قسم الدراسة
ويشتمل على مقدمة وبابين:
الباب الأول، وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول: التعريف بالحافظ ابن الصلاح.
الفصل الثاني: التعريف بالحافظ العراقي.
الفصل الثالث: التعريف بالحافظ ابن حجر
الباب الثاني: ويشتمل على أربعة فصول
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح.
الفصل الثاني: في تنكيته على العراقي.
الفصل الثالث: في مناهج الأئمة الثلاثة.
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ ابن حجر.
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -. أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وليخرج الناس من الظلمات إلى النور.
من ظلمات الشرك والجهل والكفر والظلم إلى نور التوحيد والإيمان والعلم والعدل.
جاء بأعظم رسالة وأعلاها مكانة، وأشملها لمصالح البشر، وأحقها بالبقاء والخلود.
ولهذا تعهد الله تعالى فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(1).
وتنفيذا وتحقيقا لهذا الوعد الصادق الأكيد كان كل ما قامت به الأمة الإسلامية من جهود عظيمة واهتمام بالغ - لا يعرف الأقل منه لأمة من الأمم ولا لدين من الأديان - بحفظ القرآن العظيم في الصدور والمصاحف والعناية الفائقة بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار في البيوت والمساجد والمعاهد والاهتمام بدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه والاعتبار بقصصه وأمثاله وعظاته والتأليف في شتى العلوم التي تخدمه وتبين بلاغته وإعجازه من لغوية وبلاغية وتاريخية وغيرها.
فما من سورة من سوره ولا آية من آياته ولا كلمة من كلماته إلا وقد دار حولها بحث وكان لها شأن ونبأ.
__________
(1) سورة الحجر: آية 9.(1/1)
وقد شرف الله محمدا خاتم النبيين وأكرم الرسل صلوات الله وسلامه عليه وأعلا مكانته وأنزله المنزلة الكريمة التي يستحقها فأسند إليه مهمة بيان ما في القرآن من إجمال وشرح ما يحتاج إلى شرح وتفصيل.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم}(1) الآية.
فقام - - بما أسند إليه من واجب أكمل قيام بأقواله وأفعاله وأحواله وجهاده العظيم وسيرته العطرة حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزغ عنها إلا هالك.
وأسند تلك الرسالة العظيمة إلى خير أمة أخرجت للناس فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بلغوا عني ولو آية"(2). "فليبلغ الشاهد منكم الغائب"(3).
فقام الصحابة الكرام بتبليغ تلك الرسالة وأداء تلك الأمانة عل أحسن الوجوه وأقومها وتلقت ذلك الأمة الإسلامية جيلا عن جيل حتى وصلت إلينا تلك الرسالة الغراء غضة طرية، ولن تزال كذلك حتى يأذن الله لهذا العالم بالزوال ولشمس حياة البشرية بالأفول.
ولقد حظيت السنة المطهرة ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرحه للقرآن بحظها الوافر من وعد الله لتنزيله وذكره بالحفظ، فإنها والقرآن الكريم من مشكاة واحدة. وضياع شيء منها – وهي بيانه وشرحه – ينافي ما وعد الله به من حفظ للقرآن الكريم.
وإذن فالسنة المطهرة داخلة في ذلك الوعد الصادق بالحفظ والضمان الأكيد.
فكان من مظاهر تنفيذ ذلك ما نراه ونلمسه من جهود بذلت لحفظها وصيانتها والذود عن حياضها والتأليف في العلوم التي تخدمها، سرح طرفك في ذلك التراث العظيم، وقلب صفحاته تر العجب العجاب وما يدهش الألباب وخذ ما شئت من نصوص هذه السنة المطهرة، وتابعه في عشرات الكتب فستجد أنه ما من نص إلا وله شأن وأي شأن ودراسة وتحليل واستنباط وتمحيص وتحقيق وأخذ وإعطاء.
__________
(1) سورة النحل: آية 44.
(2) خ الأنبياء، حديث 3461، ت124، دي 1: 111، حم2: 159، 202، 214.
(3) خ العلم، رقم 67.(1/2)
ولقد أعد الله لحفظ هذه السنة المطهرة وصيانتها رجالا صنعهم على عينه وأمدهم بشتى المواهب النفسية والعقلية والذكاء المتوقد والحفظ المستوعب والقدرة الهائلة على الإطلاع ما يبهر العقل ويستنفد العجب ويجعل في المطلع على أخبارهم وأحوالهم ما يملأ قلبه يقينا بأن هؤلاء العباقرة ما أعدوا هذا الإعداد العجيب إلا لغاية سامية هي إنفاذ وعد الله الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(1).
فكان من آثار هؤلاء العظماء ما تزخر به المكتبات الإسلامية اليوم وقبل اليوم من مؤلفات قيمة مختلفة المناهج والمواضيع، متحدة الغاية وهي خدمة السنة المطهرة.
فمؤلفات وضعت على المسانيد وجوامع وسنن على الأبواب العقائدية والتاريخية والفقهية، ومستخرجات، وأجزاء وتخريجات، وشروح وتأليف وأنواع علوم الحديث، وفي الموضوعات والناسخ والمنسوخ، وفي تواريخ الرجال وجرحهم وتعديلهم، وأخرى في غريب الحديث، وفي علل الأسانيد من حيث الإرسال والوصل والرفع والوقف. وكان من هؤلاء الأئمة الأفذاذ أمير المؤمنين في الحديث الحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني الذي ساهم في خدمة السنة وعلومها بحظ وافر وله الباع الطويل في العلوم الإسلامية وعلوم السنة المطهرة بالأخص وكان من آثاره العظيمة في ميدان علوم السنة (كتاب النكت على ابن الصلاح والعراقي) الذي نحن بصدد خدمته وتحقيقه وإخراجه لطلاب علوم السنة لينهلوا من نميره.
ولما كان الكتاب في علوم الحديث ومصطلحه فلابد من إعطاء القارئ لمحة عن تاريخه ونشئه.
نشأة علوم الحديث وتطورها:
كان الصحابة رضوان الله عليهم أول من احتاط لحفظ السنة وصيانتها من أن يشوبها شائبة من غيرها أو يتطرق إليها خطأ أو خلل فاتخذوا للرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهجا يضمن عدم تسرب أي خلل إليها من طريق السهو أو العمد. فمن ذلك:
__________
(1) سورة الحجر (9).(1/3)
أولا: تقليل الرواية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خوفا من الوقوع في الخطأ والنسيان مما يؤدي إلى شبهة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث لا يشعرون.
فكان أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود والزبير بن العوام وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم يقلون من الرواية ويحذرون الناس من الإكثار منها(1).
ثانيا: التثبت من الرواية عند أخذها وأدائها.
قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي بكر رضي الله تعالى عنه: "وكان أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة بن شعبة فقال: "حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال: هل معك أحد، فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر"(2) وإذا فنشوء هذا العلم بدأ من عهد الصحابة ولا يزال ينمو وتتسع دائرته في أذهان أهل هذا العلم.
ثالثا: حتى جاء عصر التدوين فبدأ يساير تدوين الحديث، ويواكبه جنبا إلى جنب وإن كان في دائرة ضيقة، وموزعا هنا وهناك.
__________
(1) المدخل إلى علوم الحديث للأستاذ عتر ص4.
(2) تذكرة الحفاظ، ص 2، المدخل إلى علوم الحديث للأستاذ عتر، ص 4(1/4)
قال الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة - رحمه الله -(1): "هذا وقد كتب العلماء فيه من عصر التدوين إلى يومنا هذا نفائس ما يكتب، من ذلك ما تجده في أثناء مباحث (الرسالة) للإمام الشافعي وفي ثنايا (الأم) له، وما نقله تلاميذ الإمام أحمد في أسئلتهم له ومحاورته معهم وما كتبه الإمام مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه، ورسالة الإمام أبي داود السجستاني إلى أهل مكة في بيان طريقته في سننه الشهيرة، وما كتبه الحافظ أبو عيسى الترمذي في كتابه (العلل المفرد) في آخر جامعه وما بثه في الكلام على أحاديث جامعه في طيات الكتاب من تصحيح وتضعيف وتقوية وتعليل، وللإمام البخاري التواريخ الثلاثة ولغيره من علماء الجرح والتعديل من معاصريه ومن بعدهم: بيانات وافية لقواعد هذا الفن تجيء منتشرة في تضاعيف كلامهم حتى جاء من بعدهم فجرد هذه القواعد في كتب مستقلة ومصنفات عدة أشار إلى أشهرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فاتحة شرحه لنخبة الفكر(2) فقال: "فمن أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي (الحسن بن عبد الرحمن الذي عاش إلى قريب سنة (360) في كتابه (المحدث الفاصل) لكنه لم يستوعب".
والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجا وأبقى أشياء للمتعقب.
__________
(1) مقدمة الباعث الحثيث ص 11.
(2) ص 2.(1/5)
ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه (الكفاية) وفي آدابها كتابا سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع) وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه، ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض كتابا لطيفا سماه (الإلماع) وأبو حفص الميانجي جزءا سماه (ما لا يسع المحدث جهله) وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها، واختصرت ليتيسر فهمها، إلى أن جاء الحافظ الفقيه أبو عمرو عثمان بن صلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور، فهذب فنونه وأملاه شيئا بعد شيء فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر.
فنحن نرى أن التأليف لم يقف عند كتاب ابن الصلاح وإن كان على صغر حجمه قد جمع شتات ما قبله، بل كان هذا الكتاب حافزا للعلماء على السير قدما في مضمار التأليف في هذا الفن ما بين مختصر ومطول فمما أُلف في هذا الفن بعده:
1- الإرشاد للنووي (ت 676) اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح.
2- التقريب للإمام النووي لخص فيه كتاب الإرشاد.
3- اختصار علوم الحديث للحافظ إسماعيل بن عمر الشهير بابن كثير (ت 884).
4- الخلاصة للطيبي (ت 743) لخص فيه مقدمة ابن الصلاح.
5- المنهل الروي لبدر الدين بن جماعة (ت 733) لخص فيه مقدمة ابن الصلاح (مخطوط).
6- محاسن الإصلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح لشيخ الإسلام البلقيني (ت 805) مطبوع.
7- النكت للزركشي (ت 794) على مقدمة ابن الصلاح. مخطوط.(1/6)
8- التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806) مطبوع.
9- المقنع لابن الملقن (ت 802) وهو تلخيص لمقدمة ابن الصلاح.
10- ألفية الحديث للحافظ عبد الرحيم العراقي وشرحاه وهما مطبوعان.
11- النكت لابن حجر على مقدمة ابن الصلاح، والتقييد والإيضاح للعراقي، وهو الكتاب الذي نحن بصدد خدمته وتحقيقه.
12- النكت الوفية في شرح الألفية للبقاعي (ت 885) مخطوط.
13- فتح المغيث للحافظ السخاوي (ت 903) وهو شرح لألفية العراقي مطبوع.
14- فتح الباقي شرح ألفية العراقي للشيخ زكريا الأنصاري (ت 928) مطبوع.
15- الاقتراح لابن دقيق العيد (ت 702) مطبوع.
16- تدريب الراوي للحافظ السيوطي (ت 911) وهو شرح التقريب للنووي مطبوع.
17- نخبة الفكر للحافظ ابن حجر وشرحها نزهة النظر طبعا بمصر والهند.
18- شرح النخبة لملا علي قاري (المتوفى سنة 1014) طبع في تركيا.
19- اليواقيت والدرر للمناوي (المتوفى سنة 1031) وهو شرح على نخبة الفكر، مخطوط توجد منه نسخة في دار الكتب المصرية برقم 6663.
20- حاشية نزهة النظر لابن قطلوبغا (ت 879) خطوط.
21- تنقيح الأنظار لابن الوزير (ت840) وشرحه توضيح الأفكار لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت 1182) وقد طبعا في مصر.
وغير هذه من المؤلفات الكثيرة في هذا الفن.
أسباب اختياري للعمل في كتاب النكت لابن حجر:
1- قيمة الكتاب العلمية. إذ الكتاب غزير في مادته، أضاف جديدا إلى ما سبقه من مؤلفات في علوم الحديث.
2- حبي لعلم الحديث وما يتصل به من علوم خصوصا مصطلح الحديث؛ إذ بقواعده يعرف الصحيح من الحديث السقيم، ويتميز به المقبول من المردود.
3- مكانة مؤلفه الحافظ ابن حجر بين علماء السنة ودوره العظيم في خدمة علوم السنة وسعة اطلاعه ومنهجه الفذ في البحث. فدراسة مؤلف من مؤلفاته يفتح آفاقا رحبة للدارس في ميادين المعرفة خصوصا علم الحديث ومؤلفاته ورجال الحديث.(1/7)
4- الرغبة في المشاركة في إحياء التراث الإسلامي ونفض الغبار عن كنوزه الثمينة التي خلفها لنا علماء الإسلام.
5- الرغبة في اكتساب الخبرة والحنكة في مجال تحقيق المخطوطات لعلي أن أقوم مستقبلا ببعض الواجب من تحقيق المخطوطات الإسلامية ونشرها.
6- وأول هذه الأسباب وآخرها أنني كنت في أثناء دراستي في السنوات المنهجية وقبلها وبعدها أقرأ في تدريب الراوي للسيوطي، وفتح المغيث للسخاوي وتوضيح الأفكار للصنعاني، وكنت أقف في الكتب المذكورة على نصوص منقولة عن الحافظ ابن حجر خصوصا توضيح الأفكار الذي يحافظ على حرفية تلك النصوص ويفصح بعزوها إلى الحافظ ابن حجر وأحيانا إلى كتابه النكت. وكانت تلك النصوص تتسم بعمق الفكرة ونضجها فكانت تلك النصوص في الكتب المذكورة كالدرر اللامعة تشد القارئ إليها شدا وتجذبه جذبا قويا. ولم يكن لدي أي نسخة من نسخ الكتاب فكانت الأماني تداعب مخيلتي والأشواق تحدوني إلى رؤية هذا الكتاب للاستفادة منه والقيام بتحقيقه.
ولما قدمت رسالة الماجستير إلى جامعة الملك عبد العزيز تحققت أمنيتي برؤية نسخة من الكتاب، فشرعت في مطالعته وازددت إعجابا به غير أن نفسي كانت تنازعني إلى البحث عن مواضيع أخرى ما بين موضوع مبتكر ومخطوط ثمين لم ينشر، فكنت أبحث في فهارس المخطوطات وأقلب الفكر في عدد من الموضوعات وأستشير أساتذة فضلاء وأصدقاء نبلاء أحيانا في هذا اللون وأخرى في ذلك، ما بين مشجع على بعضها وما بين صارف عنها، وموضوعي الأول النكت يلاحقني ويداعب فكري كلما عرض لي هذا الموضوع أو ذاك. وأخيرا لم أجد بدا من الاستسلام إلى تلك الرغبة الملحة، فقوي العزم وصممت الإرادة على العمل في ذلك الكتاب الذي فرض عليّ العمل فيه فرضاً فاستشرت فيه أستاذي الكبير الدكتور محمد محمد أبا شهبة، فأعجبه ذلك فوافق عليه متقبلا الإشراف عليه جزاه الله عني خير الجزاء.(1/8)
فحينئذ شرعت في العمل فيه، فكان موضوع رسالتي للدكتوراه هو كتاب النكت لبن حجر على ابن الصلاح. تحقيق ودراسة.
واستلزم العمل فيه أن أجعله على قسمين: قسم الدراسة، وقسم للتحقيق...
قسم الدراسة:
ويشتمل: على مقدمة وبابين.
المقدمة: فيما حظيت به السنة من عناية وخدمة وحفظ في نشأة علوم الحديث وتطورها والمؤلفات فيها ثم ذكرت فيها أسباب اختياري للعمل في كتاب النكت.
أما البابان: فالأول يشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في التعريف بالحافظ ابن الصلاح.
الفصل الثاني: في التعريف بالحافظ العراقي.
الفصل الثالث: في التعريف بالحافظ ابن حجر.
والباب الثاني: في دراسة الكتاب ويشتمل على أربعة فصول:
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح.
الفصل الثاني: في تنكيت الحافظ ابن حجر على العراقي.
الفصل الثالث: في مناهج الأئمة الثلاثة.
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ.
قسم التحقيق:
ويشتمل على بابين:
الباب الأول: وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأول: وفيه تحقيق اسم الكتاب.
الفصل الثاني: وفيه إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف.
الفصل الثالث: وفيه وصف مخطوطات الكتاب وبيان أماكن كل منها.
الباب الثاني: وفيه تحقيق نصوص الكتاب، وعملي فيه كالآتي:
1- حققت نصوص الكتاب بالاعتماد على خمس نسخ بعضها منقول عن نسخة المصنف وبعضها عن نسخ منقولة عن أصل المصنف، وقد حاولت قدر المستطاع أن يخرج نص الكتاب على أقرب صورة وضعها عليه المؤلف.
ثم أشرت إلى بدء الصفحات لكل نسخة بوضع خط مائل بعد الكلمة الأولى من أول كل صفحة، ثم أكتب في محاذاتها في الهامش رمز تلك النسخة وذلك ليسهل الرجوع إلى الأصول لمن أراد ذلك.
2- ميزت بين تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح والعراقي – بالإضافة إلى رمزيهما اللذين وضعهما الحافظ ابن حجر (ص) لابن الصلح، (ع) للعراقي – بأن وضعت لكل منهما أرقاما متسلسلة فلما يخص ابن الصلاح أرقامه ولما يخص العراقي أرقامه.(1/9)
3- عرفت بالأعلام المذكورين في الكتاب تعريفا موجزا يتناول درجة الشخص المعرف به واسمه ونسبه ووفاته إلا من عجزت على الوقوف على ترجمته.
4- خرجت الأحاديث الواردة في الكتاب إلا ما لم أجده، وتكلمت عليها تصحيحا وتضعيفا موافقا تارة للحافظ، وتارة مخالفا له إذا ظهر لي أن الصواب في خلاف ما قاله.
5- خرجت الآثار الواردة في الكتاب.
6- أرجعت النصوص والأقوال التي استقاها الحافظ عن غيره من العلماء إلى أصولها مبينا مواضعها من الأجزاء والصفحات إلا ما لم أجده.
7- أشرت إلى كثير من النصوص التي استفادها منه من بعده من العلماء خصوصا الصنعاني في توضيح الأفكار.
8- شرحت المفردات اللغوية والاصطلاحية.
9- ناقشت المؤلف في بعض آرائه وأيدت ما ظهر لي أنه الصواب.
وختمت الكتاب بالفهارس العلمية الضرورية وهي:
أ- فهرس مصادر الكتاب ومراجع التحقيق.
ب- فهرس الأعلام المترجم لهم.
ج- فهرس الأحاديث.
د- فهرس الآثار.
ه- فهرس المواضيع.
الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت
ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التعريف بالحافظ ابن الصلاح
الفصل الثاني: التعريف بالحافظ العراقي
الفصل الثالث: التعريف بالحافظ ابن حجر
الفصل الأول: في التعريف بالحافظ ابن الصلاح
التعريف بالإمام ابن الصلاح(1):
هو الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن المفتي عبد الرحمن صلاح الدين بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي أحد أئمة المسلمين علما ودينا.
__________
(1) له ترجمة في الكتب الآتية:
- وفيات الأعيان 3/ 243- 244.
- تذكرة الحفاظ / 1430- 1431.
- طبقات الشافعية للسبكي 8/ 326.
- شذرات الذهب 5/ 221- 222.
- الأعلام للزركلي 4/ 369.
- معجم المؤلفين 6/ 257.(1/10)
ولد سنة (557) في شرخان قرية قريبة من شهرزور(1) التابع لإربل شمالي العراق فنسب إليها لكن اشتهرت نسبته إلى شهرزور. وكان والده عبد الرحمن يلقب صلاح الدين فنسب إليه وعرف بابن الصلاح.
ونشأ في بيت علم ورئاسة فكان أبوه صلاح الدين من العلماء الأجلاء فقيها متبحرا في فقه الإمام الشافعي تولى الإفتاء وعرف بالعلم والنبل والفضل.
في عهد الملوك الأيوبيين عاش ابن الصلاح، وهو عهد لقي من الملوك والأمراء تشجيعا على العلم بإنشاء المدارس والمكتبات ورصد الأوقاف على المؤسسات العلمية وعلى طلاب العلم والعلماء كما أنها تهيئ للعلماء الجو وتفسح أمامهم المجال ليتبوؤوا أرقى المناصب فتنافس العلماء في تحصيل العلوم، في هذا الوسط عاش ابن الصلاح فشمر عن ساعد الجد لا يألوا جهدا في تحصيل العلوم.
ولقي عناية فائقة وتشجيعا من أبيه الفاضل العالم يعلمه ويربيه ويوجهه ويدفعه لأن يرتحل في طلب العلم بعد أن درس عليه المهذب مرتين. أرسله في ريعان شبابه إلى الموصل فحصل العلوم بأنواعها الفقه والحديث والتفسير والأصول.
ثم واصل رحلته العلمية إلى بلدان العالم الإسلامي فارتحل إلى بغداد فسمع من أبي أحمد بن سكينة وعمر بن طبرزد، وإلى همذان ونيسابور ومرو فتلقى من العلوم الكثير خاصة علوم الحديث على أيدي كثير من العلماء ثم رجع أدراجه إلى البلاد العربية حلب وحران ودمشق فأخذ عن علمائها ما يروي ظمأه ويصل به إلى مرحلة التكامل والنضج وما يبلغ درجة الأستاذ العالم الموجه.
وانتهى به المطاف إلى أن استقر في بلاد الشام مع أبيه وأسرته ويستقبل عهدا جديدا؛ عهد المسؤولية ونشر العلم فتولى التدريس بالمدرسة الأسدية بحلب (نسبة إلى أسد الدين شيركوه) ودرس بالمدرسة الناصرية بالقدس (نسبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب) وأقام بها مدة. واشتغل عليه الناس وانتفعوا به.
__________
(1) شهرزور بفتح الشين وسكون الهاء وفتح الراء وضم الزاي وسكون الواو.(1/11)
ثم انتقل إلى دمشق وتولى التدريس بالمدرسة الرواحية التي أنشأها أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي.
ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل بن أيوب دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه.
ثم تولى التدريس بمدرسة ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب فكان يقوم بوظائفه في هذه المدارس من غير إخلال أو تقصير(1).
شيوخه:
رأينا أن الإمام ابن الصلاح قام برحلات واسعة ولم تنص المصادر التي وقفت عليها إلا على عدد يسير من شيوخه فمنهم:
1- والده صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري أخذ عليه المهذب مرتين. توفي صلاح الدين سنة 618.
2- ومنهم عماد الدين أبو حامد ابن يونس(2) الفقيه الأصولي (ت 608).
3- ومنهم عبيد الله السمين.
4- ونصر الله بن سلامة.
5- ومحمد بن علي الموصلي.
6- وعبد المحسن بن الطوسي.
7- وأبو أحمد عبد الوهاب بن عبد الله البغدادي(3) كان حجة علما فقيها محدثا (ت607).
8- وأبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني(4) (ت 618).
9- ومنهم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ت 620).
تلاميذه(5):
منهم:
1- فخر الدين عمر الكرخي.
2- ومجد الدين ابن المهتار.
3- والشيخ تاج الدين عبد الرحمن.
4- وزين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان الفارقي (ت 703).
5- والقاضي شهاب الدين الجوري.
6- والخطيب شرف الدين الفراوي.
7- والشهاب محمد بن شرف الدين.
8- والصدر محمد بن حسن الأرموي.
مزاياه وثناء العلماء عليه:
__________
(1) وفيات الأعيان 3/ 244- 245؛ طبقات الشافعية للسبكي 8/327.
(2) له ترجمة في وفيات الأعيان 3/ 385، الطبقات للسبكي 5/45.
(3) له ترجمة في الذيل على الروضتين ص 70، العبر 5/23.
(4) له ترجمة في العبر 5/68، وفيات الأعيان 2/381. وانظر أسماء بقية الشيوخ في تذكرة الحفاظ 4/1430.
(5) انظر أسماءهم في تذكرة الحفاظ 4/1432.(1/12)
قال الذهبي: "كان سلفيا حسن الاعتقاد كافا عن تأويل المتكلمين مؤمنا بما ثبت من النصوص غير خائض ولا متعمق. وكان وافر الجلالة حسن البزة كثير الهيبة موقرا عند السلطان والأمراء تفقه به الأئمة"(1).
وقال ابن خلكان: "وكان من العلم والدين على قدم حسن. ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال واجتهاد في الاشتغال والنفع"(2).
وقال السخاوي: "وكان إماما بارعا حجة متبحرا العلوم الدينية بصيرا بالمذهب ووجوهه خبيرا بأصوله عارفا بالمذاهب جيد المادة في اللغة العربية حافظا للحديث متفننا حسن الضبط وافر الحرمة عديم النظير في زمانه مع الدين والعبادة والنسك والصيانة والورع والتقوى. انتفع به خلق وعولوا على تصانيفه".
وفاته:
توفي رحمه الله في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة بدمشق وكثر التأسف لفقده وحمل نعشه على الرؤوس وكان على جنازته هيبة وخشوع ودفن بمقابر الصوفية رحمه الله وغفر له(3).
مؤلفاته:
له رحمه الله مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم استفاد منها العلماء بعده فكانت من أهم مراجعهم ومصادرهم التي يعتمدون عليها.
فمنها:
1- أدب المفتي والمستفتي(4).
2- الأمالي(5). مخطوط.
3- شرح الوسيط(6) في الفقه الشافعي، أبدى فيه انتقادات علمية واجتهادات فقهية دقيقة.
4- صلة الناسك في صفة المناسك(7). جمع فيه جملة من المسائل النافعة التي يحتاج إليها الناس في مناسك الحج. مخطوط.
5- طبقات الشافعية(8).
__________
(1) تذكرة الحفاظ 4/1431.
(2) وفيات الأعيان 3/244، تذكرة الحفاظ 4/1431.
وانظر المدخل إلى علوم الحديث للأستاذ العتر ص 25، فتح المغيث للسخاوي السلفية 1/13.
(3) وفيات الأعيان 3/ 244؛ تذكرة الحفاظ 4/1431
(4) شذرات الذهب 5/222.
(5) الأعلام للزركلي 4/369.
(6) شذرات الذهب 5/222؛ سماه مشكل الوسيط. الأعلام للزركلي 4/369.
(7) وفيات الأعيان 3/244؛ الأعلام 4/369.
(8) شذرات الذهب 5/222، الأعلام للزركلي 4/369.(1/13)
6- علوم الحديث. أجمع الكتب في هذا الفن(1)، ولقي حظا كبيرا من العلماء.
7- الفتاوى(2). جمعه بعض أصحابه وطبع في مجلد فيه له اجتهادات.
8- فوائد الرحلة(3). كتاب ممتع جمع فيه فوائد في علوم متنوعة قيدها في رحلته إلى خراسان. مخطوط.
9- مشكل الوسيط(4). في مجلد كبير.
10- المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال(5).
11- النكت على المهذب(6).
هذا من آثاره النافعة تغمده الله برحمته.
الفصل الثاني: تعريف بالحافظ العراقي(7)
هو الحافظ الإمام الكبير الشهير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن ابي بكر بن إبراهيم العراقي الكردي حافظ عصره.
ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمصر. وكان أصل أبيه من بلدة يقال لها رازيان من أعمال إربل ثم قدم القاهرة وهو صغير فنشأ بها وتزوج وأنجب المترجم له(8).
توفي والده وعمره ثلاث سنين فنشأ يتيما وكان كثير التردد على صديق والده الشيخ تقي الدين العناني فيحنو ويعطف عليه ويكرمه واتجهت همته لحفظ القرآن وهو ابن ثمان سنين واشتغل بعلم القراءات والعربية فأخذ ذلك عن جماعة منهم:
__________
(1) وفيات الأعيان 3/ 244، شذرات الذهب 5/ 222، الأعلام للزركلي 4/369.
(2) شذرات الذهب 5/222، الأعلام 4/369.
(3) شذرات الذهب 5/222، الأعلام 4/369.
(4) وفيات الأعيان 3/244، شذرات الذهب 5/222.
(5) المدخل إلى علوم الحديث للأستاذ العتر ص 27.
(6) شذرات الذهب 5/222.
(7) له ترجمة في:
- لحظ الألحاظ ص220- 239.
- الضوء اللامع 4/171- 178.
- ذيل الطبقات للسيوطي ص 370- 372.
- شذرات الذهب 7/55- 57.
- حسن المحاضرة 1/204.
- الأعلام للزركلي 4/119.
(8) لحظ الألحاظ ص220- 221. الضوء اللامع 4/171.(1/14)
الشيخ ناصر الدين محمود بن شمعون(1) وانهمك انهماكا بينا في القراءات فنهاه عن ذلك القاضي عز الدين ابن جماعة قائلا له إنه علم كثير التعب قليل الجدوى، وأشار عليه بالاشتغال بعلم الحديث لما رأى من قوة ذكائه وتوقد ذهنه(2).
وأقدم سماع وجد له سنة (737) وكان عمره إذا ذاك اثنتي عشرة سنة وأقبل بهمة عالية وجد ونشاط على طلب الحديث فأخذ عن علاء الدين ابن التركماني الحنفي وبه تخرج وانتفع به فسمع عليه وعلى ابن شاهد الجيش صحيح البخاري وسمع على ابن عبد الهادي صحيح مسلم وأخذ عن جماعة من مشايخ مصر والقاهرة منهم:
محمد بن علي القطرواني، ومحمد بن إسماعيل بن الملوك، ومحمد بن عبد الله بن أبي البركات النعماني وغيرهم(3).
رحلاته:
ثم اتجهت همته إلى أن يرتحل تأسيا بمن سلفه من أئمة الحديث وعلمائه فقام برحلة إلى دمشق وسمع من عدة من علمائها منهم تقي الدين السبكي ومحمد بن إسماعيل الحموي.
وإلى حلب فسمع عن جماعة من علمائها.
وإلى حماة فسمع عن جماعة من علمائها.
وإلى طرابلس وبعلبك وبيت المقدس وغزة ومكة والمدينة شرفهما الله وسمع عن عدد كبير من علماء هذه البلدان التي جال فيها ومن وقت أن ارتحل إلى الشام في سنة أربع وخمسين وسبعمائة مكث مدة لا تخلو له سنة في الغالب(4) من الرحلة في الحج أو طلب الحديث وفي مدة إقامته في وطنه لو يكن له هم سوى السماع والتصنيف والإفادة فتوغل في ذلك حتى أن غالب أوقاته أو جميعها لا يصرفها في غير الاشتغال في العلوم وكان له ذكاء مفرط وسرعة حافظة، حفظ من الإلمام أربعمائة سطر في يوم واحد(5).
شيوخه:
للحافظ العراقي كثرة كاثرة من الشيوخ في بلده، والبلدان التي كان يرتحل إليها، منهم غير من ذكرنا سابقا:
__________
(1) لحظ الألحاظ ص 271
(2) الضوء اللامع 4/172؛ لحظ الألحاظ ص 271.
(3) لحظ الألحاظ ص 222. الضوء اللامع 4/172؛ شذرات الذهب 7/55.
(4) لحظ الألحاظ ص 223- 226. الضوء اللامع 4/172.
(5) لحظ الألحاظ ص 226.(1/15)
عماد الدين ابن كثير، ومحمد بن موسى الشقراوي، وعبد الله بن محمد بن المهندس، وابن قيم الضيائية عبد الله بن إبراهيم المقدسي، وأبو بكر بن عبد العزيز بن أحمد بن رمضان، ومحمد بن محمد بن عبد الغني الحراني(1).
تلاميذه:
انفرد الحافظ العراقي في عصره بالإملاء فقصده لأجل ذلك ولغيره الناس من أقطار العالم الإسلامي للسماع عليه والأخذ عنه الجم الغفير والعدد الكثير حتى أن بعض شيوخه كان يأخذ عنه.
ونكتفي بذكر بعضهم فمنهم:
ولده القاضي أبو زرعة ولي الدين العراقي(2).
ومنهم الحافظ الإمام علي بن أحمد بن حجر لازمه عشر سنين(3).
ومنهم الحافظ نور الدين أبو بكر الهيثمي لازمه أكثر حياته(4).
صفاته وثناء العلماء عليه:
قال ابن فهد المكي: "وكان رحمه الله صالحا دينا ورعا عفيفا صينا متواضعا حسن النادرة، والفاكهة منجمعا ذا أخلاق حسنة منور الشيبة جميل الصورة كثير الوقار قليل الكلام إلا في محل الضرورة فإنه يكثر الانتصار، تاركا لما لا يعنيه طارحا للتكلف شديد الاحتراز في الطهارة ولم يكن ذلك يخرجه إلى الوسوسة.
__________
(1) لحظ الألحاظ ص 222- 225.
(2) الضوء اللامع 4/175. لحظ الألحاظ ص 222.
(3) الضوء اللامع 2/37.
(4) لحظ الألحاظ ص 239. الضوء اللامع 5/201.(1/16)
وكان - رحمه الله - شديد التواضع لا يرى له على أحد فضلا، كثير الحياء، ليس بينه وبين أحد شحناء حليما واسع الصدر لا يغضب إلا لأمر عظيم ويزول في الحال. ليس عنده حقد ولا غش ولا حسد لأحد، لا يواجه أحدا بما يكره ولو آذاه وعاداه مع صدعه بالحق وقوة نفسه فيه لا يأخذه في الله لومة لائم، لا يهاب أميرا ولا سلطانا في قول الحق، وكان - رحمه الله - كثير التلاوة وافر الحرمة والمهابة، نقي العرض ماشيا على طريقة السلف الصالح من المواظبة على قيام الليل وصيام الأيام البيض من كل شهر والست من شوال والجلوس في محله بعد صلاة الصبح مع الصمت إلى أن ترتفع الشمس فيصلي الضحى، وعلى الاستماع والإقراء والتدريس والتصنيف وكان - رحمه الله - ذا فضائل جمة من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والآداب"(1).
وكان الإمام جمال الدين الأسنوي وهو من شيوخه يستحسن كلامه ويصغي إليه ويقول: إن ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ، وكان يثني على فهمه ويمدحه بذلك. وكان يحث الناس على الاشتغال عليه وعلى كتابة مؤلفاته وينقل عنه في مصنفاته(2).
وقال التقي الفاسي في ذيل التقييد: "كان حافظا متقنا عارفا بفنون الحديث والفقه والعربية وغير ذ ... لك كثير الفضائل والمحاسن متواضعا ظريفا ومسموعاته وشيوخه في غاية الكثرة وأخذ عنه علماء الديار المصرية وغيرهم وأثنوا عليه خيرا"(3).
وفاته:
توفي - رحمه الله - في ليلة أو يوم الأربعاء ثامن شعبان سنة ست وثمانمائة بالقاهرة وله إحدى وثمانون سنة ورثاه جماعة من تلاميذه منهم الحافظ ابن حجر في قصيدة أطال فيها النفس منها:
مصاب لم ينفس للخناق ... أصاد الدمع جار للمآقي
فيا أهل الشام ومصر فابكوا ... على عبد الرحيم بن العراقي
على الحبر الذي شهدت قروم ... له بالانفراد على اتفاق
__________
(1) لحظ الألحاظ ص 228- 229. وانظر الضوء اللامع 4/175.
(2) لحظ الألحاظ ص 226- 227.
(3) الضوء اللامع 4/176.(1/17)
ومن فتحت له قدما علوم ... غدت عن غيره ذات انفلاق(1)
مؤلفاته:
للحافظ العراقي مؤلفات كثيرة أذكر منها ما يتسع له المقام منها:
1- الأحاديث المخرجة في الصحيحين التي تكلم فيها بضعف أو انقطاع(2).
2- الأربعون تساعية(3).
3- أربعون عشارية(4) ومنها نسخة بالخزانة الكتانية(5).
4- أربعون بلدانية(6).
5- الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد(7).
6- ألفية مصطلح الحديث(8) طبعت مجردة بالرباط وبالهند ومع تعليق من شرح المصنف.
7- ألفية غريب القرآن(9).
8- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد(10).
9- التقييد والإيضاح في مصطلح الحديث. ويسمى النكت على ابن الصلاح(11).
10- الدرر السنية في نظم السيرة الزكية طبعت برباط المغرب(12).
11- الذيل على ذيل العبر للذهبي(13).
12- شرح ألفية الحديث له(14) طبع بالمطبعة الجديدة بطالعة فاس سنة (1354)ه.
13- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار(15) (يعني إحياء علوم الدين للغزالي).
__________
(1) إنباء الغمر 5/173.
(2) لحظ الألحاظ ص 231.
(3) لحظ الألحاظ ص 232.
(4) لحظ الألحاظ ص 232.
(5) انظر تصدير شرح الألفية ص 18 للمحقق محمد بن الحسين العراقي.
(6) لحظ الألحاظ ص 232.
(7) الضوء اللامع 4/173. لحظ الألحاظ ص 230.
(8) الضوء اللامع 4/173. لحظ الألحاظ ص 230.
(9) لحظ الألحاظ ص 230. الضوء اللامع 4/173.
(10) لحظ الألحاظ ص 230. الضوء اللامع 4/173.
(11) سيأتي الكلام عليه.
(12) لحظ الألحاظ ص 230. ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي ص 371. الضوء اللامع 4/173.
(13) الأعلام للزركلي 4/119.
(14) لحظ الألحاظ ص 230. الضوء اللامع 4/173.
(15) لحظ الألحاظ ص 229. الضوء اللامع 4/173.(1/18)
الفصل الثالث: تعريف بالحافظ ابن حجر(1)
عصر الحافظ ابن حجر:
كانت الفترة التي عاش فيها الحافظ ابن حجر العسقلاني - في أخريات القرن الثامن والنصف الأول من القرن التاسع - من أحفل الفترات التاريخية بالعلماء وأزخرها بالمدارس ودور الكتب وحلقات الدروس ورغم ما في هذا العصر من اضطراب سياسي واجتماعي فإن الحكام والأمراء قد عنوا بتشييد المدارس والمكتبات وتشجيع العلماء وإغرائهم بالمال والمناصب مما سبب تنافسا عظيما بين العلماء في نشر العلم بالتعليم والتأليف في مختلف ميادين المعرفة.
اسمه ونسبه:
هو شيخ الإسلام الأستاذ إمام الأئمة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن على بن أحمد الكناني(2) العسقلاني(3) المصري القاهري الشافعي يعرف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه.
مولده:
كان مولده في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة على شاطئ النيل بمصر القديمة.
ونشأ الحافظ ابن حجر يتيما؛ إذ مات أبوه في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة.
وماتت أمه قبل ذلك وهو طفل. وكان أبوه قد أوصى به إلى رجلين ممن كانت بينه وبينهم مودة هما:
زكي الدين أبو بكر ابن نور الدين علي الخروبي (ت 787) وكان تاجرا كبيرا بمصر.
__________
(1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 2/36- 40. والجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر مصورة عن مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 4768 تاريخ وجمان الدرر لابن خليل الدمشقي مصورة عن نسخة بدار الكتب برقم 726 وذيل طبقات الحفاظ للسيوطي ص 370، نظم العقيان للسيوطي ص 45- 46، شذرات الذهب 7/270- 272، البدر الطالع للشوكاني 1/87- 92، معجم المؤلفين 2/20- 22. وقد ذكر كثيرا من المصادر ترجمة الحافظ.
(2) الكناني - بكسر الكاف وفتح النون وبعد الألف نون ثانيا نسبة إلى قبيلة كنانة. الجواهر والدرر ل 13/أ.
(3) نسبة إلى عسقلان مدينة بساحل الشام من فلسطين. الضوء اللامع 2/36؛ جمان الدرر ل 2/ب.(1/19)
وثانيهما: العلامة شمس الدين ابن القطان (ت 813) الذي كان له بوالده اختصاص.
فنشأ في كنف الوصاية في غاية العفة والصيانة، ولم يأل زكي الدين الخروبي جهدا في رعايته والعناية به وبتعليمه، فكان يستصحبه معه عند مجاورته في مكة، وظل يرعاه إلى أن مات سنة (787). وكان الحافظ قد راهق ولم تعرف له صبوة ولم تضبط له زلة. حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وصلى بالناس التراويح إماما في المسجد الحرام وهو ابن اثنتي عشرة سنة إبان مجاورته مع وصيه الخروبي بمكة المكرمة سنة (785).
وحفظ بعد رجوعه إلى مصر سنة (786) عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي والحاوي الصغير للقزويني، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، والملحة وغيرها.
وكان قد أعطي حافظة قوية، فكان يحفظ كل يوم نصف حزب من القرآن، وكان في غالب أيامه يصحح الصحيفة من الحاوي الصغير، ثم يقرأها مرة أخرى ثم يعرضها في الثالثة حفظا، ثم لازم كثيرا من الشيوخ من المحدثين والفقهاء والقراء واللغويين والأدباء، واستفاد من علومهم.
وحبب إليه الحديث النبوي، فأقبل بكليته عليه وأخذ عن مشايخ عصره وقد بقي منهم بقايا وواصل الغدو بالرواح إليهم.
ولازم الحافظ العراقي عشر سنين وتخرج به، وانتفع بملازمته كما لازم شيوخا آخرين في الحديث وفي فنون أخرى.
وجد في طلب العلوم منقولها ومعقولها حتى بلغ الغاية. وصار كلامه مقبولا لا يعدو الناس مقالته لشدة ذكائه وطول باعه في العلوم.
رحلاته في طلب العلم:(1/20)
كانت الرحلة في طلب العلم سنة متبعة منذ فجر الإسلام، فكان الصحابة يرحلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتلقوا عنه مبادئ الإسلام وتوجيهاته. ورحل الصحابة والتابعون بعضهم إلى بعض، ثم تتابعت الأجيال الإسلامية على هذا النهج لا سيما أهل الحديث، فقد كانوا يرحلون زرافات ووحدانا يضربون في جنبات العالم الإسلامي شرقا وغربا ارتيادا للحديث وأهله، واستمروا على هذه الحال إلى عهد الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فكان واحدا من هؤلاء الأفاضل الشغوفين بالعلم والتضلع منه، فأخذ بحظ وافر في هذا المجال فجال في مصر والشام والحجاز واليمن والتقى بعدد كبير من العلماء في هذه البلدان وحمل عنهم شيئا كثيرا من العلم واستفاد منهم وأفاد.
شيوخ الحافظ:
اهتم الحافظ ابن حجر بذكر شيوخه وردد أسماءهم في كثير من كتبه وأعطى عنهم معلومات قيمة إلى جانب ذلك، فقد أفرد ذكرهم في كتابين عظيمين مازالا مخطوطين(1) هما:
الأول: المجمع المؤسس للمعجم المفهرس ترجم فيه لشيوخه وذكر مروياتهم بالسماع أو الإجازة أو الإفادة عنهم.
والثاني: المعجم المفهرس وهو فهرس لمرويات الحافظ ذكر فيه شيوخه خلال ذكره لأسانيده في الكتب والأجزاء والمسانيد.
وقسم السخاوي(2) شيوخ الحافظ إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من سمع منه الحديث ولو حديثا واحدا.
الثاني: من أجازوا ولو في استدعاءات بنيه.
الثالث: من أخذ عنه مذاكرة أو إنشادا أو سمع خطبته أو تصنيفه أو شهد له ميعادا، وربما يكون من كل من القسمين تتلمذ له وعنه واستفاد على جاري عادة الحفاظ.
وبلغ مجموع شيوخه ستمائة وزيادة على أربعين شيخا، وقسمهم ابن خليل الدمشقي في جمان الدرر(3) إلى ثلاثة أقسام أيضا وأوصل عددهم إلى ستمائة وتسعة وثلاثين شيخا.
__________
(1) وهما بدار الكتب المصرية ولهما صورتان في مكتبة الصديق بمنى.
(2) الجواهر والدرر ل36/ب- 44/ب.
(3) ل11/ب- 24/أ.(1/21)
ونكتفي هنا بذكر بعض شيوخه وهم الذين كان لهم أثر في حياته نظرا أولا لكثرتهم، وثانيا أنه تكفل بذكرهم في كتابيه سالفي الذكر. كما تكفل بذكرهم تلميذه السخاوي في كتابه الجواهر والدرر، ثم ابن خليل الدمشقي في جمان الدرر.
فمن شيوخه الذين لازمهم وكان لهم أثر واضح في نبوغه وحياته:
1- إبراهيم(1) بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن علوان التنوخي البعلي الأصل، الدمشقي المنشأ، الشيخ برهان الدين الشامي، بلغ عدد شيوخه ستمائة بالسماع والإجازة يجمعهم معجمه الذي خرجه له الحافظ ابن حجر. نزل أهل مصر بموته درجة قرأ عليه الحافظ شيئا من القرآن ثم قرأ عليه الشاطبية وصحيح البخاري وبعض المسانيد والكتب والأجزاء وخرج له المائة العشارية ثم الأربعين التالية لها ووأذن له بالإقراء سنة (796) - توفي التنوخي سنة (800).
2- عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني العسقلاني الأصل، ثم البلقيني(2) المصري الشافعي أبو حفص سراج الدين، مجتهد حافظ للحديث من أكابر العلماء أفتى ودرس وهو شاب وناظر الأكابر وظهرت فضائله وبهرت فوائده وطار في الآفاق صيته.
سمع الحديث من جماعة من مشايخ عصره، وأجاز له الذهبي والمزي وغيرهما وكان معظما عند الأكابر عظيم السمعة عند العوام، وقد لازمه الحافظ ابن حجر وقرأ عليه الكثير من الروضة ومن كلامه على حواشيها، وكتب له بخطه بالإذن بالإعادة وهو أول من أذن له في التدريس والإفتاء وتبعه غيره. له مؤلفات منها: محاسن الاصطلاح في المصطلح، وحواشي على الروضة، مات سنة (805).
__________
(1) ترجمته في المجمع المؤسس الورقة 4- 31 نقلا عن رسالة ابن حجر ودراسة مصنفاته للدكتور شاكر عبد المنعم 1/148، عنوان الزمان مجلد 1/ل37، الدرر الكامنة 1/11.
(2) ترجمته في إنباء الغمر 5/107، لحظ الألحاظ ص206- 220، الضوء اللامع 6/85- 90، الأعلام للزركلي 5/205، جمان الدرر ل30/ب.(1/22)
3- عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثم المصري المعروف بابن الملقن(1) كان أكثر أهل عصره تصنيفا. فشرح المنهاج عدة شروح وخرج أحاديث الرافعي في ست مجلدات وشرح صحيح البخاري في عشرين مجلدة. توفي سنة 804.
4- محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل المصري الشافعي، ويعرف بابن جماعة(2) عز الدين، فقيه أصولي محدث متكلم أديب نحوي لغوي مشارك في غير ذلك وكان يقول: "أعرف خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها".
وصنف التصانيف الكثيرة التي جمع أسماؤها في جزء مفرد.
قال السخاوي: "ضاع أكثرها منها: النصف الأول من حاشية العضد وشرح جمع الجوامع وشرح علوم الحديث لابن الصلاح". أخذ عنه الحافظ ابن حجر ولازمه في غالب العلوم التي كان يقرؤها من سنة 790 إلى أن مات سنة 819.
تلاميذ الحافظ ابن حجر:
إن المكانة الرفيعة التي تبوأها الحافظ ابن حجر بعلمه الواسع وأخلاقه الكريمة وبعد صيته وطريقته المثلى في التدريس والتربية قد لفتت أنظار الناس من علماء وطلاب فتنافسوا في الرحلة إليه والأخذ عنه لينهلوا من علومه الغزيرة وليفيدوا من آدابه وأخلاقه الرفيعة فكثر عددهم وأصبح رؤساء العلماء من كل مذهب وفي كل قطر إسلامي من تلاميذه.
ولقد سرد السخاوي في الجواهر والدرر(3) أسماء جماعة من الذين أخذوا عنه رواية ودراية فبلغ عددهم خمسمائة شخص. وفي جمان الدرر(4) أورد ابن خليل الدمشقي حوالي ثلاثمائة وخمسين نفسا من تلاميذه والآخذين عنه.
والمجال هنا لا يتسع إلا لذكر قليل منهم.. فمنهم:
__________
(1) ترجمته في إنباء الغمر 2/216- 219. لحظ الألحاظ ص 199- 203. ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي ص 269.
(2) ترجمته في إنباء الغمر 7/240- 243. الضوء اللامع 7/171- 174. لحظ الألحاظ ص267.
(3) من ل253/أ- 272/ب.
(4) جمان الدرر من ل124/ب- 131/أ.(1/23)
1- إبراهيم بن علي بن الشيخ بن برهان الدين بن ظهيرة(1) المكي الشافعي قرأ على الحافظ النصف الأول من شرح النخبة وقطعة من الحاوي الصغير، ولي قضاء مكة نحو ثلاثين سنة، وإليه انتهت رياسة العلم في الحجاز توفي سنة (891).
2-أحمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكرماني الأصل القاهري الحنفي ويعرف بالكلوتاني(2) (شهاب الدين أبو الفتح) محدث. قرا على الحافظ تغليق التعليق بكماله وغيره من تآليفه والاقتراح لابن دقيق العيد. من تصانيفه: مختصر الناسخ والمنسوخ للحازمي، ومختصر في علوم الحديث. توفي سنة (835).
3- أحمد بن محمد بن علي بن حسن الأنصاري الخزرجي شهاب الدين(3) المعروف بالحجازي من شيوخ الأدب في مصر، نظم الشعر وقرأ الحديث والفقه واللغة وتصدر للتدريس، أخذ عن الحافظ ابن حجر وغيره من علماء عصره. من مؤلفاته "قلائد النحور من جواهر البحور" والكنس الجواري. توفي سنة (875).
4- زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري(4) عالم مشارك في الفقه والأصول والفرائض والتفسير والقراءات والتجويد والحديث.
أخذ عن الحافظ ابن حجر وغيره من أعيان عصره. من مصنفاته الكثيرة: "شرح صحيح مسلم" و"شرح مختصر المزني في الفقه الشافعي" و"شرح ألفية العراقي" في علوم الحديث. مات سنة (926).
__________
(1) الضوء اللامع 1/88، جمان الدرر ل124/ب، الأعلام 1/47.
(2) الضوء اللامع 1/378- 380، جمان الدرر ل125/ب، معجم المؤلفين 1/311.
(3) الضوء اللامع 2/147، جمان الدرر ل126/أ لكن ذكر أن وفاته سنة (887)، الأعلام للزركلي 1/219.
(4) شذرات الذهب لابن عماد 8/134- 136، البدر الطالع للشوكاني 2/252- 253، معجم المؤلفين 4/172.(1/24)
5- محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي(1) الأصل القاهري الشافعي (شمس الدين أبو الخير) فقيه مقرئ محدث مؤرخ مشارك في الفرائض والحساب والتفسير والأصول. أخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والإملاء، وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر ولزمه أشد الملازمة وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره.من مؤلفاته الكثيرة:
"الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" في التراجم، و"الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر" و"فتح المغيث في ألفية الحديث" مات سنة (902).
6- محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد(2) الهاشمي العلوي المكي الشافعي، أخذ عن كثير من العلماء منهم الحافظ ابن حجر وكتب عمن دب ودرج وبرع في الحديث، وفاق أقرانه وصار المعول عليه في هذا الشأن. له مؤلفات منها:
"لحظ الألحاظ ذيل تذكرة الحفاظ" و"الإشراف على جمع النكت الظراف وتحفة الأشراف". توفي سنة871.
صفاته وأخلاقه:
قال ابن تغري بردى في بيان صفاته: "شيخ الإسلام حافظ المشرق والمغرب أمير المؤمنين في الحديث، علامة الدهر شيخ مشايخ الإسلام حامل لواء سنة سيد الأنام، قاضي القضاة أوحد الحفاظ والرواة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن حجر المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة العسقلاني الأصل الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها... لم يخلف بعده مثله شرقا ولا غربا، ولا نظر هو في مثل نفسه في علم الحديث.
__________
(1) شذرات الذهب لابن عماد 8/15- 16، البدر الطالع للشوكاني 2/184- 187، معجم المؤلفين 10/150.
(2) الضوء الللامع 9/281- 283، البدر الطالع 2/259- 260، معجم المؤلفين 11/291.(1/25)
وكان - رحمه الله تعالى - إماما عالما حافظا شاعرا أديبا مصنفا مليح الشكل منور الشيبة حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية، عذب المذاكرة مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودربة بالأحكام ومداراة للناس، قل أن كان يخاطب الرجل بما يكره بل كان يحسن إلى من يسيء إليه ويتجاوز عن من قدر عليه هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات، وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد"(1).
"وكان ورعا شديد التحري والتحرز في مأكله ومشربه وملبسه فلا يأكل إلا من الحلال الطيب، فلقد قدم إليه مرة طعام من جهة لا يحب أن يأكل منها لما سأل عنه وعرف مصدره استدعى بطست وقال: أفعل ما فعله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ثم استقاء ما في بطنه"(2).
وكان يمتاز بالتواضع والبعد عن التباهي بما منحه الله من مواهب وطاقات عقلية وعلمية. فلقد سئل مرة هل رأيت مثل نفسك؟ فأجاب(3) قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم} (4).
قال ابن فهد: "...لم تر العيون مثله ولا رأى مثل نفسه"(5). وكان ضابطا للسانه واسع الصدر واسع الحلم، يغض عمن يؤذيه مع قدرته على الانتقام منه. بل يحسن إلى من أساء إليه ويتجاوز على من قدر عليه بطيء الغضب ما لم يكن ي حق الله تعالى. وكان في غاية السماحة والسخاء والبذل مع قصده إخفاء ذلك. وكان بارا بشيوخه وأبنائهم بل بطلبته وأصحابه وخدمه"(6). وكان شديد الحرص والمحافظة على الوقت. فكانت همته المطالعة والقراءة والسماع والعبادة والتصنيف والإفادة بحيث لم يخل لحظة من أوقاته عن شيء من ذلك حتى في أكله"(7).
"وكان متبعا للسنة شديد التمسك بها جميع أحواله، ويدعو إليها بلسانه وقلمه ويحذر من مخالفتها شديد الإنكار للبدع.
__________
(1) النجوم الزاهرة 15/532.
(2) الجواهر والدرر ل 233.
(3) الجواهر والدرر ل 244.
(4) من الآية (32) من سورة النجم.
(5) لحظ الألحاظ ص336.
(6) الجواهر والدرر ل 232/ب.
(7) الجواهر والدرر ل 29.(1/26)
وكان يجهر بالإنكار على ابن عربي ومن نحى نحوه، وينكر مذهبه القبيح في تفضيل الولي على النبي إذ يقول:
مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي
وسأله شيخه البلقيني عن ابن عربي فكفره.
ثم سأله عن ابن الفارض فتردد في تكفيره فأنشده قصيدته التائية أبياتا فقال: هذا كفر هذا كفر"(1).
ثناء العلماء على الحافظ ابن حجر مكانته بينهم:
إن مكانة ابن حجر العلمية وسمو آدابه وأخلاقه جعلت العلماء من شيوخه وأقرانه وتلاميذه ومن بعدهم تفيض ثناء عليه وتشيد بمكانته ورسوخ قدمه في العلم والفضل، سجل من ذلك تلميذه السخاوي الشيء الكثير لشيوخه وأقرانه وتلاميذه وسجل ذلك المؤرخون وغيرهم وسوف أجتزئ من ذلك بما يسمح به المقام هنا.
فمن ذلك الثناء ما كتبه شيخه الإمام سراج الدين البلقيني تقريظا لكتاب الحافظ "تغليق التعليق" قال: "جمع الشيخ الحافظ المحدث المتقن المحقق شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الفقير إلى الله نور الدين الشهير بابن حجر"(2).
وكتب العلامة برهان الدين الأبناسي في تقريظة للمائة العشارية تأليف الحافظ: "وكان ممن لاحظته عيون السعادة وسبقت له في الأزل الإرادة الشيخ الإمام العالم المحدث المتقن شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام العالم صدر المدرسين مغني المسلمين أبي الحسن علي الشهير بابن حجر نور الدين الشافعي، لما عنيت به عناية التوفيق ورعاية التحقيق، نظر في العلوم الشرعية وأتقن جلها وحل مشكلها وكشف قناع معضلها وصرف همته العالية إلى أشرفها علم الحديث وهو أفضلها فاجتمع عليه المشايخ الجلة وكل مسند ورحلة فاستفاد منهم وأفاد فانتقى الأسانيد الجياد"(3).
__________
(1) الجواهر والدرر ل 249.
(2) الجواهر والدرر ل49/ب، جمان الدرر ل32/أ.
(3) الجواهر والدرر ل50/أ، جمان الدرر ل32/أ.(1/27)
وكتب شيخه العلامة عبد الرحيم بن الحسين العراقي: "ولما كان الشيخ العالم الكامل الفاضل الإمام المحدث المفيد المجيد الحافظ المتقن الضابط الثقة المأمون شهاب الدين أبو الفضل ابن الشيخ الإمام العالم الأوحد نور الدين علي العسقلاني المصري الشهير بابن حجر نفع الله به وبلغه غاية أربه ممن وفقه الله لطلبه... إلى أن قال: فجمع الرواة والشيوخ وبين الناسخ والمنسوخ وجمع الموافقات والأبدال، وميز بين الثقات والضعفاء من الرجال وأفرط بجده الحثيث حتى انخرط في مسلك أهل الحديث، وحصل في الزمن اليسير على علم غزير"(1).
قال السخاوي: "وبلغني عن شيخنا أبي العباس الحناوي قال: "كنت أكتب الإملاء عن شيخنا العراقي فإذا جاء ابن حجر ارتج له المجلس، وعند عرض الإملاء قل أن يخلو من إصلاح يفيده ابن حجر"(2).
__________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) الجواهر والدرر ل51/أ، جمان الدرر ل32/ب.(1/28)
وكتب تلميذه السخاوي سفرا ضخما في حياته، وترجم له في عدد من مؤلفاته ومن قوله فيه إضافة إلى ما أسلفناه عنه بعد أن ذكر وظائفه وأعماله الجليلة التي قام بها: "وأملى ما ينيف عن ألف مجلس من حفظه، واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمة إليه، وتبجح الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته حتى كان رؤوس العلماء من كل مذهب تلامذته، وأخذ الناس عنه طبقة أخرى وألحق الأبناء بالآباء والأحفاد بل وأبناءهم بالأجداد، ولم يجتمع عند أحد مجموعهم وقهرهم بذكائه وتفوق تصوره وسرعة إدراكه واتساع نظره ووفور آدابه وامتدحه الكبار وتبجح فحول الشعراء بمطارحته، وطارت فتواه التي لا يمكن دخولها تحت العصر في الآفاق... مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وصيامه وقيامه وبذله وحسن عشرته ورضى أخلاقه وميله إلى الفضائل وإنصافه في البحث ورجوعه إلى الحق وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره، فقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى"(1).
وفاته:
بعد تلك الحياة الحافلة بالنشاط الواسع في خدمة العلم ورفع مناره والجهاد في نشره وإشاعته بمختلف السبل من تدريس وإملاء وتأليف وفتاوى وغيرها ذلك النشاط الذي استغرق ما يقرب من ستين عاما فأنجب جيلا من أفذاذ العلماء وسد فراغا كبيرا في المكتبة الإسلامية بالمؤلفات الكثيرة الواسعة الناضجة مما لاغني للمكتبة الإسلامية ولا لرواد العلم عنها.
__________
(1) الضوء اللامع 2/39.(1/29)
بعد كل هذا وافاه الأجل المحتوم - سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا - على إثر مرض بدأ به من ذي القعدة من سنة (852) فكان - رحمه الله - يكتم ذلك المرض ويؤدي واجبه من تدريس وإملاء، ولكن المرض ازداد به فتردد إليه الأطباء، وهرع إليه الناس من أمراء وقضاة لعيادته، دام به ذلك المرض أكثر من شهر ثم أصيب بإسهال شديد مع رمي الدم(1). قال السخاوي "ولا أستبعد أنه أكرمه الله بالشهادة فقد كان الطاعون ظهر"(2) ثم أسلم الروح إلى باريها في أواخر شهر ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة يوم السبت الموافق للثامن عشر من الشهر المذكور(3).
وحضر جنازته الشيوخ وأرباب الدولة وجمع غفير من الناس وازدحموا في الصلاة عليه حتى حزر أحد الأذكياء من مشى في جنازته بأنهم نحو الخمسين ألف إنسان وواروا جثمانه بتربة بني الخروبي بالقرب من الإمام الشافعي(4).
كان يوم موته عظيما على المسلمين وحتى على أهل الذمة، ورثاه عدد من الشعراء منهم الشهاب الحجازي بقصيدة تضم أكثر من خمسين بيتا مطلعها:
كل البرية للمنية صائرة ... وقفولها شيئا فشيئا سائرة
والنفس إن رضيت بذا ربحت وإن ... لم ترض كانت عند ذلك خاسرة(5)
ورثاه تلميذه البقاعي بقصيدة مطلعها:
رزء ألم فقلت الدهر في وهج ... وأعقل الناس منسوب إلى الهوج(6)
ورثاه أغلب شعراء عصره بأمهات القصائد(7). ولا يتسع المجال لذكرها - رحمه الله - وأكرم مثواه.
مؤلفات الحافظ ابن حجر:
لقد جال الحافظ ابن حجر بقلمه في كل مجال من مجالات العلوم الإسلامية والعربية، وزاحم بفكره ونشاطه وعبقريته أئمة الحديث والتفسير واللغة والأدب والشعر.
__________
(1) لحظ الألحاظ ص337.
(2) الجواهر والدرر ل274.
(3) الجواهر والدرر ل275/ب.
(4) الجواهر والدرر ل275/ب.
(5) الجواهر والدرر ل286، لحظ الألحاظ ص339.
(6) الجواهر والدرر ل286.
(7) انظر الجواهر والدرر ل286- 291، جمان الدرر من ل133- 137.(1/30)
وقدم خدمة جلى للأمة الإسلامية لا سيما في الحديث الشريف وعلومه فألف - رحمه الله -:
في علوم القرآن وعلوم الحديث وشرحه وعلل الحديث ونقده وطرقه وتخريجه والعشاريات والأربعينيات وكتب الأطراف والزوائد والأبدال والموافقات والفقه وأصوله والعقائد والمعاجم والمشيخات والفهارس وكتب الرجال والتراجم والمناقب والتاريخ والأدب واللغة ودواوين الشعر.
وما من نوع من هذه الأنواع إلا وله فيه مؤلف أو مؤلفات. وأصبح من العسير أن يحيط أحد بنشاطه أو يحصي مؤلفاته. لذا نرى بعضا ممن ترجموا له يكتفي أن يقول في عدد مؤلفاته أنها تزيد عن مائة وخمسين مؤلفا(1).
ومنهم من يقول أنها تزيد على المائة.
قال صاحب اليواقيت والدرر وصاحب بدائع الزهور: "أنها بلغت نحوا من مائة كتاب".
وذكر السخاوي في الضوء اللامع أن مصنفاته زادت على مائة وخمسين، وفي الجواهر والدرر(2) ذكر ما يقرب من الواقع فأبلغها ما يزيد على 270 عنوانا، وقال أن الحافظ جمعها في كراسة وأوصلها الدكتور شاكر محمود في رسالته "الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته" 282 كتابا وأضاف ثمانية وثلاثين مؤلفا نسبت للحافظ.
هذا وليس من الممكن هنا استيفاؤها لكثرتها، ولأن مؤلفين ومترجمين للحافظ قد قاموا بهذا الواجب كالسخاوي في الجواهر والدرر وابن خليل الدمشقي في جمان الدرر والدكتور شاكر محمود عبد المنعم في رسالته "الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته" التي نال بها شهادة الدكتوراه. وقد بذل جهدا مشكورا في هذه الرسالة لاسيما في إحصاء مؤلفاته، فقد أطال النفس فيذكرها وبيان المصادر التي تذكرها ودراسة بعضها دراسة وافية وبيان أهميتها ثم ترتيبها على حسب المواضيع وقد بلغت ما يقرب من ثلاثمائة مؤلف واستغرقت في رسالته اثنتين وثلاثين وأربعمائة صفحة من ص 252- 687 لأجل هذا سأكتفي بالإشارة إلى بعضها فمنها:
__________
(1) الضوء اللامع 2/38.
(2) من ل150- 160.(1/31)
1- إتحاف المهرة بأطراف العشرة. والمقصود بالعشرة: الموطأ ومسند الشافعي ومسند أحمد وجامع الدارمي وصحيح ابن خزيمة والمنتقى لابن جارود وصحيح ابن حبان ومستخرج أبي عوانة ومستدرك الحاكم وشرح معاني الآثار للطحاوي وسنن الدارقطني، وهو مخطوط ومنه نسخة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية وأخرى في مكتبة لصديق بمنى.
2- الإصابة في تمييز الصحابة. وهو من أشهر مصنفات الحافظ وأعظمها بعد فتح الباري، مطبوع ويقع في أربعة مجلدات.
3- إنباء الغمر بأبناء العمر. رتبه على السنين، أورد في كل سنة أحوال الدول وأحداثها ووفيات الأعيان مستوعبا لرواة الحديث. مطبوع.
3- بلوغ المرام من أدلة الأحكام في مجلد لطيف وهو مطبوع ومشهور.
5- تبصير المنتبه وتحرير المشتبه، حرر فيه كتاب المشتبه للذهبي فضبط فيه الأسماء بالحروف واستدرك فيه ما فات الذهبي من أسماء. مطبوع.
6- تجريد الأسانيد للكتب المشهورة والأجزاء المنثورة المسمى بالمعجم المفهرس، مخطوط منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم 331.
7- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة. يعني رجال الموطأ ومسند أبي حنيفة ومسند الشافعي ومسند أحمد مطبوع.
8- تغليق التعليق يقع في مجلد ضخم يشتمل على وصل الأحاديث المعلقة المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة الواقعة في صحيح البخاري.مخطوطة ومنه صورة في مكتبة الحرم المكي.
9- تقريب التهذيب مختصر تهذيب التهذيب له يشتمل على تراجم رجال الكتب الستة مطبوع في مجلدين.
10-التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. وهو تلخيص للبدر المنير لابن الملقن. وأضاف إليه زوائد وفوائد مهمة. مطبوع في مجلدين.
11- تهذيب التهذيب لخص فيه تهذيب الكمال في الرجال للمزي مع زيادات كثيرة أضافها إليه. مطبوع في اثني عشر جزءا.
12- الحواشي على تلخيص المستدرك.
13- الدراية في تلخيص تخريج أحاديث الهداية. لخص فيه الحافظ نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي مطبوع في مجلد.(1/32)
14- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. وهو من كتب التراجم جمع فيه أعيان القرن الثامن مرتبين على حروف المعجم. مطبوع في خمس مجلدات.
15- فتح الباري بشرح صحيح البخاري وهو أجل شروح البخاري ومن أجل تصانيف الحافظ وأشهرها وأكثرها نفعا. مطبوع في ثلاثة عشر جزءا.
16- لسان الميزان. يشتمل على تراجم من ليس في تهذيب الكمال من الميزان مع زيادات كثيرة جدا في أحوالهم من ناحية الجرح والتعديل، وأضاف أسماء رجال فاتت صاحب الميزان. مطبوع.
17- المطالب العلية بزوائد المسانيد الثمانية. وهي ومسند ابن منيع ومسند ابن أبي شيبة ومسند عبد ابن حميد ومسند أبي أسامة ومسند، الطيالسي ومسند الحميدي ومسند ابن أبي عمر ومسند مسدد ثم أضاف إليها مسند إسحاق ابن راهويه. مطبوع.
18- نخبة الفكر وشرحها نزهة النظر. حوى على صغر حجمه كل أنواع علوم الحديث. طبع مرارا.
19- نزهة الألباب في الألقاب. مخطوط توجد منه نسخ كثيرة مخطوطة منها بدار الكتب نسختان تحت رقم 166، 336 مصطلح. ومنها نسخة بمكتبة الحرم المكي.
20- هدي الساري مقدمة فتح الباري تقع في مجلد ضخم وتشتمل على جميع مقاصد الشرح (فتح الباري) سوى الاستنباط. مطبوع.(1/33)
37- قوله (ص): "ومن مظانه"(1):
أي من مظان الحسن والمظان جمع مظنة - بكسر الظاء وهي مفعلة من الظن. وقال المطرزي(2): "المظنة العلم من ظن(3) بمعنى علم".
22- قوله (ع): "ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك (يعني الحسن الاصطلاحي) أم لا(4)"؟.
أقول: حكى ابن كثير في مختصره(5) أنه رأى في بعض النسخ من رسالة أبي داود ما/(ي49) نصه: "وما سكت عليه فهو حسن وبعضها أصح/(ر53/ب) من بعض".
فهذه النسخة إن كانت معتمدة فهو نص في موضع النزاع، فيتعين المصير إليه، ولكن نسخة روايتنا والنسخ المعتمدة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا. - والله الموفق -.
23- قوله (ع)(6): "في/(ب111) الجواب من اعتراض أبي الفتح اليعمري؛ إذ زعم أن شرط أبي داود كشرط مسلم إلا في الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها(7) - بأن مسلما شرط الصحيح - فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن وأبو داود إنما قال:
"ما سكت عنه فهو صالح". والصالح يجوز أن يكون صحيحا وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن".
أقول: أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح اليعمري بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه:
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص33 قال: ومن مظانه سنن أبي داود السجستاني - رحمه الله.
(2) هو المسمى عبد السيد بن علي المطرزي ناصر الدين، لغوي من آثاره شرح المقامات للحريري ولخص إصلاح المنطق لابن السكيت مات سنة 610. معجم المؤلفين 5/232.
(3) في (ب) الظن وفي (ر) و(ه) أظن والصواب ما أثبتناه.
(4) التقييد والإيضاح ص54.
(5) في مختصر ابن كثير ص41 "قلت ويروى عنه أنه قال: "وما سكت عنه فهو حسن" فليس فيه أنه رأى بعض النسخ، ولعل الحافظ رأى هذا الكلام في بعض نسخ المختصر المذكور.
(6) التقييد والإيضاح ص54.
(7) شرح ابن أبي سيد الناس للترمذي 1/ل7.(2/1)
"هذا الذي قاله ضعيف، وقول ابن الصلاح أقوى؛ لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت (فلا نعني بالحسن إلا)(1) الدرجة الدنيا منها.
والدرجة الدنيا منها لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول وإنما يخرجها في المتابعات والشواهد.
[الرواة عند مسلم ثلاثة أقسام:]
قلت: وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه أن الرواة ثلاثة أقسام:
الأول: كمالك وشعبة وأنظارهما.
الثاني: مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وأمثالهما.
وكل من القسمين مقبول، (لما يشمل الكل)(2) من اسم الصدق.
والطبقة الثالثة: أحاديث المتروكين.
فقال القاضي عياض وتبعه النووي وغيره: "إن مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث"(3).
وقال الحاكم والبيهقي وغيرهما: "لم يخرج مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث به اخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين"(4).
ويؤيد هذا/(ر54/أ) ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم(5) قال: "صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها/(ي95) هذا الذي قرأه على الناس (يعني الصحيح) والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق وأمثالهما والثالث يدخل فيه الضعفاء.
__________
(1) في كل النسخ "فلا معنى إلى" والتصحيح من توضيح الأفكار 1/203.
(2) من (ي) وفي باقي النسخ "لما يشتمل الكل عليه" وعبارة (ي) أقوم.
(3) انظر إكمال المعلم 1: ق3/1، ومقدمة شرح مسلم للنووي ص23- 24.
(4) انظر مقدمة شرح مسلم للنووي ص23.
(5) إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه الزاهد المجتهد العابد صاحب مسلم وراوية صحيحه مات سنة 308. مقدمة شرح مسلم (ص10).(2/2)
قلت: وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه لكن فرض(1) المسألة هل احتج (بهم كما احتج)(2) بأهل القسم الأول أم لا؟
والحق: أنه لم يخرج شيئا مما انفرد به الواحد منهم وإنما احتج بأهل القسم الأول سواء تفردوا أم لا؟
ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول. وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك.
وهذا ظاهر بين في كتابه ولو/(ه56/أ) كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه.
ألا تراه أخرج لعطاء بن السائب(3) في المتابعات وهو من المكثرين، فما له عنده سوى مواضيع يسيرة.
وكذا محمد بن إسحاق وهو من بحور(4) الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة.
ولم يخرج لليث بن أبي سليم(5) ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا.
وهذا بخلاف أبي داود، فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي/(ر54/ب) قول أبي داود: "وما كان فيه وهن شديد بينته" (ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد)(6) أنه لا يبينه.
__________
(1) في نسختي (ر) (ي) "حرف" وفي (ه) "حرق" بالحاء والراء والقاف وفي (ب) طرف والتصحيح من هامش (ر) ولعله الصواب.
(2) مابين قوسين ساقط من (ب).
(3) عطاء بن السائب أبو محمد ويقال أبو السائب الثقفي الكوفي صدوق من الخامسة مات سنة 136/خ 4. تقريب (2/22)، الكاشف (2/265).
(4) من (ر) وفي (ه) و(ب) "ممن يجوز" وهو خطأ.
(5) الليث بن أبي سليم بن زنيم - بالزاي والنون مصغرا - واسمه أيمن وقيل غير ذلك صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة مات سنة 148/ خت م 4. تقريب (2/138)، الكاشف (3/14)، وقال: م مقرونا.
(6) ما بين قوسين سقط من (ب).(2/3)
ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن(1) الاصطلاحي. بل هو على أقسام:
1- منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة.
2- ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3- ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدا.
4- ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا. وكل هذه الأقسام عنده/(ي96) تصلح للاحتجاج بها(2).
كما نقل ابن منده(3) عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى من رأي الرجال(4).
__________
(1) نقل الصنعاني هذا النص من قوله: "وفي قول أبي داود" إلى هنا . توضيح الأفكار (1/197).
(2) ونقل الصنعاني هذا النص من قوله: "وهذان القسمان كثير في كتابه " توضيح الأفكار (1/197). وكأنه سقط عليه ذكر الأقسام الثلاثة الآنفة الذكر. وذكره محمود خطاب السبكي في مقدمة المنهل العذب المورود (ص18) نقلا عن القاضي حسين بن محسن اليماني في التحفة المرضية.
(3) هو الإمام الحافظ الجوال محدث العصر أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي (نسبة إلى عبد القيس ولاء) من المكثرين في التصنيف منها: معرفة الصحابة وكتاب الإيمان، وكتاب التوحيد مات سنة 395. تذكرة الحفاظ (3/1031)، طبقات الحنابلة (2/167).
(4) مقدمة ابن الصلاح (ص34).(2/4)
وكذلك قال ابن عبد البر(1): "كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لاسيما إن كان لم يذكر في الباب غيره".ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر(2) عنه أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره(3).
وأصرح من هذا ما رويناه عنه فيما حكاه أبو العز بن كادش(4)/(ه56/ب) أنه قال -لابنه-(5): "لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، لكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه"(6).
__________
(1) هو الإمام الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي المالكي أبو عمر من حفاظ الحديث المورخ أديب بحاثة له مؤلفات منها: التمهيد الاستيعاب والاستذكار. مات سنة 463. وفيات الأعيان (7/66)، تذكرة الحفاظ (3/1128).
(2) هو الحافظ العلامة الفقيه محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر شيخ الحرم وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء وكتاب الإجماع وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل وكان مجتهدا لا يقلد أحدا. مات سنة 318. تذكرة الحفاظ (3/782)، وفيات الأعيان (4/207).
(3) في ميزان الاعتدال (3/265) وقال الأثرم سئل أحمد عن عمرو بن شعيب فقال: "ربما احتججنا بحديثه وربما وجس في القلب منه". وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/238) وشرح علل الترمذي لابن رجب (ص241).
(4) هو أحمد بن عبيد الله بن كادش (أبو العز) محدث من شيوخ ابن عساكر خرج وألّف توفي سنة 556. لسان الميزان (1/218)، معجم المؤلفين (1/308). هذا وفي (ب) "ابن كاوس" بالواو بعد الكاف وهو خطأ.
(5) في (ي) "لأبيه" وهو خطأ.
(6) حكى أبو موسى المديني المتوفى سنة 581 هذه الرواية في خصائص المسند (ص27) من الجزء الأول من مسند أحمد تحقيق أحمد محمد شاكر ثم ردها ثم قال: "فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف".(2/5)
ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه قال: "سمعت أبي يقول: "لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي"(1).
[موقف أحمد من الرأي:]
قال: "فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل؟
قال: "سأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي".
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود. ولا عجب، فإنه كان من تلامذة الأمام أحمد فغير مستنكر أن يقول بقوله.
بل حكى النجم الطوفي(2) عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: "اعتبرت مسند أحمد، فوجدته موافقا لشرط أبي داود"(3).
__________
(1) انظر جامع بيان العلم (2/170).
(2) هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي البغدادي رافضي ويدعي أنه حنبلي له مؤلفات منها مختصر الروضة للموفق ثم شرحها. مات سنة 716. شذرات الذهب (6/38)، الدر الكامنة (2/249).
(3) بل إن ابن تيمية يرى أن شرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود قال في لتوسل والوسيلة (ص82) طبعة دار العروبة:لا "ولهذا نزه أحمد مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن كأبي داود والترمذي مثل مشيخة كثير بن عبد الله بن عمرو العوفي المزني عن أبيه عن جده وإن كان أبو داود يروي في سننه منها، فشرط أحمد أجود من شرط أبي داود في سننه". هذا وقد نقل الصنعاني هذا الأقوال قول ابن منده وابن عبد البر وأبي العز ابن كادش والنجم الطوفي. انظر توضيح الأفكار (1/197- 198).(2/6)
وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا/(ب114) ومن هنا ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة(1)، وعبد الله بن محمد بن عقيل(2)، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل(3)، ودلهم بن صالح(4) وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على/(ي97) أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به أو غريب فيتوقف فيه؟
__________
(1) هو صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة - بفتح المثناة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة - صدوق اختلط بآخره فقال ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج. من الرابعة مات 125/دتق. تقريب /363)، الكاشف (2/24).
(2) عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد المدني أمه زينب بنت علي. صدوق في حديثه لين ويقال تغير بآخره من الرابعة مات بعد أربعين ومائة/ بخ د ت ق. تقريب (1/448)، ميزان الاعتدال (2/484). وقال بعد أن ساق أقوال العلماء فيه؛ "قلت: حديثه في مرتبة الحسن".
(3) سلمة بن الفضل الأبرشي - بالمعجمة - مولى الأنصار قاضي الري صدوق كثير الخطأ من التاسعة مات بعد التسعين ومائة/ د ت فق. تقريب (1/318)، الكاشف (1/386).
(4) دلهم بن صالح الكندي الكوفي ضعيف من السادسة/ د ت ق. تقريب (1/236)، الكاشف (1/294) وقال "فيه ضعف" وقال(د): "ليس به بأس".(2/7)
لاسيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه(1) وصدقه الدقيقي(2) وعثمان بن واقد العمري(3) ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني(4) وأبي جناب الكلبي(5) وسليمان بن أرقم(6)
__________
(1) الحارث بن وجيه - بوزن فعيل - وقيل بفتح الواو وسكون الجيم بعدها موحدة - الراسبي ضعيف من الثامنة/ د ت ق. تقريب (1/145)، ميزان الاعتدال (1/445).لا هذا وفي (ب) الحارث بن دحية بالدال وهو خطأ.
(2) صدقة بن موسى الدقيقي أبو المغيرة أو أبو محمد السلمي البصري صدوق له أوهام من السابعة/ بخ د ت. تقريب (1/366)، كتاب المجروحين لابن حبان (1/273)، وفيه كان شيخا صالحا إلا أن الحديث ليس من صناعته، فكان إذا روى قلب الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به.
(3) عثمان بن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني، نزيل البصرة صدوق ربما وهم من السابعة/ د ت. تقريب (2/15)، الكاشف (2/257) وقال: "وثقه ابن معين، وضعفه أبو داود". لقد خلط الحافظ هنا بين المتروكين وغيرهم فما ينبغي أن يعد فيهم عثمان ابن واقد وقد قال الحافظ فيه أنه صدوق له أوهام وقال الذهبي وثقه :"ابن معين".
(4) محمد بن عبد الرحمن البيلماني - بفتح الموحدة واللام بينهما تحتانية ساكنة - ضعيف وقد اتهمه ابن حبان وابن عدي، من السابعة/ د ق. تقريب (2/182)، كتاب المجروحين لابن أبي حاتم (2/264) وقال ابن حبان عن ابن البيلماني هذا: "حدث عن أبيه بنسخة شبيهة بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب".
(5) هو يحيى بن أبي حية - بمهملة وتحتانية - الكلبي أبو جناب - بجيم ونون خفيفتين وآخره موحدة - مشهور بها ضعفوه لكثرة تدليسه، من السادسة مات سنة 150 أو قبلها/ د ت ق. تقريب (2/346)، المغني للذهبي (2/733).
(6) سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ ضعيف من السابعة/د ت س. تقريب (1/321)، الكاشف وقال: "متروك" (1/390).(2/8)
وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة(1) وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك/(ر55/ب) الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه.
وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته(2).
كأبي الحويرث(3) ويحيى بن العلاء(4) وغيرهم.
وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر.
فإن في رواية أبي الحسن ابن العبد(5) عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي(6) وإن كانت روايته(7) أشهر.
__________
(1) إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم، المدني متروك من الرابعة مات سنة 144. تقريب (1/59)، الكاشف (1/111) وقال: "تركوه".
(2) نقل الصنعاني هذا الكلام من قوله: "ومن هنا يظهر لك" إلى هنا. توضيح الأفكار (1/198) وكذلك نقله محمود خطاب السبكي في مقدمة المنهل العذب المورود (ص18) نقلا عن التحفة المرضية للقاضي حسين اليماني.
(3) عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث - بالتصغير - الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني مشهور بكنيته، صدوق سيء الحفظ رمي بالإرجاء من السادسة مات سنة 130 وقيل بعدها/د ق. تقريب (1/498)، ميزان الاعتدال (2/591).
(4) يحيى بن العلاء البجلي أبو عمرو أو أبو سلمة الرازي رمي بالوضع من الثامنة مات قرب 160/د ق. تقريب (2/355)، المغني (2/741).
(5) هو علي بن الحسن بن العبد أبو الحسن الوراق. سمع أبا داود السجستاني وعثمان بن حرزاد الأنطاكي، روى عنه الدارقطني وغيره مات سنة 328. تاريخ بغداد (11/382).
(6) هو أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي صاحب أبي داود مات سنة 333. تذكرة الحفاظ(3/845).
(7) في (ي) "رواته" وهو خطأ.(2/9)
ومن أمثلة ذلك ما رواه من طريق الحارث بن وجيه(1) عن مالك بن دينار(2) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - حديث: "إن تحت كل شعرة جنابة ..." الحديث(3).
فإنه تكلم عليه في بعض الروايات فقال: "هذا حديث ضعيف والحارث حديثه منكر" وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام.
وفي بعضها لم يتكلم فيه وقد يتكلم(4) على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن ويسكت(5) عنه فيها.
ومن أمثلته(6): ما رواه في السنن من طريق محمد بن ثابت العبدي(7)
__________
(1) من (ر) وفي (ه) و(ب) "دحية" وهو خطأ.
(2) مالك بن دينار البصري الزاهد أبو يحيى صدوق عابد من الخامسة مات سنة 130/خت4. تقريب (2/224)، الكاشف وقال مات سنة 123 (3/113).
(3) د 1- كتاب الطهارة 98- باب في الغسل من الجنابة حديث 248 وقال بعده: "الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف"، ت أبواب الطهارة 78- باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة حديث 106 وقال بعده: "حديث الحارث بن وجيه غريب لا نعرفه إلا من حديثه"، جه كتاب الطهارة 106- باب تحت كل شعرة جنابة حديث 597.
(4) في كل النسخ "تكلم" بلفظ الماضي والصواب ما أثبتناه لأن السياق يستدعيه.
(5) في (ر) "سكت" بصيغة الماضي.
(6) في (ه) "أمثلة" من دون هاء الضمير.
(7) محمد بن ثابت العبدي أبو عبد الله البصري صدوق لين الحديث.
تقريب 2/149، الكاشف 3/27.(2/10)
عن نافع قال: "انطلقت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في حاجة إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -/(ه57/ب) فذكر الحديث في الذي سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم/(ي98) يرد عليه حتى تيمم، ثم رد السلام وقال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر"(1).
لم يتكلم عليه في السنن، ولما ذكره في "كتاب التفرد" قال: "لم يتابع أحد محمد بن ثابت على هذا".
ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: "هو حديث منكر"(2).
[كثرة الانقطاع والإبهام في سنن أبي داود:]
أما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة.
__________
(1) د 1- الطهارة 124- باب التيمم في الحضر حديث 330 من طريق محمد بن ثابت به وقال بعده: قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم. وقال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر. وذكر الحافظ هذا الحديث في التلخيص الحبير 1/151 ونقل تضعيف محمد بن ثابت عن ابن معين وأبي حاتم وأحمد والبخاري ثم قال: وقال أبو داود: لم يتابع أحد محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر.
(2) قد عرفت أن أبا داود قد تكلم على هذا الحديث في سننه ونقل هذا لكلام عن أحمد فلعل النسخة التي كانت عند الحافظ من سنن أبي داود ليس فيها هذا الكلام الذي نفى الحافظ وجوده في السنن ويحتمل أنه ظن عدم وجوده في السنن بينما هو في الواقع موجود فيها، ويرجح هذا الاحتمال ما نقله في التلخيص من هذا الكلام عن أبي داود نقلا مطلقا ولم يعزه إلى التفرد ولا إلى غيره من مصنفات أبي داود والذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق النقل عن أبي داود إنما هو السنن.(2/11)
منها: وهو ثالث حديث في كتابه - ما رواه من طريق أبي التياح(1) قال: حدثني شيخ قال: لما قدم ابن عباس البصرة كان يُحدث(2) عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - فذكر حديث "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله"(3).
لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما/(ب116) وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج(4) بذلك فكيف يقلده فيه؟
وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئل فهو صالح". على أن مراده أنه صالح للحجة.وهو الظاهر.
وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك - وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة - فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.
ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة هل فيها إفراد أم لا؟
إن وجد فيها إفراد تعين الحمل على الأول وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقا/(ه58/أ).
__________
(1) هو يزيد بن حميد الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو التياح - بمثناة ثم بتحتانية ثقيلة وآخره مهملة - بصري مشهور بكنيته، ثقة ثبت من الخامسة مات سنة 128/ع. تقريب 2/363، الكاشف 3/276.
(2) "يحدث" بالبناء للمجهول أي كان ابن عباس يحدثه أهل البصرة عن أبي موسى بأحاديث، ففي رواية البيهقي سمع أهل البصرة يحدثون عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث.
(3) أي ليطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله. النهاية لابن الأثير 2/276. 1- كتاب الطهارة 2- باب الرجل يتبوأ لبوله حديث 3.
(4) كلمة الاحتجاج من هامش (ر) استظهارا من المصحح وقد سقطت من جميع النسخ.(2/12)
وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى - فقال/(ر56/أ): "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه".
ثم قال: "والحق أن ما وجدناه في سننه ما لم يبينه، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن(1)، وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي/(ي99) الضعف ولا جابر له، حكم بضعفه ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود".
قلت: "وهذا هو التحقيق، لكنه خالف ذلك في مواضع من شرح المهذب وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا يغتر بذلك(2) - والله أعلم –".
__________
(1) عبارة النووي في التقريب ص96 "ومن مظانه (يعني الحسن) سنن أبي داود فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود".
(2) من الأحاديث التي أشار إليها الحافظ حديث المسور - بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو - بن يزيد المالكي الصحابي - رضي الله عنه - قال: "شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصلاة فترك شيئا لم يقرأه فقال رجل: "يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا" فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "هلا أذكرتنيها". قال النووي - رحمه الله - عقبه: "رواه أبو داود بإسناد جيد ومذهبه أن ما لم يضعفه فهو عنده حسن". المجموع 4/138.
والحديث في د 2- كتاب الصلاة 163- باب الفتح على الإمام في الصلاة حديث 907 وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده يحيى بن كثير الكاهلي، قال الحافظ فيه لين الحديث. تقريب 2/356.(2/13)
38- قوله (ص): "ما صار إليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصحاح والحسان/(ب117) إلى أن قال: فهذا اصطلاح غير معروف"(1). وتبعه الشيخ محيي الدين في مختصره فقال: "هذا الكلام من البغوي ليس بصواب"(2).
وقد تعقب العلامة تاج الدين التبريزي في مختصره هذا الكلام فقال: "ليس من العادة المشاحة في الاصطلاح والتخطئة عليه مع نص الجمهور على أن من اصطلح في أول الكتاب فليس ببعيد عن الصواب.
والبغوي(3) قد نص في ابتداء المصابيح بهذه العبارة: "وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان... إلى آخره".
ثم قال: "وأعني بالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة... إلى آخره"(4).
ثم قال: "وما كان من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عما كان/(ه58/ب) منكرا أو موضوعا". هذه عبارته ولم يذكر قط أن مراد الأئمة بالصحاح كذا وبالحسان كذا. قال: "ومع هذا فلا يعرف لتخطئة الشيخين (يعني ابن الصلاح والنووي) إياه وجه".
قلت: ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله الحسان اصطلاحا خاصا له أن يقول في مواضع من قسم الحسان: هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك.
ولو كان أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوَّعه في كتابه إلى الأنواع الثلاثة وحتى لو كان عليه في بعض ذلك مناقشة بالنسبة إلى الإطلاق، فذلك يكون لأمر خارجي حتى يرجع إلى الذهول ولا يضر فيما نحن فيه - والله أعلم -.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص34.
(2) التقريب مع تدريب الراوي ص94.
(3) هو الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود المعروف بالفراء البغوي فقيه محدث مفسر له مصنفات منها: معالم التنزيل في التفسير، والتهذيب في الفقه وشرح السنة، والمصابيح في الحديث، مات سنة 516. وفيات الأعيان 2/136، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/206، وقال: والبغوي منسوب إلى بغا - بفتخ الباء - وهي قرية بخراسان.
(4) رجعت إلى مشكاة المصابيح فلم أجد هذا الكلام لكني في مقدمة زهير الشاويش لمشكاة المصابيح ص د. ولم يذكر مصدره.(2/14)
39- قوله (ص): "كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج/(ي100) بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أحمد وغيره..." إلى أن قال: "فهذه عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا"(1).
قلت: هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين، فإن ظاهر حال من يصنف على الأبواب أنه(2) ادعى/(ر56/ب) على أن الحكم في المسألة التي بوب عليها ما بوب به فيحتاج إلى مستدل لصحة دعواه(3) والاستدلال إنما ينبغي أن يكون بما يصلح أن يحتج به، وأما من يصنف على المسانيد فإن ظاهر قصده جمع حديث كل صحابي على حدة سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا.
وهذا هو ظاهر من أصل الوضع بلا شك، لكن جماعة من المصنفين في كل من الصنفين خالف أصل موضوعه فانحط وارتفع، فإن/(ه59/أ) بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إما لذهول عن ضعفها وإما(4) لقلة معرفة بالنقد.
وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه. كما روينا عن إسحاق بن راهويه أنه انتقى في مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابي إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق، فإنه يخرجه. ونحى بقي بن مخلد في مسنده نحو ذلك. وكذلك صنع أبو بكر البزار قريبا من ذلك وقد صرح ببعض ذلك في عدة مواضع من مسنده فيخرج الإسناد الذي فيه مقال ويذكر علته، ويعتذر عن تخريجه بأنه لم يعرفه إلا من ذلك الوجه.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص34، ثم ذكر من أسماء المسانيد مسند إسحاق ومسند عبد بن حميد ومسند الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند أبي يعلى ومسند الحسن بن سفيان.
(2) في (ه) "على أنه"
(3) لفظة "الواو" من (ر).
(4) في (ب) "أو" بدل "إما".(2/15)
وأما الإمام أحمد، فقد صنف أبو موسى المديني(1)/(ب119) جزءا كبيرا ذكر فيه أدلة كثيرة تقتضي أن أحمد انتقى مسنده وأنه كله صحيح عنده وأن ما أخرجه فيه عن الضعفاء إنما هو في المتابعات، وإن/(ي101) كان أبو موسى قد ينازع في بعض ذلك، لكنه لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديثا وأتقن رجالا من غيره.
وهذا يدل على أنه انتخبه.
ويؤيد هذا ما يحكيه ابنه عنه أنه كان يضرب على بعض الأحاديث التي يستنكرها(2).
وروى أبو موسى في هذا الكتاب من طريق حنبل بن إسحاق قال: "جمعنا أحمد أنا وابناه عبد الله وصالح وقال: انتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - فارجعوا إليه، فإن وجدتموه، وإلا فليس بحجة"(3).
فهذا صريح فيما قلناه إنه انتقاه ولو وقعت فيه الأحاديث الضعيفة والمنكرة، فلا يمنع ذلك صحة هذه الدعوى، لأن هذه الأمور نسبية بل هذا كاف فيما(4) قلناه أنه لم يكتف بمطلق جمع حديث كل صحابي.
__________
(1) هو العلامة الحافظ: محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني (نسبة إلى مدينة أصبهان) له مصنفات منها: الأخبار الطوال، وخصائص مسند أحمد، مات سنة 581. الأعلام 7/202، وفيات الأعيان 4/286.
(2) في خصائص المسند لأبي موسى المديني ص25 قال - يعني عبد الله بن أحمد -: وكان في كتاب أبي عن عبد الصمد عن أبيه عن الحسن (يعني ابن ذكوان) عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي في خف واحد أو نعل واحد" وفي الحديث كلام كثير غير هذا فلم يحدثنا به ضرب عليه في كتابه فظننت أنه ترك حديثه من أجل أنه روى عن عمرو بن خالد الذي يحدث عن زيد بن علي وعمرو بن خالد لا يسوى شيئا.
(3) خصائص المسند ص23.
(4) من (ر) وفي (ه) و(ب) "فلما"(2/16)
وظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في الكتب الخمسة وغيرها/(ه59/ب) يحتج بها جميعها، وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به(1) من حديث/(ر57/أ) المتروكين وليست الأحاديث الزايدة في مسند أحمد على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة على الصحيحين من سنن أبي داود وجامع الترمذي.
وإذا تقرر هذا فسبيل من أراد أن يحتج بحديث من السنن أو بأحاديث(2) من المسانيد واحد؛ إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة، فهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علما بذلك.
وإن كان غير متأهل لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين أو صرح أحد من الأئمة بصحته، فله أن يقلد في ذلك.
وإن لم يجد أحدا صححه ولا حسنه فما له أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل/(ي102) وهو لا يشعر.
ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف على الأبواب يحتج به مطلقا، ولو كان اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب، لكنه قال مع ذلك: "وما جرى مجراها".
فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على الأبواب كسنن ابن ماجه بل ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهم، فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه - والله أعلم -.
24- قوله (ع): "لا نسلم أن أحمدا اشترط الصحة في كتابه"(3).
أقول: حرف(4) الجواب أن المراد بصحة ماذا؟
إن قيل باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها، فلا يمكن دعوى ذلك في المسند مع ما فيه من الأحاديث المعللة والمضعفة.
__________
(1) كلمة "به" ليست في (ب).
(2) في (ي) "بحديث".
(3) التقييد والإيضاح ص56.
(4) كذا في جميع النسخ. ومن معاني الحرف الوجه.(2/17)
وإن قيل باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث ولو كانت ضعيفة ما لم يكن ضعفها/(ب121) شديدا. كما تقدم في الكلام على أبي داود فهذا يمكن دعواه.
25- قوله (ع): "على أن ثمة(1) أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد"(2).
أقول: أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة التي خلا عنها المسند لا بد أن يكون لها فيه أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقامها(3).
قلت: فعلى هذا إنما يتم النقض أن لو وجد حديث محكوم بصحته سالم من التعليل ليس هو(4) في المسند وإلا فلا - والله أعلم.
[أحاديث منتقدة في مسند أحمد:]
26- قوله (ع): "بل فيه (أي المسند) أحاديث موضوعة، وقد جمعتها في جزء"(5).
أقول: ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية(6) أن أصل هذه القصة أن الحافظين أبا العلاء الهمذاني وأبا الفرج ابن الجوزي سئلا هل في المسند أحاديث موضوعة أم لا؟.
فأنكر ذلك أبو العلاء أشد الإنكار.
وأثبت ذلك أبو الفرج وبين ما فيه من ذلك بحسب/(ي103) ما ظهر له.
قلت: ثم انتدب أبو موسى المديني فانتصر لشيخه أبي العلاء الهمذاني(7) وصنف الجزء الذي أشار إليه شيخنا.
وأما الجزء المذكور فهو مشتمل على تسعة أحاديث وهي الستة التي ساقها الشيخ هنا من المسند(8)
__________
(1) في (ي) و(ر/ب) "ثم".
(2) التقييد والإيضاح ص56.
(3) في المصعد الأحمد للحافظ ابن الجزري ص31 من مقدمات مسند أحمد لأحمد شاكر: "فإنه ما من حديث غالبا إلا وله أصل في هذا المسند" ونقل عن شيخه اليونيني مثل ذلك ص32.
(4) في (ر) "ليس هو إلا في المسند".
(5) التقييد والإيضاح ص57.
(6) انظر التوسل والوسيلة ص81.
(7) هو الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام: الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل العطار شيخ همذان ، قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل حسن السيرة، مات سنة 569.
تذكرة الحفاظ 4/1324، والأعلام 2/195، شذرات الذهب 4/231.
(8) الأحاديث الستة المشار إليها في التقييد والإيضاح ص57 وهي:
أ- حديث عائشة - رضي الله عنها -: "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" قال العراقي: وفي إسناده عمارة بن زاذان، قال الإمام أحمد: هذا الحديث كذب منكر.
ب- حديث عمر: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد". وسيتكلم عليه الحافظ فيما يأتي.
ج- وحديث أنس: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء والجنون والجذام والبرص".
د- وحديث أنس: "عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم".
ه- وحديث ابن عمر: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله" قال العراقي: "وفي الحكم بوضعه نظر وقد صححه الحاكم".
و- قال العراقي: "ومما فيه من المناكير حديث بريدة: "كونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين".
ز ح ط- ثم ذكر العراقي من زيادات عبد الله بن أحمد حديث سعد بن مالك وحديث ابن عمر أيضا "في سد الأبواب إلا باب علي" قال: ذكرهما ابن الجوزي في الموضوعات وقال: "إنهما من وضع الرافضة".(2/18)
والحديثان المساقان من زيادات عبد الله والتاسع حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - مثل حديث أنس - رضي الله عنه - فيمن عُمِّر أربعين سنة.
والحكم على الأحاديث التسعة بكونها موضوعة محل نظر وتأمل ثم إنها كلها في الفضائل أو الترغيب والترهيب.
ومن عادة المحدثين التساهل في مثل ذلك.
وفي الجملة لا يتأتى الحكم على جميعها بالوضع.
1- فمن ذلك: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في احتكار الطعام(1)... الحديث.
فقد ذكر شيخنا أن في الحكم بوضعه نظرا وأن الحاكم صححه وهو كما قال شيخنا.
فقد رواه الإمام أحمد قال: حدثنا يزيد بن هارون ثنا أصبغ بن زيد(2) ثنا أبو بشر(3) عن أبي الزاهرية(4) عن كثير بن مرة(5)، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى"(6).
__________
(1) حم: 2/32.
(2) أصبغ - آخره معجمة - ابن زيد بن علي الجهني الوراق أبو عبد الله الواسطي كاتب المصحف صدوق يغرب، من السادسة، مات سنة 157.
تقريب (1/81)، كتاب المجروحين (1/174) وقال ابن حبان: "يخطئ كثيرا لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. هذا وفي جميع النسخ إلا (ي) أصبغ بن يزيد والتصحيح من التقريب وغيره وفي (ي) "عن زيد".
(3) "أبو بشر عن أبي الزاهرية لا شيء"، قاله يحيى بن معين حدث عنه أصبغ، ميزان الاعتدال (4/495) وانظر تعجيل المنفعة (ص308) وقال: "وهاه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم لا أعرفه".
(4) هو حدير - مصغر - آخره راء - الحضرمي أبو الزاهرية الحمصي صدوق من الثالثة، مات على رأس المائة/ ل م د س ق.
تقريب (1/156)، الكاشف (1/210) وقال: "حدير بن كريب" وقال: " ثقة".
(5) كثير بن مرة الحضرمي، ثقة من الثانية ووهم من عده في الصحابة/ د 4.
تقريب (2/133)، الكاشف (3/7).
(6) حم: 2/33. وقد دافع عنه الحافظ في القول المسدد (ص26- 29).(2/19)
وهكذا رواه أبو يعلى في مسنده(1) عن أبي خيثمة زهير بن حرب(2) عن يزيد به.
ومن طريقهما أخرجه الحافظ الضياء في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين.
وأما الحاكم(3) فإنه أخرجه من طريق عمرو بن الحصين عن أصبغ، وعمرو بن حصين(4) أحد المتروكين المتهمين، فالمعتمد عليه فيه هو يزيد بن هارون ولم يعله ابن الجوزي(5) إلا بأصبغ بن زيد(6)، وقد ساق ابن عدي له ثلاثة أحاديث هذا منها. وقال: إنها غير محفوظة وأنه لم يرو عنه غير يزيد بن هارون(7).
__________
(1) 5/ل 527/أ) مصور من الجامعة الإسلامية عن نسخة في استنبول بتركيا.
(2) زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد ثقة ثبت روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة، مات سنة 234/ خ م د س ق.
تقريب (1/264)، تذكرة الحفاظ (2/447).
(3) المستدرك (2/11) من طريق أصبغ به وتعقبه الذهبي وقال أصبغ فيه لين.
(4) عمرو بن حصين العقيلي - بضم أوله - البصري ثم الجزري متروك، من العاشرة، مات بعد ثلاثين ومائتين/ ق.
تقريب (2/68)، وانظر ميزان الاعتدال (3/252).
(5) أورده ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (2/242- 243) من طريقين ثم قال: "وأما حديث ابن عمر ففي الطريقين أصبغ بن زيد، قال ابن عدي أحاديث أصبغ غير محفوظة، وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد".
(6) في كل النسخ "أصبغ بن يزيد" والتصحيح من التقريب والميزان والموضوعات ومسند أحمد.
(7) الكامل (1/ ل 144/أ) مصور في مكتبة عبد الرحيم صديق بمنى. ساق هذا الحديث عن ابن عمر والثاني بإسناده إلى أبي هريرة من طريق أصبغ بن يزيد: "الصلاة كفارات الخطايا واقرأوا إن شئتم إن الحسنات يذهبن السيئات". والثالث من حديث عائشة من طريق أصبغ المذكور إلى خالد بن معدان حدثني ربيعة قال: سألت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام يصلي من الليل وبم كان يستفتح ..." الحديث ثم عقب ابن عدي هذه الأحاديث بما نقله عنه الحافظ.(2/20)
وقد وهم ابن عدي في ذلك فإنه روى عنه عشرة أنفس ووثقه يحيى بن معين وأبو داود وغيرهما.
وقال النسائي: "ليس به بأس". وكذا قال أحمد وزاد "ما أحسن رواية يزيد عنه" وقال الدارقطني: "تكلموا فيه وهو ثقة عندي"(1).
قلت لم أر للمتقدمين(2) فيه كلاما سوى لابن سعد/ (ي104) وهو محجوج بما تقدم. - والله أعلم -.
وللمتن شواهد تدل على صحته.
فإن قيل: إنما حكم عليه بالوضع نظرا إلى لفظ المتن وكون/(ه61/أ) ظاهره مخالفا للقواعد.
قلنا: ليست هذه وظيفة المحدث(3)، وعلى التنزل، فالجواب عنه أنه من جملة الأحاديث التي سيقت في معنى الزجر الشديد والتغليظ ولفظ البراءة وإن كان مستشكلا فقد صحت بمثله أحاديث أخر. ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا بريء ممن سلق وحلق وخرق"(4). فمهما أجيب عنه فهو جوابنا.
2- ومنها حديث عمر - رضي الله تعالى عنه -: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد ..." الحديث.
__________
(1) انظر ميزان الاعتدال (1/270) فإنه قال: "قلت روى عنه عشرة أنفس". وذكر توثيق الذين سماهم الحافظ وساق حديثه هذا بإسناد أحمد من طريق أصبغ به.
(2) من (ي) وفي جميع النسخ "لمتكلمين".
(3) كيف لا يكون هذا من وظيفة المحدث وقد وضعوا قواعد لنقد الحديث حيث قالوا: "إن من جملة دلائل الوضع أن يكون الحديث مخالفا للعقل بحيث لا يقبل التأويل ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة أو يكون منافيا لدلالة الكتاب القطعية أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي".
(4) م 1- كتاب الإيمان 44- باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب حديث 167، د 15- الجنائز 29- باب في النوح حديث 3130، جه 6- كتاب الجنائز 52- باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب 1586، حم 4/396، 397، وجملة "أنا بريء" سقطت من جميع النسخ والتصحيح من مسلم.(2/21)
رواه أحمد قال: حدثنا أبو المغيرة(1)، ثنا إسماعيل بن عياش ثنا الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: ولد لأخي أم سلمة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سميتموه بأسماء فراعنتكم؟ ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر على(2) هذه الأمة من فرعون لقومه"(3).
__________
(1) هو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني أبو المغيرة الحمصي، ثقة من التاسعة، مات سنة 212.
تقريب 1/515، تهذيب التهذيب 6/369.
(2) في كل النسخ "لهذه" باللام بدل "على" والتصويب من مسند أحمد.
(3) حم 1/202 حديث 109 تحقيق أحمد شاكر وقال عقبه: "إسناده ضعيف لانقطاعه، سعيد بن المسيب لم يدرك عمر إلا صغيرا فروايته عنه مرسلة". ويؤيده قول ابن معين وأبي حاتم: "سعيد بن المسيب عن عمر مرسل". انظر المراسيل لابن أبي حاتم ص50- 51، وانظر القول المسدد.(2/22)
ورجال إسناده ثقات، وإسماعيل بن عياش، صدوق؛ إنما تكلموا(1) في/(ر58/أ) حديثه عن غير الشاميين، ولم يعله ابن الجوزي(2) إلا بقول ابن حبان: "هذا خبر باطل، ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ولا عمر - رضي الله عنه - ولا سعيد ولا الزهري حدث به ولا هو من حديث الأوزاعي [قال](3): وكان إسماعيل من الحفاظ المتقنين في حداثته، فلما كبر تغير حفظه فما حفظه في/(ب124) صباه حدث به على جهته، وما حفظ به(4) على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه(5).
قلت: وليس هذا الحديث مما حفظه إسماعيل من حديث الغرباء بل هو من حديثه عن الشاميين/(ه61/ب) وقد قال جمع من الأئمة: إن حديث إسماعيل عن الشاميين قوي وصحح الترمذي(6) وغيره من/(ي105) ذلك عدة أحاديث.
على أنه لم ينفرد بهذا.
__________
(1) في كل النسخ "تكلموا فيه في حديثه" ولا داعي لكلمة "فيه".
(2) أورد ابن الجوزي هذا لحديث في كتابه الموضوعات 2/46 ونقل عقبه كلام ابن حبان ثم قال بعده: "قلت: فلعل هذا دخل عليه في كبره وقد رواه وهو مختلط" قال أحمد بن حنبل: "كان إسماعيل بن عياش يروي عن كل ضرب".
(3) الزيادة من (ي).
(4) في (ي) "وما حفظه".
(5) ذكر ابن حبان هذا الكلام في كتاب المجروحين 1/125 في ترجمة إسماعيل بن عياش قبل رواية الحديث المذكور ثم قال: وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن وهو لا يعلم، ومن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر خرج عن الاحتجاج به في ما لم يخلط فيه.
(6) روى له في 31- كتاب الوصية 5- باب ما جاء لا وصية لوارث حديث2120 حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث..." الحديث، وقال بعده: قال أبو عيسى: "وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس وهو حديث حسن صحيح وقد روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه".(2/23)
فقد رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه(1) عن محمد بن خالد بن العباس السكسكي(2) قال: ثنا الوليد بن مسلم. ثنا أبو عمرو الأوزاعي، فذكره إلا أنه لم يذكر عمر في إسناده. وزاد قال الأوزاعي: فكانوا يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقاتلوه، فانفتحت الفتن على الأمة والهرج.
قلت: وتابع الوليد على إرساله بشر بن بكر(3)، أخرجه البيهقي في الدلائل عن الحاكم وغيره عن أبي العباس (وهو الأصم)(4) عن سعيد بن عثمان التنوخي(5) عن (بشر بن بكر)(6) قال حدثني الزهري فذكره وزاد في المتن غيروا اسمه فسموه عبد الله.
__________
(1) 3/349 من طريق محمد بن خالد السكسكي كما قال الحافظ، وهذا النص مما اقتبسه ابن كثير من تاريخ يعقوب بن سفيان في البداية والنهاية 6/241- 242 قاله محقق التأريخ المذكور.
(2) لم أقف له على ترجمة بعد بحث كثير وإنما وجدت ترجمة لمحمد بن خالد الدمشقي، روى عن الوليد ابن مسلم وهو كذاب. ميزان الاعتدال 3/534.
(3) بشر بن بكر التنيسي عن الأوزاعي وحريز وعنه الشافعي والربيع وابن عبد الحكم، ثقة، توفي سنة 205. الكاشف 1/154، والتقريب 1/98 وقال من التاسعة ثقة يغرب/خ د س ق. هذا وقد جاء في كل النسخ "بسر" - بالسين - بن بكير - مصغرا - وهو خطأ.
(4) هو محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي مولاهم كان إماما ثقة حافظا، مات سنة 346. تذكرة الحفاظ 3/860، وطبقات الأسنوي 1/76.
(5) سعيد بن عثمان التنوخي أبو عثمان الحمصي، روى عن بشر بن بكر وأبي المغيرة وأسد بن موسى، سمعنا منه بحمص محله الصدق. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ولم يذكر سنة وفاته ولم أقف له على ترجمة في غيره، وجاء في كل النسخ "بن سعيد عن عثمان" وهو خطأ. ثم وجدت في (ي) عن سعيد ابن عثمان على الصواب.
(6) في كل النسخ (بسر بن بكير). والصواب ما أثبتناه كما تقدم.(2/24)
وزاد - أيضا - أنه ولد لأخي أم سلمة - رضي الله عنها - من أمها. قال البيهقي: "هذا مرسل حسن" وهو كما قال، بل هو على شرط الصحيح لولا إرساله.
وكذا أرسله معمر عن الزهري بسنده في الجزء الثاني من أمالي عبد الرزاق عن معمر(1).
فبان بهذا أن قول ابن حبان: "إن ابن المسيب ما حدث به قط ولا ابن شهاب ما حدث به - أيضا - ولا الأوزاعي" لا يخلو من مجازفة.
وقد صرحت (رواية بشر بن بكر)(2) بسماع الأوزاعي له من الزهري فأمن ما يخشى/(ب125) من أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية(3).
على أن الأوزاعي لم ينفرد به، فقد رواه الزبيدي عن الزهري مثله. وفي الباب عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -.
__________
(1) الأمالي لعبد الرزاق ضمن مجموع 3 بدار الكتب الظاهرية (ق52/أ) حديث. وقال ابن كثير: قال الحافظ ابن عساكر: "وقد رواه الوليد بن مسلم ومعقل بن زياد ومحمد بن كثير وبشر بن بكر عن الأوزاعي، فلم يذكروا عمر في إسناده وأرسلوه... وحكي عن البيهقي أنه قال: هو مرسل حسن".
البداية والنهاية 10/6.
(2) جاء أيضا في النسخ كلها "بسر بن بكير" وهو خطأ كما تقدم.
(3) تدليس التسوية هو أن يروي المدلس حديثا عن شيخ ثقة بسند فيه راو ضعيف فيحذفه المدلس من بين الثقتين اللذين لقي أحدهما الآخر ولم يذكر أولهما بالتدليس ويأتي بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات. فتح المغيث 1/182.(2/25)
رواه ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء(1)، عن زينب بنت أم سلمة(2) عن أمها - رضي الله تعالى عنها - قالت/(ه62/أ): "دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من هذا؟" قلت: "الوليد". قال - صلى الله عليه وسلم -: "قد اتخذتم الوليد حنانا(3) غيروا اسمه، فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد"(4).
ورواه محمد بن سلام الجمحي(5) عن حماد بن سلمة فذكر نحوه منقطعا.
3- ومنها: حديث أنس - رضي الله تعالى عنه -: "ما من معمر يعمر في الإسلام/(ي106) أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء: الجنون والجذام..." الحديث.
__________
(1) محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري المدني ، ثقة من الثالثة، مات سنة 120/ع.تقريب 2/196، الكاشف 3/84.
(2) زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ماتت سنة 73/ع. تقريب 4/310.
(3) أي تتعطفون على هذا الإسم وتحبونه. النهاية لابن الأثير 1/452.
(4) البداية والنهاية لابن كثير 10/6 وهذا إسناد حسن إن سلم من تدليس ابن إسحاق.
وانظر القول المسدد في الذب عن مسند أحمد للحافظ ابن حجر ص14- 19.
(5) محمد بن سلام الجمحي أبو عبد الله البصري مولى قدامة بن مظعون، كان من أئمة الأدب، ألف طبقات الشعراء، روى عن حماد بن سلمة ومبارك بن فضالة وجماعة. قال صالح جزرة صدوق. وقال أبو خيثمة: "لا يكتب عنه الحديث، رجل رمي بالقدر إنما يكتب عنه الشعر".
ميزان الاعتدال 3/567.(2/26)
قال الإمام أحمد(1): ثنا أنس بن عياض(2)، قال: ثنا يوسف بن أبي ذرة(3) عن جعفر بن عمرو بن أمية(4) عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال/(ر58/ب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عن ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين لين الله عليه الحساب..." الحديث(5).
ورواه أبو يعلى(6) وغيره من حديث أبي ضمرة أنس بن عياض به.
ورواه أحمد(7) - أيضا - عن أبي النضر، عن فرج بن فضالة(8) عن محمد بن عامر عن محمد بن عبد الله عن عمرو بن جعفر عن أنس - رضي الله عنه - موقوفا(9). وهو معروف بيوسف بن أبي ذرة.
__________
(1) كلمة "أحمد" سقطت من جميع النسخ والتصويب من مسند أحمد.
(2) أنس بن عياض أبو ضمرة: أو عبد الرحمن الليثي المدني، ثقة من الثامنة، مات سنة 20/ع. تقريب 1/84، الكاشف 1/140 وقال فيه: "عنه أحمد وأحمد بن صالح وأمم".
(3) يوسف بن أبي ذرة الأنصاري، روى عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أنس حديث التعمير. روى عنه أبو ضمرة أنس بن عياض، قال فيه ابن معين: "لا شيء" وقال ابن حبان في الضعفاء: "منكر الحديث جدا... لا يجوز الاحتجاج به بحال". ميزان الاعتدال 4/464، كتاب المجروحين 3/131، تعجيل المنفعة ص300، وأبو ذرة: بالذال المعجمة المفتوحة ثم الراء المشددة.
(4) جعفر بن عمرو بن أمية الضمري المدني ثقة من الثالثة، مات سنة 95/خ م د ت س. تقريب 1/131، الكاشف 1/185.
(5) حم 3/218، ميزان الاعتدال 4/465.
(6) في مسنده (2/ل30).
(7) في المسند 2/89.
(8) فرج بن فضالة بن النعمان التنوخي الشامي، ضعيف من الثامنة، مات سنة 179/د ق. تقريب 2/108، كتاب المجروحين 2/206 وفيه: "كان ممن يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، لا يحل للاحتجاج به".
(9) أشار الهيثمي في مجمع الزوائد 10/205 إلى هذه الرواية الموقوفة في مسند أحمد وقال: "وفي إسناد أنس الموقوف من لم أعرفه".(2/27)
ورواه عنه - أيضا - الحارث بن أبي الزبير النوفلي(1)، ويوسف ضعفه يحيى بن معين(2) ولم ينفرد به.
فقد رواه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان(3)، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري.
كما رويناه في مسند أبي يعلى(4) رواية ابن المقري/(ب126).
وفي تفسير ابن مردويه - أيضا - من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن موسى بن أبي عبيدة الزمعي عن محمد بن/(ه62/ب) عبد الله بن عمرو بن عثمان به.
وما وقع في رواية أحمد الموقوفة عن عمرو بن جعفر وهم من فرج بن فضالة، انقلب اسمه وإنما هو جعفر بن عمرو.
ولم ينفرد به جعفر بن عمرو، فقد رويناه من طريق عبد الواحد بن راشد(5) وأبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم(6) وعبيد الله بن أنس(7)
__________
(1) الحارث بن أبي الزبير النوفلي. قال الأزدي: "ذهب علمه". ميزان الاعتدال 1/433.
(2) وضعفه ابن حبان أيضا وتقدم قوله قريبا.
(3) محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان الأموي المدني يلقب بالديباج، وهو أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن لأمه. صدوق من السابعة، قتل سنة 145.
تقريب 2/179، تهذيب التهذيب 9/268.
(4) 2/ل30.
(5) عبد الواحد بن راشد عن أنس وعنه عباد بن عباد، ليس بعمدة، روىحديث: "من بلغ التسعين سمي أسير الله في أرضه". ميزان الاعتدال 2/104.
(6) أبو طوالة الأنصاري المدني قاضي المدينة، ثقة من الخامسة، مات سنة 134. تقريب 1/429، الكاشف 2/104.
(7) عبيد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري كذا في الأدب، والصواب عبيد الله بن أبي بكر عن جده قاله الترمذي/بخ. تقريب 1/531.
أما الذهبي فلم يذكر إلا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده. الكاشف 2/224، وبهامشه قال أحمد وأبو داود والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات.(2/28)
وزيد بن أسلم وغيرهم كلهم عن أنس - رضي الله عنه –، وفي الباب عن عثمان بن عفان وعبد الله بن أبي بكر الصديق وأبي هريرة - رضي الله عنهم -(1).
وأجودها إسنادا طريق زيد بن أسلم(2) وقد أوردها البيهقي في كتاب الزهد له عن الحاكم عن الأصم عن بكر بن سهل عن عبد الله بن محمد بن رمح(3) عن عبد الله بن وهب عن حفص بن ميسرة عنه به.
وليس في إسناده من ينظر في أمره إلا بكر بن سهل(4)، فقد ضعفه النسائي وقواه غيره. ولم يتهمه/(ي107) أحد بالكذب. وقد رويناه من وجه آخر عن حفص بن ميسرة.
__________
(1) قال الحافظ في الخصال المكفرة ص264 من مجموعة الرسائل المنيرية "وقع لنا (يعني حديث التعمير) من حديث عبد الله بن أبي بكر الصديق، ومن حديث عثمان بن عفان، ومن حديث شداد بن أوس، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث عبد الله بن عمر، ومن حديث أنس رضي الله عنهم أجمعين". وانظر مجمع الزوائد 10/203- 206 فقد ساق عددا من الأحاديث في هذا الباب.
(2) زيد بن أسلم العدوي مولى عمر، أبو عبد الله أو أبو أسامة المدني، ثقة عالم كان يرسل، من الثالثة مات سنة 136/ع. تقريب 1/272، الكاشف 1/326.
(3) عبد الله بن محمد بن رمح بن المهاجر التجيبي المصري صدوق من الحادية عشرة، مات قبل أبيه/ق. تقريب 1/446، الكاشف 2/125 وقال: مات سنة 225.
(4) بكر بن سهل الدمياطي أبو محمد مولى بني هاشم عن عبد الله بن يوسف وكاتب الليث وطائفة وعنه الطحاوي والأصم والطبراني وخلق، حمل الناس عنه وهو مقارب الحال، قال النسائي ضعيف، توفي سنة 289.
ميزان الاعتدال 1/345.(2/29)
وفي الجملة فالحكم على هذا الحديث بالوضع مردود، وقد جمعت أسانيده بطرقها وعللها في الجزء(1) الذي جمعته فيما ورد في غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب - غفر الله ذنوبنا كلها بمنه وكرمه.
4- ومنها: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في سد الأبواب إلا باب علي - رضي الله تعالى عنه - وهو في المسند من رواية الإمام أحمد، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمرو بن أسيد(2) عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: "كنا نقول في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر - رضي الله تعالى عنهما - ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال/(ه63/أ) لأن يكون لي واحدة منهن(3) أحب إلي من حمر النعم:
زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته/(ر59/أ)، وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر"(4)
__________
(1) انظره في المجلد الأول من مجموعة الرسائل المنيرية ص264- 266، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/205 بعد أن ساق حديث أنس من طرق: "رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما ثقات". وانظر القول المسدد ص29- 32.
(2) عمرو بن أبي سفيان بن أسيد - بفتح أوله - ابن جارية - بالجيم - الثقفي المدني حليف بني زهرة وقد ينسب إلى جده، ويقال عمر ثقة من الثالثة/خ م د س.
تقريب 2/71، تهذيب التهذيب 8/41.
وذكر فيه اختلافا في تسميته ثم قال: "ووقع لأحمد من طريق إبراهيم (ولعله هشام) بن سعد عن عمر بن أسيد" هذا وفي كل النسخ "عمر بن راشد" وهو خطأ والتصحيح من مسند أحمد والتقريب والتهذيب.
(3) من (ر/أ) وفي سائر النسخ "منهم" وهو خطأ.
(4) حم 2/26، ومسند أبي يعلى 2/ل262 مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
قال البخاري رحمه الله في 62- كتاب الفضائل 4- باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم حديث 3655: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:
كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان. وانظر تحفة الأشراف 6/451 ولم يعزه لغير البخاري.
وقال البخاري في 62- كتاب فضائل الصحابة 7- باب مناقب عثمان حديث 3698: حدثني محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا شاذان حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:
"كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم".
وانظر تحفة الأشراف 7/156 وعزاه أيضا لأبي داود.
وقال - رحمه الله - في 62- كتاب فضائل الصحابة 9- باب مناقب علي حديث 3704 حدثنا محمد بن رافع حدثنا حسين عن زائدة عن حصين عن سعد بن عبيدة قال:
جاء رجل إلى عمر فسأله عن عثمان فذكر من محاسن عمله قال: "لعل ذلك يسوءك ؟" قال: "نعم" قال: "فأرغم الله بأنفك" ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال: "هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم" ثم قال: "لعل ذلك يسوءك" قال: "أجل" قال: "فأرغم الله بأنفكن انطلق فأجهد علي جهدك" ذكره في تحفة الأشراف ج5 ولم يعزه لغير البخاري.(2/30)
.
ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد(1) قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لاسيما مع ما له من الشواهد وقد تبين أنه من رواية أحمد لا من رواية ابنه(2).
وله شاهد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أيضا، أورده النسائي في الخصائص(3) بسند صحيح عن أبي إسحاق عن العلاء بن عرار قال: قلت لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أخبرني عن علي وعثمان - رضي الله تعالى عنهما - فقال: "أما علي - رضي الله عنه - فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه".
والعلاء(4) وثقه ابن معين.
__________
(1) هشام بن سعد المدني أبو عباد أو أبو سعد صدوق له أوهام ورمي بالتشيع، من كبار السابعة مات سنة 160 أو قبلها/خت م 4. تقريب 2/318، الكاشف 3/232. وقال أحمد: "لم يكن بالحافظ وكان يحيى القطان لا يحدث عنه" وقال ابن معين: "ليس بذاك القوي وليس بمتروك" الميزان 4/298 وفيه كلام كثير، انظر تهذيب التهذيب.
(2) وقد دافع الحافظ عن هذا الحديث في القول المسدد ص19- 26.
(3) ص28 بالإسناد المذكور بلفظ: "أما علي فهذا بيته" وبإسناد آخر فيه مجهول: "ولكن انظر إلى بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم" وليس فيه سد الأبواب. وحديثه في سد الأبواب في مسند أبي يعلى 5/ل514 مصورة بالجامعة الإسلامية.
(4) العلاء بن عرار - بمهملات - الخارقي - بمعجمة وراء مكسورة ثم فاء - الكوفي ثقة من الرابعة/ص. تقريب 2/93، تهذيب التهذيب 8/189.(2/31)
ورواه ابن أبي عاصم(1) من(2) طريق عبيد الله بن عمرو(3) عن زيد بن أبي أنيسة(4) عن أبي إسحاق سألت ابن عمر - رضي الله عنهما - فذكره.
وأما حديث سعد بن مالك في ذلك فهو من رواية أحمد(5)
__________
(1) في السنة 2/ل13 مصورة في الجامعة الإسلامية عن نسخة في مكتبة المدينة المنورة، وابن أبي عاصم هو: الحافظ الكبير الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو النبيل أبي عاصم الشيباني الزاهد، قاضي أصبهان له الرحلة الواسعة والتصانيف النافعة، مات سنة 287. تذكرة الحفاظ 2/640، البداية والنهاية 11/84، الأعلام 1/181
(2) في جميع النسخ "و" بدل "من" وقد صوب كل من ناسخ (ر) و(ه) فجعلا كلمة "من" فوق الواو وهو الصواب.
(3) عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي أبو وهب الأسدي ثقة فقيه، ربما وهم من الثالثة (كذا) والصواب الثامنة، مات سنة 180. تقريب 1/537، الكاشف 2/232.
(4) زيد بن أبي أنيسة الجزري أبو أسامة، أصله من الكوفة ثم سكن الرها، ثقة له أفراد من السادسة، مات سنة 124. تقريب 1/272، الكاشف 2/336.
(5) في المسند 1/175 قال: ثنا حجاج. ثنا فطر عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقيم الكناني قال: "خرجنا إلى المدينة فلقينا سعد بن مالك بها فقال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي - رضي الله عنه -" وفي هذا الإسناد فطر بن خليفة وهو شيعي غال. انظر ميزان الاعتدال 3/363- 364، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق رمي بالتشيع".
وفيه عبد الله بن شريك العامري الكوفي صدوق يتشيع، وأفرط الجوزاني فكذبه، من الثالثة/س. تقريب 1/422. وحديث سعد في مسلم فضائل الصحابة حديث 32- "أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهم أحب إلي من حمر النعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له حين خلفه في بعض مغازيه... "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي"، وسمعته يقول يوم خيبر "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله..." ولما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" وليس فيه سد الأبواب.
وقال ابن حبان: "كان - يعني عبد الله بن شريك - غاليا في التشيع يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات ... وكان مع ذلك مختاريا". كتاب المجروحين (2/26). وفيه عبد الله بن الرقيم الكناني مجهول من الثالثة. تقريب (1/415). وميزان الاعتدال (2/422). فكيف بعد هذا يقول الحافظ وإسناده حسن، ثم أليس هذا مما يروي المبتدع ما يوافق بدعته؟(2/32)
أيضا لا من رواية ابنه، وإسناده حسن - أيضا -.
وأما ادعاء ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة(1)، فكلامه في/ (ي108) دعوة عرية عن البرهان.
وقد أخرج النسائي في خصائص(2) علي - رضي الله عنه - حديث سعد - رضي الله عنه -، وأخرج فيه أيضا حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - بإسناد صحيح(3).
__________
(1) قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات (1/366) بعد أن ساق حديث سعد وابن عمر وابن عباس وغيرهم وبعد أن بين عللها والمطاعن التي فيها:
"فهذه الأحاديث كلها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر". وما أقرب قول ابن الجوزي إلى الحق.
(2) ص13).
(3) الخصائص (ص13).
وحديث زيد بن أرقم هذا أورده ابن الجوزي في المضوعات بإسناده إلى النسائي:
"قال: أنبأنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب إلى المسجد، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "سدوا هذه الأبواب إلا باب علي"، فتكلم الناس في ذلك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم والله ما سددت ولا فتحت ولكن أمرت بشيء فاتبعته". الموضوعات 1/365 ثم قال في (ص366):
"وأما حديث زيد بن أرقم ففيه ميمون مولى عبد الرحمن بن سمرة قال يحيى بن سعيد هو لا شيء".
وقال الحافظ: ميمون أبو عبد الله البصري مولى ابن سمرة ضعيف من الرابعة/ ت س ق. تقريب (2/292). وقال الذهبي: "كان يحيى القطان لا يحدث عن ميمون. وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن معين: لا شيء. وزعم شعبة فيما نقل عنه أنه كان فسلا. ثم ساق الذهبي هذا الحديث من طريقه". ميزان الاعتدال 4/235.(2/33)
قلت وأخرج أيضا من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي - رضي الله عنه - قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره، في حديث طويل وقد أخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين(1).
__________
(1) أما حديث ابن عباس فقد أخرجه أحمد في المسند 1/331 وهو حديث طويل وفيه وقال: "سدوا أبواب المسجد غير باب علي. فقال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره". وفي إسناده أبو بلج يحيى بن سليم وبه أعل ابن الجوزي هذا الحديث؛ وقال: قال أحمد روى أبو بلج حديثا منكرا "سدوا الأبواب" وقال ابن حبان: "كان أبو بلج يخطئ". وذكر الذهبي في الميزان أقوال المجرحين والمعدلين 4/384 ثم قال: "ومن مناكيره... عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب علي - رضي الله عنه - ومن بلاياه... عن عبد الله بن عمرو: ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد". وهو في الخصائص ص13- 14 مختصر وأما حديث زيد بن أرقم ففي المسند 4/369 وفيه ميمون ضعيف وتقدم الكلام عليه كما ترى.(2/34)
وكذا أخرجهما الترمذي(1)، لكنه قال حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد(2) عن إبراهيم بن المختار(3) عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه: غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه.
وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم(4) والطبراني روياه من طريق مسكين بن بكير عن شعبة وهي أصح(5) من طريق الترمذي، ورواية أحمد هي من طريق أبي عوانة عن أبي بلج.
وأبو بلج(6) وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم.
وقال البخاري فيه نظر. انتهى.
__________
(1) أما حديث ابن عباس ففي الترمذي 50- كتاب المناقب 21- مناقب علي - رضي الله عنه - حديث 3732 ثم تعقبه بما نقله عنه الحافظ، وانظر تحفة الأشراف 5/190 حديث 6314. وأما حديث زيد بن أرقم فما هو في الترمذي، وقد رجعت بعد مراجعة الترمذي تحفة الأشراف في مسند زيد بن أرقم فلم أجده.
(2) محمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة مات سنة 240. الكاشف 3/35 وقال: "وثقه جماعة والأولى تركه". تقريب 2/156/د ت ف.
(3) إبراهيم بن المختار التميمي أبو إسماعيل الرازي صدوق ضعيف الحفظ من الثامنة، يقال مات سنة 182/بخ ت ق.
(4) الموجود في المستدرك للحاكم إنما هو حديث زيد بن أرقم من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم كما هو في المسند. ولم أجد فيه حديث ابن عباس لا من طريق مسكين ولا من طريق غيره.
(5) لو كانت أصح في شعبة فإن مدارها على أبي بلج وحديثه منكر أعني هذا الحديث.
(6) في (ي) "أبو بلخ" بالخاء المعجمة وهو خطأ والصواب بالجيم كما هو في باقي النسخ وتقريب التهذيب 2/402(2/35)
والحديث الذي أشار إليه من رواية الحاكم رويناه أيضا ... في المجلس الرابع من أمالي أبي جعفر محمد بن عمرو بن البختري(1).
قال ثنا أبة أصبغ القرقساني(2) ثنا أبو جعفر النفيلي(3)، ثنا مسكين(4) بن بكير، ثنا شعبة به.
__________
(1) محمد بن عمرو بن البختري - بالباء الموحدة والخاء المعجمة والمثناة من فوق - ابن مدرك أبو جعفر الرزاز سمع من العباس بن محمد الدوري وطبقته وعنه أبو حفص ابن شاهين وجماعة من طبقته وكان ثقة ثبتا. مات سنة 339. تاريخ بغداد للخطيب 3/132
(2) هو محمد بن عبد الرحمن بن كامل بن موسى بن صفوان الأسدي القرقساني حدث عن أبي جعفر النفيلي وأقرانه وروى عنه ابن صاعد وإسماعيل الصفار وطبقتهما وكان ثقة حسن الحديث وتوفي سنة 287. تاريخ بغداد للخطيب 2/316. وفي اللباب لابن الأثير: "القرقساني - بفتح القافين بينهما راء ساكنة وبعدها سين مهملة مفتوحة وبعد الألف نون - وهي مدينة على الفرات والخابور بالقرب من الرقة وهي قرقيسيا. انتهى. لكن جاء في كل النسخ "الفرفساني" بفاءين وهو خطأ.
(3) الحافظ الثبت المسند الإمام العلامة عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل القضاعي الحراني أخذ عن مالك وزهير بن معاوية وعفير بن معدان وخلق نحوهم، وعنه ابن معين وأحمد والذهلي وخلق آحرون. مات سنة 234. تذكرة الحفاظ 2/440، التقريب 1/448 وقال: "من كبار العاشرة/ خ4".
(4) مسكين بن بكير الحراني أبو عبد الرحمن الحذاء، صدوق يخطئ، وكان صاحب حديث، من التاسعة مات سنة 198/ خ م د س. تقريب (2/244)، الكاشف 3/138.(2/36)
ويشهد له حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك". رواه الترمذي(1).
ذلك /(ر59/أ) أن بيت علي - رضي الله عنه - كان مع بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان يحتج إلى استطراق المسجد. وشاهد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن(2) قال:
__________
(1) 50 كتاب المناقب 21 باب حديث 3728 قال الترمذي بعده: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه وفي إسناده سالم بن أبي حفص أبو يونس الكوفي". قال الحافظ: "صدوق في حديثه إلا أنه شيعي غال". من الرابعة/ بخ ت.
تقريب 1/279. وقال الذهبي: "شيعي لا يحتج به". الكاشف 1/343. وفيه عطية بن سعد بن جناد العوفي الكوفي صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا من الثالثة مات سنة 111/ بخ د ت ق. تقريب 2/24.
وقال بن الجوزي في الموضوعات: "أما عطية فاجتمعوا على تضعيفه". وقال ابن حبان: "كان يجالس الكلبي فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيري ذلك عنه ويكنيه أبا سعيد فيظن أنه أراد الخذري لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب. الموضوعات 1/368، كتاب المجروحين لابن حبان 2/176 والمبتدع إذا روى ما يقوي بدعته لا تقبل روايته وقد رجح ذلك الحافظ. نزهة النظر ص51.
(2) هو شيخ الإسلام الإمام أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل، ابن محدث البصرة حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي المالكي الحافظ صاحب التصانيف، وشيخ مالكية العراق وعالمهم من مؤلفاته "كتاب أحكام القرآن" لم يسبق إلى مثله. أخذ عن علي بن المديني وغيره. مات سنة 282. تذكرة الحفاظ 2/625، الأعلام 1/305.(2/37)
ثنا إبراهيم بن حمزة(1) ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يكن أذن لأحد أن يمر بالمسجد ولا يجلس فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ لأن بيته كان في المسجد وهذا/(ي109) مرسل قوي.
وإذا تقرر ذلك، فهذا هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي سعيد: "لا يبقين في/(ب129) المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر" المخرج في الصحيحين(2) ممنوعة.
وبيانه أن الجمع ممكن؛ لأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب، وقد بينا سببه، والآخر فيما يتعلق بالخوخ(3)، ولا سبب له إلا الاختصاص المحض.
فلا تعارض ولا وضع.
__________
(1) إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني أبو إسحاق صدوق. من العاشرة مات سنة 232/ خ د س. تقريب 1/34، الكاشف 1/79.
(2) في (خ) 8 كتاب الصلاة. 8 باب الخوخة والممر في المسجد، حديث 467 حديث ابن عباس وحديث 466 حديث أبي سعيد 13 كتاب مناقب الأنصار 45 باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة حديث 3904، م 44 كتاب فضائل الصحابة حديث 2، حم 1/270، ت 50 كتاب المناقب 15 باب حديث 3660.
(3) الخوخ جمع خوخة - بخاءين معجمتين مفتوحتين بينهما واو - وهي باب صغير كالنافذة الكبيرة وتكون بين بيتين ينصب عليها باب. النهاية لابن الأثير.(2/38)
ولو فتح الناس هذا الباب لرد الأحاديث لادعي في [كثير من](1) أحاديث الصحيحين البطلان(2)، ولكن يأبى الله تعالى ذلك والمؤمنون.
5- ومنها: حديث بريدة بن الحصيب في فضل مرو(3).
__________
(1) الزيادة من (ي)، وهي ساقطة في باقي النسخ.
(2) إن نقد هذه الأحاديث ليس قائما على دعوى التعارض فحسب، بل هو قائم على مطاعن وقوادح في الرواة الذين جاءت هذه الأحاديث عن طريقهم، ومدارها عليها، فهم رواة قد أنهكم التشيع الغالي، ففضحهم وكشف عوراتهم لا يضر بأحاديث الصحيحين لا من قريب ولا من بعيد، وهذا العمل إنما هو من باب النصيحة في الدين والقيام بالواجب، وعلي رضي الله عنه، قد ثبت له من الفضائل والمناقب ما يغنيه عن مثل هذه الأحاديث الواهية الهزيلة. ثم إن هذا الجمع الذي رآه الحافظ غير سليم لأن هذه الأحاديث التي دار الكلام حولها إنما هي إثبات خصوصية لعلي رضي الله عنه انظر الحديث المنسوب إلى ابن عمر رضي الله عنهما حيث يقول: "ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ..." وإحداهن سد الأبواب إلا بابه. ألا ترى الخصوصية فيها واضحة وقد خرجت في الخصائص والمناقب.
(3) الحديث في حم 5/357 قال الإمام أحمد رحمه الله ثنا الحسن بن يحيى من أهل مرو ثنا أوس بن عبد الله بن بريدة قال أخبرني أخي سهل بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده بريدة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خرسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يضر أهلها سوء". وانظر القول المسدد ص38. فيه أوس بن عبد الله بن بريدة قال البخاري: "فيه نظر" وقال الدارقطني: "متروك". ميزان الاعتدال 1/278. ثم ساق الذهبي هذا الحديث بعد ترجمته.(2/39)
وهو حديث تفرد به حفيده سهل بن عبد الله بن بريدة(1).
وتكلم الناس فيه بسببه، ولا يتبين فيه صحة الحكم بالوضع. ثم إنه ليس من أحاديث الأحكام فيطلب المبالغة في التنقيب عنه.
6- وكذا حديث أنس - رضي الله عنه - "في فضل عسقلان"(2) مشتمل على ترغيب في المرابطة، وليس فيه ولا [في](3) الذي قبله ما يحيله الشرع ولا العقل.
__________
(1) سهل بن عبد الله بن بريدة المروزي، روى عنه أخوه أوس فذكر خبرا منكرا، قلت بل باطلا عن أخيه عن أبيه عبد الله عن أبيه مرفوعا: "ستبعث بعدي بعوث ..." الحديث. ميزان الاعتدال 2/241. وقال الحافظ في تعجيل المنفعة في ترجمة سهل: "... عن أبيه عن جده وعنه أخوه بخبر منكر في فضل مرو قال ابن حبان: منكر الحديث يروي عن أبيه ما لا أصل له لا نحب أن يشتغل بحديثه" قلت: وقال الحاكم: "روى عن أبيه أحاديث موضوعة في فضل مرو". تعجيل المنفعة ص114-115.
(2) الحديث في حم 3/225 من طريق أبي عقال عن أنس قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم..." الحديث قال ابن الجوزي في الموضوعات: "أما حديث أنس فجميع طرقه تدور على أبي عقال واسمه هلال بن يزيد بن يسار، قال ابن حبان يروي عن أنس أشياء موضوعة ما حدث بها قط، لا يجوز الاحتجاج به بحال". كتاب المجروحين (3/86) وقال الحافظ في التقريب 2/323: "متروك" وقد دافع عنه الحافظ في القول المسدد ص36- 37.
(3) الزيادة من (ي).(2/40)
وما بقي من الجزء كله سوى حديث عائشة في قصة عبد الرحمن بن عوف(1) - رضي الله تعالى عنه -، والجواب عنه ممكن، لكن كفانا المؤنة شهادة أحمد بكونه كذباً فقد أبان علته، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته ولعله مما أمر بالضرب عليه؛ لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة يأمر بالضرب عليها من المسند وغيره.
أو يكون مما غفل عنه وذهل؛ لأن الإنسان محل السهو والنسيان والكمال لله تعالى.
__________
(1) الحديث في حم 6/115 قال الإمام أحمد: ثنا عبد الصمد بن حسان قال: أنا عمارة عن ثابت عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء. قال فكانت سبعمائة بعير، قال: فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الحنة حبوا" فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: إن استطعت لأدخلنها قائما. فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل.
ولم أجد الكلام والتعليل الذي ذكره الحافظ ولعله يوجد في بعض نسخ المسند دون بعض. وفي إسناده عبد الصمد بن حسان؛ قال أبو حاتم: "صالح الحديث صدوق". وقال ابن سعد: "ثقة ". وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره الذهبي في الميزان وقال: "صدوق إن شاء الله".
تعجيل المنفعة ص183، ميزان الاعتدال 2/620. وعمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري صدوق كثير الخطأ، من السابعة/ بخ د ت ق. تقريب 2/49. وإذا كان أحمد قد استنكر وشهد بأنه كذب مع أنه ليس في إسناده كذاب ولا متهم بالكذب فأحاديث "سد الأبواب" المتعلقة بعلي رضي الله عنه أولى بهذا الحكم وأولى بأن يأمر بالضرب عليها وأحسن الأعذار في نظري القول بأن أحمد رحمه الله اخترمته المنية قبل أن يهذب المسند. وانظر المصعد لشمس الدين ابن الجوزي ص31 من الجزء الأول تحقيق أحمد شاكر.(2/41)
وإذا انتهى القول إلى هذا المقام ينبغي أن ينشد هذا الإمام/(ه64/ب)
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ ... من شر أعينهم بعيب واحد
وقد روينا عن العلامة تقي الدين ابن تيمية قال:
"ليس في المسند عن الكذابين المتعمدين شيء/(ي109) بل ليس فيه من الدعاة إلى البدع شيء، فإن أريد بالموضوع، ما يتعمد صاحبه الكذب، فأحمد لا يعتمد رواية هؤلاء في "المسند" ومتى وقع منه شيء فيه ذهول أمر بالضرب عليه حال القراءة.
وإن أريد بالموضوع ما يستدل(1) على بطلانه/(ر60/أ) بدليل منفصل فيجوز(2) والله أعلم.
قلت ما حررنا من الكلام على الأحاديث المتقدمة يؤيد صحة هذا التفصيل ولله الحمد.
وقد تحرر من مجموع [ما ذكر](3) أن المسند مشتمل على أنواع الحديث لكنه مع مزيد انتقاء وتحرير بالنسبة إلى غيره من الكتب التي لم يلتزم الصحة في جميعها - والله أعلم -.
40- قوله (ص)(4): "السابع: قولهم(5): هذا حديث صحيح الإسناد دون قولهم حديث صحيح؛ لأنه قد يقال: صحيح الإسناد ولا يصح [أي](6) المتن لكونه أي الإسناد شاذا أو معللا... قال: غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على ذلك ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل".
قلت: لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح، فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم بالصحة؟
__________
(1) كلمة "يستدل" من (ي) وفي باقي النسخ "يدل" وهو خطأ لا يستقيم معه الكلام.
(2) انظر التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص81)، والمصعد لمسند أحمد لابن الجوزي ص34- 35 تحقيق أحمد شاكر مقدمة الجزء الأول.
(3) الزيادة من (ي) ومن هامش (ر/أ).
(4) مقدمة ابن الصلاح ص35.
(5) في النسخ جميعها "قوله" والتصويب من مقدمة ابن الصلاح.
(6) الزيادة من (ي) و(ر/أ).(2/42)
وقوله: إن المصنف المعتمد إذا اقتصر... الخ يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا مختصة(1) بغير المعتمد، وهو كلام ينبو(2) عنه السمع؛ لأن المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد.
والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين/(ه65/أ) من يفرق في وصفه الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق.
فمن عرف من حاله بالاستقراء(3) التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا/(ي110) وتقييده على الإسناد فقط، ومن عرف من حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا. والله أعلم.
41- قوله(ص): "الثامن في قول الترمذي وغيره"(4). عنى بالغير البخاري فقد وقع ذلك في كلامه.
27- قوله (ع): "ورد ابن دقيق العيد الجواب الثاني".
(يعني قوله أنه غير مستنكر أن بعض من قال ذلك أراد معناه اللغوي)
بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن. وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم(5)...إلى آخر الفصل.
قلت: وهذا الإلزام(6) عجيب؛ لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح، فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.
__________
(1) في (ي)"مختص" وهو خطأ.
(2) كلمة "ينبو" سقطت من (ب).
(3) في (ه) "الاستقراء" بدون باء الجر.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص35. قال: "الثامن في قول الترمذي وغيره حسن صحيح إشكال...".
(5) التقييد والإيضاح ص60 وما بين قوسين نقله الحافظ من كلام ابن الصلاح توضيحا للكلام.
(6) انظر الاقتراح لابن دقيق العيد (ل4).(2/43)
وأما قول الشيخ بعد ذلك: "أن بعض المحدثين أطلق الحسن وأراد به معناه اللغوي دون الاصطلاحي". ثم أورد الحديث الذي ذكره/(ر60/ب) ابن عبد البر ... إلى آخر كلامه(1) عليه وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد قد/(ب132) قيد كلامه بقوله إذا جروا على اصطلاحهم، وهنا لم يجر ابن عبد البر في ذلك الحكم على اصطلاح المحدثين باعترافه بعدم قوة إسناده، فكيف يحسن التعقب(2) بذلك على ابن دقيق العيد.
وأما قول ابن المواق(3): "إن الترمذي لم يخص الحسن بصفة تميزه عن الصحيح" وما اعترض به أبو الفتح اليعمري(4) من/(ه65/ب) أنه اشترط في الحسن أن يجيء من غير وجه ولم يشترط ذلك في الصحيح.
__________
(1) التقييد والإيضاح ص60 وأما الحديث فأورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/65، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح..." الحديث. قال بعده وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي ورويناه من طرق شتى موقوفا.
(2) وفي (ه) و(ب) "التعقيب".
(3) هو الحافظ أبو عبد الله ابن المواق المغربي محدث حافظ أصولي من آثاره بغية النقاد في أصول الحديث، مات سنة 897. كذا في معجم المؤلفين 6/197، كشف الظنون 1/251. وقد وقع فيهما خطآن؛ في تاريخ وفاته وفي تسميته عبد الله، أما تاريخ وفاته فإن العراقي ذكر أنه سبق ابن دقيق العيد إلى مناقشة تعريف الترمذي وأن ابن سيد الناس المتوفى سنة 734 قد تعقبه في هذه المناقشة هذا وقد بحثت كثيرا لأعرف تاريخ وفاته فلم أجد. وأما اسمه فإن العراقي كناه بأبي عبد الله ولم يذكر اسمه.
(4) هو العلامة الحافظ المحدث الأديب البارع فتح الدين أبو الفتح اليعمري الأندلسي الأصل المصري صاحب التصانيف منها: عيون الأثر في السيرة شرح قطعة من جامع الترمذي، توفي سنة 734. تذكرة الحفاظ 4/1503، شذرات الذهب 5/108.(2/44)
قلت: وهو تعقب وارد [ورد](1) واضح على زاعم التداخل بين النوعين وكأن ابن المواق فهم التداخل من قول الترمذي: "وأن يكون راويه متهما بالكذب". وذلك ليس بلازم للتداخل فإن الصحيح لا يشترط فيه أن لا يكون متهما بالكذب فقط، بل بانضمام أمر آخر وهو/(ي111): ثبوت العدالة والضبط بخلاف قسم الحسن الذي عرف به الترمذي.
فبان التباين بينهما.
وأما جواب الشيخ عماد الدين ابن كثير(2) وقول شيخنا أنه تحكم لا دليل عليه. فقد استدل هو عليه فيما وجدته عنه بما حاصله: أن بين الحسن والصحة رتبة متوسطة.
فللقبول ثلاث مراتب:
الصحيح أعلاها، والحسن أدناها.
والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإن كل ما كان فيه شبه(3) من شيئين ولم يتمحض لأحدهما اختص برتبة مفردة(4) كقولهم للمز وهو: ما فيه حلاوة وحموضة: هذا حلو حامض.
قلت لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به. ثم إنه يلزم عليه أن يكون في/(ب133) كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر؛ لأنه قل ما يعبر إلا بقوله حسن صحيح.
وإذا أردت تحقيق ذلك، فانظر إلى ما حكم به على الأحاديث المخرجة من الصحيحين كيف يقول فيها حسن صحيح غالبا.
__________
(1) الزيادة من (ه) و(ب) و(ي).
(2) هو الإمام المحدث البارع الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن ضوء بن كثير البصروي ثم الدمشقي الفقيه الشافعي أخذ عن ابن تيمية والمزي وغيرهما. له مصنفات نافعة منها التفسير وجامع المسانيد في الحديث والبداية والنهاية في التاريخ والباعث الحثيث في علوم الحديث، مات سنة 774. شذرات الذهب (6/231، الدرر الكامنة 1/399).
(3) في كل النسخ "شبهة"ولعل الصواب ما أثبتناه.
(4) انظر الباعث الحثيث ص43- 44 فإنه ذكر قريبا من هذا الكلام الذي قاله الحافظ ونقله عنه العراقي. وانظر التقييد والإيضاح ص62.(2/45)
وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإشكال بأنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم يقال فيه ذلك.
ويتعقب هذا/(ه66/أ) بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو أتى بأو التي هي للتخيير أو التردد فقال حسن أو صحيح، ثم إن الذي يتبادر إلى/(ر61/أ) الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره، فهذا يقدح في الجواب، ويتوقف أيضا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته، فيقدح في الجواب - أيضا - لكن لو سلم هذا الجواب من التعقيب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لأميل إليه وأرتضيه(1).
والجواب عما يرد عليه ممكن والله أعلم.
وقيل: يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم، فيجوز أن يكون قوله حسن أي باعتبار إسناده، صحيح أي باعتبار حكمه(2)، لأنه قبيل المقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة.
وهذا يمشي على قول من لا يفرد الحسن من الصحيح، بل يسمي الكل صحيحا، لكن يرد عليه ما أوردناه أولا من أن الترمذي أكثر من الحكم بذلك على الأحاديث الصحيحة الإسناد.
واختار بعض من أدركنا أن اللفظين عنده مترادفان، ويكون إتيانه باللفظ الثاني بعد الأول على سبيل التأكيد. كما يقال صحيح ثابت أو جيد قوي أو غير ذلك.
__________
(1) كيف يميل إليه الحافظ ويرتضيه مع أنه يرد عليه ما ذكر، ومع أنه يتوقف على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين... الخ كما يقول، فهذه المبادرة إلى ارتضاء هذا الرأي مع ما يرد عليه وقبل الاعتبار المذكور غريبة من الحافظ.
(2) كلمة "حكمه" من (ي) وفي باقي النسخ "كونه" وهو خطأ يفسد الكلام. وقد نقل هذا الكلام الصنعاني في توضيح الأفكار 1/242.(2/46)
وهذا قد يقدح فيه القاعدة بأن الحمل على التأسيس خير من الحمل على التأكيد؛ لأن الأصل عدم التأكيد، لكن قد يندفع القدح بوجود القرينة الدالة على ذلك.
وقد وجدنا في عبارة غير واحد كالدارقطني: هذا حديث صحيح ثابت.
وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن/(ه66/ب) دقيق العيد(1)، والله أعلم.
42- قوله (ص): "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن"(2).
هذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح، وهو قوله: "الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف"(3).
43- قوله (ص): "وهو الظاهر من تصرف الحاكم، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح"(4).
إنما جعله يومئ إليه؛ لأن ذلك مقتضاه، وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيه هو الصحيح والحسن أكثر من المردود، فحكم للجميع بالصحة بمقتضى الغلبة.
__________
(1) يعني قوله: "أن قصور الحسن عن الصحيح إنما يجيء إذا اقتصر على الحسن أما إذا جمع بينهما فلا قصور حينئذ وبيان ذلك أن للرواة صفات تقتضي قبول روايتهم، وتلك الصفات متفاوتة كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلا ودونها الصدق وعدم التهمة بالكذب. فوجود الدرجة الدنيا كالصدق مثلا، لا ينافيه وجود ما هو أعلا منه كالحفظ والإتقان، وكذلك إذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا مع الصدق، فصح أن يقال: حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار الصفة العليا. ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا، ويلتزمه ويؤيده ورود قول المتقدمين: هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحة". محاسن الاصطلاح ص114- 115 بهامش مقدمة ابن الصلاح، والتقييد والإيضاح ص61.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص36.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص10.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص36 ويعني به اندراج الحسن في أنواع الصحيح.(2/47)
فلو كان ممن يرى التفرقة بين/(ي113) الصحيح والحسن لكان في حكمه ذلك مخالفا للواقع؛ لأن الصحيح الذي فيه أقل من مجموع الحسن والضعيف/(ب135) فلا يعتذر عنه بأنه أراد الغالب، فاقتضى توجيه كلامه أن يقال: إنه لا يرى (ر61/ب) التفرقة بين الصحيح والحسن، ليصح ما ادعاه من التسمية.
وقد وجدت في "المستدرك" له إثر حديث أخرجه قال: "أخرجه أبو داود في كتاب السنن الذي هو صحيح على شرطه".
وهذا أيضا محمول على أنه أراد به عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، ولم يعتبر الضعيف(1) الذي فيه لقلته بالنسبة إلى النوعين.
ومن هنا أجاب بعض المتأخرين عن الإشكال الماضي وهو قول الترمذي "حسن صحيح"، أنه أراد حسن على طريقة من يفرق بين النوعين لقصور رتبة راويه عن درجة الصحة المصطلحة، صحيح على طريقة من لا يفرق. ويرد عليه ما أوردناه فيما سبق(2).
[أكثر أهل الحديث لا يفرقون بين الحسن والصحيح:]
واعلم أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح، فمن ذلك ما رويناه عن الحميدي شيخ البخاري قال: "الحديث/(ه67/أ) الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وهو)(3) أن يكون متصلا غير مقطوع معروف الرجال"(4).
وروينا عن محمد بن يحيى الذهلي قال: "ولا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث المتصل غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح"(5). فهذا التعريف يشمل الصحيح والحسن معا.
__________
(1) في كل النسخ "المصنف" وفي هامش(ر/أ) "الضعيف" وهو الصواب.
(2) يقصد ما أورده على ابن كثير في ص271 من أنه يلزم على قوله أن لا يكون في كتاب الترمذي صحيح إلا نادر... إلخ.
