ترجمة السنة النبوية
دراسة تأصيلية
( بحث مقدم لندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية
المقامة في مقر الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها في الرياض في الفترة من 23-25/2/1429هـ )
إعداد :
الدكتور : لطفي بن محمد الزغير
أستاذ مساعد في الحديث وعلومه
جامعة الملك خالد – كلية المعلمين في بيشة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله .
وبعد :
فإن السنة النبوية هي الوحي المروي ، الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد مكملاً للوحي المتلو وهو القرآن الكريم ، فلا عجب إن وجدت السنة من العناية والاهتمام من علماء هذا الدين ما يجعلها تتبوأ مكانة هامة في وجدان وضمير كل منتسب لهذه الأمة المباركة ، فقد بذل العلماء جهوداً مضنية في فهم هذه السنة وتفهيمها، وتنزيل كلمات النبي صلى الله عليه وسلم التنزيل اللائق والصحيح وعدم التعسف في توجيهها ، واستنباط الأحكام منها ، والقيام بهذا الأمر خير قيام .
... ومن جهودهم المباركة ؛ تقريب السنة للعامة ، وتفهيمها لمن لا يفهمها بتعليمها وتوضيحها وفك مشكلها ، وتقريب غريبها ، ومن ضمن ذلك بذل الجهد في إيصالها لكل من التحق بهذا الدين من عرب وعجم ، وهذا ما أبرز الحاجة إلى نقل هذه السنة بغير لغة العرب إلى لغات الأقوام التي التحقت بهذا الدين ، مما أحوج البحث والتنقيب عن حكم نقل هذه السنة إلى لغات أخرى وما هو الحد الجائز والمحظور في ذلك ؟
ولهذا رأيت أن أكتب بحثي هذا لتجلية هذا الأمر وكشف النقاب عنه ، سائلاً الله تعالى أن يسدد رأيي وأن يجنبني الخطأ والزلل في هذا الأمر .
وقد قسمت بحثي هذا إلى ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : الحتمية التاريخية والشرعية لمسألة الترجمة .(1/1)
المطلب الثاني : ترجمة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
المطلب الثالث : السلوك العملي لترجمة الحديث وهذا أوان الشروع بالمقصود .
المطلب الأول : الحتمية الشرعية والتاريخية لترجمة السنة والسيرة .
وأقصد بذلك المسوغات الشرعية والتاريخية التي جعلت من الترجمة أمراً حتمياً ، وليس جائزاً أو مباحاً فحسب ، وذلك من خلال النظر إلى طبيعة الرسالة ، ومهمة هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
فرسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - آخر رسول أرسله الله تعالى إلى الناس ، ولهذا كان من المناسب أن تكون هذه الرسالة عامة للخلق أجمعين ، غير مختصة بقوم أو عرق كما هو شأن المرسلين السابقين ، إذ كيف سيكون رسولاً خاتماً ( أي إلى آخر الدهر ) وتكون رسالته مختصة بقوم أو فئة ؟!
فإذا ما ألقينا نظرة على النصوص الشرعية من قرآن وسنة أدركنا هذا ، وعرفنا أنَّ دين الإسلام دين عالمي غير محدود بقوم أو بقطر ، فهو للناس أجمعين ، قال تعالى : { وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كافّةً للنّاسِ بَشيراً وَنَذِيرا } [ سبأ : 38 ] ، وقال : { وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمين } [ القلم : 52 ] ، وقال تعالى : { لينذر من كان حياً } [ الأنعام : 92 ] .
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة في هذا الصدد .(1/2)
أما من السنة النبوية المطهرة فهناك دلائل جلية كقوله - صلى الله عليه وسلم - : فيما رواه البخاري (1) عن جَابِرُ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي ؛ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ،وَأُحِلَّتْ لي الْمَغَانِمُ ولم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وكان النبي يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى الناس عَامَّةً )) .
وروى مسلم (2) عن جابر أيضاً ، قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي ؛ كان كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى كل أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ولم تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صلى حَيْثُ كان ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بين يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ )) .
__________
(1) صحيح البخاري ج1/ص128 ، رقم : 328 ، تحقيق : د . مصطفى ديب البغا ، دار ابن كثير ، اليمامة - بيروت ، ط الثالثة 1407 هـ ، 1987م .
(2) صحيح مسلم ج1/ص370رقم : 521 ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث – بيروت ، دون تاريخ .(1/3)
وفي رواية أخرى عند مسلم (1) عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : (( فُضِّلْتُ على الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ ؛أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلْتُ إلى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ )) .
وهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن هذا الدين دين عالمي ، غير خاص بقوم أو ببيئة ، فهو ليس لقريش أو للعرب فقط ، وقد فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا فهماً سليماً هو وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، فنجد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد ترجم هذا من أول مراحل دعوته ، فلم يقتصر على قريش وحدها في الدعوة وإن كان قد ابتدأ بهم ، فنجده صلى الله عليه وسلم قد ذهب إلى الطائف ليدعو ثقيفاً ، ثم إنه عرض نفسه على القبائل التي كانت تحج البيت مما أسفر عن بيعتي العقبة الصغرى والكبرى ، ثم انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ليبدأ مرحلة جديدة من دعوته صلى الله عليه وسلم ، رسخت هذه العالمية ، ولعل أجلى صورها عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكاتبة ومخاطبة ملوك الأرض لدعوتهم إلى هذا الدين ، كما سيأتي ، ولم يكد ينتهي القرن الهجري الأول إلا والإسلام قد دخل كل قارات الدنيا المعروفة آنذاك .
وهذا الأمر من الوضوح بحيث إننا لا نحتاج للتدليل عليه ، ولكن من باب استكمال الأدلة ليس إلا ، وإلا فإن واقع هذه الدعوة الآن خير شاهد على ذلك ، لدخول الدين إلى كل بلد من بلاد الأرض الآن .
__________
(1) المصدر السابق : 1/371 ، رقم : 523 .(1/4)
والمراد من هذا كله الاستشهاد بأنه - صلى الله عليه وسلم - أدرك هذا الأمر وبشَّر به ، وهذا يقتضي أن هذا الدين سيدخله أناس من كافة الأجناس والأقطار ،سواء أكان ذلك على زمنه - صلى الله عليه وسلم - ، أم ما سيأتي بعده من الأزمان ، وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم مكلف بدعوة هؤلاء الأقوام بما يُفهمهم ، وأن يوصل إليهم رسالته ، وهنا يبرز تساؤل : كيف بلَّغ النبي رسالته أو أسس لتبليغ رسالته في ظل هذا الفهم لطبيعة الدين ؟
وللإجابة على هذا التساؤل يعترضنا احتمالان :
الأول : أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سوف يُعبِّر بلغة هؤلاء جميعاً ،أو يتكلم بهذه اللغات جميعها ، كنوع من فهم قول الله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } [ إبراهيم: 4] فكل رسول عبَّر بلسان قومه ولغتهم التي يتكلمون بها ، وبما أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى الناس كافة ، وأمة الدعوة بالنسبة له كل الناس بل والجن أيضاً ، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ولغاتهم ، فهذا يتطلب أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - متكلم بلغات هؤلاء الأقوام جميعاً ليتناسب ذلك مع العالمية التي بُعث بها ، وهذا ما يُفهم من صنيع البخاري (1) في صحيحه حيث ترجم فقال : (( بَاب من تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وما أَرْسَلْنَا من رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ )) . ثم ساق ثلاثة أحاديث (2)
__________
(1) الصحيح : 3/1117 – 1118 ،
(2) أولها رقم : عن جَابِرَ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال : قلت يا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لنا وَطَحَنْتُ صَاعًا من شَعِيرٍ فَتَعَالَ أنت وَنَفَرٌ ، فَصَاحَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قد صَنَعَ سورا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ .
والثاني رقم : 2906 حدثنا حِبَّانُ بن مُوسَى أخبرنا عبد اللَّهِ عن خَالِدِ بن سَعِيدٍ عن أبيه عن أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بن سَعِيدٍ قالت أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مع أبي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَهْ سَنَهْ قال عبد اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ قالت فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أبي قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعْهَا ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْلِي واخلقي ثُمَّ أَبْلِي واخلقي ثُمَّ أَبْلِي واخلقي قال عبد اللَّهِ فَبَقِيَتْ حتى ذَكَرَ .
والثالث رقم : 2907 حدثنا محمد بن بَشَّارٍ حدثنا غُنْدَرٌ حدثنا شُعْبَةُ عن مُحَمَّدِ بن زِيَادٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً من تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بِالْفَارِسِيَّةِ كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ .(1/5)
في كل منها كلمة أعجمية ، وهي المظللة بالأسود .
فقول البخاري رحمه الله تعالى : باب من تكلم بالفارسية والرطانة ، ثم ذكره الآية { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } ، ثم ذكره رحمه الله لثلاثة أحاديث تفيد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بغير العربية ، يستفاد منه أن البخاري كان يرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرف هذه اللغات ، ولهذا قال ابن حجر (1) : (( وقول الله عز وجل: واختلاف ألسنتكم وألوانكم ، وقال : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ، كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق )) ، وهذا ما ذكره العيني أيضاً (2) .
وإلى قريبٍ من هذا ذهب القاضي عياض (3) فقال : (( وأما علمه صلى الله عليه و سلم بلغات العرب ، و حفظه معاني أشعارها ، فأمر مشهور ، قد نبهنا على بعضه أول الكتاب .
و كذلك حفظه لكثير من لغات الأمم ، كقوله في الحديث : سنة ، سنة و هي حسنة بالحبشية . و قوله : و يكثر الهرج و هو القتل بها. و قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة : أشكنب درد أي وجع البطن بالفارسية . إلى غير ذلك ممالا يعلم بعض هذا و لا يقوم به و لا ببعضه إلا من مارس الدرس و العكوف على الكتب و مثافنة أهلها عمره )).
__________
(1) فتح الباري 6/184، تحقيق : محب الدين الخطيب ، وتعليقات الشيخ عبد العزيز بن باز ، دار المعرفة – بيروت .
(2) عمدة القاري 15/4 ، دار إحياء التراث - بيروت.
(3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : 1/ 358 ،دار الفكر – بيروت ، 1409 هـ ، 1988م .(1/6)
وكذا الحال عند عدد من المفسرين ، قال الجمل (1) في تفسير قوله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) : (( والأولى أن يُحمل القوم على من أرسل إليهم الرسول أياً كان، وهم بالنسبة لغير سيدنا محمد خصوص عشيرة رسولهم ، وبالنسبة إليه كل من أرسل إليهم من سائر القبائل وأصناف الخلق ، وهو صلى الله عليه وسلم كان يُخاطب كل قوم بلغتهم ، وإن لم يثبت أنه تكلم باللغة التركية ، لأنه لم يتفق له أنه خاطب أحداً من أهلها ، ولو خاطبه لكلَّمه بها )) .
وقال أحمد الصاوي (2) : (( إن الله علَّمه جميع اللغات ،فكان يُخاطب كل قوم بلغتهم )) . ونقل الميانجي الأحمدي (3) عن زيني دحلان (في السيرة هامش الحلبية 3: 83) قريباً من هذا .
__________
(1) انظر : سليمان بن عمر الشهير بالجمل - الفتوحات الآلهية بتوضيح تفسير الجلالين ، المعروف بحاشية الجمل : 2/ 514 ، دار إحياء التراث العربي – بيروت .
(2) حاشية الصاوي على الجلالين : 2 / 235 ، دار إحياء الكتب العربية ( عيسى البابي الحلبي ) – القاهرة ، دون تاريخ .
(3) انظر : علي الميانجي الأحمدي - مكاتيب الرسول : 1/ 79 – 80 ، دار الحديث ، الطبعة الأولى ، 1998م .(1/7)
ولقد وجدت أن كتَّاب الشيعة يميلون إلى هذا الرأي ، بل إنه يكاد يكون كالعقيدة لهم ، وقد طوَّل الأحمدي في الاستشهاد لهذا الأمر ،وخلص إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُخاطب كل قوم بلسانهم ؛ العرب بالعربية،والعجم بلغاتهم ، فقال (1) : (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبعوثا إلى الناس كافة، أبيضهم وأسودهم وأحمرهم وعربيهم وعجميهم، فعلمه الله لغاتهم وعرفه كلماتهم لإتمام الحجة - ولله الحجة البالغة - وقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) ، فعلمه الله جميع اللغات، لأنه بعث إلى جميع الناس، قال تعالى:(وما أرسلناك إلا كافة للناس) . ونُقل أنه لما حضر عنده بلال، وتكلم بلسان الحبشة(اره بره كنكرة كرى كرى منذره) فتحير الحاضرون، بينه هو - صلى الله عليه وسلم - )) .
وعلى كل حال فهذا أحد الآراء في هذه المسألة ، ولكنه رأي مرجوح ، لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لو ثبت أنه تكلم بعض المفردات كما في صحيح البخاري وغيره ، فإنَّ هذا لا يعني إتقانه لهذه اللغة ومعرفته بها ، بل حتى لو قلنا بإتقانه لهذه اللغة أو تلك فإننا لا نستطيع أن نزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خاطب أهل لغة بلغتهم خطاباً متواصلاً .
... الأمر الثاني : أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بلَّغ باللغة العربية فقط ، وكان يعرف ويدرك أن كلامه سيترجم إن في حياته أو بعد وفاته .
... ويستدل لهذا الرأي بما نقلته عن ابن حجر في الاستدلال السابق حيث قال (2) : ((ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق )) .
__________
(1) يُنظر المصدر السابق : 1 / 80 – 88 ، وهذا النقل خاصة في : 1 : 83 .
(2) فتح الباري : 6 / 184 ، دار المعرفة – بيروت ، تصحيح .(1/8)
... وقال أيضاً (1) : (( ووجه الدلالة منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى هرقل باللسان العربي ، ولسان هرقل رومي ، ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه ، والمترجم المذكور هو الترجمان )).
... وقال البغوي (2) (( قوله تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } بلغتهم ليفهموا عنه. فإن قيل: كيف هذا وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كافة الخلق؟ قيل: بعث من العرب بلسانهم، والناس تبع لهم، ثم بث الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله عز وجل ويترجمون لهم بألسنتهم)) .
... وقال ابن بطال (3) : (( وحجة من أجاز ترجمة الواحد فى ذلك ترجمة زيد بن ثابت وحده للنبى - صلى الله عليه وسلم - وترجمة أبى جمرة بين يدى ابن عباس، وأن عبد الله بن سلام ترجم عن التوراة فى آية الرجم للنبى - صلى الله عليه وسلم - فجاز ذلك، وأيضًا فإن ترجمان هرقل ترجم عن قريش فجازت ترجمته )).
__________
(1) المصدر السابق : 13/ 516 ، ونقل عن ابن بطال في الفتح : 9/10 أنه قال : ((مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلواً كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم )) .
(2) معالم التنزيل : 4/ 335 ، حققه وخرج أحاديثه : محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرشي ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، الطبعة الرابعة ، 1417 هـ - 1997م .
(3) شرح صحيح البخاري 9/270 ( تحقيق : ياسر بن إبراهيم ، وإبراهيم صبيح ، مكتبة الرشد – الرياض )(1/9)
... قال القرطبي (1) : قوله تعالى: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول) أي قبلك يا محمد (إلا بلسان قومه) أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة )) .
... وقال الزمخشري (2) أيضاً : (( فإن قلت : لم يُبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعا ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) الأعراف : 158 ، بل إلى الثقلين ، وهم على ألسنة مختلفة ، فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة ،وإن لم تكن لغيرهم حجة ،فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا .
قلت : لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها ، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل ، فبقي أن ينزل بلسان واحد فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول ؟ لأنهم أقرب إليه ، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر ، قامت التراجم ببيانه وتفهيمه كما ترى الحال وتشاهدها ، من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم )) .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن : 9 / 340 ، مكتبة الرياض الحديثة ، مصور عن الطبعة الثانية الصادرة عن دار الكتب المصرية – القاهرة .
(2) الكشاف : 2/ 518 ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط الأولى 1995م ، وانظر : الخازن – لباب التأويل : 4 / 32 ، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ، طالثانية 1375 / 1955م .(1/10)
... والنقول في هذا المجال كثيرة ما بين كتب حديث تفسير وأصول (1) ، وكلها توضح أن الترجمة تنوب عن التبليغ لكل قوم بلسانهم ، بل إنَّ هناك إجماعاً من العلماء على وجوب الترجمة لمن لا يعرف العربية حتى نقول إنه قد وصلته الحجة ، وهذا ما سأتعرض له في مطلب قادم إن شاء الله تعالى .
وهذا يدل على جواز الترجمة لأحكام الدين ونصوصه غير المتعبد بألفاظها ، وبذلك يتوضح كيف أن الحتمية التاريخية والشرعية أدت إلى القول بجواز الترجمة إن لم نقل بوجوبها ، وهو الأظهر في هذا المقام حسب ما تقدم ، ولسوف أُبين في المطلب الثاني نصوص العلماء في هذا المجال بما لا يترك مجالاً للشك في مشروعية ترجمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يتعلق به .
المطلب الثاني : الدلائل والبينات على مشروعية الترجمة .
لقد تبين لنا فيما سبق أن الترجمة أمرٌ حتمته طبيعة الدين العام الحاتم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ بلغة قومه وهي اللغة العربية ، فكان لزاماً أن تتم ترجمة أقواله وما صدر عنه إلى الأقوام الأخرى الذين دخلوا في هذا الدين وإلا لما جاز أن نقول قد قامت عليهم الحجة .
وفي هذا المحور سأستوفي الاستدلال لهذا الأمر من خلال ما ورد من نصوص شرعية كأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أفعاله ، التي تدل دلالة واضحة لا لبس فيها على مشروعية ترجمة السنة والسيرة النبوية ، ومن ذلك :
__________
(1) قال العظيم أبادي في عون المعبود : 3/ 312 ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط الثانية 1995م : (( فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها ، فإن كان السامعون أعجمياً يترجم بلسانهم ، فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم )) .(1/11)
أولاً : أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية ، لأنه لا يأمن يهود على كتابه . فقد روى الترمذي (1) عن زيد بن ثابت قال : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتعلم له كتاب يهود ، قال : إني والله ما آمن يهود على كتاب ، قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له ، قال : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم ، وإذا كتبوا إليه قرأته كتابهم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
وفي هذا النص دلالة واضحة بينة على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يُملى على زيد ما يريده بالعربية ، وزيد يترجم هذا وينقله إلى لغة اليهود ، والتي هي العبرانية أو السريانية ، وإلا ما من فائدة من قوله : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم .
وقد يقول قائل : لقد عُرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يُكاتب غير العرب باللغة العربية كما سيأتي في رسائله إلى الملوك ، فكيف نوفق بين هذا المعلوم عنه ، وبين أنه كان يأمر زيداً أن يكتب لليهود بلغتهم ؟
__________
(1) الجامع الصحيح : 5/ 67 ، رقم 2715 ، وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده : 5/ 182-183، وانظر طبعة الأرنؤوط :35 / 463 رقم : 21587، وانظر أيضاً : 35 /490 رقم : 21618 وأبو داود في السنن :3645 ،والبخاري في التاريخ : 3 / 380 – 381 ، وابن سعد في الطبقات : 2 : 358 – 359 ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار : 2039 ، والطبراني في الكبير : 4856 و 4857 ، وابن حبان في الصحيح : 7136 ، والحاكم في المستدرك : 1 : 75 ، 3: 422 .(1/12)
وهذا التساؤل تمت الإجابة عليه من قبل الطحاوي فقال (1) : (( فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا ما كان يرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتب يهود بالسريانية إنما كان يقرؤه له اليهود الذين كانوا يحضرونه ، وهم غير مأمونين على كتمان بعض ما فيه ، وغير مأمونين على تحريف ما فيه إلى ما يريدون ، وكان ما ينفذ من كتبه إلى اليهود جواباً لكتبهم له بالعربية ، فتحتاج اليهود الواردة عليهم إلى من يحسن العربية ليقرأه عليهم ، إذ كانوا لا يحسنون العربية ، فلعله أن يحرف ما في كتبه إليهم إلى ما يريد لا سيما إن كان من عبدة الأوثان الذين في قلوبهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا خفاء به ، وفي قلوبهم على أهل الكتاب ما فيها ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا أن يتعلم له السريانية ليقرأ كتبهم إذا وردت عليه قراءة ، فيأمن بها كتمان ما فيها ، ويأمن بها تحريف ما فيها ، ويكون كتابه - صلى الله عليه وسلم - إذا ورد على اليهود ورد عليهم كتاب يقرؤه عامتهم ، يأمن فيه من كتمان بعض ما فيه ، ومن تحريف ما فيه إلى غير ما كتب به ، فهذا وجه هذا الحديث عندنا )) .
إذاً فمخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما درج عليه من الكتابة إلى الآخرين باللغة العربية ، وكتابته لليهود بلغتهم لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمن اليهود على كتابه ، فلو كتب لهم بالعربية لحرَّفه بعضهم ، ولذكروا أثناء ترجمته غير ما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيزيد فيه أو يُنقص ، ولكن لما كتب لهم بلغتهم يكون إنما كتب لهم بلغة يفهمها عامتهم ، ولا يكون للقاريء إلا ذكر ما كتب له ليس إلا ، فيأمن من التحريف والزيادة والنقصان .
__________
(1) مشكل الآثار : حديث رقم 1720 .(1/13)
ووجه الاستدلال من هذا النص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكلم لزيد رضي الله عنه بما يريده باللغة العربية ، وزيد يترجم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى لغة اليهود ويكتبه بلغتهم ، وهذا دليل قوي ، بل من أقوى الأدلة على جواز الترجمة .
وقد ذكر الخزاعي (1) هذا عندما ترجم لمن كان يترجم للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( الفصل الثاني : في ذكر من كان يترجم للنبي صلى الله عليه وسلم
1 - ذكر من كان يترجم له باللسان: في " العمدة " للتلمساني: زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه كان يكتب للملوك ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان ترجمانه بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن )).
ثانياً : الاستدلال برسائله وكتبه - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك .
فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأسانيد الواضحة المليحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتطبيقاً لعالمية الرسالة قد كاتب ملوك الأرض في السنة السابعة للهجرة ، يدعوهم إلى دين الإسلام ، وهم آنذاك من أجناس شتى ، ويتكلمون لغات مختلفة ، خاطبهم باللسان العربي وهو - صلى الله عليه وسلم - يدرك أنه ستتم ترجمة كتبه إلى لغاتهم ، ومع ذلك لم يتحرز أو يتحرَّج من أن يكاتبهم باللغة الغربية ، وهذا يعد بعد الدليل السابق من أقوى الأدلة وأظهرها على مشروعية الترجمة ، بل لو أن مصنفاً من مصنفي الصحاح والسنن ترجم لباب بقوله : باب جواز ترجمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقله إلى غير العربية ، لما أبعد .
__________
(1) تخريج الدلالات السمعية له - صلى الله عليه وسلم - من الحرف والصنائع والعمالات : 218 ، تحقيق : إحسان عباس ، الطبعة الأولى 1985م ، دار الغرب الإسلامي - بيروت .(1/14)
أما عن كتبه إلى الملوك فمنها ما رواه البخاري (1) عن عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ :(( أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ أخبره أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إليه في رَكْبٍ من قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بالشام في الْمُدَّةِ التي كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فيها أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ في مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فقال أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بهذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فقال أبو سُفْيَانَ فقلت أنا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فقال أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قال لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لهم إني سَائِلٌ هذا عن هذا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ من أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عنه ثُمَّ كان أَوَّلَ ما سَأَلَنِي عنه أَنْ قال كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قلت هو فِينَا ذُو نَسَبٍ قال فَهَلْ قال هذا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قلت لَا قال فَهَلْ كان من آبَائِهِ من مَلِكٍ قلت لَا قال فَأَشْرَافُ الناس يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فقلت :بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قال : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قلت : بَلْ يَزِيدُونَ ، قال : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ منهم سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فيه ؟ قلت : لَا ، قال : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَنْ يَقُولَ ما قال ؟ قلت : لَا ، قال : فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قلت : لَا ، وَنَحْنُ منه في مُدَّةٍ لَا نَدْرِي ما هو فَاعِلٌ فيها ، قال : ولم تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فيها شيئا غَيْرُ هذه الْكَلِمَةِ ، قال :
__________
(1) صحيح البخاري : 1/ 7 – 10، ورواه مسلم في صحيحه : 3 / 1294 ، رقم : 1773.(1/15)
فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قلت : نعم ، قال : فَكَيْفَ كان قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قلت : الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ منه ، قال : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قلت : يقول اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا وَاتْرُكُوا ما يقول آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ فقال لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ له سَأَلْتُكَ عن نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ في نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هل قال أَحَدٌ مِنْكُمْ هذا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فقلت لو كان أَحَدٌ قال هذا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هل كان من آبَائِهِ من مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا قلت فَلَوْ كان من آبَائِهِ من مَلِكٍ قلت رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أبيه وَسَأَلْتُكَ هل كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَنْ يَقُولَ ما قال فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لم يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ على الناس وَيَكْذِبَ على اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ الناس اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حتى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فيه فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حين تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ وَسَأَلْتُكَ هل يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا وَيَنْهَاكُمْ عن عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ(1/16)
وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ فَإِنْ كان ما تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وقد كنت أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لم أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إليه لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كنت عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عن قَدَمِهِ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إلى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إلى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ من مُحَمَّدٍ عبد اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ على من اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فإن عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ قل يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شيئا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ يا قال أبو سُفْيَانَ فلما قال ما قال وَفَرَغَ من قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فقلت لِأَصْحَابِي حين أُخْرِجْنَا لقد أَمِرَ أَمْرُ بن أبي كَبْشَةَ إنه يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فما زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حتى أَدْخَلَ الله عَلَيَّ الْإِسْلَامَ .....)) .
وقد ذكرت هذا النص بطوله لأن فيه ذكراً لكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنصِّه ، وفيه كذلك ما احتف بهذا الكتاب من أحداث وسؤال ، ثم ما فيه من تصريح بقراءة هذا الكتاب من قبل ترجمان خاص لهرقل ، وهو ما أردت الاستدلال به .(1/17)
والأمر لا بد أنه كذلك لبقية الكتب التي أرسلها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بقية الملوك والحكام، ككسرى (1) ، والنجاشي (2) ، والمقوقس (3) ، وغيرهم .
وروى مسلم (4) عن عن أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كل جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إلى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) انظر نص الكتاب في : ابن سعد – الطبقات : 1/ 260، دار صادر – بيروت .
(2) انظر نص الكتاب : الحاكم – المستدرك : 2 / 678 ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط الأولى 1411هـ .
(3) انظر نص الكتاب في : الزبير بن بكار – المنتخب من كتاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 55 - 56 ، تحقيق : سكينة الشهابي ، مءسسة الرسالة –بيروت ، ط الأولى 1403هـ ,
(4) الصحيح : 3 / 1397 حديث رقم : 1774 .(1/18)
وقد أجمل ذلك كله الطبراني (1) بسند فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف (2)
__________
(1) المعجم الكبير :20/ 8 ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مكتبة الزهراء – الموصل ، ط الثانية ، 1404هـ ، 1983م ، وانظر هذه الرسائل كلها في الوثائق السياسية في العهد النبوي للدكتور حميد الله .
(2) انظر الهيثمي : مجمع الزوائد : 5/306 ، دار الريان للتراث – القاهرة ، 1407هـ ..(1/19)
عَنِ الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ قال : خَرَجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَصْحَابِهِ فقال :(( إِنَّ اللَّهَ عز وجل بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً ، فَأَدُّوا عَنِّي يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ ، وَلا تَخْتَلِفُوا كما اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ على عِيسَى عليه السَّلامُ ، فإنه دَعَاهُمْ إلى مِثْلِ ما أَدْعُوكُمْ إليه ، فَأَمَّا من قَرُبَ مَكَانُهُ فأنه أَجَابَ وَأَسْلَمَ ، وَأَمَّا من بَعُدَ مَكَانُهُ فَكَرِهَهُ فَشَكَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ ذلك إلى اللَّهِ عز وجل ، فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ منهم يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وُجِّهَ إِلَيْهِمْ ، فقال لهم عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السَّلامُ : هذا أَمَرٌ قد عَزَمَ اللَّهُ لَكُمْ عليه فَامْضُوا فَافْعَلُوا ، فقال أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ، نَحْنُ يا رَسُولَ اللَّهِ نُؤَدِّي عَنْكَ فابْعَثْنَا حَيْثُ شِئْتَ ، فَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بن حُذَافَةَ إلى كِسْرَى ، وَبَعَثَ سَلِيطَ بن عَمْرٍو إلى هَوْذَةَ بن عَلِيٍّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ ، وَبَعَثَ الْعَلاءَ بن الْحَضْرَمِيِّ إلى الْمُنْذِرِ بن ساوي صَاحِبِ هَجَرَ ، وَبَعَثَ عَمْرَو بن الْعَاصِ إلى جَيْفَرَ وَعَبَّادِ ابْنِي جَلَنْدَا مَلِكَيْ عُمَانَ ، وَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ إلى قَيْصَرَ ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بن وَهْبٍ الأَسَدِيَّ إلى الْمُنْذِرِ بن الْحَارِثِ بن أبي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ ، وَبَعَثَ عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلى النَّجَاشِيِّ .
فَرَجَعُوا جميعا قبل وَفَاةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غير الْعَلاءِ بن الْحَضْرَمِيِّ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تُوُفِّيَ وهو بِالْبَحْرَيْنِ .
ثالثاً : إقراره - صلى الله عليه وسلم - لما تُرجم في حياته من أحاديثه وسيرته.(1/20)
إذ يترجح أنَّه قد تمت ترجمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم في حياته - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يُنقل عنه - صلى الله عليه وسلم - إنكاراً ، مما يدل على إقراره لما حدث .
والشاهد على هذا حديث جعفر بن أبي طالب (1) ، وهو الحديث الوحيد الذي يروى عنه ، عند هجرته هو وبعض المسلمين إلى أرض الحبشة ، وما وقع لهم مع النجاشي ، حيث إن جعفر رضي الله عنه أخذ يسرد له محاسن الدين ، وما يدعو إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا شك أن جعفر تكلم بلغته الأم – أي العربية - ، والنجاشي كان يُترجم له ذلك ، وإن لم يُذكر في الروايات ذكر الترجمة والترجمان ، اللهم إلا ما ورد في مسند عبد بن حميد من أن النجاشي ابتدأ الحوار بقوله :
والمقصد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغه ما حصل مع المسلمين في أرض الحبشة ، وبلغه ما قاله جعفر وذكره ، ولا شك أنه يعلم أن عادة العجم في بلدانهم أن يترجم لهم ما لا يعرفونه من اللغات ، بل إنَّ غالبهم كان يطلب ترجماناً حتى ولو كان يعرف اللغة الأخرى أنة من أن يتكلم بغير لغته ، ولهذا نظمت هذا الشاهد من قبيل إقراره صلى الله عليه وسلم لما ترجم في حياته .
المطلب الثالث : السلوك العملي لمن جاء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالترجمة .
ومن جاء بعده - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أولاً الخلفاء وقواد الجيوش وكيفية تعاملهم مع هذه المسألة ، ثم من جاء بعدهم من العلماء وكيفية تطبيقهم للترحمة عملياً ، ومن جانب آخر كتاباتهم في التأصيل لمسألة الترجمة ، لذا اشتمل هذا المطلب على ثلاثة أمور :
أولاً : سيرة خلفائه وقواده وتطبيقهم العملي للترجمة .
ثانياً : التأصيل العلمي لهذه المسألة في كتابات المحدثين وغيرهم من العلماء .
__________
(1) انظر الحديث بطوله : أحمد – المسند : 1 / 202 ، وفي طبعة الرسالة تحقيق : شعيب الأرنؤوط : 3 / 262 – 269 .(1/21)
ثالثاً : السلوك العملي ، وبيان بعض ما كتبه العلماء من كتب بغير العربية .
أولاً : سيرة خلفائه وصحابته من بعده - صلى الله عليه وسلم - وكيف تعاملوا مع هذه المسألة .
والمقصود بهذا العنوان ما سلكه خلفاؤه - صلى الله عليه وسلم - وقواد الجيوش وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين من اهتمامهم واتخاذهم للمترجمين ، وحرصهم على التبليغ بما يفهمه الآخرون ، اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، واتباعاً لما سلكه .
