف 3/96.(18/33)
وروي عن عبد الرزاق مرفوعا(1) ولم يثبت عنه.
ومحمد بن مسلم الطائفي فيه مقال ولكنه أرجح من مندل.
وقد صحح كونه موقوفا أبو حاتم الرازي/(ي 55) فيما ذكره ابنه عنه في العلل(2) فقال: إن رفعه منكر.
فقد لاح بهذه الأمثلة واتضح/(ر31/ب) أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه بصيغة التمريض متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف منجبر وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده، وقد بينا أنه يبين كونه ضعيفا - والله الموفق -(3).
وجميع ما ذكرناه يتعلق بالأحاديث المرفوعة.
أما الموقوفات فإنه يجزم بما صح منها عنده ولو لم يبلغ شرطه ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع.
وإذا علق عن شخصين وكان لهما (إسنادان مختلفان)(4) مما يصح أحدهما ويضعف الآخر، فإنه يعبر فيما هذا سبيله بصيغة التمريض - والله أعلم -.
وهذا كله فيما صرح بإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم(5) وإلى أصحابه.
أما ما لم يصرح بإضافته إلى قائل، وهي الأحاديث التي يوردها في تراجم الأبواب من غير أن يصرح بكونها أحاديث.
فمنها: ما يكون صحيحا وهو الأكثر.
__________
(1) في النسخ كلها موقوفا والصواب ما أثبتناه، قال الحافظ في الفتح 5/227:
"واختلف على عبد الرزاق في رفعه ووقفه والمشهور عنه الوقف وهم أصح الروايتين عنه".
(2) 2/238 ولكنه اقتصر في الحكم على قوله موقوف وليس فيه: أن رفعه منكر.
(3) نقل الصنعاني هذا النص من قوله: "فقد لاح بهذه الأمثلة" إلى هنا. توضيح الأفكار 1/143.
(4) في النسخ جميعا إسنادين مختلفين والصواب ما أثبتناه وهو واضح.
(5) في )ب)، (ه) أو.(18/34)
ومنها: ما يكون ضعيفا. كقوله(1)، في باب اثنان فما فوقهما جماعة، ولكن ليس شيء من ذلك ملتحقا بأقسام التعليق التي قدمناها إذا لم يسقها مساق الأحاديث، وهي قسم مستقل ينبغي الاعتناء بجمعه(2) والكلام عليه وبه/(ب 66) وبالتعليق يظهر كثرة ما اشتمل عليه جامع البخاري من الحديث، ويوضح سعة اطلاعه ومعرفته بأحاديث الأحكام جملة وتفصيلا - رحمه الله تعالى(3) -.
__________
(1) من (ر) وفي (ب)، (ه) "فقوله".
(2) من (ب) وفي (ه)، (ر) "بجميعه".
(3) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/143 من قول الحافظ "وهذا كله فيما صرح بإضافته" إلى هنا.(18/35)
تنبيه:
30- قول ابن الصلاح، في هذه المسألة: "وأما(1) الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر... ففي بعضه نظر"(2).
إنما خص النظر ببعضه، لأنه كما أوضحته على قسمين:
أحدهما/(ه32/ب): ما أورده موصولا ومعلقا سواء كان ذلك في موضع واحد أو موضعين/(ر32/ب)، فهذا لا نظر فيه، لأن الاعتماد على الموصول ويكون المعلق شاهدا له.
وثانيهما: ما لا يوجد في كتابه إلا معلقا/(ي 56) فهذا هو موضع النظر، وقد أفردته بتأليف مستقل لطيف الحجم جم الفوائد(3) ولله الحمد.
9- قوله (ع)(4): وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقوله: "ورواه فلان". وقد جمعها الرشيد العطار(5) في الغرر المجموعة وقد بينت ذلك كله في جزء مفرد" انتهى(6).
وفيه أمور:
__________
(1) في مقدمة ابن الصلاح "وأما المعلق وهو الذي حذف...الخ".
(2) مقدمة ابن الصلاح ص20.
(3) يجوز أن يكون غير تغليق التعليق.
(4) سقط هذا الرمز من جميع النسخ.
(5) الإمام الحافظ الثقة المجود رشيد الدين أبو الحسين: يحيى بن علي بن عبد الله بن علي القرشي الأموي النابلسي ثم المصري العطار المالكي، من آثاره غرر الفوائد المجموعة، وتحفة المسترشدين توفي سنة 622. تذكرة الحفاظ 4/1442، ومعجم المؤلفين 13/213.
(6) التقييد والإيضاح ص33.(19/1)
الأول: فيه بقية أربعة عشر. ليس فيه عند الرشيد إلا ثلاثة عشرة. والذي أوقع الشيخ في ذلك أن أبا علي الجياني(1) - وتبعه المازري -– ذكر أنها أربعة عشر لكنه لما سردها(2) أورد منها حديثا مكررا وهو حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - "أرأيتكم ليلتكم هذه"(3) هذا الذي كرر، فصارت العدة ثلاثة عشر كما سأذكرها مفصلة.
وقد نبه على هذا الموضع ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم(4)، وتبعه النووي(5).
والثاني: قوله: إنه يرويه متصلا ثم عقبه بقوله "ورواه فلان". ليس ذلك في جميع الأحاديث المذكورة، وإنما وقع ذلك منه في ستة أحاديث منها.
__________
(1) تقدمت ترجمته ص295، أما قول الجياني أنها أربعة عشر فانظره في مقدمة النووي لشرح مسلم 1/16.
(2) مقدمة النووي لشرح مسلم، ص18.
(3) م 44 فضائل الصحابة 35- باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة" حديث 217، خ3 - كتاب العلم 41 باب السمر حديث 116 حم 2/121، 131.
(4) ل 4 مصورة عن نسخة في أيا صوفيا رقم 475.
(5) مقدمة شرح مسلم للنووي 1/18. ولكن ابن الصلاح وتبعه النووي اعتبراها اثني عشر حديثا فقط بإسقاط التكرار في حديث ابن عمر، وبإسقاط قول مسلم في كتاب الصلاة في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكريا عن الأعمش لأن هذا الانقطاع إنما هو في رواية ابن ماهان، أما رواية الجلودي لهذا الحديث فهي متصلة حيث قال فيه عن مسلم حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن زكريا".(19/2)
أحدها: في حديث أبي جهيم(1) كما ذكره الشيخ(2).
__________
(1) أبو جهيم - بالتصغير - ابن الحارث بن صمة - بكسر المهملة وتشديد الميم - الأنصاري له صحبة، عنه بسر بن سعيد وعبد الله بن يسار بقي إلى خلافة معاوية/ع. تقريب 2/407، والكاشف 3/323.
(2) يعني شيخه العراقي في التقييد والإيضاح ص33 حيث قال: "فمن ذلك - يعني الأحاديث المعلقة - قول مسلم في التيمم: وروى الليث بن سعد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله ابن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو جهيم: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل" الحديث وهو في مسلم 30- كتاب الحيض - 28 - باب التيمم حديث 114. ثم إن الحديث هذا ليس واحداً من هذا النوع الموصول من طريق أخرى، وانظر: ص 353 رقم 3 فقد بين الحافظ هناك أن حديث أبي جهيم من المعلق الذي لم يصله مسلم من طريق أخرى.(19/3)
الثاني(1) والثالث(2) في حديثي الليث كما ذكرهما الشيخ وأن مسلما وصلهما/(ب67) من طريق أخرى(3).
والرابع(4): في حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في قصة ماعز قال: ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد(5) بعد أن أورده من طريق غيره.
__________
(1) التقييد والإيضاح ص33 قال العراقي: وقال مسلم في البيوع: "وروى الليث بن سعد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنه كان له مال على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي" الحديث وهو في مسلم 22- كتاب المساقاة 4- باب الوضع من الدين حديث 20، 21 وبعدهما الحديث المعلق.
(2) التقييد والإيضاح ص33. قال العراقي: "وقال مسلم في الحدود: وروى الليث - أيضا - عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله وهذان الحديثان الأخيران قد رواهما مسلم قبل هذين الطريقين متصل،ا ثم عقبهما بهذين الإسنادين المعلقين" وهذا الحديث الأخير في مسلم 29 - كتاب الحدود 5 - باب من اعترف على نفسه بالزنى حديث 16.
(3) الأمر كما ذكر الحافظان فالثاني موصول رواه مسلم بإسناده إلى يونس عن الزهري عن عبد الله بن كعب عن أبيه مرفوعا 22 - المساقاة حديث 20، 21. والثالث: رواه مسلم بإسناده إلى الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وكلاهما عن أبي هريرة مرفوعا 29 - كتاب الحدود حديث 16 وهو نفسه الحديث الرابع الآتي.
(4) م 29 - كتاب الحدود 5 - باب من اعترف على نفسه بالزنى حديث 16.
(5) عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أمير مصر صدوق عن الزهري وعنه مولاه الليث توفي سنة 127. الكاشف 2/162، والتقريب 1/478.(19/4)
والخامس(1): في حديث البراء بن عازب(2) - رضي الله تعالى عنهما - في الصلاة/(ه33/أ) الوسطى قال: ورواه الأشجعي(3) عن سفيان عن الأسود بن قيس(4) بعد أن أورده من طريق أخرى(5) عن البراء/(ر33/أ) بن عازب - رضي الله تعالى عنه -.
والسادس(6): في حديث عوف بن مالك(7) حديث "خيار أئمتكم الذين تحبونهم" (8).
__________
(1) م 5 - كتاب المساجد 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. حديث 208.
(2) البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري، الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة استصغر يوم بدر مات سنة 72/ع. تقريب 1/94، والإصابة 1/146.
(3) عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة مأمون أثبت الناس كتابا في الثوري من كبار التاسعة مات سنة 182/ خ م ت س ق. تقريب 1/536، والكاشف 2/230، وقال كتب عن الثوري ثلاثين ألفا.
(4) الأسود بن قيس العبدي ويقال العجلي - بكسر العين وسكون الجيم - أبو قيس الكوفي ثقة من الرابعة./ع. تقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/341.
(5) الطريق الأخرى هي: قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: "نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله. فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى...} الحديث السابق 208 قال مسلم: "ورواه الأشجعي عن سفيان الثوري عن الأسود...".
(6) م 33 - كتاب الإمارة 17 - باب خيار الأئمة وشرارهم حديث 66.
(7) عوف بن مالك الأشجعي أبو حماد ويقال غير ذلك صحابي مشهور من مسلمة الفتح مات سنة 73/ع. تقريب 2/90، والإصابة 3/43. وفيها قال الواقدي: أسلم عام خيبر وقال غيره شهد الفتح وكانت معه راية أشجع.
(8) تمامه "ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون، عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم...".(19/5)
قال: ورواه معاوية بن صالح(1).
وأما السبعة الثانية:
فأحدها: في الجنائز في حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع(2).
قال - فيه - حدثني من سمع حجاجا الأعور(3) ثنا ابن/(ي57) جريج. أورده عقب حديث ابن وهب عن ابن جريج(4).
__________
(1) معاوية بن صالح بن حدير - بالمهملة مصغرا - الحضرمي أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن قاضي الأندلس صدوق له أوهام من السابعة مات سنة 158/ م 4. تقريب 2/259، والكاشف 3/157.
(2) 11 - كتاب الجنائز 35 - باب ما يقال عند دخول القبور حديث 103.
(3) هو حجاج بن محمد المصيصي أبو محمد الترمذي الأصل نزل بغداد ثم المصيصة ثقة ثبت، لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته من التاسعة مات سنة 209/ع. تقريب: 154، والكاشف 1/207.
(4) الحق أن مسلما لم يورده عقب حديث ابن وهب وإنما أورده عقب إسناد ابن وهب وذلك أن مسلما لم يسق الحديث من طريق ابن وهب بل ساق إسناده ثم جاء بعلامة التحول "ح" ثم قال وحدثني من سمع حجاجا الأعور "واللفظ له" ثم ساق الحديث بطوله من طريق الحجاج وانظر صحيح مسلم كتاب الجنائز حديث 103.(19/6)
وثانيها(1): في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثت عن أبي أسامة(2)، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري(3) وهذا وصله الجلودي(4) صاحب ابن سفيان قال: ثنا محمد بن المسيب(5) ثنا إبراهيم بن سعيد(6).
وثالثها(7): في باب السكوت بين التكبير والقراءة حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) 43- كتاب الفضائل 8- باب إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها حديث 24. قال مسلم وحدثت عن أبي أسامة وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري. حدثنا أبو أسامة حدثني يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها..." الحديث.
(2) أبو أسامة حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس من كبار التاسعة مات سنة 201/ع. تقريب 1/195 وتهذيب التهذيب 3/2.
(3) إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الطبري، نزيل بغداد ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة من العاشرة مات في حدود 250. تقريب 1: 35/م 4. والكاشف 1/81 وقال فيه: مات سنة 249.
(4) هو محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن منصور الجلودي النيسابوري، توفي سنة 368 ه عن ثمانين عاما.
(5) محمد بن المسيب بن إسحاق بن عبد الله النيسابوري الحافظ البارع الجوال سمع من إسحاق بن منصور وطبقته وعنه ابن خزيمة وابن الأخرم مات سنة 315. تذكرة الحفاظ 3/789، ومعجم المؤلفين 12/22.
(6) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه المجتهد العابد رواية صحيح مسلم مات سنة 308. مقدمة شرح مسلم للنووي ص10.
(7) م 5 - كتاب المساجد 27 - باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة حديث 148.(19/7)
قال: حدثت عن يحيى بن حسان(1) ويونس بن محمد(2) وغيرهما، قالوا: ثنا عبد الواحد(3).
أورده عقب حديث أبي كامل الجحدري(4) عن عبد الواحد.
رابعها(5): في باب وضع الجوائح من حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت(6): "سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب..." الحديث قال فيه حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: ثنا إسماعيل بن أبي أويس(7) وهذا لم يورده إلا من طريق عمرة(8).
__________
(1) يحيى بن حسان التنسي - بكسر المثناة والنون الثقيلة وسكون التحتانية ثم مهملة - من أهل البصرة ثقة من التاسعة مات سنة 208/خ م د ت س. تقريب 2/345، والكاشف3/252.
(2) يونس بن محمد بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب ثقة ثبت من صغار التاسعة مات سنة 207/ع. تقريب 2/387، والكاشف 3/305.
(3) عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري ثقة. في حديثه عن الأعمش وحده مقال من الثامنة مات سنة 176 وقيل بعدها/ع. تقريب 1/526، وتهذيب التهذيب 6/434.
(4) هو فضيل بن حسين بن طلحة أبو كامل الجحدري ثقة حافظ من العاشرة مات سنة 237/خت م د ت س.تقريب 2/112، والكاشف 2/384. وقول الحافظ: "أورده عقب حديث أبي كامل الجحدري" الأمر فيه كما قال.
(5) م22 كتاب المساقاة 4 باب استحباب الوضع من الدين حديث 19.
(6) في جميع النسخ "قال" وهو خطأ لأن القول لعائشة والصواب ما أثبتناه.
(7) إسماعيل بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله بن أبي أويس المدني صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه من العاشرة مات سنة 126/خ م ت ق. تقريب 1/71، والكاشف 1/125.
(8) عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة، ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة ويقال بعدها/ع. تقريب 2/607. الكاشف 3/477.(19/8)
خامسها(1): في باب احتكار الطعام في/(ب 68) حديث معمر العدوي(2) قال: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون(3) وقد وصله من طريق أخرى عن سعيد بن المسيب(4).
سادسها(5): في آخر كتاب القدر(6) في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - "لتركبن سنن من كان قبلكم".
قال: حدثني عدة من/(ه32/ب) أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم(7) عن أي غسان(8) عن(9) زيد بن أسلم.
وقد وصله من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم.
__________
(1) م 22 كتاب المساقاة 26 باب تحريم الاحتكار في الأقوات حديث 130.
(2) معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة العدوي من مهاجرة الحبشة عنه ابن المسيب وبسر بن سعيد/م د ت ق. الكاشف 3/165، والإصابة 3/428.
(3) عمرو بن عون بن أوس الواسطي أبو عثمان البزاز، البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة 225/ع. تقريب 2/76، والكاشف 2/338.
(4) الأمر كما قال الحافظ، فقد وصله مسلم من طريق يحيى بن سعيد ومحمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر مرفوعا. حديث 129، 130 من المكان المشار إليه.
(5) م 48 كتاب العلم 3 باب اتباع اليهود والنصارى حديث 6.
(6) في النسخ كلها "النذر" وهو خطأ، إذ الحديث لا وجود له في كتاب النذر وإنما هو في كتاب العلم بعد كتاب القدر مباشرة وانظر تحفة الأشراف 3/410 فإنه نص على أن هذا الحديث في القدر والعلم ولم يذكر أنه في النذر.
(7) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أبو محمد المصري ثقة ثبت فقيه من كبار العاشرة مات سنة 224/ع. تقريب 1/293، الكاشف 1/358.
(8) هو محمد بن مطرف بن داود الليثي أبو غسان، المدني نزيل عسقلان ثقة من السابعة مات بعد 160/ع. تقريب 2/208، الكاشف 3/98.
(9) في جميع النسخ "عن حسان بن زيد بن أسلم وهو خطأ واضح، والتصحيح من صحيح مسلم.(19/9)
سابعها:/(ر33/ب) في كتاب الصلاة في حديث كعب بن عجرة(1) قال فيه: ثنا صاحب لنا: ثنا إسماعيل بن زكريا كذا ذكر الجياني أنه وقع في روايتهم(2).
وأما الذي في رواية الجلودي(3) عند المشارقة فقال مسلم فيه: ثنا محمد بن بكار(4) ثنا إسماعيل بن زكريا(5).
__________
(1) كعب بن عجرة - بضم العين وسكون الجيم - الأنصاري المدني أبو محمد صحابي مشهور مات بعد سنة 50/ع. تقريب 2/135، والكاشف 3/8.
(2) وانظر مقدمة النووي لشرح مسلم ص 17 وشرح الأبي لمسلم 2/165، فقد تكلما بما يوافق قول الحافظ وهذه الرواية في مسلم 4 كتاب الصلاة 17 باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حديث 68.
(3) وانظر مقدمة النووي لشرح مسلم ص 17 وشرح الأبي لمسلم 2/165، فقد تكلما بما يوافق قول الحافظ وهذه الرواية في مسلم 4 كتاب الصلاة 17 باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حديث 68.
(4) محمد بن بكار يحتمل أن يكون ابن الريان الهاشمي مولاهم أبو عبد الله. ويحتمل أن يكون محمد بن بكار بن الزبير العيشي - بالمعجمة - الصيرفي إن كليهما من شيوخ مسلم، وهما على كل حال ثقتان وهما من الطبقة العاشرة توفي الأول سنة 238، والثاني سنة 237. تقريب 1/147، وتهذيب التهذيب 9/75- 76. ثم ترجح لي أنه ابن الريان.
(5) إسماعيل بن زكريا بن مرة الخلقاني - بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف - أبو زياد الكوفي صدوق يخطي قليلا من الثامنة مات سنة 194/ع. تقريب 1/69، والكاشف 1/123.(19/10)
والحديث المذكور عنده من طرق أخرى من غير هذا الوجه(1). فعلى هذا فهي اثنا عشر حديثا فقط(2). ستة منها بصيغة التعليق وستة منها بصيغة الاتصال، لكن أبهم في كل منها اسم من حدثه، فإن كان الشيخ يرى أنها منقطعة كما يقول الجياني ومن تبعه/(ي58)، فكان حق العبارة أن يقول: "وفيه بقية ثلاثة عشر موضعا منقطعة. لا كما قال: إنه يقول: ورواه فلان".
وإن كان يرى أنها متصلة كما هو المعروف عند جمهور أهل الحديث وكما صرح هو به في موضع آخر، فكان حق العبارة أن يقول: وفيه بقية ستة مواضع رواه متصلا ثم عقبه بقوله: ورواه فلان. وفيه مواضع أخرى قيل إنها منقطعة وليست بمنقطعة.
الثالث: قوله "إنه ليس في مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله من طريق أخرى إلا حديث أبي الجهيم"(3). هذا صحيح بقيد التعليق، لكن قد بينا أن الذي بصيغة التعليق إنهما هو ستة لا أكثر.
أما/(ب69) على رأي الجياني ومن تبعه في تسميتهم المبهم منقطعا فإن فيها حديثين آخرين لم يوصلهما في مكان آخر.
__________
(1) يعني من طريق ابن أبي ليلى حديث 66 ومن طريق الحكم حديث 67 كلاهما عن كعب.
(2) اعلم أن الحافظ قد تعقب العراقي والجياني والمازري في عد هذه الأحاديث المعلقة، ودعواهم أنها أربعة عشر وأنها في الواقع ثلاثة عشر ولم تبلغ أربعة عشر إلا بتكرار حديث ابن عمر "أرأيتكم ليلتكم هذه" قد أعادها الحافظ هنا إلى اثني عشر كما ترى بإسقاط حديث كعب بن عجرة لأنه جاء موصولا لا من طريق الجلودي.
