تحفة السامع والقاري
في ختم
الجامع الصحيح للإمام البخاري
تعريفه، وتعريف كتابه، بين أسطر، وإجازة الرواية بالإسناد إلى المؤلف
للعاكف على باب ربه الجليل أبو خالد عبد الوكيل عبد الحق
ابن عبد الواحد الهاشمي عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المعروف بدليله، الهادي إلى سبيله، الصادق في قيله، المشكور على كثير من الإنعام وقليله.
الحمد لله الذي أنشأ الخلائق بقدرته، وأظهر فيهم العجائب بحكمته، وأشكره على توفيقه، وأحمده على سبوغ نعمته، وهدايته.
الحمد لله الذي لا مثل له يوجد، ولا إله سواه يعبد، وأحمده وهو أحق أن يحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقبل وتصعد، وأشهد أن سيدنا، وسندنا، وذخرنا، محمد، خليله، المزمل، المدثر، الحامد، الأحمد، وعلى آله، وأصحابه، لا سيما على أبي بكر الصديق أول من أنفق وأسعد، وعلى عمر بن الخطاب المحدث الموفق الأرشد، وعلى عثمان بن عفان الكريم الأمجد، وعلى على بن أبي طالب بحر العلوم الزاخر الذي لا ينفد.
سبحان الأبدي الأبد، سبحان الواحد الأحد، سبحان الفرد الصمد، سبحان من رفع السماء بغير عمد، سبحان من بسط الأرض على ماء جمد، سبحان من خلق الخلق فأحصا هم عدد، سبحان مقسم الأرزاق ولم ينسى أحد، سبحانه لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، سبحان ذي المجد والكرم، سبحان ذي الكبرياء والعظمة، سبحان ذي الجلال والإكرام.سبحان من له وجه لا يبلى، ونور لايطفى، واسم لا ينسى، وباب لا يغلق، وستر لايهتك، وملك لا يفنى، يا حي يا قيوم يا ذو الجلال والإكرام،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام، على إمام المرسلين، وخاتم النبيين، رحمة رب العالمين، وقائد الغر المحجلين، وشفيع المذنبين، وحامل لواء الحمد يوم الدين، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الطاهرين.قال الله تعالى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(1/1)
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم صل على محمد وأزواجه، وذريا ته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم صلى على محمد وأنزله المقعد المقرب يوم القيامة
اللهم صل عليه في الأولين، وصل عليه في الآخرين، وصل عليه في الملأ الأعلى يوم الدين، وصل عليه كلما ذكره الذاكرون,
اللهم صل على أزواجه وذريته وآل بيته، وأنصاره، وأصحابه، وأمته
اللهم صل على سائر الأنبياء والمرسلين.
اللهم رب هذه الدعوة آت محمد الوسلية، والفضلية، والدرجة الرفيعة، وابعثه مقام المحمود الذي وعدته أنك لا تخلف الميعاد.
اللهم يا بديع السموات، ويا جاعل الظلمات، ياراحم العبرات، يا مقيل العثرات، ويا سا تر العورات، يا محي الأموات، يا منزل الآيات، يا مضيف الحسنات.
اللهم اغفر لشيخنا، ووالدنا، ومعلمنا، وسائر مشائخنا.
اللهم اغفر لهم وارحمهم وأكرم نزلهم وأجمعنا بهم في دار الكرامة، عندك يارب العالمين. ولمن حضر سماع هذا الكتاب ، وقراءته، يارب العالمين.
عن أبي الدرداءقالسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر(1/2)
أبوداؤد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ
ابن ماجة
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة.
مسند أحمد
حين ظهر الإمام: ناصر السنة، وإمام الحفاظ، وإمام الدنيا أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى، وبرع في علم الحديث ألف كتابه وسماه
( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه)
وهي أفضل الكتب بعد كتاب الله على وجه الأرض، الذي حضرنا ختمه، ونسأل الله العلى القدير أن يرزقنا تلاوة كتابه العزيز، وأن يرزقنا قراءة الجامع المسند الصحيح في أناء الليل، وأطراف النهار إنه سميع مجيب.
نبذة من تاريخ حياة البخاري رحمه الله تعالي، العلمية، وفضائله
ولد الإمام: رحمه الله تعالى بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومئة من الهجرة النبوية، ببلدة بخارى، مات والده ومحمد صغير فكفلته أمه، فنشأ في حجرها فأحسنت تربيته،
روى: ذهبت عيناه في صغره فرأت أمه إبراهيم عليه السلام في المنام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك، فأصبح وقد ردالله عليه بصره.
مبدأ طلبه للحديث: ظهر نبوغه في صغره، وهو في الكتاب، فرزقه الله سبحانه وتعالي قلبا، واعيا، وحافظة قوية، وألهم حفظ الحديث.(1/3)
قال أبو جعفر ورّاق البخاري: قلت لأبي عبد الله كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث قال ألهمت وأنا في الكتاب، قلت: وكم أتي عليك إذ ذاك فقال: عشر سنين أو أقل، ثم صار يختلف إلى علماء عصره، وأئمة بلده، حتى حفظ كتب عدد من الأئمة، وعرف كلام أهل الرأي.
قال: ثم خرجت من الكتاب فجعلت أختلف إلى الداخلى، وغيره.
فقال يوما فيما يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت: له إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فأنتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل إن كان عندك فدخل فنظر فيه، ثم خرج فقال كيف يا غلام فقلت: هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم فأخذ القلم فأصلح كتابه فقال لي صدقت، فقيل له ابن كم كنت حين رددت عليه فقال: ابن إحدى عشرة سنة. قال فلما طعنت في ستة عشر سنة حفظت كتب ابن المبارك، ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، قال فلما حججت رجع أخي وتخلفت بها في طلب الحديث.
أول السماعه وأول الرحلة: كان أول سماعه ببلده سنة مئتين وخمسة، من علماء وقته، وفي سنة مئتين وعشرة خرج إلى بيت الله الحرام وهي أول رحلته، فلما آثر القيام بمكة وفي الحرمين الشريفين ألف بعض مؤلفاته،
قال البخاري رحمه الله: فلما طعنت في ثمان عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة، والتابعين، ثم صنفت التاريخ، إذ ذاك عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكنت أكتب في الليالي المقمرة، وقال: قل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت أن يطول الكتاب.
قال البخاري رحمه الله: دخلت على الحميدي وأنا ابن ثمان عشرة سنة، فإذا بينه وبين رجل آخر اختلاف في حديث فلما بصر بي قال: جاء من يفصل بيننا فعرضا على الخصومة فقضيت للحميدي وكان الحق معه.
قال الحافظ بن حجر: لو رحل أول ما طلب لأدرك ما أدرك أقرانه من الطبقة العالية.(1/4)
ارتحاله إلى الآفاق: قال الإمام البخاري رحمه الله تعالي: دخلت الشام ومصر والجزيرة مرتين وإلى مصر أربع مراتٍ وأقمت بالحجاز ستة أعوامٍ ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين.
قال الخطيب:رحل إلى محدثي الأمصار، وكتب بخرا سان، والجبال، ومدن العراق كلها، والحجاز، والشام، ومصر، وورد بغداد دفعات.
وقال الحافظ بن حجر:ارتحل بعد أن رجع من مكة إلى سائر المشائخ التي أمكنته الرحلة إليها.
وذكر الذهبي: نيسابور. وبغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، وواسط، ودمشق، وعسقلان، وحمص، وغيرها. وزاد الحاكم هذه البلاد وقال وأقام في كل ذلك على مشائخها.
مشائخ الإمام البخاري رحمه الله تعالى: قال الحافظ ينحصرون في خمسة طبقات.
قال البخاري رحمه الله: كتبت عن ألف وثمانين نفساً ليس فيهم إلا صاحب حديث، لم أكتب إلا من قال الإيمان قول وعمل.
الطبقة الأولى: من حدث عن التابعين.
الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء ولكن لم يسمع من ثقات التابعين
الطبقة الثالثة: هي الوسطي من مشائخه من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع التابعين
الطبقة الرابعة: رفقائه في طلب الحديث ومن سمع قبله بقليل.
الطبقة الخامسة: في أعداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة
قال البخاري: لا يكون الرجل محدثا كاملاً حتى يكتب عمن فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه.
سعة حفظ البخاري رحمه الله تعالى: رزق رحمه الله حافظةً قويةً ولم يكن له نظير في ذلك، في زمانه، حكاية حفظه بلغت حد التواتر. حتى اعترف له مصنفوا دائرة المعارف الإسلامية، وقالوا أن البخاري رحمه الله كان في حفظه آية من آيات الله في الأرض،
قيل: أنه كان يحفظ وهو صبي سبعون ألف حديث سردا.
روى: أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظ مافيه من نظرةٍ واحدة.(1/5)
قال الحاشد: كان يختلف معنا إلى مشائخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتي عليه أيام فقلنا له إنك تختلف معنا ولا تكتب فلمناه فيما يصنع، فقال لنا بعد ستة عشر يوماً إنكم أكثرتم عليّ, أعرضا عليّ ما كتبتما فأخرجنا ما كان عندنا فزاد علينا خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلبه حتى جعلنا نحكم ما كتبنا من حفظه، ثم قال أترون أني اختلف هدرا وأضيع أيا مي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
قال الحاشد:كان أهل المعرفة يغدون خلفه في طلب الحديث، وهو شاب، ويجلسون في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف.
قال محمد بن أبي حاتم: سمعت سليمان بن مجاهد، يقول كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لو جئت قبل لرأيت صبياً يحفظ سبعين ألف حديث قال: فخرجت في طلبه فلقيته فقلت أنت الذي تقول أنا أحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر، ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم.
وقال أيضا:قدم رجاء بن مرجي الحافظ، فقال لأبي عبد الله ما أعددت لقدومي حين بلغك وفي شيء نظرت قال:ما أ حدثت نظرا، ولا استعدت لذلك فإن أحببت تسأل شيئاً فافعل، فجعل يناظره في أشياء فبقيَ رجاء لا يدري.
ثم قال البخاري: هل لك في الزيادة، فقال استحياء منه، وخجلاً نعم ثم قال: سل إن شئت فأخذ في أسامي أيوب فعد من ثلاثة عشر، وأبو عبد الله ساكت فظن رجاء أنه قد صنع شيئاً فقال: يا أبا عبد الله فاتك خيرٌ كثير، فزيّف أبو عبد الله في أولئك سبعة وأغرب عليه أكثر من ستين رجلا.
ثم قال: كم رويت في العمامة السوداء قال هات كم رويت أنت، قال أروي فيها أربعين حديثا فخجل رجاء ويبس ريقه.
قال البخاري:أحفظ مئة ألف حديث صحيح ومئتي ألف حديث غير صحيح.(1/6)
امتحانه في سمر قند: قال محمد بن حاتم: كان بسمرقند أربع مئة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام فأحبوا مغالطة الإمام البخاري أدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وإسناد العراق في إسناد الشام، وإسناد الحرم في إسناد اليمن فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة واحدة لا في الإسناد، ولا في المتن.
قال البخاري: سألوني أن أُملي عليهم لكل من كتبت عنه، فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ.
امتحانه في بغداد: قال ابن عدي الحافظ: سمعت عدة من المشائخ يحكون أن البخاري رحمه الله قدم بغداد فأجتمع أصحاب الحديث وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر فدفوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس امتحانا.
فاجتمع الناس فلما اطمئن المجلس بأهله انتدبهم من تلك العشرة وسأله عن حديث من تلك الأحاديث العشر فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن الآخر فقال البخاري لا أعرفه، فمازال يلقي عليه واحداً واحداً حتى فرغ من عشرة أحاديث والبخاري يقول لا أعرفه.
فإن من الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى يعض ويقولون الرجل فهم ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز، والتقصير، وقلة الفهم.
ثم انتدب رجل آخر من العشرة فسأله فلم يزل يلقي حتى فرغ منه والبخاري يقول لا أعرفه، ثم انتدب إليه الثالث، والرابع والخامس إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة و البخاري لا يزيد على قوله لا أعرفه.
فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك فقلت كذا وصوابه كذا وحديث الثاني قلت كذا وصوابه كذا حتى أتي على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.(1/7)
قال الحافظ ابن حجر: هنا يخضع للبخاري فما العجب من رد الخطأ على الصواب هذا فنه كان حافظاً، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه مرةً واحدة.
درس الإمام البخاري رحمه الله في البصرة:قال يوسف بن المروزي: كنت في جامع البصرة فسمعت منادياً ينادي يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فسألناه بأن يعقد مجلس الإملاء فأجاب أن يجلس غداً في موضع كذا.
فلما كان من الغد حضر المحدثون، والحفاظ، والفقهاء، والنظار، حتى اجتمع قريباً من كذا وكذا ألف نفسٍ فجلس البخاري فقال: قبل أن يأخذ في الإملاء يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم فسأحدثكم أحاديث عن أهل بلدكم ستفيدونها يعني ليست عندكم فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإملاء فقال: حدثنا عبد الله بن عفان العتكي، بلديكم قال أخبرنا أبي عن شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن أنس رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله الرجل يحب القوم الحديث.
ثم قال: هذا الحديث ليس عند كم عن منصور إنما عندكم عن غير منصور.
فأملى مجلساً على هذا النسق يقول في كل حديث روى فلان هذا الحديث وليس عندكم كذا فأما رواية فلان التي يسوقها فليست عندكم.
اعتراف علماء عصره بحفظه وثنائهم عليه: من فضل الله سبحانه وتعالى على هذا الإمام أن جميع أئمة عصره من لقيهم قد عرفوا قدره وفضله، وعظموه، وعرفوا أنه يفوقهم في حفظه، وفهمه فأثنوا عليه. الثناء الطيب البليغ.
قال البخاري: كنت إذا دخلت على سليمان بن حرب يقول بين لنا أخطاء شعبة.
قلت: سليمان بن حرب إمام من الأئمة وكان يتكلم في الرجال، قال أبو حاتم ما رأيت في يده كتاب قط، حدّث ذات يوم في بغداد فحضر مجلسه نحواً من أربعين ألف رجل.(1/8)
وقال أيضا: قال لي محمد بن سلام البيكندي، انظر في كتبي فما وجدت فيها من خطأ فأضرب عليه. فقال بعض أصحابه من هذا الفتى فقال هذا الذي ليس مثله. وكان يقول كلما دخل على البخاري تحيرت ولا أزال خائفاً منه يعني يخشى أن يخطىء بحضرته.
قلت: محمد بن سلام البيكندي محدث ما وراء النهر شيخ البخاري روى عنه/130 حديثاً.
روى: عن علي بن الحسن قال جاء شيخٌ إلى ابن سلام البيكندي فقال: يا أبا عبد الله أنا رسول ملك الجن إليك يقرأ عليك السلام ويقول لك لا يكون لك مجلس يجتمع إليك الناس وإن كثروا إلا يكون منا في مجلسك أكثر من مثلهم.
قال الحاشد: رأيت إسحاق بن راهويه جالساً على السريرِ ومحمد بن إسماعيل البخاري معه، وإسحاق يقول حدثنا عبد الرزاق حتى مر على حديثٍ فأنكر عليه محمد بن إسماعيل فرجع إلى قول البخاري.
وقال أيضا: سمعت إسحاق بن راهويه يقول اكتبوا عن هذا الشاب يعني البخاري فلوكان في زمن الحسن البصري لأحتاج إليه, لمعرفته بالحديث وفقهه.