وبين يدي في هذا الصدد نصوص كثيرة ، ولعل الناظر إلى كتب التواريخ والسير يجد الشيء الكثير من هذا ، بل إن كتب المغازي والتواريخ قد حفلت بذكر ما كان عليه المسلمون عندما يتوجهون لفتح بلدة أو مدينة من مدن العجم من فرس ورومان وغيرهم ، وما كان يحدث بينهم من محاورات ومساجلات ، فيبين لهم قادة الفتوح مرادهم ، وهذا المراد ما هو إلا تكرار لما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطلبه من بقية الأمم ، وهذا كله كان يحتاج إلى مترجمين يبينون هذا ، وهو عين ما كان يتم ، ولولا الإطالة لاستوعبت ما ذكره المؤرخون ومؤلفو المغازي من هذا الأمر ، ولكن أكتفي بذكر بعض النماذج القليلة التي أرى أنها تفي بالغرض والله أعلم .(1/22)
فمن ذلك ما رواه أبو داود في القدر ، واللالكائي (1) وابن بطة (2) ، والفريابي في القدر (3) واللفظ له ، وغيرهم (4) عن عبد الله بن حريث قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية والجاثليق ماثل بين يديه ، والترجمان يترجم ، فقال : عمر من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، فقال الجاثليق : إن الله تعالى لا يضل أحداً ! فقال عمر : ما تقول ؟ فقال الترجمان : لا شيء ، ثم عاد في خطبته فلما بلغ من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له قال الجاثليق: إن الله تعالى لا يضل أحداً ، فقال عمر ما تقول ؟ فأخبره ، فقال : كذبت يا عدو الله ، ولولا ولت عهد لك لضربت عنقك ، بل الله خلقك والله أضلك ثم يميتك ثم يدخلك النار إن شاء الله ثم قال إن الله عز وجل لما خلق آدم عليه الصلاة السلام نثر ذريته فكتب أهل الجنة وما هم عاملون وأهل النار وما هم عاملون ثم قال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه
وقد كان الناس تذاكروا القدر فافترق الناس وما ينكره أحد .
__________
(1) شرح أصول أهل السنة والجماعة : 4 / 659 ، تحقيق : د . أحمد سعد حمدان ، دار طيبة – الرياض 1402هـ .
(2) الإبانة الكبرى : 1/ 192- 193 ، تحقيق : د . عثمان عبد الله آدم الأثيوبي ، دار الراية - الرياض ، ط الثانية 1418هـ .
(3) القدر : 66 -67 ، تحقيق : عمرو عبد المنعم سليم ، دار ابن حزم – بيروت ، الطبعة الأولى 1421هـ .
(4) انظر ابن أبي حاتم – التفسير : 5/ 1625 رقم 8595 ، تحقيق : أسعد محمد الطيب ، المكتبة العصربة – صيدا . ، وابن وهب في القدر 113، تحقيق د . عبد العزيز عبد الرحمن العثيم ، دار السلطان – مكة المكرمة ، الطبعة الأولى 1401هـ ، ونسبه المزي في تهذيب الكمال لأبي داود ، وكذا عزاه له المتقي الهندي في كنز العمال : 1 / 178 ، وأضاف في تخريجه أسماء أخرى ، والآجري في الشريعة ، وابن عساكر في تاريخ دمشق : 27 / 316 .(1/23)
ومن ذلك أيضاً ما رواه أبو داود (1) عن هِلَالِ بن أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ سَلْمَى مَوْلًى من أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجُلَ صِدْقٍ قال بَيْنَمَا أنا جَالِسٌ مع أبي هُرَيْرَةَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا بن لها فَادَّعَيَاهُ وقد طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فقالت يا أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَطَنَتْ له بِالْفَارِسِيَّةِ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي فقال أبو هُرَيْرَةَ : اسْتَهِمَا عليه ، وَرَطَنَ لها بِذَلِكَ ، فَجَاءَ زَوْجُهَا فقال : من يُحَاقُّنِي في وَلَدِي ؟ فقال أبو هُرَيْرَةَ : اللهم إني لَا أَقُولُ هذا ، إلا أَنِّي سمعت امْرَأَةً جَاءَتْ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا قَاعِدٌ عِنْدَهُ ، فقالت : يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وقد سَقَانِي من بِئْرِ أبي عِنَبَةَ وقد نَفَعَنِي ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اسْتَهِمَا عليه ، فقال زَوْجُهَا : من يُحَاقُّنِي في وَلَدِي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ .
فكما يظهر من هذا الحديث أن المرأة لم تكن تعرف العربية لأنها رطنت بالفارسية ، وأبو هريرة رضي الله عنه كان على معرفة باللغة الفارسية ، فبين لها الحكم بالفارسية مترجماً أحاديث وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك .
ومما يجري هذا المجرى أيضاً ما رواه البخاري (2) ومسلم (3) عن أبي جمرة قال : كنت أُتَرْجِمُ بين بن عَبَّاسٍ وَبَيْنَ الناس .
__________
(1) السنن : 2 / 283 رقم : 2277 ، وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 4/108 رقم 7039،والبيهقي في السنن الكبرى : 8/103، مكتبة الباز – مكة المكرمة 1414هـ، 1994.
(2) الجامع الصحيح : 1/ 45 .
(3) الجامع الصحيح : 1 / 47 .(1/24)
قال ابن بطال (1) : وقول ابن عباس لأبى جمرة: أقم عندى حتى أجعل لك سهمًا من مالى، فإنما قال ذلك، لأن أبا جمرة كان يتكلم بالفارسية، فأراد أن يجعله ترجمانًا بينه وبين من لا يعرف بالعربية.
وقال ابن الصلاح (2) : وقوله أترجم فيه أنه كان يتكلم بالفارسية فكان يترجم لابن عباس عن من يتكلم بها ، وعندي أن معناه أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس ؛ إما لزحام منع من سماعه فأسمعهم ، وإما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو نحو ذلك ، وإطلاقه ذكر الناس يشعر بهذا ، ويبعد أن يكون المراد به الفرس خاصة ، وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة أخرى ، وقد أطلقوا على قولهم باب كذا وكذا اسم الترجمة لكونه يعبر عن ما يذكر بعده والله أعلم .
__________
(1) شرح صحيح البخاري : 1/ 119، وانظر : النووي – شرح صحيح مسلم : 1/ 186، دار إحياء التراث العربي – بيروت ، ط الثانية 1393هـ .
(2) صيانة صحيح مسلم: 153تحقيق : موفق عبد الله عبد القادر ، دار الغرب الإسلامي – بيروت ، ط الثانية 1408هـ .(1/25)
وهذا الذي ذكره ابن الصلاح محتمل ، لكن ما ذهب إليه ابن بطال أرجح ، لأنه ذكر في ترجمة أبي جمرة هذا أنه كان يعرف اللغات ومنها الفارسية ، ثم إن ما يمنع من ترجيح ما ذهب إليه ابن الصلاح من وجود بعض الروايات التي تفيد أن ابن عباس كان يُجلس أبا جمرة معه على السرير ، كما روى ذلك أبو نعيم الأصبهاني في مستخرجه على صحيح مسلم (1) : (( عن أبي جمرة قال كنت مع ابن عباس على سريره أترجم بينه وبين الناس )) ، فيسقط بذلك احتمال الزحام الذي ذهب إليه ابن الصلاح ، وهذا ما وضحه وبينه ابن حجر فقال (2) : قال ابن الصلاح : أصل الترجمة التعبير عن لغة بلغة ، وهو عندي هنا أعم من ذلك ، وأنه كان يبلغ كلام بن عباس إلى من خفي عليه ويبلغه كلامهم ، إما لزحام أو لقصور فهم ، قلت : الثاني أظهر لأنه كان جالسا معه على سريره ، فلا فرق في الزحام بينهما إلا أن يحمل على أن بن عباس كان في صدر السرير وكان أبو جمرة في طرفه الذي يلي من يترجم عنهم ، وقيل إن أبا جمرة كان يعرف الفارسية فكان يترجم لابن عباس بها .
__________
(1) المسند المستخرج على صحيح مسلم 1/111 ، تحقيق : محمد حسن محمد حسن الشافعي ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط الأولى 1417 هـ .
(2) فتح الباري : 1/ 130 .(1/26)
أما ما ورد من الترجمات في الفتوح فهي كثيرة ، وأقتصر على ذكر أنموذجين أنتزعهما من كتب السنة ، وأولهما ما رواه ابن حبان (1) ، وأبو يعلى (2)
__________
(1) صحيح ابن حبان : 14/ 522 رقم : 6564 ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ، مكتبة الرسالة – بيروت ، ط الثانية 1414هـ .
(2) المسند : 13/337- 339 رقم : 7353 ، تحقيق : حسين أسد ، دار المأمون – دمشق ، ط الأولى 1404هـ ، 1984م ، وقال الهيثمي – مجمع الزوائد : 8/238 ، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن علقمة وهو ثقة ..(1/27)
واللفظ لابن حبان عن عمرو بن العاص قال : خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية ، فقال عظيم من عظمائهم : أخرجوا إلي رجلا يكلمني وأكلمه ، فقلت : لا يخرج إليه غيري ، فخرجت ومعي ترجماني ومعه ترجمانه حتى وُضع لنا منبر، فقال: ما أنتم ؟ فقلت: إنا نحن العرب ، ونحن أهل الشوك والقرظ ، ونحن أهل بيت الله كنا أضيق الناس أرضاً ، وأشدهم عيشاً ، نأكل الميتة والدم ، ويُغير بعضنا على بعض ، بأشد عيش عاش به الناس، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ، ولا أكثرنا مالاً ، وقال : أنا رسول الله إليكم ، يأمرنا بما لا نعرف ، وينهانا عما كنا عليه وكانت عليه آباؤنا ، فكذبناه ورددنا عليه مقالته ، حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا : نحن نصدقك ، ونؤمن بك ، ونتبعك ، ونقاتل من قاتلك ، فخرج إليهم وخرجنا إليه ، فقاتلناه فقتلنا ، وظهر علينا وغلبنا ، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم ، فلو يعلم من ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش ، فضحك ثم قال : إن رسولكم قد صدق ، قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم ، فكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك ، فجعلوا يعملون بأهوائهم ، ويتركون أمر الأنبياء ، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه ، ولم يشارككم أحد إلا ظهرتم عليه ، فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا ، وتركتم أمر نبيكم وعملتم مثل الذي عملوا بأهوائهم ، فخلى بيننا وبينكم ،لم تكونوا أكثر عدداً منا ولا أشد منا قوة .
قال عمرو بن العاص : فما كلمت رجلاً قط أمكر منه .
فهذا النص فيه بيان لترجمة بعض سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي سردها عمرو بن العاص رضي الله عنه ، وبعضهم بل أكثرهم كان يذكر ما يُخاطب به القوم من الإسلام أو الجزية أو القتال ، وهذا يتطلب عرض لأحكام الإسلام إذ كيف سيدخل الناس في الدين وهم لا يعرفون هذا الدين ؟؟(1/28)
وثانيهما ما رواه أبو نعيم الأصبهاني (1) عن أبي البختري أن جيشاً من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي فحاصروا قصراً من قصور فارس ، فقالوا : يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم ؟ فقال : دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم ، فقال لهم : إنما أنا رجل منكم فارسي ، أترون العرب تطيعني ؟! فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا ، وعليكم مثل الذي علينا ، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطيتمونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون .
قال : ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين وإن أبيتم نابذناكم على سواء فقالوا ما نحن بالذي نؤمن وما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم ، قالوا : يا أبا عبدالله ألا ننهد إليهم ؟ قال : لا فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا ، ثم قال : انهدوا إليهم فنهدوا إليهم ، قال ففتحوا ذلك الخ .
ويمكن أن يُستشهد لهذا الفرع أيضاً ما كان من جواب جعفر بن أبي طالب للنجاشي عندما هاجر المسلمون إلى الحبشة ، وأخذ يبين له أساس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له عدداً من الأحكام والعقائد ، ولا شك أن السرد كان بالعربية ، والمترجم يترجم للنجاشي ، وهذا حدث في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا شك أن تفاصيل هذا اللقاء قد بلغت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون منه إقرار بجواز نقل ما يتعلق بأقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - إلى لغات أخرى ، ولو استشهدنا بهذه الحادثة في الفرع السابق لما أبعدنا ، لأن الإقرار كاقول أو الفعل من حيث الدلالة .
إذاً يتبين من هذا السرد أن من جاء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - سار على نهجه في إجازة الترجمة وإباحتها ، بل وممارستها عملياً من باب تبليغ الدين ، وتحقيق هدف الإسلام من نشر الدين في كافة أقطار الأرض .
__________
(1) حلية الأولياء : 1/189 ، دار الكتاب العربي – بيروت ، ط الرابعة 1405 هـ .(1/29)
ثانياً : التأصيل العلمي لترجمة الحديث في كتابات المحدثين وغيرهم .
لقد وجدت إشارات في كتب المحدثين عن الترجمة ، وبيان جوازها ، بل والتعامل مع المسألة كأنها حتمية وقياس غيرها عليها ، ولعل أقدم من وجدته طرح هذه المسألة من المحدثين الخطيب البغدادي حيث قال في معرض مناقشته لمن يمنع رواية الحديث بالمعنى (1) : (( ثم يقال لهم : ما الفصل بينكم وبين من قال لما حصل الاتفاق على إباحة الترجمة في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأوامره ونواهيه ، والاخبار عن جملة دينه وتفصيله ، وجب كذلك جواز روايته على المعنى باللفظ العربي ، الذي هو أقرب إلى لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاعجمي ، فلا يجدون لذلك مدفعا )) .
وقال أيضاً (2) : (( ويدل على ذلك أيضا اتفاق الأمة على أنَّ للعالم بمعنى خبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وللسامع بقوله ، أن ينقل معنى خبره بغير لفظه ، وغير اللغة العربية ، وأنَّ الواجب على رسله وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم ، أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه ، مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله ، على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين ، فإنه لا يجوز أن يكل ما يرويه إلى ترجمان وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان ، لأنه لا يأمن الغلط وقصد التحريف على الترجمان ، فيجب أن يرويه بنفسه )) .
__________
(1) الكفاية :ص 202، تحقيق : أبو عبد الله السورقي ، وإبراهيم حمدي ، المكتبة العلمية – المدينة المنورة
(2) المصدر السابق : 201 .(1/30)
وقال ابن حجر (1) : وأما الراوية بالمعنى ؛ فالخلاف فيها شهير ، والأكثر على الجواز أيضا ، ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به ، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى ؛ فجوازه باللغة العربية أولى .
فهذه النصوص ومثلها كثير تبين أن علماء الحديث كانوا يرون وجوب الترجمة ، وقعدوا لهذا في كتاباتهم ، كما بينت ونقلت في الهامش ، وهذا ليس بمستغرب عنهم ، ولكن الأمر الملحوظ في كتاباتهم هذه أنهم قاسوا القول بجواز الترجمة ليخلصوا إلى القول بجواز الرواية بالمعنى ، فأضحى الاستشهاد بالترجمة عندهم أصلاً يقاس عليه ، مما يُشعر بعدم وجود القائلين بمنعها والله أعلم .
__________
(1) نزهة النظر : ص76 ، تحقيق : صلاح محمد عويضة ، دار الكتب العلمية – بيروت . وانظر كذلك : السخاوي – فتح المغيث : 2 / 246 – 247، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط الأولى 1403هـ . والسيوطي – تدريب الراوي : 2 / 101 ، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف مكتبة الرياض الحديثة – الرياض ، والصنعاني – توضيح الأفكار : 2 / 392 ، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة السلفية – المدينة المنورة ، والجزائري – توجيه النظر : 2 / 693 ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب ، ط الأولى 1416هـ / 1995م ، والقاسمي – قواعد التحديث : 224، دار الكتب العلمية – بيروت 1399هـ .
وكل هؤلاء العلماء ذكروا ما نقله ابن حجر والخطيب من إجماع العلماء على جواز الترجمة وشرح الشريعة للعجم بلسانهم .(1/31)
وهناك نصوص مشابهة لغير المحدثين رأيت أن أنقل بعضها ، وأُشير إلى بعضها الآخر ، وكلها تتضافر لتؤكد ما ذهب إليه المحدثون ، كالأصوليين ، والمفسرين ، ومن ذلك ما ذكره الآمدي (1) فقال : (( أن الإجماع منعقد على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم وإذا جاز الإبدال بغير العربية في تفهيم المعنى فالعربية أولى )) .
وقال الغزالي (2) : (( نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل ، والظاهر والأظهر ، والعام والأعم ، فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه ، وقال فريق : لا يجوز له إلا إبدال بما يرادفه ويساويه في المعنى ، كما يبدل القعود بالجلوس ، والعلم بالمعرفة ، والاستطاعة بالقدرة ، والإبصار بالإحساس بالبصر ، والحظر بالتحريم ، وسائر ما لا يشك فيه ، وعلى الجملة ؛ ما لا يتطرق إليه تفاوت بالاستنباط والفهم ، وإنما ذلك فيما فهمه قطعاً ، لا فيما فهمه بنوع استدلال يختلف فيه الناظرون .
__________
(1) الأحكام في أصول الأحكام : 2 / 116 ، تحقيق : سيد الجميلي ، دار الكتاب العربي – بيروت ، ط الأولى 1404هـ .
(2) المستصفى في علم الأصول : 1 / 133 – 134، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط الأولى 1413هـ . وانظر أيضاً : الرازي – المحصول : 4 / 669 ، تحقيق طه جابر فياض العلواني ، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض ، ط الأولى 1400هـ . والآمدي –، وابن قدامة – روضة الناظر : 125 ، تحقيق : د . عبد العزيز عبد الرحمن السعيد ، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض ، ط الثانية 1399هـ .(1/32)
ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم ، فإذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها ، فلأن يجوز عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى . وكذلك كان سفراء رسول الله صلى الله عليه و سلم في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم ، وكذلك من سمع شهادة الرسول صلى الله عليه و سلم ، فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى ، وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الخلق ))
أما المفسرون فقد وُجد هذا التأصيل في كتاباتهم ، قال القرطبي (1) : (( واتفق العلماء على جواز نقل الشرع للعجم بلسانهم وترجمته لهم وذلك هو النقل بالمعنى )).
فهذه نقولات دالة على أن الترجمة أمر حتمي ، بل على حد تعبير ابن الوزير (2) هو ضرورة ، حيث قال : (( ولولا ضرورة الترجمة للعجم ما شك منصف أنَّ الأولى منع هذا سداً للذريعة )) .
وبهذا يتوضح اتفاق علماء الطوائف على هذه المسألة ، ووجوب الترجمة ، لأن بيان الشرع لا يكون إلا بترجمة نصوصه من اللغة العربية إلى لغات أخرى يحتاجها أهل تلك هذه اللغات ، ولو أضفنا ما استشهدنا به في الفرع الثاني من المبحث الأول ههنا لكان الأمر سائغاً ، بل هو من صميمه ، ذلك أن استشهدنا في ذلك المكان لمن رأى أن الترجمة تنوب في التبليغ عن إتقان جميع اللغات ، وهو الرأي الأصوب ، والأقرب إلى طبيعة هذا الدين .
ثالثاً : السلوك العملي للترجمة وبيان بعض ما أنتجه العلماء في هذا الشأن .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن : 1 / 412 ، وانظر : الزرقاني - مناهل العرفان 2/121، تحقيق : فواز أحمد زمرلي ، دار الكتاب العربي – بيروت ، ط الثانية 1417هـ / 1996م .
(2) إيثار الحق على الخلق : 135، دار الكتب العلمية – بيروت ط الثانية 1987م .(1/33)
وهذا الفرع هو ما أختتم به بحثي من بيان ما أنتجه العلماء من كتب وجهود في نقل الأحاديث وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى لعات أخرى غير اللغة العربية ، فينضم محتوى هذا المطلب إلى الأدلة السابقة في مشروعية الترجمة وضرورتها ، لأن اتفاق أهل العلم على عمل ما يدل على مشروعيته وجوازه .
وأدرك في هذا الصدد أن الإحاطة بكل ما كُتب ، أو بكل جهد في هذا الجانب أمرٌ محال ، لأنه في البداية لم يُنقل إلينا كل ما كتب من مصنفات حديثية بغير اللغة العربية ، ثم إن الإحاطة بكل ما ذُكر ونقل أمرٌ في غاية الصعوبة ، ولست أدعي في هذا المطلب الكمال أو الاقتراب منه ، بل حسبي بأني نقبت وبحثت ، وما وجدته صالحاً للاستدلال ذكرته ، وما تركته أكثر مما أثبتّته ، وما أدى الغرض بذكر شاهد أو شاهدين لا أطلب له أكثر .
ولهذا فما في هذا المبحث هو مبلغ علمي أولاً ، ولست أدعي فيه الإحاطة ، ثم ما ترجح عندي جدوى ذكره ، فهو اختيار ثانياً ، وأرجو أن أكون وُفقت في هذا وما جانبت الصواب .
بقي أن أنوه إلى أنَّ ما سيذكر في البحوث الأخرى في هذه الندوة من جهود في ترجمة لغة ما لا شك أن سيكون فيها كثير من الإثراء ، ويمكن أن تكون مما يستدل به في هذا المقام ، وعند النظر في جهودهم رأيت أنها تتوزع بين التدريس والمناظرة ، والتأليف بغير اللغة العربية ، وبخاصة لدى المحدثين .
1 – التدريس بغير العربية وما يجري مجراه .(1/34)
لا شك أن عدداً كبيراً من السلف الأوائل كانوا يدرسون بلغات الأقوام التي دخل إليها الإسلام وأهلها ليسوا من العرب ، ولا ممن يُحسن العربية ، وقد سبق وبينت أن العلماء أجمعوا على جواز نقل نصوص الدين إلى لغات هؤلاء ، ونجد من النوع الأول أي التدريس أمثلة متنوعة منها ما رواه أبو نعيم (1) ، وابن عساكر (2) عن تميم بن عطية العنسي قال : كثيرا ما كنت أسمع مكحولا يُسأل ، فيقول : نادانم ، بالفارسية لا أدري .
... ومكحول كان رجلاً فارسياً كما ذكر أهل التواريخ ، ولعله كان يقول هذه الكلمة عندما يخاطب العجم ، وهذا يقتضي أن يكون خاطبهم وشرح لهم وفهمهم بالفارسية كما يُفهم من النص .
... وروى ابن عساكر (3) ، وكذا هو عند الذهبي (4) في ترجمة إبراهيم بن ديزيل ،عن يحيى الكرابيسي أنه قال : صححنا كتبنا بإبراهيم ، قال ومر يوماً حديث فقال يحيى : قد كنا سمعناه ، فقال إبراهيم : سمعتموه بالفارسية ، وتسمعونه اليوم بالعربية .
وقد وقفت على عدد من العلماء كانوا يدرسون بغير العربية ، وبالذات باللغة الفارسية ، نظراً لأنها لغة الجمع الأكبر الذين دخلوا في الدين ، وقد اعتمدت على بعض الكتب في هذا الصدد ، ولعل النظر في كتب أخرى يزيد عندنا في هذا الأمر .
__________
(1) حلية الأولياء : 5/ 179 ، دار الكتاب العربي – بيروت ، ط الرابعة 1405هـ .
(2) تاريخ مدينة دمشق : 60 / 218، تحقيق : محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري ، دار الفكر – بيروت 1995م .
(3) المصدر السابق: 6 / 389 .
(4) سير أعلام النبلاء : 13 / 188 /، تحقيق مجموعة من الباحثين ، وهذا الجزء تحقيق : شعيب الأرنؤوط ،ومحمد نعيم العرقسوسي ،مؤسسة الرسالة – بيروت ، ط الثانية 1412هـ ، 1992 م .(1/35)
قال الرافعي (1) في ترجمة الشيخ محمد بن بندار بن المعالي ، أبو عبد الله الكلامي شيخ ورع بهي حسن السيرة قنوع موقر لقيته في صباي وكان يعرف الفقه والكلام ويدرس بالفارسية للعوام وصلح به أقوام وسمع صحيح البخاري أو بعضه .
وقال في ترجمة والده (2) : وفوض إليه تدريس مدرسته ...وكان ينتابه جماعة من صلحاء المحترفة وأهل السوق زرافاتا ووجدانا يتلفقون منه الفقه والكلام بالفارسية ، رأيت منهم في صغري كهلاً من الصالحين يقال له : عثمان الحلاج يأتيه كل يوم وقت العصر ... فكان يقال أنه سرد فقه المهذب بتمامه بالفارسية حفظاً .
وقال (3) في ترجمة محمد بن علي بن أبي الحسين المتكلم كان يعرف شيئا من الفقه والكلام بالفارسية .
وقال أيضاً (4) في ترجمة محمد بن فيروز بن عبد الله الزاهد القزويني شيخ متورع ...وكان قد درس ما يحتاج إليه من الفقه بالفارسية على السيد أبي حرب الهمداني .
وقال أيضاً (5) : في ترجمة أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد أبو الفضائل الكرجي : فقيه مناظر حسن السمت ، كان مقبول القول عند الخواص والعوام ، مرجوعاً إليه تفقه بقزوين ثم بأصبهان ، وتفقه عليه جماعة وكان يزدحم عليه في المسجد الجامع بالليل جماعة من العوام يدرس لهم الفقه بالفارسية
وقال في ترجمة أبو الفوارس المغازلي (6) : يعرف بالأستاذ شيخ متبرى به كان يعرف الكلام والفقه بالفارسية ويكتب ما سمعه على ضعف كتابته .
وقال في ترجمة آخر (7) : وشرح هبة الله الشهاب لأبي عبد الله القضاعي شرحا بالفارسية يقع في مجلدات .
__________
(1) التدوين في أخبار قزوين : 1/237، تحقيق : عزيز الله العطاري ، دار الكتب العلمية – بيروت 1987م .
(2) المصدر السابق : 1/ 334 .
(3) المصدر السابق : 1/460 .
(4) المصدر السابق : 1/496 .
(5) المصدر السابق : 2/241 .
(6) المصدر السابق : 4/ 26 .
(7) المصدر السابق :4/178 .(1/36)
وقال في ترجمة (1) : عمر بن بندار بن خرشيد البيع ، أبو حفص الخازن ، كان أميناً ، سهل الأخلاق ملازماً لأهل العلم ، كان يعرف الكلام والفقه ويناظر فيها بالفارسية وكتب بخطه اصولا من كتب الكلام والفقه .
ولا شك أن هناك شواهد أخرى على هذا الأمر لكن ما ذُكر يفي بالغرض .
2 – التأليف في مجال الحديث والسيرة بلغات غير العربية .
وهذا بحر لا شاطيء له ، وقفت على أقل القليل منه ، وما سأذكره إنما هو مأخوذ من مصدر أو مصدرين من كتب الرجال ، والكتب التي فيها للمؤلفات ، ككشف الظنون وأبجد العلوم ، وهذا إجمال لما جمعته .
ذكر الذهبي في ترجمة طاهر بن محمد الشحامي ، أنه صنف كتابا بالفارسية في الشرائع .( سير أعلام النبلاء 18/448، وانظر كذلك : المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور : 289) .
وقال في ترجمة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي : وأما التفسير والمعاني والإعراب فقد صنف فيه كتبا بالعربية وبالفارسية (سير أعلام النبلاء :20/83 )
وفي كشف الظنون (2) لحاجي خليفة جملة وافرة من هذا القبيل ففي كشف الظنون ج1/ص17، أحسن الحديث ، وهو شرح الأربعين بالتركية ، للأمير الفاضل محمد بن محمد الشهير باوقجي زاده ، من مشاهير كتاب الروم المتوفي سنة تسع وثلاثين وألف ، جمع فيه ما وافق الوزن من المتون .
وفي 1/ 76 ، كتاب أسباب النزول للشيخ عبد الرحمن بن المعروف بمطرف الأندلسي المتوفى سنة اثنتين وأربعمائة وترجمته بالفارسية لأبي النصر سيف الدين احمد الاسبرتيكني .
__________
(1) المصدر السابق : 3/ 343 .
(2) لقد خالفت منهجي في حواشي هذا الكتاب نظراً لأن الإحالات كثيرة ، ووضع ، الحواشي بالطريقة المعتادة يطوِّل البحث وأنا أجهد في الاختصار منه ، ولهذا كتبت الإحالة مع ذكر الكتاب .(1/37)
وفي 1/104، أشرف التواريخ ، للقاضي العلامة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفى سنة ست وخمسين وسبعمائة ، وهو مختصر من بدء الخلق وترجمته بالتركية لمصطفى بن أحمد المعروف بعالي الشاعر المتوفى سنة ثمان وألف .
وفي 1/126 ،ترجمة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام ، وهو من تواريخ مكة المكرمة إلى التركية ، للمولى عبد الباقي الشاعر المتوفى سنة ثمان وألف .
... وفي ج1/ص340 : ترجمة لكتاب( التبيان في آداب حملة القرآن ) ، للشيخ محمد بن محمد بن أبي سعيد الايجي بالفارسية سماها حديقة البيان .
... وفي 1/ 362 ، تحفة الإسلام تركي منظوم لمردمي بن علي من شعراء الروم مات في سنة 971 جمع فيه أربعين آية وأربعين حديثا وجعلها قطعة قطعة .
... وفي 1/ 374 ، التحفة المكية تركي مختصر في مائة حديث ومائة حكاية
وفي 1/397 ، ترجمة الأحكام في الفروع ، فارسي لمحي الدين السنة حسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 ست عشرة وخمسمائة .
وفي 1/669 ، ترجمة بالفارسية لمختصر الحصن الحصين ، للسيد أصيل الدين عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني الواعظ .
وفي 1/688 ، ترجمته ( الأذكار ) ، لبعض الأعاجم بالفارسية فرغ عنها سنة 776 ست وسبعين وسبعمائة .
وفي 1/878 ، الرسالة العلية في الأحاديث النبوية ، فارسية لحسين علي الكاشفي الواعظ البيهقي ، المتوفي سنة عشر وتسعمائة جمع فيها أربعين حديثاً جامعاً لأكثر أصول العبادات .
وفي 2/1037، شرح الحديث الأربعين للجامى وهو الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي المتوفى سنة 898 ثمان وتسعين وثمانمائة شرحه كله بقطعة فارسية ثم ترجمها الفضولى كلها بقطعة أخرى تركية .(1/38)
وفي 2/1059، شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم لابن حجر الهيثمي نزيل مكة ، فأطال ثم شرح هو شرحاً متوسطاً ، وفرغ من تعليقه سنة 999 في آخر أيام التروية ، وترجمه بالتركية : المولى أحمد بن خيرالدين الأيدينى المشهور بخواجه إسحاق أفندى المتوفى سنة 1120 عشرين ومائة والف ، ونظمه بالتركي العالم الفاضل الأديب مصطفى بن الحسين الحلبي الأصل ، المعروف بمظلوم زاده .
وفي2/ 1076 ، صحيفة الفصاحة لمحمود بن الفارابى ، المتوفى سنة وهى مرتبة على الحروف ؛ في كل حرف منها ثلاثة فصول أوله في الحديث ، وثانيه في الأمثال والحكم ، وثالثه في البيات العربية مترجمة بالفارسية كتبه للسلطان محمود .
وفي 2/ 1119 ، طيب القلوب لمحمد بن محمد بن على الخزيمى جمع فيه أربعين حديثا وشرحه بالفارسية في سنة 500خمسمائة .
وفي2/1239 ، فتوح أعثم ، وهو محمد بن على أبو محمد أحمد بن على المعروف بابن أعثم الكوفى ، وترجمة بالفارسية لأحمدبن محمد المستوفى .
... وفي 2/ 1938، نزهة الأبرار ونخبة الأخبار في سيرة النبي المختار ، فارسي .
... ومن هذا القبيل ما وجد في الحطة في ذكر الصحاح الستة ، فقد قال المؤلف :
167: تأكد العزم مني أن أشرحه ( صحيح البخاري ) أيضا شرحاً بالفارسية .
... وقال أيضاً : 196 : وشرح البخاري للملا أحسن الصديقي الفنجابي المعروف بحافظ درار بالفارسية وسماه منح الباري .
... وفي : 206 : وشرحه أيضا المولى ولي الله الفرخ آبادي وسماه المطر الثجاج على صحيح مسلم بن الحجاج وهو بالفارسية ولا يخلو عن فائدة زائدة وشرحه أيضا بالفارسية بعض العلماء من أولاد الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى.(1/39)
... وبنظرة بسيطة إلى البحث الذي كتبه د . عبد الجبار الفريوائي بعنوان : الحركة السلفية ودورها في إحياء السنة ، المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية ، في المدينة المنورة ، عدد 53 ، من ص 143 - 158 ، وما ذكره من عشرات بل مئات المؤلفات لكتب الحديث الشريف التي كتبها هؤلاء العلماء بغير اللغة العربية ، ندرك أن هذا الأمر لا يمكن الإحاطة به ، وهو يحتاج إلى جهود متخصصة للكشف عن جهود العلماء في ترجمة نصوص الشرع وبخاصة الحديث الشريف لهذه اللغة أو تلك .
ولم أتعرض لما كتبه الباحثون الفضلاء والعلماء الأجلاء من كتب وبحوث في ترجمة القرآن الكريم ، وإن كانت تلك البحوث من صميم هذا الموضوع ، لأنه إن ثبت جواز ترجمة معاني القرآن الكريم كما انتهى إليه هؤلاء الفضلاء ، فجواز ترجمة نصوص الحديث من باب أولى ، ولم أفعل ذلك لأني أردت أن يكون بحثي متعلق بالحديث فحسب ، ثم لأن البحث محصور بعدد من الورقات ، فلم أرد إثقاله بما كُتب في ترجمة القرآن الكريم .