ولكن الحافظ نفسه قد وقع في خطأين: الأول أنه أسقط حديث ابن عمر سهوا فلم يعده في هذه الأحاديث. والثاني أن الموضع الرابع من الستة الأولى في تعداد الحافظ هو الموضع الثالث نفسه وهو حديث أبي هريرة المتعلق بقضية ماعز في اعترافه على نفسه بالزنى، سها الحافظ فعده مرتين فعلى هذا فما عده الحافظ لا يزيد على أحد عشر ولا تبلغ اثني عشر إلا بحديث ابن عمر الذي أسقطه الحافظ سهوا.
(3) التقييد والإيضاح ص73.(19/11)
أحدهما: حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - في الجوائح/(ه34/أ) كما بيناه(1) فإنه ما أورده إلا من تلك الطريق.
وثانيهما: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - الذي قال فيه: حدثت عن أبي أسامة - رضي الله عنه - وقد تقدم أن الجلودي/(ر34/أ) وصله، وعندي أنه ملتحق بما صورته التعليق وهو موصول على رأي ابن الصلاح؛ فإن مسلما قال: "حدثت عن أبي أسامة".
فلو اقتصر على هذا لكان متصلا في إسناده مبهم على ما قررناه، منقطع على رأي الجياني. لكن زاد بعد ذلك فقال: وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري"(2) وإبراهيم هذا من شيوخ مسلم، قد سمع منه غير هذا وأخرج عنه مما سمعه في صحيحه غير هذا مصرحا به.
وقد قرر ابن الصلاح أن المعلق إذا سمى بعض شيوخه وكان غير مدلس حمل على أنه سمعه منه(3) كما ذكر ذلك في حديث هشام بن عمار(4) الذي أخرجه البخاري(5) في تحريم المعازف، ولا فرق بين أن يقول المعلق: قال أو روى أو ذكر أو ما أشبه ذلك من الصيغ التي ليست بصريحة. فهذا منها - والله الموفق -.
__________
(1) انظر ص 350.
(2) قال النووي: قلت: "وليس هذا حقيقة انقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة: قال الجلودي: حدثنا محمد بن المسيب الأرغياني قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده". شرح النووي لمسلم 5/52، وشرح مقدمة مسلم لابن الصلاح ل4.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص59- 63.
(4) هشام بن عمار بن نصير - بنون مصغرا - السلمي الدمشقي الخطيب صدوق، مقرئ كبر فصار يتلقن، فحديثه في القديم أصح. من كبار العاشرة مات سنة 245 وله اثنتان وتسعون سنة/خ 4.
تقريب 2/320، والكاشف 3/232.
(5) 74 كتاب الأشربة 6 باب ما جاء فيمن يستحل الخمرة ويسميه بغير اسمه، حديث 5590 بلفظ: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".(19/12)
وقد عثرت في صحيح مسلم على/(ي59) شيء غير هذا مما يلحق بهذا وبينته فيما كتبته من النكت على شرح مسلم للنووي والله أعلم.
10- قوله (ع): "بل أزيد على هذا وأقول: الظاهر أن البخاري لم يُرد برد الصدقة حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - المذكور في بيع المُدبَّر/(ب70) وإنما أراد و الله أعلم حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه..." الحديث.
وهو حديث ضعيف رواه الدارقطني وغيره(1) انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الدارقطني لم يرو قصة الداخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - أصلا، وإنما رواه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه -.
وسبب هذا الاشتباه في هذا أن القصة شبيهة بحديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في قصة/(ر34/ب) سليك الغطفاني(2) التي أخرجها أصحاب الحديث(3) الصحيح(4) والدارقطني(5) وغيرهم من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - لكن ليس فيها قصة المتصدق ورد الصدقة عليه.
__________
(1) التقييد والإيضاح ص37- 38.
(2) سليك بن عمرو أو ابن هدية الغطفاني وقع ذكره في الصحيح من حديث جابر أنه دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت؟ ولم يذكر الحافظ وفاته. الإصابة 2/71.
(3) كلمة "الحديث" ليست في (ي).
(4) م 7 كتاب الجمعة 14 باب التحية والإمام يخطب حديث 58- 59، د 2 كتاب الصلاة 237 باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب حديث 1116- 1117، جه 5 كتاب الإمامة 87 باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب حديث 1112- 1113 وليس فيها كلها ذكر للصدقة.
(5) في السنن 2/13، 14 وليس فيه قصة الصدقة.(19/13)
ثانيها: أن الحديث المذكور عند الدارقطني مع كونه ليس من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - وإنما هو من حديث أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - ليس ضعيفا، بل هو صحيح(1) أخرجه النسائي(2) وابن ماجه(3) والترمذي(4) وصححه ابن حبان في صحيحه والحاكم(5) كلهم من حديث محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب - بهيئة بذة(6) فقال له رسو الله - صلى الله عليه وسلم - أصليت؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: "صل ركعتين".
وحث الناس على الصدقة قال: فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جاء هذا يوم الجمعة (يعني التي قبلها) بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة (فألقوا ثياباً فأمرت له منها بثوبين ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة(7) فألقى/(ي60) أحدهما فانتهزه وقال: خذ ثوبك) لفظ النسائي.
ثالثها: نفيه أن يكون البخاري أراد بحديث جابر - رضي الله تعالى عنه - حديثه في بيع المدبر ليس بجيد.
__________
(1) بل هو حسن لأن فيه محمد بن عجلان وهو صدوق فقط
(2) 3/87 باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته.
(3) 5 كتاب الإقامة 87 باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب حديث 1112 مختصرا ليس فيه إلا الأمر بصلاة ركعتين.
(4) أبواب الصلاة 367 باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب حديث 511 وليس فيه ذكر الصدقة.
(5) 1/285، 1/413.
(6) أي سيئة رثة ثم إنه في كل النسخ "بذية" والتصحيح من (ن) و(ت) والمستدرك.
(7) ما بين قوسين سقط من (ب).(19/14)
بل الظاهر أنه أراده. وقد سبق مغلطاي إلى ذلك ابن بطال(1)/(ه35/أ) في شرح البخاري(2) وعبد الحق(3) في أواخر الجمع بين الصحيحين(4) وغيرهما ولا يلزمه(5) به منه ما ألزمه المعترض الذي تعقب الشيخ كلامه على ما سنبينه.
__________
(1) هو علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال أبو الحسن؛ عالم بالحديث من أهل قرطبة له شرح البخاري توفي سنة 449. الأعلام 5/96.
(2) مخطوط يوجد منه أجزاء في عدد من المكتبات ومنها مكتبة طلعت تحت رقم 856 في 4 مجلدات.
(3) الجمع بين الصحيحين إنما هو للحميدي محمد بن أبي نصر فتوح لا لعبد الحق وكتاب عبد الحق إنما هو كتاب الأحكام فلعل هذا سبق قلم.
(4) 2: ل227/ب من رواية عطاء وعمرو بن دينار وابن المنكدر وأبي الزبير كلهم عن جابر.
(5) الضمير يرجع إلى ابن الصلاح والمعترض هو مغلطاي كما ذكره الحافظ وذلك أن ابن الصلاح قال في حكم تعليقات البخاري: "إن ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته، وما لم يكن مجزوما به فليس فيه حكم بصحته". قال المعترض في اعتراضه: وذلك لأن البخاري يورد الشيء بصيغة التمريض، ثم يخرجه في صحيحه مسندا، ويجزم بالشيء وقد يكون لا يصح، ثم ضرب المعترض أمثلة لما علقه البخاري بصيغة التمريض وهي صحيحة لأن البخاري يسندها في مواضع أخرى من صحيحه. ومنها: قول البخاري: ويذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق صدقته قال: وهو حديث صحيح عنده "دبر رجل عبدا ليس له مال غيره فباعه من نعيم بن النحام" ثم تعقبه العراقي بقوله (والجواب) أن ابن الصلاح لم يقل إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا في الضعيف بل في كلامه أنها تستعمل في الصحيح أيضا ألا ترى قوله:لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا" فقوله: "أيضا" دال على أنها تستعمل في الصحيح أيضا...".
التقييد والإيضاح ص35- 36 ولم أستكمل جواب العراقي فارجع إليه إن شئت وإنما سقت هذا توضيحا لكلام الحافظ.(19/15)
وبيان ذلك: أن حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في بيع المدبر قد(1) اتفق الشيخان على تخريجه من طرق عن عطاء بن أبي رباح(2) وعمرو بن دينار(3) عنه(4)، وأخرجه البخاري من طريق محمد بن المنكدر(5) عن جابر - رضي الله تعالى عنه -.
وليس في رواية واحد منهم زيادة على قصة بيعه وإعطائه الثمن لصاحبه(6).
ورواه مسلم(7) منفردا من طريق أبي الزبير عن جابر - رضي الله تعالى عنه - فزاد فيه زيادة ليست عند البخاري.
__________
(1) كلمة "قد" من (ي) وليست في باقي النسخ.
(2) خ 34- كتاب البيوع 59- باب بيع المزايدة حديث 2141، 42 كتاب الاستقراض 16 باب من باع مال المفلس حديث 2403، م 27- كتاب الأيمان 13- باب جواز بيع المدبر حديث 59 كلاهما من طرق عن عطاء عن جابر مرفوعا.
(3) خ- 49- كتاب العتق 9- باب بيع المدبر 2534، 84- كتاب كفارات الأيمان 7- باب عتق المدبر في الكفارة حديث 6716، م 27- كتاب الأيمان 13- باب جواز بيع المدبر حديث 58، 59 كلاهما من طرق عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعا.
(4) أي عن جابر.
(5) 44- كتاب الخصومات 3- باب من باع على الضعيف ونحوه حديث 2415.
(6) الأمر كما قال الحافظ في جميع هذه الروايات.
(7) 12- كتاب الزكاة 13- باب الابتداء بالنفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة حديث 41، 27- كتاب الأيمان حديث 59. والحديث في حم 3/308، د 23- كتاب العتق 9- باب بيع المدبر حديث 3955، 3956، 3957، ن 1/227، جه العتق باب 1 حديث 2512، ت 12- كتاب البيوع 7- باب ما جاء في عتق المدبر حديث 1219.(19/16)
ولفظه: "أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألك مال غيره؟" قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني؟" فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي - رضي الله عنه - بثمانمائة درهم فجاء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا".
فهذه الزيادة من حديث أبي الزبير عن جابر - رضي الله تعالى عنه - في قصة المدبر فيها إشعار بمعنى ما علقه البخاري من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردّ على المتصدق/(ب72) صدقته قبل النهي ثم نهاه، لكن ليس في هذا تصريح بالنهي.
فإن كان هو الذي أراده البخاري فلا حرج عليه(1) في عدم جزمه به لأن راوي الزيادة وهو أبو الزبير ليس ممن يحتج به على شرطه وعلى تقدير/(ي61) صلاحيته عنده للحجة/(ه5) فقد تقدم(2) أنه ربما علق الحديث بالمعنى أو بالاختصار فلا يجزم به بل يذكره بصيغة التمريض للاختلاف في ذلك كما قرره(3) الشيخ، فعلى كل تقدير لا يتم للمعترض اعتراضه.
رابعها: ظهر لي مراد البخاري بالتعليق السابق عن جابر - رضي الله تعالى عنه - حديث آخر غير حديث المدبر(4).
__________
(1) إن المعترض لم يوجه اعتراضه إلى البخاري، وإنما كان اعتراضه على ابن الصلاح فلا داعي للاعتذار عن البخاري.
(2) ص325.
(3) يعني شيخه العراقي انظر ص36 من التقييد والإيضاح فإنه قرر هذا الكلام الذي نقله الحافظ عنه.
(4) ولعل البخاري أرادهما جميعا.(19/17)
وهو ما اخبرني به إبراهيم بن محمد المؤذن بمكة أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم أنا عبد الله بن عمر أنا أبو الوقت أنا أبو الحسن بن داود (أنا عبد الله بن أحمد أنا إبراهيم بن خريم)(1) أنا عبد(2) بن حميد، ثنا يعلى بن عبيد(3) ثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة(4) عن محمود بن لبيد(5) عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: "بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل بمثل البيضة من الذهب أصابها في بعض المعادن، فجاء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ركنه الأيمن فقال لرسول(6) الله صلى الله عليه وسلم: خذها مني صدقة فوالله ما لي مال غيرها، فأعرض - صلى الله عليه وسلم - عنه ثم جاء من ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، فجاءه من بين يديه فقال مثل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: هاتها مغضبا فحذفه بها، فلو أصابه بها لعقره أو أوجعه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يأتي أحدكم بماله كله لا يملك غيره فيتصدق به ثم يقعد بعد ذلك يتكفف الناس". "إنما الصدقة عن ظهر غني خذه لا حاجة لنا به" [قال](7)
__________
(1) ما بين القوسين سقط من "ه".
(2) في جميع النسخ إلا "ي" عبد الله والصواب ما أثبتناه من "ي" وانظر تهذيب الكمال 11/402 فإن من الرواة عن يعلى عبد بن حميد لا عبد الله بن حميد.
(3) يعلى بن عبيد بن أبي أمية الكوفي أبو يوسف الطنافسي ثقة إلا في حديثه عن الثوري ففيه لين من كبار التاسعة مات سنة 209/ع. الكاشف 3/296، والتقريب 2/378.
(4) عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري أبو عمر المدني ثقة عالم بالمغازي من الرابعة مات سنة 120 وقيل 129./ع. الكاشف 2/51، والتقريب 1/385.
(5) محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي أبو نعيم المدني صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة مات سنة 96، وقيل 97/بخ م 4. تقريب 2/233، والكاشف 3/126.
(6) في جميع النسخ "رسول الله" بدون لام الجر والصواب ما أثبتناه.
(7) الزيادة من "ي".(19/18)
فأخذ الرجل ماله فذهب".
وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده والدارمي(1) وأبو داود في السنن(2) وابن خزيمة وابن حبان(3) في صحيحهما والحاكم في مستدركه(4) كلهم من طريق محمد بن إسحاق به. يزيد بعضهم على بعض في سياقه ورواة إسناده ثقات ومحمد(5) محمد بن إسحاق مشهور(6) ولم أره من حديثه إلا معنعنا ثم رأيته في مسند(7) أبي يعلى(8) مصرحا فيه بالتحديث.
وسياقه أنسب وأشبه بمراد البخاري من الذي قبله.
والمتن الذي أورده الشيخ مناسب للمراد إلا أنه ليس من/(ي62) حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - كما بيناه - والله أعلم -.
لطيفة:
__________
(1) في كتاب الزكاة حديث 1666.
(2) 3- كتاب الزكاة 39- باب الرجل يخرج ماله حديث 1673.
(3) مجلد 5: ل143/أ.
(4) 1/413.
(5) في جميع النسخ "وقال محمد بن إسحاق" ولا داعي لكلمة "قال" كما ترى.
(6) كذا في جميع النسخ، ولعل الحافظ أراد أن يقول بالتدليس ولم يكتبها أو سقطت على النساخ وسياق الكلام يدل عليها وكذا شهرة ابن إسحاق بالتدليس.
(7) مجلد 1: ل115/أ من طريق ابن إسحاق به إلا أن ابن إسحاق قد عنعنه ولم يصرح فيه بالتحديث، ولعل الحافظ رآه مصرحا بالتحديث في بعض النسخ من مسند أبي يعلى.
(8) أبو يعلى هو الحافظ الثقة محدث الجزيرة أحمد بن علي بن المثنى التميمي صاحب المسند الكبير سمع علي بن الجعد ويحيى بن معين وعنه ابن حبان وأبو علي النيسابوري توفي سنة 307. تذكرة الحفاظ 2/707.(19/19)
الرجل الذي/(ر36/أ) جاء بالبيضة هو حجاج بن علاط السهمي - رضي الله تعالى عنه - رواه عبد الغني بن سعيد الأزدي(1) من رواية(2) بعض أحفاده عن أبيه عن جده إلى أن انتهى إلى الحجاج بن علاط - رضي الله عنه - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلبنة من ذهب أصابها من كنز فذكر الحديث.
11- قوله ع: "وأما الإتيان بصيغة الجزم فيما ليس بصحيح فهذا لا يجوز ولا يظن بالبخاري (3)..." الخ.
أقول: هذا يكاد أن يكون مصادرة(4) على المطلوب، لأن الخصم ينكر أن يكون البخاري التزم أن لا يأتي باللفظ الجازم إلا في الطرق الصحيحة يستدل على ذلك بالمثال الذي ذكره، لأنه أخرج حديثا باللفظ الجازم وهو معلول كما ذكره أبو مسعود.
فكيف يكون جوابه: لا يظن ذلك بالبخاري ولا يأتي البخاري باللفظ الجازم إلا فيما لا علة له.
فالجواب السديد عن/(ب74) ذلك أن يقول: "ما ادعاه أبو مسعود من كون ذلك الحديث لا يعرف إلا من رواية عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مردود.
فإن الحديث المذكور معروف من رواية عبد الله بن الفضل(5)
__________
(1) المصري أبو محمد محدث حافظ نسابة عالم بأسامي الرجال والعلل، وكان الدارقطني يعظمه ويقول: "ما اجتمعت به وانفصلت منه إلا بفائدة". من تصانيفه المؤتلف والمختلف في أسماء الرواة مات سنة 409. النجوم الزاهرة 4/244، ومعجم المؤلفين 5/273.
(2) في (ه) و(ر) "رواة" وهو خطأ.
(3) التقييد والإيضاح ص 38.
(4) المصادرة على المطلوب هي التي تجعل النتيجة جزء القياس، التعريفات للجرجاني ص251، طبعة الحلبي بمصر سنة 1375.
(5) عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني ثقة من الرابعة/ع.
تقريب 1/440، والكاشف 2/118.(19/20)
- أيضا - عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - كما علقه البخاري(1). فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده(2)/(ه36/ب) عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون(3) عن عبد الله بن الفضل، فبهذا يتضح أن لعبد الله بن الفضل فيه شيخين كما ذكره الشيخ احتمالا.
[عادة البخاري في الأسانيد المختلفة:]
__________
(1) 97- كتاب التوحيد 22- باب وكان عرشه على الماء حديث 7428 قال البخاري: وقال الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش".
(2) انظر منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 2/83 قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله أو بين الأنبياء" - صلى الله عليهم وسلم - والحديث جزء من حديث طويل رواه مسلم 43- كتاب الفضائل 42- باب من فضائل موسى حديث 159، 160 وفيه "فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله أولا"، من طريق الماجشون عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة وثانيا من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا.
(3) الماجشون - بكسر الجيم بعدها معجمة مضمومة - المدني نزيل بغداد مولى آل الهدير ثقة فقيه مصنف من السابعة مات سنة 164. تقريب 1/510، والخلاصة ص240.(19/21)
ومن عادة البخاري أنه إذا كان في بعض الأسانيد التي يحتج بها خلاف على بعض رواتها ساق الطريق الراجحة عنده مسندة متصلة، وعلق الطريق الأخرى إشعارا بأن هذا الاختلاف لا يضر، لأنه/(ر36/ب) إما أن يكون للراوي فيه طريقان فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، فلا يكون ذلك اختلافا يلزم(1) منه/(ي63) اضطراب يوجب الضعف، وإما أن لا يكون له فيه إلا طريق واحدة، والذي أتى عنه بالطريق الأخرى واهم عليه ولا يضر الطريق الصحيحة الراجحة وجود الطريق الضعيفة المرجوحة. والله أعلم.
31- قوله (ص): عند ذكر أقسام الصحيح - "أولها: صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا"(2):
اعترض عليه بأن الأولى أن يكون القسم الأول: ما بلغ مبلغ التواتر أو قاربه في الشهرة والاستقامة.
والجواب عن ذلك أنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس أصله في الصحيحين أو أحدهما.
وقد رد شيخنا(3) اعتراض من قال: الأولى أن القسم الأول ما رواه أصحاب الكتب الستة (من له فيه نظر)(4).
والحق أن يقال: إن القسم الأول وهو: ما اتفقا عليه يتفرع فروعا:
أ- أحدها: ما وصف بكونه متواترا.
ب- ويليه: ما كان مشهورا كثير الطرق.
ج- ويليه: ما وافقهما الأئمة الذين التزموا الصحة على تخريجه الذين خرجوا السنن/(ه37/أ) والذين انتقوا المسند.
د- ويليه: ما وافقهما عليه بعض من ذكر.
ه- ويليه: ما انفردا بتخريجه.
__________
(1) في كل النسخ "لا يلزم" وزيادة "لا" خطأ.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص23.
(3) يعني به العراقي حيث قال: "والجواب أن من لم يشترط في كتابه الصحيح لا يزيد تخريجه للحديث قوة نعم، ما اتفق الستة على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه، وإن اتفق عليه الشيخان" التقييد والإيضاح ص41.
(4) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب"وفيه نظر" وكلمة "من له" من تصرف النساخ وهما.(19/22)
فهذه أنواع للقسم الأول وهو ما اتفقا عليه إذ(1) يصدق على كل منها(2) أنهما اتفقا على تخريجه(3).