وقال أبو بكر المديني: كنّا يوماً عند إسحاق بن راهويه والبخاري حاضرٌ فمر إسحاق ودون صاحبيه عطاء الكيخاراني فقال له إسحاق يا أبا عبد الله إيش هذا كيخاراني فقال البخاري قرية باليمن كان معاوية رضي الله عنه بعث هذا الصحابي إلى اليمن فسمع عطاء منه هذا فقال له إسحاق كأنك شهدت القوم.
وقال فتح بن نوح: أتيت علي بن المديني فرائيت البخاري جالساً عن يمينه وكان إذا حدّث التفت إليه مهابةً له.
وقال أبو عمرو الخفاف أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري: لم أرَ مثله يعني البخاري، وأعلم بالحديث من أحمد، وإسحاق، وغير هما بعشرين درجة ومن قال فيه شيئاً فعليه مني ألف لعنة.
وقال أيضا: لو دخل من الباب وأنا أُحدِّث لملئتُ منه رعبا.
وقال قتيبة بن سعيد البغلاني: شيخ البخاري لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة لكان آية.
وقال بندار محمد بن بشار: شيخ البخاري هو أفقه خلق الله في زمانه(1/9)
وقال أحمد بن حنبل: شيخ البخاري، ما أخرجت خرا سان مثل محمد بن إسماعيل البخاري
وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند على بن المديني وربما أُغرِّب عليه، فلما بلغ علي هذا القول فقال ذروا قوله ما رأى مثل نفسه.
وقال إما م الأئمة أبو بكر بن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري
وقال الحاكم: جاء مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح إلى البخاري فقبله بين عينيه وقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين, وطبيب الحديث في علله.
وقال إبراهيم بن محمد بن سلام: إن الرتوت من أصحاب الحديث مثل سعيد بن أبي مريم، ونعيم بن حماد، والحميدي، وحجاج بن منهال، وإسماعيل بن أبي أويس، والعدني، والحسن الخلال الحلواني، ومحمد بن ميمون صاحب ابن عيينة، ومحمد بن العلاء، والأشج، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وإبراهيم بن موسى الفراء.
كانوا يهابون البخاري ويقضون له على أنفسهم في المعرفة.
وقال إبراهيم بن محمد بن سلام: حضرت أبا بكر بن أبي شيبة فرأيت رجلاً يقول في مجلسه ناظر أبا بكر أبا عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري في أحاديث سفيان فعرف البخاري كلها، ثم أقبل عليه البخاري فأغرب عليه مئتي حديث فكان أبو بكر يقول ذاك الفتي البازل.
قيل لمهيار عن قتيبة: أنه قال رحل إليَّ من شرق الأرض وغربها فما رحل إليَّ مثل البخاري فقال مهيار صدق قتيبة، أنا رأيته مع يحي بن معين وهما يختلفان إلى محمد بن إسماعيل فرأيت يحي ينقاد له في معرفة الحديث.
ساعة إطلاعه على العلل: كما شهد له أهل عصره من الأئمة بالتقدم عليهم في حفظ الأحاديث كذلك شهود وله بمعرفة الأسانيد ومعرفة الرجال ونقدهم، وتعديلهم.(1/10)
قال أبو حامد الأعمش الحافظ: قال كنّا عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ومعنا أبو عبيدة الحديث بطوله.
فقال البخاري: حدثنا ابن أبي اويس، حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله فذكر الحديث بتمامه.
قال: فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كفارة المجلس إذا قام العبد أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال له مسلم في الدنيا أحسن من هذا الحديث ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا.
فقال محمد بن إسماعيل البخاري إلا أنه معلول فقال مسلم لا إله إلا الله وارتعد أخبرني به فقال أستر ماستر الله هذا حديث جليل رواه الناس عن حجاج بن محمد عن ابن جريج فألح عليه وقبَّل رأسه وكاد أن يبكي فقال أكتب إن كان ولا بد منه.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفارة المجلس فقال مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك.
وقال الإمام الترمذي: لم أر في العلل، والرجال أعلم من البخاري.
وقال الحافظ أحمدون: رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان. ومحمد بن يحي الذهلى يسأله عن الأسامي، والكنى، والعلل، والبخاري يمر فيه مثل السهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد.
قلت: سعيد بن مروان شيخ البخاري، مات في سنة(252) أحفظ هذا التاريخ ينفعك في قوله حدثنا محمد غير المنصرف في البخاري.(1/11)
حرصه على الحديث وجهاده في طلب الحديث:قال ورَّاقهُ: كان البخاري إذا كنت معه في سفر جمعنا في بيت واحد إلا في القيظ فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل مرة يأخذ القداحة فيوري ناراً بيده يسرج ويخرج الأحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه فقلت له إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني فقال: أنت شاب لا أُحب أن أُفسد عليك نومك.
قال ورَّاقُهُ: سمعت البخاري يقول: ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الأحاديث فإذا هو نحو مئتي ألف حديث.
قال ورَّاقُهُ: سمعت البخاري يقول خرجت إلى آدم بن أبي أياس فتأخرت نفقتي حتى جعلت أتناول الحشيش فلما كان اليوم الثالث أتاني رجل لا أعرفه فأعطاني صرة فيها دنانير.
صفات الإمام البخاري رحمه الله: كان الإمام البخاري رحمه الله نحيف الجسم، ليس بالطويل، ولا بالقصير، وكان زاهداً في الدنيا، ورث عن أبيه مالاً كثيراً فكان يتصدق به، وكان قليل الأكل، جدا يقال: كان يقنع كل يوم بلوزتين أو ثلاث، مرض البخاري رحمه الله مرة فعرضو مائه على الأطباء فقالوا عن هذا الماء يشبه أساقفة النصارى فإنهم لا يأتدمون، فصدقهم البخاري.
زهده وورعه:قال رحمه الله ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة حرام، وكان يقول لأرجوا أن ألقى الله ولا يحاسبني أني إغتبت أحداً.
أولاده وجواريه: رويَ أن الإمام البخاري كان في منزله فجائته الجارية فأرادت دخول المنزل فعثرت على المحبرة بين يديه فقال لها كيف تمشين, فقالت إذا لم أجد طريقاً كيف أمشي فبسط يديه وقال إذهبي فقد أعتقتك، قيل له يا أبا عبد الله أغضبتك فقال أرضيت نفسي بما فعلت.
حكي ورَّاقُهُ:أنه ورث من أبيه مالاً كثيراً وكان يعطيه مضاربة فقطع له غريمه خمس وعشرون ألفاً فقيل له استعن بكتاب الوالي فقال إن أخذت منهم كتاباً طمعوا ولن أبيع ديني بدنياي. ثم صالح غريمه على أن يعطيه كل شهر عشرة دراهم وذهب ذلك المال كله.(1/12)
وذكر الذهبي:وحمل إليه بضاعة أينفذها ابنه أبوحفص فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية وطلبوا منه بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاء من الغد تجار آخرون فطلبوا منه أيضا البضاعة بربح عشرة آلاف درهم وقال إني نويت البارحة أن أدفعها إلى الأولين فدفها إليهم وقال: إني لا أحب أن أنقض نيتي.
شغفه بتلاوة القرآن الكريم: كان البخاري رحمه الله إذا كان أول ليلة من رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وهكذا إلى أن يختم القرآن.
وكان رحمه الله يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلثين، من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار في كل يوم ختمة ويكون ختماً عند الإفطار كل ليلة ويقول عند كل ختمة دعوة مستجابة.
قال الدارمي: إذا قرأ محمد بن إسماعيل القرآن شغل قلبه، وبصره، وسمعه، وتفكر في أمثاله، وعرف حلاله، من حرامه.
توقيره للقرآن: قال ورَّاقُهُ: دعي محمد بن إسماعيل إلى البستان فصلى بهم الظهر، ثم قام يتطوع فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه وقال لبعض من معه أنظر هل ترى تحت قميصي شيئاً فإذا زنبور قد لسعه في ستة عشر موضعاً وقد تورم جسده فقال بعض القوم كيف لم تخرج من الصلاة أول ما لسعك قال كنت في سورة أحببت أن أُتمها.
حسن أدبه بالمساجد: قال الحافظ أبو الفضل أحمد بن على السليماني البيكندي: سمعت على بن محمد بن منصور، يقول سمعت أبي يقول كنا في مجلس أبي عبد الله البخاري فرفع إنسان من لحيته قذاذة وطرحها إلى الأرض قال فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاذة من الأرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها وطرحها على الأرض فكأنه صان المسجد عمَّا تصان عنه لحيته.
أشعاره رحمه الله: لم يكن البخاري رحمه الله شاعراً ولكنه أحياناً كان ينظم الأبيات،
أخرج الحاكم رحمه الله: في تاريخه من شعره قوله،
أغتنم في الفراغ فضل ركوعِ(1/13)
فعسى أن يكون موتك بغتةً
كم صحيحٍ رأيت من غير سقم
ذهبت نفسه الصحيحة فلتةً
قال الحافظ بن حجر: قلت وكان من العجائب أنه وقع له ذلك أو قريباً منه.
روى: لما نعي إليه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الحافظ أنشد رحمه الله فقال
إن عشت تفجع بالأحبة كلهم
وبقاء نفسك لاأبالك أفجع
سمته وهد يه رحمه الله: قال النجم بن الفضل، رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ومحمد بن إسماعيل خلفه فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتبع أثره.
وقال ورَّاقُهُ: كان معه شيء من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعله في ملبوسه.
ما حدث بين الإمام البخاري وبين الإمام محمد بن يحيى الذهلي
قدم الإمام البخاري رحمه الله: نيسا بور سنة خمسين ومئتين، فأستقبله أهل نيسابور بحفاوة، وتجمُّل عظيم، وصف الإمام مسلم رحمه الله هذا الاستقبال فقال: لما قدم البخاري نيسابور ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور مافعلوا به استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث.
قال محمد بن يحيى الذهلي: في مجلسه من أراد أن يستقبل البخاري غداً فليستقبله فإني استقبله فاستقبله الذهلي، وعامة علماء نيسابور فنزل البلد، ونزل دار البخاريين.
فقال الذهلي: لا تسألوا عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه وقع بيننا وبينه، وشعث بنا كل ناصبي، ورافضي، وجهمي، ومرجئي بخرا سان.
أعلن الذهلي فقال: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم، فاسمعوا منه، فذهب الناس فأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى الذهلي فتكلم فيه بعد ذالك.
أقام البخاري رحمه الله: بنيسابور مدة يحدِّثُ على الدوام، والناس يزدحمون على الإمام البخاري في درسه حتى تمتلي الدور والسطوح.
الفتنة
حسد البخاري رحمه الله بعض الحاسدين وشغبوا عليه.(1/14)
قال أبو أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشائخ أن البخاري رحمه الله لما ورد نيسابور وأجمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث أن البخاري يقول لفظي بالقرآن مخلوق فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق فأعرض عنه البخاري، فلم يجبه ثلاثاً فألح عليه، فقال البخاري القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، السؤال عنه بدعة. فشغب الرجل وقال: قد قال لفظي بالقرآن مخلوق.
وقال البخاري: حركاتهم، وأصواتهم، وكتابتهم، مخلوقة، فأما القرآن المثبت في المصاحف الموعي في القلوب فهو كلام الله غير مخلوق.
قال الله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)
قال أبو محمد حامد بن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول كلام الله غير مخلوق، و من زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ولا يُجالس، ولا يُكلَّم، ومن ذهب بعد هذا إلى البخاري فأتهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه.
لما وقع بين البخاري، وبين الذهلي في مسألة اللفظ إنقطع الناس عن البخاري، إلا مسلم بن الحجاج. وأحمد بن سلمة الحافظ الحجة النيسابوري.
قال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا فأخذ مسلم ردائه فوق عمامته وقام على رؤوس الناس فبعث إلى الذهلي جميع ماكان كتب عنه على ظهر جمال. ولم يحدث في كتابه عنه.
قال الحاكم: أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: دخلت على البخاري فقلت يا أبا عبد الله أن هذا الرجل مقبول بخرا سان خصوصاً في هذه المدينة، وقد لجَّ في هذا الأمر حتى لا يقدر أحدٌ منا أن يكلمه فما ترى.(1/15)
قال: فقبض على لحيته ثم قال: وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) اللهم إنك تعلم أني لم أرد من المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا للرآسة وإنما أبت نفسي الرجوع على الوطن، لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله لا غير.ثم قال لي يا أحمد إني خارج غداً لتخلصوا من حديثه لأجلي.
قال الحاكم: عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال: لما قام مسلم بن الحجاج، وأحمد بن سلمة، من مجلس الذهلي بسبب البخاري قال الذهلي لا يساكنني هذا الرجل في البلد فخشيَ البخاري وسافر.
قال أبو عمر أحمد بن نصر النيسابوري قال: أتيت البخاري فقلت يا أبا عبد الله هاهنا من يحكي عنك إنك تقول لفظي بالقرآن مخلوق فقال: يا أبا عمر أحفظ عني من زعم من أهل نيسابور، وسمي غيرها من البلدان بلاد كثيرة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذَّاب فإني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
قلت: اتفق العلماء وأصحاب التواريخ على أن أول من قال بخلق القرآن هو الجعد بن درهم، ثم جهم بن صفوان. ثم تبعهما بشر المريسي، وذلك في سنة (118) واستمرت الفتنة تظهر تارة وتختفي تارة، إلى عهد الخليفة المأمون العباسي. وتبني القول بخلق القرآن مقتنعاً رأي المعتزلة في هذا المسالة أتم إقتناع.
وأخذ يدعو العلماء، والقضاء، والمحدثين، والرواة، إلى القول بخلق القرآن.
واستمرت هذه الفتنة من عهد المأمون إلى عهد المعتصم.
وحبس فيها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وعذُّب/28شهراً وخلعت يداه، وضرب بالسياط، وأُوذيَ الإيذاء الشديد، وغير ه من الأئمة رحمهم الله.
واستمرت هذه الفتنة إلى عهد الوا ثق، فلما تولى الخلافة كتب إلى القضاء بامتحان العلماء فلم يبق أحد من فقيه، ولا محدث، ولا مؤذن، ولا معلم، حتى أخذ فهرب من هرب وملئت السجون.(1/16)
واستمر الحال، ولقي العلماء، والمحدثون، صنوف العذاب، وقتل منهم الخلائق لا يحصون، وصارت هذه المحنة الشغل الشاغل، وأصبح حديث الناس في مجالسهم في العراق وغير ها من البلدان.
وقام الجدل فيها بين العلماء، ووقع امتحان الأمراء العلماء، والقضاء، والفقهاء، والمحدثين، في مصر، والشام، وفارس، وغيرها.
فلما تولى المتوكل الخلافة، لم يتحمس للقول بخلق القرآن كما كان في زمن أسلافه ونهي عن القول بخلق القرآن في سنة(234) وكتب بذلك إلى الآفاق فانطفأت الفتنة التي طالت مدتها ضحى خمسة عشر سنة
ثم أنها: أخذت طابعاً خاصاً، وصارت سبباً من أسباب الجرح والتعديل وجرحوا بهذا المسألة أقواماً من العلماء، والمحدثون، والفقهاء، والقضاء. إذ هم توفقوا فيها ولم يقولوا فيها شيئا، أو قالوا فيها خوفاً من السيف أو قالوا فيها قولاًعادلا،
وأتخذت هذه المسالة أيضاً ذريعة انتقام يرمي بها بعض الناس خصومهم ظلماً وعدوانا، للنيل منهم، فمن حقد على عالم اتهموه بأنه يقول القرآن مخلوق، ليجرحوه، ويهدرو وثوق الناس به. ولقد توسع نطاق هذه المسألة حتى تناول شيئاً منها للإمام ناصر السنة محمد بن إسماعيل البخاري، وشيوخه الأجلة، مثل يحي بن معين، وعلى بن المديني، ويزيد بن هارون، وزهير بن حرب. وغير هم من الأئمة مجمع على عدالتهم، وجلالتهم، وإمامتهم، حفظوا السنة المطهرة.