(3) الزيادة من (ي).
(4) انظر الكفاية ص24.
(5) الكفاية للخطيب ص20 وقال الذهلي أيضا "لا يكتب الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرويه الثقة عن الثقة حتى يتناهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة ولا يكون فيهم رجل مجروح ولا رجل مجهول". الكفاية ص20.(2/48)
وكذا شرط ابن خزيمة(1) وابن حبان(2) في صحيحهما لم يتعرضا فيه لمزيد أمر آخر على ما ذكره الذهلي.
44- قوله (ص)(3): "أطلق الخطيب والسلفي(4) الصحة على كتاب النسائي".
قلت: وقد أطلق عليه - أيضا - اسم الصحة أبو علي النيسابوري/(ب136)(5). وأبو أحمد بن عدي(6) وأبو الحسن الدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبو يعلى الخليلي وغيرهم.
وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتابي أبي داود والترمذي(7) كما سبق.
وقال أبو/(ي114) عبد الله بن مندة: "الذين خرجوا الصحيح أربعة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي".
__________
(1) انظر صحيح ابن خزيمة 1/3 حيث قال: "المختصر من المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولا إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار".
(2) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/112 تحقيق أحمد شاكر وفيها شروط ابن حبان وقد ذكرها الحافظ فيما تقدم من هذا الكتاب ص291.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص36.
(4) هو الحافظ العلامة شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني من آثاره ثلاثة معاجم: معجم لمشيخة أصبهان ومعجم لمشيخة بغداد ومعجم السفر، مات سنة 576. تذكرة الحفاظ 4/1298، وفيات الأعيان 1/105.
(5) هو الإمام محدث الإسلام الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري أحد جهابذة الحديث حافظ متقن ورع، مات سنة 349. الأعلام 2/266، تذكرة الحفاظ 3/906.
(6) هو الإمام الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني ويعرف - أيضا - بابن القطان صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل كان أحد الأعلام، مات سنة 365. تذكرة الحفاظ 3/942، طبقات الشافعية للسبكي 315/3.
(7) انظر شرح ابن سيد الناس لجامع الترمذي ل6.(2/49)
وأشار إلى مثل ذلك أبو علي ابن السكن(1).
وما حكاه ابن الصلاح(2) عن الباوردي أن النسائي يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه، فإنما أراد بذلك إجماعا خاصا.
[طبقات النقاد:]
وذلك أن كل طبقة من طبقات النقد لا تخلو من متشدد ومتوسط.
فمن الأولى: شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه.
ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن.
ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد من أحمد.
ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري.
وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه".
فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان/(ر62/أ) مثلا/(ه67/ب) فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد.
وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه. كالرجال الذين ذكرنا قبل أن أبا داود يخرج أحاديثهم(3) وأمثال من ذكرنا، بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين.
وحكى أبو الفضل بن طاهر/ (ب137) قال: "سألت سعد بن علي الزنجاني(4)
__________
(1) هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي نزيل مصر توفي سنة 353، من آتاره كتابه الصحيح المنتقى. تذكرة الحفاظ 3/937، الأعلام 3/151.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص33.
(3) انظر ص234- 235.
(4) هو الإمام الثبت الحافظ القدوة أبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن علي شيخ الحرم الشريف، قال أبو الفضل ابن طاهر: "ما رأيت مثل الزنجاني، كان من رؤوس أهل السنة وأئمة الأثر ممن يعادي الكلام وأهله ويذم الآراء والأهواء" مات سنة 471.
تذكرة الحفاظ 3/1174، طبقات الحفاظ للسيوطي ص440.(2/50)
عن رجل فوثقه فقلت له: إن النسائي لم يحتج به فقال: يا بني! إن لأبي عبد الرحمن شرط في الرجال شرط أشد من شرط البخاري ومسلم"(1).
وقال أبو بكر البرقاني الحافظ في جزء له معروف: "هذه أسماء رجال تكلم فيهم النسائي ممن أخرج له الشيخان في صحيحيهما سألت عنهم أبا الحسن الدارقطني فدون كلامه في ذلك"
قال أحمد بن محجوب الرملي: "سمعت النسائي يقول: لما عزمت على جمع السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم فنزلت في جملة من الحديث كنت/(ي115) أعلو فيها عنهم"(2).
وقال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر(3) شيخ الدارقطني: "من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث منها بشيء"(4).
قلت وكان عنده عاليا عن قتيبة(5) عنه ولم يحدث به لا في السنن ولا في غيرها.
وقال محمد بن معاوية الأحمر(6) الراوي عن النسائي ما معناه قال النسائي: "كتاب السنن كله صحيح وبعضه معلول" إلا أنه لم يبين علته والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيح/(ه68/أ) كله.
__________
(1) شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي ص18.
(2) شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي ص18.
(3) هو الإمام الحافظ الثبت أحمد بن نصر بن طالب البغدادي سمع العباس بن محمد الدوري وطبقته وعنه الدارقطني، مات سنة 323. تذكرة الحفاظ 3/832.
(4) شروط الأئمة الستة ص18.
(5) قتيبة بن سعيد بن جميل- بفتح الجيم - بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني - بفتح الموحدة وسكون المعجمة - ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة 240/ع. تقريب (2/123)، الكاشف 2/397.
(6) محمد بن معاوية بن عبد الرحمن من نسل هشام بن عبد الملك بن مروان أبو بكر المعروف بابن الأحمر محدث أندلسي، وهو أول من أدخل سنن النسائي إلى الأندلس وحدث به وانتشر عنه، مات سنة 365. الأعلام 7/325.(2/51)
وقال أبو الحسن المعافري(1): "إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث فما خرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما خرجه غيره".
وقال ابن رشيد(2): "كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا وأحسنها ترصيفا(3) وكأن كتابه جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظ كبير من بيان العلل"(4).
__________
(1) من (ه) وفي (ب) و(ر) "المغافري" بالغين المعجمة.
(2) وهو محمد بن عمر بن محمد بن عمر أبو عبد الله الفهري السبتي، له كتاب السنن الأبين في المحاكمة بين البخاري ومسلم، مطبوع في تونس وله الرحلة المشرقية في ست مجلدات، توفي سنة 721.
(3) في (ب) "توصيفا".
(4) انظر هذا النص في زهر الربى على المجتبى 1/10.(2/52)
وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين (حديثا)(1) ضعيفا ورجلا مجروحا، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي ويقابله في الطرف الآخر كتاب ابن ماجه فإنه تفرد فيه(2) بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث وبعض تلك الأحاديث لا تعرف إلا من جهتهم مثل حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك(3) والعلاء بن زيدل(4) وداود بن المحبر(5) وعبد الوهاب بن الضحاك(6)
__________
(1) كلمة "حديثا" سقطت من (ر).
(2) كلمة "فيه" من (ي) وفي باقي النسخ "به".
(3) حبيب بن أبي حبيب المصري، كاتب مالك يكنى أبا محمد متروك، كذبه أبو داود وجماعة، مات سنة 218/ق. تقريب (1/149)، الكاشف 1/202.
(4) العلاء بن زيد ويقال زيدل - بزيادة لام - الثقفي أبو محمد البصري متروك ورماه أبو الوليد بالكذب، من الخامسة. تقريب (2/92)، الكاشف 2/360.
(5) داود بن المحبر - بمهملة وموحدة مفتوحة - ابن قحذم - بفتح القاف وسكون المهملة وفتح المعجمة - الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد متروك، وأكثر كتاب العقل الذي صنفه موضوعات، من التاسعة، مات سنة 206. تقريب (1/234)، الكاشف 1/291 ورمز له بـ (ق).
(6) عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان العرضي - بضم المهملة وسكون الراء بعدها معجمة - أبو الحارث الحمصي نزيل سلمية، متروك كذبه أبو حاتم، من العاشرة، مات سنة245/ ق. تقريب (1/527)، الكاشف 2/220. وقال:
قال أبو داود: "يضع الحديث" وكتاب المجروحين 2/148 وقال: "كان يسرق الحديث... لا يحل الاحتجاج به"(2/53)
وإسماعيل بن زياد السكوني(1) وعبد السلام بن أبي الجنوب(2) وغيرهم.
وأما ما حكاه ابن طاهر عن أبي زرعة الرازي أنه نظر فيه(3) فقال لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما فيه ضعف(4).
فهي حكاية لا تصح لانقطاع إسنادها(5)، وإن كانت محفوظة فلعله أراد ما فيه من الأحاديث الساقطة إلى الغاية أو كان ما رأى من الكتاب إلا جزءا منه فيه هذا القدر.
وقد حكم أبو زرعة على أحاديث كثيرة منه بكونها باطلة أو ساقطة أو منكرة، ذلك محكي في/(ي116) كتاب العلل لابن أبي حاتم وكان الحافظ صلاح الدين العلائي يقول: "ينبغي أن يعد كتاب الدارمي سادسا للكتب الخمسة بدل كتاب ابن ماجه فإن قليل الرجال الضعفاء نادر الأحاديث المنكرة والشاذة وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة فهو/(ه68/ب) مع ذلك أولى من كتاب ابن ماجه.
__________
(1) إسماعيل بن زياد ويقال ابن أبي زياد السكوني قاضي الموصل متروك كذبوه، من الثامنة/ ق. تقريب (1/96)، الكاشف 1/123 وقال: "واه".
(2) عبد السلام بن أبي الجنوب - بفتح الجيم وتخفيف النون المضمومة وآخره موحدة - المدني ضعيف لا يغتر بذكر ابن حبان له في الثقات فإنه ذكره في الضعفاء، من الثامنة/ ق. تقريب 1/505، كتاب المجروحين لابن حبان 2/150. وقال: "يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات".
(3) من (ي) وباقي النسخ "إليه".
(4) شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي (ص16) وفيه "بضعة عشر أو كلاما هذا معناه".
(5) في (ه) سندها.(2/54)
قلت: وبعض أهل العلم لا يعد السادس إلا الموطأ؛ كما صنع رزين السرقسطي(1) وتبعه المجد ابن الأثير(2) في جامع الأصول.
[أول من أضاف ابن ماجه إلى الأصول:]
وكذا غيره. وحكى ابن عساكر(3) أن أول من أضاف كتاب ابن ماجه إلى الأصول أبو الفضل ابن طاهر، وهو كما قال؛ فإنه عمل أطرافه معها وصنف جزء آخر في شروط الأئمة الستة فعده منهم، ثم عمل الحافظ عبد الغني(4) كتاب الكمال في أسماء الرجال الذي هذبه الحافظ أبو الحجاج المزي فذكره فيهم.
وإنما عدل ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيرة جدا بخلاف ابن ماجه، فإن زياداته أضعاف زيادات الموطأ فأرادوا بضمّ كتاب ابن ماجه الخمسة تكثير الأحاديث المرفوعة والله أعلم.
__________
(1) رزين بن معاوية بن عمار العبدي السرقسطي الأندلسي أبو الحسن إمام الحرمين نسبته إلى سرقسطة من بلاد الأندلس له تصانيف منها تجريد الصحاح الستة، مات سنة 535. الأعلام (3/46)، شذرات الذهب 4/106.
(2) هو المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو السعادات مجد الدين المحدث اللغوي الأصولي له تصانيف منها جامع الأصول جمع فيه بين الكتب الستة، والنهاية في غريب الحديث، مات سنة 606. الأعلام 6/152، وفيات الأعيان 4/141.
(3) هو الحافظ الكبير محدث الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف والتاريخ الكبير، مات سنة 571.
تذكرة الحفاظ 4/1328، طبقات الشافيعة 2/216.
(4) عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الحافظ الإمام محدث الإسلام تقي الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الحنبلي صاحب التصانيف منها الكمال عشر مجلدات والصفات جزآن والمصباح في ثمانين جزءا، توفيي سنة 600. تذكرة الحفاظ 4/1372، شذرات الذهب 4/345.(2/55)
ومن هنا يتبين ضعف طريقة من صنف في الأحكام بحذف الأسانيد المذكورة، كأبي البركات ابن تيمية(1)، فإنهم يخرجون الحديث منها ويعزونه إليها من غير بيان صحته أو ضعفه.
وأعجب من ذلك أن الحديث يكون في الترمذي وقد ذكر علته فيخرجونه منه مقتصرين على قولهم رواه الترمذي، معرضين عما ذكر من علته. وقد تبع أبو الحسن ابن القطان(2) الأحاديث التي/(ر63/أ) سكت عبد الحق(3) في أحكامه عن ذكر عللها بما فيه مقنع. وهو وإن كان قد تعنت في كثير منه فهو مع ذلك جم الفائدة والله سبحانه الموفق.
28- قوله (ع)/(ي117): "وإنما قال السلفي: "والحكم بصحة أصولها ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا"(4).
قلت:/(ه69/أ) وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله لكلام السلفي وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه من الإنكار ليس بجيد إذ العبارتان جميعا موجودتان في الكلام السلفي، لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا سابق"(5).
__________
(1) هو شيخ الإسلام عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الحنبلي إمام حافظ مقرئ محدث أصولي مفسر، من مؤلفاته المنتقى من أحاديث الأحكام والأحكام الكبرى في عدة مجلدات، مات سنة 652. شذرات الذهب 5/257، الأعلام 4/129.
(2) هو: الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى الحميري الكتامي الفاسي الشهير بابن القطان، له مصنفات منها: بيان الوهم والإيهام الذي وضعه على الأحكام الكبرى لعبد الحق، مات سنة 628. تذكرة الحفاظ (4/1407)، شذرات الذهب 5/128.
(3) عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الأشبيلي الحافظ أحد الأعلام مؤلف الأحكام الكبرى والصغرى والجمع بين الصحيحين، توفي سنة 581. تذكرة الحفاظ 4/268، الرسالة المستطرفة ص142.
(4) التقييد والإيضاح (ص62).
(5) كلمة "سابق" سقطت من (ر/ب).(2/56)
ثم عاد السلفي وقال: "ما نقله ابن الصلاح عنه بزيادة"، ولفظه "وأما السنن" فكتاب له صدر في الآفاق ولا نرى مثله على الإطلاق وهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب والمخالفين(1) لهم كالمتخلفين عنهم بدار الحرب إذ كل من رد ما صح عن رسول الله صلى اله عليه وسلم ولم يتلقه بالقبول قد ضل وغوى إذ كان - - صلى الله عليه وسلم - - لا ينطق عن الهوى(2).
وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم(3). وقد سبق إلى نحو ذلك الشيخ محي الدين فقال إثر كلام السلفي: "مراده بهذا أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به أي صالح لأن يحتج به لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة والله أعلم.
تنبيه:
السلفي بكسر السين نسبة إلى جده وهو لقب له.
قال منصور بن سليم الحافظ(4): "كانت إحدى شفتيه عريضة مفروقة فكان له ثلاث شفاه، فقيل له بالفارسية "سي لبه" أي ثلاث شفات(5)، ثم عرب فقيل له: سلفة. ووهم أبو محمد بن حوط الله(6) وهما شنيعا فقال في فهرسته: هو منسوب إلى سلفة قرية من قرى أصبهان".
__________
(1) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب "والمخالفون".
(2) انظر شرح ابن سيد الناس لجامع الترمذي (ل6).
(3) انظر ص479.
(4) الإمام الحافظ الرحال وجيه الدين أبو المظفر بن سليم بن منصور بن فتوح الهمداني الشافعي محتسب الثغر، له مؤلفات منها المعجم والأربعين البلدانية، مات سنة 677. تذكرة الحفاظ 4/1467، طبقات الحفاظ للسيوطي ص509.
(5) كذا في جميع النسخ والصواب جمعه على شفاه وشفهات وشفوات. انظر لسان العرب 2/337.
(6) هو: عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندلسي أبو محمد محدث حافظ مقرئ منشئ خطيب شاعر نحوي من آثاره كتاب في تسمية شيوخ البخاري ومسلم، مات سنة 612. معجم المؤلفين 6/61، شذرات الذهب 5/50.(2/57)
وكذا رأيته في فهرست ابن باشكوال(1) نقلا عن بعض مشايخه رحمه الله عليهم.
خاتمة:
للكلام على الحديث الصحيح والحسن.
قد قررنا أنهما في حيز القبول، وقد وجدنا في عبارة جماعة من أهل/(ه69/ب) الحديث ألفاظا يوردونها في مقام القبول ينبغي الكلام عليها وهي:
الثابت والجيد والقوي والمقبول والصالح وسنستوفي الكلام على/(ي118) هذه الأنواع في آخر الكتاب إن شاء الله كما وعدنا في الخطبة -والله أعلم -(2).
__________
(1) هو: الحافظ الإمام المتقن أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن باشكوال الأنصاري الأندلسي محدث الأندلس ومؤرخها كان حجة متسع الراواية حافظا تاريخيا، من مؤلفات الصلة وغوامض الأسماء في عشرة أجزاء، مات سنة 578. تذكرة الحفاظ 4/1339، شذرات الذهب 4/261.
(2) لم يقدر الحافظ رحمه الله أن يكمل هذا الكتاب وللفائدة أنقل معاني هذه الألفاظ من تدريب الراوي للسيوطي. فالثابت: بمعنى الصحيح.
والجودة: يعبر بها عن الصحة، فلا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجهبذ لا يعدل عن الصحيح إلى جيد إلا لنكتة كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح فالوصف به أنزل رتبة عن الوصف بصحيح.
وكذا القوي. والصالح: يشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار. تدريب الراوي ص 104- 105.
ولم يتكلم السيوطي على المقبول، والظاهر أنه أعم من هذه الألفاظ كلها ما عدا الصالح.
والصالح: يشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار. تدريب الراوي ص 104- 105.
ولم يتكلم السيوطي على المقبول، والظاهر أنه أعم من هذه الألفاظ كلها ما عدا الصالح.(2/58)
النوع الثالث: الضعيف/(ر63/ب)
45- قوله (ص): "كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحسن فهو الضعيف"(1).
اعترض عليه بأنه لو اقتصر على نفي صفات الحسن لكان أخصر؛ لأن نفي صفات الحسن مستلزم لنفي(2) صفات الصحيح وزيادة، وأجاب بعض من عاصرناه(3) بأن مقام التعريف يقتضي ذلك؛ إذ(4) لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح؛ إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا، فالترديد متعين، قال: ونظيره قول النحوي إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل: الحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا علامات الفعل. انتهى.
وأقول: والتنظير(5) غير مطابق؛ لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن، فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوصا ، وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف.
والحق أن كلام المصنف معترض؛ وذلك أن كلامه يعطي أن الحديث حيث ينعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا، وليس كذلك؛ لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع، ويسمى الحديث الذي اجتمعت فيه الصفات سواه حسنا لا ضعيفا.
[تعريف الحافظ للضعيف:]
وما/(ه70/أ) من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا، ولو عبر بقوله: [كل](6) حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان أسلم من الاعتراض وأخصر - والله أعلم -.
46- قوله (ص): "وأطنب أبو حاتم ابن حبان في تقسيمه..." إلى آخره(7).
أقول: لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص37.
(2) في (ب) نفي بدون "ل".
(3) في هامش (ر) و(ه) "أظن أنه أراد بالمعاصر الزركشي".
(4) في هامش (ر) "عبارة الزركشي ولأنه لا يلزم".
(5) في (ه) و(ب) "النظر"، وفي (ر) "النظير" والصواب ما أثبتناه.
(6) الزيادة من (ي).
(7) مقدمة ابن الصلاح ص37. وبقية كلامه: "فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك".(3/1)
وتجاسر بعض من عاصرناه فقال: هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك، فإن الذي قسمه ابن حبان في مقدمة كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة/(ي119) لتضعيف الرواة، لا تقسيم الحديث الضعيف، ثم أنه أبلغ الأسباب المذكورة عشرين قسما(1) لا تسعة وأربعين، والحاصل (أن الموضع)(2) الذي ذكر ابن حبان فيه ذلك ما عرفنا مظنته والله الموفق.
47- قوله (ص): " وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة/(ب143) معينة..." إلى آخره(3).
أقول: شرح هذا شيخنا في شرح منظومته(4)، ولم يعترض له هنا فرأيت الإشارة إلى ذلك هنا.
[صفات القبول:]
قال - رضي الله عنه -: "صفات القبول ستة:
1- اتصال السند/(ر67/أ).
2- وعدالة الرجال.
3- والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة.
قلت: بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى. انتهى.
4- قال: ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما كثير الغلط.
قلت: وكذا إذا كان فيه ضعيف بسبب سوء الحفظ، أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي، أو كان مرسلا. كما قررنا ذلك في الكلام على الحسن المجبور. انتهى.
5- قال: والسلامة من الشذوذ.
6- والسلامة من العلة القادحة".
__________
(1) الأمر كما قال الحافظ، وقد أبلغها ابن حبان عشرين نوعا فقط. انظر كتاب المجروحين (1/62- 85).
(2) ما بين القوسين من (ر/أ) وفي باقي النسخ "من الوضع" وهو خطأ.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص37 ومن بقية الكلام: "فيجعل ما عدمت فيه... قسما واحدا ثم ما عدمت فيه تلك الصفة من صفة أخرى معينة قسما ثانيا، ثم ما عدمت فيه مع صفتين معينتين قسما ثالثا وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمع، ثم يعود ويعين من الابتداء صفة غير التي عينها أولا ويجعل ما عدمت فيه قسما..." إلخ.
(4) شرح العراقي لألفيته 1/112 قال: "وشروط القبول هي شرط الصحيح والحسن وهي ستة وذكرها".(3/2)
قلت: وتلخيص التقسيم المطلوب أن فقد الأوصاف راجع/(ه70) إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط، فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه، ويدخل تحت ذلك المرسل والمعلق والمدلس والمنقطع والمعضل، وكل واحد من هذه إذا انضم إليه وصفا من أوصاف الطعن وهي: تكذيب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو مخالفته أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله فباعتبار ذلك يخرج منه أقسام كثيرة مع الاحتراز من التداخل المفضي إلى التكرار، فإذا فقد ثلاثة أوصاف من مجموع ما ذكر حصلت منها أقسام أخرى مع الاحتراز مما ذكر، ثم إذا فقد أربعة أوصاف، فكذلك ثم كذلك إلى آخره، فكل ما عدمت فيه صفة واحدة يكون أخف مما عدمت فيه صفتان بشرط أن لا تكون الصفة المتقدمة/(ي120) قد جبرتها صفة قوية، وهكذا إلى أن ينتهي الحديث إلى درجة الموضوع المختلق بأن تنعدم فيه شروط القبول، ويوجد فيه ما يشترط انعدامه من جميع أسباب الطعن والسقط.
لكن قال شيخنا: إنه لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم بالوضع وهو متجه، لكن مدار الحكم في الأنواع على غلبة الظن، وهي موجودة هنا - والله أعلم -.
تنبيهات:
الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف. على ما تقدم في قولهم صحيح الإسناد وصحيح، ولا فرق.
الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فإنه يقبل حتى يجب العمل به.
وقد صرح بذلك جماعة من أئمة(1) الأصول.
ومن أمثلته قول الشافعي - رضي الله عنه -: "وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي- صلى الله عليه وسلم -من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله(2)، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا".
__________
(1) كلمة "أئمة" سقطت من (ب) وكذلك كلمة "مثله".
(2) في هامش الأم للشافعي 1/13 ولكنها من الأم في بعض النسخ كما أشار إلى ذلك المحقق (ص7).(3/3)
وقال في حديث: "لا وصية لوارث": "لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية للوارث"(1).
[أوهى الأسانيد:]
__________
(1) نقل الصنعاني هذا الكلام من قوله: "تنبيهات..." إلى هنا. توضيح الأفكار 1/253- 254 ثم إن عبارة الشافعي في الأم ص412: "... فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث من وجهين: أحدهما: أخبار ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن سليمان الأحول عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث" وغيره يثبته بهذا الوجه وجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث". وعبارته في الرسالة ص139- 140: "ووجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: "لا وصية لوارث...". وكان نقل عامة عن عامة وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجتمعين وقد روى بعض الشاميين حديثا ليس مما يثبته أهل الحديث فيه أن بعض رجاله مجهولون فرويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعا وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي وإجماع العامة عليه".(3/4)
الثالث: لم يتعرض المصنف للكلام على أوهى الأسانيد كما تكلم على أصح/(ر64/ب) الأسانيد، مع أن الحاكم قد ذكر الفصلين معا(1)، وتبعه/(ب145) أبو نعيم فيما خرجه على كتابه والأستاذ أبو منصور البغدادي، وأورده تقي الدين القشيري في الاقتراح(2) وغير واحد ممن تأخر عنه(3)، وليس هو عريا عن الفائدة، بل يستفاد من معرفته ترجيح بعض الأسانيد على بعض وتمييز ما يصلح للاعتبار مما لا يصلح.
قال الحاكم: "أوهى أسانيد الصديق - رضي الله عنه -: صدقة الدقيقي(4) عن فرقد السبخي(5) عن مرة الطيب(6) عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
__________
(1) معرفة الحديث ص55- 58. تكلم فيه على أصح الأسانيد وأوهى الأسانيد.
(2) ل5/ب- 7/أ) نقلا عن أبي نعيم.
(3) كالبلقيني ذكر ذلك في محاسن الاصطلاح ص87- 88.
(4) صدوق له أوهام.
(5) فرقد بن يعقوب السبخي - بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة - أبو يعقوب البصري صدوق عابد، لكنه لين الحديث كثير الخطأ. من الخامسة، مات سنة 131/ت ق. تقريب 2/108، ميزان الاعتدال 3/345.
(6) مرة بن شراحيل الهمداني - بسكون الميم - أبو إسماعيل الكوفي هو الذي يقال له: مرة الطيب، ثقة عابد من الثانية، مات 76 وقيل بعد ذلك/ع.
تقريب (2/238)، الكاشف 3/131 هذا وفي جميع النسخ "مرة الطبيب" والصواب "الطيب" بالياء والباء فقط بعد الطاء، والتصحيح من التقريب والكاشف.(3/5)
وأوهى أسانيد العمريين: محمد بن القاسم بن عبد الله بن عمر عن حفص بن عاصم(1) بن عمر(2) عن أبيه(3) عن جده(4)، فإن محمدا والقاسم وعبد الله لم يحتج بهم.
وأوهى أسانيد أهل البيت: عمرو بن شمر(5) عن جابر الجعفي(6) عن الحارث الأعور(7) عن علي - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) كلمة "بن" من (ي) وفي نسخة (ر) "عن".
(2) لم أقف لمحمد بن القاسم على ترجمة.
(3) هو القاسم بن عبد الله بن عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، المدني متروك رماه أحمد بالكذب، من الثامنة، مات بعد الستين/ق. تقريب (2/118)، ميزان الاعتدال 3/371 وقال: "قال أحمد: ليس بشيء كان يكذب ويضع الحديث. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال مرة: كذاب. وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال الدارقطني: ضعيف".
(4) عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري ضعيف عابد تقدمت ترجمته. ثم إنه في جميع النسخ إلا (ي) "محمد بن أبي القاسم" وفيها جميعا "ابن أبي عمرة" والصواب ما أثبتناه والتصحيح من معرفة علوم الحديث والميزان والتقريب.
(5) عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد الله عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي. قال الجوزجاني: "زائغ كذاب" وقال ابن حبان: "رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات". وقال البخاري: "منكر الحديث".
ميزان الاعتدال (3/268)، كتاب المجروحين 2/75.
(6) جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي من الخامسة، مات سنة 127/د ت ق. تقريب 1/123 كتاب المجروحين 1/208 وقال: "من أصحاب عبد الله بن سبأ. قال: وقال زائدة: "أما جابر الجعفي فكان والله كذابا وكذبه أيوب".
(7) الحارث كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض. تقدمت ترجمته ص340.(3/6)
(وأوهى/(ي121) أسانيد أبي هريرة - رضي الله عنه -: السري بن إسماعيل(1) عن داود بن يزيد الأودي(2) عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -)(3).
وأوهى أسانيد عائشة - رضي الله تعالى عنها -: الحارث بن شبل(4) عن أم النعمان عن عائشة - رضي الله عنها -.
وأوهى أسانيد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: شريك(5) عن أبي فزارة(6) عن أبي زيد(7) عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) السري بن إسماعيل الكوفي صاحب الشعبي، قال يحيى بن قطان: "استبان لي كذبه في مجلس واحد" وقال النسائي: "متروك" وقال غيره: "ليس بشيء" وقال أحمد: "ترك الناس حديثه". ميزان الاعتدال 2/117، الضعفاء للنسائي ص292، كتاب المجروحين 1/355.
(2) داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو يزيد الكوفي عن أبيه والشعبي وعنه وكيع، كان ممن يقول بالرجعة، قال ابن معين: "كان ضعيفا" وضعفه أحمد، مات سنة 151. انظر كتاب المجروحين (1/289)، ميزان الاعتدال 2/21.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) الحارث بن شبل بصري عن أم النعمان الكندية، قال يحيى: "ليس بشيء" وضعفه الدارقطني، وقال البخاري: "ليس بمعروف". ميزان الاعتدال 1/434، الضعفاء للبخاري ص256.
(5) شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه، تقدمت ترجمته ص428.
(6) هو راشد بن كيسان العبسي - بالموحدة - أبو فزارة الكوفي ثقة، من الخامسة/بخ م ت ق. تقريب (1/240)، تهذيب التهذيب 3/227.
(7) أبو زيد مولى عمرو بن حريث لا يعرف، عن ابن مسعود وعنه أبو فزارة لا يصح حديثه، ذكره البخاري في الضعفاء، قال أبو أحمد الحاكم: "رجل مجهول" قلت: "ما له سوى حديث واحد". ميزان الاعتدال (4/526)، كتاب المجروحين 3/158. هذا وفي جميع النسخ "عن أبي يزيد" والصواب ما أثبتناه كما في الميزان وتهذيب التهذيب وكتاب المجروحين.(3/7)
(وأوهى أسانيد أنس - رضي الله عنه -: داود بن المحبر بن قحذم(1) عن أبيه(2) عن أبان (3) عن أنس - رضي الله عنه -)(4)
وأوهى أسانيد المكيين: عبد الله بن ميمون القداح(5) عن شهاب بن خراش(6) عن إبراهيم بن يزيد الخوزي(7) عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
وأوهى أسانيد اليمانيين: حفص بن عمر العدني(8) عن الحكم بن أبان(9) عن عكرمة عن بن عباس - رضي الله عنهما -.
__________
(1) داود متروك تقدمت ترجمته.
(2) هو المحبر بن قحذم والد داود ضعيف. ميزان الاعتدال 3/441.
(3) أبان بن أبي عياش أبو إسماعيل البصري الزاهد أحد الضعفاء. قال أحمد: "هو متروك الحديث". وقال يحيى بن معين: "متروك". وقال مرة: "ضعيف". وقال شعبة: "يكذب". ميزان الاعتدال 1/10-11، كتاب المجروحين 1/96.
(4) ما بين سقط من (ب).
(5) عبد الله بن ميمون القداح (ت) المكي. قال أبو حاتم: "متروك". وقال البخاري: "ذاهب الحديث". وقال ابن حبان: "لا يجوز أن يحتج بما انفرد به". وقال أبو زرعة: "واهي الحديث". ميزان الاعتدال 2/512، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/172.
(6) شهاب بن خراش بن حوشب الشيباني أبو الصلت الواسطي ابن أخي العوام بن حوشب نزل الكوفة له ذكر في مقدمة مسلم، صدوق يخطئ من السابعة/ د. تقريب 1/355، وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2/281.
(7) إبراهيم بن يزيد الخوزي (نسبة إلى شعبة الخوز بمكة) - بضم المعجمة وبالزاي - أبو إسماعيل المكي مولى بني أمية متروك الحديث، من السابعة مات سنة 151. تقريب 1/46، ميزان الاعتدال 1/75.
(8) حفص بن عمر بن ميمون العدني أبو إسماعيل لقبه: الفرخ - بالفاء وسكون الراء والخاء المعجمة - ضعيف في التاسعة/ ق. تقريب 1/188، ميزان الاعتدال 1/560.
(9) الحكم بن أبان العدني أبو عيسى، صدوق عابد وله أوهام من السادسة مات سنة 154/ ز4. تقريب 1/190 ميزان الاعتدال 1/569 وقال: "وثقه ابن معين والنسائي والعجلي" ورمز له بـ (4 م) .(3/8)
وأوهى أسانيد المصريين: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد(1) عن أبيه(2) عن جده(3) عن قرة بن عبد الرحمن(4) عن شيوخه.
__________
(1) أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري قال ابن عدي: "كذبوه وأنكرت عليه أشياء". ميزان الاعتدال 1/133.
(2) هو محمد بن الحجاج بن رشدين المهري عن أبيه عن جده، قال العقيلي: "في حديثه نظر". ميزان الاعتدال 3/510، المغني للذهبي 2/565.
(3) هو حجاج بن رشدين بن سعد المصري عن أبيه وحيوة بن شريح وعنه محمد بن عبد الله بن الحكم وغيره، ضعفه ابن عدي، مات سنة 211. ميزان الاعتدال 1/461، المغني للذهبي 1/49.
(4) قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل - بمهملة مفتوحة ثم تحتانية وزن جبرئيل - المعافري البصري (كذا ولعله المصري)، صدوق له مناكير من السابعة، مات سنة 147/ م 4. تقريب 2/125، المغني للذهبي 2/245 وفيه قال أحمد: "منكر الحديث جدا".(3/9)
وأوهى أسانيد الشاميين: محمد بن سعيد المصلوب(1)، عن عبيد الله بن زحر(2) عن علي بن زيد(3) عن القاسم(4) عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) محمد بن سعيد الدمشقي الشامي المصلوب في الزندقة. قال البخاري: "ترك حديثه". وقال النسائي وغيره: "كذاب". ومما وضع على أنس: "لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله". المغني للذهبي 2/585، التقريب 2/164 ورمز له بـ (ت ق) وفيه قال أحمد بن صالح: "وضع أربعة آلاف حديث". وقال أحمد: "قتله المنصور على الزندقة وصلبه"، من السادسة. هذا وفي كل النسخ محمد بن سعد والتصويب من المغني والتقريب.
(2) عبيد الله بن زحر بفتح الزاي وسكون المهملة الضمري مولاهم الإفريقي صدوق يخطئ من السادسة /بخ4. تقريب 2/533، المغني 2/415 وقال: "هو إلى الضعف أقرب".
(3) علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان ضعيف من الرابعة، مات سنة 131 وقيل قبلها/ بخ م 4. تقريب 2/47، ميزان الاعتدال 3/127-128. وفي جميع النسخ"علي بن يزيد" وهو خطأ والتصويب من الميزان والتقريب.
(4) ذكر في تهذيب الكمال القاسم بن عبد الرب في الرواة عن أبي أمامة ولم أقف له على ترجمة.(3/10)
وأوهى أسانيد الخراسانيين: عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة(1) وإبراهيم عن نهشل بن سعيد(2) عن الضحاك(3) عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
قلت: وهذا(4) الذي ذكره الحاكم وتبعه من ذكر عليه غالبه لا تنتهي نسخته إلى الوصف بالوضع، وإنما هو بالنسبة إلى اشتمال(5) الترجمة على اثنين فأزيد من الضعفاء.
ووراء هذه التراجم نسخ كثيرة موضوعة هي أولى بإطلاق أوهى الأسانيد كنسخة أبي هدبة إبراهيم بن هدبة(6) ونعيم بن سالم بن قنبر(7) ودينار أبي مكيس(8)
__________
(1) عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة النيسابوري عن عكرمة بن عمار قال الحاكم أبو عبد الله: "الغالب على روايته المناكير". المغني للذهبي 1/345، ميزان الاعتدال 2/454.
(2) نهشل بن سعيد (ق) البصري عن الضحاك بن مزاحم وغيره قال إسحاق بن راهويه: "كان كذابا" وقال أبو حاتم والنسائي: "متروك" وقال يحي والدار قطني: "ضعيف". ميزان الاعتدال 4/275، تقريب التهذيب 2/207 وقال: "بصري الأصل سكن خراسان متروك وكذبه إسحاق بن راهويه من السابعة /ق.
(3) الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير الإرسال من الخامسة، مات بعد المائة/4. تقريب 1/373، وانظر ميزان الاعتدال 2/325.
(4) في كل النسخ وهو وفي (ر) فوق كلمة وهو (هذا) وهو الذي يستقيم به الكلام.
(5) في كل النسخ إلى أمثال وفي (ر) فوق كلمة أمثال (ظ اشتمال) وهو الذي يقتضيه السياق.
(6) إبراهيم بن هدبة أبو هدبة البصري ساقط متهم قال الدار قطني: "متروك". وقال أبو حاتم: "كذاب". المغني للذهبي 1/29، كتاب المجروحين 1/114 وقال: "دجال من الدجاجلة".
(7) لم أقف على ترجمة.
(8) دينار أبو مكيس ساقط قال ابن حبان: "يروي عن أنس أشياء موضوعة".
المغني للذهبي 1/224 وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2/30.(3/11)
وسمعان(1) وغير هؤولاء من الشيوخ المتهمين بالوضع كلهم عن أنس - رضي الله تعالى عنه -. ونسخة يرويها بقية(2) عن مبشر بن عبيد(3) عن حجاج بن أرطاة(4) عن الشيوخ ومبشر/(65/أ) متهم بالكذب والوضع.
ونسخة رواها إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي(5) عن أبيه(6)
__________
(1) سمعان بن مهدي عن أنس بن مالك حيوان لا يعرف ألصقت به نسخة مكذوبة رأيتها قبح الله من وضعها. ميزان الاعتدال 2/234.
(2) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي أبو يحمد - بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم - صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة. مات سنة 197/خت م 4.
تقريب 1/105، كتاب المجروحين 1/200 وفيه: "ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين...".
(3) مبشر بن عبيد الحمصي أبو حفص، كوفي الأصل، متروك رماه أحمد بالوضع، من السابعة، له في ابن ماجه حديث واحد في غسل الميت/ ق.
تقريب 2/228، ميزان الاعتدال 3/433 وفيه: "قال أحمد: كان يضع الحديث. وقال البخاري: "وى عنه بقية، منكر الحديث".
(4) حجاج بن أرطاة - بفتح الهمزة - ابن ثور بن هبيرة النخعي أبو أرطاة الكوفي. القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة. مات سنة 145/ بخ م 4. تقريب 1/152، وانظر ميزان الاعتدال 1/452.
(5) إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي، قال الدارقطني: "متروك". وقال ابن حبان: "يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة وأبوه أيضا لا شيء". ميزان الاعتدال 1/51، كتاب المجروحين 1/112.
(6) هو عمرو بن بكر السكسكي الرملي عن ابن جريج: واه. قال ابن عدي: "له أحاديث مناكير عن الثقات". وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات الطامات". قال الذهبي: "قلت: أحاديثه شبه الموضوعة". ميزان الاعتدال 3/248، كتاب المجروحين 2/78.
وقال: "يروي عن إبراهيم بن أبي عبلة وابن جريج وغيرهما من الثقات الأوابد والطامات التي لا يشك من هذا الشأن صناعته أنها معمولة أو مقلوبة".(3/12)
عن عبد العزيز بن أبي رواد(1) عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - وإبراهيم متهم بالوضع/(ه72/أ) وأبوه/(ي122) متروك الحديث.
ونسخة رواها أبو سعيد(2) أبان بن جعفر البصري أوردها كلها من حديث أبي حنيفة وهي نحو ثلاثمائة حديث، ما حدث أبو حنيفة منها بحديث، وفي سردها كثرة.
ومن أراد استيفاءها فليطالع كتابي لسان الميزان(3) الذي اختصرت فيه كتاب الذهبي في أحوال الرواة المتكلم فيهم وزدت فيه تحريرا وتراجم على شرطه - والله الموفق -.
48- قوله (ص): "وهلم جرا"(4).
قرأت بخط أبي يعقوب النجيرمي: أن أصله مأخوذ من سوق الإبل (يعني سيروا على هينتكم لا تجهدوا أنفسكم) أخذا من الجر في السوق وهو أن تترك الإبل ترعى في السير.
__________
(1) عبد العزيز بن أبي رواد - بفتح الراء وتشديد الواو - صدوق عابد ربما وهو ورمي بالإرجاء، من السابعة، مات سنة 159/خت 4. تقريب (1/509)، كتاب المجروحين 2/136 وفيه: "فروى عن نافع أشياء لا يشك من الحديث صناعته إذا سمعها أنها موضوعة كان يحدث بها توهما لا تعمدا". وقال أبو حاتم: "روى عبد العزيز عن نافع عن ابن عمر نسخة موضوعة".
(2) أبان بن جعفر أبو سعيد البصري قال ابن حبان: "أتيته فوجدته قد وضع أكثر من ثلاثمائة حديث". ديوان الضعفاء للذهبي ص8. وذكره الحافظ في لسان الميزان 1/21 وقال: "كذا سماه ابن حبان وصحفه وإنما هو أباء بهمزة لا بنون، ثم أورده مرة أخرى باسم أباء بن جعفر أبو سعيد شيخ بصري تالف متأخر. وقد خفف الباء أبو بكر الخطيب وقال ابن ماكولا إنما هو بالتشديد والقصر". لسان الميزان 1/27.
(3) لم يذكر الحافظ في لسان الميزان من هذه الأحاديث التي أشار إليها إلا حديثا واحدا بإسناد أبان هذا إلى أبي حنيفة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا: "الوتر في أول الليل مسخطة للشيطان، وأكل السحور مرضاة للرحمن ...". ثم قال الحافظ: "وقد أكثر أبو الحارثي عنه في مسند أبي حنيفة".
(4) مقدمة ابن الصلاح ص350.(3/13)
[إعراب هلم جرا:]
أما إعرابها فقال ابن الأنباري(1): في نصبه ثلاثة أوجه:
الأول: هو مصدر في موضع الحال أي هلم جارين أي متأنين كقولهم: جاء عبد الله مشيا وأقبل ركضا.
والثاني: هو مصدر على بابه لأن هلم جرا [بمعنى](2) جروا جرا.
والثالث: أنه منصوب على التمييز.
قال: ويقال للرجل: هلم جرا وللرجلين هلما جرا وللجمع هلموا جر. والاختيار الإفراد في الجميع؛ لأن هلم ليست [فعلا](3) تتصرف، وبه جاء القرآن في قوله تبارك وتعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}(4).
49- قوله (ص)(5): "والملحوظ فيما نورده (أي فيما يأتي) عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص(6) أنواع التقسيم الذي فرغنا منه الآن".
وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو أنه ذكر في أول الكتاب أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ثم سمى الأقسام الثلاثة أنواعا، ثم ذكر بعد ذلك أشياء أخر سماها أنواعا، فأين صحة دعوى الحصر في الثلاثة(7).
والجواب: بأن هذه الأنواع التي يذكرها بعد(8) الثلاثة المراد/(ه72/ب) بها أنواع علم الحديث لا أنواع أقسام الحديث.
وحاصله: أن الأنواع في الحقيقة ترجع/(ر65/ب) إلى تلك الثلاثة:
منها ما يرجع إلى أحدها.
ومنها ما يرجع إلى المجموع وذلك واضح - والله أعلم -.
__________
(1) هو الحافظ العلامة شيخ الأدب أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي كان من أفراد الدهر في سعة الحفظ مع الصدق والدين. قال أبو علي القالي: "كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن". أخذ عنه الدارقطني وأقرانه، له مصنفات كثيرة منها الأضداد، وكتاب شرح الكافي، وغريب الحديث في خمس وأربعين ألف ورقة، مات سنة 328. تذكرة الحفاظ 3/842، معجم المؤلفين 11/143.
(2) الزيادة من (ي).
(3) الزيادة من (ي) وهامش (ر/أ).
(4) من الآية (18) من سورة الأحزاب.
(5) مقدمة ابن الصلاح (ص38).
(6) كلمة "لا" سقطت من (ه).
(7) ما بين قوسين ليس في (ر).
(8) كلمة "بعد" سقطت من (ر/ب).(3/14)
النوع/(ي123) الرابع: المسند
29- قوله (ع): "وإنما حكى (يعني ابن الصلاح) كلام الخطيب، ثم قال: وأكثر ما يستعمل في ذلك..."(1) إلى آخر كلامه.
أقول: مقتضاه أن يكون في السياق إدراجا، وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها.
وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية: "وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم"(2). انتهى
فذكر [هذا](3) كله ابن الصلاح بالمعنى.
وقوله: "وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -".
هو معنى قول الخطيب: "إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة"(4).
[المسند عند الخطيب:]
فالحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال، وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال، فمن لازم ذلك أن الموقوف إذا اتصل سنده يسمى مسندا، ففي الحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند والمتصل إلا في غلبة الاستعمال فقط.
[المرسل عند ابن عبد البر:]
__________
(1) التقييد والإيضاح ص64 وتمام كلام ابن الصلاح: "فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم". مقدمة ابن الصلاح ص39.
(2) الكفاية ص21.
(3) كلمة "هذا" من (ي) وسقطت من باقي النسخ.
(4) سبب هذه المناقشة أن ابن الصلاح نقل كلام الخطيب بشيء من التصرف فاعترض عليه بعض النقاد بأنه ليس في كلام الخطيب: "دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم" فأجاب عنه العراقي بأن ابن الصلاح لم يصرح بنقله عنه وإنما حكى كلام الخطيب ثم قال: "وأكثر ما يستعمل" ثم تعقب الحافظ شيخه بما ترى.(3/15)
وأما ابن عبد البر فلا فرق عنده بين المسند والمرفوع مطلقا(1) فيلزم على قوله أن يتحد المرسل والمسند(2).
وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند، فيقولون: "أسنده فلان وأرسله فلان".
وأما الحاكم وغيره ففرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع، بأن المرفوع ينظر إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد، فحيث/(ب149) صح إضافته إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -كان مرفوعا سواء اتصل سنده أم لا.
ومقابله المتصل؛ فإنه ينظر إلى حال السند مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أو موقوفا.
وأما المسند فينظر فيه/(ي124) إلى الحالين معا، فيجتمع شرطا(3) الاتصال والرفع، فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق، فكل مسند مرفوع وكل مسند متصل ولا عكس فيهما.
__________
(1) قال ابن عبد البر في التمهيد 1/21: "وأما المسند فهو ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة" وقد ضرب عددا من الأمثلة للمتصل من المسند والمنقطع منه.
(2) بل صرح ابن عبد البر أن المنقطع داخل في المسند وضرب له أمثلة: مثل مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر التمهيد 1/22.
(3) في (ي) و(ر/ب) "شرطي" وهو خطأ.(3/16)
على هذا رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني(1)، وأبو الحسن ابن الحصار(2) في (المدارك) له والشيخ تقي الدين في الاقتراح والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند عندهم ما أضافه من سمع النبي- صلى الله عليه وسلم -[إليه](3) بسند ظاهره الاتصال.
[تعريف المسند:]
فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا أو تحمل كفره وأسلم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[لكنه يخرج](4) من لم يسمع كالمرسل (والمعضل)(5).
وبسند يخرج ما كان بلا سند.
كقول القائل من المصنفين قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -فإن هذا من قبيل المعلق، وظهور الاتصال يخرج المنقطع، لكن يدخل منه ما فيه انقطاع خفي كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا ومن تأمل مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور.
__________
(1) هو: الحافظ الإمام شيخ الإسلام أبو عمرو: عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي مولاهم القرطبي المقرئ صاحب التصانيف، بلغت مصنفاته مائة وعشرين مصنفا منها كتاب التيسير والتمهيد والاقتصاد كلها في القراءات، مات سنة 444. تذكرة الحفاظ 3/1120، طبقات المفسرين للداودي 1/373، معجم المؤلفين 6/254.
(2) هو: العلامة علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الخزرجي الفاسي المعروف بابن الحصار أبو الحسن، عالم مشارك في بعض العلوم، من آثاره: البيان في تنقيح البرهان والمدارك في وصل مقطوع حديث مالك، مات سنة 611.
معجم المؤلفين 7/228، هدية العارفين 1/705.
(3) الزيادة في (ي).
(4) الزيادة من (ي).
(5) الزيادة من فتح المغيث 1/100 نقلا عن الحافظ لهذا النص. وفي كل النسخ "ومن لم يسمع يخرج المرسل والمعضل" فآثرنا ما في فتح المغيث لأن قوله: "ومن لم يسمع" ليس بوارد في التعريف حتى يخرج به ما ذكر ثم هو في نفس الوقت لا يصلح قيدا للتعريف.(3/17)
وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت/(ه73/ب) عبارته: "والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه (لسن يحتمله)(1) وكذا سماع شيخه من شيخه متصلا إلى صحابي [مشهور](2) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3)، فلم يشترط حقيقة الاتصال(4) بل اكتفى بظهور ذلك. كما قلته تفقها، والحمد لله.
وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السلامة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك، والله أعلم(5).
وأمثلة هذا في تصرفهم كثيرة من ذلك:
قل ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن خالد بن كثير يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟" فقال: "ليست له صحبة". قال: فقلت: "إن أحمد بن سنان أخرج حديثه في المسند". فقال [أبي](6): "خالد بن كثير من أتباع التابعين، فكيف يخرج حديثه في المسند؟".
وقال البيهقي عقب حديث رواه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن النبي - صلى الله عليه وسلم – "هذا حديث غير مسند".
النوع/(ي125) الخامس: المتصل
50- قوله (ص): "ويقال له: الموصول"(7).
قلت: ويقال له المؤتصل - بالفك والهمز -.
__________
(1) في كل النسخ "ليس يحمله" والتصحيح من معرفة علوم الحديث.
(2) هذه الكلمة من معرفة علوم الحديث من نص الحاكم.
(3) معرفة علوم الحديث ص17.
(4) قول الحافظ: "فلم يشترط حقيقة الاتصال" فيه نظر وذلك أن الحاكم بعد تعريفه السابق للمسند ضرب مثالا للمتصل ثم للمنقطع ثم قال: "ثم للمسند شرائط غير ما ذكرناه منها أن لا يكون موقوفا ولا مرسلا ولا معضلا ولا في روايته مدلس". معرفة علوم الحديث ص18.
(5) نقل الصنعاني هذا الكلام عن الحافظ من قوله: "والذي يظهر لي..." إلى هنا. توضيح الأفكار 1/255.
(6) الزيادة من (ي) و(ر/أ).
(7) مقدمة ابن الصلاح ص40.(3/18)
وهي عبارة الشافعي في الأم في مواضع(1).
وقال ابن الحاجب في التصريف له: "هي لغة الشافعي وهي عبارة عن ما سمعه كل راو من شيخه في سياق الإسناد من أوله إلى منتهاه". فهو أعم من المرفوع، كما قررناه وسيأتي شرح صيغ ذلك إن شاء الله تعالى.
تنبيه:
اعلم أن الشيخ أول ما ذكر ما ينظر فيه إلى الإسناد والمتن معا وهو المسند، ثم تلاه بما ينظر فيه/(ر66/ب) إلى الإسناد فقط وهو الاتصال فكان ينبغي أن يتلوه بما ينظر فيه إلى الإسناد فقط أيضا وهو الانقطاع، ولكنه كما قلنا غير مرة إنه لم يراعي فيه تحسين/(ب151) الترتيب.
النوع السادس: المرفوع
51- قوله (ص)(2) : "هو والمسند عند قوم سواء".
يعني ابن عبد البر كما تقدم في الكلام على المسند فكان ينبغي أن يذكر نظير هذا في المتصل ولا فرق.
52- قوله (ص)(3): حكاية عن الخطيب: "المرفوع: ما أخبر في الصحابي عن قول النبي- صلى الله عليه وسلم -وفعله(4)" فخصه بالصحابة - رضي الله عنهم -، فيخرج عنه مرسل التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: يجوز أن يكون الخطيب أورد ذلك على سبيل المثال لا على سبيل التقييد فلا يخرج عنه شيء، وعلى تقدير أن يكون أراد جعل ذلك قيدا فالذي يخرج عنه أعم من مرسل التابعي، بل يكون كل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسمى مرفوعا إلا إذا ذكر فيه الصحابي - رضي الله عنه -.
والحق خلاف ذلك بل الرفع كما قررناه إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد، - والله أعلم -.
النوع السابع: الموقوف
__________
(1) بحثت في الأم لأجد بعض الأمثلة فلم أجد، ثم بحثت في الرسالة فوجدت قول الشافعي رحمه الله في ص464 فقرة 1275: "ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به (أي بالمرسل) ثبوتها بالموتصل". وقد عبر الشافعي بـ "الموتفق" بدل "المتفق". انظر الفقرات 569، 574، 662 من الرسالة.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص41.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص41.
(4) الكفاية للخطيب ص21.(3/19)
53- قوله/(ي126) (ص): "وهو ما يروى عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من أقوالهم وأفعالهم"(1).
أما أقوالهم فالمراد به هنا ما خلت(2) عن قرينة تدل على أن حكم ذلك الرفع كما سيأتي.
وأما أفعالهم المجردة فهل تكون أحكاما عند من يحتج بقول الصحابي - رضي الله عنه - أم لا؟ فيه نظر، ثم إنه سكت عما يعمل أو يقال بحضرتهم فلا ينكرونه والحكم فيه أنه إذا نقل في مثل ذلك حضور أهل الإجماع فيكون نقلا للإجماع، وإن لم يكن فإن خلا عن سبب مانع من/(ب152) السكوت والإنكار فحكمه حكم الموقوف، والله أعلم.
تنبيه:
شرط الحاكم(3) في الموقوف أن يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي - رضي الله عنه -/(ه74/ب) وهو شرط لم يوافقه عليه أحد والله أعلم.
54- قوله (ص): "وموجود في اصطلاح الفقهاء الخرسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر"(4).
[ما المراد بالأثر:]
هذا قد وجد في عبارة الشافعي - رضي الله عنه - في مواضع(5). والأثر في الأصل العلامة والبقية والرواية ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا(6).
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص21- 42.
(2) في (ر/ب) "ما خلت به".
(3) في معرفة علوم الحديث ص19 قال رحمه الله: "وشرحه (يعني الموقوف) أن يروي الحديث إلى الصحابي من غير إرسال ولا إعضال...".
(4) مقدمة ابن الصلاح ص42 وقال بعده: "قال أبو القاسم الفوراني منهم (أي من الخرسانيين) فيما بلغنا عنه الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم".
(5) من المواضع التي قالها الحافظ ما ذكره عن الشافعي في الرسالة ص218 فقرة 597 حيث قال: "وأما القياس فإنما أخذناه استدلالا بالكتاب والسنة والآثار". وص508 فقرة 1468 حيث قال: "وجهة العلم الكتاب والسنة والآثار".
(6) التقريب للنووي مع تدريب الراوي ص109.(3/20)
ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه (تهذيب الآثار) وهو مقصور/(ر67/أ) على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا.
وأما كتاب (شرح معاني الآثار) للطحاوي فمشتمل على المرفوع والموقوف - أيضا - والله تعالى الموفق.
النوع الأول: المقطوع
55- قوله (ص): "يقال- في جمعه - : المقاطيع والمقاطع"(1).
( يعني كالمسانيد والمساند).
والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعن الكوفيين و الجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك.
وذكر الخطيب أن الفائدة في كتابة المقاطيع ليختير المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن جملتهم - والله أعلم -.
56- قوله (ص): "وغيرهما"(2) عنى به الدارقطني والحميدي.
فقد وجد التعبير في كلاهما بالمقطوع/(ي127) في مقام المنقطع(3).
وأفاد شيخنا في منظومته (4) أنه وجد التعبير بالمنقطع ( في كلام البرديجي ) (5) في مقام المقطوع على عكس الأول، وسيأتي نقل المصنف لذلك مبها لقائله - والله أعلم -.
__________
(1) مقدمة ابن صلاح ص 42.
(2) مقدمة ابن الصلاح 43 حيث قال: وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الإمام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما.
(3) انظر التبصرة شرح ألفية العراقي له 1/124.
(4) قال العراقي في ألفيته ص 26:
وسم بالمقطوع قول التابعي
وفعله وقد رأى للشافعي
تعبيره به عن المنقطع
قلت وعكسه اصطلاح البردعي
(5) ما بين القوسين من إصلاحي لأن استقامة الكلام متوقفة عليه إذ الوارد في كل النسخ "وجد التعبير بالمنقطع في مقام البرديجي في مقام المقطوع".(3/21)
57- قوله (ص): "قول الصحابي - رضي الله عنه -: كنا نفعل"(1) إلى آخره.
حاصل كلام حكاية قولين:
أحدهما: أنه موقفا جزما.
وثانيهما: التفصيل بين أن يضيفه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون/(ه75/أ) مرفوعا. وبه صرح الجمهور (2) .
ويدل عليه احتجاج أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي فقال: "كنا نعزل والقرآن ينزل لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"(3) .
وهو الاستدلال واضح، لأن الزمان كان زمان التشريع.
وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف.
[ مذاهب العلماء في قول الصحابي كنا نفعل كذا: ]
وأهمل المصنف مذاهب:
الأول: أنه مرفوع مطلقا وقد حكاه شيخنا (4) وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما و أكثر منه البخاري.
الثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا.
وبه (5) قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (6) .
وزاد ابن السمعاني في كتب القواطع (7)
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 43 وتمام الكلام " أو كنا نقول: كذا إن لم يضفه إلى زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو من قبيل الموقوف، وإن أضافه إلى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالذي قطع أبو عبد الله ابن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع.
(2) انظر مقدمة النووي لشرح مسلم 1/20.
(3) في كتاب النكاح 96- باب العزل حديث 5208، 5209، م 16 كتب 22 - باب حكم العزل حديث 136، جه 9- كتاب النكاح 30 - باب العزل حديث 1927، ت 9 - كتاب النكاح 39 باب ما جاء في العزل حديث 1136، حم 3/309.
(4) التقيد و الإيضاح ص 67 ونسبه إلى الحاكم والرازي والآمدي.
(5) في (ر/ب) "ومنه" وهو خطأ.
(6) انظر المجموع للنووي 1/98.
(7) هو منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي أبو المظفر محدث مفسر أصولي من تصانيفه القواطع في أصول الفقه في الحديث مات سنة 489.
معجم المؤلفين 13/20، والنجوم الزاهرة 5/160.(3/22)
فقال: "إذا قال الصحابي: كانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان مما لا يخفى مثله، فيحمل على تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكونا شرعا".
وإن كان مثله يخفى فإن تكرر منهم حمل أيضا - على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى - والله أعلم -.
الثالث: إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فموقوف حكاه القرطبي (1) .
قلت: وينقدح أن يقال إن كان قائل "كنا نفعل"/(ب154) أهل الاجتهاد احتمل أن يكون موقوفا وإلا فهو مرفوعا ولم أر من صرح بنقله.
قلت: ومع كونه موقوفا فهل هو من قبيل نقل الإجماع أو لا؟ فيه خلاف مذكور في الأصول جزم بعضهم بأنه إن كان في اللفظ ما يشعر به مثل: كان الناس يفعلون كذا فمن قبيل نقل الإجماع و إلا فلا.
تنبيهات:
الأول: قول الصحابي - رضي الله عنه - كنا/(ي128) نرى كذا - ينقدح فيها(2) من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله/(ه75/ب) كنا نقول أو نفعل لأنها(3) من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا (4) أو استنباطا.
الثاني: قوله: كان يقال: كذا.
قال الحافظ المنذري: اختلفوا هل يلتحق بالمرفوع أو الموقوف؟
قال: والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعا.
قلت: ومما يؤيد أن حكمها الرفع مطلقا ما رواه النسائي (5) من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال:
"كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر".
__________
(1) نقل الصنعاني هذا النص من وقوله: وأهمل المصنف مذاهب إلى هنا لكن بقوله بقي مذاهب.
(2) في (و) "فيه".
(3) أنث الضمير باعتبار قوله " كنا نرى " صيغة من صيغ النقل.
(4) من " ر " وفي " ب " تبعيضا وهو خطأ.
(5) السنن 4/154.(3/23)
فإن(1) ابن ماجه (2) رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - و الله أعلم -.
__________
(1) كلمة فإن من " ي " وفي باقي النسخ و ابن ماجه.
(2) السنن 7 - كتاب الصيام 11 - باب ما جاء في الإفطار في السفر حديث 1666، أما النسائي فأخرجه من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، ثم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف؛ لأن أبا سلمة وحميدا لم يدركا أباهما عبد الرحمن بن عوف. انظر ترجمة أبي سلمة في تهذيب التهذيب 12/115، 118 وترجمة حميد في تهذيب التهذيب - أيضا - ( 3/45 - 46. وأما ابن ماجه فأخرجه من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعا، ثم قال بعده... قال أبو إسحاق هذا الحديث ليس بشيء، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا وأسامة متفق على ضعفه. قاله الهيثمي مجمع الزوائد، كما نقله محقق الكتاب. هذا ومما ينبغي أن ينبه عليه أنه ليس في النسائي كان يقال وإنما فيه من طريق واحدة يقال: الصيام في السفر... ومن طريقتين أخريين عن عبد الرحمن بن عوف قال: الصيام في السفر .. الحديث، فهو صريح من هذين الطريقين أنه موقوف على عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -. ففي استدلال الحافظ نظر من جهتين: الأولى أن الحديث في النسائي واضح من طريقين أن موقوف ومن طريق واحدة قال يقال وليس فيها كان يقال وفرق بين العبارتين.
الثانية: أن الرفع في رواية ابن ماجه لم يأت في نظري بناء على هذه الصيغة من صيغ الرفع، و إنما منشأ هذا هو وهم أسامة ابن زيد على الزهري حيث رفع عنه حديثا المعروف عنه وقفه، فهي رواية منكرة لاتفاق المحدثين على ضعف أسامة، وقد خالف ابن أبي ذئب الثقة الفقيه الذي رواه عن الزهري موقوفة.(3/24)
الثالث: لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات، بل يلتحق به النفي كقولهم: كانوا لا يفعلون كذا . ومنه قول عائشة - رضي الله عنها - "كانوا لا يقطعون اليد في الشيء التافه" - و الله أعلم - .
58- قوله (ص)(1) : "وذكر الخطيب نحو ذلك في جامعه (يعني حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -) كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - /(ب 155) يقرعون بابه بالأظافير".
اعترض عليه مغلطاي، بأن الخطيب ، إنما رواه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
قلت: وهو اعتراض ساقط، لأن المصنف إنما قصد أن الحاكم(2) والخطيب (3) ذكرا أن ذلك من قبيل الموقوف، وإن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه/(ر 68/أ).
وقد حقق المصنف المناط فيه بما حاصله : أن له جهتين:
أ - جهة الفعل وهو صادر من الصحابة - رضي الله عنهم - فيكون موقوفا.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 44.
(2) أما الحاكم فأخرج حديث المغيرة المذكورة في معرفة علوم الحديث ص 19.
(3) وأما الخطيب، فذكر حديث أنس في الجامع ( ل 26). فقال ابن الصلاح: " وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال: " وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير " إن هذا يتوهمه من ليس من اهل الصنعة مسندا ( يعني مرفوعا) لذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، وليس بمسند، بل هو موقوف. وذكر الخطيب نحو ذلك في جامعه " هذا كلام ابن الصلاح فاعترض مغلطاي بما ذكره الحافظ والحق أن مغلطاي معذور و أن له الحق أن يعترض، لأن كلام ابن الصلاح يوهم أن الخطيب ذكر حديث المغيرة وتكلم عليه بنحو كلام الحاكم، وقد فهم البلقيني كما فهم مغلطاي، فقال: فائدة: ما ذكر الخطيب أنه ذكر في جامعه نحو كلام الحاكم لم أقف عليه في جامع الخطيب فلينظر، نعم وجدت في جامع الخطيب حديث القرع بالأظافير من حديث أنس و لم يتعرض لقوله موقوفا". محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ص 127.(3/25)
ب - وجهة التقرير وهي مضافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث أن فائدة قرع هـ 76/أ بابه أنه يعلم أنه قرع.
ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكار ذلك على فاعله - التقرير على ذلك الفعل فيكون مرفوعا.
لكن يخدش في كلام المصنف أنه/(ي 129) يلزمه أن يكون جميع قسم التقرير أن يسمى موقوفا، لأن فاعله غير النبي صلى الله عليه وسلم قطعا وإلا فما اختصاص حديث القرع بهذا الإطلاق(1)؟
تنبيه:
الظاهر أنهم إنما كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا و إجلالا.
وقيل: إن بابه لم يكن له حلق يطرق بها قاله السهيلي(2) . و الأول أولى - والله أعلم -.
59- قوله (ص)(3): "وخالف في ذلك فريق منهم : الإسماعيلي" (يعني في كون قول الصحابي - رضي الله عنه - أمرنا بكذا ونحوه مرفوعا).
قلت: من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخي (4) من الحنفية.
__________
(1) قد التزم هذا ابن الصلاح و لم يخصه بحديث القرع قال: " ...بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى والله أعلم " ، مقدمة ابن الصلاح ص 44.
(2) هو: الحافظ العلامة البارع أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي المالقي الضرير له مؤلفات منها: الروض الأنف، كتاب الفرائض، وكان إماما في لسان العرب مات سنة 581. تذكرة الحفاظ 4/1348، ومعجم المؤلفين 50/147).
(3) مقدمة ابن الصلاح ص 45.
(4) هو عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي الحنفي أبو الحسن فقيه أديب من تصانيفه: المختصر وشرح الجامع الكبير. مات سنة 340. معجم المؤلفين 6/239، كشف الظنون 1/563.(3/26)
وعلل ذلك بأنه متردد بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أمر القرآن أو الأمة أو بعض الأئمة أو القياس أو الاستنباط (1) وسوغ(2) إضافته إلى صاحب الشرع بناء على أن القياس مأمور باتباعه/(ب 156) من الشارع. قال: وهذه الاحتمالات تمنع كونه مرفوعا.
وأجيب بأن هذه الاحتمالات بعيدة، لأن أمر الكتاب ظاهر للكل فلا يختص بمعرفته الواحد دون غيره.
وعلى التقدير التنزل فهو مرفوع، لأن الصحابي وغيره إنما تلقوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأمر الامة لا يمكن الحمل عليه لأنهم لا يأمرون أنفسهم.
وبعض الأئمة إن أراد الصحابة فبعيد، لأن قوله ليس بحجة (3) على غيره منهم(4).
وإن أراد من الخلفاء فكذلك، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام فيجب/(ه 76/ب) حمله على من صدر عنه الشرع.
قلت: إلا أن يكون قائل ذلك ليس مجتهدي الصحابة فيحتمل أن يريد بالأمر أحد المجتهدين/(ر 68/ب) منهم - و الله أعلم -.
وأما حمله على القياس والاستنباط فبعيد، لأن قوله: أمرنا بكذا يفهم منه حقيقة الأمر ( لا خصوص الأمر باتباع القياس )(5).
تنبيهات:
الأول: قيل: محل الخلاف في هذه المسألة فيما إذا كان قائل ذلك من الصحاية غير/(ي 130) أبي بكر رضي الله عنه وعنهم.
أما إذا قال أبو بكر رضي الله عنه فيكون مرفوعا قطعا.
لأن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمره و لا ينهاه، لأنه تأمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجب على غيره امتثال أمره.
__________
(1) انظر حاشية السعد على شرح العضد لمختصر المنتهى لابن الحاجب 2/68،69، المجموع للنووي 1/97.
(2) من (ي) وفي (ر) (وثبوت) وفي (ه) ، (وسوى) وفي (ب) و(من).
(3) من (ر) وفي (ب) و (ه) حجة.
(4) من (ر) وفي (ه) و (ب) فيهم خطأ.
(5) ما بين قوسين في فتح المغيث 1/110 لأن في كل النسخ لأن الأمر مطلق باتباع حكم القياس وهو كلام غير صحيح المعنى ولا مستقيمه.(3/27)
حكى هذا المذهب أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول (1). وهو مقبول.
الثاني: لا اختصاص لذلك بقوله: أمرنا أو نهينا.
بل يلحق به ما إذا قال: أمر فلان بكذا أو نهى فلان عن (2) كذا أو أمر أو نهي بلا إضافة وكذا ب 157 مثل قول عائشة - رضي الله عنها - "كنا نؤمر بقضاء الصوم ..."(3) الحديث.
وأما إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - أوجب علينا كذا أو حرم علينا كذا أو أبيح لنا كذا، فهو مرفوع. ويبعد تطرق الاحتمالات المتقدمة إليه بعدا قويا جدا.
الثالث: إذا قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا أو سمعته يأمر بكذا، فهو مرفوع بلا خلاف، لانتفاء الاحتمال المتقدم. لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره عن داود وبعض المتكلمين أنه لا حجة حتى ينقل لفظه لاختلاف الناس في صيغ الأمر و النهي فيحتمل أن يكون صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليس كذلك في نفس الأمر (4).
وأجيب بأن الظاهر/(77/أ) من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي من غير شك نفيا للتلبيس عنه بنقل ما يوجب على سامعه اعتقاد الأمر والنهي فيما ليس هو أمر ولا نهي.
الرابع: نفي الخلاف المذكور عن أهل الحديث، فقال البيهقي: "لا خلاف بين أهل النقل أن الصحابي - رضي الله عنه - إذا قال : أمرنا أو نهينا أو السنة كذا أنه يكون حديثا مسندا - والله أعلم".
[ قول الصحابي من السنة كذا : ]
__________
(1) 94:1).
(2) كلمة (عن) ليست في جميع النسخ وألحقت في (ر/أ) استظهارا.
(3) م 3 -كتاب الحيض 15- باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة حديث 69، د1- كتاب الطهارة 105 - باب في الحائض لا تقضي الصلاة حديث 263، حم 6/232.
(4) انظر مقدمة ابن الأثير لجامع الأصول 1/92 فقد عزاه لبعض أهل الظاهر وانظر أحكام الأحكام لابن حزم 1/194 فما بعدها والمسودة لآل تيمية ص 293 وعزاه لداود والمتكلمين حكاية عن أبي الطيب الشافعي.(3/28)
60- قوله (ص ): "وهكذا قول الصحابي - رضي الله عنه- "من السنة كذا فالأصح أنه مرفوع..."(1) إلى آخره.
قال القاضي أبو الطيب: "هو ظاهر مذهب الشافعي - رضي الله عنه- لأنه/(ي131) اجتمع على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - على جنازة وقراءته بها وجهره".
وقال: "إنما فعلت لتعلموا أنها سنة"(2) .
وكذا جزم السمعاني بأنه مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه.
وقال ابن عبد البر: "إذا أطلق الصحابي - رضي الله تعالى عنه - السنة فالمراد بها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم: سنة العمرين".
ومقابل الأصح خلاف الصيرفي (3) من الشافعية والكرخي (4) والرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري (5) . بل حكاه إمام الحرمين في البرهان عن المحققين.
وجرى عليه ابن القشريري(6)، وجزم ابن فورك وسليم الرازي وأبو الحسين بن القطان والصيدلاني (7) من الشافعية - بأنه الجديد من مذهب الشافعي - رضي الله عنه-.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 45.
(2) الأم (1/271).
(3) هو: أبو بكر : محمد بن عبد الله البغدادي المعروف بالصيرفي كان إمام في الفقه والأصول له تصانيف منها: شرح الرسالة وله كتاب في الشروط مات سنة 330. الأسنوي طبقات الشافعية 2/122، اللباب 2/254.
(4) انظر حاشية السعد على شرح العضد للمنتهى الأصولي (2/69)، شرح الألفية للعراقي(1/126)، المسودة لآل تيمية ص 294.
(5) انظر إحكام الأحكام 1/194.
(6) هو أبو نصر عبد الرحيم ابن الأستاذ عبد الكريم القشيري أصولي مفسر له مقامات و الآداب توفي سنة 514.
الأسنوي طبقات الشافعية 2/302، الأعلام 4/120.
(7) هو: محمد بن داود بن محمد المروزي المعروف بالصيدلاني نسبة إلى بيع العطر وبالداودي نسبة إلى أبيه له شرح على مختصر وشرح فروع ابن الحداد. الأسنوي طبقات الشافعية 2/229 ولم يذكر الأسنوي وفاته فقال المحقق لكتابه قال ابن هداية الله: توفي في حدود 427هـ.(3/29)
وكذا حكاه المازري في شرح البرهان.
وحكوا كلهم أن الشافعي - رضي الله عنه - كان في القديم يراه مرفوعا وحكوا تردده في ذلك [في](1) الجديد، لكن نص الشافعي - رضي الله عنه - في الأم (2) وهو من الكتب الجديدة على ذلك.
فقال - في باب عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضحاك بن قيس - رضي الله عنهما-: "رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه و سلم-: لا يقولون السنة إلا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-".
وروى في الأم عن سفيان عن أي الزناد قال:
سئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟
قال: يفرق بينهما.
قال أبو الزناد: "فقلت: سنة؟".
فقال سعيد: "سنة".
قال الشافعي: "الذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون أراد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم-"(3) . انتهى.
وحينئذ فله في الجديد قولان. وبه جزم الرافعي(4) .
ومستندهم أن اسم السنة متردد بين سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- وسنة غيره. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بسنتي وسنة ب159 الخلفاء الراشدين"(5) .
وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم- أظهر لوجهين:
1-أحدهما ي 132: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى.
2-الثاني: أن السنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل.
__________
(1) كلمة (في) ليست في جميع النسخ ولكن المقام بقتضيها.
(2) 1/271 باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها وليس - كما قال الحافظ- في باب عدد الكفن.
(3) الأم 5/107.
(4) هو: أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزوني كان إمام في الفقه والتفسير والحديث والأصول وغيرها والرافعي نسبة إلى رافع بن خديج وقيل: إلى رافعان بلدة من بلاد قزوين. توفي سنة 624 الأسنوي طبقات الشافعية 1/571 تهذيب الأسماء 2/264.
(5) د 34- كتاب السنة 6- باب لزوم السنة حديث 4607، جه المقدمة 6 - باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين حديث 43 دي 1/43 حديث 96.(3/30)
وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته.
والظاهر من مقصود الصحابي - رضي الله عنه - إنما هو بيان الشريعة ونقلها، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى/(ر69/ب) الأصل أولى من إسناده إلى التابع - والله أعلم- .
ومما يؤيد مذهب الجمهور: ما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-.
أن الحجاج (1) عام (2) نزل بابن الزبير - رضي الله عنهما - سأل عبد الله (يعني ابن عمر –رضي الله تعالى عنهما) كيف/(78 /أ) يصنع في الموقف يوم عرفة، فقال سالم - رضي الله تعالى عنه -: "إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة".
فقال ابن عمر - رضي الله عنهما-: "صدق".
قال الزهري: فقلت لسالم: أفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قال: "وهل يتبعون في ذلك (إلا سنته) (3) - صلى الله عليه وسلم؟"(4).
واستدل ابن حزم على أن قول الصحابي - رضي الله عنه -:
من السنة كذا ليس بمرفوع بما في البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -.
قال: أليس حسبكم سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - إن حبس أحدكم في الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا (5) .
__________
(1) الحجاج بن يوسف الثقفي الامير المشهور الظالم المبير وقع ذكره وكلامه في الصحيحين وغيرهما وليس بأهل أن يروى عنه ولي إمرة العراق عشرين سنة مات سنة 95/ تمييز. التقريب 1/154.
(2) كلمة ( عام ) سقطت من (ب).
(3) كلمة (إلا) سقطت من (ب) وكلمة سنته جاءت في (ب) السنة بالتعريف وهو خطأ.
(4) خ 25- كتاب الحج 91 - باب الجمع بين الصلاتين بعرفة حديث 1662 معلقا: قال البخاري قال الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم، قال الحافظ: "وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير و أبي صالح جميعا عن الليث". فتح (3/514).
(5) خ 27 كتب المحصر 2- باب الإحصار في الحج حديث 1810.(3/31)
قال ابن حزم : "لا خلاف بين أحد من الأمة أنه - صلى الله عليه وسلم - إذ صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا والمروة، بل حل حيث كان بالحديبية، وإن هذا الذي ذكره ابن عمر - رضي الله عنه- لم يقع/(ب 160) منه قط (1) .
قلت: إن أراد بأنه لم يقع من فعله، مسلم ولا يفيده وإن أراد أنه لم يقع من قوله فممنوع.
وما المانع منه؟ بل دائرة أوسع من القول أو الفعل وغيرهما، وبه ينتقض استدلاله ويستمر ما كان على ما كان.
تنبيهات:
أحدها: إذا أضاف الصحابي - رضي الله عنه - السنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فمقتضى كلام الجمهور أنه/(ي 133) يكون مرفوعا قطعا.
وفيه خلاف ابن حزم المذكور.
ونقل أبو الحسين ابن القطان عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال: "قد يجوز أن يراد بذلك ما هو الحق من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- ومثل ذلك بقول عمر - رضي الله عنه - للصبي(2)/( 78/ب) بن معبد هديت لسنة نبيك"(3) .
وجزم شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح (4) أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا.
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1/194.
(2) الصبي بن معبد بالتصغير - التغلبي - بالمثناة والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية /د س ق. تقريب ( 1/365)، الكاشف 2/25.
(3) د 5- كتاب المناسك 24- باب في الإقران حديث 1798، 1799 جه 25- كتاب المناسك 38- باب من قرن الحج والعمرة حديث 2970، حم 1/ 14، 25، 34، 37، 53.
(4) ص 128 بهامش مقدمة ابن الصلاح.(3/32)
قال: فأرفعها مثل قول ابن عباس - رضي الله عنهما-: الله أكبر سنة بأبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -(1). ودونها قول عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "لا تلبسوا علينا نبينا سنة - صلى الله عليه وسلم - عدة أم الولد كذا"(2) .
ودونها قول عمر - رضي الله عنه - لعقبة بن عامر - رضي الله عنه: "أصبت السنة"(3) .
إذ الأول أبعد احتمالا والثاني أقرب احتمالا، والثالث لا إضافة فيه.
ثانيها: نفى البيهقي الخلاف، عن أهل النقل في ذلك كما تقدم قبل وسبقه في ذلك كما تقدم فقبل سبقه إلى ذلك الحاكم فقال: في الجنائز من المستدرك(4) أجمعوا على أن قول الصحابي - رضي الله عنه - سنة كذا حديث مسند.
[ حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان ]:
__________
(1) م 15- كتاب الحج 31- باب جواز العمرة في أشهر الحج حديث 204.
(2) د 7 - كتاب الطلاق 48 - باب في عدة أم الولد حديث 2308 وتمامه: "عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر - يعني أم الولد -". وفي إسناده مطر بن طهمان الوراق قال الحافظ : "صدوق كثير الخطأ" وقال المنذري: وقد ضعفه غير واحد. تعليق الدعاس على أبي داود 2/731، وأخرجه جه 10 - كتاب الطلاق 33- باب عدة أم الولد حديث 2083 من طريق مطر الوراق نفسه.
(3) سنن الدارقطني 1/196 من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي، عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر...قال: إنه وفد على عمر قال: "وعلي خفان من تلك الخفاف الغلاظ فقال لي عمر: متى عهدك بلبسها؟" فقال: "لبستها يوم الجمعة، فقال عمر: "أصبت السنة" قال الدار قطني فقال يونس: "ولم يقل السنة". قال العظيم آبادي : "ذكر الدارقطني في كتاب العلل أن عمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب والليث بن سعد رووه عن يزيد فقالوا: "أصبت ولم يقولوا السنة وهو المحفوظ". هامش سنن الدارقطني 1/196.
(4) 1/358) قاله عقب قول ابن عباس - رضي الله عنهما- حين صلى على جنازة فجهر بالحمد لله ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة.(3/33)
ثالثها: لم يتعرض ابن الصلاح إلى بيان حكم ما ينسب ر70/أ الصحابي فاعله إلى الكفر أو العصيان، كقول ابن مسعود - رضي الله عنه: "من أتى عرافا أو كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما انزل على [قلب](1) محمد - صلى الله عليه وسلم -"(2) .
وفي رواية: "بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم".
وكقول أبي هريرة - رضي الله عنه -: "ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم"(3) .
وقوله- في الخارج من المسجد بعد الأذان: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم"(4).
__________
(1) الزيادة من (ي).
(2) أخرجه أبو يعلى. انظر فتح المجيد شرح كتب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن ص 290، معرفة علوم الحديث ص 22، الترغيب والترهيب للمنذري 5/247، وعزاه للبزار وأبي يعلى والطبراني وقال: رواته ثقات.
(3) خ 67- كتاب النكاح 72 - باب من ترك الدعوة فقد عصى الله و رسوله حديث 5177، م 16- كتاب النكاح 16- باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة الحديث 109،108،107 موقوفا 110 والأخير مرفوع من طريق ابن أبي عمر حدثنا سفيان قال سمعت زياد بن سعد قال: سمعت ثابتا الأعرج يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها .. ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله"، و د 21- كتاب الأطعمة 1- باب ما جاء في إجابة الدعوة حديث 3742، جه 19- كتاب النكاح 25- باب إجابة الداعي حديث 1913 كلاهما أخرجه موقوفا حم 2/267،241.
(4) م 5 - كتاب المساجد الصلاة 45 - باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن حديث 259،258، د 2 -كتاب الصلاة 43- كتاب الخروج من المسجد بعد الأذان حديث ت أبواب الصلاة 150- باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان حديث 204.(3/34)
وقول عمار بن ياسر - رضي الله عنه -: "من صام اليوم الذي يشك فيه ، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم"(1).
فهذا ظاهره أن له حكم الرفع، ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز إحالة الإثم على ما ظهر/(79/أ) من القواعد.
والأول أظهر بل حكى ابن عبد البر الإجماع على أنه مسند.
وبذلك جزم الحاكم في علوم ي 134 الحديث(2) والغمام فخر الدين في المحصول(3).
[ ما يعد مسندا من تفسير الصحابي: ]
61- قوله (ص) : "ما قيل من أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك"(4).
قلت: تبع المصنف في ذلك الخطيب، كذا قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: "إذا اخبر الصحابي - رضي الله عنه - عن سبب وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- أو أخبر عن نزول آية له بذلك - مسند".
لكن أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند(5) .
__________
(1) خ 30 - كتاب الصوم 11- باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا". بعد الترجمة مباشر ، د 8- كتاب الصوم 10- باب كراهية صوم يوم الشك حديث 2334، ت 6- كتاب الصيام 3- باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك حديث 666، ن 4/126، جه 7- كتاب الصيام 3 - باب ما جاء في صيام يوم الشك حديث 1645، دي 4- كتاب الصوم حديث 1689.
(2) معرفة علوم الحديث ص 30.
(3) في هامش (ر) و ( ه) بياض هنا في الأصل وكتب المؤلف بخطه وذكر كلامه وكلام الحاكم.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص 45.
(5) نقل العراقي هذا النص عن الحاكم في شرح ألفيته 1/132 وقال إن الحاكم ذكره في المستدرك 1/27-123-542.(3/35)
و الحق أن ضابط ما يفسره الصحابي - رضي الله عنه - إن كان مما لا مجال للاجتهاد [فيه](1) ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا، فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية:
كالملاحم(2) والفتن و البعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب نخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للإجتهاد [فيها ] (3) فيحكم لها بالرفع.
قال أبو عمرو الداني: "قد يحكى الصحابي - رضي الله عنه - قولا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث في المسند ، لامتناع أن يكون الصحابي - رضي الله عنه - قاله إلا بتوفيق. كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة ..."(4).الحديث. لأن مثل هذا لا يقال: بالرأي، فيكون من جملة المسند".
__________
(1) كلمة "فيه" من (ر) وليست في باقي النسخ.
(2) الملاحم جمع ملحمة وهي: الوقعة العظيمة القتل . القاموس 4/174.
(3) كلمة "فيها" من (ر) وليست في باقي النسخ.
(4) الحديث في م 37- كتاب اللباس 34- باب النساء الكاسيات العاريات حديث 125، 51- كتاب الجنة 13- باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء حديث 52، حم 2/356-440 كلاهما من طريق أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مرفوعا، ط 48- كتاب اللباس 4- باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب حديث 7- من طريق مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا.(3/36)
وأما إذا فسر/(79/ب) آية تتعلق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون ذلك مستفادا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند القواعد، فلا يجزم برقعه وكذا إذا فسر مفردا فهذا نقل عن اللسان خاصة فلا يجزم برفع وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح و الإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري(1) وأبي جعفر الطحأوي(2) وأبي بكر ابن مردويه(3) في تفسير المسند و البيهقي وابن/(ي 135) عبد البر في آخرين.
[ إذا كان الصحابي ينظر في الإسرائيليات فلا يعطى حكم الرفع: ]
إلا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسر له من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- من عرف بالنظر في الإسرائيليات، كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام(4) وغيره.
__________
(1) هو العالم الإمام الحافظ إمام المفسرين: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري نسبة إلى طبرستان صاحب التصانيف منها: التفسير المشهور والتاريخ، مات سنة 310.
تذكرة الحفاظ 2/710؛ تاريخ بغداد 02/164 معجم المؤلفين 9/147.
(2) هو الإمام الحافظ الفقيه أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الطحاوي - نسبة إلى طحا قرية من قرى مصر له مصنفات منها شرح معاني الآثار، و أحكام القرآن مات سنة 321. وفيات الأعيان 01/71)؛ النجوم الزاهرة 3/240، معجم المؤلفين 2/107.
(3) هو الإمام الحافظ المفسر المؤرخ أبو بكر: أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الأصبهاني، له مؤلفات منها: التفسير الكبير في سبع مجلدات، و المستخرج على صحيح البخاري، مات سنة 410. معجم المؤلفين (2/1909؛ شذرات الذهب لابن العماد 3/190.
(4) عبد الله بن سلام - بالتخفيف - الإسرائيلي أبو يوسف صحابي مشهور له أحاديث وفضل، مات سنة 43/ع. تقريب0 1/4229 الإصابة 2/312.(3/37)
وكعبد الله بن عمرو بن العاص(1).
فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثير من (كتب)(2) أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: حدثنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تحدثنا عن الصحيفة، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر (به)(3) من الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع، لقوة الاحتمال - والله أعلم -.
تنبيه: /(ب163)
إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكما يحتاج إلى شرح، فشرحه الصحابي - رضي الله عنه - سواء كان من روايته أو من(4) رواية غيره هل يكون ذلك مرفوعا أم لا؟
__________
(1) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد - بالتصغير - السهمي أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليالي الحرة سنة 68/ع. تقرييب 1/436؛ الكاشف 2/436؛ الإصابة 2/343.
(2) كلمة "كتب" ليست في (ب).
(3) كلمة "به" سقطت من (ب).
(4) كلمة "من" ليست (ر/ب).(3/38)
ذهب الحاكم إلى أنه مرفوع، فقال: (عقب)(1) حديث أورده عن عائشة - رضي الله عنها - في تفسير التميمة: "هذا ليس بموقوف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر التميمة في أحاديث كثيرة، فإذا فسرتها عائشة - رضي الله عنها- كان ذلك حديثا مسندا"(2).
والتحقيق أنه لا يجزم بكون جميع ذلك يحكم برفعه.
بل الاحتمال فيه واقع، فيحكم برفع ما قامت القرائن الدالة على رفعه و إلا فلا/(80/أ) - والله أعلم -.
__________
(1) كلمة "عقب" سقطت من (ب) .
(2) في المستدرك 4/217 من طريق القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ليست التميمة ما تعلق به بعد البلاء إنما التميمة ما تعلق به قبل البلاء. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولعل متوهما يتوهم أنها من الموقوفات على عائشة وليس كذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قد ذكر التمائم في أخبار كثيرة، ووافقه الذهبي. ولكن تفسير ابن مسعود يعارض تفسير عائشة فإن الحاكم روى من طريق عمرو بن قيس بن السكن الأسدي قال: دخل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- على امرأة فرأى عليها حرزا من الحمرة، فقطعه قطعا عنيفا، ثم قال: إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء وقال: "كان مما حفظنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرقى و التمائم والتولة من الشرك"، ثم قال الحاكم : "هذا صحيح ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي المستدرك 4/217 فنرى ابن مسعود ينكر التعلق بعد نزول البلاء، لأنه يرى شمول الحديث للحالين قبل البلاء ويعده.(3/39)
وهكذا إذا كان للفظ معنيان فحمله الصحابي - رضي الله عنه - على أحدهما كتفسير ابن عمر- رضي الله عنه - التفرق بالأبدان(1) دون الأقوال.
وقال القاضي أبو الطيب: "يجب قبوله على المذهب".
وكذا حمل عمر - رضي الله عنه - قوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء"(2) على القبض في المجلس.
وتردد في ذلك الشيخ أبو إسحاق - والله أعلم.
__________
(1) يعني تفسير ابن عمر لحديث البيعان بالخيار ما لم يفرتقا. أخرجه خ 34- كتاب البيوع 42- باب كم يجوز الخيار حديث 2107، وقال عقبه قال نافع : وكان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه، حديث 2109-2111- م 21 - كتاب البيوع 10- باب ثبوت الخيار حديث 43-44-45 وقال مسلم عقب الأخير زاد ابن أبي عمر في روايته قال نافع فكان إذا بايع رجلا فأراد أن يقيله قام فمشى هنية (أي شيئا يسيرا) ثم رجع إليه، ت 12- كتاب البيوع 26- باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا حديث 1245 وقال فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له البيع، ثم قال الترمذي: وروى عنه انه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى ليجب له.
(2) هاء هاء- بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون والحديث أخرجه خ 34- كتاب البيوع حديث 2174 وفيه فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم ساق الحديث، م22- كتاب المساقات 15- باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا حديث 79 وفيه فقال عمر بن الخطاب (يعني لطلحة ) كلا والله لتعطنيه ورقة أو لتردن عليه ذهبه، د 17- كتاب البيوع 12 - باب في الصرف حديث 3348- ت 12- كتاب البيوع 24- باب ما جاء في الصرف حديث 1243- 2/240 حم 1/24-35-45- 40 - جه 12- كتاب التجارات 50- باب صرف الذهب بالورق حديث 2259 ونقل كلام عمر السابق.(3/40)
62- قوله (ص): "من قبيل المرفوع (ما قيل) (1) عند ذكر الصحابي - رضي الله عنه - يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية"(2).
قلت: وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا أو يسنده.
وكذا/(ي 136) قوله رواه.
روينا في أمالي(3) المحاملي من طريق ابن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة(4) عن أبي سعيد - رضي الله عنه - رواه قال: "قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}(5) في كذباته الثلاث(6) .
ورواه أبو يعلى في مسنده/(ب 164) من هذا الوجه، فقال عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذكره.
وأمثلة باقي ما ذكرنا/(ر71/أ) مشهورة، فلا نطيل بذكرها(7) .
__________
(1) في (ب) "ما دل" والصواب ما أثبناه من (ر) و(ه) .
(2) مقدمة ابن الصلاح (ص 46).
(3) موجود منه في المكتبة الظاهرية بدمشق تسعة أجزاء في المجموع 23 راجعته في 1/9/1397 فلم أجد فيه هذا النص، ولعله فيما بقي من الكتاب، والمحاملي هو: القاضي الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي البغدادي له "الأجزاء المحامليات" في الحديث ويقال لها "أمالي المحاملي" في ستة عشر جزءا، مات سنة 330. تذكرة الحفاظ 3/824، الرسالة المستطرفة ص 79؛ الأعلام 2/251.
(4) هو المنذر بن مالك بن قطعة - بضم القاف وفتح المهملة - العبدي العوقي - بفتح المهملة و الواو ثم قاف - البصري أو نضرة بنون ومعجمة ساكنة مشهور بكنيته ثقة من الثالثة، مات سنة 108 أو 109 / خت م 4.
تقريب (2/275)؛ الكاشف 3/175.
(5) الآية 82 من سورة الشعراء.
(6) غير واضح عد هذا في لثلاث فينظر ثم أنه في جميع النسخ الثلاثة.
(7) من (ر) و (ي) وفي (ب) و(ه) لذلك بذكرها.(3/41)
ومن أغرب ذلك سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع بالقرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان (1) عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: احفظوا عني ولا تقولوا: قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أيما عبد حج به أهله، ثم أعتق فعليه حجة اخرى .." الحديث. رواه ابن أبي شيبة(2) من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان أن ظاهره الرفع وأخذه من نهي ابن عباس - رضي الله عنهما - لهم عن/(80/ب) إضافة القول إليه(3).
فكأنه قال لهم: لا تضيفوه إلي و أضيفوه إلى الشارع.
لكن يعكر(4) عليه أن البخاري رواه من طريق أبي السفر سعيد بن يحمد قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما- يقول: "يا أيها الناس اسمعوا مني أقول لكم واسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس قال ابن عباس"، فذكر الحديث (5) .
وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أن يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أن يزيدوا فيه أو ينقصوا(6) - والله أعلم -.
تنبيهان:
__________
(1) هو: حصين بن جندب بن الحارث الجنبي - بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة - أبو ظبيان - بفتح المعجمة وسكون الموحدة - الكوفي ثقة من الثانية، مات سنة 90 وقيل غير ذلك /ع. تقريب (1/182)؛ الكاشف 1/236.
(2) المصنف (ج1/قسم 2/ل 206/ب) مصورة في مكتبة الحرم المكي.
(3) من (ي) وفي باقي النسخ له.
(4) في (ب) ينكر وهوالخطأ.
(5) خ 63- كتاب مناقب الأنصار 27- باب القسامة في الجاهلية حديث 3848، تحفة الأشراف 4/466 حديث 5668.
(6) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/257 من قوله: "ومن أغرب ذلك ..." إلى هنا. ثم تعقب الحافظ فقال: "قلت بل والظاهر مع ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أن يطلب عرض ما حدث به مع كثرة تحديثه، ويزيد كلام ابن القطان قوة أن هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع وفي تعقبه نظر، وما ذهب إليه الحافظ أقوى".(3/42)
أحدهما: قد يقال: ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي - رضي الله عنه - "سمعت رسول الله" - صلى الله عليه وسلم - ونحوها إلى "يرفعه" وما ذكر معها.
قال الحافظ المنذري: "يشبه أن يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- شك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ على رفع الحديث".
قلت: وإنما ذكر الصحابي - رضي الله عنه - كالمثال وإلا /(ي 137) فهو جار في حق/(ب165) من بعده ولا فرق، ويحتمل أن يكون من صنع ذلك صنعه طلبا للتخفيف وإيثارا للإختصار.
ويحتمل - أيضا - أن يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم يجزم(1) بلفظ "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كذا" بل كنى عنه تحرزا (2) وسياتي إن شاء الله تعالى في النوع الحادي والعشرين.
وما أجاب به المنذري انتزعه من قول أبي قلابة الجرمي/(71/ب) لما روى عن أنس - رضي الله عنه - قال: "من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا"(3).
قال/(81/أ) أبو قلابة: "لو شئت لقلت: أنسا - رضي الله عنه - رفعه إلى النبي - صلى الله علي وسلم -"(4)
__________
(1) في كل النسخ فلم يحرر والصواب ما أثبتناه و التصحيح من توضيح الأفكار.
(2) نقل الصنعاني هذا النص من قوله تنبيهان.. إلى هنا في توضيح الأفكار 1/257 .
(3) الحديث في خ 67- كتاب النكاح 101- باب إذا تزوج الثيب على البكر حديث 5214، م17- كتاب الرضاع 12- باب ما تستحقه البكر و الثيب من إقامة الزوج عندها حديث 44، د6- كتاب النكاح 35- باب في المقام عند البكر حديث 2124، جه 9- كتاب النكاح 26- باب الإقامة على البكر والثيب حديث 1916.
(4) مابين القوسين سقط من (ب). ملاحظة: هذا القول عزاه في البخاري لأبي قلابة ثم قال: قال عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد، قال خالد "ولو شئت .. إلخ.
أما مسلم فقال قال خالد "ولو شئت.." إلخ ولم ينسبه لأبي قلابة. وأما أبو داود وابن ماجه فلم يذكراه.(3/43)
.
(فإن معنى ذلك أنني لو قلت رفعه)(1) لكنت صادقا، بناء على الرواية بالمعنى لكنه تحرز عن ذلك، لأن قوله: من السنة إنما يحكم له بالرفع بطريق نظري. كما تقدم. وقوله رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو محتمل إلى ما هو نص غير محتمل.
ثانيهما(2) : ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي - رضي الله عنه - يرفعه ولم يذكر ما إذا(3) قال الصحابي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه وهو في الحكم قوله (عن الله)(4) عز وجل.
ومثاله: الحديث الذي رواه الدراوردي(5) عن عمرو بن أبي عمرو (6) عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه: "إن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه".
حديث حسن رواته من أهل الصدق. أخرجه البزار في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية، وقد أفردها جمع بالجمع - والله الموفق -.
__________
(1) ما بين قوسين سقط من (ه).
(2) سقطت من جميع النسخ واستظهرت في هامش (ر/أ).
(3) كلمة إذا سقط من (ب) .
(4) ما بين القوسين سقط من (ه).
(5) هو: عبد العزيز بن محمد بن عبيد أبو محمد الجهني، مولاهم المدني صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، من الثامنة مات سنة 187/ع. تقريب (1/512)، الكاشف 2/201.
(6) عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم، من الخامسة مات بعد 150/ع.
تقريب 02/75؛ تهذيب التهذيب 8/82.(3/44)
النوع التاسع: المرسل
63-قوله (ص) : "تعريف المرسل وصورته التي لا خلاف فيها (حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال)(1): قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم -.... إلى آخره"(2) .
ليس المراد حصر ذلك في القول بل لو ذكر الفعل أو التقرير بأي صيغة كان داخلا فيه.
وإنما/(ي 138) خص القول، لكونه أكثر.
والأولى- فيما أرى - التعبير بالإضافة، لكونها أشمل. والله الموفق.
30- قوله (ع): "لأن عبيد الله بن عدي ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم –"(3) .
قلت: عدي بن الخيار مات قبل فتح مكة بمدة وابنه عبيد الله(4) كان بمكة لما دخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وجد في منقولات كثيرة/(ه 81/ب) الصحابة من النساء والرجال كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبركون بذلك وهذا منهم(5) ، لكن هل يلزم من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة، أن يكون ما يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعد مرسلا؟
__________
(1) ما بين القوسين من (ر /أ) وقد سقط من باقي النسخ.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 47 وبقية الكلام "والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين".
(3) التقييد والإيضاح ص 71.
(4) عبيد الله بن عدي بن الخيار - بكسر المعجمة وتخفيف التحتانية- ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني - قتل أبوه ببدر، وكان هو في الفتح مميزا فعد في الصحابة لذلك، وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين مات في آخر خلافة الوليد بن عبد الله الملك /خ م د س (تقريب 1/537، الكاشف 1/230، الإصابة 3/75.
(5) هذا الدليل - في نظري - أعم من الدعوى، فلا بد من نقل خاص يثبت رؤية عبيد الله بن عدي للنبي - صلى الله عليه وسلم- إذ يجوز أنه لم يحضر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -لسبب من الأسباب.(4/1)
هذا محل نظر وتأمل. والحق الذي جزم به أبو حاتم الرازي (1) وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره، وأن قولهم: مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم- مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ، إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع، أما من لا يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم -.
وبالجملة فتمثيل ابن الصلاح بعبيد الله بن عدي معترض، لأنه كان يمكنه أن يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو/(ر72/أ) تابع في ذلك لابن عبد البر فإنه قال- لما ذكر المرسل -: "هذا الاسم واقع بالإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي/(ب167) - صلى الله عليه وسلم - مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار أو أبو أمامة بن سهل ومن كان مثلهما قال (2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3).
وكذلك من دون هؤلاء كسعيد بن المسيب ..."(4) إلى آخر كلامه.
قلت: ولو مثل بمحمد بن أبي بكر الصديق (5) - رضي الله عنهما - الذي ما أدرك من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة أشهر لكان أولى وقول شيخنا: "لكونهم عاصروه على القول الضعيف في حد الصحابة - رضي الله تعالى عنهم-"(6) . سيأتي لنا إن شاء الله تعالى في معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - قدح/(ي 139) في ثبوت هذا القول عن أحد من الأئمة مطلقا - إن شاء الله تعالى -.
64- قوله (ص): "والمشهور التسوية بين التابعين"(7) .
__________
(1) راجعت المراسيل لابن أبي حاتم فلم أجد له نصا في هذا الموضوع.
(2) في جميع النسخ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والتصحيح من التمهيد.
(3) التمهيد 1/19-20.
(4) التمهيد 1/20.
(5) محمد بن أبي بكر الصديق، أبو القاسم له رؤية وقتل سنة 38 وكان علي يثني عليه /س ق. تقريب 2/148، الكاشف 3/25.
(6) التقييد والإيضاح ص 71 . وفي (ي) في حد الصحابي - رضي الله عنه -.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص 47.(4/2)
أقول: لم يمعن المؤلف في الكلام على المرسل في حكاية الخلاف في حده و التفريع عليه.
[جمع الحافظ لأقوال أهل العلم في المراسيل]:
وقد جمعت كثيرا من أقوال أهل العلم فيه يحتاج إليها المحدث وغيره.
أما أصله : فقيل مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع كقوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِين}(1) .
فكأن المرسل أطلق الإسناد.
وقيل: مأخوذ من قولهم: "جاء القوم أرسالا" أي متفرقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع عن بقيته.
وقيل: مأخوذ من قولهم: "ناقة رسل" أي سريعة السير كأن المرسل للحديث أسرع فيه فحذف بعض إسناده(2) .
[حد المرسل اصطلاحا:]
وأما حده: فاختلف عبارتهم فيه على أربعة أوجه:
الأول: هو ما أضافه التابعي الكبير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخرج بذلك ما أضافه صغار التابعين ومن بعدهم.
والثاني/(ب168): هو إضافة لتابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تقييد بالكبير.
وهذا الذي عليه جمهور المحدثين، ولم أر تقييده بالكبير صريحا عن أحد، لكن نقله ابن عبد البر عن قوم(3) ، بخلاف ما يوهمه كلام المصنف. نعم قيد الشافعي المرسل الذي يقبل - إذا اعتضد - بأن يكون من رواية التابعي الكبير.
ولا يلزم من ذلك، أنه لا يسمى ما رواه التابعي الصغير مرسلا.
والشافعي مصرح بتسمية رواية من دون كبار التابعين مرسلة وذلك في قوله: "ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة"(4) .
__________
(1) الآية 82 من سورة مريم {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً}.
(2) انظر هذه المآخذ في جامع التحصيل للعلائي (ص 14-15) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
(3) انظر التمهيد(1/20-21.
(4) الرسالة ص 467، الفقرة 1248.(4/3)
والثالث: ما سقط منه رجل وهو على هذا هو والمنقطع سواء/(ه 82/ب) وهذا مذهب أكثر الأصوليين(1) .
قال الأستاذ أبو منصور: "والمرسل: ما سقط من إسناده واحد، فإن سقط أكثر من واحد فهو معضل".
وقال أبو الحسين ابن القطان(2): "المرسل: أن/(ي 140) يروي بعض التابعين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرا أو يروي رجل عمن لم يره"(3) .
قلت: وهذا اختيار أبي داود في مراسيله(4)، والخطيب(5) وجماعة، لكن الذي قبله أكثر/(ر72 /ب) في الاستعمال.
والرابع: قول غير الصحابي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبهذا التعريف أطلق ابن الحاجب(6) وقبله الآمدي(7) والشيخ الموفق(8) وغيرهم، فيدخل في عمومه كل من لم تصح له صحبة ولو تأخر عصره.
وقال الغزالي: "وصورة المرسل: أن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من لم يعاصره"(9) .
وهذا أخص قليلا من الذي قبله، لأنه يدخل فيه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- في حال الكفر، ثم استمر كافرا فلم يسلم إلا بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم-فإن هذا لا تصح له صحبة وهو على تعريف الغزالي لا يكون حديثه مرسلا.
__________
(1) انظر الخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص48.
(2) ابن القطان هو أحمد بن محمد بن القطان البغدادي الشافعي فقيه أصولي درس ببغداد وأخذ عنه العلماء مات سنة 359. معجم المؤلفين 2/75، تاريخ بغداد 4/365 ووفيات الأعيان 1/70.
(3) جامع التحصيل ص10.
(4) لم ينص أبو دأود في المراسيل على تعريف المرسل وكأن الحافظ فهم ذلك من تصرفه.
(5) الكفاية 21.
(6) مختصر منتهى السول ( ق/24/2).
(7) الإحكام في أصول الأحكام 2/123.
(8) الروضة ص14.
(9) انظر جامع التحصيل ص 23 تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.(4/4)
وقال الحافظ العلائي: "إطلاق ابن الحاجب وغيره، يظهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم لا يريدونه، بل إنما مرادهم ما سقط منه التابعي مع الصحابي أو ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك، ويدل عليه قول إمام الحرمين في "البرهان": مثاله: أن يقول الشافعي - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا(1).
قال: ولم أر من صرح بحمله على إطلاقه إلا بعض المتأخرين من غلاة الحنفية (2). وهو اتساع غير مرضي ، لأنه يلزم منه بطلان اعتبار الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة، وترك النظر في أحوال الرواة، والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك فظهور فساده (غني)(3) عن الإطالة فيه".
قلت: ويؤيد قول الأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني - في كتابه [في الأصول] -(4) : "المرسل رواية التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تابع التابعي (عن الصحابي)(5)، فأما إذا قال تابع التابعي أو واحد منا قال رسول الله - صلى اله عليه وسلم - فلا يعد شيئا، ولا يقع به ترجيح [فضلا] (6) عن الاحتجاج به".
وهذا ظاهر كلام ابن برهان - أيضا -.
وممن قيد الإطلاق الأستاذ/(ي 141) أبو بكر ابن فورك، فقال: "المرسل: وقول التابعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا"(7) . نقله عنه المازري.
__________
(1) انظر البرهان ص 177 مصورة بمركز البحث بجامعة الملك عبد العزيز بمكة مصورة عن نسخة بدار الكتب المصرية عن نسخة بالأناضول. وانظر جامع التحصيل 1/19.
(2) انظر أصول السرخسي 1/363 نشر دار المعرفة ببيروت، وجامع التحصيل (ص 22، 24، 27) تحقيق حمدي السلفي.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) الزيادة من (ي ).
(5) ما بين القوسين سقط من (ب ).
(6) الزيادة من (ي) وهي في (ر/أ) إلحاقا من المصحح.
(7) جامع التحصيل ص 18.(4/5)
فإن قيل ما احترز به الغزالي - رحمه الله تعالى - كما قدمته، قد ينقدح(1) منه قدح في صحة التعريف الذي أخبرت أنه قول الجمهور، وذلك لأن قولهم: المرسل ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل/(ر73/أ) فيه ما سمعه بعض الناس في حال كفره من النبي - صلى الله عليه وسلم - (ثم أسلم)(2) بعده وحدث عنه بما سمعه منه، فإن هذا والحالة(3) هذه تابعي قطعا وسماعه منه صحيح متصل وهو داخل في حد المرسل الذي ذكرته.
[تعريف الحافظ للمرسل]:
قلت: وهذا عندي نقض صحيح و اعتراض وارد لا محيد عنه ولا انفصال منه إلا أن يزاد في الحد ما يخرجه، وهو : أن يقول : المرسل : ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مما سمعه من غيره.
[أقوال العلماء في حكم المرسل]:
وأما حكم المرسل:
فاختلفوا في الاحتجاج به على أقوال:
أحدها: الرد مطلقا حتى لمراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وحكي ذلك عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني.
وظن قوم أنه تفرد بذلك، واحتجوا عليه بالإجماع، وليس بجيد لأن القاضي أبا بكر/(ه83/ب) الباقلاني قد صرح في التقريب بأن المرسل لا يقبل مطلقا حتى مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - لا لأجل الشك في عدالتهم، بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين. قال: إلا أن يخبر عن نفسه بأنه لا يروي إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي فحينئذ يجب العمل بمرسله(4) .
__________
(1) في (ب) يقدح.
(2) ما بين القوسين سقط من (ب).
(3) من (ه) و(ب) و (ي) و في (ر) والحال.
(4) رد الباقلاني للمرسل نقله عنه الغزالي في المستصفى 1/107 وابن السبكي في الإبتهاج 2/232 نقلا عن حسن هيتو هامش المنخول ص 274.(4/6)
قلت: نقل عنه الغزالي في المنخول أن المختار عنده، أن الإمام العدل إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أخبرني الثقة قبل. فأما الفقهاء و المتوسعون في كلامهم فقد يقولونه لا عن تثبت فلا يقبل منهم، لأن الرواية قد كثر وطال البحث واتسعت الطرق، فلا بد من ذكر اسم الرجل(1) .
قال الغزالي: "والأمر كما ذكر، لكن لو صادفنا في زماننا متقنا في نقل الأحاديث مثل مالك قبلنا قوله ولا يختلف ذلك بالأعصار (يعني أن الحكم/(ي 142) لا يختلف جوازا) وأن الواقع أن أهل /(ب 171) الأعصار المتأخرة ليس فيهم من هو بتلك المثابة. وقد قال القاضي عبد الجبار : مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أن الصحابي - رضي الله تعالى عنه - إذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا قبل إلا أن علم أنه أرسله"(2) .
وهذا النقل مخالف للمشهور من مذهب الشافعي.
فقد قال ابن برهان في الوجيز: "مذهب الشافعي : أن المراسيل/(ر73/ب) لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنه - ومراسيل سعيد بن المسيب، وما انعقد الإجماع على العمل به.
وكذا ما نقله ابن بطال في أوائل شرح البخاري عن الشافعي أن المرسل عنده ليس بحجة حتى مرسل الصحابة.
ثم أغرب ابن برهان فقال في الأوسط: "إن الصحيح أنه لا فرق بين مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - ومراسيل/(ه 84/أ) غيرهم".
فتلخص من هذا أن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني لم ينفرد برد مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنه - وأن(3) مأخذه في ذلك احتمال كون الصحابي - رضي الله تعالى عنه - أخذه عن تابعي.
وجوابه: أن الظاهر فيما رووه أنهم سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من صحابي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما روايتهم عن(4) التابعي فقليلة نادرة، فقد تتبعت وجمعت لقلتها.
__________
(1) المنخول ص 274-275.
(2) المنخول ص 275.
(3) من (ر) وفي (هـ) و(ب) فإن.
(4) من (ي) و(هـ) وفي نسختي (ر) من.(4/7)
قلت: وقدر سردها شيخنا- رحمه الله - في النكت(1) فأفاد وأجاد(2) .
ثانيها: القبول مطلقا في جميع الأعصار والأمصار. كما قدمنا حكايته ورده(3).
ثالثها: قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فقط ورد ما عداها(4) مطلقا حكاه القاضي عبد الجبار في شرح كتاب العمدة.
قلت: وهو الذي عليه عمل أئمة الحديث.
واحتجوا بأن العلماء قد أجمعوا على طلب عدالة المخبر.
وإذا روى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة.
ولم يتقيد التابعون بروايتهم عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بل رووا عن الصحابة وغيرهم.
(ولم/(ي143) يتقيدوا)(5) بروايتهم عن ثقات التابعين/(ب 172) بل رووا عن الثقات و الضعفاء.
فهذه النكتة في رد المرسل قاله بمعناه ابن عبد البر (6) .
وقال صاحب المحصول: "الحجة في رد المرسل أن عدالة الأصل غير معلومة، لأنه لم يوجد إلا من رواية الفرع عنه. ورواية الفرع عنه لا تكون بمجردها تعديلا، لأنهم قد أرسلوا عمن سئلوا عنه فجرحوه أو توقفوا فيه.
قال: وعلى تقدير أن يكون تعديلا، فلا يقضي أن يكون عدلا في نفس الأمر، لاحتمال أنه لو سماه لعرف بالجرح/(ه 84/ب) فتبين/(ر74/أ) أن العدالة غير معلومة"(7) .
فإن قيل: إن أردتم نفي العلم القطعي، فالعلم القطعي بثبوت عدالة الراوي غير مشروط، بل يكفي غلبة الظن وهي حاصلة لأن ظاهر حال الراوي أنه لما روى عنه سكت كان عدلا عنده وإلا كان ذلك قدحا فيه. وإذا كان معتقدا عدالة من أرسل عنه فالظاهر أنه كذلك في نفس الأمر.
والجواب: المنع بأنه إذا اعتقد عدالته يكون عدلا في نفس الأمر وسنده عدم التلازم بينهما، بل الواقع خلافه.
__________
(1) انظر التقييد والإيضاح ص 76-79.
(2) في (ب) وأجاب وهو خطأ.
(3) جامع التحصيل ص27 تحقيق حمدي السلفي.
(4) جامع التحصيل ص27 تحقيق حمدي السلفي.
(5) في جميع النسخ (ولم يتقيد) فأثبتنا ما نرى أنه الصواب لتستقيم العبارة.
(6) التمهيد 1/6.
(7) جامع التحصيل ص 62.(4/8)
قال القاضي أبو بكر: "من المعلوم المشاهد أن المحدثين لم يتطابقوا على أن لا يحدثوا إلا عن عدل. بل نجد الكثير منهم يحدثون عن رجال، فإذا سئل الواحد منهم عن ذلك الرجل قال: لا أعرف حاله بل ربما جزم بكذبه فمن أين يصح الحكم على الراوي أنه لا يرسل إلا عن ثقة عنده"(1). انتهى كلامه.
فقد اختار رد المرسل مع كونه مالكيا، لكن تعليله يقتضي أن من عرف من عادته أو صريح عبارته أنه لا يرسل إلا عن ثقة أنه يقبل (2) . وسيأتي تقرير هذا المذهب آخرا.
وما قاله القاضي صحيح فإن كثيرا من الأئمة وثقوا(3) خلقا من الرواة بحسب اعتقادهم/(ب/173) فيهم(4) وظهر لغيرهم فيهم(5) الجرح المعتبر، وهذا بيّن واضح في كتب(6) الجرح و التعديل.
فإذا كان مع(7) التصريح بالعدالة فكيف مع السكوت عنها.
وق فتشت كثيرا من المراسيل فوجدت عن غير العدول.
بل سئل كثير منهم عن مشايخهم، فذكروهم/(ي144) بالجرح كقول أبي حنيفة: "ما رأيت أكذب من جابر الجعفي(8) وحديثه عنه موجود".
وقول الشعبي: "حدثني الحارث الأعور وكان كذابا(9)/(ه85/أ) وحديثه عنه موجود".
فمن أين يصح حكم (على)(10) الراوي أنه لا يرسل إلا عن ثقة عنده على الإطلاق (11) .
رابعها: قبول مراسيل الصحابة وكبار التابعين.
__________
(1) انظر جامع التحصيل ص80. وفي تحقيق حمدي السلفي ص66.
(2) من (ر) وفي (ه) و(ب) لا يقبل وهو خطأ.
(3) في (ي) نفوا وهو خطأ.
(4) في (ه) فيه وهو خطأ.
(5) في (ه) أيضا فيه.
(6) في (ب) كتاب وهو خطأ.
(7) هكذا في جميع النسخ ولعل في الكلام سقطا ولعله: فإذا كان هذا مع...إلخ.
(8) انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/209.
(9) انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/222.
(10) في جميع النسخ (عن ) والصواب ما أثبتناه.
(11) لكن يقال: يبعد من هؤلاء الأئمة أن يرسلوا عن الكذابين، أما روايتهم عنهم مع التصريح بذكر أسمائهم في الإسناد فيكفي أنهم قد بينوا كذبهم.(4/9)
ويقال: إنه مذهب أكثر المتقدمين. وهو مذهب الشافعي - رضي الله عنه - لكن شرط في مرسل كبار التابعين أن يعتضد بأحد الأوجه المشهورة(1).
خامسها: كالرابع لكن من غير قيد بالكبار وهو قول مالك وأصحابه وإحدى الروايتين عن أحمد(2).
سادسها: كالخامس، ولكن بشرط (/34/ب) أن يعتضد، ونقله الخطيب عن أكثر الفقهاء.
سابعها: إن كان الذي أرسل من أئمة النقل المرجوع(3) إليهم في التعديل والتجريح قبل مرسله وإلا فلا. وهو قول عيسى بن أبان(4) من الحنفية، واختاره أبو بكر الرازي منهم، وكثير من متأخريهم، والقاضي عبد الواهب من المالكية، بل جعله أبو الوليد الباجي شرطا عند من يقبل المرسل مطلقا(5) .
ثامنها: قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وبقية القرون الفاضلة دون غيرهم وهو محكي عن محمد بن الحسن ويشير إليه تمثيل إمام الحرمين بما قال - فيه - الشافعي/(ب 174): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(6) .
تاسعها: كالثامن بزيادة من كان من أئمة النقل –أيضا-.
عاشرها: يقبل مراسيل من عرف منه النظر في أحوال شيوخه و التحري في الرواية عنهم دون من لم يعرف منه ذلك.
حادي عشرها: لا يقبل المرسل إلا إذا وافقه الإجماع فحينئذ يحصل الاستغناء عن السند ويقبل المرسل قاله ابن حزم في الإحكام(7).
__________
(1) انظر الرسالة ص 462-464.
(2) انظر جامع التحصيل ص36 وفي تحقيق حمدي السلفي ص66 حيث عزاه لجماعة من الأصوليين وإمام الحرمين وابن الحاجب وغيرهما.
(3) في (ه) المرجوح وهو خطأ.
(4) انظر رأي عيسى بن أبان المسودة لآل تيمية ص251.
(5) المسودة لآل تيمية 251.
(6) انظر جامع التحصيل للعلائي ص 19 وفيه قال إمام الحرمين: من صور المرسل أن يقول الشافعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذه إضافة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع السكوت عن ذكر الناقل...
(7) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ص 192.(4/10)
ثاني عشرها: إن كان المرسل موافقا في الجرح/(ه87/ب) والتعديل قبل مرسله كان مخالفا في شروطهما لم يقبل.
قاله ابن برهان وهو غريب(1).
ثالث عشرها: إن كان المرسل عرف من عادته أو صريح عبارته أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل وإلا فلا.
قال/(ي 145) الحافظ صلاح الدين العلائي في مقدمة كتاب الأحكام(2) ما حاصله: "إن هذا المذهب الأخير اعدل المذاهب في هذه المسألة، فإن قبول السلف للمراسيل مشهور إذا كان المرسل لا يرسل إلا عن عدل. وقد بالغ ابن عبد البر فنقل اتفاقهم على ذلك فقال: لم يزل الأئمة يحتجون بالمرسل إذا تقارب عصر المرسل و المرسل عنه ولم يعرف المرسل بالرواية عن الضعفاء".
ونقل أبو الوليد الباجي(3) الاتفاق في الشق الآخر فقال: "لا خلاف أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير متحرز يرسل عن الثقات وعن غير الثقات"(4) .
وهذا وإن كان في صحة نقل الاتفاق من الطرفين نظر فإن قبول مثل ذلك عن جمهورهم مشهور، وكذا مقابله ر 75/أ ففي مقدمة صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد فلما ب 175 وقعت الفتنة سألوا عنه (5) ليجتنبوا رواية أهل البدع"(6) .
وفيها(7) - أيضا - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه أنكر على بشير بن كعب(8) أحد التابعين أحاديث أرسلها وقال:
__________
(1) انظر جامع التحصيل ص 36 نقلا عن الغزالي.
(2) انظر جامع التحصيل ص 36 وعن مخطوطة منه بالظاهرية دمشق (ق8).
(3) هو: الحافظ العلامة ذو الفنون أبو الوليد: سليمان بن خلف بن سعيد القرطبي الباجي صاحب التصانيف منها: "كتاب المعاني" و"شرح الموطأ" و"كتاب الإيماء" في الفقه. مات سنة 474، تذكرة الحفاظ 3/1182، شذرات الذهب 3/344.
(4) انظر جامع التحصيل ص 44.
(5) في (ه) عنها.
(6) مقدمة صحيح مسلم ص 15.
(7) أي مقدمة صحيح مسلم 13.
(8) بشير بن كعب بن أبي الحميري العدوي أبو أيوب البصري ثقة مخضرم فق خ ع . تقريب (1/104)، الكاشف 1/160.(4/11)
"كنا نقبل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كل أحد، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نقبل منه(1) إلا ما نعرف".
كذا أنكر الزهري على ابن إسحاق بن أبي وفرة(2) أحاديث أرسلها فقال: "تأتينا بأحاديث لا خطم لها ولا أزمة ألا تسند حديثك؟" (3).
ونقل إمام/(ه86/أ) الحرمين أن ذلك مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أعني التفصيل السابق فقال: "إذا كان المرسل من كبار التابعين وعادته الرواية عن العدل وغيره فليس بحجة، وإن لم يرو إلا عن العدل فحجة.
قال: "ولذلك قبل الشافعي مراسيل سعيد بن المسيب، لأنه انفرد بهذه المزية".
قلت: وهذا مقتضى ما علل(4) به الشافعي قبوله لمراسيل(5) سعيد فإنه قال - في جواب سائل سأله(6) - فقال له: "كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ فقال: "لأنا لا نحفظ لسعيد/(ي 146) منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثره عن أحد عرفنا عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله أحببنا قبول مرسله"(7) .
فهذا يدل على أنه قبل مراسيل سعيد بن المسيب ، لكونه كان لا يسمي إلا (عن) (8) ثقة، وأما غيره، فلم يتبين له ذلك منه، فلم يقبله مطلقا وأحال الأمر في قبوله على وجود الشرط المذكور.
__________
(1) في (ي) عنه وفي مقدمة مسلم ص13 "ولم نأخذ من الناس إلا ما نعرف".
(2) إسحاق بن أبي وفرة المدني أبو سليمان. كاتب مصعب بن الزبي،ر وقيل إنه مولى عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل وكان أحمد بن حنبل ينهى عن حديثه مات سنة 144. كتاب المجروحين 1/131.
(3) كتاب المجروحين لابن حبان 1/131-132، معرفة علوم الحديث للحاكم ص 6.
(4) من هامش (ر) وفي كل النسخ عدل.
(5) سقطت كلمة "سأله" من (ب).
(6) في كل النسخ كمراسيل والصواب ما أثبتناه.
(7) بحثت عن هذا النص في الرسالة فلم أجده.
(8) كلمة عن ليست في (ي) و(ب).(4/12)
وقال الغزالي في "المستصفى"(1) : "المختار على قياس رد المرسل أن التابعي إذا عرف بصريح خبره أو عادته أنه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله وإلا فلا، لأنهم قد يروون عن غير/(ب176) الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -".
قلت: (ويؤيد)(2) ذلك نقل ابن حبان الاتفاق على قبوله عنعنة سفيان بن عيينة، مع أنه كان يدلس، لكنه كان مع ذلك لا يدلس إلا عن ثقة، فقبلوا عنعنته لذلك.
وقد تقدم عن القاضي أبي بكر وغيره ما يعضده ذلك - والله أعلم -.
وبهذا المذاهب يحصل الجمع بين الأدلة (لطرفي)(3) القبول والرد - والله أعلم -.
[أسباب الإرسال ]:
فإن قيل/(ه 86/ب): فما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة على الإرسال؟
قلنا: إن لذلك أسباباً منها:
أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده، فيرسله اعتمادا على صحته عن شيوخه.
كما صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: "ما حدثتكم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فقد سمعته من غير واحد وما حدثتكم فسميت فهو من سميت"(4).
ومنها: أن يكون نسي من حدثه به وعرف المتن، فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أنه لا يحمل إلا عن ثقة.
ومنها: أن لا يقصد التحديث بأن يذكر الحديث على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى، فيذكر المتن، لأنه المقصود في تلك الحالة دون السند، ولا سيما إن كان السامع عارفا بمن طوى ذكره لشهرته أو غير ذلك من الأسباب.
وهذا كله في حق من لا يرسل إلا عن ثقة.
وأما من كان يرسل عن كل أحد فربما كان الباعث له على الإرسال ضعف من حدثه، لكن هذا يقضي القدح في فاعله لما تترتب عليه من الخيانة - والله أعلم –
__________
(1) 1/171) وانظر جامع التحصيل ص34.
(2) في (ب) ويزيد وهو خطأ.
(3) كلمة لطرفي من (ي) وهي الصواب وفي نسختي (ر) لغلو وفي (ب) نقلوا وكلاهما خطأ.
(4) التمهيد (1/34) والعلل للترمذي في الجزء الخامس ص 755.(4/13)
فإن/(ي 147) قيل: فهل(1) عرف أحد غير ابن المسيب كان لا يرسل إلا عن/(ب ص 177) ثقة.
قلنا: نعم، فقد صحح الإمام أحمد مراسيل إبراهيم النخعي لكن خصه غيره بحديثه عن ابن مسعود(2) - رضي الله تعالى عنه - كما تقدم(3) .
وأما مراسيله عن غيره، فقال يحيى القطان: "كان شعبة يضعف مرسل إبراهيم النخعي عن علي(4) - رضي الله تعالى عنه –".
وقال يحيى بن معين: "مراسيل إبراهيم النخعي صحيحة إلا حديث تاجر البحرين وحديث القهقهة".
قلت: وحديث القهقهة مشهور رواه الدارقطني(5) وغيره من طريقه.
وقد أطنب البيهقي في الخلافيات في ذكر طرقه وعلله(6).
__________
(1) كلمة فهل من (ي) وفي باقي النسخ فقد.
(2) لكن قال الذهبي: "قلت الذي استقر عليه الأمر أن إبراهيم حجة، وأنه إذا أرسل عن ابن مسعود وغيره فليس ذلك حجة". ميزان العتدال 1/75.
(3) انظر ص 344.
(4) المراسيل لابن أبي حاتم 12.
(5) السنن 1/171 حديث 43-44 من باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها وكان الدارقطني قد خرج الحديث من عدة طرق مدارها على أبي العالية وغيره، وبين عللها ثم قال بعد أن أخرجه من طريق إبراهيم النخعي: قال أبو الحسن : "رجعت هذه الأحاديث كلها التي قدمت ذكرها في الباب إلى أبي العالية الرياحي، وأبو العالية فأرسل هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - ولم يسم بينه وبينه رجلا سمعه منه عنه، وقد روى عاصم الأحول عن محمد بن سيرين وكان عالما بأبي العالية وبالحسن، فقال: "لا تأخذوا بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا".
(6) تكلم البيهقي في معرفة السنن (1/ل50) على حديث الوضوء من الكلام والضحك في الصلاة من طريق أبي العالية وابن سيرين وإبراهيم النخعي، وبين أنه لا يثبت متصلا وإنما هو مرسل.(4/14)
وأما حديث تاجر البحرين، فأشار به إلى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(1) عن وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي قال: "إن رجلا قال يا رسول الله ! إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلى ركعتين".
وقال البيهقي: "من المعلوم أن إبراهيم ما سمع من أحد من الصحابة، فإذا حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون بينه وبينه اثنان أو أكثر فيتوقف في قبوله من هذه الحيثية، وأما إذا حدث عن الصحابة، فإن كان ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه - فقد صرح هو بثقة شيوخه عنه وأما عن غيره فلا - و الله أعلم –".
وصحح ابن عبد البر مراسيل محمد بن سيرين قال: "لأنه كان يتشدد في الأخذ ولا يسمع إلا من ثقة"(2).
وقى يحيى القطان مراسيل سعيد بن جبير/(ر76/أ) ومراسيل عمرو بن دينار.
والمحفوظ عن كثير من الأئمة في مقابل ذلك شيء كثير لا يسعه هذا المختصر ومن أراد التبحر فليراجع مختصري لتهذيب الكمال/(ب 178) - والله الموفق -.
[هل يجوز تعمد الإرسال]:
فإن قيل: هل يجوز تعمد الإرسال أو يمنع(3) ؟
قلنا: لا يخلو المرسل أن يكون شيخ من أرسل الذي حدث به:
أ- عدلا عنده وعند غيره.
ب- أو غير عدل عنده وعند غيره(4).
ج- أو عدلا عنده لا عند غيره.
د- أو غير عدل عنده عدلا عند غيره.
هذه أربعة أقسام:
الأول: جائزة بلا خلاف.
والثاني: ممنوع بلا خلاف.
وكل من الثالث والرابع يحتمل/(ي 148) الجواز وعدمه.
وتردد(5) بينهما بحسب الأسباب الحاملة عليه - والله سبحانه وتعالى أعلم -.
__________
(1) 2/445 عن إبراهيم النخعي مرسلا، وانظر شرح علل الترمذي ص 231.
(2) في التمهيد 1/30 قال: "فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح".
(3) كلمة أو يمنع سقطت من (ب).
(4) هذه الفقرة سقطت من (هـ) و(ب) .
(5) كذا في جميع النسخ ولعله : وتردده.(4/15)
31- قوله (ع): "وما ذكر في حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يقلبوا من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إلا الواحد و الاثنين ليس بصحيح بالنسبة إلى الزهري"(1).
قلت: تمثيله بالزهري في صغار التابعين صحيح.
فإنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون هو من كبار التابعين فإن جميع من سموه من مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغار الصحابة أو ممن لم يلقهم الزهري وإن كان روى عنهم أو ممن لم تثبت له صحبة، وإن ذكر في الصحابة أو من ذكر فيهم بمقتضى مجرد الرؤية مجرد الرؤية ولم يثبت(2) له سماع، فهذا حكم(3) جميع من ذكر من الصحابة في مشايخ الزهري إلا أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - وإن كان من المكثرين فإنما لقيه، لأنه عُمّر وتأخرت وفاته.
ومع ذلك فليس الزهري من المكثرين عنه، ولا أكثر - أيضا - عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه -/(76/ب) فتبين أن الزهري ليس من كبار التابعين.
وكيف يكون منهم وإنما جل روايته/(ب 179) عن كبار التابعين لا كله؛ لأن أكثرهم مات قبل أن يطلب هو العلم.
وهذا بيّن لمن نظر في أحوال الرجال(4) - والله الموفق -.
65- قوله: "وأبي حازم"(5).
__________
(1) التقييد والإيضاح ص72 وقد عد العراقي سبعة عشر صحابيا ممن سمع منهم الزهري ثم قال: فهؤلاء سبعة عشر ما بين صحابي ومختلف في صحبته وقد تنبه المصنف لهذا الاعتراض فأملى حاشية على هذا المكان من كتابه فقال: "قوله الواحد والاثنين كالمثال وإلا فالزهري قد قيل إنه رأى عشرة من الصحابة وسمع منهم...".
(2) في (هـ) وما ثبت.
(3) من (ر) وفي باقي النسخ فهذا حكم حكم. والصواب ما في (ر).
(4) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/286 من قوله تمثيله بالزهري إلى هنا.
(5) مقدمة ابن الصلاح ص48.(4/16)
اعترض عليه مغلطاي وتبعه شيخنا شيخ الإسلام في "محاسن الاصطلاح"(1) بأنه ليس من صغار التابعين، فإنه سمع من الحسن بن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر وغيرهم- رضي الله عنهم -.
قلت: وهو اعتراض فيه نظر، لأن ان الصلاح إنما أراد أبا حازم سلمة بن دينار المدني(2)، وهو لم يلق من الصحابة سوى سهل بن سعد وأبي أمامة ابن سهل - رضي الله عنهما- فقط، وأرسل عن من لم يلقه من الصحابة، وجل روايته عن التابعين وأما الذي سمع من الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فهو أبو حزم الأشجعي/(ي 149) مولى عزة واسمه: سلمان(3). وهو من مشايخ الزهري، وإنما حصل الاشتباه لأن المصنف لم يذكر أبا حازم سلمة بصفة تميز عن أبي حازم سلمان لكن قرائن الحال (تقضي)(4) أنه إنما عناه ولو لم يكن إلا في تقديمه الزهري عليه في الذكر، فإن أبا حازم الأشجعي في منزلة شيوخ الزهري في الطبقة - والله أعلم -.
66- قوله (ص): "وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمى المنقطع مرسلا"(5).
لا يعني مذهب من يعد رواية صغار التابعين منقطعة.
اعترض عليه شيخنا الإسلام فقال: "هذا فيه نظر بل هو أصل يتفرع ما ذكر انه يتفرع منه"(6).
وأقول: وهذا من (مشترك الإلزام)(7).
__________
(1) ص 135 بهامش مقدمة ابن الصلاح.
(2) سلمة ابن دينار : الإمام أبو حزم المدني الأعرج أحد الأعلام عن سهل بن سعد وابن المسيب وعنه مالك وأبو ضمرة قال أبن خزيمة: "ثقة لو يكن في زمانه مثله، توفي سنة/(130/ع)، وقيل سنة 132. الكاشف 1/383، تقريب 1/316.
(3) سلمان أبو حزم الأشجعي مولى عزة جالس أبا هريرة خمس سنين وعنه محمد بن عجلان والأعمش، توفي سنة 101/ع. الكاشف 1/382، تهذيب التهذيب 4/140 وفيه روى عن الحسن و الحسين - رضي الله عنهما -.
(4) في كل النسخ يتبغي وفي هامش (ر) تقضي فأثبتناه لأنه الصواب.
(5) مقدمة ابن الصلاح ص 48.
(6) محاسن الاصطلاح ص 135.
(7) ما بين القوسين كذا في جميع النسخ.(4/17)
ويظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين/(ب 180) من المحدثين/(ر 77/أ) بأن المنقطع لا يسمى مرسلا، لأن المرسل يختص عندهم بما ظن منه السقوط الصحابي فقط جعل قول من قال منهم: إن رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعا (1) عنه، لأنه مما يظن (أنه سقط)(2) منه الصحابي والتابعي - أيضا -.
فإن قيل: فعلى هذا كان ينبغي لهم تسميته معضلا لا منقطعا كما سيأتي في تعريف المعضل أنه الذي سقط منه اثنان فصاعدا.
قلنا(3): ذاك حيث يتحقق ذلك أم مع الاحتمال فلا يسمى معضلا.
والتحرير أنه لا يسمى منقطعا - أيضا - فرجع إلى قول جمهورهم أنه لا فرق بين التابعي الكبير والصغير في إطلاق اسم الإرسال على مروي كل منهما- و الله أعلم -.
[هل سمي الإسناد منقطعا إذا كان فيه مبهم]:
67- قوله (ص): "إذا قيل في الإسناد عن رجل أو عن شيخ ونحوه, فالذي ذكره الحاكم أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا"(4).
فيه أمران :
أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه بل أخل منه بقيد/(88/ب) وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو: إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعا، وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة/(ي150)، فلا تسمى منقطعة (5) لمكان الطريق المفسرة.
وذلك لأنه قال في نوع المنقطع(6): "وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل ليس بمسمى(7) فلا يدخل في المنقطع مثاله: رواية سفيان الثوري عن داود بن أبي هند قال: حدثنا شيخ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان/(ب181)(8) فليختر العجز".
__________
(1) في (ب) تفرعا.
(2) في (ر) "أنه مما سقط".
(3) كلمة "قلنا" من (ر /أ) وفي باقي النسخ "فأما".
(4) مقدمة ابن الصلاح ص 49.
(5) في (ي) فلا يسمى منقطعا.
(6) معرفة علوم الحديث ص 28.
(7) في (ب) (بمبهم) وهو خطأ.
(8) كلمة الزمان ليست في (ب).(4/18)
قال رواه وهب بن خالد(1) وعلي بن عاصم(2) عن داود بن أبي هند قال: حدثني رجل من جديلة/(ر77/ب) يقال له : أبو عمرو عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به".
قال الحاكم: "فهذا النوع الوقوف(3) عليه متعذر إلا على الحفاظ المتبحرين".
قلت: فتبين بهذه الرواية المفسرة أنه لا انقطاع في رواية سفيان، وأما إذا جاء في رواية واحدة مبهمة فلم يتردد الحاكم في تسميته منقطعا وهو قضية صنيع أبي داود في "كتاب المراسيل" وغيره.
الثاني: لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي، أما لو قال التابعي عن رجل، فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أم لا، إن لم يصفه بالصحبة فلا يكون ذلك متصلا لاحتمال أن يكون تابعيا آخر، بل هو مرسل على بابه.
__________
(1) وهب بن خالد ليس له ذكر في هذا الإسناد في معرفة علوم الحديث وقد روى الحافظ هذا النص بشيء من التصرف.
(2) علي بن عاصم بن صهيب الواسيطي التميمي مولاهم صدوق يخطئ ويصر، ورمي بالتشيع من التاسعة، مات سنة 201 /دتق. تقريب (2/39)، تهذيب التهذيب 7/344.
(3) في (هـ) و(ب) الموقوف وهو خطأ.(4/19)
وإن وصفه بالصحبة، فقد حكى شيخنا كلام أبي بكر الصيرفي في ذلك وأقره(1). وفيه نظر؛ لأن التابعي إذا كان سالما من التدليس حملت عنعنته على السماع وإن قلت هذا إنما يتأتى في [حق](2) كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين، فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي و الفرض أنه لم يسمع حتى يعلم هل أدركه أم لا (3) ؟
فينقدح(4) صحة ما قال الصيرفي.
قلت: سلامته من التدليس كافية في ذلك إذ مدار هذا على قوة الظن به و هي حاصلة في هذا المقام - و الله أعلم -.
32- قوله/(ي 151) (ع)(5): "بل زاد البيهقي، فجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسل/(ب182) وليس هذا بجيد منه، اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا، و يجعله حجة كمراسيل الصحابة - رضي الله عنهم- فهو قريب".
__________
(1) التقييد و الإيضاح ص 74 قال العراقي: "فرق أبو بكر الصيرفي من الشافعية في "كتاب الدلائل" بين أن يرويه التابعي عن الصحابي معنعنا أو مع التصريح بالسماع فقال: وإذا قال في الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل لأني لا اعلم سمع التابعي من ذلك الرجل إذ قد يحدث التابعي عن رجل و عن رجلين عن الصحابي ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا؟ فلو علمت إمكانه مكنه لجعلته كمدرك العصر قال: وإذا قال: سمعت رجلا من أصحاب - صلى الله عليه وسلم - قبل لأن الكل عدول، - قال العراقي -: "انتهى كلام الصيرفي وهو حسن متجه".
(2) الزيادة من (ي).
(3) كلمة (لا) سقطت من (ر).
(4) في (ب) فيقدح .
(5) التقييد والإيضاح ص 74.(4/20)
قلت: يريد شيخنا أن يجعل الخلاف من البيهقي لفظيا، وهو توجيه جيد وقد صرح البيهقي بذلك في "كتاب المعرفة"(1) في الكلام على القراءة خلف الإمام، لكنه خالف ذلك في "كتاب السنن"(2) فقال:
- في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري - حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الوضوء بفضل المرأة. "وهذا حديث مرسل".
أورد ذلك في معرض رده معتذرا عن الأخذ به ولم يعلله إلا بذلك وهذا مصير منه(3) إلى أن عدم تسمية الصحابي يضر في اتصال الإسناد.
فإن قيل: هذا خاص فكيف يستنبط منه العموم في كل ما هذا سبيله؟
قلت: لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك ولو كان له علة غير هذا لبينها، لأنه في مقام البيان(4).
__________
(1) يريد الحافظ كلام البيهقي على حديث محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ..." الحديث، ثم قال البيهقي : "إسناده صحيح، و أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات، فترك ذكر أسمائهم لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه".
نقلا عن الجوهر النقي (1/191) بهامش السنن الكبرى للبيهقي ثم وجدت هذا الكلام في "كتاب المعرفة" للبيهقي (1/ل 121).
(2) 1/190) ولفظ الحديث: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمتشط أحدنا كل يوم ... أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا". قال البيهقي- عقبه -: "هذا الحديث رواته ثقات إلا أن حميدا لم يسم الصحابي الذي حدثه فهو بمعنى المرسل إلا أنه مرسل جيد لولا مخالفته للأحاديث الثابتة الموصولة قبله، وداود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان - رحمهما الله تعالى -.
(3) كلمة منه سقطت من (ب).
(4) بل علله البيهقي بعلتين أخريين:
1-بمخالفته للأحاديث الثابتة الموصولة قبله.
2-وبكون داود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان. السنن 1/190 وانظر الصفحة السابقة لهذه الصفحة.(4/21)
وقد بالغ صاحب الجوهر(1) النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك، وهو إنكار متجه(2) - و الله أعلم -.
68- قوله (ص): "حكم المرسل حكم الحديث الضعيف".
اعترض عليه بأنه قرر في النوع الأول أن البخاري إذا علق/(89/ب) الحديث جازما(3) على(4) من علقه عنه دل ذلك على صحة الإسناد بينه وبين من علقه عنه.
وقضية ذلك أن من يجزم من أئمة التابعين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث يستلزم صحة ما بينه وبينه، فكيف أطلق الحكم بالضعف على جميع المراسيل؟
والجواب: أن يقال: إنما اختص البخاري بذلك، لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا ذلك، فلا(5) بقال: لم يطرد المصنف ذلك في حق البخاري، لأنه قال-فيما أورده في/(ي152) كتابه بصيغة التمريض أن ليس فيه حكم بالصحة على من علقه عنه (6) ، لأنا لا(7) نسلم ذلك له(8)، بل كل ما أورده البخاري في كتابه مقبول إلا أن درجاته متفاوتة في الصحة، ولتفاوتها خالف بين العبارتين/(ر78/ب) في الجزم والتمريض إلا في مواضع يسيرة جدا أوردها وتعقبها بالتضعيف أو التوقف في صحتها كما سبق موضحا - والله اعلم -.
__________
(1) في جميع النسخ "الدر النقي" والصواب ما أثبتناه، والكتاب مشهور.
(2) خلاصة رد ابن التركماني صاحب الجوهر النقي في الرد على البيهقي متناقض في الحكم على هذا النوع (وهو قول التابعي حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كذا) فتارة يقول البيهقي: إنه بمعنى المرسل وتارة يسميه منقطعا وتارة يقول: إسناد صحيح وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم ثقات فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه. الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي الكبرى 1/191.
(3) في (ب) (جزما) .
(4) في (ي ) (عن).
(5) في (هـ) (ولا).
(6) كلمة (عنه) من (ي) و في باقي النسخ (منه) وهو خطأ.
(7) في (هـ) و(ر) (لم).
(8) كلمة (له) سقطت من (ب).(4/22)
69- قوله (ص): "إلا أن يصح مخرجة بمجيئه من وجه آخ" (1) ...إلى آخره.
قد استنكر هذا جماعة من الحنفية ومال معهم طائفة من الأصويين كالقاضي أبي بكر وطائفة من الشافعية.
وحجتهم أن الذي يأتي من وجه إما أن يكون مرسلا أو مسندا. إن كان مرسلا فيكون ضعيف انضم إلى ضعيفا فيزداد ضعفا(2) .
وجواب هذا ظاهر على قواعد المحدثين على ما مهدناه في الكلام على الحديث الحسن.
وحاصله: أن المجموع حجة لا مجرد المرسل وحده ولا المنضم وحده، فإن حالة الاجتماع تثير ظنا غالبا وهذا شأن لكل (3) ضعيفين اجتمعا كما تقدم.
ونظيره خبر الواحد إذا احتفت به القرائن يفيد العلم عند/(90/أ) قوم كما تقدم.
ومع أنه لا يفيد ذلك بمجرده ولا القرائن بمجردها. قالوا: وإن كان مسندا فالاعتماد عليه، فيقع المرسل لغوا، وقد قوى ابن الحاجب الإيراد الثاني.
وقد أجاب عنه المصنف بقوله: إنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم له مع إرساله بكونه صحيحا/(ب184)(4) .
وأجاب عنه الشيخ محي الدين بجواب آخر(5) ذكره شيخنا، وهو أنه يفيد[قوة](6) عند التعارض.
قلت: وظهر لي جواب آخر وهو: أن المراد بالمسند الذي يأتي من وجه آخر ليعضد المرسل ليس هو المسند الذي يحتج به على انفراده بل هو الذي يكون فيه مانع من الاحتجاج به على انفراده مع صلاحيته للمتابعة.
فإذا وافقه مرسل لم يمنع من الاحتجاج به إلا إرساله عضد كل منهما الآخر (7)، تبين/(ي 153) بهذا أن فائدة مجيء هذا المسند لا يستلزم أن يقع المرسل لغوا - والله الموفق -.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ( ص 49) يعني المرسل وقبله قوله: "ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف".
(2) انظر جامع التحصيل 1/42.
(3) في (ي) كل.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص49.
(5) التقريب للنووي مع تدريب الراوي ص120.
(6) الزيادة من ر/أ.
(7) ولكن يقال: إن القائلين بأن المرسل يعتضد إذا جاء من وجه آخر مسندا لم يشترطوا هذا الشرط.(4/23)
وقد كنت أتبجح بهذا الجواب وأظن أنني لم أسبق إلى تحريره حتى وجدت نحوه في المحصول للإمام فخر الدين. فإنه ذكر هذه المسألة ثم قال: "هذا في سند لم تقم به الحجة في إسناده"(1).
قلت: فازددت لله شكرا على هذا الوارد - والله الموفق -.
70- قوله (ص): "وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ أهل الحديث"...إلى آخره (2) .
اعترض عليه مغلطاي بأن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين.
قال ابن عبد البر: "يشير أبو جعفر بذلك إلى الشافعي(3) - رضي الله عنه –" انتهى.
وكذا نقل ابن الحاجب في مختصره إجماع التابعين/(ه 90/ب) على قبول المرسل لكنه مردود على مدعيه ، فقد قال سعيد بن المسيب - وهو من كبار التابعين- : إن المرسل ليس بحجة.
نقله عنه الحاكم، وكذا تقدم نقله عن محمد بن سيرين وعن الزهري وكذا كان يعيبه شعبة و أقرانه و الآخذون عنه كيحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغير واحد(4) وكل هؤلاء قبل الشافعي.
ونقله الترمذي(5) عن أكثر أهل الحديث.
__________
(1) انظر شرح الأسنوي للمنهاج 2/267 فإنه نقل معناه عن المحصول ثم وجدته في المحصول (2/ل 78) مصورة في الجامعة الإسلامية عن مخطوطة بدار الكتب برقم 130 أصول الفقه.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص49، وتمامه: "ونقاد الأثر وقد تداولوه في تصانيفهم".
(3) التمهيد (1/4).
(4) انظر جامع التحصيل 1/95.
(5) العلل للترمذي آخر الجزء الخامس من السنن ص 752.(4/24)
وكذا ما وقع في رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف السنن قال: "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه تابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره"(1).
قلت: فبان أن دعوى الإجماع مطلقا أو إجماع التابعين مردودة. وغايته أن الاختلاف كان من التابعين ومن بعدهم.
وما نقله أبو داود عن/(ر79/ب) مالك ومن معه معارض بما نقلناه عن /(ي154) شعبة ومن معه، ولم يزل الخلاف موجودا، لكن المشهور عن أهل الحديث خاصة عدم القول بالمرسل- والله أعلم -.
تنبيه:
تقدم النقل عن ابن عبد البر وغيره(2) أن من قال بالمرسل لا يقول به على الإطلاق، بل شرطه أن يكون المرسل ممن يحترز في الرواية، أما من كان يكثر الرواية عن الضعفاء أو عرف من شأنه أنه يرسل عن القات و الضعفاء، فلا يقبل مرسله مطلقا.
وممن حكاه - أيضا- أبو بكر الرازي من الحنفية.
وهذا وارد على إطلاق المصنف النقل عن المالكية والحنفية أنهم يقبلون المرسل مطلقا، وكذا نقل الحاكم عن مالك أن المرسل عنده ليس بحجة(3)، وهو نقلم(ه91/أ) مستغرب، والمشهور خلافه (4) - والله أعلم -.
__________
(1) الرسالة لأبي داود ضمن مجموع بالمكتبة الظاهرية بدمشق رقم 348، وهذا النص في ورقة 189، وفي المطبوعة بتحقيق الصباغ ص 24.
(2) انظر ص 552.
(3) لم أجده في معرفة علوم الحديث.
(4) انظر التمهيد لابن عبد البر 1/2.(4/25)
ثم لا يخفى أن محل قبول المرسل عند من يقبله إنما هو حيث يصح باقي الإسناد، أما إذا أشتمل على علة أخرى فلا يقبل، فهذا واضح ولم يذكر المصنف مذهب أحمد بن حنبل في المرسل، والمشهور عنه الاحتجاج به(1) لأنه(2) في رسالة أبي داود كما ترى أن أحمد وافق الشافعي على عدم الاحتجاج به. واقتضى إطلاق المصنف النقل عن المالكية والحنفية أنهم (يقبلونه)(3) مطلقا وليس كذلك، فإن عيسى بن أبان وابن الساعاتي وغيرهما من الحنفية وابن الحاجب ومن تبعه من المالكية لا يقبلون منه إلا ما أرسله إمام من أئمة النقل، بل رده القاضي الباقلاني(4) مطلقا ونازع في قبوله إذا اعتضد - أيضا -.
وقال: الصواب رده مطلقا وهو من أئمة المالكية- والله أعلم -.
33-قوله (ع): "بل الصواب أن يقال : لأن أكثر رواياتهم- يعني/(ر80/أ) الصحابة - عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعد التابعين"(5).
قلت: وهو تعقب صحيح، لكن ألزم بعض الحنفية من يرد المرسل بأنه يلزم على أصلهم عدم قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - .
__________
(1) انظر المسودة لآل تيمية ص250.
(2) كذا في (ر) وفي باقي النسخ "ولأنه" والظاهر إلا أنه.
(3) في جميع النسخ يردونه والصواب يقبلونه لأن عبارة المصنف ص50: "والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة" وهو المعروف الواضح من مذهب الإمامين ومن تبعهما إلا من استثناهم الحافظ فإنهم لا يقبلونه إلا بشرط.
(4) المستصفى 1/107.
(5) التقيد والإيضاح ص75 قال العراقي هذا الكلام تعقبا على قول ابن الصلاح: "ثم أنا لم نعد في أنواع المراسيل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة، لأن الصحابة كلهم عدول - و الله اعلم -".(4/26)
وتقرير ذلك أنه إذا لم/(ي155) يعلم أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - احتمل أن يكون سمعه منه، أو من صحابي آخر، أو من تابعي ثقة، أو من تابعي ضعيف، فكيف يجعل حجة والاحتمال قائم؟
والانفصال عن ذلك أن يقال: قول الصحابي: قال(1) - رسول الله صلى الله عليه وسلم - ظاهر في أنه سمعه منه أو من صحابي آخر، فالاحتمال أن يكون سمعه من تابعي ضعيف نادرا جدا لا يؤثر في الظاهر، بل حيث رووا عن من هذا سبيله بينوه (2) وأوضحوه.
وقد تتبعت روايات الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - عن التابعين/(91/ب) وليس فيها من رواية صحابي عن تابعي ضعيف في الأحكام شيء يثبت. فهذا يدل على ندور أخذهم عن من يضعف من التابعين - والله أعلم -.
34- قوله (ع): "فإن المحدثين و إن ذكروا مراسيل الصحابة- رضي الله عنهم - فإنهم/(ب187) لم يختلفوا في الاحتجاج بها"(3) .
قلت: في إطلاق هذا النفي عن المحدثين نظر، فإن أبا الحسن ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام" منهم وقد رد أحاديث من مراسيل عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ليست لها علة إلا ذلك.
منها: حديث جابر في الصلاة جبريل عليه الصلاة و السلام بالنبي - صلى الله عليه وسلم -(4) وغير ذلك - والله أعلم -.
35- قوله (ع): "ودعوى الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبي إسحاق - رحمه الله –"(5).
قلت: قد صرح غيره بأن الاتفاق ر80/ب كان حاصلاً قبل الأستاذ فجعل الأستاذ محجوبا بذلك.
__________
(1) في كل النسخ قول و الصواب ما أثبتناه.
(2) كلمة بينوه سقطت من (ب) و (هـ).
(3) التقييد والإيضاح ص 80 وقبله: "وفي بعض شروح المنار في الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج بها" ونقل الاتفاق مردود..الخ.
(4) بيان الوهم والإيهام قسم 2/ج2، ورقة 249.
(5) التقييد والإيضاح ص80.(4/27)
وفي ذلك نظر، فقد قدمنا قبل(1) في الكلام على المرسل عن جماعة من أئمة الأصول بما يقتضي موافقة الأستاذ وفيهم من هو قبله، فلم ينفرد بذلك في الجملة - و الله أعلم -.
__________
(1) كلمة قبل سقطت من (ب).(4/28)
النوع العاشر: المنقطع
71-قوله/(ي156) (ص)(1): "بعد أن ذكر في أمثلة المنقطع رواية عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق"(2) ...الحديث.
فهذا الإسناد إذا تأمله الحديثي ظنه متصلا إلى آخره، وفيه أمران:
أحدهما: أن هذا المثال إنما يصلح للحديث المدلس لأن كل راو من رواته قد لقي شيخه فيه وسمع منه وإنما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس.
والأولى في مثال المنقطع أن يذكر ما انقطاعه فيه من عدم اللقاء - كمالك عن ابن عمر - رضي الله عنه -، والثوري عن إبراهيم النخعي/(ه92/أ) وأمثال ذلك.
الثاني: قوله: أن الحديثي إذا تأمله ظنه متصلا، يريد بقوله الحديثي المبتدى في طلب الحديث.
وقد ظن بعضهم أنه أراد به المحدث، فقال: "كان ينبغي أن يقول: غير الحديثي، لأن المحدث إذا نظر في إسناد فيه مدلس قد عنعنه لم يحمله على الاتصال من أجل التدليس، فالأليق(3) حمل كلامه على أنه أراد بقوله الحديثي المبتدي - و الله أعلم -.
72- قوله: (ص)(4): "ومنها (5): ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنقطع ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه"(6).
قلت: والمبهم المذكور هو: الحافظ أبو بكر: أحمد بن إبراهيم البرديجي، ذكر ذلك في جزء له لطيف تكلم فيه على المرسل والمنقطع.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص52.
(2) عن أبي إسحاق عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين..." الحديث ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 28-29).
(3) في (ب) فأليق.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص53.
(5) أي من المذاهب في المنقطع.
(6) الكفاية ص21.(5/1)
وفات المصنف/(ر81/أ) من حكاية في المنقطع ما قاله أبو الحسن إلكيا الهراسي(1) في تعليقه، فإنه ذكر فيه: أن مصطلح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير إسناد أصلا.
والمرسل: ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل.
قال ابن الصلاح في فوائد رحلته: "هذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم، وإنما هو من كسبه(2) - والله أعلم –".
ثم إن المصنف لم يتعرض لحكم المنقطع كما تعرض لحكم المرسل وحكاية الخلاف في قبوله ورده.
وقد قال ابن/(ي157) السمعاني: "من منع من قبول المرسل، فهو أشد منعا لقبول المنقطعات، ومن قبل المراسيل اختلفوا".