وفي نهاية هذا البحث توصلت إلى ما يلي :
... 1 - إن معرفة طبيعة هذا الدين العالمي والخاتم تحتم ترجمة نصوصه إلى لغات من سيدخله ، وهذا ما كان قديماً ، وحصل .
... 2 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاز هذا العمل وهو الترجمة ، من خلال قوله ، وفعله ، وتقريره .
... 3 - إن من جاء بعده من الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم ، سار على نفس الدرب ، فترجموا وأجازوا الترجمة .
... 4 – أصَّل العلماء وبخاصة المحدثون والأصوليون لهذه المسألة ، وأبانوا ما الحكم فيها ، فأنتج إجماعاً على جوازها ، وبعضهم رأى أن الترجمة تتنزل منزلة الضرورة .
... 5 – طبق العلماء هذا الجواز وتلكم الضرورة ترجمة عملية ، فترجموا ، واتخذوا من يترجم ، ومن كان يتقن لغة درّس بها وصنف ، حتى إننا لو أردنا أن نحصي ونجمع كتب السنة والسيرة التي كتبت بلغات غير العربية لكانت في سفر ضخم .
...(1/40)
... وبهذا لا يتسرَّب إلينا ولو جزء ضئيل من الشك على عدم مشروعية أو جواز ترجمة الحديث والسنة ، والله الموفق .
الهوامش والمراجع(1/41)
السيرة الذاتية
الاسم : ... د.لطفي بن محمد الزغير
مكان الميلاد وتاريخه: ... الخليل 1963م ... ... الجنسية : أردني
عنوان المراسلة: ... بيشة ، كلية إعداد المعلمين ، فرع جامعة الملك خالد
البريد الألكتروني ... lutfimz@hotmail.com
المؤهل العلمي : ... دكتوراه الدولة
مكان الحصول عليه وتاريخه: جامعة الزيتونة ، تونس ، 2000م .
الدرجة العلمية : ... أستاذ مساعد
التخصص العلمي العام: ... أصول الدين
التخصص العلمي الدقيق:
العمل الحالي : ... الحديث الشريف
أهم المؤلفات
(أ) الكتب المؤلفة:
1- التعارض في الحديث ، رسالة دكتوراه دولة ، تحت الطباعة في مكتبة العبيكان .
2 – النقد الحديثي عند ابن القطان من خلال كتابه بيان الوهم والإيهام ، رسالة دكتوراه مرحلة ثالثة .
3 – جمع جهود الحفاظ النقلة بتواتر روايات زيادة العمر بالبر والصلة ، مكتبة أضواء السلف – الرياض 1421هـ .
4- الإنارة لبيان حال أحاديث الزيارة والرد على صاحب رفع المنارة ، تحت الطباعة في مكتبة أضواء السلف – الرياض ، ولم يصدر حتى الآن .
( ب ) الكتب المحققة :
1- التواضع والخمول لابن أبي الدنيا ، مكتبة الاعتصام – مصر .
2- العقل وفضله لابن أبي الدنيا ، مكتبة الراية – الرياض .
3- القول المعروف في أحاديث فضل المعروف لمرعي الكرمي ، جمعية الحديث الشريف – عمان .
4- مسند الموطأ للغافقي بالاشتراك ، دار الغرب الإسلامي – بيروت .
5- تحقيق الفلاح في ترك الإشارة بالسلاح لابن طولون ، مجلة الحكمة – بريطانيا .
6- شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور ، لمرعي الكرمي ، تحت الطباعة في مكتبة أضواء السلف – الرياض .
(ب) البحوث :
1- حماية الحياة الفطرية في السنة النبوية ، قُدم في ندوة نحو تربية بيئية أفضل– جامعة الملك خالد 1424هـ.
2 – التشويق وإثارة الانتباه في الحديث الشريف .
المشاركة في الندوات : نحو تربية بيئية أفضل ، جامعة الملك خالد 1424هـ(2/1)
أحكام الترجمة
إعداد :
د. محمد بن عبد العزيز بن محمد العقيل
رئيس اللجنة العلمية في المكتب التعاوني
للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في العيون
1429 هـ
µ
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه العزيز { ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ} [سورة الروم:22] ، وصلى الله على المبعوث رحمةً للعالمين عربهم وعجمهم، خاتم الأنبياء والمرسلين وإمامهم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنَّه لم يعد يخفى على كل ذي اهتمامٍ بالدعوة إلى الله تعالى الحاجة الملحة للترجمة الصحيحة الموضحة لمراد الله ثم مراد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وما يحصل بها من بيان التوحيد والسنة الصحيحة وتبليغ الحق والهدى، لا سيما مع غربة الدين، وكثرة المتصدرين للدعوة ممن ليسوا لها بأهل، وحاجة الشعوب التي تعددت ألسنتها -حتى بلغت نحو خمسة آلاف لغة - لفهم السنة والسيرة، ويعود للترجمة الفضل الكبير -بعد الله تعالى -في دخول غير المسلمين في الإسلام، وهدايتهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأضع بين أيديكم هذا البحث الذي أسأل الله أن ينفع به وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم – مشتملاً على العناصر الآتية:
? تمهيد وتوطئة.
? تعريف الترجمة في اللغة والاصطلاح.
? أهمية ترجمة السُنَّة والسيرة.
? حكم الترجمة.
? أسس وشروط الترجمة العلمية.
? أهمية فقه اللغة في الترجمة.
? مسؤوليات المترجم الشرعية والأخلاقية تجاه النص المترجم من السُّنَّة والسيرة.
? خاتمة.
? ثبت المراجع.
? الفهرس.
سائلاً المولى عز وجل السداد والقبول واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ..
... تمهيد وتوطئة ...
الترجمة قبل الإسلام:(3/1)
فإنَّ استعمال الترجمة باعتبارها نقل الكلام من لغةٍ إلى أخرى أمرٌ قديمٌ قدم التجمُّع البشري؛ حيث أنَّ الترجمة هي وسيلة الاتصال بين ذوي الألسن المختلفة، ولقد كان قياصرة الروم وأكاسرة الفرس يتخذون في دواوينهم مترجمين؛ وأكبر الظن أنَّه كان للترجمة وجود قبل عهد الروم والفرس، وما حَجَرُ رشيد الذي يحمل كتابات بثلاث لغات، وهو يرجع إلى عصر البطالمة، وما ألواح تل العمارنة التي يرجع عهدها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلا دليلٌ على ذلك. بل ذهب بعضهم إلى أنَّ وجود فكرة اللغة الدولية فكرة قديمة؛ حيث وجدت بعض الآثار من بلدانٍ مختلفة كبابل وأشور والأناضول وجزر اليومان وكلها كُتِبَتْ بالخط المسماري وبلغةٍ واحدة مع اختلاف مصدرها، مما يدل على أنَّ هناك اتفاق على أن تكون المراسلات الدولية لغة واحدة. (1)
وبناءً على هذا: فإنَّه يمكن القول بأنَّ الترجمة وجدت قبل الإسلام لحاجتهم إليها، ولكن كانت نشأة الترجمة نشأةً بطيئة في نموها إلى أن بزغ فجر الإسلام فكثر اختلاط العرب بغيرهم لعدة أسبابٍ من أهمها: تبليغ دين الله تعالى بعد منة الله تعالى على عباده بالإسلام.
لم يعد يخفى على كل ذي اهتمامٍ بالدعوة إلى الله تعالى الحاجة الملحة للترجمة الصحيحة المقاربة لمراد الله ثم مراد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة إلى الله تعالى وبيان الحق والهدى، ونشر السنة الصحيحة، لا سيما مع غربة الدين ، وكثرة المتصدرين للدعوة ممن ليسوا لها بأهل، وحاجة الشعوب التي تعددت ألسنتها -حتى بلغت نحو خمسة آلاف لغة - لفهم السنة والسيرة، ويعود للترجمة الفضل الكبير في ارتقاء غير أمة سُلّم الحضارة التي لا يمكن أمةً دون سواها احتكارُها، وكيف تحتكر الحضارة وهي مزيج من نتاج بشري في مختلف الأماكن والعصور.
الترجمة في العهد النبوي:
__________
(1) فن الترجمة، للدكتور محمد عوض محمد، صـ7-8.(3/2)
وقعت الترجمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كلما دعت الحاجة إليه، أو ترتب المصلحة عليها، وكان وقوعها تارةً بأمر الله تعالى، وتارةً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتارةً أخرى بإقراره صلى الله عليه وسلم.
1-أمَّا ما كان منها بأمر الله تعالى فقوله تبارك وتعالى: { ? ? ? ? ? چ چ چ} . [سورة آل عمران:93]
2-وأمَّا ما كان منها بأمره صلى الله عليه وسلم، ما أخرجه أبو داود في سننه عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: ((أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ)). (1)
3- وأما ما كان من إقراره صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما قال: أخبرني أبو سفيان بن حرب أَنَّ هِرَقْل دعا تَرْجُمَانِه ثم دعا بِكتاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقرأه ((بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّد عَبْد اللَّه وَرَسُوله إِلَى هِرَقْل، وَيَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ )). (2)
__________
(1) صحيح أبي داود للألباني 2/694، حديث رقم: 3098.
(2) فتح الباري 13/526.(3/3)
3-وما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: { ? ? ٹ ٹ} الآية)). (1)
فهذه الأحاديث وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم تبيَّن مشروعية الترجمة، ووجود الحاجة إليها منذ عهده صلى الله عليه وسلم، فكيف بالحاجة إليها الآن مع تقارب البلدان، وتعدد اللغات وتكاثرها، وخفاء الحق على المسلمين غير الناطقين باللغة العربية، وتعطش غير المسلمين معرفة الإسلام الذي يرتضيه الله!!!.
تعريف الترجمة في اللغة والاصطلاح
أولاً: أقسام الترحمة:
قبل الشروع في تعريف الترجمة في اللغة والاصطلاح تجدر الإشارة إلى بيان قسمي الترجمة؛ إذ أنَّ الترجمة تنقسم إلى قسمين:
1-ترجمة حرفية: وهي التي يعمد المترجم إلى كل كلمة في الأصل فيفهما ثم يستبدل بها كلمة تساويها في اللغة الأخرى، وإن أدى ذلك إلى خفاء المعنى المراد من الأصل المترجم، بسبب اختلاف اللغتين في موقع استعمال الكلام للمعاني المقصودة من اللفظ.
فحقيقة الترجمة الحرفية: محاكاة الأصل المترجم في نظمه وترتيبه، فهي شبيهةٌ بوضع المرادف في مكان مرادفه.
وهذا القسم من الترجمة الحرفية غير جيدة لوجهين:
أ-أنَّه لا يوجد في الكلمات الأعجمية تقابل جميع الكلمات العربية؛ ولهذا يقع خلال هذا النوع من الترجمة كثير من الكلمات على حالها.
__________
(1) أخرجه البخاري في التوحيد، باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها، حديث رقم: 7542 8/213، وفي كتاب الاعتصام، حديث رقم: 6928، 8/160.(3/4)
ب-أنَّ خواص الترجمة الحرفية من حيث التركيب والنسب الإسنادية لا تطابق نظيرها من لغةٍ أخرى دائماً، كما أنَّه يقع الخلل من جهة استعمال المجازات وهي كثيرة في جميع اللغات. (1)
2-ترجمة تفسيرية: وهي التي يعمد المترجم فيها إلى المعنى الذي يدل عليه تركيب أصل الكلام فيفهمه، ثم يصبه في قالب يؤديه إلى اللغة الأخرى، موافقاً لمعنى الأصل المترجم. (2)
وحقيقتها: شرح الكلام وبيان معناه بلغةٍ أخرى، دون تقييدٍ بمبراعاةٍ لترتيب كلمات الأصل أو مراعاة نظمه، ولا المحافظة على جميع معانيه المرادة منه.
...
وهذا القسم وهو الترجمة التفسيرية (المعنوية) هو ما نعنيه هنا في تعريف الترجمة، حيث هو المعنى المقصود من الترجمة، ولعجز اللغات الأخرى عن موازاة اللغة العربية في بلاغتها وبيانها، ومقاربتها في أساليبها (3) ، كما أنَّ هذا القسم من أقسام الترجمة هو المقارب لرواية الحديث بالمعنى الذي رخَّص المحدثون به بالشروط الآتية. (4)
ثانياً: تعريف الترجمة في اللغة:
__________
(1) يُنظر: التهذيب في أصول التعريب للدكتور أحمد بك عيسىصـ113، الأسلوب الصحيح في الترجمة صـ4-5.
(2) يُنظر: أحكام الترجمة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد بن أحمد علي واصل 1/31-33.
(3) يُنظر: البرهان في علوم القرآن 1/465.
(4) يُنظر: الإحكام لابن حزم 2/207، التهذيب في أصول التعريب للدكتور أحمد بك عيسى صـ113.(3/5)
التّرجمة: مصدر ترجم، التَّرجِمان التُّرْجُمانُ والتَّرْجَمان المفسِّر للسان؛ الترجمان بالضم والفتح هو الذي يُتَرْجِم الكلام أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى، والجمع التَّراجِم يقال: ترجم كلامه إذا بيّنه وأوضحه، ويقال: ترجم كلام غيره: إذا عبّر عنه بلسانٍ آخر (1) ، وفي الحديث: ((مَا مِنْ عَبْدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ)). (2)
وقيل هو من تَرْجِيم الظَّنّ.
وقيل من الرَّجْم، ويُوجب كونه من الرَّجْم أنَّ الذي يلقي الكلام كأنه يرجم الذي يلقيه إليه.
ثالثاً: تعريف الترجمة في الاصطلاح:
هي التعبير عن معنى كلام في لغة، بكلامٍ آخر من لغةٍ أخرى، مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده. (3)
رابعاً: شرح التعريف:
"التعبير عن معنى كلام": يخرج به الترجمة الحرفية التي هي ترجمة اللفظ والمعنى معاً.
" بكلامٍ آخر": يخرج به التعبير عن المعنى بالكلام الأول نفسه، ولو تكرر مراتٍ متتالية.
"من لغةٍ أخرى": يخرج به التفسير بلغة الكلام المترجم، فإنَّ التفسير بلغة الأصل يطلق عليه في اللغة ترجمة.
"مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده": يخرج به تفسير الكلام بلغةٍ غير لغته؛ لأنَّ التفسير لا يشترط فيه الوفاء بكل معاني الأصل المفسَّر ومقاصده، بل يكفي فيه البيان من وجهٍ واحد. (4)
أهمية ترجمة السُنَّة والسيرة:
__________
(1) يُنظر: لسان العرب، 12/66؛ مختار الصحاح صـ236، مادة (رجم) في الجميع.
(2) أخرجه؟؟
(3) يُنظر: القاموس الفقهي صـ49، تهذيب الأسماء واللغات 3/38ـ تكملة حاشية رد المحتار 1/506، المجموع شرح المهذب 20/170، تخريج الدلالات السمعية للخزاعي 1/217.
(4) يُنظر: مناهل العرفان 3/7-9.(3/6)
إنَّ الحديث النبوي الشريف هو المصدر الثاني من مصادر التشريع الذي تصدر عنه الأمة، كما أنَّ سيرته صلى الله عليه وآله وسلم من مصادر التشريع إذ هي جزءُ من سنته صلى الله عليه وسلم، وهذا سببٌ يكفي لبيان أهمية ترجمة السنة والسيرة لغير الناطقين باللغة العربية إلى لغتهم،ومن أجل ذلك اهتم سلفنا الصالح بترجمة الوحي الحنيف اهتماماً عظيماً منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم فما بعده، وهو ما يجب أن يكون لنا الآن؛ لما أنعم الله به علينا من الرسالة الخالدة، الشاملة بعمومها جميع بني البشر كافة، فإنَّ هذه الرسالة العظيمة مسؤولية كبرى توجب علينا حملها إلى مختلف لغات العالم بكل وسيلةٍ ممكنة؛ حيث أنَّ الترجمة هي السبيل الوحيد إلى إبلاغ دين الله العظيم إلى ذوي اللغات المختلفة؛ إذ لا يمكن تبليغ دين الله عز وجل إلى الناطقين بغير اللغة العربية إلا بها، وعليه فلا يشك عاقل في أهمية ترجمة نصوص الوحي الحنيف لتبليغ دين الله تعالى، فضلاً عن انتشار الإسلام والمسلمين اليوم في شتى أصقاع المعمورة، واختلاف ألسنتهم مما جعل من الضرورة بمكان ترجمة الوحي لشدة حاجتهم إلى تعلم دينهم وأحكامه، خاصةً مع غربتهم السياسية والثقافية بل والدينية في تلك البلاد التي يقيمون فيها، مما جعل ضعف الترجمة سبباً رئيساً في تعميق جهلهم بدينهم وتعرضهم والحالة هذه إلى الدعوات الضالة والأفكار المنحرفة، ولا سلامة لهم إلا بتحصينهم بالعقيدة الصحيحة، ونشر نصوص السنة والسيرة النبوية فيما بينهم وذلك لا يتم إلا من خلال الترجمة الصحيحة لغير الناطقين باللغة العربية.(3/7)
كما لا يخفى لما لترجمة سنَّته وسيرته صلى الله عليه وسلم من حسنات كبيرة تثير في نفوس الشعوب التي تترجم لها دعوةٌ لهذا الدين العظيم، وتأخذ بأيديهم نحو التوحيد والخير والهدى، وتقدم لهم كل مفيدٍ قيِّم، ورغم ذلك كله إلا أنَّ ترجمة مراجع الحديث لم تحظ بالأهمية التي تستحقها، لقلة المؤسسات القائمة على موضوع الترجمة من جهة، ولضعف الدعم المادي الموجه لهذا الموضوع من جهةٍ أخرى.
من الأمور المعلومة أن عدد المسلمين في هذا العصر من غير العرب يفوق أعدادهم من العرب , ومما يؤسف له أن كثيرا منهم لا يتكلمون باللغة العربية ولا يفهمونها، واللغة العربية لغة القرآن , ولربما رأيت من يستطيع قراءة القرآن قراءة حرفية، لكنه لا يكاد يفقه معانيه.
ولذلك نقول : إن تعلم اللغة العربية ضرورة لكل مسلم يقدر على ذلك، لأن ذلك جزء من الدين فهي الآلة والوعاء الذي به يعرف الدين ويفهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنها اللسان الأولى". (1)
لكن حتى يتحقق شيء من ذلك – كما أشرنا – لا بد من تفقيه المسلمين بدينهم وتعليمهم رسالة ربهم, الآمرة بالتوحيد والناهية عن الشرك, وذلك
لا يتأتى مع من لا يفهم منهم لغة القرآن إلا بالترجمة إلى لغاتهم. (2)
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم : 1 / 465.
(2) مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال للدعوة إلى الله تعالى - للدكتور إبراهيم بن صالح الحميدان صـ10-11(3/8)
كما أنَّ عدم القيام بهذه المهمة العظيمة يعرض نصوص الوحي إلى ترجمات مغرضة أو ذات صبغة تجارية، تنقل المعنى الشرعي إلى معنىً غير المعنى المراد، مما يكون له أثرٌ سيء في فهم الإسلام لغير المسلمين، وتطبيق شعائر الإسلام عقيدةً وشريعة للمسلمين غير الناطقين باللغة العربية.
كل هذا يؤكد أهمية الترجمة وعظيم الحاجة إليها، وضرورة الالتفات إليها من قبل المؤسسات الشرعية والعلمية لضبط الترجمة وفق قواعدها وأسسها الصحيحة؛ وذلك بتعلم اللغات الأجنبية لثقات من المسلمين صيانةً للدين، وحمايةً للعقيدة، وبياناً للشريعة على وجهها الذي أراده الله سبحانه وتعالى؛ لأنَّه لا يأمن من الغلط وقصد التحريف على ألسنة المترجمين غير المسلمين، أو غير الثقات منهم، وللوسائل أحكام المقاصد.
حكم ترجمة السُّنَّة والسيرة
إنَّ حكم الترجمة يختلف باختلاف الغرض من الترجمة، فعند الحاجة إليها كما هو الحال في ترجمة السنة والسيرة النبوية لغرض الدعوة إلى الله تعالى وبيان التوحيد وأحكام الشرع المطهر كان حكمها فرض كفاية؛ إذ الدعوة إلى الله تعالى واجبة؛ وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا تتم دعوة غير الناطقين باللغة العربية إلا بترجمة النصوص الشرعية لهم، وإن كان الغرض منها بيان حكمٍ مستحب فتكون مستحبة كتعليم المسلم الجديد استحباب البدء بالسلام ونحوه، وإن كانت لأمرٍ مباح كممازحة المسلم الأعجمي بلغته كانت الترجمة في هذه الحالة مباحة (1) ، ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها:
1- إنَّ الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام بألسنة قومهم ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم، كما قال عز وجل: {? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ} [سورة إبراهيم:4]، وقال عز وجل: {? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} [سورة إبراهيم:1]
__________
(1) قواعد الأحكام للعز ابن عبد السلام صـ123-126.(3/9)
2- قوله تعالى: { ? ? ? ? ? چ چ چ} [سورة آل عمران:93] هذا أمرٌ بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً، كما أنَّ فيه دليلٌ ضمني على جواز الترجمة؛ إذ أنَّ التوراة بالعبرانية وقد أمر الله أن تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فدل ذلك الإذن على أنْ تتلى عليهم بالعربية. (1)
3- ما أخرجه البخاري عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما قال: أخبرني أبو سفيان بن حرب ((أَنَّ هِرَقْل دعا تَرْجُمَانِهِ فِي رِوَايَة " بِتَرْجُمَانِهِ " ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّد عَبْد اللَّه وَرَسُوله إِلَى هِرَقْل، وَيَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ)). (2)
... وجه الدَّلالة: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى هِرَقْل بِاللِّسان العربِي، ولسان هِرَقْل رُومِيّ، ففيه إشعار بِأنَّه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بِلسان المبعوث إليه ليفهمه، والمترجم المذكور هو التَّرْجُمان.
4- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: ((كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: {? ? ٹ ٹ} الآية)). (3)
__________
(1) فتح الباري 13/526.
(2) المرجع السابق.
(3) أخرجه البخاري في التوحيد، باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها، حديث رقم: 7542 8/213، وفي كتاب الاعتصام، حديث رقم: 6928، 8/160.(3/10)
... وجه الدلالة: وقوع الترجمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من العبرانية إلى العربية دون إنكارٍ منه صلى الله عليه وسلم أو كراهة، بل أقرَّ ذلك، وإقراره صلى الله عليه وسلم دليلٌ على جواز الترجمة.
5- ما أخرجه أبو داود في سننه عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال: ((أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي،قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ)). (1)
وقد ورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه بنحوه بلفظ : قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتحسن السريانية ؟ فقلت : لا، قال: فتعلمها فإنه يأتينا كتب ، فتعلمتها في سبعة عشر يوما)). (2)
__________
(1) صحيح أبي داود للألباني 2/694، حديث رقم: 3098، وأخرجه البخاري تعليقاً، باب: ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟؟.
(2) أخرجه الحاكم أيضا برقم ( 5781 ) وأحمد في المسند (5/ 182).
وقد بوب عليه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة ( تعلم لغة الأجانب وكتابتهم – السلسلة الصحيحة – رقم 187- ج1 – ص 364 )
وذكره الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند برقم:(357)
قال الشيخ الألباني رحمه الله – في الصحيحة -:
وهذا الحديث في معنى الحديث المتداول على الألسنة ( من تعلم لسان قوم ، أمن من مكرهم ) ولكن لا أعلم له أصلا بهذا اللفظ ، ولا ذكره أحد ممن ألف في الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، فكأنه إنما اشتهر في الأزمنة المتأخرة ) انتهى كلامه رحمه الله.
يُنظر: فوائد فقهية وغيرها من مستدرك الحاكم؛ لأبي عمر محمد بن حمزة أل صلاح الأثري الفلسطيني؛ كتاب تخريج الدلالات السمعية، الجزء 1، صفحة 219.(3/11)
... وجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت تعلم السريانية، فدل ذلك على مشروعيتها واستحبابها. (1)
6- ويدل على جواز ترجمة الحديث النبوي ما نقله الخطيب البغدادي من اتفاق الأمة على إباحة الترجمة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره ونواهيه، والإخبار عن جملة دينه وتفصيله. (2)
قال السيوطي في تدريب الراوي: وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف منهم الأئمة الأربعة: يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى؛ لأنَّ ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة، ومن ذلك قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كنا نجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عسى أن نكون عشرة نفر، نسمع الحديث، فما منا اثنان يؤديانه، غير أن المعنى واحد. وما وروي عن ابن مسعود وأبي الدرداء، رضي الله عنهما: أنهم كانوا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقولون: أو نحو هذا، أو شبهه. وكان أنس رضي الله عنه يقول: أو كما قال. وعن ابن عون قال: كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي يأتون بالحديث على المعاني . (3)
7- وكما نقل الخطيب البغدادي أيضاً اتفاق الأمة على أنَّ للعالم بمعنى خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وللسامع بقوله: أنْ ينقل معنى خبره بغير لفظه وغير اللغة العربية، وإذا ثبت ذلك صح أنَّ القصد برواية خبره وأمره ونهيه إصابة معناه وامتثال موجبه، دون إيراد نفس لفظه وصورته. (4)
__________
(1) تحفة الأحوذي؟؟
(2) يُنظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي 2/192.
(3) ينظر: الكفاية صـ204 - 210، المحدث الفاصل صـ533- 537، جامع بيان العلم وفضله 1/78-81، شرح العلل 1/145-149.
(4) المرجع السابق.(3/12)
8- إنَّ المقصود من الدعوة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله ودعوتهم إليه وتحذيرهم مما نهى الله عنه ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم. وكيف يُمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا يعرفون معناه ولا يفهمون مراد الله منه؟!! فعُلم أنه لابد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها.
9- إنَّ الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين، كما في حديث جُبَيْر بن حَيَّةَ رضي الله عنه (1) وفيه إخبار المغيرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر بِقتال المجوس حتى يعبدوا الله وحده أو يؤدُّوا الجزية، وأنَّ من قتل المسلمين صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، كل ذلك لترجمان كسرى، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها، دون نكيرٍ منهم فدل ذلك على مشروعية ترجمة السنة لتوم الحجة وتنقطع المعذرة.
10- إنَّ الترجمة لا بد منها ولاسيما في هذا الزمان حيث غربة الإسلام وتمسك كل قبيل بلغته. فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.
قال الشافعي: وما وجد من كتبهم فهو مغنم كله، وينبغي للإمام أن يدعو من يترجمه.
وقال ابن حجر رحمه الله: "وعلى هذا فمن دخل في الإسلام أو أراد الدُّخول فيه فَقُرئ عليه القرآن فلم يفهمه فَلا بأس أنْ يعرب له لتعريف أحكامه أو لتقوم عليه الحُجَّة فيدخل فيه". (2)
وإذا جازت الترجمة في كلام الله العظيم، فجوازه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه البخاري، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب؟؟
(2) فتح الباري 13/526.(3/13)
قال ابن تيمية رحمه الله: " وأمَّا مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم، فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم: من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز، وحسن للحاجة... وكذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهيمه إياه بالترجمة." أ.هـ. (1)
وقال أيضاً:" والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم؛ صار لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة, وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد مثله للصحابة؛ لأن هذه وسائل تطلب لغيرها؛ فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين واستغنى عنه الصحابة, وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية يحتاج إليه من لغته فارسية وتركية ورومية, والصحابة لما كانوا عرباً استغنوا عن ذلك, وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه". (2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا دخل في الإسلام جميع أصناف العجم من الفرس والترك والهند والصقالبة والبربر ومن هؤلاء من يعلم اللسان العربي, ومنهم من يعلم ما فرض الله عليه بالترجمة وقد قدمنا أنه يجوز ترجمة القرآن في غير الصلاة والتعبير؛ كما يجوز تفسيره باتفاق المسلمين" (3) ؛ لذلك فإن ترجمة الكتب الشرعية ومن أهمها تفاسير القرآن الكريم وشروح السنة النبوية, وكتب العقائد والأحكام؛ أمر لا بد منه, بل هو واقع مشاهد, إن لم يقم به أهل السنة والاتباع قام به أهل البدعة والمخالفة.
__________
(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 3/ 304.
(2) منهاج السنة النبوية : 8 / 205
(3) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام : 2 /67 .(3/14)
وأمَّا ما ورد من نهي السلف رحمهم الله تعالى من رطانة الأعاجم فيُحمل على من تعلم خطهم وكتابهم مما لا يكون في تعلمه منفعة، وأما ما في تعلمه منفعة للمسلمين كتعلمه لترجمة نصوص الوحي ترجمةً صحيحة لتبليغ دين الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو تعلمه لما يحتاج إليه الإمام كما تعلمه زيد رضي الله تعالى عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو لما يحتاج إليه القاضي للفصل بين الخصوم، وإثبات الحقوق، وما أشبه ذلك مما تدعو إليه الضرورة، فهو بحسب الحاجة إليه بين واجب على العين والكفاية أو مستحب، أو مباح. (1)
وبهذا يتبين لنا وجوب الترجمة بهدف الدعوة إلى الله تعالى، وكذلك الشأن في كل ما يحتاج إليه كترجمة الدعوى والجواب عنها والشهادة ونحو ذلك. (2)
ضوابط الترجمة الصحيحة لنصوص السنة والسيرة
الترجمة هي التعبير عن معنى معين في اللغة الأولى (هي اللغة المصدر) إلى اللغة الثانية وهي (اللغة الهدف) أي أنَّ الترجمة هي التعبير عن فكرة واحدة أو عدة أفكار بواسطة الكلمات وتقوم عملية الترجمة هذه على عنصرين مترابطين وهما:
1-العنصر الأول: هو المعنى الذي تنطوي عليها الكلمات في اللغة الهدف أي معنى تلك الكلمات.
2-العنصر الثاني: هو الكلمات في اللغتين المصدر والهدف ونعني بالكلمات هنا تركيبة الجمل وضروب الفصاحة والبلاغة من تقارب وتناقص وتواز وتقيد بقواعد اللغة.
شروط الترجمة:
إنَّ الأساس العام في اختلاف العلماء في شروط الترجمة هو: هل الترجمة من باب الرواية أو من بما الشهادة، فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنَّ الترجمة رواية، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والقول الثاني عند المالكية، ورواية عند الحنابلة، وقال الجميع باستحباب العدد دون اشتراطه.
__________
(1) ينظر: تخريج الدلالات السمعية للخزاعي 1/217وما بعدها.
(2) مجموعة فتاوى ابن باز رحمه الله تعالى.(3/15)
القول الثاني: أنَّ الترجمة شهادة ويشترط لها يشترط في الشهادة، وهو مذهب الشافعي، والحنابلة، ورواية عند المالكية، وقول محمد بن الحسن وزفر من الحنفية.
والقول الأول هو الذي يعنينا هنا في باب ترجمة السنة والسيرة النبوية؛ إذ أنَّ الترجمة تابعة لما تُرجمت عنه، فإن كانت من نوع الرواية فحكمها حكمها، وإن كانت من نوع الشهادة فكذلك، ومبحثنا هنا في ترجمة السنة والسيرة وهي من باب الرواية كما هو ظاهر. (1)
وإذ قلنا بأنَّ ترجمة السنة والسيرة النبوية من قبيل الرواية فلا بد أنْ تكون مضبوطة بشروطٍ معينة لخطورة الترجمة الغير منضبطة خاصةً أنَّ هذه النصوص المترجمة هي نصوص الوحي فكان لا بد من توافر بعض الشروط.
وتنقسم شروط الترجمة إلى عدة أقسام:
القسم الأول: الشروط المتعلقة بذات المترجم.
القسم الثاني: الشروط المتعلقة بذات الترجمة.
القسم الثالث: الضوابط الشرعية للترجمة.
أولاً: القسم الأول: الشروط المتعلقة بذات المترجم:
أ- شروط المترجم بوجهٍ عام:
1- أنْ يكون مسلماً بلا خلاف؛ لأنَّ الكفَّار فيهم عداءٌ للمسلمين فقد يقصدون الجناية في مثل هذا، وقد وجدت منهم في بعض الترجمات، قال اللَّه تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں} [سورة آل عمران:118] أي لا يُقَصِّرُونَ في إفساد أموركم. (2)
2- أنْ يكون عدلاً بالاتفاق؛ إذ أنَّ المترجم أداة نقل وتعبير يجب عليه أن يؤدي واجبه في نقل الفكرة الأصلية من اللغة الأصل إلى اللغة الأخرى بكل إخلاص وأمانة. (3)
__________
(1) يُنظر: منح الجليل 8/291، أنوار البروق 2/35، مجلة وزارة العدل- العدد السابع عشر- محرم 1424هـ صـ1910192.
(2) يُنظر: المبسوط للسرخسي 16/90، تكملة حاشية رد المحتار 1/506، منح الجليل 8/291، الأم للشافعي 6/220، المغني 10/162.