ثم أن الذي وقع بين البخاري وبين محمد بن يحيى الذهلي كان مبنياً على الحسد، وأنه غفر الله له كان حاسداً للبخاري.
ذكر ابن عدي رحمه الله: عن حيكان بن محمد بن يحيى الذهلي يقول قلت لأبي يا أبتي مالك ولهذا الرجل، يعني محمد بن إسماعيل البخاري ولست من رجاله في العلم.
وكما أشار إليه الإمام البخاري فقال: وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله لا غير.
وقال أيضا: أحفظ عني من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذَّاب، فهل بقي بعد هذا شيء أسأل الله أن يغفر لهم.(1/17)
قال الذهبي: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأُ به لا سيما إذا لا ح أنه للعداوة، أو للمذهب، أو للحسد، ما ينجوا منه إلا من عصمه الله وما علمت عصراً من العصور سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء، والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس.
اللهم لا تجعل في قلو بنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
خروج الإمام البخاري رحمه الله من نيسابور خرج الإمام البخاري من نيسابور عائداً إلى بلده بخارى، فتلقاه أهلها في تجمُّلٍ عظيم، ومقدمٍ كريم.
قال القسطلاني شارح البخاري: نُصبت له القباب على فرسخٍ من البلدِ، واستقبلهُ عامةُ أهلها حتى لم يبقَ أحد، ونشرت عليه الدراهم، والدنانير، وبقي مدة يحدثهم في مسجده.
فسأله أمير بخارى، خالد بن أحمد السدوسي الذهلي أن يحضر منزله فيقرأ التاريخ، والجامع على أولاده فأمتنع من ذلك.
وقال لا يسعني أن أخُصَّ بالسماع قوماً دون قومٍ آخرين.
فاستعان خالد بن حريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل بخارى حتى تكلموا في مذهبه، فناه عن البلد.
فقال : اللهم أرهم ما قصدوني في أنفسهم، وأولادهم، وأهاليهم. قال: أما خالد فلم يأت عليه أقل من شهر حتى أمر الظاهرية بأن ينادى عليه فنوديَ عليه وهو على حمارٍ ثم صار عاقبةُ أمرهِ على الذل، والحبس. وأما حريث فإنه أُبتليَ بأهله فرأى فيهم ما يخل الوصف، وأما فلان فإنه أُبتليَ في أولاده فأراه الله فيهم البلايا.
قال النووي رحمه الله: في رواية بعث إليه الأمير خالد أن احمل إليَّ الكتاب الجامع، والتاريخ، وغيرها لأسمع منك.
قال البخاري رحمه الله: لرسوله لا أُذل العلم ولا أحملهُ إلى أبواب الناس فإن كان لك شيء منه حاجةً فاحضر في مسجدي أو في داري.
وفي رواية: أرسله أن يعقد مجلساً لأولادي ولا يحضره غيرهم فامتنع وقال: لا يسعني أن أَخُصَّ قوماً دون قوم.(1/18)
مؤلفات الإمام البخاري رحمه الله: الجامع الصحيح/الأدب المفرد/ جزء رفع اليدين/ جزء قراءة الفاتحة خلف الإمام/ بر الوالدين/ التاريخ الكبير/ التاريخ الأوسط/ التاريخ الصغير/ خلق أفعال العباد/ الضعفاء/ المسند الكبير/ التفسير الكبير/ الأشربة/ الهبة/ أسامي الصحابة/ الوحدان/ المبسوط/ العلل/ الكُنى/ الفوائد/ قضايا الصحابة.
وهذه الكتب منهاماهو موجود، ومطبوع، أو مخطوط. ومنها ما عُرف بذكر بعض الأئمة له ونقلهم.
وفاة الإمام البخاري رحمه الله: لما خرج الإمام البخاري رحمه الله من بخارى كتب إليه أهل سمر قند يخطبوه إلى بلدهم فسار إليهم فلما كان بقرية ( خَرْ تَنْك) بفتح الخاء بفتح المعجمة وإسكان الراء وفتح الفوقانية وسكون النون. وهي على فرسخين من سمر قند.
قال جمال الدين القاسمي: حدثني أحد صلحاء بخارى وكان رفيقي في رحلتي إلى المدينة المنورة أن البلدة التي دفن بها الإمام البخاري المسماة بخر تنك، تسمي الآن ( خاجا باد).
بلغ الإمام البخاري أنه وقع بينهم بسببه فتنة فقوم يريدون دخوله، وقوم يكرهون.
فأقام بها حتى ينجلي الأمر فضجر ليلة ودعا وقد فرغ من صلاة الليل، اللهم قد ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضي إليك فمات في ذلك الشهر.
قال القسطلاني: فلما كان بخر تنك وهي على فرسخين من سمر قند وقعت الفتنة بينهم بسببهِ وكان له أقرباء بها فنزل عندهم حتى ينجلي الأمر فأقام أياماً فمرض حتى وجَّه إليه أهل سمرقند رسولاً يلتمسون خروجه إليهم فأجاب وتهيأَ للركوب ولبس خفيه وتعمم فلما مشيَ قرابة عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابة ليركبها قال أرسلوني فقد ضعفت فأرسلوه فدعا بدعوات ثم أضطجع فقضيَ فسال العرق حتى أُدرج في أكفانه.
توفي رحمه الله تعالى: ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن بعد صلاة الظهر، وكانت مدة حياته اثنان وستين سنةً إلا ثلاثة عشر يوما.(1/19)
قال الحافظ ابن حجر: قال ورَّاقُهُ سمعت الغالب بن جبريل الذي نزل عليه البخاري فلمَّا دفنَّاه في مقبرته فاح من تراب قبره رائحةً طيبة كالمسك ودامت أياماً جعل الناس يختلفون إلى القبر أيا ماً يأخذنه من ترابه أن جعلنا عليه خشباً مشبكا.
قال الكرماني رحمه الله: لما دفن فاح من تراب قبره رائحة غالية من المسك، وظهر سوارين بين السماء مستطيلة حذا القبر، وكانوا يرفعون التراب منه للبركة حتى ظهرت الحفرة ولم يكن يقدر على حفظ القبر بالحرَّاس فنصب على القبر خشب مشبكات فكانوا يأخذون ما حوله من التراب، والحصيات، ودام ريح الطيب أياماً كثيرة حتى تواتر عند جميع أهل تلك البلاد.
مبشرات في شأن الإمام البخاري رحمه الله: حكي الحافظ ابن حجر عن الخطيب: بسند إلى عبد الواحد بن آدم يقول رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم - في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد عليَّ السلام فقلت ما وقوفك هاهنا يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري قال فلمَّا كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال قسطلاني رحمه الله: لما ظهر أمره بعد وفاته خرج بعض مخالفيه إلى قبره، وأظهروا التوبة، والندامة.
قال الفربري رحمه الله: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي أين تريد فقلت أُريد محمد بن إسماعيل فقال اقرأه مني السلام.
شهادة النقاد للإمام البخاري رحمه الله:
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ما أخرجت خرا سان مثل محمد بن إسماعيل البخاري.
قال الإمام على بن المديني رحمه الله: لم يرَ البخاري مثل نفسه.
قال الإمام مسلم رحمه الله: لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك.
وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: ما تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله من محمد بن إسماعيل.(1/20)
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ، وكان رأساً في الذكاء، ورأساً في العلم، ورأساً في الورع، والعبادة، وأفردت مناقبه في جزء ضخم فيها العجب.
وقال الحافظ بن حجر: لو فتحت باب الثناء عليه ممن تأخر عن عصره لفنيَ القرطاس ونفذت الأنفاس فذلك بحر لا ساحل له.
قال بعض الفضلاء
كان البخاري حافظاً ومحدثا
جمع الصحيحَ مكمَّلَ التحريرِ
ميلادهُ صدقٌ ومدةُ عمرهِ
فيها حميداً وانقضى في نوري
سنة الميلاد.الصاد، (90) والدال(4)والقاف(100) المجموع(194) مدة العمر، الحاء (8) الميم(40) الياء(10) الدال (4) المجموع(62) سنة الوفاء النون(50) الواو(6) الراء(200) المجموع(256)
قلت:
وإلى هنا نُنهي سيرة الإمام الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري التي احتوت على نبذة موجزة، من حياته، وفضائله، وحفظه، ورحلته، وثناء الناس عليه،
ونستبدي في تعريف أعظم الكتب في الإسلام بعد كتاب الله
كتابه الجامع الصحيح الذي اشتهر بين الناس
الجامع الصحيح
شأن الجامع المسند الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تأليفه، ومكانته، وفضائله، وخصائصه
كانت كتب الحديث قبل عصر الإمام البخاري رحمه الله ممزوجاً فيها الصحيح والضعيف بحيث لا يتعين للناظر فيها درجة الحديث، من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال الرواة وإلا بقي ذلك الحديث مجهول الحال عندهم،
وحين ظهر الإمام البخاري، وبرع في علم الحديث، وصارت له فيه منزلة, التي ليس فوقها منزلة أراد أن يجرد الصحيح ويجعله في كتاب على حده ليخلص طالب الحديث من عناء البحث عن الرواة فألف كتابه المشهور، أورد فيه ما تبين له صحته، وسمى كتابه
{الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه}(1/21)
إنما سماه :جامعاً لأنه جمع فيه الفنون الثمانية، في الحديث، وفن العقائد، وفن الفقه، وفن السير، وفن الرقاق، وغيرها. وسماه مسنداً لأنه أورد فيه الأحاديث المسندة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - وما أورد فيه عن الصحابة، والتابعين، ومن المعلقات إنما هو بالتبع، وسماه صحيحاً لأنه أورد فيه ما صحَّ عنده، وسماه مختصراً لأنه خَرَّجُهُ من ست مئة ألف حديث واختصره منها.
وروى عنه: أنه قال ما أدخلت في كتابي إلا ما صحَّ وتركتُ كثيراً من الصحاح لكي لا يطول.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:وقوي عزمه على ذلك ما سمعه من شيخه إسحاق بن راهويه، قال: لو جمعتم كتاباً مختصراً في الصحيح من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال البخاري: فوقع في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح.
وقال أيضا:رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه فسألت بعض المعبرين فقال، أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع.
كيف صنف الإمام البخاري رحمه الله كتابه الجامع المسند الصحيح:
قال الفربري رحمه الله: سمعت البخاري يقول، ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلتُ قبل ذلك وصليت ركعتين.
وقال البخاري:صنفت الجامع الصحيح من ست مئة ألف حديث في ست عشرة سنة. وجعلته حجةً بيني وبين الله.
وقال محمد بن أبي حاتم ورَّاق البخاري: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول لو نشر أستاري هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت البخاري، ولا عرفوه ثم قال صنفته ثلاث مرات.
وقال عمر بن محمد البجير السمرقندي: قال سمعت البخاري يقول، صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرتُ الله وصليت ركعتين، وتيقنت صحته.
قال الحافظ بن حجر: والجمع بينه وبين ما قيل أنه كان يصنفه في البلاد، أنه ابتداء تصنيفه، وترتيبه في المسجد الحرام ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها ويدل عليه قول أنه صنفه في ست عشرة سنة.(1/22)
بيان تفوق هذا الكتاب على سائر الكتب:
ذكر والدي وشيخي: في شرحه للبخاري، قال:
فأعلم: أن الكتب المؤلفة في علم الحديث منحصرة في خمس طبقات وأجمع العلماء على أن كتب الطبقة الأولى منحصرة في الكتب الثلاثة، الموطأ، والصحيحين، وأنهما أصحَّ الكتبِ بعد كتاب الله، وهما أجلَّ المصنفات في الدنيا وأصحها, وأجلُّها صحيح البخاري.
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: تصحيح الحاكم دون تصحيح ابن حبان، والترمذي، والدار قطني، وابن خزيمة، وتصحيح مسلم فوق تصحيح هؤلاء، وتصحيح البخاري فوق تصحيح مسلم، وكتابه أجل ما صنف في هذا الباب والبخاري أعرف خلق الله بالحديث وعلله.
وقال النسائي رحمه الله: أجود هذه الكتب كلها كتاب البخاري.
وقال الحافظ أبو الوالبي رحمه الله: أجمع العلماء على أن الرجل لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري من المرفوعات المسندات صحيح لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته.
وقال الذهبي رحمه الله: جامع البخاري أجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله و أعلى في وقتنا هذا إسنادا ومن كذا سنة، يفرح الناس بعلو سماعه فلو رحل شخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته.
قال أبو زيد المروزي رحمه الله: كنت نا ئما بين الركن والمقام فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا أبا زيد إلى متي تدرس كتاب الشافعي وما تدرس كتابي فقلت وما كتابك يا رسول الله قال جامع البخاري
واتفق المعتمدون من العلماء: على أن الصحيح الجامع هو الأصل الأول في الباب، وصحيح مسلم هو الأصل الثاني في الباب، والموطأ هو اللب اللباب.
وكم عدد كتب هذا الكتاب:
قلت: لقد وقع الاختلاف في أسماء الكتب في بعض نسخ الصحيح وذلك بسبب اختلاف نسخ الأصول، منهم من اسقط هذا وأثبت هذا ومنهم من عد بالتفصيل كما سيأتي
قيل:/117/ وقيل:/98 / وقيل: /100/ وفي بعض النسخ/102/ وفي بعض النسخ/85 / وفي بعض النسخ/91 /(1/23)
عد الإمام النووي عن الحموي بهذا الترتيب. من بدأ الوحي إلى كتاب التوحيد وعظمة الرب سبحانه وتعالى. مئة وسبعة عشر كتابا(117)
وهذا العد الذي عده الإما م النووي عن الحموي رحمهم الله وافق عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، عد جيد إنما خالفهم في بعض الأسماء وفيه بعض الزيادات.
أنه قسم الصلاة إلى: فرض الصلاة/و الصلاة في الثياب/ والقبلة/ والمساجد/ وسترة المصلي
قسم الأذان إلى:فضل صلاة الجماعة/والإمامة/ وإقامة الصفوف/ وافتتاح الصلاة/ والقراءة/ والركوع/ والسجود/ والتشهد/ وانقضاء الصلاة/ واجتناب أكل الثوم/ وصلاة النساء والصبيان/
وجعل: بعد تقصير الصلاة:/ الاستخارة/ والتحريض على قيام الليل.
قال الحافظ ابن حجر: لم أرَ الاستخارة هنا بل التهجد.
وجعل: بعده النوافل
قال الحافظ ابن حجر: بدله التطوع
وجعل: الصلاة بمكة
وجعل: بعد الزكاة/ صدقة الفطر
وجعل: بعد جزاء الصيد/ الإحرام وتوابعه
وجعل: بعد الإستقراض وأداء الدين/ الأشخاص والملازمة
وجعل: بعد الجهاد/بقية الجهاد
وعد الأنبياء: والمغازي، واحدا
وكذلك، المناقب، وفضائل الصحابة، ومناقب الأنصار واحدا
وجعل: بعد المغازي، جزاء آخر
وعد: النكاح، والطلاق واحدا.