قلت: وهذا على مذهب من يفرق بين المرسل والمنقطع، أما من يسمي الجميع مرسلا على ما سبق تحريره (3)، فلا - والله أعلم -.
وكذلك/(92/ب) لم يذكر المصنف مدارك الانقطاع، وقد ذكر منه(4) شيئا في "النوع الثامن والثلاثين"(5) وهو: المراسيل الخفي إرسالها، وسأذكر بسط ذلك هناك إن شاء الله - والله أعلم -.
النوع الحادي عشر: المعضل
73- قوله/(ب 189) (ص): "المعضل اصطلاحا: وهو عبارة عما سقط منه اثنان فصاعدا (6)...إلى آخره".
__________
(1) هو علي بن محمد بن علي أبو الحسن الطبري الملقب بعماد الدين فقيه شافعي مفسر درس بالنظامية ووعظ واتهم بمذهب الباطنية من كتبه أحكام القرآن. مات سنة 504. الأعلام 5/149، انظر وفيات الأعيان 3/286.
(2) لعله هذا هو السبب في إهمال ابن الصلاح حكاية هذا الخلاف.
(3) انظر ص543.
(4) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب: "منها" لأن الضمير عائد إلى "المدارك".
(5) مقدمة ابن الصلاح ص 260 قال ابن الصلاح: "...والمذكور في هذا الباب ما عرف فيه الإرسال: (أ) بمعرفة عدم السماع من الراوي فيه (ب) أو عدم اللقاء ... (ج) ومنه: ما كان الحكم بإرساله محالا على مجيئه من وجه آخر بزيادة شخص واحد أو أكثر في الموضع المدعى فيه الإرسال...".
(6) مقدمة ابن الصلاح: ص54.(5/2)
قلت: وجدت التعبير بالمعضل في كلام الجماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء البتة.
فمن ذلك: ما قال محمد بن يحيى الذهلي - في الزهريات -:
حدثنا أبو صالح الهراني(1) ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف فيمر بالمريض فيسلم عليه ولا يقف".
قال/(ر82/ب) الذهلي: "هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة - رضي الله عنها - ليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ذكر والوهم فيما نرى من ابن لهيعة"(2).
__________
(1) هكذا في جميع النسخ ولم أقف للهراني على ترجمة وليس في الرواة عن ابن لهيعة -حسب إطلاعي- من اسمه أبو صالح إلا كاتب الليث عبد الله بن صالح المصري الجهني ولعل الهراني تصحيف عن الجهني، ثم تبين لي أنه عبد الغفار بن داود الحراني أبو صالح المصري، ثقة، تهذيب التهذيب 6/356.
(2) روى البغوي في شرح السنة 6/400 من طريق محمد بن يحيى نا عثمان بن عمر نا يونس عن الزهري عن عروة وعمرة أن عائشة قالت: "إن كنت لأتي البيت وفيه المريض فما أسأل عنه إلا وأنا مارة وهي معتكفة" فلعل الذهلي يريد هذا الحديث. روى البيهقي في السنن الكبرى 4/321 من طريق أبي داود ثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن عبد الرحمن - يعني ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها" ...قال البيهقي عقبه: قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة - رضي الله عنها - وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، وعن ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال: "-المعتكف لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة".(5/3)
ومن ذلك: قال النسائي - في اليوم الليلة -: ثنا يزيد بن سنان(1) نا مكي بن إبراهيم(2)، عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : "متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .." الحديث.
قال النسائي:" هذا حديث معضل لا أعلم من رواه غير مكي، لا بأس به، لا أدري من أنبأني به".
__________
(1) يزيد بن سنان البصري القزاز عن عبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن هشام وعنه (س) وأبو عوانة وابن أبي حاتم ثقة نزل مصر مات سنة 264هـ.
الكاشف 3/279، تهذيب التهذيب 11/335.
(2) مكي بن إبراهيم بن بشير التميمي البلخي أبو السكن ثقة ثبت من التاسعة مات سنة 215/ع. تقريب 2/273 الكاشف 3/173.(5/4)
ومن ذلك قال أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني(1) - في ترجمة ضبارة بن عبد الله(2) أحد الضعفاء -: "روى حديثا معضلا"(3) وهو متصل الإسناد.
وقال ابن عدي - في ترجمته زهير بن مرزوق - في "الكامل":
قال ابن معين: "لا أعرفه".
قال:/(ي 158) "وإنما قال ابن معين ذلك لأنه ليس له إلا حديث معضل وساقه، وإسناده متصل(4) /(ه 93/أ)".
__________
(1) الجوزجاني - بضم الجيم الاولى وزاي وجيم - نزيل دمشق ثقة حافظ رمي بالنصب من الحادية عشرة مات 259/د ت س . تقريب (1/47) ، الكاشف 1/97.
(2) ضبارة بن عبد الله ( د س ق ) ابن أبي السليل شامي عن دويد بن نافع وعنه بقية بن الوليد وغيره ساق له أن عدي في كامله ستة أحاديث فيه لين. ميزان الاعتدال (2/322).
(3) الشجرة للجوزجاني (ورقة 16/ب) بالمكتبة الظاهرية بدمشق برقم 349 حديث وفيه: "ضبارة ابن عبد الله روى عن دويد عن الزهري حديثا معضلا عن أبي قتادة". والحديث المشار إليه ما رواه ابن عدي في الكامل (204/ب) قال حدثنا الحسين بن أبي معشر حدثنا يحيى بن عثمان ومحمد بن مصفى قالا: ثنا بقية حدثني ضبارة بن عبد الله أخبرني دويد بن نافع عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا قتادة بن ربعي أخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله : "إني فرضت على أمتك خمس صلوات و إني عهدت عندي عهدا أن من حافظ عليهن لوقتهن أدختله الجنة..." وهذا ما أقل من رفعه عن الزهري...ومن رواية ضبارة هذا عن دويد عن الزهري ورواه وهيب ومعمر والنعمان بن راشد عن الزهري موقوفا.
(4) الكامل (2/4/ل374) ولم أجد في الكامل في ترجمة زهير بن مرزوق إلا هذا الكلام، ولم أر فيه الإسناد المتصل الذي ذكر الحافظ أن ابن عدي ساقه متصلا.(5/5)
وقال الحاكم أبو أحمد - في ترجمة الوليد بن محمد الموقري -(1): "كتبنا له عن المسيب بن واضح(2) أحاديث مستقيمة، ولكن حاجب(3) ابن الوليد/(ب190) وعلي بن حجر(4) حدثا(5) عنه بأحاديث معضلة.
وقال ابن عبد البر: "في حديث رواه عبد الجبار بن أحمد السمرقندي عن محمد بن عبد الله المنقري عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
__________
(1) الوليد بن محمد الموقري - بضم الميم وبقاف مفتوحة أبو بشر البلقاوي مولى بتي أمية متروك من الثامنة مات سنة 182/ت ق . تقريب (2/335)، وانظر ميزان الاعتدال 4/346 وانظر الكنى لأبي أحمد الحاكم (ل 37 و2).
(2) المسيب بن واضح السلمي الحمصي عن ابن المبارك و إسماعيل بن عياش وخلق، وعنه أبو حاتم وابن داود و آخرون قال أبو حاتم: "صدوق يخطئ كثيرا" وقال ابن عدي: "كان النسائي حسن الرأي فيه وساق له ابن عدي عدة أحاديث تستنكر" ثم قال: "أرجو أن باقي حديثه مستقيم وهو ممن يكتب حديثه". ميزان الاعتدال 4/116.
(3) حاجب بن الوليد بن ميمون الأعور أبو محمد المؤدب الشامي نزيل بغداد صدوق من العاشرة، مات سنة 228/م كد.
تقريب (1/138)، الكاشف 1/192.
(4) علي بن حجر -بضم المهملة وسكون الجيم - ابن أياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو، ثقة حافظ من صغار التاسعة مات سنة 244 وقد قارب المائة أو جاوزها /خ م د س. تقريب (2/33)، الكاشف 2/280.
(5) من (ه) و(ي) وفي (ر) و(ب) حدثنا.(5/6)
لا مدخل لسعيد ولا لأبي هريرة - رضي الله عنه - في هذا الحديث، وإنما رواه الزهري عن علي بن الحسين - رضي الله عنه -(1) /(ر82/أ) وهذا مما أخطأه فيه عبد الجبار وأعضله.
__________
(1) ط47- كتاب حسن الخلق حديث (3)، حم 1/201 من طريق الزهري عن علي بن الحسين مرسلا ثم عن أبيه متصلا. وت 37 -كتاب الزهد 11- باب حدثنا سليمان بن عبد الجبار حديث 2318 من طريق مالك الزهري به مرسلا ثم قال عقبه قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري عن الزهري عن علي بن الحسين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث مالك مرسلا وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة ، وعلي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
ورواه ت 37 - كتاب الزهرد حديث 2317 من طريق الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال عقبه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه، وجه 36- كتاب الفتن 12- باب كف اللسان حديث 3976 من طريق الزهري به.
وقال الزرقاني في شرح الموطأ 4/253: "والحديث حسن بل صحيح أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي وابن ماجه من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأحمد والطبراني في الكبير عن الحسن بن علي و الحاكم في الكنى عن أبي ذر والعسكري والحاكم في تاريخه عن علي بن أبي طالب والطبراني في الصغير عن زيد بن ثابت وابن عساكر عن الحارث عن هشام".(5/7)
قال أبو الفتح الأزدي(1)- في ترجمته محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري - (2): "روى عن ملك بن دينار معاضيل"(3).
ونسخة هذا الرجل هي عن مالك بن دينار عن أنس- رضي الله عنه - وغيره، ولا انقطاع فيها.
فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين، أو يكون المعضل الذي عرف به المصنف وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، وهذا (4) الذي نقلناه (5) من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد و يعنون به المستغلق الشديد. وفي الجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا.
فإن قيل: فمن سلف المصنف - في نقله - أن هذا النوع يختص بما سقط من إسناده اثنان فصاعدا؟
قلنا: سلفه في ذلك علي بن المديني ومن تبعه.
وقد حكاه الحاكم في علوم الحديث عنهم.
__________
(1) هو الحافظ العلامة: محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بريدة الموصلي حدث عن أبي يعلى وابن جرير والباغندي وطبقتهم وعنه أبو نعيم الحافظ وطبقته ضعفه البرقاني ووهاه جماعة بلا مستند طائل له مصنف كبير في الضعفاء ومصنفات أخرى في علوم الحديث مات سنة 367. تاريخ بغداد 2/243، تذكرة الحفاظ 3/967.
(2) محمد بن عبد الله أبو سلمة الأنصاري عن مالك بن دينار وغيره قال ابن حبان: منكر الحديث جدا وقال محمد بن طاهر: هو كذاب وله طامات. المغني للذهبي (2/599) كتاب المجروحين لابن حبان 2/266.
(3) كلمة "معاضيل" سقطت من (ب).
(4) في كل النسخ "هو" والتصويب من توضيح الأفكار 1/329 حيث نقل هذا الكلام عن الحافظ.
(5) من (ر) وفي (هـ) (ب) قلناه.(5/8)
فإنهم قالوا: المعضل: أن يسقط بين الرجل وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من رجل والفرق بينه و بين المرسل أن/(93/ب) المرسل مختصر التابعين دون غيرهم(1) - والله الموفق -.
74- قوله (ص): "ولا التفات في ذلك إلى معضا بكسر الضاد"(2).
اعترض عليه مغلطاي/(ي 159) بناء على فهمه من كلامه أن مراده نفي جواز استعمال معضل - بكسر الضاد - فقال: "كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس عربيا(3). وليس كذلك فإن صاحب الموعب حكاها. وفي الأفعال: عضل الشيء عضلا: أعوج - يعني - فهو معضل".
قلت: ولم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا، وإنما أراد أنه لا يؤخذ منه معضل بفتح الضاد، لأن معضل بكسر الضاد من رباعي قاصرة، والكلام إنما هو في رباعي متعد(4).
وعضيل: يدل عليه، لأن فعيلا بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي.
وقد فسر عضيل بمستغلق بفتح اللام فتبين أنه رباعي متعد وذلك يقتضي صحة قولنا معضل بفتح الضاد، وهو المقصود.
هكذا قرره شيخنا شيخ الإسلام.
ثم قال: "وفي الجملة فالأحسن أن يكون من أعضلته إذا صيرت أمره معضلا"(5).
__________
(1) قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ص36، "...فقد ذكر إمام الحديث علي بن عبد الله المديني فمن بعده من أئمتنا أن المعضل من الروايات أن يكون بين المرسل إلى الرسول - صثلى الله عليه وسلم - أكثر من رجل وأنه غير المرسل، فإن المراسيل للتابعين دون غيرهم".
(2) مقدمة ابن الصلاح ص54.
(3) في (ه) غريبا بالغين المعجمة فياء وهو خطأ.
(4) في جميع النسخ متعدي بالياء آخره وهو خطأ فإن المنقوص إذا كان نكرة تحذف منه الياء في حالتي الرفع والجر ويعوض عنها التنوين.
(5) انظر محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ص 147-149.(5/9)
قلت: فكأن المحدث الذي حدث به على ذلك الوجه أعضله فصار معضلا، وبهذا التقرير يندفع الإشكال(1) - والله أعلم-.
75- قوله (ص): "وإذا روى تابع التابع عن التابع حديثا موقوفا وهو متصل مسند"....(2) إلى آخره.
مراده بذلك تخصيص هذا القسم الثاني من قسمي المعضل- بما اختلف الرواة فيه على التابعي، بأن يكون بعضهم وصله مرفوعا، وبعضهم وقفه على التابعي، بخلاف القسم الأول، فإنه أعم من أن يكون له إسناد آخر متصل أم لا.
تنبيه:
قال الجوزجاني(3)- في/(ه 94/أ) مقدمة كتابه في الموضوعات:
"المعضل أسوأ حالا من المنقطع، والمنقطع أسوأ حالا من المرسل والمرسل لا تقوم به حجة"(4).
قلت: وإنما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد، وأما إذا كان في موضعين أو أكثر، فإنه يساوي المعضل في سوء/(ي 160) الحال/(ب192) - والله تعالى أعلم -.
__________
(1) في هامش (ر) جعل هنا قوله : عضيلا يدل عليه قول ابن الصلاح وبحثت فوجدت له قولهم : أمر عضيل أي مستغلق شديد دليل على وجود رباعي متعد لأن عضيل بمعنى اسم المفعول أي معضل المشتق من الرباعي. وفي التدريب: جعل وجود عضيل دليلا على وجود ثلاثي لازم حتى تكون الهمزة في الرباعي للتعدية، لأنه جعل عضيلا فعيلا بمعنى فاعل فيدل على الثلاثي اللازم ولكل وجهه. انظر تدريب الرأوي ص129 فإن فيه بعضا من هذا الكلام.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص55 وتمامه "إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل".
(3) هكذا والصواب الجوزقاني وهو أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمداني الجوزقاني (وجوزقان) ناحية من همدان توفي سنة 543 الرسالة المستطرفة111-112.
(4) انظر الأباطيل للجوزقاني ل3/ب و1/12 من المطبوع بتحقيق الفريوائي.(5/10)
36- قوله (ع): "وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا لجواز أن يكون الساقط بين مالك وبين أبي هريرة - رضي الله عنه - واحدا.... (1)" إلى آخره.
أقول: بل السياق يشعر عدم السقوط، لأن (معنى)(2) قوله بلغني يقتضي ثبوت مبلغ، فعلى هذا فهو متصل في إسناده مبهم لا أنه منقطع.
وقول الشيخ في الجواب: "إنا عرفنا منه سقوط اثنين" (3) فيه نظر على اختياره، أنه يرى أن الإسناد الذي فيه مبهم لا يسمى منقطعا كما صرح به، فعلى هذا لم يسقط من الإسناد بعد التبين سوى واحد.
وأما أبو نصر(4) الذي نقل أنه يسمى معضلا، فجرى على طريقة من يسمى الإسناد إذا كان فيه مبهم منقطعا - والله أعلم - .
37- قوله /أ (ع): "في الإسناد المعنعن والصحيح أنه من قيبل الإسناد المتصل وكاد أبو عمر ابن عبد البر أ، يدعي إجماع أئمة النقل على ذلك"(5).
إنما عبر هنا بقوله: كا؛ لأن ابن عبد البر إنما جزم إجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل.
76- قوله: ب (ص) : "في الإسناد المعنعن والصحيح أنه من قبيل الإسناد المتصل وكاد أبو عمرو الداني إجماع أهل النقل على قبوله" (6).
__________
(1) التقييد والإيضاح ص82 قال العراقي: "قوله: يعني ابن الصلاح: وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي: بلغني نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للمملوك طعامه وكسوته..." الحديث". وقال: "أصحاب الحديث يسمونه المعضل، وقد استشكل كون هذا الحديث...."الخ.
(2) كلمة (معنى) ليست في (ي).
(3) التقييد والإيضاح ص83.
(4) هو: عبد الله بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي (أبو نصر) محدث حافظ صنف وخرج وكان قيما بالأصول والفروع، من تصانيفه الإبانة في الرد على الرافعين، مات سنة 469. معجم المؤلفين 6/58.
(5) التقييدو الإيضاح ص83.
(6) مقدمة ابن الصلاح ص56.(5/11)
قلت: إنما أخذه الداني من كلام الحاكم، ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه، فالعجب (1) كيف نزل عنه إلى النقل/(94/ب) عن الداني.
قال الحاكم: "الأحاديث المعنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل"(2).
وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية(3) التي هي(4) معول المصنف في هذا المختصر، فقال:
"أهل العلم مجمعون(5) على أن قول المحدث: حدثنا فلان عن فلان صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره/(ب ص 193) يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه/(ر 83/ب) ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث مدلسا.
(ولا يعلم أنه يستجيز)(6) إذا حدثه شيخه عن بعض من أدركه حديثا/(ي161) نازلا فسمى بينهما في الإسناد من حدثه به - أن يسقط شيخ شيخه ويروي الحديث عاليا بعد أن يسقط الواسطة.
قلت: ومراد الخطيب بهذا الاحتراز أن لا يكون المعنعن مدلسا ولا مسويا(7)، ولكن في نقل الإجماع بعد هذا كله نظر، فقد ذكر الحارث المحاسبي (8) - وهو من أئمة الحديث والكلام - في كتاب له سماه "فهم السنن" ما(9) ملخصه: "أن أهل العلم اختلفوا فيما يثبت به الحديث على ثلاثة أقوال:
__________
(1) في (ب) فالتعجب
(2) معرفة علوم الحديث ص34.
(3) ص291.
(4) كلمة هي من هامش (ر).
(5) في (ب) "مجموعون".
(6) ما بين قوسين من الكفاية وفي جميع النسخ "ولا مستجيزا به".
(7) من (ر) وفي (هـ) و(ب) مستويا وهو خطأ.
(8) الحارث بن أسد المحاسبي البصري أبو عبد الله صوفي متكلم فقيه محدث حدث عن يزيد بن هارون وطبقته له مؤلفات منها "التفكر والاعتبار" و"الرعاية في الزهد والأخلاق" توفي سنة 243.
معجم المؤلفين 3/174، تاريخ بغداد 8/211، ميزان الاعتدال 1/199.
(9) في (ه) و(ب) "مما".(5/12)
الأول: أنه لا بد أن يقول كل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت إلى أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا لم يقولوا كلهم ذلك أو لم يقله بعضهم ، فلا يثبت لأنهم عرف من عادتهم الرواية بالعنعنة فيما لم يسمعوه.
الثاني: التفرقة بين المدلس وغيره، فمن عرف لقيه وعدم تدليسه قبل وإلا فلا.
الثالث: من عرف لقيه وكان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة قبل وإلا فلا.
ففي حكاية القول الأول خدش في دعوى الإجماع السابق إلا أن يقال إن الإجماع راجع إلى ما استقر عليه الأمر بعد انقراض/(95/أ) الخلاف السابق فيخرج على المسألة الأصولية في قبول(1) الوفاق بعد الخلاف.
ومع ذلك فقد قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني: "إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ر84/أ) قال كذا، لم يكن ذلك صريحا في أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - هو محتمل لأن قد سمعه منه أو من غيره عنه.
فقد حدث جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحاديث، ثم ظهر أنهم سمعوها من بعض الصحابة - رضي الله عنهم –"(2).
قلت: وهذا بعينه هو البحث في مرسل الصحابي(3)- رضي الله عنهم - وقد قدمت ما فيه(4)، وأن الجمهور على جعله حجة.
وإنما الكلام هنا في أن/(ي162) العنعنة ولو كانت من غير المدلس هل تقتضي السماع أم لا فكلام القاضي يؤيد ما نقله الحارث المحاسبي عن أهل القول الأول - والله أعلم -.
تنبيه:
حاصل كلام المصنف أن الفظ (عن) ثلاثة أحوال:
__________
(1) في جميع النسخ فنون وما أثبتناه من هامش (ر) ويبدو أنه الصواب.
(2) انظر حاشية السعد على شرح العضد لمختصر المنتهى لابن الحاجب 2/68 ونهاية السول للأسنوي مع البدخشي 2/257.
(3) الكلام في مسل الصحابي في المستصفى للغزالي 1/107.
(4) انظر ص549.(5/13)
أحدها: أنها بمنزلة حدثنا وأخبرنا بالشرط السابق.
الثاني: إنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت عن مدلس وهاتان (الحالتان)(1) مختصتان بالمتقدمين.
وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة، فهي بمنزلة أخبرنا، لكنه إخبار جملي كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه الحالة الثالثة.
ولأجل هذا قال المصنف(2): "لا يخرجها ذلك (من)(3) قبيل الاتصال(4)إلا أن الفرق بينهما وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والإجازة، لكون السماع أرجح - والله أعلم –".
وإذا تقرر هذا فقد فات المصنف حالة أخرى/(95/ب) لهذه اللفظة وهي خفية جدا قل من نبه عليها، بل لم ينبه عليها أحد من المصنفين في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي إنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سياق القصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون/(ر84/ب) هناك شيء محذوف مقدر/(ب 195) ومثال ذلك:
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب)
(2) كلمة (المصنف) سقطت من (ب).
(3) في كل النسخ عن (عن) والتصويب من مقدمة ابن الصلاح.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص57.(5/14)
ما أخرجه ابن أبي خيثمة(1) في "تأريخه" عن أبيه(2) قال: ثنا أبو بكر بن عياش. ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص (3) أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.
فهذا لم يرد أبو إسحاق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص أو ما أشبه ذلك، لأنه لا يمكن أن يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله.
ونظير ذلك: ما رواه ابن مندة في المعرفة في ترجمة معاوية بن معاوية الليثي قال:
__________
(1) هو : الحافظ الحجة الأمام أبو بكر: أحمد بن أبي خيثمة: زهير بن حرب النسائي، ثم البغدادي صاحب التأريخ الكبير سمع أباه وأبا نعيم و أحمد بن حنبل، وعنه البغوي وابن صاعد وغيرهما مات سنة 279هـ. تذكرة الحفاظ 2/596 تاريخ بغداد 4/162.
(2) هو الحافظ الكبير محدث بغداد زهير بن حرب النسائي سمع هشيما وابن عيينة وغيرهما وعنه ابنه أبو بكر الحافظ والبخاري ومسلم وغيرهم مات سنة 234. تذكرة الحفاظ 2/437. وانظر التقريب 1/264.
(3) هو: عوف بن مالك بن نضلة - بفتح النون وسكون المعجمة- الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة أبو الأحوص الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة قتل في ولاية الحجاج على العراق/ بخ م 4 تقريب 2/90، تهذيب التهذيب 8/169.(5/15)
أنا محمد بن يعقوب(1): ثنا ابن أبي داود(2) ثنا يونس بن محمد ثنا صدقة بن أبي سهل(3)، عن يونس بن عبيد(4) عن احسن عن معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان/(ي163) غازيا بتبوك، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام ، فقال: يا محمد هل لك في جنازة معاوية بن معاوية؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم. فقال جبريل عليه السلام: هكذا بيده، ففرج له عن الجبال والآكام" فذكر الحديث.
قال ابن مندة: "هكذا قال يونس بن محمد عن معاوية والصواب مرسل".
قلت: ووجه الإشكال فيه أن معاوية - رضي الله عنه - مات في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (كما ترى)(5)، فكيف يتهيأ للحسن أن يسمع منه قصة موته، ويحدث بها عنه.
__________
(1) هو: الأمام المفيد الثقة محدث المشرق أبو العباس: محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل الأموي مولاهم المعقلي النيسابوري الأصم وكان يكره أن يقال له الأصم. كان محدث عصره بلا مدافعة، سمع من ابن عبد الحكم وغيره، وعنه ابن مندة وخلق كثير، مات سنة 346هـ، تذكرة الحفاظ 3/860.
(2) هو: الحافظ العلامة قدوة المحدثين أبو بكر: عبد الله بن الحافظ الكبير سليمان بن الأشعث أبي داود وصاحب التصانيف سمع عيسى بن حماد وأحمد بن صالح وطبقتهما بمصر والعراق والحرمين وعنه الدارقطني وخلق، ومات سنة 316، تذكرة الحفاظ 2/768، تاريخ بغداد 9/464.
(3) صدقة بن أبي سهل البصري، سمع كثيرا أبا الفضل، روى عنه مسلم بن إبراهيم وقتيبة. التاريخ للبخاري ق2/ج2/297، تعجيل المنفعة ص 125.
(4) يونس بن عبيد بن دينار البصري أبو عبيد ثقة ثبت فاضل ورع من الخامسة، مات سنة 139/ع. التقريب 2/385، الكاشف 3/304.
(5) ما بين القوسين سقط من (ه).(5/16)
وما المراد إلا ما ذكرت أنه لم يقصد/(96/أ) بقوله: "عن معاوية" الرواية وإنما يحمل على محذوف تقديره عن قصة معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره. فيظهر حينئذ الإرسال.
ونظير ذلك: ما ذكره موسى بن هارون/(ر85/أ) الحمال ونقله عنه أبو عمر ابن عبد البر في كتاب التمهيد/(ب ص 196) فقال: روى مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي(1) عن عيسى بن طلحة(2)(3) عن عمير بن سلمة(4) عن البهزي(5) قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه، فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه، فقال: شأنكم به"(6)
__________
(1) موسى بن هارون بن عبد الله بن مروان الحافظ الحجة أبو عمران الحمال البغدادي البزاز محدث العراق سمع أباه وعلي بن الجعد وأحمد بن حنبل وطبقتهم وعنه أبو سهل القطان وأبو بكر الشافعي وطبقتهما، مات سنة 294. تذكرة الحفاظ 2/669) تاريخ بغداد 13/50.
(2) في (ر) و(ه) التميمي.
(3) عيسى بن طلحة بن عبيد التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل من كبار الثالثة، مات سنة 100/ع. تقريب 2/98؛ تهذيب التهذيب 8/215.
(4) عمير بن سلمة الضمري - بفتح المعجمة وسكون الميم - مدني له صحبة وحديث/س. تقريب 2/86؛ الكاشف 2/352. ملاحظة: في جميع النسخ: "عمر بن سلمة".
(5) زيد بن كعب البهزي بفتح الموحدة وسكون الهاء بعدها زاي، صحابي له حديث /س. تقريب (1/276)، تهذيب التهذيب 3/424.
(6) التقصي لابن عبد البر ص 223-224 في حديث طويل، وقال ابن عبد البر عقبه وقال أبو عمر: "من أصحاب يحيى بن سعيد من يجعل هذا الحديث عن عمير بن سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يذكر فيه البهزي وعمير بن سلمة من الصحابة والبهزي هو صائد الحمار فكأنه قال عن عمير بن سلمة قصة البهزي وقد ذكرنا الرواية بذلك كله في كتاب التمهيد".(5/17)
.. الحديث.
هكذا رواه مالك(1) وتابعه غيره(2).
وظاهر هذا يعطي أن عمير(3) بن سلمة رواه عن البهزي وليس كذلك بل عمير بن سلمة حضر القصة وشاهدها كلها، فقد رواه الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد(4) عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فذكر هذا الحديث.
وكذا رواه عبد ربه بن سعيد(5) عن محمد بن إبراهيم.
وكذا رواه حماد بن زيد وغير واحد عن يحيى بن سعيد شيخ مالك.
قال موسى بن هارون: "والظاهر أن قوله: عن البهزي من زيادة يحيى بن سعيد كان أحيانا يقولها، وأحيانا لا يقولها، وكان هذا جائزا عند المشيخة/(ي 164) الأولى أن يقولوا: عن فلان، ولا يريدون بذلك الرواية و إنما معناه(6) عن قصة فلان" . انتهى كلام موسى بن هارون ملخصا(7).
وهو صريح فيما قصدناه.
__________
(1) ط20 - كتاب الحج 24- باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد حديث 79، ن5/143، والمصنف لعبد الرزاق 4/431.
(2) تابع مالكا هشيم عن يحيى بن سعيد به، انظر حم 3/418 تابعه يزيد بن هارون. انظر السنن الكبرى للبيهقي 5/188 عن يحيى بن سعيد به .
(3) في كل النسخ في هذا الموضع والذي قبله وبعده عمر والتصويب من الموطأ وسنن البيهقي والعلل لابن أبي حاتم والتقصي لابن عبد البر.
(4) روايته في العلل لابن أبي حاتم 1/299 ولم يذكر الليث ويزيد هو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبو عبد الله المدني ثقة مكثر من الخامسة، مات سنة 139/ع، تقريب 2/367، الكاشف 3/281.
(5) عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري، أخو يحيى المدني، ثقة من الخامسة، مات سنة 139. تقريب 1/470 الكاشف 2/153.
(6) في كل النسخ رواه إلا (ي) ففيها معناه وهو الصواب وفي هامش (ر) "ظ يريدون".
(7) وقال الدارقطني نحو هذا الكلام. انظر العلل 4/ل 98/أ.(5/18)
وقال ابن عبد البر - في حديث - بسر بن سعيد(1) عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - في قصة الاستئذان ثلاثا: "ليس المقصود من هذا/(ر85/ب) رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - لهذا الحديث عن أبي موسى لأن أبا موسى سمعه/(ب197) من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد بذلك لأبي سعيد عند عمر - رضي الله عنه - وإنما وقع هذا على سبيل التحرز، والمراد عن أبي سعيد، عن قصة أبي موسى(2)- رضي الله عنه –".
قلت: وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد، ومصنفي الأطراف، في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة - والله أعلم -.
77- قوله (ص): "فروينا عن مالك أنه كان يرى "عن فلان" و"أن فلانا" سواء وعن أحمد بن حنبل أنهما ليسا سواء"(3).
قلت: ليس كلام كل منهما على إطلاقه، وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما عن ذلك.
أما مالك ، فإنه سئل عن قول الراوي: "عن فلان أنه قال: كذا" و"أن فلانا قال: كذا"(4).
فقال: "هما سواء", وهذا واضح.
وأما أحمد، فإنه قيل له: إن رجلا قال: عن عروة عن عائشة، وعن عروة أن عائشة - رضي الله عنها - سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هما سواء؟ فقال: "كيف يكونان سواء؟ ليسا سواءا"(5).
فقد ظهر الفرق بين مراد مالك و أحمد .
__________
(1) بسر بن سعيد المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية، مات سنة 100/ع. تقريب 1/97، الكاشف 1/153.
(2) انظر التقصي لابن عبد البر حيث قال: "وأما قوله: عن أبي سعيد عن أبي موسى فليس كذلك ومعناه عن أبي سعيد عن قصة أبي موسى أو في قصة أبي موسى". وحديث الاستئذان هذا في الموطأ 54- كتاب الاستئذان حديث 2.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص 57.
(4) في الكفاية ص 407: "... سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل- قال: كان مالك - زعموا- يرى عن فلان وأن فلانا سواء".
(5) الكفاية ص408.(5/19)
وحاصله أن الراوي إذا قال: "عن فلان" فلا فرق أن يضيف إليه القول أو الفعل في اتصال ذلك عند الجمهور بشرطه السابق(1).
وذلك أن ينظر، فإن كان خبرها قولا لم يتعد لمن لم يدركه التحقت بحكم "عن" بلا خلاف.
كأن/(97/أ) يقول التابعي : أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال/(ي 165): "سمعت كذا"، فهو نظير ما لو قال: "عن/(ر86/أ) أبي هريرة أنه قال: "سمعت كذا".
وإن كان خبرها فعلا نظر إن كان/(ب 198) (الراوي)(2) أدرك ذلك التحقت بحكم "عن" وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها.
فكون يعقوب بن شيبة قال في رواية عطاء عن ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هذا مرسل.
إنما هو من جهة كونه أضاف إلى صيغة الفعل الذي لم يدركه ابن الحنفية، وهو مرور عمار.
إذ لا فرق أن يقول ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بعمار، فكلاهما سواء في ظهور الإرسال، ولو كان أضاف إليها القول كأن يقول: عن ابن الحنفية أن عمارا قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكان ظاهر الاتصال.
وقد نبه شيخنا على هذا الموضع(3)
__________
(1) يعني اللقاء بين المعنعن وشيخه وبراءته من التدليس.
(2) كلمة الراوي من (ر/أ).
(3) يريد شيخه العراقي في التقييد والإيضاح ص 85-86 وقد تكلم في الموضوع بشيء من التفصيل ثم أجمله بقوله: "وجملة القول فيه أن الراوي إذ روى قصة أو واقعة، فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض أصحابه والراوي لذلك صحابي، وقد أدرك تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال و أسندها إلى صحابي، قد أدرك تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال وإن لم نعلم أن الصحابي شهد تلك القصة.
وإن علمنا أنه لم يدرك الواقعة، فهو مرسل الصحابي، وإن كان الراوي تابعيا كمحمد ابن الحنفية مثلا فهي منقطعة، وإن روى التابعي عن الصحابي بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ: قال فلان فهي متصلة أيضا. انظر شرحه للألفية 1/170-171.(5/20)
فأردت زيادة إيضاحه، ثم إنه نقل عن ابن المواق تحرير ذلك(1)، واتفاق المحدثين على الحكم بانقطاع ما هذا سبيله، وهو كما قال، لكن في نقل الاتفاق نظر.
وقد قال ابن عبد البر - في الكلام على حديث ضمرة عن عبيد الله بن عبد الله قال: "إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبا واقد الليثي ماذا كان يقرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر"(2)... الحديث. قال: قال قوم: هذا منقطع؛ لأن عبيد الله لم يلق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال قوم: بل هو متصل؛ لأن عبيد الله لقي أبا واقد.
قلت: وهذا وإن كنا لا نسلمه لأبي عمر، فإنه يخدش في نقل الاتفاق.
وقد نص ابن خزيمة على انقطاع حديث عبيد الله هذا (3).
ونظيره: ما رواه ابن خزيمة(4)
__________
(1) التقيد والإيضاح ص86.
(2) ط 10 - كتاب العيدين 4 - باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين حديث 8.
وأورد الحديث ابن عبد البر في التقصي ص76 ولم يذكر هذا الكلام الذي نقله الحافظ.
(3) صحيح ابن خزيمة 2/346 قال بعد أن ساق الحديث: "قال أبو بكر: لم يسند هذا الخبر أحد أعلمه غير فليح بن سليمان رواه مالك بن أنس وابن عيينة عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله وقالا: أن عمر سأل أبا واقد الليثي".
(4) لم أجده في صحيح ابن خزيمة وقد راجعت كتاب الصلاة كله خصوصا باب التأمين المأموم عند فراغ الإمام من قراءة الفاتحة، وباب فضل تأمين المأموم إذا أمن إمامه وغيرها من أبواب التأمين فلم أجده.
والحديث في سنن البيهقي 2/56 من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن عاصم - يعني الأحول- عن أبي عثمان قال: قال بلال - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تسبقني بآمين" قال: ورواه وكيع عن سفيان فقال: عن بلال أنه قال : يا رسول الله ورواية عبد الرزاق أصح.
وفي العلل لابن أبي حاتم 1/116 سألت أبي عن حديث رواه محمد بن أبي بكر المقدمي عن عباد بن عباد المهلبي والصباح بن سهل عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن بلال أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسبقني بآمين" قال أبي: "هذا خطأ رواه الثقات عن عاصم عن أبي عثمان أن بلالا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم- مرسل".(5/21)
- أيضا –/(97/ب) قال: حدثنا محمد بن حسان ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان، عن بلال -رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبقني بآمين"(1).
قال ابن خزيمة/(ب199): "هكذا أملاه علينا. والرواة يقولون في هذا الإسناد: عن أبي عثمان أن بلالا - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فإن كان محمد بن حسان حفظ فيه هذا الاتصال فهو غريب. وأمثلة ذلك كثيرة".
78- قوله/(ي166): (ص) : "عن أبي بكر البرديجي"(2).
قال المصنف في حاشية كتابه:
"برديج على وزن فعليل - بفتح أوله - بليدة بينها وبين بردعة نحو أربعة عشر فرسخا، ولهذا يقال لهذا الحافظ البرديجي والبردعي قال: ومن نحا بها نحو أوزان كلام العرب كسر أولها نظرا إلى أنه ليس في كلامهم فعليل - بفتح الفاء - وكأنه يشير بذلك إلى ما وقع في العباب للصاغاني.
فإنه قال - فيه -: "برديج بكسر أوله - بليدة بأقصى أذربيجان والعامة يفتحون باءها".
فأراد المصنف أن من نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء على الحكاية، ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء –والله أعلم.
79- قوله (ص): "حكاية عن ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي(3). سواء قال فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال أو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول"(4).
__________
(1) في جميع النسخ "لا يسبقني ناس قال ناس" والتصويب من سنن البيهقي والعلل لابن أبي حاتم.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص57.
(3) في (هـ) بالصحابة.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص57.(5/22)
قلت: حذف ابن الصلاح فيه كلام ابن عبد البر(1).
80- قوله (ص): "وقد قيل: إن القول الذي رده مسلم/(ه98/أ) هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني والبخاري وغيرهما"(2).
قلت: ادعى بعضهم(3) أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه لا في أصل الصحة، وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة عند البخاري/(ب ص 200)، فقد أكثر من تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك.
وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي - رضي الله عنه - فإنه/(ر87/أ) قال في "الرسالة"(4) في باب خبر الواحد:
"فإن قيل: فما بالك قبلت ممن لا تعرفه بالتدليس أن يقول: "عن" وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه؟
__________
(1) كلام ابن عبد البر: "وقال البرديجي: "أن" محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع في في ذلك الخبر بعينه من طريق آخر. قال أبو عمر: هذا عندي لا معنى له لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه قال : أو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كل ذلك سواء عند العلماء". التمهيد 1/26. فالصواب أن يقول الحافظ: حذف ابن الصلاح من كلام ابن عبد البر لأن الحذف وقع في آخر الكلام لا للكلام كله وفي (ر) كذا في الأم وترك المؤلف بياضا نحو سطر وكذا في (هـ) و (ب).
(2) مقدمة ابن الصلاح ص60 ويعني بهذا القول اشتراط ثبوت اللقاء في الإسناد المعنعن بين الراوي وشيخه.
(3) هذا البعض هو ابن كثير. انظر: الباعث الحثيث ص 52.
(4) ص 378-379.(5/23)
فقلت له: المسلمون العدول أصحاء الأمر(1) وحالهم في أنفسهم غير حالهم في غيرهم، ألا ترى أني(2) إذا عرفتهم بالعدالة في/(ي 167) أنفسهم قبلت شهادتهم، وإذا شهدوا على شهادة غيرهم لم أقبل حتى أعرف حاله. وأما قولهم عن أنفسهم، فهو على الصحة حتى يستدل من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترس(3) منهم في [الموضع](4) الذي خالف فعلهم فيه ما يجب عليهم.
ولم أدرك أحدا من أصحابنا يفرق بين أن يقول حدثني فلان أو سمعت فلانا أو عن فلان إلا فيمن دلس، فمن كان بهذه المثابة قبلنا منه ومن عرفناه دلس مرة، فقد أبان لنا عورته، فلا نقبل منه حديثا حتى يقول: حدثني أو سمعت" ...إلى آخر كلامه(5).
فذكر أنه إنما قبل العنعنة لما ثبت عنده أن المعنعن غير مدلس، وإنما يقول عن فيما سمع فأشبه ما ذهب إليه البخاري من أنه إذا ثبت اللقي ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك أيضا، والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال فلو لم يكن مدلسا، وحدث عن بعض من عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه، لأنه وإن كان غير مدلس، فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم، فاشترط أن يثبت أنه لقيه وسمع منه ليحمل ما يرويه عنه بالعنعنة على السماع، لأنه لو لم يحمل على السماع لكان مدلسا والغرض السلامة من التدليس.
فتبين رجحان مذهبه.
__________
(1) في جميع النسخ "في نفس الأمر" والتصويب من الرسالة
(2) كلمة "إني" سقطت من (ب).
(3) في (ه) و(ب) "فيخير بين وهو خطأ".
(4) كلمة "الموضع" من الرسالة.
(5) عبارة الشافعي في الرسالة: "ولم نعرف بالتدليس ليس ببلدنا فيمن مضى ولا من أدركنا من أصحابنا إلا حديثا، فإن منهم من قبله عمن لو تركه عيه كان خيرا له وكان قول الرجل: "سمعت قلانا يقول: سمعت فلانا"، وقوله: "حدثني فلان عن فلان" سواء عندهم لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذه الطريق قبلنا منه "حدثني فلان عن فلان".(5/24)
وأما احتجاج مسلم على فساد ذلك بأن لنا أحاديث اتفق الأئمة على صحتها، ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة ولم يأت في/(ر87/ب) خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه ، فلا يلزم من نفى ذلك عنده نفيه في نفس الأمر.
وقد ذكر علي بن المديني في "كتاب العلل" أن أبا عثمان النهدي لقي عمر وابن مسعود وغيرهما، وروى عن أبي بن كعب وقال في بعض(1) حديثه: حدثني أبيّ بن كعب، انتهى.
وقد قطع مسلم بأنه لم يوجد في رواية بعينها أنه لقي أبي بن كعب أو سمع منه.
وأعجب من ذلك أنا وجدنا بطلان بعض ما نفاه في نفس صحيحه. من ذلك: قوله/(ي 168)(2): "وأسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ثلاثة أحاديث". وقال: في آخر كلامه: "فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا(3) روايتهم(4) عن الصحابة - رضي الله عنهم - الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه(5) منهم في رواية بعينها ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه" انتهى.
__________
(1) كلمة بعض سقطت من(ب).
(2) مقدمة صحيح مسلم ص 35.
(3) في (ب) أصبنا وفي (ر) و(ه) نصينا بالياء والتصويب من مقدمة صحيح مسلم.
(4) في (ب) و(ه) "رواتهم".
(5) في كل النسخ "علمان" والتصويب من صحيح مسلم.(5/25)
وقد/(ه99/أ) روى في صحيحه في كتاب المناقب(1) من طريق أبي حازم(2) ، عن سهل بن سعد (3) - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا فرطكم على الحوض..." الحديث إلى أن قال: "ثم يحال بيني وبينهم" قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش(4) وأنا أحدث بهذا الحديث فقال: "أهكذا سمعت سهلا يقول؟ فقلت: نعم".
قال: "فأنا أشهد على أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - لسمعته/(ب202) يقول: إنهم مني فيقال: "إنك لا تدري ما عملوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي".
وأخرج - أيضا - في كتابه صفة الجنة في صحيحه(5) من طريق أبي حازم أيضا عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -/(ر88/أ) قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما يتراءون الكوكب في السماء".
قال: فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول: "كما ترون(6) الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي".
__________
(1) 43- كتاب الفضائل 9- باب إثبات حوض نبينا- صلى الله عليه وسلم - وصفاته حديث 26.
(2) هو أبو حازم: سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني القاضي مولى الأسود بن سفيان ثقة عابد من الخامسة، مات في خلافة المنصور. تهذيب التهذيب 4/143، وتقريب التهذيب 1/316.
(3) سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي، الساعدي أبو العباس له ولأبيه صحبة مشهور، مات سنة 88 وقيل بعدها وقد جاوز المائة /ع. تقريب 1/336، الإصابة 2/87.
(4) النعمان بن أبي عياش - بتحتانية ومعجمة - الزرقي الأنصاري، أبو سلمة المدني ثقة، من الرابعة/ خ م ت س ق. تقريب 2/204، الكاشف 3/206.
(5) 51- كتاب الجنة وصفة نعيمها 3- باب تراءي أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء، حديث 10.
(6) في صحيح مسلم كما تراءون وفي كل النسخ "ترون".(5/26)
وأخرج أيضا عن أبي حازم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - في الكتاب المذكور(1) حديث "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
فقال النعمان: حدثني أبو سعيد - رضي الله عنه - بلفظ: "يسير الراكب الجواد المضمر السريع".
فهذه الثلاثة الأحاديث التي أشار إليها قد ذكرها هو في كتابه مصرحا فيها بالسماع، فكيف لا يجوز ذلك في غيرها. وإنما كان يتم له النقض والإلزام لو رأى في صحيح البخاري حديثا معنعنا/(ي 169) لم يثبت لقي راويه لشيخه فيه، فكان ذلك/(ه99/ب) واردا عليه، وإلا فتعليل البخاري لشرطه المذكور متجه- والله أعلم -.
81- قوله (ص)(2): "وهذا الحكم لا أراه يستمر- بعض المتقدمين فيما(3) وجد من المصنفين ..." إلى آخره.
يعني بالمصنفين غير المحدثين، فتبين أن ما وجد(4) في عبارات المتقدمين من هذه الصيغ، فهو محمول على السماع بشرطه إلا من عرف من عادته استعمال اصطلاح حادث، فلا - والله أعلم -.
82- قوله (ص)(5): في الكلام على التعليق: "والبخاري قد يفعل(6) ذلك، لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص علقه عنه".
اعترض عليه مغلطاي بأن الكلام يحتاج إلى تثبيت فيه فإني لم أره لغيره.
قلت: قد سبقه إلى ذلك الإسماعيلي، ومنه نقل ابن الصلاح كلامه فإنه قال - في المدخل إلى المستخرج الذي صنفه على صحيح البخاري - ما نصه: "كثيرا ما يقول البخاري: قال فلان وقال فلان عن فلان" فيحتمل أن يكون إعراضه عن التصريح بالتحديث لأوجه.
[أوجه تعليقات البخاري]:
__________
(1) أي كتاب صفة الجنة 1- باب أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، حديث 8.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص61 وتمامه "مما ذكروه من مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال فلان ونحو ذلك".
(3) في (ب) "مما".
(4) كلمة "ما" من ر /أ وفي باقي النسخ "مما".
(5) مقدمة ابن الصلاح ص62.
(6) في (هـ) و(ب) "يغفل" وهو خطأ.(5/27)
أحدها: أن لا يكون قد سمعه عاليا(1) وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروي عنه، فيقول: قال فلان مقتصرا على صحته وشهرته من غير جهته.
الثاني: أن يكون قد ذكره في موضع آخر بالتحديث، فاكتفى عن إعادته ثانيا.
والثالث: أن يكون سمعه ممن ليس هو على شرط كتابه فنبه على الخبر المقصود بذكر من رواه لا على وجه التحديث به عنه.
قلت: ومن تأمل تعاليق البخاري حيث لم(2) تتصل لم يجدها تكاد أن تخرج عن هذه الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي/(100/أ) ولكن بقي عليه، أن يذكر السبب الحامل له على إيراد ما ليس على شرطه في أثناء ما هو على شرطه وقد/(ي170) بينت مقاصده في ذلك في مقدمة تغليق التعليق(3) وأشرت في أوائل هذه الفوائد إلى طرف من ذلك وحاصله أنه أيضا على أوجه:
أحدها: أن يكون كرره، وهذا قد تداخل مع الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي.
ثانيها: أن يكون أوردها في معرض المتابعة و الاستشهاد لا على سبيل الاحتجاج ولا شك أن المتابعات يتسامح فيها بالنسبة إلى الأصول، وإنما يعقلها وإن كانت عنده مسموعة، لئلا يسوقها مساق الأصول.
وثالثها: أن يكون إيراده لذلك منبها على موضع يوهم تعليل الرواية التي على شرطه، كأنه يروي حديثا من طريق سفيان الثوري عن حميد (4) عن أنس - رضي الله عنه - ويقول بعده: قال يحيى بن أيوب عن حميد سمعت أنسا - رضي الله عنه - فمراده بهذا التعليق أن هذا مما سمعه حميد لئلا يتوهم متوهم أن الحديث معلول بتدليس حميد. فإن قيل: فلم يسقه من طريق يحيى بن أيوب السالم من هذه العلة ويقتصر عليه؟
__________
(1) من (ر) وفي (ه) غالبا بالغين المعجمة والباء وفي (ب) عالما وكلاهما خطأ.
(2) كلمة "لم" سقطت من (ي).
(3) انظر تغليق التعليق (ل) 1.
(4) هو: حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري ثقة مدلس من الخامسة مات سنة 142 أو 143 /ع تقريب 01/202 الكاشف (1/256).(5/28)
قلنا: لأن يحيى بن أيوب ليس على شرطه ولو كان فالثوري أجل وأحفظ فنزَّل كلا منهما منزلته التي يستحقها، ذاك في الاحتجاج به، وهذا في المتابعة القوية - والله أعلم -.
83- قوله (ص): "وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه مثل قول البخاري: وقال/(ه100/ب) لي فلان فوسم ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى ..."(1) إلى آخر كلامه.
قلت: لم يصب هذا المغربي في التسوية بين قوله: "قال فلان" وبين قوله "قال لي فلان"، فإن الفرق بينهما ظاهر لا يحتاج إلى دليل فإنّ "قال لي" مثل التصريح في السماع و"قال" المجردة ليست صريحة أصلا.
وأما ما حكاه عن أبي جعفر ابن حمدان و أقره أن البخاري إنما يقول "قال لي"/(ي171) - في العرض والمناولة - ففيه نظر؛ فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث قال فيها ب ص 205 قال لنا فلان و أوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ حدثنا.
ووجدت في الصحيح عكس ذلك.
وفيه دليل على أنمها مترادفان.
والذي تبين لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة أو المستشهد بها فيخرج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الكتاب.
ومن تأمل ذلك في كتابه وجده كذلك - والله الموفق -.
37- قوله (ع): "والبخاري ليس مدلسا"(2).
أقول: لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص63 وقبله: وأما ما أورده يعني البخاري كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات، يريد أن له حكم الاتصال لثبوت لقائه لشيخه، ولبعده عن التدليس.
(2) التقيد والإيضاح ص91 وعبارة العراقي "وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقرير تدليسا".(5/29)
ومن هذا الذ/(1ي) صرح أن استعمال "قال" إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد(1) مشايخه [مستعملا لها](2) فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا.
لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة.
وكأن ابن الصلاح أخذ ذلك من عموم قولهم: "إن حكم عن وأن وقال وذكر -واحد".
وهذا على تقدير تسليمه لا يستلزم التسوية بينها من كل جهة، كيف وقد نقل ابن الصلاح عن الخطيب أنّ كثيرا من أهل الحديث/(101/أ) لا يسوون بين "قال" و"عن" في الحكم.
فمن أين يلزم أن يكون حكمهما عند البخاري واحدا.
وقد بينا الأسباب الحاملة للبخاري على التعاليق.
فإذا تقرر ذلك لم يستلزم التدليس لما وصفنا.
وأما قول ابن مندة: "أخرج البخاري"(3) قال: وهو تدليس، فإنما يعني به أن حكم ذلك عنده هو(4) حكم التدليس ولا يلزم/(ر89/ب) أن يكون كذلك حكمه عند البخاري وقد جزم العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدي في تسميته ما يذكره البخاري عن شيوخه تعليقا إلا أنه (وافق ابن الصلاح في الحكم بالصحة لما جزم به وهو)(5) موافق لما قررناه على أن الحميدي/(ب 206 )لم يخرج(6) ذلك فقد/(ي172) سبقه إلى نحوه أبو نعيم شيخ شيخه، فقال في المستخرج عقب كل حديث أورده البخاري عن شيوخه بصيغة قال فلان كذا: "ذكره البخاري بلا رواية" - والله الموفق -.
تنبيه:
قال ابن حزم في كتاب الإحكام(7): "اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول، فهو على اللقاء والسماع سواء قال: أخبرنا أو حدثنا أو(8) عن فلان أو قال فلان، فكل ذلك محمول على السماع منه".انتهى.
__________
(1) كلمة "أحد" سقطت من (ب).
(2) الزيادة من (ر).
(3) في هامش (ر) أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها قال لنا فلان وهو إجازة وقال فلان. وهو تدليس.
(4) في (ت) وهو.
(5) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(6) كذا في كل النسخ ولعله لم ينفرد.
(7) 1/151).
(8) كلمة (أو) سقطت من (ب).(5/30)
فيتعجب منه مع (1) هذا في رده حديث المعازف ودعواه (2) عدم الاتصال فيه - والله الموفق -.
84- قوله (ص): "وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال"(3).
تعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن/(101/ب) أخذه من تعليق الجدار ظاهر وأما تعليق الطلاق ونحوه فليس التعليق هناك لأجل قطع الاتصال، بل لتعليق أمر على أمر بدليل استعماله في الوكالة والبيع وغيرهما.
ثم قال: إلا أن يريد به قطع اتصال حكم التنجيز باللفظ لو كان منجزا(4).
قلت: وهذا هو الذي يتعين مرادا للمصنف فيكون فيه تشبيه أمر معنوي [بأمر معنوي](5) أو يكون مراده بالقطع الدفع(6) لا الرفع، فإن التعليق منع من الاتصال كما ان الطلاق منع من الوصلة.
ويأتي هذا أيضا/(ر90/أ) في تعليق الجدار، فإنه منع من اتصاله بالأرض ووجه مناسبته أن سقوط الراوي منه منع من الحكم باتصاله - والله أعلم -.
85- قوله (ص): "في ذكر الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا - فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا و أشباهه للمرسل..."(7) إلى آخر كلامه(8).
__________
(1) في (ر) على .
(2) في جميع النسخ "وصح دعواه" والصواب حذف كلمة صح الآن وجودها يفسد المعنى.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص 64.
(4) محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ص 162.
(5) الزيادة من (ي) و(ر/أ).
(6) في (ر) فوق كلمة الدفع "بمعنى المنع".
(7) مقدمة ابن الصلاح ص 64 الكفاية للخطيب البغدادي ص 411.
(8) بقية الكلام "وعن بعضهم: أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ...".(5/31)
وقد(1) تبع الخطيب أبو الحسن ابن القطان على اختيار الحكم للرفع أو الوصل مطلقا. وتعقبه أبو الفتح ابن سيد الناس قائلا بأن هذا ليس بعيدا من النظر إذا استويا في رتبة الثقة/(ي173) والعدالة أو تقاربا؛ لأن الرفع زيادة على الوقف وقد جاء عن ثقة فسبيله القبول، فإن كان ابن القطان قال هذا على سبيل النظر فهو صحيح وإن كان قال نقلا عمن تقدمه، فليس لهم في ذلك عمل مطرد.
قلت: قد صرح ابن القطان بأنه قال ذلك على سبيل الاختيار فإنه حكى هذا المذهب وقرره، ثم قال: "هذا هو الحق في هذا الأصل، وهو اختيار أكثر الأصوليين وكذا اختاره من المحدثين طائفة منهم:
أبو بكر البزار لكن أكثرهم (يعني المحدثين) على الرأي الأول (يعني تقديم الإرسال على الوصل".
وما اختاره ابن سيد الناس سبقه إلى ذلك شيخه ابن دقيق العيد فقال في مقدمة شرح الإلمام: "من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند أو رافع وواقف أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد فلم يصب في هذا الإطلاق، فإن ذلك ليس قانونا مطردا وبمراجعة(2) أحكامهم الجزئية/(ر90/ب ) صواب ما نقول".
وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال: "كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي (ب 208) بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث"(3).
__________
(1) كلمة واو من (ر/أ).
(2) في جميع النسخ "أو مراجعة أحكامهم" وفي هامش (ر) "وبمراجعة أحكامهم".
(3) انظر توضيح الأفكار 1/344.(5/32)
قلت: وهذا العمل الذي حكاه عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح وأما ما لا يظهر فيه الترجيح، فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة(1) وعلى(2) هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضع التقييد(3) وسيكون لنا عودة إلى هذا في الكلام على زيادة الثقة إن شاء الله تعالى - والله الموفق -.
86- قوله (ص): "الحديث الذي رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا ..."(4) إلى آخره.
ما أدري/(ي174) ما وجه إيراد هذا في تفاريع المعضل. بل هذا قسم مستقل وهو: تعارض الإرسال والاتصال والرفع والوقف.
نعم، لو ذكره في تفاريع الحديث المعلل، لكان حسنا وإلا فمحل الكلام [فيه](5) في زيادة الثقات كما أشار إليه.
وقد أجبت عنه بأنه لما قال: "تفريعات" أراد أنها تنعطف على جميع الأنواع المتقدمة/(102/ب) ومن جملتها: الموصول والمرسل والمرفوع والموقوف، فعلى هذا فالتعارض بين أمرين فرع عن (6) أصلهما - والله أعلم -.
87- قوله (ص)(7): "مثاله: لا نكاح إلا بولي"(8).
__________
(2) في (ب) فعلى.
(3) كلمة التقييد سقطت من (ب).
(4) مقدمة ابن الصلاح ص 64.
(5) الزيادة من (ي).
(6) في (ر) على أصلها.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص64 أي مثال تعارض الوصل والإرسال.
(8) د 6- كتاب النكاح 20- باب في الولي حديث 2085 ت9 - كتاب النكاح 14- باب ما جاء لا نكاح إلا بولي حديث 1101 وفي خلال الكلام على حديث 1102 حيث قال: قال أبو عيسى وهذا حديث فيه اختلاف رواة إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق عددا من الروايات في الكلام على الحديث. وجه 9- كتاب النكاح 15- باب لا نكاح إلا بولي حديث 1881.(5/33)
اعترض عليه: بأن التمثيل بذلك لا يصح، لأن الرواة لم تتفق على إرسال شعبة وسفيان له عن أبي إسحاق، بل رواه النعمان بن عبد السلام(1) عن شعبة وسفيان جميعا عن/(ر91/أ) أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى - رضي الله عنه - موصولا.
أخرجه الحاكم في المستدرك(2) من طريقه.
والجواب: أن حديث النعمان هذا شاذ(3) مخالف للحفاظ الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان/(ب 209) والمحفوظ عنهما أنهما أرسلاه لكن الاستدلال بأن الحكم للواصل دائما على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم؛ لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول.
منها: أن يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولا.
ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم.
__________
(1) النعمان بن عبد السلام بن حبيب التيمي أبو المنذر الأصبهاني ثقة عابد فقيه من التاسعة مات سنة 183/د س. تقريب 2/204 تهذيب التهذيب 10/454.
(2) 1/169 من طريق النعمان بن عبد السلام عن شعبة وسفيان به، وقال الحاكم -عقبه -: "قد جمع النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث، ووصله عنها والنعمان بن عبد السلام ثقة مأمون، وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة وعن شعبة على حدة، فوصلوه، وكل ذلك مخرج في الباب الذي سمعه مني أصحابي فأغنى ذلك عن إعادته" وأقره الذهبي.
(3) حكم الحافظ على رواية النعمان بالشذوذ غير مسلم، فقد رأيت ما قال الحاكم أن جماعة من الثقات من أصحاب سفيان وشعبة رووه عنهما موصولا فكيف مع هذا يحكم على روايته بالشذوذ.(5/34)
ووافقهم على ذلك أبو عوانة(1) وشريك النخعي وزهير بن معاوية(2) وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه.
وأما رواية من أرسله و هما شعبة وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد.
فقد رواه الترمذي قال: حدثنا محمود بن غيلان . ثنا أبو داود(3)- حدثنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق/(ي 175) أسمعت أبا بردة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي" فقال: "نعم"(4).
فشعبة وسفيان إنما أخذاه (معا)(5) في مجلس واحد عرضا كما ترى ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على ما أخذ عنه عرضا في محل واحد.
هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين(6) مع أن الشافعي - رضي الله عنه - يقول: "العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد".
فتبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل(7) معه زيادة ليست مع المرسل، بل بما يظهر من قرائن الترجيح.
ويزيد ذلك/(ب ص 210) ظهورا تقديمه الإرسال في مواضع أخر(8).
__________
(1) هو الوضاح - بتشديد المعجمة، ثم مهملة - ابن عبد الله اليشكري - بالمعجمة - الواسطي البزاز مشهور بكنيته ثقة ثبت من السابعة مات سنة 176/ع تقريب (2/331 الكاشف 3/235.
(2) في كل النسخ "زهير بن أمية" والصواب: الزهير بن معاوية والتصويب من سنن الترمذي ولم أقف لمن يسمى زهير بن أمية على ترجمة، والمشهور بالرواية عن أبي إسحاق إنما هو زهير بن معاوية.
(3) هو: سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، البصري ثقة حافظ غلظ في أحاديث، من التاسعة مات سنة 204/خت م 4. تقريب (1/323) ، الكاشف 1/392.
(4) ت 9 - كتاب النكاح 14- باب ما جاء لا نكاح إلا بولي حديث 1102
(5) كلمة (معا) ليست في (ب).
(6) في (هـ) و(ب) أحرف.
(7) في (ب) "الوصل".
(8) في (هـ) و(ب) "أخرى".(5/35)
مثاله: ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم (1) عن عبد الملك(2) بن أبي بكر(3) بن عبد الرحمن، عن أبيه (4)، عن أم سلمة(5) - رضي الله عنها - قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شئت سبعت لك"(6).
__________
(1) محمد بن أبي بكر بن حزم الأنصاري المدني أبو عبد الملك القاضي من السادسة مات سنة 132/ع. تقريب 2/368.
(2) عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة من الخامسة، مات في أول خلافة هشام /ع تقريب 2/368.
(3) في (ر/أ) "أبي بكرة وعبد الرحمن" وهو خطأ.
(4) هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني قبل اسمه: محمد وقيل المغيرة وقيل أبو بكر اسمه، وكنيته أبو عبد الرحمن وقيل: اسمه كنيته ثقة فقيه عابد، من الثالثة مات سنة 94 وقيل غير ذلك /ع تقريب 2/398 الكاشف 3/315.
(5) هي أم المؤمنين: هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن المغيرة بن مخزوم المخزومية تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أبي سلمة ماتت سنة 62/ع تقريب 2/617 والإصابة 4/407.
(6) الحديث في م 17 - كتاب الرضاع 12- باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف حديث 41، د 6 - كتاب النكاح 35- باب في المقام عند البكر حديث 2122، حم 6/292جه 9- كتاب النكاح 26 - باب الإقامة على البكر والثيب حديث 1917، دي 1/68 والمصنف لابن أبي شيبة 4/277 والسنن الكبرى للبيهقي 7/301 والطحاوي شرح معاني الآثار 3/29.(5/36)
ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن الحارث (1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم سلمة(2) - رضي الله عنها -: قال البخاري - في تأريخه: "الصواب قول مالك" مع إرساله.
فصوب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له فيه، وصوب المتصل(3) هناك لقرينة ظهرت له فيه.
فتبين أنه ليس له عمل(4) مطرد في ذلك(5) - والله أعلم.
38- قوله (ع): "والذي صححه الأصوليون هو: أن الاعتبار بما وقع منه أكثر..."(6) إلى آخره.
__________
(1) عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الخازن بن هشام المخزومي المدني صدوق من السادسة / س ق . تقريبي 1/405 الكاشف 2/75.
(2) حديث مالك في الموطأ 28 - كتاب النكاح 5- باب المقام عند البكر و الأيم حديث 14، م 17 كتاب الرضاع 12 باب قدر ما تستحقه البكر و الثيب حديث 42 وبدائع المنن 2/365 والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/29 والطبقات لابن سعد 8/92. والسنن للدارقطني 3/283.
(3) في (هـ) و(ب) العضل وهو خطأ.
(4) في (ب) على .
(5) ذكر البخاري اختلاف الرواة في حديث أم سلمة وساق رواية مالك وسفيان من عدد من الطرق مرسلة ومتصلة ولكن غرض البخاري من سياق كل الروايات متصلها ومرسلها : أن سفيان الثوري قد تفرد بقوله: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقام عن أم سلمة ثلاثا"، وصرح بذلك حيث قال: قال أبو عبد الله : "ولم يتابع سفيان أنه أقام عندها ثلاثا" وليس غرض البخاري بيان رجحان الإرسال على الوصل بتة فهذا وهم من الحافظ.
وانظر تاريخ البخاري 1/1/47-48، وانظر رسالتي بين الأمامين مسلم الدارقطني 2/11-12 فقد بينت هذه المسألة بيانا وافيا.
(6) التقييد والإيضاح ص 95 وتمام الكلام "فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للرفع والوصل، وإن كان الإرسال أو الوقف أكثر فالحكم له".(5/37)
هذا قول بعض الأصوليين كالإمام فخر الدين، وقد ذكر البيضاوي المسألة في المنهاج(1) ومال إلى ترجيح القبول(2) مطلقا.
ونقل الماوردي(3) عن مذهب الشافعي/(ه103/ب) في مسألة الوقف والرفع أن الوقف يحمل على أنه رأي الراوي.
والمسند على أنه روايته.
قلت: ويختص هذا بأحاديث الأحكام أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر.
وما نقله الماوردي عن مذهب الشافعي قد جزم به أبو الفرج ابن الجوزي(4) وأبو الحسن/(ي 176) ابن القطان، وزاد أن الرفع/(ر92/أ) يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قد قصر في حفظه أو شك في رفعه.
قلت: وهذا غير ما فرضناه في أصل المسألة - والله أعلم -.
ثم إنه يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسلك الجادة/(ب 211).
__________
(1) انظر المنهاج مع شرح الأسنوي 2/268.
(2) هكذا في جميع النسخ ولعله يريد ترجيح الرفع والوصل مطلقا.
(3) هو: علي بن محمد بن حبيب البصري أبو الحسن فقيه أصولي مفسر أديب سياسي من تصانيفه الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي في مجلدات كثيرة، وتفسير القرآن الكريم والأحكام السلطانية مات سنة 450هـ. معجم المؤلفين 7/189 الكامل لابن الأثير 9/651 طبقات الشافعية للأسنوي 2/387.
(4) هو العلامة الحافظ حافظ العراق جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن عبيد الله بن عبد الله التيمي القرشي البكري - نسبة إلى أبي بكر الصديق - واعظ محدث مفسر له مصنفات في سائر الفنون من تصانيفه المغني في علوم القرآن وزاد المسير في التفسير وتلبيس إبليس مات سنة 597هـ. تذكرة الحفاظ 4/1342.(5/38)
ومثال ذلك ما رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو بالحزورة: "والله إني لأعلم أنك خير أرض الله ..."(1) الحديث.
ورواه الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء(2) - رضي الله عنه - وهو المحفوظ والحديث حديثه وهو مشهور به.
وقد سمعه الزهري أيضا من محمد بن جبير بن مطعم(3) عن عبد الله بن عدي - رضي الله عنه -(4) وسلك محمد بن عمرو الجادة فقال عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
واعلم أن هذا كله إذا كان للمتن سند واحد.
أما إذا كان له سندان، فلا يجري فيه هذا الخلاف.
وقد روى البخاري في صحيحه من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اختلطوا فإنما هو التكبير/(ه 104/أ) والإشارة بالرأس ..." الحديث وعن ابن جريج عن ابن كثير، عن مجاهد موقوفا.
__________
(1) الحديث جه 24 - كتاب المناسك 103 - باب فضل مكة حديث 3108 وتمام الحديث "وأحب أرض الله إلي و الله لولا أني أخرجت منك ما خرجت". وفي د ي 02/156 والعلل للدارقطني ج3/ل93.
(2) عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري قيل: إنه ثقفي حالف بني زهرة، صحابي له حديث في فضل مكة /ت س ق . تقريب 1/433 وانظر الإصابة 2/337.
(3) محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل، النوفلي، ثقة عارف بالنسب من الثالثة مات على رأس المائة /ع. تقريب 2/150.
(4) انظر: العلل للدار قطني 3/ل93 فقد تكلم على هذا الحديث وبين الاختلاف فيه على كل من الزهري ومحمد بن عمرو، وذكر أنه قد رواه معمر بن راشد ويعقوب بن عطاء عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواه جماعة عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء...
ملاحظة: هذا الاختلاف بين محمد بن عمرو والزهري ليس اختلافا في الرفع والوقف -كما قال الحافظ - وإنما هو اختلاف في صحابي الحديث.(5/39)
فلم يتعارض الوقف والرفع هنا، لاختلاف الإسنادين - والله أعلم -(1).
88- قوله (ص): "وما صححه (أي الخطيب)(2) فهو الصحيح في الفقه وأصوله"(3) .
أقول: الذي صححه الخطيب - شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا.
أما الفقهاء والأصوليون، فيقبلون ذلك من العدل مطلقا، وبين الأمرين فرق كثير (4).
وهنا شيء يتعين التنبيه/(ر92/ب) عليه وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذا، وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أضبط منه أو أكثر عددا ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقا.
__________
(1) كلام الحافظ يعطي أن البخاري روى هذا الحديث عن ابن جريج من طريقين مختلفتين أحدهما مرفوعا وثانيها موقوفا على مجاهد وليس الامر كذلك فالذي في البخاري 12- كتاب الخوف 2- باب الصلاة الخوف رجالا وركبانا حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد "إذا اختلطوا قياما" وزاد ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا" هذا ما في البخاري ولم يرو الموقوف بالإسناد المذكور وقد قال الحافظ في الفتح 2/ 432 في الكلام على هذا الحديث "هكذا أورده البخاري مختصرا وأحال على قول مجاهد ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه، فأشكل الأمر فيه"، ثم ذكر أن الإسماعيلي قد أخرج حديث مجاهد.
(2) في جميع النسخ "ابن الخطيب" وهو خطأ بدليل ما بعده والظاهر أن النساخ قد صحفوا كلمة أي التي ذكرها الحافظ توضيحا وتفسيرا للضمير في "صححه" إلى كلمة "ابن" فإن الضمير في صححه عائد إلى الخطيب في كلام سابق ذكره ابن الصلاح.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص 65 يريد أن الخطيب رجح الوصل على الإرسال إذا تعارضا إذا كان الذي أسنده عدلا ضابطا سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة.
(4) في (ي) فرقان.(5/40)
وبنوا على ذلك أن من فسر معه زيادة (ب/ص212)، فينبغي تقديم خبره على من أرسل مطلقا، فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمونه شاذا أم لا؟
لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض.
والحق في هذا أن زيادة الثقة لا تقبل دائما، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين، فلم يصب. وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظا ولا معنى.
وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين(1) وابن الأبياري(2) - شارح البرهان - وغيرهما. وقال ابن السمعاني(3): "إذا كان راوي الناقصة لا يغفل(4) أو كانت الدواعي(5) تتوفر(6) على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة وكان المجلس واحدا فالحق أن لا يقبل رواية راوي الزيادة/(104/ب)(7) هذا الذي ينبغي". انتهى.
وإنما أردت بإيراد هذا بيان أن الأصوليين لم يطبقوا على القبول(8) مطلقا، بل الخلاف بينهم.
وسأحكي إن شاء الله تعالى كلام أئمة الحديث وغيرهم في ذلك في النوع السادس عشر حيث تكلم المصنف على زيادات الثقات - والله أعلم -.
__________
(1) انظر المحصول 2/273.
(2) في كل النسخ "ابن الأنباري" بنون قبل الباء وهو خطأ.
(3) انظر جمع الجوامع للسبكي مع حاشية البناني على المحلى 2/141.
(4) من (ر) وفي (ه) و (ب) (لو).
(5) في كل النسخ الدعاوي وفي هامش (ر) الدواعي وهو الصواب.
(6) في (ب) موفرة.
(7) وانظر المحصول 2/273.
(8) في (ب) على القول وهو خطأ.(5/41)
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس
89- قوله (ص): "التدليس قسمان"(1).
قلت: هو مشتق من الدلس وهو: الظلام. قاله ابن السيد.
وكأنه اظلم أمره على الناظر لتغطية وجه الصواب فيه.
90- قوله (ص):(2) "وهو أن يروي عن من لقيه ما لم يسمعه منه موهما(3) أنه سمعه منه أو عمن (ب ص213) عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد لقيه وسمعه منه". انتهى.
وقوله : عمن عاصره ليس من التدليس في شيء، وإنما هو المرسل الخفي. كما سيأتي تحقيقه عند الكلام عليه.
وقد ذكر ابن القطان في أواخر البيان(4) له تعريف التدليس بعبارة غير معترضة قال: "ونعني به أن يروي المحدث عمن [قد](5) سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه. والفرق بينه وبين الإرسال هو: أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه، ولما كان في (ي 178) هذا قد سمع منه جاءت روايته عنه بما لم يسمعه منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء، فلذلك سمي تدليسا" انتهى.
وهو صريح في التفرقة بين التدليس والإرسال.
وأن التدليس مختص بالرواية عمن له عنه سماع، بخلاف الإرسال - والله أعلم.
وابن القطان في ذلك متابع لأبي بكر البزار.
وقد حكى شيخنا كلامهما ثم قال: "إن الذي ذكره المصنف/(105/أ) في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث، وأنه إنما حكى كلام البزار وابن القطان لئلا يغتر به"(6).
قلت: لا غرور هنا، بل كلامهما هو الصواب على ما يظهر لي في التفرقة بين التدليس و المرسل الخفي، وإن كانا مشتركين في الحكم.
هذا ما يقتضيه النظر.
وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه نظر. فكلام الخطيب في باب التدليس من "الكفاية" يؤيد ما قاله ابن القطان.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 66.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 66.
(3) في (ب) "متوهما".
(4) يعني بيان الوهم والإيهام ج2/ق2/ل29/ب
(5) الزيادة من (ي).
(6) التقييد والإيضاح ص 97-98.(6/1)
قال الخطيب(1): "التدليس متضمن الإرسال لا محالة؛ لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه قط وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمنا للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمعه منه"(2).
ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلس - و الله أعلم -.
91- قوله (ص): - في تدليس الشيوخ -: "وهو أن يروي عن شيخ فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كيلا يعرف"(3).
قلت: ليبس قوله بما لا يعرف به قيدا فيه بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا كقول الخطيب.
أخبرنا علي بن أبي علي البصري ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي المحسن بن علي التنوخي(4)، وأصله من البصرة فقد ذكره بما يعرف به ولكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهر بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد، ولهذا نظائر كصنيع البخاري في/(ي 179) الذهلي فإنه تارة يسميه فقط فيقول:
حدثنا محمد بن عبد الله (5) فينسبه إلى جده، وتارة يقول: حدثنا/(105/ب) محمد ابن خالد فينسبه إلى والد جده.
وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته إنما هي: محمد بن يحيى الذهلي - و الله أعلم.
39- قوله (ع): "ترك المصنف قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام(6)..." إلى آخره.
أقول: فيه مشاحة وذلك أن ابن الصلاح قسم التدليس إلى قسمين(7):
أحدهما: تدليس الإسناد.
والآخر: تدليس الشيوخ.
__________
(1) الكفاية ص357.
(2) من (ر/أ) وفي باقي النسخ "يسمع".
(3) مقدمة ابن الصلاح ص66.
(4) هو علي بن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي ولي القضاء في عدة نواح وصنف الكتب المفيدة مات سنة 447هـ. معجم المؤلفين 7/175 تاريخ بغداد 12/115 هذا وفي (ر) و(ب) علي بن أبي علي الحسن والصواب المحسن وقد سقطت هذه الكلمة في (ه).
(5) في (ب) "عبيد الله".
(6) التقييد والإيضاح ص95.
(7) في (ب) مسامحة.(6/2)
والتسوية على تقدير تسليم تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد.
فعلى هذا لم يترك قسما ثالثا، إنما ترك تفريع القسم الأول(1). أو أخل بتعريفه ومشى على ذلك العلائي فقال: "تدليس السماع نوعان" (فذكره)(2). وقد فاتهم/(ر94/أ) معا من تدليس الإسناد فرع آخر وهو تدليس العطف وهو: أن يروي عن الشيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع ذلك من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع - أيضا - وإنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال : فلان أي حدث فلان.
مثاله(3): ما رويناه في "علوم الحديث" للحاكم قال(4):
"اجتمع أصحاب هشيم فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئا مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال: حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم شيئا؟
قالوا: لا فقال: بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا؟
وفاتهم أيضا فرع آخر وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في "الكامل" لأبي أحمد ابن عدي وغيره ./(106/أ).
عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: حدثنا ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها -.
[التسوية أعم من التدليس:]
وقد يدلسون بحذف الصيغ الموهمة فضلا عن المصرحة، كما كان ابن عيينة يقول: عمرو بن دينار سمع جابرا/(ي180) - رضي الله عنه - ونحو ذلك، ولكن هذا كله داخل في التعريف الذي عرف به ابن الصلاح وهو قوله أن يروي عمن لقيه ما يسمعه(5) منه موهما أنه سمعه بخلاف التسوية وهي أعم من أن يكون هناك تدليس أو لم يكن.
فمثال: ما يدخل في التدليس، فقد ذكره الشيخ.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب).
(2) ما بين القوسين سقط من (ب).
(3) في جميع النسخ مثال فزدت الضمير ليستقيم الكلام.
(4) ص105.
(5) في (ب) "يسمع".(6/3)
ومثال: ما لا يدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن/(ب 216) مالكا سمع/(ر94/ب) من ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس، وحذف عكرمة، لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه(1).
فهذا مالكا(2) قد سوى الإسناد (بإبقاء)(3) من هو عنده ثقة وحذف من ليس عنده بثقة، فالتسوية قد تكون بلا تدليس وقد تكون بالإرسال فهذا(4) تحرير القول فيها.
وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى:
__________
(1) قال ابن عبد البر في التمهيد 2/26: "وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كره أن يكون في كتابه لكلام سعيد بن المسيب و غيره فيه ، ولا أدري صحة هذا لأن مالكا ذكره في كتاب الحجج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة...".
(2) كلمة "مالك" ليست في جميع النسخ وزيدت في (ر/أ) من المصحح لحاجة الكلام إليها.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) من (ر) وفي (ي) هذا بدون فاء وفي (ه) و(ب) فذا.(6/4)
1- فإنه روى عن عبد ربه بن سعيد(1) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة و أم سلمة - رضي الله عنها - في الصائم يصبح جنبا(2) و إنما رواه عبد ربه عن عبد الله بن كعب الحميري عن أبي بكر بن عبد الرحمن - رضي الله عنه - كذا جزم به ابن عبد البر(3) وكذا أخرجه النسائي(4) من رواية عمر بن الحارث عن عبد ربه(5).
__________
(1) عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري أخو يحيى المدني ثقة من الخامسة مات سنة 139 وقيل بعدها /ع. تقريب 1/470.
(2) ط 18- كتاب الصيام 4- باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان حديث 10، خ30 كتاب الصوم 25- باب اغتسال الصائم حديث 1931 ومسلم 13- كتاب الصيام 13- باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب حديث 78، د 8 - كتاب الصوم حديث 2388.
(3) رجعت إلى التقصي فلم أجد كلاما لابن عبد البر على هذا الحديث، غير أن رواية عبد ربه عن عبد الله بن كعب الحميري في م 13- كتاب الصيام 13- باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب حديث 77، ولكنه من حديث أم سلمة قال الزرقاني في شرح الموطأ 2/160: "فكأن عبد ربه سمعه من ابن كعب ثم سمعه من أبي بكر، فحدث به على الوجهين، فليست رواية عمرو من المزيد في متصل الأسانيد ولا رواية مالك منقطعة بدليل أن مسلما صحح الطريقين فأخرجهما جميعا، رواية عمرو وتلوها رواية مالك".
(4) الذي في النسائي عن سليمان بن يسار عن أم سلمة فقط 1/90.
(5) لم أجد هذا الحديث في النسائي، وهو في صحيح مسلم 13- كتاب الصيام حديث 77.(6/5)
2- روى مالك عن عبد الكريم الجزري، عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - في الفدية(1) وإنما رواه عبد الكريم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى كذا قال ابن عبد البر أيضا(2).
__________
(1) ط20- كتاب الحج 78- باب فدية من حلق قبل أن ينحر حديث 237.
(2) انظر التقصي ص107 حيث ساق ابن عبد البر هذا الحديث بهذا الإسناد ثم قال عقبه: "هكذا هذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة ليس فيه ذكر مجاهد وسقوط مجاهد منه خطأ لأن عبد الكريم إنما رواه عن مجاهد عن ابن أبي ليلى وقد رواه ابن وهب وابن القاسم في الموطأ عن مالك عن عبد الكريم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب وهو الصواب".
قلت: وهذا يحتمل أن مالكا كان حينا يذكر مجاهدا وحينا لا يذكره ويحتمل أن يكون إسقاط مجاهد من قبل بعض الرواة الموطأ كما يشير إليه كلام ابن عبد البر.(6/6)
3- وروى مالك عن عمرو بن الحارث(1)، عن عبيد بن فيروز(2)، عن البراء - رضي الله عنه - في الأضاحي(3)، وإنما رواه عمرو، عن سليمان بن عبد الرحمن(4) عن عبيد . كذا رواه ابن وهب(5)، عن عمرو بن عمرو بن الحارث وهو مشهور من حديث سليمان المذكور، حدث به عنه شعبة(6)، والليث وابن لهيعة(7) وغيرهم .
فلو كانت التسوية تدليسا لعد مالك في المدلسين، وقد أنكروا على من عده فيهم.
قال ابن القطان : "ولقد ظن بمالك على بعده عنه عمله"(8) .
__________
(1) عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري، مولاهم المصري أبو أيوب ثقة فقيه حافظ من لسابعة مات قديما قبل الخمسين ومائة / ع. تقريب 2/67 الكاشف 2/326.
(2) عبيد بن فيروز الشيباني مولاهم أبو الضحاك الكوفي ، نزل الجزيرة ثقة من الثالثة /ع. تقريب 1/544 الكاشف 2/239.
(3) الحديث في ط 23 - كتاب الضحايا حديث: 1 ولفظه: عن البراء بن عازب: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: ما ذا نتقي من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: "أربعا... العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى".
(4) سليمان بن عبد الرحمن ويقال: ابن يسار عن القاسم أبي عبد الرحمن وعبيد بن فيروز وعنه شعبة والليث، ثقة / 4. الكاشف 1/397.
(5) حديث ابن وهب في (ن) 7/189 وانظر تحفة الأشراف 2/32.
(6) حديث شعبة في (ن) أيضا 7/188-189 من طريق خالد بن حارث وغندر وأبي داود ويحيى وعبد الرحمن وابن عدي وأبي الوليد سبعتهم عن شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز عن البراء. انظر تحفة الاشراف 2/32 وفي ت 20 - كتاب الأضاحي 5- باب ما لا يجوز من الأضاحي حديث 1497 وقال حسن صحيح.
(7) رواية الليث في ن 7/189 والتاريخ الكبير للبخاري ج3ق2/1-2 وانظر تحفة الاشراف 2/32.
(8) بيان الوهم والإيهام ج2 ق 2 ب 29/ب.(6/7)
وقال/(ب ص 217) الدارقطني: "أن/(ي181) مالكا/(ر95/أ) ممن عمل به وليس عيبا عندهم"(1).
وإذا تقرر ذلك، فقول شيخنا - في تعريف التسوية -: "وصورة هذا القسم أن يجيء المدلس إلى حديث قد سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وقد سمعه ذلك الشيخ الضعيف عن شيخ ثقة، فيسقط المدلس الشيخ الضعيف، ويسوقه بلفظ محتمل، فيصير الإسناد كلهم ثقات، ويصرح هو بالاتصال عن شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي رده ..."(2) إلى آخر كلامه.
تعريف غير جامع، بل حق العبارة أن يقول: أن يجيء الراوي - ليشمل المدلس وغيره - إلى حديث قد سمعه من شيخ وسمعه ذلك الشيخ/(ه107/أ) من آخر عن آخر، فيسقط الواسطة محتملة، فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل، ومما يدل على أن هذا التعريف لا تقييد فيه بالضعيف أنهم ذكروا في أمثلة التسوية: ما رواه هشيم(3) عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري، عن عبد الله(4) بن الحنفية، عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - في تحريم لحوم الحمر الأهلية.
قالوا: ويحيى بن سعيد لم يسمعه من الزهري، إنما أخذه عن مالك عن الزهري.
__________
(1) بيان الوهم والإيهام ج2 ق 2 ل 29/ب.
(2) التقييد و الإيضاح ص 95-96.
(3) رواية هشيم عزاها الحافظ في الفتح 9/168 لسنن سعيد بن منصور.
(4) يعني عبد الله بن محمد بن الحنفية.(6/8)
هكذا حدث به عبد الوهاب الثقفي وحماد بن زيد وغير واحد عن يحيى بن سعيد عن مال(1)، فأسقط هشيم ذكر مالك منه وجعله عن يحيى ابن سعيد عن الزهري.
ويحيى فقد سمع من الزهري، فلا إنكار في روايته عنه إلا أن هشيما قد سوى هذا الإسناد، وقد جزم بذلك ابن عبد البر/(ب 218) وغيره.
فهذا كما ترى لم يسقط في التسوية شيخ/(ر95/ب) ضعيف، وإنما سقط شيخ ثقة(2) ، فلا اختصاص لذلك بالضعيف - والله أعلم - .
تنبيه:
قسم الحاكم في علوم الحديث(3) - وتبعه أبو نعيم - التدليس إلى ستة أقسام:
الأول: من دلس عن الثقات.
الثاني: من سمى من دلس عنه لما حوقق وروجع فيه.
الثالث: من دلس عن من لا يعرف.
الرابع/(ي182): من دلس عن الضعفاء.
الخامس: من دلس القليل عن من سمع منه الكثير.
السادس: من حدث من صحيفة من لم يلقه.
قلت: وليست هذه الأقسام متغايرة، بل هي متداخلة، وحاصلها يرجع إلى قسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح، لكن أحببت التنبيه على ذلك، لئلا يعترض به من لا يتحقق.
تنبيه آخر:
__________
(1) حديث مالك في ط 28 - كتاب النكاح 18- باب في نكاح المتعة حديث 41 وخ 72- كتاب الصيد والذبائح 28- باب لحوم الحمر الإنسية حديث 5523 من طريق عبد الله بن يوسف عن مالك وم 16- كتاب النكاح 3- باب نكاح المتعة وبيان انه أبيح ثم نسخ حديث 29 عن يحيى بن يحيى و جويرية عن مالك و ن 7/179 من طريق ابن وهب، وجه 9- كتاب النكاح 44- باب النهي عن نكاح المتعة حديث 1961 من طريق بشر بن عمر، والبيهقي في السنن الكبرى 9/329 من طريق يحيى بن يحيى كلهم عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية. أما رواية يحيى بن سعيد فقال العظيم آبادي في التعليق المغني 3/258 فأخرجها سعيد بن منصور.
(2) ومع ذلك فهذا العمل يعتبر تدليسا.
(3) ص 103-109.(6/9)
ذكر شيخنا(1) ممن عرف بالتسوية جماعة ، وفاته أن ابن حبان قال - في ترجمة بقية - أن أصحابه كانوا يسوون حديثه(2).
وقال: - في ترجمة إبراهيم بن عبد الله المصيصي -: كأن يسوي الحديث(3) - والله أعلم -.
40- قوله (ع): "وما ذكره المصنف في حد التدليس (هو: المشهور بين أهل الحديث - يعني أن من جملة التدليس - أن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما أي سواء كأن قد لقيه أو لم يلقه"(4).
قلت: والذي يظهر من تصرفاته الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقي فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمأن النهدي وغيرهما (عن)(5) النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس.
وقد قال الخطيب - في باب المرسل من كتابه الكفاية -(6):
"لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس (7) بمدلس وهو: رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه/(ب 219)، ثم مثل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري.
ثم قال: "والحكم في الجميع عندنا واحد". أنتهى.
فقد (بين)(8) الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره أن ذلك مرسل لا مدلس.
والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن من ذكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذكر(9) بصيغة الموهمة عمن لقيه، فهو تدليس، أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال.
__________
(1) التقييد والإيضاح ص 96-97.
(2) كتاب المجروحين 1/201.
(3) كتاب المجروحين 1/1/116.
(4) التقييد و الإيضاح ص 98.
(5) في (ب) "من".
(6) ص 546 مطبعة السعادة.
(7) كلمة "ليس" سقطت من (ب) .
(8) في جميع النسخ "نفى" و التصويب من هامش (ر).
(9) كذا في جميع النسخ وفي (ر) فوق كلمة ذكر (روى) وهي الأنسب.(6/10)
واعلم أن التعريف الذي ذكرناه للمرسل ينطبق على ما يرويه الصحابة عن/(ي 183) النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يسمعوه منه وإنما لم يطلقوا عله اسم التدليس أدبا على أن بعضهم أطلق ذلك.
روى أبو أحمد ابن عدي في الكامل عن يزيد بن هارون عن شعبة قال: "كأن أبو هريرة - رضي الله عنه - ربما دلس"(1).
والصواب ما عليه الجمهور من الأدب في عدم إطلاق ذلك - والله أعلم.
92- قوله (ص): "وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان ...."(2) إلى آخره.
قد نقدم ما في "قال" من الخلاف.
وقد يقع التدليس بحذف الصيغ كلها. كما في المثال الذي ذكره المصنف(3) وإنما نبهت عليه ، لأنه ليس داخلا في عباراته - والله أعلم.
93- قوله (ص): "(وإن ما)(4) رواه المدلس بلفظ محتمل حكمه حكم المرسل"(5).
اعترض عليه بأن البزار الحافظ ذكر في الجزء الذي جمعه فيمن يترك ويقل: أن من كأن لا يدلس إلا عن الثقات كأن تدليسه عند أهل العلم مقبولا/(ر96/ب).
وبذلك صرح أبو الفتح الأزدي، وأشار إليه الفقيه أبو بكر الصيرفي في "شرح الرسالة".
__________
(1) مقدمة الكامل ص 115 مطبعة سلمان الأعظمي تحقيق صبحي السامرائي وبيأن الوهم والإيهام ج2ق2/ل 29/ب.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص66 يعني أن المدلس لا يقول أخبرنا ولا حدثنا وإنما يقول قال فلان ...الخ.
(3) يريد قول ابن الصلاح مثال ذلك : ما روينا عن علي بن خشرم قال: كنا عند ابن عيينة فقال: "الزهري" فقيل له: "حدثكم الزهري" فسكت ثم قال: الزهري قيل له : "سمعته من الزهري" قال: "لا لم أسمعه من الزهري و لا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري" مقدمة ابن الصلاح ص66.
(4) في جميع النسخ "وأنما" وهو خطأ و التصويب من مقدمة ابن الصلاح.
(5) مقدمة ابن الصلاح ص67.(6/11)
وجزم بذلك أبو حاتم ابن حبان وأبو عمر ابن عبد البر(1) وغيرهما في حق سفيان بن عيينة وبالغ ابن حبان في ذلك حتى قال: "إنه لا يوجد له تدليس قط إلا وجد بعينه، وقد بين سماعه فيه من ثقة"(2).
وفي سؤالات الحاكم للدارقطني : أنه سئل عن تدليس ابن جريج فقال: يجتنب، وأما ابن عيينة فأنه يدلس عن الثقات.
تنبيه:
قال أبو الحسن ابن القطان : "إذا صرح المدلس قبل بلا خلاف، وإذا لم يصرح فقد قبله ما لم يتبين في حديث بعينه أنه لم يسمعه، ورده آخرون ما لم يتبين أنه سمعه".
قال: "فإذا روى المدلس حديثا بصيغة محتملة، ثم رواه بواسطة تبين انقطاع الأول عند الجميع".
قلت: وهذا بخلاف غير المدلس، فإن غير المدلس يحمل غالب ما يقع منه من ذلك على أنه سمعه من الشيخ الأعلى/(ي 184)، وثبته فيه الواسطة.
لكن في إطلاق ابن القطأن نظر، لأنه قد يدلس الصيغة فيرتكب (3) المجاز ، كما يقول مثلا: حدثنا وينوي حديث قومنا (4) أو أهل قريتنا ونحو ذلك. وقد ذكر الطحاوي منه أمثلة من ذلك:
حديث مسعر(5) عن عبد الملك بن ميسرة(6) عن النزال بن سبرة(7) قال قال لنا(8) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا وإياكم ندعي بني عبد مناف..." الحديث.
__________
(1) التمهيد 1/31.
(2) الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/ل 45/أ، وصحيح ابن حبان 1/122. انظر جامع التحصيل ص168.
(3) في (ب) فيرتكب.
(4) في (ب) قوما.
(5) مسعر بن كدام - بكسر أوله وتخفيف ثأنيه- ابن ظهير الهلالي أبو سلمة، الكوفي ثقة ثبت فاضل من السابعة مات سنة 153 أو 155 / ع ، تقريب 2/243 الكاشف 3/137.
(6) عبد الملك بن ميسرة الهلالي أبو زيد العامري الكوفي الزراد ثقة من الرابعة /ع تقريب 1/524 تهذيب التهذيب 6/426.
(7) النزال بن سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي كوفي ثقة من الثانية قيل أن له صحبة / خ ج تم س ق تقريب 2/298 الكاشف 3/199.
(8) كلمة (لنا) من (ر).(6/12)
قال وأراد بذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لقومه وأما هو فلم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال طاووس(1): "قدم علينا معاذبن جبل - رضي الله عنه - اليمن".
وطاووس لم يدرك معاذا - رضي الله عنه - وإنما أراد قدمنا بلدنا.
وقال الحسن: "خطبنا عتبة بن غزوان"(2).
يريد/(ر97/أ) أنه خطب أهل البصرة والحسن لم يكن بالبصرة/(ب ص 221) لما خطب عتبة.
قلت: ومن أمثلة ذلك قول ثابت البناني(3): "خطبنا عمرأن بن حصين - رضي الله عنه -" وقوله : "خطبنا ابن عباس - رضي الله عنهما -" - والله أعلم -.
41- قوله (ع): "حكاية عن أبي نصر بن الصباغ: وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول"(4).
فيه نظر؛ لأنه لا يصير بذلك مجهولا إلا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدأنهم، وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم.
فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علما بذلك لا يكون/(ه109) الرجل المدلس عنده مجهولا.
وتلك أنزل مراتب المحدث.
وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امتحنوا طلبتهم المهرة (بمثل ذلك)(5) فشهد لهم الحفظ لما يسرعوا بالجواب عن ذلك.
__________
(1) في خ 24- كتاب الزكاة 33- باب العرض في الزكاة: وقال طاووس: "قال معاذ - رضي الله عنه - لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة..." الحديث وليس في قدم علينا معاذ.
(2) لم أجد هذا النص والذي في المراسيل لابن أبي حاتم ص27 وقوله - يعني الحسن-: خطبنا ابن عباس يعني خطب أهل البصرة.
(3) في المراسيل لابن أبي حاتم ص 27 بإسناده إلى ابن المديني: وقال لي في حديث الحسن: "خطبنا ابن عباس بالبصرة هو كقول ثابت قدم علينا عمرأن بن حصين".
(4) التقييد والإيضاح ص 100 وكلامه هذا حول تدليس الشيوخ.
(5) في (ر) في ذلك .(6/13)
وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كأن ينظر إلى "كتاب العلم" (لأبي يكر بن أبي العاصم)(1) فوقع في أثنائه حدثنا الشافعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثا فقال: لعله سقط منه شيء ثم التفت إلي فقال: ما تقول؟
فقلت: الإسناد متصل، وليس الشافعي هذا هو محمد بن إدريس الإمام/(ي185) بل هو ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس(2).
ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه.
(ولقد كان)(3) ظن الشيخ في السقوط قويا(4)، لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الإمام الشافعي بمدة(5).
وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد: "إن في تدليس الشيوخ الثقة مصلحة وهي امتحان الأذهان في استخراج ذلك و إلقائه/(ر97/ب) إلى من/(ب222) يراد اختبار حفظه و معرفته بالرجال وفيه مفسدة من جهة أنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر(6).
__________
(1) في (ب) "لأبي بكر بن عاصم".
(2) إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي المكي ابن عم الغمام الشافعي أبو إسحاق صدوق من العاشرة مات سنة 237/ س ق تقريب 1/41.
(3) ما بين القوسين من (ر) و(هـ) و(ي) وفي (ب) ولكن.
(4) في (ب) قوما.
(5) نقل الصنعأني هذه القصة عن الحافظ في توضيح الأفكار 1/372.
(6) قول ابن دقيق العيد نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/372 وهو في الاقتراح ل8/أ.(6/14)
قلت: وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع، لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه، فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح، وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل عن رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه، فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فمفسدته أشد، كما وقع لعطية العوفي في تكنيته ممد بن السائب الكلبي أبا سعيد، فكان إذا حدث عنه يقول: حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي - رضي الله عنه - لأن عطية كان لقيه وروى عنه(1).
وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ.
وأما ما عدا ذلك من تدليس الشيوخ فليس فيه مفسدة تتعلق بصحة الإسناد وسقمه بل فيه مفسدة دينية فيما إذا كان مراد المدلس إيهام تكثير الشيوخ لما فيه من التشيع - والله أعلم -.
ونظيره في تدليس الإسناد أن يوهم العلو وهو عنده بنزول - والله أعلم -.
95- قوله (ص)(2): "وكان شعبة من أشدهم ذما (له)(3)...." إلى آخره.
__________
(1) نقل الصنعأني هذا النص عن الحافظ في توضيح الافكار 1/372 من قوله: "وقد نازعته" إلى قوله: "وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ".
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 67 ويعني بذلك ذمه للتدليس.
(3) كلمة له من (هـ) وهي أيضا في مقدمة ابن الصلاح.(6/15)
هو: معروف بذلك قال القاضي أبو الفرج المعافى النهرواني(1) - في "كتاب الجليس والأنيس" له، في المجلس الثالث/(ي 186) والخمسين منه: كان شعبة ينكر التدليس ويقول فيه ما يتجاوز الحد - مع كثرة روايته عن المدلسين/(ر98/أ). ومشاهدته من كأن مدلسا/(ب ص 223) من الأعلام(2)، كالأعمش والثوري وغيرهما إلى أن قال ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع سوء قوله في التدليس تدليسا في عدة أحاديث رواها (3) وجمعنا ذلك في موضع آخر. انتهى.
__________
(1) المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد النهرواني الجريري - نسبه إلى مذهب ابن جرير - ويعرف بابن طرار (أبو الفرج) فقيه أصولي، أديب نحوي لغوي اخباري شاعر مشارك في غير ذلك من تصأنيفه "الجليس الصالح الكوفي والأنيس الناصح الشافي" و"الحدود و العقود في أصول الفقه" مات سنة 390 معجم المؤلفين 12/302 النجوم الزاهرة 4/201.
(2) في (ب) الكلام وهو خطأ.
(3) في (ب) رواه وهو خطأ.(6/16)
وما زلت متعجبا من هذه الحكاية شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك ولا أزداد إلا استغرابا لها و استبعادا إلى أن رأيت في "فوائد أبي عمرو بن أبي عبيد الله بن مندة" وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن عيسى بن عبد الحمن بن مغالى(1) ، قال : قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب ونحن نسمع عن أبي الخير الباغيان أنا أبو عمر بن أبي عبيد الله بن مندة ثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب إملاء حدثنا أبو عبد الله أحمد بن موسى بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد بن الأصفر ثنا النفيلي(2) ثنا مسكين بن بكير ثنا شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت فقال: قال أبو قزعة حدثني مهاجر المكي (3) أنه سأل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت ؟ فقال: "قد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل فعلنا ذلك؟"
قال الأصفر: ألقيته على أحمد بن حنبل فاستعادني، فأعدته عليه فقال: ما كنت أظن أن شعبة يدلس.
حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها يعني ليس فيه عمرو بن دينار.
__________
(1) في (ب) معالي بالعين المهملة
(2) في هامش (ب) صوابه : السلمي.
(3) هو: مهاجر بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي مقبول من الرابعة / د س ت . التقريب 2/278.(6/17)
قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظن و إلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث، لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم/(ب 2249وجدته في السنن(1) لأبي داود/(ر98/ب) عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة قال: سمعت أبا قزعة(2) ..فذكره فثبت أنه ما دلسه والظاهر : الذي زعم المعافى أنه جمعه كله من هذا القبيل وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيرا عنه.
__________
(1) 5- كتاب المناسك 46 - باب في رفع اليدين إذا رأى البيت حديث 1870 ولفظه: عن المهاجر المكي قال: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت فيرفع يديه فقال: "ما كنت أرى أحدا يفعل هذا إلا اليهود، وقد حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يفعله" و ن 167 باب ترك رفع اليد عند رؤية البيت بلفظ أبي داود و إسناده. وت 7 كتاب الحج 32 - باب كراهية رفع اليدين عند رؤية البيت حديث 855 بلفظ: عن المهاجر المكي قال: سئل جابر بن عبد الله أيرفع الرجل يديه إذا رأى البيت فقال: "حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفكنا نفعله؟".
أما أبو داود والنسائي ففيهما حدثنا شعبة قال: سمعت أبا قزعة و أما الترمذي ففيه عن وكيع عن شعبة عن أبي قزعة.
(2) هو سويد بن حجير - بتقديم المهملة - مصغرا الباهلي البصري ثقة من الرابعة / م 4. تقريب 1/340.(6/18)
وأما كونه: كان يروي عن المدلسين، فالمعروف عنه أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه فقد/(ي 187) روينا من طريق يحيى القطان عنه أنه كان يقول: "كنت أنظر إلى فم/(110/أ) قتادة، فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته وإذا قال: عن فلأن تركته(1)، وروينا في المعرفة(2) للبيهقي وفيها عن شعبة أنه قال : "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبو إسحاق وقتادة".
وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها.
وألحق الحافظ الإسماعيلي بشعبة في ذلك يحيى بن سعيد القطان فقال في كتاب الطهارة من (مستخرجه) عقب حديث القطان عن زهير عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود في الاستجمار بالأحجار: "يحيى القطان لا يروي عن زهير إلا ما كان مسموعا لأبي إسحاق".
هذا أو معناه.
وكذا ما كان من رواية الليث بن سعد، عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - فإنه مما لم يدلس فيه أبو الزبير كما هو معروف في قصة مشهورة(3).
وقال البخاري: "لا يعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور ولا عن كثير من مشايخه تدليس ما أقل تدليسه".
وقد ذم التدليس جماعة من أقرأن شعبة و أتباعه.
__________
(1) انظر مقدمة الجرح والتعديل ص 169 ولكنه نسب هذه الرواية إلى عبد الرحمن بن مهدي مرتين ولم ينسبها ليحيى القطان وكذا أورد هذه الرواية في المقدمة ص161 وفي كتاب الجرح ج2: ق1/ 370. ونسبها إلى عبد الرحمن بن مهدي أيضا.
(2) 1/65.
(3) يشير إلى قول الليث: "جئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين فانقلبت بهما ثم قلت في نفسي: لو أنني عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر؟ فسألته فقال: منه ما سمعت ومنه ما حدثت عنه، فقلت له أعلم على ما سمعت منه، فأعلم لي على هذا الذي عندي". ميزان الاعتدال 4/37.(6/19)
فروينا عن عبد الصمد(1) بن عبد الوارث/(ر99/أ) عن أبيه(2) قال: "التدليس ذل"(3) .
وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال: "دلس للناس أحاديثه، والله لا يقبل تدليسه".
روينا في "علوم الحديث للحاكم"(4) وروينا في أدب المحدث لعبد الغني بن سعيد عن وكيع قال: "لا يحل تدليس الثوب، فكيف تدليس الحديث"(5).
وعن/(111/أ) أبي عاصم النبيل قال: أقل حالات المدلس عندي أنه يدخل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"(6) والله الموفق.
42- قوله (ع): "وقد حكاه الخطيب عن فريق من الفقهاء"(7).
قلت: حكاه القاضي عبد الوهاب ي 188 في الملخص فقال: "التدليس جرح و أن من ثبت أنه كان يدلس لا يقبل حديثه مطلقا - قال- : وهو الظاهر من أصول مالك".
__________
(1) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم التنوري - بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة - أبو سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة من التاسعة ، مات سنة 107/ع. تقريب 1/507 الخلاصة ص 439.
(2) هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم البصري ثقة ثبت، رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من الثامنة مات سنة 180/ع. تقريب 01/527 الخلاصة ص 247.
(3) معرفة علوم الحديث للحاكم ص 103.
(4) معرفة علوم الحديث للحاكم ص103.
(5) انظر: الكفاية للخطيب ص356 - 357.
(6) م 37- كتاب اللباس 35- باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره، حديث 126، 127،حم 6/90، 167، د 35 - كتاب الأدب 91- باب في المتشبع بما لم يعط حديث 4997 ونسبه الخطيب في الكفاية ص356 لحماد بن زيد فلعل كلا من حماد بن زيد وأبي عاصم قاله، ثم وجدت كلام أبي عاصم في مقدمة الكامل لابن عدي ص66.
(7) التقييد والإيضاح ص 98 - 99. يعني أن الخطيب حكى الخلاف في قبول رواية المدلس الثقة إذا صرح بالتحديث.(6/20)
وقال ابن السمعاني في "القواطع": "إن كان إذا استكشف لم يخبر باسم من يروي عنه، فهذا يسقط الاحتجاج بحديثه، لأن التدليس تزوير وإيهام لما لا حقيقة له وذلك يؤثر في صدقه وإن كان يخبر فلا".
هكذا قال: والصواب الذي عليه جمهور المحدثين خلاف ذلك.
قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين عن التدليس فكرهه وعابه قلت له: فيكون المدلس حجة فيما روى؟ قال: "لا يكون حجة في ما دلس"(1).
وأورد الخطيب(2) هنا أنه ينبغي أن لا يقبل من المدلس أخبرنا لأن بعضهم يستعملها في غير السماع.
وأجاب أن هذه اللفظة ظاهرها السماع، والحمل على غيره مجاز، والحمل على الظاهر أولى، وما أجاب به جيد فيمن(3) لم يوصف بأنه كان يدلس الصيغ - أيضا - فقد ثبت عن أبي نعيم الأصبهاني أنه كان يقولك في الإجازة: "أخبرنا"/(ر99/ب) وفي السماع "حدثنا".
وكذا يصنع كثير من الحفاظ المغاربة فيحتاج إلى التنبه(4) لذلك.
ومثل ما أجاب به الخطيب أجاب شيخنا شيخ الإسلام(5).
ثم قال: ولا يرد على هذا قول الرجل الذي يقتله الدجال: "أنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم -"(6). لأن الكلام إنما هو حيث كان السماع ممكنا وأما إذا كان غير ممكن فيتعين الحمل على المجاز بالقرينة.
كقول أبي طلحة: إني سمعت الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ}(7) الآية، فإن مراده سمعت كلام الله عز وجل على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) الكفاية ص 516.
(2) الكفاية ص 363.
(3) في جميع النسخ "فمن" والتصويب من هامش (ر).
(4) في (هـ)و(ب) التنبيه.
(5) محاسن الاصطلاح ص 170 بهامش مقدمة ابن الصلاح.
(6) خ 92- كتاب الفتن 27- باب لا يدخل الدجال المدينة حديث 7132.
(7) سورة آل عمرأن : 92، والحديث المشار إليه في خ 24- كتاب الزكاة 44- باب الزكاة في الأقارب حديث 1461 وفي مواضع أخر من البخاري وم 12- كتاب الزكاة 14- باب فضل الصدقة على الأقربيين والزوج حديث 42.(6/21)
وقد حكى القاضي عبد الوهاب في الملخص عن الشاقعي أنه لا يقبل من المدلس إلا إذا صرح بقوله: "حدثني" أو "سمعت" دون قوله: "عن" أو "أخبرني".
وهو ظاهر نقل ابن السمعاني لكن نصه في الرسالة (1):
"فقلنا لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول: حدثني أو سمعت".
هذا نصه، وهو/(ي 189) محتمل أن يريد الاقتصار على هاتين الصيغتين كما فهم القاضي عبد الوهاب وغيره، ويحتمل أن يكون ذكرها على سبيل المثال ليلحق بهما ما أشبههما من الصيغ المصرحة وهذا هو الصحيح.
وقد حكى المعافى في "الجليس" عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه كان لا يرى رواية المدلس حجة إلا أن يقول في روايته حدثنا أو أخبرنا أو سمعت، انتهى. وهذا يؤيد ما صححناه.
96- قوله (ص): "وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا .... "(2) إلى آخره.
__________
(1) ص 380 فقرة 1035.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 67 وتمام كلامه "كقتادة و الأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم أي من المدلسين الذين أخرج لهم الشيخان وغيرهما.(6/22)
أورده المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين/(ر100/أ) مصرح في جميعه وليس كذلك بل في الصحيحين (وغيرهما)(1) جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة وقد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه/(ب ص 227) النووي(2) (وغيره بأن ما كان في الصحيحين وغيرهما)(3) من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وتوقف في ذلك من المتأخرين الإمام صدر الدين ابن المرحل(4)، وقال في "كتاب الأنصاف": "أن في النفس من هذا الاستثناء غصة، لأنها دعوى لا دليل عليها، لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها".
وكذلك استشكل ذلك قبله العلامة ابن دقيق العيد فقال(5): "لا بد من الثبات على طريقة واحدة، إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب.
وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه ، فغاية ما يوجه به أحد أمرين:
إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها، قال : وهذا إحالة على جهالة، و إثبات أمر بمجرد الاحتمال، و إما أن يدعى أن الإجماع على صحة/(ي190) ما في الكتابين دليل على وقع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على الخطأ وهو ممتنع.
قال(6): "لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه".
__________
(1) كلمة "وغيرها" سقطت من (ب).
(2) التقريب للنووي مع تدريب الرأوي ص144.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكي الشهير بابن المرحل - بالحاء المشددة بعد الراء- فقيه أديب محدث أصولي شاعر، مات سنة 716. النجوم الزاهرة 9/233 طبقات الشاقعية للسبكي 9/253.
(5) نقل الصنعاني كلام ابن دقيق هذا في توضيح الأفكار 1/355.
(6) كلمة "قال" ليست في (ي).(6/23)
قال: وهذا فيه عسر. قال: ويلزم على هذا أن يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا يقال(1): هذا على شرط مسلم - مثلا - لأن الإجماع الذي يدعى ليس موجودا في الخارج" انتهى ملخصا.
وفي أسئلة/(ر100/ب) الإمام تقي الدين السبكي للحافظ أبي الحجاج المزي: وسألته عن ما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول: أنهما اطلعا على اتصالها؟
فقال: "كذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما. وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما توجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح"(2) .
قلت: وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط.
أما ما كان في المتابعات فيحتمل أن يكون حصل التسامح(3) في تخريجها كغيرها.
وكذلك المدلسون الذين(4) خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك، بل هم على مراتب:
الأولى: من لم يصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع، والغالب: أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس.
ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن، فيكون التحقيق بخلافه كما بينا ذلك في حق شعبة قريبا(5) وفي حق محمد بن إسماعيل البخاري في الكلام على التعليق (6) - والله أعلم -.
فمن هذا الضرب:
1-أيوب السختياني.
2-وجرير بن حازم(7).
__________
(1) من هامش (ر) وفي كل النسخ "ولا يقول".
(2) انظر توضيح الأفكار للصنعاني (1/355) فإنه نقل هذا السؤال.
(3) في النسخ كلها "التسمح" وما أثبتناه من هامش (ر) ومن توضيح الأفكار.
(4) في جميع النسخ (الذي) والصواب ما أثبتناه.
(5) انظر ص 630.
(6) انظر ص 601 لكنه في النوع الحادي عشر (المعضل).
(7) جرير بن حازم الضبي أبو النضر البصري ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظه. من السادسة مات سنة 170 بعدما اختلط لكن لم يحدث بعد اختلاطه / ع . تقريب 1/127 ميزان الاعتدال 1/549 طبقات المدلسين ص5.(6/24)
3- والحسين بن واقد.
4-وحفص بن غياث(1).
5- وسليمان التيمي.
6-وطاووس.
7-وأبو قلابة .
8- وعبد الله بن وهب.
9- وعبد ربه بن نافع أبو شهاب(2).
10-والفضل/(ي191) بن دكين أبو نعيم.
11- وموسى بن عقبة.
12- وهشام بن عروة.
13- وأبو مجلز لاحق بن حميد(3).
14- ويحيى بن سعيد الأنصاري.رحمة الله عليهم(4).
الثانية: من أكثر الأئمة من إخراج حديثه إما لإمامته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كأن لا يدلس إلا عن ثقة.
فمن هذا الضرب:
15- إبراهيم بن زيد النخعي/(ر101/أ).
16- وإسماعيل بن أبي خالد.
17- وبشير بن مهاجر(5).
18- والحسن بن ذكوان(6).
19- والحسن البصري.
__________
(1) حفص بن غياث - بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة - ابن طلق بن معاوية النخعي أبو عمرو الكوفي القاضي ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في الآخر من الثامنة مات سنة 194/ع. تقريب 1/189 ميزان الاعتدال 1/567 طبقات المدلسين ص5.
(2) عبد ربه بن نافع الكناني الحناط - بمهملة ونون - نزيل المدائن أبو شهاب الأصفر صدوق يهم من الثامنة مات سنة 171/خ م د س ق . تقريب 1/471. ميزأن الاعتدال 2/544 طبقات المدلسين ص6 هذا وفي كل النسخ ابن رافع والتصحيح من التقريب والميزان وطبقات المدلسين.
(3) لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مجلز - بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي - مشهور بكنيته ثقة من كبار الثالثة، مات سنة 106/ع. تقريب 2/340 ميزان الاعتدال 4/356.
(4) ذكر الحافظ كل هؤلاء في الطبقة الأولى من طبقات المدلسين ص 5-8 ما عدا سليمان التيمي فإنه ذكره في الثانية ص11.
(5) بشير بن المهاجر الكوفي الغنوي - بالمعجمة والنون - صدوق لين الحديث رمي بالإرجاء من الخامسة /م 4. تقريب 1/103 ميزان الاعتدال 1/329.
(6) الحسن بن ذكوان أبو سلمة البصري صدوق يخطئ ورمي بالقدر وكان يدلس من السادسة / خ د ت ق . تقريب 1/166 ميزان الاعتدال 1/489. وذكره الحافظ في الثالثة في الطبقات.(6/25)
20- والحكم بن عتبة.
21- وحماد بن أسامة.
22- وزكريا بن أبي زائدة(1) .
23- وسالم بن أبي الجعد(2).
24- وسعيد بن أبي عروبة.
25- وسفيان الثوري.
26- وسفيان بن عيينة.
27- وشريك القاضي.
28- وعبد الله بن عطاء المكي(3).
59- وعكرمة بن خالد المخزومي(4).
30- ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير.
31- ومخرمة بن بكير(5).
32- ويونس بن عبيد
رحمة الله تعالى عليهم(6).
الثالثة: من أكثروا من التدليس وعرفوا به وهم:
33- بقية بن الوليد.
34- وحبيب بن أبي ثابت.
35-وحجاج بن أرطأة.
36-وحميد الطويل.
37- وسليمان الاعمش.
38- وسويد بن سعيد.
__________
(1) زكريا بن أبي زائدة بن فيروز الهمداني الوادعي أبو يحيى الكوفي ثقة وكان يدلس وسماعه أبي إسحاق في آخره من السادسة، مات سنة 147/ع تقريب 1/261 ميزان الاعتدال 2/73 ونص الذهبي على أنه مدلس.
(2) سالم بن أبي الجعد رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة وكأن يرسل كثيرا من الثالثة، مات سنة 97/ع.
تقريب (1/279) ميزان الاعتدال 2/109 ووصفه بالتدليس.
(3) عبد الله بن عطاء الطائفي أو المدني أو الواسطي أو المكي عن أبي الطفيل وابن بريدة وعنه شعبة وابن نمير وعدة، صدوق / م د ت س . الكاشف 2/110 التقريب 1/434 وفيه الطائفي أصله من الكوفة صدوق يخطئ من السادسة وذكره الحافظ في طبقات المدلسين في المرتبة الأولى ص6.
(4) عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي ثقة من الثالثة مات بعد عطاء/ خ م د ت س تقريب 2/29 الكاشف 2/275.
(5) مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبو المسور المدني صدوق وروايته عن أبيه وجادة من كتابه، من السابعة، مات سنة 159/بخ م د س . تقريب 2/234 ميزان الاعتدال 4/80. وذكره الحافظ في طبقات المدلسين في الأولى ص 6.
(6) كل هذه المرتبة ذكرهم الحافظ في طبقاته في الثانية من المدلسين ص 8-12 ما عدا عبد الله بن عطاء المكي ومخرمة بن بكير فإنه ذكرهما في الأولى.(6/26)
39- و أبو سفيان المكي(1).
40-وعبد الله بن أبي نجيح(2).
41-وعباد بن منصور(3).
42- وعبد الرحمن المحاربي(4).
43- وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد(5).
44- وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
45-وعبد الملك بن عمير(6).
46- وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف(7).
47- وعكرمة بن عمار(8).
__________
(1) هو طلحة بن نافع الواسطي نزيل مكة صدوق من الرابعة /ع . تقريب 1/380 الكاشف 2/45 وقال روى له البخاري مقرونا.
(2) عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم ، ثقة رمى بالقدر وربما دلس من السادسة، مات سنة 131 أو بعدها/ع. تقريب 1/456 الكاشف 2/137 وقال وثقه س وقال خ فيه نظر.
(3) عباد بن منصور الناجي - بالنون والجيم - أبو سلمة البصري القاضي بها، صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بآخره من السادسة، مات سنة 152/خت 4. تقريب 1/393 ، ميزان الاعتدال 2/376 ونقل الذهبي عن الساجي وأحمد والبخاري ما يثبت أنه يدلس.
(4) عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي لا بأس به وكان يدلس قاله أحمد، من التاسعة مات سنة 195/ع. تقريب 1/497 الكاشف 2/184 وقال فيه: ثقة يغرب.
(5) عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد - بفتح الراء وتشديد الواو - صدوق يخطئ وكان مرجئا من التاسعة /م4. تقريب 1/517 ميزان الاعتدال 2/648.
(6) عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي حليف بني عدي الكوفي ثقة فقيه تغير حفظه وربما دلس، من الثالثة، مات سنة 136/ع. تقريب 1/521 الكاشف 2/212.
(7) عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر العجلي مولاهم البصري نزيل بغداد صدوق وربما أخطأ أنكروا عليه حديثا في فضل العباس يقال دلسه عن ثور، من التاسعة، مات سنة 206/ع م4. تقريب 1/528 الكاشف 2/221.
(8) عكرمة بن عمار العجلي أبو عمار اليمامي - أصله من البصرة - صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب من الخامسة، مات قبل الستين ومائة /خت م4. تقريب 2/30 الكاشف 2/276.(6/27)
48- وعمر بن عبيد الطنافسي(1).
49- وعمر بن علي المقدمي(2).
50- وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي.
51- وعيسى بن موسى غنجار(3).
52- وقتادة.
53- ومبارك بن فضالة(4).
54- ومحمد بن إسحاق.
55- ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي(5).
56- ومحمد بن عجلان.
57- ومحمد بن عيسى بن الطباع(6).
__________
(1) عمر بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي - بفتح الطاء و النون وبعد الألف فاء مكسورة ثم سين مهملة - الكوفي صدوق من الثامنة ، مات سنة 185 وقيل بعدها /ع. تقريب 2/60 الكاشف 2/318 وقال فيه : "محل الصدق".
(2) عمر بن علي بن عطاء بن مقدم بقاف، وزن محمد وكان يدلس شديدا من الثامنة، مات سنة 190 وقيل بعدها /ع. تقريب 2/61 ميزأن الاعتدال 3/214 وفيه : "ثقة شهير لكنه رجل مدلس، قال ابن سعد: ثقة يدلس تدليسا شديدا يقول: سمعت وحدثنا ثم يسكت ثم يقول: هشام بن عروة والأعمش".
(3) عيسى بن موسى البخاري أو أحمد الأزرق لقبه غنجار - بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم- صدوق ربما أخطأ وربما دلس مكثر من الحديث عن المتروكين من الثامنة، مات سنة 187/خت ق. تقريب 2/102 ميزأن الاعتدال 3/ 325 وفيه: "صدوق في نفسه لكنه روى عن نحو مائة مجهول".
(4) مبارك بن فضالة - بفتح الفاء وتخفيف المعجمة - أبو فضالة البصري صدوق يدلس ويسوي من السادسة، مات سنة 166 على الصحيح / خت د ت ق. تقريب 2/227 ميزان الاعتدال 3/431 وفيه: "قال أبو داود شديد التدليس فإذا قال حدثنا فهو ثبت".
(5) محمد بن عبد الرحمن الطفاوي أبو المنذر صدوق يهم من الثامنة /خ د ت س. تقريب 2/185 ميزان الاعتدال 3/618.
(6) محمد عيسى بن نجيح أبو جعفر الطباع البغدادي نزيل أذنه، ثقة فقيه من العاشرة، مات سنة 224/خت د تم س. تقريب 2/198 الكاشف 3/87.(6/28)
58- ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير(1).
59- ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري(2).
60- ومروان بن معاوية الفزاري(3).
61- والمغيرة بن مقسم/(ي 192).
62- ومكحول الشامي(4).
63- وهشام بن حسان(5).
64- هشام بن بشير.
65- والوليد/(113/ب) بن مسلم الدمشقي.
66- ويحيى بن أبي كثير/(ب 230).
67- وأبو حرة الرقاشي(6).
__________
(1) محمد بن مسلم بن تدرس - بفتح المثناة وسكون الدال وضم الراء - الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة، مات سنة 126/ع. تقريب 2/207 الكاشف 3/96.
(2) عد العلائي الزهري في المرتبة الثانية.
(3) مروان بن معاوية الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة ثم دمشق ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ، من الثامنة، مات سنة 193/ع . تقريب 2/239.
(4) مكحول الشامي أبو عبد الله ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور من الخامسة ، مات سنة بضع عشرة و مائة /م4. تقريب 2/273 الكاشف 3/173.
(5) هشام بن حسان الأزدي القردوسي- بالقاف وضم الدال - أبو عبد الله البصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما من السادسة، مات سنة 147/ع. تقريب 2/318 الكاشف 3/221.
(6) أبو حرة - بفتح الحاء والراء المشددة - حينفة الرقاشي - بفتح الراء والقاف - مشهور بكنيته وقيل: اسمه حكيم ثقة من الثالثة /د. تقريب 1/207 الكاشف 3/261.(6/29)
رحمة الله تعالى عليهم أجمعين(1).
فهذه الأسماء من ذكر بالتدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا أو أحدهما له أصلا أو استشهادا أو تعليقا/(ر101/ب) على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا.
(وإذا سردنا)(2) ذلك فلا بأس بسرد(3) أسماء باقي الموصوفين بالتدليس من باقي رواة الحديث لتمام الفائدة ولتمييز أحاديثهم.
فقد سرد المصنف أسامي(4) من ذكر بالاختلاط ليتميز حديثه وقد ذكرتهم على قسمين:
أحدهما: من وصف بذلك مع صدقه.
وثانيهما: من ضعف منهم بأمر آخر غير التدليس - والله الموفق -.
فمن الأول:
__________
(1) ملاحظة: أهل هذه الطبقة هنا - وهي الثالثة - يبلغون خمسة وثلاثين شخصا وقد أورد الحافظ معظمهم، وهم أربعة وعشرون شخصا في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين ص 13-18. أما الباقون وهم أحد عشر رجلا فقد أوردهم في طبقات مختلفة في كتابه الطبقات فأورد ثمانية منهم في الطبقة الرابعة من (18-20) وهم: (1) بقية بن الوليد (2) حجاج بن أرطأة (3) سويد بن سعيد (4) عيسى بن موسى غنجار، (5) عباد بن منصور، (6) محمد بن إسحاق، (7) عمر بن علي المقدمي، (8) الوليد بن مسلم.
وأورد اثنين منهم في الطبقة الثانية وهما: سليمان بن مهران الأعمش ص11 ويحيى بن أبي كثير ص12.
وأورد واحدا منهم في الطبقة الخامسة وهو عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني انظر ص21.
وهذا التصرف مستغرب من الحفاظ وذلك أن القواعد التي وضعها لترتيب وتصنيف هؤلاء المدلسين متفقة هنا وفي الطبقات، وأقرب شيء يعلل به هو أن الحافظ لما رتبهم هنا اعتمد على حفظه فوهم بوضع بعض الأشخاص في غير موضعهم - والله أعلم -.
(2) في كل النسخ: "وإذا أردنا" ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) في (ب) "برد" وهو خطأ.
(4) كلمة "أسامي" سقطت من (ب).(6/30)
68- جنيد بن العلاء بن أبي وهرة(1).
69- وحميد بن الربيع الخزار(2).
70- وإسماعيل بن عياش.
71- وسلمة بن تمام الشقري(3).
72- وشباك الضبي(4).
73- وشعيب بن أيوب الصيرفيني(5).
74- وعبد الله بن مروان الحراني(6).
__________
(1) جنيد بن العلاء بن أبي وهرة وقيل بن أبي نمرة كنيته أبو حازم يروي عن ابن عمر وأبي الدرداء ولم يرهما ويروي عن جماعة من التابعين . كان يدلس عن محمد بن أبي قيس المصلوب ويروي ما سمع منه عن شيوخه فاستحق مجأنبة حديثه على الأحوال كلها لأن ابن أبي قيس كان يضع الحديث. كتاب المجروحين لابن حبان 1/211. ميزان الاعتدال 1/450 هذا وفي كل النسخ "جنيد بن المعلي بن زهرة" والتصحيح من الميزان ولم يورده الحافظ في الطبقات.
(2) حميد بن الربيع الخزار مختلف فيه وصفه بالتدليس عن الضعفاء عثمان بن أبي شيبة . انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 1/611 طبقات المدلسين لابن حجر ص19 الطبقة الرابعة.
(3) سلمة بن تمام الشقري - بفتح المعجمة والقاف- الكوفي صدوق من الرابعة (س) تقريب 1/316 الكاشف 1/383 طبقات المدلسين 0ص6 الطبقة الأولى. هذا وفي جميع النسخ السقري - بالسين المهملة - والتصويب من التقريب.
(4) شباك - بكسر أوله ثم موحدة خفيفة ثم كاف- الضبي الكوفي الأعمى ثقة له ذكر في صحيح مسلم وكان يدلس من السادسة / م د س ق. تقريب 1/345 أورده الحافظ في الطبقة الأولى في طبقاته ص6.
(5) هو من شيوخ أبي دواد وصفه بالتدليس ابن حبان والدارقطني وأورده الحافظ في الطبقة الثالثة من طبقاته ص13 وأنظر ميزان الاعتدال 2/275.
(6) عبد الله بن مروان أبو شيخ الحراني يروي عن زهير بن معاوية وغيره قال ابن حبان في ثقاته يعتبر حديثه إذا بين السماع في خبره، طبقات المدلسين ص14 في الطبقة الثالثة.(6/31)
75- وعبد العزيز بن عبد الله البصري(1).
76- وعبد الجليل بن عطية القيسي(2).
77- وعبيدة بن الأسود(3).
78- وعثمان بن عمر الحنفي(4).
79- وعطية العوفي(5).
80- وعلي بن غراب(6)
81- ومحمد بن الحسين البخاري(7).
82- ومحمد بن صدقة الفدكي(8).
83- ومحمد بن عبد الملك الواسطي أبو إسماعيل(9).
84- ومحمد بن عيسى بن سميع(10).
__________
(1) أورده الحافظ في طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة ص 15 وقال: قال ابن حبان في الثقات: يعتبر حديثه إذا بين السماع تكلم فيه ابن عدي وقال عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
(2) صدوق يهم من السابعة /بخ د س، تقريب 1/466 أورده الحافظ في طبقاته في المرتبة الثالثة ص14، وانظر ميزان الاعتدال 2/535.
(3) عبيدة بن الأسود بن سعيد الهمداني الكوفي صدوق ربما دلس / د ت ق، تقريب 1/548. وأورده الحافظ في طبقاته في المرتبة الثالثة ص15).
(4) أورده الحافظ في الطبقات في المرتبة الثالثة ص 15 وقال: قال: ابن حبان يعتبر بحديثه إذا بين السماع.
(5) صدوق يخطئ كثيرا وكان شعيبا مدلسا. تقريب 1/24 ذكره الحافظ في طبقاته في الرابعة ص19) وقال ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح.
(6) صدوق وكان يدلس ويتشيع من الثامنة مات سنة 184/سق. تقريب 2/42 وذكره الحافظ في المرتبة الثالثة من طبقاته ص15.
(7) لم أقف على ترجمة وفي طبقات المدلسين ص16 المرتبة الثالثة محمد بن البخاري يروي عن وكيع وعنه ولداه عمر و إبراهيم أشار ابن حبان إلى أنه كأن يدلس ولست أعرف أهو صاحبنا هذا أو غيره.
(8) ترجم له في ميزان الاعتدال 3/585 وقال حديثه منكر، وأورده الحافظ في الطبقات ص16 في المرتبة الثالثة.
(9) مقبول من الثامنة /تمييز تقريب 2/187 طبقات المدلسين ص16 في المرتبة الثالثة.
(10) صدوق يخطئ ويدلس ورمي بالقدر من التاسعة مات سنة 206/د س ق. تقريب 2/198 وفي طبقات المدلسين 20ص في المرتبة الرابعة.(6/32)
85- ومحمد بن يزيد بن خنيس(1) العابد.
86- ومحرز بن عبد الله الجزري أبو رجاء(2).
87- ومصعب بن سعيد أبو خيثمة(3).
88- وميمون بن موسى المرئي(4).
89- ويزيد بن أبي زياد(5).
90- ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك(6).
91- ويزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني(7).
92- ومن المتأخرين محمد بن محمد بن سليمان الباغندي(8).
93- والحسن بن مسعود أبو علي ابن الوزير الدمشقي(9).
__________
(1) مقبول من التاسعة /ت س. تقريب 2/219 وأنظر طبقات المدلسين ص7 المرتبة الأولى، ميزان الاعتدال 4/68.
(2) صدوق يدلس من السابعة / بخ ق. تقريب 2/231 طبقات المدلسين ص17 المرتبة الثالثة.
(3) من (ي) وفي باقي النسخ ابن زيد وهو خطأ انظر ميزان الاعتدال 4/119 وطبقات المدلسين ص17 المتربة الثالثة وفيها عن ابن حبأن أنه كان يدلس عن الثقات.
(4) ميمون بن موسى المرئي- بفتحتين وهمزة - صدوق يدلس من السابعة ت ق . تقريب 2/292 طبقات المدلسين ص17 المرتبة الثالثة.
(5) ضعيف كبر فتغير، صار يتلقن وكان شيعيا من الخامسة مات سنة 136 خت م4 تقريب 2/365 طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة ص18.
(6) صدوق ربما وهم، من الرابعة مات سنة 130/د س ق.
تقريب 02/368 طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة ص18.
(7) صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس من السابعة /ع.
تقريب 2/416 طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة ص18.
(8) قال الذهبي ردا على من اتهمه بالكذب: "بل هو صدوق من بحور الحديث". وقال ابن عدي: "لا أتهمه ولكنه خبيث التدليس"، ميزان الاعتدال 4/26-27. طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة ص16.
(9) قال الذهبي: "أدرك الطبراني فيه تسامح كثير وكان يدلس عن شيوخه ما لم يسمعه منهم مات سنة 543" ميزان الاعتدال 1/523 طبقات المدلسين المرتبة الثانية ص9.(6/33)
94- وعمر بن علي بن أحمد بن/(ب 231) الليث أبو مسلم البخاري(1) - رحمة الله تعالى عليهم -.
ومن القسم الثاني:
95- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى(2) .
96- وإسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي(3).
97- وبشير بن زاذان(4).
98- وتليد بن سليمان(5).
99- وجابر بن يزيد الجعفي(6).
100- والحسن/(ر102/أ) بن عمارة(7).
101- والحسين بن عطاء/(ي193) بن يسار(8).
102- وخارجة بن مصعب(9).
103- وسعيد بن المرزبان أبو سعيد البقال(10).
__________
(1) الحافظ الجوال سمع الكثير واستكتب وصنف قال أبو زكريا ابن مندة هو احد من يدعي الحفظ إلا أنه كأن يدلس تذكرة الحفاظ 4/1235-1236 طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة ص16.
(2) أورده الحافظ في المرتبة الخامسة من الطبقات ص20.
(3) صدوق سيء الحفظ نسب إلى الغلو في التشيع من السابعة مات سنة 169. تقريب وذكره الحافظ في الطبقات في المرتبة الخامسة ص20.
(4) ضعفه الدارقطني وغيره واتهمه ابن الجوزي وقال ابن معين ليس بشيء ميزان الاعتدال 1/328 طبقات المدلسين ص20 المتربة الخامسة.
(5) تليد - بفتح ثم كسر ثم تحتانية ساكنة - الكوفي رافضي ضعيف من الثامنة . تقريب 1/112 طبقات المدلسين ص20 في المرتبة الخامسة.,
(6) ضعيف رافضي ولم يذكره الحافظ في طبقات المدلسين.
(7) قاضي بغداد متروك من السابعة مات سنة 153/خت ت ق. تقريب 1/169 طبقات المدلسين ص20 في المرتبة الخامسة.
(8) قال أبو حاتم منكر الحديث قال ابن حبان لا يجوز أن يحتج به إذا انفرد . ميزان الاعتدال 1/542 طبقات المدلسين ص20 في المتربة الخامسة.
(9) متروك وكان يدلس عن الكذابين ويقال أن ابن معين كذبه مات سنة 168/ت ق . تقريب 1/211 طبقات المدلسين ص20 في المرتبة الخامسة.
(10) ضعيف مدلس مات بع أربعين ومائة من الخامسة / بخ ت ق. تقريب 1/305 طبقات المدلسين (21 في المرتبة الخامسة.(6/34)
104- وعبد الله بن معاوية بن عاصم الزبيري(1).
105- وعبد الله بن زياد بن سمعان(2).
106- وعبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني(3).
107- وعبد الله بن لهيعة المصري(4).
108- وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم(5).
109- وعلي بن غالب البصري(6).
110- ومالك بن سليمان الهروي(7).
111- والهيثم بن علي الطائي(8).
112- ويحيى بن أبي حية أبو جناب(9) الكلبي - رحمة الله تعالى عليهم -.
__________
(1) قال البخاري: "في بعض أحاديثه مناكير" كتاب الضعفاء ص 266. وانظر طبقات المدلسين ص21 في المرتبة الخامسة.
(2) قال البخاري في الضعفاء ص655 "هو مولى أم سلمة سكتوا عنه" وانظر طبقات المدلسين ص21 وفيه: "ضعفه الجمهور ووصفه ابن حبان بالتدليس".
(3) قال البخاري وفي الضعفاء ص 266: "تركوه". وقال أبو رزعة والدارقطني "ضعيف" وقال أبو حاتم "ذهب حديثه" ميزان الاعتدال 2/517 وانظر طبقات المدلسين ص21 في المرتبة الخامسة.
(4) انظر طبقات المدلسين ص21 في المرتبة الخامسة.
(5) هو الإفريقي ضعيف في حفظه وكان رجلا صالحا /بخ د ت ق . تقريب 1/480 طبقات المدلسين ص21 في المرتبة الخامسة.
(6) قال ابن حبان: "كأن كثير التدليس فيما يحدث به حتى وقع المناكير في روايته وبطل الاحتجاج به" كتاب المجروحين 2/111 انظر ميزان الاعتدال 3/149 طبقات المدلسين ص21 في المرتبة الخامسة
(7) قال العقيلي: "فيه نظر" وضعفه الدارقطني. ميزان الاعتدال 3/427 طبقات المدلسين ص22 المرتبة الخامسة هذا وفي جميع النسخ "الرهاوي" وهو خطأ والتصويب من الميزان والطبقات إذ الرجل من هراة وهو قاضيها فنسبته إليها.
(8) قال البخاري في الضعفاء ص279: "سكتوا عنه" وعن ابن معين ليس بثقة كان يكذب وقال أبو داود كذاب. ميزان الاعتدال 4/324 طبقات المدلسين ص22 في المرتبة الخامسة .
(9) في (ر) أبو خبان في (ب) أبو حبان وفي (ه) أبو خباب. الصواب أبو جناب - بجيم ونون خفيفتين و آخره موحدة -. انظر هامش تهذيب التهذيب 11/201.(6/35)
هذه أسماء من وقفت عليه ممن وصف بالتدليس (أي تدليس الإسناد).
أما تدليس الشيوخ فلا تحصى أسماء أهله مع أنهم ليسوا من غرضنا هنا. وقد أفرد الحافظ صلاح الدين العلائي أسماء المدلسين في كتابه "جامع التحصيل" وسردهم على حروف المعجم مبينا أحوالهم وجملة من اجتمع عنده مكنهم سبعون نفسا، وقد زدت عليه منهم أربعين نفسا.
فكل من عليه صورة (ز) فهو زائد على من ذكر وقد أفردتهم بالتصنيف في جزء لطيف(1)، بينت فيه أحوالهم بيانا شافيا، ولله الحمد على ذلك.
وقد أفردهم بالتصنيف من المتقدمين الحسين بن علي الكرابيسي(2) صاحب الشافعي، أبو عبد الرحمن النسائي، أبو الحسن الدارقطني - رحمهم الله تعالى - فجمعت ما ذكروه، وزدت عليه ما وقع لي من كلام غيرهم، بعون/(ه114/ب) الله تعالى.
وكل من ذكرنا هنا، فهو بحسب ما رأيت التصريح بوصفه بالتدليس من أئمة هذا الشأن، على التفصيل.
__________
(1) هو: طبقات المدلسين مطبوع بالمطبعة المحمودية.
(2) الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي البغدادي الشافعي (أبو علي) فقيه أصولي محدث عارف بالرجال عداداه في كبار أصحاب الشافعي من تصانيفه: أسماء المدلسين و كتاب الإمامة مات سنة 245. معجم المؤلفين 4/38 وفيات الأعيان 2/132.
ملاحظة: أفراد الحافظ أسماء المدلسين من رجال الصحيحين في الثلاث مراتب الأولى سواء أخرج لهم الشيخان أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك ما قال - رحمه الله - و فاته ثلاثة منهم فلم يذكرهم في هذه المراتب الخاصة بهم بل ذكرهم في القسمين الأخيرين وهم:
1- شباك الضبي ترجم له الحافظ في التقريب و رمز له ب (م د ي ق).
2- الحسن بن عمارة ترجم له في التقريب ورمز له بـ(خت ت ق).
3- يزيد بن أبي زياد ترجم له في التقريب ورمز له بـ(خت م).
ومعلوم أن رمز (م) يعني أخرج له مسلم.
ورمز (خت) أخرج له البخاري تعليقا.(6/36)
وإلا فلو أخذنا به من حيث الجملة لتضاعف هذا العدد جدا فقد روينا عن يزيد بن هارون أنه قال(1): "لم أر أحدا من أهل الكوفة إلا هو يدلس إلا مسعرا وشريكا".
قلت: وقد ذكر شريك/(ر102/ب) في المدلسين - أيضا -.
فما سلم منهم علي رأي يزيد بن هارون إلا مسعرا(2)، لكن هذا بحسب ما رآهم هو.
وقال الحاكم: "أكثر أهل الكوفة يدلسون(3)، التدليس في أهل الحجاز قليل جدا"(4) وفي أهل بغداد نادر - والله أعلم -.
تنبيه:
ويلتحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد، كما إذا قال/(ي194) المصري "حدثني فلأن بالأندلس" وأراد موضعا بالقرافة.
أو قال "بزقاق حلب" وأراد موضعا بالقاهرة. أو قال البغدادي "حدثني فلان بما وراء النهر" وأراد نهر دجلة. أو قال "بالرقة" وأراد بستانا على شاطئ دجلة.
أو قال الدمشقي "حدثني بالكرك" وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق(5).
ولذلك أمثلة كثيرة، حكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشبع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا إن كان هناك قرينة تدل على عدم إرادة التكثير. فلا كراهة. والله الموفق...
__________
(1) انظر قول يزيد هذا في الكفاية ص361.
(2) مسعر بن كدام - بكسر أوله وتخفيف ثانيه- ابن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي ثقة ثبت فاضل من السابعة مات سنة 153، 155 ع تقريب 2/243.
(3) عبارة الحاكم في علوم الحديث ص 111: "و أكثر المحدثين تدليسا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة".
(4) عبارة الحاكم في علوم الحديث ص 111: "وهو أن أهل الحجاز و الحرمين ومصر والعوالي ليس التدليس من مذهبهم".
(5) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/372. من قوله و يلتحق إلى هنا.(6/37)
النوع الثالث عشر: قوله/(ب 223) معرفة الشاذ
قلت: هو في اللغة التفرد، قال الجوهري: شذ يشذ - بضم الشين وكسرها - أي تفرد عن الجمهور(1).
97- قوله (ص): "روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال : قال لي الشافعي - رضي الله عنه - ...."(2) إلى آخره.
أسنده الحاكم من طريق ابن خزيمة عن يونس(3)، والحاصل من كلامهم أن الخليلي(4) يسوي بين الشاذ والفرد المطلق، فيلزم على قوله أن يكون [في ](5) الشاذ الصحيح وغير الصحيح، فكلامه أعم(6)
__________
(1) انظر مختار الصحاح ص 355.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص68 وتمامه: "ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس".
(3) معرفة علوم الحديث ص119.
(4) قال الخليلي: "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كأن عن غير ثقة، فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به".
وقول الحافظ عقبه: "وهذا مما ينبغي التقيظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده". انظر ص 674 من هذا الكتاب. مقدمة ابن الصلاح ص 69 والإرشاد 1/ل7/ب.
(5) الزيادة من (ر/أ).
(6) الحق أن الخليلي، وقد غاير في كتابه الإرشاد 1/ل 5/ب بين الفرد وبين الشاذ فقال: "و أما الفراد فما تفرد به الحفظ مشهور ثقة أو إمام من الحفاظ و الأئمة فهو صحيح متفق عليه ثم روى بإسناده إلى مالك بن أنس عن الزهري عن أنس دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسه المغفر ثم قال: هذا تفرد به مالك عن ابن شهاب ثم قال: "فهذا وأمثاله من الأسأنيد متفق عليها" ثم قال في الشاذ ما نقله عنه ابن الصلاح ونقلناه عنه فقد غاير بينهما في التعريف والحكم وإن كان ذلك غير دقيق ويقع به في التناقض.
والظاهر أن الحافظ يريد بالفرد المطلق هنا ما يشمل الثقة وغير الثقة بدليل قوله فكلامه أعم وأخص من كلام الحاكم وليس مراده به مقابل الفرد النسبي.
وقد ظهر لي ما يمكن أن يوجه كلام الخليلي وهو أنه يقصد بقوله يشذ به الشيخ ثقة: تفرد الصدوق الذي لم يكمل ضبطه فيكون ما حكاه عن حفاظ الحديث صحيحا، فإنهم يسمون ما كان كذلك شاذا ومنكرا أما إذ تفرد به الحافظ مشهور أو إمام من الحفاظ و الأئمة فإن الخليلي لا يحكم عليه بالشذوذ بل هو صحيح في نظره، وحكي الاتفاق عليه وبناءا على هذا التوجيه يخرج الخليلي من التناقض وتسقط الإلزامات التي ألزمه العلماء.(7/1)
، وأخص منه الكلام الحاكم؛ لأنه يقول: إنه تفرد الثقة، فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم(1) على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي، لأنه يقول: "إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه" ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم/(ر103/أ) لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح، وأن الرواية الراجحة أولى لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة؟ محل توقف قد قدمت التنبيه عليه الكلام على نوع الصحيح.
وقول المصنف: "لا إشكال فيه" فيه(2) نظر لما أبديته آخرا، وعلى المصنف إشكال أشد منه، وذلك أنه يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا كما تقدم ويقول/(ي195): إنه لو تعارض الوصل والإرسال (قدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال)(3) أكثر أو أقل، حفظ أم لا، ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف روايه من هو(4) أرجح منه. و إذا كان الراوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة، فقد ثبت كون الوصل فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا؟
هذا في غاية الإشكال، ويمكن/(ب ص 234) أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحة إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل/(ه115/ب) والإرسال، والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك والمصنف قد صرح باختيار ترجيح الوصل على الإرسال، ولعله يرى بعدم(5) اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحيح لأنه هناك لم يصرح عن نفسه باختيار شيء (بل اقتصر)(6) على نقل ما عند المحدثين.
__________
(1) في (ي) ويلزم.
(2) وفي (ب) وقد وهو خطأ.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) كلمة هو سقطت من (هـ).
(5) كذا في جميع النسخ وفي هامش (ر) عدم.
(6) ما بين القوسين من هامش (ر) وهو شيء لا بد منه ليستقيم الكلام.(7/2)
وإذا(1) انتهى البحث إلى هذا المجال ارتفع الإشكال وعلم منه أن مذهب أهل الحديث أن شرط الصحيح أن لا يكون الحديث شاذا، وأن من أرسل من الثقات إن كان أرجح ممن وصل من الثقات قدم وكذا بالعكس، و يأتي فيه الاحتمال عن القاضي، وهو أن الشذوذ يقدح في الاحتجاج لا في التسمية - والله أعلم-.
43- قوله (ع): "ولكن الخليلي يجعل تفرد الثقة شاذا صحيحا"(2).
فيه نظر/(ر103/ب) فإن الخليلي لم يحكم له بالصحة، بل صرح بأنه يتوقف فيه و لا يحتج به - والله أعلم -.
98- قوله (ص)(3): "وحديث مالك عن الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر"(4) تفرد به مالك عن الزهري" انتهى.
تعقبه(5) شيخنا بأنه قد روى من غير طريق مالك فرواه البزار(6) من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات(7) وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس.
__________
(1) كذا في جميع النسخ ولعله و"إذ".
(2) التقييد والإيضاح ص101.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص 70.
(4) خ 56- الجهاد 169- باب القتل الأسير حديث 3044، 64 - كتاب المغاوي 48- باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح حديث 4280، م 15- كتاب الحج 84- باب دخول مكة بغير إحرام حديث 450، د9 - كتاب الجهاد 127 باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام حديث 2685 ت 24 جهاد 18 - باب ما جاء في المغفر حديث 1693، ن 5: 158 جه 24 جهاد 18- باب السلاح حديث 2805 د 1- 399 حديث 1944 ط 20- كتاب الحج 81- باب جامع حديث 247 حم 3/ 109، 164، 180، والإرشاد للخليلي 1/ل 54/أ.
(5) التقييد والإيضاح ص 105.
(6) في مسنده 3/ل 48/أ من طريق مالك وابن أخي الزهري قال البزار عقبه: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الزهري إلا مالك وابن أخي الزهري ولا نعلم رواه عن أن أخي الزهري ولا نعلم رواه عن ابن أخي الزهري إلا يحيى بن هانئ". وذكر الحافظ في النكت الظراف 5/438 أنه في "صحيح أبي عوانة".
(7) 2/139.(7/3)
قال/(ي 196): "ذكر ابن عدي في الكامل(1) أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطرف أن الأوزاعي رواه(2) ثم حكى الشيخ قصة القاضي أبي بكر ابن العرب (3) وأنه قال: "رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك" أنه وعد أصحابه بتخريجيها فما أخرج لهم شيئا.
وأن ابن مسدي(4) تعقب هذه الحكاية بأن شيخه فيها كان متعصبا على ابن العربي (يعني فلا يقبل قوله فيه).
قلت: وهو تعقب غير مرضي، بل هو دال على قلة اطلاع ابن مسدي، وهو معذور لأن أبا جعفر ابن المرجي راويها في الأصل كان مستبعدا لصحة قول ابن العربي، بل هو(5) وأهل البلد. حتى قال قائلهم:
يا أهل حمص ومن بها أوصيكم ... بالبر والتقوى وصية مشفق
فخذوا عن العربي أسمار الدجى ... وخذوا الرواية عن إمام متقي
إن الفتى ذرب اللسان مهذب ... إن لم يجد خبرا صحيحا يخلقِ
وعنى بأهل حمص أهل إشبيلية، فلما حكاها أبو العباس البناني لابن مسدي على هذه الصورة ولم يكن عنده اطلاع على حقيقة ماقاله ابن العربي، احتاج من أجل الذب عن ابن العربي أن يتهم البناني، حاشا وكل ما علمانه عليه من سوء، بل ذلك مبلغهم من العلم.
وقد تتبعت طرق هذا الحديث، فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة/(104/أ) عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك، بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا.
5- ومن رواية عقيل بن خالد.
6- وينس بن يزيد.
7- ومحمد بن أبي حفصة(6).
8- وسفيان بن عيينة.
__________
(1) 2/ل 518.
(2) تحفة الأشراف 1/389 وذكر الحافظ في النكت الظراف في هذه الصفحة أنه أخرجه تمام في فوائده.
(3) انظر هذه القصة في تذكرة الحفاظ 4/1269.
(4) هو محمد بن يوسف بن موسى الأزدي المهلبي الأندلسي من حفاظ الحديث وفيه تشيع من مؤلفاته " المسند الغريب ومعجم ترجم فيه شيوخه". مات سنة 663. الأعلام 8/24. لسان الميزان 5/437.
(5) كلمة "هو" من (ه).
(6) محمد بن أبي حفصة ميسرة أبو سلمة البصري صدوق يخطيء من السابعة /خ م قد س. تقريب 2/155.(7/4)
9- وأسامة بن زيد الليثي.
10- وابن أبي ذئب.
11-12- عبد الرحمن (1) ومحمد ابني عبد العزيز الأنصاريين/(ب ص 236).
13- ومحمد بن إسحاق.
14- وبحر بن كنيز السقا.
15- وصالح بن أبي الأخضر.
16- ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي.
أما رواية ابن أخي الزهري التي عزاها شيخنا لتخرج البزار/(ه116/ب) فقد/(ي197) أخرجهما أبو عوانة في صحيحه، عن أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل(2) هو: الترمذي، حدثنا إبراهيم بن يحيى الشجري(3)، حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الله بن شهاب عن عمه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر" ورواه الخطيب في تاريخه(4) من طريق أبي بكر النجاد(5) عن الترمذي، ورواه النسائي في "مسند مالك" عن محمد بن نصر، والبزار في مسنده(6) عن عبد الله بن شبيب كلاهما عن إبراهيم بن يحيى، وإبراهيم مدني قد أخرج له
__________
(1) عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو محمد المدني صدوق يخطئ من الثامنة مات سنة 162/م التقريب 1/489.
(2) محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي، نزيل بغداد ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة 280/ت س. تقريب 2/145 وانظر تاريخ بغداد 2/42-44.
(3) إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ الشجري - بفتح المعجمة والجيم - لين الحديث من العاشرة / ت. تقريب 1/45 هذا وفي (ب) "السجزي" والكاشف 1/96.
(4) راجعت تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن إسماعيل الترمذي وترجمة أبي كبر النجاد فلم أجد هذا الحديث. ثم وجدته في التأريخ 4/291.
(5) هو : أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل أبو بكر النجاد شيخ علماء بغداد في عصر حنبلي من حفاظ الحديث، له مصنفات منها كتاب في السنن كبير وكتاب " الخلاف" نحو مائتي جزء، مات سنة 348، الأعلام 1/128 و انظر تاريخ بغداد 4/189-192.
(6) 3/ل 48 /أ من طريق عبد الله بن شبيب عن إبراهيم بن يحيى.(7/5)
البخاري في "الأدب المفرد" من روايته عن أبيه ولم يذكر في تاريخه فيهما جرحا(1).
وتكلم فيهما بعضهم من قل حفظهما - والله أعلم -.
وأما رواية أبي أويس(2) فقرأت على العماد أبي بكر الفرض عن القاسم ابن المظفر أن محمد بن هبة الله الفارسي أنباهم قال: أنبأ علي بن الحسين الحافظ أنا أبو الفرج بن أبي الرجاء. أنا أبو طاهر بن محمود. أنا أبو بكر ابن المقري(3) في "معجمه" ثنا السلم بن معاذ الدمشقي حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي ثنا إسماعيل بن أبان ح ورواه ابن عدي في الكامل(4) عن محمد بن احمد بن هارون، عن أحمد/(ر104/ب) بن موسى البزار عن إسماعيل بن أبان عن أبي أويس عن الزهري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة حين افتتحها وعلى رأسه مغفر من حديد".
قال ابن عدي: "هذا يعرف بمالك، عن الزهري ، وقد روي عن أبي أويس كما ذكرته وعن ابن أخي الزهري ومعمر"(5).
__________
(1) في كل النسخ "حرفا" والصواب ما أثبتناه.
(2) هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو أويس المدني قريب مالك وصهره، صدوق يهم من السابعة ، مات سنة 167. تقريب 1/426.
(3) هو الإمام الحافظ الثقة محدث أصبهان أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم الأصبهاني الخازن صاحب المعجم الكبير والأربعين حديثا مات سنة 381. تذكرة الحفاظ 3/973 شذرات الذهب 3/101.
(4) 2/ل 518.
(5) الكامل 2/ل 518 وقال بعد هذا الكلام: "والحديث مشهور بمالك".(7/6)
قلت: وقد وقع من وجه/(ه117/أ) آخر قرئ على عبد الله بن عمر بن علي و أنا شاهد أن محمد بن أحمد بن خالد أخبرهم قال: أنا عبد الولي البعلي(1)، أنا حماد بن أبي العميد، أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر(2)، أنا منصور بن بكر بن محمد بن علي بن حميد أنا جدي أبو بكر بن محمد بن علي، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أبو جعفر بن المنادي ثنا يونس بن محمد. ثنا أبو أويس عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلما نزعه - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه".
قلت: ورجال هذا الإسناد ثقات أثبات، إلا أن في أبي أويس بعض كلام، وقد جزم جماعة من الحفاظ منهم: البزار أنه كان رفيق مالك في السماع، وعلى هذا فهذا اللفظ الثاني أشبه أن يكون محفوظا على أن بعض الرواة عن مالك قد رواه عنه باللفظ الاول ، كما بينه الدارقطني في "غرائب مالك" - رحمة الله تعالى عليهما- والله الموفق.
__________
(1) في (ب) المعلى.