(3) يُنظر: المبسوط للسرخسي 16/90، الأم للشافعي 6/220، التاج والإكليل 8/107، المغني 10/162.(3/16)
3- أنْ يكون عاقلاً بلا خلاف؛ إذ رواية غير العاقل غير مقبولة فكذا ترجمته. (1)
4- أنْ يكون بالغاً عند جماهير العلماء، فلا تُقْبل ترجمة الصبي ولو كان مميزاً قبل بلوغه. (2)
5- أنْ يكون المترجم من ذوي التخصص بموضوع الترجمة، فعلى من مترجم السنة والسيرة النبوية أن يكون عارفاً بأصول الدين وقواعده العامة العقدية منها والعملية، ولو على سبيل العموم والشمول، عالماً بمعنى الحديث من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه (3) ، قاطعاً بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه، ويأمن من تغيير المعنى الذي به يتغير الحكم، وهذا داخل في شرط الضبط الذي يشترط في راوي الحديث الصحيح؛ كما ذكرت كتب مصطلح الحديث. (4)
قال الخطيب البغدادي : "والصحابة أرباب اللسان، وأعلم الخلق بمعاني الكلام، ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفاً من الزلل، لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر" .
__________
(1) يُنظر: المبسوط للسرخسي 16/90، تكملة حاشية رد المحتار 1/506، منح الجليل 8/291، الأم للشافعي 6/220، روضة الطالبين 11/36، المغني 10/162.
(2) يُنظر: المبسوط للسرخسي 16/109، منح الجليل 8/291، الأم للشافعي 6/220، روضة الطالبين 11/36، المغني 10/162.
(3) يُنظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي 2/192.
(4) يُنظر: تدريب الرواي للسيوطي؟؟(3/17)
6- أنْ يكون المترجم متقناً للغتين المترجَم منها وإليها حتى يستطيع التعبير عن هذه المعاني تعبيراً دقيقاً؛ ويكون على دراية تامة بأساسيات وأصول كل لغة؛ كمعرفة القواعد النحوية والصرفية، ومعرفة الجمل والمفردات ومعانيها المتعددة، حتى يتمكن المترجم من وضع الجمل والمفردات موضعها المناسب؛ عرافاً بالألفاظ ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها، بصيراً بمقادير التفاوت بينها؛ لأنَّه إذا لم يكن متمكناً من ذلك عزَّ عليه أن يترجم ترجمةً صحيحة يُعوَّل عليها. (1)
7- أن يكون المترجم غير منزعج ولا مشوش الذهن؛ لأنَّ الترجمة عملٌ عقلي علمي، فينبغي على المترجم أنْ يقدم على الترجمة وهو صحيح الذهن، بعيداً عن التشويش.
ب-في شروط المترجم في الترجمة الشفهية الفورية بوجهٍ خاص:
8- أن يكون المترجم ضابطاً نبيهاً، فلا تُقبل ترجمة المغفل الذي لا يضبط كلام الطرفين المترجَم بينهما، ولا يحسن التلقي عنهما، خاصةً في الترجمة الشفهية الفورية؛ فترجمة من لا ضبط له تفضي إلى الخطأ في بيان معنى المراد من السنة أو السيرة. (2)
9- أن يكون المترجم ناطقاً، وهذا في الترجمة الشفهية الفورية، التي لا يمكن الترجمة فيها عن طريق الكتابة، فإن كانت الترجمة خطية والمترجم يحسنها وتوفرت الصفات الأخرى غير السمع والنطق صحت الترجمة.
10- أن يكون المترجم سميعاً، أو يمكنه السمع بوسيلةٍ أخرى، وهذا في الترجمة الشفهية الفورية، كما سبق في اشتراط النطق، أمَّا إذا كان يترجم عن طريق الكتابة فلا يُشترط السمع لذلك؛ لأنَّه لا حاجة إلى السمع حينئذٍ، وعليه: فلا تُقبل الترجمة الشفهية من الأصم. (3)
القسم الثاني: الشروط المتعلقة بذات الترجمة.
__________
(1) يُنظر: الإحكام لابن حزم 2/207، الأسلوب الصحيح في الترجمة صـ3.
(2) يُنظر: المغني 10/162، أحكام الترجمة في الفقه الإسلامي 1/169.
(3) يُنظر: المغني 10/162.(3/18)
1- ألا تجعل الترجمة بديلاً عن نصوص السنة والسيرة،خاصةً الألفاظ التي تعبدنا بها الشارع كالأدعية والأذكار، ويحسن كتابته باللغة العربية بجانب النص المترجم؛ لأنَّه يجب نطقه بلفظه العربي مع القدرة والاستطاعة، وإنما الغرض من ترجمته بيان معناه. (1)
2- أن تكون الترجمة مطابقةً لأصلها، إذ الواجب في الترجمة أن تكون صورة مطابقة للأصل المترجم، وافيةً بجميع معانيه ومقاصده، فمن الأمانة أن تساويه بدقة، دون زيادةٍ ولا نقصان. (2)
أسس الترجمة:
1- مراجعة النص المترجم بعد الانتهاء من الترجمة، وذلك لما للمراجعة من أهمية بالغة خاصة في ترجمة نصوص الوحيين الكتاب والسنة، وما له تعلق بالأحكام الشرعية كالسيرة النبوية.
2- الأولى للمترجم أنْ يبين للسامعين أنَّ هذا معنى الحديث؛ ليبين لهم أنَّ هذه الترجمة ليست ترجمة حرفية، وإنما هي ترجمة معنوية، فقد يعجز اللفظ غير العربي عن إدراك بلاغة اللفظ العربي.
3- هناك من الأحاديث ما ينبغي التحرز عند ترجمته والوقف عنده بمزيد حذر؛ كالأحاديث التي يتعبد بلفظها؛ مثل أحاديث الأذكار والأدعية والتشهد ونحوها، وما كان من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. (3)
4- الإلمام بثقافة اللغتين كي يسهل عليه إمكان المقابلات بين الكلمات والمعاني في كلتا اللغتين التي تتفق والثقافة التي ينقل منها وإليها، فثم نصوصٌ مترجمة يصعب على أهل اللغة فهم المقصود منها، وإنْ كانت صحيحة على المستوى اللغوي. (4)
__________
(1) المحصول في علم الأصول 4/467.
(2) المرجع السابق.
(3) مراقي السعود للجكني صـ287.
(4) أحكام الترجمة في الفقه الإسلامي 1/188.(3/19)
5- ما كون المقصود من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظه ومعناه للتعبد؛ كالأذكار المندوبة والأدعية المأثورة في الصلاة، منع من ترجمته للقادر على العربية، وجازت ترجمته للعاجز عنها. (1)
أهمية فقه اللغة في الترجمة
يحتل فقه اللغة أهمية بالغة في صحة ودقة الترجمة، خاصةً مع غياب الأوجه البلاغية والاستعارات اللفظية في كثير من اللغات غير العربية مما قد يؤدي الجهل بها إلى إخلالٍ ظاهرٍ في الترجمة، ومن هنا كان لا بد أن يدرك المترجم فقه لغة الحديث النبوي ليكون عالماً بمراد الشارع فيترجم النص من حديثٍ أو سيرة بصورته التي أرادها الشارع الحكيم.
قال الشّاطبيّ: للّغة العربيّة -من حيث هي ألفاظ دالّة على معان -نظران:
أحدهما: من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مطلقةً دالّةً على معان مطلّقة، وهي الدّلالة الأصليّة.
والثّاني: من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيّدةً، دالّةً على معان خادمة، وهي الدّلالة التّابعة.
فالجهة الأولى: هي الّتي يشترك فيها جميع الألسنة، وإليها تنتهي مقاصد المتكلّمين، ولا تختصّ بأمّة دون أخرى، فإنّه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلاً كالقيام، ثمّ أراد كلّ صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام، تأتّى له ما أراد من غير كلفة.
ومن هذه الجهة يمكن في لسان العرب الإخبار عن أقوال الأوّلين -ممّن ليسوا من أهل اللّغة العربيّة -وحكاية كلامهم . ويتأتّى في لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها، وهذا لا إشكال فيه.
__________
(1) التاج والإكليل 8/107، الفواكه الدواني 1/176، المجموع شرح المهذب 3/299، المنثور في القواعد 2/243، القواعد لابن رجب صـ13.(3/20)
وأمّا الجهة الثّانية: فهي الّتي يختصّ بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار، فإنّ كلّ خبر يقتضي في هذه الجهة أموراً خادمةً لذلك الإخبار، بحسب المخبر، والمخبر عنه، والمخبر به، ونفس الإخبار، في الحال والمساق، ونوع الأسلوب: من الإيضاح والإخفاء، والإيجاز، والإطناب، وغير ذلك.
وذلك أنّك تقول في ابتداء الإخبار: قام زيد إن لم تكن ثمّ عناية بالمخبر عنه، بل بالخبر. فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت: زيد قام . وفي جواب السّؤال أو ما هو منزّل تلك المنزلة: إنّ زيداً قام. وفي جواب المنكر لقيامه واللّه إنّ زيداً قام. وفي إخبار من يتوقّع قيامه، أو الإخبار بقيامه: قد قام زيد، أو زيد قد قام. وفي التّنكيت على من ينكر: إنّما قام زيد. ثمّ يتنوّع أيضاً بحسب تعظيمه أو تحقيره -أعني المخبر عنه -وبحسب الكناية عنه والتّصريح به، وبحسب ما يقصد في مساق الإخبار، وما يعطيه مقتضى الحال، إلى غير ذلك من الأمور الّتي لا يمكن حصرها، وجميع ذلك دائر حول الإخبار بالقيام عن زيد. فمثل هذه التّصرّفات الّتي يختلف معنى الكلام الواحد بحسبها، ليست هي المقصود الأصليّ، ولكنّها من مكمّلاته ومتمّماته. وبطول الباع في هذا النّوع يحسن مساق الكلام إذا لم يكن فيه منكر. وبهذا النّوع الثّاني اختلفت العبارات وكثير من أقاصيص القرآن، لأنّه يأتي مساق القصّة في بعض السّور على وجه، وفي بعضها على وجهٍ آخر، وفي ثالثة على وجهٍ ثالث، وهكذا ما تقرّر فيه من الإخبارات لا بحسب النّوع الأوّل، إلاّ إذا سكت عن بعض التّفاصيل في بعض، ونصّ عليه في بعض. وذلك أيضاً لوجه اقتضاه الحال والوقت { ? ? ? ? ?} [سورة مريم:64](3/21)
وإذا ثبت هذا فلا يمكن لمن اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاماً من الكلام العربيّ بكلام العجم على حال، فضلاً عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربيّ، إلاّ مع فرض استواء اللّسانين في اعتباره عيناً، كما إذا استوى اللّسان في استعمال ما تقدّم تمثيله ونحوه. (1)
فإذا ثبت ذلك في اللّسان المنقول إليه مع لسان العرب، أمكن أن يترجم أحدهما إلى الآخر. وإثبات مثل هذا بوجه بيّن عسير جدّاً. وربّما أشار إلى شيء من ذلك أهل المنطق من القدماء، ومن حذا حذوهم من المتأخّرين، ولكنّه غير كاف ولا مغن في هذا المقام.
مسؤوليات المترجم الشرعية والأخلاقية تجاه النص المترجم من السُّنَّة والسيرة
إنَّ الترجمة في أساسها مسؤولية أخلاقية عظيمة من حيث ترجمة النص المترجم من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى، فإذا ما اخطأ المترجم في ترجمة وصفة طبية أو تشخيص, أو أخطأ في ترجمة قانونية, أو في ترجمة عسكرية في الميدان أو نحوه, أو في ترجمة سياسية وما ستجره من تفسير خاطئ في المواثيق وغيرها، وتعظم هذه المسؤولية وتلك الخطورة عندما يكون النص المترجم الأصل الثاني من أصول الشرع الحنيف الأمر الذي يبين مسؤولية الترجمة وخطورة شأنها.
كل ذلك يبين أهمية ما يقوم به المترجم من واجبٍ تجاه دينه؛ حيث يقوم بترجمة السنة والسيرة النبوية، لتبليغها إلى الناطقين بغير العربية؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين، فله كأجر الداعي إلى الله تعالى، قال تعالى: {چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? } [سورة فصلت:33] والآية عامَّة في كل من دعا إلى الله بأي لغةٍ كانت، وقال تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ} [سورة يوسف:108] وقال صلى الله عليه وسلم: ((فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)) .
__________
(1) الموافقات للشاطبي 2/66-68.(3/22)
وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)). (1)
فليحتسب ذلك، وليتقن عمله غاية الإتقان، طلباً للأجر من الله تعالى، وبعداً عن التقصير في هذه الأمانة العظيمة؛ إذ عن طريق ترجمته سيقرأ ويسمع الناس السنة والسيرة النبوية الكريمة.
مسؤولية المترجم الشرعية تجاه الترجمة:
سبق بيان ما للمترجم المحسن من الأجر والمثوبة عند الله تعالى، وما يحصل له من الأجور العظيمة إنْ هو أحسن النية والعمل، أمَّا إذا أخلَّ بالنص المترجم فلا يخول من حالين:
الأول: أنْ يكون الخلل ناتجاً عن قصورٍ في علمه وخبرته في مجال الترجمة، فهذا جهلٌ منه بالترجمة الصحيحة المستوفية بالشروط.
الثاني: أنْ يكون الخلل ناتجاً عن تقصيرٍ في أداء ما يجب عليه أداؤه، مع تمكنه من إعطاء النص حقه الكامل في ترجمته إلى اللغة الأخرى، وهذا غشٌ وتفريط.
... ولا شك أنَّ الجاهل والمفرِّط كلاهما مسؤولٌ عن إساءته وتفريطه، وتكمن إساءتهما من وجهين:
الأول: جنايتهما على النص الشرعي، الذي هو ثاني مصادر التشريع، وبهذا فالجناية على الشرع نفسه، بتحريف نصوصه، وإفساد معناه.
الثاني: الإساءة إلى الخلق بنقل معنى غير المعنى المراد من الشارع، وفي هذا تضليلٌ لهم، وغشٌ وخيانة.
... ويترتب على هذا النوع من الترجمة الآثار الآتية:
1-بطلان هذه الترجمة، وعدم اعتبارها؛ لأنَّها مبنيةٌ إمَّا على الجهل، وإمَّا على التقصير، وكل ذلك باطلٌ لا عبرة به، وما بني على باطل فهو باطل. (2)
__________
(1) أخرجه مسلم ، باب: من سن سنةً حسنة، أو سيئة، حديث رقم: 2674.
(2) أحكام الترجمة في الفقه الإسلامي 1/208.(3/23)
2-تشويه الشرع وأحكامه السمحة، ونقله للناس على غير وجهه الصحيح.
3-وقوع المترجم في معصيةٍ بالغة؛ لخيانته هذه الأمانة العظيمة، وتعريضه نفسه للوعيد الشديد الوارد في نصوصٍ كثيرة؛ كقوله تعالى : {ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ?} [سورة البقرة:79] وقوله تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} [سورة الإسراء:36] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)) . (1) فهذه النصوص وغيرها تدل على وعيد الله تعالى لأولئك الذين حرفوا كتاب الله بالتغيير زيادةً ونقصاً، كما في الآية الأولى، وهو ما أحدثه المترجم الجاهل والمفرَّط في نصوص السنة والسيرة النبوية، ودلت الآية الثانية على تحريم القول على الله بغير علم، وبيان أنَّ كل ما يقوله المرء أو يفعله فإنَّه مسؤولٌ عنه، والمترجم الجاهل أو المفرَّط قائلٌ على الله بغير علم، كما دلَّ الحديث على الوعيد الشديد على من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ترجم قوله صلى الله عليه وسلم وهو جاهلٌ به، أو مفرطٌ في ترجمته فقد كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
كل ذلك وغيره يدل على خطورة ترجمة النصوص الشرعية كالسنة أو السيرة النبوية ترجمةً خاطئة، وسوء عاقبة المقدم عليها مع جهله بها أو تفريطه فيها.
العقوبة المترتبة على خطأ المترجم في ترجمة النصوص الشرعية:
1-إثم المترجم، وتعريضه لنفسه لنصوص الوعيد الشديد، وكفى به من عقوبة.
2-الحجر عليه، ومنعه من مزاولة مهنة الترجمة، دفعاً للضرر العام عن الناس.
3-تعزيره من قبل ولي الأمر، لردعه عن أنْ ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معنىً غير صحيح. (2)
الخاتمة
__________
(1) أخرجه البخاري، باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، 1/36حديث رقم: 107.
(2) أحكام الترجمة في الفقه الإسلامي 1/214.(3/24)
? وصية المترجم المسلم بتقوى الله عز وجل، ومن تقوى الله تعالى تحري الصواب في ترجمة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّها تبليغ عن الله تعالى وتوقيعٌ عنه.
? تحقيق الإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهما شرطا قبول العمل وبدونهما لا قبول لأي نوعٍ من القرب، ومن العمل الصالح تحري الدقة والصواب في ترجمة نصوص السنة والسيرة النبوية.
? تحقيق الأمانة والصدق فيما يقوم به المترجم من ترجمة نصوص السنة والسيرة النبوية، فقد أمر الله تعالى بأداء الأمانة والصدق في القول والعمل، والمترجم عن الشارع من أوائل من يشملهم الأمر بذلك؛ لأنَّ الترجمة أكثر خفاءً من غيرها، فيمكن أن يدخلها الغش وخيانة الأمانة أكثر من غيرها؛ إذ بإمكانه أن يقول ما يشاء، ويحرف ما أراد متى كان غير صادق ولا أمين، أو كان جاهلاً بمهنته، لكون الترجمة لا يعرفها إلا النادر من الناس، فالمترجم قد حُمَّل مسؤولية عظمى، فإن أدى الأمانة والتزم الصدق كان له الأجر العظيم، ومن قصَّر أو فرط عرض نفسه للوعيد الشديد.
? يجب على المترجم أن يهتم بالعلوم التي تعينه على القيام بعمل الترجمة على أكمل وجه؛ كالتزود بالعمل الشرعي وأصوله ومصطلحاته، ومعرفة القواعد في أسماء الله وصفاته، ومعرفة الموضوع الذي يريد ترجمته وفهمه تماماً، مع إتقان ما يشترط في المترجم من الشروط التي ذكرت في هذا البحث.
? التثبت فيما يترجمه من نصوص السنة النبوية
? تأسيس مركز لترجمة السنة والسيرة النبوية على وجه الخصوص، ولسائر العلوم الشرعية على وجه العموم، تعنى بمراجعة النسخ المطبوعة المترجمة، وترجمة كتب السنة والسيرة النبوية حسب أهميتها وأولويتها.
? ضرورة الحذر والتنبه من ترجمات المستشرقين لنصوص الوحي وخاصةً السنة والسيرة النبوية، ومراجعة تلك التراجم وبيان أخطاءها على مستوى انتشارها لكي لا تضلل تلك التراجم الغير موثوقة دين الإسلام الحنيف.(3/25)
فهرس المصادر والمراجع
م ... اسم المرجع
1 ... القرآن العظيم.
2 ... الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن محمد الآمدي -تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي -المكتب الإسلامي -الطبعة الثانية 1402هـ.
3 ... أدب القضاء أو الدرر المنظومات في الأقضية والحكومات للقاضي شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن أبي الدم -تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا -دار الكتب العلمية -بيروت الطبعة الأولى 1407هـ 1987م.
4 ... أدب القضاء لأبي العباس أحمد بن إبراهيم السروجي -دار البشائر الإسلامية -بيروت -الطبعة الأولى 1418هـ 1997م.
5 ... الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان تأليف الشيخ زين العابدين إبراهيم ابن نجيم -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الأولى 1413هـ 1993م.
6 ... إعلام الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر ابن القيم الجوزية -دار الكتب العلمية -بيروت-.
7 ... الإفصاح في فقه اللغة لعبد الفتاح الصعيدي و حسين يوسف موسى -دار الكتب العلمية -الطبعة الأولى 1407هـ 1987م.
8 ... الإنصاف لعلاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي -دار إحياء التراث العربي-.
9 ... البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي -تحرير الدكتور/عمر سليمان الأشقر.
10 ... بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الثانية 1406هـ 1986م.
11 ... تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لبرهان الدين إبراهيم بن على بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون المالكي -راجعه وقدم له طه عبد الرؤوف سعد - مكتبة الكليات الأزهرية -القاهرة -الطبعة الأولى 1406هـ 1986م.
12 ... تحفة المحتاج في شرح المنهاج -شهاب الدين أحمد بن محمد الهيتمي -دار إحياء التراث العربي.
13 ... تدريب الراوي في شرح تقريب النوواي للحافظ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي -حققه وراجع أصوله عبد الوهاب عبد اللطيف -دار الفكر -1409هـ 1988م.(3/26)
14 ... الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الأولى 1408هـ 1988م.
15 ... حاشية قليوبي وعميرة على شرح الجلال المحلي على المنهاج لشهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي وشهاب الدين أحمد البرلسي عميرة -دار إحياء الكتب العربية-.
16 ... الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي -تحقيق وتعليق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الأولى 1414هـ 1994م.
17 ... الدر المختار لعلاء الدين محمد الحصكفي مع حاشية ابن عابدين -دار إحياء التراث العربي-بيروت-الطبعة الثانية 1407هـ 1987م.
18 ... درر الحكام شرح غرر الأحكام لمحمد بن فراموز الشهير بمتلا خسروا -مطبعة أحمد كامل الكائنة بدار الخلافة العلية -1330هـ.
19 ... الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي -تحقيق الأستاذ/محمد بو خبزة -دار الغرب الإسلامي -الطبعة الأولى 1994م.
20 ... رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) -دار إحياء التراث العربي-بيروت- الطبعة الثانية 1407هـ 1987م.
21 ... روضة الطالبين لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ومعه المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، ومنتقى الينبوع في ما زاد على الروضة من الفروع للحافظ السيوطي - تحقيق الشيخ/عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض - دار الكتب العلمية -بيروت -.
22 ... روضة القضاة وطريق النجاة لعلي بن محمد الرحبي السمناني -مؤسسة الرسالة - بيروت -الطبعة الثانية 1404هـ 1984م.
23 ... سنن أبي داود للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي مراجعة وضبط وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد -دار الفكر.
24 ... سنن الترمذي لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر -المكتبة التجارية -مكة المكرمة -.(3/27)
25 ... شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي -دار الكتب العلمية -بيروت.
26 ... شرح الزرقاني على الموطأ لمحمد بن عبدالباقي الزرقاني -دار الكتب العلمية - بيروت -الطبعة الأولى 1411هـ.
27 ... شرح العضد على مختصر ابن الحاجب -دار الكتب العلمية -بيروت.
28 ... شرح خليل بن إسحق المالكي المسمى نصيحة المرابط محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني الشنقيطي -قدم له وصححه وعلق عليه حفيد المؤلف الحسين بن عبد الرحمن بن محمد الأمين أحمد زيدان -مؤسسة الرسالة -بيروت -الطبعة الأولى 1413هـ 1993م.
29 ... شرح كفاية المتحفظ تحرير الرواية في تقرير الكفاية لمحمد بن الطيب الفاسي - تحقيق الدكتور/علي حسين البواب -دار العلوم -الرياض -الطبعة الأولى 1403هـ.
30 ... شرح مختصر الروضة لأبي الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي -تحقيق الدكتور/عبد الله بن عبد المحسن التركي -مؤسسة الرسالة - بيروت -الطبعة الأولى 1410هـ 1990م.
31 ... صحيح سنن أبي داود باختصار السند تأليف المحدث محمد ناصر الدين الألباني - مكتب التربية العربي لدول الخليج -الرياض -الطبعة الأولى 1408هـ 1988م.
32 ... صحيح سنن الترمذي باختصار السند تأليف المحدث محمد ناصر الدين الألباني - مكتب التربية العربي لدول الخليج -الرياض -الطبعة الأولى 1408هـ 1988م.
33 ... صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري مع شرح النووي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت- الطبعة الأولى 1415هـ 1995م.
34 ... طلبة الطلبة لنجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي - مطبعة المثنى - بغداد-.
35 ... عمدة الحواشي شرح أصول الشاشي لمحمد فيض الحسن الكنكوهي ضبطه وصححه عبد الله محمد الخليلي -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الأولى 1424هـ.
36 ... العناية شرح الهداية لمحمد بن محمود البابرتي - دار الفكر -.(3/28)
37 ... غمز عيون البصائر لأحمد بن السيد محمد مكي الحسيني -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الأولى 1405هـ 1985م.
38 ... الفتاوى الكبرى لأحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني الدمشقي - دار الكتب العلمية - بيروت -.
39 ... فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني رقمه محمد فؤاد عبد الباقي - دار الريان للتراث -القاهرة -الطبعة الثانية 1409هـ 1988م.
40 ... فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبدالواحد السيواسي -دار الفكر -.
41 ... الفصول في الأصول لأحمد بن علي الرازي الجصاص -وزارة الأوقاف بالكويت - الطبعة الثانية 1414هـ 1994م.
42 ... فقه اللغة وسر العربية للثعالبي -دار الكتب العلمية -بيروت .
43 ... القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي -مؤسسة الرسالة -بيروت - الطبعة الثانية 1407هـ 1987م.
44 ... قواعد الأصول ومعاقد الفصول لصفي الدين عبد المؤمن بن كمال الدين البغدادي الحنبلي -تصحيح ومراجعة أحمد محمد شاكر -عالم الكتب -الطبعة الأولى 1406هـ 1986م.
45 ... القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية لأبي الحسن علاء الدين علي بن عباس البعلي الحنبلي المعرف بابن اللحام -ضبطه وصححه محمد شاهين -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة الأولى 1416هـ 1995م.
46 ... الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية لأبي البقاء الحسيني قابله ووضع فهارسه عدنان درويش و محمد المصري -مؤسسة الرسالة -بيروت -الطبعة الأولى 1412هـ 1992م.
47 ... لسان الحكام في معرفة الأحكام لأبي الوليد إبراهيم بن أبي اليمن المعروف بابن الشحنة -دار الفكر -بيروت -.
48 ... المبسوط لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي -دار المعرفة -بيروت -1409هـ 1989م.
49 ... المجموع شرح المهذب لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي - دار الفكر - بيروت.
50 ... مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي - مؤسسة علوم القرآن- 1405هـ 1985م.(3/29)
51 ... مختصر صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة السادسة 1407هـ 1987م.
52 ... مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي لأبي الثناء محمود بن أحمد الفيومي المعروف بابن الخطيب الدهشة - دراسة وتحقيق الدكتور/مصطفى محمود البنجويني - من مطبوعات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر - الطبعة الثانية 1420هـ.
53 ... المستصفى من علم الأصول لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي - دار العلوم الحديثة - بيروت -.
54 ... مسعفة الحكام على الأحكام لمحمد بن عبدالله الخطيب شهاب الدين التمرتاشي - مكتبة المعارف للنشر - الرياض - الطبعة الأولى 1416هـ ـ 1996م.
55 ... المصباح المنير لأحمد بن محمد الفيومي أعتنى به الأستاذ يوسف الشيخ محمد ـ المكتبة العصرية- بيروت- الطبعة الثانية 1418هـ 1997م.
56 ... المطلع على أبواب ا لمقنع لأبي عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي ومعه معجم ألفاظ الفقه الحنفي صنع محمد بشير الأدلبي - المكتب الإسلامي -بيروت -1401هـ 1981م.
57 ... المعجم الوسيط ـ مجمع اللغة العربية ـ الطبعة الثانية ـ مطابع دار المعارف ـ مصر 1392هـ ـ 1972م.
58 ... معجم لغة النحو العربي لأنطوان الدحداح مراجعة الدكتور/جورج متري- مكتبة لبنان- بيروت - الطبعة الاولى 1993م.
59 ... معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام لعلاء الدين علي بن خليل الطرابلسي الحنفي -دار الفكر -بيروت -.
60 ... مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج شرح محمد الخطيب الشربيني على متن منهاج الطالبين للنووي، مع تعليقات جوبلي بن إبراهيم الشافعي - دار الفكر -.
61 ... المغني لابن قدامة -تحقيق الدكتور/عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور/عبد الفتاح محمد الحلو -هجر للطباعة - القاهرة - الطبعة الأولى 1410هـ.(3/30)
62 ... المنثور في القواعد لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي -حققه الدكتور/تيسير فائق أحمد محمود - راجعه الدكتور/عبد الفتاح أبو غدة - من مطبوعات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت - الطبعة الثانية 1405هـ 1985م
63 ... الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي -عني بضبطه وترقيمه الأستاذ محمد عبد الله دراز - دار الفكر العربي -.
64 ... نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر لابن بدران الدومي الدمشقي - مكتبة المعارف - الرياض - الطبعة الثانية 1404هـ 1984م.
65 ... النكت على نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني بقلم علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي - دار ابن الجوزي - الطبعة الاولى 1413هـ 1992م.
66 ... نوادر الفقهاء لمحمد بن الحسن التميمي الجوهري - تحقيق الدكتور/محمد فضل عبد العزيز المراد - دار القلم - دمشق - الطبعة الأولى 1414هـ 1993م.
67 ... فوائد فقهية وغيرها من مستدرك الحاكم لأبي عمر محمد بن حمزة أل صلاح الأثري الفلسطيني.
68 ... الأسلوب الصحيح في الترجمة في اللغتين العربية والإنكليزية – تأليف مجموعة من مدرسي الترجمة في اللكليات والمعاهد الخاصة – منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت
69 ... التهذيب في أصول التعريب - تصنيف الدكتور أحمد بك عيسى - الطبعة الأولى - القاهرة - 1342هـ 1923م- مطبعة مصر.
70 ... مجلة العدل – العدد السابع عشر – السنة الخامسة – محرم 1424هـ - مجلة فصلية علمية محكمة تعنى بشؤون الفقه والقضاء تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية.
71 ... فن الترجمة تأليف الدكتور محمد عوض محمد - معهد البحوث والدراسات العربية.
72 ... أحكام الترجمة في الفقه الإسلامي-رسالة مقدمة لنيل درجة الكتوراه في الفقه- إعداد محمد بن أحمد علي واصل-إشراف الدكتور صالح بن إبراهيم الجديعي الأستاذ المشارك في قسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم.(3/31)
73 ... مجموع فتاوى ورسائل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - المجلد الثاني عشر.
74 ... الموسوعة الفقهية الكويتية
75 ... مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال للدعوة إلى الله تعالى - للدكتور إبراهيم بن صالح الحميدان.
76 ... منهاج السنة النبوية , في نقض كلام الشيعة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية , تحقيق د. محمد رشاد سالم , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , الرياض , الطبعة الأولى, 1406 هـ .
77 ... مناهل العرفان في علوم القرآن , محمد عبد العظيم الزرقاني , دار الفكر , بيروت , الطبعة الأولى، 1396 هـ .
78 ... الدر المنثور في التفسير بالمأثور , جلال الدين السيوطي , دار الفكر العربي , بيروت , الطبعة الأولى , 1403 هـ.
79 ... شبكة المترجمين السعوديين: www.sautran.com
80 ... الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح , شيخ الإسلام ابن تيمية , تحقيق علي حسن ناصر وزملاؤه , دار العاصمة, الرياض , الطبعة الأولى, 1414 هـ .
81 ... مراقي السعود إلى مراقي السعودلمحمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني المعروف بالمرابط-تحقيق ودراسة محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي-مكتبة بن تيمية- القاهرة-الطبعة الأولى، 1413هـ.
الفهارس
مقدمة ...................................................................................................................................................................... 2
تمهيد وتوطئة ..................................................................................................................................................... 4
تعريف الترجمة في اللغة والاصطلاح ............................................................................................... 7
أهمية ترجمة السنة .................................................................................................................................... 10(3/32)
حكم ترجمة السنة والسيرة .............................................................................................................. 13
ضوابط الترجمة الصحيحة لنصوص السنة والسيرة ........................................................20
أهمية فقه اللغة في الترجمة ................................................................................................................ 26
مسؤولية المترجم الشرعية والأخلاقية ........................................................................................ 29
الخاتمة ................................................................................................................................................................ 33
ثبت المراجع.........................................................................................................................................................41(3/33)
محمد بن عبد العزيز بن محمد العقيل
المملكة العربية السعودية
المنطقة الشرقية - محافظة الأحساء
ص.ب . : 30413 - الرمز البريدي : 31982
هاتف جوال : 0505862233
هاتف منزل : 035320987
البريد الإلكتروني: dr.m.alaqeel@hotmail.com
معلومات شخصية:
تاريخ الميلاد : 4/3/1389هـ - 21/5/1969م
الجنسية : سعودي .
الحالة الاجتماعية : متزوج .
الشهادات العلمية:
1419-1425هـ - 1999- 2005م : دكتوراه في الفقه المقارن - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - المعهد العالي للقضاء . بعنوان : (تحقيق المحيط البرهاني في الفقه النعماني من كتاب الشهادات إلى كتاب الرجوع عن الشهادات)
1414-1417هـ - 1994-1997م : ماجستير في الفقه المقارن بعنوان : (أحكام ذوي الأرحام في فقه الأسرة) - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - المعهد العالي للقضاء .