وجعل: بعد الحوض، الجنة والنار
وعد الحافظ بن حجر رحمه الله بهذا الترتيب: من بدء الوحي إلى كتاب التوحيد (98) كتابا
قلت: الفارق بين الحافظ ابن حجر، وبين الإمام النووي، هو أن الإمام النووي جعل كتاب الغسل غسل الجنابة. وقال الحافظ:كتاب الغسل
وعد الحافظ: فرض الصلاة/ والصلاة في الثياب/ والقبلة/ والمساجد/ وسترة المصلى/ جعله كتاب الصلاة
وعد الحافظ:الأذان/ وفضل الصلاة الجماعة/ والإمامة// وإقامة الصفوف/ وافتتاح الصلاة/ والقراءة/ والركوع/ والسجود/ والتشهد/ وانقضاء الصلاة/ واجتناب آكل الثوم/ وصلاة النساء والصبيان/جعله كتاب الأذان
وعد الحافظ: الاستخارة/ والتحريض على قيام الليل/ والنوافل/ جعله كتاب التهجد(1/24)
وجعل: كتاب الصلاة بمكة، كتاب فضائل الصلاة.
وجعل:كتاب الزكاة/ وكتاب صدقة الفطر، / كتابا واحدا، أي كتاب الصلاة
وجعل: جزاء الصيد/ وكتاب الإحرام وتوابعه/كتابا واحد، أي كتاب جزاء الصيد
وجعل: الأشخاص/ والملازمة/ واحدا، أي كتاب الخصومات.
وجعل: الجهاد والسير/ وبقية الجهاد / كتابا واحدا، أي كتاب الجهاد.
وجعل: كتاب الأنبياء/والمغازي، كتابين.
وجعل: بدل جزء الآخر بعد المغازي/كتاب المناقب/ وفضائل الصحابة/ ومناقب الأنصار
وجعل: كتاب النكاح/ والطلاق، كتابين
وجعل:كتاب الدعوات/ وكتاب من الدعوات/ كتابا واحدا، أي كتاب الدعوات
وجعل: الرقاق/ والحوض/ والجنة والنار/ كتابا واحدا، أي كتاب الرقاق
أما عدد أبواب الجامع الصحيح:
قال ابن عدي رحمه الله:عن جماعة من المشائخ أن البخاري رحمه الله حول تراجم جامعه بين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين ولا ينافي هذا أيضا ما تقدم.
فقد وقع فيه أيضا اختلاف. وذلك لاختلاف النسخ أيضا.
فقد قيل: أنها ثلاثة آلاف وأربع مئة وخمسون بابا
وقيل: ثلاثة آلاف وسبع مئة وثلاثون بابا
وقيل: خمسة آلاف وثلاث مئة وخمسا وثلاثون بابا،
قلت: أسوق إليك بعض المواضع وأن أرد البحث في هذا الموضوع فراجع كتابنا( مفتاح القاري في عدد أسماء الكتب، والأبواب، والأحاديث، والمعلقات، والمتابعات، والرواة، من صحيح البخاري)
الأول: بدأ الوحي، فيه /6 أبواب الخمسة بغير ترجمة غير موجودة في بعض النسخ.
الثاني: كتاب الإيمان، فيه/43 بابا، وفي بعض النسخ، باب دعائكم إيمانكم، وباب وإن طائفتان من المؤمنين غير موجود.
الثالث: كتاب العلم، فيه/54 بابا وفي بعض النسخ القراءة والعرض على المحدِّث، وباب من سأل عالما وهو مشتغل ساقط.(1/25)
والرابع: كتاب الوضوء، فيه /79 بابا، وفي بعض النسخ أسقطوا باب بغير ترجمة بعد باب التبرز في البيوت، وباب إذا شرب الكلب، بعد باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وباب بغير ترجمة بعد باب استعمال فضل وضوء الناس، وباب بغير ترجمة، بعد باب ما جاء في غسل البول.وهكذا ومن هنا وقع الاختلاف.
وأما عدد أحاديثه: فقد قال ابن الصلاح ومن تبعه أنها سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بالأحاديث المكررة، وأما بدونها فأربعة آلاف.
ونسخ المتداولة: الموجودة يشير إلى/7563 حديثا…
وتعقب الحافظ ابن حجر: وقال جميع ما في الجامع من الأحاديث، المكررة، والموصولة، والمعلقة، وما في معناه من المتابعات، تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثا، وجميع مافيه موصولا، ومعلقا، بغير تكرار ألفا حديث و خمس مئة حديث وثلاث عشرة حديثا، ومن المعلق وما في معناه ومن المتابعات مئة وستون حديثا، والباقي موصول، وافق مسلم على تخريجها سوى ثمان مئة وعشرون حديثا، والمتفق عليه ألف حديث وخمسمائة وثلاثة وثلاثون حديث، وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ألف وست مئةوثمانية آثار.
وأما عدد الأجزاء: فهي ثلاثون جزاء قسموها ا لعلماء للمدارسة، أو لكي يقال انه أخذ الكتاب قراءة عن شيخه في ثلاثين مجلسا، أو أقل، أو أكثر وهي.
الجزء الأول: من بدء الوحي، إلى كتاب الغسل
الجزء الثاني: من كتاب الغسل، إلى كتاب مواقيت الصلاة
الجزء الثالث: من كتاب مواقيت الصلاة، إلى باب عقد الثياب وشدها
الجزء الرابع:من باب عقد الثياب وشدها، إلى باب صلاة التطوع على الحمار
الجزء الخامس:من باب صلاة الطوع على الحمار، إلى باب ما قيل في أولاد المشركين
الجزء السادس:من باب ما قيل في أولاد المشركين، إلى باب الصلاة بمنى
الجزء السابع:من باب الصلاة بمني، إلى باب تعجيل الإفطار
الجزء الثامن: من باب تعجيل الإفطار، إلى باب الإجارات
الجزء التاسع: من باب الإجارات، إلى باب تقويم الأشياء(1/26)
الجزء العاشر:من باب تقويم الأشياء، إلى باب الشروط مع الناس
الجزء الحادي عشر:من باب الشروط مع الناس ، إلى باب الخروج في رمضان
الجزء الثاني عشر: من باب الخروج في رمضان، إلى كتاب بدأ الخلق
الجزء الثالث عشر:من كتاب بدء الخلق، إلى باب حديث الغار
الجزء الرابع عشر:من باب حديث الغار، إلى كتاب مناقب الأنصار
الجزء الخامس عشر: من كتاب مناقب الأنصار، إلى كتاب المغازي
الجزء السادس عشر: من كتاب المغازي، إلى باب غزوة ذات القردة
الجزء السابع عشر: من باب غزوة ذات القردة، إلى باب حجة الوداع
الجزء الثامن عشر: من باب حجة الوداع، إلى تفسير سورة البراءة
الجزء التاسع عشر:من تفسير سورة البراءة، إلى تفسير سورة الملائكة
الجزء العشرون: من تفسير سورة الملائكة، إلى باب فضل سورة الفاتحة
الجزء الحادي والعشرون:من باب فضل سورة الفاتحة، إلى باب طلب الولد
الجزء الثاني والعشرون:من باب طلب الولد، إلى كتاب الذبائح
الجزء الثالث والعشرون:من كتاب الذبائح إلى باب رقية النبي- صلى الله عليه وسلم -
الجزء الرابع والعشرون:من باب رقية النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى باب قول الله من يشفع شفاعة
الجزء الخامس والعشرون:من باب من يشفع شفاعة حسنة، إلى باب المعانقة
الجزء السادس والعشرون: من باب المعانقة، إلى باب النفخ في الصور
الجزء السابع والعشرون: من باب نفخ الصور، إلى كتاب المحاربين
الجزء الثامن والعشرون:من كتاب المحاربين، إلى كتاب الفتن
الجزء التاسع والعشرون:من كتاب الفتن، إلى باب ماذكر النبي- صلى الله عليه وسلم - وحض على اتفاق
الجزء الثلاثون:من باب ماذكر النبي- صلى الله عليه وسلم - وحضه على اتفاق، إلى آخر الكتاب
وأما عدد مشائخه الذين روى عنهم:
قيل: الذي روى عنهم في الجامع الصحيح إنهم مائتان وتسعة وثمانون شيخا.
وقيل: ثلاث مئة وثلاثة وأربعون شيخا.(1/27)
قلت: وعندي أنهم ثلاثة مئة و ثمانية وأربعون شيخا.وهم مقسمون عندي إلى ثلاثة أقسام.
القسم الأول: شيوخه الذين روى عنهم.
القسم الثاني: شيوخه الذين روى عنهم، ثم روى عنهم في الجامع بالواسطة.
القسم الثالث: شيوخه الذين روى عنهم في الجامع بالواسطة فقط ولم يصرح بالسماع منهم في الجامع
التوضيح والتفصيل:
أولا: أن الإمام البخاري رحمه الله: له في جامعه(348) شيخا انفرد بالرواية عن(171) شيخا لم يرو عنهم غير البخاري. والباقي(177) شيخا، منهم (90) شيخا لم يروعنهم الإمام مسلم والباقي(87) شيخا شارك فيهم مسلم، وأصحاب السنن.
ثانيا:أن الإمام البخاري رحمه الله له في جامعه(18) حديثا قرن فيها شيخين معا في حديث واحد. وعنده حديث واحد قرن فيه ثلاثة من شيوخه في حديث واحد.
ثالثا: أن الإمام البخاري رحمه الله له في جامعه(27) شيخا روى عنهم بالواسطة، ولم يصرح بالسماع منهم.
رابعا: أن الإمام البخاري رحمه الله له في جامعه(116) شيخا روى عنهم، ثم روى عنهم بالواسطة.
خامسا: أن الإمام البخاري له في جامعه(134) حديثا يروى من شيخه بشيخه الآخر.
ومن أراد التوسع في هذا البحث فليراجع كتاب إنعام الباري في معجم أحاديث شيوخ ا لبخاري.
وأما عدد الصحابة الذين روى عنهم: قال الوالد رحمه الله، في شرحه قمر الأقمار، الذين أخرج لهم من الصحابة فمئة وواحد وتسعون صحابيا بين الرجال والنساء.
والذين اتفق الشيخان على الرواية عنهم مئة وثلاثة وعشرون رجلا واللاتي اتفقا على إخراج أحاديثهن ثلاث وعشرون صحابية واللاتي انفرد البخاري بإخراج أحاديثهن سبع نسوة.
رواة الجامع الصحيح:
قال الحافظ بن حجر: ذكر الفربري أنه سمع الصحيح البخاري من مؤلفه تسعون ألفا وأنه لم يبق أحد يرويه عنه غيره
قال الحافظ: أطلق ذلك بناء على علمه، وقد تأخر بعده بتسع سنين، أبو طلحة بن محمد, على كل حال أن المسموع عند المشائخ خمس رواة للبخاري، وكل واحد منهم صاحب نسخة.(1/28)
الأول: أبو طلحة منصور بن محمد البزدوي. وهو آخر من حدث عن البخاري، كما جزم به: ابن ما كولا، والحافظ في الفتح، وغير هما وكانت وفاته سنة(329)
الثاني:حماد بن الشاكر قال الحافظ روى عنه الصحيح إلا أوراقا من آخره رواها بالإجازة. فكانت وفاته في سنة(290) وقيل في سنة(311)
الثالث: إبراهيم بن معقل بن الحجاج أبو إسحاق النسفي، قال الحافظ وفاته قطعة من آخره رواها بالإجازة، فكانت وفاته في سنة(295)
الرابع: القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، قال الحافظ: وهو آخر من حدث عنه ببغداد، فكانت وفاته في سنة(330)
الخامس: الفربري محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، فكانت وفاته في سنة(320)
قال الحافظ ابن حجر: الرواية التي اتصلت بالسماع في هذه الأعصار وما قبلها هي رواية الفربري كان سماع الفربري من البخاري مرتين، مرة بفربر، سنة(248) ومرة ببخارى سنة(252) وعليه مدار الروايات في هذا الزمان
قلت: الرواية السادسة، المفقودة التي لم يذكروها المشائخ، لأبي جعفر محمد بن حاتم ورَّاق البخاري
هل هي رواية مهملة، أم هي نسخة مفقودة.أم لم يعتبروها رواية، وأن محمد بن يوسف الفربري استفاد من هذه النسخة في عدة مواضع من البخاري.
الاستفادة الأولى: في كتاب المناسك قال محمد بن يوسف الفربري: وجدت في كتاب أبي جعفر قال أبو عبد الله الزبيربن عدي كوفي، والزبير بن عربي بصري.
الاستفادة الثانية: في كتاب الصوم، قال أبو جعفر، سالت أبا عبد الله إذا أفطر الصائم يكفر مثل المجامع قال، ألا ترى الأحاديث.
الاستفادة الثالثة: في كتاب المظالم، قال الفربري، وجدت بخط أبى جعفر قال أبو عبد الله تفسيره أن ينزع منه يريد الإيمان.
الاستفادة الرابعة: في كتاب فضائل القرآن، قال الفربري سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق البخاري أبي عبد الله يقول قال أبو عبد الله عن إبراهيم مرسل، وعن الضحاك مسند.(1/29)
قلت: لما ثبتت هذه المواضع من أشهر راوٍ للبخاري فإذا هي النسخة السادسة ولكنها لم تشتهر، ولم يذكروها.
عدد الرواة عن الفربري: أثنى عشر رجلا.
(1)أبو على سعيد بن عثمان، المعروف بابن السكن. المتوفى سنة(353) يروى عنه واحد هو عبد الله بن حمد بن أسد الجهني.
(2)أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد، المستملى، المتوفى ستة(376) روى عنه اثنان(1) أبو ذر عبد الله بن احمد الهروي المالكي(2) عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني
(3)أبو نصر أحمد بن محمدالأخستكي، المتوفى(376) روى عنه واحد إسماعيل بن إسحاق الصفار الزاهد.
(4)أبو زيد محمد بن احمد أبو زيد المروزي الفقيه، المتوقي سنة(371) روى عنه ثلاثة(1) ابن محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلى المالكي(2) أبو نعيم الأصفهاني أحمد بن عبد الله(3)على بن حمد القابسى المالكي.
(5)أبو على محمد بن عمر بن شبويه الشبوي المعروف بابن شبويه، المتوفى( ) روى عنه اثنان(1) سعيد بن أحمد الصيرفي(2) عبد الرحمن الهمداني.
(6)أبو أحمد محمد بن محمد الجرجاني المعروف بالجر جاني، المتوفى(373) روى عنه اثنان(1) أبو نعيم الأصفهاني(2) القابسي أبو الحسن على بن محمد
(7) أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية، المعرف بالسرخسي، المتوفى( ) روى عنه اثنان(1) أذر عبد الله بن أحمد(2) أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداؤدي
(8) أبو الهيثم محمد بن مكي الكشمهيني، المتوفى( ) روى عنه ثلاثة(1) أبذر عبد الله بن أحمد(2) كريمة بنت أحمد المروزية(3) أبو سهل محمد بن أحمد الجعفي
(9) إسماعيل بن محمد الكشاني، المعروف بالكشانيالمتوفي(391) وهو آخر من حدث عن الفربرى، روى عنه واحد، أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري.
(10)أبو سعيد أحمد بن محمد وهو أحد الرجلين الذين زاد هما النووي ولم يذكر سنده
(11)محمد بن أحمد بن مت وهو الثاني من الذين زادهما النووي ولم يذكر سنده(1/30)
(12) أبو لقمان يحي بن عمار الختلاني، المعروف بالختلاني، المعمر/143 سنة
قلت:هؤلاء تلامذة الفربري هم أصحاب النسخ، أم هم أصحاب السماعات، أم هم رواة الفربرى سميهم كيف تشاء لن تجد أسمائهم إلاِّ في الشروحات أو في هوامش المطبوعات الكلُ ينقل من الآخر، ودب الخلاف فيما بينهم في أسماء الشيوخ، والفاظ الحديث، وأما النسخ الأصلية الأصولية فهي محبوسة في خزائن المكتباب، وإلى الله المشتكى، كلٌ يغني لعشق ليلى وليلى لا تقر لهم بوصل.