(2) في (ب) عبد الله بن أحمد بن عبد القهار. وفي (هـ) عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر.(7/7)
وأما رواية معمر - التي يعزها شيخنا - فرواها أبو بكر بن المقرئ في معجمه قال: ثنا سعيد بن قاسم، عن مرثد. ثنا مؤمل بن إهاب ثنا عبد الرزاق ح قال ابن المقرئ: وحدثنا محمد بن حاتم بن طيب. ثنا عبد الله بن حمدويه البغلاني (1) ثنا أبو داود السنجي(2). ثنا عبد/(ر105/أ) الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر".
أخبرنيه أبو بكر (ابن إبراهيم)(3) الفرضي بالإسناد الذي/(ب ص 238) قدمته آنفا إلى ابن المقريء.
ورواه داود بن الزبرقان، عن معمر فأدخل بينه وبين الزهري فيه مالكا اخرجه الدارقطني في "غرائب مالك" والخطيب في "الرواة عن مالك" والحاكم في "المستدرك" بأسانيد ضعيفة إليه.
ورواه الواقدي عن معمر ، فلم يذكر مالكا، وسيأتي إسناده - إن شاء الله تعالى -.
وأما رواية الأوزاعي: فرواها تمام بن محمد الرازي في الجزء الرابع عشر من فوائده قال: "أنا أبو القاسم ابن علي بن يعقوب من أصل كتابه قال: انا أبو عمرو محمد بن خلف الاطرويشي الصرار"(4).
وقال أبو عبد الله بن مندة/(ي 199): ثنا جمح بن أبان المؤذن ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي عن الزهري عن أنس قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر".
__________
(1) في (ب) البغلابي.
(2) هو سليمان بن معبد بن كوسجان - بمهملة ثم جيم - المروزي والسنجي - بكسر السين المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم - ثقة صاحب حديث رحال أديب من الحادية عشرة مات سنة 257/م ت س تقريب 1/232 تهذيب التهذيب 4/219.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) من (ر) وفي ( هـ) الضرار وفي (ب) الصراز بالزاي بعد الراء والألف.(7/8)
لفظ تمام ورواته ثقات، لكني أظن أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية، لأن الدارقطني ذكر في "كتاب الموطآت" أن جماعة من الأئمة الكبار رووه عن مالك فعد فيه(1) الأوزاعي وابن جريج وابن عيينة وغيرهم. ثم وجدته في "المديح" للدارقطني أخرجه من طريق مؤمل بن الفضل(2)، عن الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعي عن مالك، عن الزهري.
وهكذا رواه أبو الشيخ(3) في "الأقران" من طريق محمد بن كثير(4) عن الأوزاعي، عن مالك، فترجح أن الوليد دلسه.
__________
(1) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب "فيهم".
(2) مؤمل بن الفضل الجزري، أبو سعيد صدوق من العاشرة، مات سنة 230 أو قبلها / د س. تقريب 2/290.
(3) هو حافظ أصبهان ومسند زمانه الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري صاحب المصنفات السائرة منها الأحكام و التفسير، توفي سنة 369 تذكرة الحفاظ 3/945.
(4) يروي عن الأوزاعي اثنان ممن يسمي محمد بن كثير أحدهما محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني صدوق كثير الغلط, وثانيها محمد بن كثير بن مروان الفهري الشامي متروك انظر التقريب 2/203 تهذيب التهذيب 9/415-419.(7/9)
وقد وجدته من رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي - أيضا - قال الخطيب/(ر105/ب) في تاريخه: أنا الحسن بن محمد الخلال(1) أنا علي بن عمرو بن سهل الحريري. ثنا محمد بن الحسن بن مقسم من أصل كتابه ثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد(2) ثنا محمد بن مصعب القرقساني/(ب ص 239)(3). ثنا الأوزاعي عن الزهري فذكره، قال الخطييب: هذا وهم على محمد بن مصعب ، فإنه إنما رواه عن مالك لا عن الأوزاعي.
قلت: فكأن الراوي عنه سلك الجادة، لأنه مشهور يالرواية عن الأوزاعي لا عن مالك - والله أعلم -.
__________
(1) الحسن بن محمد بن الحسن بن علي أبو محمد الخلال كان ثقة له معرفة وتنبه خرج المسند على الصحيحين وجمع أبوابا وترجم كثيرة مات سنة 439هـ تاريخ بغداد 7/425 ، الأعلام 2/231.
(2) موسى بن الحسن بن عباد بن أبي عباد أبو السري الأنصاري المعروف بالجلاجلي سمع جماعة منهم محمد بن مصعب القرقساني كان ثقة مات سنة 287 تاريخ بغداد 13/49.
(3) محمد بن مصعب بن صدقة أبو عبد الله وقيل : أبو الحسن القرقساني سكن بغداد حدث عن الأوزاعي ومالك وحماد بن سلمة كان كثير الغلط بتحديثه من حفظه ويذكر عنه الخير والصلاح مات سنة 280 تاريخ بغداد 3/276 وانظر التقريب 2/208.
والقرقساني بقافين ومهملة هذا ولم أجد هذا الحديث و لكلام الذي حكاه الحافظ عن الخطيب في تراجم هؤلاء الثلاثة الخلال والجلاجلي والقرقساني أما الحريري وابن مقسم فلم أجد لهما ترجمة في تاريخ في تاريخ بغداد فالله أعلم أين ذكر الخطيب هذا الحديث والكلام عليه.(7/10)
وأما رواية عقيل بن خالد فرواها أبو الحسين بن جميع الحافظ(1) في "معجمه" قال: ثنا محمد بن أحمد هو الخولاني ثنا أحمد بن رشدين (هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين) حدثني أبي عن أبيه عن ابن لهيعة ، عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – "أنه دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه".
قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرما.
رواته معروفون إلا أن فيهم من تلكم فيه، وليسوا في حد الترك بل يخرج حديثهم في المتابعات - والله الموفق -.
وأما رواية يونس بن يزيد(2) فقلا أبو يعلى الخليلي في "كتاب الإرشاد" له حدثني جعفر بن محمد الأندلسي حدثني أبو بكر: أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس(3) بمصر, حدثني أبي حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أنا عمي عبد الله بن وهب عن مالك وينس بن يزيد، عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة/(ه118/ب) وعليه مغفر".
قال الخليلي: "رواه/(ر106/أ) الحفاظ عن (عبد الله)(4) بن وهب عن مالك وحده ليس فيه يونس"(5).
قال لي جعفر: "حدثنا به أحمد من أصل كتابه العتيق قال/(ب 240): وأبوه من الثقات".
__________
(1) هو: محمد بن جميع الغساني محدث مسند من آثاره المسند. معجم المؤلفين 9/160.
(2) يونس بن يزيد الأيلي - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - أبو يزيد مولى آل أبي سفيان ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي الزهري خطأ من كبار السابعة مات سنة 159 وقيل سنة 160/ع تقريب 2/386 تذكرة الحفاظ 1/162.
(3) هو محدث مصر كان ثقة تقيا روى عن البغوي ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتها، مات سنة 385. تذكرة الحفاظ 3/989 شذرات الذهب 3/113.
(4) كلمة عبد الله من (ر).
(5) الإرشاد 1/ل54/أ).(7/11)
قلت: كلامه يشعر بتفرد ابن أخي ابن وهب عن عمه به وهو كذلك لكن له طريق أخرى عن يونس كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقرأت بخط الحافظ أبي علي البكري، قال: قرات بخط الحافظ أبي الوليد بن الدباغ(1) أنا أبو محمد بن عتاب(2) أنا أبو عبد الله بن عائذ إجازة قال: أنا أبو بكر: أحمد بن محمد بن إسماعيل فذكره.
__________
(1) هو يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر اللخمي الاندلسي أبو الوليد محدث حافظ أديب من آثاره كتاب في مشتبه الأسماء ورشحة النصيح من الحديث لصحيح، مات سنة 546 ثقة معجم المؤلفين 13/309. شذرات الذهب. 4/142.
(2) هو عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بن محسن الأندلسي القرطبي عالم مشارك بالقراءات والتفسير واللغة والتصوف، ومن آثاره شفاء لصدور في الزهد و الرقائق معجم المؤلفين 5/184 هدية العارفين 1/518.(7/12)
وأما رواية محمد بن أبي حفصة(1)، فقال الخطيب: "في رواة عن مالك" أنا أبو بكر محمد بن الفرج بن علي البزار(2). أنا محمد بن إسحاق القطيعي الحافظ(3).
حدثني عبدان بن هشيم بن عبدان . ثنا النضر بن هارون السيرافي ثنا أحمد بن داود بن راشد البصري القرشي، ثنا مهدي بن هلال الراسبي ثنا مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومحمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم -دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه صلى الله عليه وسلم المغفر فقيل له: إن ابن الخطل متعلق بأستارالكعبة قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه".
__________
(1) محمد بن أبي حفصة - ميسرة أبو سلمة البصري صدوق يخطئ من السابعة /خ م مد س. تقريب 2/155. الكاشف 3/34.
(2) محمد بن الفرج علي البزار كان صدوقا ثقة مات سنة 417 تاريخ بغداد 3/160.
(3) محمد بن إسحاق بن عيسى بن طارق أبو بكر القطيعي الناقد سمع محمد سليمان الباغندي وأبا بكر بن أبي داود كان يدعي الحفظ وفيه بعض الذهول مات سنة 378 تاريخ بغداد 1/261 قال الخطيب في ترجمته أخبرنا الحسن بن أبي بكر من أصل كتابه قال حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق القطيعي قال: أنا عبد الباقي بن قانع قال : أنا إسماعيل بن الفضل البلخي قال : أنا مكي بن إبراهيم عن ابن جريج عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر قال أبو بكر: لا نعلم أن إسماعيل بن الفضل روى عن مكي بن إبراهيم شيئا ولا أدركه وقد أخطأ محمد بن إسحاق القطيعي في هذا الحديث وصوابه ما حدثني به عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي قال: نبأنا عبد الله بن عثمان الصفار قال: نبأنا عبد الباقي بن قانع قال: نبأنا إسماعيل بن الفضل قال: قرأت في كتاب مكي بن إبراهيم: حدثنا ابن جريج فذكر بإسناد مثله غير أنه لم ينسب أنسا.(7/13)
لكن مهدي بن هلال ضعيف جدا (1).
وأشار إلى ذلك الحافظ/(ي 201) أبو الوليد الدباغ فقال: "لم ينفرد به الملك بل وقع لي من رواية يونس و ابن أبي حفصة ومعمر كلهم عن الزهري".
وأما رواية سفيان بن عيينة فقال أبو يعلى في مسنده(2) ثنا محمد بن عباد المكي(3) ثنا سفيان وهو ابن عيينة عن/(ه 119/أ) الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه مغفر/(ر106/ب).
هكذا رويناه في مسند أبي يعلى - روايتي ابن المقرئ وابن حمدان.
وكذا رويناه في فوائد بشر بن أحمد الإسفرائيني(4)، عن أبي يعلى ورجاله رجال مسلم.
لكن رواه النسائي(5) من طريق الحميدي عن ابن عيينة عن مالك عن الزهري، فيحتمل أن يكون ابن عيينة دلسه حين حدث به محمد/(ب 241) بن عباد أو سواه محمد بن عباد فقد قدمنا عن الدارقطني أنه عد ابن عيينة في الأكابر الذين رووه عن مالك.
__________
(1) في ميزان 4/195 مهدي بن هلال أبو عبد الله البصري ... كذبه يحيى بن سعيد وابن معين وقال الدارقطني وغيره متروك وقال ابن معين- أيضا- صاحب بدعة يضع الحديث. وذكره ابن حبان في المجروحين 3/309 ولا أدري أهو الراسبي أو غيره.
(2) 2/ل 177/أ.
(3) محمد بن عباد بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق يهم من العاشرة، مات سنة 235/ خ م ت س ق. تقريب 2/174 الكاشف 3/57.
(4) هو أبو سهل المحدث المسند، مات سنة 370 تذكرة الحفاظ 3/959.
(5) في المجتبى 5/158 وانظر تحفة الأإشراف 1/389 حديث 1527.(7/14)
وأما رواية أسامة بن زيد الليثي، فرواه الحاكم في "تاريخ نيسابور" وابن حبان في "الضعفاء"(1) من طريق عبد السلام بن أبي فروة النصيبي(2) عن عبد الله(3) بن موسى عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر" لكن عبد السلام ضعيف جدا.
وأما رواية ابن أبي ذئب، فرواها ابن المقري في "معجمه" وأبو نعيم في "الحلية"(4) عنه (عن عمرو(5) بن أحمد بن جابر الرملي) عن محمد بن يعقوب الفرجي عن أحمد بن عيسى، عن ابن أبي فديك (6) عن ابن أبي ذئب عن الزهري مثله - والله تعالى أعلم -.
لكن أحمد بن عيسى أبو الطاهر ضعيف(7).
وأما/(ي 202) رواية عبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز فرويناه (8) في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني(9)، قال:
__________
(1) يعني كتاب المجروحين 2/153.
(2) عبد السلام بن عبيد بن أبي فروة من أهل نصبين يسرق الحديث ويلزق بالثقات الأشياء التي رواه غيرهم من الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به حال كتاب المجروحين 2/152، ميزان الاعتدال 2/617.
(3) كذا في جميع النسخ وفي المجروحين عبيد الله.
(4) 10/291.
(5) في (ي) "عن أحمد بن عمرو ..."الخ.
(6) هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك - بالفاء مصغرا - الديلي مولاهم المدني أبو إسماعيل صدوق من صغار الثامنة، مات سنة 180 على الصحيح /ع تقريب 2/145، والكاشف 3/21.
(7) أحمد بن عيسى الهاشمي عن ابن أبي فديك وغيره، قال الدارقطني: كذاب. ميزان الاعتدال 1/126.
(8) كذا في جميع النسخ بتذكير الضمير ولعله على تأويل الرواية بالحديث.
(9) عبد الله بن إسحاق الخراساني أبو محمد المعدل، بغدادي صدوق مشهور سمع من يحيى أبي طالب وطبقته قال الدارقطني عنه لين. ميزان الاعتدال 2/392.(7/15)
ثنا أحمد بن الخليل بن ثابت ثنا محمد بن عمر الواقدي(1) ثنا معمر ومالك و محمد بن عبد العزيز و عبد الرحمن بن عبد العزيز سمعوا الزهري يخبر عن أنس - رضي الله تعالى عنه به(2).
والواقدي ضعيف وعبد الرحمن ضعفه أبو حاتم.
وأما رواية محمد بن إسحاق وبحر بن كنيز السقا(3)، فذكر الحافظ أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر فيما خرجه من حديث أحمد بن محمد بن عمر الجيزي/(ر107/أ) من روايته عن شيوخه المصريين قال- بعد أن أخرج هذا الحديث من رواية ابن أخي الزهري -: "اشتهر أن مالكا تفرد به وقد وقع لنا من رواية بضعة عشر نفسا رووه غير ذلك، منهم أبو أويس ومحمد بن إسحاق وبحر بن كنيز(4) السقا وذكر بعض من ذكرنا".
قلت: ولم يقع لي روايتها إلى الآن/(ب 242) وأخبرني بعض الحفاظ انه وقف على رواية ابن إسحاق له عن الزهري في "مسند مالك" لأبي أحمد بن عدي.
قلت: وقد تقدم في ذكر رواية ابن أخي الزهري أن ابن إسحاق رواه عنه عن عمه (5) - فالله أعلم -.
ثم وقع لي من طريق ابن وهب عن ابن إسحاق عن الزهري لكنه قال عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -.
__________
(1) محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي نزيل بغداد متروك مع سعة علمه من التاسعة مات سنة 207/ق. تقريب 2/194. ميزان الاعتدال 3/662. في الجرح والتعديل ج2/ق2/360 قال : شيخ مدني مضطرب الحديث.
(2) كلمة "من" (ي).
(3) بحر بن كنيز - بنون وزاي- السقا أبو الفضل البصري ، ضعيف من السابعة ، مات سنة 160/ق. تقريب 1/93 الكاشف 1/149.
(4) في هذا الموضع و الذي قبله في جميع النسخ بحر بن كثير - بالثاء و الياء - وهو خطأ والتصويب من الكاشف والتقريب
(5) انظر ص 658.(7/16)
رويناه في "فوائد" أبي إسماعيل الهروي(1) الحافظ بإسناد ضعيف.
وأما رواية صالح(2) بن أبي الاخضر، فذكرها الحافظ أبو ذر الهروي(3) عقب رواية البخاري له عن يحيى بن قزعة عن مالك.
قال أبو ذر: "لم يرو حديث المغفر أحد عن الزهري إلا مالك وقد وقع لنا عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وليس صالح بذاك"(4).
قلت: ولم تقع لي هذه الرواية إلى الآن.
وأما/(ي203) رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي، فرواها الدارقطني في "الأفراد"(5) وموسى بن عيسى السراج في "فوائده" كلاهما عن عبد الله/(ه120/أ) بن أبي داود ثنا إسحاق بن الأخيل العنسي ثنا عثمان بن عبد الرحمن ثنا ابن أبي الموالي، عن الزهري، عن أنس - رضي الله تعالى عنه -.
قال الدارقطني: "تفرد به عثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي موالي واسمه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي".
__________
(1) هو : عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد الانصاري الحنبلي أصولي محدث حافظ مفسر مؤرخ متكلم كان شديدا عى أهل البدع. من تصانيفه " منازل السائرين" وتفسير القرآن ، توفي سنة 481. معجم المؤلفين 6/133.
(2) صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عبد الملك نزل البصرة ضعيف يعتبر به من السابعة مات بعد الأربعين / د تم. تقريب 1/358، الخلاصة ص 169.
(3) هو الإمام العلامة الحافظ عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري المالكي، له مصنفات منها: معجم لشيوخه، ومستدرك على الصحيحي ، مات سنة 434. تذكرة الحفاظ 3/1103.
(4) رواية يحيى بن قزعة في خ 64- كتاب المغازي حديث 4286 ولم ينقل الحافظ في شرحه كلام أبي ذر هذا الذي نسبه إليه.
(5) انظر أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني ترتيب أبي الفضل محمد بن طاهر 1/ل85/أ. مصورة في مكتبة الصديق بمنى عن نسخة دار الكتب المصرية ولكن لفظها: " دخل مكة وعليه عمامة سوداء". وعقبها الدارقطني بما حكاه الحافظ.(7/17)
قلت: وعثمان هو الوقاصي(1)- ضعيف جدا.
ورويناه - أيضا - من طريق يزيد الرقاشي(2)، عن أنس - رضي الله عنه - متابعا للزهري.
روينا في الفوائد أبي الحسن الفراء الموصلي، نزيل مصر ويزيد ضعيف.
وروينا هذه/(ر107/ب) القصة - أيضا - من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما تقدم قريبا.
ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي(3) - رضي الله تعالى عنه - وحديثهما في "السنن" للدار قطني ومن حديث علي بن أبي طالب ومن حديث علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في "المشيخة الكبرى" لأبي محمد الجوهري(4).
ومن طريق/(ب ص 243) سعيد بن يربوع(5)، والسايب بن يزيد - رحمة الله تعالى عليهما - وهما في مستدرك الحاكم وألفاظهم(6) مختلفة.
فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك، عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - فكيف يجمل ممن له ورع أن يتهم إماما من أئمة المسلمين بغير علم ولا إطلاع.
__________
(1) هو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري الوقاصي أبو عمر المدني ، ويقال له المالكي نسبة إلى جده الأعلى أبي وقاص مالك متروك وكذبه ابن معين من السابعة مات في خلافة الرشيد /ت. تقريب 2/11، ميزان الاعتدال 3/43.
(2) يزيد بن طهمان الرقاشي، أبو معتمر البصري نزيل الحيرة ثقة من السادسة / س ق تقريب 2/366 تهذيب التهذيب 11/338.
(3) حديث سعد و أبي برزة لم أجده في سنن الدارقطني.
(4) الجوهري هو الحسن بن علي الشيرازي، ثم البغدادي محدث ، مات سنة 454. معجم المؤلفين 3/250 وكشف الظنون 1/163.
(5) سعيد بن يربوع بن عنكثة - بفتح المهملة وسكون النون وفتح الكاف بعدها مثلثة - بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي صحابي كان اسمه الصرم ويقال أصرم فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - مات سنة 54هـ له في السنن حديث واحد /د. تقريب 1/308 الإصابة 2/49.
(6) في (هـ) "وألفاظهما".(7/18)
ولقد أطلت(1) في الكلام على هذا الحديث ، وكان الغرض منه الذب عن أعراض(2) هؤلاء الحفاظ، والإرشاد إلى عدم الطعن والرد بغير اطلاع.
وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد.
فقول من قال من الأئمة: إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري ليس على إطلاقه، إنما المراد به بشرط الصحة.
وقول ابن العربي: إنه رواه/(ه120/ب) من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح، فلا اعتراض ولا تعارض.
وما أجود عبارة الترمذي في هذا فإنه قال - بعد تخريجه -: "لا يعرف (كبير أحد)(3) رواه عن الزهري غير مالك"(4).
وكذا عبارة ابن حبان: "لا يصح إلا من رواية مالك، عن الزهري"(5).
فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق.
وهذا/(ي 204) بعينه حاصل الكلام على حديث: "الأعمال بالنيات" والله الموفق.
تنبيه:
مثّل الحاكم للشاذ بمثال يتجه عليه من الاعتراض أشد مما اعترض به على المصنف، فإنه أخرج من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري(6)
__________
(1) في (ب) "أطلعت".
(2) في (ر) "عن أحوال غراض" وفي (ه) "عن أحوال عراض" بالعين المهملة وفي (ب) "عن أحوال أعراض" والصواب ما أثبتناه ولا داعي لكلمة أحوال.
(3) في (ه) "أحد كبير".
(4) ت 24- كتاب الجهاد 18- باب ما جاء في المغفر عقب حديث 1693.
(5) راجعت الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6/ل37 فوجدته روى الحديث من طريق ابن جريج عن الزهري ثم من طريق سفيان بن عيينة عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك به ولكني لم أجد هذا الكلام الذي حكاه الحافظ عن ابن حبان.
(6) محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي، ثقة من التاسعة مات سنة 215/ع.
تقريب 2/180 الكاشف 3/64.(7/19)
قال: حدثني أبي(1)، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس(2)، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: "كان منزلة قيس بن سعد - رضي الله عنه - من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير"(3).
قال الحاكم: "هذا لحديث شاذ ، فإن رواته ثقات وليس له أصل عن أنس - رضي الله تعالى عنه - ولا عن غيره من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بإسناد آخر"(4).
قلت:/(ب ص 244) وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه(5) من هذا الوجه، والحاكم موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذا ولا مشاحة(6) في التسمية.
وفي الجملة فالأليق في حد "الشاذ" ما عرَّف به الشافعي - والله أعلم -.
45- قوله (ع)(7): "وقد رواه غير يحيى بن سليم(8)، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فذكر رواية يونس بن عبيد عن نافع من عند ابن عدي".
__________
(1) هو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري أبو لمثنى صدوق كثير الغلط من السادسة /خ ت ق. تقريب 1/445 الكاشف 2/123.
(2) ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري قاضيها صدوق من الرابعة عزل سنة 110 ومات بعد ذلك بمدة /ع. تقريب 1/120 الكاشف 1/174.
(3) معرفة علوم الحديث ص 122.
(4) معرفة علوم الحديث ص 122.
(5) 93- كتاب الاحكام 12- باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوق حديث 7155، ت 50 - كتاب المناقب 52 - باب في مناقب قيس بن سعد بن عبادة حديث 3850،وقال الترمذي بعده: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأنصاري". وإذا كان هذا هو الإسناد الوحيد لهذا الحديث ففي قول الحافظ إنه صحيح نظر.
(6) في (ب) "ولا مشاقة" - بالقاف -.
(7) التقييد و الإيضاح 104-105 حديث النهي عن بيع الولاء وهبته.
(8) يحيى بن سليم الطائفي، نزيل مكة، صدوق سيء الحفظ، من التاسعة، مات سنة 193 أو بعدها /ع. تقريب 2/349 تهذيب التهذيب 11/226.(7/20)
قلت: ليس هذا متابعا ليحيى بن سليم عن عبيد الله وقد/(121/أ) وجدت له متابعا(1).
قال ابن أبي حاتم في العلل(2): سألت أبي عن حديث رواه سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه عن عبيد الله، عن نافع وعبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته".
قال: فقال: أبي : هكذا قال، وإنما أخذه نافع عن عبد الله بن دينار.
وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أن أبا حاتم الرازي - رواه أيضا - عن قبيصة بن عقبة، عن سفيان الثوري، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وقد وهم فيه قبيصة فقد خرجه الشيخان في الصحيحين(3) من حديث الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهما - على المحفوظ .
وعلى تقدير أن يكون محفوظا، فقد سقط منه عبد الله بن دينار ن نافع وابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كما أشار إليه أبو حاتم قبل.
__________
(1) تعقب الحافظ هنا لشيخه غير سليم، لأن كلام العراقي كالآتي:
"قلت: وقد ورد من غير رواية يحيى بن سليم عن نافع رواه ابن عدي في الكامل ثم ساق إسناد ابن عدي إلى يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر" فغرض العراقي بيان أن هذا الحديث قد روي عن نافع من غير طريق يحيى بن سليم - أيضا و لم يقصد أن يسوق متابعات لعبيد الله فأخطأ الهدف حتى يستدرك عليه.
(2) 1/373.
(3) خ 49- كتاب العتق 10- باب بيع الولاء وهبته حديث 3535، 85- كتاب الفرائض 21- باب إثم من تبرأ من مواليه حديث 6756، د 13- كتاب الفرائض 14- باب في بيع الولاء و هبته حديث 2919 ت 12- كتاب البيوع 20- باب ما جاء في كراهة بيع الولاء وهبته 1236، جه 23- كتاب الفرائض 15- باب النهي عن بيع الولاء وهبته حديث 2747، ط 38- كتاب العتق والولاء 10-باب مصير الولاء لمن اعتق حديث 20،م20 - كتاب العتق 3- باب النهي عن بيع الولاء وهبته حديث 16.(7/21)
وقد/(ي205) قال الطبراني في "الأوسط"(1): حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ثنا أبي، عن أبيه عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار أنه سمع ابن/(ر 108/ب) عمر - رضي الله عنه - يقول: فذكره.
قال الطبراني: "لم يروه عن سفيان عن عمرو إلا يحيى بن حمزة تفرد به ولده عنه".
قلت: وهو وهم والمحفوظ من حديث الثوري، عن عبد الله بن دينار كما تقدم - والله أعلم -.
99- (ص): "وقد قال مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا..."(2). إلى آخره.
هو في الصحيح في كتاب الأيمان والنذور منه، واختلف النسخ في العدد و الأكثر تقديم التاء على السين - و الله أعلم -.
100-قوله (ص): "و إن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر...."(3)الخ.
هذا يعطي الشاذ والمنكر عنده مترادفان(4).
والتحقيق خلاف ذلك على(5) ما سنبينه بعد - إن شاء الله تعالى.
النوع الرابع عشر: المنكر
101- قوله (ص): "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث"(6).
قلت: وهذا ينبغي التقيظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده.
__________
(1) 1/ل594.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 7 و تمامه: "يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد" وهو في م 27- كتاب الإيمان عقب حديث 5.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص71. وقوله بعيدا من ذلك يعني أن الراوي إذا كان بعيدا عن درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده.
(4) قد صرح ابن الصلاح بأن المنكر بمعنى الشاذ حيث قال: "وعند هذا نقول: المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه" مقدمة ابن الصلاح ص72.
(5) في (هـ) "كما".
(6) مقدمة ابن الصلاح ص72.(7/22)
وأما قول المصنف: والصواب التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ(1)، فليس في عبارته ما يفصل أحد النوعين عن الآخر. نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين و إنما اختلافهما في مراتب الرواة فالصدوق(2) إذا تفرد بشيء لا متابع(3) له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن، فهذا أحد قسمي الشاذ فإن/(ي 206) خولف من هذه صفته/(ب ص 246) مع ذلك كان أشد في شذوذه، وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط، لكنه خالف من هو أرجح منه/(ر109/أ) في الثقة والضبط، فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد في تسميته.
وأما ما انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشيء لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي/(ه122/أ) المنكر، وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث.
وإن خولف في(4) ذلك، فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين.
فبان بهذا فصل(5) المنكر من الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجمهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة(6) - والله أعلم - .
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص72.
(2) في (ر) و(ه) "فالتصنيف"، وفي (ب) "فالضعيف" وكذا في النص الذي نقله الصنعاني في توضيح الأفكار وفي هامش (ر) و(ظ) "فالثقة، فالضعيف". وما أثبتناه من فتح المغيث وهو الصواب و السياق يقتضيه.
(3) من (ي) وفي باقي النسخ: "لا تابع".
(4) في (ي) "مع".
(5) في (ب) "وصل" وهو خطأ.
(6) نقل الصنعاني هذا الكلام في توضيح الأفكار 2/5 من قول الحافظ هما مشتركان إلى هنا، ونقله السخاوي في فتح المغيث 1/190-191 من قوله: "فالصدق إلى هنا مع شيء من التصرف".(7/23)
وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه ما نصه: "وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم، أو(1) لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله"(2).
قلت: فالرواة الموصوفون بهذا هم المتروكون.
فعلى هذا رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة(3). وهذا هو المختار - والله أعلم -.
44- قوله (ع): "وقد خالف مالكا في ذلك في ذلك ابن جريج وابن عيينة و هشيم(4) إلى آخره".
وأقول: في رواية هشيم مخالفة في المتن شديدة أشد من مخالفة مالك في اسم أحد الرواة الإسناد، فكان التمثيل به أولى لو سلمنا أن مخالفة الثقة توجب النكارة، وإنما توجب عندنا الشذوذ، كما حققناه.
وبيان مخالفة هشيم أنه رواه عن الزهري بالإسناد المذكور بلفظ: "لا يتوارث أهل ملتين"(5)/(ب 247).
وقد حكم النسائي وغيره على هشيم بالخطأ فيه.
__________
(1) في كل النسخ "ولم" والتصويب من مقدمة صحيح مسلم.
(2) مقدمة صحيح مسلم ص7 من الجزء الأول من الصحيح.
(3) وكذا رواية فاحش الغلط وكثير الغفلة والفاسق تسمى رواية كل واحد منهم منكرة على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة.
(4) التقييد والإيضاح ص108 يعني أن هؤلاء الثلاثة وغيرهم خالفوا مالكا في قوله: عمر بن عثمان بدل عمرو في إسناد حديث "لا يرث المسلم الكافر..." الحديث.
(5) ذكر الحافظ في الفتح 12/51 أن النسائي أخرج هذا الحديث وأشار إلى ذلك المزي في تحفة الأشراف 1/57 حيث قال: قال س: وهذا هو الصواب من حديث هشيم عن الزهري عن علي بن الحسين وهشيم لم يتابع على قوله "لا يتوارث أهل ملتين" لكن النسائي أخرجه في الكبرى إذ لا يوجد كتاب الفرائض في الصغرى.(7/24)
وعندي أنه رواه من حفظه بلفظ ظن أنه يؤدي معناه، فلم يصب، فإن اللفظ الذي أتى به أعم من الفظ الذي سمعه، وسبب ذلك أن هشيما سمع من الزهري بمكة أحاديث ولم/( ر109/ب) يكتبها، وعلق بحفظه بعضها فلم/( 122/ب) الضابطين عنه، ولذلك لم يخرج الشيخان من روايته عنه شيئا - والله أعلم -.
46- قوله/(ي 207) (ع): "ولنذكر مثالا للمنكر"(1)، ثم أورد حديث همام، عن ابن جريج عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - "في وضع الخاتم عند دخول الخلاء"(2).
وقد نوزع أبو داود في حكمه عليه بالنكارة(3) مع أن رجاله من رجال الصحيح.
__________
(1) التقييد و الإيضاح ص108 قال العراقي: "وإذا كان هذا الحديث يعني حديث أسامة من طريق مالك: لا يرث المسلم ...فلنذكر ..." الخ.
(2) د1- كتاب الطهارة 10- باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء- حديث 19 قال أبو داود عقبه: "هذا حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه"، والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام". ت 25- كتاب اللباس 16- باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين حديث 1746. جه 1- كتاب الطهارة 11- باب ذكر الله على الخلاء و الخاتم في الخلاء حديث 303 كلهم من طريق همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه".
(3) في (ب) "كالنكارة".(7/25)
والجواب أن أبا داود حكم عليه بكونه منكرا، لأن هماما تفرد به عن ابن جريج وهما(1) وإن كانا من رجال الصحيح، فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئا، لأن أخذه عنه كان لما كان ابن جريج بالبصرة، والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله، والخلل في هذا الحديث من جهة أن ابن جريج دلسه عن الزهري بإسقاط الواسطة وهو زياد بن سعد، ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره، هذا (2) وجه حكمه عليه بكونه منكرا، وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب(3) فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح(4) لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذا.
وأما متابعة يحيى بن المتوكل له(5) عن ابن جريج، فقد تفيد لكن قول يحيى بن معين : لا أعرفه، أراد به جهالة عدالته لا جهالة عينه، فلا يعترض عليه بكونه روى عنه جماعة، فإن مجرد روايتهم عنه لا تستلزم معرفة حاله.
وأما ذكر ابن حبان له في الثقات، فإنه قال فيه مع ذلك: كان يخطئ وذلك مما يتوقف به عن قبول أفراده.
على أن للنظر مجالا في تصحيح حديث همام، أنه/(123/أ) مبني على أن أصله حديث الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - في اتخاذ الخاتم.
__________
(1) في (ب) "وهمام" وهو خطأ.
(2) لفظ "هذا" سقط من (ب).
(3) أخرج النسائي حديث همام في سننه 8/155 ولم يذكر هذا الكلام في هذا الموضع و أورده المزي في تحف الأشراف 1/185 وعزاه إلى د ت جه ن في الزينة ونقل عن النسائي أنه قال: "هذا الحديث غير محفوظ" فلعل النسائي ذكر هذا الكلام في الكبرى.
(4) كيف يكون المنفرد به - وهو همام - من شرط الصحيح وقد قال الحافظ نفسه إن في سماعه من ابن جريج خللا مما جعل الشيخين يتجنبان حديثه عنه فلم يخرجا في الصحيحين من رواية همام عن ابن جريج شيئا.
(5) يحيى بن المتوكل الباهلي البصري أبو بكر صدوق يخطئ من التاسعة / تمييز. تقريب 2/356 ومتابعته في سنن البيهقي الكبرى 1/95 قال البيهقي: "وهو شاهد" ضعيف.(7/26)
ولا مانع أن يكون هذا متن آخر غير ذلك المتن وقد مال/(ر110/أ) إلى ذلك ابن حبان(1) فصححهما جميعا، ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج، فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي - والله أعلم -.
وإذا تقرر كون هذا - أيضا - لا يصلح مثالا للمنكر فلنذكر مثالا للمنكر غيره.
وقد ذكر الحافظ العلائي في هذا المقام حديث هشام بن سعد عن الزهري، عن أم سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال/(ي 208): "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رمضان ..." فذكر حديث المواقع أهله في رمضان، وذكر فيه الكفارة وقوله: "على أفقر مني" وزاد في آخر المتن "وصم يوما مكانه واستغفر الله"(2).
__________
(1) انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 2/300/ا فإنه رواه من طريق همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - ولعل المراد الحافظ بتصحيح ابن حبان إيراده في صحيحه.
(2) د 8- كتاب الصوم 37- باب كفارة من أتى أهله في رمضان حديث 2393.(7/27)
قال العلائي: "تفرد به هكذا هشام بن سعد - وهو متكلم فيه سيء الحفظ، وخالف في عامة أصحاب الزهري الكبار الحفاظ فمن دونهم، فإنه عندهم عنه عن حميد بن عبد الرحمن(1)، عن أبي هريرة لا عن أبي سلمة(2) وليست عندهم هذه الزيادة".
قلت: وذكر أبو عوانة في صحيحه حديث هشام بن سعد هذا وقال غلط هشام بن سعد.
وأورده ابن عدي (3) في مناكير هشام بن سعد.
__________
(1) حديث حميد بن عبد الرحمن في خ 30- كتاب الصوم 30- باب إذا جامع في رمضان حديث 1936 من طريق شعيب، 1937 من طريق منصور، م - كتاب الصيام 14- باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم حديث 81 من طريق ابن عيينة و منصور، 82- من طريق الليث، 83- من طريق مالك ، 84- من طريق ابن جريج ومعمر د 8- كتاب الصوم - باب كفارة من أتى أهله في رمضان حديث 2390 من طريق سفيان ، 2391 من طريق معمر 2392 من طريق مالك ، ت 6- كتاب الصوم - 14- باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان حديث 724 من طريق سفيان، جه 7- كتاب الصوم 14- باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما في رمضان حديث 1671 كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الآخر وقع على إمرأته في رمضان فقال: أتجد ما تحرر به رقبة؟ قال: لا. قال : فتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا قال: أفتجد ما تطعم به ستين مسكينا ؟ قال: لا ... " الحديث.
وليس فيه الزيادة كما قال الحافظ. وانظر الفتح 4/163 فإنه ذكر عددا كثيرا من أصحاب الزهري قد رووا هذا الحديث عنه عن حميد.
(2) حرف الواو من (ر/أ) وليس في باقي النسخ.
(3) االكامل 7/ل 200 وقال ابن عدي - بعد أن ذكر الحديث بإسناده إلى هشام : "رواه الثقات عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ... وخالف هشام بن سعد فيه الناس، ولهشام غير ما ذكرت ومع ضعفه يكتب حديثه".(7/28)
وقال أبو يعلى الخليلي(1): "أنكر الحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة وقالوا: إنما رواه الزهري عن حميد".
قال ورواه وكيع عنه عن الزهري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - منقطعا قال أبو زرعة الرازي:"أراد وكيع الستر على هشام بن سعد بإسقاط/(123/ ب) أبي سلمة".
تنبيه/(ب 149):
قول العلائي الذي أسلفناه أن الزيادة التي في آخر المتن تفرد بها هشام بن سعد ليس كما قال، فقد تابعه عليها الليث بن سعد وعبد الجبار بن عمر الأيلي كما/(ر110/ب) أخرجه أبو عوانة في صحيحه والبيهقي(2)- والله أعلم - .
وأما حديث أبي زكير(3) في أكل البلح بالتمر، فقد أورده الحاكم في المستدرك(4) لكنه لم يحكم له بالصحة ولا غيرها.
وأما ابن الجوزي أو الفرج، فذكره في "الموضوعات"(5).
والصواب فيه ما قال النسائي(6)- وتبعه ابن الصلاح(7)-: "إنه منكر". باعتبار تفرد الضعيف به على إحدى الروايتين.
وقد جزم ابن عدي بأنه تفرد به.
__________
(1) في الإرشاد 1/ل 35/ب.
(2) السنن الكبرى 4/226 ولكن الليث وعبد الجبار روياه عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وهناك متابع ثالث وهو أبو أويس المدني عن الزهري قاله البيهقي في السنن الكبرى 4/226. ولها شاهد من حديث عمرو بن شعيب في السنن الكبرى 4/266.
(3) هو يحيى بن محمد بن قيس لامحاربي الضرير أبو محمد المدني نزيل البصرة لقبه أبو زكير - بالتصغير - صدوق يخطئ كثيرا من الثامنة / بخ م مد ت س ق. تقريب 2/357.
(4) 4/121 وقال الذهبي: "حديث منكر ولم يصححه المؤلف" ولفظه: عن عائشة مرفوعا: "كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا أكله ابن آدم غضب وقال: بقي ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق".
(5) 3/26 وجه 29- كتاب الأطعمة 40- باب أكل البلح بالتمر حديث 3330.
(6) وكذا الفلاس انظر ميزان الاعتدال 4/405.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص 74 وقد مثل به للمنكر.(7/29)
وقول الخليلي(1): إنه شيخ صالح أراد به في دينه لا في حديثه؛ لأن من عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك، فقالوا: صالح الحديث. فإذا أطلقوا الصلاح، فإنما يريدون له/(ي 209) في الديانة. - والله أعلم.
__________
(1) في الإرشاد، انظر التقييد والإيضاح ص 109.(7/30)
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار
102- قوله ( ص ): "معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد"(1).
قلت: هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة و الشاهد وليس كذلك، بل الاعتبار هو(2): الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد,
وعبى هذا فكان حق العبارة أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد.
وما أحسن قول شيخنا في منظومته:
الاعتبار سبرك الحديث هل ... تابع رأو غيره فيما حمل
فهذا سالم من الاعتراض. - و الله أعلم -.
103- قوله (ص)(3): "مثال للمتابيع والشاهد" فذكر/(ه 124أ) حديث سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حديث "أو أخذوا إهابها/(ب250")(4).
وذكر أن شاهده عن عبد الرحمن بن وعلة (5) عن ابن عباس - رضي الله عنه - حديث "أيما إيهاب دبغ فقد طهر"(6).
وهذا فيه أمران:
أحدهما : أنه ليس مثالا للمتابعة التامة إذ (من شرط التامة عنده أن يتابع نفس الراوي لا شيخه كما/(ر 111/أ) قال)(7) أولا أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد.
قال: فهذه المتابعة التامة، وأن شيخ الراوي إذا توبع أو شيخ شيخه، قد يطلق اسم المتابعة، لكن تقصر الأولى بحسب البعد.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 74.
(2) في كل النسخ "هي" والصواب ما أثبتناه.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص 76.
(4) في م 3- كتاب الحيض 27- باب الطهارة جلود الميتة بالدباغ حديث 102، 103، ن 7: 152 ومقدمة ابن الصلاح 76.
(5) عبد الرحمن بن وعلة - بفتح الوأو وسكون المهملة- المصري صدوق من الرابعة / م 4. تقريب 1/502.
(6) م 3- كتاب الحيض 27- باب الطهارة جلود الميتة حديث بالدباغ حديث 105، 106،107، د 26- كتاب اللباس ، 41- باب في إهاب الميتة حديث 4123، ت 25- كتاب اللباس حديث 1728 كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة عن ابن عباس، د ي 2/13 حديث 1991،1992، حم 1/219.
(7) ما بين قوسين سقط من (ب).(8/1)
وإذا تقر هذا، فالمثال ليس مطابقا(1) للمتابعة التامة.
لأن سفيان بن عيينة لم يتابعه أحد عن عمرو على ذكر الدباغ وإنما توبع شيخه عمرو عن عطاء.
الثاني: أنه ليس بمطابق - أيضا - لما تقدم من أن المتابعة (لمن)(2) دون الصحابي.
وأن الشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه يعني من حديث صحابي آخر وإن إطلاق(3) الشاهد على غير ذلك قليل، لأن كلا من المتابع والشاهد اللذين أوردهما من حديث صحابي واحد وهو ابن عباس - رضي الله عنهما -.
وفي/(ي 210) الحقيقة عبد الرحمن بن وعلة(4) قد تابع عطاء في روايته عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا الحكم.
وإذا تقرر هذا، فلنذكر مثالا للمتابعة والشاهد سالما من هذا الاعتراض وهو مارواه الشافعي في "الأم"(5) عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال/(ه124 /ب): "الشهر تسع وعشرون فلا تصموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت(6) عن مالك بهذا الإسناد بلفظ، "فإن غم عليكم فاقدروا له".
__________
(1) في (ر) و(هـ) "مطلقا".
(2) في (ر) و(ه) "يمكن" وقد كتب ناسخاهما فوق كلمة يمكن (ظ) لمن وفي (ب) "يمكن أن تكون" والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) في (ر) و(ي) و(ه) الخلاف والصواب ما أثبتناه وهو من هامش (ر) ومن (ب).
(4) تقدمت قريبا روايته.
(5) 2/94 عن مالك به.
(6) ط 18- كتاب الصيام حديث 2.(8/2)
فأشار البيهقي(1) إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري(2) قد روى الحديث في صحيحه/(ب 251) فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء فهذه متابعة تامة في غاية الصحة. لرواية/(ر111/ب) الشافعي - رضي الله عنه - والعجب كيف خفيت عليه؟
ودل [هذا](3) على أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا.
وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:
__________
(1) روى البيهقي هذا الحديث من طرق عن نافع و سالم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - "الشهر تسع و عشرون..." وفيه "فإن غم عليكم فاقدروا له" ثم رواه من طريق روح عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وفيه "فإن غم عليكم فاقدروا له" ثم قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك إلا أنه قال: "فأكملوا العدة ثلاثين" ثم رواه من طريق الشافعي عن مالك به وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" ثم قال: ورواية الجماعة عن مالك على اللفظ الأول - يعني اقدروا له - ثم قال: وإن كانت رواية الشافعي والقعنبي من جهة البخاري محفوظة فيحتمل أن يكون مالك رواه على اللفظين جميعا. فأين الإشارة إلى أن الشافعي - رضي الله عنه - تفرد به وقد اتضح لنا أن رواية القعنبي في البخاري لم تخف على البيهقي فلا محل للتعجب منه. لا سيما وقد ساق لروايتي الشافعي والقعنبي متابعة من حديث ابن عمر وشواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر وأبي بكرة وعائشة - رضي الله عنهم -. انظر البيهقي 4/204-206 لهذا البحث.
(2) 30- كتاب الصوم 11- باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتم الهلال فصوموا ...حديث 1907.
(3) الزيادة من (ي).(8/3)
أحدهما: أخرجه مسلم(1) من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - فذكر الحديث وفي آخره: "فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين".
والثاني: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2) من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بلفظ: "فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين".
فهذه متابعة - أيضا - لكنها ناقصة.
وأما شاهده فله شاهدان:
شاهد لحديث الشافعي:
أحدهما: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه البخاري(3) عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: "فإن غمي(4) عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
وثانيهما: من/(125/أ) حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أخرجه النسائي(5) من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن/(ي211) ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر - رضي الله عهما -.
فهذا مثال صحيح بطرق صحيحة للمتابعة التامة، والمتابعة الناقصة. والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى - والله الموفق سبحانه -.
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
__________
(1) 13- كتاب الصيام 2- صوم رمضان لرؤية الهلال حديث 3.
(2) 3/202 حديث 1909 والبيهقي في السنن الكبرى 4/205.
(3) 30- كتاب الصوم 11- باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الهلال فصموا. حديث 1909 والبيهقي في السنن الكبرى 4/205
(4) هكذا في جميع النسخ وفي البخاري فإن غبي.
(5) 4/107 ، ط 18- كتاب الصوم حديث 3 من طريق ثور بن زيد عن ابن عباس، ت6- كتاب الصوم 5- باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له عن ثوربه والبيهقي في السنن الكبرى 4/206 قال رواه عكرمة ومحمد بن حنين. هذا وللحديث شواهد أخرى عن جابر وأبي بكرة وعائشة رواها البيهقي في الكبرى 4/206 وحديث عائشة في صحيح ابن خزيمة 3/203 حديث 1910.(8/4)
104- قوله/(ب 252) (ص): "(وقد كان أبو كبر النيسابوري)(1) - وذكره غيره - مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث"(2). إلى آخره.
مراده بذلك الألفاظ التي(3) يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما زاده الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث، فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا.
وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن العلامة مغلطاي استشكل ذلك على المصنف، ودل أنه ما فهم مغزاه فيه، - والله تعالى أعلم -.
تنبيه:
قال ابن حبان في مقدمة الضعفاء(4): "لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة تزاد في خبرثقة(5) حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط"(6). - والله تعالى أعلم -.
105- قوله (ص)(7): "وقد رأيت تقسيم الزيادات إلى ثلاثة أقسام":
أحدها: ما يقع منافيا لما رواه الثقات، وهذا حكمه الرد - يعني لأنه يصير شاذا -.
والثاني: أن لا كيون فيه منافاة، فحكمه(8) القبول، لأنه جازم بما رواه وهو ثقة ولا معارض لروايته، لأن الساكت عنها لم ينفها لفظا ولا معنى/(ه125/ب). لأن مجرد سكوته عنها لا يدل على أن(9) راويها وهم فيها.
والثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث.
__________
(1) هو الحافظ المجود العلامة أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زياد بن واصل النيسابوري الفقيه الشافعي صاحب التصانيف سمع من الربيع والمزني وطبقتهما وعنه الدارقطني وابن عقدة و غيرهما. مات سنة 324. تذكرة الحفاظ 3/819 طبقات الشافعية للأسنوي 2/481.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص77 وذكر أبا نعيم الجرجاني وأبا الوليد القرشي.
(3) في (ب) و(ر) "الذي" وهو خطأ.
(4) كتاب المجروحين 1/93.
(5) كذا في جميع النسخ وكتاب المجروحين.
(6) كلمة فقط ليست في (ب).
(7) مقدمة ابن الصلاح ص 77- 78.
(8) في (ي) فيكون حكمه.
(9) كلمة "ان" سقطت من (ب).(8/5)
يعني وتلك اللفظة توجب قيدا في إطلاق أو تخصيصا لعموم ففيه مغايرة في الصفة ونوع مخالفة يختلف الحكم بها.
"فهو يشبه القسم الاول من/(ي212) هذه الحيثية ويشبه القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة في الصورة"(1).
قلت: لم يحكم ابن الصلاح على هذا الثالث بشيء(2).
والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن كما قدمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال.
على أن القسم الأول الذي حكم عليه المصنف بالرد مطلقا، قد نوزع في وجزم ابن حبان(3) والحاكم(4) وغيرهما بقبول زيادة الثقة مطلقا في سائر الأحوال سواء اتحد المجلس أو تعدد، سواء أكثر الساكتون أو تساووا.
وهذا قول جماعة من أئمة الفقه والأصول، وجرى على هذا الشيخ محيى الدين النووي في "مصنفاته".
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 79).
(2) كلمة "الثالث" سقطت من (ب).
(3) انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/86-87 من المقدمة.
(4) لم يصرح الحاكم بقبول الزيادة مطلقا وإنما يفهم هذا من تصرفه والأمثلة التي مثل بها. انظر علوم الحديث له ص 130- 135.(8/6)
وفيه نظر كثير؛ لأنه يرد عليهم الحديث الذي يتحد مخرجه فيرويه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه، ويريه ثقة دونهم في الضبط والإتقان على وجه (يشمل على زيادة)(1) تخالف ما رووه إما في المتن وإما في الإسناد، فكيف تقبل زيادته وقد خالفه من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم أو لكثرتهم، ولا سيما إن/(ه 126/أ) كان شيخهم ممن يجمع حديثه ويعتنى بمروياته كالزهري وأضرابه(2) بحيث يقال: إنه لو رواها لسمعها منه حفاظ أصحابه، ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة، وقد نص الشافعي في "الأم"(3) على نحو هذا فقال - في زيادة مالك ومن تابعه في حديث: "فقد عتق منه ما عتق"/(ب254): "إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو بأن يأتي بشيء يشركه فيه من لم يحفظه عنه(4)، وهم عدد وهو منفرد".
فأشار إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر عددا أنها تكون مردودة.
وهذه الزيادة التي زادها مالك لم يخالف فيها من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فتقبل، وقد ذكر الشافعي - رضي الله عنه - هذا في مواضع كثيرا ما يقول: "العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد".
وقال ابن خزيمة في/(ي 213) صحيحه(5): "لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ، ولكنا نقول: إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان، فروى حافظ عالم بالأخبار زيادة في خبر قبلت زيادته.
__________
(1) ما بين القوسين من (ي) وفي باقي النسخ "و يشمل زيادة".
(2) كلمة "واضرابه" من (ر/أ) وفي باقي النسخ "وأخيرا أنه". وأشار في (ر/أ) إلى أنه في نسخة أخرى "وأخبر أنه".
(3) 8/563.
(4) في الأم: "يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد".
(5) كلام ابن خزيمة هذا نقله البيهقي في كتاب القراءة خلف الإمام ص 116 مع اختلاف قليل بينه وبين ما نقله الحافظ.(8/7)
فإذا توارت الأخبار، فزاد(1) وليس مثلهم في الحفظ زيادة لم تكن تلك الزيادة مقبولة".
وقال/(ر113/أ) الترمذي في أواخر الجامع(2): "وإنما تقبل الزيادة ممن تعتمد على حفظه".
وفي سؤالات السهمي(3) للدارقطني: سئل عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؟.
قال: "ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته، أو ما جاء بلفظة زائدة، فتقبل تلك الزيادة من متقن، ويحكم لأكثرهم حفظا وثبتا على من دونه".
قلت: وقد استعمل الدارقطني ذلك في "العلل" و"السنن" كثيرا فقال: في حديث رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي عياش(4) عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في النهي عن بيع الرطب بالتمر(5) نسيئة:
"قد رواه مالك و إسماعيل بن أمية (6) وأسامة بن زيد والضحاك بن عثمان(7) عن أبي عياش، فلم يقولوا: نسيئة، واجتماعهم على خلاف مارواه يحيى يدل على ضبطهم ووهمه"(8).
__________
(1) في جميع النسخ فزادوا وهو خطأ والتصويب من هامش ر/أ وهو ظاهر في السياق.
(2) 51- كتاب العلل 5/759.
(3) راجعت سؤالات السهمي في 14/9/1397هـ في المكتبة الظاهرية مجموع 111 (ق 205-215) فلم أجد هذا النص والسهمي هو: حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى القرشي أبو القاسم محدث حافظ ناقد مؤرخ من آثاره تأريخ جرجان مات سنة 428 معجم المؤلفين 4/82 تذكرة الحفاظ 3/1089 هذا وفي جميع النسخ السلمي والصواب ما كتبناه.
(4) في (ر/أ) ابن عباس وهو خطأ.
(5) كلمة "بالتمر" سقطت من (ب).
(6) في كل النسخ: "إسماعيل بن علية" والتصويب من سنن الدارقطني.
(7) في كل النسخ: "الضحاك بن عمر " والتصويب من سنن الدارقطني.
(8) عبارة الدارقطني في السنن 3/49 : ".....وخالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا: "نسيئة" واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث وفيهم إمام حافظ وهو مالك بن أنس".(8/8)
وقال ابن عبد البر في "التمهيد": "إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبت(1) عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ، لأنه/(ب255) كأنه(2) حديث آخر مستأنف.
وما إذا كانت الزيادة من غير حافظ، ولا متقن، فإنها لا يلتفت إليها.
وسيأتي إن شاء الله كلام الخطيب بنحو هذا.
فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكن حافظا متقنا حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عددا منه أو كان فيهم من هو أحفظ منه أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقا فإن زيادته لا تقبل.
وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة وأطلق - والله أعلم.
واحتج من قبل الزيادة من الثقة مطلقا بأن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولا، فكذلك/(ي214) انفراده بالزيادة(3) /(ر113/ب) وهو احتجاج مردود، لأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان يكون مقبولا كما سبق بيانه في نوع الشاذ(4) ثم/(127/أ) إن الفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة ظاهر، لأن تفرده بالحديث لا يلزم منه(5) تطرق السهو والغفلة على غيره من الثقات إذ مخالفة في روايته لهم - بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظا وأكثر عددا فالظن غالب بترجيح (6) روايتهم على روايته.
ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن.
__________
(1) كذا في جميع النسخ ولعله ثبتت.
(2) في (ه) "كأن".
(3) انظر الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 2/209.
(4) انظر ص 654.
(5) في (ر) "فيه".
(6) في كل النسخ: "لترجيح" وفي (ب) "الترجيح" والصواب ما أثبتناه وانظر توضيح الأفكار 2/17 فالتصويب منه.(8/9)
واحتج بعض أهل الأصول بأنه من الجائز أن يقول الشارع كلاما في وقت، فيسمعه(1) شخص ويزيده في وقت آخر فيحضره غير الأول، ويؤدي كل منها ما سمع (وبتقدير اتحاد المجلس فقد يحضر أحدهما في أثناء الكلام فيسمع)(2) ناقصا ويضبطه الآخر تماما أو ينصرف أحدهما قبل فراغ الكلام ويتأخر الآخر، وبتقدير حضورها فقد يذهل أحدها أو يعرض له ألم أو جوع أو فكر شاغل أو غير ذلك من الشواغل ولا يعرض لمن حفظ الزيادة(3)، ونسيان الساكت محتمل والذاكر مثبت.
والجواب عن ذلك ان الذي يبحث فيه أهل الحديث في هذه المسألة، إنما هو في زيادة ( بعض الرواة)(4) من التابعين فمن بعدهم.
أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها (كحديث)(5) أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي في الصحيحين في قصة آخر من يخرج من النار، وإن الله تعالى يقول له - بعد أن يتمنى ما يتمنى - لك ذلك ومثله معه، وقال أبو سعيد الخدري: "أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لك ذلك وعشرة أمثاله(6) /(ر 114/أ).
__________
(1) في (ر) يسمعه بدون فاء.
(2) في (ر) يسمعه بدون فاء.
(3) نقل الصنعاني هذا في توضيح الأفكار 2/18 من قوله "واحتج بعض الأصوليين" إلى هنا. وانظر إحكام الأحكام للآمدي 2/109 الطبعة الأولى تصحيح ابن غديان فإنه ذكر طرفا من هذا الكلام.
(4) ما بين القوسين من (ي) وفي باقي النسخ :"بعض الروايتين" وهو خطأ.
(5) كلمة "كحديث" من (ي) وفي باقي النسخ: "في حديث" وهو خطأ.
(6) خ 10- كتاب الأذان 129- باب فضل السجود حديث 806، 97- كتاب التوحيد 24- باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} حديث 7437، م1-كتاب 81- باب معرفة طريق الرؤية حديث 299.(8/10)
وكحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : "الحمى/( 127/ب) من فيح جهنم فأبردها بالماء" متفق عليه(1). وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند البخاري: "فأبردوها بماء زمزم"(2).
وإنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه، كمالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا روى الحديث جماعة/(ي 215) من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ وانفرد دونهم بعض رواته بزيادة، فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواته عنها.
فتفرد واحد عنه بها(3) دونهم مع توفر (دواعيهم)(4) على الأخذ عنه وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التوقف عنها(5).
وأما ما حكاه ابن الصلاح عن الخطيب، فهو وإن نقله عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث، فقد خالف في اختياره فقال: بعد ذلك: "والذي نختاره أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدلا حافظا ومتقنا ضابطا".
__________
(1) الحديث في خ 59- بدء الخلق 10- باب صفة النار و أنها مخلوقة حديث 3264، 76-الطب 28- باب الحمى من فيح جهنم حديث 5723، م39- كتاب السلام 26- باب لكل داء دواء حديث 78، وجه 31- كتاب الطب 19- باب الحمى من فيح جهنم حديث 3472، ط 50- كتاب العين 6- باب الغسل بالماء من الحمى حديث 17 حم 2-21، 85.
(2) خ 59- كتاب بدء الخلق 3261 بلفظ: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هي الحمى فأبردوها بالماء - أو قال - بماء زمزم " شك همام حم 1/291 رواها بدون شك أي قال فأبردوها بما زمزم.
(3) في (ب) "مما" وهو خطأ.
(4) ما بين القوسين سقط من (ب).
(5) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 2/18 من قول الحافظ: الجواب عن ذلك إلى قوله فيما يأتي: "فإن ذلك يقتضي ريبة توجب التوقف عنها".(8/11)
قلت: وهو توسيط بين/(ب 257) المذهبين، فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا ولا نقلبها مطلقا. وقد تقدم مثله عن ابن خزيمة وغيره وكذا قال ابن طاهر: إن الزيادة إنما تقبل عند أهل الصنعة من الثقة المجمع عليه.
تنبيه:
سبق المؤلف إلى التفصيل الذي فصله إمام الحرمين في البرهان (1) فقال: بعد أن حكى عن الشافعي و أبي حنيفة - رضي الله عنهما -: قبول زيادة الثقة فقال: "هذا عندي فيما إذا سكت الباقون فإن صرحوا بنفي ما نقله هذا الراوي مع إمكان إطلاعهم فهذا يوهن قول قائل الزيادة"(2).
وفصل أبو/(128/أ) نصر ابن الصباغ(3)في "العدة" تفصيلا آخر بين أن يتعدد المجلس، فيعمل بهما، لأنهما/(ر114/ب) كالخبرين أو يتحد، فإن كان الذي نقل الزيادة واحدا والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة، وإن كان بالعكس، وكان كل من الفريقين جماعة فالقبول، وكذا إن كان كل منهما واحدا حيث يستويان وإلا فرواية الضابط منهما أولى بالقبول(4).
__________
(1) رجعت إلى البرهان 1/664-665 في بحث زيادة الثقة فوجدت بعض الكلام فيه وبقية الكلام لم تلتقطه الآلة المصورة وأظن أن ما أشار إليه الحافظ في ذلك الموضع وقد بحثت في مركز البحث عن نسخة أخرى لعلي أجد فيها الكلام المشار إليه فلم أظفر بشيء. وانظر البرهان ص187.
(2) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 2/21.
(3) محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي ( أبو نصر عبد السيد بن الصباغ ) فقيه توفي ببغداد من مصنفاته الشامل في الفقه و الكامل في لخلاف مات سنة 477 معجم المؤلفين 10/264 ، طبقات الشافعة 2/103.
(4) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 2/21 عن الحافظ ابن حجر.(8/12)
وقال الإمام فخر الدين: "إن كان الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها فلا تقبل. وكذا إن صرح بنفيها، وإلا قبلت"(1).
وقال الآمدي(2) وجرى عليه ابن الحاجب (3): "إن اتحد المجلس فإن كان من لم يروها، قد انتهوا إلى حد لا تقتضي العادة غفلة مثلهم عن سماعها والذي رواها/(ي 216) واحد فهي مردودة وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة خلافا لجماعة من المحدثين".
قلت: وللأصوليين تفاصيل غير هذه، فقال بعضهم: تقبل إن كانت غير مغيرة للإعراب(4).
وقال بعضهم: تقبل ممن لم يكن مشتهرا برواية الزيادة في الوقائع.
وقال بعضهم: تقبل الزيادة إن لم تشتمل على حكم شرعي ويفصل فيها إن اشتملت/(ب 258).
وقال أبو نصر ابن القشيري: "إن رواه مرة، (ثم نقله)(5) أخرى وزاد فلا تقبل زيادته و أما إذا أسند زيادة دائما فتقبل".
فائدة:
حكى ابن الصلاح عن الخطيب فيما إذا تعارض الوصل والإرسال أن الأكثر من أهل الحديث يرون أن الحكم لمن أرسل.
وحكى عنه هنا أن الجمهور من أئمة الفقه والحديث يرون أن الحكم لمن أتى بالزيادة إذا كان ثقة(6).
وهذا ظاهره التعارض ومن أبدى/(128/ب) فرقا بين المسألتين فلا يخلو من تكلف وتعسف.
__________
(1) رجعت إلى المحصول 2/ل 72/أ فوجدت قوله: "المسألة الرابعة: الحفاظ إذا خالفوا الراوي في بعض ذلك الخبر فقد اتفقوا على أن ذلك لا يقتضي المنع من قبول ما لم يخالفوه فيه إن ظاهر حاله الصدق ولم يوجد معارض فيجب قبوله فأما القدر الذي خالفوه فيه فالأولى أن لا يقبل لأنه و إن جاز أن يكونوا سهوا و حفظ هو لكن الأقوى أنه سها و حفظوا هم لأن السهو على الواحد أجوز منه على الجماعة".
(2) إحكام الأحكام 2/108-109 تصحيح الغديان والصالحي 7/8/1387.
(3) مختصر المنتهى ق/35/2 مخطوط بمكتبة الحرم المكي برقم 98 أصول.
(4) وانظر المحصول 2/273.
(5) في (ب) و(هـ) "لم يقله".
(6) مقدمة ابن الصلاح ص 77 ، انظر الكفاية 411،424.(8/13)
وقد جزم ابن الحاجب أن الكل بمعنى واحد، فقال: "وإذا أسند الحديث و أرسلوه أو رفعه ووقوفه/(ر115/أ) أو وصله وقطعوه، فحكمه حكم الزيادة على التفصيل السابق"(1).
ويمكن الجواب عن الخطيب، بأنه لما حكى الخلاف في المسألة الأولى عن أهل الحديث خاصة عبر بالأكثر وهو كذلك، ولما حكى الخلاف في المسألة الثانية عنهم وعن أهل الفقه و الأصول وصار الأكثر في جانب مقابله ولا يلزم من ذلك دعوى فرق بين المسألتين- والله أعلم -.
ونقل الحافظ العلائي عن شيخه ابن الزملكاني أنه فرق بين مسألتي تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف بأن الوصل في السند زيادة من الثقة فتقبل وليس الرفع زيادة في المتن فتكون علة وتقرير ذلك أن المتن إنما هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان من قول صحابي فليس بمرفوع فصار منافيا له لأن دونه من قول الصحابي مناف لكونه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما الموصول و المرسل فكل منهما موافق للآخر في كونه ي 217 من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال العلائي: "وهذه التفرقة قد تقوى في بعض الصور أكثر من بعض، فأما إذا كان الخلاف في الوقف والرفع على الصحابي بأن يرويه عنه التابعي/(ب ص 259) مرفوعا ويوقفه عليه تابعي آخر لم يتجه هذا البحث لاحتمال أن يكون حين وقفه أفتى بذلك الحكم وحين رفعه رواه إلا أن يتبين أنهما مما سمعاه منه في مجلس واحد فيفزع/(129/أ) حينئذ إلى الترجيح.- والله أعلم -.
106- قوله (ص): "فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين"(2).
[اعتراض النووي على ابن الصلاح]:
__________
(1) انظر حاشية السعد التفتازاني على شرح العضد للمنتهى الأصولي لابن الحاجب 2/71.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 78.(8/14)
اعترض عليه الشيخ محيى الدين بقوله: "لا يصح التمثيل بهذا الحديث بقوله؛ لأنه لم ينفرد به، بل واقفه في الزيادة عمر بن نافع بن عمر والضحاك بن عثمان"(1).
والأول في صحيح البخاري(2)، والثاني في صحيح مسلم(3).
[ تعقب التبريزي على النووي:]
وتعقب الشيخ تاج الدين التبريزي كلام الشيخ محي الدين بقوله: "إنما مثل به حكاية على الترمذي، فلا يرد عليه شيء". انتهى.
[تعقب الحافظ على التبريزي:]
وهذا التعقب غير مرضي؛ لأن الإيراد(4) على المصنف من جهة عدم مطابقة المثال للمسألة المفروضة ولو كان حاكيا، لأنه أقره فرضيه وعلى تقدير عدم الورود من هذه الحيثية، فيرد عليه من جهة تعبيره لعبارة الترمذي، لأن الترمذي لم يطلق تفرد مالك به كما بينه شيخنا(5) عنه.
ثم راجعت كتاب الترمذي(6) فوجدته في كتاب الزكاة قد أطلق كما حكاه عنه المصنف. ولفظه: "حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - نحو حديث أيوب، وزاد فيه، "من المسلمين"، ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه "من المسلمين".
وفي "كتاب العلل المفرد"(7) قد قيد كما حكاه عنه شيخنا(8).
فكأن ابن الصلاح نقل كلامه من كتاب الزكاة ولم يراجع كلامه في العلل والله أعلم.
وأما/(ب 260) قولنا شيخنا: اختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وعلى أيوب و أحال في بيان ذلك/(ي 218) على شرح الترمذي(9)، فقد رأيت بيان ذلك هنا.
__________
(1) التقريب مع تدريب الراوي ص 158.
(2) في 24- كتاب الزكاة 26- باب الصدقة على العبد حديث 804.
(3) في 12- كتاب الزكاة 5- باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة حديث 22،23.
(4) في (ر/ب) "لأن الإرسال يراد", وهو خطأ.
(5) التقييد و الإيضاح 111-112.
(6) 5-كتاب الزكاة 35- باب ماجاء في صدقة الفطر عقب حديث 676.
(7) آخر جامع الترمذي 5/759.
(8) التقييد والإيضاح ص 111-112.
(9) التقييد والإيضاح ص113.(8/15)
قال ابن عبد البر: "ذكر ابن أحمد بن/(ه129/ب) خالد أن بعض أصحابه حدثه عن يوسف بن يعقوب القاضي(1) عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب وقال فيه: "من المسلمين".
وقال ابن عبد البر: "وهو خطأ على أيوب والمحفوظ فيه عنه من رواية الحمادين وابن علية(2) وسلام بن أبي مطيع"(3).
وعبد الورث وعبد الله بن شوذب(4) وغيرهم ليس فيه: "من المسلمين".
قلت: بل رواية عبد الله بن شوذب عن أيوب قال فيها: "من المسلمين".
كذلك رواه ابن خزيمة في صحيحه عن الحسن بن عبد الله بن منصور الانطاكي عن محمد بن كثير عنه.
__________
(1) هو الإمام الحفظ أبو محمد يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم القاضي البصري، ثم البغدادي صاحب السنن كان ثقة صالحا عفيفا مسددا في أحكامه مات سنة 297، تذكرة الحفاظ 2/660 تاريخ بغداد 14/310.
(2) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية ثقة حافظ من الثامنة مات سنة 193/ع.
تقريب 1/66 الكاشف (1/118.
(3) سلام بن أبي مطيع أبو سعيد الخزاعي مولاهم البصري أبو روح ثقة صاحب سنة في روايته عن قتادة ضعف من السابعة مات سنة 164 وقيل بعدها / خ م ل ت س ق. تقريب 1/342 الكاشف 1/414 وقال مات سنة 173.
(4) عبد الله بن شوذب الخراساني أبو عبد الرحمن، سكن البصرة ثم الشام صدوق عابد من السابعة مات سنة 156 أو 157 / بخ 4 تقريب 1/423 ، تهذيب التهذيب 05/255.(8/16)
ثم قال ابن عبد البر: "ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي(1) عن عبيد الله(2) بن عمر - رضي الله عنهما فزاد فيه: "من المسلمين" . ثم ساقه من طريقه بإسناده وقال: رواه يحيى القطان وبشر بن المفضل و أبو أسامة وغيرهم عن عبيد الله فلم يذكروها".
قلت: وصلها الدارقطني في السنن(3) - أيضا - والحاكم في "المستدرك"(4) من طريق سعيد بن عبد الرحمن.
وقد أشار أبو داود في السنن(5) إلى رواية سعيد بن عبد الرحمن هذه و قال: المشهور عن عبيد اله ليس في "من المسلمين".
__________
(1) سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أبو عبد الله المدني قاضي بغداد صدوق له أوهام من الثامنة و أفرط ابن حبان في تضعيفه مات سنة 176/عخ د م س ق. تقريب 1/300 الكاشف 1/365.
(2) في (ر) و(ب) عبد الله و الصواب ما أثبتناه.
(3) 2/139) لكن الدارقطني ذكره معلقا عقب حديث رواه بإسناد إلى عبيد الله بن عمر وابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر ثم قال: "وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر وقال فيه: "من المسلمين" وكذلك رواه مالك بن أنس والضحاك بن عثمان و عمر بن نافع و المعلى بن إسماعيل و عبد الله بن عمر العمري وكثير بن فرقد وينس بن يزيد".
(4) 1/410-411 بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.
(5) 3- كتاب الزكاة 19- باب كم يؤدي في صدقة الفطر عقب حديث 1612.(8/17)
وقد رواه الدارقطني في "السنن"(1) عن أبي محمد بن صاعد(2)، عن محمد بن عبد الملك بن زنجويه(3) عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبيد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وقال فيه: "على كل مسلم"، ثم رواه عن محمد بن إسماعيل الفارسي عن إسحاق الديري(4)، عن عبد الرزاق عن الثوري عن عبيد الله بن عمر/(130/أ) وابن أبي ليلى كلاهما عن نافع مثله(5).
قلت: ولم يذكر شيخنا(6) رواية ابن أبي ليلى هذه .
وقد روى - أيضا - ممن لم يذكره شيخنا عن أيوب بن موسى و موسى بن عقبة و يحيى بن سعيد الأنصاري هكذا عزاه العلامة مغلطاي لتخريج البيهقي، ولم أر ذلك في السنن الكبير ولا في المعرفة ولا في السنن الصغرى ولا في الخلافيات.
فإن كان لذلك صحة، فتكون رويت عنهم من طرق غريبة، والمشهور/(ي 219) عنهم بدون هذه الزيادة - والله أعلم -.
تنبيه:
__________
(1) 2/139.
(2) هو الحافظ الإمام الثقة يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب أبو محمد الهاشمي البغدادي مولى أبي جعفر المنصور، قال الدارقطني: ثقة ثبت حافظ مات سنة 318. تذكرة الحفاظ 2/776.
(3) هو الحافظ أبو بكر الغزال صاحب الغمام أحمد سمع يزيد بن هارون وعبد الرزاق حدث عنه أصحاب السنن الأربع وثقه النسائيوغيره توفي سنة 258. تذكرة الحفاظ 2/455.
(4) هو مسند اليمن صاحب عبد الرزاق مات سنة 285 تذكرة الحفاظ 2/585 هذا وفي (ب) و( هـ) التبري وما أثبتناه هو الصواب كما (ي) و (ر) وسنن الدارقطني.
(5) سنن الدارقطني 2/139.
(6) يعني شيخه العراقي فقد ذكر في التقييد و الإيضاح ص 112-113 جماعة ممن تابع مالكا على زيادة "من المسلمين" في الحديث وهم: عمر بن نافع والضحاك بن عثمان و كثير بن فرقد و يونس بن يزيد و المعلى بن إسماعيل وعبد الله بن عمر العمري وقد عزاه رواياتهم إلى مصادرها ولم يذكر فيهم ابن أبي ليلى.(8/18)
ذكر أبو بكر الرازي الحنفي(1) أن هذه الجملة ليست زيادة في الحديث،وإنما هما حديثان قالهما النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقتين:
أحدهما : بالإطلاق للعموم.
والآخر: بتخصيص بعض أفراده بالذكر.
وفيه نظر (2)، وإنما يتأتى هذا إذا كان الاختلاف من الصحابة - رضي الله عنهم - الرواة للحديثين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما/(ر116/ب) هذا الحديث، فإن مخرجه واحد بترجمة(3) واحدة فلا يتأتى (ما)(4) ذكره - والله أعلم -.
107- قوله (ص)(5): "ومن أمثله ذلك حديث: "جعلت لنا الأرض[مسجدا ](6) وجعلت تربتها لنا(7) طهورا". فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك" انتهى.
__________
(1) هو إمام أهل الرأي في وقته: أحمد بن علي الرازي الفقيه المعروف بالجصاص كان مشهورا بالزهد والورع. درس الفقه على أبي الحسن الكرخي له تصانيف كثيرة مشهورة منها: أحكام القرآن وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي مات سنة 370. تاريخ بغداد 4/314 طبقات المفسرين للداودي 1/55.
(2) في (ي) "وفيها قال نظر". وهو خطأ.
(3) أي بإسناد واحد.
(4) كلمة ما سقطت من (ر).
(5) مقدمة ابن الصلاح ص 78.
(6) كلمة "مسجدا" من (ي) وهامش (ر/أ).
(7) كلمة "لنا" سقطت من (ب).(8/19)
وهذا التمثيل ليس مستقيم - أيضا -؛ لأن أبا مالك(1) قد نفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش (2) - رضي الله عنه - كما تفرد بروايته جملته ربعي عن حذيفة (3)- رضي الله عنه - .
فإن أراد أن لفظة "تربتها" زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة، فإنه يرد عليه أنها في حديث علي - رضي الله عنه -(4) أيضا كما نبه عل/(130/ب) شيخنا(5)، وإن أراد أن أبا مالك تفرد بها، وأن رفقته، عن ربعي - رضي الله عنه - لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه، فليس بصحيح(6).
__________
(1) هو سعيد بن طارق الأشجعي ، الكوفي ثقة من الرابعة ، مات في حدود سنة 140/ خت م4. تقريب 1/287 الكاشف 1/252 وهذا وفي كل النسخ غير (ي) "لأن لنا بمالك".
(2) ربعي بن حراش - بكسر المهلمة وآخره معجمة - أبو مريم العبسي الكوفي ثقة عابد مخضرم من الثانية مات سنة 100 وقيل غير ذلك / ع التقريب 1/243 الكاشف 1/302 وفيه (توفي سنة 104).
(3) حذيفة بن اليمان : حسل بن جابر العبسي، ثم الأشهلي حليفهم، صاحب السر صحابي مشهور، مات سنة 36 الكاشف 1/210 والإصابة 1/306 وحديثه في م 5- كتاب المساجد حديث 4 بلفظ: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا و جعلت تربتها لنا طهورا إذالم نجد الماء"، وذكر خصلة أخرى. وانظر تحفة الأشراف 2/27 وقد رمز له ب (س) وقال محققها: إنه في الكبرى هذا وقد روى هذا الحديث بدون الزيادة المذكورة من حديث جابر و أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما.
(4) حديث علي في حم 1/98، 158 من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن علي مرفوعا بلفظ : "وجعل التراب لي طهور".
(5) التقييد والإيضاح ص114.
(6) كان على الحافظ أن يذكر من تابع أبا مالك في ربعي.(8/20)
وأما اعتراض العلامة مغلطاي بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض لا التراب، فلا يبقى فيه زيادة، فقد أجاب عنه شيخنا شيخ الإسلام فقال: "وحمل التربة على التراب هو المتبادر إلى الفهم، لأنه لو أراد بالتربة الأرض لم يحتج لذكرها هنا لسبق ذكر الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا"(1).
قلت: وهذا(2) يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه، لأن التقدير حينئذ يكون و جعلت أرض الأرض لنا طهورا.
وفي هذا من الفساد ما لا يخفى - والله أعلم -.
خاتمة/(220):
قياس تفريق ابن حبان في مقدمة الضعفاء (3) بين المحدث والفقيه فيالرواية بالمعنى أن ياتي هنا، فيقال: يفرق أيضا في قبول الزيادة في الإسناد أو المتن بين الفقيه والمحدث، فإن كانت الزيادة من محدث في الإسناد قبلت أو في المتن فلا، لأن/(ر117/أ) اعتناءه بالإسناد أكثر و إن كانت من فقيه في المتن قبلت أو في الإسناد فلا، لأن اعتناءه (4) بالمتن أكبر.
فإن تعليل ابن حبان للتفرقة المذكورة يأتي هنا سواء، بل سياق كلامه يرشد إليه - والله أعلم -.
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
108- قوله (ص): "الأفراد منقسمة إلى هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة"(5)، انتهى.
[اعتراض مغلطاي على ابن الصلاح:]
اعترض عليه العلامة مغلطاي بأنه ذكر أنه تبع الحاكم في ذكره هذا النوع (قال)(6): فكان ينبغي له أن يتبعه في تقسيمه فإنه قسمه إلى ثلاثة أقسام.
قلت: وهو اعتراض عجيب، فإن الأقسام الثلاثة التي ذكرها الحاكم داخلة في القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح، ولا سبيل إلى الإتيان بالثالث: لأن الفرد إما مطلق وإما نسبي وغاية ما في الباب أن المطلق ينقسم إلى نوعين:
__________
(1) محاسن الاصطلاح ص 190.
(2) في جميع النسخ وكان يلزم فأثبتنا كلمة وهذا لأن الكلام يتطلبها ولا يستقيم إلا بها.
(3) كتاب المجروحين 1/93.
(4) من (ي) و(ر/أ) وفي (هـ) و(ب) و(ر/ب) "اعتباره".
(5) مقدمة ابن الصلاح ص 80
(6) كلمة قال ليست في (ه).(8/21)
أحدهما: تفرد(1) شخص من الرواة بالحديث.
والثاني: تفرد أهل البلد بالحديث دون غيرهم.
(والأول ينقسم أيضا إلى نوعين)(2):
أحدهما: يفيد كون المنفرد ثقة، والثاني لا يفيد(3).
وأما أمثلة الأول فكثيرة، وقد ذكرنا شيخنا في منظومة(4) له حديث ضمرة بن سعيد(5) عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد(6) "في القراءة في الأضحى".
قال شيخنا: "لم يروه أحد من الثقات إلا ضمرة بن سعيد، وله طريق أخرى من حديث عائشة - رضي الله عنها - سندها ضعيف".
__________
(1) في (ر) "ما تفرد".
(2) ما بين القوسين من (ب) وفي باقي النسخ "والأول ينقسم أيضا دون غيره قسمين".
(3) كلمة "لا" سقطت من (ب).
(4) حيث قال في الألفية: "لم يروه الثقة إلا ضمرة ...".
وقال في الشرح 1/219: "مثال تقيد الانفراد بالثقة حديث: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة" رواه مسلم وأصحاب السنن من رواية ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(5) ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(6) أبو واقد الليثي صحابي عنه ابناه وابن المسيب وعروة مات سنة 68/بخ.
الكاشف 3/387 التقريب 2/446 وقال : اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف ولم يرمز له الذهبي والرمز للحافظ.(8/22)
و أما أمثلة الثاني، فكثيرة جدا ومنها في الصحيحين(1) حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار، وعن أبي العباس (2) عن/(ي 221) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو، وعمرو عن أبي العباس(3) وأبو العباس عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كذلك.
__________
(1) لأن في سنده ابن لهيعة ، انظر السنن للدارقطني 2/46 حيث قال: .....ثنا ابن لهيعة ثنا خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة ثم ساق الحديث مرفوعا.
(2) خ 64- كتاب المغازي 56- باب غزوة الطائف حديث 4325، 78- كتاب الأدب 68- باب التبسم والضحك حديث 6086، م 32 - كتاب الجهاد والسير 19- باب غزوة الطائف حديث 82، حم 2/11 ولكنه في م عن عبد الله بن عمرو وقد رجح الحافظ في الفتح 8/44. والمزي في تحفة الأشراف 5/418 أنه عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(3) هو السائب بن فروخ - بفتح فضم مع التشديد - المكي الشاعر الأعمى ثقة من الثالثة / ع . تقريب 1/282 ، الكاشف 1/347. هذا وفي (ه) ابن عباس وهو خطأ ثم أسقط ابن عمر وهو خطأ أيضا.(8/23)
ومثال النوع الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - "في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء - رضي الله عنه -" له طريقان (1) عنها رواتها كلهم مدنيون.
قال الحاكم: "تفرد أهل المدينة بهذه السنة"(2).
وأما النسبي فيتنوع - أيضا - أنواعا:
أحدهما: تفرد شخص عن شخص.
ثاتيها: تفرد أهل بلد عن شخص.
ثالثها: تفرد شخص عن أهل بلد.
رابعها: تفرد أهل البلد عن أهل بلد أخرى.
مثال الأول: حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر - رضي الله عنه - في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق.
__________
(1) إحداهما في م 11- كتاب الجنائز 34 - باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 99، 100 من طريق عبد الواحد بن حمزة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة: "....ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد". وفي لفظ: "على ابني البيضاء" وفي د 15- كتاب الجنائز 54- باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 3189، ت 8- كتاب الجنائز 44- باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد حديث 1033، ن 4/55، جه 6- كتاب الجنائز 29- باب ما جاء في الصلاة على لجنازة في المسجد، والطحاوي شرح معاني الآثار 1/492، والبيهقي في السنن الكبرى 4/51 ، و الإحسان ترتيب صحيح ابن حبان 5/ل 23/2 كلهم من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة مرفوعا.
وثانية الطريقين في م11 كتاب الجنائز 34- باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 101، د 15 - كتاب الجنائز 54- باب الصلاة على الجنازة في المسجد حديث 3190. والبيهقي في السنن الكبرى 4/51 الطحاوي شرح معاني الآثار 1/492، شرح السنة للبغوي 5/3519 معرفة علوم الحديث للحاكم ص97 كلهم من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة وهذا الطريق أعله الدارقطني بمخالفة الضحاك لمالك والماجشون حيث روياه منقطعا ورواه متصلا.
(2) معرفة علوم الحديث ص97.(8/24)
أخرجه البخاري(1) ، وقد تفرد به عبد الواحد عن أبيه . وقد روي من غير حديث جابر - رضي الله عنه -.
وأمثلة ذلك في كتاب الترمذي كثيرة جدا، بل ادعى بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من الغرائب من هذا القبيل.
وليس كما قال لتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق.
ومثال الثاني: حديث "القضاة ثلاثة"(2).
تفرد به أهل مرو، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - وقد جمعت طرقه في جزء.
وكذا حديث يزيد مولى المنبعث(3)، عن زيد بن خالد الجهني في "اللقطة"(4). تفرد به أهل المدينة.
ومثال الثالث: وهو عكس الذي قبله، فهو قليل جدا وصورته أن ينفرد شخص عن جماعة بحديث تفردوا به.
__________
(1) 64- المغازي 29- باب غزوة الخندق حديث 4101، د ي 1/26 حديث 43.
(2) د 18 - كتاب الأقضية 2 - باب في القاضي يخطئ حديث 5373 ت 13 - كتاب الأحكام حديث 1322، جه في 13 - كتاب الأحكام 3 - باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق حديث 2315، معرفة علوم الحديث للحاكم ص99.
(3) يزيد مولى المنبعث- بضم الميم و سكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة- مدني صدوق من الثالثة \ع. تقريب 2/373 ، الكاشف 3/288.
(4) حديث زيد بن خالد في اللقطة في خ 45- كتاب اللقطة 2- باب ضالة الإبل حديث 2427، 2428، 78 - كتاب الأدب حديث 6112، م 31 - كتاب اللقطة حديث 1، 2، 3، 4، 5، 6 من طريق يزيد مولى المنبعث، 7 ، 8 من طريق بسر بن سعيد كلاهما عن زيد بن خالد مرفوعا، د4 - كتاب اللقطة حديث 1704، 5 ، 6 ، 7 ، ت 13 - الأحكام 35 - باب ما جاء في اللقطة حديث 1372 ، 1373، جه 18 -اللقطة حديث 2504 كلاهما من طريق يزيد عن زيد بن خالد- رضي الله عنه - واللفظ للبخاري قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها". الحديث، والعفاص الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك. النهاية 3/263.(8/25)
ومثال الرابع: ما رواه أبو دواد(1) من حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة المشجوج: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويصعب على جرحه خرقة".
قال ابن أبي داود: فيما حكاه الدارقطني في "السنن"(2): "هذه سنة/(ر118/أ) تفرد بها أهل مكة، وحملها عنهم أهل الجزير".
وقول ابن الصلاح: "إلا أن يطلق قائل قوله: تفرد به أهل مكة على ما لم يروه إلا واحد من أهلها"(3).
قلت: وهذا الإطلاق هو الأكثر، فجميع الأمثلة التي/(ي 222/أ) مثل بها الحاكم(4) كذلك، كحديث خالد الحذاء، عن سعيد بن عمرو، عن سعيد بن عمرو، عن الشعبي عن داود عن المغيرة/(132/أ) بن شعبة في النهي عن قيل وقال: تفرد به البصريون عن الكوفين وإنما تفرد به خالد الحذاء وهو واحد.
__________
(1) في الطهارة 127- باب المجروح يتيمم حديث 336
(2) 1/190 ثم قال: - بعد قوله حملها عنهم أهل الجزيرة -: "لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي، فرواه عن عطاء عن ابن عباس، واختلف على الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء وقيل عنه بلغني عن عطاء، وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصواب".
(3) مقدمة ابن الصلاح ص80.
(4) انظر معرفة علوم الحديث ص100-102 حيث قال: "فأما النوع الثالث، فإنه أحاديث لأهل المدينة تفرد بها عنهم أهل مكة مثلا، وأحاديث لأهل مكة يتفرد بها عنهم أهل المدينة وأحاديث ينفرد بها الخراسانيون عن أهل الحرمين مثلا"، ثم مثل بحديث خالد الحذاء البصري الذي رواه عن الكوفيين وحديث حسين بن داود وهو الخراساني عن فضيل بن عياض وعدداه في المكيين، وغير ذلك من الأمثلة التي ذكرها الحاكم.(8/26)
وحديث الحسين بن داود(1) عن الفضيل ب 265 بن عياض، وعن منصور، إبراهيم (2) عن علقمة ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول تبارك وتعالى: "يا دنيا اخدمي من خدمني"(3).
قال: تفرد به الخراسانيون عن المكيين، وإنما انفرد به الحسين(4) ولم يروه غيره، وهو معدود في مناكيره.
وكذلك غالب ما أطلقه أبو داود في كتاب التفرد(5) وكذا ابنه أبو بكر بن أبي داود. - والله أعلم -.
وقد يطلقون تفرد الشخص بالحديث ومرادهم بذلك تفرده بالسياق لا بأصل الحديث.
وفي مسند البزار من ذلك جملة نبه عليها.
تنبيه:
من مظان الأحاديث الأفاد مسند أبي بكر البزار، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في "المعجم الأوسط" ثم الدارقطني في "كتاب الأفراد"(6). وهو ينبئ على(7) اطلاع بالغ ويقع عليهم التعقب فيه كثيرا بحسب اتساع(8) الباع وضيقه أو الاستحضار وعدمه.
وأعجب من ذلك أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه فقد تتبع العلامة مغلطاي على الطبراني ذلك في جزء مفرد/(ر118/ب).
وإنما يسحن الجزم بالإيراد عليهم حيث لا يختلف السياق أو حيث يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال أن يريدوا شيئا من ذلك بإطلاقهم، والذي يرد على الطبراني، ثم الدارقطني/(132/ب) من ذلك أقوى مما يرد على البزار (لأن البزار)(9) حيث يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول:
__________
(1) الحسين بن داود أبو علي البلخي عن الفضيل بن عياض وعبد الرزاق قال الخطيب: ليس بثقة حديثه موضوع. لسان الميزان 1/534.
(2) كلمة إبراهيم سقطت من (ب).
(3) معرفة علوم الحديث 101.
(4) من (ي) وفي باقي النسخ أبو الحسين وهو خطأ فإنه الحسين بن داود السابق ذكره.
(5) لا يدرى أين يوجد هذا الكتاب.
(6) مخطوط أجزاء منه في المكتبة الظاهرية بدمشق.
(7) في (ي) "عن".
(8) في (ه) و(ب) "امتناع".
(9) ما بين القوسين سقط من (ب).(8/27)
"لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث (1) فلان".
وأما غيره، فيعبر بقوله(2): "لم يروه عن فلان إلا فلان". وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر(3) من الإطلاق خلافه- والله أعلم -.
__________
(1) من (ي) وهامش (ر/أ) وفي باقي النسخ "من حيث" وهو خطأ.
(2) في (ر/ أ) بقول.
(3) من (ي) وفي باقي النسخ "الظاهر" بدون فاء.(8/28)
النوع/(ي223) الثامن عشر: معرفة العلل
109- قوله ( ص): "فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منه"(1).
قلت: وهذا تحرير لكلام الحاكم في "علوم الحديث"(2) فإنه قال:
"وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فتخفى(3) عليهم علته، والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة".
[متى يسمى الحديث معلولا: ]
فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع مثلا معلولا، ولا الحديث الذي راويه مجهول معلولا أو ضعيف وإنما يسمى معلولا(4) إذ آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك.
وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود.
وإذا تقرر هذا فالسبيل إلى معرفة سلامة الحديث من العلة كما نقله المصنف عن الخطيب أن يجمع طرقه، فإن اتفقت رواته واستووا ظهرت سلامته.
وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة، فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف وسأوضحه في/(ر119/أ) النوع الذي بعد هذا [إن شاء الله تعالى ](5) وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غايصا(6) وإطلاعا حاويا وإدراكا لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم(7) وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص81.
(2) ص 112-113.
(3) في (ب) "فخفى".
(4) ما بين القوسين من (ب). ونقل هذا النص الصنعاني في توضيح الأفكار 2/27 مع كلام الحاكم الذي نقله الحافظ.
(5) الزيادة من (ي).
(6) كلمة غايصا من (ي) وفي باقي النسخ "غامضا".
(7) في (ب) "ومذاقهم".(9/1)
وقد تقصر عبارة المعلِّل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح [إحدى](1) الروايتين على الأخرى [كما](2) في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة(3) المرجوع إليهم - بتعليله - فالأولى إتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه.
وهذا الشافعي/(ي 224) مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: "وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث"(4).
وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرِّح بإثبات العلة فأما إن وجد(5) غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما.
وكذلك إذا(6) أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح- والله أعلم -.
قال الحافظ العلائي بعد أن ذكر ما هذا ملخصه: "فأما إذا كان رجال الإسنادين متكافئين في الحفظ أو العدد أو كان(7) من أسنده أو رفعه دون من أرسله أو وقفه في شيء من ذلك مع أن كلهم ثقات محتج بهم فههنا مجال النظر واختلاف أئمة الحديث والفقهاء.
[مسلك أهل الحديث عند تكافؤ المختلفين الرجوع إلى الترجيح:]
__________
(1) كلمة "إحدى" من (ي) وقد سقطت من باقي النسخ.
(2) الزيادة من (ي).
(3) كلمة "الأئمة" من (ي) و (هـ) وفي (ر) و(ب) "أئمة بالتنكير".
(4) انظر الأم 1/13.
(5) في (ر) يوجد.
(6) كلمة "إذا" ليست في (ب).
(7) في (ب) "أو من كان" وهو خطأ.(9/2)
فالذي يسلكه كثير من أهل الحديث بل غالبهم(1) جعل ذلك علة مانعة من الحكم بصحة الحديث مطلقا، فيرجعون إلى الترجيح لإحدى/(133/ب) الروايتين على الأخرى، فمتى اعتضدت إحدى/(ر119/ب) الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكموا لها و إلا توقفوا عن الحديث وعللوه بذلك، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف/(ب ص 268) نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده -والله أعلم.
[اعتبار أئمة الفقه والأصول إسناد الحديث ورفعه من باب الزيادة:]
قال: و أما أئمة الفقه و الأصول ، فإنهم جعلوا إسناد الحديث ورفعه كالزيادة في متنه (يعني كما تقدم تفصيله عنهم)(2).
ويلزم على ذلك قبول الحديث الشاذ كما تقدم(3).
ومن المواضع الخفية في الاحاديث المعللة - ما ذكره ابن أبي حاتم قال: سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من باع عبدا وله مال ..." الحديث.
__________
(1) في (ب) "غالب" غير مضاف إلى الضمير.
(2) انظر ص688.
(3) ص688-689.(9/3)
فقال: "قد كنت أستحسن هذا الحديث من/(ي 225) ذي(1) الطريق حتى رأيت من حديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر - رضي اله عنهما - فعاد الحديث إلى الزهري، والزهري إنما رواه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه - رضي الله عنهم -(2)
__________
(1) في (ب) "من ذوي".
(2) قال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/377 حديث 1122: سألت أبي عن حديث رواه قتادة وحماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع" قال أبي: كنت أستحسن هذا الحديث من ذا الطريق حتى رأيت من حديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبي: فإذا الحديث قد عاد إلى الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام أبي حاتم.
ومنه يظهر:
1- أن سؤال ابن أبي حاتم لأبيه إنما كان عند حديث بيع النخل فقط، لا عن بيع العبد ولا عن بيع النخل أو شيء آخر كما يفيده قول الحافظ في الحديث.
2- أن أبا حاتم لم يعل حديث سالم بحديث نافع، وإنما اتضح له تدليس عكرمة بن خالد أو الراوي عنه عندما رأى حديث بعض الثقات عن عكرمة عن الزهري ...الخ والذي تكلم على حديث سالم ونافع معا إنما هو الدارقطني وهو الذي رجح الفصل- في رواية نافع - بين قضية العبد وأنها من قول عمر وبين قضية بيع النخل وأنها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فاختلط على الحافظ كلام الدارقطني بكلام أبي حاتم.
وحديث سالم عن أبيه أخرجه خ في 42- كتاب المساقاة 17- باب الرجل يكون له ممر حديث 2379 فتح 5/49 وتكلم الحافظ على اختلاف نافع وسالم في رفع ما يتعلق بالعبد، وذكر أن النسائي والدارقطني ومسلم رجحوا رواية نافع وأن البخاري رجح رواية سالم ص 51-52، د 17 كتاب البيوع 44- باب في العبد يباع وله مال حديث 3433، ت 12- كتاب البيوع 25- باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير حديث 1244 وقال حسن صحيح، وذكر اختلاف سالم و تافع ثم قال : قال محمد بن إسماعيل حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح ما جاء في هذا الباب.
ن7/660 وجه 12- كتاب التجارات 31- باب من باع نخلا مؤبرا أو عبدا له مال حديث 2211. وتحفة الأشراف 5/370 حديث 6819، 6/112 حديث 7753، 7/69-70 حديث 10558.(9/4)
.
وهو المعلول (يعني لأن نافعا عن ابن عمر - رضي الله عنهما -) فجعل مسألة بيع العبد عن عمر - رضي الله عنه - و مسألة بيع النخل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال النسائي(1): "سالم اجل من نافع و لكن القول في هذا القول نافع وكذا قال علي بن المديني والدارقطني"(2).
قال العلائي: "وبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها".
قلت: وسبب الخفاء في هذا المثال أن عكرمة بن خالد أكبر من الزهري وهو معروف بالرواية عن ابن عمر- رضي الله عنهما - فلما وجد الحديث من رواية حماد بن سلمة عنه كان ظاهره الصحة وكان يعتضد بها ما رواه الزهري عن سالم عن أبيه ويرجح على رواية نافع خلافا لما قال ابن المديني و النسائي وغيرهما.
لكن لما فتشت الطرق تبين أن عكرمة سمعه ممن هو أصغر منه وهو الزهري، والزهري لم يسمعه من ابن عمر - رضي الله عنهما - إنما سمعه من سالم فوضح أن رواية حماد بن سلمة مدلسة أو مسواة، ورجع هذا الإسناد الذي كان يمكن الاعتضاد به إلى الإسناد الأول الذي حكم عليه بالوهم وكان سبب حكمهم عليه بالوهم كون سالم أو من دونه سلك الجادة؛ لأن العادة والغالب أن الإسناد إذا انتهى إلى الصحابي - رضي الله تعالى عنه - قيب بعده: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء هنا بعد الصحابي ذكر صحابي آخر والحديث من قوله -كان الظن غالبا على أن من ضبطه هكذا أتقن ضبطا - والله أعلم -.
__________
(1) لعل النسائي ذكر هذا في الكبرى وانظر تحفة الأحوذي 6/15 فإنه ذكر حديث عكرمة بن خالد هذا والحوالات فيه على السنن الكبرى.
(2) انظر العلل له 4/ل 97/أ، ب ، فإنه تكلم على حديث سالم ونافع بالتفصيل وبين اختلاف الرواة على عكرمة بن خالد وعلى الزهري وعلى نافع.(9/5)
قال العلائي: "وهذا كله إذا كان الإسناد واحدا من حيث المخرج غير مختلف في الحالات، أما إذا اختلف في الوصل والإرسال كأن يروي ي 226 بعضهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب/(ه134/ب) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا فيرويه بعضهم عن الزهري، عن أبي سلمة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا.
أو يرويه بعضهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا، فيرويه بعضهم، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - موقوفا.
ففي مثل هذه الصيغة يضعف تعليل أحدهما بالآخر؛ لكون كل منهما إسنادا برأسه، ولقوة احتمال/(ر120/ب) كونهما إسنادين عند الزهري أو عند الأعمش كل واحد منهما على وجه.
قلت: وإنما يقوى هذا إذا أتى بهما الراوي جميعا في وقت واحد وحينئذ ينتفي التعليل، وشرط هذا كله التساوي في الحفظ أو العدد.
فأما إذا كان راوي الوصل أو الرفع/(ب270) مرجوحا، فلا، [كما](1) تقرر غير مرة - والله أعلم -.
47- قوله (ع)(2): "هكذا أعل الحاكم في [علومه](3) هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها وأنا(4) أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم ..." إلى آخره.
قلت: الحكاية صحيحة قد رواها غير الحاكم على الصحة من غير نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب كما سنوضحه، لأن المنكر منها إنما هو قوله: "إن البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول"، والواقع أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري".
والحق أن البخاري لم يعبر بهذه العبارة.
__________
(1) كلمة "كما" ليست في جميع النسخ وهي في هامش (ر) والمقام يتطلبها.
(2) التقييد والإيضاح ص 118 ويعني حديث كفارة المجلس.
(3) هذه الكلمة سقطت من جميع النسخ والتصويب من التقييد والإيضاح.
(4) في (هـ) "وإنما".(9/6)
وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية/(135/أ) من الطريق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا نكارة، ثم أبين حال الحديث ومن أعله أو صححه لتتم الفائدة فأقول: قال الحاكم - في علوم الحديث(1): "الجنس الأول من أجناس علل الحديث".
مثاله: ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب(2). ثنا/(ي 227) محمد بن إسحاق الصاغاني(3) ثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج، عن موسى بن عقبة(4)، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك"(5).
قال الحاكم(6): هذا الحديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة، وهي ما حدثني أبو نصر: أحمد بن محمد الوراق قال: سمعت أبا حامد: أحمد بن حمدون القصار(7) يقول:
__________
(1) ص 113.
(2) هو الملقب بالأصم وقد تقدمت ترجمته ص 457.
(3) هو الحافظ الحجة محدث بغداد أبو بكر سمع يزيد بن هارون وروح بن عبادة وطبقتهما، حدث عنه الجماعة سوى البخاري وابن خزيمة والأصم، قال الدارقطني فيه: ثقة وفوق الثقة، مات سنة 270. تذكرة الحفاظ 2/574 الكاشف 3/18.
(4) موسى بن عقبة بن أبي عياش - بتحتانية ومعجمة - الأسدي مولى آل الزبير ثقة فقيه إمام في المغازي من الخامسة، مات سنة 141/ع. تقريب 2/286 الكاشف 3/186.
(5) وفي ت 49- الدعوات 39- باب ما يقول إذا قام من المجلس حديث 3433 وقال الترمذي - بعده - هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه.
(6) معرفة علوم الحديث ص113-114.
(7) هو: الإمام الحافظ الثقة أبو حامد : أحمد بن حمدون النيسابوري الأعمشي جمع حديث الأعمش واعتنى به فنسب إليه، مات سنة 321. تذكرة الحفاظ 3/805.(9/7)
سمعت مسلم بن الحجاج - وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال: دعني [حتى](1) أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، حدثك محمد بن سلام (2)، ثنا مخلد بن يزيد الحران (3)، أنا ابن جريج، عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "كفارة المجلس" فما علته؟ قال محمد بن إسماعيل: "هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، ثنا به موسى بن إسماعيل ثنا وهيب، ثنا سهيل، عن عون هـ 135/ب عبد الله(4) قوله".
قال محمد بن إسماعيل: هذا أولى، فإنه لا يذكر لموسى سماع من سهيل، انتهى.
فيا عجباه من الحاكم كيف يقول هنا : إنه علة فاحشة ثم يغفل، فيخرج الحديث بعينه في "المستدرك" ويصححه.
ومن الدليل على أنه كان غافلا في حال كتابته له في "المستدرك" (عما)(5) كتبه في علوم الحديث أنه عقبه في "المستدرك"(6) بأن قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، إلا أن البخاري أعله برواية وهيب، وعن موسى بن عقبة عن سهيل، عن أبيه عن كعب الأحبار" انتهى.
وهذا الذي ذكره لا وجود له عن البخاري، وإنما الذي أعله البخاري في جميع طرق هذه الحكاية - هو الذي ذكره الحاكم أولا.
__________
(1) الزيادة من (ي).
(2) محمد بن سلام بن الفرج السلمي، مولاهم البيكندي - بكسر الموحدة وسكون التحتانية وفتح الكاف وسكون النون- أبو جعفر، واختلف في لام أبيه والراجح تخفيفها، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة 227/خ. تقريب 2/168 الكاشف 3/51.
(3) مخلد بن يزيد الحراني صدوق له أوهام من كبار التاسعة مات سنة 193. تقريب 2/235 ، تهذيب التهذيب 10/77.
(4) عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله الكوفي ثقة عابد من الرابعة، مات قبل عشرين و مائة / م4. تقريب 2/90 الكاشف 2/358.
(5) من (ي) وفي باقي النسخ "كما" وهو خطأ.
(6) 1/537 قاله عقب رواية الحديث.(9/8)
وذلك من طريق وهيب(1) عن/(ي 228) سهيل، عن عون بن عبد الله لا ذكر لكعب فيه البتة، وبذلك أعله أحمد بن حنبل(2) وأبو حاتم(3) وأبو زرعة(4) و غيرهم كما سأوضحه، وعندي أن الوهم فيها(5) من الحاكم في حال كتابته في "علوم الحديث"، لأنه رواها خارجا عنه على الصواب/(ر121/ب) رواها عنه البيهقي في "المدخل" ومن طريقه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخه" عن أبي المعالي الفارسي عنه قال: أنا أبو عبد الله الحافظ (يعني الحاكم) قال: "سمعت أبا نصر الوراق فذكر الحكاية إلى قوله: "في كفارة المجلس". وزاد فقال: قال البخاري:
وحدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج حدثني موسى بن عقبة..." وساق الحديث، ثم قال: قال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا غير هذا إلا أنه معلول... وذكر باقي القصة.
فقوله: "لا أعلم بهذا الإسناد" لا اعتراض فيه بخلاف تلك الرواية التي فيها "لا أعلم في الباب"، فإنه يتجه(6) عليه ما اعترض به الشيخ من أن في الباب عدة أحاديث غير هذا الحديث.
__________
(1) الصواب أن يقول: وذلك من طريق موسى بن عقبة عن سهيل.
(2) انظر العلل للدارقطني 3/ل26/أ.
(3) انظر العلل لابن أبي حاتم 2/195.
(4) انظر العلل لابن أبي حاتم 2/195.
(5) في (هـ) "فيه".
(6) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب عليها لأن الضمير عائد على الرواية.(9/9)
وقد وقعت لي هذه الحكاية من وجه آخر رويناها في "كتاب الإرشاد"(1) للحافظ أبي يعلى الخليلي قال: "أنا أبو محمد المخلدي(2) في كتابه - أنا أبو حامد الاعمش هو أحمد بن حمدون الحافظ قال: كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله (3) بن عمر عن أبي الزبير عن جابر في قصة العنبر"(4).
قال: فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى ابن عقبة عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "كفارة المجلس".
فقال مسلم(5): "في الدنيا أحسن من هذا ؟ تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا؟".
فقال محمد بن إسماعيل: "لا إلا أنه معلول".
__________
(1) 2/ل 206/ أ ، ب.
(2) هو الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد بن شيبان المخلدي من أهل نيسابور، يروي عن أبي العباس السراج، روى عنه أبو عبد الله الحاكم وغيره ووثقه، مات سنة 339. اللباب 3/180.
(3) من (ي) وفي باقي النسخ "عبد الله".
(4) في (ر) و(هـ) "الصبر" وهو خطأ وقصة العنبر رواها البخاري ومسلم و أحمد و النسائي من طريق عمرو بن دينار ووهب بن كيسان وأبي الزبير، ولكن ليس في أي طريق منها عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير لكن في مسلم 34- كتاب الصيد 4- باب إباحة ميتة البحر تابع حديث 21 عن داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر، وذكر مسلم الحديث مختصرا فلعل البخاري سئل عن هذا الحديث ووقع من الرواة تحريف وزيادة. وانظر تحفة الأشراف 2/218.
(5) كلمة "مسلم" سقطت من (ب).(9/10)
فقال مسلم: "لا إله إلا الله وراتعد أخبرني/(ي 229) به فقال: "استر ما ستر الله فألح عليه وقبل رأسه وكاد أن يبكي" فقال: "اكتب إن كان ولا بد حدثنا موسى ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة(1) عن عون بن عبد الله. فقال له مسلم لا يبغضك إلا حاسد و أشهد أن ليس في الدنيا مثلك".
قلت: وهكذا رواها الخطيب في تأريخه(2) عن أبي حازم العبدري(3) عن الحسن بن/(136/ب) أحمد الزنجوني(4) عن أحمد بن حمدون مثله.
فهذا اللفظ أولى بان يعزى إلى البخاري من اللفظ المعزو له في كلام الحاكم في "علوم الحديث".
على أن بعض المتأخرين من الحفاظ أوّل الكلام الذي في "علوم الحديث" فقال: "الذي ينبغي أن يحمل عليه كلامه في هذه الرواية و غيرها أن يكون مراده بالباب رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالحديث طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
__________
(1) كذا عن موسى بن عقبة و لعله عن سهيل كما تقدم وكما هو المشهور.
(2) في التاريخ للخطيب 13/102-103 في ترجمة الإمام مسلم قال الخطييب "أخبرني أبو بكر المنكدري. حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الوراق قال سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون القصار يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه..." القصة مثل ما رواها الحاكم حرفا بحرف وفيها " ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول " ولم أجده في التاريخ بالإسناد الذي قاله الحافظ. ثم وجدتها في التأريخ 2/28-29 بالإسناد وباللفظ اللذين ذكرهما الحافظ.
(3) في (هـ) "العبدي". وفي تأريخ بغداد العبودي.
(4) في تأريخ بغداد "الزنجوي".(9/11)
قلت: وهو حمل متعسف(1) ظاهر التكلف، ثم إنه(2) يرد عليه ما فر منه فإنه روي من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - من غير هذا الوجه. وذلك فيما رواه أبو داود في سننه(3) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد المقبري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا نحو هذا الحديث.
قال عمرو بن الحارث: وحدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن أبي عمرو (4) عن المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه(5) والطبراني في الدعاء من طريق ابن وهب هذه.
ولما أخرج الترمذي حديث ابن جريج المبدأ بذكره في "كتاب الدعوات"(6) من جامعه عن أبي عبيدة بن أبي السفر، عن حجاج قال: هذا حديث حسن [صحيح](7) غريب لا نعرفه من(8) حديث سهيل إلا من هذا الوجه" انتهى.
وهو متعقب - أيضا - وقد عرفناه من حديث سهيل من غير هذا الوجه/(ر122/ب) فرويناه في الخلعيات مخرجا من أفراد الدارقطني من طريق الواقدي/(ي230) ثنا عاصم/(ب ص 274) ابن عمر وسليمان بن بلال كلاهما عن سهيل به.
__________
(1) من (هـ) وفي (ر) و(ب) "تعسف".
(2) كلمة "أنه" ليست في (ر).
(3) في 35-كتاب الأدب 32- باب في كفارة المجلس حديث 4857، 4858.
(4) عبد الرحمن بن أبي عمرو المدني مقبول من السابعة /د س.
تقريب 1/493، تهذيب التهذيب 6/242 وقال: روى عن بسر بن سعيد وسعيد المقبري وعنه الدراوردي وعمرو بن الحارث روى له أبو داود حديث "كفارة المجلس".
(5) 1/591/ب من طريق عبد الله بن عمرو موقوفا ومن طريق عمرو بن الحارث بإسناد أبي داود مرفوعا.
(6) 39- باب ما يقول إذا قام من المجلس من كتاب الدعوات حديث 3433.
(7) الزيادة من (ي) وقال الترمذي حديث حسن صحيح غريب. انظر الموضع المشار إليه من الترمذي وقد نقله عنه الحافظ في الفتح 13/544.
(8) كلمة "من" سقطت من (ب).(9/12)
ورويناه في/(137/أ) كتاب الذكر(1) لجعفر الفريابي قال: ثنا هشام بن عمار: ثنا إسماعيل بن عياش. ثنا سهيل.
ورويناه في "الدعاء" للطبراني من طريق ابن وهب قال: حدثني محمد بن أبي حميد عن سهيل.
فهؤلاء أربعة رووه عن سهيل من غير الوجه الذي أخرجه الترمذي فلعله إنما نفى ان يكون يعرفه من طريق قوية، لأن الطرق المذكورة لا يخلو واحد من من مقال.
أما الأولى: فالواقدي متروك الحديث.
وأما الثانية: فإسماعيل بن عياش مضعف في غير روايته عن الشاميين ولو صرح بالتحديث.
وأما الثالثة: فمحمد بن أبي حميد(2) وإن كان مدنيا، لكنه ضعيف - أيضا - وقد سبق الترمذي أبو حاتم إلى ما حكم به من تفرد تلك الطريق عن سهيل، فقال: فيما حكاه ابنه عنه في "العلل"(3):
"لا أعلم روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من طرق أبي هريرة - رضي الله عنه -.
قال: وأما رواية إسماعيل بن عياش، فما أدري ما هي؟، إنما روى عنه إسماعيل أحاديث يسيرة"(4).
فكأن أبا حاتم استبعد أن يكون إسماعيل حدث به، لأن هشام بن عمار تغير في آخر عمره، فلعله رأى أن هذا مما خلط فيه، ولكن أورد ابن أبي حاتم عى إطلاق أبيه طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة التي قدمناها، ثم اعتذر عنه بقوله: كأنه لم يصحح رواية عبد الرحمن بن أبي عمرو عن المقبري (5).
وهذا يدلك على انهم قد يطلقون النفي، ويقصدون به نفي الطرق الصحيحة، فلا ينبغي أن يورد على إطلاقهم مع/(ر123/أ) ذلك الطرق الضعيفة - والله الموفق -.
__________
(1) أورده السيوطي في جمع الجوامع 5/811 وعزاه للفريابي.
(2) محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري الزرقي أبو إبراهيم المدني لقبه حماد ضعيف من السابعة / ت ق. تقريب 2/156، الميزان 3/531.
(3) 2/195، 196
(4) 2/195،196.
(5) العلل 2/196، إلا أنه قال: لأنه لم يصحح رواية عبد الرحمن بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي هلال.(9/13)
وذكر الدارقطني هذا الحديث في "كتاب العلل"(1) وحكى/(ه137/ب) عن أحمد بن حنبل أنه قال: حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة وهم قال: والصحيح قول وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله قال أحمد : و أخشى أن يكون ابن جريج دلسه على(2) موسى بن عقبة أخذه عن بعض الضعفاء عنه . قال/(ي 231) الدارقطني: والقول قول أحمد.
وقال ابن أبي حاتم - في كتاب العلل(3): "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث ابن جريج (يعني هذا) فقالا (4): "هذا خطأ رواه وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله موقوفا وهذا أصح. قلت لأبي: فالوهم ممن هو؟
قال: يحتمل أن يكون من ابن جريج (ويحتمل أن يكون من سهيل قال: و أخشى أن يكون ابن جريج دلسه)(5) عن موسى بن عقبة أخذه من بعض الضعفاء".
وقال في موضع آخر(6): " ولم يذكر فيه ابن جريج الخبر فأخشى أن يكون أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى"(7).
[ إتفاق جماعة من الأئمة على وجود الوهم في هذه الرواية:]
قلت: فاتفق هؤلاء الأئمة على أن هذه الرواية وهم، ولكن لم يجزم احد مهم بوجه الوهم فيه، بل اتفقوا على تجويز أن يكون ابن جريج دلسه، وزاد أبو حاتم تجويز أن يكون الوهم فيه من سهيل.
فاما الخشية الاولى، فقد أمناها لوجودنا هذا الحديث من طرق عدة عن ابن جريج قد صرح فيها بالسماع من موسى.
[ الطرق التي صرح فيها ابن جريج بالتحديث :]
منها: ما تقدم (8) عن البخاري في مساق البيهقي، عن الحاكم.
__________
(1) 3/ ل 26/أ.
(2) في (ي) "عن".
(3) 2/195.
(4) في جميع النسخ "فقال" والتصويب من العلل لابن أبي حاتم.
(5) ما بين القوسين سقط من (ب).
(6) بل هو في نفس الموضع. العلل 2/195.
(7) إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني متروك من السابعة، مات سنة 184/ق. تقريب 1/42 ، وانظر ميزان الاعتدال 1/57-61.
(8) ص 724.(9/14)
ومنها: ما رويناه في "معجم أبي الحسين بن جميع"(1) قال: "ثنا جعفر بن محمد الهمداني ثنا هلال بن العلاء(2) ثنا حجاج بن محمد ثنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة".
وكذا رويناه في "أمالي الضب " من طريق الزعفراني(3): ثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني موسى.
وكذا أخرجه الحسين/(138/أ) بن الحسن المروزي في(4) زيادات البر و الصلة قال: أنا حجاج ب ص 276 بن محمد به/(ر123/ب).
وكذا رواه الطبراني، عن أحمد بن زياد الرقي، عن حجاج به أخرجه أبو نعيم في علوم الحديث عنه.
وقال الطحاوي(5): ثنا أبو بشر الرقي. ثنا حجاج بن محمد كذلك لكن المحفوظ عن حجاج ليس فيه الخبر كذا هو في رواية الجم الغفير عنه نعم رويناه في "فوائده سموية" قال: "ثنا سليمان بن داود - وهو الهاشمي - ثنا أبو صفوان: عبد الله بن سعيد ابن عبد الملك. ثنا ابن جريج حدثني موسى بن عقبة..." فذكره, وكذا رويناه في "فوائد الدسكري" من طريق أسد بن موسى، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج أخبرني موسى.
وروريناه في المعجم الأوسط من طريق/(ي 232) سفيان، عن ابن جريج أخبرني موسى".
__________
(1) هو محمد بن جميع الغساني (أبو الحسين) محدث مسند من آثاره المسند مات سنة 402. معجم المؤلفين 9/160.
(2) هلال بن العلاء أبو عمرو الباهلي الرقي الحافظ عن أبيه وحجاج الأعور والقعنبي، وعنه " س" والنجاد وخيثمة صدوق توفي سنة 280/س. الكاشف 3/228 التقريب 2/324 وقال من الحادية عشر.
(3) هو الحافظ الفقيه الكبير أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح البغدادي الزعفراني من درب الزعفران حدث عن سفيان بن عيينة و جماعة وتفقه بالشافعي. وقال النسائي ثقة: تذكرة الحفاظ 2/525 طبقات الشافعية للأسنوي 1/32 وقال: " من قرية يقال لها الزعفرانية، وبقرب بغداد" مات سنة 260هـ.
(4) في جميع النسخ فمن وفي هامش (ر) في فأثبتناه لأنه صواب
(5) شرح معاني الآثار 4/289.(9/15)
فزال ما خشيناه منن تدليس ابن جريج بهذه الروايات المتظافرة عنه بتصريحه بالسماع من موسى.
وبقي ما خشيه أبو حاتم من وهم سهيل فيه.
وذلك أن سهيلا كان قد أصابته علة نسي من أجلها بعض حديثه ولأجل هذا قال فيه أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به".
[ترجيح رواية وهيب على رواية موسى بن عقبة :]
فإذا اختلف عليه ثقتان في إسناد واحد أحدهما أعرف بحديثه وهو وهيب من الآخر - وهو موسى بن عقبة - قوي الظن بترجيح رواية وهيب، لاحتمال أن يكون عند تحديثه لموسى بن عقبة لم يستحضره كما ينبغي وسلك فيه الجادة فقال: عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -كما هي العادة في أكثر أحاديثه، ولهذا قال البخاري في تعليله "لا نعلم لموسى سماعا من سهيل".
(يعني) أنه إذا كان معروف/(138/ب) بالأخذ عنه ووقعت عنه رواية واحدة خالفه فيها من هو أعرف بحديثه و أكثر له ملازمة رجحت روايته على تلك الرواية/(ب ص277) المنفردة.
وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم (ر124/أ) وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد كالترمذي كما تقدم(1) وكأبي حاتم ابن حبان(2) فإنه أخرجه في صحيحه(3) وهو المعروف بالتساهل في باب النقد، ولا سيما كون الحديث المذكور في فضائل الاعمال - والله أعلم -.
وأما قول شيخنا (4): إنه ورد في حديث جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - فذكر منهم ثمانية وهم:
1- أبو برزة الأسلمي.
2-ورافع بن خديج.
3-والزبير بن العوام.
4-وعبد الله بن مسعود.
5-وعبد الله بن عمرو.
6-والسائب بن يزيد.
7-وأنس.
8-وعائشة - رضي الله عنها -
__________
(1) ص721.
(2) في (ب) وابن حبان وهو خطأ فالواو زائدة.
(3) 1/ل593.
(4) التقييد والإيضاح ص118 وقد ذكر تسعة من الصحابة هؤلاء الذين ذكرهم الحافظ عن شيخه والتاسع جبير بن مطعم.(9/16)
وأنه بين أحاديثهم في تخريج أحاديث الأحياء. فهو كما قال - رضي الله تعالى عنه -.
لكنه إنما بينهما في التخريج الكبير الذي مات عن أكثره وهو مسودة فقد لا يصل إلى الفائدة منه كل أحد فرأيت/(ي 233) عزوها إلى من خرجها على طريق الاختصار بزيادة كثيرة جدا في العزو إلى المخرجين.
1- أما حديث أبي برزة ورافع بن خديج - رضي الله عنهما -، فهما حديث واحد اختلف فيه على الراوي عنهما أخرجه الدارمي(1) وأبو داود(2) والنسائي(3) من طريق أبي هاشم الرماني(4)، عن أبي العالية (5)
__________
(1) 2/195 حديث 2661 عن أبي برزة فقط.
(2) 35- كتاب الأدب 32- باب كفارة المجلس حديث 4859 عن أبي برزة فقط.
(3) حديث رافع بن خديج ذكره المزي في تحفة الأشراف 3/142، وكذلك حديث أبي برزة ذكر النسائي أخرجه في اليوم والليلة.
(4) أبو هاشم الرماني - بضم الراء وتشديد الميم - الواسطي اسمه يحيى بن دينار وقيل ابن الأسود وقيل ابن نافع ثقة من السادسة مات سنة 122/ع. تقريب 2/482 الكاشف 3/385.
(5) هو رفيع - بالتصغير - ابن مهران الرياحي - بكسر الراء وبالتحتانية - ثقة كثير الإرسال من الثانية مات سنة 90 وقيل غير ذلك /ع.
تقريب 1/252 ، الكاشف 1/312.(9/17)
عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - ورجال/(139/أ) إسناده ثقات إلا انه اختلف فيه على أبي العالية - فرواه الطبراني(1) في الصغير والحاكم في المستدرك(2) من طريق مقاتل بن حيان عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - وعلى أبي العالية فيه اختلاف آخر، فقد ذكر أبو موسى المديني أن الربيع بن أنس(3) - رواه أيضا - عن أبي العالية، عن أبي بن كعب وعلى أبي العالية فيه اختلاف آخر، فقد رواه زياد بن الحصين (4) عن أبي العالية عن النبي - صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وذكر أبو موسى المديني أن جريرا رواه عن فضيل بن عمرو(5)، عن زياد بن حصين عن معاوية، كذا قال وكأنه تصحيف و إنما هو عن زياد بن حصين عن أبي العالية.
وكذا رويناه في فوائد ابن عمشليق من طريق أبي نعيم إلى زيادات البر والصلة للحسين بن الحسن المروزي عن مؤمل بن إسماعيل كلاهما عن سفيان الثوري عن منصور عن فضيل بن عمرو عن زياد عن أبي العالية مرسلا وذكر ابن أبي حاتم في "العلل"(6) عن أبيه و أبي زرعة أن المرسل أشبه - والله أعلم -.
[حديث الزبير:]
__________
(1) حديث رافع في مجمع الزوائد 10/141 وقال رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله ثقات. وهو في المعجم الكبير 4/342 حديث 4445 من مسند رافع بن خديج.
(2) 1/537 ولكنه قال عن مصعب بن حيان أخي مقاتل وكذا في العلل لابن أبي حاتم 2/118.
(3) الريبع بن أنس البكري أو الحنفي بصري نزل خراسان صدوق له أوهام رمى بالتشيع من الخامسة مات سنة 140 أو قبلها/4. تقريب 1/243 الكاشف 2/303.
(4) زياد بن الحصين بن قيس الحنظلي أو الرياحي أبو خزيمة البصري ثقة يرسل من الرابعة / م س ق. تقريب 1/267، تهذيب التهذيب 3/363.
(5) فضيل بن عمرو الفقيمي- بالفاء والقاف مصغرا- أبو النصر الكوفي ثقة من السادسة مات سنة 110/م قد ت س ق. تقريب 2/113 تهذيب التهذيب 8/293.
(6) 2/188.(9/18)
و أما حديث الزبير بن العوام- فرواه الطبراني في "الصغير"(1) في ترجمة محمد بن علي الطرائفي من طريق عبد العزيز بن صهيب(2) عن حبة(3) مولى الزبير (عن الزبير) (4) بن العوام قال: قلنا يا رسول الله إنا إذا قمنا من عندك أخذنا في أحاديث الجاهلية، فقال: - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جلستم تلك المجالس/(ي 234) التي تخافون فيها على أنفسكم فقولوا عند قيامكم: سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك يكفر عنكم ما أصبتم فيها".
قال الطبراني: "لا يروي عن الزبير (بن العوام)(5) إلا بهذا/(ه139/ب) الإسناد".
[حديث ابن مسعود:]
وأماحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ذكر الخطيب في "المؤتلف" من طريق الطبراني، وعن العتيقي، عن شيخ (شيخ)(6) الطبراني: وهو أبو الفضل الشيباني، وهو ضعيف.
وفي رواية العتيقي: فإنها كفارات الخطايا و القاذورات.
ورواه ابن عدي في الكامل(7) في ترجمة يحيى بن كثير صاحب البصري من روايته عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا "كفارة المجلس/(ب 279) أن يقول العبد(8) ..." فذكره.
__________
(1) 2/75-76 وقال بعد الكلام الذي حكاه الحافظ: " تفرد به محمد بن علي الطرائفي".
(2) عبد العزيز بن صهيب البناني- بموحدة ونونين - البصري ثقة من الرابعة مات سنة 130/ع. تقريب 1/510 والكاشف 2/199.
(3) هكذا في جميع النسخ بالحاء والباء والتاء في آخره وفي الطبراني "حبال" ولم أقف له على ترجمة بكلا الاسمين.
(4) ما بين القوسين سقط من "ب".
(5) ما بين القوسين سقط من "ب".
(6) كلمة شيخ سقطت من "ب".
(7) 3/ل2/13.
(8) وأخرجه الطبراني في الأوسط 1/67/أ) من طريق عمر بن يزيد الجرمي قال ثنا عبيد بن عمرو الحنفي عن عطاء بن السائب به.(9/19)
وهذا من جملة مناكير يحيى بم كثير المذكور وهو ضعيف(1) عندهم لكنه إنما تفرد برفعه فقد رواه ابن أبي الدنيا (2) في "كتاب الذكر" له قال: "ثنا خلف بن هشام ، ثنا خالد بن عبد الله(3) - هو الطحان - أحد الأثبات، عن عطاء بن السائب..." فذكره موقوفا.
وكذا أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في " زيادات البر والصلة" له عن سعيد بن سليمان عن خالد.
[حديث عبد الله بن عمرو:]
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فرواه الطبراني من طريق محمد بن جامع العطار(4) - وفيه مقال- عن حصين بن نمير(5) عن حصين بن عبد الرحمن (6)، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره.
وخالفه محمد بن فضيل، فرواه في "كتاب الدعاء" عن حصين بن عبد الرحمن موقوفا.
__________
(1) انظر ترجمته في التقريب 2/356 ميزان الاعتدال 4/403 الكامل لابن عدي 3/ل122/ب.
(2) هو الإمام الحافظ أبو بكر : عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي الأموي/ مولاهم البغدادي، محدث مشارك في أنواع من العلوم من تصانيفه الكثيرة: الفرج بعد الشدة والتهجد. مات سنة 281. تذكرة الحفاظ 2/677 معجم المؤلفين 6/131.
(3) خالد بن عبد الله بن يزيد الطحان الواسطي المزني، مولاهم ثقة ثبت من الثامنة مات سنة 182/ع. تقريب 1/215 تهذيب التهذيب 3/498.
(4) حصين بن نمير - بالنون مصغرا- الواسطي، أبو محصن الضرير، الكوفي الأصل، لا بأس به رمي بالنصب من الثامنة /خ د س ت. تقريب 1/184 الكاشف 1/238 وفيه ثقة.
(5) محمد بن جامع العطار البصري عن حماد بن زيد، وعنه أبو يعلى، وقال أبو حاتم: كتب عنه وهو ضعيف الحديث. ميزان الاعتدال 3/498.
(6) حصين بن عبد الرحمن، السلمي، أبو هذيل الكوفي، ثقة، تغير حفظه في الآخر من الخامسة مات سنة 136. تقريب 1/182 الكاشف 1/237.(9/20)
وكذا رواه خالد بن عبد الله الواسطي، وعبد الله بن إدريس الأودي(1) وغير واحد عن حصين موقوفا.
وله طريق(2) أخرى موقوفة من رواية سعيد المقبري/(ي235) تقدم ذكرها(3).
[حديث السائب:]
وأما حديث السائب هـ140/أ بن يزيد - رضي الله عنه - فرويناه (4) في "الآثار"(5) للطحاوي، ومعجم الطبراني الكبير(6)، و"فوائد سموية"(7) من حديث الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر قال بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، فذكر مثل حديث ابن جريج المبدأ بذكره.
قال يزيد بن الهاد: فحدثت بهذا الحديث يزيد بن ر 125/ب خفيصة (8) فقال: "هكذا حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجاله ثقات أثبات والسائب قد صح سمعاه من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالحديث صحيح، والعجب أن الحاكم لم يستدركه مع احتياجه إلى مثله وإخراجه لما هو دونه.
[حديث أنس:]
__________
(1) عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الاودي- بسكون الواو- أبو محمد الكوفي، ثقة، فقيه، عابد من الثامنة، مات سنة 192/ع. تقريب 1/401 تهذييب التهذيب 5/144.
هذا وفي كل النسخ "الازدي" بالزاي بدل الواو وهو خطأ والتصويب من تهذيب التهذيب ومن التقريب.
(2) في "هـ" و"ب" طرق بالجمع وهو خطأ.
(3) ص721.
(4) في "ب" فرواه وهو خطأ.
(5) شرح معاني الآثار 4/289.
(6) 4/ل78 مصور في مكتبة الصديق بمنى وجامع المسانيد لابن كثير 5/ل66/ب.
(7) هو الحافظ المتقن الطواف: إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي الأصبهاني أبو بشر، مات سنة 267. تذكرة الحفاظ 2/566.
(8) في (ب) "حفصة" وهو خطأ، وهو يزيد بن عبد الله بن خفيصة - بمعجمة ثم مهملة - ابن عبد الله بن يزيد الكندي، وقد ينسب لجده، ثقة من الخامسة/ ع. تقريب ( 2/267.(9/21)
وأما حديث أنس بن مالك -فرواه الطحاوي (1) والطبراني في "الأوسط(2)" وسمويه في "فوائده" كلهم من طريق عثمان بن مطر، عن ثابت البناني عنه نحو لفظ ابن مسعود - رضي الله عنه - وعثمان ضعيف(3).
وقال ابن أبي حاتم في العلل(4) عن أبيه: "هذا خطأ رواه حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي الصديق الناجي قوله".
وأخرجه الحسين بن الحسن المروزي في "زيادات البر والصلة" عن سعيد بن سليمان، عن فلان بن غياث (5)، حدثنا ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال: "جاء جبريل عليه السلام ، إلى النبي - صلى اله عليه وسلم - فقال: إن كفارات المجلس سبحانك اللهم و بحمدك أستغفرك و أتوب إليك".
[حديث عائشة:]
وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فأخرجه النسائي في "اليوم والليلة" من طريق خلاد بن سليمان الحضرمي(6) عن خالد بن أبي عمران(7) عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا/(ي236) ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات، فقلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تقول هذه الكلمات فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم من قال: خيرا كن طابعا له على ذلك الخير، ومن قال شرا كانت كفارة له سبحانك الله وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". إسناده صحيح(8) - أيضا -.
__________
(1) شرح معاني الآثار 4/289.
(2) مجمع البحرين 2/510 من طريق عثمان بن مطر، ومجمع الزوائد 10/141 وقال: رواه البزار والطبراني وفيه عثمان بن مطر وهو ضعيف.
(3) انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 3/53-54.
(4) 2/185.
(5) كذا في جميع النسخ ولم أقف له على ترجمة ولعله يريد حفص بن غياث.
(6) خلاد بن سليمان الحضرمي، أبو سليمان المصري، ثقة عابد من السابعة مات سنة 178/ت: تقريب 1/229 ، الكاشف 1/285.
(7) خالد بن أبي عمران التجيبي أبو عمرو قاضي إفريقية، فقيه صدوق من الخامسة، مات سنة 217/م د ت س. تقريب 1/217 الكاشف 1/272.
(8) الحق أن يقال: إن إسناده حسن.(9/22)
وله طريق أخرى عن عائشة - رضي الله عنها - أخرج الحاكم في الدعوات من المستدرك(1) من طريق يحيى بن بكير(2) عن الليث، عن ابن الهاد عن يحيى بن سعيد، عن زرارة بن أوفى(3) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". فقلت له: يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقولهن أحد يقوم من مجلسه (إلا غفر له)(4) ما كان منه في ذلك المجلس" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وروي عن عائشة - رضي الله عنها - بلفظ آخر أخرجه أبو أحمد(5) العسال في "كتاب الأبواب" من طريق عمرو بن قيس(6) عن أبي إسحاق عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من مجلسه قال: "سبحانك اللهم وبحمدك (لا إله إلا أنت)(7) أستغفرك وأتوب إليك" فقلت: يا رسول الله ! إن هذا لمن أحب الكلام إليك قال: - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأرجو أن لا يقولها عبد إذا قام من مجلسه إلا غفر له" وإسناده حسن.
__________
(1) 1/496-497.
(2) يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي، مولاهم المصري وقد ينسب إلى جده، ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك، من كبار العاشرة مات سنة 231. تقريب 2/351، الكاشف 3/260.
(3) زرارة بن أوفى العامري الحرشي - بمهملة ورا ء مفتوحتين ثم معجمة- أبو حاجب البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة مات سنة 93/ع. تقريب 1/259 الكاشف 1/321.
(4) ما بين القوسين سقط من (ر/أ).
(5) كلمة أبو من (ي) وفي باقي النسخ ابن أحمد.
(6) عمرو بن قيس الملائي - بضم الميم وتخفيف اللام والمد- أبو عبد الله الكوفي ثقة متقن عابد من السادسة ، مات سنة بضع وأربعين ومائة- بخ م4، تقريب 2/77 تهذيب التهذيب 8/92.
(7) الزيادة من (ر/أ).(9/23)
وروينا من وجه آخر عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن يحيى بن سعيد، عن زرارة أو ابن زرارة، عن عائشة - رضي الله عنها - وأخرجه الطحاوي(1)، عن محمد بن خزيمة وفهد(2) كلاهما عن عبد الله/(141/أ)بن صالح عن الليث عن يحيى بن سعيد، عن زرارة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس إلا قال... فذكره، فقلت له: يا رسول الله ما أكثر/(ي 237) ما تقول هؤلاء الكلمات ..." فذكره.
[ حديث جبير بن مطعم:]
وأما حديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - فرواه النسائي في " البوم و الليلة"(3) وابن أبي عاصم في "كتاب الدعاء" من طريق ابن عيينة عن ابن عجلان عن مسلم عن أبي حرة(4)، وداود بن قيس، عن نافع بن جبير(5)، عن أبيه(6)، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه سلم -: "من قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في غير مجلس ذكر كانت كفارة".
__________
(1) شرح معاني الآثار 4/290.
(2) هو فهد بن سليمان ثقة مات سنة 275هـ ، كشف الأستار لرشد الله السندي ص85 هذا وفي (هـ) "فهل" وفي (ب) "فهف"ر وذلك خطأ.
(3) انظر تحفة الأشراف 2/417 حيث عزاه المزي إلى النسائي في اليوم والليلة ولم يشر المزي إلى هذا الاختلاف في الوصل والإرسال.
(4) مسلم بن أبي حرة - بضم المهملة وتشديد الراء- المدني مقبول من الرابعة / س. تقريب 2/245.
(5) نافع بن جبير بن مطعم النوفلي، أبو محمد أو أبو عبد الله المدني ثقة فاضل من الثالثة مات سنة 99/ع. تقريب 2/295.
(6) هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي صحابي عارف بالأنساب مات سنة 59/ع. تقريب 1/126، الإصابة 1/227.(9/24)
رجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فقال ابن صاعد: تفرد به عبد الجبار بن العلاء(1)، عن ابن عيينة بقوله: عن نافع بن جبير، عن أبيه.
قلت: ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلان فلم يقل عن أبيه جعله عن نافع بن جبير مرسلا.
وأخرجه الحسين بن الحسن المروزي في "كتاب البر و الصلة" عن ابن عييينة وعلي بن غراب(2) كليهما(3) عن ابن عجلان عن مسلم بن أبي حرة، عن نافع بن جبير نحوه مرسلا.ورويناه في "فوائد علي بن حجر" (4)، عن إسماعيل بن جعفر، عن داود بن قيس، عن نافع بن جبير مرسلا - أيضا -.
لكن رواه الحاكم في "المستدرك"(5) والطبراني في "الكبير"(6) من طريق(7) أخرى عن داود بن قيس موصولا.
ووقع لأبي عمر بن عبد البر في هذا الحديث خطأ شديد، وتبعه عليه شيخنا في "محاسن الاصطلاح"(8)، فإنه قال - في حرف النون في الاستيعاب(9) :
"نافع بن صبرة فخرج حديثه، عن أهل المدينة مثل حديث أبي هريرة في كفارة المجلس".
__________
(1) عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار العطار البصري أبو بكر نزيل مكة، لا بأس به من صغار العاشرة مات سنة 248/م ت س. تقريب 1/466.
(2) علي بن غراب الفزاري مولاهم القاضي صدوق وكان يدلس ويتشيع من الثامنة مات سنة 184/ س ق. تقريب 2/42.
(3) في كل النسخ كلاهما.
(4) هو الحافظ الكبير أبو الحسن السعدي المروزي رحال جوال سمع شريكا وابن المبارك وإسماعيل بن جعفر وجماعة، وعنه الجماعة سوى أبي داود وابن ماجه توفي سنة 244. تذكرة الحفاظ 2/450 تقريب التهذيب 2/23. تذكرة الحفاظ 2/450 تقريب التهذيب 2/23.
(5) 1/537.
(6) 1/ل 107/ب وانظر مجمع الزوائد 10/142.
(7) من (ر/أ) وفي باقي النسخ "من طرق" بالجمع وهو خطأ.
(8) ص 199 بهامش مقدمة ابن الصلاح والأمر كما قال الحافظ.
(9) 3/511 بهامش الإصابة والأمر كما قال الحافظ فإن ابن عبد البر قال: "نافع بن صبرة".(9/25)
هذا كلامه، والذي أوقعه في هذا الخطأ التصحيف، فإنه صحف جبير صبرة وهي زيادة الهاء كانت علامة الإهمال على الراء.
ونقل شيخنا كلامه من الاستيعاب مقلدا/(ر127/أ) له فيه ولم ينقده، - والله سبحانه وتعالى الموفق -.
فهذا/(ي 238) تخريج الطرق التي ذكرها شيخنا.
[حديث أبي بن كعب و معاوية:]
ووقع لي في الباب أحاديث لم يذكرها شيخنا منها:
(1)، (2) حديث أبي بن كعب ومعاوية كما تقدم(1) في تضاعيف الكلام على طريق أبي برزة - رضي الله عنه -.
[حديث ابن عمر:]
3- ومنها: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أخرجه الحاكم في الدعوات من "المستدرك"(2) من طريق الليث بن سعد عن خالد بن أبي عمران، عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:
إنه لم يكن (يجلس)(3) مجلسا إلا قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت..." الحديث.
وفيه: "وبارك لي في سمعي وبصري..." إلى قوله: "ولا تسلط علي من لا يرحمني" وفيه: فسئل ابن عمر - رضي الله عنهما - عنهن فقال: "(كان)(4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختم بهن مجلسه".
[حديث أبي أمامة: ]
4- ومنها: حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - وقد رواه أبي يعلى في "مسنده" وابن السني(5)، في "اليوم و الليلة"(6) من طريق جعفر بن الزبير(7)، عن القاسم عنه مرفوعا: "ما جلس قوم في مجلس فخاضوا في حديث فاستغفروا الله عز وجل قبل أن يتفرقوا إلا غفر لهم ما كانوا فيه".
وجعفر بن الزبير المذكور متروك الحديث - والله سبحانه وتعالى أعلم -.
[حديث أبي سعيد: ]
__________
(1) انظر ص728.
(2) 1/528.
(3) كلمة يجلس سقطت من "ب".
(4) كلمة "كان" ليست في (ه) و(ب).
(5) هو الحافظ الإمام الثقة أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط الدينوري مولى جعفر بن أبي طالب الهاشمي ويعرف بابن السنى صاحب "كتاب عمل اليوم والليلة " سمع النسائي وغيره، ومات سنة 364. تذكرة الحفاظ 3/939 شذرات الذهب 3/47.
(6) ص 171.
(7) انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 1/406.(9/26)
5- ومنها: حديث أبي سعيد الخدري - رضي/(142/أ) الله تعالى عنه - رويناه في "كتاب الذكر" لجعفر الفريابي(1) قال: ثنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد ثنا شعبة ثنا أبو هاشم عن أبي مجلز(2)، عن قيس بن عباد (3)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -قال: " من قال في مجلسه: سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ختمت (بخاتم)(4) فلم تكسر إلى يوم القيامة". إسناده صحيح وهو موقوف، لكن له حكم ر127/ب المرفوع، لأن مثله لا يقال بالرأي.
[حديث علي:]
6- ومنها/ي 239): حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - رواه أبو علي ابن الأشعث في "كتاب السنن" بإسناده المشهور عن أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم وهو ضعيف.
[حديث رجل من الصحابة:]
__________
(1) هو: العلامة الحافظ أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن التركي صاحب التصانيف قال الخطيب: كان ثقة حجة. مات سنة 301. تذكرة الحفاظ 2/692.
(2) هو لاحق بن حميد بن سعيد الدوسي البصري أبو مجلز- بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي- مشهور بكنيته ثقة من كبار الثالثة مات سنة 106 وقيل 109/ع. تقريب 2/240 تهذيب التهذيب 11/171.
(3) قيس بن عباد - بضم المهملة وتخفيف الموحدة- الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الله البصري ثقة من الثانية مخضرم، مات بعد الثمانين ووهم من عده في الصحابة/خ م د س ق. تقريب 2/129، الكاشف 2/405.
(4) في (ر/أ) "بختام".(9/27)
7- ومنها: حديث رجل من الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسم رويناه في "فوائد ابن خرشيد"(1) قوله من طريق أبي الأحوص(2) عن أبي (فروة، عن عرو)(3) بن الحارث الهمداني، عن أبي معشر - وهو زياد بن كليب (4)- قال:
حدثنا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس مجلسا، فلما أراد أن يقوم قال: "سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك". فقال رجل من القوم: ما هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كلمات علمنيهن جبريل، كفارات لما في المجلس" إسناد صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في سننه عن أبي الأحوص وقال الفريابي: ثنا سفيان (عن أب (5) إسحاق)، عن أبي الأحوص أنه كان إذا أراد أن يقوم قال: "سبحان الله و بحمده".
[حديث أبي أيوب:]
__________
(1) في هامش (هـ) و(ب) "خورشيد" - بضم المعجمة وإدغام الواو نطقا لا خطاً وفتح الشين وإسكان التحتنية بعدها مهملة - بالفارسي بمعنى الشمس - والله أعلم، انتهى من الأم".
(2) لعله: محمد بن حيان البغوي نزيل بغداد مات سنة 227. تهذيب التهذيب 9/136.
(3) كذا في جميع النسخ عن عروة وفي (ر) يبدو أنه ضرب على كلمة عن و الظاهر أن المراد "أبو فروة عروة بن الحارث الهمداني وكلمة عن سبق قلم من النساخ وأبو وفرة هذا ثقة" انظر تهذيب التهذيب 7/178.
(4) زياد بن كليب الحنظلي، أبو معشر الكوفي، ثقة من السادسة مات سنة 119. تقريب 1/270 الكاشف 1/334.
(5) في كل النسخ "سفيان بن أبي إسحاق" والصواب ما أثبتناه.(9/28)
8- ومنها: حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - رويناه في الذكر - أيضا- لجعفر قال: ثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري ثنا ابن أبي مريم(1)، ثنا ابن لهيعة/(142/ب) أخبرني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره، عن أبي رهم(2) أنه سمع أبا أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - يقول: "إنه ليس من أهل مجلس يذكرون فيه من اللغو و الباطل حتى يلتزم بعضهم بعضا بالرؤوس، ثم يقومون، فيقولون: نستغفر الله و نتوب إليه إلا غفر الله لهم ما أحدثوه في المجلس". وابن لهيعة ضعيف يقوي حديثه بالشواهد.
وفي الإسناد ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض أولهم يزيد بن أبي حبيب.
وروى/(ر128/أ)(3) الفريابي في "كتاب الذكر" عن قتيبة، عن خلف بن خليفة(4) عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: كفارة المجلس أن تقول حين تقوم: "سبحان الله وبحمده، أشهد أن لا إله الله أستغفره و أتوب إليه".
__________
(1) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء أبو محمد المصري، ثقة ثبت فقيه من كبار العاشرة مات سنة 224/ع. تقريب 1/293.
(2) هو: أحزاب بن أسيد بفتح أوله على المشهور يكنى أبا رهم - بضم الراء السمعي بفتح المهملة والميم - مختلف في صحبته والصحيح أنه مخضرم ثقة /د س ق.
تقريب 1/49 تهذيب التهذيب 1/190.
(3) في (هـ) "وأورد".
(4) خلف بن خليفة بن صاعد، الأشجعي، مولاهم، أبو أحمد الكوفي نزل واسط ثم بغداد، صدوق، اختلط في الآخر، مات سنة 181/بخ م4. تقريب 1/225، الكاشف 1/281.(9/29)
ورويناه في " الكنى"(1) لأبي بشر الدولابي قال: حدثني عبد الصمد بن عبد الوهاب(2) ثنا يحيى بن صالح(3) ثنا/(ي240) عبيد الله بن عمرو(4) عن عبد الكريم - وهو الجزري(5) - أي عن يزيد الفقير(6) قال:
إن جبريل عليه السلام علم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في مجلس وأراد أن يقوم أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك اللهم و أتوب إليك".
هذا مرسل صحيح الإسناد إلى يزيد الفقير- وهو تابعي مشهور.
وفي الكنى للنسائي والمرزبان من طريق معمر سمعت الحكم بن أبان حدثني جعفر أبو سلمة قال: "جاء الروح الأمين - عليه الصلاة والسلام - فقال: يا محمد! ألا أخبرك بكفارة المجلس إذا قمت تقول:/(ه143/أ) سبحانك اللهم وبحمدك صلى على محمد عبدك ورسولك اللهم اغفر لنا".
__________
(1) 2/28 الطبعة الأولى دائرة المعارف النظامية الهند حيدر آباد سنة 1322هـ.
(2) عبد الصمد بن عبد الوهاب الحضرمي أبو بكر ويقال أبو محمد النصري بالنون الحمصي صدوق من الحادية عشرة /س. تقريب 1/507.
(3) يحيى بن صالح الوحاظي- بضم الواو وتخفيف المهملة ثم المعجمة - الحمصي، صدوق من أهل الرأي من صغار التاسعة مات سنة 222 وقد جاوز التسعين / خ م د ت ق. تقريب التهذيب 2/349 تهذيب التهذيب 11/229.
(4) عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي أبو وهب الأسدي، ثقة فقيه ربما وهم من الثالثة والصواب الثامنة/ع. تقريب 1/537، تهذيب التهذيب 7/42.
(5) عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد، مولى بني أمية وهو الخضري- بالخاء والضاد المعجمتين- نسبة إلى قرية من اليمامة ثقة من السادسة مات سنة 127. تقريب 1/516، الكاشف 2/206.
(6) يزيد بن صهيب الكوفي أبو عثمان، المعروف بالفقير- بفتح الفاء بعدها قاف- وقيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره ثقة من الرابعة / خ م د س ق. تقريب 2/366 الكاشف 3/280.(9/30)
وأخرج الحسين بن الحسن المروزي(1) في "زيادات البر والصلة" عن الهيثم بن جميل(2) عن حسام بن مصك(3) عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "حق المجلس إكراما أن تستغفر الله تعالى وتسبحه وتحمده".
وعن الفضل بن موسى(4) ثنا طلحة بن عمرو(5)، عن عطاء في قوله تعالى : {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}(6) .
قال: "من كل مجلس إن كنت أحسنت ازددت خيرا وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له".
وعن مؤمل(7)
__________
(1) الحسين بن الحسن أبو عبد الله المروزي نزيل مكة صدوق من العاشرة، مات سنة 246/ت ق. تقريب 1/175 الكاشف 1/230.
(2) الهيثم بن جميل- بفتح الجيم - البغدادي أبو سهل نزيل انطاكية من أصحاب الحديث وكأنه ترك فتغير من صغار التاسعة مات سنة 113. تقريب 2/326، تهذيب التهذيب 11/90.
(3) حسام بن مصك - بكسر الميم وفتح المهملة بعدها كاف مثلثة الأزدي أبو سهل البصري ضعيف يكاد أن يترك من السابعة / 4 تم تقريب 1/161، تهذيب التهذيب 2/244 وفي كل النشخ "ابن مصل" - بالصاد واللام - وهو خطأ.
(4) الفضل بن موسى السيناني - بمهملة مكسورة ونونين - أبو عبد الله المروزي، ثقة ثبت وربما أغرب من كبار التاسعة، مات سنة 192/ع.
تقريب 2/112 تهذيب التهذيب 7/286.
(5) طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي متروك من السابعة مات سنة 152/ق، تقريب 1/379 تهذيب التهذيب 5/23.
(6) من الآية 48 من سورة الطور ثم إنه في جميع النسخ فسبح بالفاء وهو خطأ.
(7) مؤمل- بوزن محمد بهمزة- بن إسماعيل البصري أبو عبد الرحمن نزيل مكة صدوق سيء الحفظ من صغار التاسعة مات سنة 206/خت قد ت س ق.
تقريب 2/290 الكاشف 3/191.(9/31)
، (عن سفيان)، عن حبيب بن أبي ثابت(1) عن يحيى بن جعدة(2) قال: "من قال في مجلس سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك [غفر له](3) أو كلمة نحو هذه".
وهذا أخرجه الفريابي/(ر128/ب) في تفسيره (عن سفيان)(4) عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة/(ب286) "من قال في مجلسه: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، غفر له ما أحدث في مجلسه".
وقال أبو نعيم [في ترجمة](5) حسان بن عطية من الحلية(6):
"ثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن أبي داود. ثنا محمود بن خالد(7). ثنا عمر بن عبد الواحد(8) عن الأوزاعي ثني(9) حسان قال: ما جلس(10) قوم مجلس لغو فختموا باستغفار إلا كتب مجلسهم ذلك استغفار كله".
رجاله ثقات.
هذا آخر طرق حديث كفارة المجلس على طريق الاختصار أوردتها هنا (تبركا بها)(11).
وأما قول شيخنا: "أنا أتهم بها/(ي241) أحمد بن حمدون القصار" ففي إطلاق التهمة عليه نظر، فإنه من كبار الحفاظ.
__________
(1) حبيب بن أبي ثابت: قيس ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس من الثالثة مات سنة 119/ع. تقريب 1/148 الكاشف 1/201.
(2) يحيى بن جعدة بن هبيرة المخزومي ثقة وقد أرسل عن ابن مسعود ونحوه من الثالثة/ د تم س ق. تقريب 2/344 الكاشف 3/251.
(3) الزيادة من (ي).
(4) ما بين القوسين من (ب).
(5) الزيادة من (ي) وقد سقطت من جميع النسخ.
(6) 6/73.
(7) محمود بن خالد السلمي، أبو علي الدمشقي، ثقة من صغار العاشرة مات سنة 247/د س ق. تقريب 2/232، تهذيب التهذيب 10/61.
(8) عمر بن عبد الواحد بن قيس السلمي، الدمشقي ثقة من التاسعة مات سنة 200 وقيل بعدها. تقريب 2/60 الكاشف 2/317.
(9) من (ر) وفي (هـ) و(ب) "ثنا" وقد ضرب على ثنا في (ر) وكتب بدلها ثنى وكتب فوقها كلمة صح.
(10) في (هـ) "ما مجلس" وهو خطأ.
(11) في (ب) "بين كلمتها" وهو خطأ.(9/32)
وهو أبو حامد: أحمد بن حمدون بن أحمد بن رستم النيسابوري الأعمشي، وإنما قيل له الأعمشي لأنه كان يعتني بجمع حديث الأعمش وحفظه وكان يلقب أبا تراب فاجتمع له لقبان في كنيته وفي نسبته ذكره الحاكم في "التأريخ" وقال:
كان من الحفاظ سمع بنيسابور(1) وبمرو(2) وهراة(3) وجرجان(4) والري(5) /(143/ب) وبغداد والكوفة والبصرة قال:
"وكان مزاحا، سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يقول: حدثنا أحمد بن حمدون إن حلت الرواية عنه".
فقلت له يوما: هذا الذي تذكره في أبي تراب من جهة المجون الذي كان فيه أو لشيء أنكرته منه في الحديث؟ قال: في الحديث، فقلت له : ما الذي أنكرت عليه؟ فذكر أحاديث حدث بها غير معروفة. فقلت له: أبو تراب مظلوم في كل ما ذكرته. ثم لقيت أبا الحسين الحجاجي(6)، فحدثته بمجلسي مع أبي علي فقال: القول ما قلته. قال الحاكم: فأما أنا، فقد تأملت أجزاء كثيرة بخطه كتبها لمشايخنا فلم أجد فيه حديثا يكون الحمل فيه عليه، و أحاديثه كلها مستقيمة، سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: حضرت مجلس أبي/(ب 287) بكر ابن خزيمة إذ دخل أبو تراب الأعمشي فقال له أبو بكر: "يا أبا حامد! كم روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد؟" فأخذ أبو تراب يذكر الترجمة حتى فرغ منها و أبو بكر يتعجب من مذاكرته(7).
__________
(1) اسم مدينة بخراسان
(2) اسم مدينة بخراسان
(3) اسم مدينة بخراسان
(4) اسم مدينة بخراسان
(5) اسم مدينة بخراسان
(6) هو الحافظ أبو الحسين: محمد بن يعقوب بن إسماعيل النيسابوري المقرئ العبد الصالح سمع ابن جرير الطبري وابن خزيمة و أقرانهما، وروى عنه ابن مندة والحاكم و البرقاني، من مؤلفاته العلل في نيف وثمانين جزءا مات سنة 368. تذكرة الحفاظ 3/944.
(7) انظر ترجمة أحمد بن حمدون وهاتين القصتين في تذكرة الحفاظ 3/805-806.(9/33)
ثم ساق له الحاكم عدة حكايات مما كان يمزح فيها، ثم قال: "وإنما ذكرت هذه الحكايات لتعلم أن الذي أنكر عليه إنما هو المجون (1) فأما الانحراف عن رسم أهل الصدق فلا".