وكذا نقول فيما انفرد به أحدهما أنه يتفرع على هذا الترتيب فيتبين بهذا أن ما اعترض به عليه أولا وآخرا مردود - والله أعلم - .
تنبيه:
جميع ما قدمنا الكلام عليه من المتفق هو: ما اتفقا على تخريجه من حديث صحابي واحد/(ر37/أ).
أما إذا كان المتن الواحد عند أحدهما من حديث صحابي/(ب75) غير الصحابي الذي أخرجه عنه الآخر مع اتفاق لفظ المتن أو معناه. فهل يقال في هذا أنه من المتفق؟ فيه نظر على طريقة(4) المحدثين.
والظاهر: من تصرفاتهم أنهم لا يعدونه من المتفق، إلا أن الجوزقي منهم استعمل ذلك في "كتاب المتفق" له في عدة أحاديث، وقد قدمنا حكاية ذلك عنه(5) وما/(ي64) يتمشى له ذلك إلا على طريقة الفقهاء ولننظر مأخذ ذلك.
وذلك أن كون ما اتفقا على تخريجه أقوى مما انفرد به واحد منهما له فائدتان:
إحداهما: أن اتفاقهما على التخريج عن راو من الرواة يزيده قوة، فحينئذ ما يأتي من رواية ذلك الراوي الذي اتفقا على التخريج عنه أقوى مما يأتي من رواية من انفرد به أحدهما.
والثاني(6): أن الإسناد الذي اتفقا على تخريجه يكون متنه أقوى من الإسناد الذي انفرد به واحد منهما.
ومن هنا يتبين أن فائدة المتفق إنما تظهر فيما/(ه37/ب) إذا أخرجا الحديث من حديث صحابي واحد.
__________
(1) في كل النسخ "أو" والتصويب من توضيح الأفكار.
(2) من (ي) وفي باقي النسخ "منهما" بضمير التثنية وهو خطأ إذ الضمير راجع إلى الأنواع المذكورة سابقا.
(3) نقل الصنعاني هذا النص من قول الحافظ "والحق أن يقال" إلى هنا في توضيح الأفكار 1/87.
(4) في النسخ جميعها على حقيقة المحدثين والصواب ما أثبتناه.
(5) انظر ص298.
(6) كذا في جميع النسخ والصواب "الثانية".(19/23)
نعم، قد يكون في ذلك الجانب(1) - أيضا - قوة من جهة أخرى وهو أن المتن الذي تتعدد طرقه أقوى من المتن الذي ليس له إلا طريق واحدة(2)، فالذي يظهر من هذا أن لا يحكم لأحد الجانبين بحكم كلي.
بل قد يكون ما اتفقا عليه من حديث صحابي واحد إذا لم يكن فردا غريبا أقوى مما أخرجه أحدهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه الآخر، وقد يكون العكس إذا كان ما اتفقا عليه من حديث صحابي واحد فردا غريبا، فيكون ذلك أقوى منه - والله أعلم -.
تنبيه آخر:
هذه الأقسام التي ذكرها المصنف للصحيح ماشية على قواعد الأئمة ومحققي النقاد إلا أنها قد لا تطرد، لأن الحديث الذي ينفرد به مسلم/(ر37/ب) - مثلا - إذا فرض مجيئه من طرق كثيرة حتى تبلغ التواتر أو الشهرة القوية ويوافقه على تخريجه مشترطو الصحة - مثلا - لا يقال فيه: إن ما انفرد البخاري بتخريجه إذا كان فردا ليس له إلا مخرج واحد أقوى من ذلك، فليحمل إطلاق ما تقدم من تقسيمه على الأغلب الأكثر(3) - والله أعلم -.
أقسام الحديث الصحيح:
وأما ما ذكره الحاكم في كتاب المدخل له أن الصحيح من الحديث ينقسم عشرة أقسام: خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها:
فالأول - من المتفق عليها - اختيار البخاري ومسلم فذكر ما نقلناه عنه في أوائل هذه الفوائد(4).
الثاني: أن لا يكون للصحابي إلا راو واحد. قال: "ولم يخرجا هذا النوع في الصحيح".
الثالث: (أن لا يكون للتابعي إلا راو واحد)(5).
الرابع/(ه38/أ): الأحاديث الأفراد الغرائب التي(6) يتفرد بها ثقة من الثقات.
الخامس/(ب77): أحاديث جماعة عن آبائهم عن أجدادهم لم يأت عن آبائهم إلا عنهم.
__________
(1) في جميع النسخ سوى نسخة (ي) "الحديث الجانب" ولا داعي لكلمة "الحديث" لأنها تفسد الكلام.
(2) نقل الصنعاني هذا الكلام في توضيح الأفكار 1/88.
(3) نقل الصنعاني هذا الكلام في توضيح الأفكار 1/88- 89.
(4) ص239.
(5) ما بين القوسين سقط من "ب".
(6) في النسخ جميعا "الذي" وهو خطأ كما ترى.(19/24)
قال: فهذه الخمسة الأقسام(1) مخرجة في كتب الأئمة محتج بها ولم يخرج منها في الصحيحين غير القسم الأول.
وأما الأقسام المختلف فيها فهي:
1- المراسيل.
2- وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا السماع.
3- والمختلف في وصله وإرساله بين الثقات.
4- وروايات الثقات غير الحفاظ(2).
5- ورواية المبتدعة إذا كانوا صادقين.
هذا حاصل ما ذكره الحاكم مبسوطا مطولا في "كتاب المدخل إلى معرفة الإكليل"(3).
وكل من هذه الأقسام التي ذكرها في هذا المدخل مدخول.
ولولا أن جماعة من المصنفين كالمجد بن الأثير في مقدمة جامع الأصول(4) تلقوا كلامه فيها بالقبول، لقلة اهتمامهم بمعرفة هذا الشأن واسترواحهم إلى تقليد المتقدم/(ر38/أ) دون البحث والنظر لأعرضت عن تعقب كلامه في هذا؛ فإن حكايته خاصة تغني اللبيب الحاذق عن التعقب.
فأقول: أما القسم [الأول](5) الذي ادعى أنه شرط الشيخين فمنقوض بأنهما لم يشترطا ذلك ولا يقتضيه تصرفهما وهو ظاهر بين لمن نظر في كتابيهما.
__________
(1) في (ي) "أقسام" بالتنكير.
(2) في (ر/أ) و(ه) "روايات الثقات عن الحفاظ" وفي (ر/ب) "من" بدل "عن" وما في "ي" وهو الذي أثبتناه وهو الصواب.
(3) من ص7- 16 من المدخل.
(4) من ص160- 171 ج1.
(5) الزيادة من "ي".(19/25)
وأما زعمه: بأنه ليس في الصحيحين شيء من رواية صحابي ليس له إلا راو واحد فمردود بأن البخاري أخرج حديث مرداس الأسلمي - رضي الله عنه - وليس له راو إلا قيس بن أبي حازم في أمثلة كثيرة مذكورة في أثناء الكتاب(1).
وأما قوله: بأنه ليس في الصحيحين من رواية تابعي ليس له إلا راو واحد فمردود - أيضا - [فقد](2) خرج/(ي66) البخاري حديث الزهري عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم(3) ولم يرو عنه غير/(ه39/أ) الزهري في أمثلة قليلة لذلك.
وأما قوله:/(ب78) "إن الغرائب(4) الأفراد ليس في الصحيحين منها شيء فليس كذلك بل فيهما قدر مائتي حديث قد جمعها الحافظ ضياء الدين المقدسي(5) في جزء مفرد.
__________
(1) لعله رجع عن رأيه في الصحابي، فقد نقل السخاوي في فتح المغيث 1/47 ما يأتي قال: "وقد وجدت في كلام الحاكم التصريح باستثناء الصحابة من ذلك وإن كان مناقضا لكلامه الأول"، ولعله رجع عنه إلى هذا فقال: "الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويا غير تابعي واحد معروف احتججنا به وصححنا حديثه، إذ هو صحيح على شرطهما جميعا، فإن البخاري قد احتج بحديث قيس بن أي حازم عن كل من مرداس الأسلمي وعدي بن عميرة، وليس لهما راو غيره، وكذلك احتج مسلم بأحاديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه وأحاديث مجزأة بن زاهر الأسلمي عن أبيه، وحينئذ فكلام الحاكم قد استقام وزال بما تممت به عنه الملام".
(2) الزيادة من "ي".
(3) عمر بن محمد بن جبير بن مطعم، ثقة ما روى عنه غير الزهري من السادسة/خ.تقريب 2/62، والكاشف 2/320 وقال وثقه "س".
(4) الغريب: ما انفرد بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند.
(5) هو الإمام العالم الحافظ الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي صاحب التصانيف النافعة منها: "المختارة" في تسعين جزءا ولم يكمل مات سنة 643. تذكرة الحفاظ 4/1405، وشذرات الذهب 5/224، والأعلام 7/134.(19/26)
وأما قوله: إنه ليس فيهما من روايات من روى عن أبيه عن جده مع تفرد الابن بذلك عن أبيه فمنتقض برواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده(1) وبرواية عبد الله(2) والحسن(3) ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي وغير ذلك.
وفي ذلك ما تفرد به بعضهم وهو في الصحيحين أو أحدهما.
وأما الأقسام الخمسة التي ذكر أنه مختلف فيها وليس في الصحيحين منها شيء فالأول كما قال، نعم، قد يخرجان منه في الشواهد.
في الثاني نظر يعرف من كلامنا في التدليس(4).
وأما ما اختلف في إرساله ووصله بين الثقات، ففي الصحيحين منه جملة/(ر38/ب) وقد تعقب الدارقطني بعضه في كتاب التتبع(5) له وأجبنا عن أكثره(6).
__________
(1) حديث سعيد بن المسيب عن أبي ه عن جده في خ 78- كتاب الأدب 107- باب اسم الحزن حديث 6190 من طريق الزهري عن سعيد عن أبيه عن جده قال بهذا: "أحال به البخاري على حديث سابق عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما اسمك؟ قال: حزن. قال: أنت سهل، قال: لا أغير اسما سمانيه أبي. قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد".
(2) عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو هاشم وأبوه ابن الحنفية ثقة قرنه الزهري بأخيه الحسن من الرابعة مات سنة 9/ع. تقريب 1/448.
(3) الحسن بن محمد بن علي لن أبي طالب الهاشمي أبو محمد المدني وأبوه ابن الحنفية ثقة فقيه يقال: إنه أول من تكلم في الإرجاء من الثالثة، مات سنة 100 وقيل قبلها بسنة./ع. تقريب 1/171، والكاشف 1/227 وقال فيه مات سنة 95.
(4) سيأتي.
(5) تتبع فيه الدارقطني الأحاديث التي رأى أن فيها عللا في صحيحي البخاري ومسلم وهو مخطوط، وتوجد منه نسخة بمكتبة حيدر آباد الدكن رقم 355 وعندي منها صورة، وقد طبع حديثا.
(6) في مقدمة فتح الباري 2/346- 383.(19/27)
وأما روايات الثقات غير الحفاظ، ففي الصحيحين منه جملة - أيضا - لكنه(1) حيث يقع مثل ذلك عندهما يكونان قد أخرجا له أصلا يقويه.
وأما روايات المبتدعة إذا كانوا صادقين، ففي الصحيحين عن خلق كثير من ذلك، لكنهم من غير الدعاة ولا الغلاة، وأكثر ما يخرجان من هذا القسم من غير الأحكام. نعم، وقد أخرجا لبعض الدعاة الغلاة كعمران بن حطان(2) وعباد بن يعقوب(3) وغيرهما، إلا أنهما لم يخرجا لأحد منهم إلا ما توبع عليه.
وقد فات الحاكم من الأقسام المختلف فيها قسم آخر نبه عليه القاضي عياض(4) - رحمه الله تعالى - وهو: رواية المستورين، فإن رواياتهم مما اختلف في قبوله/(ه39/أ) ورده. ولكن يمكن الجواب عن الحاكم في ذلك بأن هذا القسم وإن كان مما اختلف في قبول حديثهم ورده، إلا أنه لم يطلق أحد/(ب79) على حديثهم اسم الصحة. بل الذين قبلوه جعلوه من جملة الحسن بشرطين:
أحدهما: أن لا تكون رواياتهم شاذة.
وثانيهما: أن يوافقهم غيرهم/(ي67) على رواية ما رووه.
فقبولها حينئذ إنما هو باعتبار المجموعية - كما قرر في الحسن - والله أعلم -.
__________
(1) من (ر/أ) وفي باقي النسخ "لكنني". وهو خطأ.
(2) من (ي) وفي باقي النسخ "كعمر بن الخطاب" وهو خطأ فاحش وقع من النساخ وعمران بن حطان - بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين - السدوسي صدوق إلا أنه كان على مذهب الخوارج ويقال: رجع عنه من الثالثة مات سنة 84/خ د س. تقريب 2/82، والكاشف 2/348.
(3) عباد بن يعقوب الرواجني - بتخفيف الواو وبالجيم المكسورة والنون الخفيفة - أبو سعيد الكوفي صدوق رافضي حديثه في البخاري مقرون. بالغ ابن حبان فقال: "يستحق الترك"، من العاشرة. مات سنة 250/خ ت ق. تقريب 1/395، والكاشف 2/63.
(4) هو عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته عياض بن موسى اليحصبي السبتي أبو الفضل له مؤلفات منها: الشفاء وشرح مسلم، ومشارق الأنوار. مات سنة 544. تذكرة الحفاظ 4/1304، والأعلام 5/282.(19/28)
[دعوى ابن عبد السلام والنووي أن أخبار الصحيحين لا تفيد إلا الظن:]
12- قوله ع: "وقد عاب ابن عبد السلام(1) على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته".
وقال النووي: "خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون". فقالوا: "يفيد الظن ما لم يتواتر، وقال في شرح مسلم: لايلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم"(2).
[رد الحافظ على النووي وابن عبد السلام:]
أقول أقر شيخنا هذا من كلام النووي، وفيه نظر/(ر:ل 39/أ) وذلك أن ابن الصلاح لم يقل: إن الأمة أجمعت على العمل (بما فيهما)(3)، وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما(4) فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفصيل، لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض من ناسخ أو مخصص.
__________
(1) هو العلامة عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي المغربي الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن عبد السلام عز الدين أبو محمد فقيه مشارك في الأصول والعربية والتفسير، من شيوخه الآمدي ومن تلاميذه ابن دقيق العيد. مات سنة 660. طبقات الشافعي للأسنوي 2/197، وشذرات الذهب 5/301، ومعجم المؤلفين 5/249.
(2) التقييد والإيضاح ص41- 42 ومقدمة النووي لشرح مسلم ص20.
(3) في كل النسخ (بما فيها) وهو خطأ والصواب ما أثبتناه لأن الحديث عن الصحيحين. ثم وجدته على الصواب في (ي).
(4) كلمة "بما" سقطت من (ر) "ه) وفي (ب) "بها" والصواب ما أثبتناه.(19/29)
وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة، ويؤيد ذلك أنه قال في شرح مسلم ما صورته: "ما اتفقا عليه مقطوع بصدقه لتلقي الأمة له بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري، وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري(1).
ثم حكى عن إمام الحرمين(2) مقالته المشهورة أنه لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في/(هل39:ب) "كتاب البخاري ومسلم" مما حكم بصحته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع/(ب80) علماء(3) المسلمين على صحتهما(4).
فهذا يؤيد ما قلنا أنه ما أراد أنهم اتفقوا على العمل وإنما اتفقوا على الصحة. وحينئذ فلابد لاتفاقهم من مزية، لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول، ولو كان سنده ضعيفا يوجب العمل بمدلوله. فاتفاقهم على تلقي ما صح سنده ماذا يفيد؟
__________
(1) انظر مقدمة شرح مسلم للنووي ص20، انظر مقدمة ابن الصلاح ص24- 25.
(2) هو العلامة الكبير عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو المعالي ركن الدين أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي كان يحضره دروسه أكابر العلماء، له مؤلفات منها البرهان في أصول الفقه والرسالة النظامية في الأركان الإسلامية وكان أعجوبة زمانه، مات سنة 478. طبقات الشافعية للأسنوي 1/409، والنجوم الزاهرة 5/121، والأعلام 4/306.
(3) "كلمة" علماء ليست في (ر).
(4) مقدمة شرح مسلم للنووي ص20.(19/30)
فأما متى قلنا يوجب/(ي68) العمل فقط لزم تساوي الضعيف والصحيح، فلابد للصحيح من مزية. وقد وجدت فيما حكاه إمام الحرمين في البرهان عن الأستاذ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك(1) ما يصرح بهذا التفصيل الذي أشرت إليه؛ فإنه قال(2) في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته.
ثم فصل ذلك فقال: "إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر. وإن تلقوه/(ر39/ب) بالقبول قولا وفعلا حكم بصدقه قطعا وحكى أبو نصر القشيري(3) عن القاضي أبي بكر الباقلاني(4) أنه بين في "كتاب التقريب" أن الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أن يظهر منهم ذلك التواطؤ على أن الخبر صدق، كان ذلك دليلا على الصدق".
قال أبو نصر وحكى إمام الحرمين عن القاضي أن تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق.
__________
(1) محمد بن الحسن بن فورك، أصولي متكلم أديب نحوي واعظ يقال إنه قتله محمود بن سبكتكين سنة 406 لقوله أن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس هو رسول الله اليوم لكنه كان رسول الله. الأعلام 6/313 نقلا عن النجوم الزاهرة 4/240، في النجوم الزاهرة قتله محمود بن سبكتكين بالسم لكونه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا في حياته فقط، وأن روحه قد بطل وتلاشى وليس هو في الجنة عند الله (يعني روحه صلى الله عليه وسلم).
(2) نقل الصنعاني كلام ابن فورك عن الحافظ في توضيح الأفكار 1/125.
(3) هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الشافعي أبو نصر فقيه أصولي مفسر أديب ناثر ناظم من شيوخه إمام الحرمين، مات سنة 514.
هدية العارفين 1/559، وطبقات الأسنوي 2/302، ومعجم المؤلفين 5/207.
(4) هو الإمام محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم البصري، ثم البغدادي المعروف بالباقلاني أبو بكر، متكلم على مذهب الأشعري، له مؤلفات منها: تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، مات سنة 403. النجوم الزاهرة 4/234.(19/31)
ولعل هذا فيما إذا تلقته بالقبول، ولكن يحصل إجماع على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي.
وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في "كتاب الملخص"/(ه40/أ) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول. قال: وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا؟. على قولين: قال: "وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - وأنكروا على من عدل عنه فهل يدل على صحته وقيام الحجة به؟ ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحا بذلك".
وذهب عيسى بن أبان(1) إلى أنه يدل على صحته، انتهى.
فقول الشيخ محيي الدين النووي: "خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون". غير متجه.
بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح(2) فقال: "هذا ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول".
__________
(1) عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى قاض من كبار الحنفية، كان سريعا بإنفاذ الحكم عفيفا، له مؤلفات منها "إثبات القياس" و"اجتهاد الرأي". الأعلام 5/283، وتاريخ بغداد 11/157.
(2) محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ص101.(19/32)
قلت: وكأنه عني بهذا الشيخ تقي الدين بن تيمية فإني(1) رأيت فيما حكاه عن بعض ثقات/(ي69) أصحابه(2) ما ملخصه: الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه أفاد/(ر40/أ) العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي(3) وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية، والشيخ أبي حامد الإسفرائيني(4)
__________
(1) هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة عصره تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني أحد الأعلام، بلغت مؤلفاته ثلاثمائة مجلد منها الفتاوى والمنهاج، توفي سنة 728. تذكرة الحفاظ 4/1496، والنجوم الزاهرة 9/271، والأعلام 1/141.
(2) لعله الإمام ابن القيم فإنه نقل في الصواعق المرسلة ص481- 482 عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما لخصه الحافظ هنا، وانظر فتاوى ابن تيمية ص18، 40، 48، 49، وتفسيرات ابن تيمية ص19.
(3) محمد بن أحمد بن أبي بكر السرخسي شمس الأئمة، متكلم فقيه أصولي مناظر من طبقة المجتهدين في المسائل، من آثاره المبسوط، مات سنة 483. كشف الظنون 2/1580، والأعلام 6/208.
(4) هو العلامة أحمد بن محمد بن أحمد الإسفرائيني من أعلام الشافعية، ألف كتابا منها مطول في أصول الفقه، ومختصر في الفقه سماه "الرونقي"، توفي سنة 406.
طبقات الأسنوي 1/58، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/208، والأعلام 1/203.(19/33)
والقاضي أبي الطيب الطبري(1) والشيخ أبي إسحاق الشيرازي(2) وسليم الرازي(3) وأمثالهم من الشافعية، وأبي عبد الله بن حامد(4)
__________
(1) هو العلامة طاهر بن عبد الله بن عمر الطبري فقيه أصولي جدلي، من آثاره شرح مختصر المزني في الفقه الشافعي، مات سنة 450. تهذيب الأسماء واللغات 2/247، وطبقات الشافعية للسبكي 5/12، ومعجم المؤلفين 5/37.