عرض الجامع الصحيح على المشائخ
حين ألف الإمام البخاري جامعه عرضه على الأ ئمة عرضه على شيخه يحي بن معين، وعلى ابن المديني، وأحمد ابن حنبل رحمهم الله جميعا فاحتحسنوه، وشهدواله بالصحة إلا أربعة أحاديث.
قال العقيلى: القول فيها قول البخاري.
قلت: ذكر العلماء هذا القول في كتبهم إلا أربعة أحاديث ومع بحث طويل لم أعثر على هذا القول والأحاديث الأربعة.
متى فرغ البخاري من تأليف كتابه الجامع الصحيح
سبق القول في هذا أن البخاري عرض كتابه على المشائخ
توفي ابن معين رحمه الله في سنة(233)
وتوفي على بن المديني رحمه الله في سنة(234)
وتوفي الإمام أحمد رحمه الله في سنة(241)
قلت: ولد الإمام البخاري رحمه الله في سنة(194) وأول رحلته في سنة(210) حج فيها وأقام بمكة ووضع أساس الجامع الصحيح.
فإذا عمره في ذلك الوقت(16) سنة وقال رحمه الله لوكشف عن أستاري لم يفهموا, ألفته ثلاثة مرات في (16) سنة يعني فرغ البخاري من تأليف الجامع الصحيح قبل الوفاة (31) سنة يعني قبل وفاة الإمام أحمد رحمه الله (15) سنة وسمع منه الفربري سماعه الأخير في سنة(252)(1/31)
أفهم الفتنة وقعت بينه وبين الحاسدين له إما في سنة(253) أو في سنة(254) أوفي سن(255) سمها كيف تشاء لله در القائلين والمعاندين أن الإمام البخاري روى عن الذهلى في جامعه. وأبهم اسمه بما وقع بينهما.وإن شئت التحقيق فراجع، في جزء الذي حققته وسميته، تحقيق الأحاديث المنسوبة إلى الإمام الذهلى،
قلت: التحقيق شيء، والنسب بالغصب شيء آخر.
فضل الجامع الصحيح والثناء عليه
أما فضله فهو مجمع عليه أن أصح الكتب المؤلفة في هذا الشأن، كتاب البخاري
قال النسائي:أجود هذا الكتب كتاب البخاري.
وقال الذهبي: في تاريخ الإسلام أما الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادا للناس.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله: ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري، ومسلم بعد القرآن.
وقال أبو زيد المروزي: كنت نائما بين الركن والمقام فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي يا أبا زيد إلى متي تدرس كتاب الشافعي وما تدرس كتابي، قلت: وما كتابك يا رسول الله قال جامع محمد بن إسماعيل البخاري.
قلت: ذكر الحافظ بن حجر: في الفتح حكاية، قال قال: ابن بطال حدثني أبو بكر الرازي قال كنت باصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث، وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن على عليه مدار الفتيا، فسعي عند السلطان فسجن، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - قل لأبي بكر بن على يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه، قال فلما أصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج.
خصائص الجامع الصحيح
قال الحافظ بن كثير رحمه الله: كتاب البخاري يستسقي بقرائته الغمام، وأجمع على قبوله، وصحة مافيه أهل الإسلام.(1/32)
وقال الشيخ أبو عبد الله بن سعد أبي جمرة الزدي: قال من لقيت من السادة المقر لهم بالفضل أن الصحيح البخاري ماقرئ في شدة إلا فرجت. ولا ركب في مركب إلا نجت
وقال الشاه ولى الله الدهلوي: أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع وأنهما متواترين إلى مصنفيهما وأن من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين.
وقال بعض علما الهند: أن في قراءة هذا الكتاب المبارك من أوله إلى آخره مفيد و شفاء لأمراض القلب.
وقال بعضهم أن ختم البخاري مفيد لكل ذي عاهة.
قلت: إني رأيت في عام/65 في بعض السفن يضعون في مقدمة السفينة صندوقا يضعون فيه نسخة من صحيح البخاري.
وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: ومما اتفق له من المناسبات التي لم أر من نبه عليها أنه يعتني غالبا بأن يكون في الحديث الأخير من كل كتاب من كتب هذا الجامع مناسبة لختمه ولو كانت الكلمة في أثناء الحديث الأخير أو من الكلام عليه في آخر حديث.
قال في:بدء الوحي، فكان ذلك آخر شان هرقل
وقال في: الإيمان، ثم استغفر ونزل.
وقال في: آخر العلم، وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين.
وقال في:الوضوء، واجعلهن لآخر ما تكلم به.
وقال في: آخر الغسل، ذلك الأخير إنما بيناه لاختلافهم
وقال في: آخر التيمم، عليك بالصعيد فانه يكفيك
وقال في:آخر الصلاة، استئذان المرأة زوجها في الخروج
وقال في: آخر الجمعة، ثم تكون القائلة
وقال في: أخر العيدين، لن يصل قبلها، ولا بعدها.
وقال في: آخر الاستسقاء، بأي أرض تموت
وقال في: آخر تقصير الصلاة، وإن كنت نائمة اضطجع
وقال في: آخر التهجد، والتطوع بعد العصر حتى تغرب
وقال في: آخر العمل في الصلاة، فأشار إليهم أن أجلسوا فلما انصرف.
وقال في:آخر الجنائز، فنزلت: تبت يدا أبي لهب وتب: معناه الهلاك
وقال في: آخر الزكاة، صدقة الفطر، من جهة كونها تقع في آخر رمضان مكفرة لما مضى
وقال في: آخر الحج، واجعل موتي في بلد رسولك(1/33)
وقال في: آخر الصيام، ولم يكن آكل فليصم.
وقال في: آخر الاعتكاف، ما أنا بمعتكف فرجع.
وقال في: آخر البيع والإجارة، حتى أجلاهم عمر
وقال في: آخر الحوالة، فصلى عليه.
وقال في: آخر الكفالة، من ترك مالا فلورثته
وقال في: آخر المزارعة، ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا شيئا
وقال في:آخر الملازمة، حتى أموت ثم أبعث
وقال في:آخر الشرب، حتى رضيت
وقال في:آخر المظالم، فكسروا صومعته وأنزلوه.
وقال قي: آخر الشركة، أفنذبح بالقصب.
وقال في:آخر الرهن، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة.
وقال في: آخر العتق، الولاء لمن أعتق
وقال في: آخر الهبة، ولا تعد في صدقتك
وقال في: آخر الشهادات، لأتوهما ولوحبوا
وقال في: آخر الصلح، قم فأقضه
وقال في:آخر الشروط، لا تباع ولا توهب ولا تورث
وقال في: في آخر الجهاد، قدمت فقال صل ركعتين
وقال في: آخر فرض الخمس، حرمه البتة.
وقال في: آخر الجزية والموادعة، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة
وقال في: آخر بدء الخلق، وأحاديث الأنبياء، قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها
وقال في: آخر المناقب، توفيت خديجة رضي الله عنه قبل مخرج النبي- صلى الله عليه وسلم -
وقال في: آخر الهجرة فترة بين عيسى ومحمد- صلى الله عليه وسلم -
وقال في: آخرالمغازي الوفاة النبوية وما يتعلق بها
وقال في: آخر التفسير، تفسير المعوذتين
وقال في: آخر فضائل القرآن، اختلفوا فأهلكوا
وقال في: آخر النكاح، فلا يمنعني من التحرك
وقال في: آخر الطلاق، وتعفو أثره،
وقال في: آخر اللّعان، أبعد لك منها
وقال في: آخر النفقات، أعتقها أبو لهب
وقال في: آخر الأطعمة، وانزل الحجاب.
وقال في: آخر الذبائح والأضاحي، حتى تنفر من منى
وقال في: آخر الأشربة، وتابعه سعيد ابن المسيب عن جابر.
وقال في: آخر المرضى وانقل حماها
وقال في: آخر الطب، ثم ليطرحه
وقال في: آخر اللباس، إحدى رجليه على الأخرى
وقال في: آخر الأدب فليرده ما استطاع(1/34)
وقال في: آخر الاستئذان، منذ قبض النبي- صلى الله عليه وسلم -
وقال في: آخر الدعوات، كراهية السآمة علينا
وقال في: أخر الرقاق، أن ترجع على أعقابنا
وقال في: آخر القدر، إذا أرادوا فتنة أبينا
وقال في: آخر الأيمان والنذور، إذا سهم غابر فقتله
وقال في: آخر الكفارة، وكفر عن يمينك
وقال في: آخر الحدود، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
وقال في:آخر المحاربين، اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة
وقال في: آخر الإكراه، يحجزه عن الظلم
وقال في: آخر التعبير الرؤيا تجاوز الله عنهم.
وقال في: أخر الفتن، أتهلك وفينا الصالحون.
وقال في: آخر الأحكام، فأعتمرت بعد أيام الحج.
وقال في: آخر الاعتصام، سبحانك هذا بهتان عظيم
وقال في: آخر التوحيد سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. التسبيح مشرع في الختام فلذ لك ختم به كتاب التوحيد والحمد لله بعد التسبيح آخر دعوى أهل الجنة
ما قيل في مدح الجامع الصحيح وفي مدح أهل الحديث
وقال ابن عامر الفضل بن إسماعيل الجرجاني الأديب رحمه الله تعالى
صحيح البخاري لو أنصفوه
لماخط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى
هو السد دون العنا والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء
أمام متون كمثل الشهب
به قام ميزان دين النبي
ودان له العجم بعد العرب
حجاب من النار لا شك فيه
يميز بين الرضا والغضب
وخير رفيق إلى المصطفي
ونور مبين لكشف الريب
فياعا لما اجمع العا لمون
على رتبته في الرتب
سبقت الأئمة فيما جعت
وفزت على رغمهم بالقصب
نفيت السقيم من الغا فلين
ومن كان متهما بالكذب
وأثبت من عدلته الرواه
وصحت روايته في الكتب
وابرزت في حسن ترتيبه
وتبويبه عجبا للعجب
فأعطاك ربك ما تشتهيه
وأجزل حظك فيما يهب
وخصك في عر صات الجنان
بخير يدوم ولا يقتضب
وقال بعض كبار مشائخ مشائخنا رحمهم الله
قلت: نقلت هذه الأبيات من مقدمة شرح الوالد رحمه الله ذكرها في مقدمة شرحه المسمي قمر الأقمار وهي قصيدة طويلة، وغيرها من القصائد.(1/35)
عليك أخذا بأقوال النبي أبدا
فلا تدعها ولا تترك ولا تذر
فإن فيها شفاء للقلوب فلا
يضرك الله منها أولى الضرر
إن رمت فوزا فخذوا قراء حديث نبي
من معدل الرشد ولا تترك ولا تذر
أعني صحيح البخاري وذا بغير مرا
أصح كتب الأخبار والأثر
أكرم به من كتاب جل رتبته
كالغيث منسجم والبحر مبتحر
هذا الكتاب الذي لا ريب مستند
إلى جناب رسول الله ذي الفخر
هذا الكتاب أحاديث مكرمة
مسلسلات إلى المختار من مضر
هذا الكتاب الذي فيه هدى وشفا
فخل سمعك عن بلوي أخي هذر
هذا الكتاب الذي بحر الهدي فيه
طهر فؤادك عما فيه من مدر
هذا الكتاب الذي نور النبي به
طوبى لمقتبس منه مبتحر
هذا الكتاب الذي راقت فضائله
طوبى لملتمس منه ومبتحر
هذا الكتاب الذي لوكنت عامله
تالله رب العالمين تنجوا من السقر
هذا الكتاب الذي طابت النفوس به
وفي سناه القلب والبصر
هذا الكتاب الذي بانت جلالته
كالبدر في غسق والنجم في السرر
هذا الكتاب الذي يشفي دراسته
لكل ذي عاهة للموت منتظر
لله درك يا من كنت جامعه
جزاك ربك في العقبى بلا ذعر
وقال في مدح أهل الحديث
أهل الحديث رواة صادقين رووا
حكم النبي بلا بخل ولا زمر
أهل الحديث كماة الحق حين بدوا
وسيف نجدت هم في الخافقين عر
أهل الحديث حماة الدين قاطبة
أعوان دين النبي في العسر واليسر
أهل الحديث دعاة الحق كلهم
إلى النهى والهدى من غير مزدجري
أهل الحديث رعاة الصدق همتهم
في نصرة الله في الآصال والبكر
أهل الحديث دعاة الخلق نحو هدي
صدورهم قدخلت من وصمة الشقر
أهل الحديث لديهم من علوم نبي
كنز من العلم أو خبر من الخبر
ألفاظ حدثنا منهم مرصعة
من اليواقيت والمرجان والدرر
مشمرين بذيل الجهد نهمتهم
في طاعة الله في الآصال والبكر
يا خلقى عبدك الخاطي الحزين لقد
أتاك منكسرا فأجبر لمنكسر
مستغفرا من ذنوب لا عداد لها
لعفوك الجم يا رحمن لا تذر
الفصل في الإسناد مني إلى المؤلف الإمام البخاري رحمه الله تعالى(1/36)
قرأت صحيح البخاري من أوله إلى آخره على والدي قراءة تحقيق، وبحث وبه أجازني بكافة طرقه المذكورة في ثبت الوالد الكبير، وعنه أرويه بأسانيدي السابقة إلى الحجار عن أبي عبد الله سراج الدين الحسين بن المبارك الزبيدي عن أبى الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الهري عن أبي الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن المظفر الداؤدي عن السرخسي عن الفربري
(ح) بأسانيدي إلى الفخر ابن البخاري عن عيسى بن أبي ذر عن أبيه عن الثلاثة، السرخسي، والمستملى، والكشمهيني عن الفربري عن البخاري قال
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بيني وبين البخاري رحمه الله تعالي:بهذا الإسناد باعتبار أعلى إسناد لي إلى ابن حجر عن طريق ابن سنة، أربعة عشر واسطة، باعتبار ثلاثيات البخاري يكون بيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر واسطة، وهذا من أعلى ما يكون في هذا الزمان.
(ح) وأرويه عاليا عن والدي رحمه الله تعالى عن السيد نذير حسين بالإجازة العامة عن شيخه عبد الرحمن الكزبري بالإجازة العامة، عن صالح العمري الفلاني عن شيخه ابن سنة عن المعمر أبي الوفاء أحمد بن محمد بن العجل اليماني عن قطب الدين محمد بن أحمد المكي عن الحافظ أبي الفتوح نور الدين أحمد بن عبد الله بن أبي الفتوح الطاؤسي عن المعمر ثلاث مئة سنة بابا يوسف الهروي المعروف بسهسالة عن المعمر مئة وثلاثة وأربعين سنة محمد بن شاذ بخت الفارس الفرغاني عن أبي لقمان يحي بن عمار بن مقبل بن شاهان الفارسي الختلاني عن الفربري عن البخاري قال(1/37)
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتْ الشَّاةُ تَجُوزُهَا
وهذا الإسناد أعلى الأسانيد إلى صحيح البخاري في القرون المتأخرة على غرابة فيه وقد اعتمد سياقه جميع العلماء قابلين له مثل الكوراني، وصالح الفلاني، والعلامة الشوكاني وغيرهم وقد ضمنه المرتضي الزبيدي في ألفية السند فقال
وبالعلو روى البخاري
عن إبراهيم بالكتاب الساري
أعني فتى كوران الشهر زوري
عن شيخه المعمر اللاهوري
وهو عن القطب محمد عن
والده المحدث المفنن
عن أحمد المعروف بالطاؤسي
عن يوسف المعمر المانوس
عن ابن شاذ بخت الفرغاني
عن ابن شاهان هو الختلاني
عن الفربري عن المصنف
وذا العلو بغية للمصنف
كأني بذا السياق الحاوي
مصافح للحافظ السخاوي
قلت:هذا باعتبار رواية القطب عن أبيه، وقيل بأنه يريه عن الطاؤسي مباشرة كما تقدم في إسناد صالح الفلاني. وعلى هذا يكون بين وبين البخاري رحمه الله اثني عشرة واسطة باعتبار ثلاثيا، ويكون بيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر واسطة وهذا مما يفخر به في هذا الزمان ولله الحمد.