المواد : فقه - أصول فقه - فرائض - قواعد فقهيه - تطبيق قضائي - قاعة بحث - أنظمة .
1410-1414هـ - 1990- 1994م : بكالوريوس في الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية الشريعة في الأحساء .
المواد : قرآن - تفسير - حديث - عقيدة - فقه - أصول فقه - فرائض - دعوات معاصرة - نظم اقتصادية معاصرة - علم نفس تربوي - طرق تدريس .
الوظائف التي شغلتها:
1417هـ - 1997م: أستاذ الفقه المساعد في كلية المعلمين في الأحساء.
أحاضر في المواد التالية : فقه - أصول فقه - حديث - مصطلح حديث - عقيدة - مبادئ اقتصاد إسلامي - ثقافية إسلامية .
1420-1421هـ - 2000- 2001م: محاضر في كلية التربية للبنات .
ألقيت فيها محاضرات في العقيدة الإسلامية.
1410: إمام وخطيب الجامع القديم بالشقيق.
1421-1423هـ - 2001- 2003م: رئيس مركز الجمعية الخيرية بالشقيق .
1426: مستشار أسري في قسم الهاتف الاستشاري في مركز التمنية الأسرية.
1426: مستشار أسري في موقع المستشار التابع لجمعية البر في المنطقة الشرقية.(4/1)
1427: مستشار اجتماعي في مركز الإرشاد النفسي والتربوي في كلية المعلمين في الأحساء.
1426: وكيل كلية المعلمين في الأحساء لشؤون الطلاب.
1426: نائب رئيس المجلس الاستشاري في مركز التمنية الأسرية.
1426: عضو في مركز التمنية الأسرية ومستشار أسري.
1426: عضو جمعية فتاة الأحساء، ومستشار أسري.
1427: نائب رئيس المركز الإشرافي على قسم الاستشارات في مركز التنمية الأسرية.
1427: عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن).
1427: عضو الجمعية السعودية للإدارة.
1427: عضو جامعة كولمبس الأمريكية.
1427: رئيس اللجنة العلمية في المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجالية بالعيون.
الدورات والملتقيات:
? حائز على جائزة الأمير محمد بن فهد للبحث العلمي .
? حضور دورة في دبلوم الهندسة اللغوية العصبية - للمدرب محمد عاشور 11/1424هـ.
? حضور دورة في بوصلة التفكير.
? حضور دورة في تطوير الإدارة الدعوية - وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
? حضور اللقاء الثاني للجمعيات الخيرية ، تحت عنوان (تدوير المواد الاستهلاكية).
? حضور دورة في طرق كسب الأبناء - للمدرب محمد الثويني.
? حضور دورة في فن الإلقاء والتأثير الجماهيري - للمدرب عبد الإله بن عبد الله الدريويش.
? حضور دورة في الإشراف التربوي -للدكتور محمد العامري.
? حضور دورة في الإرشاد الهاتفي الأسري - للدكتور عبد الله السدحان.
? حضور اللقاء الثالث للجمعيات الخيرية ، تحت عنوان (تدريب العاملين وتأهيل المستفيدين).
? دورة أساليب التدريب خلال الفترة من 30/3/1424 - 2/4/1424هـ.
? حضور ملتقى قضايا الشباب العربي في عصر العولمة 14/10/1426هـ.
? حضور الدورة العلمية المكثفة المقامة في محافظة ابقيق عام 1426هـ.
? حضور دورة في فن الحوار الأسري - للدكتور عبد الرحمن الخثلان.
? حضور دورة التحفيز فنون ومهارات - للدكتور علي الحمادي.(4/2)
? حضور دورة في مهارات الاتصال.
? اجتياز دورة الممارس معتمد في الهندسة اللغوية العصبية 11/1426هـ.
? اجتياز دورة المستوى الثاني لتعلم اللغة الإنجليزية في معهد بيرتلز 11/1426هـ.
? حضور دورة أنا وزوجي قلب واحد - للمدرب الدكتور خالد بن سعود الحليبي.
? حضور دورة في التربية الإيجابية للطفل - للمدرب أسامة الجامع في الفترة 20-22/2/1427هـ.
? حضور ملتقى الكتاب المدرسي السعودي الأول - 3/3/1427هـ.
? حضور دورة آفاق التميز26,2006 April للمدربين العالميين:
?? Paul Sanders-Lumacore,CEO
?? Anthony Condy-Lumacore,president
?? Atul Gokhale,Academic Head
? حضور الندوة السنوية الأولى لجمعية البر بالأحساء، بعنوان: الطلاق.. الأسباب والآثار والعلاج .. 9/4/1427هـ الموافق 7/5/2006م.
? حضور اللقاء الثاني لوكلاء الشؤون التعليمية وشؤون الطلاب في كليات المعلمين في الفترة 11-12/4/1427هـ.
? حضور المحاضرة التدريبية للدكتور ميسرة طاهر بعنوان: شتاء الحياة الزوجية هل يمكن أن نحوله إلى ربيع في 13/4/1427هـ .
? المشاركة في حلقات إدارة الوقت- معهد الإدارة فرع المنطقة الشرقية
1-3/5/1427هـ. بإدارة المدربين: طارق البقشي و حسين القحطاني.
? حضور الجلسة الإجرائية السابعة والثلاثين لعمداء كليات المعلمين في المملكة العربية السعودية في جدة 17-18/9/1427هـ.
? حضور دورة القائد الرائد مخطط فعال للمدرب: أ.قيس البلوي في مؤسسة الأميرة العنود الخيرية 17-18/10/1427هـ.
? حضور دورة في التخطيط الاستراتيجي للمدرب: أ.سعد بن عبد الله العباد في مؤسسة الأميرة العنود الخيرية 18-19/10/1427هـ.
? حضور دورة تطبيقات الجودة الشاملة في المدرسة للمدرب: أ.إبراهيم الحسين في مركز الأمير محمد بن فهد للجودة 20-24/10/1427هـ.
? حضور دورة الذكاء العاطفي للمدرب: خالد محمد المدني في مقر الجامعة العربية المفتوحة 4-7/11/1427هـ.(4/3)
? حضور دورة كيف تساعد ابنك ليكون باراً بك للمدرب: الدكتور أيوب الأيوب 5/11/1427هـ.
? حضور برنامج الطرق العلاجية للمشكلات الأسرية، للمدرب: الدكتور عمر بن إبراهيم المديفر في مركز التنمية الأسرية بالأحساء في 22/11/1427هـ.
? حضور الملتقى الأول للجودة في التعليم والذي نظمته إدارة التربية والتعليم في الأحساء في الفترة 25-26/12/1427هـ.
? حضور دورة الألعاب الأسرية تربية وترفيه، للمدرب: ياسر أحمد الشجار في مركز التمنية الأسرية بالأحساء في 8/3/1428هـ.
? حضور مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب، والمقام في دولة الإمارات العربية المتحدة - أبو ظبي - بتاريخ 21-23/3/1428هـ.
? حضور دورة (مهارات في حل المشكلات الزوجية)، في مركز التنمية الأسرية للمدرب عبدالله بن صالح البوحنية، في 29/3/1428هـ.
? حضور دورة كيف ينمي الآباء مهارات الأبناء، للمدرب د.علي بن حسين الحمادي، في الملتقى الأسري الأول في 25/4/1428هـ.
? حضور مؤتمر (الجودة في التعليم العام) في اللقاء السنوي الرابع عشر للجمعية العربية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) في مركز الملك خالد الحضاري ببريدة في 28-29/4/1428هـ.
? حضور ملتقى طرق تعليم الرياضيات في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في 29/4/1428هـ.
? حضور دورة فن الإلقاء وطاقة التأثير، للمدرب: مريد الكلاَّب، في مؤسسة العنود الخيرية في تاريخ 29-30/4/1428هـ.
? حضور البرنامج التدريبي التربية الدينية رؤية نفسية للبرفسور طارق بن علي الحبيب، في الملتقى الأسري الأول في الأحساء ، في 1/5/1428هـ.
المشاركات:
? إلقاء درس أسبوعي في الشرح الممتع في قرية الشقيق كل يوم جمعة بعد العشاء من عام 1420هـ إلى تأريخه.
? إلقاء درس أسبوعي في الشرح الممتع في قرية الوزية كل يوم أربعاء بعد العشاء من عام 1420هـ إلى تأريخه.
? محاضرات على قناة قطر الفضائية في برنامج ( حياة القلوب) :(4/4)
? أ- احترام شخصية الطفل.
? ب- الحقوق المالية بين الزوجين.
? الإشراف على حملة حج توعية الجاليات في الأحساء عام 1417هـ.
? الإشراف على حملة حج المهيني عام 1419هـ.
? المشاركة في تنفيذ برامج مركز التدريب وخدمة المجتمع في كلية المعلمين في الأحساء 1424هـ.
? الإشراف على حملة حج عثمان عبد الرحمن الكليب وشركاؤه 1426هـ.
? المشاركة في حلقات فن التفاوض والإلقاء - معهد الإدارة فرع المنطقة الشرقية 3-5/4/1427هـ. بإدارة المدربين: عبد الله العسكر و منصور القطري.
? المشاركة في حلقات القيادة والإبداع الإداري - معهد الإدارة فرع المنطقة الشرقية 4-7/3/1427هـ. بإدارة المدربين: حسن اليحيى وحسن الشيخ.
? المشاركة في حلقات إدارة الاجتماعات - معهد الإدارة فرع المنطقة الشرقية 18-20/3/1427هـ. بإدارة المدربين: محمد المزيعل وحسين أبو ساق.
? المشاركة في حلقات الجودة الكلية - معهد الإدارة فرع المنطقة الشرقية 19-21/2/1427هـ بإدارة المدربين: عبد الله المحمد و حسين أبو ساق.
? محاضرات في مساجد المحافظة.
? أ- أحكام الحج .
? ب- احترام شخصية الطفل.
? ج- فن الحوار الأسري.
? د- التشاؤم وأحكامه.
? المشاركة في ندوة بعنوان الالتزام فيه الأمان في شركة أرامكو السعودية.
? تقديم دورة بعنوان ( فهم النفسيات) حضرها 12 متدرباً في مركز التدريب وخدمة المجتمع في كلية المعلمين في الأحساء.
? تقديم دورات برنامج الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز للتأهيل الوظيفي 22/5/1427 -30/6/1427هـ، في جامعة الملك فيصل.
? تقديم دورة بعنوان (إدارة الوقت) 10-14/6/1427هـ ، حضرها 17متدرباً في مركز التدريب وخدمة المجتمع في كلية المعلمين في الأحساء.
? تقديم دورة بعنوان (كيف تحقيقين النجاح) في مدرسة البنات السابعة عشر بالمبرز 15-16/6/1427هـ حضرها 120 متدربة.(4/5)
? تقديم دورة بعنوان (النجاح الوظيفي) 15-16/6/1427هـ ، حضرها 17متدرباً في مركز التدريب وخدمة المجتمع في كلية المعلمين في الأحساء.
? تقديم دورة بعنوان (التربية الإيجابية للطفل) 17-20/6/1427هـ ، حضرها 17متدرباً في مركز التدريب وخدمة المجتمع في كلية المعلمين في الأحساء.
? تقديم محاضرة بعنوان (بر الوالدين) 19/6/1427هـ في المركز الثقافي الصيفي الثالث، وعدد الحضور 50 طالبة.
? تقديم محاضرة بعنوان (بر الوالدين) 20/6/1427هـ ، في النادي الصيفي في ثانوية الشقيق وعدد الحضور (100) طالبا.
? تقديم دورة بعنوان (فن الحوار والإقناع) في المركز الثقافي الصيفي السادس بالعيون، وعدد الحضور (250) متدربة.
? تقديم محاضرة بعنوان ( تنبيه الفتيات بأضرار الفضائيات) في المركز الثقافي الصيفي الأول بالخالدية ، وعدد الحضور (100) طالبة.
? المشاركة في إعداد خطة دبلوم إرشاد أسري في مركز التنمية الأسرية بالأحساء.
? المشاركة في دورة علمية 23-27/8/1427هـ بعنوان أحكام الصيام في جامع عمر بن الخطاب في مدينة العيون.
? الإشراف على رسائل ماجستير ودكتوراه لطلاب جامعة كولمبس.
? تقديم محاضرة بعنوان (من أحكام الحج) في جامع أبي بكر الصديق بالكلابية 3/12/1427هـ.
? الإشراف على حملة ضيوف المكتب الخيري الخاص في حج عام 1427هـ.
? إلقاء دورة بعنوان (احترام شخصية الطفل في الهدي النبوي) في مركز التنمية الأسرية 23/12/1427هـ.
? المشاركة في إذاعة القرآن الكريم في برنامج (ندوة الإذاعة) بعنوان: الطفولة.
المهارات :
? القدرة على إعداد دورات وإلقائها.
? القدرة على استخدام الحاسب الآلي - الوورد - الإنترنت.
? القدرة على العمل ضمن مجموعات.
? مهارات التدريس من إيصال المعلومات ، وتوضحها ، وإحياء روح الحوار ، وكسب ود المتعلم.(4/6)
الأسس العلمية التي تقوم عليها الترجمة والشروط التي يجب أن تتوافر فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنوُا اتَّقُوا اُللَّهَ حَقَّ تُقَاتهِ َوَلا تَمُوتُنَّ إَّلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . (1)
{ يَا أيُّهَا اُلنَّاسُ اتَّقوُاْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. } (2)
{ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنوُا اتَّقُوا اُللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً. } (3)
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (4) .
__________
(1) سورة آل عمران، الآية :102 .
(2) سورة النساء، الآية : 1 .
(3) سورة الأحزاب، الآية : 70 .
(4) صحيح مسلم، خطبة الحاجة التي اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقيها بين يدي خطبه .(5/1)
وبعد، فقد تبين لي بعد مراجعة عدد كبير من الكتب المؤلفة باللغةالإنجليزية، أو المترجمة إليها، سواء منها ما أحيل إليَّ من جهات رسمية كالرئاسة العامة للإفتاء أو وكالة الطبع والترجمة في وزارة الشؤون الإسلامية، أو مكاتب دعوة الجاليات، أو مؤسسات خاصة لمراجعة محتوياتها ومعرفة مدى صلاحيتها للنشر، وكذلك بعد مراجعة عدد من ترجمات معاني القرآن الكريم أن ثمة أخطاء عامة شائعة يتناقلها المؤلفون باللغة الإنجليزية والتراجم (1) دون أن يتحققوا من صحة ترجمتها، أو يدركوا خطورة مضامينها غير الإسلامية.
لقد أعطى الإسلام إصطلاحات وألفاظاً لغوية معاني شرعية بحيث إذا ورد واحد منها في نص شرعي وجب إعطاؤه معناه الشرعي بموجب قواعد التفسير التي تنص على أنه إذا تعارض المعنى الشرعي مع المعنى اللغوي للفظة أو لاصطلاح ما وجب تقديم المعنى الشرعي على اللغوي. وإلا لما أصاب الترجمان قصد الشارع.
__________
(1) ألِفَ كثير من الناس استعمال كلمة "مترجم"؛ ولو طالعت معاجم اللغة العربية لما وجدت هذه اللفظة فيها. فالكلمة الصحيحة هي "ترجمان"، كما ورد في حديث عند البخاري: "ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبين وبينه حجاب أو ترجمان يترجم له." ومنها لقب ابن عباس رضي الله عنه: "تَرجمان القرآن". وتجمع على "تراجم" كما قال للمتنبي: تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التَراجِمُ(5/2)
فكما هو معلوم في أصول الفقه "أن الحقيقة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: لغوية وشرعية وعرفية. فالحقيقة اللغوية هي اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة. والحقيقة الشرعية هي اللفظ المستعمل فيما وضع له في الشرع. والحقيقة العرفية هي اللفظ المستعمل فيما وضع له في العرف." (1) مثال ذلك الصلاة فحقيقتها اللغوية الدعاء. وهو ما تحمل عليه عند اللغويين. وأما حقيقتها الشرعية فهي تفاصيلها من قراءة وأدعية وحركات تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم. وكذلك الزكاة ، فحقيقتها اللغوية هي النماء والريع والزيادة، أو الصلاح. وفي الاصطلاح يطلق على أداء حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص، ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب. ومثال الحقيقة العرفية الدابة، وهي ذات الأربع من الحيوان." (2)
لقد بين فضيلة الشيخ صالح ابن عثيمين، يرحمه الله، في كتابه (الأصول من علم الأصول) أن فائدة معرفة تقسيم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام أن نحمل كل لفظ على معناه الحقيقي في موضع استعماله، فيحمل في استعمال أهل اللغة على الحقيقة اللغوية، وفي استعمال الشرع على الحقيقة الشرعية، وفي استعمال أهل العرف على الحقيقة العرفية.
وبناءً على ما تقدم، قد لا يكون المعنى اللغوي لاصطلاح شرعي ما هو مقصود الشارع؛ فلا بد إذاً من البحث عن معناه الشرعي من مصادر موثقة لدى أهل السنة والجماعة.
هدف وأسباب هذا البحث
__________
(1) محمد صالح العثيمين، الأصول من علم الأصول- ص. 20
(2) المصدر السابق(5/3)
فالهدف من هذا البحث هو التنبيه على خطورة فن الترجمة، وأنها مسؤولية كبيرة، ولاسيما النصوص التي تدور حول كلام الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، أو ما يدندن حولهما. وهي مسؤولية أيضاً من حيث أن قارئ الكتب المترجمة هو في الغالب أعجمي، أو حديث عهد بالإسلام. وقد يكون قبل إسلامه كتابياً أو غير ذلك؛ لذا فإن الكتب المترجمة تعتبر بالنسبة له مصدر رئيس لمعلوماته عن الإسلام. والخطر هنا أن المؤلف أو الترجمان لا يلتقي بقرائه، وليس بمقدوره الاتصال بهم لتنبيههم على ما وقع من أخطاء في كتابه.
كما أنه لمجدور أن أذكر هنا أسباب كتابة هذا البحث لكي لا يساء فهمه:
أولاً: عملاً بقوله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب. (1) } ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فمن لم يستطع فبلسانه؛ فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان." (2)
ثانياً: تحذير الأخوة التراجم من خطورة النقل بلا تمحيص، وخطورة استعمال الاصطلاحات الإنجيلية والكنسية في ترجمة النصوص إسلامية.
ثالثاً: أردت أن أهمس في أذن من لم يستوِ عودُه في فن الترجمة، ولم يستكمل عدتها أن يتولى إلى الظل، وليتق الله ربه.
رابعاً: إن هذا البحث هو بيان وذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد من أهل الخير الذين يساهمون في نشر الكتاب، أو الشريط الإسلامي، طباعة أو توزيعاً. وكذلك للقائمين على دعوة الجاليات، وأصحاب المكتبات التجارية. فكلهم راع وكلهم مسؤول عن رعيته، وكلهم مسؤول عما يَنشر أو يوزِّع، أو يَبيع. ومسؤوليتهم هذه تقتضي التأكد من سلامة الترجمة شرعاً ولغةً في الكتب التي يوزعونها.
__________
(1) المائدة: من الآية2
(2) صحيح مسلم، وسنن الترمذي وغيرهما(5/4)
خامساً: أود أن أشير إلى أن الكتب التي راجعتها من أجل هذا البحث، إنما أحيلت إليّ، أو حصلت عليها بعد أن وضعت على أرفف البيع والتوزيع. وهذا يعني أنه قد تم فسحها، وتداولها الناس.
كما يبين هذا البحث: أولاً خطورة ترجمة النصوص الشرعية التي تحوي مسائل عقدية كأسماء الله وصفاته، وتوحيده، ومسائل فقهية، وأحكاماً وشرائع لا بد لكل مسلم، عربي أو أعجمي أن يعرف معانيها ليدرك مراد الشارع منها، ويطبقها على وجه أكمل.
ثانيا، أن شيوع الخطأ لا يسوغ بوجه من الوجوه السكوت عنه خشية إثارة الجدل؛ أو كثرة الواقعين فيه. إذ لو كانت الكثرة دليلاً على الحق لكان غير المسلمين، الذين هم أكثر أهل الأرض أولى به؛ ولا يقول هذا عاقل. فالله تعالى يقول: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. } (1)
ثالثاً، إن السكوت عن هذه الأخطاء إثم قد يصل إلى حد القول على الله بغير علم؛ وهو مما حرم الله. قال تعالى:
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. (2) }
لقد عمدت بعد هذا العرض إلى تبويب هذا البحث كما يلي:
التمهيد:
1- تعدد الألسنة هو من آيات الله البينات.
2- عالمية الإسلام تقضي مخاطبة الناس بألسنتهم في الدعوة إلى الله.
الفصل الأول
1-حكم ترجمة معاني القرآن الكريم والاصطلاحات الشرعية.
أنواع الترجمة
2-خلفية تاريخية للترجمة
3- الترجمة في العصر الحاضر
4- النتائج الإيجابية للترجمة.
5-النتائج السلبية للترجمة
الفصل الثاني
1- طبقات التراجم
2- الضعف اللغوي
3- نماذج من الأخطاء
4-المعذِِّرون وخطورة استعمال الاصطلاحات الإنجيلية
الفصل الثالث
1- التفكير باللغة المترجم اليها
__________
(1) يوسف: من الآية 103
(2) العراف: 33(5/5)
2- إستعمال مصطلحات إنجيلية
3- إستعمال اللغة الإنجليزية القديمة
4- مسؤولية الترجمان
5- عقبات في طريق الترجمان
6- مؤهلات الترجمان والمصادر العلمية التي ينبغي عليه اقتناؤها
... الفصل الرابع ...
1- نتيجة البحث
2- مقترحات عامة
3- مقترحات للجهات الرسمية
4- مراجع البحث
5- فهرس مواد البحث
ولئلا ينال جهدي نقدُ سلبي، أود أن أؤكد أني أتبعت الاصطلاحات التي أوردتها في هذا البحث بتعريفاتها التي غلب على ظني صحتها من مراجع علمية معتبرة، وبترجمة مقترحة باللغة الإنجليزية اخترتها من كتابي: (ترجمة معاني آيات القرآن الكريم) من أجل تعميم الفائدة. وأسأله تعالى أن ييسر نشره وأن ينفع به من شاء، وما أردت إلا الإصلاح وما توفيقي إلا بالله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التمهيد:
1- تعدد الألسنة هو من آيات الله البينات.
2- عالمية الإسلام تقضي مخاطبة الناس بألسنتهم في الدعوة إلى الله.
تعدد الألسنة من آيات الله البينات
لقد جعل الله تبارك وتعالى تعدد السنة الخلق من آياته البديعة؛ كما بين في قوله جل وعلا: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ واَلأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالِمِينَ. (1) } قال ابن كثير: { وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ } يعني اللغات؛ فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء بلغات أخرى.
ومما يلفت الانتباه أن الله تعالى ختم هذه الآية بقوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالِمِينَ. } قال الشوكاني في معرض تأويله لهذه الآية: "العالمين" الذين هم من جنس هذا العالم من غير فرق بين بر وفاجر." (محمد الشوكاني، فتح القدير، ج4، ص 289)
__________
(1) الروم: 22(5/6)
فإن الحكمة الإلهية تقضي أن يتم التفاهم والتواصل بين أقوام ذوي لغات متعددة؟ والجواب على هذا التساؤل يأتي من قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهِ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. (1) } والتعارف هنا يشمل أيضاً التسهيل في دعوة عباد الله إلى دين الله لكي يتحقق قول خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم: "بعثت إلى الأحمر والأسود." (2) أي، كما قال مجاهد وغيره: "بعثت إلى العرب والعجم." باختلاف ألسنتهم وألوانهم
أهمية دعوة الناس إلى الإسلام بألسنتهم
إن الدعوة إلى الله هي مهمة الأنبياء والرسل، وكذلك هي مهمة ورثتهم من أهل العلم؛ ذلك بأن استمرارية حيوية الدين الحنيف الذي لا يرضى الله ديناً سواه، لا يمكن أن تتحقق إلا بمخاطبة الناس بألسنتهم؛ لا بل وبلهجاتهم. فما من رسول أرسله الله إلا بلسان قومه، كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. (3) } فالأعجمي الذي اعتنق الإسلام لا بد أن يعي واجباته الشرعية بشكل يمكنه من عبادة ربه على الوجه المطلوب؛ لا سيما وأننا نعيش اليوم في عصر يختلف بتفاصيله عن عصور الازدهار التي مر بها الإسلام. فالناس آنئذ أقبلوا على دين الله بقناعة دفعتهم إلى الإقبال على تعلم لغة القرآن حتى غدت بديلاً للغاتهم الأم.
__________
(1) الحجرات:13
(2) الإمام أحمد، 4416
(3) إبراهيم:4(5/7)
وإذا أخذنا بالاعتبار الواقع السائد للعالم اليوم في المجالات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وسائر المجالات الأخرى نجد أن مهمة الدعوة ازدادت تعقيداً وصعوبة. فبات على الداعية أن يتعلم لغة مدعوّيه للوصول إلى هدفه، وبات الاعتماد على الأعاجم من المسلمين بعد تلقينهم مبادئ الإسلام لدعوة بني جلدتهم إلى الإسلام.
والفرق بين الأمس واليوم هو أن من يعتنق الإسلام من الأعاجم اليوم لا يتخذ العربية بديلاً للغته الأم؛ بل يستعملها مجرد وسيلة لممارسة العبادات التي تتطلب استعمالها؛ وهذا الأمر بدوره يثقل كاهل الداعية الذي بات عليه أن يلقن المسلم الجديد المسائل العقدية التي يتحتم على هذا معرفتها؛ وهذا يعني وجوب إتقان الداعية للغة المدعوين؛ ذلك بأن عدم فهم المسائل العقديّة ولوازمها بسبب عدم تمكن الداعية من تلك اللغة هو منزلق خطير ذو عواقب لا يستهان بها.
إن مسؤولية الدعوة هي أوجب على العربي منها على الأعجمي. فالداعية الأعجمي الذي لا يتقن العربية يظل عالة على مؤلفين وكتَّاب أعاجم ينقل منهم وعنهم مادة دعوته دون التثبت من صحة ما ينقل، ولا يستطيع البحث في المراجع الأصلية؛ فيظل مضطراً إلى الاعتماد على هذا الكاتب أو ذاك، وهو لا يدري صحة ما ينقل عنه.
وفي المقابل فإن الداعية العربي الذي يتقن اللغة الأعجمية، وإن قلت بضاعته في العلم، يظل في فسحة من أمره لقدرته على البحث في المراجع المطلوبة، أو سؤال أهل الذكر إن كان لا يعلم. وهذا أمر محمودٌ، وهدف مراد.
عالمية الإسلام تقضي إيصال الدعوة إلى الناس جميعاً بلغاتهم(5/8)
ولما كانت مشيئة الله نافذة، وأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فقد اختار لحكمة بالغة أن ينزل آخر كتبه على آخر أنبيائه، سيد ولد آدم، صلوات الله وسلامه عليه، بلسان عربي مبين. ثم أكد جل وعلا عالمية الرسالة بقرآن يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فقال آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ العالم أجمع: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاًّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. (1) } وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً. (2) }
وأما السنة، فقد وردت فيها أدلة كثيرة على عالمية الإسلام. منها قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار." (3)
وعن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار. ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز، أو بذل ذليل؛ عزاً يعز به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر." (4)
وقال صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس جميعاً." (5)
ولا يمكن تبليغ هذه الرسالة وفق المنهج النبوي إلا إذا تم إفهام الناس ما لهم وما عليهم. ولا يتأتى هذا إلا بمخاطبتهم كلٌ بلسانه؛ بل وربما بلهجته. ولا يمكن أن تقوم الحجة عليهم إلا بهذه الكيفية.
الفصل الأول: حكم الترجمة، وأنواعها وأسبابها
__________
(1) الأعراف:158
(2) الفرقان:1
(3) صحيح مسلم
(4) الإمام محمد ناصر الدين الألباني، السلسلة الصحيحة، حديث رقم 3
(5) متفق عليه(5/9)
1-حكم ترجمة معاني القرآن الكريم والاصطلاحات الشرعية.
2- - لمحة تاريخية للترجمة
3- حركة الترجمة في العصر الحاضر
4 -أنواع الترجمة: الترجمة الحرفية ونتائجها السلبية – ترجمة المعنى
5- النتائج الإيجابية لترجمة النصوص الشرعية.
6-النتائج السلبية لترجمة النصوص الشرعية
1- حكم ترجمة معاني القرآن والاصطلاحات الشرعية
الترجمة هي نقل نص لغوي، أو مفرداته إلى لغة أخرى. وهي أداة فعالة في نشر القيم والتعاليم والعقائد. والمقصود بالترجمة في هذا البحث هو نقل نص شرعي مع مراعاة الأمانة العلمية؛ ذلك بأن الترجمان في هذه الحالة يكون مبلغاً لكلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم
إذا أخذنا بعين الاعتبار واقع العالم الإسلامي في القرون الأولى وقارناه بواقعه اليوم نجد أن المسلمين كانوا سادة العالم يهابهم القاصي والداني؛ والمسلمون اليوم هم على النقيض من ذلك؛ يهابون القاصي والداني بعد أن نزع الله مهابتهم من قلوب أعدائهم بعد أن كانوا يفتحون البلاد طولاً وعرضاً، فدخل الناس في دين الله أفواجاً. وكلما فتحوا بلداً دخل أهلها الإسلام.
لا بد لنا اليوم من ترجمة معاني القرآن والأحاديث وسائر الأذكار. إذ لا بد من تلقين المسلم الأعجمي أوامر الله ونواهيه، وسائر أصول الإسلام، ولا بد أن تقام الحجة على عباد الله. قال شيخ الإسلام إبن تيمية، يرحمه الله:
فالحجة تقوم على الخلق، ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، تارة بالمعنى، وتارة اللفظ. ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى. والقرآن تجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء." (1)
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 1/190، نقلاً عن كتاب دور الترجمة الدينية، أبو عبد السلام النيجيري(5/10)
كما سئل الإمام عبد العزيز بن باز، يرحمه الله، عن هذه المسألة فأجاب موضحا معنى قوله تعالى: { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. (1) }
وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات وهم لا يعرفون مراد الله منه؟ فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم لغته والعناية بها."... ثم أردف قائلاً: "فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي (المغترب) إلاّ بذلك. (2)
ولقد سبق بيان أهمية الدعوة بلسان المدعوين ما يغني عن التكرار. وبيان التأكيد على أهمية الترجمة بأنها مطلب ملحٌّ لإقامة الحجة وبيان المحجَّة { لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. (3) }
وأما الاصطلاحات الشرعية فلا تقل شأناً عن سواها من البحوث، لأن هذا البحث الذي بين يديك إنما أطلت فيه لبيان أهميته. فالمصطلحات الشرعية إنما هي مفاتح فهم العقيدة، وفهم الأحكام الفقهية عند السلم العربي والأعجمي على حد سواء. وقد سبق بيان أهمية تحري الدقة في ترجمتها لبيان مراد الشارع منها.
2- لمحة تاريخية
أدت الترجمة دوراً كبيراً في نقل الثقافات القديمة إلى العصور الحديثة كترجمة كتب الفلسفات اليونانية إلى لغات عديدة. أما في عصرنا هذا، وفي هذا البحث بخاصة فيقتصر الكلام فيه على ترجمة التصوص الشرعية إلى اللغة الإنجليزية و لغات أجنبية أخرى. وعصرنا هذا يشهد اليوم حركة ترجمة واسعة في مجال علوم الدين. وهي ظاهرة قد توصف بأنها صحية تبشر بخير باعتبار أنها جانب إيجابي من جوانب الصحوة الإسلامية. لكن لا بد هنا من وقفة نطلع خلالها على نشاط الترجمة في العصور المتتالية.
__________
(1) ابراهيم:1
(2) فتاوى المسافرين والمغتربين ص 86-87 نقلاً عن كتاب (دور الترجمة الدينية) ، ص31
(3) النساء: من الآية165(5/11)
يمكن القول أن الترجمة بدأت منذ عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم. فقد بوَّب الإمام البخاري، يرحمه الله، في صحيحه باباً بعنوان: "باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد"
وقال خارجة بن زيد: "عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبت للنبي كتبه، وأقرته كتبهم إذا كتبوا إليه." وفي رواية الكشميهني "اليهودية". (1)
وفي الحديث الثاني تحت هذا الباب، أن ابن عباس قال "أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا، فإن كَذَبَني فكذِّبوه – فذكر الحديث – فقال للترجمان قل له: إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قَدَميَّ هاتين." (2)
وهذا الحديث يدل على ضرورة تعلم لغات الأعاجم؛ أولاً لتبليغهم الرسالة، ثم للأمن من مكرهم. فقد ثبت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كتب إلى هرقل وغيره من الملوك والحكام كتباً دعاهم فيها إلى الإسلام، وذكر فيها آية من كتاب الله، أو بعض آية، وكان يعلم أنها معناها سيترجم بلغاتهم.