(2) هو العلامة إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي الشافعي، كان مناظرا ومفتي الأمة في عصره، اشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة، له تصانيف كثيرة منها المهذب في الفقه والتبصرة في أصول الشافعية، مات سنة 476. طبقات الشافعية للسبكي 4/215، والأعلام 1/44.
(3) هو سليم بن أيوب الرازي فقيه شافعي، له مؤلفات منها غريب الحديث والإشارة، كنيته أبو الفتح، مات سنة 447. طبقات الشافعية للأسنوي 1/562، والأعلام 3/176.
(4) هو إمام الحنبلية في زمانه ومدرسهم ومفتيهم: الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي، له مصنفات في العلوم المختلفة منها: الجامع في الفقه الحنبلي نحوا من أربعمائة جزء، مات سنة 403، من تلاميذه القاضي أبي يعلى.
طبقات الحنابلة 2/171، والنجوم الزاهرة 4/232، والبداية والنهاية 11/349.(19/34)
والقاضي أبي يعلى(1) وأبي الخطاب(2) وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الإسفرائيني(3) وأبي بكر ابن فورك وأبي منصور التميمي وابن السمعاني(4) وأبي هاشم الجبائي(5) وأبي عبد الله البصري(6) قال/(ه40/ب): وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث - فذكر ذلك استنباطا وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا
__________
(1) والعلامة محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء أبو يعلى عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، له تصانيف كثيرة منها الإيمان والعدة والكفاية في أصول الفقه، مات سنة 458. طبقات الحنابلة 2/193، وتاريخ بغداد 2/256، والأعلام 6/331.
(2) هو محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني أبو الخطاب إمام الحنبلية في عصره، له مؤلفات منها: التمهيد و"عقيدة أهل الأثر" وله اشتغال بالأدب، مات سنة 510. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/258، والنجوم الزاهرة 5/212، والأعلام 6/178.
(3) هو العلامة: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الفقيه الأصولي الملقب "بركن الدين" له كتاب الجامع في أصول الدين في خمس مجلدات ورسالة في أصول الفقه، مات سنة 418. طبقات الأسنوي 1/59، والأعلام 1/59، وانظر البرهان ص163 حيث قال أبو إسحاق إن المستفيض يفيد العلم النظري.
(4) هو الحافظ البارع العلامة تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن تاج الإسلام محمد بن أبي المظفر منصور التميمي السمعاني صاحب التصانيف منها: الذيل على تاريخ بغداد، مات سنة 562. تذكرة الحفاظ 4/1316، النجوم الزاهرة 5/563.
(5) هو أحد رؤساء المعتزلة: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب أبو هاشم وإليه تنسب الهاشمية من المعتزلة، مات سنة 321. تاريخ بغداد 11/55، البداية والنهاية 11/176.
(6) هو الحسين بن عبد الله البصري المعتزلي متكلم، له مؤلفات كثيرة، مات سنة 367. معجم المؤلفين 4/19.(19/35)
على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي(1) وابن عقيل(2) وغيرهم، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العلم مطلقا. وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده، والأمة إذا عملت بموجبه فالوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن، لأن هذا جزم بلا علم.
والجواب: أن إجماع الأمة معصوم عن الخطأ في الباطن.. وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به، والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدّق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا كالواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ، ومع انضمامه إلى/(ر45/ب) أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق، (انتهى كلامه).
وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده - الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني فإنه قال: "أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن/(ي70) صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها"(3).
كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ.
وقد احترز ابن الصلاح عنه.
وأما قول الشيخ محي الدين: "لا يفيد العلم إلا أن تواتر" فمنقوض بأشياء:
__________
(1) هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي (نسبة إلى قصبة طوس بخرسان) فيلسوف متصوف، له نحو مائتي مصنف منها الإحياء ومقاصد الفلاسفة، مات سنة 505. السبكي: طبقات الشافعية 6/191، والأعلام 7/247.
(2) هو شيخ الحنابلة في وقته ببغداد علي بن عقيل بن محمد أبو الوفاء صاحب الفنون وغيرها من التصانيف المفيدة، مات سنة 513. ابن كثير: البداية والنهاية 12/184، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/259.
(3) أشار إلى هذا في نزهة النظر ص27 نشر المكتبة العلمية بالمدينة.(19/36)
أحدها: الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري/(ه41/أ) وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي(1) والرازي(2)، والسيف الآمدي(3) وابن الحاجب(4) ومن تبعهم.
ثانيها: الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن.
وممن ذهب إلى هذا الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني(5) والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك.
__________
(1) انظر المنخول ص240.
(2) هو محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري الشافعي المعروف بالفخر الرازي مفسر متكلم فقيه أصولي حكيم أديب، مات سنة 606. طبقات الشافعية للأسنوي 2/260، وشذرات الذهب لابن العماد 5/21، والنجوم الزاهرة 6/197.
(3) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2/37 وهو علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الحنبلي ثم الشافعي فقيه أصولي متكلم منطقي حكيم، له مؤلفات منها إحكام الأحكام في الأصول، مات سنة 631. طبقات الشافعي للأسنوي 1/137، ابن كثير: البداية والنهاية 13/140.
(4) هو العلامة عثمان بن عمر بن أبي بكر أبو عمرو جمال الدين بن الحاجب فقيه مالكي من كبار العلماء بالعربية كردي الأصل، من تصانيفه (الكافية في النحو) ومنتهى السول ومختصره في الأصول، مات سنة 646. شذرات الذهب 5/234، والأعلام 4/374، وانظر كلام ابن الحاجب 2/55 حاشية السعد على شرح العضد للمنتهى الأصولي.
(5) جمع الجوامع وشرحه للمحلي مع حاشية البناني 2/130.(19/37)
وقال الأبياري(1) - شارح البرهان - بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة: "بأن العرف واطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعا بل قصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد". أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك، ومال إليه الغزالي. وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري، وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك، فقال: المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك.
ثالثها: ما قدمنا/(ر41/أ) نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول. ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق.
__________
(1) في كل النسخ الأنباري بالنون والباء وهو خطأ والأبياري صاحب الترجمة هو علي بن إسماعيل بن علي بن حسن بن عطية (شمس الدين أبو الحسن) فقيه أصولي متكلم من تصانيفه شرح البرهان، مات سنة 616. معجم المؤلفين 7/37.(19/38)
ثم بعد تقرير ذلك كله جميعا لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه(1) أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العلم الضروري الذي لا يقبل التشكيك، وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك، ولهذا تخلفت إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين - والله أعلم -/(ه41/ب).
وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح "والعلم اليقيني النظري حاصل به"(ي71) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام.
أما اليقيني فمعناه القطعي، فلذلك أنكر عليه من أنكر، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده، وإنما/(ب84) يقع الترجيح في مفهوماته. ونحن نجد علماء هذا الشأن قديما وحديثا يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية، فلو كان الجميع مقطوعا به (ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى)(2) لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم، فالصواب الاقتصار في هذه(3) المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه - والله أعلم.
__________
(1) لكن من تقدم ابن الصلاح قد قال: إنه يفيد العلم اليقيني كما نقل الحافظ نفسه عن أبي إسحاق الإسفرائيني أنه قال: "أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع" انظر ص377 وكذا ما نقله عن شيخه البلقيني أنه نقل عن بعض المتأخرين عن جمع من الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول. وكذا في الكلام الذي لخصه عن ابن تيمية فإنه قال في خلاله "فهذا يفيد العلم اليقيني" وانظر الصواعق المرسلة ص482.
(2) مابين القوسين سقط من (ب).
(3) في (ي) "في هذا الموضع".(19/39)
13- قوله ع(1): "ما ادعاه من أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه أبو الفضل بن طاهر(2) وأبو نصر بن يوسف(3)".
أقول: أراد الشيخ بذكر هذين الرجلين كونهما من أهل الحديث وإلا فقد قدمنا من كلام جماعة من أئمة الأصول موافقته على ذلك وهم قبل ابن الصلاح.
نعم، وسبق ابن طاهر إلى القول بذلك جماعة من المحدثين كأبي بكر الجوزقي وأبي عبد الله الحميدي/(رل41/ب) بل نقله ابن تيمية(4) كما تقدم عن أهل الحديث قاطبة.
14- قوله ع(5): "إن ما استثناه من المواضع قد أجاب العلماء عنها، ومع ذلك ليست يسيرة بل هي كثيرة جمعتها مع الجواب عنها في تصنيف".
أقول: "كأن مسودة هذا التصنيف ضاعت(6) وقد طال بحثي عنها وسؤالي من الشيخ أن يخرجها لي فلم أظفر بها، ثم حكى ولده/(ه42/أ) أنه ضاع منها كراسان أولان فكان ذلك سبب إهمالها وعدم انتشارها".
قلت: وينبغي الاعتناء بمقاصد ما لعلها اشتملت عليه.
فأقول: أولا اعتراض(7) الشيخ على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة وبكونه قد جمعها وأجاب عنها لا يمنع استثناءها.
أما كونها ليست يسيرة فهذا/(ي72) أمر نسبي. نعم هي بالنسبة إلى ما لا مطعن فيه من الكتابين يسيرة جدا/(ب85).
وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع ذلك استثناءها، لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع على التلقي.
[تعين استثناء الأحاديث المنتقدة في الصحيحين من تلقيها بالقبول:]
__________
(1) التقييد والإيضاح ص41، 42. وقد سقط الرمزان إلى العراقي من كل النسخ.
(2) انظر شروط الأئمة الستة لابن طاهر ص13.
(3) هو عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي روى عن ابن بيان وجماعة وكان خياطا. توفي سنة 574. شذرات الذهب لابن عماد 4/248 وانظر التقييد والإيضاح ص41.
(4) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية المجلد 18/17.
(5) التقييد والإيضاح ص41، 42. وقد سقط الرمزان إلى العراقي من كل النسخ.
(6) كلمة "ضاعت" سقطت من (ب).
(7) في (ه) اعترض.(19/40)
فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي فيتعين استثناؤها (1) وقد اعتنى أبو الحسن الدارقطني بتتبع ما فيهما من الأحاديث المعللة فزادت على المائتين.
ولأبي مسعود الدمشقي في أطرافه انتقاد عليهما. ولأبي الفضل بن عمار تصنيف لطيف في ذلك وفي كتاب التقييد لأبي علي الجياني جملة في ذلك.
والكلام على هذه الإنتقادات من حيث التفصيل من وجوه:
منها: ما هو مندفع بالكلية.
ومنها: ما قد يندفع:
1- فمنها: الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة من الثقات ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه فاحتمال كون هذا الثقة غلط ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة/(ر42/أ) فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة.
2- ومنها: الحديث المروي من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه. فيعلل بكونه روي عنه بواسطة كالذي يروى عن سعيد المقبري/(ه42/ب) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ويروى عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
وأن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون ذلك الواسطة.
ويلتحق بذلك ما يرويه التابعي عن الصحابي، فيروى من روايته عن صحابي آخر، فإن هذا يكون سمعه منهما فيحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا.
__________
(1) في إطلاق هذا الاستثناء نظر والصواب في نظري التفصيل: "فإذا كان الحديث المنتقد في الكتابين ليس له إلا إسناد واحد وتوجه إليه النقد فإنه يستثنى من التلقي بالقبول. وإن كان له طريق أو طرق أخرى في الصحيحين أو أحدهما وسلمت من النقد فإنه داخل فيما تلقي بالقبول ومقطوع بصحته كسائر أحاديث الصحيحين سواء بسواء".(19/41)
كما قال علي بن المديني في حديث رواه عاصم(1) عن أبي قلابة(2) عن أبي الأشعث(3) عن شداد بن أوس(4).
ورواه/(ب86) يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء(5) عن ثوبان(6) - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) هو عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري ثقة من الرابعة، مات سنة 142. الكاشف 2/49، والتقريب 1/384.
(2) هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال فيه نصب يسير، مات سنة 104/ع. تقريب 1/417، والكاشف 2/88.
(3) هو شراحبيل بن آده - بالمد وتخفيف الدال - أبو الأشعث الصنعاني ثقة من الثانية/بخ م 4. تقريب 1/348، والكاشف 2/7.
(4) شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري أبو يعلى صحابي/ع، مات سنة 58.
تقريب 1/347، والكاشف 2/5. والحافظ لم يذكر نص الحديث الذي أشار إليه وهو حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه حم 4/124، والدارمي 1/347 كلاهما من طريق يزيد بن هارون عن عاصم عن أبي قلابة به، وانظر تحفة الأشراف 4/242، وقد أشار إلى الاختلاف على أبي قلابة ونسبه إلى أبي داود والنسائي.
(5) هو عمرو بن مرثد أبو أسماء الرحبي - بفتح الحاء - الدمشقي ثقة من الثالثة، مات في خلافة عبد الملك/بخ م 4. تقريب 2/78، والكاشف 2/342.
(6) ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أبو أسماء (الرحبي) وخالد بن معدان وخلق، توفي سنة 54/م4. الكاشف 1/175،ـ والإصابة 1/205.
والحديث المشار إليه هو أيضا "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه د 8 - كتاب الصوم 28- باب في الصائم يحتجم حديث 2367 وحم 5/277، 283، دي 1/347، وجه 7- كتاب الصيام 18- باب ما جاء في الحجامة للصائم كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير به، وانظر تحفة الأشراف 2/137 حديث 2104.(19/42)
قال: "ما أرى الحديثين إلا صحيحين(1)، لإمكان أن يكون أبو قلابة سمعه من كل منهما".
قلت: "هذا إنما يطرد حيث يحصل الاستواء في الضبط والإتقان".
3- ومنها:/(ي73) ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير إلى انه يروى مرسلا فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله.
4- ومنها: ما تكون علته مرجوحة بالنسبة إلى صحته كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا، أو يرويه ثقة متصلا ويرويه ضعيف(2) منقطعا.
ومسألة التعليل بالانقطاع وعدم اللحاق(3) قلَّ أن تقع في البخاري بخصوصه لأنه معلوم أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء.
وإذا اعتبرت هذه الأمور من(4) جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ومن أراد حقيقة ذلك فليطالع/(ر42/ب) (ه43/أ) المقدمة التي كتبتها لشرح صحيح البخاري فقد بينت فيها ذلك بيانا شافيا(5)- بحمد الله تعالى.
15- قوله ع: "وما اشترطه المصنف من المقابلة بأصول متعددة - قد خالفه فيه الشيخ محيي الدين(6) - ثم قال: وفي كلام ابن الصلاح في موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط ذلك(7)".
__________
(1) قال الترمذي بعد أن روى الحديث بإسناده عن رافع بن خديج مرفوعا، وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: "أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج"، وذكر عن علي بن المديني أنه قال أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس؛ لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة الحديثين جميعا: حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس. الترمذي 3/136.
(2) من(ر)، وفي (ه) و(ب) "ثقة" وهو خطأ.
(3) يريد باللحاق اللقي.
(4) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب "في".
(5) انظر ص347- 348 من مقدمة الفتح.
(6) قال محيي الدين: "وإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه" التقييد والإيضاح ص43.
(7) التقييد والإيضاح ص43.(19/43)
أقول: "ليس بين كلاميه مناقضة. بل كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه علل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا، فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدهما بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول المتعددة، ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد".
وأما قوله في الموضع الآخر(1) "ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول" فلا ينافي قوله المتقدم، لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا - والله أعلم -.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص32.(19/44)
النوع الثاني: الحسن
32- قوله (ص): "قال الخطابي(1)... الخ".
نازعه الشيخ تقي الدين بن تيمية فقال: "إنما هذا اصطلاح/(ي74) للترمذي، وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح، ثم قد يكون متروكا وهو أن يكون راويه متهما أو كثير الغلط، وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب"، قال: "وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من القياس".
قال: "وهذا كضعف المريض فقد يكون ضعفه قاطعا فيكون صاحب فراش عطاياه من الثلث، وقد يكون ضعف غير قاطع له فيكون عطاؤه من رأس المال/(ه43/ب) كوجع الضرس والعين. ونحو ذلك(2)..." انتهى.
ويؤيده قول البيهقي(3) - في رسالته إلى أبي محمد الجويني(4) -: "الأحاديث المروية ثلاثة أنواع:
1- نوع اتفق أهل العلم على صحته.
__________
(1) هو الأمام العلامة المفيد المحدث الرحالة أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، من تصانيفه (معالم السنن) في شرح سنن أبي داود، مات سنة 388. تذكرة الحفاظ 3/1018، والنجوم الزاهرة 4/199، ومعجم المؤلفين 2/61. وكلام ابن الصلاح "روينا عن أبي سليمان الخطابي - رحمه الله - أنه قال بعد حكايته إن الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها" مقدمة ابن الصلاح ص26.
(2) المجلد الثامن عشر من فتاوى ابن تيمية ص23، 25 قسم الحديث.
(3) الإمام الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن الحسين بن على بن موسى البيهقي صاحب التصانيف منها (الأسماء والصفات)، و(السنن الكبرى) مات سنة 458. تذكرة الحفاظ 3/1134، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/198، والنجوم الزاهرة 5/77.
(4) هو الإمام العلامة عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو محمد من علماء التفسير والفقه واللغة وهو والد إمام الحرمين، له مؤلفات منها (إثبات الاستواء)، و(التفسير الكبير)، و(التبصرة والتذكرة في الفقه)، مات سنة 438.
طبقات الأسنوي 1/338، والأعلام 4/290.(20/1)
2- ونوع اتفقوا على ضعفه.
3- ونوع اختلفوا في/(ر ل43/أ) ثبوته، فبعضهم صححه وبعضهم يضعفه لعلة تظهر له بها إما(1) أن يكون خفيت العلة على من صححه، وإما أن يكون لا يراها معتبرة قادحة"(2)
قلت: وأبو الحسن ابن القطان(3) في الوهم والإيهام يقصر نوع الحسن على هذا كما سيأتي/(ب88) البحث فيه في قول المصنف أن الحسن يحتج به(4).
33- قوله (ص): "وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل(5) ...الخ".
أقول بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق، وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث، فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف.
وأما الذي سكت عنه وهو: حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه ليس عنده من قبيل الحسن.
فقد صرح بأن رواية المجهول من قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل، والمستور(6) قسم من المجهول(7).
__________
(1) كلمة "إما" ليست في كل النسخ وفي هامش (ه)، "ظ أما".
(2) المجلد الأول من مجموع الرسائل المنيرية، ص 287.
(3) هو الحافظ العلامة الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي له مصنفات منها (بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام) لعبد الحق الإشبيلي. مات سنة 628. تذكرة الحفاظ 4/1407، والأعلام 5/152.
(4) ص 401.
(5) مقدمة ابن الصلاح، ص 28.
(6) المستور هو من روى عنه أكثر من اثنين ولم يوثق.
(7) والمجهول: من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق. تقريب 1/5.(20/2)
وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث، بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا/(ي75) بل المعرف به عنده وهو حديث المستور - على ما فهمه المصنف - لا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن(1) وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور، بل يشترك/(ه44/أ) معه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالغلط والخطأ وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي:
1- أن لا يكون فيهم من يتهم(2) بالكذب.
2- ولا يكون الإسناد شاذا.
3- وأن يروى مثل ذلك الحدي أو نحوه من وجه آخر فصاعدا(3) وليس كلها في المرتبة على حد السواء بل بعضها أقوى من بعض.
ومما يقوي/(ر43/ب) هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا، بل أطلق ذلك فلهذا وصف كثيرا من الأحاديث المنقطعة بكونها حسانا.
[أمثلة لما يحسنه الترمذي:]
ولنذكر لكل نوع من ذلك مثلا من كلامه، يؤيد ما قلناه. فأما أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية المستور فكثير لا نحتاج إلى الإطالة بها، وإنما نذكر أمثلة لما زدناه على ما عند المصنف - رحمه الله –.
__________
(1) نقل الصنعاني هذا النص من قول الحافظ، "أقول: بين الخطابي والترمذي فرق" إلى هنا. توضيح الأفكار 1/167.
(2) في (ه) "من لا يتهم" وهو خطأ.
(3) انظر هذه الشروط في كتاب العلل 5/758 من الجامع للترمذي.(20/3)
1- فمن أمثلة ما وصف بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله(1) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة(2) عن أبيه(3) قال: "إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟" قالت: نعم. قال: فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -". قال الترمذي: هذا حديث حسن(4).
__________
(1) عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ضعيف من الرابعة مات أول خلافة بني العباس سنة 132/ عخ د ت س ق. تقريب 1/384.
(2) عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي المدني وثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين/ع. تقريب 1/425، والكاشف 2/99.
(3) هو عامر بن ربيعة العنزي حليف آل الخطاب من البدريين أسلم قديما وهاجر، مات ليالي قتل عثمان. الكاشف 2/54، والإصابة 2/240.