وأروي البخاري بسائر روايات أصحابه عنه من طرق متعددة ذكرها الوالد رحمه الله في ثبته الكبير، كما أروي عن عدة مشائخ آخرين، وأسانيدهم مذكورة في ثبتي الإكليل ولله الحمد والمنة.وهذه بعض أسماء الذين هم عن طريق السيد نذير حسين المحدِّث الدهلوي .
الأول:الشيخ عبد السلام بستوي:وهو يروي عن خمسة مشائخ, هم:
الشيخ أحمد الله أمير القرشي الفرتابي, عن السيد نذير حسين الدهلوي
الشيخ عبد الرحمن المبارك بوري, عن السيد نذير حسين الدهلوي
الشيخ شرف الدين إمام الدين كجراتي, عن الشيخ عبد الحق عن الشيخ نذير حسين الدهلوي
الشيخ عبيد الله الأتاوي الدهلوي عن السيد نذير حسين
الشيخ عبد الرحمن البنجابي ثم الدهلوي(1/38)
الكل من هؤلاء يروي عن السيد نذير حسين المحدث الدهلوي, إلاَّ شرف الدين يروي عنه بواسطة الشيخ عبد الحق.
الثاني: الشيخ شمس الحق ابن الشيخ أبو محمد عبد الحق, وهو يروي عن أبيه الشيخ عبد الحق عن السيد نذير حسين الدهلوي.
الثالث: الشيخ عبيد الله الرحماني, وهو يروي عن الشيخين وهما:(1) الشيخ عبد الرحمن المبارك بوري, صاحب تحفة الأحوذي. (2) الشيخ أحمد الله القرشي الفرتابي, وهما يرويان عن السيد نذير حسين الدهلوي.
الرابع: الشيخ الحافظ محمد عبد الله بدهي مالوي, وهو يروي عن مشائخه الثلاثة:
1- الشيخ الحافظ محمد الكوهندلوي, عن الحافظ عبد المنان, عن السيد نذير حسين الدهلوي.
2- الشيخ محمد الكهوي, عن الحافظ عبد المنان, عن السيد نذير حسين الدهلوي.
3- الشيخ عبد الجبار الكنهدلوي, عن الحافظ عبد المنان, عن السيد نذير حسين الدهلوي.
قلت: في هذه الأسانيد ثلاث فوائد:
الأولى: بيني وبين السيد نذير حسين الدهلوي المحدث, واسطة من طريق, وواسطتان من طريق.
الثانية: بيني وبين الشيخ المبارك بوري, واسطة واحده.
الثالثة: شيخي الرابع ومشائخه أدركتهم وحضرت دروسهم ومواعظهم وأجازوني بالمشافهة, ولله الحمد والمنة.
قلت: هذا ما قرأنا على الوالد رحمه الله تعالي من شرحه المسمي قمر الأقمار في المسجد الحرام وأنقل منه، شرح هاذين الحديثين، الأول، والأخير، وأسال الله أن يوفق أحدا من يتبع هذا الشرح، والله ولى التوفيق وأنه سميع مجيب.
قال شيخنا أسكنه الله في فسيح الجنات جنات النعيم
قال الإمام الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى
{بسم الله الرحمن الرحيم}
افتتح المصنف رحمه الله صحيحه بالتسمية إقتداء بالكتاب، والسنة فان الكتاب مفتتح بها.
وقد روى: في بعض الأحاديث كل أمرٍ ذي بال لم يبدأ ببسم الله فهو أقطع.
اعترض على البخاري باعتراضين:(1/39)
أحدهما: أنه لم يفتتح كتابه بحمد الله تعالى أمتثالا لقوله - صلى الله عليه وسلم - كل أمرذي بال لم يبدأ بحمد الله فهو أقطع/أخرجه أبوداؤد من حديث أبي هريرة.
وثانيهما: أنه لم يفتتح كتابه بخطبة تنبيء عن مقصوده، وتكون مفتحة بشهادة امتثالا لقوله - صلى الله عليه وسلم - كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء./أخرجه أبو داؤد من حديث أبي هريرة.
وأجاب الشارحون:
أجابوا عن الأول: بأجوبة لا يخلوا أكثرها عن النظر، أقربها إلى الصواب عند بعضهم أن الحديث ليس على شرطه بل فيه مقال، وعلى تقدير تسليم صلاحيته ليس فيه التعين بالنطق والكتابة معا ولعل المصنف الإمام أحمد تشهد نطقا عند وضع الكتاب، ولم يكتب الحمد اختصار على البسملة، لأن الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة الألفاظ في بعضها لم يبدأ ببسم الله وفي بعضها بحمد الله، وفي بعضها بذكر الله، والذي يجمع الجميع هو ذكر الله، وقد حصل بالتسمية.
ويؤيده أن أول شئ نزل من القرآن إقرأ باسم ربك فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها
ويؤيد أيضا: وقوع الكتب النبوية إلى الملوك، وبالكتب الواردة في القضايا مفتحة بالتسمية، دون الحمدلة وهذا يشعر بأن لفظ الحمد يحتاج إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق.
وأجابوا عن الثاني: بأن الخطبة لا يتحتم فيها سياق واحد يمتنع العدول عنه بل العرض فيها الافتتاح بما يدل على المقصود وذلك حاصل لأن البخاري رحمه الله تعالي صدر صحيحه ببدء الوحي بالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية فكأنه قال قصد جمع وحي السنة على وجه سيظهر حسن عملي فيه وإنما لكل امرئ ما نوى فأكتفي بالتلويح عن التصريح، وقد سلك هذا الطريق في معظم الكتاب. وكأنه أجرى صحيحه مجرى الرسالة إلى أهل العلم ليستنفعوا بما فيه تعلما وتعليما.
{باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ اللَّهِ}(1/40)
جَل َّذِكْرُه ُإِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
أي كيف كان ابتداء الوحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
ووقع في بعض النسخ الصحيح كيف كان بدو الوحي بالواو أي كيف كان ظهور الوحي. ويؤيد الأول ما وقع في بعض نسخ الصحيح كيف كان ابتداء الوحي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
وهنا اعتراض مشهور: على الترجمة أقامه التيمي على البخاري فقال لوكان البخاري قال كيف كان الوحي لكان أحسن لأنه إنما تعرض في الباب ببيان كيفية الوحي لا ببيان كيفية ابتدائه.
وسعي الشراح في دفع هذا الاعتراض وأجاب كل منهم بما ظهر له، ولا يخلوا كلام أكثرهم من تكلف وتأويل.
قال الحافظ ابن حجر: المراد من بدء الوحي حاله مع كل ما يتلعق به أي تعلق، ويؤيد ذلك التقرير أنه وجد للبخاري ثلاث تراجم بلفظ بدء، كبدء الخلق، وبدء الأذان، وبدء الحيض. ذكر فيها جميع ما يتعلق بها أي تعلق كان. هذا هو الذي ذكره الشراح مما يتعلق بالبدء.
وأماما يتعلق بغرض البخاري: في الترجمة فالمختار عندي هو ما ذكره بعض المحققين من مشائخنا أن هذه الترجمة كالمقدمة للجامع الصحيح.
وغرض البخاري في هذه الترجمة إثبات نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم - لأن الاعتماد على جميع ما يذكر عنه- صلى الله عليه وسلم - في هذا الصحيح يتوقف بثوت نبوته، فما لم تثبت نبوته لا يحصل الاعتماد على المنقول عنه- صلى الله عليه وسلم -
لأن وجوب الإيمان به، وحصول الاعتماد على ما جاء به فرع ثبوت نبوته، ونبوته لا تثبت إلا بإثبات أن الوحي إليه كان وحي نبوة، ورسالة لا وحي إلهام، ونحوه لأن وحي النبوة هو الذي يكون حجة لكونه موصوفا بالعصمة، والصداقة، والعظمة، والتنزيه، عن الغلط، والسهو، والخطأ. فلهذا يكون حجة واجب الإيمان به ولازم التسليم، والإتباع.(1/41)
ولإثبات هذا المدعي ذكر البخاري في هذا الباب آية دالة على أن الإيحاء إليه كان إيحاء نبوة ورسالة بواسطة الملك المعصوم.لا إيحاء الهام وغيره.
من وجوه الإيحاء: كالإيحاء إلى أم موسى, والإيحاء إلى النحل. ولهذا اختار المصنف الإمام من بين الآيات الدالة على نبوته- صلى الله عليه وسلم - هذه الآية لأنها أبين دليل وأوضح برهان، وأكبر حجة على أن الوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - كان وحي نبوة بواسطة الملك كالوحي على سائر الأنبياء والمرسلين.
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ*
حدثنا الحميدي: شيخ البخاري هو عبد الله بن الزبير بن عيسى السعدي أبو بكر المكي، أحد الأئمة الفقهاء، وأكبر مشائخ البخاري، وكان من تلامذة الشافعي، وذهب معه إلى مصر. يقال إذا وجد البخاري حديثا على شرطه من طريقه لا يعدل عنه إلى غيره،روى عنه البخاري خمسة وسبعين حديثا
قال أبو حاتم: هو أثبت الناس في ابن عيينة، وهو ثقةٌ إمام، وثَّقه ابن سعد، وابن حبان، وقال الحاكم ثقة مأمون وكان له مخالفة شديدة مع الإمام أبو حنيفة رحمه الله.(1/42)
فحكي المصنف عنه في تاريخه الصغير، قال قال أبو حنيفة قدمت مكة فأخذت من الحجام ثلاث سنن. لما قعدت بين يديه قال لي استقبل القبلة، وشق رأسي الأيمن، وبالغ على العظمتين.
قال الحميدي: فرجل ليس عنده سنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاعن أصحابه في المناسك وغيرها كيف يقلد في أحكام الله في المواريث والفرائض والزكاة وأمور الإسلام.
قال حدثنا سفيان:هو سفيان بن عيينة الهلالي أبو محمد المكي، قال الإمام أحمد ما رأيت أعلم بالقرآن والسنن منه، وقال الشافعي لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز.
روى: أنه حج سبعين حجة وكان يدعو في مزدلفة اللهم لا تجعل آخر العهد في هذا المكان، ثم أنه استحى من الله من كثر ما سأله فرجع ولم يدع فتوف في الداخلة.
قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري: أبو سعيد المدني أحد الحفاظ الأعلام. قال: سعيد بن عبد الرحمن ما رأيت أقرب بالزهري شبها منه ولولاهما لذهب كثير من السنن.
قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي:هو أبو عبد الله المدني وثَّقه يحي بن معين، وقال الإمام أحمد يروى المناكير، قال الحافظ ابن حجر: أراد به الإفراد التي لا متابعة لها.
أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي:هو أبو يحي وثَّقه النسائي، وابن سعد.
يقول سمعت عمر بن الخطاب:هو أبو حفص العدوي القرشي أحد أمراء المؤمنين، وثاني خلفاء الراشدين، وفاروق هذه الأمة، شهد بدرا والمشاهد كلها، وولى بعد الصديق الخلافة، فسار بأحسن سيرة ونزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتح الله على يديه الفتوحات.
وقال ابن مسعود: كان إسلامه فتحا، وهجرته نصرا، وخلا فته رحمة. ولما هاجر تقلد سيفه، وتنكب قوسه وانتقى في يده أ سهما وأخذ عنزته ومضى قبل الكعبة فطاف بالبيت سبعا ثم أتى المقام وصلى ركعتين ثم وقف فقال:من أراد مثاقلة أمه، ويتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي فما تبعه أحد ومضي لوجه.(1/43)
روى أنه قال: قال أبو جهل يا معشر قريش من قتل محمدا فله مئة ناقة حمراء، وسوداء، وألف أوقية من فضة، قال فخرجت مقلدا السيف أريد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمررت بعجل يذبحونه فقمت أنظر إليهم فاذا صائح يصيح من جوف العجل.
ياآل ذريح، أمر نجيح، رجل فصيح يدعوا إلى شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله فعلمت أنه أرادني. ثم مررت بصنم فاذا هاتف يهتف.
يا أيها الناس ذو الأجسام
ما أنتم بطائش الأحلام
ومسند الأحكام إلى الأصنام
فكلم أراه كالأنعام
أما ترون ما أرى أمامي
من ساطع يجلوادجي الظلام
قد لاح للناظرين من تهام
أكرم به الله من إمام
قد جاء بعد الكفر بالإسلام
والبر والصلات للأرحام
فقلت: والله ما أراه إلا أرادني.ثم مررت: بغماد فاذا هاتف من جوفه.
ترك الغماد وكان يعبد وحده
بعد الصلاة على النبي محمد
إن الذي ورث النبوة والهدي
بعد ابن مريم من قريش مهتدي
سيقول من عبد الغمام ومثله
ليت الغماد ومثله لا يعبد
فأصبر أبا حفص فانك آمن
يأتيك عز غير عز في غد
لا تعجلن فأنت ناصر دينه
حقا يقينا باللسان وباليد
قال: فوالله لقد علمت أنه أرادني فمضيت فلقيني رجل من قريش فقال أين تذهب يا ابن الخطاب فقلت أريد هذا الرجل قال: عجبا لك يا ابن الخطاب إنك تزعم أنك كذلك وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك، قلت: وما أدراك قال أختك قد أسلمت فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب، فاذا خباب بن الأرت عندها يدر س عليها (طه) فلما دخلتُ عَرَفَتْ الشرَّ في وجهي وخبأَتْ الصحيفة واختفي خباب فقلت ما هذا الهيمنة فعلت يا عدوة نفسها صبوت، وقمت على سعيد بن زيد فوطئته وطئا شديد فقامت إليه أختي تحجزه فرفعت شيئاً أضرب به رأسها فبكت وقالت يا ابن الخطاب اصنع ما كنت صانعا فقد أسلمت.(1/44)
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فجلست على السرير فاذا الصحيفة وسط البيت فقلت ما هذه الصحيفة فقالت دعها يا ابن الخطاب فانك لا تغتسل من الجنابة، ولا تطهر، وهذا لا يمسه إلا المتطهرون، فقمت فاغتسلت فدفعت إليَّ الصحيفة فقرأتُ فيها سورة(طه) حتى بلغت(أن الساعة آتية أكاد أخفيها) وقرأت( إذا الشمس كورت) حتى بلغت(علمت نفس ما أحضرت) فقلت لأختي كيف الإسلام قالت: تشهد أن لا أله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فخرج خباب فقال أبشر يا عمر بكرامة الله تعالى فان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد دعا لك أن يعز الله تعالى بك الإسلام فقلت: دلوني على المنزل فقال خباب أنا أخبرك فأقبل عمر وهو حريص على أن يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كان قد بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عمر يطلبه ليقتله ولم يبلغه إسلامه فلما انتهي عمر إلى الدار واستفتح فلما رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر متقلدا بالسيف اشفقوا منه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - افتحوا له فان كان الله تعالي يريد به خيرا اتبع الإسلام وإن كان يريد غير ذلك ليكن قتله علينا هينا فابتدر رجال من الصحابة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - داخل البيت يوحي إليه فخرج وأخذ بمجامع ثوبه وقال اللهم أهد عمر فقال عمر يا نبي الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار حتى سمع التكبيرة أهل المسجد، وأنزل الله تعالي( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)
قال عمر: قلت يا رسول الله السنا على الحق قال بلى قلت ففيما الاختفاء فخرجنا صفين أنا في إحداهما، وحمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إليَّ وإلى حمزة فأصا بتهم كآبة شديدة فسماني رسو ل لله - صلى الله عليه وسلم - الفاروق يومئذ فقال عمر: حين أسلم.