قال: وقرأت بخط/(ي 242) أبي الفضل الهاشمي: "مات أبو تراب الأعمشي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة".
قلت: فإذا كان هذا حال هذا الرجل، فلا ينبغي إطلاق التهمة عليه أصلا، حتى ولو قلدنا أبا علي الحافظ فيه، فإنما أشار إلى أنه أنكر عليه أحاديث وهم فيها، فراجعه الحاكم بأنها لو كانت وهما ما عاود(2) روايتها(3) مرارا مع تيقظه و ضبطه/(ه144/أ) فوضح أنه لم يتهم بكذب أصلا و رأسا - والله أعلم -.
وفي الجملة اللفظة المنكرة في الحكاية عن البخاري هي أنه قال: "لا أعلم في الباب غير هذا الحديث" وهي من الحاكم في حال كتابته في علوم الحديث كما قدمناه (في كتب أحد عشرة فيها)(4) وقد بينا أن الصواب أن البخاري إنما قال: " لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث وهو كلام مستقيم" - والله أعلم -.
110- قوله (ص): "وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل(5) ...." إلى آخره.
__________
(1) يريد به المزح.
(2) في (ب) "ما قاد".
(3) في (هـ) رواتها.
(4) ما بين القوسين هكذا في كل النسخ.
(5) مقدمة ابن الصلاح ص82 وبقية كلامه: " مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول".(9/34)
أقول: ليس هذا من قبيل المعلول على اصطلاحه- و إن كانت علة في الجملة- إذ المعلول على اصطلاحه مقيد بالخفاء و الإرسال أو الانقطاع /(ب ص 288) ليست علتها بخفية(1).
وقد أفرط بعض المتأخرين ر 129/ب فجعل الانقطاع قيدا في تعريف المعلول فقرأت في " المقتع "(2) للشيخ سراج الدين ابن الملقن قال: ذكر ابن حبيش(3) في كتاب علوم الحديث أن المعلول: أن يروي عمن لم يجتمع به كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه أو تختلف جهتهما كأن يروي الخراساني مثلا عن المغربي ولا ينقل أن أحدهما رحل عن بلده.
قلت: وهو تعريف ظاهر الفساد، لأن هذا لا خفاء فيه وهو(4) بتعريف مدرك السقوط في الإسناد أولى - والله أعلم -.
__________
(1) الذي يظهر أن اعتراض الحافظ على ابن الصلاح غير سليم وذلك أن ابن الصلاح قال بعد كلامه السابق "ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه، قال الخطيب أبو بكر: السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان والضبط. وروى عن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه، فحكاية ابن الصلاح لهذا الكلام إنما هو لبيان المسالك التي يتبعها علماء الحديث لاكتشاف العلل التي لا تظهر وتبين إلا بعد جمع الطرق والنظر في اختلاف الرواة، ولا يكون ذلك إلا فيما اعتراه الغموض والخفاء فابن الصلاح في نظري لم يخالف اصطلاحه.
(2) ل 42-43 مصور بدار الكتب المصرية تحت رقم 399.
(3) من (ر) بالخاء المعجمة والباء الموحدة ثم الياء المثناة فشين معجمة، وفي (هـ) و(ب) حبيش بالحاء المهلملة ثم الباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ثم الشين، ولم أقف على ترجمة بهذا اللفظ أو ذاك.
(4) في (ب) (وهذا".(9/35)
ثم إن تعليلهم الموصول بالمرسل أو المنقطع والمرفوع بالموقوف أو المقطوع ليس على إطلاقه، بل ذلك دائر على غلبة الظن بترجيح أحدهما على الآخر بالقرائن التي تحفه. كما قررناه قبل - والله الموفق -.
111- قوله ي 243: "ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن..."(1) إلى آخره.
قلت: إذا/(144/ب) وقعت العلة في الإسناد قد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت، فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن. وكذا القول في المتن سواء.
[ الأقسام التي تقع فيها العلة:]
فالأقسام على هذا ستة:
1- فمثال ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقا: ما يوجد(2) مثلا من حديث مدلس بالعنعنة، فإن ذلك علة توجب التوقف عن(3) قبوله فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح بالسماع تبين أن العلة غير قادحة.
وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته(4)، فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه، فإن أمكن الجمع بينهما (5) على طريق أهل الحديث بالقرائن التي تحف الإسناد تبين أن تلك ب289 العلة غير قادحة.
[مثال العلة القادحة في الإسناد:]
2- ومثال ما وقعت العلة فيه في الإسناد وتقدح فيه دون المتن ما مثل به المصنف من إبدال (6)/(ر130/أ) روا ثقة بروا ثقة المقلوب أليق فإن أبدل راو ضعيف براو ثقة وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن- أيضا- إن لم يكن له طريق أخرى صحيحة.
ومن أغمض ذلك أن يكون الضعيف موافقا للثقة في نعته.
ومثال ذلك ما وقع لأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي(7)
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص82.
(2) في (ب) و(ر/ب) "يؤخذ".
(3) في جميع النسخ على فأثبتنا ما نرى أنه الصواب ثم وجدت في (ي)كلمة عن.
(4) في (ر) "روايته" وهو خطأ.
(5) في (ب) "بينهما".
(6) كلمة "إبدال" سقطت من (ب).
(7) حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أبو أسامة، مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس، وكان بآخره يحدث من كتب غيره، من كبار التاسعة، مات سنة 201/ع.
تقريب 1/195) الكاشف 1/250.(9/36)
أحد الثقات، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر(1) - وهو من ثقات الشاميين قدم الكوفة فكتب
عنه(2) أهلها ولم يسمع منه أبو أسامة، ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم (3)وهو من ضعفاء الشاميين فسمع منه أبو أسامة وسأله عن اسمه فقال: عبد الرحمن بن يزيد، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر، فصار يحدث عنه وينسبه من/(ه145/أ) قبل نفسه، فيقول: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة، عن ابن جابر وهما ثقتان فلم يفطن لذلك إلا أهل النقد، فميزوا ذلك ونصوا عليه كالبخاري و أبي حاتم وغير واحد.
[ العلة قد تكون في المتن وهي غير قادحة:]
3- ومثال/(ي 244) ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ولا تقدح فيهما ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين إذا أمكن رد الجميع إلى معنى واحد، فإن القدح ينتفي عنها. وسنزيد ذلك إيضاحا في النوع الآتي إن شاء الله تعالى.
4- ومثال ما وقعت العلة فيه المتن واستلزمت القدح في الإسناد: ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه يكون(4) خطأ والمراد بلفظ الحديث غير ذلك، فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي، فيعلل الإسناد.
__________
(1) عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي الداراني ثقة من السابعة، مات سنة بضع وخمسين ومائة/ع.
تقريب 1/502، الكاشف 2/191.
(2) من (ي) وفي باقي النسخ "منه".
(3) عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، السلمي الدمشقي ضعيف ما له في النسائي سوى حديث واحد من السابعة /س ق.
تقريب 1/502 الكاشف 2/190.
(4) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب ويكون.(9/37)
5- ومثال ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ما ذكره المصنف من (أحد الألفاظ)(1) الواردة في حديث أنس- رضي الله عنه - وهي قوله: "لا يذكرون/(ي130) بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" فإن أصل الحديث في الصحيحين، فلفظ البخاري(2) "كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين".
ولفظ مسلم(3) في روايته له نفى الجهر وفي رواية أخرى نفى القراءة(4) وقد تكلم شيخنا على هذا الموضع بما لا مزيد في الحسن عليه، إلا أن فيه مواضع تحتاج إلى التنبيه عليها(5).
48- (أ) فمنها: قوله (ع): "إن ترك قراءة البسملة في حديث أنس- رضي الله عنه - ورد من ثلاث طرق وهي(6):
1-رواية حميد.
2-ورواية قتادة(7).
3-ورواية إسحاق ن أبي طلحة"(8).
__________
(1) في (هـ) و (ي) "أخذ" بالخاء والذال المعجمتين ثم في النسخ كلها ألفاظ بالتنكير والتصويب من توضيح الأفكار.
(2) 10- كتاب الأذان 89-باب ما يقول بعد التكبير حديث 743 من طريق قتادة عن أنس د2- كتاب الصلاة 124- باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حديث 782، ت - أبواب الصلاة 181- باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حديث 245، جه 5 - كتاب الإقامة 4- باب افتتاح القراءة حديث 813. د ي 1/226 حديث 1243، حم 3/101، 111، 114، 183 كلهم من طريق قتادة عن أنس.
(3) 5- كتاب الصلاة 13- باب حجة من قال : لا يجهر بالبسملة حديث 50، ن 2/104، حم 3/203، 223، 255.
(4) نقل الصنعاني كلام الحافظ من قوله : إذا وقعت العلة في الإسناد فقد تقدح إلى هنا. توضيح الأفكار 2/31-33.
(5) لم يذكر المصنف القسم السادس.
(6) في كل النسخ "وهو" الصواب ما أثبتناه.
(7) رواية قتادة رواها الخطيب في تأريخ بغداد 8/163، 7/334 ،335، 5/234، 11/71 بلفظ: كلهم يستفتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، 2/335 بلفظ كانوا يستفتحون الخ.
(8) التقييد والإيضاح ص120.(9/38)
قد توهم منه أن باقي الروايات عن أنس - رضي الله عنه - ليس فيها تعرض لتركها وليس كذلك بل قد جاء ترك الجهر بها أيضا:
1- من رواية ثابت البناني.
2- والحسن بن أبي الحسن البصري.
3- ومنصور بن زاذان.
4- وأبي نعامة قيس بن عباية.
5- وأبي قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي.
6- وثمامة بن عبد الله بن أنس. - رحمة الله تعالى عليهم -.
1- أما حديث ثابت - فرواه أحمد بن حنبل(1) وابن خزيمة في صحيحه(2) والطحاوي(3) من طريق الأعمش عن شعبة عنه لفظ ي 245 "صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فلم يجهروا بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
2- وأما حديث الحسن البصري- فرواه ابن خزيمة في صحيحه(4) والطبراني(5) والطحاوي(6) /(ه145/ب) بلفظ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانوا يسرون بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم).
وأخرجه الطبراني والخطيب من وجه آخر، عن الحسن بلفظ نفي الجهر.
3- وأما حديث منصور بن زاذان - فرواه النسائي(7) بلفظ:
"صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم/(ر131/أ) يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم" بوب عليها النسائي باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
__________
(1) المسند 3/203 بلفظ كانوا يستفتحون القراءة بالحمد رب العالمين.
(2) 1/250 بهذا اللفظ الذي ذكره الحافظ.
(3) شرح معاني الآثار 1/203.
(4) 1/250 بلفظ: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
(5) 1/228 حديث 739 وهو في مجمع الزوائد 2/108 وقال الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون.
(6) شرح معاني الآثار 1/203 بلفظ ابن خزيمة.
(7) 2/104 وإسناده صحيح غير أن منصور بن زاذان قد قيل فيه أنه أرسل عن أنس.(9/39)
5،4- وأما حديث أبي قلابة وأبي نعامة(1) - فروى ابن حبان في صحيحه من طريق هارون بن عبد الله الحمال(2)، عن يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم".
وذكر الخلال في العل أن مهنا بن يحيى(3) سأل أحمد عنه فقال: هو وهم. حدثني يحيى بن آدم (يعني بهذا الإسناد) فقال: عن أبي نعامة (قيس)(4) بن عباية، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بدل أبي قلابة.
قال: "وكذا هو في كتاب الأشجعي عن سفيان".
قال: وكذلك بلغني عن العدني، عن سفيان.
قلت: ورواية العدني أخرجها البيهقي(5) من طريقه.
وكذا قال علي بن المديني في "العلل": إن يحيى بن آدم حدثه به على الوهم ولم يخرجه احمد في مسنده من هذا الوجه. ...
وهو في معجم الطبراني من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان على الصواب, وكذا أخرجه البيهقي(6) من طريق/(ي246) الحسين بن حفص عن سفيان بنفي الجهر. وقال: أبو نعامة وثقه يحيى بن معين ولم يخرج له الشيخان.
ثم فيه اختلاف آخر على أبي نعامة رواه عثمان بن غياث وسعيد بن أياس عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه (7).
__________
(1) هو قيس بن عباية - بفتح أوله وتخفيف الموحدة ثم التحتانية - ثقة من الثالثة مات بعد عشر ومائة. تقريب 2/129 الكاشف 2/405.
(2) هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، أبو موسى الحمال - بالمهلمة - البزاز ثقة من العاشرة، مات سنة 243/م4. تقريب 2/312 تذكرة الحفاظ 2/478.
(3) مهنا بن يحيى الشامي السلمي أبو عبد الله حدث عن بقية وأحمد ويزيد بن هارون و غيرهم وروى عنه عبد الله بن أحمد وغيره. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/345.
(4) في كل النسخ عن قيس وهو خطأ، فإن قيسا اسم أبي نعامة لا اسم شيخه.
(5) السنن الكبرى 2/52.
(6) السنن الكبرى 2/52.
(7) ن 2/104 السنن الكبرى للبيهقي 2/52.(9/40)
ولا يمتنع أن يكون لأبي نعامة فيه/(ه146/أ) شيخان.
6- وأما حديث ثمامة فرواه الخطيب في كتاب الجهر بالبسملة نحو حديث ثابت.
فهذه الروايات متضافرة على عدم الجهر بالبسملة وسنزيد ذلك إيضاحا بعد قليل- إن شاء الله -.
[شرط الحكم بالاضطراب:]
49- (ب) ومنها قوله (ع): "إن ابن عبد البر قال(1): إن حديث أنس/(ب ص 292) - رضي الله عنه - مضطرب المتن". وتقريره لذلك.
وليس بجيد، لأن الاضطراب شرطه تساوي وجوهه ولم يتهيأ الجمع بين مختلفها كما سيأتي.
وأما مع إمكان الجمع بين ما اختلف من الروايات ولو تساوت وجوهها فلا يستلزم اضطرابا، وهذا في هذا الحديث موجود؛ لأن الجمع بين الروايات الثابتة منه ممكن.
فقوله(2): "منهم من يذكر عثمان - رضي الله عنه - ومنهم من لا يذكر " ليس بقادح.
وقوله (3): "وقال بعضهم: كانوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم"
وقال بعضهم(4): "كانوا يجهرون" لم يثبت واحدة من هاتين الروايتين.
وقد استوعب الخطيب طرق حديث أنس - رضي الله عنه - وأورد هذين اللفظين من أوجه واهية أو منقطعة، وقد بين شيخنا بعض ذلك فيما أملاه على مستدرك الحاكم فلم يبق من الألفاظ التي ذكر أبو عمر أنها متخالفة إلا ثلاثة ألفاظ وهي:
1-نفي الجهر بها.
2-أو نفي قراءتها.
3-أو الاقتصار على الافتتاح بالحمد لله رب العالمين.
والجمع بين هذه الألفاظ ممكن بالحمل على عدم الجهر، كما سنذكره - إن شاء الله - بعد قليل.
50- (ج) ومنها قوله (ع)(5): "إن رواية الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي التي أخرجها مسلم معلومة لأن الوليد/(ي 247) يدلس تدليس التسوية".
__________
(1) التقييد والإيضاح ص 120 ونسبه العراقي إلى كتاب الاستذكار لابن عبد البر.
(2) التقييد والإيضاح ص 120.
(3) التقييد والإيضاح ص 120.
(4) التقييد و الإيضاح ص 120.
(5) التقييد و الإيضاح ص 121(9/41)
أقول: لا يتجه تعليله بتدليس الوليد، لأنه صرح بسماعه من الأوزاعي (وصرح بأن الأوزاعي)(1) ما سمعه من قتادة وإنما/(ر132/أ) كتب إليه قتادة فقد سمعه من أنس - رضي الله عنه - كما رويناه في " كتاب القراءة خلف الإمام"(2) للبخاري قال: ثنا محمد بن يوسف - هو الفريابي(3) - ثنا الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة قال: حدثني أنس/(ب 293) - رضي الله عنه - وكذا رويناه في "السنن الكبير"(4) للبيهقي من طريق العباس بن/(ه146/ب) الوليد بن المزيد(5) حدثني أبي(6) حدثنا الأوزاعي مثله سواء، وكذا رويناه من طريق الهقل بن زياد(7)، عن الأوزاعي قال: كتبت إلى قتادة أسأله عن الجهر بـ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فكتب إلي يذكر قال: حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها.
فهذه المتابعة للوليد بن مسلم، عن الأوزاعي.
[وكذا](8) رويناها في فوائد إسماعيل بن قيراط العذري قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن. ثنا الهقل، فذكره، نقلته من خط الحافظ السلفي.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب).
(2) ص43.
(3) هو ثقة فاضل من التاسعة مات سنة 212/ع تقريب 2/222.
(4) 2/50.
(5) صدوق عابد من الحادية عشرة، مات سنة 261/ د ت. تقريب 1/399.
هذا وفي كل النسخ "ابن يزيد" وهو خطأ والتصويب من التقريب والكاشف.
(6) هو الوليد بن مزيد العذري أبو العباس البيروتي، ثقة ثبت من الثامنة / د س. تقريب 2/335 الكاشف 3/242.
(7) الهقل - بكسر أوله وسكون القاف، ثم لام - ابن زياد السكسكي - بمهملتين مفتوحتين بينهما كاف ساكنة - الدمشقي، كان كاتب الاوزاعي، ثقة من التاسعة، مات سنة 179 أو بعدها / م4. تقريب 2/321 الكاشف 3/225.
(8) الزيادة من هامش(ر) والمقام يستدعيها.(9/42)
وكذلك رواه أبو عوانة في صحيحه(1) من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي، فذكر المتن مثله سواء، ولم يذكر القصة التي في السند وتابعه أبو المغيرة، عن الأوزاعي.
قال أحمد في "مسنده"(2) ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي قال:
كتب إلي قتادة قال: "حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها".
وهذه متابعة قوية للوليد بن مسلم.
وأبو المغيرة من ثقات الحمصيين أخرج عنه البخاري في صحيحه محتجا به. فبان أن تعليله بتدليس الوليد (لا وجه)(3) له لكن لو أعله الشيخ/(ي 248) بأن قول الأوزاعي: إن قتادة كتب إليه فه مجاز ب ص 294 لأن قتادة كان أكمه لا يكتب ، فيكون قد أمر بالكتابة عنه غيره وحينئذ(4)، فذلك الغير مجهول الحال عندنا حتى ولو كان قتادة يثق به فلا يكفي ذلك في ثبوت عدالته إلا عند من يقبل التزكية على الإبهام.
وهو مرجوح عند الشيخ لاحتمال أن يكون مضعفا عند غيره بقادح.
وستأتي المسألة مفصلة - إن شاء الله -.
فرجعت رواية الأوزاعي إلى أنها عن شخص/(147/أ) مجهول كتب إليه بإذن قتادة (عن قتادة )(5) عن أنس - رضي الله عنه -.
فهذه العلة أشد من تدليس الوليد الذي حصل الأمن منه بتصريحه بالسماع و بمتابعة من تابعه من أصحاب الأوزاعي.
51- ومنها قوله (ع): "إن رواية ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير، عن الأوزاعي بلفظ الافتتاح أرجح من رواية الوليد عنه في طريق إسحاق ابن أبي طلحة التي أحال بها على رواية قتادة، لأنه لم يصرح عند مسلم بسماعه من الأوزاعي"(6).
__________
(1) 2/134.
(2) 3/223.
(3) في جميع النسخ "فلا وجه".
(4) لفظة "و" ليست في (ر).
(5) ما بين القوسين سقط من (هـ).
(6) التقييد والإيضاح ص 121 وقد نقله الحافظ بالمعنى و نقل العراقي هذا الكلام عن الإنصاف لابن عبد البر.(9/43)
أقول: الوليد بن مسلم أحفظ من محمد بن كثير بكثير، ومع ذلك فقد صرح بسماعه له فيما أخرجه أبو نعيم في مستخرجه(1) من طريق دحيم وهشام بن عمار عنه قال: حدثني الأوزاعي، وكذا أخرجه الدارقطني(2) من طريق هشام ثنا الوليد ثنا الأوزاعي.
وأما تردد الشيخ في لفظ إسحاق هل هو مثل حديث قتادة بلفظه أو بمعناه، فقد بينه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام(3) فرواه عن محمد بن مهران شيخ مسلم فيه ولفظة مثل/(ر133/أ) رواية قتادة سواء، إلا أنه لم يقل الزيادة التي زادها الوليد. وكذلك بينه أبو عوانة في صحيحه(4) بيانا شافيا/(ب 295) فإنه رواه كما قدمناه من طريق بشر بن بكير(5)، عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة فذكره بتمامه.
ثم أخرجه من طريق دحيم، عن الوليد، وعن يوسف بن سعيد عن/(ي 249) محمد بن كثير كلاهما، عن الأوزاعي، عن إسحاق، عن أنس - رضي الله عنه -قال مثله إلى قوله: الحمد لله رب العالمين. يعني ولم يذكر اللفظ الزائد في حديثه عن قتادة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - وهو قوله: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها.
ورواه ابن حبان في صحيحه(6)
__________
(1) 1/ق139 مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
(2) السنن 1/316 من الطريق الذي قاله الحافظ لكن بلفظ "كانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر فيه".
(3) ص 43.
(4) 2/134-135.
(5) في جميع النسخ "بشر بن بكير" والصواب ما أثبتناه كما في صحيح أبي عوانة والتقريب.
(6) الحديث في الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/ل 126/أ من ثلاث طرق, الطريق الأولى بإسناده إلى ابن أبي عدي قال: ثنا حميد وسعيد عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضوان الله عليهم - كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
الثاني: بإسناده إلى شعبة وشيبان عن قتادة سمعت أنس بن مالك قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
الثالثة بإسناده إلى حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس وفيه: "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" ولم يورده من طريق محمد بن عبد الرحمن بن سهل في هذا الموضع (كتاب الطهارة) ولعل ذكر محمد بن عبد الرحمن بن سهل سبق قلم من الحافظ ويحتمل أن يكون ابن حبان أورده في مكان آخر. والله أعلم.(9/44)
من طريق محمد بن عبد الرحمن بن سهل(1) ولفظه "يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين فيما يجهر به".
ومسلم لما ساق حديث الأوزاعي، عن كتاب قتادة وعطف عليه حديث الأوزاعي، عن إسحاق قال: "فذكر ذلك(2) لم يزد فقوله: "فذكر ذلك" محتمل أن يكون يريد ذكره باللفظ أو بالمعنى.
وقد تبين بما/(ه147/ب) حررناه أنه إنما رواه بالمعنى، لأن في إحدى الروايتين ما ليس في الأخرى - والله أعلم -.
تنبيه:
قد قدمنا(3) أن رواية محمد بن كثير رواها أبو عوانة في "صحيحه" وكذلك أخرجها أبو جعفر في "شرح معاني الآثار"(4) وأبو بكر الجوزقي في "المتفق" فعزوها إلى رواية أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمانه - والله الموفق -.
52- ومنها قوله (ع)(5)- لما ذكر حميدا-: "وقد ورد(6) التصريح بذكر قتادة بينهما فيما رواه ابن أبي (7) عدي عن حميد، عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه- قال: فآلت رواية حميد إلى رواية قتادة".
قلت: هذا يوهم أن حميدا لم يسمعه من أنس - رضي الله عنه - أصلا و إنما دلسه عنه وليس كذلك، فإن حميدا كان ب 296 قد سمعه من أنس - رضي الله عنه - لكن موقوفا بلفظ: "فكلهم/(ر133/ب) كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم".
__________
(1) في (ي) "سهم" بالميم.
(2) م 4- كتاب الصلاة 13- باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة حديث 52. وفي (ب) "فذلك".
(3) ص756.
(4) 1/203.
(5) التقييد والإيضاح ص121 هذا وفي كل النسخ "ص" وهو خطأ.
(6) في (ب) "صرح" وهو خطأ.
(7) كلمة "أبي" سقطت من (ب).(9/45)
وهذا في رواية مالك كما هو في الموطآت، وقد رفعه بعضهم عنه وهو هم كما بينه الدارقطني في "غرائب مالك" وابن عبد البر في "التمهيد"(1) وهكذا رواه عن حميد حفاظ أصحابه كعبد الوهاب الثقفي ومعاذ بن معاذ، مروان بن معاوية الفزاري وغير/(ي 250) واحد موقوفا، إلا أنه عندهم بلفظ "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين".
ورواه المزني، عن الشافعي، عن ابن عيينة، عن حميد سمعت أنسا- رضي الله عنه - به.
وشذ بعض أصحاب حميد، فرفع هذا اللفظ عنه- أيضا - و قد بين يحيى بن معين الصواب في ذلك بيانا شافيا فقال أبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(2) ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ثنا يحيى بن معين، عن ابن أبي عدي، عن حميد عن قادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسام - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
قال ابن معين: قال ابن أبي عدي، وكان حميد إذا قال: عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - رفعه، و إذا قال: عن أنس لم يرفعه.
تنبيه:
لم يعز الشيخ رواية/(ه148/أ) ابن أبي عدي: وقد عزوناها. وأخرجها - أيضا - ابن حبان في صحيحه(3) من طريق محمد بن هشام السدوسي ثنا ابن أبي عدي عن (سعيد وحميد)(4) جميعا عن قتادة.
وأخرجهما السراج عن عمرو بن علي عن ابن (أبي)(5) عدي عن حميد وحده. دون القصة التي ذكرها ابن معين - فلم يذكرها عمرو ولا محمد بن هشام.
__________
(1) 2/228-229) قال ابن عبد البر: حديث سابع لحميد الطويل عن أنس وهو موقوف في الموطأ وأسندته طائفة عن مالك ليسوا في الحفظ هناك، ثم ساق الحديث موقوفا ثم فصل الكلام عليه.
(2) ق77/2 حيث ساق الحديث بالإسناد المذكور وذكر كلام ابن معين وهو مخطوط بالمكتبة الظاهرية بدمشق.
(3) انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/ل126/أ.
(4) في كل النسخ سعيد بن حميد والصواب ما أثبتناه كما هو واضح من السياق.
(5) لفظة "أبي" سقطت من (ب).(9/46)
53- ومنها قوله (ع)(1): "والجواب ما أجاب به أبو شامة أنها مسألتان".
فسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة.
وفي "صيحيح مسلم" أن قتادة قال: "نحن سألناه عنه".
قلت: وفيه نظر؛ لأنه يوهم أن الحمل(2) المذكور في صحيح مسلم وليس كذلك، فإن مسلما قال- في صحيحه(3). "ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس - رضي الله عنه - قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم".
ثنا محمد بن المثنى. ثنا أبو داود - هو الطيالسي - ثنا شعبة وزاد قال شعبة فقلت لقتادة: أسمعته من أنس - رضي الله عنهم -؟
قال/(ي 251): نعم نحن سألناه.
فهذا اللفظ صريح في أن السؤال كان عن عدم سماع القراءة لا عن [سماع ](4) الاستفتاح بأي سورة.
وقد روى الخطيب في "الجهر بالبسملة" هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة ولفظه: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كانوا لا يستفتحون القراءة بـ" بسم الله الرحمن الرحيم".
قال شعبة: قلت لقتادة: أسمعته من أنس؟
قال: نعم نحن سألناه عنه.
__________
(1) التقييد والإيضاح ص 122 و تمامه: "وسؤال أبي سلمة لأنس وهو هذا السؤال الأخير عن البسملة وتركها".
(2) كذا في جميع النسخ ولعله: اللفظ.
(3) 4- كتاب الصلاة - باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة حديث 50-51.
(4) كلمة "سماع" من (هـ).(9/47)
وقال أبو يعلى في مسنده(1): ثنا احمد بن إبراهيم الدورقي(2) ثنا أبو داود عن شعبة ، عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: "صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر وخلف عثمان رضي الله عنهم فلم يكونوا يستفتحون القراءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
قال شعبة: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس - رضي الله عنه؟
قال : نعم ثم سألت أنسا - رضي الله عنه -
وهكذا رواه عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند"(3) من حديث/(ه148/ب) أبي داود الطيالسي.
وكذا أخرجه/(ب 298) الإسماعيلي عن عبد الله بن ناحية، عن محمد بن المثنى(4) وبندار(5)، عن أبي داود.
وكذا أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه"(6) من ر 134/ب طريق "مسند أبي داود"(7) وكذلك رواه عمر بن مرزوق، عن شعبة بلفظ: "يستفتحون بالحمد لله رب العالمين".
وفيه: "نحن سألناه عن ذلك".
أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" - أيضا -.
__________
(1) 1/ل150).
(2) أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدورقي البغدادي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة 246/م د ت ق. تقريب 1/10 الكاشف 1/246.
(3) انظر الفتح الرباني 3/187 وقال الساعاتي: هذا الحديث من زوائد الحافظ أبي بكر القطيعي.
(4) محمد بن المثنى بن عبيد العنزي - بفتح النون والزاي- أبو موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمه ثقة ثبت من العاشرة مات سنة 252/ع. تقريب 2/204). الكاشف 3/93.
(5) هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري أبو بكر ثقة من العاشرة، مات سنة 252/ع. تقريب 2/147 الكاشف 3/23.
(6) 1/ق139.
(7) انظر منحة المعبود 1/92.(9/48)
فوضح بذلك أن سؤال قتادة، ليس مخالفا لسؤال أبي سلمة فطريق الجمع بينهما أن يقال: إن سؤال أبي سلمة كان متقدما على سؤال قتادة بدليل قوله- في روايته - : "لم يسألني عنه أحد قبلك" فكأنه كان إذ ذاك غير ذاكر لذلك، فأجاب (بأنه)(1) لا يحفظه، ثم سأله قتادة عنه فتذكر ذلك، و حدثه بما عنده فيه.
وأما احتجاج أبي شامة على أن سؤال قتادة له في الحديث الذي أخرجه البخاري(2) عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - وجواب/(ي252) أنس - رضي الله عنه - أنها كانت مدا حيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن دل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالبسملة في قراءته(3).
ففيه نظر، لأنه يحتمل أن يكون ذكر أنس للبسملة على سبيل المثال لقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينتهض الدليل على ذلك.
54- وأما قوله: "فيتناول الصلاة و غير الصلاة".
ففيه نظر؛ لأن الأعم لا دلالة له على الأخص، والمراد أن النبي - صلى الله عليه ويلم -كان حيث يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم فمن أين له من هذا الحديث أنه كان يجهر بها في "الصلاة".
__________
(1) في كل النسخ "به" فأثبتناه ما تراه لأنه لا يستقيم الكلام إلا به.
(2) 66- كتاب الفضائل 29- باب مد القراءة حديث 5046.
(3) التقييد والإيضاح ص 122-123.(9/49)
وقول أبي شامة - أيضا -: "لو كانت قراءته تختلف لقال له: عن أي قراءتيه(1) تسأل، عن التي داخل الصلاة أو التي خارج الصلاة(2)؟ فلما لم يستفصله دل أن حاله في ذلك لم يختلف" ففيه نظر، لأنه لا يستلزم من ترك الاستفصال في هذا التعميم [في الصفات، إنما يستلزم التعميم](3) في الاحوال ، فيستفاد/(ر135/ب) منه أنه كان يقرأ هكذا داخل الصلاة و خارجها ب299، وأما كونه يجهر ببعض ذلك أو لا يجهر بجميع ذلك أولا(4)، فلا دلالة في الحديث على ذلك، وعلى تقدير أنه يدل، فيعارضه ما أخرجه أحمد (5) بإسناد صحيح، عن بعض أزواج النبي/(149/أ) - صلى الله عليه وسلم -قال نافع بن عمر الجمحي روايه(6): أراها(7) حفصة بنت عمر - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت - رضي الله عنها -: "إنكم لا تستطيعونها" فقيل لها: أخبرينا بها: قال: فقرأت قراءة ترسلت فيها الحمد لله رب العالمين، ثم قطع، الرحمن الرحيم، ثم قطع(8) مالك يوم الدين.
__________
(1) في (ب) "قراءتها" بالإفراد وهو خطأ.
(2) التقييد والإيضاح ص 123 ويعني به جواب أنس حين سئل كيف قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم..."الحديث.
(3) الزيادة من (ي) و(ر/ب).
(4) في كل النسخ "أوله" فأثبتنا ما نرى أنه الصواب.
(5) في المسند 6/286.
(6) في (هـ) " رواية" وهو خطأ.
(7) في (هـ) رآها وهو خطأ.
(8) فاعل قطع هو الرواي عن حفصة وهو نافع بن عمر.(9/50)
فهذا الحديث إن دل حديث أنس - رضي الله عنها - وأم سلمة(1) - رضي الله عنها - على إثبات البسملة في الفاتحة لمجرد ذكرها معها دل حديث حفصة - رضي الله عنها - على سقوطها منها، وإذا/(ي253) جمع بينهما بأنه كان يقرأ البسملة فيها- يعني لا يجهر بها في الصلاة فسمعت حفصة - رضي الله عنها - قراءته داخل الصلاة، وسمعها أنس وأم سلمة خارج الصلاة (2)، كان ذلك ممكنا غير بعيد من الصواب، وهو أولى من دعوى التعارض.
55-قوله (ع): "وما أوله به الشافعي - رضي الله عنه - مصرح به في رواية الدارقطني"(3).
__________
(1) يشير الحافظ إلى ما أخرجه الحاكم في المستدرك 1/232 من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة - رضي الله عنها -قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، يقطعها حرفا حرفا" قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي ، ولكن في إسناده ابن جريج وهو مدلس وقد عنعنه فالحديث ضعيف بهذا الإسناد لا يصح الاحتجاج به.
(2) في المستدرك 1/232 حديث من طريق عمر بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم، فعدها آية الحمد لله رب العالمين آيتين...وفيه عمر بن هارون. قال الذهبي: "أجمعوا على ضعفه"، وقال النسائي "متروك" وكأن الحافظ لم يعبأ به لشدة ضعفه، ولو صح لكان فصلا في محل النزاع.
(3) في التقييد و الإيضاح ص 119 أول الشافعي حديث أنس - رضي الله عنه - كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين بمعنى يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها، و لا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم. التقييد والإيضاح ص119.(9/51)
لم يبين الشيخ رواية الدارقطني كيف هي؟ وظاهر السياق يشعر بأنها من رواية قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - وليس كذلك فإنها عنده من رواية الوليد عن الأوزاعي، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس(1) - رضي الله عنه -.
وقد رواها راويها بالمعنى ، بلا شك ، فإن رواية الوليد، كما بيناها من عند البخاري في "جزء القراءة"(2) ومن عند غيره بلفظ: "كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين".
(فرواها بعض الرواة عنه بلفظ: "بدأ بأم القرآن بدل بالحمد لله رب العالمين)(3) فلا تنتهض الحجة بذلك/(ر135/ب).
قلت (4): وقد صح تسمية أم الكتاب بالحمد لله رب العالمين وذلك فيما رواه/(ب ص 300) البخاري في صحيحه(5) في أول التفسير من رواية أبي سعيد بن المعلى(6)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحمد لله رب العالمين هي: السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته"، وفي الحديث قصة".
فهذا يرد على من طعن على لتأويل الشافعي- رضي الله عنه - وزعم أن أم الكتاب /(149/ب) إنما تسمى بالحمد لله فقط لا الحمد لله رب العالمين. وأن سياق الآية بتمامها دل على أنه أراد أن يفتتح بهذا اللفظ لأنه لو قصد أن يسمى السورة لسماها الحمد.
فظهر بهذا الحديث الصحيح أنها تسمى الحمد وتسمى الحمد لله رب العالمين - أيضا فبطل ما ادعاه من نفي الاحتمال الذي ذكره الشافعي - رضي الله عنه - ممكنا (7) - والله أعلم -.
(ط) قوله (ع)(8): "و لا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع..." الخ.
__________
(1) سنن الدارقطني 1/316.
(2) انظر ص 756.
(3) ما بين القوسين سقط من ( ب).
(4) في (ي) "نعم".
(5) 65- - كتاب التفسير 1- باب ما جاء في فاتحة الكتاب حديث 4474، 8- تفسير سورة الانفال 4647، تفسير سورة الحجر 4703.
(6) أبو سعيد بن المعلى الأنصاري، صحابي عنه حفص بن عاصم وعبيد بن حنين، توفي سنة 73/خ د س ق.
الكاشف 3/340 ، والإصابة 4/88.
(7) من (ر) و(ه) وفي (ب) "ممكن".
(8) التقييد والإيضاح ص121.(9/52)
وللمخالف ان يقول: لكن ي 254 التوفيق بين الروايتين أن (1) يحمل نفيه للقراءة على عدم سماعه لها فلتئم الروايتان في عدم الجهر.
112- قوله (ص): "فعلل قوم رواية اللفظ المذكور (يعني نفي القراءة) لما رأوا الاكثرين إنما قالوا فيه: فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ......."(2) إلى آخره.
يعني بذلك الدارقطني(3)، فإنه السابق إلى ذلك فقال: : إن المحفوظ عن قتادة من رواية عامة أصحابه عنه كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
قال: "وهو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس- رضي الله عنه - وتبعه الخطيب والبيهقي"(4).
وفي ذلك نظر، لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الاخرى مع/(ر 136/أ) إمكان الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي روايتها عن قتادة مثل شعبة؟
قال أحمد - في مسنده - ثنا وكيع, ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ: فكانوا "لا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
وكذا أخرجه مسلم(5) وابن خزيمة/(ب 301) في صحيحه(6) من طريق غندر، عن شعبة ورواه ابن خزيمة(7) وابن حبان في صحيحهما من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ولفظه: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان - - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب) "بأن".
(2) مقدمة ابن الصلاح ص 83 تمامه: "وهو الذي اتفق الشيخان على إخراجه في الصحيح ورأوا أن من رواه بالفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له...".
(3) في السنن 1/316.
(4) في السنن الكبرى 2/51 وقال قريبا من كلام الدارقطني.
(5) 4- كتاب الصلاة 13- باب من قال : لا يجهر بالبسملة حديث 50.
(6) 1/249.
(7) 1/250.(9/53)
وقال ابن حبان في صحيحه(1): ثنا الصوفي(2) و غيره. ثنا علي بن الجعد(3) ثنا شعبة وشيبان(4)، عن قتادة : سمعت أنس بن مالك يقول: "صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر/(ه150/أ) وعمر رضي الله عنهما وعثمان - رضي الله عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم".
ورواهن الدارقطني(5)، عن البغوي(6) عن علي بن الجعد بهذا.
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه "باب الخبر المدحض" قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه قتادة/(ي 255) من أنس(7) - رضي الله عنه -.
وكذا رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح، ورواه عن شعبة جماعة حفاظ أصحابه هكذا ورواه آخرون عن بلفظ الافتتاح، فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين وكذلك شعبة ومن أدل دليل على ذلك أن يونس بن حبيب رواه في مسند(8) أبي داود الطيالسي عنه عن شعبة بلفظ الافتتاح.
ورواه محمد بن المثنى ويحيى بن أبي طالب عنه/(ر136/ب) بلفظ عدم الجهر- فالله أعلم -.
[ شاهد لحديث أنس:]
__________
(1) الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/ل127.
(2) في (ب) "الصرفي".
(3) علي بن الجعد بن عبيد الجوهري، البغدادي، ثقة ثبت، رمي بالتشيع من صغار التاسعة مات سنة 233/خ د. تقريب 2/33 تهذيب التهذيب 7/289.
(4) شيبان بن عبد الرحمن التميمي، مولاهم النحوي - نسبة إلى نحو بن شمس من الازد- أبو معاوية البصري، نزيل الكوفة، ثقة صاحب كتاب من السابعة، مات سنة 164. تقريب 1/356 ، تهذيب التهذيب 4/373.
(5) 1/314.
(6) هوالحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي الأصل البغدادي، سمع من علي بن الجعد وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل وآخرين وعنه ابن صاعد والإسماعيلي والدارقطني وغيرهم، قال الخطيب كان ثقة ثبتا فهما عارفا، مات سنة 317. تذكرة الحفاظ 2/737- 740.
(7) الإحسان في ترتييب صحيح ابن حبان 3/ل 127.
(8) منحة المعبود 1/92.(9/54)
ويشهد لحديث أنس - رضي الله عنه - المذكور حديث عبد الله بن مغفل(1) - رضي الله عنه - الذي حسنه الترمذي(2) ولفظه طليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يقولها.
ورواه النسائي(3) بلفظ: كان عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - إذا سمع أحدا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يقول: "صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وخلف عمر - رضي الله عنهم - فما سمعت أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم".
وهو حديث حسن، لأن رواته ثقات ولم يصب من ضعفه بان ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يسم.
فقد ذكره البخاري في "تأريخه"(4) فسماه: يزيد ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا، فهو مستور اعتضد حديثه، وقد احتج أصحابنا وغيرهم بما هو دون ذلك.
__________
(1) عبد الله بن مغفل - بمعجمة وفاء ثقيلة - ابن عبيد بن نهم - بفتح النون وسكون الهاء- أبو عبد الرحمن المزني صحابي بايع تحت الشجرة ونزل البصرة، مات سنة 57 وقيل بعد ذلك /ع. تقريب 1/453 الإصابة 2/364 وذكر أنه يكنى أبا سعيد و أبا زياد.
(2) في جامعه 2- أبواب الصلاة 180- باب ما جاء في ترك الجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" حديث 244 وقال عقبه: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن.
(3) 2/104 وانظر تحفة الأشراف 7/181 وحديث عبد الله بن مغفل في جه 5- كتاب الإقامة 4- باب افتتاح القراءة حديث 815.
(4) لم أجد له ترجمته في تاريخ البخاري ولا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ولا في التقريب وقال في التهذيب التهذيب (د ت س ق) ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه في ترك الجهر بالبسملة قيل: اسمه يزيد قلت ثبت كذلك في مسند أبي حنيفة للبخاري. أقول لعل عزوه لتاريخ البخاري و ابن أبي حاتم سهو من الحافظ.(9/55)
ويعضد ذلك - أيضا - ما رواه الإسماعيلي في مسند زيد بن أبي أنيسة بسنده الصحيح إليه، عن عمرو بن مرة، عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما صف الناس/(ه150/ب) كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزة ونفخه ونفثه، ثم قرأ بفاتحة الكتاب ولم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم". و أصل الحديث في "السنن"(1) وغيرها بغير هذا السياق. ومما يدل على ثبوت أصل البسملة في أول القراءة في الصلاة ما رواه النسائي/(ي 257)(2) وابن خزيمة(3) وابن حبان(4) في صحيحيهما وغيرهم من رواية نعيم المجمر قال: "صليت خلف أبي هريرة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، فذكر الحديث وفي آخره فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم" - وهو حديث صحيح لا علة فيه.
ففي هذا رد على من نفاها البتة وتأييد لتأويل الشافعي - رضي الله عنه - لكنه غير صحيح في ثبوت الجهر، لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة - رضي الله عنه - حال مخافته لقربه منه، فبهذه تتفق الروايات كلها.
تنبيه:
__________
(1) في د2- كتاب الصلاة 121- باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء حديث 764، 765، جه5- كتاب الإقامة 2- باب الاستعاذة في الصلاة حديث 807 بلفظ: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل في الصلاة قال: الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا ثلاثا الحمد لله كثيرا والحمد لله كثيرا..." الحديث وفي إسناده عاصم العنزي قال الحافظ: "إنه مقبول".
(2) في السنن 2/104.
(3) في الصحيح 1/251.
(4) انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/125/ب)، ل 128/أ.(9/56)
استدل ابن الجوزي على أن البسملة ليست من أول السورة بحديث رواه أحمد(1) و أصحاب السنن(2) وابن حبان والحاكم(3) من طريق عباس الجشمي(4)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن سورة القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي "تبارك الذي بيده الملك".
قال ابن الجوزي: لا يختلف العادون أنها ثلاثون آية من غير بسملة .
هكذا استدل به، ولا دلالة فيه، لأن من عادة العرب حذف الكسور، وقد ورد ذلك في حديث مصرح به في "المسند"(5) - أيضا - هو حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -سورة من آل حم قال: يعني الأحقاف، قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين".
113- قوله (ص): "ثم اعلم أنهم قد يطلقون اسم العلة على غير ما ذكرنا..."(6) إلى آخره.
مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول، قد يقع في كلامهم ما يخالفه، وطريق التوفيق/(ر137/ب) بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم أن اسم العلة إذا /(ه151/أ) أطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولا اصطلاحا.
إذ المعلول ما علته قادحة/(ي 258) خفية والعلة أعم من أن تكون قادحة او غير قادحة خفية أو واضحة, ولهذا قال الحاكم: "وإنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل".
__________
(1) المسند 2/299،321.
(2) في ت 46 - كتاب فضائل القرآن 9- باب ماجاء في فضل سورة الملك حديث 2891 وقال: حديث حسن، جه 33- الأدب 52- باب ثواب القرآن حديث 3787.
(3) المستدرك 2/497 وقال الحاكم صحيح ووافقه الذهبي.
(4) عباس الجشمي - بضم الجيم و فتح المعجمة - يقال: اسم أبيه عبد الله مقبول من الثالثة /4. تقريب 1/400 تهذيب التهذيب 5/135 هذا في كل النسخ "عياش" - بالياء التحتانية والشين المعجمة - وهو خطأ.
(5) 1/419.
(6) مقدمة ابن الصلاح ص 84.(9/57)
وأما قوله: وسمى الترمذي النسخ علة هو من تتمة هذا التنبيه، وذلك أن مراد الترمذي أن الحديث المنسوخ مع صحته إسنادا ومتنا طرأ عليه ما أوجب عدم العمل به وهو الناسخ، ولا يلزم من ذلك أن يسمى المنسوخ معلولا اصطلاحا كما قررته - والله أعلم -.(9/58)
النوع التاسع عشر: المضطرب
114- قوله ( ص) "ومن أمثلته(1)":
فذكر حديث الخط للمصلي(2) إذا لم يجد سترة واستدرك عليه شيخنا ما فاته من وجوه الاختلاف فيه وبقيت (فيه)(3) وجوه أخرى لم أر الإطالة بذكرها، ولكن بقي أمر يجب التيقظ له.
وذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية، عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر لم يكن فيه حقيقة الاضطراب.
[حقيقة الاضطراب:]
لأن الاضطراب هو: الاختلاف الذي يؤثر قدحا.
واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك، لأنه إن كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك.
ومع ذلك كله فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح، ثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض والراجحة منها يمكن التوفيق بينها بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا.
تنبيه:
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص85 قال: "ومن أمثلته: ما رواه إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده حريث، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المصلى: إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا. فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم، عن إسماعيل هكذا. ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه حميد بن الأسود عن إسماعيل عن أبي عمرو محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبي عمرو بن حريث عن جده حريث، وقال عبد الرزاق عن ابن جريج سمع إسماعيل عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه والله أعلم" فهذا ما أشار إليه الحافظ.
(2) جه 5- كتاب الإقامة 36- باب ما يستر المصلي حديث 943، حم 2/34، 355، 366.
(3) في (ب) "منه".(10/1)
قول ابن عيينة: لم نجد شيئا يشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه(1) فيه نظر، فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري وفي إسناده أبو هارون العبدي(2) وهو ضعيف.
[شاهدان للحديث:]
ولكنه وارد(3) على الإطلاق(4)، ثم وجدت له شاهدا آخر وإن كان موقوفا. أخرجه مسدد في "مسنده الكبير" قال: ثنا هشيم/(ي 259) ثنا خالد الحذاء عن إياس بن معاوية، عن سعيد بن جبير قال: "إذا كان الرجل يصلي في فضاء فليركز بين يديه شيئا فإن لم يستطيع أن يركزه، فليعرضه، فإن لم يكن معه شيء، فليخلط خطا في الأرض"(5).
رجاله ثقات وقول البيهقي(6): "إن الشافعي - رضي الله عنه - ضعفه". فيه نظر، فإنه/(ب 305) احتج به فيما وقفت عليه، في المختصر الكبير للمزني - و الله أعلم -.
ولهذا صحح الحديث أبو حاتم ابن حبان(7) والحاكم(8) وغيرهما.
وذلك مقتضى لثبوت عدالته عند من صححه.
فما يضره مع ذلك أن لا ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته - والله تعالى أعلم -.
[أمثلة للمضطرب:]
__________
(1) السنن الكبرى للبيهقي 2/271.
(2) هو عمارة بن جوين متروك ومنهم من كذبه شيعي من الرابعة عخ ت ق. تقريب 2/49. وروى عبد الرواق عن معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نستتر بالسهم والحجر في الصلاة. المصنف 2/13.
(3) في (ب) "أورد".
(4) قول الحافظ: "لكنه وارد على الإطلاق فيه نظر فإن ابن عيينة نفى وجود شيء يشد به ورواية أبي هارون لا يعتبر بها لأنه متروك فلا مكان للإيراد على قول ابن عيينة برواية العبدي.
(5) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 2/14 بهذا الإسناد وهذا اللفظ إلا أن هشيما قد عنعن عند عبد الرزاق والأولى أن يقال فيه مقطوع لأنه من قول التابعي.
(6) قال البيهقي في السنن الكبرى 2/271 "واحتج الشافعي بهذا الحديث في القديم ثم توقف فيه الجديد...".
(7) انظر الإحسان 4/ل 43. فإنه رواه من طريق عمرو بن حريث عن جده سمع أبا هريرة به.
(8) لم أجد هذا الحديث في المستدرك.(10/2)
ووجدت أمثلة للمضطرب في "علل الدارقطني"(1) .
ومنها: حديث: "شيبتي هود وأخواتها".
اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي.
(أ) فقيل عنه عن عكرمة، عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(ب) ومنهم من زاد فيه ابن عباس - رضي الله عنه -.
(ج) وقال علي بن صالح(2): عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة (3)، عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(د) وقال العلاء(4): عن أبي إسحاق، عن البراء عن أبي بكر - رضي الله عنهما -.
(هـ) وقال زكريا بن إسحاق(5) وعبد الرحمن بن سليمان ، عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة(6)، عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -.
(و) وقيل عن زكريا عن أبي إسحاق عن مسروق (7) عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
__________
(1) 1/ل9.
(2) علي بن صالح بن حي الهمداني أبو محمد الكوفي أخو حسن، ثقة عابد من السابعة، مات سنة 151 وقيل بعدها /م4. تقريب 2/389 تهذيب التهذيب 7/332.
(3) هو: وهب بن عبد الله السوائي - بضم المهملة والمد - مشهور بكنيته صحابي معروف و صحب عليا مات سنة 74/ع. تقريب 2/338، الإصابة 3/606.
(4) قال الدارقطني في العلل 1/ل9: "وحدث به محمد بن محمد الباغندي عن محمد عن محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بسر فوهم في إسناده في موضعين فقال عن العلاء بن صالح وإنما هو علي بن صالح وقال عن أبي إسحاق عن البارء عن أبي بكر وإنما هو عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن أبي بكر".
(5) زكريا بن إسحاق المكي، ثقة رمى بالقدر من السادسة /ع. تقريب 1/261.
(6) هو: عمر بن شرحيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي، ثقة عابد مخضرم مات سنة 63/خ م د س ق. تقريب 2/72 الكاشف 2/331.
(7) مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عائشة ، الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية مات سنة 62/ع. تقريب 2/242، الخلاصة ص 374.(10/3)
(ز) وقال محمد بن سلمة (1) عن أبي إسحاق عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(ح) وقيل عن يونس بن أبي إسحاق عن علقمة عن أبي بكر.
(ط) وقال عبد الكريم الخزاز(2): عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد البجلي(3) عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(ي) وقيل: عنه عن عامر بن سعد عن أبيه عن أبي بكر - رضي الله عنه - .
(ك) وقال أبو شيبة النخعي: عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد(4) عن أبيه عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(ل) وقال أبو المقدام(5): عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص(6) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
115- قوله/(ي260) (ص): "ثم قد يقع الاضطراب في المتن وقد يقع في الإسناد، وقد يقع ذلك من راو واحد يقع من رواة"(7). انتهى.
[كلام العلائي على الحديث المعلول:]
قسم المصنف الاضطراب/(152/أ) إلى أربعة أقسام ولم يمثل إلا لقسم واحد.
__________
(1) في العلل للدارقطني 1/ل9 محمد بن سلمة النصيبي وفي ميزان الاعتدال 3/568 محمد بن سلمة النباتي عن أبي إسحاق وغيره تركه ابن حبان وقال لا تحل الرواية عنه روى عنه ابن عصمة النصيبي.
(2) في جميع النسخ الجزري و الصواب ما أثبتناه كما جاء في العلل 1/ل9 عبد الكريم بن عبد الرحمن الخزاز ول10 عبد الكريم الخزاز: قال الحافظ في لسان الميزان واهي الحديث جدا. روى عن أبي إسحاق السبيعي لسان الميزان 4/53.
(3) عامر بن سعد البجلي مقبول من الثالثة / م د س، تقريب 1/387.
(4) مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو زرارة المدني، ثقة من الثالثة مات سنة 103/ع. تقريب 2/251، الكاشف 3/147.
(5) هو ثابت بن هرمز الكوفي أبو المقدام الحداد مشهور بكنيته صدوق يهم من السادسة /د س ق. تقريب 1/117.
(6) أبو الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة - بفتح النون وسكون المعجمة الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة - الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة قتل في ولاية الحجاج على العراق / بخ م4. تقريب 2/90.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص85.(10/4)
وقد تكلم الحافظ العلائي في مقدمة الأحكام على الحديث المعلول بكلام طويل مفيد نقلت منه ما يتعلق بما نحن فيه هنا ملخصا لأنه شاملم(ب ص 306) لكل ما يتعلق بتعليل الحديث من اضطراب وغيره. قال: وهذا الفن أغمض(1) أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غايصا(2) واطلاعا حاويا و إدراكا لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة.
ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وذاقهم كابن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وأمثالهم.
وإنما يقوي القول بالتعليل - يعني فيما ظاهره الصحة- عند عدم المعارض، وحيث يجزم المعلل بتقديم/(ر139/أ) التعليل أو أنه الأظهر، فأما إذا اقتصر على الإشارة إلى العلة فقط بأن القول - مثلا - في الموصول: رواه فلان مرسلا أو نحو ذلك، ولا يبين أي الروايتين أرجح، فهذا هو الموجود كثيرا في كلامهم، ولا يلزم منه رجحان الإرسال على الوصل.
قال: والاختلاف تارة في السند، وتارة في المتن.
[ أقسام الاختلاف في السند:]
فالذي في السند يتنوع أنواعا:
أحدها: تعارض الوصل والإرسال.
ثانيها: تعارض الوقف والرفع.
ثالثها: تعارض الاتصال والانقطاع.
رابعها: أن يروي الحديث قوم - مثلا- عن رجل عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه.
خامسها: زيادة رجل في أحد الإسنادين.
سادسها: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددا بين ثقة وضعيف.
فأما الثلاثة الأول: فقد تقدم القول فيها.
__________
(1) في (ب) "المحض".
(2) في (ب) "غامضا".(10/5)
وأن المختلفين إما يكونوا متماثلين في الحفظ و الإتقان (أم لا)(1) فالمتماثلون إما يكون عددهم من الجانبين سواء أو لا، فإن استوى عددهم مع استواء/(ي 261) أوصافهم وجب التوقف حتى يترجح أحد الطريقين بقرينة من القرائن فمتى اعتضدت إحدى/(ب 307) الطريقين بشيء/(ب 307) من وجوه الترجيح حكم لها، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر، ولا(2) ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص لا يخفى على الممارس الفطن الذي أكثر من جمع الطرق.
ولأجل هذا كان مجال النظر في هذا أكثر من غيره، و إن كان أحد المتماثلين أكثر عددا فالحكم لهم على قول الأكثر.
وقد ذهب قوم/(ر 139/ب) إلى تعليله - و إن كان من وصل أو رفع أكثر.
والصحيح خلاف ذلك.
وأما غير المتماثلين، فإما أن يتساووا في الثقة أو لا، فإن تساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له، ولا يلتفت إلى تعليل من علله بذلك - أيضا- إن (3) كان العكس، فالحكم للمرسل والواقف.
وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة، ولا يلتفت إلى تعليل من علله، برواية غير الثقة إذا خالف.
هذه جملة تقسيم الاختلاف، وبقي إذا كان رجال أحد الإسنادين أحفظ ورجال الآخر أكثر.
فقد اختلف المتقدمون فيه:
فمنهم: من يرى قول الأحفظ أولى لإتقانه وضبطه.
فمنهم: من يرى قول الأكثر أولى لبعدهم عن الوهم(4).
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (هـ).
(2) في (ر) "فلا".
(3) كذا في (ر) و(ي) ولعل الصواب وإن.
(4) نقل الصنعاني هذا الكلام الذي نسبه الحافظ ابن حجر إلى العلائي إلى هنا. توضيح الأفكار 2/37-38.(10/6)
قال عمرو بن علي الفلاس(1): سمعت سفيان بن زياد(2) يقول ليحيى بن سعيد في حديث سفيان ، عن أبي الشعثاء عن يزيد بن معاوية العبسي، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - في قوله تبارك و تعالى : {خِتَامُهُ مِسْكٌ}(3). فقال: يا أبا سعيد خالفه أربعة. قال: "من هم؟" قال: "زائدة وأبو الاحوص، وإسرائيل وشريك". فقال يحيى: "لو كان أربعة آلاف مثل هؤلاء كان الثوري أثبت منهم".
قال الفلاس: "وسمعته يسأل عن عبد الرحمن بن مهدي عن هذا" فقال/(ب ص 308)(4) عبد الرحمن: "هؤلاء قد اجتمعوا وسفيان أثبت منهم والإنصاف لا بأس به فأشار عبد الرحمن إلى ترجيح روايتهم لاجتماعهم ولا شك (أن)(5) الاحتمال من الجهتين منقدح قوي، لكن ذاك إذا لم ينته/(ي 262)عدد الأكثر إلى درجة قوية/(ه153/أ) جدا بحيث يبعد اجتماعهم على الغلط أو يندر أو يمتنع عادة (6) فإن نسبة الغلط إلى الواحد و إن كان أرجح من أولئك في الحفظ والإتقان أقرب (من نسبته)(7) إلى جمع الكثير.
ومما يقوي بالتعليل فيه بالوقف ما إذا كان قد زيد في الإسناد عوضا عن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - كحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه قضى في أمهات الأولاد أن لا يبعن ولا يوهبن..." الحديث.
__________
(1) عمرو بن علي بن بحر بن كنيز - بنون وزاي- أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة حافظ من العاشرة ، له العلل والمسند والتاريخ مات سنة 249/ع. تقريب 2/75.
(2) سفيان بن زياد العقيلي أبو سعيد المؤدب صدوق من الحادية عشرة /ق. تقريب 1/311، الكاشف 1/377.
(3) سورة المطففين من الآية (26).
(4) في (هـ) "قال"
(5) في (ر) و(ي) "وأن" والصواب حذف الواو.
(6) في (هـ) "عادا".
(7) ما بين القوسين سقط من (ب).(10/7)
هكذا رواه الدارقطني في السنن(1) من رواية يونس بن محمد المؤدب، عن عبد العزيز بن مسلم(2) عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنه -.
__________
(1) 4/134.
(2) في كل النسخ عبد العزيز بن محمد، والصواب عبد العزيز بن مسلم كما في سنن الدارقطني، والتعليق المغني نقلا عن ابن القطان القسملي - بفتح القاف وسكون والمهملة وفتح الميم مخففا - أبو زيد المروزي ثم البصري ثقة عابد ربما وهم من السابعة مات سنة 167/خ م د س ت.
تقريب 1/512، الكاشف 2/202.(10/8)
وخالفه يحيى بن إسحاق السالحين (1)- فرواه عن عبد العزيز عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهما - [عن عمر](2) من وقله فحكم الدارقطني(3) وغيره من الأئمة أن الموقوف هو الصحيح، وعللوا المرفوع به، ووجهه غلبة الظن بغلط من رفعه حيث اشتبه عليه قول ابن عمر عن عمر - رضي الله عهما - بأنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء هنا(4) بعد الصحابي صحابي آخر والحديث هو قوله اشتبه ذلك على الراوي، فإذا انضم إلى ذلك أن فليح بن سليمان أيضا عن ابن دينار بموافقة يحيى بن إسحاق، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قوي القول
__________
(1) ويقال السيلحيني - بمهملة ممالة وفتح اللام وكسر المهملة وفتح اللام وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة - صدوق.
(2) الزيادة من سنن الدارقطني وقد سقطت من جميع النسخ ولا بد منها.
(3) في السنن 4/134 قال: "ونا يحيى بن إسحاق، نا عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر عن عمر نحوه" (أي نحو حديث ابن عمر المرفوع في النهي عن بيع أمهات الأولاد) غير مرفوع ولم يزد على هذا الكلام فلم يرجح الموقوف على المرفوع ولا العكس وراجعت العلل للدارقطني، فلم أجد له كلاما على هذا الحديث ثم إن الحفاظ لم يقدموا الوقف على الرفع بناء على اختلاف يونس ويحيى بن إسحاق فحسب، بل أعلوا الرفع بالوقف بناء على كثرة رواة الوقف و حفظهم، فقد رواه البيهقي من طريق ابن وهب، عن عمر بن محمد وعبد الله بن عمر ومالك وغيرهم أن نافعا أخبرهم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر موقوفا ومن طريق سفيان الثوري وسليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر موقوفا. ثم قال البيهقي: "هكذا رواية الجماعة عن عبد الله بن دينار وغلط بعض الرواة عن عبد الله بن دينار، فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وهم لا يحل ذكره". السنن الكبرى 10/343.
(4) كلمة "هنا" من (ي) وفي باقس النسخ جاءه.(10/9)
بتعليله بالوقف (قوة)(1) ظاهرة، ولا يقال قد رواه عبد الله بن جعفر المديني، عن عبد الله بن دينار مرفوعا بمتابعة يونس بن محمد؛ لأنها متابعة ضعيفة جدا لضعف عبد الله بن جعفر(2).
ومشى أبو الحسن بن القطان الفاسي في "بيان الوهم والإيهام" على ظاهر الإسناد الأول، فصحح الحديث ، فلم يصب فالله أعلم.
ومما يقوي/(ر140/ب) القول بتقديم الانقطاع على الاتصال أن يكون في الإسناد مدلس عنعنه.
ومن/(ه153/ب) خفايا ما ذكره ي 263 ابن أبي حاتم (3) قال: سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع عبدا و له مال ... " الحديث.
فقال: كنت أستحسن هذا الحديث من ذي طريق حتى رأيت من حديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد، عن الزهري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
قال العلائي: "فبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون من لا اطلاع له على طرقه وخفاياها".
__________
(1) كلمة "قوة" من (ي) وفي باقي النسخ "علة".
(2) في سنن الدارقطني 4/135 في إسناد هذا الحديث: "ثنا عبد الله بن جعفر - هو المخرمي - نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: "نهى ررسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...." الحديث وقد بحثت في كتب تأريخ الرجال تاريخ البخاري و الجرح والتعديل وتهذيب الكمال فلم أجد المخرمي في تلاميذ عبد الله بن دينار ولا ابن دينار وعبد الله بن دينار في شيوخه ولعله وقع سبق قلم في سنن الدارقطني فكتب المخرمي بدل السعدي.
(3) في العلل 1/377 وانظر الكلام حوله ص712.(10/10)
وأما النوع الرابع: وهو الاختلاف في السند - فلا يخلو إما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا. فإن كانا ثقتين، فلا يضر الاختلاف عند الأكثر ، بقيامك الحجة بكل منهما، فكيفما دار الإسناد كان عن ثقة وربما احتمل أن يكون الراوي (سمعه منها جميعا وقد وجد كثير من الحديث، لكن ذلك يقوى حيث يكون الراوي)(1) ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق(2).
ومن أمثلة ذلك حديث أبي هريرة في المهجر إلى الجمعة (رواه يونس(3) ومعمر(4) وابن أبي ذئب(5)، عن الزهري عن الأغر).
ورواه ابن عيينة(6) عن الزهري، عن سعيد.
ورواه يزيد بن الهاد(7)، عن الزهري عن الأغر وأبي سلمة وسعيد كلهم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) ما بين قوسين سقط من (ب).
(2) نقل الصنعاني هذا النص من قوله: "وأما النوع الرابع" إلى هنا. توضيح الأفكار 2/39.
(3) م 7 كتاب الجمعة 7 باب التهجير يوم الجمعة، والبيهقي في السنن الكبرى 3/226.
(4) حم 2/259، 280، ن 3/79، دي 1/301.
(5) حم 505، خ 11 جمعة 31 باب الاستماع إلى الخطبة حديث929.
(6) م 7 كتاب الجمعة 7 باب فضل التهجير يوم الجمعة حديث 24، حم 2/239، ن 3/79، والبيهقي في السنن الكبرى 3/226، جه 5 كتاب الإقامة 82 باب التهجير إلى الجمعة حديث 1092.
(7) لم أقف على روايته؛ وفي حم 2/512 عن محمد بن أبي حفصة ثنا ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة. وفي دي 1/301) ثنا الأوزاعي عن يحي - ولعله ابن أبي كثير - عن أبي سلمة بن عبد الله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر، ومثل المهاجر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة ثم كالذي يهدي البيضة".(10/11)
فتبين صحة كل الأقوال، فإن(1) الزهري كان ينشط تارة، فيذكر جميع شيوخه وتارة يقتصر على بعضهم.
ومنه حديث "أفطر الحاجم والمحجوم"(2).
رواه جماعة، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني(3)، عن شداد بن أوس.
ورواه آخرون، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان(4) رضي الله تعالى عنه.
ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة بالطريقين جميعا(5).
قال الترمذي(6): "سألت محمدا عنه فصححه".
فقلت: "وكيف ما فيه من الاضطراب؟"
__________
(1) في (ر/أ) و(ي) "وإن".
(2) في د 8 كتاب الصوم 28 باب في الصائم يحتجم حديث 2368 من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن شداد بن أوس، وحديث 2369 من طريق أيوب وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس البيهقي في السنن الكبرى 4/265 من طريق عاصم الأحول وأيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس بدون وساطة وبوساطة أبي أسماء الرحبي، وجه 7 كتاب الصيام 18 باب ما جاء في الحجامة للصائم حديث 1681.
(3) هو شرحيل بن آدة - بالمد وتخفيف الدال - أبو الأشعث الصنعاني، ثقة من الثانية، شهد فتح دمشق/بخ م 4. تقريب 1/348، الكاشف 2/7.
(4) حديث ثوبان في د 8 كتاب الصوم 28 باب في الصائم يحتجم حديث 2367 من طريق يحيى بن أبي كثير وشيبان، عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، جه 7 كتاب الصيام 18 باب ما جاء في الحجامة للصائم 1680 من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة به، والبيهقي في السنن الكبرى 4/265 من طريق الأوزاعي وشيبان بن عبد الرحمن النحوي وهشام الدستوائي كلهم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مرفوعا.
(5) يعني من طريق ثوبان وشداد بن أوس كما بيناه.
(6) روى الترمذي في جامعه هذا الحديث عن أبي رافع حديث 774 وأشار إلى حديث ثوبان وشداد بن أوس وغيرهما من أحاديث الباب، ولم يذكر هذا الكلام الذي حكاه عنه الحافظ، ثم راجعت كتاب العلل فلم أجده ولعله في العلل الكبير.(10/12)
قال: "كلاهما عندي صحيح".
وأما ما ذهب إليه كثير من أهل الحديث - من أن الاختلاف دليل على عدم ضبطه في الجملة، فيضر(1) ذلك ولو كانت رواته ثقات إلا أن يقوم دليل، على أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا - فهو رأي فيه ضعيف، لأنه كيفما دار كان على ثقة، وفي الصحيحين من (ذلك)(2) جملة أحاديث، لكن لابد في الحكم بصحة ذلك من سلامته من أن يكون غلطا أو شاذا.
وأما إذا كان أحد (الراويين)(3) المختلف فيهما ضعيفا لا يحتج به فههنا مجال للنظر وتكون تلك الطريق التي سمي ذلك الضعيف فيها (وجعل الحديث عنه كالوقف أو الإرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى) فكل ما ذكر هناك من الترجيحات يجيء هنا.
ويمكن أن يقال - في مثل هذا يحتمل أن يكون الراوي إذا كان مكثرا قد سمعه منهما أيضا كما تقدم.
فإن قيل: إذا كان الحديث عنده عن الثقة، فلم يرويه عن الضعيف(4)؟
فالجواب يحتمل أنه لم يطلع على ضعف شيخه أو طلع عليه ولكن ذكره اعتمادا على صحة الحديث عنده من الجهة الأخرى.
وأما النوع الخامس: وهو زيادة الرجل بين الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النوع السابع والثلاثين(5) إن شاء الله تعالى فهو مكانه.
وأما النوع السادس: وهو الاختلاف في اسم الراوي ونسبه فهو على أقسام أربعة:
__________
(1) في (ي) "فيصير" وهو خطأ.
(2) كلمة "ذلك" سقطت من (ب).
(3) من (ي) وفي باقي النسخ "الروايتين".
(4) في كل النسخ "فلم يروه" بجزم المضارع وهو خطأ فإن كلمة "لم" هنا استفهامية لا أداة جزم والتصويب من توضيح الأفكار 2/39.
(5) وهو معرفة المزيد في متصل الأسانيد ولم يقدر للحافظ أن يصل إلى هذا النوع في نكته.(10/13)
الأول: أن يبهم في طريق ويسمى في أخرى(1)، فالظاهر أن هذا لا تعارض فيه؛ لأنه(2) يكون/(ر141/ب) المبهم في إحدى الروايتين هو المعين في الأخرى، وعلى تقدير أن يكون غيره، فلا تضر رواية من سماه وعرفه - إذا كان ثقة - رواية من أبهمه.
القسم(3) الثاني: أن يكون الاختلاف في العبارة فقط والمعنى بها في الكل واحد، فإن مثل هذا لا يعد اختلافا أيضا، ولا يضر إذا كان الراوي ثقة.
قلت: وبهذا يتبين أن تمثيل المصنف للمضطرب بحديث أبي عمرو بن حريث ليس بمستقيم. انتهى.
والقسم(4) الثالث: أن يقع التصريح باسم الراوي ونسبه/(ه 154/ب) لكن مع الاختلاف في سياق ذلك(5).
ومثال ذلك: حديث ربيعة/(ي265) بن الحارث بن عبد المطلب(6) - رضي الله عنه - في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - هو والفضل بن العباس(7) - رضي الله عنهما - أن يؤمرهما على الصدقة، رواه مالك(8) عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل.
__________
(1) في (ب) "الأخرى".
(2) في كل النسخ "أن يكون" والتصويب من توضيح الأفكار.
(3) كلمة "القسم" سقطت من (ب).
(4) كلمة "القسم" سقطت من (ب).
(5) انظر توضيح الأفكار 2/40 فإنه ذكر هذا الكلام من النوع الخامس إلى هنا.
(6) ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - له صحبة، مات في أول خلافة عمر - رضي الله عنه - وقيل في أواخرها سنة 23/ت س. تقريب 1/246، الإصابة 1/493.
(7) الفضل ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكبر ولد العباس استشهد في خلافة عمر/ع.
تقريب 2/110، الإصابة 3/203.
(8) رواية مالك في م 12 كتاب الزكاة 51 باب ترك استعمال آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة حديث 167.(10/14)
ورواه ابن إسحاق(1) عنه عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل(2) ورواه يونس(3)، عن الزهري، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، فمثل هذا الاختلاف لا يضر، والمرجع فيه إلى كتب التواريخ وأسماء الرجال، فيحقق ذلك الراوي، ويكون الصواب فيه من أتى به على وجهه.
والصحيح هنا هو قول مالك قاله أبو داود وغيره.
ويمكن الجمع بين روايتي يونس ومالك بأن يونس نسبه إلى جده.
وأما رواية ابن إسحاق فوهم في تسميته محمدا.
القسم الرابع: أن يقع التصريح به من غير اختلاف لكن يكون ذلك من متفقين:
أحدهما ثقة والآخر ضعيف.
أو أحدهما مستلزم الاتصال والآخر الإرسال كما قدمنا ذلك(4) في غير(5) رواية (أبي) أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حيث ظن أنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
__________
(1) رواية ابن إسحاق في حم 4/166.
(2) محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب الهاشمي النوفلي المدني مقبول من الثالثة/ت س. تقريب 2/175، الكاشف 3/59.
(3) رواية يونس في م 12 كتاب الزكاة 51 باب ترك استعمال آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة حديث 168، د 14 كتاب الخراج والإمارة والفيء حديث 2985، ن 5/79.
(4) كذا والكلام يستقيم بدون كلمة "غير".
(5) انظر توضيح الأفكار 2/40 فإنه نقل هذا النص عن الحافظ من قوله: "القسم الرابع" إلى هنا.(10/15)
ومن خفي ذلك ما حكاه ابن أبي حاتم في العلل(1) أنه سأل أباه عن حديث رواه أحمد بن حنبل وفضل الأعرج(2) عن هشام بن سعيد الطالقاني(3) عن محمد بن مهاجر، عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة، وارتبطوا الخيل وامسحوا على نواصيها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار".
__________
(1) 2/312.
(2) الفضل بن سهل بن إبراهيم الأعرج البغدادي أصله من خرسان صدوق من الحادية عشرة، مات سنة 225/خ م د ت س. تقريب 2/110، الكاشف 2/382.
(3) هشام بن سعيد الطالقاني، أبو أحمد البزاز، نزيل بغداد صدوق من صغار التاسعة/بخ د س. تقريب 2/318، الكاشف 3/222.(10/16)
قال: فقال أبي سمعته من فضل الأعرج وفاتني عن أحمد بن حنبل، وأنكرته في نفسي، وكان يقع في نفسي(1) أنه أبو وهب الكلاعي(2) صاحب مكحول، وكان أصحابنا يستعملون هذا الحديث، ولا يمكنني أن أقول فيه شيئا لكون أحمد رواه، فلما قدمت حمص حدثنا ابن الصفي(3) عن أبي المغيرة حدثني محمد بن المهاجر(4) حدثني عقيل/(ه 155/أ) (ي266) بن سعيد عن أبي وهب الكلاعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو حاتم: وحدثني به هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة(5) عن أبي وهب عن سليمان بن موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فعلمت أن ذلك باطل، وأبو وهب الكلاعي من طبقة الأوزاعي وهو دوت التابعي، فبقيت متعجبا من أحمد كيف خفي عليه، فإني أنكرته حين سمعته قبل أن أقف على علته".
قال: وعقيل بن شبيب/(ب313) أو ابن سعيد مجهول لا أعرفه.
قلت: وقد رواه أبو داود(6) في السنن مفرقا، عن هارون بن عبد الله والنسائي(7) عن محمد بن/(ر142/أ) رافع كلاهما عن هشام بن سعيد. كما رواه أحمد بن حنبل. زاد أبو داود فروى حديثا آخر بالإسناد المذكور متنه: "عليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر..."(8) الحديث.
__________
(1) في (ي) "قلبي".
(2) هو عبيد الله بن عبيد أبو وهب الكلاعي - بفتح الكاف - صدوق من السادسة مات سنة 132/د ق. تقريب 1/536.
(3) في العلل "ابن المصفي".
(4) محمد بن المهاجر الأنصاري، الشامي أخو عمرو، ثقة من السابعة مات سنة 170/بخ م 4. تقريب 2/211، تهذيب التهذيب 9/477.
(5) يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي ثقة رمي بالقدر من الثامنة مات سنة 183/ع. تقريب 2/346، تهذيب التهذيب 11/200.
(6) في السنن 9 كتاب الجهاد 44 باب فيما يستحب من ألوان الخيل حديث 2543 من طريق هارون بن عبد الله.
(7) في السن 6/181.
(8) وهذا هو لفظ حديث هارون بن عبد الله.(10/17)
ثم رواه عن محمد بن عوف(1) عن أبي المغيرة عن محمد بن مهاجر حدثني عقيل بن شبيب أو ابن سعيد(2) عن أبي وهب، فذكر نحوه ولم ينسبه ولم يقل: وكانت له صحبة.
ووقع لابن القطان في هذا الحديث تعقب على ابن أبي حاتم في ترجمة أبي وهب رددناه على ابن القطان في مختصر التهذيب(3) - والله الموفق -.
فهذه الأنواع الستة التي يقع بها التعليل وقد تبين كيفية التصرف، وما عداها(4) إن وجد لم يخف إلحاقه بها.
[التعليل بالاختلاف في المتن:]
__________
(1) في (ر) "عون" وفي (ب) "عرف" وفي (ه) و(ي) "عوف" وهو الصواب كما في سنن أبي داود وهو محمد بن عوف بن سفيان الطائي أبو جعفر الحمصي، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة 373/د عس. تقريب 2/197.
(2) في السنن لأبي داود 9 كتاب الجهاد حديث 2544. ولكنه قال في الإسناد عقيل بن شبيب، ولم يقل بعده أو ابن سعيد هذا في طبعة حمص تحقيق الدعاس. وكذا في طبعة الحلبي 2/20.
(3) 12/275 قال الحافظ: "وخلط بن أبي حاتم ترجمته بترجمة أبي وهب الكلاعي فوهم في ذلك وهما واضحا. قال ابن القطان: ثم وقفت على مسند ابن أبي حاتم في ذلك في أثناء كتاب الأدب من كتاب العلل فحكى عن أبيه أنه تعب على هذا الحديث إلى أن ظهر له أنه عن أبي وهب الكلاعي وأنه مرسل وأن أحد الرواة وهم في نسبه "جشميا" وفي قوله "إن له صحبة" وبين ذلك هناك بيانا شافيا كتبته بلفظه فيما علقته على علوم الحديث لابن الصلاح". ثم انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج/2، قسم 2/326 فإنه فرق بينهما فأين وجد ابن القطان هذا الخلط والوهم؟
(4) في (ر) "وما عداه".(10/18)
وأما الاختلاف الذي يقع في المتن، فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث. كما تقدم(1) لشيخنا ابن عبد البر في حديث البسملة، وكما تقدم في نوع المنكر(2) في حديث ابن جريج في وضع الخاتم، وكما روي عن أحمد في رده حديث رافع بن خديج في النهي عن المخابرة للاضطراب(3).
[الحافظ يضع قاعدة ويضرب لها أمثلة:]
وأمثلة ذلك كثيرة، وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة ليصير ذلك قاعدة يرجع إليها، فنقول:
إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان سياق الحديث في حكاية/(ي267) واقعة/(ه155/ب)، يظهر تعددها، فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين.
__________
(1) ص752.
(2) ص676.
(3) حديث رافع بن خديج في م 21 كتاب البيوع 18 باب كراء الأرض بالطعام حديث 113، 114، د 17 كتاب البيوع 32 باب التشديد في المزارعة حديث 3394، 3395، 3396، 3397، 3398، 3400 ومن ألفاظه: "من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه ولا يكاريها بثلث لا ربع ولا بطعام مسمى".
ومن أحاديث رافع ما رواه أبو داود 17 كتاب البيوع 31 باب في المزارعة حديث 3392 من طريق حنظلة بن قيس قال سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس بها إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس به.
وهناك طرق وروايات أخر تركناها اختصارا. قال ابن قدامة في المغني 5/311: "والثالث - يعني من الأجوبة على أحاديث رافع - أن أحاديث رافع مضطربة جدا مختلفة اختلافا كثيرا يوجب ترك العمل بها لو انفردت قال الإمام أحمد: حديث رافع ألوان. وقال أيضا حديث رافع ضروب".أه.(10/19)
مثال الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة(1) السهو يوم ذي اليدين، وأن النبي(2) - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين ثم قام - صلى الله عليه وسلم - إلى خشبة في(3) المسجد فاتكأ عليها فأدركه(4) ذو اليدين بسهوه فسأل/(ر143/أ) - صلى الله عليه وسلم -الصحابة رضي الله عنهم فقالوا: نعم. فصلى - صلى الله عليه وسلم - الركعتين اللتين سها عنهما.
وحديث عمران بن حصين(5)- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فسلم من ثلاث ثم دخل - صلى الله عليه وسلم - منزله فجاء الخرباق، وكان في يده طول فناداه - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بصنيعه فخرج - صلى الله عليه وسلم - وهو غضبان فسأل الناس فأخبروه فأتم - صلى الله عليه وسلم - صلاته(6).
__________
(1) تقدم تخريج هذه القصة.
(2) كلمة "النبي" سقطت من (ب).
(3) كلمة "في" سقطت من (ه).
(4) كذا في جميع النسخ ولعله "فذكره" وهو كذلك في توضيح الأفكار 2/40 وقد نقل هذا النص عن الحافظ من قوله: "وأما الاختلاف في المتن" إلى قوله: "في المثال الأول فصلى الركعتين اللتين سها عنهما".
(5) عمران بن حصين الخزاعي، أبو نجيد أسلم مع أبي هريرة، عنه مطرف بن الشخير وأخوه وجماعة. بعثه عمر إلى البصرة ليفقههم، وكانت الملائكة تسلم عليه. مات سنة 52/ع. الكاشف 2/348، الإصابة 3/27.
(6) الحديث م 5 كتاب المساجد ومواضع الصلاة 19 باب السهو في الصلاة والسجود له حديث 101، 102. د 2 كتاب الصلاة 195 باب السهو في السجدتين حديث 1018. ن 3/22. جه 5 كتاب الإقامة 134 باب فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهيا حديث 1215.(10/20)
وحديث معاوية بن حديج(1) - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم المغرب، فسلم من ركعتين، ثم انصرف، فأدركه طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - فأخبره بصنيعه - صلى الله عليه وسلم - فرجع - صلى الله عليه وسلم - فأتم الصلاة(2).
فإن هذه الأحاديث الثلاثة (ليس الواقعة واحدة)(3) بل سياقها يشعر بتعددها، وقد غلط بعضهم، فجعل حديث أبي هريرة وعمران بن حصين رضي الله عنهما بقصة واحدة، ورام الجمع بينهما على وجه من التعسف الذي يستنكر.
وسببه الاعتماد على قول من قال: إن ذا اليدين اسمه الخرباق وعلى تقدير ثبوت أنه هو، فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين لاسيما وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين، وفي حديث عمران أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من ثلاث إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين.
وكذا حديث معاوية بن خديج ظاهر في أنه قصة ثالثة؛ لأنه ذكر أن ذلك في المغرب، وأن المنبه على/(ي268) السهو طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -.
(ومثال الثاني/(ر143/أ): حديث على بن رباح)(4) قال(5):
__________
(1) معاوية بن حديج - بمهملة ثم جيم مصغرا - الكندي أبو عبد الرحمن أو أبو نعيم صحابي صغير/بخ د س. تقريب 2/258، الإصابة 3/411.
(2) د 2 كتاب الصلاة 196 باب إذا صلى خمسا حديث 1023، حم 6/401.
(3) ما بين قوسين كذا في جميع النسخ ولعله سقطت منه كلمة "فيها".
(4) علي بن رباح بن قصير - ضد طويل - اللخمي المصري أبو عبد الله ثقة، والمشهور فيه علي - بالتصغير - من صغار الثالثة، مات سنة بضع عشرة ومائة/بخ م 4.
تقريب 2/36، الكاشف 2/284.
(5) ما بين قوسين سقط من (ه).(10/21)
سمعت فضالة بن عبيد(1) - رضي الله عنه - يقول: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها(2) خرز وذهب وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لهم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن"(3).
وحديث حنش الصنعاني(4) عن فضالة - رضي الله عنه - قال:
أ- "اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب باثني عشر دينارا فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تباع حتى تفصّل".
ب- وفي لفظ له "كنا نبايع يوم خيبر اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الذهب إلا وزنا بوزن".
ج- وفي رواية له: "أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا حتى يميز بينه وبينها ..." الحديث.
د- وفي رواية لحنش قال: "كنا مع فضالة في غزوة فطارت لي ولأصحابي قلادة بها ذهب وجوهر فأردت أن أشتريها فقال لي فضالة - رضي الله عنه -: "انزع ذهبها فاجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل".
__________
(1) فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الأنصاري أول ما شهد أحد، ثم نزل دمشق ولي قضاءها ومات سنة 58 وقيل قبلها/بخ م 4. تقريب 2/109، الإصابة 3/201.
(2) في كل النسخ "وفيها" فحذفت الواو لأن النص في مسلم بدونها وكذا في المسند.
(3) م 22 كتاب المساقاة 17 باب بيع القلادة فيها خرز وذهب حديث 89، حم 6/ 19، السنن الكبرى للبيهقي 5/292.
(4) حنش بن عبد الله ويقال ابن علي بن عمرو السبائي - بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة - أبو رشدين الصنعاني نزيل إفريقية، ثقة من الثالثة مات سنة 100/م 4. تقريب 1/205، الكاشف 1/260.(10/22)
وهذه الروايات كلها في صحيح مسلم(1).
فقال/(144/أ) البيهقي وغيره: "هذه الروايات محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة - رضي الله عنه - فأداها كلها وحنش أداها متفرقة"(2).
قلت: بل هما حديثان لا أكثر رواهما جميعا حنش بألفاظ مختلفة وروى عن علي بن رباح أحدهما.
وبيان ذلك أن حديث علي بن رباح شبيه/(ي269) برواية حنش الثالثة، وليست بينهما مخالفة إلا في تعيين وزنها في رواية حنش دون رواية الآخر، فهذا حديث واحد اتفقا فيه على القلادة، وأنها مشتملة على ذهب وخرز.
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من بيعها/(ب316) حتى يميز بين الذهب وغيره.
فأما رواية حنش الأولى، فليس فيها إلا ذكر المفاضلة في كون (القلادة)(3) كان فيها أكثر من اثني عشر والثمن كان اثني عشر (فنهاهم(4) عن ذلك).
وروايته الثانية شبيهة بذلك إلا أنها عامة في النهي عن بيع الذهب متفاضلا، وتلك بيان القصة فقط.
والأخيرة شبيهة بالثانية، والقصة التي وقعت فيها، إنما هي للتابعي لا للصحابي، فوضح أنهما حديثان لا أكثر - والله أعلم -.
ثم إن هذا كله لا ينافي المقصود من الحديث، فإن الروايات كلها متفقة على المنع من بيع الذهب بالذهب ومعه شيء [آخر](5) غيره، فلو لم يمكن الجمع لما ضر الاختلاف. - والله أعلم -.
__________
(1) 22 كتاب المساقاة 17 باب بيع القلادة فيها خرز وذهب حديث 90، 91، 92، د 17 كتاب البيوع 13 باب حلية السيف تباع بالدراهم حديث 3351، 3352، 3353، ت 12 كتاب البيوع 32 باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز حديث 1255، ن 7/145، حم 6/21، السنن الكبرى للبيهقي 5/292- 293، تحفة الأشراف 8/259.
(2) السنن الكبرى 5/293.
(3) كلمة "القلادة" سقطت من (ب).
(4) في (ب) "فنهى عنهم".
(5) الزيادة من (ي).(10/23)
فهذان المثالان واضحان(1) فيما يمكن(2) تعدد الواقعة وفيما يبعد.
فأما إذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحدا فلا ينبغي سلوك تلك الطريق المتعسفة.
مثاله: حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أيضا في قصة ذي اليدين فإن في بعض طرقه أن ذلك كان في صلاة الظهر(3)، وفي أخرى في صلاة العصر(4) وفي أكثر الروايات قال: "إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر"(5).
فمن زعم أن رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - لقصة ذي اليدين كانت متعددة، وقعت مرة في الظهر ومرة في العصر من أجل هذا الاختلاف ارتكب طيرا وعرا، بل هي قصة واحدة.
وأدل دليل على ذلك الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أو العصر فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما.
ففي بعض الأحيان كان يغلب على ظنه أحدهما فيجزم به.
وكذا وقع في بعض طرقه يذكر/(ي270) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للناس: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق(6).
وفي أخرى: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم(7).
__________
(1) هذا النص نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 2/40 من قوله فيما سبق: "وأما الاختلاف في المتن..." إلى قوله فيما سيأتي "وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محي الدين ..." الخ.
(2) في (ه) "يملك" وهو خطأ.
(3) خ 10 كتاب الأذان 69 باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟ حديث 715. م 5 كتاب المساجد 19 باب السهو في الصلاة والسجود له حديث 100، د2 كتاب الصلاة 195 باب السهو في السجدتين حديث 1014، ن 3/20.
(4) م 5 كتاب المساجد 19 باب السهو في الصلاة والسجود له حديث 99، ن 3/19.
(5) خ 22 كتاب السهو باب من يكبر في سجدتي السهو حديث 1229، م 5 كتاب المساجد 19 باب السهو في الصلاة والسجود له حديث 97، د 2 كتاب الصلاة 159 باب السهو في السجدتين حديث 1008، ن 3/17، جه 5 كتاب إقامة الصلاة 134 باب فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهيا حديث 1214.
(6) م 5 كتاب المساجد 19 باب السهو في الصلاة والسجود له حديث 97.
(7) ن 3/17.(10/24)
وفي أخرى فأومئوا أن نعم(1).
فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب ولا يلزم من ذلك تعدد الواقعة.
قال العلائي: "وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محي الدين توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونا للرواة/(ه157/أ) الثقاة أن يتوجه الغلط إلى بعضهم حتى أنه قال في حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: إن عمر - رضي الله عنه - كان نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يفي بنذره، وفي رواية: "اعتكاف يوم". وكلاهما في الصحيح(2).
فقال الشيخ محيي الدين: "هما واقعتان كان على عمر نذران، ليلة بمفرها ويوما بمفرده فسأل عن هذا مرة وعن/(145/أ) الآخر أخرى"(3).
__________
(1) د 2 كتاب الصلاة 159 باب السهو في السجدتين حديث 1008. ومن الأسئلة: "أصدق ذو اليدين؟" كما في كتاب السهو حديث 1228، م 5 كتاب المساجد 19 باب السهو في الصلاة والسجود له حديث 99، 101، وفيه: "أصدق هذا؟". ن 3/18، د 2 كتاب الصلاة 159 باب السهو في السجدتين حديث 1008 ومنها: "أحق ما يقول؟. قالوا: نعم، خ 22 كتاب السهو حديث 1227.
(2) في خ 33 كتاب الاعتكاف حديث 2042، 2043 وفيهما "نذر ليلة"، م 27 كتاب الأيمان 7 باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم حديث 27، 28 وفيهما ذكر اليوم وذكر الليلة، د 16 كتاب الأيمان والنذور 32 باب من نذر في الجاهلية، ثم أدرك الإسلام حديث 3325 وفيه ذكر الليلة، ت 21 كتاب النذور 11 باب ما جاء في وفاء النذر حديث 1539 وفيه ذكر الليلة، ن 7/20 وفيه ذكر اليوم والليلة، جه 7 كتاب الصيام 6 باب في اعتكاف يوم أو ليلة حديث 1772 وفيه ذكر الليلة.
(3) شرح النووي لصحيح مسلم 11/124.(10/25)
وفي هذا الحمل نظر لا يخفى؛ لأنه من البعيد أن لا يفهم عمر - رضي الله عنه - من الإذن بالوفاء(1) بنذر اليوم الوفاء بنذر الآخر حتى يسأل عنه مرة أخرى، لاسيما والواقعة في أيام يسيرة يبعد النسيان فيها جدا؛ لأن في كل من الروايات أن ذلك كان في أيام تفرقة السبي عقب وقعة(2) حنين(3)، ففي هذا الحمل من أجل تحسين الظن بالرواة يطرق الخلل إلى عمر - رضي الله عنه -. إما بالنسيان في المدة اليسيرة أو بان يخفى عليه إلحاق اليوم بالليلة في حكم الوفاء بنذره في الاعتكاف. وهو من الأمر البين الذي لا يخفى على من هو دونه فضلا عنه؛ لأن سبب سؤاله إنما هو عن كون نذره صدر في الجاهلية فسأل هل يفي في الإسلام بما نذر في الجاهلية، فحيث حصل له الجواب عن ذلك كان عاما في كل نذر شرعي.
[التحقيق في الجمع بين الروايتين:]
ولكن التحقيق في الجمع بين هاتين الروايتين أن عمر - رضي الله عنه - كان عليه نذر اعتكاف يوم بليلته سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -عنه فأمره بالوفاء به، فعبر بعض الرواة/(ي371) عنه بيوم وأراد بليلته، وعبر بعضهم بليلة وأراد بيومها.
والتعبير بكل واحد من هذين على المجموع من المجاز الشائع الكثير الاستعمال، فالحمل عليه أولى من جعل القصة متعددة.
__________
(1) في (ي) "في الوفاء".
(2) في (ي) و(ر) "واقعة".
(3) ذكر وقعة حنين وأن السؤال فيها لم أجده إلا في بعض روايات مسلم وأما البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه فلم يذكروها في روايتهم أما مسلم فقد رواه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر فلم يذكر أن السؤال كان في وقعة حنين، ورواه من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف وذكر الحديث 27 كتاب الأيمان 7 باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم حديث 28، ثم قال في رواية أيوب لما قفل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين فقول الحافظ في كل الروايات فيه نظر.(10/26)
وأغرب من ذلك وأعجب ما ذكره الشيخ محيي الدين أيضا في حديث "بني الإسلام على خمس"؛ لأنه جاء في الصحيح من رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن/ (ر145/ب) محمدا رسول الله وإقام/(ه157/ب) الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". فقال رجل: "وحج البيت وصوم رمضان" فقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "لا، وصوم رمضان وحج البيت. هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"(1).
ثم جاء الحديث في الصحيح أيضا من طرق أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ولفظه: "وحج البيت وصوم رمضان"(2).
فقال الشيخ محيي الدين: "هذا محمول على أن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمع الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجهين"(3).
ولا شك في أن مثل هذا هنا بعيد جدا.
فإنه لو سمعه على الوجهين لم ينكر على من قال أحدهما إلا أن يكون حينئذ ناسيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله على الوجه الذي أنكره.
والظاهر القوي أن أحد رواة هذه الطريق التي قدم فيها الحج على الصيام رواه بالمعنى فقدم وأخر، ولم يبلغه نهي ابن عمر - رضي الله عنهما - عن ذلك محافظة على كيفية ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -(4).
فهذا الحمل وهو رواية بعض الرواة لهذه الطريق على المعنى أولى من تطرق النسيان إلى ابن عمر - رضي الله عنهما - أو الإنكار والرد للفظ الذي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -/(ب319).
__________
(1) م 1 كتاب الإيمان 5 باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام حديث 19، 20 وانظر تحفة الأشراف 5/420.
(2) م 1 كتاب الإيمان 5 باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام حديث 19، 20 وانظر تحفة الأشراف 5/420.
(3) انظر شرح النووي على مسلم 1/179.
(4) وهذا الوجه قاله ابن الصلاح ورده النووي، انظر شرحه لمسلم 1/178.(10/27)
ومما يبعد فيه احتمال تعدد الواقعة ويمكن الجمع فيه بين الروايات ولم اختلفت المخارج ما يكون الحمل فيه على طريق من المجاز كما في حديث عمر - رضي الله عنهما - المتقدم. أو بتقييد في الإطلاق كما في حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن/(ي272) أبي قتادة(1) عن أبيه(2) في النهي عن/ مس الذكر باليمين فإن بعض الرواة عن يحيى أطلق(3) وبعضهم قيده بحالة البول(4).
أو بتخصيص العام كما في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - في زكاة الفطر وقوله فيه من "المسلمين".
وقد تقدم الكلام عليه(5).
__________
(1) عبد الله بن أبي قتادة، الأنصاري المدني، ثقة من الثانية، مات سنة 95/ع.
تقريب 1/441، الكاشف 2/119.
(2) هو الصحابي الجليل الحارث بن ربعي - بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة - الأنصاري السلمي المدني، شهد أحدا وما بعدها، مات سنة 54/ع.
تقريب 2/463، الإصابة 4/157.
(3) م 2- كتاب الطهارة 18- باب في النهي عن الاستنجاء باليمين حديث 65، حم 5/295، ت أبواب الطهارة 11- باب ما جاء في الاستنجاء باليمين حديث 15- دي 1/137 حديث 679 كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير مطلقا ولفظه من مسلم "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتنفس في الإناء وأن يمس ذكره بيمينه وأن يستطيب بيمينه".
(4) في خ 4- كتاب الوضوء حديث 153، 154، 74- كتاب الأشربة 25- باب النهي عن التنفس في الإناء حديث 5630، م 2- كتاب الطهارة 18- باب النهي عن الاستنجاء باليمين حديث63، 64، د 1- كتاب الطهارة حديث 31، جه 1- كتاب الطهارة 15- باب كراهة مس الذكر باليمين في الاستنجاء حديث 310، ن 1/26، 39 حم 5/296، 300، 310 كلهم رواه من طريق يحيى مقيدا تارة بحالة البول وأخرى بدخول الخلاء.
(5) ص697.(10/28)
أو بتفسير المبهم وتبيين المجمل كما في حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - في قصة صاحب النسعة، فإن في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الترمذي(1) إبهام كيفية القتل، وفي حديث وائل عند مسلم(2) بيانها.
__________
(1) ت 14- كتاب الديات 13- باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو حديث 1407 ولفظه: "قتل رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفع القاتل إلى وليه، فقال القاتل: يا رسول الله! والله ما أردت قتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنه إن كان قوله صادقا فقتلته دخلت النار فخلى عنه الرجل قال: وكان مكتوفا بنسعة..." والنسعة الحبل. ن 8/13، جه كتاب الديات 34- باب العفو عن القاتل حديث 2690.
(2) 28- كتاب القسامة 10- باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولي القتيل من القصاص حديث 32 وفيه "... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقتلته؟ قال: نعم قتلته. قال: وكيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته..." والحديث - أيضا - في د 33- كتاب الديات 3- باب الإمام يأمر بالعفو حديث 4501، ن 8/14.(10/29)
وكحديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة كفارة الوقاع في رمضان، فإن مالكا(1) وطائفة(2) رووه عنه بلفظ: "أن رجلا أفطر في رمضان، ولم يبينوا ما أفطر به، ورواه جمهور أصحاب(3) الزهري فبينوا أن الفطر كان بالجماع.
وأما ما يبعد فيه احتمال التعدد ويبعد - أيضا - فيه الجمع بين الروايات، فهو على قسمين:
أحدهما: ما لا يتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي فلا يقدح ذلك في الحديث، وتحمل تلك المخالفات على خلل وقع لبعض الرواة إذ رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله.
__________
(1) ط 18- كتاب الصيام 9- باب كفارة من أفطر في رمضان حديث 28، م 13- كتاب الصيام 14- باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم حديث 83، د 8- كتاب الصوم 37- باب كفارة من أتى أهله في رمضان حديث 2392، حم 2/516، دي 1/344 حديث 1724.
(2) منهم ابن جريج وحديثه في م13- كتاب الصيام 14- باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان حديث 84، د 8- كتاب الصوم 37- باب كفارة من أتى أهله في رمضان عقب حديث 2392، حم 2/273.
(3) منهم شعيب، حديثه في خ 30- كتاب الصيام 30- باب من جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه حديث 1936.
ومعمر في خ 51- كتاب الهبة 20- باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت حديث 2600، م 13- كتاب الصيام 14- باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم تابع حديث 84، د 8- كتاب الصوم 37- باب كفارة من أتى أهله في رمضان حديث 2391 وقال عقبه: رواه الليث بن سعد والأوزاعي ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك على معنى حديث ابن عيينة. ومنهم ابن عيينة رواه م 13- كتاب الصيام 14- باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان حديث 81 ومنصور والليث 82 كما أشار أبو داود وكما روى أبو داود حديث ابن عيينة 8- كتاب الصوم حديث 2390.(10/30)
مثاله: حديث جابر- رضي الله عنه - في وفاء دين أبيه، فإنه مخرج في الصحيح من عدة طرق، وفي سياقه تباين لا يتأتى الجمع فيه إلا بتكلف شديد، لأن جميع الروايات عبارة عن دين كان على أبيه ليهود فأوفاهم من نخله/(ب320) ذلك العام.
ففي رواية وهب بن كيسان(1) أنه كان ثلاثين وسقا(2) وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمه في الصبر فأبى، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - النخل فمشى فيها ثم قال لجابر - رضي الله عنه - جدله(3) فجدله بعد/(ر146/ب) ما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم -(4).
وفي حديث عبد الله بن كعب(5) عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألهم أن يقبلوا ثمر الحائط ويحللوه، فأبوا..."(6).
__________
(1) وهب بن كيسان القرشي، مولاهم أبو نعيم المدني المعلم، ثقة من كبار الرابعة، مات سنة 127/ع. تقريب 2/339، الخلاصة ص419.
(2) الوسق - بالفتح - في الأصل الحمل وهو ستون صاعا.
النهاية 5/185.
(3) من الجداد - بالفتح والكسر - صرام النخل وهو قطع ثمرتها.
النهاية 1/224.
(4) الحديث في خ 43- كتاب الاستقراض 9- باب إذا قاص أو جازفه في الدين تمرا بتمر أو غيره حديث 2396، 53- كتاب الصلح 13- باب الصلح بين الغرماء حديث 2709، د 12- كتاب الوصايا 17- باب ما جاء في الرجل يموت وعليه دين وله وفاء حديث 2884، ن6/206، جه 15- كتاب الصدقات 20- باب أداء الدين عن الميت حديث 2434.
(5) عبد الله بن كعب بن مالك، المدني، ثقة، يقال: له رؤية، مات سنة 97 أو 98/خ م د س. تقريب 1/442، الكاشف 2/121.
(6) خ 43- الاستقراض 8- باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز حديث 2395، 51- كتاب الهبة 21- باب إذا وهب دينا على رجل حديث 2601.(10/31)
وفي رواية الشعبي، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اذهب فبيدر كل ثمر على ناحية"، وأنه - صلى الله عليه وسلم - طاف في أعظمها بيدرا(1)، ثم جلس - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ادع أصحابك" فما زال يكيل لهم حتى أدى الله تعالى أمانة والدي، وفي آخره، فسلم الله البيادر كلها (2).
ففي حمل(3) هذه الروايات اختلاف شديد(4)، كما ترى، وفي حملها على التعدد بعد وتكلف، والأقرب حملها على ما أشرنا إليه أن المقصود من جميعها البركة في التمر بسبب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الاختلاف وقع من بعض الرواة.
وكذا حديث جابر(5)
__________
(1) البيدر: الموضع الذي يداس فيه الطعام. لسان العرب.
(2) خ بيوع 51- باب الكيل على البائع والمعطي حديث 2127.
43- الاستقراض 18- باب الشفاعة في وضع الدين، 55- كتاب الوصايا 36- باب قضاء الوصي دين الميت 2781، 64- كتاب المغازي 18- باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا حديث 4053، ن 6/205، حم 3/365.
(3) هكذا في كل النسخ "حمل" بالحاء المهملة والميم واللام ولعل الصواب "كل".
(4) يظهر الاختلاف بالرجوع إلى الروايات في مواضعها وفي سردها تطويل.
(5) الحديث في خ 54 كتاب الشروط من طريق الشعبي عن جابر - رضي الله عنه - أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربه فسار سيرا ليس يسير مثله، قال: "بعنيه بأوقية فبعته"، فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، ثم انصرفت فأرسل على إثري قال: "ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك". ثم قال البخاري عقبه: قال شعبة عن مغيرة عن عامر، عن جابر "أفقرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهره إلى المدينة وقال إسحاق عن جرير عن مغيرة" فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة، وقال عطاء وغيره "لك ظهره إلى المدينة".
وقال محمد بن المنكدر عن جابر "شرط ظهره إلى المدينة".
وقال زيد بن أسلم عن جابر "ولك ظهره حتى ترجع". وقال أبو الزبير عن جابر "أفقرناك ظهره على المدينة..." قال أبو عبد الله: "الاشتراك أكثر وأصح عندي".
وقال عبيد الله وابن إسحاق عن وهب عن جابر "اشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأوقية وتابعه زيد بن أسلم عن جابر، وقال ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر "أخذته بأربعة دنانير" وهذا يكون على حساب الدينار بعشرة دراهم... وقال الأعمش عن سالم عن جابر: "أوقية ذهب". وقال أبو إسحاق عن سالم عن جابر: "بمائتي درهم" وقال داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر: اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال: "بأربع أواق". وقال أبو النضرة عن جابر: "اشتراه بعشرين دينارا" وقول الشعبي بأوقية أكثر الاشتراط أكثر وأصح عندي. والحديث في م 22- كتاب المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه حديث 119، د 17- كتاب البيوع 71- في شرط في بيع حديث 3505، ت 13- كتاب البيوع حديث 1253، ن 7/261.(10/32)
- رضي الله عنه - في قصة الجمل، فإن الروايات اختلفت في قدر الثمن وفي الاشتراط وعدمه وقد ذكر البخاري ذلك مبينا في موضعين من صحيحه وقال: "إن قول الشعبي بوقية أرجح وأن الاشتراط أصح".
وهو ذهاب منه إلى ترجيح بعض الروايات على بعض وأما دعوى التعدد فيها فغير ممكن.
ومن ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - في ضياع العقد ونزول آية التيمم.
ففي رواية القاسم(1) أن المكان كان بيداء(2) أو ذات الجيش(3) وفيها انقطع عقد لي، وفيها أنهم باتوا على غير ماء، وفيها فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
وفي رواية/(ب321) عروة(4) "أنها سقطت في الأبواء"(5).
وفي رواية عنه في مكان يقال له الصلصل، وفيه "أن القلادة استعارتها عائشة من أسماء - رضي الله عنها -" وفيها: "انسلت القلادة من عنقها".
وفيها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل رجلين يلتمسانها فوجداها وحضرت الصلاة، فلم يدريا كيف يصنعان".
__________
(1) رواية القاسم في خ 6- كتاب التيمم حديث 1، 22- كتاب فضائل الصحابة 5- باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذا خليلا" حديث 3672، 65- كتاب التفسير 3- باب فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا حديث 4607، 4608، م 3- كتاب الحيض 28- باب التيمم حديث 108، ن 1/133، ط 2- كتاب الطهارة 23- باب التيمم حديث 89، حم 6/179.
(2) البيداء المفازة التي لا شيء بها وهي اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة، وأكثر ما ترد ويراد بها هذه. (النهاية).
(3) مكان من المدينة على بريد، الفتح 1/432.
(4) رواية عروة في خ 62- كتاب فضائل الصحابة 30- باب فضل عائشة - رضي الله عنها - حديث 3773، 65- كتاب التفسير 10- باب {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} حديث 4583، 6- كتاب التيمم 2- باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا حديث 336، م - كتاب الحيض 28- باب التيمم حديث 109، ن 1/140، حم 6/195.
(5) في (ي) بالأبوا.(10/33)
وفي رواية "أرسل - صلى الله عليه وسلم - ناسا" وعين في رواية منهم أسيد بن حضير.
وفيها أن الذين أرسلوا حضرتهم الصلاة، فصلوا على غير وضوء".
قال ابن عبد البر: "ليس اختلاف النقلة في العقد، ولا في القلادة ولا في الموضع الذي سقط ذلك فيه لعائشة - رضي الله عنها - ولا في كونها لعائشة رضي الله عنها أو لأسماء - رضي الله عنها - ما يقدح في الحديث، ولا يوهنه لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود/(ي274) هو نزول آية التيمم ولم يختلفوا في ذلك".
قلت: كلامه يشعر بتعذر الجمع بين الروايتين، وليس كذلك بل الجمع بينهما ممكن بالتعبير عن القلادة بالعقد.
وبأن إضافتها لأسماء رضي الله عنها إضافة ملك وإلى عائشة إضافة يد، وبأن انسلالها كان بسبب انقطاعها، وبأن الإرسال في طلبها كان في ابتداء الحال، ووجدانها كان في آخره بعد أن بعثوا البعير.
وأما قوله إن الذين ذهبوا في طلبها هم الذين وجدوها فلا بعد فيه أيضا لاحتمال أن يكون وجدانهم إياها بعد رجوعهم.
وإذا تقرر ذلك كانت القضية واحدة وليس فيها مخالفة إلا أن في رواية عروة زيادة على ما في رواية القاسم من ذكر صلاة المبعوثين في طلبها بغير وضوء، ولا/(ه 159/أ) اختلاف ولا تعارض.(10/34)
ومن/(ر147/ب) الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه، ما رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج(1) ..."(2) الحديث.
ورواه عنه سفيان بن عيينة وإسماعيل بن جعفر وروح بن القاسم وعبد العزيز الداروردي، وطائفة من أصحابه.
__________
(1) الخداج النقصان يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه.
(2) الحديث في م 4- كتاب الصلاة 11- باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 38 من طريق سفيان بن عيينة 39، ت 48- كتاب التفسير حديث 2953 من طريق عبد العزيز بن محمد وقال عقبه... وقد روى شعبة وإسماعيل بن جعفر وغير واحد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا الحديث، حم 2/241 من طريق سفيان بن عيينة عن العلاء به، 457، 478، والبيهقي في السنن الكبرى 2/38 وقال عقبه "هكذا رواه سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وتابعه على إسناده شعبة بن الحجاج وروح بن القاسم وعبد العزيز بن محمد الداروردي وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن يزيد البصري، وجهضم بن عبد الله. والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام ص5 من طريق روح بن القاسم، ص25 من طريق سفيان بن عيينة ص30، 31 من طريق إسماعيل والداروردي وسفيان كلهم عن العلاء به.
والبيهقي في القراءة خلف الإمام ص25 من طريق ابن عيينة عن العلاء به، ص24، من طريق شعبة وقال قبله عقب روايته عن العلاء عن أبي السائب، وروى هذا الحديث شعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن طهمان وروح بن القاسم وإسماعيل بن جعفر وأبو غسان محمد بن مطرف وعبد العزيز بن محمد الداروردي وجهضم بن عبد الله ومحمد بن يزيد البصري وزهير بن محمد العنبري وغيرهم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.(10/35)
وهكذا رواه عنه شعبة في رواية حفاظ أصحابه وجمهورهم. وانفرد وهب بن جرير عن شعبة بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"(1). حتى زعم بعضهم أن هذه الرواية مفسرة للخداج الذي في الحديث، وأنه عدم الإجزاء(2).
وهذا لا يتأتى له إلا لو كان مخرج الحديث مختلفا.
فأما السند واحد متحد، فلا ريب في أنه حديث واحد اختلف لفظه، فتكون رواية وهب بن جرير شاذة بالنسبة إلى ألفاظ بقية الرواة، لاتفاقهم دونه على اللفظ الأول؛ لأنه يبعد كل البعد أن يكون أبو هريرة - رضي الله عنه - سمعه باللفظين ثم نقل عنه ذلك فلم يذكره العلاء لأحد من رواته على كثرتهم/(ي275)(3) إلا لشعبة، ثم لم يذكره شعبة(4) لأحد من رواته على كثرتهم إلا لوهب بن جرير(5).
ومن ذلك حديث الواهبة نفسها، فإن مداره على أبي حازم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -.
__________
(1) البيهقي في القراءة خلف الإمام ص24 وابن خزيمة في صحيحه 1/248.
(2) انظر صحيح بن خزيمة 1/247، والقراءة خلف الإمام للبيهقي ص24.
(3) في كل النسخ إلا (ي) "على كثرته". وفي هامش (ر/أ) كثرتهم وهو الصواب.
(4) كلمة "شعبة" سقطت من (ب).
(5) وهب بن جرير بن حازم بن زيد أبو عبد الله الأزدي، البصري، ثقة من التاسعة مات سنة 206/ع. تقريب 2/338، الكاشف 3/244.(10/36)
واختلف الرواة عن أبي حازم، فقال مالك(1) وجماعة(2) معه:
"فقد زوجتكها".
وقال ابن عيينة: "أنكحتكها"(3) وقال ابن أبي حازم(4) ويعقوب بن عبد الرحمن(5): "ملكتكها".
وقال الثوري/(ر148/أ): "أملكتكها"(6).
وقال أبو غسان: "أمكناكها"(7).
__________
(1) روايته في خ 40- كتاب الوكالة 9- باب وكالة المرأة الإمام في النكاح حديث 2310، د 6- كتاب النكاح حديث 3111، ت 9- كتاب النكاح حديث 1114، ن 6/100.
(2) منهم حماد بن زيد في خ 66- كتاب فضائل القرآن حديث 5029، 67- كتاب النكاح حديث 5141، دي 2/64 حديث 2207 ومنهم فضل بن سليمان في خ 67- كتاب النكاح 37- باب إذا كان الولي هو الخاطب حديث 5132. ومنهم زائدة بن قدامة الثقفي في م 16- كتاب النكاح حديث 77، وانظر تحفة الأشراف 4/104. ومنهم سفيان الثوري في جه 9- كتاب النكاح 17- باب صداق النساء حديث 1889 وعزاه الحافظ في الفتح 9/205 للإسماعيلي والطبراني.
(3) في خ 67- كتاب النكاح 50- باب التزويج على القرآن، حديث 5149، م 16- كتاب النكاح حديث 77.
(4) في كل النسخ ابن أبي حاتم، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه وهو عبد العزيز بن أبي حازم وروايته في خ 67- كتاب النكاح 14- باب تزويج المعسر حديث 5087، م 16- كتاب النكاح حديث 76.
(5) يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبيد القاري - بتشديد التحتانية - المدني نزيل الإسكندرية حليف بني زهرة، ثقة من الثامنة مات سنة 181/خ م د ت س. وروايته في خ 67- كتاب النكاح 35- باب النظر قبل التزويج حديث 5126، م كتاب النكاح حديث 76، ن 6/93، البيهقي في السنن الكبرى 7/85.
(6) تقدم أن روايته بلفظ: زوجتكها كما في ابن ماجه وتحفة الأشراف 4/106.
(7) روايته في خ 67- كتاب النكاح 32- باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح حديث 5121. وأبو غسان هو محمد بن مطرف بن داود الليثي، المدني، نزيل عسقلان، ثقة من السابعة مات بعد مائة وستين/ع.
تقريب 2/208، الكاشف 3/98.(10/37)
وأكثر هذه الروايات في الصحيحين/ فمن البعيد جدا أن يكون سهل بن سعد - رضي الله عنه - شهد هذه القصة من أولها إلى آخرها مرارا عديدة، فسمع في كل مرة لفظا غير الذي سمعه في الأخرى.
بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع - أيضا - فالمقطوع به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه الألفاظ كلها/(ه159) في مرة واحدة تلك الساعة، فلم يبق إلا أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفظا منها، وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى، والله أعلم(1).
ثم إن الاختلاف في الإسناد إذا كان بين ثقات متساويين، وتعذر الترجيح، فهو في الحقيقة لا يضر في قبول الحديث والحكم بصحته، لأنه عن ثقة في الجملة.
ولكن يضر؛ و(2)ذلك في الأصحية عند التعارض - مثلا -.
فحديث لم يختلف فيه على رواية - أصلا - أصح من حديث اختلف فيه في الجملة، وإن كان ذلك الاختلاف في نفسه يرجع إلى أمر لا يستلزم القدح(3)، - والله أعلم -.
__________
(1) نقل الصنعاني هذا الكلام عن الحافظ في توضيح الأفكار 2/46- 47 من قوله: "ومن الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له..." إلى هنا.
(2) هذه اللفظة في كل النسخ وفي هامش (ر/أ) الأولى حذف الواو وقد حذفها في توضيح الأفكار عندما نقل هذا النص.
(3) نقل الصنعاني هذا الكلام في توضيح الأفكار 2/47 إلا أنه وقع فيه غلط فقال: "إلى من يلتزم القدح". ملاحظة: ذكر الحافظ أن هذا النوع ينقسم قسمين فذكر أحدهما ولم يذكر الثاني.(10/38)
النوع العشرون: المدرج
116- قوله (ص): "وهو أقسام منها: ما أدرج في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام بعض رواته..."(1) إلى آخره.
?لم يذكر المصنف من أقسام المدرج إلا أربعة:
قسم في المتن وثلاثة في الإسناد.
وقد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام.
وقد لخصته ورتبته على (الأبواب والمسانيد)(2) [وزدت](3) على ما ذكره الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره(4).
[مواضع الإدراج:]
وحاصله/(ي276) أن الإدراج تارة يقع في المتن وتارة يقع في الإسناد. فأما الذي في المتن فتارة/(ب324) أن يدرج الراوي في حديث النبي/(ر148/ب) - صلى الله عليه وسلم - شيئا من كلام غيره مع إيهام كونه من كلامه. وهو على ثلاث(5) مراتب:
[مراتب الإدراج:]
أحدها: أن يكون ذلك في أول المتن وهو نادر جدا.
ثانيها: أن يكون في آخره، وهو الأكثر.
ثالثها: أن يكون في الوسط، وهو قليل.
ثم قد يكون المدرج من قول الصحابي أو التابعي أو من بعده.
[وجوه معرفة المدرج:]
والطريق إلى معرفة ذلك من وجوه:
الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الثالث: أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع فيه بأن يضيف الكلام إلى قائله.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص86 وتمامه "بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند نفسه، فيرويه من بعده موصولا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
(2) ما بين القوسين من (ي) وفي باقي النسخ "مسانيد الأبواب".
(3) الزيادة من (ي).
(4) يشير إلى كتابه "تقريب المنهج في ترتيب المدرج" وقد لخصه السيوطي بحذف أسانيده وليته لم يفعل ذلك.
(5) كلمة "ثلاث" من (ي) وهو الصواب وفي باقي النسخ "ثلاثة".(11/1)
مثال الأول: وهو ما لا تصح إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
حديث ابن مبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للعبد المملوك أجران/(ه160/أ)، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك"(1).
رواه البخاري عن بشر بن محمد عن ابن المبارك.
فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يمتنع عليه أن يتمنى أن يصير مملوكا - وأيضا فلم يكن له أم يبرها، بل هذا من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - أدرج في المتن .
وقد بينه حيان بن موسى عن ابن المبارك، فساق الحديث إلى قوله "أجران" فقال فيه: "والذي نفس أبي هريرة بيده.." إلى آخره.
وهكذا هو في رواية ابن وهب عند مسلم وهذا/(ر149/أ) من فوائد المستخرجات كما قدمناه.
__________
(1) الحديث في خ 49- كتاب العتق 16- باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده حديث 2548، م 27- كتاب الإيمان 11- باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله حديث 44، حم 2/330، 402 رواه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس به وقد فصله فقال: "والذي نفس أبي هريرة بيده" ورواه أحمد من طريق عثمان بن عمر عن يونس به وفصله أيضا كما في مسلم، ورواه أحمد في 2/402 مفصولا كما سبق من طريق عبد الله - ولعله وهب - عن يونس به.
قال الحافظ في الفتح 5/176 فصله الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن المبارك ولفظه: "والذي نفس أبي هريرة بيده..." وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في "كتاب البر والصلة" عن ابن المبارك، وكذلك أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي والمصنف في الأدب المفرد ص82 حديث 208 من طريق سليمان بن بلال والإسماعيلي من طريق سعيد بن يحيى اللخمي وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر كلهم عن يونس...(11/2)
ومثال الثاني: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"من/(ي277) مات وهو لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"، "ومن مات وهو يشرك بالله شيئا دخل النار".
هكذا رواه أحمد بن عبد الجبار العطاردي(1)، عن أبي بكر ابن عياش بإسناده ووهم فيه.
فقد رواه الأسود بن عامر شاذان(2) وغيره عن أبي بكر بن عياش بلفظ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من جعل لله عز وجل ندا دخل النار" وأخرى أقولها - ولم أسمعها منه - صلى الله عليه وسلم -(3): "من مات لا يجعل لله ندا أدخله الجنة".
والحديث في "صحيح مسلم"(4)
__________
(1) أبو عمر الكوفي ضعيف وسماعه للسيرة صحيح من العاشرة، مات سنة 272/د. تقريب 1/19، الخلاصة ص8. هذا وفي (ه) "العطار" وفي (ر) "العفاري" وكلاهما خطأ. ثم وجدتها في (ي) على الصواب.
(2) الأسود بن عامر الشامي، نزيل بغداد، يكنى أبا عبد الرحمن ويلقب شاذان، ثقة من التاسعة، مات سنة 208/ع. تقريب 1/76، الكاشف 1/131.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب) ثم إن كلمة "أسمعها" من (ي) وفي باقي النسخ "أسمع".
(4) 1- كتاب الإيمان 40- باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. حديث 150 من طريق ابن نمير عن أبيه ووكيع عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود، خ22- كتاب الجنائز حديث 1238 من طريق عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق عن عبد الله كلاهما بلفظ: "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة".
ورواه خ 65- كتاب التفسير 22- باب{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً}، 83- كتاب الإيمان والنذور 19- باب إذا قال والله لا أتكلم اليوم فصلى أوقرأ... في الموضعين بلفظ قال رسول الله كلمة وقلت أخرى قال: "من مات يجعل لله ندا أدخل النار ومن مات لا يجعل لله ندا أدخل الجنة". حم 1/374، 402، 407، 443، 462، 464 مثل لفظ البخاري، وابن خزيمة في التوحيد ص359- 360 بمثل لفظ خ م السابق وبمثل لفظه الأخير ولفظ أحمد.(11/3)
من غير هذا الوجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى فذكره.
فهذا كالذي قبله في الجزم بكونه مدرجا.
ومثال الثالث: ما ذكره المصنف(1) من حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - وقوله: "فإذا قلت هذا، فقد قضيت صلاتك"(2).
ومنه - أيضا - حديث عبد الله بن خيران(3)، عن شعبة، عن أنس بن سيرين، أنه سمع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - يقول: "طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر عمر - رضي الله تعالى عنه - ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها" قال: فتحسب تطليقة؟
قال: فمه؟
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص86.
(2) د 2- كتاب الصلاة 182- باب التشهد حديث 970، دي 1/251 حديث 1347.
والدارقطني 1/253 كلهم من طريق الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، وفيه: التحيات لله والصلوات والطيبات... وفي آخره "إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك".
ثم قال الدارقطني: "ورواه زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر فزاد في آخره كلاما وهو قوله: "إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد" فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله بن مسعود وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وغيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك، - والله اعلم -". وانظر الحديث في المدرج إلى المدرج ل1/1.
(3) لم أقف على ترجمته.(11/4)
قال الخطيب: "هذا مدرج والصواب أن الاستفهام من قول ابن سيرين، وأن الجواب من ابن/(ه160/ب) عمر - رضي الله تعالى عنه".
بين ذلك محمد بن جعفر(1) ويحيى بن سعيد القطان(2)، والنضر بن شميل(3) وفي روايتهم عن شعبة.
قلت: وكذا فصله خالد بن الحارث(4)، وبهز بن أسد(5) وسليمان بن حرب(6) عن شعبة، وحديث بعضهم في الصحيحين.
وكذلك رواه مسلم(7) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس بن سيرين.
قال الخطيب: "ورواه بشر بن عمر الزهراني(8)، عن شعبة فوهم فيه وهما فاحشا، فإنه قال فيه: "قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله.. أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم".
__________
(1) حديثه في م 18- كتاب الطلاق حديث 10 عن شعبة عن قتادة قال: سمعت يونس بن جبير قال: سمعت ابن عمر يقول: طلقت امرأتي وهي حائض... وفيه قال فقلت لابن عمر: أفاحتسبت بها؟ قال: ما يمنعه أرأيت إن عجز واستحمق.
(2) لم أقف على روايته بعد بحث كثير.
(3) لم أقف على روايته بعد بحث كثير.
(4) روايته في م 18- كتاب الطلاق حديث 12.
(5) روايته في م 18- كتاب الطلاق حديث 12.
(6) روايته في خ 68- كتاب الطلاق 2- باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق حديث 5252، وفيهما "قلت: أتحتسب بها؟ قال: فمه".
(7) 18- كتاب الطلاق حديث 11.
(8) روايته في سنن الدارقطني 4/5- 6.(11/5)
قلت: والحكم على هذا القسم الثالث بالإدراج يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد، ولا يوجب القطع/(ي278) بذلك خلاف القسمين الأولين،وأكثر هذا الثالث يقع تفسيرا لبعض الألفاظ الواقعة في الحديث كما في أحاديث الشغار(1) والمحاقلة(2) والمزابنة(3)
__________
(1) أحاديث الشغار رويت عن ابن عمر وأبي هريرة وجابر كما في صحيح مسلم أحاديث 16 كتاب النكاح 7 باب تحريم نكاح الشغار حديث 57، 58، 59، 60، 61، 62، ورواها ط، حم، دي وغيرهم. وروى خ 67 كتاب النكاح 28 باب الشغار حديث 5112 حديث مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق.
قال الحافظ في الفتح 9/162 في شرح هذا الحديث: "قال الخطيب: تفسير الشغار ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع وقد بيّن ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون ثم ساقه كذلك عنهم ورواية محرز بن عون عند الإسماعيلي، والدارقطني في الموطآت وأخرجه الدارقطني أيضا من طريق خالد بن مخلد، عن مالك قال: سمعت أن الشغار أن يزوج الرجل ... إلخ وهذا دال على أن التفسير من منقوله لا مقوله ووقع عند المصنف كما سيأتي في كتاب الحيل من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع ولفظه: قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع: ما الشغار؟ فذكره. فلعل مالكا أيضا نقله عن نافع". وتفسير نافع المذكور في خ 90 كتاب الحيل 4 باب الحيلة في النكاح حديث 6960 بالإسناد الذي ذكره الحافظ
(2) المحاقلة: بيع الزرع القائم بالحب كيلا.
(3) المزابنة: بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا.
وحديث المحاقلة والمزابنة في خ 34 كتاب البيوع 72 باب بيع المزابنة حديث 2186، م 21 كتاب البيوع 17 باب كراء الأرض حديث 105، ط 31 كتاب البيوع حديث 24، دي 2/168 حديث 2560 كلهم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا وفي م 21 كتاب البيوع 16 باب النهي عن المحاقلة والمزابنة .. حديث 82، 83، 84، 85، د 17 كتاب البيوع 34 باب في المخابرة حديث 3404، ت 12 كتاب البيوع 55 باب ما جاء في النهي عن الثنيا، جه 12 كتاب التجارات 54 باب المزابنة والمحاقلة حديث 2267، ن 7/231 كلهم من حديث جابر وفي خ 34 كتاب البيوع 82 باب بيع المزابنة حديث 2187 من حديث ابن عباس. وفي م 21 كتاب البيوع 17 باب كراء الأرض حديث 104، ت 12 كتاب البيوع 14 باب ما جاء في النهي عن المحاقلة حديث 1224 عن أبي هريرة وقد جاء تفسيرهما في حديث جابر في صحيح مسلم في 12 كتاب البيوع عقب حديث 82: "قال عطاء فسر لنا جابر قال: أما المخابرة فالأرض البيضاء يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها ثم يأخذ من الثمر وزعم أن المزابنة بيع الرطب في النخل بالتمر كيلاً والمحاقلة في الزرع على نحو ذلك يبيع الزرع القائم بالحب كيلاً".(11/6)
.
والزهو(1) والقزع(2) والنفخ(3) والبعث(4) والغرة(5)
__________
(1) لعله يشير إلى حديث أنس - رضي الله عنه – "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهي" فقيل له: "وما تزهي؟" قال: "حتى تحمر.." خ 32- كتاب البيوع 87- باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، حديث 2199، م 22- مساقاة 3- باب وضع الجوائح حديث 15، ط 31- كتاب البيوع 8- باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها حديث 11، حم 3/115، ن 7/232. وفي ط، ن التفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي حم التفسير من أنس.
(2) حديث القزع ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنه -رواه خ77- كتاب اللباس 72- باب القزع حديث 5920 من طريق عبيد الله بن حفص عن عمر بن نافع عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القزع؟ قال عبيد الله قلت: "وما القزع؟" فأشار لنا عبيد الله إذا حلق الصبي وترك هاهنا شعرة وهاهنا وها هنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه، م 37- كتاب اللباس 31- باب كراهة القزع حديث 113 وذكر التفسير من قول نافع، ن 8/113، 159 بدون تفسير، د 27- كتاب الترجل 14- باب في الذؤابة حديث 4193، 4194، جه 32- كتاب اللباس 38- باب النهي عن القزع حديث 3637، 3638 وذكر التفسير ولم يبين المفسر، حم 2/39، وذكر التفسير من قول عبيد الله بن عمر، 55 وذكر التفسير ولم يذكر المفسر.
(3) النفخ: المراد به النفخ في الصور للصعق ثم للبعث يوم القيامة.?
(4) البعث إخراج الناس من قبورهم للحساب والجزاء في الآخرة.
(5) حديث الغرة في خ85- كتاب الفرائض 11- باب ميراث المرأة للزوج مع الولد حديث 6740، 87- كتاب الديات 24- باب العاقلة حديث 6904، م 28- كتاب القسامة 11- باب دية الجنين حديث 34، 35، 36، د 33- كتاب الديات 21- باب دية الجنين حديث 4576، ت 14- ديات 51- باب ما جاء في دية الجنين حديث 1410، 30- كتاب الفرائض 19- باب ما جاء أن الأموال للورثة والعقل على العصبة حديث 2111، ن 7/43 كلهم من حديث أبي هريرة.
وخ 87- كتاب الديات 25- باب جنين المرأة حديث 6905.
م 28- كتاب القسامة 11- باب دية الجنين حديث 37.
د 33- كتاب لديات 21- باب دية الجنين 4570.
ت 14- كتاب الديات 21- باب دية الجنين حديث 1411.
ن 7/43- 44 كلهم من حديث المغيرة بن شعبة.
د 33- كتاب الديات 15- باب دية الجنين حديث 7574 من حديث ابن عباس وقد فسرت الغرة في هذه الأحاديث بعبد أو أمة.
قال الحافظ في الفتح 12/249: "وقيل المرفوع من الحديث قوله بغرة وأما قوله: عبد أو أمة فشك من الراوي في المراد بها".(11/7)
وغيرهما.
والأمر في ذلك سهل لأنه إن ثبت رفعه فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى من غيره.
فأما ما وقع في المتن من كلام الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - مدرجا في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكرنا أمثلته.
وربما وقع الحكم بالإدراج في حديث ويكون ذلك اللفظ المدرج ثابتا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن من رواية أخرى كما في حديث أبي موسى: "إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم ويظهر فيها الهرج، والهرج القتل".
فصله بعض الحفاظ من الرواة وبين أن قوله: "والهرج القتل من كلام أبي موسى"(1).
ومع ذلك، فقد ثبت تفسيره بذلك من وجه آخر مرفوعا في حديث سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم عن أبي هريرة(2) - رضي الله عنه -.
__________
(1) في خ 92 كتاب الفتن 5 باب ظهور الفتن حديث 7063، 7064، 7065، 7066 وفي الأخيرين "قال أبو موسى: والهرج القتل بلسان الحبشة".
وفي م 47- كتاب العلم 5- باب رفع العلم وقبضه حديث 10، ت 34- كتاب الفتن 31- باب ما جاء في الهرج والعبادة فيه حديث 2200 وفيه قالوا: "يا رسول الله! ما الهرج" قال: "القتل"، جه 36- كتاب الفتن 26- باب ذهاب العلم والقرآن حديث 4051 وفيه قالوا: "يا رسول الله وما الهرج؟" قال: "القتل"، حم 4/392، 405 وفي الأخير قالوا: "يا رسول اله وما الهرج؟" قال: "القتل".
(2) حديث سالم عن أبي هريرة في خ 3 كتاب العلم حديث 85 والأمر فيه كما قال الحافظ ثم قد جاء تفسيره في حديث أبي هريرة عن غير واحد ففي م من طريق سهيل عن أبي هريرة في 52 كتاب الفتن 14 باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما.
حديث 18 وفيه قالوا: يا رسول الله ما الهرج؟ قال: القتل. وفي د 29 كتاب الفتن حديث 4255 جاء التفسير مرفوعا من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. وفي جه 36 كتاب الفتن 25 باب أشراط الساعة حديث 4042 جاء التفسير مرفوعا من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.(11/8)
ومثل ذلك حديث أسبغوا الوضوء. كما سيأتي(1) إن شاء الله تعالى.
وأما/(ر150/أ) ما وقع من كلام التابعين، فمن بعدهم، فمنه حديث عد الأسماء الحسنى فيما رواه الترمذي(2)، واستغربه من/(ه161/أ) طريق الوليد بن مسلم، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
فإن الحديث الصحيح(3) من طريق شعبة(4) عن أبي الزناد دون ذكر الأسماء.
فأما سياق الأسماء فيقال: إنها مدرجة في الخبر من كلام الوليد بن مسلم(5) كما ذكرت ذلك بشواهده في الكتاب الذي جمعته فيه.
[ما أدرج في الحديث من كلام بعض التابعين:]
__________
(1) ص824.
(2) 49- كتاب الدعوات 83- باب الحديث 3507 وجه 10- كتاب الدعاء حديث 3861 وفيه ذكر الأسماء الحسنى من غير طريق الوليد وقال الترمذي بعد أن عد الأسماء الحسنى: هذا حديث غريب.
(3) خ 54- كتاب الشروط 18- باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا حديث 2736، 97- كتاب التوحيد 12- باب إن لله مائة اسم إلا واحدا حديث 7392 في الموضعين من طريق شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا 80- كتاب الدعوات 68- باب لله مائة اسم غير واحد حديث 6410 من طريق سفيان عن أبي الزناد به، م 48- كتاب الذكر 2- باب في أسماء الله تعالى حديث 5 من طريق سفيان عن أبي الزناد به، 6 من طريق ابن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة، وجه 34- كتاب الدعاء 10- باب أسماء الله الحسنى حديث 3861.
(4) هكذا شعبة في جميع النسخ ولعل الصواب شعيب لأني لم أجد ذكرا لشعبة في أي طريق من طرق هذا الحديث وإنما فيها شعيب.
(5) يرد عليه أن ابن ماجة قد رواه من طريق هشام بن عمار عن عبد الملك بن محمد الصنعاني عن أبي المنذر زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا.
وعبد الملك بن محمد لين الحديث كما قال الحافظ ومع ذلك فهو وارد على ما يفهم من كلام الحافظ أن الوليد تفرد به.(11/9)
وأما ما أدرج من كلام بعض التابعين أو من بعدهم في كلام الصحابة/(ب327) - رضي الله عنه - فمنه حديث(1) سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في قصة مرضه بمكة واستئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوصية، وفيه:
لكن البائس سعد بن خولة - يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن مات بمكة فإن قوله: "يرثي له.." إلى آخره من كلام الزهري أدرج في الخبر إذ رواه عن عامر بن سعد، عن أبيه(2).
__________
(1) حديث سعد هذا في خ 23- كتاب الجنائز 36- باب رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة حديث 1295، 63- كتاب مناقب الأنصار 49- باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم امض لأصحابي هجرتهم حديث 3936، 64- كتاب المغازي حديث 4409، م 25- كتاب الوصية 1- باب الوصية بالثلث حديث 5، ت 31- وصايا 1- باب ما جاء في الوصية بالثلث حديث 2116، ط 37- كتاب الوصية - باب الوصية بالثلث حديث 4. قال الحافظ في الفتح 3/165: "وأفاد أبو داود الطيالسي في روايته لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن القائل: "يرثي له..." إلخ هو الزهري ويؤيده أن هاشم بن هاشم وسعد بن إبراهيم رويا هذا الحديث عن عامر بن سعد فلم يذكرا ذلك فيه".
(2) هنا انتهت نسخة (ي) وفي آخر الصفحة كلمة "كذلك" التي تشير إلى بداية الصفحة التي بعدها.(11/10)
وكذلك حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - الذي رواه مسلم(1) من طريق زهير وغيره عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة عنها - رضي الله عنها - قالت: "كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان للشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قوله: "للشغل..." إلى آخره من كلام يحيى بن سعيد.
كذلك رواه عبد الرزاق في مصنفه(2) عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد وقال في آخره: "فظننت: أن ذلك لمكانها من النبي - صلى الله عليه وسلم - يحيى بن سعيد يقوله".
ورواه عبد الرزاق(3)عن الثوري بدون الزيادة التي في آخره.
وكذا هو في مسلم(4) من رواية ابن عيينة وعبد الوهاب الثقفي/(150/ب).
__________
(1) 13- كتاب الصيام 27- باب قضاء الصيام عن الميت حديث 151 من طريق زهير قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن عائشة ثم رواه من طريق ابن جريج عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد وفيه "وقال: فظننت أن ذلك لمكانها من النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله يحيى".
(2) 4/245- 246 عقب حديث 7676 وقوله هذا في مسلم كما قدمناه قريبا وفات الحافظ أنه في مسلم.
(3) المصنف 4/246 حديث 7677.
(4) 13- كتاب الصيام 26- باب قضاء رمضان عقب حديث 151، وقال مسلم عقبه: "ولم يذكرا في الحديث الشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -". والحديث أيضا في خ 30- كتاب الصوم 40- باب متى يقضى قضاء رمضان حديث 1950 وفي آخره قال يحيى: الشغل من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.(11/11)
ومنه أيضا حديث مالك عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة(1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جهر فيها بالقراءة فلما انصرف - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل جهر معي أحد منكم؟" فقال رجل منهم: "نعم! أنا يا رسول الله". قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أقول: ما لي أنازع القرآن".
فانتهى الناس عن القراءة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه من الصلوات(2).
__________
(1) هو: عمارة - بضم أوله والتخفيف - ابن أكيمة - بالتصغير - الليثي أبو الوليد، المدني وقيل اسمه عمار أو عمرو أو عامر، ثقة من الثالثة، مات سنة 101/ز4.تقريب 2/49، الكاشف 2/301.
(2) ط 3- كتاب الصلاة 10- باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه حديث 44، ن 2/108- 109، ت أبواب الصلاة 233- باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة حديث 312، حم 2/240 من طريق سفيان عن الزهري وقال عقب الحديث قال معمر عن الزهري: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سفيان خفيت علي هذه الكلمة.(11/12)
بين محمد بن يحيى الذهلي(1) وغيره(2) من الحفاظ أن قوله: "فانتهى الناس..." إلى آخره من كلام الزهري أدرج في الخبر.
[الإدراج في أول الخبر:]
__________
(1) انظر د 1/518 والسنن الكبرى للبيهقي 2/157- 158.
(2) منهم الترمذي إذ قال عقب حديث 312 السابق: "وروى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث وذكروا هذا الحرف: قال: قال الزهري: فانتهى الناس عن القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهم أبو داود إذ روى هذا الحديث في 2- كتاب الصلاة 136 باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب حديث 827 وقال عقبه: "وقال ابن السرح في حديثه قال معمر عن الزهري قال أبو هريرة: "فانتهى الناس..." ورواه الأوزاعي عن الزهري قال فيه: قال الزهري: "فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرأون معه فيما يجهر به - صلى الله عليه وسلم -" قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله "فانتهى الناس..." من كلام الزهري. وانظر هامش ت 2/120 تعليق أحمد شاكر والتلخيص الحبير 1/231.(11/13)
وأما ما وقع من الإدراج في أول الخبر فقد ذكر/(ه161/ب) شيخنا(1) مثاله وهو قول أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار"(2).
على أن قوله: "أسبغوا الوضوء" قد ثبت من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمرو في "الصحيح"(3).
__________
(1) التقييد والإيضاح 128 حيث قال: "فمثال المدرج في أوله ما رواه الخطيب بإسناده من رواية أبي قطن وشبابة فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار". قال الخطيب: وهم أبو قطن عمرو بن الهيثم وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله: "أسبغوا الوضوء" من كلام أبي هريرة وقوله: "ويل للأعقاب من النار" من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وقد رواه أبو داود الطيالسي ووهب بن جرير وآدم بن أبي إياس وعاصم بن علي وعلي بن الجعد وغندر وهشيم ويزيد بن زريع والنضر بن شميل ووكيع وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ كلهم عن شعبة وجعلوا الكلام الأول من قول أبي هريرة والكلام الثاني مرفوعا.
(2) بحثت عن رواية أبي قطن وشبابة في كثير من الكتب منها العلل لابن أبي حاتم والعلل للدارقطني فلم أجدها إلا في المدرج إلى المدرج ل 1/أ وقد جاء هذا الجزء مفصولا في خ 4- كتاب الوضوء 29- باب غسل الأعقاب حديث 165 من طريق آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا و م 2- كتاب الطهارة 9- باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما حديث 29 من طريق وكيع عن شعبة به بلفظ "فقال: أسبغوا الوضوء فإني سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للعراقيب من النار".
(3) م 2- كتاب الطهارة 9- باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما حديث 97، ن 1/66، 76، جه 1- كتاب الطهارة 55- باب غسل العراقيب حديث 450 بلفظ "ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء".(11/14)
وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه منه فلم أجد له مثالا آخر إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة الآتي من رواية محمد بن دينار، عن هشام بن حسان.
[الإدراج في وسط الحديث:]
وأما ما وقع في وسطه، فقد نقل شيخنا(1)عن ابن دقيق العيد أنه ضعف الحكم بالإدراج على مثل ذلك.
وقد وقع منه قول الزهري: "والتحنث: التعبد"(2) في حديثه عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - في بدء الوحي في قولها فيه: "وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد..." إلى آخر الحديث بطوله فإن قوله :"وهو التعبد" من كلام الزهري أدرج في الحديث من غير تمييز/(151/أ) كما أوضحته في الشرح(3).
__________
(1) التقييد والإيضاح ص130.
(2) 1- كتاب بدء الوحي حديث 3، 65- كتاب التفسير حديث 1 من تفسير سورة 96 {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، 91- كتاب تعبير الرؤيا - باب 1 حديث 6982، م 1- كتاب الإيمان 73- باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث 252 حم 6/233.
(3) فتح الباري 1/23 حيث قال على قوله "وهو التعبد": "هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبِي ولم يذكر دليله، نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج" وقال في الفتح 8/717 في التفسير لما أشار على قوله في الحديث: "قال والتحنث التعبد" هذا ظاهر في الإدراج إذ لو كان من بقية كلام عائشة لجاء فيه قالت وهو محتمل أن يكون من كلام عروة أو من دونه.(11/15)
وكذلك حديث إبراهيم بن علي التميمي(1) عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر - وهو غير محرم فقيل له: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه" فإن قوله: "وهو غير محرم" من كلام الزهري(2) أدرجه هذا الراوي في الخبر.
وقد رواه أصحاب الموطأ بدون هذه الزيادة، وبين بعضهم(3) أنها كلام الزهري.
ومن ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل"
__________
(1) في الميزان للذهبي 1/50 "إبراهيم بن علي الغزي أو المعتزلي عن مالك حدث عنه بالكوفة ضعفه الدارقطني روى عنه محمد بن الحسن بن جعفر الخلال، عن مالك، عن الزهري، عن أنس كان ابن خطل يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشعر". فلعله هذا الذي ذكره الحافظ.
(2) الحديث في الشمائل للترمذي ص125 وقال عقبه: قال ابن شهاب وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يومئذ محرما.
وفي خ 64- كتاب المغازي حديث 4286 وقال في آخره قال مالك: "ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم -فيما نرى - والله أعلم - يومئذ محرما". وهذا يجعلنا لا نجزم بأنه من قول الزهري بل هو متردد بين أن يكون من قوله أو من قول مالك. هذا وقد حاء الحديث خاليا من هذا الإدراج في خ 28- كتاب جزاء الصيد 17- باب لبس السلاح للمحرم حديث 1846، 56- كتاب الجهاد 169- باب قتل الأسير حديث 3044، م 15- كتاب الحج 84- باب جواز دخول مكة بغير إحرام حديث 450، ط 20 كتاب الحج 81- باب جامع الحج حديث 247، ت 24- كتاب الجهاد 18- باب ما جاء في المغفر حديث 1693، ن 5/ 158، 159.
(3) منهم ابن وهب روى حديثه الترمذي في الشمائل ص125 وبين أنها من كلام الزهري. أما البخاري فرواه عن يحيى بن قزعة عن مالك وذكر أنها من قول مالك.(11/16)
رواه الترمذي(1) من طريق وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم، عن زر بن حبيش عن عبد الله فذكره.
قال: "هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة وقد رواه شعبة عن سلمة".
قال: "وسمعت محمدا(2) يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا "وما منا إلا": هذا عندي من قول ابن مسعود - رضي الله عنه -(3).
قلت:/(ه162/أ) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده(4) عن شعبة مثل حديث وكيع ورواه علي بن الجعد وغندر وحجاج بن محمد ووهب بن جرير والنضر بن شميل وجماعة عن شعبة فلم يذكروا فيه "وما منا إلا".
وهكذا رواه إسحاق بن راهويه عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري.
قلت: والحكم على هذه الجملة بالإدراج متعين وهو يشبه (ما قدمناه)(5) في المدرك الأول للإدراج وهو ما لا يجوز أن يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستحالة/(ر151/ب) أن يضاف إليه شيء من الشرك.
ومن ذلك حديث فضالة بن عبيد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -يقول:
"أنا زعيم - والزعيم الحميل - ببيت في ربض الجنة لمن آمن بي وهاجر..."(6) الحديث.
__________
(1) 22- كتاب السير 47- باب ما جاء في الطيرة حديث 1614، جه 31- كتاب الطب 43- باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة حديث 3538، د 22- كتاب الطب 24- باب الطيرة حديث 3910.
(2) يعني البخاري.
(3) قاله الترمذي عقب الحديث المذكور رقم 1614.
(4) انظر منحة المعبود ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 1/348.
(5) في (ه) و(ب) "أولا ما قدمناه" وفي (ر) قد طمست هذه الجملة فلم تظهر لي وأثبتناه على الوجه الذي تراه لأن الكلام لا يستقيم إلا عليه.
(6) الحديث في ن 6/8.(11/17)
أشار ابن حبان(1) إلى أن قوله: "والزعيم الحميل" مدرج ومن ذلك قوله - في حديث عكرمة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: في صفة نزول الوحي: "تنزل الملائكة في العنان - والعنان السحاب..." الحديث(2) فإن قوله: "والعنان السحاب" مدرج.
وكذا قوله: في حديث لقيط بن صبرة(3) في قصة وفادته(4).
__________
(1) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7/ل28- 29 إسناده وإسناد النسائي إلى ابن وهب قال أخبرني أبو هانئ عن عمر بن مالك الجنبي أنه سمع فضالة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا زعيم، والزعيم الحميل لمن آمن بي وهاجر ببيت في ربض الجنة وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت ربض في الجنة وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في أعلا غرف الجنة..." الحديث.
قال أبو حاتم: "الزعيم لغة أهل المدينة والحميل لغة أهل مصر والكفيل لغة أهل العراق ويشبه أن تكون هذه اللفظة الزعيم الحميل من قول ابن وهب".
(2) لم أجد هذا الحديث لا عن عكرمة ولا غيره عن أبي هريرة وإنما وجدته من حديث عائشة والعباس وهو في خ، د، جه وقد نص الحافظ في فتح الباري 6/309 في كلامه على حديث عائشة وفيه "والعنان السحاب" أنه مدرج.
(3) لقيط بن صبرة - بفتح المهملة وكسر الموحدة - صحابي مشهور وهو أبو رزين العقيلي ويقال: أنهما اثنان/بخ 4. تقريب 2/138، الإصابة 3/113.
(4) هذه القصة رواها د 1- كتاب الطهارة 55- باب الاستنثار حديث 142 قال: كنت وافدا بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نصادفه في منزله وصادفنا عائشة أم المؤمنين قال: قال فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا قال: وأتينا بقناع والقناع الطبق فيه التمر..." الحديث وفيه طول. وقد أخرجه الترمذي برقم 38 مقتصرا على تخليل الأصابع، وجه في الطهارة برقم 407 مختصرا.(11/18)
قال فيه: "فأتينا بقناع/(ب330) من رطب - والقناع الطبق..." الحديث.
فقوله: "والقناع الطبق" مدرج في الخبر.
وقد ذكرت شواهد ذلك جميعه في الكتاب المذكور.
وعلى هذا فتضعيف ابن دقيق العيد للحكم بذلك فيه نظر فإنه إذا ثبت بطريقه أن ذلك من كلام بعض الرواة لا مانع(1) من الحكم عليه بالإدراج.
وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن ذلك فسواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر، فإن سبب ذلك الاختصار من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمج من غير تفصيل فيقع ذلك.
فقد روينا في كتاب الصلاة لأبي حاتم ابن حبان قال: "ثنا عمر بن محمد الهمداني قال: ثنا أبو بكر الأثرم(2) قال: قال أبو عبد الله: أحمد بن حنبل كان وكيع يقول في الحديث - يعني كذا وكذا - وربما حذف(3) يعني وذكر التفسير في الحديث.
وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه ربما(4) يقول له: افصل كلامك/(ر152/أ) من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد ذكرت كثيرا من هذه الحكايات وكثيرا من أمثلة ذلك في الكتاب المذكور، واسمه "تقريب المنهج بترتيب المدرج" أعان الله على تكميله وتبييضه إنه على كل شيء قدير.
تنبيه:
__________
(1) في كل النسخ لا يتابع والصواب ما أثبتناه والسياق يؤيده.
(2) هو: أحمد بن محمد بن هانئ الإسكاف الطائي الأثرم (أبو بكر) محدث فقيه صاحب أحمد بن حنبل له من الكتب السنن والتاريخ والعلل توفي سنة 261ه.
تذكرة الحفاظ 2/570- 571، معجم المؤلفين 2/ 167.
(3) في جميع النسخ "خرج" والصواب ما أثبتناه.
(4) في جميع النسخ "إنما" وقد كتب ناسخ (ر) فوق كلمة إنما "ربما" وهو الأولى.(11/19)
استدرك شيخنا(1) على الخطيب قوله: "إن عبد الحميد بن جعفر تفرد عن هشام بزيادة (ذكر الأنثيين والرفغين) في حديث بسرة بأن يزيد بن زريع رواه أيضا عن أيوب(2) وهو كما قال إلا أنه مدرج - أيضا -.
والذي أدرجه هو أبو كامل الجحدري راويه عن يزيد.
وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري وأبو الأشعث أحمد بن المقدام وأحمد بن عبيد الله العنبري(3) وغير واحد فرووه عن يزيد بن زريع مفصولا.
__________
(1) انظر التقييد والإيضاح ص130.
(2) في (ب) "الإثنتين والأربعين" وفي (ه) الرفقين والصواب ما أثبتناه. ورواية عبد الحميد هذه في السنن للدارقطني 1/148، العلل له 5/ل201 وقال الدارقطني عقبه في السنن: "ووهم في ذكر الأنثيين والرفغ وإدراجه ذلك في حديث بسرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمحفوظ أن ذلك من قول عروة، كذلك رواه الثقات عن هشام منهم: أيوب وحماد بن زيد وغيرهما.
(3) انظر روايتهما في سنن الدارقطني 1/148 ثم إن الدارقطني ذكر بعد الجزء المرفوع أن عروة كان يقول: "إذا مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ" من طريق أبي الأشعث عن أيوب ومن طريق حماد بن زيد كلاهما عن هشام عن عروة وكذا بين الدارقطني هذا الإدراج في كتابه العلل 5/ل201 من طريق ابن أبي الزياد عن هشام بن عروة قال عروة: "إذا مس أحدكم ذكره أو رفغه أو أنثييه أو فرجه فلا يصلي حتى يتوضأ".(11/20)
ولفظ الدارقطني من طريق أبي الأشعث(1) عن بسرة أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مس ذكره فليتوضأ" قال فكان عروة يقول: "إذا مس رفغه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ".
وذكر شيخنا(2) أن الدارقطني(3) زاد فيه ذكر الأنثيين من رواية ابن جريج - أيضا - عن هشام وهو كما قال، إلا أنه مدرج - أيضا - كما بينه الدارقطني، وكذا أخرجه الطبراني من رواية ابن جريج. وله طريقان آخران عن هشام بن عروة مدرجان يستدرك بهما على الخطيب أيضا.
أحدهما: من طريق محمد بن دينار(4) عن هشام عن أبيه عن بسرة - رضي الله عنها -قالت: قال(5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره، فلا يصلي حتى يتوضأ".
__________
(1) انظر روايتهما في سنن الدارقطني 1/148 ثم إن الدارقطني ذكر بعد الجزء المرفوع أن عروة كان يقول: "إذا مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ" من طريق أبي الأشعث عن أيوب ومن طريق حماد بن زيد كلاهما عن هشام عن عروة وكذا بين الدارقطني هذا الإدراج في كتابه العلل 5/ل201 من طريق ابن أبي الزياد عن هشام بن عروة قال عروة: "إذا مس أحدكم ذكره أو رفغه أو أنثييه أو فرجه فلا يصلي حتى يتوضأ".
(2) التقييد والإيضاح ص130.
(3) السنن 1/148.
(4) محمد بن دينار الأزدي ثم الطاحي - بمهملتين - أبو بكر ابن أبي فرات البصري، صدوق سيء الحفظ رمي بالقدر وتغير قبل موته من الثامنة/د ت. تقريب 2/160) وروايته في العلل للدارقطني 5/ل196/أ.
(5) في كل النسخ "قيل يا رسول الله" وهو خطأ يأباه السياق كما ترى.(11/21)
ثانيهما: رواه ابن شاهين في كتاب الأبواب عن ابن أبي داود ويحيى بن صاعد قالا: ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الأعلى ثنا هشام بن حسان(1) ثنا هشام بن عروة عن أبيه فذكر الحديث: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه فليعد الوضوء".
وسيأتي لفظه في النوع الثاني والعشرين إن شاء الله تعالى، ومما يدل على أنه لم يتقنه(2) أن ابن شاهين رواه أيضا عن البغوي (ه) عن الدقيقي، عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان عن هشام بن عروة بلفظ: "إذا مس أحدكم ذكره أو قال فرجه أو قال أنثييه فليتوضأ". فتردده يدل على أنه ما ضبطه.
وقد فصله حماد بن زيد وأيوب وغير واحد عن هشام، واقتصر على المرفوع منه فقط وشعبة والثوري وتمام عشرين من الحفاظ. كما بينته في الكتاب المذكور(3) ولله الحمد.
ومن أمثلته أيضا حديث: "ما عزت النية في الحديث إلا لشرفه" رواه الخطيب(4) من طريق شبل بن عباد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا وبين أنه لا أصل له من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من كلام يزيد بن هارون دخل لبعض الرواة فيه إسناد في إسناد.
__________
(1) هشام بن حسان الأزدي مولاهم الحافظ عن الحسن وابن سيرين وعنه القطان وأبو عاصم الأنصاري/ع مات سنة 148. الكاشف 3/221، التقريب 2/318 وروايته هذه في العلل للدارقطني 5/201/أ من طريق عبد الله بن بزيع عنه عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة وله رواية أخرى خالية من الإدراج من طريق يزيد بن هارون عنه عن هشام بن عروة به. العلل للدارقطني نفس اللوحة ورواية (ج) ثالثة في نفس اللوحة خالية من الإدراج من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عمار بن عمر عنه بإسناده.