(4) ت 9 - كتاب النكاح 22 - حديث 1113، لكن قال الترمذي: حديث حسن صحيح فلم يقتصر على وصفه بالحسن وجدته كذلك في عدد من نسخ الترمذي وانظر الترمذي ط الفجر الجديد - حمص 4: 170؛ والهندية 1/152، والترمذي مع تحفة الأحوذي 4/250. وانظر تحفة الأشراف 4: 222؛ فإنه نقل عن الترمذي أنه نقل عن الترمذي أنه قال: "حسن صحيح".(20/4)
وفي الباب عن عمر(1) وأبي هريرة(2) وعائشة(3) وأبي حدرد(4) رضي الله عنهم.
وذكر جماعة غيرهم. وعاصم بن عبيد الله ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه.
وقد حسن الترمذي/(ي76) حديثه/(ه44/ب) هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم.
__________
(1) في د 6 - كتاب النكاح - 29 - باب الصداق حديث 2106، ت 9كتاب النكاح حديث 1114, ن 6: 96, جه 9 - كتاب النكاح - 1887, دي 2: 65 حديث 2206, حم 1 :41, 48 ولفظه قال عمر: "لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد - صلى الله عليه وسلم - ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية...".
(2) حديث أبي هريرة في م 16 - كتاب النكاح - 12- باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها حديث 75 ومنه "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني تزوجت امرأة من الأنصار... قال: "على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل...".
(3) حديث عائشة في حم 6 :82, 145 بلفظ: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة".
(4) حديث أبي حدرد في حم 3: 448 ولفظه عن أبي حدرد الأسلمي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه في مهر امرأة فقال: كم أمهرتها؟ قال: مائتي درهم فقال: "لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم".(20/5)
2- ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس(1) عن مجالد(2) عن أبي الوداك(3), عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان عندنا خمر ليتيم, فلمّا نزلت المائدة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: "إنه ليتيم", فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أهريقوه". قال: هذا حديث حسن(4).
قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس(5) وغيره رضي الله عنهم.
__________
(1) عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة - أخو إسرائيل كوفي نزل الشام مرابطا ثقة مأمون من الثامنة مات سنة 187/ ع. تقريب (2: 103)؛ (الكاشف 2: 373).
(2) مجالد - بضم أوله وتخفيف الجيم - ابن سعيد بن عمير الهمداني بسكون الميم - أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره، من صغار السادسة مات سنة 144/ م 4. تقريب (2: 229)؛ تهذيب التهذيب (10: 39).
(3) هو جبر بن نوف - بفتح النون وآخره فاء - الهمداني البكالي - بكسر الموحدة وتخفيف الكاف - كوفي صدوق يهم من الرابعة/م د ت س ق. تقريب (1/125)، الكاشف (1/ 179) وقال: ثقة.
(4) ت 12 كتاب البيوع باب ما جاء في نهي المسلم أن يدفع الخمر إلى الذمي يبيعها . حديث 1263 وقال الترمذي عقبه حسن صحيح، وهذا في النسخة التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي والنسخة التي حققها الدعاس (2/554)، أما النسخة التي مع تحفة الأحوذي ط السلفية وكذا تحفة الأشراف ففيهما حسن فقط. انظر تحفة الأشراف (3/339) حديث 3991.
(5) حديث أنس في ت 12 كتاب البيوع 59 باب النهي أن يتخذ الخمر خلا. ولفظه: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيتخذ الخمر خلا؟ فقال: لا". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي م36 - كتاب الأشربة حديث 11.(20/6)
وأشد من هذا ما رواه من طريق الأعمش/(ر/44/أ) عن إسماعيل بن مسلم(1) عن الحسن(2) عن عبد الله بن المغفل(3) رضي الله عنه في الأمر بقتل الكلاب وغير ذلك. قال: "هذا حديث حسن"(4).
قلت: "وإسماعيل اتفقوا على تضعيفه ووصفه بالغلط وكثرة الخطأ لكنه عضده بأن قال: "روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن مثله".
يعني لمتابعة إسماعيل بن مسلم عن الحسن(5).
__________
(1) إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق، كان من البصرة، ثم سكن مكة، كان فقيها ضعيف الحديث من الخامسة/تق. تقريب 1/74، ميزان الاعتدال 1/248.
(2) الحسن بن أبي حسن البصري الأنصاري، مولاهم، ثقة،فقيه فاضل مشهور، كان يرسل كثيرا، ويدلس، وهو رأس الطبقة الثالثة مات سنة 110/ع. تقريب 1/165، تذكرة الحفاظ 1/71.
(3) عبد الله بن المغفل - بمعجمة وفاء كمعظم - بن عبد نهم، المزني أبو زياد، بايع تحت الشجرة، كان من نقباء الصحابة، مات سنة 57. الخلاصة ص215، الإصابة 2/364.
(4) ت 19 - كتاب الأحكام والفوائد 4 - باب ما جاء من أمسك كلبا ما ينقص من أجره حديث 1489 ولفظه: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم..." وقال بعده: "حديث حسن" وهذا في عدد من نسخ الترمذي وكذا تحفة الأشراف 7/174.
(5) من المتابعات التي أشار إليها ما رواه الترمذي 19 - كتاب الأحكام والفوائد 3 - باب ما جاء في قتل الكلاب حديث 1486 من طريق منصور بن زاذان ويونس بن عبيد، د 11 - كتاب الصيد باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره حديث 2845، ن 7/163، جه 28 - كتاب الصيد - باب النهي عن اقتناء الكلاب إلا كلب صيد حديث 3205، حم 4/85 كلهم من طريق يونس عن الحسن به، دي 2/18 حديث 2014 من طريق عوف عن الحسن به وقال الترمذي عقبه: "حديث عبد الله بن المغفل حديث حسن صحيح".(20/7)
ومثله ما رواه من طريق علي بن مسهر(1) عن عبيد بن معتب(2) عن إبراهيم عن الأسود(3) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نحيض عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نطهر فيأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة"(4). قال "هذا حديث حسن".
قلت: "وعبيدة ضعيف جدا قد اتفق أئمة النقل على تضعيفه إلا أنهم لم يتهموه بالكذب"./(ه45/أ)
ولحديثه أصل من حديث معاذة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - مخرج في الصحيح(5)، فلهذا وصفه بالحسن.
__________
(1) علي بن مسهر - بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء - القرشي الكوفي قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر. من الثامنة مات سنة 189. تقريب 2/44، الكاشف 2/295.
(2) عبيدة بن معتب - بكسر المثناة الثقيلة بعدها موحدة - الضبي أبو عبد الرحيم الكوفي الضرير ضعيف واختلط بآخره، من الثامنة خت د ت ق. تقريب 1/548، الكاشف 2/242 وفيه قال أحمد: تركوا حديثه.
(3) وفي كل النسخ إبراهيم بن الأسود وهو خطأ والصواب عن الأسود.
(4) ت 6 -كتاب الصيام 68 - حديث 787 وقال الترمذي عقبه: "حديث حسن" وقد روي عن معاذة عن عائشة" وهو كذلك في كثير من النسخ، انظر تحفة الأحوذي 3/498، وعارضة الأحوذي 3/312 وهنا ملاحظة وهي: إذا كان حكم الترمذي لهذا الحديث بالحسن ليس استنادا إلى إسناد معتب بل بالنظر إلى حديث معاذة وهو في الصحيحين وغيرهما فلماذا لم يحكم له بالصحة؟
(5) خ 6 - كتاب الحيض 20 - باب لا تقضي الحائض الصلاة حديث 222، م 3 - كتاب الحيض 15 - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة حديث 67 - 69، د 1 - كتاب الطهارة 105 باب في الحائض لا تقضي الصلاة حديث 262، ت - أبواب الطهارة 97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة حديث 130، 1: 157، جه 1- كتاب الظهارة 119- باب الحائض لا تقضي الصلاة حديث 631 ولفظه من مسلم قالت: "كانت يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".(20/8)
ويؤيد هذا ما رويناه عن أبي زرعة الرازي أنه سئل عن أبي صالح(1) كاتب الليث، فقال: "لم يكن ممن يتعمد الكذب، ولكنه كان يغلط وهو عندي حسن الحديث"(2).
3- ومن/(ي77) أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه، ما رواه من طريق يزيد بن هارون(3) عن المسعودي(4) عن زياد بن علاقة(5) قل: "صلى بنا المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم".
__________
(1) هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة 222. خت د ت ق.
تقريب 1/423، الكاشف 2/96.
(2) هذا يتوقف على معرفة مذهب أبي زرعة هل يريد بالحسن الحسن اللغوي أو الاصطلاحي الذي يستعمله الترمذي، وذلك أن بعض الأئمة يطلق الحسن على روايات بعض الضعفاء ويرى عدم الاحتجاج بها كابي حاتم قرين أبي زرعة.
انظر فتح المغيث 1/68.
(3) يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد من التاسعة مات سنة 206/ع.
تقريب 2/372، تذكرة الحفاظ 1/317.
(4) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق اختلط قبل موته، وضابطه أنه من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، من السابعة مات سنة 160/خت4. تقريب 1/487، ميزان الاعتدال 2/574.
(5) زياد بن علاقة - بكسر المهملة وبالقاف - الثعلبي - بالمثلثة والمهملة - أبو مالك الكوفي ثقة رمي بالنصب، من الثالثة، مات سنة 135 وقد جاوز المائة/ع. تقريب 1/269، الخلاصة ص125 وقال توفي سنة 125.(20/9)
وقال: "هكذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم –". قال: هذا حديث حسن(1).
قلت: "والمسعودي اسمه: عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد منه بعد أن اختلط.
وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضها عند المصنف(2) أيضا - رحمة الله تعالى عليه - والله أعلم./(ر44/ب)".
__________
(1) ت أبواب الصلاة 269 - باب ما جاء في الإمام ينهض في ركعتين ناسيا، حديث 365 وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح، كذا في النسخة التي حققها أحمد شاكر والنسخة الهندية 1/68، والنسخة التي حققها الدعاس طبعة حمص 2/39، وأشار أحمد شاكر إلى اختلاف النسخ فقال: كلمة صحيح لم تذكر في م والحديث صحيح ت 2/201. علما بأن أحمد شاكر قد اعتمد في تحقيقه لسنن الترمذي سبع نسخ وعلى هذا فست نسخ منها فيها كلمة صحيح.
(2) ت في نفس الباب حديث 364 من طريق ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة وقال عقبه: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة - رواه سفيان عن جابر عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة. وجابر الجعفي قد ضعفه بعض أهل العلم، تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهما.(20/10)
4- ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثنى بن سعيد(1) عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين". قال: "هذا حديث حسن"(2).
وقد قال بعض أهل العلم: "لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل/(ه45/ب) البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روى هذا بصيغة العنعنة، وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود(3) وغيره - رضي الله عنهم -.
ومن ذلك ما رواه من طريق هشيم(4)
__________
(1) المثنى بن سعيد الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو سعيد البصري القسام القصير ثقة م السادسة/ع. تقريب 2/228، تهذيب التهذيب 10/35-34.
(2) ت 8 - كتاب الجنائز 10 - باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين حديث 972 وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن وانظر تحفة الأشراف 2/88- 89، حديث 1992 ونقل عن الترمذي أنه قال: حسن والنسخة مع عارضة الأحوذي 4/205 وقال حسن والنسخة الهندية 1/137 وقال: حسن. وقد قال بعض أهل العلم لا نعرف لقتادة سماعا من عبد الله بن بريدة، وأخرج هذا الحديث ابن ماجه 6- كتاب الجنائز 5- باب ما جاء في المؤمن يؤجر بالنزع حديث 1452 من طريق المثنى بن سعيد به والنسائي 4/6 من طريق المثنى أيضا به ومن طريق محمد بن معمر حدثنا يوسف بن يعقوب قال: حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن أبيه به ومحمد بن معمر ويوسف كلاهما صدوق ورواه أحمد 5/350، 357، 360 من طريق المثنى به.
(3) حديث ابن مسعود في مجمع الزوائد 2/325 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.
(4) هشيم بالتصغير - بن بشير - بوزن عظيم - بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة مات سنة 183.
تقريب 2/320، الكاشف 3/224.(20/11)
عن يزيد عن أبي زياد(1) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن/(ب92) البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب". قال: "هذا حديث حسن"(2).
قلت: "وهشيم موصوف بالتدليس، لكن تابعه عنده أبو يحيى التيمي"(3).
وللمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري(4) وغيره - رضي الله تعالى عنهم -.
__________
(1) يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف، كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعيا من الخامسة مات سنة 136/خت م 4. تقريب 2/365، الكاشف 3/278.
(2) ت أبواب الصلاة باب 381 حديث 529، وانظر تحفة الأشراف 2/29 وقال: "حسن".
(3) حديث أبي يحيى التيمي عن يزيد عن أبي زياد به في ت 381 باب ما جاء في السواك والطيب حديث 528 ورواه أحمد 4/283 من طريق عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد، وأبو يحيى التيمي هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول الكوفي ضعيف من الثامنة ت ق. تقريب 1/66 ورواية عبد العزيز بن مسلم تعتبر متابعة أخرى لهشيم.
(4) حديث أبي سعيد الخدري في خ - كتاب الجمعة 3 باب الطيب للجمعة حديث 880 ولفظه: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن ويمس طيبا إن وجد" فحديث أبي سعيد شاهد لحديث الراء إلا في قوله "فالماء له طيب" وعلى هذا فكان الصواب أن يقال حسن صحيح.(20/12)
5- ومن/(ي78) أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد - ما رواه من طريق عمرو بن مرة(1) عن أبي البختري عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر في العباس - رضي الله تعالى عنه -: "إن عم الرجل صنو أبيه". وكان عمر - رضي الله عنه - تكلم في صدقته. وقال: هذا حديث حسن(2).
قلت: "أبو البختري: اسمه سعيد بن فيروز(3) ولم يسمع من علي - رضي الله تعالى عنه –".
فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة(4) وغيره/(ر45/أ) وأمثلة ذلك عنده كثيرة.
وقد صرح هو ببعضها.
فمن ذلك ما رواه من طريق الليث عن خالد بن يزيد(5)
__________
(1) عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي - بفتح الجيم والميم - المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء، من الخامسة مات سنة 118 وقيل قبلها/ع. تقريب 2/78، الكاشف 2/343 وقال مات سنة 116.
(2) ت 50 - كتاب المناقب 29 - باب مناقب العباس حديث 3760. وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح. وهذا في طبعة الحلبي تحقيق إبراهيم عطوة والنسخة مع عارضة الأحوذي نشر مكتبة المعارف 13/188. أما النسخة الهندية 2/219 والنسخة طبعة المدني مع تحفة الأحوذي 10/266 - مع عدم الوثوق بالأخيرة - ففيهما "حسن" فقط.
(3) سعيد بن فيروز أبو البختري - بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة - ابن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فيه تشيع قليل، كثير الإرسال، من الثالثة/ع مات سنة 83.
تقريب 1/303، الكاشف 1/371.
(4) حديث أبي هريرة في م 12 - كتاب الزكاة 3 - باب في تقديم الزكاة حديث 11، ت 50 - المناقب 29 - باب مناقب العباس حديث 3761 وقال عقبة: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، د 3 كتاب الزكاة 21 - باب في تعجيل الزكاة حديث 1623، حم 1/94.
(5) خالد بن يزيد أبو عبد الرحيم المصري، فقيه ثقة، عن عطاء والزهري وعنه الليث، توفي سنة 139/ع.
الكاشف 1/276، التقريب 1/220.(20/13)
عن سعيد بن أبي هلال(1) عن إسحاق بن عمر(2) عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: "ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة لوقتها الآخر مرتين(3)/(ه46/أ) حتى قبضه الله عز وجل".
__________
(1) سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم أبو العلاء المصري، صدوق إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط، من السادسة مات سنة 135. تقريب 1/307، الكاشف 1/374.
(2) إسحاق بن عمر عن عائشة وعنه سعيد بن أبي هلال مجهول.
الكاشف 1/112، التقريب 1/59، ميزان الاعتدال 1/195 وقال: "تركه الدارقطني" وقال الذهبي: "روي عنها (يعني عائشة): "ما صلى رسول الله صلى اله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر إلا مرتين".
(3) كذا في جميع النسخ، وقد علق أحمد شاكر في سنن الترمذي على هذا الموضع فقال: اختلفت نسخ الترمذي في هذه الجملة اختلافا كثيرا، فما هنا هو الذي في (ب) و(ه) و(ك) وهو الموافق لرواية الحاكم من طريق قتيبة، ولرواية البيهقي عن الحاكم. وفي م كلمة مرتين وهو خطأ من الناسخ فيما أظن وفي ن "لوقتها الآخر إلى مرتين" بزيادة "إلا" وهو يوافق ما نقله الزيلعي في نصب الراية 1/127 وصاحب جمع الفوائد 1/60 كلاهما عن الترمذي وفي ع "لوقتها الآخر إلا مرتين من عذرين" وكلمة من عذرين لم أجد لها ما يؤيدها. هامش الجزء الأول من سنن الترمذي تحقيق شاكر ص328.(20/14)
قال: "هذا حديث حسن"(1) وليس إسناده بمتصل.
وإنما وصفه بالحسن لما عضده من الشواهد من حديث أبي برزة الأسلمي(2) وغيره.
وقد حسن عدة أحاديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود(3) عن أبيه وهو لم يسمع منه عند الجمهور(4). وحديثاً من رواية أبي قلابة الجرمي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقال بعده: "لم يسمع أبو قلابة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها –".
__________
(1) ت أبواب الصلاة 127 - باب ما جاء في الوقت الأول من االفصل حديث 174، وقال عقبة "هذا حديث (حسن) غريب" وقد وضع أحمد شاكر كلمة "حسن" بين قوسين وقال: الزيادة من ن، ع، ب ولم يذكرها الزيلعي في نصب الراية ولا ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة إسحاق بن عمر عندما نقلا كلام الترمذي والأمر كما قال أحمد شاكر فإن الزيلعي أورد الحديث في نصب الراية 1/244 وعزاه إلى الترمذي ونقل عنه أنه قال: "غريب" وليس إسناده بمتصل. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب 1/244 في ترجمة إسحاق ابن عمر: "هو مجهول روى له الترمذي حديثا واحدا في مواقيت الصلاة وقال: غريب وليس إسناده بمتصل".
(2) هو صحابي جليل نضلة بن عبيد الأسلمي مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات مات سنة 65 على الصحيح. تقريب 2/302، الإصابة 3/526.
(3) أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، والأشهر أن لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه مات بعد 80/4. تقريب 2/448.
(4) من الأحاديث التي رواها الترمذي عن أبي عبيدة عن أبيه حديث يتضمن استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر 24 كتاب الجهاد 34 باب ما جاء في المشورة حديث 1714 وقال: "عقبه هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه".(20/15)
ورأيت لأبي عبد الرحمن النسائي نحو ذلك، فإنه روى حديثا من رواية أبي عبيدة عن أبيه، ثم قال: أبو عبيدة لم يسمع/(ب93) من أبيه إلا(1) أن هذا الحديث جيد(2).
وكذا قال - في حديث رواه من رواية عبد الجبار بن وائل بن حجر(3): عبد الجبار لم يسمع من أبيه لكن الحديث في نفسه جيد.
إلى غير ذلك من الأمثلة.
وذلك مصير منهم إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية.
وإذا تقرر ذلك كان من رأيه - أي الترمذي - أن جميع ذلك إذا اعتضد لمجيئه من وجه آخر أو أكثر نزل منزلة الحسن احتمل ألا يوافقه/(ي79) غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكونه حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده(4) فيه ولهذا أطلق الحسن لما عرف به فلم يقيده بغرابة ولا غيرها ونسبه إلى نفسه ومن يرى رأيه فقال: "عندنا كل حديث" إلى آخر كلامه الذي ساقه شيخنا/(ر45/ب) بلفظه(5)
__________
(1) في كل النسخ "لأن هذا الحديث جيد" وأنت ترى أن الكلام غير مستقيم والصواب ما أثبتناه.
(2) وجدت في سنن النسائي 3/86 عقب حديث خطبة الحاجة الذي رواه النسائي من طريق أبي عبيدة عن أبيه هذا الكلام: "قال أبو عبد الرحمن: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر" ولم أجد قوله إلا أن هذا الحديث جيد" وقد بحثت عنه في سنن النسائي في ضوء تحفة الأشراف فلم أضفر به، ولعله في الكبرى أو في نسخة وقف عليها الحافظ من الصغرى.
(3) عبد الجبار بن وائل بن حجر - بضم المهملة وسكون الجيم - ثقة لكنه أرسل عن أبيه من الثالثة مات سنة 112/ م4. تقريب 1/466.
(4) في جميع النسخ "عن مصلحة" والتصحيح من توضيح الأفكار (1/166) وقد نقل هذا النص من قول الحافظ: "وذلك مصير منهم" إلى هنا.