وذكر شيخ الإسلام إبن تيمية أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه:
"إيتوني بأجمعكم بالغداة." وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا صلى الفجر يجلس في مصلاه يسبح ويدعو، ثم التفت إليهم، فبعث عدة، وقال صلى الله عليه وسلم: انصحوا الله في أمر عباده؛ فإن من أخبر عن شيء من أمر المسلمين ثم لم ينصح حرم الله عليه الجنة. انطلقوا ولا تصنعوا كما صنعت رسل عيسى بن مريم؛ فإنهم أتوا القريب وتركوا البعيد، فأصبحوا (يعني الرسل) وكل منهم يعرف لسان القوم الذين أرسل إليهم. وذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا أعظم ما كان في حق الله عز وجل عليهم في أمر عباده." (3)
__________
(1) فتح الباري، 13/230، حديث رقم:7195
(2) المصدر السابق
(3) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 1/194(5/12)
ولندرك عظيم شأن الترجمة زمن الصحابة، نذكر هنا أنهم كانوا إذ فتحوا مصراً دعوا أهله إلى الإسلام. وقد عقب الإمام عبد العزيز بن باز، يرحمه الله على هذا قائلاً:
إن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم، لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة التراجم. ولما فتحوا البلاد العجمية، دعوا الله سبحانه وتعالى باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها. ومن جهلها منهم دعوه بلغته، وافهموه المراد باللغة التي يفهمها. فقامت بذلك الحجة، وانقطعت المعذرة. ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه؛ لا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيلة بلغتها. فإن الحاجة للترجمة ضرورية، ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك. (1)
3-حركة الترجمة في العصر الحاضر
يمكن وصف هذه الحركة بأنها ظاهرة مَرَضية بقدر ما يسوغه استقراء أثر الترجمة على الإسلام والمسلمين حيث "عربت فيها كتب الفلسفة اليونانية وغيرها من كتب العقائد الوثنية في عهد المأمون، فاطلع عليها طائفة من المسلمين وانخدعوا بمقرراتها ومناهجها في البحث فاتخذوا منها ميزاناً للحقائق الشرعية، وما بلغهم من نصوص الكتاب والسنة أوّلوه ليوافق تلك المقررات الفلسفية مما نتج عنه بلاء كبير وانحراف خطير." (2)
وحول هذا الموضوع قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
__________
(1) فتاوى للمسافرين والمغتربين، ص 86-87، نقلاً عن كتاب دور الترجمة الدينية.
(2) مقدمة شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/43) اللالكائي – تخريج أحمد سعد الحمدان .(5/13)
ثم إنه لما عُرِّبت الكتب اليونانية في حدود المائة الثانية، وقبل ذلك وبعد ذلك، وأخذها أهل الكلام وتصرفوا فيها من أنواع الباطل في الأمور الإلهية ما ضل به كثير منهم. وصار الناس فيها أشتاتاً. قوم يقبلونها، وقوم يُجلّوا ما فيها، وقوم يعرضونها على أصولهم وقواعدهم فيقبلون ما وافق ذلك دون ما خالفه. وقوم يعرضونها على ما جاءت به الرسل من الكتاب والحكمة. وحصل بسبب تعريبها أنواع من الفساد والاضطراب مضموماً إلى ما حصل من التقصير والتفريط في معرفة ما جاءت به الرسل من الكتاب والحكمة. " (1)
فكانت تلك الحركة بمعنى آخر، بمثابة فجوة في سور الإسلام تسللت منها فرق ضالة اشتقت عقائدها من تلك الفلسفات.
وعلى الرغم من أن حركة الترجمة اليوم لا تقارن بتلك في عهد المأمون وخلفه؛ من حيث أن معظم المواد المترجمة اليوم هي من تأليف علماء الإسلام وطلبة العلم من أهل السنة والجماعة؛ غير أن النصوص المترجمة لا تخلو من آثار سلبية تنعكس على واقع الدعوة. فمن آثارها السلبية أنها تقلل من شأن اللغة العربية ـ لغة القرآن ـ في أعين المسلمين الأعاجم باعتمادهم على النصوص المترجمة اعتماداً كلياً يضعف همتهم لتعلم اللغة العربية، أو لبذل المجهود في نطق أحرفها الحلقية.
كان المسلمون في الماضي إذا فتحوا مصراً علّموا أهله الإسلام ولغة القرآن. فكان لهذا أثر عظيم في تمسك المسلمين بدينهم، وسلامة معتقداتهم من كل تحريف. ثم تحول الحال بعد ذلك تحولا سلبيا في العصور المتأخرةً لما تساهل المسلمون في أمر لغتهم. وحول هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
__________
(1) بيان تلبيس الجهمية (1/324)(5/14)
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم. ولا ريب أن هذا مكروه؛ إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب والدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف. (1)
واليوم، و بعدما بَعُدَ عهد المسلمين بماضيهم التليد، وأصابهم الوهن، ونزع الله هيبتهم من قلوب أعدائهم، وذهبت ريحهم، فتداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، صار كلما استباح مستعمر بيضتهم واحتل مصراً من أمصارهم، حصر همّه بادئ ذي بدء في القضاء، لا على شعائرهم الإسلامية، فجذورها في قلوبهم أقوى من أن تستأصل، بل على لغتهم العربية بأساليب مختلفة. إما بالتدرج. كما كان الحال في بعض البلدان العربية التي كانت مستعمرة. أو بالقوة كما كان الحال في تركيا وسائر دول البلقان المسلمة، حيث فرض على شعوبها استعمال الأحرف اللاتينية بدلاً من الأحرف العربية التي منعوا من تعليمها وتعلمها و التكلم بها. وتم بهذا إيجاد فجوة بين أجيالهم المتقدمة وأجيالهم المتأخرة، من جهة، وبينهم وبين إخوانهم المسلمين العرب من جهة أخرى.
4-أنواع الترجمة
* الترجمة الحرفية ونتائجها السلبية
الترجمة الحرفية.. أسبابها وتبعاتها
وهي نقل مفردات نص إلى مفردات باللغة المترجم إليها مع التزام الصورة اللفظية والنسق الذي وردت فيه مثل: إدارة عامة Administration public فمن المعلوم أن الصفة تتبع الموصوف في اللغة العربية؛ بينما هي على العكس من ذلك في اللغة الإنجليزية. والترجمة الحرفية قد تثير سخرية القارئ من أجل الصياغة الركيكة، وقد تشوه معنى الجملة برمته.
وهذا مثال آخر قي ترجمة قوله تعالى:
{ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى. (2) }
__________
(1) شيخ الإسلام إبن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم ، 1/526
(2) طه:67(5/15)
And he sensed within himself apprehension, did Moses.
ومعنى هذه الترجمة الحرفية:
وهو شَعَر في داخل نفسه توقع شر، فعل موسى.
وتيدو الركاكة واضحة في الصياغة هذه الترجمة. نجد هنا أن الترجمان لم ينقل الفكرة، بل نقل إلى الإنجليزية كلمات النص كما صيغت بالعربية. وقد كان من الممكن تغيير مواقع الكلمات في هذا النص بشكل يغطي ضعف الترجمان في الإنجليزية لأن ذلك لا يخل بالمعنى العام، وأنه يقرب إلى الذهن الفكرة العامة للنص. كأن يقول:
Musa became apprehensive
شعر موسى بالخوف، أو خاف موسى.
ومثال آخر على الترجمة الحرفية قوله تعالى:
{ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا. (1) }
And they have made the angels, who are the servants of the Most Merciful, females.
وهذه ترجمة الترجمة:
وعملوا الملائكة الذين هم خدم للرحمن إناثاً. (2)
وهذه ترجمة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف:
And they make into females angels who themselves serve Allah. their evidence will be recorded.
ويعملون إناثاً ملائكة الذين هم أنفسهم يخدمون الله وسوف يسجل دليلهم.
إن الغرض من الترجمة هو نقل المعلومة من لغة إلى أخرى، أو نقل الفكرة بأحرف وكلمات واصطلاحات تختلف برمتها عن مثيلاتها في لغة المتلقي لتلك الفكرة. ولهذا قال أهل العلم أقوالاً تتضمن تحريم الترجمة الحرفية لأنها لا تفي المعنى حقه. قال الشيخ إبن عثيمين:
__________
(1) الزخرف: من الآية19
(2) ترجمة معاني القرآن الكريم،دار أبي القاسم للنشر (المنتدى الإسلامي) مراجعة وتحرير صحيح انترناشنال(5/16)
الترجمة الحرفية بالنسبة للقرآن الكريم مستحيلة عند كثير من أهل العلم؛ وذلك لأنه يشترط في هذا النوع من الترجمة شروط لا يمكن تحقيقها؛ منها وجود مفردات مماثلة بين اللغتين، ووجود أدوات للمعاني متشابهة في اللغتين، وتماثل ترتيب الكلمات في الجمل والصفات والإضافات. (1)
وإلى جانب هذا، هناك عامل "سيكولوجي" يغفل عنه غالبية العاملين في هذا المجال؛ وهو أن الذي ينقل الفكرة من لغته إلى لغة أخرى لا يدري أن المؤثرات الثقافية لدى المستهدفين بالترجمة تتحكم في فهمهم الأفكار الجديدة والمستحدثة سلباً أكثر منها إيجاباً.
ولبيان هذه الحقيقة أسوق المثال التالي: فاصطلاح (العِرْض أو الشرف) له مدلول خُلُقيٌ واجتماعي لدى العرب بخاصة، والشرقي بعامة يختلف عن مدلوله في الثقافة الغربية. فإذا ورد هذا الاصطلاح في نص عربي للترجمة فلا يمكن أن يُكتفى بترجمته بكلمة تقابل المعنى اللغوي في اللغة الأخرى. ككلمة (Honor).
ففي هذه الحالة لا بد من بيان مضمون هذا الاصطلاح. أي لا بد من بيان الحقيقة الشرعية لهذا الاصطلاح ليتمكن القارئ من استيعابه. وإلا فإن الاكتفاء بالحقيقة اللغوية تفوت عليه ذلك؛ وهذا هو عين الترجمة الحرفية.
والذي يبدو من النصوص المترجمة أن الترجمان الذي يلتزم الترجمة الحرفية يلجأ إليها لأسباب منها: عدم استيعاب الترجمان أسس وأصول الترجمة. فهو يظن أنه لا فارق بينها وبين الترجمة التجارية، وأن الذي عليه هو نقل مفردات نص من لغة إلى مفردات لغة أخرى، بغض النظر عما إذا اتضح المعنى أم لم يتضح.
النتائج السلبية للترجمة الحرفية
ليس المهم هنا بيان كثرة النتائج السلبية للترجمة الحرفية لآي القرآن بخاصة، والنصوص الشرعية بعامة. فلو لم يكن لها سوى نتيجة سلبية واحد لكفى بها تحذيراً.
__________
(1) أبو عبد السلام النيجيري،دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله تعالى، ص 42 (نقلت بتصرف)(5/17)
هناك عدد من المؤثرات السلبية للترجمة أخصُّ منها عدم معرفة كثير من التراجم بعقيدة أهل السنة والجماعة، وعلوم الإسلام. وهذا ما يدفعهم إلى تأويل الأسماء والصفات.
ومنها أيضاً أن التراجم ذوي العقائد الفاسدة، وأتباع المذاهب الهدامة يروجون عقائدهم من خلال ترجماتهم. ومنها جهل الترجمان بالناسخ والمنسوخ من كتاب الله وسنة رسوله.
ومنها اعتماد التراجم المعنى اللغوي للكلمة باعتمادهم على المعاجم المدرسية ، أو ما تسمى بمعاجم الاصطلاحات الإسلامية، دون الرجوع إلى أهل العلم ومراجعهم لمعرفة تأويل كلام الله، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم. ومنها اكتفاء القارئ بترجمة النص والاستغناء به عن تعلم العربية.
وهناك مؤثرات سلبية أخرى للترجمة الحرفية في مجالات أخرى؛ وهو أن من أعداء الإسلام من يفرح بالترجمة المعلولة ويستغلها لضرب القرآن بعضه ببعض. ويكفي هنا ما ذكره الدكتور موريس بوكاي مثلاً لهذه الترجمة حول تكوين الحليب في جسد الإنسان والحيوان؛ وأن من التراجم من ترجم كلمة الفرث (الغائط).
ويمكن بعد ذلك تصور ردود أفعال علماء الطب والتشريح حين يقرؤون مثل هذه الترجمة. ذلك بأنهم لا ينحون باللوْم على الترجمان؛ بل يقولون أن نصاً كهذا لا يمكن أن يكون وحياً. بل هو من عند بشر. وهذا نتيجة عدم رجوع الترجمان إلى المراجع العلمية التخصصية.
* ترجمة المعنى(5/18)
إن من المسلم به أن ترجمة ألفاظ وآي القرآن الكريم ليست القرآن ذاته، لذا فإن التقيد بحرفية النص حين الترجمة غالباً ما يشوه معنى النص؛ غير أن المشكلة أن كثيراً من التراجم من يتقيد بنسق العبارة في اللغة العربية الذي يعطي الصياغة رونقاً وجمالاً وحسن بيان يتذوقه القارئ العربي، ويقدر قيمته الجمالية؛ غير أن هذا كله لا يتوفر في اللغة المترجم اليها. بل ربما يتغير معنى النص لوتقيد الترجمان بهذه المحسنات. فعلى سبيل المثال من التعبير الجميل الذي ينم عن الحياء الإلهي في الكناية عن الجماع. يقول تعالى: "أو لامستم النساء." فلو ترجمت هذه الكلمات بحرفيتها لفهم القارئ أنه ينبغي عليه الوضوء كلما مست يده يد زوجه. فالمقصود بالملامسة في هذا السياق هو الجماع وليس اللمس.
وكذلك في قوله تعالى : "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن." نجد أن كثير من الترجمات لهذه الآية تقول: "هن ثياب لكم وأنتم ثياب لهن." ومنهم من قال هن سراويل لكم وأنتم سراويل لهن." أو شيئ من هذا القبيل. وقد يستهجن القارئ الأعجمي هذه الترجمة لأن هذا التعبير لا يوجد في اللغة الإنجليزية. وعليه يصبح لزاماً على الترجمان أن يعطي معنى أو مفهوم الآية بدلاً من ترجمتها حرفياً.
لما اقتضت الضرورة تبليغ هذا الدين عملاً بأمر المصطفى، صلى الله عليه وسلم؛ ولما كان الأعاجم هم الغالبية الساحقة من المسلمين فقد اقتضت الضرورة تعليمهم أمور دينهم، وأوامر ربهم، وسنة نبيهم بلغاتهم لصعوبة تعلمهم العربية في الظروف الراهنة. ولا يمكن تحقيق هذا إلا بترجمة معاني آي القرآن وأحكامه وغير ذلك إلى اللغة الني يتكلمونها، فاقتضت الضرورة دعوتهم بلغاتهم أيضا.
وهذا يعني أن هذا النوع من الترجمة يدخل في حيز الوجوب؛ كما بين الشيخ محمد بن صالح العثيمين، يرحمه الله:(5/19)
وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل؛ لأنه لا محذور فيها. وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين بالعربية، لأن إبلاغ ذلك واجب؛ وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (1)
غير أنه لا ينبغي أن يؤخذ هذا القول على إطلاقه؛ ذلك بأنه لا بد لهذه الترجمة من شروط وقيود أهمها التقيد بفهم السلف الصالح لنصوص القرآن والعقيدة، وان لا يصدر إلا عن مصدرَيْ الشرع: الكتاب والسنة، ثم عن آراء أهل العلم المشهود لهم بسلامة المعتقد من السلف والخلف.
هذا إلى جانب حصول الترجمان على المؤهلات الشرعية التي تمكنه من نقل الفكرة إلى اللغة الأعجمية على مراد الله ومراد رسوله.
وينبغي على الترجمان أيضاً أن يعوِّدَ المسلم الأعجمي على استعمال الاصطلاحات الشرعية، وأسامي كتب الله وأنبيائه كما ذُكِرت في القرآن وأن يضع ترجمتها بين قوسين.
5- النتائج الإيجابية لترجمة النصوص الشرعية
إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، بالرسالة الخالدة لتكون بلاغاً للناس كافة وعامة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ونظراً للاعتبارات التي سبق ذكرها، فإن ترجمة النصوص الدينية هي أقوى وسيلة إعلامية لتحقيق هذا الهدف السامي. إذ بها يعلم العباد ذوو العلاقة أمر الله ونهيه.
ومن هذا الجانب يمكن القول أن لترجمة النصوص الشرعية محاسن جمة إذا ما روعيت شروطها، منها:
__________
(1) أصول التفسير، نقلاً عن كتاب دور الترجمة الدينية لأبي عبد السلام النيجيري.(5/20)
1-تبليغ الرسالة الإلهية لسائر الخلق. فقد ساعدت الترجمة على نشر الإسلام في شتى بقاع العالم واتساع رقعته اتساعاً أفقياً، وذلك بازدياد نسبة المسلمين في العالمين، الغربي والشرقي بشكل ملحوظ. فما زلت أذكر قبل ما يزيد على عشرين سنة. حين كنت أسكن في مدينة تسمى (سَرِي (Surrey على الساحل الغربي لكندا أني جلست في المسجد يوماً بعد الصلاة، فرأيت وجوهاً جديدة. وبعد الترحيب بهم سألتهم: من أين القوم؟ قالوا: من مدينة آنكورِجْ Anchorage. قلت: ما شاء الله وهل يوجد في تلك البقعة من الكرة الأرضية مسلمون؟ قالوا: نعم. يبلغ عددنا قرابة العشرين. ولدينا مسجد صغير. فكبرت لسماعي هذا النيأ . (1)
بقي أن تعلم أن مدينة آنكورِج هذه تقع على ساحل المحيط المتجمد الشمالي؛ أي قريباً من القطب الشمالي للكرة الأرضية؛ وتسمى منطقة شمس منتصف الليل؛ حيث تظل الشمس بازغة حتى منتصف الليل. و يبلغ طول الليل في فصل الشتاء أكثر من ستة أشهر. كما يدوم النهار فيها طوال فصل الصيف. أليس هذا مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار. ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين"؟ (2)
2-كثرت الجمعيات التابعة لأهل السنة والجماعة في أمريكا الشمالية بفضل الله، بعد أن انتشرت وسائل الدعوة المكتوبة والمسموعة والمرئية. وأذكر أيضا أن عدد أهل السنة بين الأمريكان السود قبل ثلاثين سنة كان ضئيلا جداً. وكانت جماعة البلاليّين هي الجماعة الأم للسود في الشمالية. أما اليوم فما من مدينة في أمريكا الشمالية إلا وفيها جماعة، أو تجمعات لأهل السنة والجماعة.
__________
(1) ذكر لي أحد الإخوة الأمريكان أن عدد المسلمين حول القطب الشمالي بلغ قرابة 2000 مسلم، ولله الحمد والمنة.
(2) الصحيحة رقم الحديث 3(5/21)
3-صار الإسلام يحتل المرتبة الكميّة الثانية. وهذه ظاهرة تبشر بخير. فلو نظرت إلى أمريكا الشمالية، والجنوبية، وأوربا لتبين لك أن دين الإسلام أسرع الأديان انتشاراً فيها، رغم ضآلة موارد دعاته. وهذه ظاهرة تقض مضجع هيئات التنصير ودولهم التي تضع تحت تصرفها ميزانيات هائلة.
4-إن وجود عدد كبير من مكاتب دعوة الجاليات في المملكة السعودية، ساهم وما زال يساهم في زيادة عدد المسلمين الجدد فيها ومتابعتهم، وإعداد دورات تخصصية لهم في اللغة العربية، وعلوم العقيدة، والشريعة وعلوم الدين الأخرى.
5-في هذا العصر الذي هيمنت الوسائل الإلكترونية (الإنترنت) على كل وسائل الإعلام، وطغت عليها، فقد تصدرت الترجمة كل أدوات هذه الوسيلة. وعلى الرغم من سلبيات هذه الوسيلة إلا أنه لا يمكن تجاهل أهميتها كوسيلة لدحض شبهات أعداء الإسلام وإعطاء صورة ناصعة له من مواقع نظن في القائمين عليها خيراً.
وكما أن لأهل السنة والجماعة مواقع في الإنترنت، فيه كذلك مواقع للفرق الضالة التي تنشر فسادها، فقد ساهمت الترجمة في كشف شبهات هذه الفرق، وفضح عورها.
6-النتائج السلبية لترجمة النصوص الشرعية
مهما بلغت النتائج الإيجابية للترجمة كثرة، فإنها لا يمكن أن تستوعب علل نتائجها السلبية، ولا أن تدرأ خطرها. فمنها:
1- عدم وضوح مسائل العقيدة ، والعلوم الشرعية عند التراجم ؛ مما يؤثر على فهم القارئ أو السامع لنتاجهم. ولقد راجعت كثيرا من أعمال الترجمة، فوجدت أن كثيراً من التراجم غير مؤهلين للقيام بهذه المهمة الجليلة وهذا العبء الثقيل. ولا يمكن إنكار الرغبة الصادقة لديهم في العون على نشر الإسلام؛ إلا أن ضعفهم في العلوم الشرعية، أو اللغة الإنجليزية، أو العربية، أو في كلتيهما حال دون تحقيق هدفهم.(5/22)
2- انتشرت بين الكثير من المسلمين الأعاجم العقائد الفاسدة ؛ وذلك بسبب وفرة إنتاج الدعاة لتلك العقائد الفاسدة منهم في مجال الترجمة. فقد سبقوا سائر المسلمين في هذا المجال، سواء في ترجمة معاني القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وكثير من العلوم الشرعية.
3- تلقف التراجم العرب وغير العرب أعمال هؤلاء، واعتبروها مرجعاً لهم دون تبين مواطن الضعف والزلل فيها، ونقلوا عنهم ترجمة الاصطلاحات الشرعية بعجرها وبجرها، وتناقلوها بيتهم. مثل الترجمة غير الصحيحة لمعنى (صلى الله عليه وسلم ((peace be upon him ومعنى (خاتم الأنبياء ((The seal of the Prophets. والواقع أن هذه المثلبة هي واحدة من أهم أسباب كتابة هذا البحث.
4- ساعدت الترجمة في ازدياد عدد المتسورين سور العلم من الأعاجم الذين لا تتقن غالبيتهم الساحقة اللغة العربية؛ ومع هذا، فهم يعتلون منابر الدعوة في الإنترنت ووسائل الإعلام المتنوعة. والأعجب من هذا أنهم حازوا على رضا أهل الخير من المسلمين العرب، فأمدوهم بأموال طائلة بحسن نية، ورغبة في نشر الإسلام دون أن يطلعوا على الطامّات في كتبهم، ومحاضراتهم مما ساعدهم على نيل الشهرة في بلدان كثيرة. وقد تدفع الشهرة بعضهم احدهم إلى عدم قبول الحق. ولا يجد من ينتقدهم أذنا صاغية ولا واعية.
5- اعتماد التراجم على المعاجم المدرسية في ترجمة النصوص الشرعية، أو على ما تسمى بالمعاجم الإسلامية التي هي من تأليف عرب وأعاجم من الذين مرَّ ذكرهم آنفاً مما يجعل الترجمان يعتمد المعنى اللغوي للاصطلاح الشرعي لعدم معرفة معناه الشرعي؛ كمثل الذي ترجم معنى اسم الله الظاهر(The Apparent) أي (الواضح للعيان) وسبب هذه المشكلة عدم رجوع الترجمان إلى المراجع العلمية الموثقة، أو سؤال أهل العلم عن معنى هذا الإسم.(5/23)
6- اعتبار ترجمة النصوص الشرعية المترجمة مرجعاً فوق الشبهات، والاستغناء بها عن أمهات المراجع. وكتب أهل العلم، واستعمال الترجمة كمرجع للفتيا.
7- عزوف كثير من الأعاجم عن تعلم اللغة العربية. وهذا من أعظم المصائب المترتبة على ترجمة النصوص الشرعية.
الفصل الثاني: طبقات التراجم، نقاط الضعف،
1- طبقات التراجم
2- الضعف اللغوي
3- نماذج من الأخطاء
4-المعذِِّرون وخطورة استعمال الاصطلاحات الإنجيلية
1-طبقات التراجم
وكرافد لهذا البحث فقد رأيت أن أتعرض لطبقات التراجم وبيان أهمية العلم الشرعي، وأهمية تمكن الفرد منهم من اللغة الأجنبية التي ينقل إليها النص العربي. ثم تصنيفهم مع استعراض الأخطاء التي يقع فيها أفراد كل طبقة من خلال دراسة أعمالهم التي راجعتها، وتحليل هذه الأخطاء التي وقعوا فيها، وبيان أسبابها.
وبناء على ما تقدم يمكن تقسيم التراجم إلى أربع طبقات:
1 ـ من لديه علم شرعي ويجيد اللغتين العربية والأجنبية والإنجليزية. وهي اللغة التي يعنيها هذا البحث. وهؤلاء هم أولى الناس بالقيام بمهمة التأليف باللغة الإنجليزية والترجمة منها وإليها.
2 ـ من لديه علم شرعي ويحسن التكلم بلغة أجنبية دون أن يتقن قواعدها واستعمالاتها.
3 ـ من ليس لديه علم شرعي ويتقن اللغة الأجنبية دون العربية.
4 ـ من لديه بضاعة مزجاة من علم شرعي ويتكلم اللغة الأجنبية دون إتقان قواعدها، ودون إتقان قواعد اللغة العربية.
2-الضعف اللغوي
أما الطبقة الأولى فأمرها بيّن، وهى ليست طرفاً في هذا البحث. وأما الطبقات الثلاثة الأخيرة فهي التي اجتمعت فيها نقاط الضعف، وعليها مدار البحث.(5/24)
تتركز نقاط ضعف الطبقة الثانية حول عدم القدرة على التعبير عن الفكرة باللغة الأجنبية بأسلوب لغوي سليم. وباعتبار أن أفراد هذه الطبقة ذوو علم شرعي، فقد لا يجرؤ أحدهم على الخوض بقلمه في مجال الترجمة، فيحول بينه وبين ذلك الخوف من الله ثم الشعور بجلالة المسؤولية. وإن فعل فإنه يقتصر على الدعوة بلسانه، أو أن يلجأ إلى من يظن انه متمكن من اللغة الأجنبية من أجل ترجمة ما يكتب. وهذا أمر محمود.
وأما الطبقتان الثالثة والرابعة فتتكونان من عرب ومن عجم. وهم أجرأُ الناس على ترجمة النصوص الإسلامية. ولا سيما إن كان لدى أحدهم نزر يسير من العلم الشرعي. فالأعجمي منهم، وإن تكلم العربية، فهو لا يجيد قواعدها ولا يعرف استعمالاتها، وإن أشدَّ ما يعجزه فهم الاصطلاحات الشرعية. وأمثال هؤلاء يقعون في أخطاء كبيرة، ولا سيما إذا كان موضوع الترجمة أمراً يتعلق بمسائل العقيدة. ذلك بأن أحدهم يستقى معلوماته عن الإسلام من مصادر مكتوبة بلغته الأم التي يصعب توثيقها، أو باللغة الإنجليزية، فيأخذ من هذه أو تلك دون القدرة على التأكد من صحة المعلومات التي استمدها منها.
أما فيما يتعلق بالمصادر الحديثية، فغالباً ما يرجع هؤلاء إلى ترجمة لمعاني الحديث النبوي المتوفرة في الأسواق، والتي هي الأخرى مليئة بالأخطاء اللغوية، والعقدية، والاصطلاحية. ولنا وقفة معها إن شاء الله. فينقلون نصوصاً من تلك المصادر بعلاَّتها فتخرج من بين أيديهم مشوهة كما تدل عليه نماذج أخطائهم المدرجة أدناه.
وعلى الرغم من جرأة الأعجمي على الترجمة والتأليف بغير العربية، إلا أنه يندر أن يحاول ترجمة معنى آية قرآنية. بل يفضل في الغالب، الاعتماد على ترجمات معاني القرآن المتوفرة. وعلى ترجمة يوسف علي بخاصة؛ وهي مشهود لها بأنها من أسوأ الترجمات، إن لم تكن أسوأها.(5/25)
بينما نجد زميله العربي في طبقته أجرأ منه على تلفيق ترجمة لمعنى آية من ترجمات مختلفة. وكثيراً ما يخفق هذا الأخير من إعطاء الآية حقها كما سنرى. وَمَرَدُّ ذلك اعتداده بلغته العربية، بغض النظر عما يعانيه من ضعف في لغته الأجنبية وقواعدها، و عدم رجوعه إلى التفاسير المعتمدة لدى أهل السنة. وسيتبين هذا الأمر جلياً عند استعراض بعض أعمالهم.
المعذِّرون
يشعر أفراد هذه الطبقة بشيء من الحرج حين يتكلم أحدهم عن جوانب معينة من الإسلام كمفهوم العبودية، أو تعدد الزوجات، أو الطلاق، أو العدة، أو ما أشبه ذلك. فترى أحدهم يقدم المسوِّغات لهذه الأحكام بأسلوب اعتذاري قبل المضي في الكلام عنها. أو تراه يستعير اصطلاحات وعبارات إنجيلية تعطيه جرعة من الجرأة على الاستمرار في الخوض في بحثه أو موضوعه من غير حرج.
ثمة عوامل عديدة وراء هذا الموقف ؛ أهمّها عوامل نفسية فيها شيئ من انعدام الثقة. ولا أقصد التعميم بقولي هذا، أو أن الترجمان يقيم في دولة غربية يخشى أن تثير ترجمته فيها ردة فعل غير حميدة. فربما يلجأ أحدهم إلى استعارة اصطلاحات إنجيلية إما لضعف ذخيرة المفردات لديه، أو لقصر باعه في العلم الشرعي، أو لضعفه في اللغة الأجنبية.
وتزداد المشكلة خطورة إذا كان الموضوع يتعلق بالعقيدة؛ إذا كان الترجمان ذا عقيدة غير سليمة. ذلك بأن قرّاء هذه الكتب ـ عموماًـ لا يتكلمون العربية. فلا يميِّز أحدهم الخطأ من الصواب، ولا يستطيع الرجوع إلى أصل النص لتحري الصواب. فيبقى الكتاب متداولاً بين القراء إلى أن يقع في يد من يتكلم اللغتين العربية والإنجليزية فيكشف عيبه.
نماذج من أخطائهم
? القرآن.. ترجمة جديدة
"غير المغضوب عليهم" (1)
Those who incur no anger
__________
(1) هذه صفحة لا رقم وقد وردت فيها ترجمة سورة الفاتحة. التي جاءت بعد المقدمة مباشرة.(5/26)
وهذه الترجمة وردت في ترجمة معاني القرآن تولت نشرها جامعة اكسفورد، وتعني: "الذين لم يستجلبوا غضباً." فقد صاغها الترجمان العربي بهذه الكلمات بقصد واضح تحاشى أن يعطي المعنى الكامل لهذه الآية كما دل على ذلك تعليقه التالي في الحاشية حيث قال: "لاحظ أن فعل الغضب هنا لا يعزى إلى الله." والسؤال: إن كان فعل الغضب لا يعزى إلى الله فمن الغاضب إذأً، ومن المغضوب عليه في هذه الآية؟ وفي من قال تعالى: "غضب الله عليهم ولعنهم"؟
ثم إنه نفى أن كلمة (curse) تعني "اللعن" فقال في تعليقه عليها قائلاً: "تعطي القواميس العربية فعل اللعن معنى "الطرد والإبعاد بدلاً من معنى اللعن.
وترجم قوله تعالى: "كونوا قردة خاسئين." "كونوا مثل القردة." أو "تشبهوا بالقردة." "كونوا مطرودين." ويلاحظ هنا أنه إلى جانب تحريف المعنى فإن الترجمان فصل الجملة إلى جملتين بصيغة الأمر: "كونوا مثل القردة، ثم وضع نقطة بين هذه الجملة وجملة "كونوا مطرودين."
ولبيان الأويل الصحيح لهذه الآ ية، قال أبو جعفر الطبري: وهذا القول الذي قاله مجاهد،(تفسير الطبري - (مسخت قلوبهم، ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم، كمثل الحمار يحمل أسفارا.) قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف، وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. (1)
ثم كتب الترجمان في الحاشية: "فهم البعض هذه الكلمات على أنها تعني المسخ الجسدي. والحقيقة أن هذه الكلمات هي مجرد تشبيه مجازي، وأن قوله: "كونوا قردة" كقوله في سورة الإسراء: "كونوا حجارة أو حديداً."
وترجم قوله تعالى: "لعنهم الله بكفرهم" "طردهم أو رفضهم.." دون أن يبين مم طردهم. إذ لو قال: "طردهم الله من رحمته" لوضح المعنى. وزعم أن كلمة (لعن) في القواميس العربية تعني الطرد وليس اللعن..
? كتاب التوحيد
__________
(1) تفسير الطبري - (ج 2 / ص 173(5/27)
لا شك أن كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، عظيم الفائدة، وقد عكف على دراسته وشرحه عدة من أهل العلم. كما أنه يدرس في مؤسسات تعليمية في أنحاء العالم. وحري أن يترجم كتاب كهذا إلى لغات مختلفة من قبل مختصين لتعم فائدته. إلا أن الترجمة الإنجليزية لهذا الكتاب أذهبت بريقه، وجففت خصبه. ولا أنوي الوقوف عند كل خطأ وقع فيه الترجمان. إذ لا تكاد صفحة منه تخلو من أخطاء. ولكنى اكتفيت بما أظن أنها أشدها خطراً.