الحمد لله ذي الكرم وجبت
له علينا أياد مالها غير(1/45)
وقد هدانا فكذبنا فقال لنا
صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى
إني عشية قالوا قد صبى عمر
وقد ندمت على ماكان من زلل
بظلمها حين تتلى عند ها السور
لما دعت ربها ذو العرش جاهدة
والدمع من عينها عجلان تبدر
أيقنت أن الذي تدعوه خالقها
فكان تسبقني من عبرة درر
نبي صدق أتى بالحق من ثقة
وأخي الأمانة ما في عوده خور
يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ:أفادت هذا الجملة اشتراط النية في الأعمال فمن عمل عملا ولم ينو فلا عمل له.
وهو مذهب جما هير العلماء. وقسمت الحنفية. الأعمال إلى المقاصد، كالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم،
وإلى الوسائل، كالوضوء، والاغتسال. فاشترطوا النية في المقاصد ولم يشترطوا في الوسائل، وإنما اشترطوا في التيمم مع أنه من الوسائل لأنه خليفة الوضوء.
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى: وأفادت هذا الجملة إخلاص النية في العمل فمن عمل عملا ونوى فيه الرياء والسمعة فلا أجر له ومن نوى القربة فله أجره.
فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ: قيل التنصيص على المرأة بعد ذكر الدنيا من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به.
ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد، وقيل:وجه التنصيص عليها أن سبب هذا الحديث كان قصة مهاجر أم قيس.
فروى سعيد بن منصور. من حيث ابن مسعود رضي الله أنه قال هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس.
وروى الطبراني عنه: قال فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس وإسناده على شرط الشيخين.
وقع هذا الحديث مخروما في جميع نسخ الأصول فذهب شطره.
فاعترض على البخاري باختياره السياق الناقص.(1/46)
فأجاب عنه الشراح بأجوبة لا يخلوا أكثرها عن ضعف. وأحسن ما أجيب عنه بأنه الحذف وقع من المصنف وقصد بذلك أن يجعل لكتابه صدرا ليستفتح به على ما ذهب إليه كثير من المحدثين في استفتاح كتبهم
وقد عظَّم الأئمة قدر هذا الحديث فروى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب.
وروى عن أبي عبد الله أنه قال ليس في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - شئ أجمع وأغني وأكثر فائدة منه.
واتفق عبد الرحمن مهدي، و الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وعلى بن المديني، وأبو داؤد، والترمذي، والدارقطني، وغير هم أن هذا الحديث ثلث الإسلام.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: يدخل في ثلاثين باب.
وقال الشافعي: يدخل في سبعين باب
ووجه البيهقي: كونه ثلث العلم، بأن كسب العبد يقع بقلبه، ولسانه، وجوارحه فالنية إحدى أقسامها الثلاثة.
وهذا الحديث أول حديث أعيا فحول العلماء في طلب مناسبته للترجمة
وقد تكلف أكثر الشراح في أبراز وجه المناسبة للترجمة فقال كل منهم حسب ما بدى له.
قال بعضهم: إنما قصد المصنف بإيراده في الترجمة للتبرك به بيان حسن النية في هذا التأليف، وهذا صنيع الحافظ الإسماعيلي أخرجه قبل الترجمة.
قيل: أقامه المصنف مقام الخطبة قاله على المنبر فاذا صلح على المنبر صلح في خطبة الكتاب
وقيل: قصد البخاري الإخبار عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال منشأه هو أن الله تعالى حبب إليه الخلاء وبغض إليه الأوثان فلما لزم ذلك أعطاه الله على قدر نيته.
وقيل: مناسبته أن بدء الوحي كان بالنية لأن الله تعالى فطر النبي على التوحيد وهي له أسباب النبوة وخلص إلى الله المجاورة بغار حراء فقبل الله عمله وأتم له النية.(1/47)
قال الحافظ بن حجر:ومن المناسبات البديعة الوجيزة أن الكتاب لما كان موضعا لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي. وكان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال، بالنيات قال ومع هذه المناسبات لا يليق بأن لا تعلق له بالترجمة أصلا.
قال أبو محمد: الحديث متفق عليه، أخرجه مسلم في باب إن الأعمال بالنيات، من كتاب الأمارة
ويأتي في ستة أبواب من الصحيح، في باب ما جاء أن الأعمال بالنية, كتاب الإيمان. وفي باب الخطأ والنسيان، من كتاب ا لعتاقة, وفي باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب فضائل الصحابة. وفي باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فانه ما نوى من كتاب النكاح وفي باب النية في الأعمال من كتاب النذور. وفي باب ترك الحيل من كتاب الحيل.
{بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ أَعْمَالَ}
بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ
غرض الإمام البخاري رحمه الله تعالى في عقد هذا الباب الرد على المعتزلة في إنكارهم الميزان لاستحالة وزن الأعراض. وقالوا هو عبارة عن العدل، وكذلك يروى عن مجاهد من أهل السنة والجماعة وأجمعوا على الإيمان بالميزان، ويمكن أن يكون غرض الإمام البخاري في هذا الباب هو ما تقدم مرارا من أن التلاوة فعل العباد، وأفعال العباد مخلوقة، وأما المتلو فهو كلام الله قديم غير مخلوق.
ووجه الدلالة أنه ثبت أن الأعمال والأقوال توزن، والقراءة عمل من الأعمال فيلزم أنها أيضا توزن وتثقل في الميزان، والثقل والخفة من صفات المخلوق فثبت أن القراءة مخلوقة والله تعالى أعلم.(1/48)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بن جبر المخزومي أبو الحجاج المكي، ثقةٌ إمامٌ في التفسير وفي العلم وثَّقهُ ابن معين، وأبوزرعة, والعجلى، وابن سعد، كان ثقة، فقيها عالما كثبر الحديث، وقال ابن حبان كان فقيها، ورعا، عابدا، متقنا. وقال الذهبي: اجتمعت الأمة على إمامته والاحتجاج به، وقال الفضل بن ميمون: عرض القرآن على ابن عباس ثلا ثين مرة. وقال ابن حبان: مات بمكة وهو ساجد.
الْقُسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ:أشار به إلى قوله تعالى: وزنوا بالقسطاس المستقيم) أورده البخاري لمناسبة قو له تعالى في الآية التي ترجم بها القسط.
وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ: أشاربه إلى قوله تعالى: إن الله يحب المقسطين.
واعترض على البخاري بأن مصدر المقسط الإقساط دون القسط.
وأجاب عنه بعضهم بأن المراد المصدر المحذوف الزوائد نظرا إلى أصله.
وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ:أشار إلى تفسير قوله تعالى وأما القاسطون فكا نوا لجهنم حطبا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ*
حدثني أحمد بن إشكاب: بكسر الهمزة الحضرمي أبو عبد الله الكوفي الصفار، الحافظ، قيل اسم أبيه معمر. وقيل : عبيد الله. كتب عنه ابن معين كثيرا. وهو آخر من لقيه البخاري بمصر. روى عنه البخاري ثلاثة أحاديث، وثَّقه العجلي ويعقوب بن شيبة، وابن حبان وقال أبو حاتم: ثقة مأمون صدوق(1/49)
حدثنا محمد بن فضيل: بن غزوان الضبي أبو عبد الرحمن الكوفي أحد العلماء، قال الإمام أحمد كان حسن الحديث، وقال أبو زرعة صدوق، من أهل العلم وقال أبو حاتم شيخ، وقال النسائي: ليس به بأس، ووثقه ابن معين وابن حبان، وقال ابن المديني كان ثقة ثبتا في الحديث. وقال الدار قطني كان ثبتا في الحديث إنه كان منحرفا عن عثمان. قال الرفا عي سمعته يقول رحم الله عثمان ولا رحم من لا يترحم عليه. وسمعته يحلف بالله أنه صاحب سنة.
وقال ابن سعد: كان ثقة، صدوقا وبعضهم لا يحتج به.
عن عمارة بن القعقاع:الضبعي الكوفي، وثقه ابن معين، والنسائي، وابن حبان، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وقال أبو حاتم: صالح الحديث واثنى عليه سفيان بن عيينة.
عن أبي زرعة: البجلي. هرم بن عمرو الكوفي، وثَّقه ابن معين، وابن حبان، وابن خراش، وأثنى عليه عمارة الراوي عنه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - اختلف في اسمه، واسم أبيه اختلافا كثيرا.
قيل: اسمه عبد الرحمن بن صخر، وقيل: ابن غنم، وقيل: عبد الله بن عائذ، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن عمرو، وقيل ابن سكين، وقيل: ابن هاني، وقيل: ابن ثر مل، وقيل: ابن صخر، وقيل: عامر بن عبد شمس، وقيل ابن عمير، وقيل: يزيد بن عشرقة. وإلى غير ذلك.
يقال كان اسمه في الجاهلية عبد شمس. وكنيته أبو الأسود فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وكناه أبا هريرة لأجل هرة كان يحمل أولادها.
قال البخاري: روى عنه نحو من ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم من الصحابة، والتا بعين، وغيرهم.
وأجمع أهل الحديث أنه أكثر الصحابة حديثا. وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقيع بن مخلد احتوي من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلاث مئة حديث.(1/50)
وكان إسلامه رضي الله عنه بين الحديبية وخيبر قدم المدينة مهاجرا وسكن الصفة. وكان آدم اللون، وقيل أبيض اللون، بعيد ما بين المنكبين ،ذو ضفيرتين، وكان يلبس ثوبين ممشقين. وعنه رضي الله عنه قال لقد رأيتني أصرع بين منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحجرة عائشة فيقال مجنون وما بي جنون إلا الجوع.
روى: عنه أنه قال إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت امرىءً مسكينا أصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني وكان المهجرون يشغلهم الصفق بالأسواق وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم فحضرت من النبي - صلى الله عليه وسلم - مجلسا فقال من يبسط رداءه حتى اقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئاً سمعه مني فبسطت بردة عليَّ حتى قضى حديثه ثم قبضتها إليَّ فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئاً سمعته منه.
روى: عنه أنه قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولا منك لما رأيت من حرصك على الحديث.
وقال كعب رضي الله عنه: أن أبا هريرة كان جريا - جريئاً - على أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء لا يسأله عنها غيره.
روى: عن أبو أُزعيزية كاتب مروان أرسل مروان إلى أبى هريرة فجعل يحدثه وكان أجلسني خلف السرير أكتتب ما يحدث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن انظر فما غير حرفا عن حرف.(1/51)
روى: عنه رضي الله عنه قال أمي كانت مشركة وإني كنت ادعوها إلى الإسلام وكانت تأبى عليَّ فدعوتها يوما فأسمعتني في رسو ل الله - صلى الله عليه وسلم - ما اكره فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابكي فذكرت له فقال اللهم أهد أم أبي هريرة فخرجت عدوا فإذا الباب مجاف وسمعت حصحصة الماء ثم فتحت الباب فقالت اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فرجعت وأنا أبكي من الفرح فقلت يا رسول الله أدع الله أن يحببني وأمي إلى المؤمنين فدعا لي.
فأخرج أبو يعلى: من طريق أبى سلمة جاء أبو هريرة فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في شكواه يعوده فأذن له فسلم وهو قائم والنبي - صلى الله عليه وسلم - متساندا إلى صدر على ابن أبى طالب ويده على صدره ضامة إليه والنبي - صلى الله عليه وسلم - باسط رجليه فقال أدنُ يا أبا هريرة فدنا ثم قال أدن يا أبا هريرة فدنا ثم قال أدنُ يا أبا هريرة فدنا حتى مسست أطراف أصابع أبى هريرة أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال أجلس فجلس فقال له أدن مني طرف ثوبك فمد أبو هريرة ثوبه فأمسك بيده ففتحه وأدناه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصيك يا أبا هريرة بخصال لا تدعهما ما بقيت، قال أوصني ما شئت فقال عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ، ولا تلح، وأوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه صيام الدهر، وأوصيك ركعتي الفجر لا تدعها وإن صليت الليل كله فإن فيها الرغائب قالها ثلاثا ثم قال ضم إليك ثوبك فضم ثوبه إلى صدره فقال يا رسول الله بابي أنت وأمي أسر هذا أو أعلنه قال بل أعلنه يا أبا هريرة قالها ثلاثا.
عن أبى عثمان النهدي: قال تضيِّفتُ أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل أثلاثا يصلى هذا ثم يوقظ هذا.
روي: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة يقول اسبح على قدر ذنبي في الجاهليه.(1/52)
روى: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال عمر استأثرت بهذا الأموال فمن أين لك قال خيل نتجت، واعطية تتابعت، وخراج رقيقي لي فنظر فوجدها كما قال ثم دعاه ليستعمله فأبى فقال طلب العمل من كان خير منك قال أنه يوسف نبي الله ابن نبي الله وأنا أبو هريرة بن اميمة ثلاثا لن أقول بغير علم أو اقضي بغير حكم وضرب ظهري ويشتم عرضي وينزع مالي.
توفي أبا هرير سنة ثمان وخمسين. وقال الواقدي سنة تسع وخمسين وابن ثمان وسبعين سنة مات بالعقيق وصلى عليه الوليد بن عتبة ابن أبى سفيان وكان أميراً يومئذ على المدينة ومروان بن الحكم معزول.
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مطابقة الحديث من جهة قوله ثقيلتان في الميزان. وفي الحديث من الفوائد ما يعرف بالمراجعة على الشروح.
قال العلامة العيني: ختم البخاري كتابه بالتسبيح والتحميد كما بدأ أوله بحديث النية عملا به.
وقال الإمام سراج الدين البلقيني: لما كان أصل العصمة أولاً وآخراً هو توحيد الله تعالى ختم المؤلف كتابه بكتاب التوحيد. ولما كا ن آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر بثقل الميزان وخفته فجعله آخر التراجم، فبدأ بحديث الأعمال بالنيات، وذلك في الدنيا، وختم بأن الأعمال توزن يوم القيامة إشارة بذلك إلى أنه يثقل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالي.
قال العلامة الكرماني: افتتح الإمام البخاري كتابه ببدء الوحي وختم بمباحث كلام الله لأنه مدار الوحي فالانتهاء على ما منه الابتداء ونعم الختم بها. لكن ذكر هذا الباب ليس مقصودا بالذات بل لإرادة أن يكون آخر الكلام التسبيح والتحميد.(1/53)
كما كان ذكر حديث الأعمال بالنيات لإرادة بيان إخلاصه في التسبيح مشروع في الختام فلذلك ختم به كتاب التوحيد الذي هو أم الكتاب، والتحميد بعد التسبيح، آخر دعوى أهل الجنة، وأشار الإمام البخاري أيضا إلى أنه وضع كتابا قسطاسا، وميزانا بين أهل العلم يرجع إليه، وفيه إشعار لما كان المؤلف الإمام في حالته أولا وأخيرا جزاه الله تعالى خير الجزاء.