(5) التقييد والإيضاح (ص44)، العلل للترمذي (ص22) (5/758) تحقيق إبراهيم عطوة طبعة الحلبي.
ملاحظة: هذه الأمثلة التي ساقها الحافظ رحمه الله لبيان اصطلاح الترمذي فيما سماه بالحسن فيها نظر، ولا يصح أن يؤخذ منها قاعدة في اصطلاح الترمذي في هذا اللفظ، وبيان ذلك:
1- أن عاصم بن عبيد الله العمري ضعيف سيء الحفظ، وقد روى حديث عن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين.
قال الحافظ: "إن الحافظ وصف حديثه بالحسن لمجيئه من غير وجه".
لكن الترمذي لم يقتصر على وصفه بالحسن كما قال الحافظ، بل وصفه بأنه حسن صحيح وذلك شيء اتفقت عليه كل النسخ التي وصلت إليها يدي ليس في أي واحدة منها ما حكاه الحافظ.
2- أن مجالد بن سعيد روى حديث أبي سعيد: "كان عندنا خمر ليتيم ..."الحديث.
قال الحافظ: "ومجالد ضعفوه ووصفوه بالغلط والخطأ، وإنما وصفه (أي حديثه) بالحسن لمجيئه من غير وجه من حديث أنس وغيره".
لكن وجدنا نسخ الترمذي قد اختلفت فيه فنسختان منها فيها لفظ "حسن" فقط وهما الهندية وطبعة المدني مع عدم الوثوق بالأخيرة.
ونسختان فيهما "حسن صحيح" وهما تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبعة الحلبي وطبعة حمص تحقيق الدعاس، ويظهر أن ما فيهما هو الراجح؛ لأن شاهده وهو حديث أنس قد صححه الترمذي، وهو في صحيح مسلم، وما كان كذلك فحقه التصحيح لا التحسين فحسب.
3- ذكر الحافظ أن الترمذي روى عن يزيد بن هارون عن المسعودي بعد أن اختلط حديث المغيرة أنه صل ركعتين فقام ولم يجلس ... الحديث، ووصفه بالحسن قال: وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من وجوه أخر.
لكن وجدنا في كل النسخ التي لدينا أن الترمذي قال: "حسن صحيح" إلا أن أحمد شاكر أشار إلى نسخة واحدة من نسخ سبع اعتمد عليها في تحقيق سنن الترمذي فقال: "كلمة "صحيح" لم تذكر في م وعلى هذا فست نسخ منها فيها "حسن صحيح".
4- قال الحافظ: "إن رواية أبي البختري عن علي منقطعة وقد روى عنه حديث: "إن عم الرجل صنو أبيه". قال: "إن الترمذي وصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة وغيره".
إلا أنا وجدنا نسخ الترمذي قد اختلفت فيه، فبعضها فيه "حسن" فقط الهندية وطبعة المدني، وبعضها فيه "حسن صحيح" طبعة الحلبي تحقيق إبراهيم عطوة والنسخة التي مع عارضة الأحوذي.
ولكن شاهده من حديث أبي هريرة قد صححه الترمذي، وهو في صحيح مسلم وغيره وذلك يقتضي أن يحكم له الترمذي بالصحة، وهو من مرجحات النسخ التي فيها "حسن صحيح".
5- أن إسحاق بن عمر أحد الرواة المجهولين، وقد روى عن عائشة حديث "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقتها الآخر مرتين" قال الحافظ: إن الترمذي وصفه بالحسن غير نسخ الترمذي اختلفت في ذلك فبعضها فيه حسن غريب وهو طبعة المدني مع تحفة الأحوذي، والنسخة التي حققها أحمد شاكر وقد وضع كلمة "حسن" بين قوسين وقال: زيادة من (م)، (ع)، (ب) ومعنى هذا أن أربعا من النسخ التي اعتمد عليها في التحقيق قد اقتصرت على كلمة "غريب" وكذا في النسخة التي مع عارضة الأحوذي "حسن غريب" وبعضها فيه كلمة "غريب" فقط وهي النسخة الهندية.
والظاهر أن الترمذي قد اقتصر على كلمة "غريب" يؤيده أن الحافظ نفسه قد نقل عن الترمذي في ترجمة إسحاق بن عمر أنه قال في هذا الحديث: "غريب وليس بمتصل". وأن الزيلعي لم ينقل عن الترمذي إلا كلمة "غريب".
وأخيرا فقد يقال: إن النسخة التي اعتمد عليها الحافظ في هذه الأمثلة الأمر فيها كما قال الحافظ في هذه الأحاديث.
والجواب:
أ- أن الحافظ يعلم أن بين نسخ جامع الترمذي اختلافا، وفي اعتقادي أنه لو قارن نسخه بعدد من النسخ لظهر الاختلاف بينها ولما مثل بهذه الأمثلة، بل كان يلتمس غيرها في هذا الموضع الهام
ب- أن بعض هذه الأمثلة قد رواها مسلم في بعض صحيحه، وبعضها قد حكم عليه الترمذي في جامعه بأنه صحيح، فلو استحضر الحافظ ذلك لما مثل بها ولو كانت في نسخته كذلك، وكيف يمثل بها وهو القائل: "على أن الحديث إذا كان مخرجا في الصحيحين فإن الترمذي يقول فيه "حسن صحيح" غالبا" انظر ص271.
ج- أن بعض الأمثلة قد حكم عليه الحافظ نفسه بالغرابة في كتابه تهذيب التهذيب وحكم عليها الزيلعي بهذا الحكم فلو استحضر هذا لما مثل به.(20/16)
.
وإذا تقرر ذلك بقي وراءه أمر آخر.
وذلك أن المصنف وغير واحد نقلوا الاتفاق على/(ه46/ب) أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة.
فما المراد على هذا بالحديث الحسن الذي اتفقوا فيه على ذلك هل هو القسم الذي حرره المصنف وقال: إن كلام الخطابي ينزل عليه. وهو رواية الصدوق المشهور بالأمانة(1) ...إلى آخر كلامه، أو القسم الذي ذكرناه آنفا عن الترمذي مع مجموع أنواعه التي ذكرنا أمثلتها، أو ما هو أعم من ذلك؟
لم أر من تعرض لتحرير هذا، والذي يظهر لي أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني وعليه أيضا يتنزل قول المصنف أن كثيرا من أهل الحديث لا يفرق/(ب94) بين الصحيح والحسن(2) كالحاكم كما سيأتي وكذا قول المصنف(3): "إن الحسن إذا جاء من طرق ارتقى إلى الصحة" كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد، فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة(4) فيه إذا أتى(5) من طرق.
ويؤيد هذا قول الخطيب(6): "أجمع أهل العلم أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به".
وقد صرح أبو الحسن ابن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه "بيان الوهم والإيهام" بأن هذا القسم لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه وعضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح/(ي80) أو ظاهر القرآن.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص28.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص36.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص31.
(4) هنا إشكال وهو أن الأمثلة التي سبق أن ذكرها الحافظ وأشار إليها هنا لأكثرها شواهد صحيحة ومنها ما هو في الصحيحين أو أحدهما فماذا يسمى هذا النوع.
(5) كلمة "أتى" من (ي) وقد اختلفت النسخ هنا ففي ر/ب وفي (ب) "جاء" وفي ر/أ "كان" وفي (ه) "ادعاء" وهذا الأخير خطأ واضح.
(6) الكفاية ص83.(20/17)
وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفا/(ه47/أ) يأباه والله الموفق. ويدل/(ر46/أ) على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم [عنده](1) أن يحتج به؛ لأنه أخرج حديثا من طريق خثيمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك(2).
وقال في كتاب العلم بعده: بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم: "هذا حديث حسن(3) قال: وإنما لم نقل لهذا الحديث: صحيح، لأنه يقال: أن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه، قال: "حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه –" انتهى.
فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه، وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك، لكن في كل المثالين نظر، لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما كونهما جاءا(4) من وجه(5) آخر كما تقدم تقريره.
لكن محل بحثنا هنا هل يلزم(6) من الوصف بالحسن الحكم له بالحجة أم لا؟.
__________
(1) الزيادة من (ي).
(2) الحديث في ت46 - كتاب فضائل القرآن 20 - باب - حديث 2917 من طريق الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن عمران بن حصين أنه مر على قاص يقرأ ثم سأل، فاسترجع، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله به..." الحديث. قال الترمذي: هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك.
(3) الحديث المشار إليه في ت 42 - كتاب العلم 2 - باب فضل طلب العلم حديث 2646 رواه من طريق أبي أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" وقال عقبه: "هذا حديث حسن ولم أجد فيه ما حكاه الحافظ من أنه قال وإنما لم نقل لهذا الحديث صحيح"... إلخ، وقد بحثت عنه في عدد من النسخ.
(4) من (ر) وفي (ه) و(ب) جاء بإسناد الفعل إلى الواحد.
(5) في (ب) من أوجه.
(6) في (ه) و(ب) يلتزم.(20/18)
(هذا الذي يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن قطان أميل)(1) - والله أعلم -.
16- قوله (ع): حكاية عن أبي الفتح القشيري أنه قال: "ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص، والصحيح - أيضا - قد عرف مخرجه واشتهر رجاله"(2).
أقول: "أجاب الحافظ أبو سعيد العلائي عن ذلك فقال: "إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف بالحسن فقط، أما وقد عرف بالصحيح أولا ثم عرف بالحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله "ما لم يبلغ درجة الصحيح، ويعرف هذا من مجموع كلامه".
قلت: "وعلى تقدير تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط كما/(ه47/أ) أن القرب الذي في كلام ابن الجوزي(3) - رحمه الله تعالى - غير منضبط فيصح ما قال القشيري أنه على غير صناعة الحدود والتعريفات. وقد رأيت لبعض المتأخرين في الحسن كلاما يقتضي أنه الحديث الذي في رواته مقال، لكن لم يظهر فيه مقتضى الرد/(ر46/أ) فيحكم/(ي81) على حديثه بالضعف ولا يسلم من غوائل الطعن، فيحكم لحديثه بالصحة".
وقال ابن دحية: "الحديث الحسن هو: ما دون الصحيح مما فيه ضعف قريب محتمل عن راو لا(4) ينتهي إلى درجة العدالة ولا ينحط إلى درجة الفسق".
__________
(1) ما بين القوسين ارتبكت فيه النسخ فكلمة "هذا" في (ي) وحدها وكلمة "القلب" في جميعها بلفظ التغلب وتصحيحها من توضيح الأفكار والسياق يقتضيها، وكلمة "أميل" سقطت من نسختي (ر) وهي في (ه) الميل أو المعل. ونقل الصنعاني هذا الكلام عن الحافظ من أول كلام ابن قطان إلى هنا. توضيح الأفكار 1/180.
(2) التقييد والإيضاح ص44.
(3) قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات 1/35: "القسم الرابع ما فيه ضعف قريب محتمل وهذا هو الحسن ويصلح البناء عليه والعمل به" وانظر مقدمة ابن الصلاح ص26.
(4) في كل النسخ "ولا" ما عدا (ي) وقد ضرب على الواو في ر/أ.(20/19)
قلت: "وهو جيد بالنسبة إلى النظر في الراوي لكن صحة الحديث وحسنه ليس تابعا لحال الراوي فقط، بل لأمور تنضم إلى ذلك من المتابعات والشواهد وعدم الشذوذ والنكارة، فإذا اعتبر في مثل هذا سلامة راويه الموصوف بذلك من الشذوذ والإنكار كان من أحسن ما عرف به الحديث الحسن الذاتي لا المجبور على رأي الترمذي - والله أعلم.
تنبيه:
فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلده، كقتادة في البصريين، وأبي إسحاق السبيعي في الكوفيين، وعطاء في المكيين وأمثالهم(1). فإن حديث البصريين مثلا إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفا، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا - والله أعلم -.
17- قوله (ع) - حكاية عن التاج التبريزي: أنه تعقب على ابن دقيق العيد قوله: "إن الصحيح أخص من الحسن، فإن من لازم ذلك أن يدخل الصحيح في حد(2) الحسن/(ل48/أ)، لأن دخول الخاص في حد العام ضروري(3).
أقول: بين الصحيح والحسن خصوص وعموم من وجه، وذلك بين واضح لمن تدبره، فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن(4).
وقد سألت شيخنا إمام الأئمة(5) عنه - والله الموفق.
__________
(1) عارضة الأحوذي 1/14- 15 وفيه والمدنيين عن ابن شهاب.
(2) كلمة "حد" من (ر) و(ي) وليست في (ه) و(ب).
(3) التقييد والإيضاح ص44.
(4) سبق للحافظ كلام حول قيد عدم الشذوذ في حد الصحيح يفيد أن بين الصحيح والحسن عموم مطلق قال: "فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة كذا يلزم من انتفاء الشذوذ عنه انتفاء النكارة" ص20.
(5) الظاهر أنه يريد به البلقيني.(20/20)
18- قوله (ع): حكاية عن بعض المتأخرين أنه زعم أن قول الترمذي: ولا يكون/(ر47/أ) شاذا "زيادة لا حاجة إليها، لأن قوله يروي من غير وجه يغني عنه، ثم قال: فكأنه كرره بلفظ/(ي82) مباين"(1).
أقول: ليس في كلامه تكرار بل الشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء انفرد به أو لمن ينفرد، كما صرح به الشافعي - رضي الله عنه -.
وقوله: يروى من غير وجه شرط زايد على ذلك. وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا. وحمل/(ب97) كلام الترمذي على الأول أليق، لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد، ولا سيما في التعاريف - والله أعلم.
19- قوله (ع)(2): حكاية عن بعض المتأخرين أنه يرد على ابن الصلاح في القسم الأول (بعني الذي نزل كلام الترمذي عليه) المنقطع والمرسل الذي في(3) رجاله مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر.
أقول: المتأخر المذكور هو القاضي بدر الدين بن جماعة، كذلك قال في مختصره وأقر شيخنا كلامه، وهو غير وارد لما قدمنا ذكره أن الترمذي يحكم للمنقطع إذا روي من وجه آخر بالحسن.
[تعريف ابن جماعة للحسن:]
وأما قول/(ه48/ب) ابن جماعة: "الأحسن في حد الحسن أن يقال: هو ما في إسناده المتصل مستور، له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان، وخلا من العلة والشذوذ"(4)
[رد الحافظ على ابن جماعة:]
__________
(1) التقييد والإيضاح ص44.
(2) التقييد والإيضاح ص47. وانظر مختصر ابن جماعة ل5 ب 6/أ.
(3) كلمة "في" سقطت من (ر) وقوله "الذي في رجاله مستور" لعله سقطت منه الواو.
(4) مختصر ابن الجماعة ل6/أ.(20/21)
فليس يحسن في حد الحسن فضلا(1)عن أن يكون أحسن(2)، لأوجه:
أحدها: أن قيد الاتصال إنما يشترط في رواية إنما يشترط في رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والإتقان، وهذا هو الحسن لذاته، وهو الذي لم يتعرض الترمذي لوصفه. بخلاف القسم الثاني الذي وصفه، فلا يشترط الاتصال في جميع أقسامه كما قررناه.
ثانيهما: اقتصاره على رواية المستور مشعر بأن رواية الضعيف السيئ الحفظ ومن وذكرنا معه من الأمثلة المتقدمة ليست تعد حسانا إذا/(ر47/ب)تعددت طرقها، وليس الأمر في تصرف الترمذي كذلك، فلا يكون الحد الذي ذكره جامعا.
ثالثها: اشتراط نفي العلة(3) لا يصلح هنا؛ لأن الضعف في/(ي83) الراوي علة في الخبر والانقطاع في الإسناد علة الخبر/(ب98)، وعنعنة المدلس علة في الخبر، وجهالة حال(4) الراوي علة(5) في الخبر، ومع ذلك فالترمذي يحكم على ذلك كله بالحسن إذا جمع الشروط الثلاثة التي ذكرها، فالتقييد بعدم العلة يناقض ذلك والله أعلم.
(رابعها: القصور(6) الذي ذكر غير منضبط، فيرد عليه ما يرد على ابن الجوزي)(7) - والله أعلم -.
__________
(1) كلمة "فضلا" من (ي) وهامش (ر) استظهارا من أحد المطالعين.
(2) كلمة "أحسن" لم تذكر في تعريف ابن جماعة وعبارته: "لو قيل: الحسن كل حديث خال من العلل وفي سنده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع لما حددوه وقريبا مما حاولوه وأخصر منه".
(3) هذا الوجه غير وارد في نظري على ابن الجماعة، لأنه - والله أعلم - إنما اشترط نفي العلة المصطلح عليها بين أهل الحديث وهي عندهم "عبارة عن أسباب خفية قادحة في الإسناد أو المتن" فالحديث المعل هو الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها. وما اعترض به الحافظ كله ليس من هذا القبيل.
(4) كلمة "حال" سقطت من (ب).
(5) كلمة "علة" سقطت من (ب).
(6) في كل النسخ "المقصور" والصواب ما أثبتناه.
(7) ما بين القوسين سقط من ر/ب.(20/22)
34- قوله (ص): "وإذا استبعد ذلك(1) من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي - رضي الله عنه - في قبول مراسيل التابعين"... إلى آخره(2).
أقول إنما اقتصر على الشافعية دون غيرهم، لأنهم هم الذين يردون المؤسل دون غيرهم من الفقهاء، ومع ذلك فالشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا يرده مطلقا/(ه49/أ) ولكن اقتصاره على الفقهاء في استبعاد ذلك عجيب، فإن جمهور المحدثين لا يقبلون رواية المستور، وهو قسم من المجهول فروايته بمفردها ليست بحجة عندهم وإنما يحتج بها عند بعضهم بالشروط التي ذكرها الترمذي، فلا معنى لتخصيص ذلك بالفقهاء.
35- قوله (ص): "ومن ذلك ضعف لا يزول بمجيئه من وجه آخر لقوة الضعف وتقاعد الجابر عن جبره ومقاومته، كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا، وهذه جملة يدرك تفاصيلها بالمباشرة"(3).
أقول لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا، والتحرير فيه أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد، فحيث يستوي الاحتمال فيهما فهو الذي يصلح لأن ينجبر وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر.
وأما إذا رجح جانب القبول/(ر48/أ) فليس من هذا، بل ذاك في الحسن الذاتي - والله أعلم -.
__________
(1) كلمة "ذلك" إشارة إلى أنه لا يشترط في الحسن ما يشترط في الصحيح من العدالة وتمام الضبط والإتقان.
(2) وتمامه: "أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول في كلام ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر". مقدمة ابن الصلاح ص29.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص31، حيث قسم ابن الصلاح الضعيف إلى قسمين: قسم يزول ضعفه إذا وجد له جابر من متابع أو شاهد وقسم لا يزول ضعفه لشدة ضعفه وتقاعد الجابر عن جبره.(20/23)
وقوله قبل ذلك: "إنا نجد أحاديث محكوما/(ب99) بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد/(ي48) كثيرة(1).
ثم مثل ذلك بحديث الأذنان من الرأس"(2).
وقد تعقب ذلك عليه الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد في شرح الإلمام فقال: "هذا الذي ذكره قد لا يوافق عليه، فقد ذكرنا رواية ابن ماجه وأن رواتها ثقات، ورواية الدارقطني وأن ابن القطان حكم لها بالصحة، وعلى الجملة فإن كان الحكم له بالقبول متوقفا على طريق لا علة لها ولا كلام في أحد من رواتها، فقد يتوقف ذلك هنا، لكن اعتبار ذلك صعب ينتقض عليهم في كثير مما صححوه أو حسنوه. ولو شرط ذلك لما/(ه49/ب) كان لهم حاجة إلى الحكم بالحسن فمقتضى(3) المتابعة والمجيء من طرق للإسناد الضعيف؛ لأن الضعف علة - والله أعلم.
وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: "في التمثيل بذلك نظر، لأن الحديث المشار إليه ربما ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن".
وذكر شيخنا - في كلامه على هذا الموضع - أن أبا الفرج ابن الجوزي ذكر طرقه في العلل المتناهية وضعفها كلها(4).
قلت: وقد راجعت "كتاب العلل المتناهية" لابن الجوزي، فلم أره تعرض لهذا الحديث، بل رأيته في كتاب التحقيق له(5) قد احتج به وقواه فينظر في هذا.
وقد جمعت طرقه فيما كتبته على جامع الترمذي، فرأيت في الحاشية: أمثلها حديث عبد الله بن زيد وحديث عبد الله بن عباس وحديث عبد الله بن عمر وأبي أمامة - رضي الله تعالى عنهم - وفي كل واحد منها مع ذلك مقال - والله أعلم.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص30.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص30 ويأتي تخريج الحديث في الصفحات التالية.
(3) كلمة "فمقتضى" هي كذا في جميع النسخ ولعل الصواب "بمقتضى" وبه يستقيم الكلام.
(4) التقييد والإيضاح ص51.