قال الترجمان في مقدمته لهذا الكتاب:
In Islam, the will to freedom from superstitions operates under and in the name of Tawheed, for as Muhammad b. Abd al Wahhab so clearly shows in the following pages, Tawheed was itself originally a movement launched against superstitions. (p.xx).
إن إرادة التحرر من الخرافات في الإسلام تعمل تحت التوحيد وباسمه لأنه، كما بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الصفحات التالية أن التوحيد نفسه كان حركة شنت ضد الخرافة . صفحة (xx)
وبعد مراجعة النص العربي للكتاب بحثاً عن كلمة خرافة فلم أجدها. والذي يبدو لي أن الترجمان قصد بكلمة "الخرافة" الشرك. فكما لا يخفي على مسلم من عوام المسلمين، فضلاً عن طالب علم أو مؤلف، أن دعوة التوحيد التي أرسل الله بها رسله إنما هي دعوة لتطهير الأرض من الشرك ودعوة العباد إلى عبادة رب العباد. فعلى الرغم من وجود الخرافات بين المشركين؛ غير أنه لم يذكر نبيٌ من الأنبياء، أو رسولٌ من الرسل أن دعوته كانت حركة ضد الخرافات.
وليس من المعلوم لغة ولا شرعاً أن الخرافة تعني الشرك؛ ومن الواضح لكل ذي حِجا أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لم يتكلم في كتابه عن اليونانيين أو الفرس. بل عن المسلمين العرب. وكان الشرك أكبر كبائرهم قبل الإسلام، كما كان ذلك في عصر الشيخ، رحمه الله.(5/28)
لست هنا بصدد الحكم على نوايا التراجم أو المؤلفين، بل بصدد الحكم على ظاهر النصوص التي يترجموها. فقد كان حريٌ بالترجمان أن يقرأ شرح كتاب التوحيد من أجل فهم النص قبل ترجمته لكي يتحاشى ما وقع فيه من أخطاء بعيدة الأثر. ثم وقع الترجمان في السطر الثاني من الصفحة الأولى، في خطأ آخر لا يقل خطورة عن سابقه حين ترجم قول الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (1)
I have not created jinn and mankind except to serve Me.
وما خلقت الجن والإنس إلا ليخدمون.
وهذا ما يسمي بالموقف الإعتذاري. وذلك لان كلمة "خدمة" و"خادم" يستعملهما النصارى مقابل "عبادة" و"عبد." أي أنها من الألفاظ الإنجيلية.
وتحت باب "فضل التوحيد وما يكفر الذنوب" من كتاب التوحيد، صفحة (8) ترجم كلمة "ظلم" في قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ. } الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم بكلمة (Injustice) أي الإجحاف المنافي للعدل. وهذا يؤكد ضرورة اطّلاع الترجمان على المراجع ذات العلاقة بالموضوع المزمع ترجمت قبل الشروع في ترجمته. ذلك بأن الاعتماد على الرأي في تفسير القرآن هو منزلقٌ خطيرٌ لا تحمد عقباه. ولو رجع الترجمان إلى التفاسير المعتبرة لعرف الفرق بين المعنى المقصود لكلمة (ظلم) في سياق الآية التي وردت فيها والمعنى اللغوي الذي أعطاها إياها.
__________
(1) الذاريات:56(5/29)
ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تأويله لمعنى هذه الآية: أخرج البخاري وغيره عن عبد الله، قال: "لما نزلت هذه الآية { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. } (1) شقَّ ذلك على الناس. فقالوا: يا رسول الله! أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: انه ليس الذي تعنون. ألم تسمعوا قول العبد الصالح -يقصد لقمان-: { يابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ اُلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيٌم. } (2) إنما هو الشرك." (3)
فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن "الظلم" في سياق هذه الآية لم يقصد به الإجحاف، بل هو الشرك. فعلى الرغم من أن الشرك ظلم عظيم، غير أن المطلوب هنا هو ترجمة هذا الإصطلاح بلغة قوم لا يستعملون هذه اللفظة إلا لمعنى واحد وهو الجور المنافي للعدل فالرجوع إلى المصادر الموثقة لا تعين الترجمان وحده على فهم النص ، بل وتعين القارئ الأعجمي على فهمه أيضاً.
إن ترجمة النصوص الأدبية أسهل بكثير من ترجمة النصوص الدينية. والواقع أنه يمكن اعتبار النصوص الدينية عموماً، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية خصوصاً كمقياس أو معيار لقدرة الترجمان على نقل الفكرة بوضوح من لغة إلى أخرى، وعلى إلمامه بالاستعمال اللغوي سواء في العربية أو في الإنجليزية.
الفصل الثالث: مسئولية الترجمة، وعدة الترجمة
7- التفكير باللغة المترجم اليها
8- إستعمال مصطلحات إنجيلية
9- إستعمال اللغة الإنجليزية القديمة
10- مسؤولية الترجمان
11- عقبات في طريق الترجمان
12- مؤهلات الترجمان والمصادر العلمية التي ينبغي عليه اقتناؤها
التفكير باللغة المترجم اليها
__________
(1) الأنعام:82
(2) لقمان:
(3) صحيح مسلم(5/30)
وهناك عقبة أخرى يواجهها الترجمان العربي والآسيوي بعامة، وهي عدم قدرته على التفكير باللغة الأجنبية التي يترجم إليها، كالإنجليزية ـ مثلاً ـ أن كانت هي اللغة التي يستعملها. وهذا أمر يصعب تحقيقه لمن لم يقض سنين طويلة في بلد يتكلم أهلها الإنجليزية. لذا تسهل معرفة ما إذا كان الترجمان عربيا أو شرقياً بمجرد قراءة النص الذي ترجمه.
فالفكرة هي عبارة عن تصور ذهني، أو معنى قائم في العقل مستمد من العالم الذي يحيط بالمرء، مبني على أسس ومنهج ثقافته. والثقافة بمفهومها العام هي عبارة عن قيم وأخلاق ونمط حياتي وفكري لمجموعة من الناس. ومما لا ريب فيه أن نقل فكرة من الأفكار إلى لغة أخرى يتطلب استيعاب النمط الفكري للشخص المنقولة إليه حتى يكلل هذا النقل بالنجاح.
ونظراً لكون الترجمان العربي يفكر بالعربية حين يترجم نصاً ما، فهو يلجأ إلى الترجمة الحرفية و يتصور أن من يقرأ ترجمته سيفهم فكرة النص كما فهمها هو. وتظهر نتائج هذه المشكلة عند قراءة الأعجمي للنص المترجم، إذ يصعب عليه الفكرة التي يحملها النص الأصلي.
والمقصود بكلمة "التفكير" في هذا المجال هو اتباع التصور الذهني من أجل الوصول إلى قناعة تحقق قبول فكرة أو عقيدة معينة. ويتم ذلك عن طريق الحوار الذاتي للترجمان، أو المؤلف . ويتحقق هذا حين يعتبر الترجمان نفسه كما لو كان هو المتلقي أو القارئ الذي سيقرأ ما كتب. فيسأل نفسه هل وضحت الفكرة، أي فكرة النص المكتوب، وإلا لا بد من إعادة صياغتها بوضوح ليتحقق الهدف من ترجمتها.(5/31)
إن نقل فكرة من لغة إلى أخرى يتطلب أكثر من مجرد معرفة لغوية. فلربما يتمكن الترجمان من ترجمة نص عربي إلى لغة أجنبية باختيار مفردات تقارب في معانيها مفردات اللغة الأخرى. غير أن هذا لا يعني أنه نجح في نقل الفكرة التي بحملها النص العربي غلى ذهن القارئ الأعجمى؛فإن كان الترجمان نفسه لم يفهم تلك الفكرة فهماً واضحاً فلن يتمكن من نقلها إلى غيره بوضوح.
إستعمال مصطلحات إنجيلية
إن كثيراً من التراجم، من يستعين بترجمة يوسف علي لمعاني القرآن دون التأكد من صحة الترجمة الواردة فيها. فينقلون عنه كغيرهم من المؤلفين والتراجم كما ذكرت آنفاً حول ترجمة قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدوُن } :(That they may serve Me.) وهذه الجملة تعني (لعلهم يخدمون). وكما هو واضح أن (إلاّ) في هذا السياق هي أداة حصر ووجوب. وشتان ما بين (إلا) وبين (May) التي تعني (لعل). ثم إنه ليس في الآية كلمة (لعل) فهي من إدراج الترجمان.
وكذا كلمة (Temple) وتعني "معبد" فيستعملها بعض التراجم بدلا من كلمة "الكعبة". وقد لا يكون مستهجناً لو استعملها غير مسلم أو مستشرق. بل المستهجن أن يطلقها مسلم على الكعبة فيقول: ( (The Temple of Makkah معبد مكة. وهذه الكلمة "معبد" إذا وردت في نص فإنه يعلم مباشرة أن المقصود به مكان عبادة لغير المسلمين.
وكذلك كلمة "خدمة" و "خادم" بدلاً من "عبادة" و"عبد" أو "عابد"
يتبين من هذا أن الترجمة مهمة ذات تبعات لا يستهان بها. فإن زلتّ قدم الترجمان زلت معه أقدام كثير من قرّائه.
استعمال اللغة الإنجليزية القديمة(5/32)
لم تعد اللغة الإنجليزية القديمة، والتي يشار إليها باللغة الشكسبيرية، أو اللغة الإنجيلية، تحظى باحترام البريطانيين أنفسهم بعد أن كان التكلم بها في يوم من الأيام مظهراً ارستقراطياً؛ والتي حرص التراجم الإنجليز على استعمالها في ترجمة الأناجيل من اللغة اللاتينية إلى الإنجليزية حتى عهد قريب. ثم لم يلبثوا أن هجروها إلى غير رجعة؛ فظهرت ترجمات جديدة للأناجيل بلغة انجليزية حديثة في العالم الغربي.
وإن ما يثير الدهشة هو تمسك كثير من التراجم العرب والعجم باللغة الإنجليزية القديمة "السقيمة". والذي يبدو أن السبب وراء ذلك هو اعتقاد هؤلاء التراجم أن هذه اللغة هي لغة خاصة بالنصوص الدينية. وهذا اعتقاد خاطئ؛ ذلك بأن تلك اللغة الإنجليزية كانت اللغة السائدة الوحيدة في العصر الذي ترجمت فيه الأناجيل. أما اليوم فقد باتت في عداد اللغات الميتة المحبوسة في مؤلفات شكسبير وأقرانه؛ فلم يعد ثمة مسوغ لاستعمالها، لا سيما وأن معظم المسلمين اليوم لا يعرفون الضمائر المستعملة فيها أمثال: ‘thy’ ‘thou’ ‘thine’ وكذا إضافة ‘th’ بدلاً من ‘s’ لفعل المضارع العائد للشخص الثالث.
مسؤولية الترجمان
لا بد في الختام من وقفة للتحدث فيها عن مسؤولية الترجمان، وبيان أهمية بذل الوسع من أجل تحقيق الهدف المنشود من الترجمة الإسلامية. ولا بد هنا من التأكيد على حقيقة ان الترجمة بغير أهلية لها يقارن القول على الله بغير علم. فالفرد العادي الذي ليس لديه تصور واضح عن عملية الترجمة، لا يدري أن الترجمة فن وعلم قائم بذاته له أصوله وقواعده، وأنه ليس بمجرد الحصول على قاموس مدرسي يستطيع أحد أن يقوم بهذا العمل. كما أن مجرد التحدث بالإنجليزية لا يؤهل الفرد للقيام بهذه المهمة. فها هم الذين تصدوا لهذا الفن وهم ليسوا أهل لذلك قد وقعوا في أخطاء خطيرة كما رأيت.(5/33)
ولا أقصد بهذه الكلمات الذين اتخذوا الترجمة مهنة تجارية، فهذا ليس مجال بحثنا. إذ لا يتطلب هذا النوع من الترجمة أهلية كالتي تتطلبها ترجمة المادة الدينية. لكننا وللأسف نرى من الناس من هم أكثر جرأة على ترجمة المادة الدينية من ترجمة سواها.
على الرغم من توفر المصادر العلمية واللغوية ـ عربية وإنجليزية ـ والمعاجم التخصُّصِيَّة لديَّ، وخبرتي الطويلة في مجال الترجمة، والدراسة التخصصية في اللغة الإنجليزية الحديثة في كندا، إلى جانب قضائي فترة طويلة تزيد على العقدين في أمريكا الشمالية. أقول رغم هذا كله، فقد تستغرق ترجمة آية يتعلق فيها حكم، أو حديث يُعوَّل عليه في فهم مسألة عقدية ساعات اقضيها في النظر في المراجع ذات الصلة.
وسبب هذا التأني هو التأكد أني فهمت النص والممت بكل جوانبه اللغوية والشرعية، ثم التأكد من أن القارئ الأعجمي سيفهمه كما فهمته، وذلك بالرجوع إلى تأويل الآية من تفسير ابن كثير وغيره من التفاسير. وقد ألجأ إلى كتب أسباب النزول، أو إلى كتب آيات الأحكام. وقد ألجأ أيضا إلى كتب إعراب القرآن. وإن كان حديثا فأستخرجه من مصادره، وأراجع تخريجه وشرحه. وقد أرجع إلى "لسان العرب" لمزيد من الدقة. ثم أشرع بعد ذلك في صياغة الترجمة فأتأكد من استعمال الكلمات الرئيسة في الصياغة في المعاجم الإنجليزية التخصصية من أجل استعمال ما يناسبها من أدوات وأفعال مساعدة.(5/34)
ولا أقصد بكلامي هذا أني أفعل ذلك عند ترجمة كل آية أو حديث. إلا أني لا أتردد في الإقدام على بعض، أو كل هذه الخطوات كلما اقتضت الضرورة ذلك. إنما أقصد بيان أهمية الرجوع إلى المصادر الشرعية واللغوية ذات الصلة بالنص. وبعد هذا كله أحيل النص الإنجليزي إلى محرر محترف لمراجعة النص للتأكد من سلامة صياغته، وأن الفكرة التي نقلتها من نص عربي إلى إنجليزي واضحة بحيث يفهمها القارئ الأعجمي بسهولة. ولهذا إذا ما قارنت إنتاجي بإنتاج غيري من التراجم أجد نفسي مقلاً.
وهناك أمر آخر ينبغي على الترجمان أن يتنبه له، وهو أن الخطأ الذي يرتكبه في ترجمة نص ما يتعلق بمسائل العقيدة لا يقتصر أثره على قرائه، رغم أن هذا خطر كبير بحد ذاته، بل ينعكس أثره على الترجمان نفسه. فهو مسئول أولاً وقبل كل شيء أمام الله عما يكتب أو يترجم، وقد يُعرِّض نفسه، من جهة أخرى لنقد الناقدين. ولقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذه المواقف قائلاً: "إياك وكل أمر يُعتذر منه." (1) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "ولا تَكلَّم بكلام تعتذر منه غداً." (2)
عقبات في طريق الترجمان
ومن عقبات الترجمة عدم وضوح فكرة النص في ذهن الترجمان. وتبدو آثار هذه العقبة واضحة في ترجمة نص يتعلق بأمر من أمور العقيدة التي يستعصى فهمها على الفرد العادي. ومما يزيد الأمر تعقيداً هو وَهْمُ الترجمان أن الفكرة واضحة في ذهنه وهي ليست كذلك. فيمضي في الترجمة على هذا الأساس، كما بينت في الأمثلة التي سقتها من ترجمة العقيدة الواسطية أعلاه.
__________
(1) المختارة، الضياء المقدسي (131/1)/ الصحيحة 354.
(2) ابن ماجه، حديث 3381/ الصحيح 400.(5/35)
ومن جهة أخرى فإنه لا ينبغي أن يحول اعتداد الترجمان بنفسه أو بلغته بينه وبين عرْض ما صاغ أو ترجم على من يفوقونه علماً ولغة، أو على الأقل، على من هم في مستواه في هذين المجالين، لما للصياغة الركيكة من آثار سلبية على القرّاء الذين هم حديثو عهد بالإسلام.
إن فهم واستيعاب فكرة النص المزمع ترجمته أمر ضروري. وقد يزداد استيعابها سهولة بإعراب مفردات النص، لأن إعرابها يجلي معانيها.
وعلى صعيد آخر، فقد سبق أن نوهت عن أهمية معرفة الاستعمال اللغوي في اللغة الإنجليزية، غير أني رأيت أن أؤكد على هذه المسألة لبيان أهميتها.
مؤهلات الترجمان والمراجع التي ينبغي عليه اقتناؤها
وأود في خاتمة المطاف أن ألفت انتباه الإخوة التراجم، عربهم وعجمهم، أنه لابد أن تتوفر لدي الترجمان المؤهلات التالية من أجل النجاح في مهمته وهي:
1 ـ العلم الشرعي، ومعرفة الاصطلاحات الشرعية بمعانيها اللغوية والشرعية.
2 ـ معرفة القواعد الفقهية لأنها كثيراً ما تساعد على فهم النص الفقهي.
3 ـ معرفة عقائد الفِرَق الضالة، والمعاصرة منها على وجه الخصوص، والإطلاع على كتب السلف التي تحوي الرد على هذه الفرق، وتفنيد حججهم.
4 ـ التمكن من اللغة العربية، ومعرفة قواعدها واستعمالاتها، وأدلتها من شعر أو نثر.
5 ـ التمكن من اللغة الأجنبية ـ والحديث هنا عن الإنجليزية ـ ومعرفة قواعدها واستعمالاتها والأمثلة التي تسوقها المعاجم التخصصية للدلالة على معانيها.
وإلى جانب هذا لابد أن يقتني الترجمان مكتبة خاصة تحوي:
من علوم القرآن :
1 ـ التفاسير المعتبرة عند أهل السّنة والجماعة.
2 ـ مرجع أو أكثر من مراجع إعراب القرآن.
3 ـ مرجع أو أكثر من مراجع أسباب النزول.
4 ـ مرجع أو أكثر من كتب علوم التفسير وأصوله
5 ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن
6 ـ مرجع أو أكثر من كتب آيات الأحكام
من علوم الحديث:
1 ـ فتح الباري (صحيح البخاري).
2- صحيح مسلم بشرح النووي، أو القاضي عياض(5/36)
3 ـ تحفة الأحوذي (شرح سنن الترمذي)
4 ـ عون المعبود (شرح سنن أبى داود)
5ـ المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي
6 ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة (الشيخ ناصر الدين الألباني)
7 ـ سلسلة الأحاديث الضعيفة (الشيخ ناصر الدين الألباني).
8ـ الباعث الحثيث (ابن كثير)
من المراجع الفقهية:
1 ـ زاد المعاد لابن القيم
2 ـ الموسوعة الفقهية (الشؤون الإسلامية ـ الكويت)
3 ـ المغني لابن قدامه
4 ـ نيل الأوطار للشوكاني
5 ـ مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية
6 –الإلمام بأحاديث الأحكام
من كتب العقيدة:
1 ? شرح العقيدة الطحاوية
2? شرح العقيدة الواسطة
3 ? فتح المجيد لعبدالرحمن آل الشيخ
4 ? كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب لابن خزيمة
5? مختصر العلوّ للذهبي 6? السنة (الإمام أحمد)
المراجع اللغوية:
1 ـ لسان العرب (عربي)
2ـ مختار الصحاح (أبو بكر الرازي)
المراجع الانكليزية
1 ـ Compact Oxford Eng.. Dictionary
2 ـ The Random House Dictionary
3 ـ Oxford English Usage Dictionary
4- Edward William Lane, Arabic English Lexicon
... الفصل الرابع ...
نتيجة البحث
مقترحات عامة
مقترحات للجهات الرسمية
مراجع البحث
نتيجة البحث
1. يمكن إدراج نتائج البحث هنا بشكل مجمل:
2. إن ترجمة النصوص الشرعية مهمة خطيرة لما يترتب على الأخطاء التي تقع فيها من تبعات على القارئ الأعجمي، ولا سيما المسلم الجديد، وغير المسلم.
3. إن تعدد السنة البشر من آيات الله الدالة على حكمته البالغة التي تقضي بإيصال الدعوة إلى البشر باللغات التي يفهمونها.
4. إن الله حفظ اللغة العربية بحفظ كتابه؛ ولولا ذلك لكانت اليوم في عداد اللغات الميتة؛ فينبغي على المسلم أن يتعلمها ويتقنها.
5. إن عالمية الإسلام تستلزم تبليغ الدعوة إلى الناس جميعاً.
6. جواز ترجمة معاني القرآن ليعلم الأعجمي مراد الله منها.(5/37)
7. إن الترجمة الحرفية تشوه معنى النص ومبناه. لذا فقد بين أهل العلم أن الترجمة ينبغي أن تقتصر على المعنى وحده دون الحرف.
8. يعد الإسلام اليوم أوسع الديانات انتشاراً في الأرض؛ فلا بد من استغلال الوسائل الإعلامية المتاحة، الكترونية وغيرها.
9. إن من إيجابيات ترجمة النصوص الشرعية إعانة المسلم الأعجمي على فهم النص للقيام بما أوجب الله عليه من عقائد وعبادة وأحكام.
10. على الرغم من النتائج الإيجابية الحسنة لترجمة النصوص الشرعية، إلا أن لها سلبياتها أيضاً. وأخطرها اعتماد المسلم الأعجمي على النصوص المترجمة، وعزوفه عن تعلم لغة القرآن.
11. انتشار العديد من العقائد الفاسدة بين المسلمين الأعاجم بسبب المواد المترجمة التي ينشرها بينهم دعاة الضلالة.
12. إقدام من ليسو بأهل لهذه المهمة الجليلة على الترجمة، فينقلوا إلى القراء فهمهم هم للنصوص التي يترجمونها لا حقيقة معانيها.
مقترحات عامة
1. أوصي إخواني التراجم ونفسي بتقوى الله في كل كلمة تخطها اليد، ويجري بها القلم. والشعور بالمسؤولية؛ فحسن النية والرغبة في حب الخير لا يسوغان اقتحام باب الترجمة، وكذلك الحرص على الدعوة لا يسوِّغ بأي حال خوض المرء فيما ليس له به علم. فقبول العمل الصالح مرهون بثلاثة شروط: النية، والإخلاص، والمطابقة أو المتابعة. ولابد من توفرها مجتمعة.
2. وبإخلاص النية في كل قول وعمل.
3. متابعة السلف الصالح وفهم الكتاب والسنة على غرا فهم لهما.
4. الالتزام بالأمانة العلمية؛ وأخطرها نقل الدين للمسلمين الأعاجم.
5. التثبت من صحة ما ينقلون سواء من أقوال، أو عبارات مترجمة لكي لا ينقلونها نقل حاطب ليل.
6. السؤال حين الجهل بأمر من أمور الشريعة عملاً بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.)
7. اعتماد المراجع الشرعية قبل المراجع اللغوية؛ وطلب العلم من المصادر الموثقة.(5/38)
8. اعتماد المعاجم اللغوية التخصصية للغة الأعجمية، ونبذ المعاجم المدرسية.
9. استعمال لغة سهلة باعتبار أن معظم القراء هم لسو من الطبقة المثقفة.
10. عدم الاعتماد على نصوص مترجمة وإعادة ترجمتها؛ وذلك لاحتمال حصول القارئ على النص الأصلي فيجد فارقاً بين النصين ويكون ذلك مدعاة لسحب ثقته من المادة المترجمة.
11. وإلى جانب هذا لابد من القراءة، أي قراءة الكتب الإنجليزية لمن هي لغتهم الأم من أجل معرفة الاستعمالات اللغوية. [ولا أقصد طبعاً الكتب التي ألّفها أو ترجمها التراجم العرب. إذ أن اعتماد الترجمان على ترجمات التراجم العرب يساهم إلى حد كبير في تكريس الضعف عند هؤلاء التراجم واستعمال المصطلحات غير الصحيحة. بل أقصد الكتب التي ألّفها أهل اللغة.
12. وكذلك لا بد من عرض ما يكتب الترجمان على من يظن أنهم يفوقونه علماً ولغة. ومراجعة الصياغة في اليوم الثاني أو الثالث من كتابتها لأنه قد تخطر بباله فكرة جديدة أو جملة مفيدة فيضيف واحدة ويحذف أخرى، وهكذا حتى يستفرغ الترجمان وسعه، ويكون ذلك معذرة إلى ربه.
13. ونصيحتي لمن يتطفل على الترجمة ويتكلّفها وهو ليس أهل لها أن يدع القلم جانباً ويشغل نفسه بما قد يعود عليه بالخير في دينه ودنياه، وليذكر قوله تعالى: { وَلا تَقِفْ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } . (1)
كما بجدر التنويه على نقطة مهمة أريد التأكيد عليها قبل الختام وهي أن القصد من هذا البحث هو التنبيه على مواقع الخلل في ترجمة النصوص الشرعية لكي يتحرى الترجمان الدقة في عمله. وليس القصد منه صرف الدعاة عن المادة المترجمة إذ لا غنى لهم عنها في مجالات الدعوة الواسعة.
__________
(1) الإسراء.(5/39)
لقد دفعني هذا كله إلى إعداد معجم للمصطلحات الشرعية بحيث لا يشمل المعنى اللغوي للاصطلاح فحسب كما هو حال المعاجم المتداولة، بل والمعنى الشرعي أيضاً، مع ذكر دليله، إن اقتضى الأمر، وبيان استعماله اللغوي فيكون ـ بإذن الله ـ دليلاً قَيِّماً للترجمان والمؤلف والداعية. فلعلَّ الله ينفع به.
مقترحات للجهات الرسمية
لمّا كان المسلمون يعتبرون هذا البلد حصناً للإسلام فإنهم إذا أشكل عليهم أمر من أمور دينهم تراهم يتجهون بأسئلتهم الفقهية إلى أهل العلم فيه لثقتهم بهم وبعلمهم. وكنتيجة حتمية لهذه الثقة فإنهم يتقبلون ما يصدر منه أو ينشر فيه بقبول حسن لا تحظى بمثله المنشورات والمطبوعات التي تصدر في بلد إسلامي آخر.
وهذا يزيد بالضرورة حجم مسؤولية القائمين على الشؤون الدينية تجاه ترجمة النصوص الدينية؛ ذلك بأن المواد المترجمة أو المؤلفة بالإنجليزية، أو بغيرها من اللغات تعد واجهة ونافذة يطل منها القارئ الأعجمي –مسلماً كان أو غير مسلم- على دين الإسلام، كما يعتبر هذه المواد المطبوعة صادرة عن جهة رسمية في هذا البلد الكريم. لا سيما نعيش اليوم في عصر السرعة الإلكترونية التي فتحت الأبواب أمام مئات الملايين من البشر للإطلاع على الإسلام، وعلى الديانات الأرضية المتعددة.
وبناءً على ما تقدم فإني أقترح التالي:
1- إعداد دورات تأهيلية رسمية للتراجم يعطيها مدرسون أكفاء، وتمكنون من اللغة العربية واللغة الإنجليزية أو غيرها، إلى جانب تمكنِهم من العلوم الشرعية، وأن يحصل الذي يجتاز هذه الدورات على شهادة رسمية تكون بمثابة رخصة تخوله العمل كترجمان شرعي، وأن يمنع الذي لا يجتاز هذه الدورات من العمل في الترجمة المكتوبة.
2- إدخال الترجمة الشرعية في منهج اللغة الإنجليزية في المستويات الجامعية، وذلك بعد إعداد منهج متكامل للترجمة الشرعية.(5/40)
3- إعداد قائمة تحوي ترجمة معاني الاصطلاحات الشرعية كما وردت في الكتاب والسنة، وأعمال السلف الصالح تقرها الجهة المسئولة لتعتمد رسمياً في كل الترجمات بحيث يلتزم بها كل مؤلف وكاتب وترجمان.
4- تشكيل لجنة متخصصة تجمع طلبة العلم مع متقنين للغة الإنجليزية، عرب وأمريكان أو بريطانيين متخصصين باللغة الإنجليزية لمراجعة المواد المترجمة واقتراح نشرها أو عدمه.
مقترحات لأهل الخير
نسأل الله أن يجعل ما تنفقونه لنصرة دين الله قربات عند ربكم،. وإن مساهمتكم في دعم نشاط مكاتب دعوة الجاليات إنما هو نصرة حقة تثقل موازينكم يوم القيامة.
إن كثيراً من أهل الخير من يفضل الإنفاق لبناء مسجد؛ والحق يقال، إن نشر الكتاب لا يقل أهمية عن بناء مسجد؛ إن لم يفقه أحياناً، حيث أن الكتاب يؤسس العقيدة الصحيحة، ويعين المسلم الأعجمي على فهم دينه، كما يعين على نشر الإسلام بين غير المسلمين. وهذا يعني أن ينال فاعل الخير أجر من وزع الكتاب الذي تبرع بطباعته، وأجر من يقرؤه واجر من يعمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً.
والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- - -
أهم مراجع البحث
علوم القرآن
1- جامع البيان في تفسير القرآن، محمد بن جرير الطبري، مؤسسة الرسالة
2- تفسير القرآن العظيم ـ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، إدارة بناء المساجد
3- الجامع لأحكام القرآن ـ محمد بن أحمد القرطبي، المكتبة الشاملة
4 ـ فتح القدير ـ محمد بن علي الشوكاني، دار الوفاء
مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داودي، دار القلم، والدار الشامية - دمشق
أصول التفسير،الشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار ابن القيم
علوم الحديث: المتون والشروح
1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري ـ ابن حجر العسقلاني، دار الفيحاء
2 ـ شرح صحيح مسلم للإمام النووي(5/41)
3 ـ تحفة الأحوذي ـ المباركفوري.
4 ـ عون المعبود ـ شمس الحق أبادي.
5- مسند الإمام أحمد.
6- سنن النسائي، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
7- سنن الترمذي الإمام محمد بن عيسى الترمذي، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
8- سنن أبي داود، الإمام الحافظ سليمان بن الأشعث السَّجستاني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
9- سنن ابن ماجه، الإمام الحافظ محمد بن يزيد القزويني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
10- السلسلة الصحيحة وشيء من فوائدها وفقهها – الإمام محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
11- الاستذكار، يوسف عبدا لله النمري
العقيدة
11- شرح العقيدة الواسطية، خليل الهراس، مؤسسة الرسالة، بيروت
12- شرح العقيدة الواسطية: الشيخ محمد صالح العثيمين، الدكتور صالح الفوزان،
13- شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق الإمام محمد ناصر الدين الألباني
14- شرح لمعة الإعتفاد، مؤسسة الرسالة
مصادر ومراجع متنوعة أخرى
24- الموسوعة الفقهية - وزارة الأوقاف، الكويت
25- لسان العرب، جمال الدين بن منظور الإفريقي – دار الفكر
26- التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، تحقيق إبراهيم الأبياري –دار الكتاب العربي – بيروت
27- دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله، عبده بوريما النيجيري – دار البخاري
28- المكتبة الشاملة (مكتبة الكترونية)
مصادر باللغة الإنجليزية
ترجمات معاني القرآن التي وردت فيها الأخطاء
29- ترجمة معاني القرآن الكريم (The Qur’an) – دار أبو القاسم للنشر (المنتدى الإسلامي) مراجعة صحيح انترناشنال
30- تفسير معاني القرآن الكريم (The Noble Qur’an) مكتبة دار السلام، الرياض
31- القرآن الكريم وترجمة معانيه – مجمع الملك فهد، المدينة
32- ترجمة معاني القرآن الكريم (The Holy Qur’an) يوسف علي – The Young Muslims UK
33- ترجمة معاني القرآن، جورج سيل،The Koran, George Sale – Frederick Warne And Co.(5/42)
34- القرآن الحكيم، محمد شاكر – Tahrike Tersile, New York
35- القرآن الكريم، محمد أسد – The Message of the Qur’an, The Book Foundation, England.
36- القرآن، The Koran, N. J. Dawood –Penguin Books
37- القرآن، The Koran, J. M. Rodwell p- Ivy Books, New York
38- معاني القرآن، مرمادوك بكتال
39- القرآن الحكيم The Holy Qur’an, Sher Ali – The Oriental publishing
الكتب المترجمة التي وردت الأخطاء فيها
40- معجم الألفاظ الإسلامية، د. محمد علي الخولي
41- معجم المصطلحات الدينية، د. عبد الله أبو عشي المالكي، و د. عبد اللطيف الشيخ إبراهيم
42- معجم الألفاظ والتعابير الإسلامية، د. محمد إسماعيل صالح (المنتدى الإسلامي)
43- كتاب التوحيد، الإمام محمد بن عبد الوهاب، ترجمة إسماعيل الفاروقي –الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض
44- تعريف الإسلام، حمودة عبد العاطي - الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض
48- القرآن، بروفيسور حميد الله – Club Francais du Livre,
Paris
49- القرآن، R. Blachere, Pub. G. P. Maisonneuve et Larose, Paris
كتب ومراجع لغوية بالإنجليزية:
1- Edward William Lane, Arabic English Lexicon
2- The Random House Dictionary
3- Oxford Compact Dictionary
4- Hans-Wehr-Arabic English Dictionary
5- Maurice Bucaille, The Bible, the Qur’an and Science
6- W. Montgomery Watt, What is Islam?