(2) في (ب) : "لم ينفه" وفي (ه) "لم ينفيه" والمثبت من (ر) وهو الصواب.
(3) يعني كتابه تقريب المنهج وترتيب المدرج كما قد بينه الدارقطني وأطال النفس فيه بذكر جميع رواته واختلافاتهم. انظر كتابه العلل 5/ل195/ب، ل210/أ.
(4) لعله في كتابه الخاص بالمدرج.(11/22)
قلت: وأما مدرج الإسناد فهو على خمسة أقسام:
أحدها: أن يكون المتن مختلف الإسناد بالنسبة إلى أفراد رواته، فيرويه راو واحد عنهم، فيحمل بعض رواياتهم على بعض ولا يميز بينها.
ثانيها: أن يكون المتن عند الراوي له/(ر153/أ) بالإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه بعضهم عنه تاما بالإسناد الأول.
ثالثها: أن يكون متنان مختلفي الإسناد، فيدرج بعض الرواة شيئا من أحدهما في الآخر، ولا يكون ذلك الشيء من رواية ذلك الراوي، ومن هذه الحيثية، فارق القسم الذي قبله.
وهذه الأقسام الثلاثة قد ذكرها ابن الصلاح(1).
(وذكر مثلها عن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه -)(2).
إلا أن الأول قد يقع فيه إيهام وصل مرسل أو إيصال منقطع.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص78- 88.
(2) ما بين القوسين هكذا في جميع النسخ ولكني رجعت إلى مقدمة ابن الصلاح فوجدته قد مثل لكل الأقسام وليس فيها أي مثال عن حميد عن أنس بينما العبارة تفيد أن الأمثلة كلها عن حميد عن أنس ولعل قوله حميد عن أنس سبق قلم والله أعلم.(11/23)
مثاله: ما رواه عثمان بن عمر(1) عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي(2) وعبد الله بن حلام(3) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من بيت سودة رضي الله عنها فإذا امرأة على الطريق قد تشوفت ترجو أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...." الحديث.
وفيه: "إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه/(ه163/ب)، فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها".
فظاهر هذا السياق يوهم أن أبا إسحاق رواه عن أبي عبد الرحمن وعبد الله بن حلام جميعا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه.
__________
(1) عثمان بن عمر بن فارس العبدي، بصري، أصله من بخارى، ثقة قيل كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، من التاسعة مات سنة 209. تقريب 2/13، تهذيب التهذيب 7/142.
(2) أبو عبد الرحمن هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة - بفتح الموحدة وتشديد الياء - الكوفي المقرئ مشهور بكنيته ولأبيه صحبة، ثقة ثبت من الثانية مات بعد السبعين/ع. تقريب 1/408، الكاشف 2/79.
(3) عبد الله بن حلام روى عن عبد الله بن مسعود روى عنه أبو إسحاق الهمداني سمعت أبي يقول ذلك. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج2/قسم3/40، وفي ميزان الاعتدال 2/412 روى عن ابن مسعود مرفوعا: "إني رأيت امرأة فأعجبتني ..." الحديث رواه أبو إسحاق عنه وبعضهم وقفه لا يكاد يعرف.(11/24)
وليس كذلك، وإنما/(ب333) رواه أبو إسحاق، عن أبي عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا وعن أبي إسحاق(1) عن عبد الله بن حلام، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - متصلا بينه عبيد الله بن موسى وقبيصة(2) ومعاوية بن هشام عن الثوري متصلا.
رابعها: أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفا منه فإنه لم يسمعه من شيخه فيه وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه، فيدرجه بعض الرواة عنه فلا تفصيل.
وهذا مما يشترك(3) فيه الإدراج والتدليس.
مثال ذلك حديث إسماعيل بن جعفر(4)، عن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - في قصة العرنيين وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها"(5). ولفظة: "وأبوالها" إنما سمعها حميد من قتادة عن أنس - رضي الله تعالى عنه -.
بيّنه يزيد بن هارون ومحمد بن أبي عدي(6) ومروان بن معاوية وآخرون(7).
__________
(1) كذا في جميع النسخ.
(2) رواية قبيصة في دي 2/70 عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حلام عن عبد الله بن مسعود قال: "رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيبا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته، ثم قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها".
(3) من (ر) و(ه) و(ب) "يشرك".
(4) إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي، أبو إسحاق القارئ، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة 180/ع. تقريب 1/68، الكاشف 1/121.
(5) رواية إسماعيل هذه في ن 7/88، وانظر تحفة الأشراف 1/178.
(6) رواية بن أبي عدي هذه في ن 7/88، حم 3/107، 305.
(7) منهم خالد بن الحارث الهجيمي البصري وروايته في ن 7/88 عن حميد عن أنس وفيها: "وقال قتادة: وأبوالها".
ومنهم: عبد الله بن بكر عن حميد أيضا وروايته في شرح معاني الآثار للطحاوي 1/107 وفيها بعد رواية الحديث قال: "وذكر قتادة أنه قد حفظ عنه أبوالها".(11/25)
كلهم يقول فيه: "فشربتم من ألبانها" قال حميد: قال قتادة عن أنس رضي الله عنه "وأبوالها". فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج وتسوية(1) والله أعلم.
خامسها: أن لا يذكر المحدث متن الحديث، بل يسوق إسناده فقط، ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد.
__________
(1) في قول الحافظ هذا نظر وذلك أن عبد الوهاب الثقفي وابن وهب عن عبد الله بن عمر وغيره وهشيم قد تابعوا إسماعيل بن جعفر في حميد فرووا عنه لفظة "وأبوالها" بدون فصل فلم يذكروا عن حميد قال قتادة: "وأبوالها".
أما رواية عبد الوهاب ففي جه 20 كتاب الحدود 20 باب من حارب وسعى في الأرض فسادا حديث 2587 ولفظها: "لو خرجتم إلى ذود لنا له فشربتم من ألبانها وأبوالها".
وأما رواية ابن وهب عن عبد الله بن عمر وغيره عن حميد، ففي ن 7/87 ولفظها: "فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذود له فشربوا من ألبانها وأبوالها".
وأما رواية هشيم فهي عن عبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وهي في م 28 كتاب القسامة حديث 9 ولفظها "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها".
كل هذه الروايات ليس فيها فصل وهذا مما يبعد إسماعيل بن جعفر عن وصمة التدليس والإدراج والظاهر أن هذا من تصرف حميد، فكان والله أعلم تارة يروي الحديث ولا يبين ما سمعه بواسطة قتادة وأخرى يبين ويفصل بين ما سمعه من أنس مباشرة وما سمعه بواسطة قتادة فحدث كل من أصحابه بما سمع.(11/26)
ومثاله: في قصة ثابت بن موسى الزاهد(1) مع شريك القاضي كما مثل به ابن الصلاح لشبه الوضع(2)، وجزم ابن حبان(3) بأنه من المدرج.
هذه أقسام المدرج الإسناد، والطرق إلى معرفة كونه مدرجا أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة وتتقوى الرواية المفصلة، بأن يرويه بعض الرواة مقتصرا على إحدى الجملتين كما روى أحمد من طريق روح بن عبادة(4)، عن شعبة عن قتادة عن مطرف(5) عن عائشة رضي الله عنها قالت/(ب334): "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح/(ح164/أ) قدوس رب الملائكة والروح"(6).
__________
(1) ثابت بن موسى بن عبد الرحمن بن سلمة الضبي، أبو يزيد الكوفي الضرير العابد ضعيف الحديث، من العاشرة مات سنة 229/ق. تقريب 1/117.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص90 ذكره في النوع الحادي والعشرين معرفة الموضوع قال: "وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" أخرج حديثه هذا جه 5 كتاب إقامة الصلاة 174 باب ما جاء في قيام الليل حديث 1333، العلل لابن أبي حاتم 1/74 وقال عقبه: "والحديث موضوع".
(3) انظر كتاب المجروحين 1/207.
(4) روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة مات سنة 205/ع. تقريب 1/253، الكاشف 1/313.
(5) مطرف بن عبد الله بن الشخير - بكسر المعجمة وتشديد الخاء - العامري أبو عبد الله البصري، ثقة فاضل من الثانية مات سنة 95/ع. تقريب 1/253، الكاشف 3/150.
(6) حديث روح بن عبادة في حم 6/244 مكررا وفيه ذكر الركوع فقط.(11/27)
ورواه أيضا عن سليمان بن حرب(1) وعفان بن مسلم(2) عن شعبة فبين أن قوله: "وسجوده" سمعه شعبة من هشام عن قتادة.
ورواه أيضا عن بهز بن أسد عن شعبة عن قتادة فلم يذكر سجوده(3).
وهكذا رواه جماعة عن شعبة مقتصرين على ذكر الركوع وهم: يزيد بن زريع، والنضر بن شميل، وابن أبي عدي(4)، وخالد بن الحارث(5)، ويحيى بن سعيد(6)، وغيرهم.
قلت: رواه مسلم(7) من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة وهشام جميعا عن قتادة ولم يذكر لفظه، لكنه عطفه على حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وحديث سعيد فيه ذكر الركوع - أيضا - فلم يقع التفصيل في رواية مسلم كما ينبغي(8).
وهذا مثال القسم الرابع الذي ذكرناه - أيضا - والله سبحانه وتعالى الموفق.
النوع الحادي والعشرون: الموضوع
__________
(1) حديثهما في حم 6/115 وفيه: "كان يقول في ركوعه سبوح قدوس" لكن قال عقبه قال شعبة حدثني هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن مطرف عن عائشة أنها قالت: "في ركوعه وسجوده".
(2) حديثهما في حم 6/115 وفيه: "كان يقول في ركوعه سبوح قدوس" لكن قال عقبه قال شعبة حدثني هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن مطرف عن عائشة أنها قالت: "في ركوعه وسجوده".
(3) حم 6/176 والأمر كما قال الحافظ وحم 6/94 وفيه الركوع والسجود.
(4) رواية ابن أبي عدي ويحيى في ن 2/178 وفيه "كان يقول في ركوعه وسجوده".
(5) رواية خالد في ن 2/149 وفيها "كان يقول في ركوعه" كما قال الحافظ.
(6) رواية ابن أبي عدي ويحيى في ن 2/178 وفيه "كان يقول في ركوعه وسجوده".
(7) 4- كتاب الصلاة 42- باب ما يقال في الركوع والسجود حديث 223 من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن مطرف عن عائشة وفيه "كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس"، وحديث 224 من طريق أبي داود عن شعبة وهشام ولم يسق لفظه ولكنه قال: بهذا الحديث.
(8) يرى الحافظ أنه كان ينبغي لمسلم أن يبين أن في رواية شعبة ذكر الركوع فقط وأن رواية هشام مشتملة على الركوع و السجود.(11/28)
117- قوله (ص): "وهو المختلق المصنوع"(1).
قلت: هذا تفسير بحسب الاصطلاح، وأما من حيث اللغة، فقد قال أبو الخطاب ابن دحية: "الموضوع: الملصق، وضع فلان على فلان كذا: أي ألصقه به".
وهو - أيضا - الحط(2) والإسقاط.
والأول أليق بهذه الحيثية، - والله أعلم -.
118- قوله (ص): "اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة"(3).
هذه العبارة سبقه إليها الخطابي واستنكرت، لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي، إذ أفعل(4) التفضيل إنما يضاف إلى بعضه، ويمكن الجواب بأنه أراد بالحديث القدر المشترك، وهو ما يحدث به.
وقوله: "إنه شر الأحاديث الضعيفة" تقدم ما فيه في قسم/(ب335) الضعيف(5).
119- قوله (ص): "ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه..."(6) إلى آخره.
يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"(7).
ويرى - مضبوطة بضم الياء - بمعنى/(ه164/ب) يظن.
وفي "الكاذبين" روايتان:
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص89.
(2) هذه الكلمة جاءت في (ه) و(ب) بلفظ "الخط" بالخاء المعجمة وفي (ر) الخطأ بالخاء المعجمة والصواب ما أثبتناه. انظر القاموس 3/94 مادة وضع.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص89.
(4) في كل النسخ "فعل" والصواب ما أثبتناه كما هو معروف.
(5) انظر ص494.
(6) مقدمة ابن الصلاح ص89 وتمامه "بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب".
(7) مقدمة صحيح مسلم ص9 وأسنده مسلم لسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة والحديث في ت 42- كتاب العلم 9- باب فيمن روى حديثا وهو يرى أنه كذب حديث 2662 عن المغيرة بن شعبة ثم رواه معلقا عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة مرفوعا، جه المقدمة حديث 38 عن علي، 39 عن سمرة، 40 عن علي، 41 عن المغيرة، حم 5/14، 20 من حديث سمرة.(11/29)
إحداهما: بفتح الباء على إرادة التثنية.
والأخرى: بكسرها على صيغة الجمع.
وكفى بهذه الجملة وعيدا شديدا في حق من روى الحديث فيظن أنه كذب فضلا عن أن يتحقق ذلك ولا يبينه، لأنه/(ر154/ب) - صلى الله عليه وسلم - جعل المحدث بذلك مشاركا لكاذبه في وضعه، وقال مسلم في مقدمة صحيحه: "اعلم أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع". وكلامه موافق لما دل عليه الحديث المذكور.
وقول ابن الصلاح(1): "بخلاف الأحاديث الضعيفة التي يحتمل(2) صدقها في الباطن".
يريد جعل احتمال صدقها قيدا في جواز العمل بها.
لكن هل يشترط في هذا الاحتمال أن يكون قويا بحيث يفوق احتمال كذبها أو يساويه أو لا؟
هذا محل نظر، والذي يظهر من كلام مسلم ربما دل عليه الحديث المتقدم، بأن احتمال الصدق إذا كان احتمالا ضعيفا أنه لا يعتد به.
وقال الترمذي(3): "سألت أبا محمد (يعني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) عن هذا الحديث (يعني حديث سمرة المذكور) فقلت له: "من روى حديثا وهو يعلم أن إسناده خطأ أيخاف أن يكون دخل في هذا الحديث وإذا روى الناس حديثا مرسلا فأسنده بعضهم أو قلب إسناده؟"
فقال: "لا، إنما معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثا ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلا فحدث فأخاف أن يكون دخل في هذا الحديث".
56- قوله (ع)(4): "وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه، لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع" فقال في الاقتراح(5):
"هذا كاف في رده ليس بقاطع..." إلى آخره.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص89.
(2) في جميع النسخ "يحمل" والتصويب من مقدمة ابن الصلاح.
(3) السنن 5/37 عقب حديث 2662 السابق.
(4) التقييد والإيضاح ص131.
(5) الاقتراح ل10/ب).(11/30)
قلت/(ر155/أ): كلام ابن دقيق العيد ظاهر في أنه لا يستشكل الحكم لأن الأحكام لا يشترط فيها القطعيات ولم يقل أحد/(ه165/أ) أنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار، إلا أن إقرار الواضع بأنه وضع يقتضي موجب الحكم العمل بقوله، وإنما نفى ابن دقيق العيد القطع بكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه فقط، فلم يعترض لتعليل ذلك ولم يعلل بأنه يلزم العمل بقوله بعد اعترافه، لأنه لا مانع من العمل بذلك، لأن اعترافه بذلك يوجب ثبوت فسقه وثبوت فسقه لا يمنع العمل بموجب إقراره كالقاتل - مثلا - إذا اعترف بالقتل عمدا من غير تأويل، فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك فنقتله عملا بموجب إقراره مع احتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الإقرار بعينه.
ولهذا حكم الفقهاء على من أقر بأنه شهد الزور بمقتضى اعترافه.
وهذا كله مع التجرد، أما إذا انضم إلى ذلك قرائن تقتضي صدقه في ذلك الإقرار كمن روى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - حديث الأعمال بالنيات، فإنا نقطع(1) بأنه ليس من رواية مالك ولا نافع ولا ابن عمر مع ترددنا في كون الراوي له على هذه الصورة كذب أو غلط فإذا أقر أنه غلط لم نرتب في ذلك، ولا سيما إن كان إخباره لنا بذلك بعد توبته.
وقد حكى مهنا بن يحيى أنه سأل أحمد عن حديث إبراهيم بن موسى المروزي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - رفعه "العلم فريضة على كل مسلم".
فقال أحمد: "هذا كذب"(2).
يعني بهذا الإسناد.
ثم إن شيخنا - رضي الله عنه - مثل لقول ابن الصلاح: "أو ما يتنزل منزلة إقراره"(3).
__________
(1) وهذا القطع لا يحصل إلا لأئمة الحديث الذين يتمتعون بالاطلاع الواسع على معرفة متون الأحاديث وطرقها.
(2) انظر ميزان الاعتدال 1/69.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص89.(11/31)
بما إذا حدث محدث عن شيخ، ثم ذكر أن مولده في تأريخ يعلم تأخره، عن وفاة ذلك الشيخ(1) ولم يتعقبه بما تعقبه به الأول(2) والاحتمال يجري فيه كما يجري في الأول سواء، فيجوز أن يكذب في تاريخ مولده بل يجوز أن يغلط في التأريخ ويكون في نفس الأمر صادقا".
والأولى أن يمثل لذلك بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح أنهم اختلفوا بحضور أحمد بن عبد الله(3) الجويباري(4) في/(ه165/ب) سماع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه - فروى لهم حديثا بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "سمع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه -"(5).
وأن يمثل بالتأريخ لقول ابن الصلاح: "أو من قرينة حال الراوي".
وقد استشكل بعضهم الحكم على الحديث بالوضع لركاكة لفظه. ولم يتعرض شيخنا له، فأفردته كما سيأتي.
102- قوله (ص)(6): "وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي".
قلت: هذا الثاني هو الغالب، وأما الأول فنادر.
قال ابن دقيق العيد(7): "وكثيرا ما يحكمون بذلك باعتبار يرجع إلى المروي وألفاظ الحديث".
__________
(1) التقييد والإيضاح ص133.
(2) يعني بالأول اعتراف الواضع على نفسه بالوضع.
(3) في (ه) و(ر) "عبيد الله" والتصويب من الميزان للذهبي وكتاب المجروحين لابن حبان.
(4) أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى العبسي أبو علي الجويباري من أهل هراة، دجال من الدجاجلة يروي عن وكيع وابن عيينة وغيرهما من الثقات ويضع عليهم ما لم يحدثوا وقد روى عن هؤلاء الأئمة ألوف حديث ما حدثوا بشيء منها كان يضعها عليهم. كتاب المجروحين لابن حبان 1/142، وميزان الاعتدال للذهبي 1/106- 108.
(5) انظر ميزان الاعتدال للذهبي 1/108 وقد نسبه إلى البيهقي عن شيخه الحاكم. قلت عمل الجويباري هذا من أصرح أنواع الكذب وأسخفها.
(6) مقدمة ابن الصلاح ص89.
(7) الاقتراح ل10/ب.(11/32)
وحاصله يرجع/(ب338) إلى أنه حصلت لهم بكثرة محاولة ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هيئة نفسانية وملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظه وما لا يجوز كما سئل بعضهم كيف يعرف أن الشيخ كذاب قال: "إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها علمت أنه كذاب". ثم مثل لقرينة حال الراوي بقصة غياث بن إبراهيم(1) مع المهدي.
وهذا أولى من التسوية بينهما، فإن معرفة الوضع من قرينة حال المروي أكبر من قرينة حال الراوي.
__________
(1) غياث بن إبراهيم كنيته أبو عبد الرحمن من أهل الكوفة كان يضع الحديث على الثقات ويأتي بالمعضلات عن الأثبات، روى عن العراقيين، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. كتاب المجروحين لابن حبان 2/200، وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال 3/337.
وقصته كما حكاها ابن حبان في كتاب المجروحين 1/66 قال: "فأما هذا النوع (يعني من يضع الحديث عند الحوادث يضعها للملوك وغيرهم) فهو كغياث بن إبراهيم حيث أدخل على المهدي، وكان المهدي يشتري الحمام ويشتهيها كثيرا ويلعب بها فلما دخل غياث على المهدي إذا قدامه حمام... فقال: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح" فأمر له المهدي ببدرة فلما قام قال: "أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ثم قال المهدي: "أنا حملته على ذلك" ثم أمر بالحمام فذبح". وانظر القصة في كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1/42.(11/33)
ومن جملة القرائن الدالة على الوضع: الإفراط(1) بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير(2)/(ر156/أ) وهذا كثير موجود في حديث القصاص والطرقية(3)، والله أعلم.
121- قوله (ص): "وقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها"، انتهى.
اعترض عليه بأن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى. نعم إن صرح الراوي بأن هذا صيغة لفظ الحديث وكانت تخل بالفصاحة أو لا وجه لها في الإعراب دل على(4) ذلك.
والذي يظهر أن المؤلف (لم يقصد ركاكة اللفظ)(5) وحده تدل كما تدل ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين: ركاكة اللفظ والمعنى معا.
__________
(1) في جميع النسخ "أن الإفراط" وواضح أنه لا داعي لكلمة "أن".
(2) انظر - مثلا - حكاية القصاص الذي روى قصة نحو عشرين ورقة بحضرة الإمامين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1/46 وأولها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إله إلا الله خلق الله كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان..." فسأله يحيى بن معين عمن حدثه بها فقال: "أحمد بن حنبل ويحيى بن معين" فقال يحيى: "أنا يحيى وهذا أحمد ما سمعنا بهذا قط..." فقال: "لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا الساعة... كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين".
(3) نقل الصنعاني هذا الكلام في توضيح الأفكار 2/94 من قوله: "وهذا الثاني هو الغالب" إلى هنا.
(4) كلمة "على" ليست موجودة في كل النسخ إلا أنها مكتوبة في هامش (ر) ثم في النص الذي نقله الصنعاني في توضيح الأفكار.
(5) في كل النسخ "لم يفصل وركاكة اللفظ" فأثبتُّ ما تراه ليستقيم الكلام.(11/34)
لكن يرد عليه أنه ربما كان اللفظ فصيحا والمعنى/(ه166/أ) ركيكا إلا أن ذلك يندر وجوده، ولا يدل بمجرده على الوضع بخلاف اجتماعهما تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني.
وقد روى الخطيب(1) وغيره من طريق الربيع بن خثيم(2) التابعي الجليل قال: إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر(3).
تنبيه:
أخل المصنف بذكر أشياء ذكرها غيره مما يدل على الوضع من غير إقرار الواضع.
[دلائل الوضع:]
منها جعل الأصوليين من دلائل الوضع أن يخالف العقل ولا يقبل تأويلا، لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل.
وقد حكى الخطيب هذا في أول كتابه الكفاية(4) تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأقره. فإنه قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام:
1- ما يعرف صحته.
2- وما يعلم فساده.
3- وما يتردد بينهما.
ومثل للثاني بما تدفع العقول صحته بموضوعها والأدلة المنصوصة فيها نحو الإخبار عن قدم الأجسام وما أشبه ذلك.
ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالخبر عن الجميع بين/(ر156/ب) الضدين وقول الإنسان: أنا الآن طائر في الهواء أو أن مكة لا وجود لها في الخارج.
ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحاج عن البيت، ثم لا ينقله منهم إلا واحد؛ لأن العادة جارية بتظاهر الأخبار في مثل ذلك.
ومنها: ما يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا.
ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي.
__________
(1) الكفاية ص605.
(2) الربيع بن خثيم - بضم المعجمة وفتح المثلثة - بن عائذ بن عبد الله الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية، مات سنة 61 أو 63/خ م قد س ق.
تقريب 1/244، الكاشف 1/304. هذا وفي كل النسخ "ابن خيثم" بتقديم الياء وهو خطأ.
(3) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 2/94 من قول الحافظ "اعترض عليه بأن ركاكة اللفظ.." إلى هنا.
(4) ص17.(11/35)
ومنها: أن يكون فيما يلزم المكلفين عمله وقطع العذر فيه فينفرد به واحد، وفي تقييده السنة المتواترة، احتراز من غير المتواترة فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفة السنة مطلقا وأكثر من ذلك الجوزقاني في (كتاب الأباطيل) له.
وهذا لا يأتي إلا حيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه/(ه166/ب) أما مع إمكان الجمع، فلا كما زعم بعضهم أن الحديث الذي رواه الترمذي(1) وحسنه من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: "لا يؤمن عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم" موضوع؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه أنه كان يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب" وغير ذلك/(ب340)، لأنا نقول يمكن حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية؛ لأن الإمام والمأموم يشتركان فيه بخلاف ما لم يؤثر.
وكما زعم ابن حبان في صحيحه(2) أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لست كأحدكم إني أطعم وأسقى" دل على أن الأخبار التي فيها أنه كان يضع الحجر على بطنه من الجوع باطلة.
وقد رد عليه ذلك الحافظ ضياء الدين فشفى وكفى.
ومنها ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي أن الخبر إذا روي في زمان قد استقرت فيه الأخبار، فإذا فتش عنه فلم يوجد في/(ر157/أ) بطون الكتب، ولا في صدور الرجال علم بطلانه.
__________
(1) 265 باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء حديث 357 قال الترمذي عقبه: "وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة قال أبو عيسى حديث ثوبان حديث حسن".
ورواه أحمد 1/280، وأبو داود 1/34، وابن ماجه 1/110، 153، 154.
(2) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 5/ل213 قال بعد أن روى أحاديث في النهي عن الوصال وفيها: "إني لست كأحدكم إني أطعم وأسقى" ثم قال: "هذا الخبر دليل على أن الأخبار التي فيها ذكر وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجر على بطنه كلها أباطيل وإنما معناها الحجز لا الحجر والحجز طرف الإزار...".(11/36)
وأما في عصر الصحابة رضي الله عنهم حين لم تكن الأخبار استقرت فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما لا يوجد عند غيره(1).
قال العلائي: "وهذا إنما يقوم به (أي بالتفتيش عليه) الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو بمعظمه كالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة.
ومن دونهم كالنسائي، ثم الدارقطني؛ لأن(2) المأخذ(3) الذي يحكم به(4) غالبا على الحديث بأنه موضوع إنما هي الملكة النفسانية الناشئة عن جمع الطرق والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع، هذا ما يأباه تصرفهم(5) فا(6)/(ه167/أ) لله أعلم.
122- قوله (ص): "ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين ..."(7) إلخ.
قال شيخنا في شرح منظومته(8): "عنى ابن الصلاح بذلك أبا الفرج ابن الجوزي".
وقال العلائي: "دخلت على ابن الجوزي الآفة من التوسع في الحكم بالوضع لأن مستنده(9) في غالب ذلك بضعف(10) راويه".
__________
(1) انظر شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول القرافي ص355- 356.
(2) في (ب) "كأن".
(3) في (ر) و(ب) "المآخذ" بالجمع والصواب ما أثبتناه من (ه).
(4) في جميع النسخ "بها" والصواب ما أثبتناه لأن الضمير عائد إلى "الذي".
(5) نقل الصنعاني هذا الكلام في توضيح الأفكار 2/96 من قوله: "تنبيه" إلى هنا.
(6) كذا بالفاء في جميع النسخ.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص89 وتمامه: "فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه".
(8) 1/262.
(9) في (ه) "مسنده".
(10) كذا بالباء في كل النسخ.(11/37)
قلت: وقد يعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمولا على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه، ويكون المتن قد روي من وجه آخر لم يطلع هو عليه أو لم يستحضره حالة التصنيف(1)، فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها.
فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي/(ر157/ب) يحتمل في الترغيب والترهيب وقليل من الأحاديث الحسان.
كحديث صلاة التسبيح(2)
__________
(1) في (ب) "التضعيف".
(2) حديث صلاة التسبيح أورده ابن الجوزي في الموضوعات من عدة طرق (2/43، 46) من حديث العباس بن عبد المطلب ومن حديث عبد الله بن عباس ومن حديث أبي رافع ولفظه من حديث العباس: "يا عم ألا أهب لك، ألا أعطيك، ألا أمنحك. قال: أربع ركعات إذا قلت فيهن ما أعلمك غفر لك: تبدأ فتكبر ثم تقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ثم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشر مرة، فإذا ركعت فقل مثل ذلك عشر مرات فإذا قلت سمع الله لمن حمده قلت مثل ذلك عشر مرات، فإذا سجدت قلت مثل ذلك عشر مرات، فإذا رفعت رأسك من السجود قلت مثل ذلك عشر مرات قبل أن تقوم ثم افعل في الركعة الثانية مثل ذلك.." الحديث. ثم قال ابن الجوزي: هذه الطرق كلها لا تثبت.
أما الطريق الأول: (يعني طريق حديث العباس) ففيه صدقة بن يزيد الخرساني قال أحمد: "حديثه ضعيف". وقال البخاري: "منكر الحديث". وقال ابن حبان: "حدث عن الثقات بالأشياء المعضلات لا يجوز الاشتغال بحديثه عنه الاحتجاج به".
وأما الطريق الثاني: (يعني طريق حديث ابن عباس) فإن موسى بن عبد العزيز مجهول عندنا.
وأما الطريق الثالث: (يعني طريق حديث أبي رافع) ففيه موسى بن عبيدة قال أحمد: "لا تحل عندي الرواية عنه وقال يحيى ليس بشيء. ثم ساقه من طريق أخرى موقوفة ومرفوعة وطعن فيها والحديث رواه د 2 كتاب الصلاة 303 باب صلاة التسبيح حديث 1267، جه 5 كتاب الإقامة الصلاة 190 باب ما جاء في صلاة التسبيح حديث 1387 كلاهما من حديث ابن عباس وفي إسناده موسى بن عبد العزيز السالف الذكر وقد قال ابن الجوزي: إنه مجهول لكن الحافظ قال فيه صدوق سيء الحفظ.
وقال الذهبي في الميزان: "ولم يذكره أحد في الضعفاء أبدا ولكن ما هو بالحجة". وقال ابن معين: "لا أرى به بأسا" وقال النسائي: "ليس به بأس". وقال ابن حبان: "ربما أخطأ". وقال أبو الفضل السختياني: "منكر الحديث". وقال ابن المديني: "ضعيف" قلت - القائل الذهبي -: حديثه من المنكرات لاسيما والحكم بن أبان أيضا ليس بالثبت". ورواة ت أبواب الصلاة 350 باب ما جاء في صلاة التسبيح حديث 482، جه 5 كتاب الإقامة 190 باب ما جاء في صلاة التسبيح حديث 1386 كلاهما من حديث أبي رافع، وفي إسناده موسى بن عبيدة السابق الذكر.(11/38)
.
وكحديث قراءة أية الكرسي دبر الصلاة، فإنه صحيح رواه النسائي(1) وصححه ابن حبان وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جدا.
وأما من مطلق الضعف فيفه كثير من الأحاديث.
__________
(1) في اليوم والليلة انظر تحفة الأشراف 4/180، والنكت الظراف على تحفة الأشراف بهامش تحفة الأشراف 4/181 من حديث أبي أمامة وأورده ابن الجوزي في كتابه الموضوعات 1/243 من حديث علي - رضي الله عنه - وفي إسناده نهشل بن سعيد قال ابن الجوزي: "كذبه أبو داود الطيالسي وابن راهوية" وقال الرازي والنسائي: "هو متروك". ولفظ حديث علي: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت". ثم أورده ابن الجوزي من حديث جابر من طريقين؛ الأولى فيها إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التميمي قال ابن عدي: "هذا حديث باطل لا يرويه عن ابن جريج إلا إسماعيل وكان يحدث عن الثقاة الأباطيل". وقال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الثقات". وقال أبو الفتح الأزدي: "ركن من أركان الكذب". والثانية قال فيها ابن الجوزي: "وهذا الطريق فيه مجاهيل وأحدهم سرقه من الطريق الأول ثم رواه من حديث أبي أمامة" وقال: "قال الدارقطني: غريب من حديث الألهاني (يعني محمد بن زياد الألهاني) تفرد به محمد بن حمير عنه قال يعقوب بن سفيان ليس بالقوي". وقال أبو حاتم: "لا يحتج به". وقال الحافظ في محمد بن حمير: "إنه صدوق". التقريب 2/156 وعد الذهبي في الميزان هذا الحديث في غرائبه، انظر الميزان 3/532. ففي تصحيح الحافظ له نظر بل هو ضعيف في نظري من طريق أبي أمامة وحديثا جابر وعلي رضي الله عنهما لا يصلحان للاعتبار ولا ينهضان لجبران حديث أبي أمامة كما ترى خصوصا وأن لفظ حديث جابر يختلف تماما عن لفظ حديث أبي أمامة وعلي.(11/39)
نعم أكثر الكتاب موضوع وقد أفردت لذلك تصنيفا أشير إلى مقاصده. فمما فيه من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة حديث صلاة التسبيح وقراءة آية الكرسي كما تقدم وحديث ...(1).
ولابن/(ه167/ب) الجوزي كتاب آخر أسماه (العلل المتناهية)(2) في الأحاديث الواهية أوردة فيه كثيرا من الأحاديث الموضوعة.
كما أورد في كتابه الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية.
وفاته من كل النوعين قدر ما كتب في كل منها أو كثيرا والله الموفق.
[أصناف الوضاعين الزنادقة:]
123- قوله (ص): "والواضعون للحديث أصناف"(3).
قلت لم يبن ذلك وسائقهم إلى ذلك والهاجم عليه منهم.
أولا: الزنادقة(4) حملهم على وضعها الاستخفاف بالدين كمحمد بن سعيد المصلوب(5)، والحارث الكذاب(6) الذي ادعى النبوة، والمغيرة بن سعيد الكوفي(7) وغيرهم.
__________
(1) هنا بياض في كل النسخ وفي هامش (ر) "بياض في الأم" وفي هامش (ه) "وكتب في الأصل يرجع في العرضة". وفي هامش (ب) "وجدت في الأصل - الكلام الآتي -: قد كان في المنقول عنه كذا بياض في الأصل قدر أحد عشر سطرا".
(2) مخطوط يوجد منه مصورة في مكتبة مكة بمكة المكرمة، وصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وقد طبع الكتاب في باكستان.
(3) مقدمة ابن الصلاح 90.
(4) انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/62- 63، والموضوعات لابن الجوزي 1/37، تنزيه الشريعة لابن عراق 1/11.
(5) محمد بن سعيد الدمشقي الشامي المصلوب في الزندقة، قال البخاري: "ترك حديثه". وقال النسائي وغيره: "كذاب". المغني للذهبي 2/585، وانظر ترجمته في كتاب المجروحين لابن حبان 2/247- 249، الموضوعات لابن الجوزي 1/279.
(6) الحارث بن سعيد الكذاب المتنبي، صلبه عبد الملك بن مروان، لم يرو شيئا.
ميزان الاعتدال 1/434.
(7) مغيرة بن سعيد في عصر التابعين حرقوه بالنار على زندقته، حكى عنه الأعمش أنه قال: "كان علي قادر على إحياء الموتى". المغني في الضعفاء للذهبي 2/672، الميزان للذهبي 4/160- 163.(11/40)
حتى قال حماد بن زيد: "وضعت الزنادقة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألف حديث" رواه العقيلي(1).
من بلايا محمد بن سعيد الدالة على زندقته روايته: "أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله"(2).
[أصحاب الأهواء:]
الصنف الثاني: أصحاب الأهواء كالخوارج والروافض ومن عمل بعملهم من متعصبي المذاهب كما روى ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل(3) عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعدما تاب: "انظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا".
__________
(1) في كتابه الضعفاء 1/ل4/أ، وانظر الكفاية ص431. لكنه قال: "اثني عشرة ألف حديث".
(2) الموضوعات لابن الجوزي 1/279، المغني في الضعفاء للذهبي 2/585.
(3) لم أجد هذا الكلام في مقدمة الجرح والتعديل وإنما وجدت في كتاب المجروحين لأبي حاتم ابن حبان 1/72 قريبا من هذا اللفظ، ونقله ابن الجوزي في كتابه الموضوعات 1/38 بإسناده إلى ابن حبان كما نقل ابن الجوزي بإسناده إلى عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة قال: "سمعت شيخا من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا".(11/41)
ومن خفي ذلك ما حكاه ابن عدي(1) أن محمد بن شجاع الثلجي(2) كان يضع الأحاديث التي ظاهرها التجسيم وينسبها إلى أهل الحديث بقصد الشناعة عليهم لما بينه وبينهم من العداوة المذهبية. وقال أبو العباس القرطبي صاحب المفهم: "استجاز بعض فقهاء أصحاب الرأي نسبة الحكم الذي القياس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسبة قولية. فيقول في ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوى الفقهاء ولأنهم ل يقيمون لها سندا."
[من رق دينه:]
الصنف الثالث: من حمله الشره ومحبة الظهور على الوضع من رق دينه من المحدثين فيجعل/(هـ168/أ) بعضهم للحديث(3) الضعيف إسنادا صحيحا مشهورا كمن يدعي سماع من لم يسمع. وهذا داخل في قسم المقلوب.
[من حمله التدين الناشئ عن الجهل:]
الصنف الرابع/(ر158/ب): من حمله التدين الناشئ/ عن الجهل وقد ذكره المصنف وتعلقوا(4) بشبه(5) باطلة.
__________
(1) الكامل ق/أ ل108.
(2) محمد بن شجاع بن الثلجي الفقيه البغدادي الحنفي كان ينال من أحمد والشافعي. قال زكريا الساجي: "محمد بن شجاع كذاب احتال في إبطال الحديث نصرة للرأي". ميزان الاعتدال (3/577- 578).
(3) في جميع النسخ للإسناد وهو خطأ.
(4) في (ه) "تعلق".
(5) في (ب) "بسبهة".(11/42)
الشبهة الأولى: أن الحديث الوارد في وعيد من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ورد في رجل معين ذهب إلى قوم وادعى أنه رسول(1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم(2) يحكم في دمائهم وأموالهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقتله(3) وقال هذا الحديث.
والجواب عن هذه الشبهة أن السبب المذكور لم يثبت إسناده، ولو ثبت لم يكن لهم فيه متمسك؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الشبهة الثانية: أن هذا الحديث في حق من كذب على نبينا يقصد به عيبه أو شين الإسلام.
وتعلقوا لذلك بما روي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم" قال: فشق ذلك على أصحابه رضي الله عنهم حتى عرف في وجوههم، وقالوا يا رسول الله قلت هذا ونحن نسمع منك الحديث فنزيد وننقص ونقدم ونؤخر فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لم أعن ذلك، ولكن عنيت من كذب علي يريد عيبي وشين الإسلام"(4).
__________
(1) كلمة "رسول" سقطت من (ه).
(2) كلمة "إليهم" سقطت من (ب).
(3) عزاه محقق تنزيه الشريعة 1/12 بالهامش إلى الطبراني في الأوسط. وإلى ابن عدي في الكامل. وانظر مجمع الزوائد 1/145 وعزاه إلى الطبراني في الكبير ثم قال: "وفيه أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف واهي الحديث". وهو من رواية محمد بن الحنفية عن رجل من أسلم صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -ومن حديث ابن عمر وعزاه الهيثمي إلى الطبراني في الأوسط ومن حديث بريدة. انظر الموضوعات لابن الجوزي 1/55.
(4) مجمع الزوائد 1/147-148 وعزاه إلى الطبراني في الكبير 8/155 وانظر الموضوعات لابن الجوزي 1/95.(11/43)
قال الحاكم: "هذا الحديث باطل وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية(1) اتفقوا على تكذيبه وقال صالح جزرة: "كان يضع الحديث"(2).
وقد تجاسر أبو جعفر محمد بن عبد الله الفاتني السلمي فزعم أنه رأى مناما طويلا ساقه في نحو من كراس وفيه قلت: "يا رسول الله فهذه الأخبار التي وضعوها عليك قال: "من تعمد علي كذبا يريد به إصلاحا لأمتي أو فع لهم درجة في الآخرة، فأنا أرحم الخلق به فلا أخاصمه وأشفع له والله أرحم مني, ومن قصد بذلك الكذب وإفساد أمتي وإبطال حقهم, فأنا خصمه ولا أشفع له" انتهى.
وهو كلام في غاية السقوط, إنما أوردته لئلا يغتر به لأنني رأيته في كلام العلامة مغلطاي أورده وقال ينظر فيه.
الشبهة الثالثة: قال الكرامية أو من قال منهم: "إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب، فهو كذب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا عليه".
وهو(3) جهل منهم باللسان، لأنه كذب عليه في وضع الأحكام فإن المندوب قسم منها، وتضمن ذلك الإخبار عن الله تعالى في الوعد على ذلك العمل بذلك الثواب.
الشبهة الرابعة: قالوا: ورد في بعض الطرق من حديث ابن مسعود(4) والبراء بن عازب(5) وغيرهما(6) - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "من كذب علي متعمدا ليضل الناس فليتبوأ مقعده من النار".
قالوا: فلتحمل الروايات المطلقة على الروايات المقيدة كما تعين حمل الروايات المطلقة على المقيدة بالتعمد.
والجواب أن قوله: "ليضل الناس".
اتفق أئمة الحديث على أنها زيادة ضعيفة.
__________
(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم جـ4/ق1/56، تاريخ بغداد 3/150) وقال الهيثمي بعد أن ساق حديث أبي أمامة: "ورواه عن الأحوص محمد بن الفضل بن عطية ضعيف". ?
(2) المدخل إلى الصحيح ل4.
(3) في (ر/أ) "وهذا".
(4) حديث ابن مسعود في مجمع الزوائد 1/144 وعزاه للبزار.
(5) حديث البراء في الموضوعات لابن الجوزي 1/96.
(6) من حديث جابر وابن عمر، انظر الموضوعات لابن الجوزي 1/96- 97.(11/44)
وأقوى طرقها ما رواه الحاكم(1) وضعفه من طريق يونس بن بكير(2) عن الأعمش عن طلحة بن مصرف(3)، عن عمرو بن شرحبيل(4)، عن ابن مسعود(5) - رضي الله عنه -.
قال: "وهم يونس في موضعين".
أحدهما: أنه أسقط بين طلحة وعمرو رجلا وهو أبو عمار.
الثاني: أنه وصله بذكر ابن مسعود - رضي الله عنه - وإنما هو مرسل(6). وعلى تقدير قبول هذه الزيادة، فلا تعلق بها لهم، ولأن لها وجهين صحيحين :
أحدهما: أن اللام في قوله: "ليضل" ليست للتعليل، وإنما هي لام العاقبة كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}(7) وهم لم يلتقطوه لقصد ذلك.
وثانيهما: أن اللام للتأكيد ولا مفهوم لها كما في قوله عز وجل: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}(8).
لأن افتراء الكذب على الله تعالى محرم مطلقا سواء قصد به الإضلال أو لم يقصده، والله تعالى أعلم.
__________
(1) في المدخل إلى الصحيح ل4/ب.
(2) في جميع النسخ "بكر" بدون ياء والصواب ما أثبتناه. وهو يونس بن بكير بن واصل الشيباني أبو بكر الجمال، الكوفي صدوق يخطئ من التاسعة مات سنة 199/خت م د ت ز ق. تقريب 2/384، ميزان الاعتدال 4/474.
(3) ابن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي - بالتحتانية - الكوفي ثقة قارئ فاضل من الخامسة مات سنة 112 أو بعدها/ع. تقريب 1/380، الكاشف 2/45.
(4) عمرو بن شرحبيل الهمداني أبو ميسرة الكوفي، ثقة عابد مخضرم مات سنة 63/خ م د ت س. تقريب 2/83، الكاشف 2/331.
(5) حديث ابن مسعود هذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/97.
(6) نقل ابن الجوزي هذين الوجهين عن الحاكم في الموضوعات 1/97.
(7) الآية 8 من سورة القصص.
(8) سورة الأنعام 144.(11/45)
الصنف الخامس: أصحاب/(ه169/أ) الأغراض الدنيوية كالقصاص(1) والسؤال في الطرقات وأصحاب الأمراء(2) وأمثلة ذلك كثيرة.
الصنف السادس: من لم يتعمد الوضع كمن يغلط فيضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام بعض الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم كما أشار إليه المصنف(3) في قصة ثابت بن موسى.
وكمن(4) ابتلي بمن يدس في حديثه ما ليس منه كما وقع ذلك لحماد بن سلمة مع ربيبه(5) وكما وقع لسفيان بن وكيع(6) مع وراقه ولعبد الله بن صالح كاتب الليث مع جاره(7) ولجماعة من الشيوخ المصريين في ذلك العصر مع خالد بن نجيح المدائني(8).
وكمن تدخل عليه آفة(9) في حفظه أو في كتابه أو في نظره فيروي ما ليس في حديثه غالطا.
قال العلائي: "فأشد(10) الأصناف ضررا أهل الزهد كما قال ابن الصلاح(11) وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -".
__________
(1) كالقصة التي ذكرناها في ص834 التي قالها ذلك القصاص بين يدي أحمد وابن معين.
(2) كقصة غياث بن إبراهيم مع الخليفة المهدي.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص90.
(4) في جميع النسخ "فمن" فأثبتنا ما تراه ليستقيم الكلام.
(5) هو ابن أبي العوجاء كان يدس في كتاب حماد أحاديث. الموضوعات لابن الجوزي 1/100.
(6) كان لسفيان هذا وراق يقال له قرطمة يدخل عليه الحديث. كتاب المجروحين 1/77، والموضوعات لابن الجوزي 1/100.
(7) كان لعبد الله بن صالح جار بينه وبينه عداوة، وكان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتبه في قرطاس بخط يشبه خط عبد الله ويطرحه في وسط كتبه فيجده عبد الله فيتوهم أنه خطه فيحدث به. الموضوعات لابن الجوزي 1/100.
(8) خالد بن نجيح مصري عن سعيد بن أبي مريم وأبي صالح، قال أبو حاتم: كذاب يفتعل الحديث وهذه الأحاديث التي أنكرت على أبي صالح يتوهم أنها من فعله.ميزان الاعتدال 1/644.
(9) في كل النسخ "أنه" والصواب ما أثبتناه.
(10) في جميع النسخ "فأشبه" وهو خطأ.
(11) انظر مقدمة ابن الصلاح ص90.(11/46)
وأما باقي(1) الأصناف كالزنادقة، فالأمر فيهم أسهل لأن كون تلك الأحاديث كذبا لا يخفى إلا على الأغبياء وكذا أهل الأهواء من الرافضة والمجسمة والقدرية في شد بدعهم.
وأما أصحاب الأمراء والقصاص، فأمرهم أظهر؛ لأنهم في الغالب ليسوا من أهل الحديث(2).
قلت: وأخفى الأصناف القسم الأخير(3) الذين لم يتعمدوا مع وصفهم بالصدق، فإن/(ر159/أ) الضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد - والله الموفق -.
تنبيه:
الكرامية - بتشديد الراء - نسبة إلى محمد بن كرام السجستاني(4) وكان عابدا زاهدا إلا أنه خذل كما قال ابن حبان: "فالتقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها وصحب أحمد بن عبد الله الجويباري، فكان يضع له الحديث على وفق مذهبه"(5).
قال أبو العباس السراج: "شهدت محمد بن إسماعيل البخاري ودفع إليه كتاب من محمد بن كرام يسأله عن أحاديث منها: سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رفعه: "الإيمان يزيد ولا ينقص"(6).
قال فكتب على ظهر كتابه: "من حدث بهذا استوجب الضرب/(ه169/ب) الشديد والحبس الطويل".
وقد ذكر الحاكم لمحمد بن كرام ترجمة جيدة وذكر أن ابن خزيمة اجتمع به غير مرة وكان يثني عليه.
__________
(1) كلمة "باقي" سقطت من (ب).
(2) في كل النسخ "الخبائث" وفي هامش (ر) و(ب) "الحديث" فأثبتناه.
(3) يعني الصنف السادس.
(4) في جميع النسخ "عبد الله بن محمد بن كرام" وهو خطأ والتصويب من الميزان واللسان وغيرهما والصواب أنه محمد بن كرام السجستاني العابد المتكلم شيخ الكرامية ساقط الحديث على بدعته أكثر عن أحمد بن عبد الله الجويباري ومحمد بن تميم السعدي وكانا كذابين، مات سنة 255.
ميزان الاعتدال 4/21، كتاب المجروحين 2/301 الطبعة الهندية.
(5) انظر كتاب المجروحين لابن حبان 2/301، ميزان الاعتدال 4/21.
(6) ميزان الاعتدال 4/21، ولكن فيه "لا يزيد ولا ينقص".(11/47)
وكرام المشهور - بتشديد الراء - ضبطه الخطيب وابن ماكولا وابن السمعاني وأبى ذلك متكلم الكرامية أبو عبد الله محمد بن الهيصم في كتابه (مناقب محمد بن كرام) فقال: "المعروف في ألسنة المشايخ كرام بالفتح والتخفيف".
وزعم أنه بمعنى كرامة أو كريم، قال: "ويقال بكسر الكاف على لفظ جمع كريم" قال: "وهو الجاري على ألسنة أهل سجستان"(1).
قلت: وفي ذلك يقول أبو الفتح البستي(2) فيما أنشده الثعالبي(3) عنه وكذا أنشده عنه العتبي(4) في كتاب اليميني(5):
إن الذين بجهلهم لم يقتدوا ... بمحمد بن كرام غير كرام
الفقه فقه أبي حنيفة وحده ... والدين دين محمد بن كرام
__________
(1) انظر ميزان الاعتدال 4/21- 22، لسان الميزان 5/53-54 فقد ذكر فيهما هذا الكلام حول ضبط "ابن كرام" ونقلاه عن ابن ماكولا والخطيب وابن الهيصم.
(2) هو علي بن محمد بن الحسين بن يوسف الشافعي الأديب الكاتب الشاعر الفقيه، توفي ببخارى سنة 401، من آثاره ديوان شعر وشرح مختصر الجويني في الفروع. كذا في الهدية والمعجم. هدية العارفين 1/685، معجم المؤلفين 7/186.
(3) عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري أبو منصور، أديب ناثر ناظم لغوي أخباري بياني من تصانيفه الكثيرة فقه اللغة ويتيمة الدهر، مات سنة 429. شذرات الذهب لابن عماد 3/246، معجم المؤلفين 6/189.
(4) هو محمد بن عبد الجبار العتبي الرازي الأصل الشافعي (أبو النصر) مؤرخ أديب شاعر أصله من الري، ونشأ بخرسان وولي نيابتها ثم استوطن نيسابور. من آثاره لطائف الكتاب المعروف بتاريخ العتبي، ويميني في تاريخ يمين الدولة محمود بن سبكتكين. كشف الظنون ص2052، معجم المؤلفين 10/126.
(5) انظر 2/310 بهامش شرح اليمين فإنه أنشد البيتين المذكورين.(11/48)
وحكى الصلاح الصفدي(1) في ترجمة العلامة صدر الدين/(ر160/ب) بن الوكيل(2) عن قاضي القضاة تقي/(ب347) الدين السبكي أن ابن الوكيل قال: محمد بن كرام بالتخفيف وأنكر ذلك سعد الدين الحارثي وقال: إنما هو بالتثقيل، فاستشهد ابن الوكيل على صحة قوله بالبيت الثاني المذكور، قال: فاتهموه بأنه ارتجله في الحال لاقتداره على النظم، ثم تبين بعد مدة طويلة أن الأمر بخلاف ذلك وأنه صادق فيما نقله(3).
فقرأت بخط تاج الدين السبكي(4) قال: قرأت بخط ابن الصلاح أن أبا الفتح البستي الشاعر قال في ابن كرام فذكر الشعر - أيضا - والله أعلم -.
__________
(1) خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي صلاح الدين أبو الصفاء مؤرخ أديب ناثر ناظم، من مصنفاته الكثيرة الوافي بالوفيات في نحو ثلاثين مجلدة وغيث الأدب. مات سنة 764. الدرر الكامنة 2/176، معجم المؤلفين 4/114.
(2) هو: محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد المصري الأصل الشافعي العثماني المعروف بابن المرحل - بكسر الحاء المشددة - وبابن الوكيل (صدر الدين أبو عبد الله) فقيه أصولي محدث متكلم أديب شاعر، من تصانيفه الأشباه والنظائر، مات سنة 716. طبقات الشافعية للسبكي 9/253- 267، الدرر الكامنة 4/234- 240، معجم المؤلفين 11/94، وأشار في الدرر إلى هذه القصة، والوافي بالوفيات 4/264- 284.
(3) انظر الحكاية في الوافي بالوفيات 4/276 نشر فيسبادن فرانز شتاينر.
(4) لم أجد هذا الكلام في الطبقات الكبرى للسبكي.(11/49)
57- قوله (ع)(1): "وقال ابن عدي(2) لا يعرف إلا بثابت(3) بن موسى (وسرقه جماعة منهم من الضعفاء عبد الحميد بن بحر)(4) وعبد الله بن شبرمة الشريكي"(5). انتهى.
اعترض بعض المعاصرين ممن تكلم على ابن الصلاح - على كلام شيخنا هذا بأن عبد الله بن شبرمة الكوفي الفقيه - رواه عن شريك - أيضا - فيما رواه أبو نعيم في تأريخه(6) قال: ثنا أبو عمرو عثمان بن محمد ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا عبد الله بن شبرمة الكوفي قال: ثنا شريك به".
قال هذا المتأخر: "عبد الله بن شبرمة هو الفقيه الكوفي أحد الأعلام احتج به مسلم".
قلت(7): وأخطأ هذا المتأخر خطأ فاحشا لا مستند له فيه ولا عذر لأن(ه170/أ) عبد الله بن شبرمة المذكور - هو الشريكي وهو كوفي أيضا وأما الفقيه فإنه قديم على هذه الطبقة ولا يمكن أن يكون بين أبي نعيم وبينه أقل من ثلاثة رجال. وقد وقع بينه وبين الشريكي هنا رجلان فقط مع التصريح بالتحديث فظهرت صحة كلام ابن عدي وسقط الاعتراض على شيخنا بحمد الله تعالى.
124- قوله (ص): "بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه"(8).
__________
(1) التقييد والإيضاح ص133 ويعني به حديث "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".
(2) الكامل (2/ل194.
(3) في "ه" و"ب" الإثبات وهو خطأ واضح.
(4) ما بين القوسين كذا في جميع النسخ وفي التقييد والإيضاح "وسرقه منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحر" وهو بصري، قال ابن حبان: كان يسرق الحديث وكذا قال ابن عدي. ميزان الاعتدال 2/538.
(5) عبد الله بن شبرمة الكوفي أحد الفقهاء الأعلام قد وثقه أحمد وأبو حاتم وقال ابن المبارك جالسته حينا ولا أروي عنه.ميزان الاعتدال 2/438، وقال في التقريب 1/422 ثقة فقيه/خت م د س ق.
(6) 1/358.
(7) في (ه) "قوله (ص") وهو خطأ.
(8) مقدمة ابن الصلاح ص91، وذكره أيضا العراقي في التقييد والإيضاح ص134.(11/50)
أبهم المصنف الباحث المذكور اختصارا، وقد ذكره الخطيب(1) من طريق(ب348) مؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ بحديث أبي بن كعب الطويل في فضائل القرآن، فقلت له من حدثك، فقال: حدثني رجل بالمدائن وهو حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك فقال: حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت إليه، فقال حدثني شيخ بالبصرة وهو حي فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ قال: لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث، ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن.
125- قوله (ص)(2): "ولقد أخطأ الواحدي(3) المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم". انتهى.
قال شيخنا في شرح منظومته(4): "لكن من أبرز إسناده من المفسرين أعذر ممن حذف إسناده لأن ذاكر(5) إسناده يحيل ناظره على(6) الكشف عن سنده وأما من لم يذكر سنده وأورده بصيغة الجزم فخطؤه أشد كالزمخشري(7)، - والله أعلم -.
__________
(1) في الكفاية ص401 وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/241) والسيوطي في اللآلئ المصنوعة 1/227- 228.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص91.
(3) هو: علي بن أحمد بن محمد بن علي النيسابوري الشافعي (أبو الحسن) مفسر نحوي لغوي فقيه شاعر إخباري من تصانيفه البسيط في التفسير في نحو 16 مجلدا والمغازي، مات سنة 468. معجم المؤلفين 7/26، النجوم الزاهرة 5/104.
(4) 1/272.
(5) في (ه) و(ب) ذكر.
(6) في (ه) عن.
(7) محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي (أبو القاسم جار الله) مفسر محدث متكلم نحوي بياني أديب من مؤلفاته الكشاف في التفسير والفائق في غريب الحديث، مات سنة 538.
النجوم الزاهرة 5/274، معجم المؤلفين 12/186.(11/51)
قلت: والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد طريقة(1) معروفة لكثير من المحدثين وعليها يحمل ما صدر من كثير منهم من/(ه170/ب) إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها صريحا وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة، وكان/(ر161/ب) ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان، - والله أعلم -.
__________
(1) في (ه) طرقه كثيرة.(11/52)
الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت للحافظ ابن حجر على ابن الصلاح
ويشتمل على أربعة فصول:
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح
الفصل الثاني: في تنكيته على العراقي
الفصل الثالث: في مناهج الأئمة الثلاثة
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ ابن حجر
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح
المراحل التي تكونت فيها نكت ابن حجر على مقدمة ابن الصلاح ونكت العراقي:
1- قرأ الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي الفوائد التي جمعها على مصنف ابن الصلاح (المقدمة) وكان في أثناء قراءته على شيخه وبعد ذلك إذا وقعت له النكتة الغريبة والنادرة العجيبة والاعتراض قويا كان أو ضعيفا ربما علق ذلك على هامش الأصل وربما أغفله.
2- ثم رأى - فيما بعد - أن الصواب الاجتهاد في جمع ذلك لإكمال التنكيت على كتاب ابن الصلاح فشرع في تنفيذ رأيه بتأليف كتابه هذا "النكت على ابن الصلاح والعراقي".
3- وقد بين الحافظ غرضه من هذا العمل فقال: وغرضي بذلك جمع ما تفرق من الفوائد واقتناص ما لاح من الشوارد. هذا وقد بلغت نكته على ابن الصلاح مائة وتسعا وعشرين نكتة اتخذ منها منطلقا لإبراز كثير من القواعد والفوائد والعلوم الغزيرة في ثنايا هذا الكتاب المبارك.
ويتلخص عمله في:
أ- الدفاع عن ابن الصلاح.
ب- الاعتراض عليه ومناقشته.
ج- شرح بعض الأمور اللغوية والاصطلاحية.
د- إضافة أشياء هامة وغزيرة من الفوائد والبحوث القيمة واستطرادات واسعة ومفيدة.
وفي الصفحات التالية دراسة وعرض ملخص لعمله العظيم في هذا الكتاب القيم الذي بلغ فيه جهده الجبار الذي دل على طول باعه وسعة اطلاعه وأنه باحث ناقد من الدرجة الأولى بل لا يلحق في هذا المضمار.
كلامه على خطبة ابن الصلاح
وفيها ثلاثة عشرة نكتة:
(1) النكتة الأولى (ص223):
كانت شرحا لكلمة (الواقي) بين أنها مشتقة من قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ} ثم بين أن هنالك مذهبين في أسماء الله الحسنى.(12/1)
الأول: أنها مشتقة.
والثاني: أنها توقيفية.
وقال: "وهو الأصح عند المحققين".
(2) النكتة الثانية (ص223):
كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث اعترض عليه في قوله (حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه) بأن هذه دعوى لا تصح، لأن الخلق كلهم لو اجتمع حمدهم لم يبلغ بعض ما يستحقه تعالى من الحمد فضلا عن تمامه.
أجاب الحافظ بأن الحافظ لم يدّع أن الحمد الصادر منه بلغ ذلك وإنما أخبر أن الحمد الذي يجب لله هذه صفته.
(3) النكتة الثالثة (ص224):
كانت ردا على اعتراض على قول ابن الصلاح (على نبينا) بأن النبي أعم من الرسول البشري فلم عدل عن الوصف بالرسالة؟ أجاب الحافظ بجوابين: أحدهما أن المقام مقام تعريف يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة كانت.
(4) النكتة الرابعة (ص225):
عبارة عن اعتذار وتوجيه لقول ابن الصلاح (وآل كل) قال الحافظ: "إضافة إلى الظاهر خروجا من الخلاف، لأن بعضهم لا يجيز إضافته إلى المضمر".
(5) النكتة الخامسة (ص225):
إجابة عن سؤل صوره الحافظ نفسه لِمَ لم يأت ابن الصلاح في خطبته الأولى بقول: "أما بعد) مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي في خطبه؟ ثم أجاب الحافظ: بأنه لا حجر في ذلك بل هو من التفنن.
ثم إن ابن الصلاح تعرض هنا لفضل علم الحديث فعرفه الحافظ بأنه معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الرواي والمروي.
(6) النكتة السادسة (ص226):
كانت شرحا وضبطا (رذالة) الواردة في كلام ابن الصلاح. قال الحافظ: هي بضم الراء وبعدها ذال معجمة. والرذالة ما انتفى جيده... الخ.
(7) النكتة السابعة (ص226):
كانت ضبطا لغويا لقول ابن الصلاح )وسفلتهم". قال: هو بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام وزن فرح جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء.
(8) النكتة الثامنة (ص227):
كانت شرحا لقول ابن الصلاح في مزايا علم الحديث: "وهو من أكثر العلوم تولجا) أي دخولا.(12/2)
قال الحافظ: "والمراد من العلوم هنا الشرعية وهي التفسير والحديث والفقه"، ثم بين الحافظ حاجة كل علم من هذه إلى علم الحديث.
(9)، (10) النكتة التاسعة والعاشرة (ص227):
كانت شرحا لقول ابن الصلاح: "وأفنان فنونه - يعني علم الحديث - غضة) قال الحافظ: "الأفنان جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن. والفنون جمع فن وهو ضرب من الشيء أي النوع. وقوله: غضة: هي استعارة مناسبة للفنن وفيه الجناس بين أفنان وفنون".
(11) النكتة الحادية عشرة (ص228):
كانت شرحا لقول ابن الصلاح: "ومغانيه بأهله آهلة".
قال الحافظ: "المغاني - بالغين - جمع مغنى: مقصور: وهو المكان الذي كان مسكونا ثم انتقل أهله عنه".
(12) النكتة الثانية عشرة (ص228):
كانت ضبطا لغويا لقول ابن الصلاح في بقايا من أهل الحديث: "إنما هم شرذمة، قال الحافظ: "بالذال المعجمة - ثم انتقادا لابن دحية حيث جوز إهمالها قال الحافظ: وشذ بذلك".
(13) النكتة الثالثة عشرة (ص228):
كانت شرحا وضبطا لقول ابن الصلاح: "من سماعه غفلا... وعطلا".
قال الحافظ - بضم الغين المعجمة وسكون الفاء - استعارة يقال أرض غفل لا علم بها.
فكأنه شبه الكتاب بالأرض والتقييد بالنقط والشكل والضبط بالعمران. وقوله: "عطلا": العاطل ضد الحالي.
النوع الأول: الصحيح
وفيه ست عشرة نكتة.
(14) النكتة الأولى (ص234):
كانت جوابا على اعتراض على تعريف ابن الصلاح للحديث الصحيح بأنه الحديث المسند الذي يتصل إسناده... الخ.
اعترض عليه بأنه لو قال: المسند المتصل لاستغنى عن تكرار لفظ الإسناد.
فأجاب الحافظ بأنه إنما أراد الحديث المرفوع لأنه الأصل الذي يتكلم عليه.
(15) النكتة الثانية (ص235):
كانت جوابا على اعتراض على ابن الصلاح في اشتراطه في حد الصحيح بأنه لا يكون شاذا ولا معللا. بأنه كان ينبغي أن يزيد فيه قيد القدح بأن يقول: ولا معللا بقادح.(12/3)
أجاب الحافظ بأنه لم يخل باحتراز ذلك بل قوله: "ولا يكون معللا إنما يظهر من تعريفه المعلل وقد عرفه فيما بعد بأنه الحديث الذي اطلع في إسناده الذي ظاهره السلامة على علة قادحة فلهذا قال فيه احتراز عما فيه علة قادحة..."
ثم عقب الحافظ هذه النكتة بأربعة تنبيهات تدور كلها حول تعريف الصحيح وشروطه.
(16) النكتة الثالثة: (ص247):
كانت تعقبا على قول ابن الصلاح: "ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق" ثم ذكر ابن الصلاح خمس تراجم مما قيل فيه أصح الأسانيد.
قال الحافظ: "أما الإسناد فهو كما قال قد صرح جماعة من أئمة الحديث بأن إسناد كذا أصح الأسانيد.
وأما الحديث فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال: حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق..."
ثم بين الحافظ أسباب اختلاف الأئمة في أصح الأسانيد ومنها: أن كثيرا ممن نقل عنه الكلام في ذلك إنما يرجّح إسناد أهل بلده وذلك لشدة اعتنائه بذلك.
ثم ذكر فائدة ذلك فقال: "ولكن يفيد مجموع ما نقل عنهم في ذلك ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم".
ثم أضاف الحافظ سبعا وعشرين ترجمة مما قيل فيه أصح الأسانيد ونقل عن الحاكم بعضها وتعقبه في بعض التراجم.
ثم نبه الحافظ إلى أن ابن الصلاح لم يذكر أوهى الأسانيد وقال: أظنه حذفه لقلة جدواه ووعد بأنه سيشير إلى ذلك في الكلام على الموضوع.
(17) النكتة الرابعة (ص262):
كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث قال: "وبنى الإمام أبو منصور التميمي على ذلك - يعني على قولهم أصح الأسانيد كذا - أن أجل الأسانيد رواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
فاعترض عليه مغلطاي برواية أبي حنيفة عن مالك، وبأن ابن وهب والقعنبي عند المحدثين أتقن من جميع من روى عن مالك.(12/4)
أجاب الحافظ بأن اعتراضه بأبي حنيفة لا يحسن لأن روايته عن مالك لم تثبت وعلى فرض ثبوتها فلا تحسن المفاضلة بين من روى رجل حديثا أو حديثين على سبيل المذاكرة وبين من روى عنه ألوفا.
وبالنسبة لابن وهب القعنبي قال: فما أدري من أين له هذا النقل..."
(18) النكتة الخامسة (ص66):
فيها اعتراضات على رأي ابن الصلاح حيث ذهب إلى سد باب التصحيح والتحسين للأحاديث في الأعصار المتأخرة بمجرد اعتبار الأسانيد.ناقشه الحافظ في ذلك وذهب إلى جواز في ذلك.
(19) النكتة السادسة (ص276):
فيها دفاع عن ابن صلاح حيث حكى أن أول من صنف في الصحيح البخاري.
فاعترض عليه مغلطاي بأن مالكا هو أول من صنف في الصحيح وتلاه آخرون كالإمام أحمد والدارمي.
فذكر الحافظ لشيخه العراقي جوابا لم يرضه.
ثم قال: الصواب في الجواب أن يقال: ما الذي أراده المصنف بقوله: "أول من صنف الصحيح؟" هل أراد الصحيح من حيث هو، أو أراد الصحيح المعهود ورجح أنه لم يرد إلا المعهود قال: حينئذ لا يرد عليه ما ذكره من الموطأ وغيره.
ثم ذهب يفرق بينما يوجد في الموطأ والبخاري من المقطوع والمنقطع والمرسل وقصد البخاري من إيرادها.
ثم قال: "والحاصل أن أول من صنف الصحيح يصدق على مالك بالنظر إلى المصنفين في عصره، أما الصحيح المعتبر عند المحدثين الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف فأول من جمعه البخاري ثم مسلم".
أما مسند أحمد فقال: "إن أحمد لم يشترط فيه الصحة ووجود الضعيف فيه محقق. وأما مسند الدارمي ففيه الضعيف والمنقطع ثم ناقش مغلطاي في إطلاق الصحة على مسند الدارمي وفي أسبقيته لصحيح البخاري".
(20) النكتة السابعة (ص281):
فيها تكميل وتأكيد لكلام ابن الصلاح حيث نقل قول الشافعي: "ما أعلم في الأرض كتابا أكثر صوابا من كتاب مالك" ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ.
فنقل الحافظ قول الشافعي: "ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك" ونقل عنه أيضا معناه بلفظ آخر.
(21) النكتة الثامنة (ص281):(12/5)
كانت بمثابة شرح وتوضيح لقول ابن الصلاح: "ثم إن كتاب البخاري أصح صحيحا" ثم ردود على من فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري مع ذكر مزايا كل من الكتابين بصفة إجمالية.
ثم تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم بصورة تفصيلية تدور حول اتصال الإسناد وعدالة الرواة.
(22) النكتة التاسعة (ص289):
تتضمن تعقبا على قول ابن الصلاح: "ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين - يعني الصحيحين - يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة ويكفي مجرد كونها في كتب من اشترط الصحيح كابن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين ككتاب أبي عوانة.
قال الحافظ ما ملخصه: "إن في هذا الكلام نظرا، لأن ابن خزيمة وابن حبان لم يلتزما أن يخرجا الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف ولأنهما لم يفرقا بين الصحيح والحسن ثم ذكر شرط ابن خزيمة وابن حبان وأنهما لم يشترطا نفي الشذوذ والعلة".
وأما المستخرجات فبالنسبة لكتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على صحيح مسلم فإن فيه أحاديث كثيرة مستقلة يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف والموقوف. وأما مستخرج الإسماعيلي فليس فيه أحاديث مستقلة وإنما تحصل الزيادة في أثناء بعض المتون والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها فقد يكون في رواتها من تكلم فيه، وكذا الحكم في باقي المستخرجات.
(23) النكتة العاشرة (ص310):
تعتبر شرحا وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "فليس لك أن تنقل حديثا منها (يعني المستخرجات) وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري ومسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي أخرجه قد قال أخرجه البخاري...".(12/6)
قال الحافظ: "قلت: محصل هذا أن مخرِّج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين فلا يخلو إما أن يصرح بالمرادفة أو المساواة أو لا يصرح، إن صرح فذاك، وإن لم يصرح كان على الاحتمال فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل منها ويقول: هو على هذا الوجه فيهما، ولكن هل له أن ينقل ويطلق كما أطلق؟
هذا محل بحث وتأمل.
ثم نقل عن ابن دقيق العيد استنكاره عزو المصنفين على الأبواب الأحاديث إلى تخريج الشيخين مع تفاوت المعنى.
لأن في هذا العمل مفسدتين:
إحداهما: أنه يوهم الناظر فيه أنه عند صاحب الصحيح كذلك، والواقع بخلافه.
الثانية: أن يكون في إسناد صاحب المستخرج من لا يحتج به...".
(24) النكتة الحادية عشرة (ص312):
كانت شرحا وبيانا لقول ابن الصلاح: "بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما".
قال الحافظ: "محصله أن اللفظ إذا كان متفقا فذاك، وإن كان مختلفا فتارة يحكيه على وجهه وتارة يقتصر على لفظ أحدهما".
ويبقى ما إذا كان كل منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر فهل للمختصر أن يسوق الحديث مساقا واحدا وينبه إليها ويطلق ذلك، أو عليه أن يبين؟ هذا محل تأمل، ولا يخفى الجواز، وقد فعله غير واحد.
(25) النكتة الثانية عشرة (ص312):
فيها تفصيل وتوضيح لقول ابن الصلاح - فيما يتعلق بمستدرك الحاكم: "وهو واسع الخطو في شرح الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره... الخ".
ذكر الحافظ هنا آراء العلماء في المستدرك.
فمنهم: أبو سعد الماليني فإنه ادعى أنه ليس في المستدرك حديث واحد على شرط الشيخين.
ومنهم: عبد الواحد المقدسي فإنه ذهب إلى أنه ليس في المستدرك إلا ثلاثة أحاديث فقط على شرط الشيخين.
ومنهم الحافظ الذهبي فإنه يرى أن في المستدرك:
أ- جملة وافرة على شرط الشيخين.
ب- وجملة كثيرة على شرط أحدهما - وهو قدر النصف.(12/7)
ج- وفيه الربع مما صح أو حسن. ويرى الذهبي أن في قول الماليني غلوا وإسرافا.
ويتعقب الحافظ كلام الذهبي بأنه كلام مجمل يحتاج إلى إيضاح، ويتبين من الإيضاح أنه ليس جميعه كما قال الذهبي.
ثم قسم الحافظ المستدرك إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الإسناد الذي يخرجه محتجا برواته في الصحيحين أو أحدهما على صورة الاجتماع سالما من العلل، ثم شرح هذا الكلام وبين محترزات القيود فيه. ثم انتهى إلى القول بأنه لا يوجد في المستدرك حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرا أو أصلا.
ثم استدرك بأنه يوجد في المستدرك جملة مستكثرة بهذه الشروط ولكنها مما أخرجه الشيخان أو أحدهما استدركه الحاكم واهما ظانا أنهما لم يخرجاها.
القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونا بغيره.
ثم انتهى إلى القول بأن هذا القسم هو عمدة الكتاب.
القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات، وهذا قد أكثر منه الحاكم فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم، وكثير منها يعلق القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها وكثير منها لا يتعرض للكلام عليه أصلا، ومن هنا دخلت الآفة كثيرا فيما صححه. وقل أن تجد في هذا القسم حديثا يلتحق بدرجة الصحيح.
(26) النكتة الثالثة عشرة (ص321):
تعتبر إضافة وتكميلا لما يستفاد من المستخرجات فإن ابن الصلاح ذكر لها فائدتين:
إحداهما: علو الإسناد.
ثانيهما: الزيادة في قدر الصحيح.
فأضاف الحافظ إليهما ثمان فوائد:
منها الحكم بعدالة الرواة ممن أخرج له في المستخرج لأن المخرج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده.
(27) النكتة الرابعة عشرة (ص323):(12/8)
عبارة عن تعقب على ابن الصلاح ثم توضيح وتكميل لكلامه في تعليقات البخاري ما كان منها بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض، قسم الحافظ كلا منهما وبين ما يصح من أنواعهما وما لا يصح ومثل لذلك بعدد من الأمثلة.
ثم قرر النتيجة الآتية: في ضوء هذه الأمثلة وهي:
أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه بصيغة التمريض متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف منجبر وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده.
هذا فيما يتعلق بالأحاديث المرفوعة.
ثم تكلم أيضا عن التعليقات الموقوفة فإنه يجزم بما صح عنده ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع.
(28) النكتة الخامسة عشرة (ص344):
تتضمن شرحا لقول ابن الصلاح: "وأما الذي حذف من مبدأ إسناده واحد أو أكثر... ففي بعضه نظر".
قال الحافظ: "إنما خص النظر على بعضه لأنه - كما أوضحته - على قسمين:
أحدهما: ما أورده موصولا ومعلقا سواء كان ذلك في موضع واحد أو موضعين فهذا لا نظر فيه، فإن الاعتماد على الموصول ويكون المعلق شاهدا.
وثانيهما: ما لا يوجد في كتابه إلا معلقا فهذا هو موضع النظر".
(29) النكتة السادسة عشرة (ص363):
فيها رد على اعتراض على قول ابن الصلاح - عند ذكر أقسام الصحيح -: "أولها: صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا"
قال المعترض: "الأولى أن يكون القسم الأول ما بلغ مبلغ التواتر".
فأجاب الحافظ: "إنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس له أصل في الصحيحين أو أحدهما. ثم قسم الحافظ ما اتفق عليه الشيخان إلى خمسة أنواع منها: ما كان متواترا، ويليه ما كان مشهورا.
وذكر أن ما انفرد به واحد منهما يتفرع على هذا الترتيب. ثم أتبع ذلك بتنبيهين وفائدتين تتعلق بالمتفق عليه ما هو؟ وعن القوة التي يفيدها الحديث المتفق عليه.
ثم ذكر تقسيم الحاكم للصحيح إلى عشرة أقسام؛ خمسة متفق عليها، وخمسة مختلف فيها، ثم سردها الحافظ".(12/9)
وتعقب الحاكم بقوله: "وكل من هذه الأقسام التي ذكرها الحاكم في المدخل مدخولا".
ثم فندها واحدا بعد الآخر.
النوع الثاني: الحسن
وفيه ثلاث عشرة نكتة:
(30) النكتة الأولى (ص385):
تشتمل على اعتراض على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطابي أنه قال: "إن الحديث ينقسم عند أهله إلى ثلاثة أقسام" وذكر الحسن.
فقال الحافظ: "نازعه الشيخ تقي الدين ابن تيمية فقال: "إنما هذا اصطلاح للترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا الصحيح والضعيف. والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح".
ثم نقل الحافظ عن البيهقي ما يؤيد كلام ابن تيمية.
(31) النكتة الثانية (ص386):
هي اعتراض على قول ابن الصلاح (وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل...".
فبين الحافظ أن هناك فرقا بين مقصود الترمذي والخطابي؛ إذ إن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف.
وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة بل المعرف به عنده هو حديث المستور على ما فهمه المصنف.
ثم ذكر الحافظ أنواعا أخرى يشملها تعريف الترمذي منها:
حديث الضعيف بسبب سوء الحفظ. والموصوف بالغلط والخطأ.
ثم ذكر شروط الترمذي للحسن ثم أمثلة لكل الأنواع التي ذكرها. ولي عليه ملاحظات ذكرتها في محلها.
(32) النكتة الثالثة (ص408):
فيها توضيح ثم تعقب على ابن الصلاح حيث قال: "وإذا استبعد ذلك (يعني قبول الحسن مع قصوره عن درجة الصحيح) مستبعد من فقهاء الشافعية ذكرنا له نص الشافعي في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا...".
بين الحافظ السبب في تخصيص الشافعية دون غيرهم لأنهم هم الذين يردون المرسل دون غيرهم من الفقهاء ومع ذلك فالشافعي لا يرده مطلقا.(12/10)
ثم تعقبه بقوله: "لكن الاقتصار على الفقهاء في استبعاد ذلك عجيب؛ فإن جمهور المحدثين لا يقبلون رواية المستور وهو قسم من المجهول فروايته بمفردها ليست بحجة عندهم إنما يحتج بها عند بعضهم بالشروط التي ذكرها الترمذي فلا معنى لتخصيص ذلك بالفقهاء"
(33) النكتة الرابعة (ص 408):
تضمنت توضيحا لكلام ابن الصلاح الآتي ثم تعقبا عليه حيث قال:
"ومن ذلك ضعف لا يزول بمجيئه من وجه آخر لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا"
قال الحافظ: "لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا. والتحرير أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد فحيث يستوي الاحتمال فيهما فهو الذي يصلح لأن ينجبر وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر. وأما إذا رجح جانب القبول فليس من هذا بل ذلك في الحسن الذاتي. وكان ابن الصلاح قد مثل للذي ضعفه لا ينجبر بحديث (الأذنان من الرأس)".
فتعقبه الحافظ بأن ابن القطان قد حكم له بالصحة.
وبأن ابن دقيق العيد قال: "إن رجال رواية ابن ماجه لهذا الحديث ثقات. وأن العلائي قال في التمثيل بهذا الحديث نظر لأنه ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن".
ثم ذكر الحافظ: "أنه قد جمع طرق هذا الحديث فيما كتبه على جامع الترمذي فرأى أمثلها:
1- حديث عبد الله بن زيد.
2- وحديث ابن عباس.
3- وحديث ابن عمر.
4- وحديث أبي أمامة.
وقال: "وفي كل واحد منها مع ذلك مقال".
ثم ذكرها حديثا حديثا بأسانيدها وبين ما في كل حديث من مقال. ثم قال الحافظ في نهاية الكلام: "وإذا نظر المنصف إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا وأنه ليس مما يطرح وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه والله أعلم".
(34) النكتة الخامسة (ص 416):(12/11)
ضمت تعقبا على ابن الصلاح: "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من جهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح".
ومثّل لذلك بحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
تعقبه الحافظ من وجوه:
أحدها: أن ظاهر كلامه أن شرط الصحيح أن يكون راويه حافظا متقنا، قال وقد بينا ما فيه فيما سبق.
الثاني: أن وصف الحديث بالصح إذا قصر عن رتبة الصحيح وكان على شرط الحسن إذا روي من وجه آخر لا يدخل في التعريف الذي عرف به الصحيح فإما أن يزيد في حد الصحيح ما يعطي أن هذا أيضا يسمى صحيحا وإما أن، لا يسمي هذا صحيحا ثم رجح أنه يسمى صحيحا ثم أتى بتعريف جامع يشمل الصحيح بنوعيه فقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل ذي الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا(.
ثم قال: "وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة إلا بذلك".
ثم مثل لذلك بحديثين من صحيح البخاري وبين أنه إنما حكم لهما بالصحة باعتبار الصورة المجموعية.
ثم ذكر أن هناك أمثلة كثيرة من البخاري ويوجد في مسلم أكثر.
والثالث: حكى الحافظ اعتراضا على ابن الصلاح في تمثيله بالحديث السابق بأنه غير صالح للتمثيل. فدفع الحافظ هذا الاعتراض وبين صلاحيته للتمثيل.
(35) النكتة السادسة (ص431):
شرح فيها كلمة (مظان) من قول ابن الصلاح: "ومن مظانه (أي الحسن) قال: والمظان جمع مظنة وهي مفعلة من الظن. ونقل عن الطرزي أن المظنة العلم من ظن بمعنى علم".
(37) النكتة السابعة (ص445):
أورد فيها تعقبا للتبريزي على ابن الصلاح والنووي حيث انتقدا صاحب المصابيح في تقسيم الحديث إلى نوعين: الصحاح والحسان وقالا: إن هذا الاصطلاح غير معروف.(12/12)
فتعقبهما التبريزي بأنه ليس من العادة المشاحة في الاصطلاح مع نص الجمهور على أن من اصطلح في أول الكتاب فليس بعيد عن الصواب.
والبغوي قد قال: وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان. وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة، وما كان من ضعيف أو غريب أشرت إليه.
وقد أيد الحافظ كلام التبريزي بقوله: قلت: "ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله: الحسان اصطلاحا خاصا له أنه يقول: في مواضع من قسم الحسان هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك ولو أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوعه في كتابه إلى الأنواع الثلاثة".
(37) النكتة الثامنة (ص446):
أوردها الحافظ استدراكا على قول ابن الصلاح: "كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلي ما يورد فيها مطلقا كمسند أحمد وغيره... فهذه عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا".
قال الحافظ: "هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين... لكن جماعة من المصنفين في كل خالف أصل موضوعه فانحط أو ارتفع فإن بعض من صنف على الأبواب أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة.
وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه، ثم ذكر من هؤلاء إسحاق بن راهويه وبقي بن مخلد والبزار وأن أحمد انتقى مسنده ولا يشك منصف أنه أنقى أحاديث وأتقن رجالا من غيره وهذا يدل أنه انتخبه".(12/13)
ثم قال: "فظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في كتب الخمسة يحتج بها جميعا وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به، بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به من حديث المتروكين) قال: "ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف على الأبواب يحتج به مطلقا ولو اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب لكنه قال مع ذلك: "وما جرى مجراها) فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على الأبواب كسنن ابن ماجه بل ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهم فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه".
(38) النكتة التاسعة (ص474):
حوت تعقبا على قول ابن الصلاح: "قولهم هذا حديث صحيح الإسناد، دون قولهم حديث صحيح لأنه قد يقال: صحيح الإسناد ولا يصح المتن لكونه، أي الإسناد، شاذا أو معللا.. غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على ذلك ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح، لأن عدم العلة والقادح هو الأصل".
قال الحافظ قلت: "لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل؛ إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرح الصحيح، وإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة فكيف يحكم له بالصحة".
(39) النكتة العاشرة:
بيان لما أبهم ابن الصلاح في قوله: "في قول الترمذي وغيرهك حسن صحيح إشكال" قال الحافظ: عنى بما لغير البخاري.
(40) النكتة العاشرة (ص479):
تعتبر ربطا بين قولين سابق ولاحق من كلام ابن الصلاح حيث قيد إطلاق أحدهما بالثاني وهذان القولان حكاهما ابن الصلاح عن أهل الحديث:
أحدهما: قوله: الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف.
وثانيهما: قوله: "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح".
قال الحافظ: "هذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح - يعني القول الأول –".
(41) النكتة الثانية عشرة (ص479):(12/14)
تعد توجيها وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "وهو (أي إدراج الحسن في الصحيح) الظاهر من تصرف الحاكم، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي (بالجامع الصحيح".
قال الحافظ: "إنما جعله يومئ إليه لأن ذلك مقتضاه وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيه - وهو الصحيح والحسن - أكثر من المردود فحكم للجميع بمقتضى الغلبة فلو كان ممن يرى التفرقة بين الصحيح والحسن لكان في حكمه ذلك مخالفا للواقع، لأن الصحيح الذي فيه أقل من مجموع الحسن والضعيف، فلا يعتذر عنه، بأنه أراد الغالب فاقتضى توجيه كلامه أن يقال: إنه لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن ليصح ما ادعاه من تسمية".
ثم ذكر أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح، وذكر تعريفا للحميدي والذهلي يشمل كلا من الحسن والصحيح.
(42) النكتة الثالثة عشرة (ص481):
تضمنت إضافة وتكميلا لقول ابن الصلاح: "أطلق الخطيب والسلفي الصحة على كتاب النسائي".
قال الحافظ: "وقد أطلق عليه - أيضا - الصحة أبو علي النيسابوري وأبو أحمد بن عدي وأبو الحسن الدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبو يعلى الخليلي وغيرهم".
وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي.
ثم تكلم عما يروى عن النسائي أنه يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه أن النسائي إنما أراد إجماعا خاصا.
وذلك أن كل من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط.
فمن الأولى: شعبة وسفيان، وشعبة أشد منه؟
ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد منه.
ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد منه.
ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري.
وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه فإذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان مثلا فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد".(12/15)
قال: "وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن أن مذهب النسائي في الرجال متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه، بل تجنب النسائي إخراج أحاديث جماعة من رجال الصحيحين وقال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم".
وفي الجملة كتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا.
النوع الثالث: الضعيف
وفيه خمس نكت:
(43) النكتة الأولى: "ص491):
جاءت دفعا لاعتراض أورد على ابن الصلاح، في تعريف الحديث الضعيف: "كلما لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح أو الحسن - فهو ضعيف".
قال الحافظ: "اعترض عليه بأنه لو اقتصر على نفي صفات الحسن لكان أخص؛ لأن نفي صفات الحسن مستلزم لنفي صفات الصحيح وزيادة".
قال الحافظ: "وأجاب بعض من عاصرناه بأن مقام التعريف يقتضي ذلك؛ إذ لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وصف الصحيح؛ إذ الصحيح بوصفه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين. فلم يرض الحافظ هذا الجواب وقال: "والحق أن كلام المصنف معترض وذلك أن كلامه يعطي أن الحديث حيث ينعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك؛ لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع، ويسمى ذلك الحديث الذي اجتمعت فيه الصفات سواه حسنا لا ضعيفا، وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا، ولو عبر بقوله: كل حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان أسلم من الاعتراض وأخص".
(44) النكتة الثانية: "ص492):
تعتبر تخطئة لمن عين مصدر ابن الصلاح للكلام الآتي: "وأطنب أبو حاتم ابن حبان في تقسيمه (أي الضعيف".(12/16)
قال الحافظ: "وتجاسر بعض من عاصرناه فقال: هو في أول كتابه الضعفاء ولم يصب في ذلك، فإن الذي قسمه ابن حبان في مقدمة كتاب الضعفاء إنما هو تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف، ثم أنه أبلغ الأسباب المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين. والحاصل أن الموضع الذي ذكر فيه ابن حبان ذلك ما عرفنا مظنته".
(45) النكتة الثالثة (ص494):
تعد شرحا وتوضيحا ثم إضافة وذلك أن ابن الصلاح أشار إلى طريقة بسط الضعيف وتصوير إعداده بأن يعمد من يريد ذلك إلى صفة معينة فيجعل ما عدمت فيه قسما ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا وهكذا.
فزاد الحافظ هذا شرحا وتوضيحا.
ثم أضاف الحافظ تنبيهات:
الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف.
الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا (يعني العراقي) أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث فإنه يقبل ويجب العمل به.
قال: وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ومثل لذلك بمثالين:
أحدهما: حديث "لا وصية لوارث".
وثانيهما: حديث "الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه". يصير نجسا لم يثبت إسناداهما إلا أن العلماء لم يختلفوا في قبولهما.
وقال: الثالث: لم يتعرض المصنف (يعني ابن الصلاح) للكلام على أوهى الأسانيد كما تكلم على أصح الأسانيد مع أن جماعة منهم الحاكم قد ذكروهما معا.
ثم نبه على الفائدة من ذلك فقال: "ويستفاد من معرفته ترجيح بعض الأسانيد على بعض وتمييز ما يصلح للاعتبار مما لا يصلح".
ثم نقل عن الحاكم مجموعة مما قيل فيه: أوهى الأسانيد.
(46) النكتة الرابعة (ص503):
تضمنت شرحا وإعرابا لقول ابن الصلاح (وهلم جرا".
(47) النكتة الخامسة (ص504):
جواب عن سؤال قد يوجه إلى تصرف ابن الصلاح حيث قال في أول كتابه: "إن الحديث ينقسم على ثلاثة أقسام) ثم سمى الأقسام الثلاثة أنواعا ثم ذكر بعد ذلك أشياء أخرى سماها أنواعا.(12/17)
فكأن سائلا قال: أين دعوى الحصر في الثلاثة.
قال الحافظ: "والجواب أن هذه الأنواع التي يذكرها بعد الثلاثة المراد بها أنواع علم الحديث لا أنواع أقسام الحديث".
وحاصله: أن هذه الأنواع في الحقيقة ترجع على تلك الثلاثة، منها ما يرجع إلى أحدها ومنها ما يرجع إلى المجموع.
النوع الربع: المسند
لم ينكت فيه الحافظ على ابن الصلاح.
النوع الخامس: المتصل
وفيه نكتة واحدة على ابن الصلاح:
(48) وهذه النكتة فيها بيان اللغات في كلمة (متصل) الواردة في كلام ابن الصلاح (ص510):
قال الحافظ: "قلت: ويقال له الموتصل وهي عبارة الشافعي ثم قال: وهو عبارة عما سمعه كل راو من شيخه في سياق الإسناد من أوله إلى منتهاه".
فهو أعم من المرفوع.
ثم قال: "اعلم أن الشيخ أول ما ذكر ما ينظر فبه إلى الإسناد والمتن معا وهو المسند، ثم تلاه بما ينظر فيه إلى الإسناد فقط وهو الاتصال، فكان ينبغي أن يتلوه بما ينظر فيه إلى الإسناد وهو الانقطاع؟ ولكنه كما قلنا غير مرة إنه لم يراع فيه تحسين الترتيب".
النوع السادس: المرفوع
وفيه نكتتان فقط:
(49) النكتة الأولى (ص511):
وفيها بيان ثم تعقب على قول ابن الصلاح في المرفوع: "وهو والمسند عند قوم سواء".
قال الحافظ: "ويعني ابن عبد البر، فكان ينبغي أن يذكر نظير هذا في (المتصل) ولا فرق.
(50) النكتة الثانية (ص511):
اشتملت على تعقب على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب: أن المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول النبي - - صلى الله عليه وسلم - - وفعله، ثم قال: فخصه بالصحابة - رضي الله عنهم -، فخرج عنه مرسل التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.(12/18)
قال الحافظ: "يجوز أن يكون الخطيب أورد ذلك على سبيل المثال لا على سبيل التقييد، فلا يخرج عنه بشيء، وعلى تقدير أن يكون أراد جعل ذلك قيدا، فالذي يخرج عنه أعم من مرسل التابعي، بل يكون كل ما أضيف إلى النبي صلى الله علي وسلم لا يسمى مرفوعا إلا إذا ذكر فيه الصحابي. والحق خلاف ذلك. بل الرفع - كما قررنا - إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد.
النوع السابع: الموقوف
وفيه نكتتان فقط:
(51) النكتة الأولى (ص512):
فيها توضيح وتكميل لقول ابن الصلاح في الموقوف: "هو ما يروى عن الصحابة - رضي الله عنهم - من أقوالهم وأفعالهم".
قال الحافظ: "المراد بالأقوال والأفعال ما خلت به عن قرينة تدل على أن حكم ذلك الرفع".
وأما الأفعال المجردة فهل تكون أحكاما عند من يحتج بقول الصحابي أم لا؟ ثم إنه سكت عما يقال أو يعمل بحضرتهم فلا ينكرونه.
(52) النكتة الثانية (ص513):
تضمنت شرحا لغويا وتوضيحا وتكميلا لقول ابن الصلاح: (وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر".
قال الحافظ: "هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع، والأثر في الأصل العلامة والبقية والرواية".
ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا.
النوع الثامن: المقطوع
وفيه ثمان نكت:
(53) النكتة الأولى (ص514):
فيها ضبط لغوي لكلمتي مقاطع ومقاطيع الواردتين في قول ابن الصلاح ثم إضافة فائدة كتابة المقاطيع.
قال الحافظ: "والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعن الكوفيين جواز إسقاطها".
وذكر الخطيب أن فائدة كتابة المقاطيع ليتخير المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن جملتهم.
(54) النكتة الثانية (ص514):
فيها بيان لمن أبهمهم ابن الصلاح في قوله: "وقد وجد التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول وفي كلام الإمام الطبراني والشافعي وغيرهما".(12/19)
قال الحافظ: "عنى بغيرهما الدارقطني والحميدي، فقد وجد التعبير في كلامهما بالمقطوع في مقام المنقطع".
(55) النكتة الثالثة (ص515):
فيها استدراك على قول ابن الصلاح: "قول الصحابي: كنا نفعل هذا" وذكر ابن الصلاح في اعتباره موقوفا أو مرفوعا مذهبين.
قال الحافظ: "وقد أهمل مذاهب) ثم ذكر ثلاثة مذاهب:
أولها أنه مرفوع مطلقا. والثاني والثالث فيهما تفصيل.
ثم أعقب ذلك بثلاثة تنبيهات كلها تدور حول مواقف الصحابة وتصرفاتهم من أقوال وأفعال وأحكام ذلك.
(56) النكتة الرابعة (ص 518):
دفع لاعتراض أورده مغلطاي على قول ابن الصلاح: "وذكر الخطيب نحو ذلك (يقصد حديث المغيرة كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير) قال مغلطاي: "إنما رواه الخطيب من حديث أنس".
قال الحافظ: "هو اعتراض ساقط؛ لأن المصنف قصد أن الحاكم والخطيب ذكرا ذلك من قبيل الموقوف، وأن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وقد حقق المناط فيه بما حاصله أن له جهتين:
أ- جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفا.
ب- جهة التقرير وهي مضافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون مرفوعا.
(57) النكتة الخامسة (ص520):
اشتملت على بيان ثم تكميل لقول ابن الصلاح: "وخالف في ذلك (يعني قول الصحابي أمرنا بكذا ونحوه يكون مرفوعا) فريق منهم الإسماعيلي".
قال الحافظ: "من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخي من الحنفية ثم ذكر الحافظ شبهته وردها".
ثم أتبع الحافظ ذلك بأربعة تنبيهات تدور حول هذه الصيغ وأحكامها.
(58) النكتة السادسة (ص523):
تضمنت بيانا لمذاهب العلماء في قول الصحابي: من السنة كذا. حيث قال ابن الصلاح: "الأصح أنه مرفوع".
نقل الحافظ أنه مذهب الشافعي وغيره.(12/20)
قال: "ومقابل الأصح خلاف الصيرفي والكرخي والرازي وابن حزم وجماعة من العلماء وعزاه إمام الحرمين إلى المحققين، ومستندهم: أن اسم السنة متردد بين سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنة غيره".
قال الحافظ: "وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر لوجهين" فذكرهما.
ثم أضاف الحافظ ثلاثة تنبيهات اثنان منها حول إضافة الصحابي السنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الجمهور يرون ذلك مرفوعا قطعا.
وحكى الحاكم الإجماع على ذلك ونفى البيهقي الخلاف فيه.
والثالث: حول حكم ما نسب الصحابي فاعله إلى الكفر أو العصيان.
قال فهذا ظاهره أن له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز حوالة الإثم على ما ظهر له من القواعد.
(59) النكتة السابعة (ص530):
فيها تفصيل لقول ابن الصلاح: "ما قيل إن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول الآية أو نحو ذلك".
ذكر الحافظ أن ابن الصلاح تبع في ذلك الخطيب.
أما الحاكم فأطلق النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي حديث مسند.
قال الحافظ: "والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا. كالإخبار عن الأمور الماضية... وعن الأمور الآتية، والإخبار عن عمل له ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، ثم قال: وهذا معتمد خلق كبير من كبار الأئمة وذكر عددا من المحدثين والفقهاء والمفسرين".
(60) النكتة الثامنة (ص535):
تضمنت إضافة إلى قول ابن الصلاح (من قبيل المرفوع ما قيل عند ذكر الصحابي: يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية".
أضاف: قوله: يرويه أو يرفعه أو مرفوعاً أو يسنده. وكذا قوله رواه... وضرب مثالاً للأخير. ثم أتبع ذلك بتنبيهين:
أحدهما: سؤال وهو ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوه.(12/21)
ثانيهما: قوله: سكت ابن الصلاح عن قول الصحابي: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل. وضرب لذلك مثلا.
النوع التاسع: المرسل
وفيه ثمان نكت:
(61) النكتة الأولى (ص540):
فيها توجيه ونوع نعقب ثم إضافة حول قول ابن الصلاح - في تعريف المرسل – "وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم ابن المسيب وأمثالهما".
قال الحافظ: "ليس المراد حصر ذلك في القول بل لو ذكر الفعل أو التقرير بأي صيغة كان داخلا فيه.
وإنما خص القول لكونه أكثر.
والأولى تعبير بالإضافة لكونها أشمل".
(62) النكتة الثانية (ص542):
فيها استدراك وإضافات على قول ابن الصلاح بعد أن عرف المرسل مخصصا إياه في هذا التعريف بكبار التابعين: "والمشهور التسوية بين التابعين)
قال الحافظ: "لم يمعن المؤلف في الكلام على المرسل في حكاية الخلاف في حده والتفريع عليه وقد جمعت كثيرا من أقوال أهل العلم يحتاج إليها المحدث وغيره".
ثم ذكر الحافظ: أن أصل المرسل مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع، وذكر قولين آخرين في مأخذه.
ثم قال: "وأما حده فاختلفت عباراتهم فيه على أربعة أوجه".
فذكرها ومنها: "هو ما أضافه التابعي إلى النبي - - صلى الله عليه وسلم - - من غير تقييد بالكبير. قال وهو مذهب الجمهور".
ثم تعرض لذكر المرسل هل يحتج به أو لا؟
أبلغ الأقوال فيه إلى ثلاثة عشر قولا.
منها: أنه يقبل مطلقا.
ومنها: أنه يرد مطلقا.
وبقيتها فيها شروط وتقييدات للقبول.
ثم تعرض لبعض الأسباب التي تحمل المرسلين على الإرسال عن الثقة.
ثم تساءل هل يجوز تعمد الإرسال أو يمنع؟
فأجاب بأنه إذا كان شيخ المرسل عدلا جاز بلا خلاف. وإذا كان غير عدل منع بلا خلاف ثم ذكر صورتين أخريين محتملتين للجواز والمنع.
(63) النكتة الثالثة (ص559):(12/22)
تضمنت رداً على اعتراض وجهه مغلطاي والبلقيني على ابن الصلاح حيث عد أبا حازم من صغار التابعين.
فاعترضا عليه بأن أبا حازم ليس من صغار التابعين، فقد سمع من الحسن بن علي وأبي هريرة وغيرهما.
قال الحافظ: وهو اعتراض فيه نظر، لأن ابن الصلاح إنما أراد أبا حازم سلمة بن دينار المدني وهو لم يلق من الصحابة غير سهل بن سعد وأبي أمامة - رضي الله عنهما - فقط. وأما الذي سمع من الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فهو أبو حازم الأشجعي وهو من مشايخ الزهري.
(64) النكتة الرابعة (ص560):
فيها اعتذار عن ابن الصلاح حيث اعترض عليه البلقيني في قوله: "وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع مرسلا".
بأن هذا أصل يتفرع عليه ما ذكر أنه يتفرع منه.
قال الحافظ: "ويظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين من المحدثين بأن المنقطع لا يسمى مرسلا، لأن المرسل عندهم يختص بما ظن منه سقوط الصحابي فقط جعل قول من قال منهم ان رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعا عنه".
(65) النكتة الخامسة (ص561):
فيها تعقب على ابن الصلاح حيث قال: "إذا قيل في الإسناد عن رجل أو عن شيخ ونحوه فالذي ذكره الحاكم أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا".
تعقبه الحافظ قائلا: فيه أمران:
أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه بل أخل منه بقيد وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو:
إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعا وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة فلا تسمى منقطعة لمكان المفسرة. ثم نقل عن الحاكم مثالا لذلك في نفس الموضوع.
الثاني: لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي ثم فصل فيه الحافظ تفصيلا لا يتسع المقام لذكره.
(66) النكتة السادسة (ص565):
ضمّنها الحافظ جوابا على اعتراض على قول ابن الصلاح: "حكم المرسل حكم الحديث الضعيف".(12/23)
كيف يقول هذا فيما يرسله أئمة التابعين وقد قرر في تعليقات البخاري الجازمة بأنها صحيحة على من علقها عنهم؟
أجاب الحافظ عن ابن الصلاح: بأن البخاري اختص بذلك لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا بذلك. ثم اتبع الجواب بشيء كمن التعليل والتفصيل.
(67) النكتة السابعة (ص566):
أوردها الحافظ دفاعا عن مذهب الشافعي في عدم الاحتجاج بالمرسل إلا أن يصح بمجيئه من وجه آخر. ذكر ذلك ابن الصلاح في كتابه.
فحكى الحافظ اعتراضا على هذا المذهب نسبه لجماعة من الحنفية وغيرهم وقال حجتهم أن الذي يأتي من وجه إما أن يكون مرسلا أو مسندا. إن كان مرسلا فيكون ضعيفا انضم إلى ضعيف فيزداد ضعفا.
ثم أجاب: أن هذا ظاهر على قواعد المحدثين، وحاصله أن المجموع حجة لا مجرد المرسل وحده ولا المنضم وحده؛ فإن حالة الاجتماع تثير ظنا غالبا وهذا شأن لكل ضعيفين اجتمعا، ونظَّر ذلك بخبر الواحد إذا احتفت به القرائن فإنه يفيد العلم مع أنه لا يفيد العلم بمجرده ولا القرائن بمجردها.
ثم أضاف تفاصيل ترتبط بهذه النكتة.
(68) النكتة الثامنة (ص567):
حوت ردا على اعتراض أورده مغلطاي على قول ابن الصلاح: "إن سقوط الاحتجاج بالمرسل هو المذهب الذي استقر عليه جماهير حفاظ الحديث".
الاعتراض بأن ابن جرير الطبري ذكر أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل حتى جاء الشافعي فأنكره.
قال الحافظ: "لكنه مردود على مدعيه (يعني الإجماع) ثم نقل عن جماعة من أئمة التابعين وأتباعهم كابن المسيب وابن سيرين وشعبة وأقرانه التصريح بعدم الاحتجاج بالمرسل وكلهم قبل الشافعي. قال ونقله الترمذي عن أكثر أهل الحديث، ثم ذكر الحافظ تفاصيل أخرى تدور حول قبول المرسل مطلقا ورده مطلقا وقبول بعضهم له بشروط".
النوع العاشر: المنقطع
وفيه نكتتان فقط:
(69) النكتة الأولى (ص572):(12/24)
أودعها الحافظ انتقادا لابن الصلاح من جهة ثم دفاعا عنه من جهة أخرى وذلك أن ابن الصلاح ذكر في أمثلة المنقطع رواية عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن حذيفة حديث: "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين..." الحديث.
ثم قال: "فهذا الإسناد إذا تأمله الحديثي ظنه متصلا".
فتعقبه الحافظ بأن هذا المثال إنما يصلح للحديث المدلس؛ لأن كل راو من رواته قد لقي شيخه فيه وسمعه منه وإنما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس.
ثم ذكر الحافظ أن بعضهم ظن أن ابن الصلاح أراد بقوله: "حديثي) المحدث، فكان ينبغي أن يقول غير الحديثي لأن المحدث إذا نظر في إسناد فيه مدلس قد عنعنه لم يحمله على الاتصال.
قال الحافظ: "إنما أراد بقوله: الحديثي المبتدئ وهذا هو اللائق بأن يحمل كلامه عليه".
(70) النكتة الثانية (ص573):
عبارة عن استدراك على قول ابن الصلاح: "ومنها ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه".
قال الحافظ: "فات المصنف من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الكيا الهراسي: "إن مصطلح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل".
ثم قال الحافظ: قال ابن الصلاح في فوائد رحلته: "وهذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو من كيسه".
أقول: "الظاهر أن هذا هو السبب في إهمال ابن الصلاح لنقل قول الكيا الهراسي هذا.
ثم إن الحافظ لاحظ على ابن الصلاح أنه لم يتعرض لحكم المنقطع والخلاف في قبوله ورده وأشار إلى بعض الأقوال فيه".
النوع الحادي عشر: المعضل
وفيه سبع عشرة نكتة:
(71) النكتة الأولى (ص575):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح حيث ذكر تعريف المعضل فقال: "هو عبارة عن الإسناد الذي سقط منه اثنان فصاعدا".
فنقل الحافظ عن جماعة من أئمة الحديث إطلاق المعضل على ما ليس فيه سقط البتة.(12/25)
ثم عقب تلك النقول بقوله: "فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين أو يكون المعضل الذي عرَّف به المصنف وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، والذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد ويعنون به المستغلق الشديد، وبالجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا".
(72) النكتة الثانية (ص580):
تضمنت ردا لاعتراض أورده مغلطاي على ابن الصلاح حينما تكلم عن كلمة معضل - بفتح الضاد - واستشكل مأخذها من حيث اللغة ثم فرق بينها وبين كلمة معضل - بكسر الضاد - فقال: "ولا التفات في ذلك إلى معضل - بكسر الضاد - وإن كان مثل عضل في المعنى".
قال الحافظ: "اعترض عليه مغلطاي فقال: "كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس عربيا".
فتعقبه الحافظ بقوله: "ولم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لا يؤخذ منه معضل بفتح الضاد لأن معضل - بكسر الضاد - من رباعي قاصر والكلام إنما هو في رباعي متعد".
(73) النكتة الثالثة (ص581):
كانت توضيحا لقول ابن الصلاح: "وإذا روى تابع تابعي حديثا موقوفا وهو حديث متصل الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد جعله الحاكم نوعا من المعضل".
قال الحافظ: "مراده بذلك تخصيص القسم الثاني من قسمي المعضل بما اختلف الرواة فيه على التابعي بأن يكون بعضهم وصله مرفوعا وبعضهم وقفه على التابعي بخلاف القسم الأول فإنه أعم من أن يكون له إسناد آخر متصل أم لا".
(74) النكتة الرابعة (ص583):
فيها توجيه لقول ابن الصلاح فيما يتعلق بالإسناد المعنعن: "وكاد ابن عبد البر أن يدعي إجماع أئمة النقل على ذلك". يعني على أنه متصل كما هو ظاهر سياقه.
قال الحافظ: "إنما عبر ابن الصلاح بقوله: "كاد)؛ لأن ابن عبد البر إنما جزم بإجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل".
(75) النكتة الخامسة (ص583):
كانت انتقادا على ابن الصلاح حيث نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل على قبول الإسناد المعنعن.(12/26)
قال الحافظ: "إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى، لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فكيف نزل عنه إلى النقل عن الداني".
وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر.
وهذا يدل على أن أسلافنا من علماء المسلمين ما كانوا يقتصرون على العلو في الإسناد من الأشخاص فحسب بل حتى من الكتب، فينبغي في نظرهم أن يكون استقاء المعلومات من مصادرها الأصلية ولا سيما كتب أهل الاختصاص بالفن الذي تؤخذ منه تلك المعلومات.
ثم لخص الحافظ كلام ابن الصلاح فيما يتعلق بالعنعنة في ثلاث حالات ثم أضاف حالة رابعة خفية جدا قال: لم ينبه عليها أحد من المصنفين في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال أو انقطاع بل يكون المراد بها سياق قصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف مقدر تقديره عن قصة فلان أو شأن فلان ثم ضرب لذلك أربعة أمثلة.
(76) النكتة السادسة (ص590):
فيها تقييد ثم إيضاح لما نقله ابن الصلاح عن مالك أنه يسوي بين (عن) و(أن) وأن أحمد يفرق بينهما.
قال الحافظ: "ليس كلام كل منهما على إطلاقه وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما عن ذلك".
ثم ذكر صيغة السؤال الموجه إلى كل واحد منهما، ثم ذكر للفظة (أن) حالتين تتفق إحداهما مع (عن) وتنفرد عنها في الحالة الثانية ثم ضرب لذلك أمثلة.
(77) النكتة السابعة (ص594):
كانت ضبطا لغويا للفظة (البرديجي) الواردة في كلام ابن الصلاح وبيان أصل نسبتها وأنها إلى قرية برديج نقل ضبطها عن حاشية للمصنف وعن (العباب) للصاغاني، وبين أن من نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء على الحكاية ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء.
(78) النكتة الثامنة (ص594):(12/27)
تضمنت ملاحظة على ابن الصلاح حيث نقل عن ابن عبد البر كلاما يتعلق بالإسناد المتصل عن الصحابي إذا رواه الصحابي بأي لفظ: "سمعت) أو غيرها فكلها عند العلماء سواء.
قال الحافظ: "إن ابن الصلاح حذف فيه كلام ابن عبد البر لكني رجعت إلى التمهيد مقارنا بينه وبين ما نقله ابن الصلاح فوجدت أنه حذف جملة واحدة من آخر الكلام كله".
والذي يبدو لي أن الحافظ قال: "حذف فيه من كلام ابن عبد البر فحصل تصرف من النساخ يخل بكلام الحافظ" - والله أعلم.
(79) النكتة التاسعة (ص595):
تضمنت ردا على اعتراض أورد على قول ابن الصلاح: "وقد قيل: أن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم علي ابن المديني والبخاري وغيرهما (يعني اشتراط اللقاء وعدم الاكتفاء بالمعاصرة بين الراوي وشيخه".
قال الحافظ: "ادعى بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه لا في أصل الصحة، وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة فقد أكثر تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي، ثم نقل من الرسالة للشافعي من كلامه ومن نقله عن العلماء ما يؤيد مذهب البخاري ومن معه ويرجحه على مذهب مسلم".
(80) النكتة العاشرة (ص598):
فيها توضيح لقول ابن الصلاح: "وهذا الحكم لا أراه يستمر - بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال فلان ونحو ذلك".
قال الحافظ: "يعني بالمصنفين غير المحدثين فتبين أن ما وجد في عبارات المتقدمين من هذه الصيغ فهو محمول على السماع بشرطه إلا من عرف من عادته استعمال اصطلاح حادث فلا".
(81) النكتة الحادية عشرة (ص599):
فيها رد لاعتراض على ابن الصلاح ثم إضافة وتفصيل لقول ابن الصلاح فيما يتعلق بتعليقات البخاري: "والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات".
قال الحافظ: "فاعترض عليه مغلطاي بأن هذا الكلام يحتاج إلى تثبت، فإني لم أجده لغيره".(12/28)
قال الحافظ: "قد سبقه إلى ذلك الإسماعيلي ومنه نقل ابن الصلاح كلامه". ونقل الحافظ من كتاب المدخل إلى المستخرج للإسماعيلي ثلاثة أوجه لتعليقات البخاري منها: أن لا يكون قد سمعه عاليا وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروي عنه فيقول: قال فلان مقتصرا على صحته عنه وشهرته من جهته".
قال الحافظ: "من تأمل تعليقات البخاري حيث لم تتصل لم يجدها تكاد أن تخرج عن هذه الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي"
ثم ذكر الحافظ بعد ذلك الأسباب التي حملت البخاري على التعليق منها: أن يكون أوردها في معرض المتابعة والاستشهاد، وأحال على كتابه (تغليق التعليق) في تفاصيل ذلك.
(82) النكتة الثانية عشرة (ص601):
تضمنت تأييدا لانتقاد ابن الصلاح لأحد علماء المغرب وذلك أن ابن الصلاح حكى عن هذا العالم أنه سوى بين قول البخاري (قال فلان) و(قال لي فلان) في أن كلا منهما ظاهر في التعليق ثم رد عليه.
فأضاف الحافظ إلى قول ابن الصلاح قوله: "ولم يصب هذا المغربي في التسوية بين قوله (قال فلان) وقوله (قال لي فلان)، لأن قال لي مثل التصريح بالسماع و(قال) المجردة ليست صريحة أصلا".
(83) النكتة الثالثة عشرة (ص386):
حوت دفاعا عن قول ابن الصلاح: "وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق فتعقبه البلقيني بأن أخذه من تعليق الجدار ظاهر أما تعليق الطلاق ونحوه فليس من هذا الباب بل لتعليق أمر على أمر"
ثم قال: "لا أن يريد به قطع اتصال حكم التنجيز باللفظ لو كان منجزا".
قال الحافظ: "وهذا هو الذي يتعين مرادا للمصنف".
(84) النكتة الرابعة عشرة (ص388):
فيها تعقب عن ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب مذاهب العلماء في تعارض الوصل والإرسال وأن المحدثين يرون أن الحكم للإرسال، وعن بعض العلماء أن الحكم للأكثر، وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ.(12/29)
فتعقبه الحافظ بنقول عن جماعة من العلماء منهم ابن دقيق العيد والعلائي بأنه ليس لأئمة الحديث في هذا قانون مطرد، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح. قال الحافظ: "وعلى هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضع التقييد".
(85) النكتة الخامسة عشرة (ص605):
تضمنت استشكالا من الحافظ على ابن الصلاح حيث أورد البحث في تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف في تفاريع المعضل مع أنه قسم مستقل قال: ولو أنه ذكره في تفاريع المعلل لكان حسنا وإلا فمحله زيادة الثقات. ثم اعتذر عن ابن الصلاح بكلام له شيء من الوجاهة.
(86) النكتة السادسة عشرة (ص605):
قام الحافظ بدفع اعتراض من جهة وتعقب من جهة أخرى على ابن الصلاح حيث مثّل لما تعارض فيه الوصل والإرسال بحديث: "لا نكاح إلا بولي". حيث وصله جماعة عن أبي إسحاق السبيعي وأرسله شعبة وسفيان الثوري.
فاعترض عليه بعض العلماء بأن التمثيل بهذا الحديث لا يصح؛ لأن الرواة لم تتفق على إرساله عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق بل رواه النعمان بن عبد السلام عن شعبة وسفيان موصولا.
قال الحافظ: "والجواب أن حديث النعمان هذا شاذ مخالف للحفاظ الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان، والمحفوظ عنهما أنهما أرسلاه".
ثم حكى ابن الصلاح أن البخاري رجح فيه الوصل على الإرسال، لأنه زيادة من ثقة.
فتعقبه الحافظ بأن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ثقة ليست مع المرسل بل بما ظهر له من قرائن الترجيح وذكر الحافظ بعض تلك القرائن.
(87) النكتة السابعة عشرة (ص391):
اشتملت على تعقب على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب أنه رجح الوصل على الإرسال عند التعارض إذا كان الراوي عدلا ضابطا... ثم قال وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله.
فتعقبه الحافظ بأن الذي رجحه الخطيب شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا، وأما الفقهاء والأصوليون، فيقبلون ذلك من العدل مطلقا وبين الأمرين فرق كبير.(12/30)
ثم انتقد من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا وفسر الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا منه ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقا في المتن أوالإسناد. قال الحافظ: "وفي هذا تناقض واضح".
ثم وضّح أن زيادة الثقة لا تقبل دائما. ومن أطلق ذلك من الأصوليين والفقهاء فلم يصب.
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس
وفيه سبع نكت:
(88) النكتة الأولى (ص614):
كانت شرحا لكلمة (التدليس) الواردة في كلام ابن الصلاح وبيان لاشتقاقها، وأنها من الدلس وهو الظلام ثم بيان لوجه تسميته بالتدليس:
(89) النكتة الثانية (ص614):
فيها اعتراض على تعريف ابن الصلاح لتدليس الإسناد بقوله: "أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمع منه".
اعترض الحافظ على قوله: "أو عمن عاصره) بأنه ليس من التدليس في شيء، وإنما هو المرسل الخفي.
ثم نقل عن ابن القطان صاحب الوهم والإيهام بأنه فرق بين التدليس والإرسال الخفي بأن التدليس مختص بالرواية عمن له منه سماع بخلاف الإرسال الخفي، وقد سبق القطان إلى التفرقة بينهما البزار.
ثم إن العراقي حكى كلم البزار وابن قطان وصوب تعريف ابن الصلاح وقال: "إنه هو المشهور عن أهل الحديث".
فتعقبه الحافظ وصوب تعرفهما وتفرقتهما بين المرسل الخفي والتدليس، وأنكر ما ادعاه العراقي بأن التدليس الذي ذكره ابن الصلاح هو المشهور عند المحدثين، ونقل عن الخطيب ما يؤيد كلام ابن قطان ومن معه.
(90) النكتة الثالثة (ص615):
فيها لفت نظر إلى ما يوهم التقييد في تعريف ابن الصلاح لتدليس الشيوخ حيث قال: "وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف".
قال الحافظ: "ليس قوله بما لا يعرف به قيدا فيه بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا، ثم ضرب مثالا لذلك من تصرف الخطيب.(12/31)
(91) النكتة الرابعة (ص624):
ضمت تعقبا على قول ابن الصلاح فيما يتعلق بتدليس الإسناد: "ومن شأنه أن لا يقول في ذلك: أخبرنا فلان وحدثنا فلان وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان ونحو ذلك".
فتعقبه الحافظ بقوله: "وقد يقع التدليس بحذف الصيغ كلها كما في المثال الذي ذكره المصنف وإنما نبهت عليه لأنه ليس داخل في عبارته".
والمثال الذي ذكره المصنف هو أن ابن عيينة قال عند أصحابه (الزهري) فقيل له: حدثكم الزهري؟ فأعاد فأعيد السؤال فقال: "م أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري. حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
(92) النكتة الخامسة (ص624):
اشتملت على تأييد لاعتراض أورد على ابن الصلاح حيث قال: "أن ما رواه المدلس بلفظ محتمل حكمه حكم المرسل".
قال المعترض: "إن البزار قال: إن من كان لا يدلس إلا عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا، وأيد الحافظ قول هذا المعترض بأن أبا الفتح الأزدي وابن حبان وابن عبد البر قد صرحوا بمثل ما نقل عن البزار خصوصا في تدليس ابن عيينة"
ثم اتبع الحافظ ذلك بتنبيه حول اختلاف العلماء في تصريح المدلس بالتحديث وعدم عدم تصريحه، نقل ذلك عن ابن القطان.
وتعقبه في إطلاقه القبول عند التصريح بالسماع بأن المدلس قد يدلس الصيغة فيرتكب المجاز كما يقول مثلا: حدثنا وينوي حدث قومنا أو أهل قريتنا، ثم ذكر لذلك أمثلة.
(93) النكتة السادسة (628):
كانت ردا على المعافى النهرواني حيث اتهم شعبة بالتدليس.
وذلك عندما ذكر ابن الصلاح أن شعبة كان من أشد الناس ذما للتدليس، فذكر الحافظ: أن المعافى النهرواني اتهم شعبة بالتدليس رغم تشدده وذمه له، فرد ذلك عليه الحافظ وأقام الأدلة على وهم المعافى وخطئه في حق شعبة - رحمه الله -.
(94) النكتة السابعة (ص634):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح حيث ذكر حكم ما رواه المدلس وأن حكمه القبول إذا رواه بلفظ مبين للاتصال نحو (سمعت) و (حدثنا".(12/32)
وذكر جماعة من المحدثين الثقات الذين خرج لهم في الصحيحين وغيرهما.
قال الحافظ: "أورد المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثير من أحاديث المدلسين بالعنعنة".
ثم قال: "قد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه النووي وغيره بان ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول عل ثبوت سماعه من جهة أخرى"
وذكر أنه توقف في ذلك بعض المتأخرين، صدر الدين بن المرحل وابن دقيق العيد وساق كلامهما بهذا الصدد.
ونقل عن المزي بأنه ليس لمن يدعي ذلك حجة إلا حسن الظن بالشيخين.
ثم قال: "وليس الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط، وأما ما كان في المتابعات فيحتمل أنه حصل التسامح في تخريجها"
ثم ذكر بعد ذلك مراتب المدلسين الذين روى لهم البخاري ومسلم وجعلهم في ثلاث مراتب، ثم ألحق بها قسمين لمن دلس في خارج الصحيحين وسرد أسماء الجميع.
وفي نهاية ذلك نبه على أنه يلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلدان، كما إذا قال المصري: "حدثني فلان بالأندلس، وأراد موضعا بالقرافة وحكم هذا النوع عنده الكراهة؛ لأنه يدخل في التشبع وإيهام الرحلة في طلب الحديث"
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
وفيه أربعة نكت:
(95) النكتة الأولى (ص652):
فيها اعتراض على ابن الصلاح ثم اعتذار عنه حيث ذكر ابن الصلاح تعريفات الشافعي والخليلي والحاكم للشاذ.
فبين الحافظ وجوه التفاوت بين تعريفاتهم من حيث العموم والخصوص، كما بين امتياز تعريف الشافعي على الأخيرين، ثم قال ابن الصلاح: "أما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال فيه".(12/33)
قال الحافظ: "فيه نظر وعلى المصنف إشكال أشد منه؛ وذلك أنه يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا ويقول: إنه لو تعارض الوصل والإرسال قدم الوصل مطلقا وإن كان رواة الإرسال أكثر أو أقل أحفظ أم لا"
ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه، وإذا كان راوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا؟
قال: "هذا غاية في الإشكال ثم قال: يمكن أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحة إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال.
والمصنف يأخذ بقول الفقهاء والأصوليين وذلك أنهم لا يشترطون نفي الشذوذ في شرط الصحيح وبهذا يرتفع الإشكال".
(96) النكتة الثانية (ص654):
وافق فيها شيخه العراقي في اعتراض أورده على دعوى ابن الصلاح أن مالكا تفرد عن الزهري بحديث دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وعلى رأسه مغفر.
فتعقبه العراقي بأنه روى الحديث غير مالك عن الزهري كمعمر وابن أخي الزهري وذكر آخرين، ثم حكى عن ابن العربي أنه قال: رويته من ثلاث عشرة طريقا غير طريق مالك. فأقره الحافظ على هذا التعقب. ثم أورده من خمس عشرة طريقا ذاكرا مراتبها وما فيها من العلل، ثم أردف ذلك بقوله: "وقول ابن العربي أنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض عليه".
(97) النكتة الثالثة (ص672):
كانت دلالة على موضع كلام لمسلم نقله ابن الصلاح حيث قال:
(قال مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -".
قال الحافظ: "هو في الصحيح في كتاب الأيمان والنذور".
(98) النكتة الرابعة (ص673):(12/34)
تضمنت اعتراضا أورده الحافظ على رأي ابن الصلاح حيث قال: في الكلام على رواية الشخص إذا انفرد برواية: "وإن كان بعيدا عن ذلك (يعني من درجة الحافظ الضابط) رددنا ما تفرد به وكان من قبيل الشاذ والمنكر".
قال الحافظ: "هذا يعطي أن الشاذ والمنكر عنده مترادفان، والتحقيق خلاف ذلك".
النوع الرابع عشر: المنكر
وفيه نكتة واحدة على ابن الصلاح (ص674): "99) وفي هذه النكتة توضيح لكلام ابن الصلاح ثم عقب عليه في قوله: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ".
قال الحافظ: "وهذا ما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد ولكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده.
وأما قول المصنف والصواب التفصيل... الخ، فليس في عبارته ما يفصل أحد النوعين عن الآخر، نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين، ثم ذكر القسمين وفصل فيهما".
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار
وفيه نكتتان فقط:
(100) النكتة الأولى (ص681):
فيها اعتراض أورده على ابن الصلاح حيث قال:
معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد".
قال الحافظ: "هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد وليس كذلك، بل الاعتبار هو الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد، فكان حق العبارة أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد".
(101) النكتة الثانية (ص681):
تضمنت اعتراضا أورده الحافظ على ابن الصلاح إذ ذكر مثالا للمتابع وهو حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس:
(لو أخذوا إهابها) وذكر أن شاهده عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس: "أيما إهاب دبغ فقد طهر".
قال الحافظ: "فيه أمران: أحدهما: أنه ليس مثالا للمتابعة التامة إذ من شرطها أن يتابع نفس الراوي لا شيخه.(12/35)
الثاني: أنه ليس بمطابق لما عرف من أن المتابعة لمن دون الصحابي، وأن الشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه من حديث صحابي آخر.
ثم ذكر مثالا للمتابع والشاهد سالما من الاعتراض، وهو حديث الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (الشهر تسع وعشرون... على قوله فأكملوا العدة ثلاثين) ومتابعاته وشواهده".
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
وفيه أربع نكت:
(102) النكتة الأولى (ص686):
تضمنت شرحا ودفاعا عن ابن الصلاح حيث قال: "وكان أبو بكر النيسابوري وذكر غيره مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث...".
قال الحافظ: "مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما زاده الفقهاء... وإنما نبهت على هذا، لأن العلامة مغلطاي استشكل ذلك على المصنف ودل على أنه ما فهم مغزاه فيه".
ثم أضاف الحافظ ما قاله ابن حبان: "لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صناعة الحديث ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة حتى كأن السنن بين عينيه إلا ابن خزيمة".
(103) النكتة الثانية (ص687):
تضمنت تفصيلا وتعقبا على تقسيم ابن الصلاح لزيادة الثقة إلى ثلاثة أقسام:
وقد ذكر كثيرا من أقوال العلماء في هذه النكتة.
(104) النكتة الثالثة (ص696):
تعد تأييدا للنووي ثم ردا على التبريزي الذي دافع عن ابن الصلاح.
وذلك أن ابن الصلاح نقل عن الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله: "من المسلمين) في حديث ابن عمر في صدقة الفطر فاعترض عليه النووي بقوله: "لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به وذكر من تابع مالكا".
قال التبريزي رادا على النووي: "إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه شيء".(12/36)
قال الحافظ: "وهذا التعقب غير مرض؛ لأن الإيراد على المصنف من جهة عدم مطابقة المثال للمسألة المفروضة، ولو كان حاكيا؛ لأنه أقر فرضيته، ثم بين سبب الخلل في كلام ابن الصلاح ثم تكلم الحافظ على هذه الزيادة ونقل أقوال العلماء فيها وفيمن زادها من أصحاب نافع ومن لم يذكرها".
(105) النكتة الرابعة (ص700):
تعتبر اعتراضا على ابن الصلاح ثم مدافعة عنه حيث قال: "ومن أمثلة ذلك حديث: "جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا" فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك".
قال الحافظ: "وهذا التمثيل ليس بمستقيم، لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش، وتفرد ربعي بجملته عن حذيفة".
ثم حكى الحافظ اعتراض مغلطاي على ابن الصلاح في تمثيله بهذه الزيادة، وهو بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض فلا يبقى زيادة".
قال الحافظ: "فقد أجاب شيخنا شيخ الإسلام فقال: "حمل التربة على التراب وهو المتبادر إلى الفهم، ولأنه لو أراد بالتربة الأرض لم يحتج لذكرها هنا لسبق ذكر الأرض، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت الأرض لنا مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا".
قال الحافظ: "وهذا يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه، لأن التقدير حينئذ يكون وجعلت أرض الأرض طهورا".
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
وفيه على ابن الصلاح نكتة واحدة فقط (ص703):
(106) وهذه النكتة اشتملت على مدافعة عن ابن الصلاح ثم إضافة أشياء مهمة.
فالمدافعة كانت على اعتراض وجهه مغلطاي على قول ابن الصلاح: "الأفراد منقسمة إلى ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة".
حيث قال مغلطاي: "بأنه ذكر أنه تبع الحاكم في ذكر هذا النوع فكان ينبغي له أن يتبعه في تقسيمه فإنه قسمه إلى ثلاثة أقسام".
قال الحافظ: "وهو اعتراض عجيب فإن الأقسام التي ذكرها الحاكم داخلة في القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح ولا سبيل إلى الإتيان بالثالث".(12/37)
ثم قسم الحافظ - إضافة إلى ما سبق - الفرد المطلق إلى نوعين وضرب لهما مثالين.
وقسم الفرد النسبي إلى أربعة أقسام وضرب لها أمثلة.
ثم ذكر مظان الأفراد من الكتب، كالتفرد لأبي داود ومسند البزار والأفراد للدارقطني.
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل
وفيه خمس نكت:
(107) النكتة الأولى (ص710):
تضمنت شرحا وتوضيحا وإضافة فوائد مهمة. أما الشرح فهو لتعريف ابن الصلاح للحديث المعلل حيث قال: "فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منه".
وضح الحافظ هذا التعريف وبين أنه تحرير لتعريف الحاكم.
وأما الإضافات فهي متمثلة فيما يأتي:
أ- ذكر الحافظ أن الحديث المنقطع رواية والمجهول والمضعف لا يسمى واحدا منها معللا إلا إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك.
ب- ثم بين السبيل إلى معرفة سلامة الحديث من العلة وهو: أن تجتمع طرقه، فإن اتفقت رواته واستووا ظهرت سلامته، وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة، فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف.
ج- ثم بين أهمية هذا الفن وأنه لا يقوم به إلا النقاد الأفذاذ، وأن إليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك.
فإذا وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا حيث لم يختلفوا فإذا اختلفوا فلا بد من الترجيح.
د- ثم نقل عن العلائي أن مذهب غالب المحدثين عند تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف في روايات الثقات هو التعليل بالإرسال والوقف. أما الفقهاء والأصوليون فإنهم يجعلون الوصل والرفع من قبيل زيادة الثقة، قال: "ويلزم على ذلك قبول الحديث الشاذ".(12/38)
ه- ثم ذكر مثالا للمعلل الذي تخفى علته على كثير من المحدثين، وهو حديث ابن عمر (من باع عبدا له مال...(الحديث حيث اختلف فيه نافع وسالم ابن عبد الله فوقفه نافع على عمر ورفعه سالم. فرجح النسائي وابن أبي حاتم وغيرهما الوقف، ثم بين سبب الخطأ في إسناد هذا الحديث.
(108) النكتة الثانية (ص745):
تضمنت اعتراضا على قول ابن الصلاح: "إن المحدثين كثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل والمنقطع".
قال الحافظ: "هذا ليس من قبيل المعلول على اصطلاحه وإن كانت علة في الجملة؛ إذ المعلول على اصطلاحه مقيد بالخفاء والانقطاع والإرسال ليست علتهما بخفية".
(109) النكتة الثالثة (ص746):
تعتبر شرحا لقول ابن الصلاح: "ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر، وقد تقع في المتن...".
قال الحافظ: "قلت: إذا وقعت العلة في الإسناد قد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن، وكذا القول في الإسناد فالأقسام على هذا ستة. ثم مثل لكل هذه الأقسام الستة".
(110) النكتة الرابعة (ص766):
كانت تعقبا على ابن الصلاح حيث قال: "فعلل قوم رواية اللفظ المذكور - يعني نفي قراءة البسملة - لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه: "كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين".
قال الحافظ: "وفيه نظر؛ لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى مع إمكان الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة".
ثم ذكر رواية شعبة وغيره عن قتادة بأسانيدها.
ثم قال: "ومما يدل على ثبوت أصل البسملة في أول القراءة في الصلاة ما رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من رواية نعيم المجمر قال: "صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن فذكر الحديث وفي آخره فلما سلم قال: "والذي نفسي بيده لأنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم –". وهو حديث صحيح لا علة له.(12/39)
ففي هذا رد على من نفاها البتة، وتأييد لتأويل الشافعي لكنه غير صريح في ثبوت الجهر لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة - رضي الله عنه - حال مخافتته لقربه منه فبهذا تتفق الروايات كلها.
(111) النكتة الخامسة (ص771):
وقعت شرحا لقول ابن الصلاح: "ثم اعلم أنهم قد يطلقون العلة على غير ما ذكرنا".
قال الحافظ: "مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول قد يقع في كلامهم ما يخالفه، وطريق التوفيق بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم أن اسم العلة إذا أطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولا اصطلاحا؛ إذ المعلول ما علته خفية قادحة"، ولهذا قال الحاكم: "إنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل".
النوع التاسع عشر: المضطرب
وفيه نكتتان فقط وفوائد:
(112) النكتة الأولى (ص772):
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح والعراقي حيث مثل ابن الصلاح للمضرب بحديث الخط للمصلي إذا لم يجد سترة، وذكر بعض وجوه الاضطراب فيه.
فأقره العراقي وأضاف وجوها أخر.
قال الحافظ: "وبقيت وجوه أخرى لم أر الإطالة بذكرها، ولكن بقي أمر يجب التيقظ له، ذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب، لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحا، واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك؛ لأنه إن كان الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك، ومع ذلك فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح ثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا".
ثم الاضطراب نقله عن العلل للدارقطني وهو حديث أبي بكر (شيبتني هود". ذكر الحافظ الاختلاف فيه على أبي إسحاق من اثني عشر وجها.
(113) النكتة الثانية (ص777):(12/40)
تضمنت تعقبا على ابن الصلاح ثم إضافة فوائد.
أما التعقب فعلى قول ابن الصلاح: "إن الاضطراب قد يقع في الإسناد وقد يقع في المتن، وقد يقع من راو وقد يقع من رواة".
قال الحافظ: "قسم المصنف المضطرب إلى أربعة أقسام ولم يمثل إلا لقسم واحد".
وأما الإضافة:
أ- فذكر أن العلائي تكلم كلاما مفيدا في الحديث المعلّ فنقله الحافظ هنا لأن المضطرب قسم من أقسام المعل، ومن كلام العلائي أن الاختلاف في الإسناد ينقسم إلى ستة أقسام، فذكرها ثم ضرب الحافظ أمثلة لكل الأقسام الستة.
ب- ثم قال: وأما الاختلاف في المتن فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث، وأشار إلى أمثلة سبقت في المعلل والمنكر.
جـ- ثم قال: وأمثلة ذلك كثيرة وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة ليصير ذلك قاعدة يرجع إليها فنقول:
1- إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان الحديث في سياق واقعة و ظهر تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين ثم مثل لذلك بحديث أبي هريرة في قصة السهو يوم ذي اليدين، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين".
وحديث عمران بن حصين: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم العصر فسلم من ثلاث".
وحديث معاوية بن خديج: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم المغرب فسلم من ركعتين ثم انصرف".
ثم قال: فهذه الأحاديث الثلاثة ليس الواقعة فيها واحدة بل سياقها يشعر بتعددها.
2- ثم مثل للقسم الثاني وهو: ما كان في حكاية واقعة وظهر تعددها بحديث فضالة بن عبيد في (القلادة) ساقه من وجوه، ثم عن البيهقي وغيرهأن هذه الروايات عن فضالة محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة فأداها كلها وحنش أداها متفرقة، وحنش هو الراوي عن فضالة.
ثم رجح الحافظ أنهما حديثان فقط رواهما حنش بألفاظ مختلفة، ثم ذكر الحافظ وجهة نظره في هذا الترجيح.(12/41)
د- ثم قال: فإذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحد فلا ينبغي سلوك تلك الطريق المتعسفة، ثم أشار إلى محاولات بعضهم أن يجعل حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين قصصا متعددة.
ثم مثل بحديث أبي هريرة في القصة المذكورة وقال: وأدل دليل على ذلك - أي على أنها قصة واحدة - الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أو العصر؟ فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما، ثم ذكر اختلاف الرواة في سياق الحديث، ثم قال: "فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب. ولا يلزم من ذلك تعدد الواقعة".
ه- ثم ذكر ما يبعد فيه احتمال تعدد القصة الواقعة، ويمكن الجمع فيه بين الروايات وقسمه إلى أقسام منه ما يكون الحمل فيه على المجاز.
ومنه ما يكون فيه بتقييد الإطلاق.
ومنه ما يكون بتخصيص العام.
ومنه ما يكون بتفسير المبهم وتبيين المجمل.
ومثل لكل من ذلك بمثال.
و- ثم ذكر ما يبعد فيه احتمال التعدد ويبعد فيه أيضا الجمع بين الروايات ومثل له بعدد من الأمثلة.
النوع العشرون: المدرج
وفيه نكتة واحدة:
(114) وهذه النكتة تضم استدراكا ثم إضافة فوائد (ص811): "أما الاستدراك فإن ابن الصلاح كان قد اقتصر على ذكر أربعة من أقسام المدرج".
فتعقبه الحافظ بأن الخطيب الذي ألف فيه قد قسمه إلى سبعة أقسام قال: "وقد لخصته ثم رتبته على مسانيد الأبواب والمسانيد".
أما الإضافة:
أ- فذكر أنه أضاف إلى عمل الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره.
ب- ثم قسم المدرج إلى مدرج المتن وإلى مدرج الإسناد.
وذكر أن مدرج المتن على ثلاث مراتب:
1- في أول المتن.
2- وفي وسطه.
3- وفي آخره وهو الأكثر.
ج- ثم قال: "والطريق إلى معرفة ذلك (يعني الإدراج) من وجوه". فذكر ثلاثة أوجه مع أمثلتها وأطال النفس في ذلك.
د- ثم قال: "وأما مدرج الإسناد فهو على خمسة أقسام. وأشار إلى أن ثلاثة منها ذكرها ابن الصلاح مع أمثلتها. وذكر القسمين الآخرين ومثل لهما".(12/42)
ه- وأشار إلى طريق معرفة مدرج الإسناد. وذلك بأن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة. وضرب لذلك أمثلة.
النوع الحادي والعشرون: الموضوع
وفيه تسع نكت:
(115) النكتة الأولى ص(838):
كانت شرحا لغويا لتعريف ابن الصلاح للموضوع حيث قال: "وهو المختلق المصنوع".
قال الحافظ: "وهذا تفسير بحسب الاصطلاح، وأما من حيث اللغة فقد قال أبو الخطاب ابن دحية: "الموضوع الملصق، وضع فلان على فلان كذا أي ألصقه به".
(116) النكتة الثانية (ص839):
تضمنت ردا لاعتراض على قول ابن الصلاح: "اعلم أن الموضوع شر الأحاديث الضعيفة".
قال المعترض: "الموضوع ليس من الحديث النبوي إذ أفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه".
أجاب الحافظ بقوله: "ويمكن الجوب بأنه أراد بالحديث القدر المشترك، وهو ما يحدث به".
(117) النكتة الثالثة (ص839):
تضمنت استدلالا لقول ابن الصلاح: "ولا تحل روايته (يعني الموضوع". لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه".
استدل الحافظ على ذلك بحديث سمرة مرفوعا: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
ثم شرح الحديث ونفل عن مسلم ما يؤيد شرحه.
(118) النكتة الرابعة (ص842):
تعد تفصيلا وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي".
قال الحافظ: "قلت: هذا الثاني هو الغالب وأما الأول فنادر، ثم نقل عن ابن دقيق العيد ما يؤيد ما ذهب إليه".
ثم ذكر بعض القرائن الدالة على الوضع.
(119) النكت الخامسة (ص844):
تضمنت ردا لاعتراض على قول ابن الصلاح: "وقد وضعت أحاديث يشهد لوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها". حيث قال المعترض: "إن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى".
قال الحافظ: "والذي يظهر أن المؤلف لم يقصد أن ركاكة اللفظ وحده تدل كما تدل ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين".
ثم إن الحافظ استدرك على ابن الصلاح أشياء أخل بها فلم يذكرها في علامات الوضع.(12/43)
منها: أن يخالف الحديث العقل ولا يقبل تأويلا.
ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحجاج عن البيت ثم لا ينقله منهم إلا واحد.ومنها: ما يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا.
ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي. وذكر أشياء أخر.
(120) النكتة السادسة (ص847):
تعتبر تأكيدا لقول ابن الصلاح في نقد ابن الجوزي: "ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيهما كثيرا مما لا دليل على وضعه".
قال الحافظ (يعني ابن الجوزي)، ثم نقل عن العلائي قوله: "دخلت الآفة على ابن الجوزي من التوسع في الحكم بالوضع؛ لأن مستنده في غالب ذلك ضعف راويه".
قال الحافظ: "قلت: ويعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمول على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه، ويكون المتن قد روي من وجه آخر لم يطلع هو عليه أو لم يستحضره حالة التصنيف، فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها".
فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل فيه الترغيب والترهيب وقليلا من الأحاديث الحسان، كحديث صلاة التسبيح وكحديث قراءة آية الكرسي دبر الصلاة فهو صحيح.
وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جداً وأما مطلق الضعف ففيه أحاديث كثيرة.
نعم أكثر الكتاب موضوع".
ثم ذكر (كتاب العلل المتناهية) لابن الجوزي وقال: "أورد فيه كثيرا من الأحاديث الموضوعة كما أورد في (الموضوعات) كثيرا من الأحاديث الواهية".
(121) النكتة السابعة (ص850):
تضمنت استدراكا وتكميلا لقول ابن الصلاح: "والواضعون للحديث أصناف".
قال الحافظ: "قلت: لم يبين ذلك وسائقهم إلى ذلك، والهاجم عليه منهم فذكر:
1- الزنادقة.
2- أصحاب الأهواء، كالخوارج والروافض.
3- من حمله محبة الظهور ممن رقّ دينه من أهل الحديث.(12/44)
4- من حملة التدين الناشئ عن الجهل. ثم ذكر لهذا الصنف أربعة شبه تعلقوا بها، ثم رد على كل هذه الشبه.
5- والصنف الخامس: أصحاب الأغراض الدنيوية كالقصاص، والسؤال في الطرق وأصحاب الأمراء.
6- من لم يتعمد الوضع كمن يغلط فيضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام بعض الصحابة أو غيرهم. وكمن ابتلي بمن يدس عليه الحديث.
ثم ذكر أن أشد هذه الأصناف ضررا أهل الزهد.
وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم ذكر محمد بن كرام زعيم الكرامية ومذهبه الرديء، ومن كان يضع له الحديث وضبط كلمة (كرام) وفيها قولان التشديد والتخفيف.
(122) النكتة الثامنة (ص861):
تضمنت توضيحا لمن أبهمه ابن الصلاح في قوله: "بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه - يعني حديث أبي بن كعب في فضائل القرآن سورة سورة –".
قال الحافظ: "أبهم المصنف الباحث المذكور اختصارا، ثم نقل عن الخطيب أن المؤمل بن إسماعيل هو الذي قام برحلة واسعة في البحث عن مصدر الحديث المذكور".
(123) النكتة التاسعة (ص862):
تضمنت استدراكا على قول ابن الصلاح: "ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم".
فنقل الحافظ عن شيخه العراقي قوله: "لكن من أبرز إسناده من المفسرين أعذر ممن حذف إسناده".
قال الحافظ: "قلت: والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد طريقة معروفة لكثير من المحدثين، وعليها يحمل ما صدر من كثير منهم من إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها صريحا، وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان".
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب
وفيه أربعة نكت:
(142) النكتة الأولى (ص864):
تضمنت استدراكا على ابن الصلاح ثم إضافة فوائد.
أما الاستدراك فعلى تعريف ابن الصلاح للمقلوب حيث قال: "وهو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع".(12/45)
قال الحافظ: "هذا تعريف بالمثال، وحقيقته إبدال من يعرف برواية غيره فيدخل فيه إبدال راو أو أكثر حتى الإسناد كله".
وأما الفوائد فقوله: وقد يقع ذلك عمدا إما لقصد الإغراب أو لقصد الامتحان. وقد يقع وهما. فأقسامه ثلاثة.
ويقع في الإسناد والمتن، ثم مثل لمن كان يفعل ذلك عمدا على سبيل الكذب بحماد بن عمرو النصيبي.
ثم مثل للقلب في المتن بمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنا أو متونا ليست منها.
ومثل لمن كان يفعل ذلك لقصد الامتحان بشعبة فإنه كان يفعل ذلك كثيرا لقصد الامتحان واختبار حفظ الراوي.
وذكر قصة اختبار يحي بن معين لأبي نعيم.
وقصة امتحان أهل بغداد للبخاري، وساقها بإسناده إلى الخطيب ثم إلى ابن عدي. وذكر امتحان العقيلي إذ امتحن تلاميذه. وقصة امتحان جماعة لابن عجلان.
ثم قال: وأما من حدث منه القلب على سبيل الوهم فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من ذلك في الكتب المصنفة في العلل.
(125) النكتة الثانية (ص874):
تعتبر تكميلا وإضافة إلى قول ابن الصلاح في حديث جرير بن حازم عن ثابت بن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني".
وهذا يصلح مثالا للمعل. ثم بين وجه علته.
فقال الحافظ: "لا يختص هذا بهذا المثال بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو شاذا؛ لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض، ومن معرفة من يوافق ومن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ".
ثم ذكر مثالين لمقلوب الإسناد.
ثم ذكر قصة يحيى بن معين مع نعيم بن حماد حين قلب نعيم أسانيد بعض الأحاديث فرد عليه ابن معين، ثم رجوع نعيم عن أخطائه في النهاية.
وقصة البخاري مع شيخه الداخلي حيث نبهه البخاري على وهم وقع فيه في إسناد حديث إلى غير راويه، فرجع الداخلي عنه بعد أن تبين خطأه.
ونقل عن الحاكم مثالا آخر لمقلوب الإسناد أيضا.
ثم تعرض لمقلوب المتن فذكر له أمثلة كثيرة.(12/46)
منها حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال" والصحيح أن بلالا يؤذن بليل...".
(126) النكتة الثالثة (ص886):
فيها إشارة إلى اعتراض وُجِّه إلى ابن الصلاح ثم رد هذا الاعتراض. وذلك أن ابن ابصلاح قال: "وقد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة".
فبين الحافظ مقصود ابن الصلاح ثم قال: "وإذا كان كذلك فلا يعترض عليه بأن بعض الأنواع التي أوردها من بعد نوع الضعيف وهلم جرا فيها ما لا يستلزم الضعف، لأنا نقول: "إنما قال المصنف إنه يشرح أنواع الضعيف، وهو قد فعل ولم يقل إنه لا يشرح إلا الأنواع الضعيفة حتى يعترض عليه بمثل المسند والمتصل وما أشبه مما لا يستلزم الضعف".
(127) النكتة الرابعة (ص887):
فيها تعقب على قول ابن الصلاح: "إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا ضعيف وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تعني به ضعيف المتن بناء على مجرد ضعف الإسناد".
قال الحافظ: "إذا بلغ المتأهل المجتهد، وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يجدله إلا تلك الطريق الضعيفة فما المانع له من الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه".
ثم إن ابن الصلاح قال: ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع. ونسب ذلك إلى أمثال عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهما.
فنقل الحافظ قصة عن أحمد ذكر فيها أنه يجوز التساهل في المغازي ونحوها وأنه يجب التشدد والتثبت في الحلال والحرام.(12/47)
وإلى هنا انتهى المطاف بالحافظ ابن حجر - رحمه الله - مع ابن الصلاح وانتهت نكته الغراء وفوائده العزيزة، ووقفت سفينته التي خاض بها غمار بحار هذا العلم، فأخرج لنا من درره الثمينة ما لا يستطيع إبرازها إلا أمثاله من أفذاذ العلماء النقاد. وليته واصل السير حتى النهاية ولو تم له ذاك لكان كتابه هذا فتحا آخر في مجال علوم الحديث يضاهي كتابه العظيم فتح الباري في شروح البخاري، بل في شروح كتب السنة كلها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...(12/48)
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب
126- قوله (ص): "هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع"(1).
أقول: هذا تعريف بالمثال.
وحقيقته(2): إبدال من يعرف برواية بغيره(3).
فيدخل فيه إبدال راو أو أكثر من راو حتى الإسناد/(ب349) كله.
وقد يقع ذلك عمدا إما بقصد الإغراب أو لقصد الإمتحان.
وقد يقع وهما فأقسامه(4) ثلاثة:
وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن، وقد يقع فيهما جميعا.
فممن(5) كان يفعل ذلك عمدا لقصد الإغراب على سبيل الكذب: حماد بن عمرو النصيبي(6) وهو من المذكورين بالوضع.
من ذلك روايته عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا لقيتم المشركين في طريق، فلا تبداهم بالسلام..." الحديث فإن هذا الحديث قال العقيلي(7): "لا يعرف من حديث الأعمش وإنما يعرف من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه".
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص91.
(2) قال الشيخ محمد محيي الدين: المقلوب: لغة اسم مفعول فعله قلب يقلب قلبا وتقول: قلب فلان الشيء إذا صرفه عن وجهه وأما في اصطلاح العلماء فإنه لا يمكن تعريف أنواع المقلوب كلها في تعريف واحد؛ وذلك لأنها أنواع مختلفة الحقائق، والحقائق المختلفة لا يمكن جمعها في حقيقة واحدة، ثم إنه عرف كل نوع على حدة. انظر توضيح الأفكار 2/هامش 98- 99.
(3) في كل النسخ "ما لا يغيره" وهو كلام غير مستقيم.
(4) في جميع النسخ "بأقسامه" وفي هامش (ر) "فأقسامه" فأثبتناه لأنه الصواب.
(5) في (ه) "فمن".
(6) حماد بن عمرو النصيبي عن زيد بن رفيع وغيره.
قال الجوزجاني: "كان يكذب". وقال البخاري: "منكر الحديث".
وقال النسائي: "متروك الحديث"، وقال ابن حبان: "يضع الحديث وضعا".ميزان الاعتدال 1/598، وكتاب المجروحين 1/252.
(7) في كتاب الضعفاء ل57/أ.(13/1)
قلت: كذلك أخرجه مسلم(1) وغيره.
فجعل حماد بن عمرو الأعمش موضع سهيل(2) ليغرب به.
هذا في الإسناد.
وأما في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنا أو متونا ليست فيها.
كنسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -(وقد زاد فيها)(3).
وكنسخة مالك، عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليست منها.
منها القوي والسقيم، وقد ذكر جلها الدارقطني في غرائب مالك.
وممن كان يفعل ذلك لقصد الامتحان كان شعبة يفعله كثيرا لقصد اختبار حفظ الراوي، فإن أطاعه على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط.
وقد أنكر بعضهم على شعبة/(171/أ) ذلك لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه(4). فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظنا منه أنه صواب، لكن مصلحته أكثر من مفسدته.
[اختبار ابن معين لأبي نعيم:]
__________
(1) 39- كتاب السلام 4- باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم حديث 13 من طريق الدراوردي، د 35- كتاب الأدب 149- باب في السلام على أهل الذمة حديث 5205 من طريق شعبة، ت 43- كتاب الاستئذان 12- باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة حديث 2700، 25- كتاب السير 41 - باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، حم 2/263 من طريق زهير، 266 من طريق معمر 346 من طريق شعبة 444 من طريق سفيان كلهم عن سهيل عن أبي هريرة مرفوعا.
(2) انظر ميزان الاعتدال 1/598 فقد ذكر هذا الحديث عن حماد بن عمرو عن الأعمش وقال الذهبي: "إنما يحفظ عن سهيل عن أبيه".
(3) كذا في جميع النسخ ولم يذكر الفاعل ثم إن هذه الزيادات التي ذكرها الحافظ الأولى أن تكون من باب المدرج.
(4) في (ه) و(ب) "هجنه" وفي (ر/أ) "محنه" وفي (ر/ب) صحته، وكل ذلك خطأ والصواب ما أثبتناه.(13/2)
وممن فعل ذلك يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن(1) دكين بحضرة أحمد بن حنبل.
وروى الخطيب(2) من طريق أحمد بن منصور الرمادي(3) قال: "خرجت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق، فلما عدنا إلى الكوفة، قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل: أريد أن أمتحن أبا نعيم فنهاه أحمد، فلم ينته، فأخذ ورقة(4) فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم، وجعل على (رأس كل)(5) عشرة أحاديث حديثا ليس من حديثه، ثم أتينا أبا نعيم فخرج إلينا فجلس على دكان حذاء بابه وأقعد أحمد عن يمينه ويحيى عن يساره وجلست أسفل، فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث وهو ساكت ثم الحادي عشر، فقال أبو نعيم: "ليس هذا من حديثي فاضرب عليه"، ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني، فقال: "هذا أيضا ليس من حديثي فاضرب عليه"، ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ الحديث الثالث(6)، فتغير أبو نعيم، ثم قبض على ذراع أحمد فقال: "أما هذا فورعه يمنعه عن هذا".
"وأما هذا" وأومأ إليَّ "فأصغر من أن يعمل هذا/(ر162/ب) ولكن هذا من عملك يا فاعل" ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين وقلبه عن الدكان وقام فدخل داره، فقال له أحمد: "ألم أنهك؟ وأقل لك أنه ثبت؟"
فقال له يحيى: هذه الرفسة أحب إلي من سفري.
__________
(1) أبو نعيم الفضل بن دكين، الكوفي، واسم دكين: عمرو بن حماد التيمي، مولاهم، الملائي - بضم الميم - مشهور بكنيته، ثقة ثبت من التاسعة مات سنة 218. تقريب 2/110، تاريخ بغداد 12/ 346- 375.
(2) في تاريخ بغداد 12/353- 354، فتح المغيث 1/257.
(3) أحمد بن منصور بن سيار البغدادي الرمادي، أبو بكر ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة 265/ق. تقريب 1/26، الكاشف 1/71.
(4) في كل النسخ "فأكثر" وهو خطأ والتصويب من تاريخ بغداد.
(5) الزيادة من تاريخ بغداد.
(6) كلمة "الثالث"سقطت من (ب).(13/3)
ومن ذلك ما فعله أصحاب الحديث مع البخاري وقد أشار إليه المصنف(1) مختصرا فأحببت إيراد القصة على وجهها، وقد رويناها في "مشايخ البخاري" لابن عدي وفي التاريخ(2) للخطيب في غير موضع أخبرني بها الحافظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله قال: "أخبرني محمد بن محمد(3) قال: أنا أبو الفرج الحراني(4)/ أنا أبو الفرج ابن الجوزي ح وأخبرني/ الحافظ أبو الفضل - أيضا - قال: أخبرني محمد بن إبراهيم(5) أنا يوسف بن يعقوب الشيباني(6) كتابة واللفظ له.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص91.
(2) 2/20- 21.
(3) هو: محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي صدر الدين أبو الفتح هو أعلى شيخ عند العراقي من المصريين ولقد أكثر عنه، مات سنة 754. الدرر الكامنة 4/274.