(5) 1/92- 97 مطبعة السنة المحمدية سنة 1373 ذكر ابن الجوزي الحديث عن عدد من الصحابة ودافع عنه.(20/24)
أما حديث عبد الله بن زيد(1) - رضي الله عنه/(ب100) - فرواه ابن ماجه(2) قال: ثنا سويد بن سعيد. ثنا يحيى بن زكريا(3) بن أبي زائدة عن/(ر48/ب) شعبة عن حبيب بن زيد(4) عن عباد بن تميم(5) عن عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأذنان من الرأس".
قال المنذري: "هذا الإسناد متصل ورواته محتج بهم وهو أمثل إسناد في هذا الباب[قلت هذا الإسناد](6) رجاله رجال مسلم، إلا/(ي85) أن له علة فإنه من رواية سويد بن سعيد كما ترى، وقد وهم فيه، وذكر الترمذي في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فضعف سويدا.
قلت: وهو وإن أخرج له مسلم في صحيحه فقد ضعفه الأئمة/(ه50/أ) واعتذر مسلم عن تخريج حديثه، بأنه ما أخرج له إلا ما له أصل من رواية غيره. وقد كان مسلم لقيه وسمع منه قبل أن يعمى ويتلقن ما ليس من حديثه، وإنما كثرت المناكير في روايته بعد عماه.
__________
(1) عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني أبو محمد صحابي شهير روى صفة الوضوء وغير ذلك ويقال: إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة 63/ع. تقريب 1/41، والإصابة 2/305.
(2) كتاب الطهارة 53 - باب الأذنان من الرأس حديث 443.
(3) يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني، بسكون الميم، أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من كبار التاسعة، مات سنة 183.
تقريب 2/347، والكاشف 3/255.
(4) حبيب بن زيد بن خلاد الأنصاري المدني وقد ينسب إلى جده ثقة من السابعة. /4. تقريب 1/149، والكاشف 1/202 وقال فيه عن عباد بن تميم ورمز له ب (ع).
(5) عباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني المدني ثقة من الثالثة/ع. تقريب 1/391، والكاشف 2/60.
(6) الزيادة من (ي).(20/25)
وقد حدث بهذا الحديث في حال صحته فأتى به على الصواب. فرواه البيهقي(1) من رواية عمران بن موسى السختياني عن سويد بسنده إلى عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - توضأ بثلثي مد وجعل يدلك. قال: "والأذنان من الرأس"، انتهى.
وقوله: قال والأذنان من الرأس هو من قول عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - والمرفوع منه ذكر الوضوء بثلثي مد والدلك.
وكذا أخرجه ابن خزيمة(2) وابن حبان في صحيحهما، والحاكم(3) من حديث أبي كريب عن ابن أبي زائدة دون الموقوف.
وقد أوضحت ذلك بدلائله وطرقه في الكتاب الذي جمعته في المدرج(4).
وأما حديث/(ب/101) عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فرواه أبو بكر البزار في مسنده، والحسن بن علي المعمري(5) في "اليوم والليلة"، كلاهما عن أبي كامل الجحدري قال: ثنا غندر ثنا ابن جريج/(ر49/أ) عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - - قال: "الأذنان من الرأس".
__________
(1) الحديث في سنن البيهقي 1/196، وفي كتاب المعرفة 1/454 ولكنه من طرق أخرى غير طريق عمران بن موسى عن سويد فرواه من طريق إبراهيم بن موسى الرازي عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن شعبة به ومن طريق سليمان بن داود عن أبي خالد الأحمر عن شعبة به ولم يذكر والأذنان من الرأس، هذا في السنن، أما في المعرفة فرواه بإسناده إلى أم عمارة ثم قال وقيل عن عبد الله بن زيد الأنصاري وليس فيه: "والأذنان من الرأس".
(2) في الصحيح 1/62.
(3) في المستدرك 1/161 المدرج.
(4) رجعت إلى المدرج إلى السيوطي فلم أجد الرواية التي أشار إليها الحافظ.
(5) الحسن بن علي بن شبيب المعمري أبو يعلى: قاض من حفاظ الحديث، قال الخطيب: كان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماما ربانيا، توفي سنة 295. تذكرة الحفاظ 2/667، والأعلام 2/216.(20/26)
ومن هذا الوجه رواه الدارقطني(1) وهذا رجاله رجال مسلم أيضا - إلا أن له علة، فإن أبا كامل تفرد به عن غندر وتفرد به غندر عن ابن جريج. وخالفه من هو أحفظ منه وأكثر عددا(2).
فرووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى(3) عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - - معضلا - والعلة فيه/(ه50/ب) من جهتين:
إحداهما: أن/(ي86) سماع غندر عن ابن جريج كان بالبصرة وابن جريج لما حدث بالبصرة حدث بأحاديث وهم فيها(4)، وسماع من سمع منه بمكة أصح.
ثانيهما: أن أبا كامل قال - فيما رواه أحمد بن عدي عنه -: "لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث أفادنيه(5) عنه عبد الله بن سلمة الأفطس"(6) انتهى.
والأفطس ضعيف جدا، فلعله أدخله على أبي كامل(7).
__________
(1) في السنن 1/98 - 99 من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار (أبو بكر) ثنا أبو كامل الجحدري نا غندر محمد بن جعفر عن ابن جريج به ثم قال عقبه تفرد به أبو كامل عن غندر ووهم عليه فيه تابعه الربيع بن بدر - وهو متروك - عن ابن جريج والصواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا".
(2) من الذين خالفوا غندرا وكيع وعبد الرزاق وسفيان الثوري وصلة بن سليمان وعبد الوهاب (أظنه الثقفي) كلهم رووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو معضل كما قال الحافظ، انظر روايات هؤلاء في سنن الدارقطني 1/99.
(3) سليمان بن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق فقيه في حديثه لين وخلط قبل موته بقليل من الخامسة./م 4. تقريب 1/331، وتهذيب التهذيب 4/226.
(4) في (ه) وسمع.
(5) في (ب) "قال فيه" والصواب ما أثبتناه.
(6) عبد الله بن سلمة البصري الأفطس قال يحيى بن سعيد ليس بثقة وقال النسائي وغيره "متروك". ميزان الاعتدال 2/431.
(7) أما الدارقطني فقد نسب الوهم إلى أبي كامل قال: تفرد به أبو كامل عن غندر ووهم عليه" ولعل الصواب ما نقله الحافظ عن ابن عدي.(20/27)
وقد مال أبو الحسن ابن القطان إلى الحكم بصحته لثقة رجاله واتصاله(1) وقال ابن دقيق العيد: لعله أمثل إسناد في هذا الباب.
قلت: وليس بجيد، لأن فيه العلة التي وصفناها، والشذوذ، فلا يحكم له بالصحة. كم تقرر - والله أعلم -.
وأما حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فرواه البيهقي في الخلافيات من طريق ضمرة بن ربيعة(2) عن إسماعيل بن عياش(3) عن يحيى بن سعيد(4) عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -/(ب102) ورجاله ثقات، إلا أن رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين فيها مقال وهذا منها، والمحفوظ من حديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - من قوله.
وكذا رواه عبد الرزاق(5) وأبو بكر بن أبي شيبة(6) من طرق عنه.
__________
(1) انظر نصب الراية 1/19.
(2) ضمرة بن ربيعة الفلسطيني، أصله دمشقي، صدوق يهم قليلا، من التاسعة مات سنة 202./بخ 4. تقريب 1/374، وتهذيب التهذيب 4/460.
(3) إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي - بالنون - أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة 182/ب4. تقريب 1/73، وانظر الكاشف 1/127.
(4) يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام أبو سعيد الأنصاري، حافظ فقيه حجة، مات سنة 143. الكاشف 3/256، وتهذيب التهذيب 11/221.
(5) في المصنف 1/11 رواه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى معضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: "الأذنان من الرأس". وعن الثوري عن أبي النضر عن سعيد بن مرجانة عن ابن عمر مثله وانظر سنن الدارقطني 1/98.
(6) في المصنف 1/17 من طريق أسامة بن هلال عن ابن عمر، ومن طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر موقوفا. وأبو بكر بن أبي شيبة هو الحافظ الثبت النحرير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي صاحب المسند والمصنف وغيرهما، مات سنة 235، من العاشرة/خ م د س ق. تقريب 1/445، تذكرة الحفاظ 2/432.(20/28)
وكذا رواه ابن أبي شيبة - أيضا - من رواية سعيد بن مرجانة(1) وهلال بن أسامة(2) كلاهما عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - موقوفا.
وأما حديث: أبي أمامة(3) - رضي الله تعالى عنه - فقد أشار إليه (ر49/ب) شيخنا(4) وقوله: إن ابن حبان أخرجه في صحيحه من رواية شهر عن أبي أمامة - رضي الله عنه - فيه نظر، بل ليس هو في صحيح ابن حبان البتة، لا من طريق أبي أمامة ولا من طريق غيره، بل/(ه51/أ) لم يخرج ابن حبان في صحيحه لشهر شيئا.
وقد ذكرت طرق حديث شهر هذا في "كتاب المدرج"(5) بدلائله وكيفية الإدراج فيه بحمد الله تعالى.
__________
(1) سعيد بن مرجانة وهو ابن عبد الله على الصحيح ، ومرجانة أمه، أبو عثمان الحجازي، وزعم الذهلي أنه ابن يسار، ثقة فاضل، من الثالثة، مات قبل المائة بثلاث سنين. /خ م خد ت س . تقريب 1/304، والكاشف 1/372.
(2) هلال بن أسامة الفهري المدني عن ابن عمر لا يعرف، تفرد عنه أسامة بن زيد الليثي. ميزان الاعتدال 4/311، والتقريب 2/322.
(3) هو الصحابي الجليل صدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي صحابي مشهور سكن الشام ومات بها سنة 86/ ع. تقريب 1/366 وانظر الإصابة 2/175.
(4) التقييد والإيضاح، ص151.
(5) لم أجده في المدرج إلى المدرج والحديث في د - كتاب الطهارة - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم - حديث 134 من طريق سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة. قال أبو داود: "قال قتيبة قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم (يعني الأذنان من الرأس) أو من أبي أمامة؟" وفي ت كتاب الطهارة 29 - باب ما جاء في أن الأذنين من الرأس حديث 37 ونقل كلام قتيبة. وفي جه - كتاب الطهارة 53 - باب الأذنان من الرأس حديث 444 من طريق سنان بن ربيعة به، وحم 5/268 وانظر نصب الراية 1/18 وسنن الدار قطني 1/103.(20/29)
/(ي87)وإذا نظر المنصف(1) إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا، وأنه ليس مما يطرح، وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه - والله أعلم -.
تنبيهان:
الأول: معنى هذا المتن أن الأذنين حكمهما حكم الرأس في المسح لا أنهما جزء من الرأس، بدليل أنه لا يجزئ المسح على ما عليهما من شعر عند من يجتزئ بمسح بعض الرأس بالاتفاق. وكذلك لا يجزئ المحرم أن يقصر مما عليهما من شعر بالإجماع - والله الموفق -.
الثاني: ينبغي أن يمثل في هذا المقام بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا.
فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه(2) - والله أعلم -.
36- قوله (ص): "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة/ أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين (بالصدق والستر)(3)، وروي حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح.
مثاله: حديث (محمد بن عمرو بن علقمة)(4) عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه"...إلى آخر كلامه(5)
__________
(1) كلمة "المنصف" من (ي) وفي باقي النسخ "المصنف" وهو خطأ.
(2) انظر شرح الأربعين للنووي ص6.
(3) في جميع النسخ "بالعدالة" والتصويب من مقدمة ابن الصلاح.
(4) في (ر/ب) محمد بن علقمة أن أبي عمر وهو خطأ.
(5) مقدمة ابن الصلاح (ص31) وبقية كلامه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الحيثية حسن، فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح والله اعلم".
والحديث أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة 18 - باب ما جاء في السواك حديث 22.
وقال عقبه: "وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".(20/30)
.
وفيه أمور:
أحدها: أن ظاهر كلامه أن شرط الصحيح أن يكون راويه حافظا متقنا وقد بينا ما فيه فيما سبق(1).
وثانيها: أن وصف الحديث بالصحة إذا قصر عن رتبة الصحيح وكان على شرط الحسن إذا روي من وجه آخر لا يدخل في التعريف الذي عرف به الصحيح أولا(2).
فإما أن يزيد في حد الصحيح ما يعطي أن هذا أيضا يسمى صحيحا، وإما أن لا يسمى/(ه51/ب) هذا صحيحا، والحق أنه من طريق النظر أنه يسمى صحيحا، وينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل [التام](3) الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا(4).
وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة/(ي88) إلا بذلك.
__________
(1) انظر ص266.
(2) عرف ابن الصلاح الحديث الصحيح فقال: "أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا". مقدمة ابن الصلاح ص10.
(3) كلمة "التام" من (ي) وقد سقطت من جميع النسخ.
(4) أنت ترى أن الحافظ قد اعترض هنا على ابن الصلاح في تعريف الصحيح، ورأى أنه ينبغي أن يزاد في التعريف ما ذكره، ولكن الحافظ قد عرف الصحيح في نخبة الفكر وشرحها ص29، 32 بما يوافق تعريف ابن الصلاح، وغاير بين الصحيح لذاته والصحيح لغيره فقال: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معل ولا شاذ هو الصحيح لذاته... فإن خف الضبط فالحسن لذاته وبكثرة طرقه يصحح".
والظاهر أن الحافظ غير رأيه لأن تأليفه للنخبة كان بعد تأليف النكت بدليل إحالته في النخبة وشرحها على ما في النكت. انظر نزهة النظر ص41.(20/31)
ومن ذلك حديث أبي بن العباس بن سهل بن سعد(1) عن أبيه(2) عن جده(3) رضي الله تعالى عنه في ذكر خيل(4) النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) أبي بن العباس بن سهل بن سعد الأنصاري الساعدي فيه ضعف من السابعة، ما له في البخاري غير حديث واحد/خ ت ق. تقريب 1/48، الكاشف 1/98.
(2) هو عباس بن سهل بن سعد الساعدي ثقة من الرابعة، مات في حدود عشرين ومائة/خ م د ت ق. تقريب 1/397، الكاشف 2/66.
(3) هو سهل بن سعد الساعدي أبو العباس صحابي، عنه ابنه عباس والزهري وأبو حازم مات سنة 88 أو 91/ع. الكاشف (1/407)، الإصابة (2/87).
(4) الحديث المشار إليه في خ 56 كتاب الجهاد 46 باب اسم الفرس والحمار حديث 2755، من طريق أبي بن العباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف" قال أبو عبد الله وقال بعضهم: "اللخيف". قال الحافظ في الفتح (6/59): "بالخاء المعجمة وحكوا فيه الوجهين". وفي إطلاق الخيل على الفرس غفلة من الحافظ؛ فالخيل يطلق على الخيول ومنه قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} ويطلق على الفرسان ومنه قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِك}، انظر مختار الصحاح، ص251 ولقد تعبت كثيرا في البحث عن هذا الحديث باللفظ الذي ذكره الحافظ فلم أجده ثم تبين لي أنه يريد الحديث الذي سجلته هنا.(20/32)
وأبي هذا قد ضعفه لسوء حفظه أحمد بن حنبل ويحي بن معين والنسائي، ولكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس(1)؛ أخرجه ابن ماجه(2) من طريقه. وعبد المهيمن أيضا فيه ضعف(3)، فاعتضد.
وانضاف إلى ذلك أنه ليس من أحاديث الأحكام، فلهذه الصورة المجموعية حكم البخاري بصحته(4).
وكذا حكم بصحة حديث معاوية بن إسحاق بن طلحة(5) عن عمته عائشة بنت طلحة(6) عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد فقال - صلى الله عليه وسلم -: "جهادكن الحج والعمرة"(7).
ومعاوية ضعفه أبو زرعة ووثقه أحمد والنسائي.
__________
(1) عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري مدني ضعيف من الثامنة، مات بعد السبعين ومائة/ ت ق. التقريب 1/225، الكاشف 2/217 وقال: "واه".
(2) ليس الحديث في ابن ماجه وإنما هو عند ابن منده كما قال الحافظ نفسه في الفتح 6/59.
(3) قول الحافظ في عبد المهيمن فيه ضعف فيه تساهل والصواب أن يقال ضعيف، والفرق بين العبارتين واضح، وقد وصفه الحافظ في التقريب بضعيف ووصفه الذهبي بواه فمن هذا حاله لا يقال في وصفه فيه ضعف.
(4) في الحكم لهذا الحديث بالصحة - ومداره على أبي بن العباس وأخيه عبد المهيمن وهما ضعيفان - نظر وهو خلاف المقرر في علوم الحديث؛ لأن ما هذا حاله يحكم له بالحسن إن كان هناك تسامح لأن عبد المهيمن في هذا الحديث شديد الضعف حيث قال الذهبي: "إنه واه"، وعلى هذا فمن يتحرى الدقة لا يعتبر بمثله ولا يعضد به غيره.
(5) معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي أبو الأزهر صدوق ربما وهم من السادسة/خ قد س ق. تقريب 2/258، الكاشف 3/156.
(6) عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أم عمران ثقة من الثالثة/ع. تقريب 2/606.
(7) الحديث في خ 56 - كتاب الجهاد 62 - باب جهاد النساء حديث 2875 وليس فيه كلمة "والعمرة" وهي موجودة في كل نسخ النكت، ولعله سبق قلم من الحافظ أو من النساخ.(20/33)
وقد تابعه عليه عنده حبيب ابن أبي عمرة(1) فاعتضد.
في أمثلة كثيرة قد ذكرت الكثير منها في مقدمة شرح البخاري(2).
ويوجد في كتاب مسلم منها أضعاف ما في البخاري. والله أعلم
[الحسن قسمان:]
وقياس ما ذكر ابن الصلاح أن الحسن قسمان:
أحدهما ما هو لذاته. والآخر ما هو لغيره.
وكون الصحيح كذلك. ويكون القسم الذي هو صحيح أو حسن لذاته أقوى من الآخر، وتظهر فائدة ذلك عند/(ه52/أ) التعارض وكذلك أقول في الضعيف إذا روي بأسانيد كلها قاصرة عن/(ر50/ب) درجة الاعتبار حيث لا يجبر بعضها ببعض أنه أمثل من ضعيف روي بإسناد واحد كذلك، وتظهر فائدة ذلك في جواز العمل به أو منعه مطلقا - والله أعلم -.
__________
(1) متابعة حبيب في خ 56 - كتاب الجهاد 62 - باب جهاد النساء حديث 2876 وليس فيه "والعمرة" وحبيب بن أبي عمرة هو القصاب أبو عبد الله الحماني - بكسر المهملة - الكوفي ثقة من السادسة مات سنة 142/خ م خد ت س ق. تقريب 1/150، الكاشف 1/203.
(2) ذكر البخاري هذا النوع في المقدمة في الفصل التاسع منها من ص384 - 460.(20/34)
ثالثها: أنه اعترض عليه في المثال الذي مثل به وهو حديث: "لولا أن أشق..." من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة(1) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بأن الحكم بصحته إنما جاء من جهة أنه روي من طريق(2) أخرى صحيحة لا مطعن فيها. منها في الصحيحين من طريق الأعرج عن أبي/(ي89) هريرة - رضي الله تعالى عنه - والمثال اللائق هنا أن يذكر حديث له أسانيد كل منها لا يرتقي عن درجة الحسن قد حكم له بالصحة باعتبار مجموع تلك الطرق.
والجواب عن المصنف أن المثال الذي أورده مستقيم والذي طولب به قسم من المسألة.
وذلك أن الحديث الذي يروى بإسناد حسن لا يخلو إما أن يكون فردا أو له متابع.
الثاني لا يخلو المتابع إما أن يكون دونه أو مثله أو فوقه فإن كان دونه فإنه لا يرقيه عن درجته.
قلت(3): "قد يفيده إذا كان عن غير متهم بالكذب قوة ما يرجح بها لو عارضه حسن آخر بإسناد غريب".
وإن كان مثله أو فوقه فكل منهما يرقيه إلى درجة الصحة.
فذكر المصنف مثالا لما فوقه ولم يذكر مثالا لما هو مثله.
__________
(1) من (ر) و(ي) وفي (ه) و(ب) أسامة وهو خطأ.
(2) كذا في جميع النسخ "من طريق" والصواب في نظري "من طرق" لأن واقع الحديث كذلك، فله عدد من الطرق. وهي 1- من طريق الأعرج عن أبي هريرة في خ 11- كتاب الجمعة، 8- باب السواك يوم الجمعة حديث 887، وم 2- كتاب الطهارة 15- باب السواك حديث42، د طهارة حديث 46، ن 1/16، ط2- كتاب الطهارة 32- باب ما جاء في السواك حديث 114، حم 2/245، 2- من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة ط2- كتاب الطهارة 32- باب ما جاء في السواك حديث 115، 3- ومن طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، جه كتاب الطهارة 7- باب السواك حديث 287.