وقال الحافظ بن حجر: والظاهر أن البخاري قصد ختم كتابه الجامع الصحيح بما دل على الوزن لأنه آخر أثار التكليف فانه ليس بعد الوزن إلا استقرار في إحدى الدارين إلى أن يريد الله سبحانه وتعالى إخراج من قضى تعذيبه من الموحدين فيخرجون من النار يا لشفاعة والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال العلامة أبو الحسن محمد بن عبد الهادي: الوزن في مسائل التوحيد وبه ختم المصنف صحيحه لأن الأعمال وزنها، وثقلها، وخفتها، على حسب النية، لحديث الأعمال بالنيات، فصار من ذلك حسن الختام لما فيه من الموافقة البداية والنهاية، وفيه إشارة إلى مداومة على حسن النية بداية ونهاية وأيضا أول العمل هو النية، وآخره الوزن وليس بعده إلا الجزاء فأتى في موضع الكتاب الموضع للعمل على ما عليه العمل في بدايته ونهاية فأتى في بدايته النية في بداية الكتاب، ونهايته وهي الوزن في نهاية الكتاب فما احسن نظره، وأدق.
وأدرج فيه حديث التسبيح وختم به الصحيح، وفيه مراعاة المشاكلة.
فوزن التوحيد، والتسبيح واحد وهو تفعيل. وعدد حروفها واحد. وهي خمسة، التاء، والواو، والحاء، والياء، والدال، في التوحيد.
والتاء، والسين، والباء، والياء، والحاء، في التسبيح،
والمشاكلة في ثلاثة أحرف، هي التاء، والياء، والحاء،
وتفرد التوحيد بحرفين الواو، والدال. وتفرد التسبيح بحرفين: الباء، والسين.(1/54)
وفيه تنبيه بواسطة إشتراكهما في بعض الحروف، والوزن لفظا على اشتراكهما في الأجر لمن يشتغل بهما مراعاة الحديث، من كان آخر كلامه لاإله إلا الله الحديث. وذلك لأن حقيقة التسبيح هو التنزيه عما لا يليق بجلاله وكبريائه من الشريك والولد وغير هما كلية. فصار التسبيح مؤديا للتوحيد باتم وجه وآكده، ففيه تنبيه على المراد بحديث من كان آخر كلامه لاإله إلا الله هو أن يكون آخر كلامه ما يدل على التوحيد بأي عبارة كان، لا أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله بعينه لأن المرعى في هذا الباب المعاني لا الألفاظ. ويؤيده في الجملة أن آخر كلام الرسول- صلى الله عليه وسلم - كان غير هذه الكلمة وهو قوله الرفيق الأعلى، لكن لكونه من الثمرات كمال التوحيد كان دالاً على التوحيد بأتم وجه وآكد ففي هذا الختم المبارك تفاؤل بالختم لمن يعتني به بهذا الكتاب على التوحيد إن شاء الله تعالى.
قلت: والظاهر عند من غرض البخاري رحمه الله تعالي هو ما قدمت عقب الترجمة الباب من إثبات خلق أفعال العباد، والتفرقة بين التلاوة، والمتلو، فالتلاوة فعل مخلوق والمتلو كلام الله قديم غير مخلوق، وأثبت هذا بحديث التسبيح وثقله في الميزان، وخفته على اللسان، وهو من فعل العبد وفعله مخلوق، وقراءته عمل من أعماله فإذا كان يوزن ويخف ويثقل فهو مخلوق لأن اتصافه بالثقل والخفة من صفات المخلوقات فكأن المصنف الإمام ختم الصحيح بما قرره من هذه المسالة في التوحيد والله تعالى أعلم
تنبيه: اختلفت الروايات في الوزن فيفهم من بعضها أن أعمال بني آدم توزن فقيل: تجعل الأعمال والأقوال أجساما.
وقيل: يجعلها الله تعالى في أجسام. وورد في بعض الروايات أن صحائف الأعمال توزن كما في حديث البطاقة, أخرجه الترمذي(1/55)
وورد في بعضها أن الأعمال توزن ففي الصحيح أنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ة اقرأوا إن شئتم: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا: قيل هذا مجاز في الحقارة فيحتمل أن كون أصل الوزن للصحف والأعمال. وأن في نسبة الوزن للأعمال مجازا ويدفعه حديث أبي الدرداء مرفوعا ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن فالصحيح مذهب أهل السنة في إثبات وزن الأعمال والله تعالي اعلم
هذا: وقد جرت عادة الشراح من المحدثين بذكر حديث ختم المجلس إقتداء بهم نذكر فنقول بلغنا عن عائشة رضي الله عنها قالت ما جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم بهذه الكلمات.
فقلت: يا رسول الله أراك ما تجلس مجلسا ولا تتلوا قرآنا ولا تصلي صلاة إلا ختمت بهؤلاء الكلمات قال: نعم من قال خيراً كن طابعا له على ذلك الخير، ومن قال شرا كانت كفارة له. سبحانك اللهم وبحمدك لاإله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في آخر مجلسه أو حين يقوم: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
قال الشيخ رحمه الله تعالى:
أما بعد: فيا ناظرا في كتابي هذا لعلك تقف فيه على مواضع كثر فيها الوهم أو نبا فيها القلم، فالتمس لي العذر فأني عملته في زمان انتهاء هذا الأمر، وكثرة الهموم، والمشاغل، وقلة الكتب، والمراجع، وذهاب الشيوخ والعلماء، وصدوف الناس عن هذا العلم فسد الخلل يعني العدل، والتسامح، فأني لست راضيا عن بضاعتي هذه المزجاة فهي في الحقيقة، كالدوحة الورقاء تكون قليلة الثمار، أو كالشجرة الخضراء تكون قلية الأزهار، أو كالدار ضيقة البقاع، أو كالبيت قليل المتاع، أو كالقرية المنفوخة على الرياح، وكالمقاتل العاري من السلاح، فمالي في هذه البضاعة إلا كما قال الإمام البرقاني رحمه الله
اعلل نفسي بكتب الحديث(1/56)
وأحمد فيه لها الموعدا
واشغل نفسي بتصنيفه
وتخريجه دائما سرمدا
ومالي فيه سوى أنني
أراه هوىً وافق المقصدا
وأرجوا الثواب بكتب الصلاة
على السيد المصطفى أحمد
أو كما قال الآخر:
حمدت الله ربي إذ هداني
لما أبديت مع عجزي وضعفي
فمن لي بالخطا فأردعنه
ومن لي بالقبول ولو بحرف
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.
وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المر سلين والحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين, و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، من العلماء، والمقربين، والفقهاء والمحدثين، والقراء، والمستمعين.اللهم أغفر لي ولوالدي، ولمشائخي، ولتلامذتي ولأخواني في الدين، ولسائر المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم كما مننت بإتمام هذا الكتاب في الدنيا فامنن علينا في الآخرة بالحشر مع فيمن ذكر في هذا الكتاب، من النبيين، والشهداء، والصالحين، آمين يارب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
الحمد لله ذي الطول والآلاء وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء أرسله بالهدى وقال جلَّ من قائل: ( ما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى ) فأرشدنا إلى الهدى نصلي عليه وعلى آله وأصحابه الذين من اقتدى بهم اهتدى.
قال العاكف على باب ربه الجليل أبو خالد عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي:
قد أجزتُ لمن حضر ختم الصحيح برواية صحيح البخاري عني وكذلك سائر مروياتي من مشائخي.
وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قلت: وبهذه الدعوات نختم ما بدأنا من ختم الصحيح في هذا الجزء اليسير من تعريف المؤلف والجامع الصحيح
اللهم أنت الحق وقلت: وفي قولك الحق ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )(1/57)
وقلت: وفي قولك الحق ( أدعواني استجب لكم )
اللهم يا سامع الصوت، ويا سابق كل فوت، ويا محي العظام بعد الموت
أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفو أحد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.لاإله إلا الله عدد الليالي والدهور.لاإله إلا الله عددا لأمواج والبحور.لاإله إلا الله عدد الحجر والمدر.لاإله إلا الله عدد الشوك والشجر.لاإله إلا الله عدد الشعر والوبر.
سبحان الله وبحمده، سبحان العظيم، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته،
اللهم احفظنا، من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن يميننا، وعن شمالنا، ومن فوقنا، ومن تحتنا. واجعلنا في حفظك، ورعايتك، وعنايتك، واحفظ أولادنا، وأولاد أولادنا، من كل سوء.
اللهم اهدنا واهدهم على صراطك المستقيم، وأجعلنا واجعلهم في زمرة الصالحين. المقربين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
اللهم ارزقنا رزقا واسعا، ولا تجعل بيننا وبين رزقنا أحد سواك
اللهم أشفنا، وعافنا. اللهم آمن روعاتنا، وخفف لو عاتنا، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع عليم
اللهم أرزقنا فوق الأرض، وارحمنا تحت الأرض، واغفر لنا يوم العرض.
اللهم صلِ على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه أجمعيين.
اللهم صلِ على محمد وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين
اللهم صلِ على محمد وعلى آله في الأولين والآخرين
اللهم صلِ على محمد وعلى أل محمد كما تحب ربناوترضا
اللهم صلِ على محمد وعلى آله وأصحابه، ولا تحرمنا شفاعته يوم الدين، واسقنا من حوض نبيك بيده الشريفة يارب العالمين, واغفر اللهم من قال آمين.
كتب بيده/ العاكف بباب ربه الجليل
أبو خالد عبد الوكيل بن عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي
عفا الله عنه
5/8/1424
بسم الله الرحمن الرحيم
تأثرات(1/58)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين, وبعد ......
لقد قرأنا جامع الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى في [ ] مجلساً
أنا ( خالد بن عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي ) والمشائخ الأفاضل وهم:
الدكتور الفاضل / عبد الرحمن الموجان
الشيخ الفاضل / عبد الرحمن الغامدي الفقيه
الشيخ الفاضل / على العمران
الشيخ الفاضل / عبد الله البطاطي
وكانت المجالس علمية ذات بحث ومناقشة وإحضار للأدلة, ومرت علينا الليالي الحلوة, والسمر في العلم
ومراجعة الشروحات المعتمدة, ونحن نجني من ثمار كلام النبي صلى الله عليه وسلم من أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى .
وأدعو الله أن يرزقنا بقراءة ديوان آخر من دواوين السنن النبوية, ويرزقنا فهم الحديث النبوي الشريف,
إنه سميع مجيب.
كتب / خالد بن عبد الوكيل الهاشمي
أبو رائد
( ابن الشيخ )
هذه القصيدة أنشدها وألقاها في المجلس الشيخ/ بدر بن علي العتيبي بمناسبة ختم كتاب " الجامع الصحيح " للإمام البخاري, سماعاً من شيخه العلاَّمة المحدِّث أبو خالد عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي, وذلك بمنزله بحي الرصيفة من مكة المكرمة حرسها الله تعالى, وذلك يوم ( ) الموافق: / / 1424 هـ
1- لكَ الحمدُ كلَّ الحمدِ يا خيرَ واهِبِ ويا خيرَ مَنْ يُرْجَى لنيلِ المطالِبِ
2- لكَ الحمدُ حمداً يبلغُ الأرضَ والسما وليسَ لهُ عددٌ على عَدِّ حاسِبِ
3- فأَنتَ إِلهُ الفضلِ والجُودِ والذي بفضلكَ تحقيقُ المُنى والمآربِ
4- فلا نعمةٌ تُحْصى لديكَ وليسَ لي سوى الشكرَ تكراراً بقلبي وقالبي
5- ومِنْ نعمِ المَولى العزيزِ بفضلهِ قراءةُ سِفْرٍ فاقَ كُلَّ المراتِبِ
6- صحيحُ البخاري بالسماعِ وختمهِ على شيخنا نسلَ الهداةِ الأطايبِ
7- عنيتُ بهِ عبدَ الوكيلِ ومَنْ لهُ على نجبِ التحديث خيرِ المراكبِ
8- فيرويهِ بالإسنادِ عن كُلِّ فاضلٍ وهذا لعمري مِنْ عظيمِ المناقبِ(1/59)
9- جزى الله آلَ الهاشمي بفضلهِ بما قدموا للدينِ مِنْ كُلِّ واجبِ
10- فقد صنَّفوا حولَ الصحيحِ ودوَّنوا وصانوهُ صِدْقَاً عَنْ حقودٍ وعائبِ
11- شروحٌ لعبدِ الحقِّ ما خُطَّ مثلُها ولا تُليتْ بينَ الملا في المقانبِ
12- كذا شيخنا عبدَ الوكيلِ فقدْ أتى عليهِ بشيءٍ مِنْ عجيبِ العجائبِ
13- فزيدَ لهمْ فخرٌ وعزٌ ورفعةٌ فهمْ في سماءِ المجدِ مِثلَ الكواكبِ
14- وفي مجلسِ للختمِ قدْ جاءَ ثُلّةٌ بهِ اجتمعوا مِنْ كُلِّ قُطْرٍ وجانبِ
15- فأنْعِمْ بهمْ أهلَ الحديثِ فإِنَّهمْ حُماةٌ لدينِ اللهِ مِنْ كُلِّ ناكبِ
16- وأنعمْ بهم أهل الحديث فإنهم أذلوا لدين الله كل المصاعبِ
17- وأنعم بهم أهل الحديث فإنهم بهم ينجلي ليل الدُّجى والغياهبِ
18- وأنعم بهم أهل الحديث فإنهم بنا وردوا للدين حلو المشاربِ
19- ألا نضَّرَ اللهُ الجليلُ وجهَهُمْ وهذا دُعاء المصطفى غير كاذبِ
20- فقدْ ربحوا حفظ الحديث وشرحهِ وفي النقلِ بالإسنادِ أغلى المكاسبِ
21- فتباً لمنْ ذمَّ الحديث وأهلَهُ وتباً لمن يرميهمُ بالمثالبِ
22- وتباً لمن خيَّبَ اللهُ سعيهُ فيهذي ولا يدري وخيم العواقبِ
23- فيطعن في الإسنادِ والسلف الأولى ويرميهم بالترَّهاتِ الكواذبِ
24- ويجعلهم رمز ( التخلُّف ) بينما يقرر دينَ الملحدينَ الأجانبِ
25- ولا يقرأ القرآن والسنن التي أتتْ عن رسولِ اللهِ مع كل كاتبِ
26- ويشربْ من وحلِ(الصحافةِ)علمه بما تحتوي عن كل فدمٍ وخائبِ
27- وصاروا هم الأعلام للناس قدوةٌ وولّوهم فخراً: كبير المناصبِ
28- فساروا بهم ظلمةِ الجهلِ والهوى فويلٌ لأهلِ الليلِ من جمعِ حاطبِ
29- ولكن بوعدِ اللهِ للحقَّ عصبةٌ تُنَقِّي صفاءَ الدينِ من كل شائبِ
30- وهم فرقةٌ نصروا لدينِ محمدٍ وقاموا بهِ في عجمها والأعاربِ
31- ونصَّ إمامُ الدينِ أحمدَ أنهم يُرادُ بهم (أهل الحديث) النجائبِ
32- تجارتهم جمع الحديث ونشره فما بين غادٍ للدروسِ وآيبِ(1/60)
33- رضيتُ بهم بين الخلائقِ رفقةً ومذهبهم واللهِ خير مذهبِ
34- وصل إلهَ الكونِ ما داجَ دارجٌ على المصطفى المختارِ مع كل صاحبِ(1/61)