(4) هو: عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي بن نصر الحراني الأصل أبو الفرج عالم بالحديث من فقهاء الحنابلة كان مسند الديار المصرية في عصره. من مؤلفاته السباعيات في الحديث والمعجم في أسماء الشيوخ الذين أجازوا له سبعة أجزاء، مات سنة 672. معجم المؤلفين 6/12، النجوم الزاهرة 7/244، شذرات الذهب 5/336 وصرح بسماعه من ابن الجوزي.
(5) محمد بن إبراهيم السياري الغرناطي المعروف بالبياني، مات سنة 753.
الدرر الكامنة 3/382، وقد أورد العراقي هذا الإسناد في شرح ألفيته 1/284- 285.
(6) في (ر/أ) "الشاني".(13/4)
ح وقرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي(1) قال: أنا الشناني(2) قال: أنا أبو اليمن الكندي قال: أنا أبو منصور القراد قال: أنا الحافظ أبو بكر الخطيب ح وأنا غالب(3) بن محمد النيسابوري بمكة إجازة عن أبي أحمد الطبري قال: إن علي بن الحسين كتب إليهم أنا الفضل بن سهل إجازة عن الخطيب حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي أنا أحمد بن الحسن الرازي(4) قال سمعت أبا أحمد ابن عدي(5) يقول: "سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون(6) ذلك البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خرسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس
__________
(1) هو: العالم الحبر الحافظ الأوحد محدث الشام جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الدمشقي الشافعي من مؤلفاته تهذيب الكمال في 250 جزءا وكتاب الأطراف في بضعة وثمانين جزءا، مات سنة 742. تذكرة الحفاظ 4/1498- 1500.
(2) من (ر/ب) وفي (ر/أ) "الشاني".
(3) هذه الكلمة مشتبهة بين غالب بن محمد وبين عاليا بن محمد.
(4) لعله أحمد بن الحسن بن حيدة الرازي، قال الخطيب: أخبرنا أبو القاسم الأزهري أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال قدم علينا شيخ من الري اسمه: أحمد بن الحسن بن حيدة كتبنا عنه عن محمد بن أيوب وغيره. تاريخ بغداد 4/90.
(5) هو: الإمام الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني ويعرف أيضا بابن القطان صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل، كان أحد الأعلام. قال حمزة السهمي: "كان حافظا متقنا لم يكن في زمانه أحد مثله"، مات سنة 265. تذكرة الحفاظ 3/940- 942، الأعلام للزركلي 4/239.
(6) كذا في جميع النسخ وفي تاريخ بغداد "أن يلقوا".(13/5)
بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: "لا أعرفه"، فسأله عن آخر فقال: "لا أعرفه" فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: "فهم الرجل".
ومن منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه. فسأله عن آخر/(ب352)، فقال: "لا أعرفه"، (فسأله عن آخر فقال: "لا أعرفه")(1) فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد/(ه172/أ) واحد فلما فرغ من عشرته والبخاري يقول: "لا أعرفه" ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على "لا أعرفه".
فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: "أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك رد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.
سمعت شيخنا غير مرة يقول: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته.
وإنما يتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة.
قلت: وممن كان معروفا بمعرفة ذلك يحيى بن معين، قال العجلي(2):
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب).
(2) هو الحافظ القدوة أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي نزيل طرابلس الغرب، قال عباس الدوري: كنا نعده مثل أحمد ويحيى بن معين. مات سنة 261. تذكرة الحفاظ 2/56.(13/6)
ما خلق الله أحدا كان أعرف بالحديث من يحيى أحد(1) كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقلبت فيقول: هذا كذا وهذا كذا كما قال.وممن امتحنه تلاميذه(2) الحافظ الجليل أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي(3).
__________
(1) كذا في جميع النسخ وفي هامش (ر) "كذا في الأم" ويبدو أنه لا داعي لها.
(2) في كل النسخ "تلامذه".
(3) هو: الحافظ الكبير الإمام أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي صاحب كتاب الضعفاء الكبير، قال الحافظ أبو الحسن ابن سهل القطان: "أبو جعفر ثقة جليل القدر عالم بالحديث مقدم في الحفظ". تذكرة الحفاظ 3/833- 834، الأعلام للزركلي 7/210.(13/7)
فقرأت في كتاب الصلة لمسلمة بن قاسم الأندلسي(1) قال(2): ووقع/(ه172/ب) ذلك لمحمد بن عجلان روينا في المحدث الفاصل لأبي محمد الرامهرمزي(3) قال حدثنا عبد الله بن القاسم بن نصر ثنا خلف بن سالم(4) حدثني يحيى بن سعيد القطان: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها(5) ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح أخو وكيع وحفص بن غياث ويوسف بن خالد السمتي(6)
__________
(1) مسلمة بن القاسم بن إبراهيم بن عبد الله بن حاتم المالكي محدث، مؤرخ مشارك في بعض العلوم روى عن أبي جعفر الطحاوي وأحمد بن خالد من تصانيفه التاريخ الكبير. مات سنة 353. لسان الميزان 6/35، معجم المؤلفين 12/235.
(2) هنا بياض في جميع النسخ وقد كتب في هامش (ر) و(ب) "بياض في الأم" ولعل الحافظ كتب أو أراد أن يكتب القصة الآتية: "قال مسلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر عظيم الخطر ما رأيت مثله وكان كثير التصانيف، فكان من أتاه من المحدثين قال اقرأ من كتابك ولا يخرج أصله فتكلمنا في ذلك وقلنا إما أن يكون من أحفظ الناس إما أن يكون من أكذب الناس، فاجتمعنا عليه فلما أتيت بالزيادة والنقص، فطن لذلك فأخذ مني الكتاب وأخذ القلم فأصلحها من حفظه، فانصرفنا من عنده وقد طابت أنفسنا وعلمنا أنه من أحفظ الناس". تذكرة الحفاظ 3/833- 834.
(3) هو الحافظ الإمام البارع أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي الرامهرمزي القاضي صاحب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي وله أيضا كتاب الأمثال سمع من موسى بن هارون وطبقته. مات سنة 360. تذكرة الحفاظ 3/905- 906، الأعلام للزركلي 2/309.
(4) خلف بن سالم المخرمي - بتشديد الراء - أبو محمد المهلبي مولاهم السندي ثقة حافظ من العاشرة صنف المسند عابوا عليه التشيع ودخوله في شيء من أمر القاضي، مات سنة 231/س. تقريب 1/226، تهذيب التهذيب 3/153.
(5) في كل النسخ "فيها" والتصويب من المحدث الفاصل والميزان.
(6) يوسف بن خالد بن عمير السمتي - بفتح المهملة وسكون الميم بعدها مثناة - أبو خالد البصري مولى بني ليث تركوه، وكذبه ابن معين وكان من فقهاء الحنفية من الثامنة مات سنة 189/ق. تقريب 2/280.(13/8)
، فقلنا(1) نأتي ابن عجلان، فقال يوسف السمتي: هل نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه قال: ففعلوا فما كان عن سعيد جعلوم عن أبيه وما كان عن أبيه جعلوه عن سغيد قال يحيى فقلت لهم: لا أستحل هذا، فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر/ (ر163/أ) فيه فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ، فقال: أعد فعرض ليه، فقال: "ما كان عن أبي فهو عن سعيد وما كان عن سعيد فهو عن أبي ثم أقبل على يوسف فقال: إن كنت أردت شيني(2) وعيبي، فسلبك الله الإسلام وقال لحفص ابتلاك الله في دينك ودنياك".
وقال لمليح: "لا نفعك الله بعلمك".
قال يحيى: "فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه، وابتلي حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة"(3).
وأما(4) من وقع منه القلب على سبيل الوهم فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من ذلك في الكتب المصنفة في العلل.
__________
(1) في جميع النسخ "فكنا" والتصويب من المحدث الفاصل.
(2) في كل النسخ "سبتي" والتصويب من المحدث الفاصل والميزان.
(3) هذه القصة في المحدث الفاصل ص399، وميزان الاعتدال 3/645- 646، وفتح المغيث 1/256-257.
(4) في (ر) "فأما".(13/9)
وقد ذكر ابن الصلاح(1) منه حديث جرير بن حازم(2)، عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - وهو من مقلوب افسناد.
ووقع لجرير هذا - أيضا - عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - حديث انقلب عليه متنه وهو ما ذكره الترمذي(3) من طريقه عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلم(4) بالحاجة إذا نزل عن المنبر". قال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث/(ب345) جرير وسألت محمدا عنه فقال: "وهم جرير في هذا الحديث".
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص92 قال ابن الصلاح: "ومن أمثلته (أي المقلوب) ويصلح مثالا للمعلل ما روينا عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني". قال إسحاق بن عيسى فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال: وهم أبو النضر إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني وحجاج بن أبي عثمان معنا فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة ..." فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا به ثابت عن أنس؛ أبو النضر هو جرير بن حازم.
(2) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو النضر البصري ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، من السادسة مات سنة 170 بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه/ع. تقريب 1/137.
(3) أبواب الصلاة 373 باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر حديث 517 ثم ذكر الترمذي بعده ما نقله عنه الحافظ، د 2- كتاب الصلاة 240- باب الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر حديث 1120 قال أبو داود بعده: "الحديث ليس بمعروف عن ثابت، هو مما تفرد به جرير، ن 3/90، جه 5- كتاب الإقامة حديث 1117 كلهم من طريق جرير بن حازم عن ثابت عن أنس.
(4) في جميع النسخ "يكلمه" والتصويب من مسلم.(13/10)
والصحيح ما روي عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال:
"أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فما/(ه173/أ) زال يكلمه حتى نعس بعض القوم"(1).
قال محمد: "والحديث(2) هو هذا وجرير بن حازم ربما يهم في الشيء"(3).
تنبيه:
حديث حجاج بن أبي عثمان الذي ذكره المصنف أخرجه مسلم(4) والنسائي(5) من طريقه(6)، وما حكاه عن إسحاق بن عيسى رواه الخطيب في الكفاية بسنده إليه، ورواه أيضا أبو داود في كتاب المراسيل.
عن أحمد بن صالح عن يحيى عن حماد بن زيد به.
تنبيه آخر:
127- قول ابن الصلاح عند(7) ذكر هذا المثال: "ويصلح مثالا للمعلل"(8).
لا يخص هذا بهذا المثال، بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو شاذا؛ لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار(9) بعضها ببعض ومعرفة من يوافق ممن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ والله أعلم.
ومن أمثلته في الإسناد ما رواه ابن حبان في صحيحه(10) من طريق مصعب بن المقدام(11)
__________
(1) الحديث في م 3 كتاب الحيض 33 باب الدليل على أن النوم الجالس لا ينقض الوضوء حديث 123، 124 من طريق عبد العزيز بن صهيب وحديث 126 من طريق حماد عن ثابت كلاهما عن أنس، د 1 كتاب الطهارة 80 باب في الوضوء من النوم حديث 201 من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، حم 3/160- 161، من طريق حماد عن ثابت عن أنس، 114،172 من طريق حميد عن أنس.
(2) في (ب) "الحارث".
(3) إلى هنا انتهى كلام الترمذي.
(4) 5- كتاب المساجد حديث 156 عن أبي قتادة: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني".
(5) 2/63.
(6) أي من طريق الحجاج بن أبي عثمان.
(7) في (ب) "منه" وهو خطأ.
(8) مقدمة ابن الصلاح ص92.
(9) في (ه) "فاعتبار".
(10) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/ل307/أ.
(11) مصعب بن المقدام الخثعمي، مولاهم أبو عبد الله الكوفي صدوق له أوهام من التاسعة مات سنة 203/م ت س ق.
تقريب 2/252.(13/11)
عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمس الرجل ذكره بيمينه".
قال أبو حاتم في العلل(1): "هذا وهم فيه مصعب، وإنما حدث به الثوري عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
ومنها ما رواه(2) من طريق يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن منصور عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: "قال ساق رسول - صلى الله عليه وسلم - مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل".
قال ابن أبي حاتم(3): "سألت أبا زرعة عنه فقال: هذا خطأ إنما هو الثوري عن ابن أبي ليلى(4) عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما فالخطأ فيه من يعلى بن عبيد".
__________
(1) 1/22) وفيه الحكم بالخطأ على مصعب من أبي حاتم وأبي زرعة ثم إنهما قالا: "إنما هو عن الثوري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير". ولم يقولا عن هشام فلعله سبق قلم من الحافظ".
(2) هنا بياض في جميع النسخ لم يذكر من رواه وفي هامش (ه) و(ر) "ينظر الطهارة" من زوائد "ح"، (ب). وفي هامش (ر) بعد هذا الكلام "كذا في الأم" وقد بحثت عن هذا الحديث بهذا الإسناد فلم أجده إلا في السنن الكبرى للبيهقي 5/230 قال: أخبرناه أبو طاهر الفقيه أنا أبو عثمان البصري والعباس بن محمد بن قوهيار قالا: ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد عن سفيان عن منصور عن مقسم عن ابن عباس فذكره. فلعل الراوي الذي ترك له البياض هو البيهقي - والله أعلم -.
(3) العلل 1/295.
(4) حديث ابن أبي ليلى هذا في جه 25- كتاب المناسك 98 باب الهدي من الإناث والذكور حديث 3100، حم 1/234، 269 كلاهما من طريق سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم به وكذلك البيهقي في السنن الكبرى 5/230 من الطريق المذكور. انظر تحفة الأشراف 5/244 حديث 6481 وعزاه لابن ماجه فقط عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن سفيان عن ابن أبي ليلى به. وهو إسناد صحيح.(13/12)
فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدث بأحدهما (مرويا وبالآخر مرارا)(1)؟
قلنا هذا التجويز لا ننكره؛ لكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع في مثل هذا وإنما/(ه173/ب) يعول(2) في/(ر164/أ) ذلك منهم(3) على النقاد المطلعين(4) منهم كما مضى ويأتي ولهذا كان كثير منهم يرجعون عن الغلط إذا نبهوا عليه كما رويناه في تاريخ عباس بن محمد الدوري(5) عن يحيى بن معين قال: حضرت مجلس نعيم بن حماد(6) بمصر، فجعل يقرأ كتابا من تصنيفه، قال فقرأ ساعة، ثم قال: ثنا ابن المبارك عن ابن عون، فذكر أحاديث، فقلت له : "ليس هذا عن ابن المبارك فغضب وقال: ترد علي؟"
قلت: "نعم أريد زينك، فأبى أن يرجع".
فقلت: "والله ما سمعت أنت هذه الأحاديث من ابن المبارك من(7) ابن عون"، فغضب هو وكل من كان عنده، وقام فدخل البيت فأخرج صحائف، فجعل يقول: "نعم يا مبارك ما غلطت"(8) وكانت هذه الصحائف يعني مجموعة، فغلطت، فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما رواها لي عن ابن عون غير ابن المبارك. قال فرجع عنها(9).
__________
(1) ما بين قوسين كذا في جميع النسخ ولعل الصواب: فحدث بأحدهما مرة وبالآخر مرة.
(2) في (ب) "يقول" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه من (ه) و(ر).
(3) كلمة "منهم" هذه في جميع النسخ ويبدو أنه لا داعي لها.
(4) في (ر) "المطلقين" بالقاف والظاهر أن الصواب ما في (ه) و(ب).
(5) العباس محمد بن حاتم الدوري، أبو الفضل البغدادي، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة 271/4. تقريب 1/399، الكاشف 2/68.
(6) نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي أبو عبد الله المروزي صدوق يخطئ كثيرا فقيه عارف بالفرائض من العاشرة. مات سنة 228/خ فق د ت ق. الكاشف 3/207.
(7) كذا في جميع النسخ ولعلها "عن".
(8) في الكفاية ص146 "نعم يا أبا زكريا غلطت".
(9) هذه القصة في الكفاية ص146 ولم أجدها في تاريخ ابن معين.(13/13)
وكما روينا في ترجمة البخاري تصنيف وراقه محمد بن أبي حاتم أنه سمعه يقول: "خرجت من الكتاب ولي عشر سنين فجعلت أختلف إلى الداخلي يعن فقال يوما وهو يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير [عن إبراهيم](1) فقلت له/(ب356): يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يروه عن إبراهيم فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك.
فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: "كيف قلت يا غلام فقلت: هم الزبير بن عدي عن إبراهيم". فقال: "صدقت وأخذ القلم مني فأحكم كتابه"(2) قال: "وكان للبخاري يومئذ إحدى عشرة سنة".
ومن أمثلته في المتن ما رواه الحاكم(3) من طريق محمد بن محمد بن حبان، عن أبي الوليد(4) عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما قط/(ر164/ب) ..." الحديث. قال الحاكم: "انقلب على ابن حبان، وإنما روى أبو الوليد بهذا الإسناد حديث: "ما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده"(5)
__________
(1) الزيادة من تاريخ بغداد.
(2) هذه القصة في تاريخ بغداد 2/7.
(3) معرفة علوم الحديث ص59.
(4) هو هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم أبو الوليد الطيالسي البصري،ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة 227/ع. تقريب 2/319، تهذيب التهذيب 11/45- 47.
(5) عبارة الحاكم: "هذا إسناد تداوله الأئمة والثقات وهو باطل من حديث مالك، وإنما أريد بهذا الإسناد "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده امرأة قط، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله، فينتقم لله بها": ولقد جهدت جهدي أن أقف على الواهم فيه من هو فلم أقف عليه اللهم إلا أن أكبر الظن على ابن حبان البصري على أنه صدوق مقبول".
فأنت ترى أن الحاكم لم يقل: "وإنما روى أبو الوليد بهذا الإسناد" وإنما قال: "إنما أريد بهذا الإسناد". ولقد بحثت كثيرا لأجد هذا الحديث "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..." الحديث من رواية الوليد فلم أجده وإنما وجدته من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في حم 7/232، ود 35 كتاب الأدب 5 باب في التجاوز في الأمر حديث 4786.
ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في م 43 كتاب الفضائل 20 باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام حديث 79، 9- كتاب النكاح 51- باب ضرب النساء حديث 1984، حم 6/229، د ي 2/70 حديث 2224، والترمذي في مختصر الشمائل ص373.(13/14)
.
ومما وقع فيه قلب في المتن دون الإسناد ما رواه/(ه173/أ) أبو داود(1) في السنن من حديث أبي عثمان عن بلال - رضي الله عنه - أنه قال: "يارسول الله لا تسبقني بآمين".
فإن الحاكم رواه في مستدركه(2) من هذا الوجه بلفظ: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسبقني بآمين". والمحفوظ الأول.
وذكر شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح(3) له، من أمثلته ما رواه ابن خزيمة(4) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال". وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر.
__________
(1) 2 كتاب الصلاة 172 حديث 973، وأورده المزي في التحفة 2/563)، حديث 2044 وعزاه لأبي داود من طريق إسحاق بن راهوية عن وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان به. والواقع كذلك. ثم قال المزي بعده: "رواه عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان قال: قال بلال ... مرسل. وهكذا رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان مرسلا". وروى الحديث حم 6/12 من طريق محمد بن فضيل. و6/15 من طريق شعبة كلاهما عن عاصم عن أبي عثمان قال: قال بلال يارسول الله مرسلا.
(2) 1/219 ثم قال الحاكم عقبه: "هذا صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي وهذه غفلة منهما.
(3) راجعت محاسن الاصطلاح نوع المقلوب فلم أجد هذا الكلام.
(4) 1/211، حم 6/186.(13/15)
قال شيخنا: هذا مقلوب والصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن بلالا - رضي الله عنه - يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت"(1).
قال شيخنا: وما تأوله ابن خزيمة من أنه يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأذان نوبا بين بلال وابن/(ب357) أم مكتوم(2) رضي الله عنهما بعيد وأبعد منه جزم ابن حبان بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك(3).
قلت: وهذا الحديث بالسياق الأول أخرجه ابن خزيمة من طريق(4).
__________
(1) في خ 10- كتاب الأذان 13- باب الأذان قبل الفجر حديث 663، 30- كتاب الصوم 17- باب قول النب - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال" حديث 1919، م 13- كتاب الصيام حوالة على حديث 38، وابن خزيمة 1/210، ن 2/10، د ي 1/215 حديث 1193، حم 6/44، 45. هذا ولم أجد لفظ "أصبحت أصبحت" إلا في حديث ابن عمر في خ 10- كتاب الأذان 11- باب أذان الأعمى حديث 617.
(2) كلام ابن خزيمة هذا في صحيحه 1/212.
(3) وكلام ابن حبان في الإحسان 5/ ل178/أ مثل كلام ابن خزيمة.
(4) هنا بياض في جميع النسخ، وفي هامش (ر) "قال في الأم: بياض في الأصل". وفي هامش (ب) "بياض في الأصل" والإسناد المشار إليه في صحيح ابن خزيمة 1/211 قال ابن خزيمة: أخبرنا أبو طاهر. نا أبو بكر. نا محمد بن يحيى. نا إبراهيم بن حمزة نا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن هاشم عن عروة عن أبيه عن عائشة. وذكر الحديث.(13/16)
وله طريق أخرى أخرجها أحمد في مسنده(1) وابن خزيمة(2) - أيضا - وابن حبان من طريق(3).
خبيب بن(4) عبد الرحمن عن عمته أنيسة(5) رضي الله عنها قالت: قال رسول الله/(ر165/أ) - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أذن ابن أم مكتوم، فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا"، فإن كانت المرأة منا ليبقى عليها(6) شيء من سحورها، فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري(7).
قال ابن الجوزي في جامع المسانيد: "كأن هذا مقلوب".
قلت: ورواة شعبة(8) عن خبيب بن عبد الرحمن على الشك قال: عن أنيسة أن ابن مكتوم أو بلال(9).
__________
(1) 6/433.
(2) في صحيحه 1/210.
(3) هنا بياض في (ر) و(ه) والحديث قد أخرجه أحمد من ثلاث طرق مدارها على شعبة ومنصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة. وابن خزيمة أخرجه من طريق منصور بن زاذان عن خبيب عن عبد الرحمن به، أما (ب) فقال فيها عن سعيد بن حبيب وهو خطأ. وهذا وحديث أنيسة في الإصابة أيضا 4/238، ن/10.
(4) في (ر) و(ه) "عن" وخبيب بن عبد الرحمن بن خبيب الأنصاري أبو الحارث المدني ثقة من الرابعة مات سنة 132.
تقريب 1/222، تهذيب التهذيب 3/136.
(5) أنيسة - بالتصغير - ابنة خبيب بن يساف الأنصارية صحابية نزلت البصرة لها حديث/س. تقريب 2/590، الإصابة 4/238.
(6) في جميع النسخ "علينا" والصواب ما أثبتناه.
(7) انظر الإحسان 5/ ل178/أ.
(8) في جميع النسخ "سعيد" والصواب ما أثبتناه والسياق يؤيده.
(9) رواه حم 6/433، وابن خزيمة نفسه في صحيحه 1/211 كلاهما من طريق شعبة به، حم6/344 من طريق عفان، وابن خزيمة 1/212 من طريق يزيد بن زريع كلهم عن شعبة عن خبيب عن عمته مرفوعا بلفظ: "قال ابن أم مكتوم أو بلال ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال أو ابن أم مكتوم..." واللفظ لابن خزيمة.(13/17)
وإذا كان شعبة أتقن - وهو من غيره - حفظ عن خبيب فيه الشك فذاك دليل على أن خبيبا لم يضبطه، فلا يحتاج إلى تكلف الجمع الذي جمعه ابن خزيمة، ثم هجم(1) ابن حبان فجزم به، والله الموفق للصواب.
ومن هذا الباب ما رواه البزار(2) من طريق ابن عيينة، عن سالم أبي النضر(3)، عن بسر بن سعيد قال: "أرسلني أبو جهيم(4) إلى زيد بن خالد(5) أسأله عن المار بين يدي المصلي".
__________
(1) من (ب) وفي (ر) و(ه) "هجو" وفي هامش (ر) "ظ هجوم".
(2) أنظر مجمع الزوائد 2/61 فإن الهيثمي أورده فيه وقال: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح" والحديث أيضا في جه 5- كتاب الصلاة 375- باب المرور بين يدي المصلي حديث 944 من طريق ابن عيينة به لكن فيه قال: "أرسلوني إلى زيد بن خالد". وقال المزي في تحفة الأشراف 3/231 عقب حديث بسر "أرسلوني إلى زيد بن خالد":
"وتابعه - يعني هشام بن عمار - أبو بكر بن أبي شيبة وغير واحد عن سفيان"، وكذلك قال عبد الرزاق عن الثوري ومالك عن أبي النضر فرجعت إلى مصنف ابن أبي شيبة فوجدت فيه: "عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن جهيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المار بين يدي المصلي..." الحديث. وإلى مصنف عبد الرزاق 2/19 فوجدت فيه عن بسر بن سعيد قال: أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم. فنرى ما في الكتابين موافقا للرواية المحفوظة عكس ما قال المزي، ولا ندري أوقع خطأ في الكتابين فينظر.
(3) سالم بن أبي أمية أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي المدني ثقة، ثبت، وكان يرسل من الخامسة، مات سنة 149/ع. تقريب 1/279، الكاشف 1/343.
(4) في كل النسخ "إلى أبي جهم" والصواب جهيم بالتصغير كما في الصحيحين وغيرهما.
(5) زيد بن خالد الجهني المدني صحابي مشهور، مات بالكوفة سنة 68 أو 70/ع. تقريب 1/274، الإصابة 1/547.(13/18)
فإن الحديث في الصحيحين(1) وغيرهما(2) من طريق مالك عن أبي النضر بلفظ: "أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم".
ومنها ما وقع في الصحيح(3) من رواية يحيى بن سعيد، عن هشام عن محمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في السبعة الذين يظلهم الله في عرشه..
__________
(1) في خ 8- كتاب الصلاة 101 باب إثم المار بين يدي المصلي حديث 510 م 4- كتاب الصلاة 48- باب منع المار بين يدي المصلي حديث 261.
(2) د 2- كتاب الصلاة حديث 701، ت أبواب الصلاة 251- باب ما جاء في كراهة المرور بين يدي المصلي حديث 336، ن 2/52، ط 9- كتاب قصر الصلاة 10- باب التشديد في أن يمر بين يدي المصلي حديث 34- كلهم من طريق مالك عن أبي النضر عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم، جه كتاب إقامة الصلاة حديث 945 من طريق سفيان عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد به. وانظر تحفة الأشراف 3/231.
(3) يعني صحيح مسلم 12- كتاب الزكاة 30- باب فضل إخفاء الصدقة حديث 91 ولكنه من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة مرفوعا، فقول الحافظ كما في جميع النسخ: عن يحيى بن سعيد عن هشام عن محمد خطأ، بدليل قول الحافظ نفسه "لم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفصن ولا عن حفص إلا من رواية خبيب. فتح الباري 2/147)، ثم قال: "نعم، أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.(13/19)
فذكر منهم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله". كذا رواه، والمحفوظ من طرق أخرى في الصحيح(1) "حتى لا تعلم شماله ما تنفق(ب358) يمينه".
فاليمين آلة الإنفاق لا الشمال، لكن حمل بعضهم هذا على ما إذا كان الإنفاق باليمين مستلزما إظهار الصدقة، والإنفاق بالشمال يستلزم إخفاءها، فإن الإنفاق بالشمال والحالة هذه يكون أفضل من الإنفاق باليمين.
ومن ذلك ما وقع في صحيح ابن/(ر165/ب) حبان(2).
"مستقبل الكعبة مستدبر الشام".
__________
(1) خ10- كتاب الأذان 36- باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة حديث 660 من طريق محمد بن بشار، 24- كتاب الزكاة 16- باب الصدقة باليمين حديث 1423 عن مسدد 81- كتاب الرقائق 24- باب البكاء من خشية الله حديث 6479 عن محمد بن بشار أيضا كلاهما عن يحيى بن سعيد عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا وفيه: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
وفي خ أيضا 68- كتاب الحدود 19- باب من ترك الفواحش حديث 6806، ن 8/196 من طريق عبد الله بن المبارك عن عبيد الله عن خبيب به، ط 51- كتاب الشعر باب ما جاء في المتحابين في الله حديث 14، ت 37- كتاب الزهد 53- باب ما جاء في الحب في الله حديث 2391 من طريق مالك عن خبيب به، حم 2/439 عن يحيى به، ت أيضا تابع حديث 2391 عن سوار بن عبد الله العنبري ومحمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله به. وفيها كلها "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". وإذن من وهم في الحديث وحصل منه هذا القلب؟
قال القاضي عياض: "يشبه أن يكون الوهم ممن دون مسلم". وجوز الحافظ أن يكون من شيخ مسلم وهو زهير أو شيخ شيخه وهو يحيى القطان ولاستيفاء الأقوال انظر فتح الباري 2/146.
(2) انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 2/ 302/أ.(13/20)
ومن ذلك ما روى مسلم في صحيحه(1) قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير(2) ثنا أبي ووكيع عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله - رضي الله عنه - قال[وكيع](3) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن نمير في حديثه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
وقلت أنا: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة".
فرواه أبو عوانة في صحيحه(4) المستخرج على مسلم قال: حدثنا علي بن حرب(5) ثنا وكيع وأبو معاوية(6) عن الأعمش بهذا الإسناد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"، وقلت أنا: "من مات يشرك بالله شيئا دخل/(ه175/أ) النار".
قال أبو عوانة: "لفظ أبي معاوية".
__________
(1) 1- كتاب الإيمان 40- باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، حديث 150.
(2) محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني - بسكون الميم - الكوفي أبو عبد الرحمن ثقة فاضل من العاشرة، مات سنة 134/ع. تقريب 2/180، الكاشف 3/65.
(3) الزيادة من صحيح مسلم.
(4) 1/17.
(5) علي بن حرب بن عبد الرحمن الجنديسابوري - بضم الجيم وسكون النون وفتح المهملة بعدها تحتاني ساكنة - ثقة من الحادية عشرة/تمييز. تقريب 2/33.
(6) هو محمد بن خازم - بمعجمتين - أبو معاوية الضرير، الكوفي عمي وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره من كبار التاسعة، مات سنة 195/ع. تقريب 2/157، الكاشف 3/37.(13/21)
وهذا مقلوب، فإن الحديث في "صحيح البخاري"(1) من طريق حفص بن غياث وأبي حمزة السكري(2)، وكذا رواه النسائي(3) من طريق شعبة وابن خزيمة(4) أيضا من حديث ابن نمير كلهم عن الأعمش، وأخرجه ابن خزيمة(5) أيضا عن سلم بن جنادة(6) وأبي موسى محمد بن المثنى كلاهما عن أبي معاوية كما ساق أبو عوانة. قال ابن خزيمة: "قلبه أبو معاوية والصواب حديث شعبة".
قلت: وقد رواه ابن خزيمة(7) وابن حبان من طريقين آخرين غير طريق الأعمش.
وأما ابن خزيمة فمن طريق/(ب359) سيار أبي الحكم(8).
وأما ابن حبان(9) فمن طريق المغيرة بن مقسم(10) كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة وهو الصواب(11).
__________
(1) 32- كتاب الجنائز حديث 1238، 65- التفسير حديث 4497 والسكري في إسناد الأخير.
(2) هو: محمد بن ميمون المروزي، ثقة فاضل من السابعة، مات سنة 167/ع. تقريب 2/212.
(3) في الكبرى: انظر تحفة الأشراف 7/41.
(4) التوحيد ص360 وفيه قلب ابن نمير المتن على ما رواه أبو معاوية، ويظهر من السياق أنه خطأ وأن القلب حصل من أبي معاوية.
(5) التوحيد ص359.
(6) في جميع النسخ "مسلم بن جنادة" والصواب ما أثبتناه وهو: سلم بن جنادة بن سلم السوائي - بضم المهملة - أبو السائب، الكوفي ثقة ربما خالف من العاشرة، مات سنة 254/ت ق. تقريب 1/313.
(7) التوحيد ص360.
(8) سيار أبو الحكم العنزي - بنون وزاي - وأبوه يكنى أبا سيار واسمه وردان، ثقة من السادسة، مات سنة 122/ع. تقريب 1/343، تهذيب التهذيب 4/191- 192.
(9) انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/ ل163/أ وهو كما ذكر الحافظ.
(10) مغيرة بن مقسم - بكسر الميم - الضبي، مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم، من السادسة، مات سنة 136 على الصحيح/ع. تقريب 2/270، الخلاصة ص358.
(11) كذا في جميع النسخ ولعله "على الصواب" أي من جعل الوعيد من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - والوعد من كلام ابن مسعود.(13/22)
ومثال ما وقع في القلب في الإسناد والمتن معا. ما رواه الحاكم(1) من طريق المنذر بن عبد الله الحزامي(2)، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الله بن/(ر166/أ) دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك..." الحديث.
قال الحاكم(3): "وهم فيه المنذر، والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان إذا افتتح الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.."(4) الحديث.
__________
(1) معرفة علوم الحديث ص118.
(2) المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الحزامي الأسدي مقبول من الثامنة، مات سنة 181/س. تقريب 2/274.
(3) معرفة علوم الحديث ص118.
(4) عبارة الحاكم بعد أن ساق الحديث بالإسناد الأول الذي وقع فيه الوهم: "قال أبو عبد الله: لهذه الحديث علة صحيحة، والمنذر بن عبد الله أخذ طريق المجرة فيه.." ثم ساق إسناده إلى عبد العزيز بن أبي سلمة قال: ثنا عبد الله بن الفضل الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا افتتح الصلاة، فذكر الحديث بغير هذا اللفظ وهذا مخرج في صحيح مسلم. معرفة علوم الحديث ص118.(13/23)
قلت: وهو في صحيح مسلم(1) وغيره(2) من هذا الوجه على الصواب.
فهذه أمثلة أقسام المقلوب، فقد أتيت على شرحها بحمد الله تعالى، والله الموفق.
128- قوله (ص): "قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة"(3).
قلت: يشير بذلك على قوله في آخر الكلام على نوع الضعيف: "والذي له لقب خاص.. من ذلك الموضوع والمقلوب... في أنواع سيأتي عليها الشرح"(4).
وإذا كان كذلك، فلا يعترض عليه بأن بعض الأنواع التي أوردها من بعد نوع الضعيف وهلم جرا/(ه175/ب) فيها ما لا يستلزم الضعف، لأنا نقول إنما قال المصنف: إنه يشرح أنواع الضعيف وهو قد فعل ولم يقل: إنه لا يشرح إلا الأنواع الضعيفة حتى يعترض عليه بمثل المسند والمتصل وما أشبه ذلك مما لا يستلزم الضعف.
129- قوله (ص): "إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف/(ب360) فلك أن تقول: هذا ضعيف، وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تعني به ضعف المتن بناء على مجرد ذلك الإسناد" إلى آخره.
__________
(1) 6- كتاب المسافرين 26- باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه حديث 201، 202 من طريق عبد الرحمن الأعرج ولا ذكر لعبد الله بن الفضل الأعرج ثم هو ليس من رجال الستة ولم أقف له على ترجمة في كتب التراجم، فقول الحافظ: قلت: هو في صحيح مسلم وغيره من هذا الوجه وهم منه وسبق قلم.
(2) في د 2- كتاب الصلاة 121- حديث 760، ت دعوات 32- باب حديث 3421، 3422، 3423، ن 2/100 في كل هذه المواضع عن عبد الرحمن الأعرج به. وانظر تحفة الأشراف 7/427.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص38، 92.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص92.(13/24)
قلت: إذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه، فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة، فما المانع له من الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه، وكذلك إذا وجد كلام إمام من أئمة الحديث قد جزم بأن فلانا تفرد به، وعرف المتأخر أن فلانا المذكور قد ضعف بتضعيف قادح، فما الذي يمنعه من الحكم بالضعف، والظاهر أن المصنف مشى على أصله في تعذر استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به والحق خلافه كما قدمناه.
وقول المصنف: "فإن أطلق ولم يفسر ففيه كلام يأتي".
يعني به النوع الذي يليه في آخر الفائدة الثالثة منه.
قوله: "يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع..."(1) إلى أن قال: "وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهما"(2).
قلت: لفظ أحمد في ذلك ما رواه الميموني عنه أنه قال: "الأحاديث الرقائق تحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم"(3).
وقال أبو الفضل العباس بن محمد الدوري: "سئل أحمد بن حنبل وهو على باب النضر بن هاشم بن القاسم فقيل له:
يا أبا عبد الله! ما تقول في موسى بن عبيدة(4) ومحمد بن إسحاق؟ فقال: "أما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس، ولكن حدث بأحاديث مناكير(5) عن عبد الله بن دينار.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص93.
(2) مقدمة ابن الصلاح ص93.
(3) انظر الكفاية للخطيب ص143.
(4) موسى بن عبيدة - بضم أوله - الربذي - بفتح الراء والموحدة ثم المعجمة - أبو عبد العزيز المدني، ضعيف ولاسيما في عبد الله بن دينار وكان عابدا من صغار السادسة، مات سنة 153/ت ق. تقريب 2/286، ميزان الاعتدال 4/213.
(5) في كل النسخ "هنا كثير".(13/25)
وأما محمد بن إسحاق فرجل تكتب عنه هذه الأحاديث - يعني المغازي - ونحوها. فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما(1) هكذا وقبض أصابع يديه الأربع"(2).
قال ناسخ (ر) "هذا آخر ما وجد بخطه - رحمه الله -".
وافق الفراغ من رقم هذه النسخة عصر يوم الخميس لعله خامس وعشرين شهر شعبان أحد شهور سنة (1157).
وقال في الهامش موضحا قوله: "هذا آخر ما وجد بخطه": "أي الحافظ ابن حجر رحمه الله". ثم كتب في الهامش أيضا: "في الأم ما لفظه بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب من أصل المصنف، أه. وبلغ بحمد الله مقابلة على الأم المذكورة على يد مالكه الفقير إلى الله حامد بن حسن شاكر عفا الله عنهما آمين".
ثم كتب أيضا: "بعناية مالكه الفقير إلى الله الفقيه الفاضل حامد بن حسن شاكر حماه الله تعالى وأفهمه معانيه".
وقال ناسخ (ه): "هذا آخر ما وجد بخطه رحمه الله وافق الفراغ من نقله لآخر يوم الإثنين ثامن عشر شهر ربيع الآخر عام 1164 بمحروس مدينة صنعاء وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم".
ثم كتب في الهامش "بلغ مقابلة على الأصل، والأصل قال فيها بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب المصنف، كتبه عبد الرحيم بن شاه واد اللاهوري ثم المدني حامدا مصليا مسلما سنة 1071 ولله الحمد على منه وبلوغ تمامه".
وفي آخر (ر/ب) "انتهى الموجود من النكات على النسخة المنقولة على الأم والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.
فهرس مراجع الكتاب ومراجع التحقيق
(أ) المخطوطات:
(أ)
الأباطيل، لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني. منه صورة بمكتبة الجامعة برقم 437.
الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، للأمير علاء الدين الفارسي (ت 739) منه صورة بمكتبة الحرم المكي.
__________
(1) في كل النسخ "قوة".
(2) انظر دلائل النبوة للبيهقي 1/33- 34 وفيه "قبض أبو الفضل - يعني العباس - على أصابع يده الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام".(13/26)
أحكام القرآن، للقاضي إسماعيل.
الأحكام، لأبي علي الطوسي (ت312) مخطوط في مكتبة الظاهرية بدمشق.
أدب المحدث، لعبد الغني بن سعيد (ت409).
الإرشاد، للخليلي الخليل بن عبد الله (ت446). مصورة في الجامعة الإسلامية وفي مكتبة الصديق بمنى.
إصلاح ابن الصلاح، لعلاء الدين مغلطاي (ت762).
الأطراف، لأبي مسعود الدمشقي (ت400). يوجد منه الجزء الرابع في المكتبة الظاهرية حديث 372,
الأفراد، للدارقطني علي بن عمر (ت385). يوجد منه بعض الأجزاء بدار الكتب المصرية والمكتبة الظاهرية بدمشق.
الاقتراح، لابن دقيق العيد محمد بن علي القشيري (ت702). توجد منه صورة بمكتبة الصديق بمنى وطبع حديثا ببغداد.
إكمال المعلم، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت544) مخطوط بدار الكتب المصرية.
الأمالي، لأبي جعفر محمد بن عمر النجيرمي، يوجد منه سبعة مجالس في المكتبة الظاهرية بدمشق.
الأمالي، للضبي الحسين بن إسماعيل المحاملي (ت330)، يوجد منه أجزاء بدار الكتب المصرية وفي الظاهرية.
الإنصاف، لابن المرحل محمد بن عمر بن مكي صدر الدين (ت716).
الإمام شرح الإلمام، لابن دقيق العيد (702).
(ب)
البرهان، لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت478)، بمكتبة الأزهر برقم (913).
بيان الوهم والإيهام، لابن القطان علي بن محمد الكتامي (ت628) مصور بمكتبة جامعة الملك عبد العزيز برقم (1110- 1113).
(ت)
التاريخ، لابن أبي خيثمة أحمد بن زهير (ت279) مصور بجامعة الملك عبد العزيز برقم (477).
التاريخ، للحاكم أبي عبد الله (405).
التاريخ، لابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الدمشقي (ت571) مصور في مكتبة الصديق بمنى والجامعة الإسلامية بالمدينة.
ترجمة البخاري، لوراق محمد بن أبي حاتم.
تصنيف أبي الفضل بن عمار.
التفرد، للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث (ت275).
تفسير ابن مردويه، أحمد بن موسى الأصبهاني (ت410).
التقريب، لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت403).(13/27)
تقريب المنهج وترتيب المدرج، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852).
تقييد المهمل، لأبي علي الحسين بن محمد الجياني (ت498)، توجد نسخة منه بمكتبة جامعة الرياض برقم (1321)، ومصورة بمكتبة الحرم المكي.
تغليق التعليق، للحافظ ابن حجر العسقلاني منه مصورة بمكتبة الحرم المكي.
التمييز، لأبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي.
(ج)
جامع المسانيد، لأبي الفرج ابن الجوزي (ت597)، يوجد منه الجزء الأول بدار الكتب المصرية برقم (191).
جزء في غفران ما تقدم وتأخر، للحافظ عبد العظيم المنذري (ت656).
الجزء الذي ألفه أبو بكر البزار (ت292) في من يقبل ويترك.
جزء البرديجي، أحمد بن هارون (ت301) في المرسل والمنقطع.
جزء أبي بكر، محمد بن إبراهيم الصفار، لعله المراكشي (ت761).
جزء البرقاني، أبي بكر (ت425) في الرجال المتكلم فيهم.
الجليس والأنيس، للمعافي النهرواني (ت390). يوجد منه المجلس الخمسون في المكتبة الظاهرية عام رقم (4554).
الجمع بين الصحيحين، للحميدي محمد بن فتوح الأندلسي (ت488)، مصور في مكتبة الصديق بمنى ويوجد منه 4 أجزاء في دار الكتب المصرية برقم (608).
جمان الدرر، لابن خليل الدمشقي مصورة عن نسخة بدار الكتب المصرية برقم (726).
الجواهر والدرر، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902) مصور عن مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (4768).
الخلعيات، لعلي بن الحسن الخلعي الموصلي (ت492) مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
الخلافيات، للإمام البيهقي (ت458) مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
(د-ذ)
الدعاء، لأبي القاسم الطبراني (ت360).
الذكر، لأبي جعفر الفريابي.
الذكر، لابن أبي الدنيا (ت2781).
(ر)
الرواة عن مالك، للخطيب البغدادي.
روايات الصحابة عن التابعين.
(ز)
الزهد، للإمام البيهقي (ت458)مصور في مكتبة الصديق بمنى وفي مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم (53).
الزهريات، للإمام محمد بن يحيى الذهلي (ت258).(13/28)
زيادات البر والصلة، لأبي الحسين بن الحسن المروزي. في المكتبة الظاهرية. مجمع (76) ومصور في مكتبة الصديق بمنى.
(س- ش)
سؤالات الحاكم أبي عبد الله للدارقطني. سراي أحمد الثالث.
سؤالات أبي القاسم السهمي، مصور في الجامعة الإسلامية ضمن مجموع (56).
شرح البرهان، للأبياريعلي بن إسماعيل (ت616).
شرح البرهان، للمازري، أبي عد الله محمد بن مسلم (ت530).
شرح ابن بطال علي بن خلف (ت449) للبخاري.
شرح الرسالة، لأبي بكر محمد بن عبد الله الصيرفي (ت330).
شرح الترمذي، لابن سيد الناس اليعمري (ت734). مصور في مكتبة الصديق ومكتبة الجامعة.
شرح البخاري، للحافظ مغلطاي علاء الدين (ت762).
(ص)
الصلة، لمسلم بن قاسم القرطبي (ت353).
(ع)
العباب للصاغاني.
العجالة، لأبي بكر الحازمي (ت584). في مكتبة الرباط (367) (انظر فهرس معهد المخطوطات ص286).
العدة، لأبي نصر ابن الصباغ (ت477).
العلل، لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال (ت311).
العلل، للإمام الدارقطني (ت385)، دار الكتب المصرية برقم (394)، وعندي منه صورة.
العلم لابن أبي عاصم (ت287). في جامعة الملك عبد العزيز منه صورة برقم (729).
علوم الحديث، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430).
علوم الحديث، لابن حبيش.
غرائب مالك، للإمام الدارقطني (385)، مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
(ف)
فهرست ابن باشكوال، خلف بن عبد الملك (ت478).
فهرست القاسم بن القاسم التجيبي.
فهرست ابن محمد بن حوط الله (ت612).
فهم السنن، للحارث المحاسبي.
فوائد إسماعيل بن قيراط العذري.
فوائد أبي إسماعيل الأنصاري الهروي (ت481).
فوائد بشر بن أحمد الإسفرائيني.
فوائد تمام بن محمد الرازي (ت414)، في برستون تركيا وفي المكتبة الظاهرية.
فوائد الحسن بن رشيق القيرواني (ت463).
فوائد أبي الحسين الفراء (ت526).
فوائد الدسكري.
فوائد سمويه إسماعيل بن عبد الله الأصبهاني (ت267). يوجد منه في الظاهرية دمشق بعض الجزء الثالث ضمن مجموع (124).(13/29)
فوائد محمد بن عبد الله بن إسحاق.
فوائد موسى بن عيسى السراج.
(ق)
القواطع، لابن السمعاني (ت489).
(ك)
الكامل، لابن عدي (ت365)، منه صورة في مكتبة الحرم المكي وفي الجامعة الإسلامية.
كتاب الأبواب، للحافظ عمر بن أحمد بن شاهين (ت385).
كتاب الأقران، لأبي الشيخ.
كتاب الجوزجاني في أحوال الرجال (ت259).
كتاب الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي (ت463). مختصره للذهبي في المكتبة الظاهرية في مجموع 55 حديث.
كتاب الدعاء، لابن أبي عاصم (ت287).
كتاب السنن، لابن أبي الأشعث (ت516).
كتاب الصلاة، لابن أبي حاتم (ت327).
كتاب المطرزي، والظاهر أنه شرح المصباح، وهو مخطوطات جامعة الرياض، برقم (47).
(م)
المبعث، لأبي شامة (ت665).
المجمع المؤسس لحافظ ابن حجر، مصور بمكتبة الصديق بمنى.
المحصول، لفخر الدين الرازي (ت606). في المكتبة الأحمدية بسوريا رقم 416، وفي المكتبة المحمودية بالمدينة برقم 23. ثم طبعته جامعة الإمام محمد بن سعود.
المختارة، للضياء المقدسي (ت643). في المكتبة الظاهرية ومنه صورة في مكتبة الصديق بمنى.
مختصر التبريزي تاج الدين (ت746).
مختصر منتهى السول لابن حاجب المالكي (ت646)، يوجد بمكتبة الحرم المكي.
المدارك، لابن الحصار (ت611).
المدخل إلى الإكليل، للحاكم أبي عبد الله (ت405)، يوجد في المكتبة الأحمدية برقم (308)، وطبع في حلب.
المدخل إلى معرفة الصحيحين، للحاكم أبي عبد الله. يوجد في مكتبة شهيد علي بتركيا برقم (646). ويطبع الآن بتحقيقي.
المدخل، للبيهقي (ت463)، في جامعة الدول العربية.
المدخل إلى علوم الحديث، لابن الصلاح (ت643).
المدخل إلى المستخرج للإسماعيلي أبي بكر (ت371).
المستخرج، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430).
مسند إسحاق بن راهوية (ت238). مصور في مكتبة الحرم المكي وفي الجامعة السلامية.
مسند عبد بن حميد (ت249). في مكتبة أيا صوفيا بتركيا برقم(894)، ومن مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية.(13/30)
مسند البزار(ت292)، في المكتبة الأزهرية ج2، 3برقم(924)، ومنه مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
المسند، لعلي بن المديني (ت234).
مسند مالك، لأبي أحمد بن عدي (ت365).
مسند مالك، للإمام النسائي (ت303).
مسند أبي يلعلى الموصلي (ت307). منه مصورة في مكتبة الحرم المكي.
مشايخ البخاري، لأبي أحمد بن عدي (ت365).
المشيخة الكبرى، لأبي محمد الجوهري.
معجم أبي الحسن ابن جميع (402)في لاندبرج – بريل (37)، بروكلمان (3/161).
معجم ابن الأعرابي (ت340). ظاهرية حديث (280) ومصورة في مكتبة الصديق بمنى.
المعجم الكبير للطبراني (ت360). مصور في مكتبة الصديق بمنى وطبع بتحقيق حمدي السلفي إلى (22) جزءا.
المعجم الأوسط له في كوبرلي 454.
معجم ابن المقري في دار الكتب المصرية (27).
المعرفة لابن منده (ت395). مصورة في مكتبة الصديق بمنى، وفي المكتبة الظاهرية، برقم (323، حديث.
المفهم شرح صحيح مسلم، لأبي العباس القرطبي (ت671)، في مكتبة الحرم بالمدينة المنورة.
مقدمة شرح مسلم، لابن الصلاح (ت643). مصورة في مكتبة الصديق.
مقدمة الترمذي، لابن العربي المالكي (ت543).
المقنع، لابن الملقن (ت804). مصور بدار الكتب المصرية برقم (399). وحقق بمكة.
الملخص، للقاضي عبد الوهاب المالكي (ت422).
(و- ي)
الوجيز، لابن برهان.
اليوم والليلة، للإمام النسائي، مكتبة جامعة الرياض برقم (264). وطبع حديثا.
(ب) المطبوعات:
(أ)
الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (ت631). تصحيح ابن غديان، ط الرياض، سنة 1387.
إحكام الأحكام لابن حزم (ت456). مطبعة الإمام في القاهرة.
أسئلة تقي الدين السبكي، للمزي.
الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852). ط مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1358.
الأصول للسرخسي، محمد بن أحمد (ت490). نشر دار المعارف 1393ه
الأم، للإمام الشافعي (ت204)، نشر مكتبة الكليات الأزهرية.(13/31)
الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224)، نشر مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1388.
إنباء الغمر، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852).
(ب)
البداية والنهاية، لابن الكثير (ت774)، مطبعة السعادة بمصر.
البدر الطالع، لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250)، مطبعة السعادة 1348.
(ت)
التاريخ، لمحمد بن إسماعيل البخاري الإمام (256)، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1360.
تاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي (ت277)، طبع منه مجلدان ط مطبعة الإرشاد ببغداد سنة 1396ه، بتحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري.
التاريخ، لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430)، مطبعة بريل سنة 1934م,
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (403)، نشر دار الكتاب العربي.
التاريخ، ليحيى بن معين (233). حققه د. أحمد نور سيف طبع سنة 1399.
تحفة الأحوذي شرح الترمذي، لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت1353). نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1385.
تحفة الأشراف، للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي (ت742). نشر الدار القيمة بمباي الهند 1374- 1397.
تذكرة الحفاظ، لشمس الدين الذهبي (ت748). نشر دار التراث العربي ببيروت.
تعجيل المنفعة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852)، تحقيق عبد الله هاشم اليماني.
التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني (ت816)، ط مطبعة الحلبي سنة 1357.
تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي (ت676)، ط إدارة الطباعة المنيرية ببيروت.
تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1325.
تنزيه الشريعة، لابن عراق (ت963). نشر مكتبة القاهرة.
التوسل والوسيلة، للإمام ابن تيمية (ت728)، ط دار العربية بيروت.
توضيح الأفكار، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني (1182). نشر مكتبة الخانجي مصر سنة 1366.
(ج)
جامع الأصول، لابن الأثير الجزري (ت606). نشر مطبعة الملاح.(13/32)
جامع التحصيل، للعلائي (ت761)، ط دار العربية بغداد العراق بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، وقد حققه أيضا د. محمد حسن فلاتة (رسالة ماجستير بمكة).
الجامع الصحيح، للإمام البخاري (ت256) مع فتح الباري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب.
الجامع الصحيح، للإمام مسلم (ت261)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار الحلبي سنة 1374.
الجامع الصحيح، للإمام الترمذي (ت279)، ط الحلبي، القاهرة سنة 1356- 1385.
الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (ت327)، ط بمجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن الهند سنة 1372ه.
جزء القراءة، للبخاري (ت256)، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1371.
جمع الجوامع، لعبد الوهاب السبكي (ت771) وشرحه.
(ح)
حاشية السعد (ت816) على شرح العضد على، للمنتهى الأصولي، نشر مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1394.
حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430)، نشر دار الكتاب العربي بيروت سنة 1387.
(خ)
الخراج، ليحيى بن آدم (ت203)، ط المطبعة السلفية.
خصائص علي، للإمام النسائي (ت303).
خصائص المسند، لأبي موسى المديني (591)، طبع دار المعارف بمصر سنة 1373.
الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ط إدارة الطباعة المنيرية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية.
الخلاصة، للطيبِي (ت743)، تحقيق صبحي السامرائي.
(د- ر)
الدلائل، للإمام البيهقي (ت458)، نشر عبد المحسن الكتبي سنة 1384.
رسالة الإمام أبي داود إلى أهل مكة، تحقيق محمد زاهد الكوثري.
الرسالة، الإمام الشافعي (204)، ط الحلبي القاهرة سنة 1358.
رسالة البيهقي للجويني، ط إدارة الطباعة المنيرية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية.
الروضة في الأصول، لابن قدامة (ت620) ط المطبعة السلفية ومكتبتها.
(س)
السنن، للإمام سليمان بن الأشعث أبي داود (ت275)، نشر محمد علي سيد حمص سنة 1388.(13/33)
السنن، الإمام أحمد بن شعيب النسائي (ت303)، ط الحلبي القاهة سنة 1372.
السنن، للإمام ابن ماجه محمد بن يزيد القزويني (ت273)، ط الحلبي القاهرة سنة 1372.
السنن، للإمام علي بن عمر الدارقطني (ت 385)، ط دار المحاسن للطباعة القاهرة سنة 1386.
السنن، للإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت255)، ط شركة الطباعة الفنية بالمدينة المنورة سنة 1387.
السنن الكبرى، للإمام البيهقي (ت458)، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1356.
سؤلات أبي القاسم السهمي للدارقطني، مصور بالجامعة الإسلامية ضمن مجموع 56.
(ش)
شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي (ت1028)، نشر المكتب التجاري للطباعة بيروت.
شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، لأحمد بن إدريس القرافي (ت684).
شرح صحيح مسلم، للإمام النووي (776).
شرح السنة، للإمام البغوي (ت516)، نشر المكتب الإسلامي بيروت.
شرح معاني الآثار، للإمام الطحاوي (ت321)، مطبعة الأنوار القاهرة.
شروط الأئمة الستة، لابن طاهر، تحقيق الكوثري.
شروط الأئمة الخمسة، للحازمي، تحقيق الكوثري.
(ص- ض)
الصحيح الإمام أبي بكر بن خزيمة (311)، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، نشر المكتب الإسلامي بيروت.
الضعفاء، للإمام النسائي (ت303)، نشر المكتبة الأثرية سانكلة هل باكستان.
الضعفاء، للإمام البخاري (256)، نشر المكتبة الأثرية سانكلة هل باكستان.
(ط)
طبقات الحفاظ، للحافظ السيوطي (ت119)، نشر مكتبة وهبة القاهرة.
طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي (ت771)، ط الحلبي وشركاه، القاهرة.
طبقات الشافعية، لجمال الدين الأسنوي (ت772)، ط الإرشاد بغداد سنة 1391.
الطبقان الكبرى، لابن سعد (ت230)، نشر دار صادر بيروت، 1377.
طبقات المدلسين، للحافظ ابن حجر، نشر مكتبة القدسي.
(ع)
العلل، لعلي بن المديني (ت234). تحقيق محمد مصطفى الأعظمي.
العلل، لابن أبي حاتم (ت327)، نشر مكتبة المثنى بغداد.
(ف)(13/34)
فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852)، المطبعة السلفية القاهرة.
(ق)
القاموس المحيط، لمجد الدين الفيروز آبادي (ت817)، نشر المكتبة التجارية بمصر.
القراءة خلف الإمام، للبيهقي (458)، إدارة إحياء السنة.
القول المسدد، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852)، ط دائرة المعارف بحيدر أباد الهند سنة 1386.
(ك)
الكاشف، لشمس الدين الذهبي (ت748)، ط دار التأليف بمصر.
كتاب المجروحين، للإمام ابن حبان (ت354)، ط دار الوعي حلب.
كشف الظنون، لمصطفى حاجي خليفة، ط مكتبة المثنى بغداد العراق.
الكنى، لأبي أحمد الحاكم (ت378).
الكنى، للإمام النسائي (ت303).
الكنى، للدولابي محمد بن أحمد أبو بشر (ت320).
الكفاية للخطيب البغدادي (ت463)، ط دائرة المعارف العثمانية.
(ل)
اللآلئ المصنوعة، لجلال الدين السيوطي (911)، نشر المكتبة التجارية بمصر.
اللباب في الأنساب، لعز الدين ابن الأثير، نشر دار صادر بيروت.
لحظ الألحاظ، لابن فهد.
لسان العرب، لابن منظور (711)، ط بيروت.
لسان الميزان، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.
(م)
ما لا يسع المحدث جهله، لأبي حعفر الميانجي (ت579)، ط.
مجمع الزوائد، لأبي بكر الهيثمي (ت708)، نشر دار الكتاب بيروت سنة 1967.
المجموع، للإمام النووي (ت676)، مطبعة العاصمة القاهرة.
مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت728)، ط مطابع الرياض سنة 1381.
محاسن الاصطلاح، للإمام البلقيني (ت805)، ط دار الكتب المصرية، القاهرة سنة 1394.
المحدث الفاصل، للقاضي الرامهرمزي (ت360)، دار الفكر.
مختصر ابن كثير (ت774)، وهو الباعث الحثيث. ط مطبعة محمد علي صبيح بمصر.
المختصر الكبير للمزني (ت264), مطبوع بهامش الأم شركة الطباعة الفنية المتحدة بمصر.
المراسيل, لأبي داود (ت275) ط.
المستدرك, للحاكم أبي عبد الله (ت405), ط دائرة المعارف العثمانية سنة 1342.(13/35)
المسند، للإمام أحمد بن حنبل (241)، نشر دار صادر.
المسند، للإمام أحمد, تحقيق أحمد شاكر, ط دار المعارف بمصر.
مشكل الآثار، للإمام الطحاوي (321) ط دائرة المعارف العثمانية، حيدر آبادن الهند سنة 1333.
المسودة لآل تيمية، ط المدني.
المصابيح للبغوي.
المصنف، للإمام عبد الرزاق الصنعاني (ت211), نشر المكتب الإسلامي, بيروت سنة 1390.
المصنف لابن أبي شيبة (ت225), مطبعة العلوم الشرقية, حيدر آباد, الهند سنة 1387.
المعتمد لأبي الحسين البصري.
معجم البلدان, لياقوت الحموي(ت626), نشر دار صادر بيروت.
المعجم الصغير للطبراني, ط دار النصر للطباعة القاهرة سنة 1388.
المعرفة, للإمام البيهقي(ت458), تحقيق السيد أحمد صقر.
معرفة علوم الحديث، للحاكم أبي عبد الله، نشر المكتب التجاري للطباعة والتوزيع بيروت.
المنخول، للغزالي (ت505)، دار الفكر للطباعة والنشر.
المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان الفسوي، تحقيق الدكتور أكرم العمري، مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1975م.
المغني، للحافظ الذهبي (ت748)، مطبعة البلاغ حلب.
المغني، لابن قدامة الجنبلي (ت620)، ط الفجالة الجديدة القاهرة.
مفتاح كنوز السنة، للدكتور أ. ي فينسك، ترجمة محمد فؤاد عبد الباقي.
مقدمة ابن الصلاح (ت643)، ط الأصيل حلب.
المنهل الروي مختصر في علوم الحديث النبوي، لبدر الدين بن جماعة (ت733)، تحقيق الدكتور محي الدين عبد الرحمن، رمضان سنة 1395، ومنه مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
المنهل العذب المورود، لمحمود خطاب السبكي (ت1352)، مطبعة الاستقامة، القاهرة سنة 1351.
مقدمة الكامل، لأبي أحمد ابن عدي (ت365)، مطبعة سليمان الأعظمي بتحقيق صبحي السامرائي.
الموضوعات، لابن الجوزي.
الموطأ، للإمام مالك (ت 179) ط دار إحياء الكتب العربية، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
ميزان الاعتدال، للحافظ الذهبي (ت748)، ط الحلبي القاهرة سنة 1382.
(ن)(13/36)
النجوم الزاهرة، لابن تغري بردي (ت874)، ط دار الكتب المصرية القاهرة سنة 1369.
نزهة النظر، للحافظ ابن حجر (ت852)، ط الحلبي 1352.
نظم العقيان، للسيوطي (ت911).
النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات ابن الأثير (ت606(، تحقيق محمود الطناحي، ط الحلبي القاهرة.
(و- ي)
وفايات الأعيان، لابن خلكان (ت681)، نشر دار صادر.
اليميني، للعتبي محمد بن عبد الجبار.
اليوم والليلة، لابن السني، نشر الكليات الأزهرية.(13/37)
الفصل الثاني في تنكيت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي
بلغت نكت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي سبعا وخمسين نكتة كلها تعقبات على شيخه ما خلا سبعا منها، فإن من هذه السبع خمسا فيها تأييد لرأيه ومنها ما فيه دفاع عنه وهي واحدة، ومنها ما فيه شرح لبعض ألفاظه وهي واحدة أيضا. وسوف أسوق الجميع فيما يلي:
النوع الأول: الصحيح
وفيه خمس عشرة نكتة:
(1) النكتة الأولى (ص238):
تضمنت تعقبا على شيخه العراقي حيث قال: فيما يتعلق باشتراط العدد في الحديث المقبول: "وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني فنبه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث".
قال الحافظ: "وهذا إن كان الشيخ أراد بأنه لا يعرف التصريح به من أحد من أهل الحديث وإلا فذاك موجود في كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في المدخل.
ثم ناقش الحافظ القائلين باشتراط العدد في الحديث الصحيح من المعتزلة والجهمية ورد على شبههم التي تعلقوا بها.
(2) 2- النكتة الثانية (ص273):
فيها اعتراض على قول العراقي: "صحح المنذري حديثا في غفران ما تقدم وتأخر، والدمياطي حديثا في ماء زمزم".
قال الحافظ: "فيه نظر؛ وذلك أن المنذري أورد في الجزء المذكور عدة أحاديث بين ضعفها وأورد في أثنائه حديثا من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب... وقال بعده: بحر بن نصر ثقة، وابن وهب ومن فوقهم محتج بهم في الصحيحين".
قال الحافظ: قلت: "ولا يلزم من كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث الوارد به صحيحا لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة وقد وجد هذا الاحتمال هنا فإنها رواية شاذة".
(3) النكتة الثالثة (ص276):
تضمنت تنبيها على وهم وقع فيه الحافظ العراقي في قوله: "إن المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن محمد بن المنكدر كما رواه ابن ماجة" (يعني حديث ماء زمزم).
قال الحافظ: "وقع منه سبق قلم، وإنما هو عند ابن ماجة وغيره من طريق المؤمل عن أبي الزبير". والأمر كما قال الحافظ.
(4) النكتة الرابعة (ص277):(14/1)
أبدى الحافظ فيها عدم قناعته بجواب شيخه على اعتراض وجهه مغلطاي على ابن الصلاح، وذلك أن ابن الصلاح قال: "أول من صنف في الصحيح البخاري" فاعترض عليه مغلطاي بأن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمي" ثم قال: "فإن قيل إن في الموطأ المرسل والمنقطع قلنا وفي البخاري كذلك فأجابه العراقي بأن مالكا لم يفرد الصحيح بل أدخل في كتابه المرسل والمنقطع".
وكأن شيخنا لم يستوف النظر في كلام مغلطاي وإلا فظاهر قوله مقبول بالنسبة إلى ما ذكره البخاري من الأحاديث المعلقة وبعضها ليس على شرطه.
ثم أجاب الحافظ على دعوى مغلطاي في أولية الموطأ على الصحاح بما يرى أنه الصواب.
(5) النكتة الخامسة (ص295):
فيها تعقب على العراقي ودفاع عن ابن الصلاح، وذلك أن ابن الصلاح ذكر أن عدة أحاديث البخاري سبعة آلاف حديث.
فتعقبه العراقي بقوله: "هكذا أطلق ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد الرواية المشهورة وهي رواية محمد بن يوسف الفربري أما رواية حماد بن شاكر فهي دونها بمائتي حديث. وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل، فإنها تنقص عن رواية الفربري بثلاثمائة".
فتعقب الحافظ شيخه العراقي: بأن كلامه يفيد أن هذا النقص واقع في أصل التصنيف، لكن الأمر بخلاف ذلك، فكتاب البخاري في جميع الروايات الثلاث سواء في العدد ثم بين الحافظ أن التفاوت إنما حصل في أصل السماع إذ أن الفربري سمع جميع الصحيح من البخاري، والآخران سمعا معظم الكتاب والباقي أخذاه بالإجازة من البخاري، فلا اعتراض على ابن الصلاح فيما أطلقه.
(6) النكتة السادسة (ص296):
تضمنت دفاعا عن ابن الصلاح حيث انتقده العراقي في إهمال عدة كتاب مسلم ثم ذكر أن عدته اثنا عشر ألف حديث بالمكرر.(14/2)
فأجاب الحافظ: عن ابن الصلاح بأنه لم يقصد ذكر عدة البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم، بل السبب في ذكره لعدة ما في البخاري أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلافا لقول ابن الأخرم.
ثم استطرد الحافظ البحث حول قول البخاري: "أحفظ مائة ألف حديث))، فذكر عن الجوزقي أنه استخرج في كتابه ((المتفق)) على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا".
قال الحافظ: "فإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر هذا القدر فما لم يخرجا من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر - أيضا – ويزيد، وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر أو يقرب منه، فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء عن الصحابة والتابعين تمت العدة التي ذكر البخاري أنه يحفظها، بل ربما زادت على ذلك".
(7) النكتة السابعة(ص300):
كانت تعقبا على العراقي حيث ادعى أن الحميدي زاد زيادات في كتابه: الجمع بين الصحيحين، ولم يميز هذه الزيادات ولم يصطلح على أنه لا يزيد إلا ما صح فيقلد في ذلك.
تعقبه الحافظ بقوله: "إن شيخنا قلد في هذا غيره، وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ما ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها، ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات".
ثم ذكر أن شيخه البلقيني وقع فيما وقع فيه العراقي كما تبع سراج الدين ابن النحوي في كتابه ((المقنع)) العراقي في هذا الزعم، ثم نقل الحافظ نص كلام الحميدي الذي أبدى فيه اصطلاحه فيما يتعلق بهذه الزيادات.
ثم ساق الحميدي تسعة أمثلة بين الحميدي فيها الزيادات.
(8) النكتة الثامنة (ص318):(14/3)
فيها تأييد من الحافظ لشيخه العراقي في انتقاده لكل من ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي، وذلك بأنهم يعترضون على الحاكم في تصحيحه على شرط الشيخين أو أحدهما بأن البخاري مثلا ما أخرج لفلان.
قال العراقي: "وكلام الحاكم مخالف لما فهموه".
قال الحافظ: "وكلام الحاكم ظاهر أنه لا يتقيد بذلك حتى يتعقب به عليه".
ثم ذكر الحافظ أن الحديث إذا كان الشيخان قد أخرجا لرواته أو أحدهما قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما.
وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد فحسب ثم وضح ذلك بمثال من النوع الثاني قال الحاكم عقبه صحيح الإسناد.
قال الحافظ: "فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما".
(9) النكتة التاسعة (344):
انتقد الحافظ فيها شيخه العراقي حيث قال في معرض الكلام على صحيح مسلم: "وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا)) ثم عقبه بقوله: "ورواه فلان، وقد جمعها الرشيد العطار في ((الغرر المجموعة)).
قال الحافظ متعقبا عليه: وفيه أمور وناقشه من وجوه...
منها: قوله: "فيه بقية أربعة عشر" بين الحافظ أنه أخطأ في هذا العدد مقلدا غيره في هذا الخطأ، وصوّب الحافظ أنها اثنا عشر.
لكن الحافظ نفسه لم يسلم من الخطأ في عد هذه الأحاديث.
(10) النكتة العاشرة (ص354):
كانت اعتراضا من الحافظ على العراقي وبيانا للصواب في خطأ وقع فيه وذلك أن العراقي قال في خلال مدافعته عن ابن الصلاح ورده على اعتراض لمغلطاي. قال: "الظاهر أن البخاري لم يرد برد الصدقة حديث جابر المذكور في بيع المدبر، وإنما أراد – والله أعلم – حديث جابر في الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم بالصدقة عليه... وهو حديث ضعيف. فتعقبه الحافظ من وجوه منها:
أن الدارقطني لم يرو هذا الحديث من جابر وإنما رواه من حديث أبي سعيد ومع كون هذا الحديث ليس من حديث جابر عند الدارقطني فهو صحيح وليس بضعيف.(14/4)
(11) النكتة الحادية عشرة (ص361):
كان العراقي قد رد اعتراضا لمغلطاي على ابن الصلاح فيما يتعلق بتعليقات البخاري واستبعد أن يكون البخاري يأتي بصيغة الجزم في الأحاديث الضعيفة فلم يستصوب الحافظ هذا الرد وأتى برد آخر يرى أنه الصواب.
(12) النكتة الثانية عشرة (ص371):
تضمنت ردا على العراقي حيث اعترض على ابن الصلاح في قوله:
"إن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته".
فنقل العراقي عن ابن عبد السلام أن هذا قول بعض المعتزلة إذ يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته ونقل عن النووي أنه لا يفيد إلا الظن.
فأجاب الحافظ: "عن ابن الصلاح بأنه لم يقل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما إلا من حيث الجملة لا من حيث التفصيل... وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة".
ثم نقل الحافظ عن جماعة من العلماء كإمام الحرمين وابن فورك وعبد الوهاب المالكي والبلقيني وعن جمع من علماء المذاهب ما يؤيد مذهب ابن الصلاح.
بل نقل عن ابن تيمية أن الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه فذكر جماعة منهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ثم قال: وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم... ومذهب أهل الحديث قاطبة. ثم نقض قول النووي: إن الخبر لا يفيد العلم إلا أن يتواتر بأدلة، منها: الخبر المحتف بالقرائن فإنه يفيد العلم النظري، والخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها وما تلقته الأمة بالقبول.
(13) النكتة الثالثة عشرة: (ص379).
تضمنت استدراكا على العراقي حيث قال معلقا على قول ابن الصلاح: "إن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته".
"قد سبقه إلى ذلك أبو الفضل ابن طاهر وأبو نصر ابن يوسف".(14/5)
قال الحافظ: "أقول: أراد بذكر هذين الرجلين كونهما من أهل الحديث، وإلا فقد قدمنا كلام جماعة من أئمة الأصول موافقته على ذلك وهم قبل ابن الصلاح.
نعم، وسبق ابن طاهر إلى القول بذلك جماعة من المحدثين كالجوزقي والحميدي بل نقله ابن تيمية عن أهل الحديث قاطبة".
(14) النكتة الرابعة عشرة (ص380):
تضمنت ردا لتعقب العراقي على ابن الصلاح في قوله: "إن أخبار الصحيح قد تلقيت بالقبول إلا أحرفا يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد".
فقال العراقي: "إن ما استثناه من المواضع قد أجاب عليها العلماء ومع ذلك ليست يسيرة بل هي كثيرة...".
أجاب الحافظ: "بأن كونها ليست يسيرة فهذا أمر نسبي أو هي بالنسبة إلى ما لا مطعن فيه من الكتابين يسيرة جدا، وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع استثناءها؛ لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع على التلقي فالمواضع المذكورة مختلفة عن التلقي فيتعين استثناؤها. ثم ذكر الحافظ النقاد الذي تتبعوا الأحاديث المعللة في الصحيحين وهم الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي والجياني ثم قال: "والكلام على هذه الانتقادات من وجوه:
منها: ما هو مندفع بالكلية.
ومنها: ما قد يندفع. ثم ذكر منها أربعة أوجه وانتهى إلى القول بأن هذه الأمور إذا اعتبرت في جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ثم أحال القارئ على الجواب عنها في مقدمة فتح الباري وأنه قد بين ذلك فيها بيانا شافيا.
(15) النكتة الخامسة عشرة (ص384):
كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث ادعى العراقي التناقض في كلام البن الصلاح وذلك أن ابن الصلاح اشترط المقابلة بأصول متعددة لمن أراد العمل أو الاحتجاج بالحديث في موضع، وفي موضع آخر من كتابه لم يشترط ذلك في المقابلة.(14/6)
فأجاب الحافظ على هذا الاعتراض بأنه ليس بين كلامي ابن الصلاح مناقضة بل كلام ابن الصلاح الذي فيه الاشتراط مبني على مذهبه، وهو عدم الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه علّل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا، فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدها بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول المتعددة، ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد.
وأما قوله في الموضع الآخر ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول فلا ينافي قوله المتقدم؛لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا.
النوع الثاني: الحسن
وفيه اثنتا عشرة نكتة:
(16) النكتة الأولى (ص385):
وفيه تعقب على العراقي والعلائي وذلك أن العراقي نقل انتقاد ابن دقيق العيد تعريف الخطابي للحسن "بأنه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله".
قال ابن دقيق العيد: "ليس فيه كبير تلخيص، والصحيح - أيضا – قد عرف مخرجه واشتهر رجاله".
ونقل الحافظ دفاع العلائي عن الخطابي بأنه عرف الصحيح أولا ثم عرف بالحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله ما عرف مخرجه... الخ على الحسن.
ثم تعقب الحافظ كلام العلائي هذا "بأن هذا القدر غير منضبط، فيصح كلام ابن دقيق العيد أنه على غير صناعة الحدود.
(17) النكتة الثانية (ص405):
كانت ردا لتعقب التبريزي على ابن دقيق العيد، وذلك أن ابن دقيق العيد في انتقاده لتعريف الخطابي السابق الذي نقله العراقي قال: "إن الصحيح أخص من الحسن".
فألزمه التبريزي بأن دخول الخاص في العام ضروري، لكنّ الحافظ تعقب التبريزي بأن بين الحسن والصحيح عموم وخصوص وجهي، فلا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في حد الحسن".(14/7)
إلا أنه قد سبق للحافظ كلام في هذا الكتاب يفيد أن بين الحسن والصحيح عموم مطلق حيث قال: فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح، فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة كذا يلزم من انتفاء الشذوذ انتفاء النكارة، فعلى هذا يكون اعتراض التبريزي وما قرره صحيحا.
(18) النكتة الثالثة (ص406):
تضمنت ردا لاعتراض نقله العراقي عن ابن جماعة حيث قال: "يرد على ابن الصلاح في القسم الأول (يعني الذي نزل كلام الترمذي عليه في تعريف الحسن) المنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور، ورُوي مثله أو نحوه من وجه آخر".
فأجاب الحافظ: "بأن كلامه غير وارد؛ لأن الترمذي يحكم للمنقطع إذا روي من وجه آخر بالحسن".
ثم نقل الحافظ تعريف ابن جماعة الحسن بقوله: "الأحسن في حد الحسن أن يقال: هو ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان وخلا عن العلة والشذوذ".
قال الحافظ متعقبا له: "هذا لا يحسن في حد الحسن فضلا عن أن يكون أحسن".
ثم ردّه من أربعة أوجه بين فيها عدم استقامة هذا التعريف وهي في نظري غير واردة وتعريف ابن جماعة مستقيم ويشمل الحسن لذاته والحسن لغيره. وقد ألزم الحافظ ابن الصلاح بأن تعريفه للصحيح غير شامل للصحيح لغيره ثم أتى بتعريف يشمل النوعين.
(19) النكتة الرابعة (ص204):
تضمنت استدراكا على قول العراقي: "وقد وجدت التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي".
قال الحافظ: "أقول وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي" وذكر إبراهيم النخعي وشعبة ثم قال: "ووجد هذا من أحسن الأحاديث إسنادا في كلام ابن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة، ولكن منهم من يريد المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده".
ثم ذكر مثالين عن الشافعي وأحمد أطلقا فيهما لفظ الحسن ولكنهما لا يريدان المعنى الاصطلاحي.(14/8)
وذكر مثالا لأبي حاتم يحتمل المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي ثم قال: "وأما علي بن المديني، فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وعلله، فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي وكأمه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد".
ثم ذكر مثالين من جامع الترمذي والعلل الكبير له حكم البخاري عليهما بالحسن أحدهما لذاته والآخر لغيره.
ثم قال: "فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر من غيره".
(20) النكتة الخامسة (ص220):
اشتملت على تعقب على العراقي حيث قال: "ويعقوب بن شيبة وأبو علي إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذي".
قال الحافظ: "فيه نظر بالنسبة إلى يعقوب فقط؛ فإنه من طبقة شيوخ الترمذي وهو أقدم سنا وسماعا وأعلى رجالا من البخاري إمام الترمذي... ومات قبل الترمذي بنحو عشرين سنة فكيف يقال: إنه صنف كتابه بعد الترمذي، ظاهر الحال يأبى ذلك".
(21) النكتة السادسة (ص432):
فيها تعقب على العراقي حيث قال: "ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك (يعني الحسن الاصطلاحي) أم لا".
قال الحافظ: "أقول حكى ابن كثير في مختصره أنه رأى في بعض النسخ من رسالة أبي داود ما نصه: "وما سكت عليه فهو حسن وبعضها أصح من بعض" فهذه النسخة إن كانت معتمدة فهو نص في موضع النزاع، ولكن نسخة روايتنا والنسخ المعتمدة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا".
(22) النكتة السابعة (ص432):
حكى فيها الحافظ تعقبين للعراقي والعلائي على ابن سيد الناس، ففضل فيه تعقب العلائي على تعقب العراقي وأضاف فوائد أخرى. وذلك أن ابن سيد الناس زعم أن شرط أبي داود كشرط مسلم إلا في الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها.(14/9)
فأجابه العراقي: "بأن مسلما شرط الصحيح فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه أنه حسن، وأبو داود إنما قال: "وما سكت عنه فهو صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن".
قال الحافظ: "فأجابه العلائي بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه: "هذا الذي قاله ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى، لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت، فلا نعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول. وإنما يخرجها في المتابعات والشواهد".
قال الحافظ: "وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه:
أن الرواة ثلاثة أقسام:
أ- المتقنون.
ب- أهل الصدق والستر.
ج- المتروكون.
وهل أخرج مسلم عن القسمين الأولين أو عن الأول فقط...؟
فذكر رأي القاضي عياض ومن تبعه بأنه أخرج عنهما، ورأى الحاكم والبيهقي بأنه لم يخرج إلا عن القسم الأول.
ثم رجح ما ذهب إليه الحاكم والبيهقي وبين سبب الاشتباه على القاضي عياض ومن تبعه ووضح ذلك توضيحا شافيا.
ثم تكلم على شرط أبي داود وأنه دون شرط مسلم وأنه يخرج لأهل القسم الثاني محتجا بهم.
ثم تكلم على ما سكت عليه أبو داود فبين أن منه الصحيح ومنه الحسن لذاته والحسن لغيره ومنه الضعيف الذي لم يجمع على تركه.
ثم ذكر أن كلا من أبي داود وأحمد يقدم الضعيف على رأي الرجال ثم تكلم على شرط الإمام أحمد في مسنده ونقل عن ابن تيمية أنه اعتبر المسند فوجد أن شرطه موافق لشرط أبي داود..
ثم قال: "ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود؛ فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها، مثل ابن لهيعة وصالح مولى توأمة، وذكر آخرين من هذا النوع ثم قال: وقد يخرج لأضعف من هؤلاء وذكر الحارث بن وجيه وصدقة الدقيقي وآخرين من المتروكين...".(14/10)
ثم قال: "وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود".
(23) النكتة الثامنة (ص449):
ضمت تعقبا على العراقي حيث قال: "لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة في كتابه".
قال الحافظ: "إن كان باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها فلا يمكن دعوى ذلك في المسند وإن كان باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث ولو كانت ضعيفة ما لم يكن ضعفها شديدا فهذا يمكن دعواه".
قلت: "ولا يخفى أن مقصود العراقي هو الأول. ولعله يرد على أبي موسى المديني حيث ادعى الصحة لمسند أحمد، وأقام ما يراه من أدلة على دعواه".
(24) النكتة التاسعة (ص450):
تضمنت تعقبا على قول العراقي ((على أن ثمة أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد.
قال الحافظ: "أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة التي خلا عنها المسند لا بد أن يكون لها فيه أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقامها".
قال الحافظ: "فعلى هذا إنما يتم النقض أن لو وجد حديث محكوم بصحته، سالم من التعليل ليس هو في المسند وإلا فلا".
(25) النكتة العاشرة (ص450):
فيها اعتراض على قول العراقي: "بل فيه (يعني المسند) أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء".
أجاب الحافظ بأن الجزء المذكور قد اشتمل على تسعة أحاديث منها:
حديثان من زيادة عبد الله، والحكم على هذه التسعة بكونها موضوعة محل نظر وتأمل ثم إن كلها في الفضائل أو الترغيب والترهيب.
ومن عادة المحدثين التساهل في مثل ذلك، وفي الجملة لا يأتي الحكم على جميعها بالوضع.
ثم ذكر الحافظ هذه الأحاديث وهي:
1- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في احتكار الطعام.
2- وحديث عمر - رضي الله عنه - ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر على هذه الأمة من فرعون لقومه.
3- حديث أني - رضي الله عنه - ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة.(14/11)
4-حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في سد الأبواب إلا باب علي.
5- حديث بريدة بن الحصيب في فضل مرو.
6- حديث أنس في فضل عسقلان.
والثلاثة الباقية متداخلة مع بعض هذه الستة.
ثم بين الحافظ خلال بحثه ومناقشته بعد أن تكون هذه الأحاديث موضوعة وأنه ليس في العقل ولا في الشرع ما يحيلها.
ثم قال: "وما بقي من الجزء كله سوى حديث عائشة في قصة عبد الرحمن بن عوف، يعني حديث: "أنه يدخل الجنة حبوا".والجواب عنه ممكن، لكن كفانا المؤنة شهادة أحمد بكونه كذبا فقد أبان علته، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته.
ولعله مما أمر بالضرب عليه، لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة.
(26) النكتة الحادية عشرة (ص475):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث قال ابن الصلاح – في سياق توجيه قول الترمذي وغيره ((حسن صحيح)) -: "على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي – وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب – دون المعنى الاصطلاحي".
فحكى العراقي عن ابن دقيق العيد أنه رد هذا الكلام بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم".
قال الحافظ: "وهذا الإلزام عجيب، لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل: ((حسن صحيح)) فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا".
ثم ذكر توجيهات لبعض العلماء واعتراضات كلها تدور حول قول الترمذي حسن صحيح. منها: قول بعض المتأخرين أنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة على أحوال رواته عند المحدثين، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم يقال فيه ذلك.
وتعقبه الحافظ بثلاثة أمور:
1- أنه (أي الترمذي) لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو أتى بـ ((أو)) التي هي للتخيير أو التردد. فقال: حسن أو صحيح.(14/12)
2- وثانيهما: أن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غير. فهذا ما ينقدح في هذا الجواب.
3- ثالثها: بأنه يتوقف على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته فيقدم في الجواب أيضا، لكن لو سلم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وأني لأميل إليه وأرتضيه والجواب عما يرد عليه ممكن.
وتعقبت الحافظ بقولي: كيف يرتضيه مع أنه يتوقف على الاعتبار المذكور، فهذه المبادرة إلى ارتضاء هذا الرأي قبل الاعتبار اللازم الذي يتوقف عليه الحكم الفاصل تعتبر غريبة من الحافظ.
(27) النكتة الثانية عشرة (ص488):
فيها رد على اعتراض العراقي على تعقب ابن الصلاح للسلفي في قوله: "في شأن الكتب الخمسة... اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب".
قال ابن الصلاح: "وهذا تساهل؛ لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكر أو نحو ذلك من أوصاف الضعف".
قال العراقي: "وإنما قال السلفي: والحكم بصحة أصولها. ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون صحيحا".
قال الحافظ: قلت: "وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله كلام السلفي، وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه من الإنكار ليس بجديد، إذ العبارتان جميعا موجودتان جميعا في كلام السلفي لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا سابق، ثم عاد السلفي وقال ما نقله ابن الصلاح بزيادة ولفظه: "وأما السنن فكتاب له صدر في الآفاق. ولا نرى مثله على الإطلاق، وهو أخد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب، والمخالفون لهم كالمتخلفين بدار الحرب)) وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم يعني أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به... لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ والمرجوح عند المعارضة".
النوع الثالث: معرفة الضعيف
لم ينكت فيه الحافظ على العراقي.(14/13)
النوع الرابع: المسند
وفيه نكتة واحدة (ص55):
(28) وهذه النكتة تعتبر ردا على اعتراض أورد على ما نقله ابن الصلاح عن الخطيب أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم.
فقال العراقي: "اعترض عليه بأنه ليس في كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا في الكفاية ولا في الجامع".
ثم أجاب العراقي: "بأنه ليس في كلام ابن الصلاح التصريح بنقله عنه، وإنما حكى كلام الخطيب ثم قال: "وأكثر ما يستعمل ذلك..." إلى آخر كلامه.
فلم يقتنع الحافظ بجواب شيخه وقال: "مقتضاه أن يكون في سياق إدراج، وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك، لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطي بلفظها، وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية: وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ابن الصلاح كلامه بالمعنى، ثم استطرد الحافظ في الكلام فبين ما هو المسند والمتصل والمرفوع عند العلماء، وذكر اختلاف أقوالهم فيها ثم اختار الحافظ أن المسند هو ما أضافه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند ظاهره الاتصال.
النوع الخامس: معرفة المتصل
النوع السادس: معرفة المرفوع
النوع السابع: معرفة الموقوف
النوع الثامن: معرفة المقطوع
هذه الأنواع الأربعة لم ينكت فيها الحافظ ابن حجر على العرقي..
النوع التاسع: معرفة المرسل
وفيه ست نكت:
(29) النكتة الأولى (ص540):
كانت اعتراضا على ابن الصلاح والعراقي وتأييدا لرأي مغلطاي. حيث عد ابن الصلاح عبيد الله بن عدي بن الخيار في كبار التابعين الذين يعد قولهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرسلا، فاعترض عليه مغلطاي بأن عبيد الله قد عد في الصحابة، فرجح العراقي عدم صحبته.(14/14)
فتعقبه الحافظ ورجح إثبات صحبته بناء على أنه وجد في منقولات كثيرة أن الصحابة كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبركون بذلك، وعبيد الله منهم، لكن هل هذا النوع من الصحبة تعد روايته من مراسيل الصحابة المقبولة، رجح الحافظ أنها ليست من النوع المقبول.
وبين أن قولهم مراسيل الصحابة مقبولة إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع. وأما من لم يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(30) النكتة الثانية (ص558):
تعتبر ردا لتعقب العراقي على ابن الصلاح حيث عد الزهري في صغار التابعين الذين لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الاثنين.
فقال العراقي: "هذا ليس بصحيح بالنسبة للزهري، فتعقبه الحافظ بأن تمثيل ابن الصلاح بالزهري صحيح؛ لأنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون هو من كبار التابعين؛ لأن جميع من سموه من مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغارهم أو ممن لم يلقهم الزهري وإن روى عنهم أو ممن لم يثبت له صحبة".
(31) النكتة الثالثة (ص563):
تضمنت تقوية لانتقاد العراقي للبيهقي في جعله ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلا.
قال العراقي: "وليس هذا بجيد اللهم إلا أن يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب".
قال الحافظ: "يريد شيخنا ألا يجعل الخلاف من البيهقي لفظيا، وقد صرح البيهقي بذلك في "كتاب المعرفة في الكلام على القراءة خلف الإمام". لكنه خالف ذلك في كتاب السنن فقال في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري: "حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الوضوء بفضل المرأة" هذا حديث مرسل، أورد ذلك في معرض رده معتذرا عن الأخذ به ولم يعلله إلا بذلك، وقد بالغ صاحب الجوهر النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك وهو إنكار متجه".
(32) النكتة الرابعة (ص569):(14/15)
فيها موافقة لتعقب العراقي على ابن الصلاح حيث ذكر ابن الصلاح أنه لم يعد مراسيل الصحابة في جملة المراسيل التي يحكم عليها بالضعف. لأن الصحابة لا يروون إلا عن الصحابة، وهم كلهم عدول.
فتعقبه العراقي بقوله: "بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم (يعني الصحابة) إذ قد سمع جماعة من الصحابة عن بعض التابعين".
قال الحافظ: "وهو تعقب صحيح".
ثم أتبع الحافظ هذا الكلام بأن بعض الحنفية ألزم من يرد المرسل أنه يرد على أصله مراسيل الصحابة لاحتمال أن يكون سمعه من تابعي ضعيف. ثم رد الحافظ هذه الشبهة بأن هذا الاحتمال ضعيف لندرة أخذ الصحابة عن التابعي الضعيف.
(33) النكتة الخامسة (ص570):
كانت تعقبا على العراقي حيث قال: "فإن المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا في الاحتجاج بها".
قال الحافظ: "في إطلاق هذا النفي عن المحدثين نظر؛ فإن أبا الحسن ابن القطان صاحب بيان الوهم والإيهام منهم، وقد رد أحاديث من مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - ليست لها علة إلا ذلك، ثم ضرب الحافظ لذلك مثالا".
(34) النكتة السادسة (ص571):
تضمنت مدافعة عن قول العراقي: "وفي بعض شروح المنار في الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج (يعني بمراسيل الصحابة)، ونقل الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبي إسحاق".
قال الحافظ: "وقد صرح غيره بأن الاتفاق كان حاصلا قبل الأستاذ فجعل الإسناد محجوجا بذلك، وفي ذلك نظر، فإن جماعة من أهل الأصول يوافقون الأستاذ في رأيه، وفيهم من هو قبله، فلم ينفرد بذلك في الجملة".
النوع العاشر: المنقطع
لم ينكت فيه الحافظ على العراقي.
النوع الحادي عشر: المعضل
وفيه ثلاث نكت:
(35) النكتة الأولى (ص572):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث أجاب عن إشكال أورد على نقل ابن الصلاح عن أبي نصر السجزي: "أن نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للمملوك طعامه وكسوته..." الحديث يسميه المحدثون معضلا".(14/16)
قال العراقي: "وقد استشكل أن يكون هذا الحديث معضلا لجواز أن يكون الساقط بين مالك وأبي هريرة واحدا..."
والجواب: أن مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ، فرواه عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة فقد عرفنا سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا".
فتعقب ابن حجر شيخه العراقي بقوله: "أقول: بل السياق يشعر بعدم السقوط؛ لأن معنى قوله بلغني يقتضي ثبوت مبلغ، فعلى هذا فهو متصل في إسناده مبهم لا أنه منقطع".
وقول الشيخ في الجواب أنا عرفنا منه سقوط اثنين فيه نظر على اختياره، لأنه يرى أن الإسناد الذي فيه مبهم لا يسمى منقطعا، فعلى هذا لم يسقط من الإسناد بعد التبين سوى واحد".
(36) النكتة الثانية (ص601):
تضمنت تأكيدا لمدافعة العراقي عن البخاري حيث اتهم بالتدليس.
فقال العراقي: "حول ما يقول البخاري في صحيحه ((وقال فلان)) وهل يكون تدليسا أو لا؟ وساق مثالين من هذا النوع قد صرح البخاري فيهما بالسماع في موضعين آخرين: "وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقدير تدليسا".(14/17)
قال الحافظ: "لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا ومن هذا الذي صرح بأن استعمال قال إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه مستعملا لها فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا، لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة. ثم أضاف الحافظ أن هناك فرقا بين عن وقال، ونقل عن الخطيب أن كثيرا من المحدثين لا يسوون بين قال وعن في الحكم، فمن أين يلزم أن يكون قال وعن حكمهما عند البخاري سواء. وفيما قاله الحافظ نظر من أن قال إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه مستعملا لها فيما لم يسمعه منه لا يكون تدليسا. فهذا شيخه العراقي يقول في ألفيته تدليس الإسناد بأن يسقط من حدثه ويرتقي بعن وأن. وقال يوهم اتصالا... فقد سوى بين عن وأن وقال؛ لأنها كلها من الصيغ المحتملة للسماع وعدمه وليست صريحة فيه... أقول هذا مع اعتقادي بأن البخاري يتصرف تصرفا يخرجه عن وصمة التدليس حيث إذا جاء بقال أو عن في موضع من كتابه في إسناد ما فإنه يصرح بسماعه في موضع آخر تبعا لمقاصد كتابه كما أشار إليه الحافظ والعراقي، لكن غيره إذا عبر بقال عما لم يسمعه من شيخه ولم يلتزم مثل منهج البخاري فإنه حتما يكون مدلسا".
(37) النكتة الثالثة (ص609):
فيها تعقب على العراقي حيث حكى عن الأصوليين فيما يتعلق بتعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف أن الاعتبار يكون بالكثرة، فإذا كانت الكثرة في جانب الرفع أو الوصل رجح جانبهما، وإذا كانت في جانب الإرسال والوقف رجح جانبهما.
فتعقب الحافظ هذا التعميم وقال: "هذا قول بعض الأصوليين كالرازي وأن البيضاوي مال إلى القبول مطلقا".
ثم نقل عن الماوردي وابن الجوزي وأبي الحسن ابن القطان مذهب الشافعي في مسألة الرفع والوقف أن الوقف يحمل على أنه رأي الراوي والمسند على أنه روايته. وزاد ابن القطان أن الرفع يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قصر في حفظه أو شك في رفعه.(14/18)
ورد عليه الحافظ بأن هذا يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسلك الجادة وضرب لذلك مثلا بين فيه رجحان الوقف على الرفع.
النوع الثاني عشر: المدلس
وفيه أربع نكت على العراقي:
(28) النكتة الأولى (ص614):
تضمنت ردا على شيخه العراقي حيث استدرك على ابن الصلاح بأنه ترك من أقسام التدليس قسما ثالثا وهو تدليس التسوية وهو شر الأقسام... الخ.
قال الحافظ: "فيه مشاحة، وذلك أن ابن الصلاح قسم التدلي إلى تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ، والتسوية على تقدير تسميتها تدليسا من قبيل القسم الأول، فعلى هذا لم يترك قسما ثالثا. وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه".
قال الحافظ: "ومشى العلائي على ذلك فقال تدليس السماع نوعان، فذكره، ثم نبه الحافظ إلى أنهم فاتهم جميعا من تدليس الإسناد تدليس العطف وتدليس القطع، ثم استطرد في بحث التسوية وما يسمى منها تدليسا، وضرب لذلك أمثلة".
وذكر الحاكم أنه قسم التدليس إلى ستة أقسام وتبعه أبو نعيم في ذلك.
ثم ذكر الحافظ أن حاصل هذه الأقسام يرجع إلى القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح.
(39) النكتة الثانية (ص622):
فيها تعقب على ابن الصلاح والعراقي في تعريف التدليس حيث قال ابن الصلاح: "أن يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه سواء لقيه أو لم يلقه" فأيده العراقي وقال: أنه المشهور بين أهل الحديث...
فتعقبهما الحافظ: "بأن الذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقى، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس. ونقل الخطيب ما يؤيد هذا الرأي".
(40) النكتة الثالثة (ص626):
فيها تعقب على العراقي حيث نقل عن ابن الصباغ حكم تدليس الشيوخ ومنه:
"وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف".(14/19)
قال الحافظ: "وفيه نظر، لا يصير بذلك مجهولا إلا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم، فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا، فمن أحاط بذلك علما لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا، وتلك أنزل مراتب المحدث".
ثم أردف ذلك بذكر مصلحة التدليس ومفسدته وامتحان المحدثين طلبتهم به؛ ليتبين حفظهم وفهمهم أو عدم ذلك.
(41) 4- النكتة الرابعة (ص632):
كانت شرحا وتوضيحا لما نقله العراقي عن الخطيب من ثبوت الخلاف في رواية المدلس الثقة إذا صرح بالسماع.
قال الحافظ: "حكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح، وأن من ثبت أنه كان يدلس لا يقبل حديثه مطلقا".
قال: "وهو الظاهر من أصول مالك".
ونقل نحو ذلك عن يحيى بن معين.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
وفيه على العراقي نكتتان:
(42) النكتة الأولى (ص654):
تضمنت اعتراضا على العراقي إذ قال: "ولكن الخليلي يجعل تفرد الثقة شاذا صحيحا".
فتعقبه الحافظ بقوله: "فيه نظر فإن الخليلي لم يحكم له بالصحة بل صرح بأنه يتوقف فيه ولا يحتج به".
(43) النكتة الثانية (ص671):
اشتملت على تعقب على العراقي حيث ذكر عن حديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وهبته، أنه رواه غير يحيى بن سليم (يعني عن عبيد الله بن عمر).
فتعقبه الحافظ بقوله: "ليس هذا متابعا ليحيى بن سليم عن عبيد الله، وقد وجدت له متابعا، فذكر سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن عبيد الله، وقبيصة عن سفيان الثوري عن عبيد الله، ثم بين أن قبيصة قد وهم، لأن الشيخين قد خرجاه من حديث الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر".
النوع الرابع عشر: المنكر
وفيه نكتتان:
(44) النكتة الأولى (ص676):
تضمنت تعقبا على العراقي حيث ذكر أن جماعة من أصحاب الزهري خالفوا مالكا في قوله في إسناد حديث أسامة بن زيد: "لا يرث المسلم الكافر..." عمر بن عثمان بدل عمرو بن عثمان.(14/20)
فتعقبه الحافظ بقوله: "في رواية هشيم مخالفة في المتن أشد من مخالفة مالك في اسم أحد رواة الإسناد، فكان التمثيل به أولى (يعني للمنكر)". ثم بين الحافظ مخالفة هشيم في المتن وأشار إلى سبب الخطأ.
(45) النكتة الثانية (ص676):
فيها تعقبا على العراقي في تمثيله للمنكر بحديث أنس في وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الخاتم عند دخول الخلاء من طريق ابن جريج عن الزهري عن أنس، ونقل عن أبي داود حكمه عليه بالنكارة، ثم بين علة ذلك. فأورد الحافظ احتمالا يبعد هذا الحديث أن يكون منكرا.
وأورد مثالا رأى أنه هو الصالح للتمثيل به.
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
وهذه الثلاثة الأنواع لم ينكت فيها الحافظ على العراقي.
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل
وفيه عشرة نكت:
(46) النكتة الأولى (ص715):
كانت تعقبا على العراقي حيث ذكر حديث ((كفارة المجلس)) وسؤال مسلم للبخاري عن هذا الحديث من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، فأجاب البخاري هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول.
قال العراقي: "هكذا أعل الحاكم في علومه هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها، وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم، فقد تكلم فيه، وهذا الحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم".
فتعقبه الحافظ بقوله: "قلت: الحكاية صحيحة قد رواها الحاكم على الصحة من غير نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب، لأن المنكر إنما هو قوله: إن البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول، والواقع أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري".
والحق أن البخاري لم يعبر بهذه العبارة.(14/21)
قال الحافظ: "وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية هذه من الطرق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشييخ".
ثم أسوقها من الطرق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا نكارة، ثم أبين حال الحديث ومن أعله أو صححه لتتم الفائدة. ثم وفى الحافظ بما وعد وأطال النفس في ذلك.
هذا وقد ذكر العراقي أن الحديث ورد من حديث جماعة من الصحابة، فذكر منهم ثمانية وهم:
1- أبو برزة.
2- رافع بن خديج.
3- الزبير بن العوام.
4- عبد الله بن مسعود.
5- عبد الله بن عمرو.
6- السائب بن يزيد.
7- أنس بن مالك.
8- عائشة.
وأنه بيّن أحاديثهم في تخريج الإحياء.
فقال الحافظ: "إنما بينها في التخريج الكبير فقد لا يصل إلى الفائدة منه كل أحد، فرأيت عزوها إلى من خرجها على طريق الاختصار بزيادة كبيرة جدا في العزو إلى المخرجين".
ثم ذكر الحافظ ما وعد به، وتوسع في تخريجها وعزوها إلى مصادر كثيرة، وبين اختلاف الطرق عندما يوجد اختلاف على بعض الرواة.
ثم زاد على أحاديث الصحابة السابق ذكرهم حديث:
1- أبي بن كعب.
2- حديث معاوية.
3- حديث ابن عمر.
4- حديث أبي أمامة.
5- حديث أبي سعيد الخدري.
6- حديث علي.
7- حديث رجل من الصحابة.
8- حديث أبي أيوب.
ثم عزا الحافظ هذه الأحاديث كلها إلى مصادرها وبين عللها وخرج بعض الآثار في الموضوع. ثم ترجم لأحمد بن حمدون القصار، وذكر من جرحه ومن عدله، ونفى عنه التهم وقرر أنه لا يدفع عن الصدق ولا ينبغي اتهامه، ورحج أن الخطأ في احكاية من الحاكم وهو قوله:
"لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث".
وأن الثابت إنما هو "لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث" وهو كلام مستقيم.
(47) النكتة الثانية (ص749):(14/22)
فيها تكميل واستدراك على العراقي وذلك أن الحافظ: مثل لما وقعت العلة فيه في المتن دون الإسناد بحديث أنس: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها"، ثم قال: وقد تكلم شيخنا على هذا الموضع بما لا مزيد عليه في الحسن، إلا أن فيه مواضع تحتاج إلى تنبيه عليها فمنها قوله: "إن ترك قراءة البسملة في حديث أنس ورد من ثلاث طرق وهي:
أ- رواية حميد.
ب- رواية قتادة.
ج- رواية إسحاق بن أبي طلحة.
قال الحافظ: "قد يتوهم منه أن باقي الروايات عن أنس ليس فيها تعرض لتركها، وليس كذلك بل قد جاء ترك الجهر بها أيضا
أ- من رواية ثابت.
ب- والحسن ابن أبي الحسن
ج- ومنصور بن زاذان.
د- وأني نعامة قيس بن عباية.
ه- وأبي قلابة.
و- وثمامة بن عبد الله بن أنس.
ثم ذكر الحافظ طرقها والكتب التي أخرجتها.
ثم قال: "فهذه الروايات متضافرة على عدم الجهر".
(48) 3- النكتة الثالثة (ص752):
اشتملت على تعقب على العراقي وابن عبد البر، حيث نقل العراقي ادعاء ابن عبد البر الاضطراب في حديث أنس في نفي الجهر بالبسملة، وأقرن على هذا الادعاء.
قال الحافظ: "وليس بجيد؛ لأن الاضطراب شرطه تساوي وجوهه ولم يتهيأ الجمع بين مختلفها أما مع إمكان الجمع بين ما اختلف من الروايات ولو تساوت وجوهها، فلا يستلزم اضطرابا، وهذا في الحديث موجود وأشار إلى كيفية الجمع بينها؟"
(49) النكتة الرابعة (ص533):
فيها اعتراض على العراقي حيث ذكر أن رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي التي أخرج بها مسلم حديث أنس في نفي الجهر بالبسملة معلولة بتدليس الوليد تدليس التسوية.
قال الحافظ: "لا يتجه تعليله بتدليس الوليد؛ لأنه صرح بسماعه وصرح بأن الأوزاعي ما سمعه من قتادة وإنما كتب به إليه، وقتادة سمعه من أنس".
ثم ساق الإسناد الذي صرح فيه قتادة بسماعه من أنس وبين أنه كان الأولى بالعراقي أن يعلل هذا الإسناد بجهالة كاتب قتادة.
(50) النكتة الخامسة (ص756):(14/23)
تضمنت تعقبا على العراقي حيث رجح رواية ابن عبد البر لحديث أنس: "كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" من طريق محمد بن كثير على رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي التي فيها نفي البسملة.
قال الحافظ: "أقول: الوليد بن مسلم أحفظ من محمد بن كثير بكثير، ومع ذلك فقد صرح الوليد بسماعه فيما أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق دحيم وهشام بن عمار عنه، وكذا أخرجه الدارقطني من طريق هشام ثنا الوليد ثنا الأوزاعي...
ثم الحافظ تنبيها تعقب فيه العراقي حيث عزا رواية محمد بن كثير إلى ابن عبد البر في حين أنه رواها أبو عوانة في صحيحه، والطحاوي في شرح معاني الآثار والجوزقي في المتفق.
قال الحافظ: "فعزوها إلى أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمنه".
(51) النكتة السادسة (ص758):
كانت تعقبا على العراقي حيث ذكر أن حميدا صرح بذكر قتادة في روايته لحديث نفي الجهر بالبسملة فيما رواه ابن أبي عدي.
قال الحافظ: "هذا يوهم أن حميدا لم يسمعه من أنس أصلا، وإنما دلسه عنه كذلك، فإن حميدا كان قد سمعه من أنس، لكن موقوفا وهذا في رواية مالك كما في الموطآت، ورواه عنه حفاظ أصحابه موقوفا".
(52) النكتة السابعة (ص760):
فيها تعقب على العراقي وأبي شامة وذلك أن كلا من قتادة وأبي سلمة سألا أنسا عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابهما بجوابين مختلفين، فنقل العراقي عن أبي شامة أنهما سؤالان.
فسؤال فتادة عن الاستفتاح بأي سورة، وفي صحيح مسلم أن قتادة قال: نحن سألناه عنه، وسؤال أبي سلمة عن البسملة وتركها.
قال الحافظ: "وفيه نظر؛ لأنه يوهم أن اللفظ المذكور في صحيح مسلم – يعني الاستفتاح – وليس كذلك بل الذي فيه ((فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم".
فهذا لفظ صريح في أن السؤال كان عن عدم سماع القراءة لا عن الاستفتاح بأي سورة.(14/24)
ثم نقل سؤال قتادة من عدد من المصادر ثم عقبه بقوله فوضح بذلك أن سؤال قتادة ليس مخالفا لسؤال أبي سلمة..
ثم جمع بين بين الإجابتين عن هذا السؤال بأن سؤال أبي سلمة كان متقدما وفي حال نسيان أنس، وسؤال قتادة كان متأخرا، وفي حال كان فيها متذكرا فأجابه بأنه لم يسمع قراءة بسم الله الرحمن الرحيم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا منأحد من الخلفاء في حال الصلاة.
(53) النكتة الثامنة (762):
تضمنت اعتراضا على دعوى العراقي أن جواب أنس حين سئل عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم أن ذلك يشمل حال الصلاة وخارجها...
قال الحافظ: "فيه نظر؛ لأن الأعم لا دلالة له على الأخص والمراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حيث يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم فأين له من هذه الأحاديث أنه كان يجهر بها في الصلاة".
(54) 9- النكتة التاسعة (ص764):
فيها تعقب على العراقي حيث ساق حديث قتادة عن أنس "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" ثم حكى عن الشافعي أنه أوله بمعنى يبدأون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها، ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم. قال العراقي: "ما أوله به الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني..."
فتعقبه الحافظ بقوله: "لم يبين الشيخ رواية الدارقطني كيف هي؟"وظاهر السياق يشعر بأنها من رواية قتادة عن أنس - رضي الله عنه - وليس كذلك، فإنها عنده من رواية الوليد عن الأوزاعي عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه -، وقد رواها راويها بالمعنى بلا شك، فإن رواية الوليد بلفظ يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، فرواها بعض الرواة بلفظ بدأ بأم القرآن بدل الحمد لله رب العالمين فلا تنتهض الحجة بذلك.
(55) النكتة العاشرة (ص765):(14/25)
تضمنت تعقبا على العراقي حيث قال بعد سياقه لحديث قتادة عن أنس: "فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" قال: "ولا يلزم من نفي السماع نفي الوقوع".
قال الحافظ: "وللمخالف أن يقول: لكن التوفيق بين الروايتين أن يحمل نفيه للقراءة على عدم سماعه لها، فتلتئم الروايتين في عدم الجهر".
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب
النوع العشرون: معرفة المدرج
هذان النوعان لم ينكت فيهما الحافظ على العراقي.
النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع
وفيه نكتتان على العراقي:
(56) النكتة الأولى (ص840):
تضمنت تعقبا على قول العراقي: "وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار واضعه لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع فقال – في الاقتراح -: "هذا كاف برده ليس بقاطع...الخ".
قال الحافظ متعقبا لشيخه ومبينا لمقصود ابن دقيق العيد من كلامه هذا: "كلام ابن دقيق العيد ظاهر في أنه لم يستشكل الحكم لأن الأحكام لا يشترط فيها القطعيات، ولم يقل أحد إنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار، وإنما نفى ابن دقيق العيد القطع بكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه... وثبوت فسقه لا يمنع العمل بموجب إقراره كالقاتل مثلا إذا اعترف بالقتل عمدا من دون تأويل، فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك فنقتله عملا بموجب إقراره مع احتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الإقرار بعينه".
(57) 2- النكتة الثانية (ص860):
ضمنت ردا على اعتراض أورده على قول العراقي في شأن حديث ثابت بن موسى: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".
قال ابن عدي: "لا يعرف إلا بثابت بن موسى، وسرقه جماعة منه من الضعفاء عبد الحميد بن بجر وعبد الله بن شبرمة الشريكي".
فادعى المعترض على العراقي بأن عبد الله بن شبرمة الكوفي الفقيه رواه عن شريك أيضا فيما رواه أبو نعيم في تاريخه، وعبد اله بن شبرمة هو الفقيه الكوفي أحد الأعلام احتج به مسلم".(14/26)
قال الحافظ: "وأخطأ هذا المتأخر خطأ فاحشا لا مستند له ولا عذر؛ لأن عبد الله بن شبرمة المذكور هو الشريكي وهو كوفي أيضا وأما الفقيه فإنه قديم على هذه الطبقة، ثم ساق كلاما يدعم به ما يقول.
وهنا انتهت تعقبات الحافظ على شيخه العراقي...
وهناك انتقادات للحافظ على علماء آخرين يوردها خلال بحوثه واستطراداته في هذا الكتاب.
الفصل الثالث: في مناهج الحفاظ الثلاثة ابن حجر وابن الصلاح والعراقي
أ- منهج الحافظ ابن حجر:
1- لقد سلك الحافظ ابن حجر في نكته على كل من الإمام ابن الصلاح والحافظ العراقي وغيرهما مسلك الناقد البصير الشجاع الصريح في آرائه وتعقباته مع الأدب والإجلال والتقدير، غير أن الحق أكبر في نظره من الأشخاص، فهو يقول ما يعتقده أنه الحق حينما ينتقد ويقيم الأدلة على صواب رأيه، وحينما يدافع يقول ما يرى أنه الحق مع إقامة حججه على ما يرى.
2- ويمتاز الحافظ على كثير من الباحثين والناقدين بتقصي الأقوال في المسائل المختلف فيها والتوسع في ذلك وإطالة النفس فيه وعرض الأدلة لكل جانب بأسلوب علمي رصين يروي ظمأ المتعطش للاطلاع.
فمثلا إذا ذكر ابن الصلاح أو العراقي أو غيرهما رأيا أو مثالا لأي نوع من أنواع الحديث كالمرسل أو الشاذ أو المعل أو المعضل أو المضطرب أو غيرها من أنواع علوم الحديث، وكان هناك مجال للأخذ والرد والتصحيح والتعليل فإن الحافظ يورد كل الطرق لذلك الحديث الممثل به ويناقش أسانيده ناقلا أقوال العلماء ومبديا رأيه في كل طريق وينفذ في الأخير إما إلى الجمع بين تلك الطرق التي استعصى فيها الجمع على غيره، وإما إلى الترجيح وأحيانا يصل إلى دفع الاضطراب أو نفي الشذوذ والنكارة أو الضعف إذا حكم غيره على حديث من الأحاديث بشيء من ذلك. ويسوق ما يرى أنه يصلح للتمثيل.(14/27)
3- ويمتاز بالإنصاف في ملاحظاته وتعقباته سواء كان ناقدا أو مدافعا، فهناك علماء تعقبوا ابن الصلاح، وآخرون دافعوا عنه، فينقل الحافظ أقوال المدافعين أو المتعقبين ويناقشها ثم لا يتردد في إعلان رأيه بالصواب سواء في هذا الجانب أو ذاك.
4- يمتاز الحافظ بالاستقراء التام والتتبع الوافر للمسائل والقضايا التي يريد أن يعطي فيها أحكاما، فيصل فيها بتوفيق الله إلى نتائج حاسمة، ربما خاض غيره في تلك القضايا ولم يحالفه التوفيق، فمن تلكم القضايا الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري وشرط مسلم في صحيحه، وهل استوفى روايات الطبقات الثلاث التي ذكرها في مقدمته. وشرط أبي داود في سننه، وما يسكت عنه في سننه، هل يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد، وأقسام هذا النوع الذي يسكت عنه. وما يحسنه الترمذي فقط أو يقول فيه حسن صحيح، وشرط النسائي، وهل هو متشدد أو متساهل؟ ومتى يترك وكيف يترك الرواية عن الرجل؟ وشرط ابن ماجة ومكانته، وشرط الحاكم في المستدرك، وهل فيه أحاديث على شرط الشيخين؟ وتقييم أحاديثه وتقسيمها والمستخرجات وأحكامها وفوائدها، والمسانيد ودرجاتها، كل هذه الأمور خاض فيها العلماء وأبدوا فيها آراءهم، فمنهم من يبعد النجعة، ومنهم منن يقارب الحقيقة ويحوم حولها ولا يبديها واضحة، فيأتي الحافظ ويكشف عن الحقيقة كشفا كاملا، ويعطي كل موضوع حقه من التوضيح والتفصيل القائمين على الدراسة المستوعبة والاستقراء الكامل، مما يجعل القارئ يرى الصواب أمام عينيه ويلمس الحقيقة بيديه.(14/28)
5- ومن منهجه الرجوع إلى المصادر الأصلية والأخذ منها مباشرة والعزو إليها غالبا والتنصيص على الأبواب أحيانا، في تلك الكتب التي ينقل عنها، ولا ينقل النص من كتاب تأخر زمانه إذا كان في كتاب متقدم. ويحاسب غيره إذا خرج عن هذا السنن، حاسب على ذلك الحافظ ابن الصلاح حينما نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل على قبول الإسناد المعنعن فقال الحافظ ناقدا له: "إنما أخذه الداني من كلام الحاكم، ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى، لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه، وابن الصلاح كثير النقل من كتابه"، فكيف نزل عنه إلى النقل عن الداني. وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر. وحاسب على ذلك شيخه العراقي حيث عزا إحدى الروايات المتعلقة بالبسملة إلى ابن عبد البر فتعقبه الحافظ قائلا:
"رواها أبو عوانة في صحيحه وأبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار، وأبو بكر الجوزقي في المتفق، فعزوها إلى رواية أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمانه".
والحق يقال: "إن هذا المنهج وهو منهج عزو الأقوال إلى قائليها والنصوص إلى مصادرها خصوصا الأصلية منها وتقديم أهل الاختصاص على غيرهم هو منهج علماء الأمة الإسلامية، وهم أساتذة الدنيا في هذا الميدان، خصوصا علماء الحديث وعليهم تتلمذ وتتطفل أهل الغرب والشرق من الكتاب والمؤلفين من غير المسلمين، فإذا اعتقد أحد أن هذا ما أسدته إلينا الحضارة الغربية، وأن المستشرقين المبشرين هم الذين علمونا هذا الأسلوب في دقة النقل فإنما أتي من جهله بالتراث الإسلامي وتأريخ أسلافه العظماء. ولو وجدت المطابع في عهدهم لكانوا أسبق الناس إلى الإشارة إلى الأجزاء والصفحات من الكتب التي ينقلون منها النصوص".(14/29)
والحاصل أن الحافظ لم ينتقد هذين الشيخين في هذا التصرف إلا لأنهما خرجا عن المألوف وعن منهج معروف أخذه اللاحق من علماء المسلمين عن السابق، وهذه مؤلفاتهم أكبر شاهد على ذلك وإن كانوا يتفاوتون في دقة الالتزام في ذلك، والحافظ من أكثرهم التزاما به، وقد يكون في علماء المسلمين من يفوق الحافظ في ذلك كأبي الحجاج المزي في أطرافه.
6- يمتاز الحافظ بضبطه للتعاريف وتحريرها تحريرا دقيقا بحيث يطمئن إلى سلامتها من الإيرادات والانتقادات التي اعتاد العلماء توجيهها إلى التعاريف والحدود.
7- الدقة في التعبير عن المعاني؛ فإذا كان في عبارة غير غموض أو قصور قال الحافظ: إذا كان يريد كذا فحق التعبير أن يكون كذا وكذا.
8- ومن عادة الحافظ الاستفادة من مصنفاته، فينقل من مصنف إلى مصنف عند المناسبة ما يرى أن المقام يتطلبه وما يرى أنه يفيد القارئ، فنقل في كتابه هذا كثيرا من مؤلفاته كفتح الباري وتغليق التعليق وتهذيب التهذيب. وإذا كان البحث طويلا لخصه، وإذا كان الكتاب صغيرا ذكر خلاصته ككتاب ترتيب المدرج. كما نقل من كتابه هذا وأحال عليه في فتح الباري في عدد من المواضع، وذكره وأحال عليه في كتابه نزهة النظر.
وأخيرا فابن حجر باحث عظيم وجولاته الواسعة في هذا الكتاب وفي مؤلفاته الكثيرة الخصبة تشهد له وتدل على سعة أفقه وسعة اطلاعه وعبقريته.
ب- منهج ابن الصلاح:
أترك المجال هنا للأستاذ نور الدين العتر ليتحدث عن منهج ابن الصلاح حيث يقول: "وامتاز في منهجه - يعني ابن الصلاح - على ما سبقه من التصانيف بمزايا جعلته عمدة هذا الفن نذكر منها:
1- الاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من النصوص والروايات المنقولة عن أئمة الحديث في مسائل علوم الحديث، والاكتفاء بذكر حاصلها، ولم يذكر من تلك الأخبار غلا القدر المناسب للمقام.
2- ضبط التعاريف التي سبق بها، ووضع تعاريف لم يصرح بها من قبله.(14/30)
3- تهذيب عبارات السابقين والتنبيه على مواضع الاعتراض فيها.
4- التعقب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاده، ويصدر ذلك عادة بـ (قلت) ويشعر القارئ الكتاب أن مصنفه قد رصد مسائل العلم بدقة تحقيقا جعل شخصيته تطغى على كل ما سبق؛ إذ لا يكاد يمر بصفحة إلا ويجد للمؤلف كلاما واجتهادا يبدؤه بعبارة قلت.
ويلاحظ أن التواضع والاحتياط غلب عليه رحمه الله، فختم كل فقرة من كتابه بقوله - والله أعلم –"(1).
ج- أما العراقي فنتركه ليحدثنا عن عمله في نكته على ابن الصلاح:
قال رحمه الله: "وبعد فإن أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعا، إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه، وأماكن أخر تحتاج على تقييد وتنبيه، فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه، وتفتح مغلقه، وقد أورد عليه غير واحد من المتأخرين إيرادات ليست بصحيحة، فأردت أن أذكرها وأبين تصويب كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم، وينفق من مزجى البضاعات ما لا يصلح للسوم" فعمله يتمثل في امرين:
1- في شرحه لكثير من كلام ابن الصلاح.
2- في الدفاع عنه وترجيح كلامه، وهذا هو غالب عمله.
وغلى جانب هذا له انتقادات وتعقبات على ابن الصلاح وإضافات تكميلية لبعض البحوث التي رأى العراقي أن المقام يقتضيها.
رحم الله الجميع وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرا.
الفصل الرابع: في تعقيباتي على الحافظ
__________
(1) ص29- 30 من المدخل إلى علوم الحديث للعتر.(14/31)
هناك مناقشات وتعقبات يسيرة على الحافظ ابن حجر لاحظتها خلال عملي ودراستي لكتابه النكت، رأيت أن أقدم بعضها للقارئ، وإن كنت وأمثالي في بادئ الرأي في مستوى لا يؤهل لتعقب أمثاله، ولكن الإسلام الذي يقدس الحق ويعلي شأنه ويرفعه فوق كل الاعتبارات، وتاريخنا الإسلامي حافل بمناقشات الصغار للكبار ولفت أنظارهم إلى الصواب وإذعان الكبار للحق ورجوعهم عما كانوا عليه، ومنهج أهل الحديث في نقد اللاحق للسابق، بل لماذا أذهب بعيدا ولدينا الحافظ ابن حجر وكتبه حافلة بالنقد ومنها كتابه هذا.
كل ذلك شجعني أن أقدم للقراء الكرام بعض هذه الملاحظات في حدود إدراكي، ولا أدعي أني على الصواب فيها بل أرجو ممن يقف عليها ويتبين له فيها أو بعضها خطأ أن يبين لي وجه الصواب، فمن تلكم التعقبات:
أنه في كثير من المواضع التي ينكت فيها على ابن الصلاح والعراقي يأتي إلى كلام مترابط فيأخذ قطعة منه ويقول: قوله كذا ويكون فهم المراد منها متوقفا على ما قبلها أو على ما بعدها وهذا التصرف من الحافظ لا يصلح إلا إذا كان كتابه هذا هامش على الكتابين لكي يرجع القارئ عند الحاجة والاستشكال إلى الأصل عن كثب.
لكن الحافظ - رحمه الله - قد فصل كتابه عن أصليه وجعله كتابا مستقلا ومن هنا نشأت الإشكالات.
لذا اضطررت إلى أن أسوق ما يتوقف عليه فهم الكلام من كلام ابن الصلاح والعراقي، سواء كان ذلك الكلام سابقا أو لاحقا حتى يفهم القارئ كل مواضع النقد، ومواضع الأخذ والرد.
وكان عمل العراقي أفضل وأسلم من هذه الناحية، وكتابه يصلح أن يكون مستقلا عن أصله (كتاب ابن الصلاح) وذلك أنه يسوق النص الذي يريده كاملا ثم يبدي ما يراه من تعقب أو دفاع.
هذا ما رأيته فيما يتعلق بوضع الكتاب وتأليفه بصفة عامة وهناك تعقبات تتعلق بمسائل الكتاب، فمنها:(14/32)
1-قال الحافظ - رحمه الله - في خلال كلامه على مفردات مقدمة كتاب ابن الصلاح متعقبا عليه: "ولم أر في جمع رذل رذالة، وإنما ذكروا أرذال ورذول ورذلاء وأرذلون ورذال".
ولكني وجدت في لسان العرب 1/ 1158 وفي القاموس المحيط 3/ 384 "وهم رذالة الناس ورذالتهم" فابن الصلاح إذن كان على الصواب.
2- قال الحافظ قوله ص: "وسفلتهم - بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام - وزن فرحة جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء - وفيه نظر فإن في القاموس 3/396 وفي لسان العرب 2/159 وسفلة الناس وكفرحة أسلافهم وغوغائهم". فأنت ترى أنهما اعتبرا اللفظين بمعنى واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا، واعتبرهما في أساس البلاغة ص299 جمعا لسفيل كعلية جمع لعلي.
3- قال الحافظ في التنبيه الأول التابع للنكتة السابعة عشرة: مراده (يعني ابن الصلاح) بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي، لا مطلق تفرد الثقة كما فسره الخليلي.
وفيه أمران:
الأول: أن ابن الصلاح ذكر أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.
الثاني: أن الخليلي لم يفسر الشاذ بمطلق تفرد الثقة وإنما هذا تفسير الحاكم للشاذ. أما الخليلي فقال: "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة. فما كان غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" ولعل الحافظ أراد مطلق التفرد.
4- ذكر الحافظ مثالا للتعليق الممرض الذي يصح إسناده ولا يبلغ شرط البخاري لكونه لم يخرج لبعض رجاله.
والمثال هو: قال البخاري: ويذكر عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع.(14/33)
(قال الحافظ هو حديث صحيح رواه مسلم وذكر إسناده).
ثم قال الحافظ: "ولم يخرج البخاري بهذا الإسناد شيئا سوى ما لم يبلغ شرطه لكونه معللا".
ثم إن ما أشار إليه الحافظ هنا من كونه معللا قد بينه في الفتح 2/256 بقوله: "واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجة. وقال أبو عاصم النبيل عنه - يعني ابن جريج - عن محمد بن عباد عن أبي سلمة ابن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة. وكان البخاري علقه بصيغة "ويذكر لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم به الحجة".
أقول: "الظاهر أن البخاري ما علق هذا الحديث إلا لأنه ليس على شرطه لكونه لم يخرج لبعض رجاله كأبي سلمة ابن سفيان، لا من أجل الاختلاف على ابن جريج؛ لأن الاختلاف ليس محصورا بين ابن عيينة وأبي عاصم كما صوره الحافظ إذ قد وافق أبا عاصم ثلاثة من الأئمة الحفاظ" وهم:
1- خالد بن الحارث ثقة ثبت روايته في س.
2- وحجاج بن محمد المصيصي ثقة ثبت وروايته في حم.
3- وعبد الرزاق في مصنفه.
فهؤلاء الربعة من الأئمة الحفاظ خلفوا ابن عيينة وإن كان إماما حافظا لكن مخالفته لكثرة من الحفاظ تجعل روايته شاذة كما هو معلوم من علوم الحديث من أن الشاذ هو أن يخلف الثقة من هو أوثق منه أو أكثر، وإذا - والله أعلم - إنه ليس سبب تعليق البخاري لهذا الحديث هو الاختلاف على ابن جريج، وإنما هو قصور بعض رجال الإسناد عن شرطه، إذ لو كان الإسناد كله على شرطه لما صده هذا الاختلاف إخراجه من الجانب الراجح عن أبي عاصم أو حجاج أو غيرهما؛ لأنه قد خرج أحاديث في صحيحه مع وجود الاختلاف في أسانيدها، وقد يكون الاختلاف فيها شديدا كحديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة..." الحديث في خ رقم 156 مع الاختلاف الشديد فيه أخرجه من الطريق الراجحة في نظره وله نظائر.(14/34)
5- قال الحافظ: "سمى الدمياطي ما علقه البخاري عن شيوخه حوالة، فقال في كلامه على حديث أبي أيوب في الذكر:
أخرجه البخاري حوالة فقال: قال موسى بن إسماعيل:
ثنا وهيب عن داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب وفيما قاله الحافظ نظر، لأن الدمياطي إنما سماه حوالة لأن البخاري ذكره أولا من حديث أبي هريرة، ثم عقبه بأسانيد مرجعها أبو أيوب، ولم يذكر متن تلك الأسانيد إلى أبي أيوب ركونا إلى ما سبق ذكره عن أبي هريرة، فهو حوالة حقيقية وعلى هذا الأساس سماه الدمياطي حوالة، لا لأنه جاء معلقا.
6- ذكر العراقي: أن الأحاديث المعلقة في (صحيح مسلم) تبلغ أربعة عشر.
فتعقبه الحافظ بأنها لا تبلغ إلا ثلاثة عشر، بل الواقع أنها اثنتا عشر، وأن الذي أوقع العراقي في الوهم في عدد هذه الأحاديث متابعته للجياني والمازري، وذلك أن الجياني ذكر أنها أربعة عشر، ولكن لما سردها أورد منها حديثا مكررا وهو حديث ابن عمر: "أرأيتكم ليلتكم هذه" ثم عد الحافظ الأحاديث المذكورة ووقع في وهمين:
الأول: أنه أسقط حديث ابن عمر سهوا فلم يعده في هذه الأحاديث.
والثاني: أنه كرر واحدا من هذه الأحاديث التي عدها وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز في اعترافه بالزنا، فعلى هذا ما عده الحافظ لا يزيد على أحد عشر موضعا، ولا يبلغ اثني عشر إلا بحديث ابن عمر الذي كرره غيره وأسقطه هو سهوا.(14/35)
7- ذكر الحافظ أن الأحاديث المنتقدة من الصحيحين يتعين استثناؤها ما تلقته الأمة بالقبول المفيد للعلم النظري. وفيما قاله نظر، والصواب في نظري فيه التفصيل، فإذا كان الحديث المنتقد من الكتابين ليس له إلا إسناد واحد، وتوجه إليه النقد، فإنه والحالة هذه يستثنى مما تلقي بالقبول ولا يفيد العلم النظري، وإن كان له طريق أو طرق أخرى في الصحيحين أو أحدهما وسلمت من الانتقاد فإنه والحالة هذه داخل فيما تلقي بالقبول والعلم النظري حاصل به كسائر أحاديث الصحيحين المتلقاة بقبول سواء بسواء.
8- ذكر الحافظ أمثلة لما يصفه الترمذي بالحسن وهو حديث المستور والضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالغلط والخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف قال: فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي:
1- أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب.
2- وأن لا يكون الإسناد شاذا.
3- وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا.
وقد درست هذه الأمثلة التي مثل بها الحافظ فوجدت فيها مجالا للنظر، ولا يصح أن يؤخذ منها قاعدة في اصطلاح الترمذي في هذا اللفظ، وذلك أن من هذه الأمثلة ما قال فيه الحافظ إن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه فوجدت أن الترمذي وصفه بأنه حسن صحيح واتفقت فيه كل النسخ الموجودة لجامع الترمذي.
ومنها: ما قال الحافظ أن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه، فوجدت - أيضا - أن الترمذي قد وصفه بأنه حسن صحيح في معظم النسخ وفي بعضها موجود وصف الحسن فقط، ولكن الأدلة قائمة على أن الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث إنما هو حسن صحيح.
من تلك الأدلة أن يكون الحديث خرجه مسلم في صحيحه، ويكون الترمذي قد أورده في موضع آخر من جامعه وقال إنه حديث صحيح.
ومنها: ما قال الحافظ: "أن الترمذي وصفه بالحسن ثم وجدت أن نسخ الترمذي قد اختلفت فيه..."(14/36)
فمنها:ما فيه حسن وغريب ومنها: ما فيه غريب فقط، ومع أن كلا من الحكمين مخالف لما قاله الحافظ فإن الذي يترجح إنما هو الحكم عليه بأنه غريب، وذلك بأن يكون الحافظ نفسه قد حكم عليه في موضع آخر بأنه غريب ثم يشاركه غيره من العلماء في هذا الحكم على الحديث، وللتأكيد واستيفاء البحث في هذا الموضوع يرجع إلى ما علقته على هذه الأمثلة في موضعه من الرسالة. من ص183- 197.
9- ذكر الحافظ مثالا للحسن لذاته وهو حديث أبي بكرة في توقيت المسح على الخفين رواه ابن ماجة من طريق المهاجر أبي مخلد، وقد قال فيه في التقريب: مقبول، وقد قرر في التقريب أن من يصفه بهذا اللفظ فذلك حيث يتابع وإلا فهو لين. ومن هذا حاله فبالمتابعة يكون حديثه حسنا لغيره لا لذاته.
10- دافع الحافظ ابن حجر عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "... سدوا الأبواب إلا باب علي" الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأورد له شواهد تؤيده في نظره، ورد على ابن الجوزي الذي أوردها في (الموضوعات) ثم قال في النهاية: "وإذا تقرر ذلك فهذا هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي سعيد لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر" المخرج في الصحيحين ممنوعة. وبيانه أن الجمع ممكن لأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد بينا سببه (يعني أنه ليس له طريق غيره) والأخر فيما يتعلق بالخوخ ولا سبب له إلا الاختصاص المحض، فلا تعارض ولا وضع، ولو فتح الناس هذا الباب لرد الأحاديث لادعي في كثير من أحاديث الصحيحين البطلان، ولكن يأبى الله تعالى ذلك والمؤمنون.(14/37)
فتعقبت الحافظ بقولي: "إن نقض هذه الأحاديث ليس قائما على دعوى التعارض فحسب بل هو قائم على مطاعن وقوادح في الرواة الذين جاءت هذه الأحاديث عن طريقهم فهم رواة قد أنهكهم التشيع الغالي ففضحهم، وكشف عوراتهم لا يضر بأحاديث الصحيحين لا من قريب ولا من بعيد وهذا العمل إنما هو من باب النصيحة في الدين والقيام بالواجب وعلي رضي الله عنه قد ثبت له من الفضائل والمناقب ما يغنيه عن مثل هذه الأحاديث الواهية. ثم عن الجمع الذي رآه الحافظ غير سليم لأن الأحاديث التي دار الكلام حولها إنما هي إثبات خصوصية لعلي رضي الله عنه، انظر الحديث المنسوب إلى ابن عمر رضي الله عنه" حيث يقول فيه: "ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم..." وإحداهن سد الأبواب إلا بابه ألا ترى الخصوصية فيها واضحة وقد خرجت في خصائص علي ومناقبه.
11- ذكر الحافظ عن شيخه العراقي أن البيهقي يجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا. فأقر الحافظ قول شيخه وضرب لذلك مثالا من تصرف البيهقي حيث قال في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا حديث مرسل.
قال الحافظ: "... لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك، ولو كان له علة غير هذه لبينها لأنه في مقام البيان".
أقول أن البيهقي قد علله بعلتين أخريين:
1- بمخالفته للأحاديث الثابتة.
2- وبكون داود الأودي أحد رجال إسناد هذا الحديث لم يحتج به الشيخان.(14/38)
12- حكم الحافظ على رواية النعمان بن عبد السلام لحديث لا نكاح إلا بولي موصولا بالشذوذ لأنه في نظره خالف الثقات الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان وفي حكمه هذا نظر. فإن الحاكم روى هذا الحديث في المستدرك من طريق النعمان وقال عقبه: "قد جمع النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث ووصله عنهما. وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة وعن شعبة على حدة فوصلوه، وكل ذلك مخرج في الباب الذي سمعه مني أصحابي..." وأقره الذهبي.
13- قال الحافظ: "روينا من طريق يحيى القطان عنه - يعني شعبة - أنه كان يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته، وإذا قال عن فلان تركته، رويناه في المعرفة للبيهقي".
فرجعت إلى كتاب المعرفة للبيهقي فإذا بالبيهقي يروي هذا الكلام بدون إسناد، ثم رجعت على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فإذا به يرويه في ثلاثة مواضع من كتابه كلها من طريق عبد الرحمن بن المهدي عن شعبة، ولم أجده من رواية يحيى القطان عن شعبة ولعل ذكر يحيى القطان سبق قلم من الحافظ.
14- رتب الحافظ المدلسين في كتابه النكت على طبقات بناء على قواعد تتفق مع القواعد التي وضعها لكتابه طبقات المدلسين، لكنه عندما وزع أسماءهم وقع في الوهم في نظري في أمرين:
أ- وذلك أنه لما ذكر أهل المرتبة الثالثة في كتاب النكت وعددهم خمسة وثلاثون رجلا وقع في شيء من المخالفة لما في كتابه الطبقات حيث أوردهم من طبقات مختلفة فبعضهم من الثالثة، نفسها وبعضهم من الرابعة، وبعضهم من الثانية، وبعضهم من الخامسة.
ب- أفرد الحافظ المدلسين من رجال الصحيحين في ثلاث مراتب سواء أخرج لهم الشيخان أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا، وفاته ثلاثة منهم فلم يذكرهم في هذه المراتب الخاصة بهم بل ذكرهم في غيرها وهم:
( أ ) شباك الضبي/ م د س ق.
(ب) الحسن بن عمارة/ خت ت ق.
(ج) يزيد بن أبي زياد/ م.(14/39)
15- ذكر الحافظ اختلاف العلماء وآراءهم في تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف، ثم اختار أن اختلافهم إنما يجري فيما إذا كان للمتن إسناد واحد أما إذا كان للمتن إسنادان فلا يجري، فيه هذا الخلاف، وضرب لذلك مثلا وهو أن البخاري روى في صحيحه من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلطوا فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس..." الحديث وعن ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد موقوفا.
وقال: فلم يتعارض الوقف هنا والرفع لاختلاف الإسنادين فتعقبته بأن البخاري لم يرو مسندا إلا حديث ابن عمر.
وأما أثر مجاهد فلم يروه البخاري بالإسناد الذي ذكره الحافظ.
وقال الحافظ نفسه في الفتح 2/432 في الكلام على حديث ابن عمر: "هكذا أورده البخاري مختصرا، وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه فأشكل الأمر فيه...".
ثم ذكر أن الإسماعيلي قد أخرج أثر مجاهد الموقوف.
16- ذكر الحافظ في النكت حديث الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما: "الشهر تسع وعشرون" وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
قال الحافظ: "أشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك، فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء، فهذه متابعة تامة للشافعي، والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه.
أقول إن تعجب الحافظ في غير محله، ولم تخف هذه المتابعة على البيهقي بل عرفها ورواها في سننه الكبرى 4/204- 206.
فقال بعد أن روى الحديث المذكور من طرق مدارها على نافع وسالم: "ورواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك إلا أنه قال: "فأكملوا العدة ثلاثين".
ثم رواه من طريق الشافعي عن مالك به، وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".(14/40)
ثم قال: "ورواية الجماعة عن مالك على اللفظ الأول - يعني: (فاقدروا له) - ثم قال: "وإن كانت رواية الشافعي والقعنبي من جهة البخاري محفوظة فيحتمل أن يكون مالك رواه على اللفظين جميعا".
ومن هنا يظهر لنا أن رواية القعنبي في البخاري لم تخف على البيهقي ولا سيما وقد ساق لروايتي الشافعي والقعنبي متابعات وشواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر وأبي بكر وعائشة.
17- ذكر الحافظ مثالا للحديث الضعيف الذي يتكلم عليه أبو داود خارج السنن ويسكت عليه فيها بحديث نافع عن ابن عمر في الرجل الذي سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى تيمم والواقع أن أبا داود تكلم عليه في السنن.
قال أبو داود: سمعت أحمد ابن حنبل يقول روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم وقال ابن داسة قال أبو داود لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر انظر د: 1- كتاب الطهارة...حديث 330.
18- نقل الحافظ عن المنذري اختلاف العلماء في قول الصحابي (كما يقال: كذا) وأن الجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعا. ثم قال الحافظ: ومما يؤيد أن حكها الرفع مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: "كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر" فإن ابن ماجه رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - والله أعلم".
فرجعت إلى الحديث في النسائي وابن ماجه فوجدت أن مداره على الزهري، وقد اختلف عليه ابن أبي ذئب وأسامة بن زيد، أما ابن أبي ذئب فرواه عن الزهري عن أبي سلمة ثم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيهما عبد الرحمن بن عوف موقوفا عليه من قوله.(14/41)
وأما أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي رواية ابن ماجه، وأسامة بن زيد متفق على ضعفه وقد خالف ابن أبي ذئب وهو ثقة ضابط، فرواية أسامة على هذا تعتبر منكرة ومنه يتضح أن الرفع في روايته لم يأت بناء على هذه الصيغة (كان يقال كذا) من صيغ الرفع كما فهم الحافظ وإنما سبب ذلك وهم وخطأ أسامة بن زيد حيث رفع رواية المحفوظ فيها عن الزهري الوقف على عبد الرحمن بن عوف ثم إنها بعد هذا لا تصلح لأن يحتج بها ولو سلمت من هذه العلة؛ لأنها رواية منقطعة لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يدرك أباه، والعجب كيف غاب كل هذا عن ذهن الحافظ وهو يقرر هذه القاعدة.
وهناك مناقشات أخر كتضعيف حديث حسنه أو تحسين حديث صححه وغير ذلك من المناقشات مما يراه القارئ في التعليقات على نص الكتاب.(14/42)
قسم التحقيق
ويشتمل على بابين:
الباب الأول: وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول: وفيه تحقيق اسم الكتاب.
الفصل الثاني: وفيه إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف.
الفصل الثالث: وفيه وصف مخطوطات الكتاب وبيان أماكن وجودها وبيان قيمة كل منها.
الباب الثاني
وفيه تحقيق نصوص الكتاب،
وقد ذكرت في المقدمة الخطوات التي اتبعتها في التحقيق.
الفصل الأول: تحقيق اسم الكتاب
الذي توفر لي من نسخ كتاب (النكت) هو خمس نسخ ولم تتفق على عنوان الكتاب، إذ على واحدة منها وهي اليمنية:
(النكت على كتاب ابن الصلاح) لكاتبه أحمد بن علي بن حجر عفا الله تعالى عنه آمين هكذا مكتوب بخط المؤلف على أصله الذي هو أصل هذا الكتاب وجميعه بخطه – رحمه الله تعالى –.
أما النسخ الأربع الباقية وهي النسخة الهندية ونسختا الرياض والنسخة الباكستانية فقد اشتركت كلها على التسمية الآتية:
(النكت على كتاب ابن الصلاح وألفية العراقي) فإضافة (وألفية العراقي) خطأ مؤكد لم يقله ابن حجر أبدا، والدليل على أنه خطأ ومن تصرف النساخ مقلدا بعضهم بعضا أن الحافظ لم ينكت في هذا الكتاب على الألفية وإنما نكت على العراقي في كتابه (التقييد والإيضاح) وقد جاوزت نكته على التقييد خمسين نكتة أشرت إلى صفحاتها من التقييد صفحة صفحة في الهوامش التي عملتها على النكت. وليس فيها نكتة واحدة على ألفية العراقي فالواقع إذا يرفض هذه الإضافة.
والظاهر أن الحافظ إنما سمى كتابه هذا بالنكت على ابن الصلاح كما أفاده قول ناسخ اليمنية: (هكذا مكتوب بخط المؤلف على أصله).(15/1)
وإن كان للحافظ تنكيت على التقييد والإيضاح للعراقي فإنه والله أعلم راعى في التسمية أن كتاب ابن الصلاح هو الأصل، ثم راعى الأغلب؛ فإن معظم التنكيت إنما هو على ابن الصلاح ويؤيده قول الحافظ في نزهة النظر طبعة الحلبي (وقد أوضحت ذلك في النكت على ابن الصلاح) وقوله في عدد من المواضع في الفتح (فيما علقته على ابن الصلاح) واقتصاره في التحويل على ما علقه على ابن الصلاح يؤيد اقتصاره في التسمية على ابن الصلاح ملاحظا بذلك أنه الأصل والأغلب. وقوله في (النكت الظراف على الأطراف للمزي 1/389 في الكلام على حديث المغفر: وقد ذكرت ذلك مبسوطا في زوائد النكت على علوم الحديث لابن الصلاح) فنراه خص الاسم بعلوم الحديث لابن الصلاح. هذا، وقد أطلق عليه السيوطي في نظم العقيان ص47: الإيضاح بنكت ابن الصلاح، والكتاني في الرسالة المستطرفة ص174 (الإفصاح على نكت ابن الصلاح) والصواب من هذا كله ما كتبه المصنف الحافظ ابن حجر بخطه على الكتاب نفسه، وما كتبه في مؤلفاته الأخر. وبناء على هذا فسأجعل عنوان الكتاب (النكت على كتاب ابن الصلاح) كما وضعه المؤلف، كما تقتضيه الأمانة العلمية والله الموفق...
الفصل الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه الحافظ ابن حجر
هناك عدد وفير من الدلائل لإثبات نسبة كتاب النكت إلى الحافظ ابن حجر:
أولا: أن خمس نسخ لهذا الكتاب قد اتفقت على نسبة الكتاب إلى الحافظ ابن حجر وقد يكون هناك نسخ أخرى للكتاب لم نطلع عليها تشارك هذه النسخ في نفس الدلالة.
ثانيا: أن الحافظ قد ذكر هذا الكتاب في كتابه العظيم فتح الباري في عدد من المواضع.(15/2)
منها: أنه ذكره في الفتح 1/386 في الكلام على حديث بهز في ستر العورة وفي 13/545 و546 حيث قال فيما يتعلق بحديث كفارة المجلس (وقد تتبعت طرقه... وقد خرجت طرقه فيما كتبته على علوم الحديث وقال مرة أخرى في الكلام على بعض روايات الحديث المذكور: وقد استوعبت طرقها وبينت اختلاف أسانيدها وألفاظ متونها فيما علقته على علوم الحديث لابن الصلاح في الكلام على الحديث المعلول).
وهذا الذي قاله موجود في النكت في نوع المعلل.
ثالثا: ذكر الحافظ بعض مؤلفاته في هذا الكتاب، كأن يحيل على هذا بحث فيها أو استيفاء ترجمة ونحو ذلك فقد ذكر عددا من كتبه فيه كتغليق التعليق وشرح البخاري وترتيب المدرج وغفران ما تقدم من الذنوب وتهذيب التهذيب.
رابعا: أن الذين ترجموا للحافظ ابن حجر قد ذكروا هذا الكتاب في عداد مؤلفاته كالسخاوي في الجواهر والدرر ل 155 والسيوطي في نظم العقيان ص47 وفي ذيل الطبقات ص381 وكذلك الذين ألفوا كتبا في فنون العلم مثل كشف الظنون ذكر النكت في مؤلفات الحافظ وذكر قطعة من مقدمتها على عادته وكذلك ذكرها الكتاني في الرسالة المستطرفة.
خامسا: هناك كتب ألفت في علوم الحديث قد عولت كثيرا على هذا الكتاب واستقت منه معلومات كثيرة أعطت هذه الكتب قيمة وفي نفس الوقت حفظت هذه البحوث التي استقتها منه. ومن تلك الكتب فتح المغيث للسخاوي وتدريب الروي للسيوطي وتوضيح الأفكار للصنعاني وقد أشرت في التعليقات على نص النكت إلى كثير من المواضع من هذه الكتب المستفيدة من النكت خصوصا توضيح الأفكار.
هل كمل الحافظ تأليف هذا الكتاب؟
والجواب: أن الحافظ لم يكمله.(15/3)
فالنسخ الموجودة تنتهي بالنوع الثاني والعشرين وهو المقلوب بل النسخة اليمنية لم تصل إلا إلى أثناء النوع العشرين وهو المدرج. بل قد نص على عدم إكماله تلميذه العليم بمؤلفاته وهو الحافظ السخاوي قال في الجوهر والدرر ل155/أ في أثناء عدّ مؤلفات الحافظ: (النكت على ابن الصلاح وعلى النكت التي عملها على شيخه العراقي لم يكمل) قال: (وهو في مجلد ضخم مسود زيادة على نكت شيخه العراقي ومباحثه معه وهو نحو حجم الأصل بيض منه إلى المقلوب) ونص السيوطي في نظم العقيان ص47 على أن الحافظ لم يكمل هذا الكتاب.
ويفهم من كلام السخاوي أن تأليف الحافظ قد تجاوز نوع المقلوب وإن كان لم يكمل الكتاب، ولا ندري إلى أي حد وصل وعلى كل حال فمن المؤكد أنه وصل إلى النوع الثاني والعشرين المقلوب وهو الذي تمكن الحافظ من تبييضه.
ولعل من أهم أسباب عدم إكمال الكتاب اشتغال الحافظ بالكتابة في عدد من التآليف استغرقت جهوده وهو يكتب في هذا الكتاب وذاك موزّعا أوقاته عليها فلم يتوفر له من الوقت ما يسمح له بإنجاز هذا الكتاب. والله أعلم.
الفصل الثالث: وصف نسخ الكتاب
بحثت عن نسخ النكت لابن حجر على مقدمة ابن الصلاح في فهارس المخطوطات للمكتبات الإسلامية وفي نشرات بعض المكتبات فانتهيت إلى معرفة النسخ الآتية:
1- نسخة في مكتبة جامع صنعاء باليمن.
2، 3- نسختان في مكتبة جامعة الرياض.
4- نسخة المكتبة السعيدية بحيدر آباد في الهند.
5- نسخة مصورة من باكستان.
وقد حصلت على صور لكل هذه النسخ وهي إن شاء الله كافية لإخراج النصوص على الصورة التي وضعها عليها المصنف إلا ما لا يخلو منه عمل الإنسان من هنات.
وهذا وصف موجز للنسخ المذكورة.
النسخة الأولى:(15/4)
مصورة عن مخطوط بمكتبة جامع صنعاء وتقع في 277 صفحة، ومتوسط مسطرتها 19 سطرا. وهي صحيحة بل أصحّ النسخ كلها ومقابلة، ويبدو أن الذي قابلها هو نفس الناسخ، والظاهر أنه من أفاضل العلماء إذ له تعليقات ومناقشات مع الحافظ ابن حجر تدل على علمه وفهمه.
إلا أن هذه النسخة ناقصة عن باقي النسخ حيث انتهت في أثناء النوع العشرين وهو المدرج.
بينما النسخ الأخرى تنتهي بنهاية النوع الثاني والعشرين وهو المقلوب والظاهر أن هذا النقص طارئ عليها.
وكما قلت أنها أصل النسخ فهي من الناحية التاريخية فيما يظهر لي أنها أقدم النسخ كلها لأنها نسخت من نسخة المؤلف نفسه - رحمه الله – فإنه مكتوب على هوامش عدد من الصفحات هذه العبارة: (بلغ مقابلة بأصله خط المصنف). كما في ص24، 42، 80، 110، 113، 148، 179, 222، وعلى الورقة الأولى منها: (النكت على كتاب ابن الصلاح لكاتبه أحمد بن علي بن حجر عفا الله تعالى عنه هكذا مكتوب بخط المؤلف - رحمه الله – على أصله الذي هو أصل هذا الكتاب وجميعه بخطه - رحمه الله تعالى –.
وعلى هذه الورقة تملُّكان:
الأول: ونصه (من كتب الفقير إلى عفو الله تعالى يحيى بن الحسين صار إليَّ باليد الصحيح من قبل مالكه).
والثاني: ونصه (الحمد لله ثم صار ليد محمد بن الولي وفقه الله، وعلى الورقة الثانية: (هذه النسخة نسخت على نسخة بخط المصنف كما أفاده المحشِّي)، ص 24، 42، والأمر كما ذكر كما في الصفحات التي أشرنا إليها سابقا. ورمزت لهذه النسخة ب (ي).
النسخة الثانية:
مصورة على مخطوطة بمكتبة جامعة الرياض تحت رقم 1099 ويرجع نسخها لعام 1157ه ومقاسها 22× 15 سم ومتوسط مسطرتها 23 سطرا وخطها نسخ، وتقع في 167 ورقة.(15/5)
وهي نسخة صحيحة مصححة ومقابلة مقابلة دقيقة كما أشار إلى ذلك في عدد من الصفحات بقوله: (بلغ) يعني مقابلة. وعلى الصفحة الأخيرة: (هذا آخر ما وجد بخطه – رحمه الله – وافق الفراغ من رقم هذه النسخة عصر يوم الخميس لعله خامس وعشرين شهر شعبان أحد شهور سنة 1157 وفي هامش هذه الصفحة: (في الأم ما لفظه: بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب من أصل المصنف انتهى).
وبلغ مقابلة على الأم المذكورة على يد مالكه الفقير إلى الله حامد حسن شاكر(1) عفا الله عنهما آمين وعلى هذه الصفحة تملُّك، هذا نصه:
"بعناية مالكه الفقير إلى الله الفقيه الفاضل حامد بن حسن شاكر، حماه الله وأفهمه معانيه".
وعلى الصفحة الأولى: (استكتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده الفقير إلى عفوه وكرمه حامد حسن شاكر عفا الله عنهما آمين).
ورمز هذه النسخة (ر/ أ) وقد أرمز لها بـ (ر) فقط أحيانا.
النسخة الثالثة:
عن مخطوطة بجامعة الرياض – أيضا – برقم 1294 وعدد أوراقها 167 ورقة، ومقاسها 10× 15 سم ومسطرتها 23 سطرا وهي نسخة يبدو أنها قديمة ولكن لا يعرف تاريخ نسخها ولا اسم الناسخ وهي صحيحة ومقابلة، وعلى هوامشها تعليقات قيمة.
وعلى الصفحة الأخيرة وهي بخط مغاير لخط النسخة (انتهى الموجود من النكات نقلا عن النسخة المنقولة عن الأم – وسبحانه وتعالى أعلم وأحكم ) ورمزها (ر/ ب)(2).
النسخة الرابعة:
مصورة على مخطوطة بالمكتبة السعيدية بحيدر آباد الهند تحت رقم 5 أصول الحديث وتقع في 176 ورقة.
__________
(1) حامد بن حسن بن أحمد بن محمود شاكر اليمني الصنعاني الزيدي محدث فقيه نشأ بصنعاء من مؤلفاته (الأنموذج اللطيف في حديث أمر معاذ بالتخفيف)) و((حاشية ميزان الأنظار بين المنحة وضوء النهار في ثلاث مجلدات) توفي سنة 1173، البدر الطالع للشوكاني 1/ 188- 189، وهدية العارفين: 260، ومعجم المؤلفين 3/ 178.
(2) ملاحظة: عند اختلاف النسخ أكتفي برمز (ر) إلى نسختي الرياض إذا كانتا متفقتين.(15/6)
ومقاس الصفحة 22× 18 ومتوسط مسطرتها 23 سطرا بخط جميل ويرجع تاريخ نسخها لعام 1164 وهي صحيحة ومقابلة مقابلة دقيقة على يد الشيخ عبد الرحيم بن شاه واد اللاهوري ثم المدني.
إذ على الصفحة الأخيرة: بلغ مقابلة بحمد الله على الأصل، والأصل قال فيه: والأصل قال فيه: بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب المصنف، كتبه عبد الرحيم بن شاه اللاهوري، ثم المدني حامدا مصليا مسلما. وفيها: وافق الفراغ من نقله لآخر يوم الإثنين ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة 1164 بمحروس مدينة صنعاء.
وعلى الصفحة الأولى تملكات لعدد من الأشخاص، ففي أعلى الصفحة تملُّك لم يظهر لي، ثم يليه: (من مجاز أقل الورى محمد بن محمد).
ثم يليه: (من كتب المفتقر إلى الله محمد بن عبد الله بن صبغة الله عفا الله عنهما).
وبعده: (ثم نقلت إلى محمد بن سعيد صبغة الله عفا الله عنهما). ورمز هذه النسخة (ه).