(3) في (ي) "نعم" بدل "قلت".(20/35)
وإذا كانت الحاجة ماسة إليه فلنذكره نيابة(1) عنه وأمثلة كثيرة قد ذكرنا منها الحديثين اللذين أوردناهما من الصحيح قبل هذا(2).
ومنها: ما رواه الترمذي من طريق إسرائيل(3) عن عامر بن/(ه52/ ب) شقيق(4) عن أبي وائل(5) عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته".
__________
(1) كلمة "نيابة" سقطت من (ب).
(2) يريد بهما حديث أبي بن العباس في فرس النبي صلى الله عليه وسلم وحديث معاوية بن إسحاق "جهادكن الحج والعمرة". انظر ص215، 216.
(3) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي ثقة تكلم فيه بلا حجة من السابعة مات سنة 160 وقيل بعدها/ع. تقريب 1/64، الخلاصة ص31.
(4) عامر بن شقيق بن جمزة - بالجيم والزاي - الأسدي الكوفي، لين الحديث من السادسة/د ت ق. تقريب 1/387، الميزان 2/359 وقال اسم جده جمرة بالجيم.
(5) شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، ثقة، مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة/ع. تقريب 1/354، تذكرة الحفاظ 1/60.(20/36)
تفرد به عامر بن شقيق، وقد قواه البخاري والنسائي(1)/(ر51/أ) وابن حبان ولينه ابن معين(2) وأبو حاتم(3) وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل بأن حديثه هذا حسن(4)، وكذا قال أحمد فيما حكاه عنه أبو داود: أحسن شيء في هذا الباب حديث عثمان(5) - رضي الله تعالى عنه -.
وصححه مطلقا الترمذي(6) والدارقطني(7) وابن خزيمة(8) والحاكم(9) وغيرهم(10).
__________
(1) انظر ميزان الاعتدال 2/359 حيث قال في عامر: "لا بأس به".
(2) انظر قوله في ميزان الاعتدال 2/359.
(3) انظر قوله في ميزان الاعتدال 2/359.
(4) ت أبواب الطهارة 23- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 31 وقال قبله - في الكلام على حديث عمار رقم 30 في تخليل اللحية "وقال محمد بن إسماعيل أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان" 1/45. وفي نصب الراية 1/24 وقال الترمذي في علله الكبير قال محمد بن إسماعيل: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن.
(5) لم أجده في سنن أبي داود ونقل الحافظ في التلخيص الحبير 1/87 عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال: "ليس في تخليل اللحية شيء صحيح".
(6) قال الترمذي عقب حديث عثمان "هذا حديث حسن صحيح". (1/46).
(7) في السنن 1/91 ولم يتكلم عليه لا بتصحيح ولا بتضعيف.
(8) الصحيح 1/78.
(9) المستدرك 1/149 رواه مطولا وقال عقبه: وهذا إسناد صحيح قد احتجا بجميع رواته ولا أعلم في عامر بن شقيق ضعفا بوجه من الوجوه.
(10) كابن ماجه 1- كتاب الطهارة 50- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 430 وابن الجارود في المنتقى ص34 حديث 72، كلاهما عن عامر بن شقيق به.(20/37)
وذلك لما عضده من الشواهد، كحديث أبي المليح الرقي(1) عن الوليد بن زوران(2) عن أنس - رضي الله عنه -.
أخرجه أبو داود(3) وإسناده حسن، لأن الوليد وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد وتابعه عليه ثابت البناني عن أنس - رضي الله عنه -.
أخرجه الطبراني(4) في الكبير/(ب106) من رواية عمر بن إبراهيم العبدي(5) عنه، وعمر لا بأس به.
ورواه الذهلي في/(ي90) الزهريات من طريق الزبيدي عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - إلا أن له علة غير قادحة، كما قال ابن القطان.
__________
(1) هو الحسن بن عمر أو عمرو بن يحيى الفزاري مولاهم أبو المليح الرقي ثقة من الثامنة مات سنة 181/خ د س ق. تقريب (1/169)، الكاشف (1/225)
(2) الوليد بن زوران - بزاي ثم واو ثم راء وقيل بتأخير الواو - السلمي الرقي لين الحديث من الخامسة /د. تقريب (2/332)، الكاشف (3/238)، وفي ميزان الاعتدال (4/338). قال أبو داود: " لا يدرى سمع من أنس أم لا؟ وعنه أبو المليح الرقي وغيره ما ذا بحجة" مع أن ابن حبان وثقه.
(3) 1 كتاب الطهارة 56 باب تخليل اللحية حديث 145.
(4) هو الحافظ الإمام العلامة الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني مسند الدنيا له مصنفات منها المعاجم الثلاث الكبير والأوسط والصغير مات سنة 360. تذكرة الحفاظ (3/912)، وفيات الأعيان (2/407).
(5) عمر بن إبراهيم العبدي البصري صاحب الهروي - بفتح الهاء والراء - صدوق في حديثه عن قتادة ضعف من السابعة /قد ت س ق. تقريب (2/51)، الكاشف (2/304)، ثم قال: "وثق" وقال أبو حاتم: "لا يحتج به" وتابعه أيضا يزيد الرقاشي عن أنس - رضي الله عنه - في جه 1- كتاب الطهارة 50- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 431 وفي إسناده يحيى بن كثير صاحب البصري وهو ضعيف. وقد راجعت مسند أنس في المعجم الكبير للطبراني فلم أجده.(20/38)
ورواه الترمذي(1) والحاكم(2) من طريق قتادة عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر وهو معلول وله شواهد أخرى(3) دون ما ذكر في المرتبة، وبمجموع ذلك حكموا على أصل الحديث بالصحة وكل طريق منها بمفردها لا يبلغ درجة الصحيح - والله أعلم -.
[إطلاق لفظ الحسن قبل شيوخ الترمذي:]
20- قوله (ع): "وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي"(4).
أقول قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي.
قال إبراهيم النخعي/(ه53/أ): "كانوا إذا اجتمعوا كره الرجل أن يخرج حسان حديثه"(5).
وقيل لشعبة كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟
قال: "من حسنها فررت"(6).
__________
(1) أبواب الطهارة 23- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 29، 30.
(2) المستدرك 1/149.
(3) منها حديث عائشة وأم سلمة وابن أبي أوفى وأبي أيوب. انظر سنن الترمذي 1/45 ومنها: حديث ابن عباس وابن عمر وأبي أمامة وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وجابر بن عبد الله ذكرها الزيلعي في نصب الراية وقال وكلها مدخولة وأمثلها حديث عثمان. نصب الراية 1/23 ثم فصلها وناقشها حديثا حديثا ثم انتهى به المطاف إلى النقل عن أبي حاتم في كتاب العلل قال: سمعت أبي يقول: لا يثبت في تخليل اللحية حديث. نصب الراية 1/26. وانظر العلل لابن أبي حاتم 1/45 ونقل الحافظ كلام ابن أبي حاتم في التلخيص 1/87.
(4) التقييد والإيضاح ص52.
(5) تذكرة الحفاظ 1/74 ولكن بلفظ "أحسن ما عنده".
(6) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/367.(20/39)
ووجد "هذا من أحسن الأحاديث إسنادا" في كلام علي بن المديني وأبي زرعة الرازي(1)/(ر51/ب) وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة(2) وجماعة.
لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي.
ومنهم من لا يريده. فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك.
فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسنا(3) خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته. وكذا قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - في السهو.
وأما أحمد: فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال: "أصح ما فيها حديث أم حبيبة(4) - رضي الله تعالى عنها –".
__________
(1) قال البيهقي في السنن الكبرى 1/130 وبلغني عن أبي عيسى الترمذي قال: "سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة (يعني نقض الوضوء بمس الذكر) فاستحسنه".
(2) يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي البصري نزيل بغداد العلامة الحافظ صاحب المسند الكبير المعلل وثقه الخطيب وغيره مات سنة 262. تذكرة الحفاظ 2/577 هدية العارفين 2/537، تاريخ بغداد 14/281.
(3) حديث ابن عمر هذا في هامش الأم 1/24 نقلا عن كتاب الاختلاف للشافعي قال وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسند حسن.
(4) في المغني لابن قدامة 1/132 قال أحمد حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان، وأم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية، أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ماتت سنة اثنتين أو أربع وقيل تسع وأربعين قيل خمسين/ع.
تقريب 2/599، الإصابة 4/298.(20/40)
قال: "وسئل عن حديث بسرة(1) - رضي الله عنها –" فقال: "صحيح".
قال الخلال(2): حدثنا أحمد بن أصرم(3) أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة - رضي الله عنها - في مس/(ي91) الذكر فقال: "هو حديث حسن".
فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح.
وأما أبو حاتم، فذكر ابنه في كتاب الجرح والتعديل(4) في باب من اسمه عمرو من حرف العين: "عمرو بن محمد - روى عن سعيد بن جبير وأبي زرعة بن عمرو بن جرير - روى عنه إبراهيم/(ه53/ب) بن طهمان سألت أبي عنه فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير حسن".
قلت: وكلام أبي حاتم هذا محتمل، فإنه يطلق المجهول على ما هو أعم من المستور وغيره، فيحتمل أن يكون حكم على الحديث بالحسن لأنه روي من وجه آخر، فيوافق كلام/(ر52/أ) الترمذي، ويحتمل أن يكون حكم بالحسن وأراد المعنى اللغوي [أي](5) أن متنه حسن - والله أعلم -.
__________
(1) بسرة - بضم أولها وسكون المهملة - بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى الأسدية صحابية لها سابقة وهجرة عاشت إلى ولاية معاوية/4. تقريب 2/591، الإصابة 4/245.
(2) هو الفقيه العلامة المحدث أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال مؤلف علم أحمد بن حنبل وجامعه ومرتبه له كتاب السنة في ثلاثة مجلدات وكتاب العلل في عدة مجلدات وكتاب الجامع وهو كبير جدا مات سنة 311. تذكرة الحفاظ 3/785، تاريخ بغداد 5/112.
(3) أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد بن عبد الله بنت مغفل المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من الإمام أحمد مات سنة 285. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/22.
(4) 6/262.
(5) الزيادة من (ي).(20/41)
وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وفي علله(1)، فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد.
وعن البخاري أخذ الترمذي.
فمن ذلك: ما ذكر الترمذي(2) في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن أحاديث التوقيت في المسح على الخفين، فقال: "حديث صفوان بن عسال صحيح، وحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - حسن/(ب108) وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود في شرائط الصحة(3).
__________
(1) قال ابن المديني في كتاب العلل ص102 عقب حديث ابن عمر: "أني ممسك بحجزكم عن النار": هذا حديث حسن الإسناد ولم أجد في العلل غير هذه العبارة فيما يتعلق بالتحسين.
(2) في ت 1/161 قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال، قال هذا الكلام في أبواب الطهارة 71- باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم عقب حديث صفوان بن عسال برقم 96. وقد نقل البيهقي 1/276 في السنن الكبرى والزيلعي في نصب الراية 1/168 عن الترمذي في العلل الكبير قال: سألت محمدا (يعني البخاري) قلت: "وأي حديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟" قال: حديث صفوان بن عسال. وحديث أبي بكرة حسن. وانظر هامش الترمذي 1/161 كلام أحمد شاكر.
(3) حديث صفوان في إسناده عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام ولعل الحافظ يقصد بقوله فيه شرائط الصحة أن لعاصم متابعات ترقيه إلى درجة الصحيح لغيره. فقد نقل في التلخيص عن ابن منده أنه تابع عاصما عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة وغيرهم، قال الحافظ: "ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة والمرء مع من أحب وغير ذلك". التلخيص الحبير 1/157.(20/42)
وحديث أبي بكرة الذي أشار إليه - رواه ابن ماجة(1) من رواية المهاجر(2) أبي مخلد(3) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة(4) عن أبيه(5) - رضي الله عنه - به والمهاجر قال وهيب(6): إنه كان غير حافظ.
وقال ابن معين: "صالح". وقال الساجي(7): "صدوق".
وقال أبو حاتم: "لين الحديث يكتب حديثه".
__________
(1) كتاب الطهارة 87- باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر حديث 556.
(2) المهاجر بن مخلد أبو مخلد مولى البكرات - بفتح الموحدة والكاف - مقبول من السادسة/ت س ق. تقريب 2/278، الكاشف 3/178.
(3) في النسخ كلها "مجلز" بالجيم والزاي - والتصحيح من ابن ماجه والكاشف والتقريب.
(4) عبد الرحمن بن أبي بكرة: نفيع بن الحارث الثقفي وقيل: اسمه مسروح كناه النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة من الثانية، مات سنة 96/ع. تقريب 1/474، الخلاصة ص224.
(5) هو الصحابي الجليل نفيع بن الحارث بن كلدة أبو بكرة الثقفي وقيل اسمه مسروح كناه النبي صلى الله عليه وسلم لتدليه ببكرة من الطائف عنه أولاده والحسن وعدة، توفي سنة 51. الكاشف 3/208، والإصابة 3/542.
(6) وهيب بالتصغير بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت، لكنه تغير قليلا بآخره، من السابعة، مات سنة 165/ع. تقريب 2/339، الكاشف 3/246.
(7) هو الإمام الحافظ محدث البصرة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن البصري الساجي - بالسين المهملة والجيم - نسبة إلى الساج وهو نوع جيد من الخشب، سمع عبيد الله بن معاذ العنبري وهدبة بن خالد وطبقتهما وعنه ابن عدي وأبو الحسن الأشعري وعنه أخذ تحرير مقالة أهل الحديث، مات سنة 307. تذكرة الحفاظ 2/709، طبقات الشافعية للأسنوي 2/22.(20/43)
فهذا على شرط الحسن لذاته(1). كما تقرر.
وإن كان ابن حبان أخرجه في "صحيحه"(2)، فذاك جري على قاعدته في عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، فلا يعترض به. وذكر الترمذي - أيضا - في "الجامع"(3)/(ه54/أ) أنه سأله(4) عن حديث شريك بن عبد الله النخعي(5)، عن أبي إسحاق، عن/(ي92) عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج(6) - رضي الله عنه - قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته".
وهو من أفراد شريك عن أبي إسحاق، قال البخاري: هو حديث حسن، انتهى.
__________
(1) كيف يكون على شرط الحسن لذاته وفي إسناده المهاجر أبو مخلد؟ وقد قال الحافظ فيه إنه مقبول، وقد قرر في مقدمة التقريب أن من يصفه بلفظ مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فلين ومن هذا حاله فبالمتابعة يكون حديثة حسنا لغيره لا لذاته.
(2) الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 2: 272/ب.
(3) 13- كتاب الأحكام 29- باب ما جاء فيمن زرع بأرض قوم بغير إذنهم حديث 1366 وذكر عقبه كلام البخاري وفي د كتاب البيوع 33- باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها حديث 3403، جه 16- كتاب 13- باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم حديث 2466، كلهم من حديث شريك عن أبي إسحاق به.
(4) الضمير في سأله عائد إلى البخاري وقد سقط من (ه) و(ر/أ)، ب.
(5) شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع، من الثامنة، مات سنة 177/خت م 4. تقريب 1/351، الكاشف 2/10، وقال فيه: "وثقه ابن معين"، وقال غيره: "سيء الحفظ"، وقال س: "ليس به بأس هو أعلم بحديث الكوفيين من الثوري قاله ابن المبارك".
(6) هو الصحابي الجليل رافع بن خديج بن عدي الحارثي الأوسي الأنصاري أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة 73 أو 74 وقيل قبل ذلك/ع. تقريب 1/241، الإصابة 1/483.(20/44)
وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحاق (مع كثرة الرواة)(1) عن/(ر52/ب) أبي إسحاق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به، لكنه اعتضد بما رواه الترمذي - أيضا - من طريق عقبة بن الأصم(2)، عن عطاء بن رافع - رضي الله عنه - فوصفه بالحسن لهذا. وهذا على شرط القسم الثاني فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر به(3) من غيره - والله أعلم -.
21- قوله (ع): "ويعقوب بن شيبة وأبو علي إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذي"(4).
أقول: فيه نظر بالنسبة إلى يعقوب/(ب109) بن شيبة (فقط)(5) فإنه من طبقة شيوخ الترمذي وهو أقدم سنا(6) وسماعا وأعلى رجالا من البخاري إمام الترمذي وإن تأخرت وفاته بعده ست سنين.
وذكر الخطيب(7) أنه أقام في تصنيف مسنده مدة طويلة وأنه لم يكمله مع ذلك ومات قبل الترمذي بنحو عشرين سنة.
فكيف يقال إنه صنف كتابه بعد الترمذي؟
ظاهر الحال يأبى ذلك.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ه).
(2) 13- كتاب الأحكام 29- باب ما جاء فيمن زرع بأرض قوم بغير إذنهم عقب حديث 1366. عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري ضعيف من الرابعة وربما دلس، ووهم من فرق بين الأصم والرفاعي كابن حبان/ت. تقريب 2/27، والمجروحون لابن حبان 2/199 وقال وكان ممن ينفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير حتى إذا سمعها من الحديث صناعته شهد لها بالوضع ومثل هذا لا يعتبر به والظاهر أن البخاري حسن حديث شريك ذاته.
(3) كلمة "به" من (ي) و(ه) وقد سقطت من (ر/أ) وفي (ر/ب) به أشهر.
(4) التقييد والإيضاح ص52.
(5) لزيادة من (ي).
(6) من (ر) وفي (ي) و(ب) يقينا وأما (ه) ففيها كلمة لم تتضح.
(7) تاريخ بغداد 14/281.(20/45)
وأما قوله حكاية عن المعترض على ابن الصلاح بأن أبا علي الطوسي كان شيخا لأبي حاتم الرازي، فقد رأيت ذلك في كتاب العلامة علاء الدين(1) مغلطاي في مواضع كثيرة/(ه54/ب) من شرح البخاري وغيره فلا يذكر أبا علي الطوسي إلا ويصفه بأنه(2) شيخ أبي حاتم الرازي وليس ذلك بوصف صحيح بل الصواب العكس. وأبو حاتم شيخ أبي علي وإن كان أبو حاتم حكى عن أبي علي شيئا، فذلك من باب رواية الأكابر عن الأصاغر فقد قال الخليلي في الإرشاد(3): روى عنه أبو حاتم الرازي أحد شيوخه حكايات. وهذا كرواية البخاري عن الترمذي فإن أبا حاتم والبخاري من طبقة واحدة كما أن الترمذي وأبا علي من طبقة واحدة/(ر53/أ) وهذا بين من معرفة شيوخهم ووقت وفاتهم، فسماع أبي حاتم قبل أبي علي بنحو من ثلاثين سنة. ومات أبو حاتم(4) قبل أبي علي بنحو من هذا القدر.
وكانت رحلة أبي علي الطوسي بعد رحلة الترمذي، فلم يلق عوالي شيوخه كقتيبة، ولكنه شاركه في أكثر مشايخه واستخرج على كتابه كما قال شيخنا وسمى كتابه كتاب الأحكام(5).
والدليل على صحة كون كتابه مستخرجا/(ب110) على الترمذي أنه يحكم على كل حديث بنظير(6) ما يحكم عليه الترمذي سواء إلا أنه يعبر بقوله: يقال: (هذا حديث حسن)(7) يقال: حديث حسن صحيح لا يجزم بشيء من ذلك.
__________
(1) في (ر) جلال الدين وهو خطأ.
(2) من (ر) وفي (ب) و(ه) و(ي) بكونه.
(3) 2/ل128.
(4) إذا كان وفاته سنة 277 بينما كانت وفاة أبي علي الطوسي سنة 312 فبين وفاتيهما خمس وثلاثون سنة.
(5) هو موجود مخطوط في دار لكتب الظاهرية بدمشق من الأول إلى الحادي عشر وينتهي بـ (باب ما جاء في توريث المرأة من دية زوجها) تحت رقم 293 حديث (ق1 - 169) وقد رأيته بعيني في المكتبة المذكورة. وانظر فهرس المخطوطات الظاهرية للشيخ الألباني ص181 وسماه مختصر الأحكام.
(6) في النسخ جميعا بنظر والصواب ما أثبتناه وهو من هامش (ر).
(7) ما بين القوسين سقط من (ر).(20/46)
وهذا مما يقوي أنه نقل كلام غيره فيه وهو الترمذي، لأنها عبارته بعينها.
وإذا تقرر ذلك، فقول ابن الصلاح: إن "كتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن" لا اعتراض عليه فيه، لأنه نبه مع ذلك على أنه يوجد في متفرقات كلام من تقدمه. وهو كما قال - والله أعلم -.
تنبيه:
أبو علي الطوسي المذكور: اسمه الحسن بن علي بن نصر الحافظ له تصانيف ورحلة ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور/(ه55/أ) وأثنى عليه، وأبو علي الخليلي في الإرشاد وقال: سمعت من عشرة من أصحابه(1) وله تصانيف تدل على معرفته.
وأبو أحمد الحاكم في الكنى وقال: "إنه سمع منه وغيرهم"(2).
وكانت وفاته سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة - والله أعلم -.
__________
(1) نقل هذا النص الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/787.
(2) منهم الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/787.(20/47)