النسخة الخامسة:
نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية عن نسخة باكستانية، وعدد صفحاتها ثلاثمائة وإحدى وستين صفحة ومسطرها ثمانية عشر سطرا وهي مخطوطة حديثة النسخ إذ كتب ناسخها على الصفحة الأخيرة: (هذا آخر ما وجد بخطه – رحمه الله رحمة واسعة.
وقد وقع الفراغ والاختتام عشية يوم الأربعاء بقي اثنان من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين مضت من المائة الرابعة عشرة من الهجرة على صاحبها التحية ألوف ألوف الصلوات والتسليمات).
ثم كتب عقبه: (وأيضا قد كتب على يد فتح الرسول بن فتح محمد النظامي سترهما الله) وهي نسخة كثيرة الأخطاء وأظنها لم تقابل. ورمز هذه النسخة (ب).
هذا وقد عرفت قيمة النسخ من حيث الصحة، وأن أصحها النسخة اليمنية والراجح أنها أقدم النسخ تاريخا لأنها كتبت عن أصل المصنف.(15/7)
ولأجل اعتقادي هذا كنت حريصا على أن أجعلها هي الأصل، ولكن حال دون ذلك صعوبة الحصول عليها إذ لم تصلني إلا بعد سنتين من بدء عملي في الكتاب رغم محاولاتي المستمرة في الحصول عليها. بل لم تصلني إلا بعد أن بيضت الكتاب مما اضطرني إلى إعادة التبييض لكثير مما كنت قد فرغت منه. كما واجهت صعوبات في الحصول على بعض النسخ الأخرى، فبعضها لم يصلني إلا بعد سنة من بدء العمل وبعضها بعد سنتين مما ألجأني أن أعتبر الأصل هو صحة النص سواء كانت هذه الصحة تستند إلى واحدة من النسخ أو إلى أكثر من ذلك. بل ولو كانت صحته تستند إلى خارج هذه النسخ كلها.
هذا وقد بذلت جهدا كبيرا في إخراج نصوص هذا الكتاب على الصورة التي وضعها عليها المؤلف، فقابلتها على النسخ كلها كلمة كلمة. وقد استغرقت هذه المقابلة وقتا طويلا، ولكن ذلك لم يزدني ولله الحمد إلا غبطة وطمأنينة وإلى صحة عملي.
والله أسأل أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم.
الرموز المستعملة في هوامش الرسالة
حيث عولت في كثير من التراجم وتخريج الأحاديث على الكاشف للحافظ الذهبي وتحفة الأشراف والمغني والضعفاء له والتقريب للحافظ ابن حجر وتهذيب التهذيب له والميزان للذهبي واللسان للحافظ ابن حجر والخلاصة للخزرجي. ولهذه الكتب رموز إلى الكتب التي وضعت لتراجم رواتها وغيرهم فقد استخدمت تلك الرموز في الهوامش على كتاب النكت لتراجم الرجال ولتخريج الأحاديث.
وأحب أن أوضحها هنا لمن قد تخفى عليه من القراء وهي:
خ: إشارة إلى البخاري في صحيحه.
خت: إشارة إلى البخاري في صحيحه تعليقا.
بخ: إشارة إلى البخاري في الأدب المفرد.
عخ: إشارة إلى البخاري في خلق أفعال العباد.
ز: إشارة إلى البخاري في جزء القراءة.
ي: إشارة إلى البخاري في رفع اليدين.
م: إشارة إلى مسلم في صحيحه.
د: إشارة إلى أبي داود في سننه.
مد: إشارة إلى أبي داود في المراسيل.
صد: إشارة إلى أبي داود في فضائل الأنصار.(15/8)
خد: إشارة إلى أبي داود في الناسخ والمنسوخ.
قد: إشارة إلى أبي داود في القدر.
ف: إشارة إلى أبي داود في التفرد.
ل: إشارة إلى أبي داود في المسائل.
كد: إشارة إلى أبي داود في مسند مالك.
ت: إشارة إلى الترمذي في جامعه.
تم: إشارة إلى الترمذي في الشمائل.
س: إشارة إلى النسائي في سننه.
عس: إشارة إلى النسائي في مسند علي.
كن: إشارة إلى النسائي في مسند مالك.
ق: إشارة إلى ابن ماجه في سننه.
فق: إشارة إلى ابن ماجه في التفسير.
ع: إشارة إلى أصحاب الكتب الستة.
4: إشارة إلى أصحاب السنن الأربعة في سننهم.
وهناك رموز أخرى لمخطوطات النكت لابن حجر على ابن الصلاح وذلك أنني أكتب خطا مائلا عند بداية كل صفحة من كل نسخة وأضع في محاذاته إلى اليسار رمز النسخة التي أشرت إلى بداية صفحتها ورقم الصفحة أو اللوحة...
فحرف ي: رمز إلى نسخة اليمن.
وحرف ر/أ أو ر/ب: رمز إلى نسختي الرياض.
وحرف ه: رمز للنسخة الهندية.
وحرف ب:رمز للنسخة الباكستانية.
وهناك في الهامش يأتي رمز (ل) ويعني لوحة ورمز (ق) ويعني ورقة و(حم) ويعني مسند أحمد و(دي) ويعني مسند الدارمي.
والله الموفق.
فهرس قسم الدراسة
المقدمة
نشأة علوم الحديث
أول من صنف في علوم الحديث
نبذة من المؤلفات في هذا الفن
أسباب اختيار المحقق للعمل في النكت
تقسيم العمل إلى قسمين: قسم دراسة، وقسم تحقيق
قسم الدراسة
الباب الأول
الفصل الأول: تعريف بابن الصلاح
شيوخ ابن الصلاح
تلاميذه
مزاياه وثناء العلماء عليه
مؤلفاته
الفصل الثاني: تعريف بالحافظ العراقي
رحلات الحافظ العراقي
شيوخه
تلاميذه
صفاته وثناء العلماء عليه
وفاته
مؤلفاته
الفصل الثالث: تعريف بالحافظ ابن حجر
عصر الحافظ ابن حجر
اسمه ونسبه
مولده ونشأته
رحلاته
شيوخه
تلاميذه
صفاته وأخلاقه
ثناء العلماء عليه ومكانته
وفاته
مؤلفاته
الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت
الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح(15/9)
المراحل التي تكونت فيها النكت
خلاصة عمل الحافظ
كلامه على خطبة ابن الصلاح وفيها ثلاث عشرة نكتة
النوع الأول: الصحيح وفيه ست عشرة نكتة
النوع الثاني: الحسن، وفيه ثلاث عشرة نكتة
النوع الثالث: الضعيف، وفيه خمس نكت
النوع الرابع: المسند، ولم ينكت فيه الحافظ على ابن الصلاح
النوع الخامس: المتصل، وفيه نكتة واحدة
النوع السادس: المرفوع، وفيه نكتتان
النوع السابع: الموقوف، وفيه نكتتان
النوع الثامن: المقطوع، وفيه ثمان نكت
النوع التاسع: المرسل، وفيه ثمان نكت
النوع العاشر: المنقطع، وفيه نكتتان
النوع الحادي عشر: المعضل، وفيه سبع عشرة نكتة
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس، وفيه سبع نكت
النوع الثالث عشر: في معرفة الشاذ، وفيه أربع نكت
النوع الرابع عشر: المنكر، وفيه نكتة واحدة
النوع الخامس عشر: في معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد، وفيه نكتتان
النوع السادس عشر: في معرفة زيادات الثقات، وفيه أربع نكت
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد، وفيه نكتة واحدة
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل، وفيه خمس نكت
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب، وفيه نكتتان
النوع العشرون: المدرج، وفيه نكتة واحدة
النوع الحادي والعشرون: الموضوع، وفيه تسع نكت
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب، وفيه أربع نكت
الفصل الثاني: في تنكيت الحافظ ابن حجر على العراقي
النوع الأول: الصحيح، وفيه خمس عشرة نكتة
النوع الثاني: الحسن، وفيه اثنتا عشرة نكتة
النوع الثالث: لضعيف، لم ينكت فيه الحافظ على العراقي
النوع الرابع المسند: وفيه نكتة واحدة
النوع الخامس: معرفة المتصل
النوع السادس: معرفة المرفوع
النوع السابع: معرفة الموقوف
النوع الثامن: معرفة المقطوع
هذه الأنواع لم ينكت فيها الحافظ على شيخه العراقي
النوع التاسع: معرفة المرسل، وفيه ست نكت
النوع العاشر: المنقطع، لم ينكت الحافظ فيه على العراقي
النوع الحادي عشر: المعضل: وفيه ثلاث نكت(15/10)
النوع الثاني عشر: المدلس، وفيه أربع نكت
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ، وفيه على العراقي نكتتان
النوع الرابع عشر: المنكر، وفيه نكتتان
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد، لم ينكت الحافظ
في هذه الأنواع الثلاثة على شيخه العراقي
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل، وفيه عشر نكت
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب
النوع العشرون: معرفة المدرج، وهذان النوعان لم ينكت فيهما الحافظ على شيخه العراقي
النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع، وفيه نكتتان
الفصل الثالث: في مناهج الحفاظ الثلاثة ابن حجر، وابن الصلاح، والعراقي
منهج الحافظ ابن حجر
منهج ابن الصلاح
منهج العراقي
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ ابن حجر
قسم التحقيق
الفصل الأول: في تحقيق اسم الكتاب
الفصل الثاني: في نسبة الكتاب إلى مؤلفه
الفصل الثالث: في وصف نسخ الكتاب
الرموز المستعملة في هوامش الرسالة
صورة اللوحة الأولى من النسخة اليمنية صورة الصفحة الأخيرة من النسخة اليمنية صورة اللوحة الأولى من نسخة الرياض صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الرياض الأولىصورة اللوحة الأولى من نسخة الرياض الثانية صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الرياض الثانية صورة اللوحة الأولى من نسخة الهند صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الهند
صورة اللوحة الأولى من نسخة الباكستانية صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الباكستانية(15/11)
النكت على كتاب ابن الصلاح
للحافظ ابن حجر العسقلاني
773- 852ه
تحقيق ودراسة
الدكتور ربيع بن هادي عمير
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم(1) وبه نستعين
الحمد لله الذي لا تنفد مع كثرة الإنفاق خزائنه. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يؤازره، ولا نظير له(2) يعاونه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى الناس كافة، فقد فاز متابعه ومعاونه، وخسر مضاده(3) ومباينه صلى الله عليه وعلى آل محمد وصحبه الذين جمعت لهم غرر الدين القويم ومحاسنه.
أما بعد:
فإن الاشتغال بالعلوم الدينية النافعة أولى ما صرفت فيها فواضل الأوقات، وأحرى بأن يهجر لها الملاذ والشهوات، ولم آل جهدا منذ اشتغلت بطلب الحديث النبوي في تعرف صحيحه من معلوله، ومنقطعه من موصوله، ولم آلو(4) عنانا(5) عن(6) الجري في ميدان نقلته والبحث(7) عن أحوال حملته؛ لأن ذلك هو المرقاة إلى معرفة سقيمه من صحيحه وتبيين راجحه من مرجوحه. ولكل مقام مقال. ولكل مجال رجال.
وكنت قد بحثت على(8) شيخي العلامة حافظ الوقت أبي الفضل ابن الحسين الفوائد التي جمعها على مصنف الشيخ الإمام الأوحد الأستاذ أبي عمرو ابن الصلاح، وكنت في أثناء ذلك وبعده إذا وقعت لي النكتة الغريبة، والنادرة العجيبة، والاعتراض القوي طورا، والضعيف مع الجواب عنه أخرى، ربما(9) علقت بعض ذلك على هامش الأصل، وربما أغفلته.
فرأيت الآن أن الصواب/(ب3) الاجتهاد في جمع ذلك، وضم ما يليق به ويلتحق بهذا الغرض وهو تتمة التنكيت على كتاب ابن الصلاح، فجمعت ما وقع لي من ذلك في هذه الأوراق.
__________
(1) في (ي) بعد البسملة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم الحمد لله الخ.
(2) كلمة (له) من (ر).
(3) في (ب) (مضاره بالراء).
(4) في (ب) (آل) وهو خطأ.
(5) بكسر العين على زنة كتاب سير اللجام الذي تمسك به الدابة جمعه أعنة قاموس 4/249.
(6) في (ب) (من).
(7) في (ب) (والحث) وهو خطأ.
(8) في (ب) (عن) وهو خطأ.
(9) في (ب) (وربما).(16/1)
ورقمت على أول كل مسألة إما (ص) وإما (ع): الأولى لابن الصلاح أو الأصل. والثانية للعراقي أو الفرع(1).
وغرضي بذلك جمع ما تفرق من الفوائد واقتناص ما لاح من الشوارد(2) والأعمال بالنيات.
1- قوله (ص) في الخطبة: (الواقي):
بالقاف وهو مشتق من قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ}(3) عملا/(ي3) بأحد المذهبين في الأسماء الحسنى. والأصح عند لمحققين أنها توقيفية.
وأما قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}(4) فلا توقيف فيه على ذلك، لكن اختار الغزالي(5) أن التوقيف مختص بالأسماء دون الصفات. وهو اختيار الإمام فخر الدين(6) أيضا.
وعلى ذلك يحمل عمل المصنف وغيره من الأئمة.
2- قوله (ص): (حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه)(7):
اعترض عليه بأن هذه دعوى لا تصح وكيف يتخيل شخص أنه يمكنه أن يحمد الله حمدا يبلغ منتهى التمام.
والفرض أن الخلق كلهم لو اجتمع حمدهم لم يبلغ بعض ما يستحقه تعالى من الحمد فضلا عن تمامه.
__________
(1) نقل الشيخ محي الدين عبد الحميد هذا النص في مقدمة توضيح الأفكار (ص39) بشيء من التصرف بدأ من قول الحافظ: "وكنت قد بحثت على شيخي... إلى هنا وعزاه إلى النكت".
(2) جمع شاردة من شرد إذا انفلت وفرّ.
(3) سورة المؤمن: الآية: 45.
(4) سورة الرعد: الآية 34.
(5) المقصد الأسنى شرح الأسماء الحسنى ص112.
(6) تفسير الرازي 15: 70 عند تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} من سورة الأعراف.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص3.(16/2)
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا أحصي ثناء عليك"(1). مع ما صح عنه في حديث الشفاعة: "أن الله يفتح عليه بمحامد لم يسبق إليها"(2).
والجواب: أن المصنف لم يدَّع أن الحمد الصادر منه بلغ ذلك، وإنما أخبر أن الحمد الذي يجب لله هذه صفته، وكأنه أراد أن الله مستحق لتمام الحمد، وهذا بين من سياق كلامه.
ومن هذا قول الشيخ محي الدين في خطبة المنهاج وغيره (أحمده أبلغ حمد وأكمله)(3) فمراده بذلك أنسب إلى ذاته المقدسة أبلغ المحامد. وليس مراده أن حمدي أبلغ حمد، وقد قال الأصحاب: "إن أجل المحامد - أن يقول المرء - الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده".
وهو راجع لما قلناه.
3- قوله (ص): (على نبينا)(4):
اعترض عليه بأن النبي أعم مطلقا من الرسول البشري، والرسول البشري أخص (فلم عدل)(5) عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة.
والجواب عنه: أنه اعتمد ذلك لتحصل المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه وهو قوله: والنبيين(6)، والتعبير(7) في النبيين بالصيغة الدالة على التعميم أولى.
__________
(1) مسلم 4- كتاب الصلاة 42- باب ما يقال في الركوع والسجود حديث 222. أبو داود 2- كتاب الصلاة- باب ما جاء بين الركوع والسجود حديث 879. والترمذي 49- كتاب الدعوات 76- باب حديث 3493 حم 6: 58- جه 34- كتاب الدعاء 3- باب ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث 3841.
(2) خ 65- كتاب التفسير تفسير سورة اإسراء حديث 4712، م 1-كتاب الإيمان 84- باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها حديث 327 حم 3:248.
(3) المنهاج ص2 والمجموع للنووي 1: 5. وروضة الطالبين من1: 4. وشرح صحيح مسلم.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص3.
(5) ما بين القوسين من هامش (ر) وقد سقط من (ه)، (ب)، (ي).
(6) عبارة ابن الصلاح (على نبينا والنبيين) فكان على المؤلف أن يقول (لتحصل المناسبة بين المعطوف وهو (والنبيين) والمعطوف عليه وهو كلمة (نبينا).
(7) مقدمة ابن الصلاح ص3.(16/3)
وأيضا فلو قال: على رسولنا لم يكن لائقا؛ لأن هذه الإضافة تصح على ما إذا كان المرسل هو القائل.
وقد يدفع السؤال من أصله.
بأن يقال: المقام مقام تعريف لا وصف.
ومقام التعريف يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة كانت.
4- قوله/ (ي4) (ص): (وآل كل)(1)
إضافة إلى الظاهر خروجا من الخلاف؛ لأن بعضهم لا يجيز إضافته إلى المضمر.
5- قوله (ص): (هذا وأن علم الحديث(2)... الخ):
هو فاصل عن الكلام السابق للدخول في غرض آخر.
ومثاله في التخلص قوله سبحانه وتعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}(3).
فإن قلت: لم لم يأت بقوله: أما بعد مع أن النبي صلى عليه وسلم كان يأتي بها في خطبه(4)؟
قلت: "لا حجر في ذلك بل هو من التفنن".
[تعريف علم الحديث:]
وأولى التعاريف لعلم الحديث: معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي(5).
6- قوله (ص): (ولا يكرهه من الناس/(ب5) إلا رذالتهم):
وهو بضم الراء بعدها ذال معجمة - والرذالة - ما انتفى جيده، فكأنه هنا وصف محذوف(6) أي طائفة رذالة.
والرذال بغير تاء: الدون الخسيس، والردئ من كل شيء فيحتمل أن تكون التاء في هذه للمبالغة. ولم أر في جمع رذل(7) رذالة. وإنما ذكروا أرذال ورذول ورذلاء وأرذلون ورذال(8). والله أعلم.
7- قوله (ص): (وسفلتهم)، بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام:
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص3.
(2) تمامه من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع الفنون النافعة ص3 من مقدمة ابن الصلاح.
(3) سورة ص: الآية 55.
(4) في (ب) خطبته.
(5) يريد تعريف علم الحديث دراية.
(6) في (ي) لمحذوف.
(7) في (ر) (رذال) وهو خطأ.
(8) في لسان العرب في مادة رذل 1: 1158 وهم رذالة الناس ورذالتهم وقد أورد في اللسان هذه الجموع، وكذلك في القاموس المحيط 3: 384.(16/4)
وزن فرح(1) جمع سفلة(2) - بكسر السين وسكون الفاء - ويجوز(3) أن يقرأ كذلك على إرادة الجنس.
8- قوله (ص): (وهو من اكثر العلوم تولجا)، أي دخولا في فنونها:
والمراد بالعلوم هنا الشرعية وهي:
التفسير، والحديث، والفقه.
وإنما صار أكثر(4)، لاحتياج كل من العلوم الثلاثة إليه.
أما الحديث فظاهر. وأما التفسير، فإن أولى ما فسر به كلام الله تعالى - ما ثبت عن نبيه - - صلى الله عليه وسلم - "ويحتاج الناظر في ذلك إلى معرفة ما ثبت مما لم يثبت"(5).
وأما الفقه فلاحتياج الفقيه إلى الاستدلال بما ثبت من الحديث دون ما لم يثبت، ولا يتبين ذلك إلا بعلم الحديث.
9- قوله/(ي5) (ص): (وأفنان فنونه)(6):
الأفنان: جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن.
__________
(1) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا. وفي القاموس 3: 396 (وسفلة الناس بالكسر وكفرحة: أسافلهم وغوغاؤهم).
(2) قول الحافظ: "جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء" - فيه نظر، قال صاحب القاموس 3: 396: (وسفلة الناس وكفرحة أسافلهم وغوغاءهم.
ومثل ذلك قال صاحب لسان العرب انظر 2: 159. وقال صاحب أساس البلاغة: "ومن المجاز: سفلت منزلته عند الأمير... وهو من السفلة استعير من سفلت الدابة. ومن قال السفلة فهو على وجهين أن يكون تخفيف السفلة كاللبنة في اللبنة وجمع سفيل كعلية في جمع علي".
فأنت ترى اتفاق هؤلاء على أن سفلة وسفلة بمعنى واحد كلاهما جمع وليس أحدهما جمعا للآخر، وأن صاحب الأساس اعتبر في أحد الوجهين اللذين ذكرهما في سفلة أن يكون جمع سفيل.
(3) قول الحافظ: "ويجوز أن يقرأ...الخ كذا في جميع النسخ".
(4) كذا في جميع النسخ (أكثر) بدون تمييز ولعله سقطت منه كلمة تولجا أو دخولا ونحوهما مما يصلح تمييزا.
(5) ما بين القوسين سقط من (ب) ومراد الحافظ بعد تفسير القرآن بالقرآن.
(6) في (ه) فالفنون.(16/5)
والفنون: جمع فن وهو الضرب من الشيء، أي النوع ويجمع أيضا على أفنان. لكن المراد هنا(1) بالأفنان: جمع فنن(2) كما تقدم.
10- قوله (ص): (غضة أي طرية):
وهي استعارة مناسبة لفنن(3) وفيه الجناس(4) بين أفنان وفنون.
11- قوله (ص): (ومغانيه بأهله آهلة):
المغاني - بالغين المعجمة - جمع مغنى مقصور، وهو المكان الذي كان مسكونا، ثم انتقل أهله عنه، فكأنه أطلق عليه مغنى باعتبار ما آل إليه الأمر، وكان قبل ذلك مسكونا بأهله المستحقين له لا بغيرهم.
وفيه جناس خطّي(5) في قوله: (بأهله آهلة). بوزن فاعلة.
12- قوله (ص): (شرذمة) بالذال المعجمة:
وحكى ابن دحية (6) جواز إهمالها، وشذ بذلك.
13- قوله (ص): (من سماعه غفلا) بضم الغين المعجمة وسكون الفاء: وهي استعارة يقال: أرض غفل لا علم بها ولا أثر عمارة، فكأنه شبه الكتاب بالأرض، والتقييد بالنقط والشكل والضبط بالعمران.
وقوله (ص): (عطلا) العاطلة: ضد الحالي(7).
[تقسيم أبي شامة علوم الحديث إلى ثلاثة:]
__________
(1) كلمة (هنا) ليست في (ب).
(2) في (ي) (فن).
(3) من (ه) وفي (ر) و (ب) (للتفنن).
(4) الجناس تشابه الكلمتين في اللفظ مع اختلاف المعنى.
(5) ويسمى بالمتشابه: وهو أن يتفق لفظ مركب من كلمتين - في الخط - مع لفظ غير مركب كقول الشاعر:
إذا ملك لم يكن ذا هبة
فدعه فدولته ذاهبة
(6) هو العلامة: أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن خلف الأندلسي من ولد دحية الكلبي سمع من أبي القاسم بن بشكوال وأبي عبيد الله ابن مجاهد وأخذ عنه ابن الصلاح كان مع فرط معرفته متهما بالمجازفة في النقل وادعاء أشياء لا حقيقة لها توفي سنة 633. تذكرة الحفاظ 4: 1420.
(7) بالحاء المهملة قال في أساس البلاغة: "وتقول لا غرو أن تحسد حالي العاطل".(16/6)
وقد ذكر أبو شامة(1) - في كتاب المبعث - شيئا ينبغي تحريره فقال(2): يقال علوم الحديث الآن ثلاثة:
أشرفها: حفظ متونها(3) ومعرفة غريبها وفقهها.
والثاني: حفظ أسانيدها(4) ومعرفة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وهذا كان مهمًّا/(ه3ب) وقد كفيه المشتغل بالعلم بما(5) صنف وألف من الكتب/(ر3/ب) فلا فائدة إلى تحصيل ما هو حاصل.
والثالث: جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان.
والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من علومه النافعة، فضلا/(ي6) عن العمل الذي هو مطلوب الأول وهو العبادة.
إلا أنه لا بأس للبطالين(6) لما فيه من بقاء سلسلة الإسناد المتصلة بأشرف البشر... (إلى آخر كلامه).
[رد الحافظ على أبي شامة:]
قلت: وفي كلامه مباحث من أوجه:
الأول: قوله: "وهذا كفيه المشتغل بالعلم بما(7) صنف فيه".
يقال عليه: إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال على ذلك وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأول.
فإن فقه الحديث وغريبه لا يحصى كم صنف في ذلك، بل لو ادعى مدع ( )/(ب7) أن التصانيف التي(8) جمعت في ذلك أجمع من التصانيف التي جمعت في تمييز الرجال وكذا في تمييز الصحيح من السقيم لما أبعد بل ذلك هو الواقع.
__________
(1) هو الإمام الحافظ العلامة المجتهد ذو الفنون شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الشافعي، المقرئ النحوي، أكمل القراءات وهو حدث على علم الدين السخاوي، وسمع من موفق الدين المقدسي وطائفة، اختصر تاريخ دمشق مرتين وله كتاب الروضتين ومصنفات أخر كثيرة مفيدة، ثقة في النقل توفي سنة 665.
تذكرة الحفاظ 4: 1460.
(2) من (ي) وهامش (ر).
(3) من هامش (ر) وفي جميع النسخ (منثورها) وفي (ي) (منثورة) والصواب ما أثبتناه.
(4) في كل النسخ (أسانيده) والصواب ما أثبتناه.
(5) من (ي) و (ر) وفي (ه) و (ب) (ما) وهو خطأ.
(6) في (ب) (للطالبين) وهو خطأ.
(7) في (ب) (مما).
(8) في (ب) (الذي) وهو خطأ.(16/7)
فإن كان الاشتغال بالأول مهما فالاشتغال بالثاني أهم؛ لأنه المرقاة إلى الأول. فمن أخل به خلط الصحيح بالسقيم والمعدل بالمجروح وهو لا يشعر وكفى بذلك عيبا بالمحدث.
فالحق أن كلا منهما في علم الحديث مهم، لا رجحان لأحدهما على الآخر.
نعم لو قال: الاشتغال بالفن الأول أهم كان مسلما مع ما فيه.
ولا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى. ومن أخل بهما، فلا حظ له في اسم المحدث.
"ومن حرر(1) الأول، وأخل بالثاني كان بعيدا من اسم المحدث عرفا(2)".
هذا لا ارتياب فيه.
بقي الكلام في الفن الثالث: وهو السماع وما ذكر معه، ولا شك أن من جمعه مع الفن الأول كان أوفر قسما وأحظ قسما(3)، لكن وإن كان من اقتصر عليه كان أنحس(4) حظا وأبعد حفظا.
فمن جمع الأمور الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا، "ومن انفرد باثنين منها كان دونه. وإن كان ولا بد من الاقتصار على اثنين"(5) فليكن الأول والثاني.
أما من أخل بالأول واقتصر على الثاني والثالث فهو محدث صرف لا نزاع في ذلك.
ومن انفرد بالأول، فلا حظ له في اسم المحدث كما ذكرنا.
هذا تحرير المقال في هذا الفصل. والله أعلم.
14- قوله/(ي7) (ص): (فهرست أنواعه)(6):
الصواب أنها بالتاء المثناة وقوفا وإدماجا، وربما وقف عليها بعضهم بالهاء وهو خطأ.
__________
(1) كذا في (ر) و (ه)، و(ي) وفي هامش ر (ظ أحرز) يعني أنه هو الظاهر وليس كذلك.
(2) ما بين القوسين سقط من (ب).
(3) القسم - بالكسر - النصيب، وبالفتح - المصدر والعطاء والرأي، قاموس 4: 164 والمناسب هنا العطاء.
(4) في (ب) أبخس.
(5) ما بين القوسين سقط من (ب).
(6) ص5 مقدمة ابن الصلاح.(16/8)
قال صاحب(1) تثقيف اللسان: "فهرست بإسكان السين والتاء فيه أصلية"، ومعناها في اللغة: جملة العدد للكتب/(ب8) لفظة فارسية، قال(2): "واستعمل الناس منها فهرس الكتب يفهرسها فهرسة مثل: دحرج، وإنما الفهرست: اسم جملة العدد".
والفهرسة(3) المصدر: كالفذلكة يقال: فذلكت(4) الحساب إذا وقفت(5) على جملته.
15 - قوله (ص): (هذا آخر أنواعه وليس بآخر الممكن، لأنه قابل للتنويع)(6):
فيه أمور:
أحدها: أنه اعترض عليه بأن كثيرا من هذه الأنواع متداخل، لصدق رجوع بعضها إلى بعض(7): كالمتصل بالنسبة إلى الصحيح، وكالمنقطع والمعضل والمعنعن والمرسل والشاذ والمنكر والمضطرب وغيرها من أقسام الضعف.
والجواب عن هذا أن المصنف لما كان في مقام تعريف الجزئيات انتفى التداخل لاختلاف حقائقها في أنفسها بالنسبة إلى الاصطلاح، وإن كانت ترجع إلى القدر المشترك.
وقد أشار هو إلى ذلك في آخر الكلام على نوع الضعيف كما سيأتي.
وثانيهما: أنه لم يرتب(8) الجميع على نسق واحد في المناسبة، فكان يذكر ما يتعلق بالإسناد خاصة وحده، وما يتعلق بالمتن خاصة وحده، وما يجمعهما وحده.
ومال يختص بهيئة السماع والأداء وحده/(ه3/ب ر4/ب)، وما يختص بصفات الرواة وأحوالهم وحده.
__________
(1) هو أبو حفص عمر بن خلف بن مكي الحميري المازري الصقلي النحوي اللغوي المحدث، توفي سنة 501 وقيل في النصف الأخير من القرن السادس. مقدمة تثقيف اللسان ص8.
(2) كلمة (قال) سقطت من (ب).
(3) في (ي) (فهرست) بالتاء المفتوحة.
(4) في (ه) (فذلك).
(5) في (ب) (وقعت) بالعين.
(6) مقدمة ابن الصلاح ص10.
(7) للحافظ ابن كثير اعتراض إجمالي من هذا النوع، انظر الباعث الحثيث ص21.
(8) من (ي) وهامش (ر) وفي باقي النسخ (يترتب).(16/9)
والجواب عن ذلك: أنه جمع متفرقات هذا(1) الفن من كتب مطولة في هذا الحجم اللطيف، ورأى أن تحصيله وإلقاءه على طالبيه أهم من صرف العناية إلى حسن ترتيبه، فإنني رأيت بخط صاحبه المحدث فخر الدين: عمر بن يحيى الكرجي(2) ما يصرح بأن الشيخ كان إذا حرر نوعا من هذه الأنواع/(ب9) واستوفى(3) التعريف به وأورد أمثلته وما يتعلق به(4) أملاه، ثم انتقل إلى تحرير نوع آخر، فلأجل(5)/(ي8) هذا احتاج إلى سرد أنواعه في خطبة الكتاب، لأنه صنفها بعد فراغه من إملاء الكتاب، ليكون عنوانا للأنواع، ولو كانت محررة الترتيب على الوجه المناسب ما(6) كان سرده للأنواع في الخطبة كثير الفائدة.
ثالثها: أنه أهمل أنواعا أخر.
قال الحازمي(7) في كتاب العجالة له(8): "اعلم أن علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تقرب من مائة نوع، وكل نوع منها علم مستقل لو أنفق الطالب فيه(9) عمره لما أدرك نهايته" اه.
__________
(1) كلمة (هذا) سقطت من (ب).
(2) لزم فخر الدين المذكور العلامة ابن الصلاح وتفقه عليه وحدث عنه أبو الحسن ابن العطار وغيره. توفي سنة 690. طبقات الشافعية للسبكي 8: 344.
(3) من (ي) وهامش (ر/أ)، وفي باقي النسخ (واستوى) وهو خطأ لأن قولك (استوى به الأمر) هنا غير مناسب. قال في اللسان 3: 249: "واستوت به الأرض وتسوت وسويت عليه كله: هلك فيها" ومثله في القاموس 4: 345.
(4) كلمة (به) سقطت من (ب).
(5) من (ر) و(ي) وفي (ه) و (ب) (ولأجل).
(6) كلمة (ما) من (ر) وسقطت من باقي النسخ.
(7) هو: الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي، له مؤلفات منها: (الفيصل من مشتبه النسبة) و(الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ) سمع من أبي العلاء الهمذاني وأبي موسى المديني وغيرهما. تذكرة الحفاظ 4: 1363 والأعلام 7: 339.
(8) ص3.
(9) من (ي) وفي باقي النسخ (فيها).(16/10)
وقد فتح الله تعالى بتحرير أنواع زائدة على ما حرره المصنف تزيد على خمسة وثلاثين نوعا. فإذا أضيفت إلى الأنواع التي ذكرها المصنف تمت مائة نوع كما أشار إليه الحازمي وزيادة.
وقد ذكر شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني(1) منها في محاسن الإصلاح له خمسة أنواع(2).
وزاد عليه بعض(3) تلامذته - ممن أدركناه ومات قديما - ثمانية أنواع.
وفتح الله بباقي ذلك من تتبع مصنفات أئمة الفن كما سنسردها إن شاء الله تعالى عند فراغ هذه النكت، ونتكلم على كل نوع منها بما لا يقصر إن شاء الله تعالى عن طريقة المصنف. والله المستعان(4).
النوع الأول: الصحيح
[تعريف الحديث الصحيح:]
16- قوله (ص): (أما الحديث الصحيح فهو الحديث(5) المسند الذي يتصل إسناده...)(6)، إلى آخره:
اعترض عليه بأنه لو قال: المسند المتصل لاستغنى عن تكرار لفظ الإسناد.
والجواب عن ذلك أنه إنما أراد وصف الحديث المرفوع. لأنه الأصل الذي يتكلم عليه. والمختار في وصف المسند على ما سنذكره أنه(7) الحديث الذي يرفعه الصحابي مع ظهور الاتصال (في باقي الإسناد)(8) فعلى هذا لا بد من التعرض لاتصال الإسناد في شرط الصحيح. والله أعلم.
__________
(1) هو الفقيه الحافظ المجتهد سراج الدين عمر بن رسلان الكناني المصري الشافعي، سمع من عدد من الشيوخ وأجاز له الحافظان الذهبي والمزي، ومن تلاميذه ابن حجر، له مصنفات منها التدريب في فقه الشافعية ومحاسن الإصلاح في علوم الحديث. توفي سنة 805 ه بالقاهرة.
(2) ذكر هذه الأنواع في آخر كتابه محاسن الإصلاح مع مقدمة ابن الصلاح من النوع السادس والستين إلى النوع السبعين من ص615- 649.
(3) قال في هامش (ر): (هو الزركشي ذكره في كتابه على ابن الصلاح).
(4) ولكنه لم يذكر شيئا لأنه لم يتمكن من إكمال الكتاب.
(5) ليس في (ب).
(6) تمامه (بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا) مقدمة ابن الصلاح ص10.
(7) في (ب) (أن).
(8) ما بين القوسين سقط من (ب).(16/11)
17- قوله (ص) في حد الصحيح: (أن لا يكون شاذا ولا معللا):
اعترض عليه، بأنه كان ينبغي أن يزيد فيه قيد(1) القدح بأن يقول: ولا معللا بقادح.
وقد ذكره بعد هذا القول في قوله: وفي هذه/(ي9) الأوصاف احتراز عن ما فيه علة قادحة فكان يتعين أن يذكره في نفس الحد؛ لأن من مسمى العلل ما لا يقدح كما سيأتي.
ومن هنا(2) اعترض الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد(3) عليه(4) بأن قال: وفي قوله: "ولا شاذا ولا معللا" نظر على مقتضى مذاهب الفقهاء؛ فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء(5). انتهى.
فقوله: "إن كثيرا" يدل على أن من العلل ما يجري على أصول الفقهاء، وهي العلل القادحة.
وأما العلل التي يعلل بها كثير من المحدثين ولا تكون قادحة فكثيرة.
1- منها: أن يروي العدل الضابط عن تابعي مثلا عن صحابي/(ب11) حديثا فيرويه عدل ضابط غيره مساو له في عدالته وضبطه وغير ذلك من الصفات العلية عن ذلك التابعي بعينه عن صحابي آخر، فإن مثل هذا يسمى علة عندهم لوجود الاختلاف على ذلك التابعي في شيخه.
2- ولكنها غير قادحة لجواز أن يكون التابعي سمعه من صحابيين معا من هذا جملة كثيرة/(ر5/ب، ه5/ب).
والجواب عن المصنف: أنه لم يخل باحتراز ذلك، بل قوله: (ولا يكون/(ه5/ب) معللا) إنما يظهر من تعريف المعلل (وقد عرف)(6) فيما بعد أنه الحديث الذي اطلع في إسناده الذي ظاهره السلامة على علة خفية(7) قادحة...
__________
(1) ليس في (ب).
(2) في (ب) (هذا).
(3) هو الفقيه المحدث المجتهد أبو الفتح محمد بن علي القشيري المالكي الشافعي له مصنفات منها: الاقتراح في علوم الحديث، وإحكام الأحكام شرح العمدة، توفي سنة 702 ه. الدرر الكامنة 4: 210، والأعلام 7: 173.
(4) ليست في (ب).
(5) الاقتراح د1/ب، والتقييد والإيضاح مع مقدمة ابن الصلاح ص20، وتدريب الراوي ص23.
(6) ما بين القوسين سقط من (ي).
(7) في (ه) (فيه) وهو خطأ.(16/12)
فلما اشترط انتفاء المعلل(1) دل على أنه اشترط انتفاء ما فيه من علة خفية قادحة.
فلهذا قال: "وفيه احتراز عما فيه علة قادحة".
ويحتمل أنه إنما لم يقيد العلة بالقدح في نفس الحد ليكون الحد جامعا للحديث الصحيح المتفق على قبوله عند الجميع، لأن بعض المحدثين يرد الحديث بكل علة سواء كانت قادحة أو غير قادحة، ومع ذلك فاختياره أن لا يرد إلا بقادح، بدليل قوله: بعد كلامه (وفيه(2) احتراز عما فيه علة قادحة)فوصفه للعلة بالقادح يخرج غير القادح.
هكذا أجاب به شيخنا في شرح منظومته(3)، والأول أوضح. والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: مراده بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي. لا مطلق تفرد الثقة كما فسره به الخليلي.
فافهم ذلك(4).
وللمخالفة شرط يأتي في نوع زيادة الثقة.
الثاني/(ب12): سنبينه في/(ي10) الكلام على الحسن على موضع(5) يتبين منه أن هذا التعريف للصحيح غير مستوف لأقسامه عند من خرج الصحيح حتى ولا الشيخين.
__________
(1) في (ب) (الخلل) وهو خطأ.
(2) كلمة (فيه) من (ه) وفي (ي) ففيه.
(3) شرح ألفية العراقي ص13 فمراده بقوله شيخنا الحافظ العراقي.
(4) ولكن ابن الصلاح قرر أن الشاذ قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف. والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف. مقدمة ابن الصلاح ص17.
ومنه يظهر أن ابن الصلاح لم يقصد بالشاذ ما فسره الشافعي. ثم إن الخليلي لم يفسر الشاد بمطلق تفرد الثقة، وإنما هذا تفسير الحاكم، أما الخليلي فقال: "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به". مقدمة ابن الصلاح ص69.
(5) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب (على وجه).(16/13)
وذلك عند قوله: "إن الحسن إذا تعددت طرقه ارتقى إلى الصحة"(1) - والله الموفق -.
الثالث: إنما لم يشترط نفي النكارة، لأن المنكر على قسميه عند من يخرج الشاذ هو أشد ضعفا من الشاذ. فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة، كذا يلزم من انتفاء الشذوذ عنه انتفاء النكارة. ولم يتفطن الشيخ تاج الدين التبريزي(2) لهذا وزاد في حد الصحيح/(ه6/أ)، أن لا يكون شاذا ولا منكرا.
الرابع: زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راويه مشهورا بالطلب، وهذه الشهرة قدر زائد(3) على مطلق الشهرة التي تخرجه من الجهالة. واستدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون قال: "لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب"(4). والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك.
إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك - والله أعلم -.
[اشتراط العدد لقبول الحديث لم يصرح به أحد من المحدثين:]
1- قوله ع: (وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني، فنبه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث)(5):
__________
(1) انظر مقدمة ابن الصلاح ص31.
(2) هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي الحسن الشافعي، كان عالما في علوم كثيرة، من خيار العلماء دين ومروءة، سمع من ابن جماعة وغيره، وتخرج به جماعة كثيرون، له مصنفات منها: مختصره لمقدمة ابن الصلاح. مات سنة 746. طبقات الشافعية للأسنوي 1/321، والدرر الكامنة 3/143.
(3) من (ي) وفي باقي النسخ (قد زاد).
(4) لم أجد هذا النص في علوم الحديث للحاكم بعد بحث متكرر، وهو في الكفاية للخطيب ص251 وقد أسنده بهذا اللفظ إلى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر كما روى بإسناده عن عبد الله بن عون قال: "لا تكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفا بالطلب". وانظر الجرح والتعديل (1/1/28) عن ابن عون وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
(5) التقييد والإيضاح ص21.(16/14)
يعني اشتراط العدد في الحديث المقبول بأن يرويه عدلان عن عدلين حتى يتصل السند مثنى مثنى برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.
وهذا إن(1) كان الشيخ أراد بأنه لا يعرف/(ب13) التصريح به(2) من أحد من أهل الحديث فصحيح(3)، وإلا فذلك موجود في كلام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله(4) الحافظ في المدخل.
__________
(1) في (ه) (وإن).
(2) كلمة (به) ليست في (ب).
(3) في (ب) (فصح).
(4) هو الحافظ الكبير إمام المحدثين المعروف بابن البيع الحاكم النيسابوري صاحب التصانيف، سمع من ألفي شيخ، منهم أبو العباس الأصم ومحمد بن عبد الله الصفار، وأبو عبد الله بن الأكرم وأبو علي الحافظ والدار قطني، حدث عنه شيخه الدارقطني وأبو القاسم القشيري وأبو بكر البيهقي، ثقة واسع العلم بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء منها المستدرك، ومعرفة علوم الحديث، توفي سنة 405. تذكرة الحفاظ 3/1039.(16/15)
وقد نقله عنه الحازمي لما ذكر أن الحديث الصحيح ينقسم أقساما وأعلاها شرط البخاري ومسلم، وهي الدرجة الأولى من الصحيح، وهو أن يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابي/(ي11) زائل عنه اسم الجهالة، بأن يروي عنه تابعيان عدلان ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن، وله رواة ثقات من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا مشهورا بالعدالة في روايته، وله رواة، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى(1) وقتنا كالشهادة على الشهادة"(2).
وقال في كتاب/(ر6/ب) علوم الحديث/(ه6/ب) له(3) (وصفة الحديث الصحيح أن يرويه)ثم ساق نحو ذلك(4) لكن لم يتعرض لعدد معين فيمن بعد التابعين.
وقد فهم الحافظ أبو بكر الحازمي من كلام الحاكم أنه ادعى أن الشيخين لا يخرجان الحديث إذا انفرد به أحد الرواة، فنقض عليه بغرائب الصحيحين.
__________
(1) جاء في جميع النسخ (وإلى) وذكر الواو خطأ.
(2) قال الحاكم في المدخل إلى الإكليل ص7- 16، والصحيح من الحديث منقسم على عشرة أقسام، خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها... ثم ذكرها، ونقلها عنه الخازمي في شروط الأئمة الخمسة ص24 وما بين القوسين لم يذكر فيما نقله الحازمي، وقد راجعت المدخل ص7 فلم أجده وهو موجود في معرفة علوم الحديث فظنه الحافظ في المدخل وليس كذلك.
(3) ص62 في النوع التاسع عشر.
(4) يريد نحو كلامه في المدخل الذي نقله الحازمي ونقله الحافظ عنه، ونصه في علوم الحديث ص62: "وصفة الحديث الصحيح أن يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي زائل عنه اسم الجهالة وهو أن يروي عنه تابعيان عدلان ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة".(16/16)
الظاهر أن الحاكم لم يرد ذلك وإنما أراد كل راو في الكتابين من الصحابة فمن بعدهم، يشترط أن يكون له راويان في الجملة، لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه عنه، إلا أن قوله في آخر الكلام: "ثم يتداوله أهل الحديث كالشهادة على الشهادة". إن أراد به تشبيه الرواية بالشهادة(1) من كل وجه فيقوى اعتراض الحازمي، وإن أراد به تشبيهها(2) بها في الاتصال/(ب14) والمشافهة، فقد ينتقض عليه بالإجازة، والحاكم قائل بصحتها.
وأظنه إنما أراد بهذا التشبيه أصل الاتصال (والإجازة عند المحدثين لها حكم الاتصال)(3) - لله أعلم -
ولا شك أن الاعتراض عليه بما في علوم الحديث أشد من الاعتراض عليه بما في المدخل، لأنه جعل في المدخل هذا شرطا لأحاديث الصحيحين.
وفي العلوم جعله شرطا للصحيح في الجملة.
وقد جزم أبو حفص الميانجي(4) بزيادة على فهمه الحازمي من كلام الحاكم.
[زعم الميانجي أن الشيخين يشترطان العدد في صحة الحديث في كتابيهما:]
فقال في كتاب (كتاب ما لا يسع المحدث جهله)(5): "إن شرط الشيخين في صحيحهما - أن لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما، وذلك ما رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان فصاعدا، وما نقله عن/(ي12) كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر، وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة".
فهذا الذي قاله الميانجي مستغن بحكايته عن الرد عليه فإنهما لم يشترطا ذلك ولا/(ر7/أ) واحد منهما.
__________
(1) كلمة (بالشهادة) ليست في (ب).
(2) من (ر) و(ي) وفي (ه) و(ب) تشبيها.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) هو عمر بن عبد المجيد القرشي المتوفى سنة 580. أنظر تذكرة الحفاظ 4: 1337، وانظر هدية العارفين المجلد الأول ص784. إلا أنه قال توفي سنة 579.
(5) ل18/أ من المخطوطة وص9، ط. شركة الطبع والنشر الأهلية ببغداد.(16/17)
وكم في الصحيحين من حديث لم يروه إلا صحابي واحد، وكم فيهما من حديث(1)/(ه7/أ) لم يروه إلا تابعي واحد.
وقد صرح مسلم في صحيحه(2)ببعض ذلك.
[اشتراط ابن علية وغيره العدد في صحة الحديث:]
وأما اشتراط العدد في الحديث الصحيح، فقد قال به قديما إبراهيم بن إسماعيل بن علية(3) وغيره.
وعقد الشافعي في (الرسالة)(4) بابا محكما لوجوب العمل بخبر الواحد، وخبر الواحد عندهم هو: ما لم يبلغ درجة المشهور(5) سواء رواه شخص واحد أو أكثر.
ورأيت في بعض تصانيف الجاحظ(6) أحد(7) المعتزلة أن الخبر لا يصح عندهم إلا إن رواه أربعة.
وعن أبي علي الجبائي(8)أحد المعتزلة - أيضا - فيما حكاه أبو الحسين البصري(9)
__________
(1) قوله: من حديث من (ي) وفي باقي النسخ (من الحديث).
(2) يشير إلى قول الإمام مسلم في صحيحه 27- كتاب الأيمان والنذور2- باب من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله- عقب حديث الزهري رقم 1647- قال أبو الحسين مسلم: هذا الحرف... لا يرويه أحد غير الزهري. قال وللزهري نحو من تسعين حديثا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد.
(3) إبراهيم بن إسماعيل بن علية عن أبيه جهمي هالك، كان يناظر ويقول بخلق القرآن. مات سنة 218. ميزان الاعتدال 1: 20.
(4) ص369- 458.
(5) كذا في جميع النسخ ولعله سبق قلم من الحافظ، والصواب أن يقال (المتواتر) إذ المشهور من أخبار الآحاد. قال الحافظ في شرح النخبة: (والثاني وهو أول أقسام الآحاد ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، وهو المشهور عند المحدثين). نزهة النظر ص17.
(6) هو: عمرو بن بحر المتكلم، صاحب التصانيف. قال ثعلب: (ليس بثقة ولا مأمون).
المغني في الضعفاء للذهبي 2: 481.
(7) في (ب) (واحد).
(8) هو محمد بن عبد الوهاب صاحب مقالات المعتزلة. مات سنة 303ه.
لسان الميزان 5: 271، اللباب لابن الأثير 1: 255.
(9) هو محمد بن علي المعتزلي نزيل بغداد له مؤلفات منها المعتمد في الأصول. توفي سنة 436ه.
انظر هدية العارفين - المجلد الثاني ص69، ولسان الميزان (5: 298) وفيه شيخ المعتزلة ليس بأهل لأن يروى عنه.(16/18)
في المعتمد(1) "أن الخبر لا يقبل إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر. أو عضده(2) موافقة ظاهر الكتاب، أو ظاهر خبر آخر. أو يكون منتشرا بين الصحابة، أو عمل به بعضهم".
وأطلق الأستاذ أبو منصور التميمي(3) عنه أنه يشترط الاثنين عن الاثنين.
والحق عنه التفصيل الذي حكيناه.
واحتج على ذلك:
1- بقصة(4) ذي اليدين(5) وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - توقف في خبره حتى تابعه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وغيرهما.
2- وقصة(6)
__________
(1) 1: 622
(2) في (ه) (وعضده).
(3) هو عبد القاهر بن طاهر البغدادي عالم متفنن من أئمة الأصول له مؤلفات منها الفرق بين الفرق، نفي خلق القرآن، ومعيار النظر توفي سنة 429ه.
وفيات الأعيان (1: 298)، والطبقات للسبكي (3: 238)، وهدية العارفين المجلد الأول ص606، والأعلام 4: 173.
(4) القصة في (خ) كتاب السهو باب 4 رقم 1228، باب 5 رقم 1229، كتاب الآحاد رقم 7250، (م) مساجد حديث 97، 98، (ت) 2: 247، أبواب الصلاة، (جه) 1: 383، 384، و(دي) 1: 290، (ط) 1: 93، (حم) 2: 235، 271، 284، 423، 460. وقد روى هذه القصة ابن عمر وعمران بن حصين وأبو هريرة ولفظها في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: "أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟!" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصدق ذو اليدين؟" فقال الناس" نعم"، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع".
(5) ذو اليدين، قال الحافظ في الفتح 3: 100 اسمه الخرباق، وفي الإصابة 1: 422 الخرباق السلمي.
(6) الحديث في (جه) 22- كتاب الفرائض باب 4 رقم 2724، (د) فرائض باب الجدة حديث 2894، (دي) فرائض حديث 2942، (ت) كتاب الفرائض باب 12، ج4 حديث 2101.
ومن لفظه: "جاءت الجدة على أبي بكر تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر: مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا.. فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقان محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أو بكر الصديق...".(16/19)
أبي بكر - رضي الله عنه - حين توقف في حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة.
3- وقصة(1) عمر(2) - رضي الله عنه - في توقفه في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - وغير ذلك.
__________
(1) القصة في (خ) الاستئذان حديث 6245، (م) آداب الحديث 33، 34، 35، 36، 37، (د) 2: 345، 346. (جه) أدب باب 17 حديث 3756، (ت) الاستئذان باب ما جاء في الاسئذان ثلثا حديث 2690، (دي) ج2 ص 187 حديث 2632 (حم) 2: 6، 19.
ولفظ الحديث في (خ) عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: "استأذنت على عمر ثلاثا، فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا، فلم يؤذن لي، فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا، فلم يؤذن له فليرجع". فقال: "والله لتقيمن عليه بينة. أمنكم من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟" فقال أبي بن كعب: "والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم"، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك".
(2) هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الصحابي الجليل الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات، والمضروب بعدله المثل، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره لقبه رسول الله بالفاروق وكناه بأبي حفص له في كتب الحديث 537 حديثا، له ترجمة في الكامل لابن الأثير 3: 19، والطبري 1: 187، والإصابة الترجمة 5738، وحلية الأولياء 1: 38، وصفوة الصفوة 1: 101، والأعلام للزركلي 5: 204، استشهد في ذي الحجة 23ه.(16/20)
4- وقول(1) علي بن أبي طالب(2) - رضي الله عنه – "كنت إذا حدثني رجل استحلفني فإن حلف لي صدقته".
والجواب عن ذلك كله واضح.
أما قصة ذي اليدين: فإن/(ر7/ب) النبي - - صلى الله عليه وسلم - - إنما توقف فيه للريبة/(ي13) الظاهرة، لأنه أخبر النبي - - صلى الله عليه وسلم - - عن فعل نفسه/(ه7/ب) وكان ثمة جماعة من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم، ولم يذكره أحد منهم سواه، فكان موجب التوقف قويا. وقد قبل خبر غيره على انفراده عند انتفاء الريبة في جملة من الوقائع/(ب16).
__________
(1) قول علي في (د) كتاب الصلوات حديث 1521، (جه) إقامة باب 193 حديث 1395، (ت) تفسير سورة آل عمران برقم 3006، (حم) 1:2، 3.
(2) هو أبو الحسن أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره وأحد الشجعان الأبطال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 586 حديثا، واستشهد في رمضان سنة 40ه له ترجمة في ابن الأثير حوادث سنة 40، والطبري 6: 83، وصفوة الصفوة 1: 118، وحلية الأولياء 1: 61 وغيرها والأعلام 5: 108.(16/21)
وأما قصة المغيرة(1) رضي الله عنه فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه إنما توقف فيه، لأنه أمر مشهور فأراد أن يتثبت فيه، وقد قبل أبو بكر رضي تعالى الله عنه حديث عائشة(2) رضي الله عنها وحدها في القدر الذي كفن(3)فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما عمر رضي الله عنه فإن أبا موسى(4) - رضي الله عنه - أخبره بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه، فأراد عمر - رضي الله عنه - الاستثبات في خبره لهذه القرينة.
__________
(1) هو الصحابي المشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة وهو أحد دهاة العرب مات سنة 50ه ترجمته في الإصابة، ترجمة 8181 وأسد الغابة 4/406.
(2) هي أم المؤمنين ابنة أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان من قريش أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب. ترجمتها في الإصابة رقم 701، وطبقات ابن سعد 8: 39، والطبري 3: 67، حلية الأولياء 2: 43، الأعلام 4: 5 توفيت سنة 57ه.
(3) الحديث في (خ) كتاب الجنائز باب 94 حديث 1387، (ط) 2- الجنائز حديث رقم 6، (حم) 6: 118. ومن لفظه: "عن عائشة رضي الله عنها قال: إن أبا بكر قال لها... في كم كفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يا أبت في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية".
(4) هو عبد الله بن قيس الأشعري صحابي جليل من الولاة الشجعان الفاتحين، استعمله رسول الله على جانب من اليمن وولاه عمر البصرة وهو أحد الحكمين بصفين مات سنة 50/ع.
تقريب والإصابة ترجمة 4889، وطبقات ابن سعد 4: 105، وحلية الأولياء 1: 256، والأعلام 4: 254.(16/22)
وقد قبل عمر - رضي الله عنه - حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وحده في أن النبي - - صلى الله عليه وسلم - - أخذ الجزية من مجوس هجر(1).
وحديثه وحده - رضي الله عنه - في النهي عن الفرار من الطاعون، وعن دخول البلدة التي وقع بها(2).
وحديث الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها(3).
وعدة أخبار من أخبار الآحاد في عدة من الوقائع.
__________
(1) الحديث في (خ) كتاب الجزية برقم 3157، (ت) 24 كتاب السير 31 باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس حديث 1586، 1587 و(د) كتاب الخراج والإمارة والفيء 31- باب في أخذ الجزية من المجوس حديث 3043، و(دي) 2: 152 حديث 2504، (ط) 17- كتاب الزكاة 24- باب جزية أهل الكتاب والمجوس حديث 42، (حم) 1: 194 ولفظه من (ط) بإسناده، أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: "ما أدري ما أصنع في أمرهم". فقال "عبد الرحمن بن عوف: "أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".
(2) الحديث في (خ) 76- كتاب الطب 30- باب ما يذكر في الطاعون حديث 5729، 5730، 90- كتاب الحيل 13 - باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون حديث 6973، (م) 39- كتاب السلام 32- باب الطاعون والطيرة، حديث 98، 99، 100.
(3) 13- كتاب الفرائض 18- باب في المرأة ترث من دية زوجها حديث 2927، (ت) 30- كتاب الفرائض 18- باب ما جاء في ميراث المرأة من دية زوجها حديث 2110، (جه) 21- كتاب الديات 12- باب الميراث في الدية حديث 2642.(16/23)
وأما صنيع علي - رضي الله عنه - في الاستحلاف(1) فقد أنكر البخاري صحته(2) وعلى تقدير ثبوته، فهو مذهب تفرد به، والحامل له على ذلك هو المبالغة في الاحتياط، والله أعلم.
18- قوله (ص): (ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق. على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك)(3). انتهى.
أما الإسناد فهو كما قال قد صرح جماعة من أئمة الحديث بأن إسناد كذا أصح الأسانيد.
__________
(1) الحديث في (ت) 48- كتاب التفسير 4- باب حديث 3006، (د) كتاب الوتر باب في الاستغفار حديث رقم 1521، (جه) كتاب الإقامة 193- باب ما جاء في أن الصلاة كفارة حديث 1395 (حم) 1: 10 كلهم من طريق أسماء بن الحكم الفزاري، قال: "سمعت عليا يقول إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف صدقته..." الحديث.
(2) قال البخاري في كتابه التاريخ الكبير 2: 54 - في ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري راوي هذا الحديث عن علي-: "لم يرو عنه إلا هذا الحديث، وحديثا آخر لم يتابع عليه. وقد روى أصحاب النبي بعضهم عن بعض ولم يحلف بعضهم بعضا".
قال الحافظ: "قال المزي: هذا لا يقدح في صحة الحديث لأن وجود المتابعة ليس شرطا في صحة كل الحديث. على أن له متابعا"... وذكر له متابعات، قلت - أي الحافظ -: "والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئا لأنها ضعيفة جدا" وقال البزار: "أسماء مجهول". وقال موسى بن هارون: "ليس بمجهول"، لأنه روى عنه علي بن ربيعة والركين (بمهملتين مصغرا) بن الربيع... وهذا الحديث جيد الإسناد. وتبع العقيلي البخاري في إنكار الاستحلاف، فقال قد سمع علي من عمر فلم يستحلفه. قلت (القائل الحافظ): "وجاءت عنه رواية عن المقداد وأخرى عن عمار، ورواية عن فاطمة الزهراء رضي الله عنهم وليس في شيء من طرقه أنه استحلفهم". تهذيب 1: 267.
(3) مقدمة ابن الصلاح ص12.(16/24)
وأما الحديث/(ب17) فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال: حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق، لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن المروي به أصح من المتن المروي بالإسناد المرجوح(1)، لاحتمال انتفاء العلة عن الثاني ووجودها في الأول.
أو كثرة/(ي14) المتابعات وتوافرها على الثاني دون الأول. فلأجل هذا ما خاض الأئمة إلا في الحكم على الإسناد خاصة. وليس الخوض فيه يمتنع، لأن الرواة قد ضبطوا، وعرفت أحوالهم وتفاريق(2) مراتبهم، فأمكن الاطلاع على الترجيح بينهم. وسبب الاختلاف في ذلك إنما هو من جهة أن كل من رجح إسنادا كانت أوصاف رجال ذلك الإسناد عنده أقوى من غيره بحسب اطلاعه، فاختلفت أقوالهم، لاختلاف اجتهادهم.
وتوضيح هذا أن كثيرا ممن نقل عنه الكلام في ذلك إنما يرجح إسناد أهل بلده، وذلك لشدة اعتنائه(3).
فروينا في الجامع(4) للخطيب من طريق أحمد بن سعيد الدارمي (5) قال: "سمعت محمود بن غيلان(6) يقول قيل لوكيع ابن جراح(7):
__________
(1) من (ي) و(ه) تصحيحا وفي (ر) و(ب) (الرجوع) وهو خطأ.
(2) كذا في كل النسخ ولعل الصواب (وتفاوت).
(3) من (ي) وهامش (ر) وفي صلب (ر) و(ه) (إفشائه) وفي (ب) (اجتنابه) والصواب ما أثبتناه.
(4) 10/ 194/ أ.
(5) هو أبو جعفر السرخسي ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة 253ه/ خ م د ت ق. تقريب 1: 15.
(6) محمود بن غيلان العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي، نزيل بغداد، ثقة من العاشرة مات سنة 239ه وقيل بعد ذلك. تقريب 2: 233.
(7) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي - بضم الراء وهمزة ثم مهملة، أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات في آخر أو أول سنة مائة وسبع وتسعين 197ه. تقريب 2: 331. وتذكرة الحفاظ 1: 306، وطبقات الحنابلة 1: 391، وتاريخ بغداد 13: 466.(16/25)
هشام بن عروة(1)يحدث عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها -. وأفلح بن حميد(2) عن القاسم(3) عن عائشة - رضي الله عنها -.
وسفيان(4) عن منصور(5) عن إبراهيم(6) عن الأسود(7) عن عائشة - رضي الله عنها -. أيهم أحب إليك؟
قال: "لا نعدل(8) بأهل بلدنا أحدا".
قال أحمد بن سعيد الدارمي: "فأما أنا فأقول(9): هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أحب إلي هكذا رأيت أصحابنا يقدمون".
ولكن يفيد(10) مجموع ما نقل عنهم(11)في ذلك ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية. على ما لم يقع له حكم من أحد منهم.
__________
(1) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة/ ع. تقريب 2: 319.
(2) أفلح بن حميد بن نافع الأنصاري المدني المكي يكنى أبا عبد الرحمن ثقة، من السابعة مات سنة 158 وقيل بعدها. خ م د س ق. تقريب 1: 82.
(3) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة من كبار الثالثة مات سنة 106/ع. تقريب 1: 120.
(4) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري- أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس مات سنة 161/ع.
تقريب 1: 311.
(5) منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عثّاب بمثلثة ثقيلة ثم موحدة الكوفي، ثقة ثبت من طبقة الأعمش، مات سنة 132/ع. تقريب 2: 277.
(6) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه، ثقة إلا انه كان يرسل كثيرا من الخامسة مات سنة 96/ع. تقريب 1: 46.
(7) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن، مخضرم ثقة، مكثر، فقيه من الثانية مات سنة أربع أو خمس وسبعين. /ع. تقريب 1: 77، وتهذيب التهذيب 1: 343.
(8) في (ه) و(ب) (لا يعدل) بالياء.
(9) في (ب) (أقول) بدون فاء.
(10) في (ه) و(ب) (يقيد) بالقاف وهو خطأ.
(11) في النسخ كلها (عنه) بالضمير المفرد، وهو غير مستقيم.(16/26)
وللناظر(1) المتقن في ذلك ترجيح بعضها على(2) بعض/(ب18) ولو من حيث رجحان (حفظ)(3) الإمام الذي رجح ذلك الإسناد على غيره.
وقد ذكر المصنف من ذلك/(ه8/ب) خمسة(4)تراجم.
ومما لم يذكره.
1- قال حجاج/(ر8/ب) بن الشاعر(5) أو غيره(6): "أصح الأسانيد شعبة (7)عن قتادة(8) عن سعيد بن المسيب(9) عن شيوخه".
__________
(1) في (ب) (الناظر) بدون لام الجر وهو خطأ.
(2) كلمة (على) من (ي) وهو الصواب وفي باقي النسخ (من).
(3) الزيادة من (ي).
(4) كذا في جميع النسخ ولعله تأول التراجم بالأسانيد وكان الأولى أن يقول (خمس) نظرا للفظ التراجم وانظر الخمس تراجم التي أشار إليها الحافظ في مقدمة ابن الصلاح ص12.
(5) حجاج بن أبي يعقوب يوسف بن الحجاج الثقفي البغدادي المعروف بابن الشاعر ثقة حافظ من الحادي عشرة مات سنة 259. التقريب 1/ 154.
(6) في هامش (ر/أ) (الظاهر حذف الألف) يعني حتى يصير الكلام قال الحجاج بن الشاعر وغيره.
(7) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وكان عابدا من السابعة مات سنة 160/ ع. تقريب 1/ 351.
(8) قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب، البصري، ثقة ثبت، يقال ولده أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومائة/ع. تقريب 1: 123.
(9) سعيد بن مسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات، الفقهاء الكبار/ من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل مات بعد التسعين/ع.
تقريب 1: 306.(16/27)
2- وقال يحيى بن معين(1): عبد الرحمن بن القاسم(2) عن أبيه(3) عن عائشة، ليس إسناد أثبت من هذا.
3- وقال سليمان بن داود الشاذكوني(4): "أصح الأسانيد: يحيى بن أبي كثير(5) عن أبي سلمة(6) عن أبي هريرة(7) - رضي الله عنه –"(8).
__________
(1) يحيى بن معين بن عوف الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا البغدادي ثقة، حافظ مشهور، إمام الجرح والتعديل، من العاشرة مات سنة 233 بالمدينة النبوية. /ع. تقريب 2: 358.
(2) عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، التميمي، أبو محمد المدني، ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، من السادسة مات سنة 126 وقيل بعدها. /ع. تقريب 1: 495.
(3) تقدمت ترجمته ص249.
(4) هو الحافظ الشهير أبو أيوب المنقري البصري من أفراد الحافظين إلا أنه واه.
تذكرة الحفاظ 2: 488.
(5) يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة مات سنة 132، وقيل قبل ذلك./ع.
تقريب 2: 356.
(6) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، قيل اسمه: عبد الله وقيل إسماعيل، ثقة مكثر من الثالثة، مات سنة 94/ع.
تقريب 2: 430.
(7) أبو هريرة السدوسي، الصحابي الجليل، حافظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه: قيل عبد الرحمن بن صخر وإليه ذهب الأكثرون، وذهب جمع من النسابين إلى أنه عمرو بن عامر، وذكر الحافظ أقوالا كثيرة غير هذين، مات سنة سبع وقيل ثمان، وقيل تسع وخمسين/ع.
تقريب 2: 484.
(8) الكفاية ص398 ط. دائرة المعارف العثمانية، ومعرفة علوم الحديث ص54.(16/28)
4- وقال النسائي(1): "أصح(2) الأسانيد التي تروى أربعة منها - غير/(ي15) ما تقدم - الزهري(3) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة(4) عن ابن عباس(5) عن عمر(6) - رضي الله عنه –".
5- وقال ابن معين أيضا: "عبيد الله بن عمر(7) عن القاسم عن عائشة - رضي الله عنها - ترجمة مشبكة بالدر وفي رواية بالذهب"(8).
__________
(1) هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو عبد الرحمن النسائي الحافظ صاحب السنن مات سنة 303. تقريب 1: 16.
(2) في (ر) أحسن.
(3) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري القرشي أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة 125، وقيل قبل ذلك/ع. تقريب 2: 207.
(4) هو أبو عبد الله ابن عتبة بن مسعود الهذلي المدني ثقة فقيه، ثبت، من الثالثة مات سنة 94 وقيل غير ذلك/ع. تقريب 1: 535.
(5) هو حبر الأمة عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة/ع. تقريب 1: 425.
(6) تقدمت ترجمته ص244.
(7) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان، ثقة ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، من الخامسة مات سنة بضع وأربعين ومائة/ع. تقريب 1: 537.
(8) معرفة علوم الحديث ص55.(16/29)
6- وقال أبو حاتم الرازي(1): "يحيى بن سعيد القطان(2) عن عبيد الله بن عمر بن نافع(3) عن ابن عمر(4) - رضي الله عنهما - كأنك تسمعها من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم –".
7- وكذا رجح أحمد بن حنبل(5) عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - على مالك وأيوب.
__________
(1) هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أحد الحفاظ من الحادية عشرة مات سنة 277/ د س ق. تقريب 2: 143 وتذكرة الحفاظ 2: 567.
(2) يحيى بن سعيد القطان التيمي أبو سعيد البصري ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة ماتسنة 198. تقريب 2: 348.
(3) نافع أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة، ثبت، فقيه مشهور، من الثالثة مات سنة 117 أو بعد ذلك/ع. تقريب 2: 296.
(4) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي أبو عبد الرحمن، أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة، وكان من أشد الناس اتباعا للأثر. مات سنة 73 في آخرها أو أول التي تليها/ع. تقريب 1: 435.
(5) هو الإمام الجليل: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي، نزيل بغداد أبو عبد الله أحد الأئمة ورافع لواء السنة، وقامع البدعة ثقة حافظ فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة مات سنة 241/ع. تقريب 1: 224 وتذكرة الحفاظ 2: 431.(16/30)
8- وقال ابن المبارك(1) ووكيع - كما تقدم - والعجلي: "أرجح الأسانيد وأحسنها: سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة(2) عن عبد الله بن مسعود(3) - رضي الله عنه –".
وروينا في الجامع للخطيب من طريق أبي العباس أحمد بن محمد البرقاني(4) قال: "سمعت خلف بن هشام البزار(5) يقول: "سألت(6) أحمد بن حنبل: أي الأسانيد أثبت؟"9- قال: "أيوب(7) عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فإن كان من حديث حماد بن زيد(8) عن أيوب فيالك"(9).
__________
(1) هو الإمام عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة مات سنة 181/ع. تقريب 1: 445.
(2) علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد من الثانية مات بعد الستين وقيل بعد السبعين/ع. تقريب 2:21.
(3) عبد الله بن مسعود بن غافل - بمعجمة وفاء - ابن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبه جمة وأمره عمر على الكوفة مات سنة 32/ع. تقريب 1: 450.
(4) لم أقف لأبي العباس أحمد بن محمد البرقاني على ترجمة بعد بحث كثير ولم أجده في الرواة عن خلف بن هشام، بل وجدت في الرواة عنه أبا العباس أحمد بن إبراهيم وراق خلف. تاريخ بغداد 8: 322.
(5) خلف بن هشام بن ثعلب - بالمثلثة والمهملة - البزار بالراء آخره المقرئ البغدادي، ثقة له اختيار في القرآن من العاشرة مات سنة 229/ م دز. تقريب 1: 226، تاريخ بغداد 8: 322.
(6) كلمة (سألت) ليست في (ب).
(7) أيوب بن أبي تميمة، كيسان السختياني - بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون - أبو بكر البصري، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من الخامسة مات سنة 131ه/ع. تقريب 1: 89.
(8) حماد بن زيد بن درهم الجهضمي الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة مات سنة 179/ع. تقريب 1: 197، الكاشف 1: 251.
(9) هذا اللفظ يؤتى به للتعجب.(16/31)
قلت: "فعلى هذا فقد اختلف اجتهاد أحمد بن حنبل في هذه الترجمة".
وكذا رجحها النسائي/(19/ب).
10- نعم، وأخرج الترمذي(1) عن محمد بن أبان(2) عن وكيع. قال: "الأعمش(3) أحفظ لإسناد إبراهيم من(4) منصور(5).
11- وقال علي بن المديني(6): "من أصح الأسانيد حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين(7) عن أبي هريرة - رضي الله عنه –"(8).
__________
(1) هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الترمذي أبو عيسى صاحب الجامع أحد الأئمة ثقة حافظ من الثانية عشرة، مات سنة 279.تقريب 2: 198، والكاشف 3: 86.
(2) محمد بن أبان بن وزير البلخي، أبو بكر مستملي وكيع، روى عنه الجماعة سوى (م) وابن خزيمة وخلق، صنف وجمع من العاشرة، مات سنة 244. الكاشف 3: 15، تقريب 2: 140.
(3) هو سليمان بن مهران، الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين أو ثمان وأربعين ومائة/ع. تقريب 1: 331، الكاشف 1: 401.
(4) كلمة (من) من (ي) وهي كذلك في جامع الترمذي وفي باقي النسخ (بن) وهو خطأ لأن المقصود ترجيح الأعمش في إبراهيم.
(5) ت 6- كتاب الصوم 51- باب ما جاء في صيام العشر عقب حديث 756.
(6) هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي، مولاهم البصري ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله. من العاشرة مات سنة 234/خ د ت س فق. تقريب 2: 40، الكاشف 288.
(7) محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت، عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى. من الثالثة مات سنة عشر ومائة/ع.
تقريب 2: 169، والكاشف 3: 51.
(8) هذا النص في الكفاية ص398، ط الهندية.(16/32)
12- وقال البخاري(1) - فيما ذكره الحاكم عنه أيضا – "أصح الأسانيد أبو الزناد(2) عن الأعرج(3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه –"(4)
13- وروى ابن شاهين(5) في الثقات عن أحمد بن صالح المصري(6) قال: "من أثبت أسانيد أهل المدينة إسماعيل بن أبي حكيم(7) عن عبيدة(8) بن سفيان - يعني عن أبي هريرة - رضي الله عنه –"(9).
__________
(1) هو الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي مولاهم صاحب الجامع الصحيح وغيره، كان إماما حافظا حجة رأسا في الفقه والحديث، مجتهدا من أفراد العالم. الكاشف 3: 19، تقريب 1: 144.
(2) هو عبد الله بن ذكوان القرشي، أبو عبد الرحمن المدني المعروف بأبي الزناد ثقة، فقيه من الخامسة مات سنة 130 وقيل بعدها/ع. تقريب 1: 413، الكاشف 2: 84.
(3) هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أبو داود المدني، مولى ربيعة بن الحارث، ثقة، ثبت، عالم من الثالثة. مات سنة 117/ع. تقريب 1: 501، والكاشف 2: 189.
(4) هذا النص في معرفة علوم الحديث ص52.
(5) هو عمر بن أحمد بن عثمان أبو حفص واعظ علامة من حفاظ الحديث له نحو ثلاثمائة مؤلف منها السنة والتفسير. مات سنة 385. الأعلام 5: 196.
(6) أحمد بن صالح المصري أبو جعفر الطبري، ثقة حافظ من العاشرة مات سنة 248/خ د تم. تقريب 1: 16، والكاشف 1: 60.
(7) إسماعيل بن أبي حكيم القرشي مولاهم المدني ثقة من السادسة. مات سنة 130/م د س. تقريب 1:68، وتهذيب التهذيب 1: 289.
(8) عبيدة بن سفيان بن حارث الحضرمي المدني ثقة من الثالثة/ م4.
تقريب 1: 547، والخلاصة ص256.
(9) الثقات لابن شاهين - ورقة/2.(16/33)
14- وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل(1) عن أبيه: "ليس بالكوفة أصح من هذا الإسناد: يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان التيمي(2) عن الحارث بن سويد(3) عن علي - رضي الله عنه –"(4).
وروى عن يحيى بن معين نحوه.
15- وفي الترمذي في الدعوات (عن سليمان بن داود الهاشمي(5) أنه قال: في حديث الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع(6) عن علي - رضي الله عنه - هذا مثل الزهري/(ي16) عن سالم عن أبيه)(7)، ذكره عقب حديث الافتتاح قبل باب ما يقول في سجود القرآن.
__________
(1) عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الرحمن ولد الإمام ثقة من الثانية عشرة. مات سنة 290/ س. تقريب 1: 401، والأعلام 4: 188.
(2) سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري، نزل في التيم فنسب إليهم، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة 143/ع. تقريب 1: 326، والكاشف 1: 396.
(3) الحارث بن سويد التيمي، عن عمر وعلي وعنه إبراهيم التيمي، ثقة رفيع الذكر من الثانية مات بعد سنة سبعين/ع. تقريب 1: 141، والكاشف 1: 194.
(4) انظر تدريب الراوي ص37 فإنه ذكر هذا النص، ومحاسن الاصطلاح ص87.
(5) سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس أبو أيوب البغدادي، الهاشمي الفقيه، ثقة جليل من العاشرة. مات سنة 219. تقريب 1: 323، والكاشف 1: 393.
(6) عبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان كاتب علي وهو ثقة من الثالثة. تقريب 1: 532، والكاشف 2: 225.
(7) ت49- كتاب الدعوات- باب 32- عقب حديث 3423.(16/34)
وقال الحاكم أبو عبد الله في معرفة علوم الحديث(1) له: "أصح أسانيد أهل البيت: جعفر بن محمد(2) بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه(3) عن جده(4) عن علي - رضي الله عنه - إذا كان الراوي عن جعفر ثقة"(5).
وأصح أسانيد الصديق - رضي الله عنه -: إسماعيل بن أبي خالد(6) عن قيس بن أبي حازم(7) عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
وأصح أسانيد الفاروق - رضي الله عنه - الزهري عن سالم(8) عن أبيه عن جده(9) - رضي الله عنهم -.
__________
(1) ص55- 56 هذا النص وما بعده إلى قوله: وأثبت أسانيد الخراسانيين.
(2) جعفر بن محمد بن علي الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق، صدوق، فقيه، إمام من السادسة مات سنة 148/بخ م4. تقريب 1: 132، والكاشف1: 186.
(3) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل من الرابعة، مات سنة 118 على الأصح/ع. تقريب 2: 192، والكاشف 3: 79.
(4) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور من الثالثة/ع. تقريب 2: 35، والكاشف 2: 282.
(5) قال السيوطي في التدريب ص36: هذه عبارة الحاكم ووافقه من نقلها وفيها نظر. فإن الضمير في جده إن عاد إلى جعفر فجده علي لم يسمع من علي بن أبي طالب أو إلى محمد فهو لم يسمع من الحسين.
(6) إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي مولاهم البجلي، ثقة ثبت من الرابعة مات سنة 146/ع. تقريب 1: 61، وتهذيب التهذيب 1: 291.
(7) قيس بن أبي حازم البجلي أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثانية، مخضرم يقال روى عن العشرة/ع. تقريب 1: 127، والكاشف 2: 403.
(8) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي، العدوي أبو عمر المدني أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتا عابدا فاضلا من كبار الثالثة مات سنة 106 على الصحيح/ع. تقريب 1: 280، والكاشف 1: 344.
(9) انظر تدريب الراوي ص36.(16/35)
وأصح أسانيد عائشة/(ب20) - رضي الله عنها - الزهري عن عروة(1) عنها.
وأصح أسانيد أنس بن مالك(2) - رضي الله عنه - مالك(3) عن الزهري عنه.
وأصح أسانيد اليمانيين: معمر(4) عن همام بن منبه(5) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وأصح أسانيد/(ر9/ب) المكيين - سفيان بن عيينة(6) عن عمرو بن دينار(7) عن جابر(8) - رضي الله عنه -.
__________
(1) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من الثانية/ع. تقريب 2: 19 وفي موته أقوال منها سنة 93 وسنة 94. الكاشف 2: 262.
(2) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين صحابي مشهور مات سنة 92 وقيل 93. وقد جاوز المائة. تقريب 1: 84، والأعلام 1: 365.
(3) مالك بن أنس الأصبحي أبو عبد الله الإمام المدني الفقيه إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المثبتين من السابعة مات سنة 179. تقريب 2: 223، والأعلام 6: 108.
(4) معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل، مات سنة 154/ع. تقريب 2: 266، والكاشف 3: 164.
(5) همام بن منبه بن كامل الصنعاني أبو عتبة أخو وهب ثقة من الرابعة، مات سنة 132 على الصحيح/ع. تقريب 2: 321، والكاشف 3: 225 في الكاشف صدوق.
(6) سفيان بن عيينة أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي أحد الأعلام ثقة ثبت إمام من رؤوس الطبقة الثامنة وكان ربما دلس، لكن عن الثقات مات سنة 198/ع. تقريب 1: 312، والكاشف 1: 379.
(7) عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم، الجمحي مولاهم، ثقة ثبت من الرابعة. مات سنة 126/ع. تقريب 2: 69، والكاشف 2: 328.
(8) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام - بمهملة وراء - الأنصاري صحابي بن صحابي، غزا 19 غزوة، مات بالمدينة بعد السبعين/ع. تقريب 1: 122، الكاشف 1: 177.(16/36)
وأثبت أسانيد المصريين - الليث بن سعد(1) عن يزيد بن أبي حبيب(2) عن أبي الخير(3) عن عقبة بن عامر(4) - رضي الله عنه -(5).
وأثبت أسانيد الشاميين - الأوزاعي(6) عن حسان بن عطية(7) عن الصحابة - رضي الله عنهم -(8).
وأثبت أسانيد الخراسانيين - الحسن بن واقد(9) عن عبد الله(10) بن بريدة عن أبيه(11) - رضي الله تعالى عنه -.
__________
(1) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، ثقة ثبت، فقيه إمام مشهور من السابعة. مات سنة 175/ع. تقريب 2: 138، والكاشف 3:13.
(2) يزيد بن أبي حبيب المصري أبو رجاء، ثقة فقيه وكان يرسل، من الخامسة مات 128. تقريب 2: 363.
(3) هو مرثد بن عبد الله اليزني - بفتح التحتانية والزاي بعدها نون - أبو الخير المصري ثقة فقيه من الثالثة. مات سنة 90/ع. تقريب 2: 236، والكاشف 3: 130.
(4) عقبة بن عامر الجهني صحابي مشهور ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين وكان فقيها فاضلا، مات في قرب الستين/ع. تقريب 2: 27، والكاشف 2: 272.
(5) هذا النص في تدريب الراوي ص37، وتوضيح الأفكار 1: 36.
(6) هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي أبو عمرو الفقيه ثقة جليل من السابعة، مات سنة 157/ع. تقريب 1: 493، والكاشف 2: 179.
(7) حسان بن عطية المحاربي، مولاهم، أبو بكر الدمشقي، ثقة فقيه عابد، من الرابعة، مات بعد العشرين ومائة/ع. تقريب 1: 162، والكاشف 1: 216.
(8) هذا النص في تدريب الراوي ص37، وتوضيح الأفكار 1: 36.
(9) الحسين بن واقد المروزي، أبو عبد الله القاضي ثقة له أوهام، من السابعة، مات سنة تسع ويقال سبع وخمسين/ خت م4. تقريب 1: 180، والكاشف 1: 235.
(10) عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي قاضيها، ثقة، من الثالثة، مات سنة 105/ع. تقريب 1: 403، والكاشف 2: 74.
(11) هو بريدة بن الحصيب - بمهملتين مصغرا - أبو سهل الأسلمي، صحابي أسلم قبل بدر، مات سنة 63/ع. تقريب 1: 96، الكاشف 1: 152.(16/37)
قلت: "وهذا الذي ذكره الحاكم قد ينازع في بعضه، ولا سيما في أسانيد أنس - رضي الله تعالى عنه -."
فإن قتادة وثابتا البناني(1) أقعد(2) وأسعد بحديثه من الزهري، ولهما من الرواة جماعة، فأثبت أصحاب ثابت البناني حماد بن زيد(3)، وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل غيره(4).
وإنما جزمت بشعبة، لأنه كان لا يأخذ عن أحد ممن وصف بالتدليس إلا ما صرح فيه ذلك المدلس بسماعه من شيخه.
وقد تقدم النقل عن أحمد بن سعيد الدارمي(5) في ترجيح هشام بن عروة عن أبيه(6).
__________
(1) ثابت بن أسلم البناني - بضم الموحدة ونونين مخففتين -، أبو محمد البصري. ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين ومائة/ع. تقريب 1: 115، والكاشف 1: 170.
(2) في اللسان 3: 128 (فلان أقعد من فلان أقرب منه إلى جده الأكبر).
(3) هكذا في جميع النسخ (حماد بن زيد) وهذا يخالف ما نقله الحافظ في تهذيب التهذيب 3: 12 عن يحيى بن معين: من خالف حماد بن سلمة في ثابت فالقول قول حماد، وعن علي بن المديني لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد. ولما قاله في التقريب 1: 196.
(4) قال ابن معين: "أثبت الناس في قتادة ابن أبي عروبة"، شرح العلل لابن رجب (2: 503).
(5) من هامش (ر) وهو الصواب وفي باقي النسخ (الواثقي).
(6) انظر ص249.(16/38)
وكذا قوله في أسانيد أهل الشام فيه نظر. فإن جماعة من أئمتهم رجحوا رواية سعيد بن عبد العزيز(1) عن ربيعة بن يزيد(2) عن أبي إدريس الخولاني(3) عن أبي ذر(4) - رضي الله عنه -.
فهذه/(ي17) بقية أقوال الأئمة في أصح الأسانيد.
وذكر البزار(5) في مسنده أن رواية علي بن الحسين بن علي عن(6) سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص(7) - رضي الله عنه - أصح/(ب21) إسناد يروى عن سعد - رضي الله عنه -(8).
__________
(1) سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي ثقة إمام سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر ولكنه اختلط في آخر عمره من السابعة، مات سنة 167 وقيل بعدها/ بخ م 4. تقريب 1/ 301، وتهذيب التهذيب 4/59.
(2) ربيعة بن يزيد الدمشقي، أبو شعيب الأيادي القصير ثقة عابد من الرابعة، مات سنة 123/ ع. تقريب 1/ 249، والكاشف 1/308.
(3) هو عائذ الله بن عبد الله الخولاني ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين سمع من كبار الصحابة، مات سنة 80/ ع. تقريب 1/390، الكاشف 2/ 58.
(4) هو الصحابي الجليل جندب بن جنادة تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا، ومناقبه كثيرة جدا، مات سنة 32/ ع,. تقريب 2/420، والكاشف 2/332.
(5) هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل ذكره الدارقطني فأثنى عليه وقال: ثقة يخطئ ويتكل على حفظه، مات سنة 292. تذكرة الحفاظ 2/654، والأعلام 1/ 182.
(6) في (ه) و(ب) (بن) وهو خطأ.
(7) سعد بن أبي وقاص: مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبو إسحاق أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبه كثيرة. مات سنة 55 على المشهور/ ع. تقريب 1/290، والكاشف 1/354.
(8) مسند البزار ل117.(16/39)
وقال ابن حزم(1): "أصح طريق يروى في الدنيا عن عمر - رضي الله عنه - رواية الزهري عن السائب بن يزيد(2) - رضي الله عنه -".
فإذا أضيفت إلى ما ذكره المصنف أفادت ترجيح ما نص على أصحيته إذا عارضه ما لم ينص فيه على الأصحية(3) وإن(4) كان صحيحا.
فإن عارضه من نص - أيضا على أصحيته نظر إلى المرجحين؛ فأيهما كان أرجح حكم بقوله وإلا فيرجع إلى القرائن التي تحف أحد الحديثين فيقدم بها على غيره(5) - والله أعلم.
تنبيه:
الذي رجح رواية أيوب عن ابن سيرين هو سليمان بن حرب(6).
تذييل
__________
(1) هو عالم الأندلس في عصره علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، كانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة فزهد فيها، وانصرف إلى العلم والتأليف، بلغت مؤلفاته نحو 400 مجلد منها: المحلى في الفقه، والفصل في الملل والنحل، مات سنة 456. الأعلام 5/59.
(2) السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل غير ذلك في نسبه، صحابي صغير حج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، مات سنة 91/ ع.
تقريب 1/183، الكاشف 1/ 347.
(3) في (ب) (على أصحيته).
(4) في (ب) (فإن).
(5) نقل هذا النص الصنعاني في توضيح الأفكار 1/37.
(6) سليمان بن حرب الأزدي الواشحي - بمعجمة ثم مهملة - البصري، القاضي بمكة ثقة إمام حافظ من التاسعة مات سنة 224/ ع. تقريب 1/391. ونقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/32.(16/40)
قال البرديجي(1): "أجمع أهل النقل على صحة حديث الزهري عن سالم عن أبيه، وعن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من مالك وابن عيينة ومعمر والزبيدي(2) وعقيل(3)ما لم (يختلفوا(4)، فإذا اختلفوا توقف فيه.
والذي رجح رواية ابن عون عن ابن سيرين هو ابن المديني وعين(5) الراوي عن أيوب فقال هو حماد بن زيد.
تنبيه:
لم يذكر المصنف أوهى الأسانيد، وقد ذكره الحاكم(6) وأظنه حذفه لقلة جدواه بالنسبة إلى مقابله، وسأشير وسأشير إليه في الكلام على الحديث الموضوع(7) إن شاء الله تعالى.
__________
(1) هو الإمام الحافظ الثبت أبو بكر بن هارون بن روح البرديجي (نسبة إلى برديج - بفتح الباء وسكون الراء وكسر الدال وياء ساكنة وجيم - مدينة بأقصى أذربيجان). معجم البلدان 1: 378. قال الدارقطني ثقة جبل توفي سنة 301. تذكرة الحفاظ 2/746، والأعلام 1/ 250.
(2) هو محمد بن الوليد الزبيدي - بالزاي الموحدة مصغرا - أبو الهذيل الحمصي القاضي، ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري من السابعة، مات سنة 149/خ م د س ت. تقريب 2/215، والكاشف 3/105.
(3) عقيل - بالضم - بن خالد بن عقيل - بالفتح - الأيلي - بفتح الهمزة - بعدها تحتانية ساكنة أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة ثبت من السادسة، مات سنة 144 على الصحيح/ع. تقريب 2/29، والكاشف 2/275.
(4) كلمة (يختلفوا) سقطت من (ب).
(5) في(ه) و(ب) (وغير) وهو خطأ.
(6) معرفة علوم الحديث ص56- 58.
(7) انظر ص 495 في الكلام على الحديث الضعيف.(16/41)
19- قوله (ص): (وبنى(1) الإمام منصور التميمي(2) على ذلك أن أجل الأسانيد رواية الشافعي(3) عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، واحتج بإجماع أصحاب الحديث أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي)(4). انتهى.
وقد اعترض الشيخ علاء الدين مغلطاي(5)على ذلك برواية أبي حنيفة(6)(ه 10/ب) عن مالك وبأن ابن وهب(7) والقعنبي(8) عند المحدثين أوثق وأتقن من جميع من روى عن مالك، انتهى.
__________
(1) من (ي) وفي سائر النسخ (وثنا).
(2) تقدمت ترجمته ص242.
(3) هو الإمام العظيم محمد بن إدريس بن العباس القرشي المطلبي، أبو عبد الله المكي، نزيل مصر رأس الطبقة التاسعة وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين، توفي سنة 204. تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب9/25، وتاريخ بغداد 2/56، وطبقات الحنابلة 1/280.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص12.
(5) هو العلامة: مغلطاي بن قليج بن عبد الله، تركي الأصل المصري الحنفي أبو عبد الله مؤرخ محدث عارف بالأنساب له مصنفات منها: (شرح البخاري في عشرين مجلدا وإكمال تهذيب الكمال، توفي سنة 762 ه. الدرر الكامنة 5/122، ولحظ الألحاظ ص133، والأعلام 8/196.
(6) هو الإمام العظيم: النعمان بن ثابت التيمي- بالولاء إمام أهل العراق الفقيه المجتهد يقال: أصله من فارس، مات سنة 150. تاريخ بغداد 13/323، والبداية والنهاية 10/107، والأعلام 9/4.
(7) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة 197 /ع. تقريب 1/460، والكاشف 2/141.
(8) هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب - بفتح فسكون فتح - القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن أحد الأعلام كان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحدا، ثقة عابد من صغار التاسعة، مات سنة 221 خ م د س ت. تقريب 1/451، والكاشف 2/131.(17/1)
فأما اعتراضه بأبي حنيفة، فلا يحسن، لأن/(ي 18) أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك وإنما أورده الدارقطني(1) والخطيب(2) في الرواة عنه، لروايتين وقعت لهما عنه بإسنادين فيهما مقال. وهما لم يلتزما في كتابيهما الصحة، وعلى تقدير الثبوت فلا يحسن أيضا - الإيراد. لأن من يروي عن(3) رجل حديثا أو حديثين على سبيل المذاكرة، لا يفاضل في الرواية عنه بينه/(ر10/ب) وبين من(4) روى عنه ألوفا.
وقد قال الإمام أحمد: "أنه سمع الموطأ من الشافعي عن مالك - رضي الله عنه - بعد أن كان سمعه من عبد الرحمن بن مهدي"(5).
__________
(1) هو علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني، إمام عصره في الحديث، له مؤلفات منها: السنن والعلل، سمع من ابي داود والبغوي وابن صاعد، وعنه أبو بكر البرقاني وعبد الغني الأزدي، مات سنة 385. تذكرة الحفاظ 3/911، والعلام 5/130.
(2) هو الحافظ الكبير الإمام محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي صاحب التصانيف منها: تاريخ بغداد، والكفاية، والجامع، في علوم الحديث، مات سنة 463. تذكرة الحفاظ 3/1135، والأعلام 1/166.
(3) في (ر) و(ه) (من).
(4) كلمة (من) ليست في (ب).
(5) هو الإمام الكبير والحافظ العلم أبو سعيد العنبري مولاهم، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث. قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه. من التاسعة، مات سنة 198/ع. تقريب 1/499، وتذكرة الحفاظ 1/329.(17/2)
ولا يشك أحد أن ابن مهدي أعلم(1) بالحديث من ابن وهب والقعنبي، فما أدري من أين له هذا النقل عن المحدثين أن ابن وهب والقعنبي أثبت أصحاب مالك(2).
نعم قال بعضهم(3): "إن القعنبي أثبت الناس في الموطأ، هكذا أطلقه على ابن المديني(4) والنسائي(5)، وكلاهما محمول على أهل عصره؛ فإنه عاش بعد الشافعي بضع عشرة سنة".
ويحتمل أن يكون تقديمه عند من قدمه باعتبار أنه سمع كثيرا من الموطأ من لفظ مالك(6)، بناء على أن السماع من لفظ الشيخ أتقن من القراءة عليه.
وأما ابن وهب فقد قال غير واحد أنه كان غير جيد التحمل(7)
__________
(1) لا يلزم أن يكون أعلم بالحديث في الجملة أن يكون أتقن منهما لحديث مالك.
(2) قد قال أربعة من أساطين المحدثين وهم علي بن المديني ويحيى بن معين والنسائي ونصر بن مرزوق: أن القعنبي أثبت الناس في الموطأ، وهذا لا شك يعطيه ميزة على كل من روى عن مالك، وإن كانت مروياته أشمل من الموطأ فكان الأولى بالحافظ ابن حجر أن لا يناقش مغلطاي فيه، لا سيما ولم يقل أحد من المحدثين - فيما أعلم - في الشافعي مثل هذه العبارة على جلالة الشافعي.
(3) منهم نصر بن مرزوق. انظر تذكرة الحفاظ 1/384.
(4) انظر تهذيب التهذيب 6/32.
(5) انظر تهذيب التهذيب 6/32.
(6) نقل الحافظ في تهذيب التهذيب 6/32 أن مالكا قرأ على القعنبي نصف الموطأ وقرأ هو على مالك النصف الباقي.
(7) يشير بهذا إلى قول النسائي في ابن وهب "كان يتساهل في الأخذ ولا بأس به" لكن عقبه الحافظ بقوله: "وقال (يعني النسائي) في موضع آخر ثقة ما أعلمه روى عن الثقات حديثا منكرا". تهذيب التهذيب 6/74.
وقال الحافظ - في نفس المصدر -: "وقال الساجي صدوق ثقة وكان يتساهل في السماع لأن مذهب أهل بلده أن الإجازة عندهم جائزة ويقول فيها حدثني فلان".
ولكن هذا لا يضيره في نظري في روايته عن مالك لأنه لازمه حوالي إحدى وثلاثين سنة يسمع منه.
قال أبو الطاهر ابن السرح: "لم يزل ابن وهب يسمع من مالك من سنة ثمان وأربعين إلى أن مات مالك". تهذيب التهذيب 6/74، وقال الخليلي في الإرشاد 1: 47/1: "عبد الله بن وهب القرشي حافظ إمام فقيه اتفقوا على تقديمه في أصحاب الليث، ويقدم في أصحاب مالك أيضا فليس أحد أقدم سماعا في مالك منه ولا أجل منه".(17/3)
، فكيف ينقل هذا الرجل أنه أوثق أو أتقن أصحاب مالك، على أنه لا يحسن الإيراد على كلام أبي منصور أصلا، لأنه عبر بأجل. ولا يشكم أحد أن الشافعي أجل من هؤلاء. من أجل ما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه، وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل. والله الموفق.
وعلى تسليم ما ذكره أبو منصور التميمي فبنى العلامة صلاح الدين العلائي(1)/(ب23) وغيره(2) على ذلك أن أجل الأسانيد رواية أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -.
وقد جمع الحافظ أبو بكر الحازمي في ذلك جزءا سماه (سلسلة الذهب) لكنه في مطلق رواية/(ي19) أحمد عن الشافعي، وفيه عدة أحاديث رواها أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن الشافعي وهو جزء كبير مسموع لنا.
__________
(1) هو خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي أبو سعيد العلائي محدث فاضل بحاث سمع ابن مشرف وأبا بكر الدشتي والرضي الطبري وطبقتهم، له مؤلفات منها: جامع التحصيل في أحكام المراسيل، مات سنة 761. الأعلام 2/369، ولحظ الألحاظ ص43.
(2) قال السبكي في طبقات الشافعية 2/63 بعد أن روى حديث لا يبيع بعضكم على بيع بعض... الحديث، بإسناده إلى أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "هذا حديث مستحسن الإسناد"... وإذا سمي مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب، فقل إذا شئت في أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، والمزني عن الشافعي هكذا...(17/4)
وليس في مسند أحمد على كبره(1) من روايته عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - سوى أربعة أحاديث، جمعها في موضع واحد وساقها سياق الحديث الواحد(2).
وقد ساقها شيخنا في شرح منظومته(3).
وجمعتها مع ما يشبهها من رواية أحمد عن الشافعي عن مالك ومع عدم التقييد بنافع في جزء مفرد فما بلغت العشرة. والله الموفق.
[تعذر التصحيح في هذه الأعصار بمجرد اعتبار الأسانيد في نظر ابن الصلاح:]
20- قوله (ص): (فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريًّا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذن في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة... إلى آخر كلامه)(4).
[رد الحافظ على ابن الصلاح:]
وفيه أمور:
__________
(1) من (ي) وفي باقي النسخ (كثرة) وفي هامش (ر) ظ كثرته والصواب ما في (ي).
(2) حم 2/108 قال - رحمه الله -: ثنا محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - قال: أنا مالك عن نافع عن ابن عمر، أان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة، والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا".
(3) ص21 طبعة المطبعة الجديدة بفاس 1354.
(4) مقدمة ابن الصلاح ص13 وتمام الكلام "المشهورة التي يؤمن لشهرتها من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، زادها الله شرفا".(17/5)
الأمر الأول: قوله: "عما يشترط في الصحيح من الحفظ" فيه نظر، لأن الحفظ لم يعده أحد من أئمة الحديث شرطا للصحيح وإن كان حكي عن بعض المتقدمين من الفقهاء. كما روينا عن يونس بن عبد الأعلى(1) قال: سمعت أشهب(2) يقول: سئل مالك عن الرجل/(ه12/ب) الغير(3) فهم يخرج كتابه ويقول: هذا/(ب24) سمعته.
قال: "لا يؤخذ إلا عمن يحفظ حديثه ويعرف"(4).
ورواها الحاكم في (علوم الحديث)(5) من طريق ابن عبد الحكم(6) عن أشهب بلفظ آخر، قال: "سئل مالك أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة صحيح؟. قال: (لا).
قيل فإن أتى بكتب فقال: سمعتها وهو ثقة.
قال: لا يؤخذ عنه أخاف أن يزاد في حديثه بالليل.
__________
(1) يونس بن عبد الأعلى أبو موسى الصدفي من كبار الفقهاء، كان عالما بالأخبار والحديث، صحب الشافعي وأخذ عنه، مات سنة 264. الأعلام 9/345، وطبقات السبكي 2/170.
(2) أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجعدي أبو عمر، فقيه الديار المصرية في عصره. كان صاحب الإمام مالك، مات سنة 204. الأعلام 1/335، تهذيب التهذيب 1/359.
(3) في هامش ر/أ (ظ تغير فهمه).
(4) الكفاية ص227 ونصه في الكفاية "قلت لمالك: الرجل يخرج كتابه وهو ثقة فيقول هذا سماعي، إلا أنه لا يحفظ" قال: لا يسمع منه. قال يونس: "لأنه إن أدخل عليه لا يعرف".
(5) لم أجدها في علوم الحديث بعد بحث متكرر وهي في الكفاية ص227 من طريق مالك بن عبد الله التجيبي قال: ثنا عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال أشهب: "وسئل مالك أيؤخذ ممن لا يحفظ وهو ثقة صحيح أيؤخذ عنه الأحاديث؟". فقال: "لا يؤخذ منه أخاف أن يزاد في كتبه بالليل".
(6) هو: عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع أبو محمد: فقيه مصري كان من أجلة أصحاب مالك، انتهت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب، مات سنة 214. الأعلام 4/229.(17/6)
هذا(1) وإن كان صريحا في أنه لا يؤخذ عمن لا يحفظ، فإن العمل في القديم والحديث(2) على خلافه، لا سيما منذ دونت الكتب، وقد ذكر المؤلف/(ر11/ب) في (النوع السادس والعشرين)(3) أن ذلك من مذاهب أهل التشديد. هذا(4) إن/(ي20) أراد المصنف بالحفظ حفظ ما يحدث به الراوي بعينه، وإن أراد أن الراوي شرطه أن يعد حافظا، فللحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا.
[شروط التسمية بالحافظ:]
1- وهو الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف.
2- والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم.
3- والمعرفة بالتجريح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون.
فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا.
ولم يجعله أحد من أئمة الحديث شرطا للحديث الصحيح.
نعم والمصنف لما ذكر حد الصحيح(5) لم يتعرض للحفظ أصلا، فما باله يشعر هنا بمشروطيته.
ومما يدل على أنه إنما أراد حفظ ما يحدث به بعينه أنه قابل به من اعتمد على ما في كتابه، فدل على أنه يعيب من حدث من كتابه ويصوب من حدث عن ظهر قلبه.
والمعروف أن أئمة الحديث كالإمام أحمد وغيره خلاف ذلك(6).
الأمر الثاني: أن من اعتمد في روايته على ما في كتابه/(ب 25) لا يعاب، بل هو وصف أكثر رواة الصحيح من بعد الصحابة وكبار التابعين، لأن الرواة الذين للصحيح على قسمين:
__________
(1) كلمة (هذا) سقطت من (ب).
(2) في (ي) القديم والحديث وفي باقي النسخ: الحديث والقديم.
(3) وهو (صفة رواية الحديث وشروط أدائه) ص185 من مقدمة ابن الصلاح.
(4) في (ب) (هو).
(5) حيث قال: "أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه زلا يكون شاذا ولا معللا" مقدمة ابن الصلاح ص10.
(6) انظر توضيح الأفكار 1/118 فإنه نقل هذا النص من قوله فيه أمور: الأول هنا.(17/7)
أ- قسم كانوا يعتمدون على حفظ حديثهم، فكان الواحد منهم يتعاهد حديثه ويكرر عليه فلا يزال مبينا له، وسهل ذلك عليهم قرب الإسناد وقلة ما عند الواحد منهم من المتون حتى كان من يحفظ منهم ألف حديث يشار إليه بالأصابع. ومن هنا دخل الوهم والغلط على بعضهم لما جبل عليه الإنسان من السهو النسيان.
ب- وقسم كانوا يكتبون ما يسمعونه ويحافظون عليه ولا يخرجونه من أيديهم ويحدثون منه(1).
وكان الوهم والغلط في حديثهم أقل من أهل القسم الأول إلا من تساهل منهم. كمن حدث(2) من غير كتابه، أو أخرج كتابه من يده إلى غيره فزاد فيه ونقص وخفي عليه. فتكلم الأئمة فيمن وقع له ذلك منهم. وإذا/(ي 21) تقرر هذا، فمن كان عدلا, لكنه لا يحفظ حديثه عن ظهر قلب، واعتمد على ما في كتابه فحدث منه، فقد فعل اللازم له وحديثه على هذه الصورة صحيح بلا خلاف(3)، فكيف يكون هذا سببا لعدم الحكم بالصحة على ما يحدث به. هذا مردود. والله سبحانه وتعالى أعلم.
الأمر الثالث: قوله: "فآل الأمر إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشتهرة... إلى آخره فيه نظر، لأنه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصا على صحته ورد ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين.
فيلزم على الأول تصحيح ما ليس بصحيح، لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون/(ب 26) اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحة، ولا سيما من كان لا يرى التفرقة بين الصحيح/(ه 12/ب) والحسن.
__________
(1) ومع ذلك فكان الكثير منهم يحفظون أحاديثهم عن ظهر قلب ويحدثون من كتبهم احتياطا كالإمام أحمد
(2) في كل النسخ (كحدث) وفي هامش (ر) ما أثبتناه هو الصواب.
(3) ذكر الحافظ فيما سبق قريبا أن بعض الفقهاء ومنهم مالك يشترط في الراوي أن يكون حافظا لما يرويه.(17/8)
فكم في كتاب ابن خزيمة(1) من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن(2).
وكذا في كتاب ابن حبان(3) بل وفيما صححه الترمذي من ذلك جملة مع أن الترمذي ممن يفرق بين الصحيح والحسن، لكنه قد خفي على الحافظ بعض العلل في الحديث فيحكم (عليه) بالصحة بمقتضى ما ظهر له ويطلع عليها/(ر12/ب) غيره فيرد بها الخبر.
وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل والعمل بما يقتضيه الإنصاف، ويعود الحال إلى النظر والتفتيش الذي يحاول المصنف سد بابه، والله تعالى أعلم(4).
الأمر الرابع: كلامه يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدمين فيما(5) حكموا بصحته في كتبهم(6) المعتمدة المشتهرة. والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث، بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم.
__________
(1) هو الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي أبو بكر: إمام نيسابور في عصره، والملقب إمام الأئمة كان فقيها مجتهدا، عالما بالحديث تزيد مصنفاته على 140 منها الصحيح الذي أشار إليه الحافظ وكتاب التوحيد، مات سنة 331. الأعلام 6/253.
(2) من أمثلة ما أورده في صحيحه وهو لا يرتقي عن درجة الحسن حديث رقم 517، وحديث 544 و566. بل يروي فيه أحاديث ضعيفة، انظر حديث رقم 498، وحديث 556، فإن فيه مصعب بن ثابت الزبيري لين الحديث، وحديث 560 وفيه مطر الوراق صدوق كثير الخطأ.
(3) هو الإمام محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي أبو حاتم البستي، علامة محدث مؤرخ جغرافي، أحد المكثرين من التصنيف، من مصنفاته: المسند الصحيح والثقات وكتاب معرفة المجروحين. توفي سنة 354. تذكرة الحفاظ 3/920، ومعجم البلدان 1/415.
(4) هذا النص نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/199.
(5) هكذا في جميع النسخ وقد نقل هذا الكلام الصنعاني في توضيح الأفكار 1/199. وفيه (مما) ولعله هو الصواب.
(6) في جميع النسخ (كتبه) والتصويب من هامش(ر) وتوضيح الأفكار.(17/9)
فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم فليفد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره(1).
الأمر الخامس: ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان، ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب [المشهور](2) الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه: كسنن النسائي مثلا لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه.
[مذهب الحافظ جواز التصحيح وغيره في الأعصار المتأخرة:]
فإذا روى حديثا ولم يعلله وجمع إسناده شروط الصحة ولم يطلع المحدث المطلع فيه على علة، ما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على صحته أحد من المتقدمين، ولا سيما وأكثر ما يوجد من هذا القبيل ما رواته رواة الصحيح.
هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن(3).
وكأن المصنف إنما اختار ما اختاره من ذلك بطريق نظري وهو:
أن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير زائد على ما في الصحيحين على ما ذكر المصنف بعد، وهو مع حرصه على جمع(4) الصحيح الزائد على الصحيحين واسع الحفظ، كثير الاطلاع، غزير(5) الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرط الصحة لم يخرجه في مستدركه.
وهذا في الطاهر مقبول، إلا أنه لا يحسن التعبير عنه بالتعذر، ثم الاستدلال(6) على صحة دعوى(7) التعذر بدخول الخلل في رجال الإسناد. فقد بينا أن الخلل - إذا سُلِّم - إنما هو فيما بيننا وبين المصنفين.
أما المصنفين فصاعداً فلا. والله الموفق.
__________
(1) من قوله الأمر الرابع إلى هنا نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/119.
(2) الزيادة من (ي).
(3) من قوله الأمر الخامس إلى هنا نقله الصنعاني في توضيح الأفكار 1/119.
(4) في(ب) جميع.
(5) في (ب) عزيز.
(6) في (ب) الاستدراك.
(7) كلمة دعوى سقطت من (ب).(17/10)
وأما ما استدل(1) به شيخنا على صحة ما ذهب إليه الشيخ محي الدين(2) من جواز الحكم بالتصحيح لمن تمكن وقويت معرفته، بأن من عاصر ابن الصلاح قد خالفه فيما ذهب إليه وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد لأحد من المتقدمين الحكم بتصحيحها. (فليس بدليل ناهض)(3) على رد ما اختار ابن الصلاح، لأنه مجتهد وهم مجتهدون، فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. وما أوردناه في نقض دعواه أوضح فيما يظهر(4). والله أعلم.
__________
(1) في (ب) استدرك.
(2) هو العلامة الزاهد: يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي - بحاء مهملة مكسورة بعدها زاي معجمة - الحوراني أبو زكريا النووي علامة بالفقه والحديث، له مصنفات منها: التقريب والإرشاد في علوم الحديث وشرح صحيح مسلم. مات سنة 676. طبقات الشافعية للأسنوي 2/476، والنجوم الزاهرة 7/278، والأعلام 9/184.
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) نقل الصنعاني هذا النص من قوله "وأما شيخنا" إلى هنا ونقل عن ابن كثير كلاما بمعنى كلام العراقي وقرر كلام الحافظ وانتقاده ثم قال: "إلا أن يقال: إن كلام الجميع إشارة إلى كون المسألة خلافية في عصر ابن الصلاح وبعده، وإن لم يخرج مخرج الاستدلال..."، توضيح الأفكار 1/120.(17/11)
2- قوله/(ي23) (ع): "صحح المنذري(1)حديثا في غفران ما تقدم وتأخر" "والدمياطي(2) حديثا في ماء زمزم لما شرب له"(3).
فيه نظر: وذلك أن المنذري أورد في الجزء(4) المذكور عدة أحاديث(5) بين ضعفها.
__________
(1) هو العلامة عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله أبو محمد زكي الدين المنذري عالم بالحديث والعربية من الحفاظ المؤرخين له مؤلفات منها: الترغيب والترهيب ومختصر صحيح مسلم مات سنة 656. البداية والنهاية 13/ 212، والأعلام 4/155.
(2) هو العلامة الحافظ الحجة الفقيه النسابة، شيخ المحدثي،ن شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي صاحب التصانيف، من تلاميذه الذهبي والمزي، له مصنفات منها: "المتجر الرابح" و"فضل الخيل" مات سنة 705. تذكرة الحفاظ 4/1479، والأعلام 4/318، والبداية والنهاية 14/40.
(3) جه 25 - كتاب المناسك 78 - باب الشرب من زمزم حديث 3062 والمقاصد الحسنة ص357 وقال السخاوي: "بل صححه من المتقدمين ابن عيينة ومن المتأخرين الدمياطي في جزء جمعه وانظر كشف الخفاء 2/ 167 وتحفة الأشراف 2/ 309.
(4) لم أقف على الجزء المذكور، وقد ألف الحافظ ابن حجر جزءا سماه "الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة" طبع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية.
(5) كلمة "أحاديث" سقطت من (ب).(17/12)
وأورد في أثنائه حديثا من طريق بحر بن نصر(1)/ (ه 13/ب) عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري عن سعيد(2) وأبي سلمة(3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقال بعده: "بحر بن نصر ثقة، وابن وهب ومن فوقه محتج بهم في الصحيحين".
قلت: "ولا يلزم من كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث الوارد به صحيحا، لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة، وقد وجد هذا الاحتمال هنا، فإنها رواية شاذة وقد بينت ذلك بطرقه والكلام عليه في جزء مفرد، ولخصته في كتاب بيان المدرج"(4).
وأما الدمياطي/ (ر13/ب) فلفظه: "هذا على رسم الصحيح؛ لأن سويدا(5)
__________
(1) بحر بن نصر بن سابق الخولاني، مولاهم المصري، أبو عبد الله، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة 267/ كن. تقريب 1/ 93، والخلاصة ص 46.
(2) يحتمل ن يكون سعيد بن المسيب، وقد تقدمت ترجمته 250، ويحتمل أن يكون سعيد بن أبي سعيد المقبري وستأتي ترجمته.
(3) حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن في مسند أحمد 2/ 385، قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عفان قال: ثنا حماد بن سلمة أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" فعاد الحديث مرسلا.
(4) رجعت إلى المدرج للسيوطي لهذا الحديث المشار إليه، فلم أجد فيه "وما تأخر" وقد حذف السيوطي الأسانيد. انظر المدرج إلى المدرج (ل 2).
(5) سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل، ثم الحدثاني - بفتح المهملة والمثلثة - أبو محمد صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس بحديثه من قدماء العاشرة مات سنة 240/ م ق.
تقريب 1/ 340 والميزان 2/ 248.(17/13)
احتج به مسلم، وعبد الرحمن بن أبي الموالي(1) احتج به البخاري" هذا لفظه. وليس فيه حكم على الحديث بالصحة لما قدمناه من أنه لا يلزم من كون الإسناد محتجا بروايته في الصحيح أن يكون الحديث الذي يروي به صحيحا؛ لما يطرأ عليه من العلل(2).
وقد صرح ابن الصلاح بهذا في مقدمة شرح صحيح مسلم فقال: "من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه: بأنه من شرط الصحيح عند مسلم فقد غفل وأخطأ، بل ذلك يتوق على النظر في أنه كيف روى عنه وعلى أي وجه روى عنه"(3).
قلت: وذلك موجود هنا، فإن سويد بن سعيد إنما احتج به مسلم فيما توبع عليه لا فيما تفرد به.
__________
(1) عبد الرحمن بن أبي الموالي، واسمه يزيد، وقيل أبو الموالي جده أبو محمد مولى آل علي، صدوق، ربما أخطأ من السابعة مات سنة 173/خ4 تقريب 1/500، الكاشف 2/188 وقال فيه "ثقة" وحديثه في "جه" من رواية الوليد بن مسلم عنه قال: قال عبد الله بن المؤمل سمع أبا الزبير يقول سمعت جابرا بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ماء زمزم لما شرب له" وتقدمت الإشارة إلى موضعه من ابن ماجه.
(2) هذا الكلام الذي قاله الحافظ والذي بعده غير وارد في نظري على كلام شيخه العراقي، لأن سياق كلام الدمياطي يدل على أنه يرى صحة الحديث، وإلا فما غرضه في قوله: "هذا على رسم الصحيح..."الخ وقد يصحح المحدث الحديث مع احتمال وجود علة يدركها غيره، فلا ينبغي نفي صدور هذا الحكم منه سواء كان هذا الحكم صوابا أم خطأ في الواقع.
(3) مقدمة شرح مسلم لابن الصلاح ل6/ب.(17/14)
وقد اشتد إنكار أبي زرعة الرازي(1) على مسلم في تخريجه لحديثه(2)، فاعتذر إليه من ذلك بما ذكرناه من أنه لم يخرج ما تفرد به، وكان/ (ب29) سويد بن سعيد مستقيم الأمر، ثم طرأ عليه العمى فتغير وحدث في حال تغيره بمناكير كثيرة حتى قال يحي بن معين: "لو كان لي فرس ورمح لغزوته"(3).
فليس ما ينفرد به على هذا صحيحا فضلا عن أن يخالف فيه غيره، بل قد اختلف عليه هو في ذلك الإسناد، فروي/(ي 24) عنه عن ابن المبارك عن عبد الله بن المؤمل على ما هو المشهور(4).
تنبيه:
3- قول شيخنا: "إن المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن محمد بن المنكدر كما هو رواية ابن ماجه"(5).
وقع منه سبق قلم، وإنما هو عند ابن ماجه وغيره من طريق ابن المؤمل عن أبي الزبير(6). والله المستعان.
[... وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي بن سعيد الرازي، عن إبراهيم البرانسي، عن عبد الرحمن بن المغيرة عنه(7)].
[أول من صنف الصحيح:]
21- قوله (ص): أول من صنف الصحيح البخاري(8) انتهى.
__________
(1) هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة مات سنة 264/م ت س ق. تقريب 1/536، وتذكرة الحفاظ 2/557.
(2) في (ب) بحديثه.
(3) كتاب المجروحين لابن حبان 1/ 352، وميزان الاعتدال 2/250، وفيه "لو وجدت درقة وسيفا لغزوت سويدا الأنباري".
(4) يعني الحافظ أن سويدا اختلفت عليه الرواة عنه لحديث ماء زمزم فمنهم من رواه على الوجه المعروف عن عبد الله بن مؤمل، ومنهم من رواه على الوجه المنكر وهو قوله عن عبد الرحمن بن أبي المولى.
(5) التقييد والإيضاح ص24.
(6) والأمر كما قال الحافظ فهو كذلك في جه 25- كتاب المناسك 78 - باب الشرب من زمزم حديث 3062.
(7) الزيادة من (ي) وبهامشها وهامش (ر/ل13/ب) هنا بياض.
(8) مقدمة ابن الصلاح ص13.(17/15)
اعترض عليه الشيخ علاء الدين مغلطاي فيما قرأت بخطه بأن مالكا أول من صنف الصحيح، وتلاه أحمد بن حنبل، وتلاه الدارمي(1) قال: "وليس لقائل أن يقول: لعله أراد الصحيح المجرد، فلا يرد كتاب مالك؛ لأن فيه البلاغ والموقوف والمنقطع والفقه وغير ذلك، لوجود مثل ذلك في كتاب البخاري". انتهى.
[رد العراقي على مغلطاي:]
4- وقد أجاب(2) شيخنا - رضي الله عنه - عما يتعلق بالموطأ بما نصه: "أن مالكا لم يفرد الصحيح وإنما أدخل في كتابه المرسل والمنقطع..." إلى آخر كلامه(3).
وكأن شيخنا لم يستوف النظر في كلام مغلطاي.
وإلا فظاهر مقبول بالنسبة إلى ما ذكره في البخاري من الأحاديث المعلقة، وبعضها ليس على شرطه، بل وفي بعضها ما لا يصح كما سيأتي التنبيه عليه عند ذكر تقسيم التعليق، فقد مزج الصحيح بما ليس/(ب30) منه كما فعل ذلك(4).
[رد الحافظ على مغلطاي:]
وكأن مغلطاي خشي أن يجاب عن اعتراضه بما أجاب به شيخنا من التفرقة، فبادر إلى الجواب عنه، لكن الصواب في الجواب عن هذه المسألة أن يقال: ما الذي أراده المؤلف بقوله: "أول/ (ه 14/ب) من صنف الصحيح". هل أراد الصحيح من حيث هو؟ أو أراد الصحيح المعهود الذي فرغ من تعريفه؟
__________
(1) هو الإمام الحافظ عبد الله بن هبد الرحمن الدارمي بن الفضل بهرام السمرقندي، أبو محمد، صاحب المسند ثقة فاضل متقن من الحادية عشرة مات سنة 255/ م د ت.
تقريب 1/ 429، والكاشف 2/103.
(2) في (ه) و(ر) "أجمل".
(3) وتمام كلامه "وبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن عبد البر، فلم يرد الصحيح إذن والله أعلم" التقييد والإيضاح ص25 بهامش مقدمة ابن الصلاح.
(4) في (ب) ذلك وهو خطأ.(17/16)
الظاهر أنه لم يرد إلا المعهود. وحينئذ فلا يرد عليه ما ذكره في الموطأ وغيره؛ لأن الموطأ وإن كان عند من يرى الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وأقوال الصحابة صحيحا. (فليس/ (ي25) ذلك على شرط الصحة المعتبرة عند أهل الحديث) والفرق بين ما في المقطوع والمنقطع وبين ما في البخاري من ذلك واضح؛ لأن الذي في الموطأ من ذلك هو مسموع لمالك كذلك في الغالب، وهو حجة عنده وعند من تبعه.
والذي في البخاري من ذلك قد حذف في البخاري/(ر14/ب) أسانيدها عمداً ليخرجها عن موضوع الكتاب، وإنما يسوقها في تراجم الأبواب تنبيها واستشهادا واستئناسا وتفسيرا لبعض الآيات. وكأنه أراد أن يكون كتابه جامعا لأبواب الفقه وغير ذلك من المعاني التي قصد (جمعه فيها)(1)، وقد بينت في كتاب تغليق التعليق كثيرا من الأحاديث التي يعلقها البخاري في الصحيح فيحذف إسنادها أو بعضها، وتوجد موصولة عنده في موضع آخر من تصانيفه التي هي خارج الصحيح(2).
__________
(1) ما بين القوسين كذا هو في جميع النسخ ولعل الصواب جمعها فيه.
(2) في (ب) الصحيحين وهو خطأ.(17/17)
(والحاصل من هذا أن أول من صنف في الصحيح)(1) يصدق على مالك باعتبار انتقائه وانتقاده(2) للرجال، فكتابه أصح من الكتب المصنفة في هذا الفن من أهل عصره وما قاربه/(ب 31) كمصنفات سعيد بن أبي عروبة(3)، وحماد بن سلمة(4)، والثوري، وابن إسحاق(5)، ومعمر وابن جريج(6)، وابن المبارك وعبد الرزاق(7) وغيرهم، ولهذا قال الشافعي: "ما بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك"(8).
فكتابه صحيح عنده وعند من تبعه ممن/(ه 15/أ) يحتج بالمرسل والموقوف.
وأما أول من صنف الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف.
فأول من جمعه البخاري، ثم مسلم كما جزم به ابن الصلاح.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب).
(2) كلمة "وانتقاده للرجال" من (ي) وفي باقي النسخ وانتقاؤه.
(3) سعيد بن أبي عروبة، مهران اليشكري، مولاهم، أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت في قتادة من السادسة مات سنة 156 وقيل 157/ع. تقريب 1/ 302، والكاشف 1/368 ولم يصفه بالتدليس.
(4) حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره من كبار الثامنة مات سنة 167/ع. تقريب 1/197، الكاشف 1/252.
(5) محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي، مولاهم المدني نزيل العراق، إمام المغازي صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة مات سنة 150 وقيل بعدها/ خت م 4. تقريب 2/144، والكاشف 3/19.
(6) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الأموي مولاهم، المكي ثقة فاضل فقيه، وكان يدلس ويرسل من السادسة مات سنة 150 أو بعدها/ع. تقريب 1/250، والكاشف 2/210.
(7) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مصنف شهير عمي في آخر عمره فتغير وكان يتشيع من التاسعة مات سنة 211/ع. تقريب 1/505، والكاشف 2/154.
(8) في تذكرة الحفاظ 1/208 "وقال الشافعي ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من موطأ مالك".(17/18)
وأما قول القاضي أبي بكر بن العربي في مقدمة شرح الترمذي: "والموطأ هو الأصل الأول والبخاري هو الأصل الثاني. وعليهما بنى جميع من بعدهما كمسلم والترمذي وغيرهما(1).
فإن أراد مجرد السبق إلى التصنيف فهو كذلك، ولا يلزم منه مخالفة لما تقدم. وإن أراد الأصل في الصحة فهو كذلك، لكن على التأويل الذي أولناه/ (ر15/أ).
وأما قول مغلطاي: "إن/ (ي 26) أحمد أفرد الصحيح"، فقد أجاب الشيخ(2) عنه في التنبيه السادس من الكلام على الحديث الحسن.
وأما ما يتعلق بالدارمي فتعقبه الشيخ بأن فيه الضعيف والمنقطع(3)، لكن بقي مطالبة مغلطاي بصحة دعواه بأن جماعة أطلقوا على مسند الدارمي كونه صحيحا، فإني لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه. ثم وجدت بخط مغلطاي أنه رأى بخط الحافظ أبي محمد المنذري ترجمة كتاب الدارمي بالمسند الصحيح الجامع.
__________
(1) عارضة الأحوذي 1/5.
(2) يعني شيخه العراقي: قال رحمه الله: "والجواب أنا لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة في كتابه، والذي رواه أبو موسى المديني بسنده إليه أنه سئل عن حديث فقال: انظروه، إن كان في المسند وإلا فليس بحجة"، وهذا ليس صريحا في أن جميع ما فيه حجة، بل فيه أن ما ليس في كتابه ليس بحجة... وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة، وقد جمعتها في جزء، وقد ضعف الإمام أحمد نفسه أحاديث فيه" (التقييد والإيضاح ص57).
(3) التقييد والإيضاح ص56.(17/19)
وليس كما زعم، فلقد وقفت على النسخة التي بخط المنذري، وهي أصل سماعنا للكتاب المذكور، والورقة الأولى منه مع عدة أوراق ليست بخط المنذري، بل هو(1) بخط أبي الحسن ابن أبي الحصني(2)، وخطه قريب من خط المنذري، فاشتبه ذلك على مغلطاي وليس الحصني من أحلاس(3) هذا الفن حتى يحتج بخطه في ذلك، كيف ولو(4) أطلق ذلك عليه من/(ب 32) يعتمد عليه لكان الواقع يخالفه(5) لما في الكتاب المذكور من الأحاديث الضعيفة والمنقطعة/(ه 15/ب) والمقطوعة.
والموطأ في الجملة أنظف أحاديث وأتقن رجالا منه، ومع ذلك كله فليست أسلم أن الدارمي صنف كتابه قبل تصنيف البخاري الجامع لتعاصرهما(6)، ومن ادعى ذلك فعليه البيان والله أعلم.
تنبيه:
22- قوله (ص): "ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ"(7).
أملى المصنف حاشية على الأصل أنه روي عن الشافعي أنه قال: "ما بعد كتاب الله تعالى أصح من موطأ مالك".
وروينا في جزء أبي بكر محمد بن إبراهيم الصفار(8) من طريق هارون(9)/(ر15/ ب) بن سعيد الأيلي قال: سمعت الشافعي يقول: "ما بعد كتاب الله تعالى أنفع من موطأ مالك".
[تفضيل بعض المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري:]
__________
(1) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب: هي.
(2) هو مكين الدين أبو الحسن بن عبد العظيم الحصني. "رسالة الذهبي" في: ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص210.
(3) في هامش (ر) و(ه) "الحلس" ككتف الكبير من الناس والشجاع، قاموس.
(4) في جميع النسخ: "ولقد" وفي (ر) فوق كلمة ولقد "ولو" وهو الصواب.
(5) في (ب) مخالفة.
(6) في جميع النسخ "لتعارضهما" والصواب ما أثبتناه.
(7) مقدمة ابن الصلاح ص14.
(8) لم أقف له على ترجمة.
(9) هارون بن سعيد الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتانية - السعدي مولاهم، أبو جعفر نزيل مصر، ثقة فاضل، من العاشرة مات سنة 253/م د س ق. تقريب 1/312، والكاشف 3/214.(17/20)
23- قوله (ص): "ثم إن كتاب البخاري أصح صحيحا..."(1) الخ.
أقول قد وجدت التصريح بما ذكره المصنف من الاحتمال عن بعض المغاربة، فذكر أبو محمد القاسم بن القاسم التجيبي(2) في فهرسته عن أبي محمد بن حزم: "أنه كان يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري؛ لأنه/(ي 27) ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد"(3).
وقال القاضي عياض(4)كان أبو مروان الطبني(5)حكى عن بعض شيوخه أنه كان يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري(6). انتهى.
قلت: "وما فضله به بعض المغاربة ليس راجعا إلى الأصحية، بل هو لأمور:
أحدها: ما تقدم عن ابن حزم.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص14. وعبارة ابن الصلاح "ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابي صحيحا وأكثرها فوائد" ويعني بالكتابين صحيح البخاري وصحيح مسلم.
(2) لم أقف له على ترجمة.
(3) نقل الصنعاني هذا النص، انظر توضيح الأفكار 1/46.
(4) هو الحافظ العلامة عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبي السبتي عالم المغرب له مؤلفات منها الشفاء ومشارق الأنوار مات سنة 544. تذكرة الحفاظ 4/1304، والأعلام 5/282.
(5) هو عبد الملك بن زيادة الله بن أبي مضر التميمي الحماني، أبو مروان الطبني - بضم الطاء وسكون الموحدة - عالم باللغة والحديث شاعر، أصله من طبنة بالأندلس. مات سنة 457. الأعلام 4/303.
ملاحظة: جاء في جميع النسخ "أبو مروان الظبي" هكذا بالظاء والباء والياء وهو خطأ والفضل يرجع إلى الأمير الصنعاني في الاهتداء إلى أنه الطبني وأنه عبد الملك المذكور. انظر توضيح الأفكار 1/45.
(6) انظر توضيح الأفكار 1/45.(17/21)
والثاني: أن البخاري كان يرى جواز الرواية بالمعنى، وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره(1) بخلاف(2) مسلم والسبب في ذلك أمران:
أحدهما: أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته، فقد روينا عنه أنه قال: رب حديث سمعته بالشام فكتبته بمصر ورب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بخرسان(3). فكان لأجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه فلا يسوق/(ه 16/أ) ألفاظه برمتها بل بتصرف فيه ويسوقه بمعناه. ومسلم صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق.
الثاني: أن البخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه فاحتاج أن يقطع المتن الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه/(ر 16/أ)، لأنه لو ساقه في المواضع كلها برمّته لطال الكتاب.
__________
(1) من (ب) وفي (ر) و (ه) "اختياره" وقال في هامش (ر): "في الأم صورة تحتمل على أنها على اختياره، وتحتمل أنها على اختصار، فينظر"، وفي توضيح الأفكار "اختصاره" ثم وجدت في (ي) "اختصاره".
(2) من (ي) وفي (ر) و(ه) "خلاف" بدون الباء في أوله وفي توضيح الأفكار 1/46 "بخلاف".
(3) تاريخ بغداد 2/11 ولفظه "رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر" ولكن ليس هذا نصا انه يكتب ذلك في الصحيح.(17/22)
ومسلم لم يعتمد ذلك، بل يسوق أحاديث الباب كلها سردا عاطفا بعضها على بعض في موضع واحد(1)، ولو كان المتن مشتملا على عدة أحكام، فإنه يذكره في أمس(2) المواضع وأكثرها دخلا فيه ويسوق المتون تامة محررة، فلهذا ترى كثيرا ممن صنف في الأحكام بحذف الأسانيد (من المغاربة) إنما يعتمدون على كتاب مسلم في نقل المتون، هذا ما يتعلق بالمغاربة ولا يحفظ عن أحد منهم أنه صرح بأن صحيح مسلم أصح من صحيح البخاري فيما يرجع إلى نفس الصحة.
وأما ما قاله أبو علي النيسابوري(3) فلم نجد عنه تصريحا قط بأن كتاب مسلم أصح من صحيح البخاري.
__________
(1) نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/46- 47 من قول الحافظ: "قلت وما فضله به بعض المغاربة... إلى هنا".
(2) كلمة "أمس" من (ي) وفي (ه) ونسختي (ر) "السرد" وفي (ب) أكثر، والصواب ما أثبتناه من (ي).
(3) هو الإمام محدث الإسلام: الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري، أحد جهابذة الحديث حدث عن النسائي وأبي يعلى الموصلي وخلائق كثير من طبقتهما وهو شيخ الحاكم أبي عبد الله مات سنة 349. تذكرة الحفاظ 3/902.(17/23)
وإنما قال: "ما حكاه المؤلف/(ي 28) من أنه نفى الأصحية على كتاب مسلم، ولا يلزم من ذلك أن يكون كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري"؛ لأن قول القائل: "فلان أعلم أهل البلد بفن كذا ليس كقوله: "ما في البلد أعلم من فلان بفن كذا"، لأنه/(ب 34) في الأول أثبت له الأعلمية، وفي الثاني نفى أن يكون في البلد اعلم منه، فيجوز أن يكون فيها من يساويه فيه، وإذا كان لفظ أبي علي محتملا لكل من الأمرين فلم نجد(1) ممن اختصر كلام ابن الصلاح فجزم بأن أبا علي قال: صحيح مسلم أصح من صحيح البخاري/(ه 15/ب) فقد رأيت هذه العبارة في كلام الشيخ محي الدين النووي(2) والقاضي بدر الدين بن جماعة(3) والشيخ تاج الدين التبريزي وتبعهم جماعة. وفي إطلاق ذلك نظر لما بيناه"(4).
على أني رأيت في كلام الحافظ أبي سعيد العلائي(5)/(ر15/ب) ما يدل على أن أبا علي النيسابوري ما رأى صحيح البخاري.
__________
(1) كذا ولعله يُجدِ.
(2) انظر التقريب مع تدريب الراوي ص42 وعبارته: "والبخاري أصح وقيل مسلم أصح والصواب الأول".
(3) راجعت مختصر ابن جماعة فوجدته عزا تفضيل مسلم إلى بعض المغاربة ولم يذكر أبا علي النيسابوري.
(4) نقل الصنعاني كلام الحافظ هذا في توضيح الأفكار 1/48 ثم تعقبه بقوله "قلت: ولا يعزب عنك أن هذا التأويل الذي ذكره الحافظ خروج عن محل النزاع؛ فإن الدعوى أن البخاري أصح الكتابين، وأن التأويل أفاد أنهما مثلان فما أتى التأويل إلا بخلاف المدعى، على أن قول القائل: ما تحت أديم السناء أعلم من فلان يفيد عرفا أنه أعلم الناس مطلقا، وأنه لا يساويه أحد في ذلك، وأما في اللغة فيحتمل فيحتمل توجه النفي إلى الزيادة أعني زيادة إنسان عليه في العلم لا نفي المساوي له فيه، والحقيقة العرفية مقدمة سيما في مقام المدح والمبالغة بقوله: "تحت أديم السماء".
(5) تقدمت ترجمته ص265، قد سبق العلائي الذهبي حيث قال: قلت ولعل أبا علي ما وصل إليه صحيح البخاري. تذكرة الحفاظ 2/589.(17/24)
وفي ذلك بعد عندي.
أما اعتبار أبي علي بكتاب مسلم فواضح، لأنه بلديّه وقد خرّج هو على كتابه(1)، لكن قوله في وصفه(2)معارض بقول من هو مثله أو أعلم.
فقال الحاكم أبو أحمد/ النيسابوري(3) وهو عصري أبي علي وأستاذ الحاكم أيضا أبي عبد الله - أيضا – ما رويناه عنه في كتاب الإرشاد(4) للخليلي(5) بسنده عنه قال: "رحم الله تعالى محمد بن إسماعيل فإنه ألف الأصول وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه كمسلم بن الحجاج فإنه فرق أكثر كتابه في كتابه، وتجلد فيه غاية الجلادة حيث لم ينسبه إليه...".
إلى أن قال: فإن عاند الحق معاند فليس يخفى صورة ذلك على أولي الألباب.
ويؤيد هذا ما رويناه عن الحافظ الفريد أبي الحسن الدارقطني أنه قال في كلام جرى عنده في ذكر الصحيحين: "وأي شيء صنع مسلم، إنما أخذ كتاب البخاري وعمل عليه مستخرجا وزاد فيه زيادات".
وهذا المحكي عن الدارقطني جزم به أبو العباس القرطبي(6) في/(ب 35) أول كتابه"المفهم في شرح صحيح مسلم".
__________
(1) أي عمل عليه مستخرجا.
(2) في (ب) "وصله" وهو خطأ.
(3) هو الإمام الحافظ محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري محدث خراسان المشهور بالحاكم الكبير، صاحب التصانيف منها: كتاب الكنى توفي سنة 378. تذكرة الحفاظ 3/976، والنجوم الزاهرة 4/154، ومعجم المؤلفين 11/180.
(4) ل 207.
(5) هو القاضي الإمام أبو يعلى: الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني سمع من أبي عبد الله الحاكم وغيره، وكان ثقة حافظا عالما بكثير من علل الحديث مات سنة 446.
معجم المؤلفين 4/121، وتذكرة الحفاظ 3/1123.
(6) راجع المفهم (1/3/ب) والنكت الوفية (24/ب، 25/أ)، والقرطبي هو أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري المكي محدث فقيه مات سنة 656. معجم المؤلفين 2/27، والبداية والنهاية 13/213.(17/25)
وقال أبو عبد الرحمن النسائي وهو/(ي 29) من مشايخ أبي علي النيسابوري: "ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل"(1).
ونقل كلام الأئمة في تفضيل كتاب البخاري يكثر.
ويكفي من ذلك اتفاقهم على أنه كان أعلم بالفن من مسلم.
وأن مسلما كان يتعلم منه، ويشهد له بالتقدم والتفرد بمعرفة ذلك في عصره.
فهذا من حيث الجملة.
وأما من حيث التفصيل فيترجح كتاب البخاري على كتاب مسلم فإن الإسناد الصحيح مداره على اتصاله وعدالة الرواة كما بيناه غير مرة، وكتاب البخاري/(ر17/أ) أعدل رواة وأشد اتصالا من كتاب مسلم والدليل على ذلك من أوجه:
أحدها: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا(2).
المتكلم فيهم بالضعف (نحو من ثمانين رجلا)(3).
والذين انفرد مسلم بإخراج حديثهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا.
المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري. ولا شك أن التخريج عن من لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عن من تكلم فيه، ولو كان ذلك غير سديد.
الوجه الثاني: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكن يكثر(4) من تخريج أحاديثهم، وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها أو أكثرها إلا نسخة عكرمة(5) عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
__________
(1) مقدمة النووي لشرح مسلم 1/14.
(2) كلمة "رجلا" سقطت من (ب).
(3) ما بين القوسين سقط من (ب).
(4) كلمة يكثر ليست في (ي).
(5) عكرمة البربري مولى ابن عباس أبو عبد الله ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة مات سنة 107 وقيل بعد ذلك. /ع.
تقريب 2/30، والخلاصة ص 270. وقال قرنه "م" بآخر والكاشف 2/286 وقال روى له "م" مقرونا وتحايده مالك.(17/26)
بخلاف مسلم فإنه يخرج أكثر تلك النسخ التي رواها عمن تكلم فيه كأبي الزبير(1) عن جابر - رضي الله تعالى عنه - وسهيل(2) عن أبيه(3) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، وحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس - رضي الله تعالى عنه - والعلاء بن عبد الرحمن(4) عن أبيه(5) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ونحوهم.
الوجه الثالث: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم فميز جيدها من رديها بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه من المتقدمين، وقد خرج أكثر نسخهم/(ه 17/ب) كما قدمنا ذكره.
ولا شك/(ي 30) أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عن عصرهم.
__________
(1) هو محمد بن مسلم بن تدرس - بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء - الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة 126/ع. تقريب 2/207، والخلاصة ص358، والكاشف 3/95 وفي الكاشف حافظ ثقة وفي الخلاصة ثقة وكلاهما قرنه البخاري بالآخر.
(2) سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان أبو يزيد المدني صدوق تغير حفظه بآخره، وروى له البخاري مقرونا وتعليقا من السادسة مات في خلافة المنصور/ع. تقريب 1/338، والخلاصة ص158.
(3) هو أبو صالح ذكوان السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة مات سنة 101/ع. تقريب 1/239، والخلاصة ص112.
(4) العلاء بن عبد الرحمن أبو شبل مولى الحرقة المدني صدوق، ربما وهم من الخامسة مات سنة بضع وثلاثين/ز م 4. تقريب 2/92، والكاشف 2/361، والخلاصة ص300.
(5) هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني مولى الحرقة ثقة من الثالثة/ز م 4.
تقريب 1/503، والخلاصة ص237، والكاشف 2/194.(17/27)
الوجه الرابع: أن أكثر هؤلاء الرجال الذين تكلم فيهم من المتقدمين يخرج البخاري أحاديثهم غالبا في الاستشهادات، والمتابعات/(ر17/ب) والتعليقات(1) بخلاف مسلم، فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول والاحتجاج، ولا يعرج البخاري في الغالب على من أخرج لهم مسلم في المتابعات (فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري)(2).
فهذا وجه من وجوه الترجيح ظاهر.
والأوجه الأربعة المتقدمة كلها تتعلق بعدالة الرواة.
وبقي ما يتعلق بالاتصال: وهو الوجه الخامس:
وهو أن مسلم كان مذهبه بل نقل الإجماع في أول صحيحه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما(3).
والبخاري لا يحمله على حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة. وقد أظهر البخاري هذا المذهب في التأريخ، وجرى عليه في الصحيح، وهو مما يرجح كتابه به، لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم/(ب 37) من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال.
وبهذا يتبين أن شرطه في كتابه أقوى اتصالا وأشد تحريا(4)
__________
(1) كلمة التعليقات سقطت من (ه).
(2) ما بين القوسين ساقط من (ب) هذا وقد أخذ الصنعاني هذه الأوجه بشيء من التصرف. توضيح الأفكار 1/40- 41.
(3) انظر توضيح الأفكار ص41.
(4) نقل الصنعاني هذا النص من قول الحافظ: "والبخاري لا يحمله... إلى قوله وأشد تحريا". ثم تعقب الصنعاني الحافظ بقوله: "وأقول لا يخفى أن هذه الوجوه (يعني الوجوه الخمسة التي ذكرها الحافظ) أو أكثرها لا تدل على المدعى وهو أصحية البخاري، بل غايتها تدل على صحته، ثم لا يخفى أيضا أن الشيخين اتفقا في أكثر الرواة وتفرد البخاري بإخراج أحاديث جماعة، وانفرد مسلم بجماعة. كما أفاده ما سلف من كلام الحافظ. فهذه ثلاثة أقسام:
الأول: ما اتفقا على إخراج حديثه فهما في هذا القسم سواء لا فضل لأحدهما على الآخر لاتحاد رجال سند كل واحد منهما فيما رواه، والقول بأن هؤلاء أرجح إذا روى عنهم لا إذا روى عنهم مسلم عين التحكم... وهذا القسم هو أكثر أقسامه قطعا. والقسم الثاني: ما انفرد البخاري بإخراج أحاديثهم، فهذا القسم ينبغي أن يقال: أنه أصح مما انفرد به مسلم، لأنه حصل فيه شرائط البخاري منفردة وقد تقرر ببعض ما ذكر من المرجحات أنها أقوى من شرائط مسلم في الصحة... وهذا القسم قليل... ولا بد من تقييد ذلك بغير من تكلم فيهم. وهذا التقسيم هو التحقيق وإن غفل عنه الأئمة السابقون...". توضيح الأفكار 1/42- 43 وهو رأي ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار.(17/28)
. - والله أعلم -.
24- قوله (ص)(1): "ثم عن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة..." إلى أن قال: "ويكفي مجرد كونها في كتب من اشترط الصحيح فيما جمعه/(ه 18/أ) كابن خزيمة، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين: ككتاب أبي عوانة(2)، انتهى.
ومقتضى هذا أن يؤخذ ما يوجد في كتاب ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما - ممن اشترط الصحيح - بالتسليم، وكذا ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين وفي كل ذلك نظر.
أما الأول: فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في/(ي 31) كتابيهما/(ر18/أ) أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه. وقد صرح(3) ابن حبان بشرطه.
وحاصله: أن يكون راوي الحديث عدلا مشهورا بالطلب غير مدلس سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي.
فإن كان يروي من حفظه فليكن عالما بما يحيل(4) المعاني(5) فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف في الصحيح من وجود الضبط ومن عدم الشذوذ والعلة. وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه فهو إن وجده كذلك أخرجه وإلا فهو ماش على ما أصّل، لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه.
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص17.
(2) هو الحافظ الكبير الثقة: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفرائيني النيسابوري الأصل صاحب الصحيح المستخرج على صحيح مسلم سمع من يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن يحيى الذهلي وطبقتهما مات سنة 316. تذكرة الحفاظ 3/2، والنجوم الزاهرة 3/222، ومعجم المؤلفين 13/242.
(3) في (ب) و(ه) "خرج".
(4) في (ب) "يحمل" وهو خطأ.
(5) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/ص112 تحقيق أحمد محمد شاكر، طبع دار المعارف وفيها شروط ابن حبان.(17/29)
وسمى ابن خزيمة كتابه "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير(1)/(ب38) قطع في السند ولا جرح في النقلة".
وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء، لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله.
ومما يعضد ما ذكرنا احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية الذين يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات كابن إسحاق وأسامة بن زيد الليثي(2) ومحمد بن/(ه18/ب) عجلان(3) ومحمد بن عمرو بن علقمة(4) وغير هؤلاء.
فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي(5) في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة(6).
وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط(7) المذكورة/(ر18/ب) في حد الصحيح فلا. - والله أعلم -.
__________
(1) كلمة "من" من (ي) وفي (ر) "ظ من غير" وليست في باقي النسخ.
(2) أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني أبو زيد صدوق يهم من السابعة مات سنة 153/خت م 4. تقريب 1/53، والخلاصة ص26.
(3) محمد بن عجلان المدني صدوق، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة من الخامسة مات سنة 148/خت م 4. تقريب 2/190، والكاشف 3/77 وقال توفي 138 وقال: قال الحاكم خرج له "م" ثلاثة عشر حديثا كلها في الشواهد.
(4) محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام من السادسة مات سنة 145 على الصحيح/ع. تقريب 2/196، والكاشف 3/84. وقال روى له خ م متابعة.
(5) في (ه) و(ب) "الذي" وهو خطأ.
(6) سبقت لنا أمثلة للضعيف من صحيح ابن خزيمة.
(7) في (ي) "بالشروط".(17/30)
وأما الثاني: وهو ما يتعلق بالمستخرجات ففيه نظر – أيضا – لأن كتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على مسلم فإن له(1) فيه أحاديث كثيرة مستقلة في أثناء الأبواب (نبه(2) هو على كثير منها، ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف – أيضا -/(ي32) والموقوف).
وأما كتاب الإسماعيلي(3) فليس فيه أحاديث مستقلة زائدة وإنما تحصل الزيادة في أثناء بعض المتون، والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها. فرب حديث أخرجه البخاري من طريق بعض أصحاب الزهري عنه – مثلا – فاستخرجه الإسماعيلي وساقه من طريق آخر من أصحاب الزهري بزيادة فيه وذلك الآخر ممن تكلم فيه فلا يحتج بزيادته.
وقد ذكر المؤلف – بعدُ – أن أصحاب المستخرجات لم يلتزموا موافقة الشيخين في ألفاظ الحديث بعينها.
__________
(1) كلمة "له" من (ي) وفي سائر النسخ "لهم" وهو خطأ لأن الضمير عائد لأبي عوانة.
(2) في (ب) "نبهوا" وهو خطأ.
(3) هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني الشافعي، من تصانيفه: المستخرج على البخاري مات سنة 371. تذكرة الحفاظ 3/947، ومعجم المؤلفين 1/135.(17/31)
والسبب فيه أنهم أخرجوها من غير جهة/(ب39) البخاري ومسلم فحينئذ يتوقف الحكم بصحة الزيادة على ثبوت الصفات المشترطة(1) في الصحيح للرواة الذين بين صاحب المستخرج وبين من اجتمع(2) مع صاحب الأصل/(ه19/أ) الذي استخرج عليه، وكلما كثرت الرواة بينه وبين من(3) اجتمع مع صاحب الأصل فيه افتقر إلى زيادة التنقير(4)، وكذا كلما بعد عصر المستخرج من عصر صاحب الأصل كان الإسناد كلما كثرت رجاله احتاج الناقد له إلى كثرة البحث عن أحوالهم. فإذا روى البخاري - مثلا –عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري حديثا، ورواه الإسماعيلي - مثلا – عن بعض مشايخه عن الحكم بن موسى(5) عن الوليد بن مسلم(6)/(ر19/أ) عن الأوزاعي عن الزهري واشتمل حديث الأوزاعي على زيادة على حديث ابن عيينة توقف الحكم بصحتها على تصريح الوليد بسماعه من الأوزاعي، وسماع الأوزاعي من الزهري؛ لأن الوليد بن مسلم من المدلسين على شيوخه وعلى شيوخ شيوخه.
وكذا يتوقف على ثبوت صفات الصحيح لشيخ الإسماعيلي وقس على هذا جميع ما في المستخرج.
وكذا الحكم في باقي المستخرجات.
فقد(7) رأيت بعضهم حيث يجد أصل الحديث اكتفى بإخراجه ولو لم تجتمع الشروط في رواته.
__________
(1) كلمة "المشترطة" من (ي) وفي باقي النسخ "المشتركة".
(2) كلمة "اجتمع" من (ي) وفي باقي النسخ "اجتمعت" والصواب ما في (ي).
(3) كلمة "من" من (ي) وهو الصواب وفي باقي النسخ "ما".
(4) في (ب) "التقييد" وهو خطأ.
(5) الحكم بن موسى بن أبي زهير البغدادي القنطري صدوق من العاشرة مات سنة 232/خت م مد س ق. تقريب 1/193، وتهذيب التهذيب 2/439، والكاشف 1/247.
(6) الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية من الثامنة مات سنة 195. التقريب 2/336، والكاشف 3/242.
(7) في (ب) "وقد".(17/32)
بل رأيت في مستخرج أبي نعيم(1) وغيره الرواية عن جماعة من الضعفاء، لأن أصل مقصودهم/(ي22) بهذه(2) المستخرجات أن يعلو إسنادهم ولم يقصدوا إخراج هذه الزيادات وإنما وقعت اتفاقا. والله أعلم.
ومن هنا/(ب40) يتبين أن المذهب الذي اختاره المؤلف من سد باب النظر عن التصحيح غير مرضي، لأنه منع الحكم بتصحيح الأسانيد التي جمعت شروط الصحة فأداه ذلك إلى الحكم بتصحيح ما ليس بصحيح، فكان الأولى ترك باب النظر والنقد مفتوحا، ليحكم على كل حديث بما يليق به. - والله الموفق -.
[ادعاء العراقي تفاوت العدد بين روايات البخاري:]
5- قوله/(ه 19/ب) ع: "والمراد بهذا العدد (يعني عدد أحاديث صحيح البخاري) رواية محمد بن يوسف الفربري(3) فأما رواية حماد بن شاكر فهي دونها بمائتي حديث، وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل النسفي(4)، فإنها تنقص عن رواية الفربري ثلاثمائة حديث"(5). انتهى.
__________
(1) هو الحافظ الكبير محدث عصره: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصفهاني له مؤلفات منها: حلية الأولياء توفي سنة 430. تذكرة الحفاظ 3/1092، ومعجم المؤلفين 1/282، وفتح الباري 1/5.
(2) في (ر) و(ه) "هذه" بدون الباء.
(3) هو راوية صحيح البخاري رحل إليه الناس وسمعوا منه صحيح البخاري. مات سنة 320. اللباب 2/418، ومعجم البلدان 4/246.
(4) هو الحافظ العلامة أبو إسحاق النسفي قاضي نسف وعالمها ومصنف المسند الكبير والتفسير وغير ذلك قال الخليلي هو حافظ ثقة مات سنة 294. تذكرة الحفاظ 2/686، ومعجم المؤلفين 1/115، وفتح الباري 1/5.
(5) التقييد والإيضاح ص27 قال العراقي هذا الكلام تعليقا على قول ابن الصلاح "وجملة ما في كتابه (يعني البخاري) الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة. وقام محمد فؤاد عبد الباقي بترقيم كتب صحيح البخاري وأبوابه وأحاديثه فبلغ عدد الأحاديث سبعة آلاف حديث وخمسمائة وثلاثة وستين حديثا 7563.(17/33)
وظاهر هذا أن النقص في هاتين الروايتين وقع من أصل التصنيف أو مفرقا من أثنائه، لأنه اعترض/(ر ل 19/ب) على ابن الصلاح في إطلاقه هذه العدة من غير تمييز قاعدة(1).
[رد الحافظ على العراقي ادعاءه:]
وليس كذلك بل كتاب البخاري في جميع الروايات الثلاثة في العدد سواء.
وإنما حصل الاشتباه من جهة أن حماد بن شاكر(2) وإبراهيم بن معقل لما سمعا الصحيح على البخاري فاتهما(3) من أواخر الكتاب شيء، فروياه بالإجازة عنه.
وقد نبه على ذلك الحافظ أبو الفضل ابن الطاهر(4) وكذا نبه الحافظ أبو علي الجياني(5) في كتاب تقييد المهمل، على ما يتعلق بإبراهيم بن معقل فروى بسنده إليه قال: ""وأما من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فأجازه لي البخاري"(6).
__________
(1) هكذا في جميع النسخ.
(2) هو أحد تلامذة البخاري وأحد رواة الصحيح عنه، قال الحافظ: "أظنه مات في حدود التسعين".
فتح الباري 1/5.
(3) في (ب) فإنها.
(4) هو الحافظ العالم المكثر الجوال محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني رحالة مؤرخ من حفاظ الحديث له مؤلفات منها: أطراف الكتب الستة، مات سنة 507.
تذكرة الحفاظ 4/1242، والأعلام 7/41.
(5) هو الحافظ الإمام الثبت محدث الأندلس الحسين بن محمد بن أحمد الجياني الأندلسي أحد تلاميذ ابن عبد البر له مؤلفات في مختلف الفنون منها: تقييد المهمل مات سنة 498. تذكرة الحفاظ 4/1233، والأعلام 2/279.
(6) تقييد المهمل ل14: (ب) وعبارته: "أن البخاري أجاز له آخر الديوان في أول كتاب الأحكام إلى آخر ما رواه النسفي من الجامع لأن في رواية إبراهيم النسفي نقصان أوراق في آخر الديوان عن رواية الفربري..."(17/34)
قال أبو علي الجياني: "وكذا فاته من حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك في باب قوله تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} (1) إلى آخر الباب"(2).
وأما/(ب 41) حماد بن شاكر ففاته من أثناء كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فتبين أن النقص في رواية حماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل إنما حصل من طريان الفوت لا من أصل التصنيف.
فظهر أن/(ي 34) العدة في الروايات كلها سواء.
وغايته أن الكتاب جميعه عن الفربري بالسماع.
وهند هذين بعضه بسماع بعضه بإجازة(3).
والعدة في أصل التصنيف سواء.
فلا اعتراض على ابن الصلاح في شيء مما أطلقه/(ه20/أ). والله أعلم.
6- قوله ع: "ولم يذكر عدة كتاب مسلم بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخاري بكثرة طرقه"(4). انتهى.
وذكر الشيخ في شرح الألفية عن أحمد بن سلمة أن عدة كتاب مسلم بالمكرر اثنا عشر ألف حديث(5).
__________
(1) سورة الفتح من الآية 15، ونقل الصنعاني كلام الجياني هذا في توضيح الأفكار 1/57.
(2) تقييد المهمل ل14:ب.
(3) في (ر/أ) بالسماع وبعضه بالإجازة.
(4) التقييد والإيضاح ص27.
(5) هذا النص في التقييد والإيضاح ص27 ولم أجده في شرح الألفية، ويجوز أن يكون الحافظ رآه في التقييد والإيضاح، وعزاه سهوا إلى شرح الألفية. وهو أيضا في تذكرة الحفاظ 2/589.(17/35)