7- And other references.
8- Cyrill Glassé, The Concise Encyclopedia of Islam
9- The Muslim’s Mini Library, Mahmoud Murad
10- The Translation of the Meaning of the Qur’anic
Ayaat, Mahmoud Murad(5/43)
محمود بن رضا مراد
السيرة الذاتية :
1. دراسة أكاديمية في أمريكا ( برنامج BA-Masters إدارة عامة – ثقافة وتعليم لوس أنجلس _ كاليفورنيا ) اللغة الإنكليزية المعاصرة ( فانكوفر ستي كوليج – كندا)
2. أمضى أكثر من 21 سنة في أمريكا الشمالية ، عمل خلالها :
? المشرف على دليل المراد الإسلامي في العقيدة والفقه
? الرئيس السابق لجمعية القرآن والسنة في أمريكا الشمالية من 1983 – 1992
? رئيس الجمعية العالمية للثقافة الإسلامية ( جمعية " منشورات الحق " سابقا)
3. مقيم في المملكة العربية السعودية منذ عام 1992/ 1413 عمل خلالها :
? داعية متفرغ في مكاتب الجاليات لدعوة غير المسلمين للإسلام
? برنامج تفسير القرآن في اللغة الإنجليزية في تليفزيون المملكة – القناة الثانية .
? برنامج " طريق الهدى " ( مقابلات مع مسلمين جدد في إذاعة المملكة العربية السعودية _ القناة الأولى )
? مقالات اجتماعية وإسلامية في مجالات وصحف محلية .
? مراجعة الكتب الدينية باللغة الإنجليزية التي نشرتها وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية .
? متخصص في ترجمة النصوص الإسلامية
الإنتاج العلمي :
الكتب المؤلفة باللغة الإنجليزية :
? مكتبة المسلم المصغرة بحجم الجيب : ( تقديم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية ) وتحوي الكتب العشرة التالية :
1. تفسير سورة الفاتحة .
2. أركان الإيمان
3. معنى وشروط لا إله إلا الله
4. دليل أحكام الطهارة والصلاة
5. دليل أحكام الزكاة
6. دليل أحكام الصيام
7. دليل أحكام الحج والعمرة
8. دليل الأحكام المتعلقة بالنساء
9. أدلة علو الله
10. دليل أحكام الجنائز والعدة
11. ترجمة معاني آي القرآن ( من الفاتحة حتى سورة التغابن ) وسينجز بكليته قريبا إن شاء الله .
12. منهج المسلم في العقيدة والفقه
13. أحكام رمضان(6/1)
14. حياة وعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (تقديم وزير الشؤون الإسلامية معالي الشيخ صالح آل الشيخ )
15. رسالة الإسلام
16. الوجه الآخر للصوفية
17. دليل المرأة المسلمة
18. أسس منهج أهل السنة والجماعة
19. معنى وشروط لا إله إلا الله
20. أحكام الزكاة
21. معجم المصطلحات الشرعية
22. الدين النصحية ( مجلة دورية )
23. الرد على الأحباش في مسألة اتجاه القبلة في أمريكا الشمالية
24. الصيام ، سؤال وجواب
25. دفاعاً عن القرآن والسنة ( تفنيد مزاعم المتنبي رشاد خليفة )
26. شرح أركان الإيمان
دورات مكثفة في العقيدة والفقة في المملكة ، أمريكا الشمالية ، استراليا وسريلانكا تحت إشراف جامعة الإمام محمد بن سعود
? الكتب المترجمة إلى اللغة الإنجليزية :
1. تفسير سورة الفاتحة
2. تفسير جزء عم
3. العقيدة الواسطية ( الهراس ، ابن عثيمين ، الفوزان ) تقديم معالي الدكتور عبد الله التركي
4. مختصر سيرة ابن هشام ( تقديم معالي الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن التركي )
5. الواجبات المتحتمات المعرفة للشيخ محمد بن عبد الوهاب
6. فتاوى المرأة المسلمة ( هيئة كبار العلماء )
7. الأصول الثلاثة لمحمد بن عبدالوهاب
8. القواعد الأربعة لمحمد بن عبد الوهاب
9. كتاب التوحيد للدكتور صالح الفوزان
10.أحكام احتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
11.أذكار اليوم والليلة للشيخ صالح السدلان
12.تأييد الملك المنان في ضحد شركيات ابن دحلان – الشيخ صالح الشثري
13.أحكام الجنائز
14.كتاب الفقه ( إبراهيم التويجري )
15.مقالات مجلة البحوث الفقهية
16.حجاب المرأة المسلمة _ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني
17.القضايا الكلية للاعتقاد عبد الرحمن عبد الخالق
18.مبادئ الإسلام
19.مجمل الإعتقاد ، د. عبدالله التركي
20. فتاوى مختارة لهيئة كبار العلماء
21. مختصر زاد المعاد ( لم يكتمل )
? الكتب المؤلفة بالعربية :
1. ثوابت الدعوة
2. أسس منهج أهل السنة والجماعة(6/2)
3. أخطاء شائعة في ترجمة الألفاظ القرآنية
4. أحكام الزواج من الإعجميات المسلمات وغير المسلمات ( بحث )
5. أحكام النكاح والمحرمات والعدة والمعتدات
6. مشاهد من الصين
7. أحكام قتل الرحمة ( يوثنيزيا ) (بحث )
8. قصص وعبر من الذين اعتنقوا دين الإسلام
9. نشرات في مواضيع عقدية وفقهية(6/3)
حُكم ترجمة السنة النبوية
وعلاقته بالبلاغ المبين
بحث مقدم إلى ندوة " ترجمة السنة والسيرة النبوية: الواقع، التطوير، المعوقات" المقامة بالجمعية العلمية السعودية للسُّنة وعلومها
في الفترة من 23-25 / 2 / 1429 هـ
إعداد :
د. عبدالله بن علي الزهراني
رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة النبوية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلقد ابتعث الله عز وجل نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين، و للناس كافة؛ بشيراً ونذيراً : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (سبأ: 28)، وقال له ربُّه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} (المائدة: 67)، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، وكتب عليه الصلاة والسلام لملوك العالم في زمانه وبلّغهم رسالة الله، فكان منهم مَن قبل، ومنهم مَن أعرض، ولله الحكمة البالغة. وورَّث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هذا العلم لأصحابه والعلماء من بعده؛ ليكملوا مسيرة تبليغ الإسلام للناس أجمع قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه، أخذ بحظ وافر )) (1) .
__________
(1) حديث صحيح، عن أبي الدرداء، أخرجه أبو داود: كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، (4/57 رقم 3641)، والترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة (5/47 رقم 2682)، وابن ماجه: المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، (1/81 رقم 223)، صحيح ابن حبان (الإحسان 1/289 رقم 88).(7/1)
وفاز بشرف الانتماء إليه والخصوصية به - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديث، فهم الفرقة الناجية إلى قيام الساعة (1) ، فواجب عليهم أن ينشروا سنته ويذيعوا حديثه بين الناس، وأن يعلموهم أخلاقه وسيرته، ويظهروا شمائله عليه الصلاة والسلام.
وإن كانت المطابع اليوم ووسائل النشر الحديثة قد خدمت نشر السنة النبوية باللغة العربية؛ فإن نشرها باللغات الأخرى لايزال أقل من ذلك بكثير، ولعل تحرك الجمعية السعودية للسنة وعلومها نحو موضوع ترجمة السنة والسيرة النبوية يضع لبنةً في طريق نشر السنة باللغات الأخرى على وفق منهجية سديدة، تتم رعايتها من قبل أهل العلم والمختصين إلى أن تؤتي أكلها بإذن ربها.
ولعلني أسهم في خدمة السنة النبوية بهذا البحث:
( حكم ترجمة السنة النبوية وعلاقته بالبلاغ المبين)
ويمكن بلورة القضية التي يدور حولها هذا البحث في الإجابة عن السؤال التالي:
ما حكم ترجمة السنة النبوية باعتبار مسألة البلاغ الدعوي المبين ؟
وأرجو أن يكون الإسهام الذي يقدّمه هذا البحث هو تأصيل لأحد مسائل ترجمة السنة النبوية، التي تتعلق بالدعوة إلى الله، حيث إن فائدة العلم بالسنة؛ العمل بها في ذات المرء ودعوة الناس إليها، كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} (العصر:3).
والله الموفق والهادي للصواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباحث:
__________
(1) روى الترمذي في السنن (كتاب الفتن، باب ما جاء في الشام، بعد حديث رقم2192) والخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص10) عن علي بن المديني أنه قال: (في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم": هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول، ويذبون عن العلم)، وقد ذكر الخطيب نحوه عن ابن المبارك، ويزيد بن هارون، والإمام أحمد، والبخاري، وأحمد بن سنان، (ص25-27).(7/2)
د.عبدالله بن علي الزهراني
المدينة النبوية 1428هـ
المبحث الأول: السُّنة النبوية وحي واجب الاتباع
السُّنة النبوية وحي من الله عز وجل، يقول تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4)، قال حسان بن عطية: (( كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلِّمه إياها كما يعلّمه القرآن )) (1) .
وروى أصحاب السنن (2) عن المقدام بن معديكرب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يُوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه )) قال الترمذي:"حسن غريب من هذا الوجه" وعند ابن ماجه والترمذي في آخره: (ألا وإن ما حرّم رسول الله مثل ما حرّم الله).
__________
(1) مراسيل أبي داود: (ص361 رقم 536)، وسنن الدارمي (رقم 588).
(2) سنن أبي داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة (5/10 رقم 4604)، والترمذي: كتاب العلم، باب ما نُهي عنه أن يقال عند حديث النبي (5/37 رقم2664)، ابن ماجه: المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله (1/6 رقم12)، أحمد (4/131) وليس عند الترمذي وابن ماجه الجملة الأولى: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) .(7/3)
قال الخطابي في شرح قوله (ومثله معه): (( يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أُعطي من الظاهر المتلو، ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي الكتاب وحياً يتلى وأوتي من البيان أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر )) (1) ، وقول حسان بن عطية يُرجح الاحتمال الأول، وهو متضمن للثاني لأن في السنة بياناً وتفسيراً لما في القرآن وفيها أحكاماً ليست في القرآن. والثمرة المقصودة حاصلة بالوجهين وهي وجوب اتباع ما في السنة من الأحكام والتشريعات، وأنها من الدين الذي يُبلّغ للناس.
وقد آتى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - الحكمة وهي السنة (2) ، وروى مكحول مرسلاً: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه )) (3) ، وقال تعالى آمراً زوجاته - صلى الله عليه وسلم - : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب:34)، قال القرطبي: (( فأمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن، وما يرين من أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس؛ فيعملوا ويقتدوا )) (4) .
وقد أوجب الله طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقرنها بطاعته سبحانه؛ فقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } (النساء80) وفي أكثر من آية يقول : {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} .
__________
(1) معالم السنن للخطابي: (4/276).
(2) انظر: تفسير القرطبي (14/183)، تفسير ابن كثير (1/176 و 252).
(3) مراسيل أبي داود: (ص359 رقم 534).
(4) تفسير القرطبي (14/184).(7/4)
وأوجب تعالى الأخذ بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر7).
وعن أبي رافع قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا أُلْفيَنّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرتُ به، أو نهيتُ عنه؛ فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه )) (1) رواه الثلاثة، وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح".
فما سبق وغيره يقرر أن السنة النبوية وحي من الله، وأنها مصدر للتشريع كالقرآن، ولايستقيم إيمان العبد حتى يصدّق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر ويطيعه فيما أمر، والسنة هي الحكمة التي علّمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأتباعه وأهل بيته، ولذا فتبليغ السنة تبليغ لدين الله عز وجل.
- - - - -
المبحث الثاني : وجوب تبليغ السُّنة النبوية
لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم أن يبلّغوا ما تعلموه من الدين ، قال سبحانه: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (آل عمران187)، وهذه الآية وإن كان لفظها موجهاً لأهل الكتاب فهي شاملة لكل من أوتي علماً لعموم المعنى، وكذا قال الحسن وقتادة: (( هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب، فمن علم شيئاً فليعلّمه، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة)) (2) .
__________
(1) سنن أبي داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة (5/12 رقم 4605)، والترمذي: كتاب العلم، باب ما نُهي عنه أن يقال عند حديث النبي (5/36 رقم2663)، ابن ماجه: المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله
(1/6 رقم13).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/304) والدر المنثور للسيوطي (2/108) وتفسير الشوكاني (1/490).(7/5)
و لايقتصر واجب تبليغ الدين والسنة النبوية على العلماء، بل يشمل أفراد الأمة، فيجب على كل فرد إبلاغ ما علمه من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه قلَّ أو كثر ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( بلَّغوا عني ولو آية)) (1) ، فأمر بالتبليغ عنه ولو آية من كتاب الله، أو حديثاً من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو حكماً في مسألة واحدة يعلمها (2) .
وكما قال أيضاً في حجة الوداع : (( ليبلَّغ الشاهد الغائب )) (3) فصار واجباً على من حضر وسمع شيئاً أن يبلّغه لمن لم يحضر .
وقد كان هذا دأب القرون المفضلة؛ قال جعفر بن برقان : (( كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز: أما بعد ، مُرْ أهل العلم والفقه من جندك فلينشروا ما علَّمهم الله عز وجل في مجالسهم ومساجدهم ، والسلام )) (4) .
__________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، (6/496 رقم 3461)، والترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، (5/39 رقم 2669).
(2) انظر: شرح السنة للبغوي (1/250) ، وفتح الباري لابن حجر (6/498).
(3) رواه البخاري: كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب (1/197 رقم 104)، ومسلم: كتاب الحج، باب تحريم مكة (9/127) .
(4) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ، (1/496 رقم 788) .(7/6)
وهذا التبليغ للدين والسنة واجب على الأمة المحمدية وهو من باب فروض الكفاية، وفيه أجر عظيم، وفضل كبير (1) ، قال أبو بكر بن العربي: (( التبليغ عنه - صلى الله عليه وسلم - فرض وقد قال : (ليبلغ الشاهد الغائب) وهذا فرض على الكفاية، إذا قام به واحد سقط عن الباقين، وإذا أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - واحداً سقط عنه فرض التبليغ، والدليل عليه قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}(الأحزاب: 34) وكان الوحي إذا نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - والحكم إذا أتاه لا يبرح به في الناس ، ولكنه يخبر به من حضره، ثم على لسان أولئك إلى مَن وراءهم أيَّ وقت خرج إليهم وانتهى عندهم ، قوماً بعد قوم بحسب القرب والبعد )) (2) .
ومما يدل على أنه فرض كفاية، قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران104)، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ} (التوبة122).
هذا وإن كان التبليغ فرض كفاية؛ فإنه يكون في بعض الحالات فرض عين (3) ، ومن ذلك:
__________
(1) انظر: شرح السنة للبغوي (1/250)، ورسالة إلى الدعاة لابن عثيمين (ص12).
(2) عارضة الأحوذي لابن العربي (10/98-99) .
(3) انظر لتوضيح فرض الكفاية ومتى يكون فرض عين : روضة الناظر لابن قدامة (2/97-100)، والبحر المحيط للزركشي (1/242-253) .(7/7)
الحالة الأولى : إن لم يوجد من يبلّغ عن الله، أو لم يقم به من يكفي، وكان الحال شديداً في الضلال؛ فيتعين على كل مَن علم شيئاً من أمر الدين أن يبلِّغه، ويشتد إذا غلب الجهل وتفشت المنكرات (1) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : (( وعند قلة الدعاة ، وعند كثرة المنكرات وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته ، وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك ، ووجد فيها من تولى هذا الأمر وقام به وبلَّغ أمر الله ، كفى ، وصار التبليغ في حق غيره سنة ، لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره، ونفذ أمر الله على يد سواه )) (2) .
الحالة الثانية : أن يكون هو الذي يعلم الحكم الشرعي في هذه الحادثة فقط ، فيلزمه حينئذٍ إبلاغه للناس، لأنه إن سكت مَن الذي سيقوم بذلك ولا يعرفه سواه. وشاهد هذه الحالة ما في الصحيحين (3) عن البراء بن عازب قال: (( لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة صلى نحو بيت المقدس .. - وذكر قصة تحويل القبلة - ثم قال : فصلى رجل معه العصر ، ثم مرَّ على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس ، فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه قد وجه نحو الكعبة قال : فانحرفوا وهم ركوع )) . فهذا الصحابي لما كان هو الذي يعلم الحكم في هذه الحادثة وأولئك المصلين لا يعلمونه؛ رأى أنه لازماً عليه إبلاغهم ولم يسعه السكوت .
__________
(1) انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي (10/99)، ومن فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مجلة البحوث الإسلامية، العدد (53) (ص121) .
(2) الدعوة إلى الله لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (ص16) .
(3) صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب الصلاة من الإيمان، (1/95 رقم40)، وصحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (5/9) .(7/8)
... قال أبو بكر بن العربي : (( وفيه : وجوب إبلاغ الدين وإعلام الشرع ، ونقل الأخبار على مَن علمها إلى مَن تحقق عنده أنه لا يعلمها، إذا كان ذلك مما يخاف فوته، أو يقع فيه تبديل بالدين )) (1) . وأفدنا من كلام ابن العربي تقييد هذه الحالة بما إذا كان ذلك الحكم مما يخاف فوت مصلحته لو لم يبلَّغ ، أو يقع فيه بسبب السكوت تبديل للدين .
وأما إن كان السكوت لمصلحة أكبر، أو كان الإبلاغ في هذا الحال تنجم عنه مفسدة أكبر فالسكوت هو الواجب .
الحالة الثالثة : إذا سئل عن مسألة ولم يُوجد مَن يجيب عنها إلا هو؛ فيلزمه إبلاغ الحكم الشرعي فيها ، حتى لا ينعدم العلم بحكمها ، أو يقع السائل في مفسدة ، أو تفوته مصلحة بعدم الجواب (2) . كما روى الثلاثة (3) عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ سُئل عن علم علمه، ثم كتمه أُلْجِم يوم القيامة بلجام من نار )) قال الترمذي: حديث حسن . أما إذا وجد غيره ، فيتسع الأمر لوجود من يقوم بهذه المهمة، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يتدافعون الفتوى إذا كانوا مجتمعين (4) ، قال ابن أبي ليلى: (( أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراه قال في المسجد - فما كان منهم محدث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مُفت إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا )) (5) .
__________
(1) عارضة الأحوذي لابن العربي (2/120) .
(2) انظر : المصدر السابق (10/85) .
(3) سنن أبي داود: كتاب العلم، باب كراهة منع العلم (4/67 رقم 3658) الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم (5/29 رقم 2650)، ابن ماجه: المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه (1/96 رقم 261) .
(4) انظر : إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (1/33-35) .
(5) مسند الدارمي، المقدمة (1/ 248 رقم 137)، وطبقات ابن سعد (6/166).(7/9)
الحالة الرابعة : إذا وجد منكر فيلزم على مَن رآه وكان مستطيعاً أن ينكره، ويبلَّغ حكم الله في هذا الموقف. وهذا أصل متفق عليه وأدلته من الكتاب والسنة كثيرة، ومما يدل عليه ما في الصحيحين (1) عن أبي شريح الخزاعي - رضي الله عنه - أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به .. ثم قال : إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً أو ... وليبلَّغ الشاهد الغائب .. الحديث )) ، فلما رأى أبو شريح هذا الأمير يريد أن يغزو مكة أنكر عليه وبلَّغه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحادثة بعينها ، وذكر في آخر الحديث النص على التبليغ ، ليبين أنه بهذا يخرج من عهدة التبليغ (2) ، وأنكر المنكر بما يستطيع .
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب (1/197 رقم 104)، صحيح مسلم: كتاب الحج ، باب تحريم مكة (9/127) .
(2) انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي (4/20) .(7/10)
وبعد ذلك؛ هناك أمور من تفاصيل الدين والسنة قد لايكون من المناسب إشاعتها؛ لما قد يسببه ذلك من اشتباه في ذهن السامع أو لما قد يحدث من فتنة بسبب عدم الفهم في بعض المجتمعات، والأصل الذي يعتمد عليه هنا ما رواه الشيخان (1) عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : (( لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية، لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين ))، وقد بوَّب البخاري على هذا الحديث في صحيحه بقوله: (( باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه؛ فيقعوا في أشدّ منه )) (2) ؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد ترك هذا العمل لمفسدة قد تقع من المدعوين في فَهم هذا العمل الصحيح الذي ليس فيه مفسدة في ذاته.
ومن الأصول التي يعتمد عليها أيضاً في هذا الباب ما رواه الشيخان (3) عن معاذ بن جبل قال: كنت رِدْفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عُفَير . فقال: يا معاذ هل تدري ما حقُّ الله على عباده، وما حقُّ العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحقَّ العباد على الله أن لا يعذِّب مَنْ لا يُشركُ به شيئاً . فقلت : يا رسول الله: أفلا أُبشِّر به الناس ؟ قال : (( لا تُبشِّرْهم فيتَّكِلوا )) .
فقد خصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً بهذا التوجيه ونهاه عن إخبار الناس به، فيمكن للعالم أن يخصّ بالعلم أو بعض مسائله بعض الناس دون غيرهم (4) لمصلحة معتبرة.
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها (3/439 رقم 1585)، ومسلم: كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها (9/88) .
(2) صحيح البخاري: كتاب العلم، باب رقم (48) (1/224) .
(3) صحيح البخاري: كتاب الجهاد، باب اسم الفرس والحمار (6/58 رقم 2856)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب حق العباد على الله (1/232) .
(4) انظر : الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/292) .(7/11)
واستنبط الإمام البخاري من هذا الحديث هذا المعنى فقال: (( باب من خص بالعلم قوماً دون قوم؛ كراهية أن لا يفهموا، وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله )) (1) .
- - - - -
المبحث الثالث: متى يكون البلاغ مبيناً
يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (النور54)، وحتى يكون البلاغ مبيناً لابد من توفر بعض الأمور المتعلقة بالرسالة المبلَّغة، وبعض الأمور المتعلقة بالمبلِّغ، وأخرى متعلقة بالمبلَّغ إليه.
أ- أما الرسالة المبلغّة:
فلا بد أن تكون الرسالة بتعاليمها وأوامرها واضحة مفصّلة، وأدلتها لا شك فيها ولا شبهة، توجب الفهم لمن سمعها (2) ، حتى تقوم الحجة. وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمة على أنه يلزم لبلوغ الحجة أن تُفهم فهماً صحيحاً لا شبهة فيه (3) .
ولكن لابد أن يُعلم أن الفهم على نوعين بناء على أن الحجج الشرعية على نوعين (4) يختلف فهمها على حسب الشخص وعلى حسب الحجة ذاتها:
النوع الأول: حجج واضحة مكشوفة قريبة الفهم من كل أحد، وهي ما كان أدلة لما يدخل به المرء في الإسلام، وهي قضايا ظاهرة لا يرتاب العقلاء في وضوحها .
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب العلم ، الباب رقم 49 (1/225) .
(2) انظر : مختصر الصواعق المرسلة للموصلي (ص74) وتيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص432 و713).
(3) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (23/326) .
(4) انظر : القائد إلى تصحيح العقائد للشيخ المعلمي (ص 15-16) .(7/12)
وهذه كثيرة في القرآن، فمن بلَغه نصوص الوحي وكان يفهم اللسان العربي، فقد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة (1) ، وهذا يمكن حصوله لعموم الناس . ولكن قد يحصل لبعضهم درجة من الفهم فيها أعلى وأعمق دلالة، وهذا ما حصل لكبار الصحابة والفضلاء من العلماء الربانيين (2) . وهذا المستوى من الفهم في الحجج الواضحة لا يُشترط في قيام الحجة، فهو
__________
(1) انظر : المصدر السابق ، وأشار إلى قريب منه ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق (ص21 وما بعدها).
(2) انظر : القائد للمعلمي (ص16) ، وضوابط التكفير لحسن العواجي (ص 25،27) ، ونواقض الإيمان لعبدالعزيز العبد اللطيف (ص74).(7/13)
لا يحصل أصلاً إلا بعد التسليم لله والإيمان به، ومجاهدة النفس على طريق الله كما قال سبحانه: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} (البقرة282)، وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} (فاطر28). قال الشيخ حمد بن معمر: (( وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما فهمها من هداه الله ووفقه، وانقاد لأمره، فإن الكفار قد قامت عليهم حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه )) (1) . فما فقهوه الفقه النافع المؤدي للهداية، ولكنهم علموا المراد منه وعلموا صحته وفقهوا معناه كما ذكر تعالى عنهم ما يدل على فهمهم للمراد حيث قالوا : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص5) وقوله : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ . وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} (الصافات35-36)، ولكنهم لم يستجيبوا ويؤمنوا، بل اتبعوا أهواءهم وأعرضوا عن الحق فطبع الله على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم (2) ، كما قال سبحانه : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية23) .
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (4/638) .
(2) انظر : شفاء العليل لابن القيم (ص183) وقد فصَّل رحمه الله في هذا الموضوع (ص181-229).(7/14)
النوع الثاني : نوع أقل وضوحاً من السابق، وهو لا يتعلق بالقضايا التي عليها دخول المرء في الإسلام، وهذا على درجات منه ما يخفى على قلة من الناس، ومنه ما يخفى على كثير منهم (1) . فهذا النوع لا بد بعد بلوغ نصوص الوحي من التوضيح والتبيين ودفع الشُّبَه عنه. ومن هذا النوع ما يتعلق بمسائل الإيمان، ومنه ما يتعلق بمسائل الفقه العملي. وكثير من هذا النوع لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، ومن أراد الله هدايته إليه.
ب- ويُشترط للبلاغ المبين بالنسبة للمبلِّغ، أمران :
فيلزم أن يكون المبلِّغ عالماً صادقاً، ويتبع ذلك أن يكون حسن الطريقة مرضيَّ السيرة عدلاً في أقواله وأفعاله ، متشابه السر والعلانية ، وأن يقول الحق ويصدع به لا يخاف لومة لائم (2) ، قال ابن القيم: (( ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ.. إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالماً بما يبلِّغ صادقاً فيه..)) (3) .
ج- أما بالنسبة للمبلَّغ إليه، فيشترط فيه :
... 1- أن يكون سالماً من عيوب عدم الإدراك والفهم، كالجنون والصمم .
... 2- أن يصل إليه البلاغ المبين بطريق يثبت عنده صدقه .
__________
(1) انظر : القائد إلى تصحيح العقائد للمعلمي (ص16) التعليق في الهامش للمؤلف نفسه. وانظر : ضوابط التكفير لحسن العواجي (ص24-25) ، ومنهج ابن تيمية في التكفير لعبد المجيد المشعبي (1/212-217 و 225). وذكر أمثلة لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية في : مجموع الفتاوى (6/60-61) و(18/5354).
(2) انظر : إعلام الموقعين لابن القيم (1/10-11) .
(3) إعلام الموقعين لابن القيم (1/10) .(7/15)
فإن لم يصل البلاغ، أو كان المبلَّغ إليه لا يمكنه إدراك البلاغ، فإنه لا تقوم عليه الحجة لأن الله تعالى بقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء15)، وقد أجمعت الأمة (1) من الصحابة ومن بعدهم على أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه وذلك بوصولها إليه وإدراكها من قبله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( إن الله يقول : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكّن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به . فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي. وإذا انقطع العلم ببعض الدين، أو حصل العجز عن بعضه، كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله، كمن انقطع عن العلم بجميع الدين، أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلاً، وهذه أوقات الفترات)) (2) .
... فالشرط الأول الذي هو التمكّن من العلم قد يكون فَقْده كلياً، وقد يكون جزئياً، فالكلي يقطع العذر كلياً، والجزئي يقطعه في حال دون حال ووقت دون وقت كما مثَّل ابن تيمية بأوقات الفترات ونحو ذلك .
__________
(1) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية (12/493-494) ، (18/308) ، (12/406) ، (12/500) والجواب الصحيح لابن تيمية (1/309-312) وطريق الهجرتين لابن القيم (ص413-414)، ومدارج السالكين له (1/188)، وتفسير ابن كثير (3/28-32)، والموافقات للشاطبي (4/200)، وطرح التثريب للعراقي (7/160)، وأضواء البيان للأمين الشنقيطي (3/429) .
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/59) ، وانظر : مدارج السالكين لابن القيم (1/189)، وضوابط التكفير لحسن العواجي (ص25) .(7/16)
... أما كونه يشترط أن تكون الطرق ثابتة عند المبلَّغ إليه صدقها، فلأن بلوغها بطريق غير ثابتة عنده لا يفيده العلم، فإن الله تعالى يقول: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (النجم28)، ويقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا.. الآية} (الحجرات6)، فغير الفاسق هو الذي يوثق بخبره مباشرة دون تفقد حاله، فوجب أن يكون من يبلِّغ الرسالة عدلاً معروفاً عند المرسل إليه حتى تحصل الثقة بخبره، ولذا بعث الله الرسل إلى أقوامهم الذين يعرفونهم كما قال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ..} (الأعراف65)، وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً..} (الأعراف73)، وبعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة وهو المعروف لديهم بنسبه وفضله واشتهر عندهم بالصدق والأمانة (1) . فإنه كما قال الشافعي: (( لا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المُخْبِر وكذبه )) (2) .
__________
(1) انظر : السيرة النبوية لابن هشام (1/228) والبداية والنهاية لابن كثير (3/176) .
(2) الرسالة للشافعي (ص399) .(7/17)
وقد وضح الإمام الشافعي (1) أن البلاغ يحصل وتقوم به الحجة من الواحد إذا كان معروفاً عند من يُرسل إليهم بالفضل والصدق، وإلا لو كان غير معروف فإنه لا تحصل الثقة به ولاتكون الحجة قد قامت عليه وأطال في ذلك، ومما يدل عليه ما رواه الترمذي (2) : (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا بكر والياً على الحج في سنة تسعٍ للهجرة وبعث في أثره علياً ليبلغهم سورة براءة ، وينبذ إلى المشركين عهدهم )) ، فلو لم يكونوا معروفين عندهم لما صح البلاغ، قال الشافعي: (( فكان أبو بكر وعلي معروفين عند أهل مكة بالفضل والدين والصدق ، وكان من جهلهما أو أحدهما من الحاجّ، وجد من يخبره عن صدقهما وفضلهما .. إلى أن قال: وقد فرَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - عمَّالاً على نواحي عرفنا أسماءهم ... إلى عشائرهم بعلمهم (3) بصدقهم عندهم)) (4) ثم ذكر رحمه الله أمثلة أخرى ثم قال : (( ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق ، إلا لما وصفت من أن تقوم بمثلهم الحجة على من بعثه إليهم ..)) (5) فهذا شرط مهم لقيام الحجة أن تصل الدعوة عن طريق يعرف صدقه ويثبت خبره ، حتى يثق المدعو وتقوم عليه الحجة، وبذلك يكون البلاغ مبيناً .
- - - - -
المبحث الرابع: حكم ترجمة السنة النبوية
__________
(1) وذلك في ضمن كلامه عند الاحتجاج لقول خبر العدل الواحد في الرسالة (ص401 - 457) . وجاء بعده البخاري فجعل في صحيحه كتاب أخبار الآحاد وأوله : باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، انظر الصحيح مع الفتح (95- كتاب أخبار الآحاد (13/231-244) ثم تبعهما المحدثون والفقهاء .
(2) سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن، ومن سورة التوبة، (5/257 رقم 3091) وقال: حسن غريب .
(3) ذكر محقق الرسالة الشيخ أحمد شاكر أنه في نسخة : ( إلى عشائرهم لعلمهم بصدقهم ) .
(4) الرسالة للشافعي (ص415) .
(5) المصدر السابق (ص417) .(7/18)
تبليغ السنة النبوية وتعليمها للناطق باللغة العربية بالقول أو الكتابة متيسر، لكثرة ما كُتب وأُلف ونُشر ولله الحمد، ولكن كيف تصل السُّنة المحمدية إلى غير الناطقين باللغة العربية ؟ ومن يعلمهم دين الله وسيرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - التي فيها الهدى والنور؟
وكقضية أساسية؛ فإن كل مسلم مطالب بتعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن والسُّنة، وبها يتمكن المسلم من فهم دينه وتعلّم أحكامه على الوجه الأكمل، ومن خلالها يستطيع استشعار عظمة الإسلام وجميل آداب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة..
ولكن الواقع يفرض قيام عوائق لتعلّم جميع المسلمين للغة العربية، فما العمل إذن ؟
إن من الوسائل الممكنة لتبليغ السنة النبوية هو ترجمتها إلى اللغات المراد تبليغ الدين إلى أهلها، فلقد أرسل الله الأنبياء إلى أقوامهم بألسنتهم:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4)، ليتحقق البلاغ المبين، ولما كانت الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، وجب في الجملة نقلها إلى جميع الألسنة ليتم تبليغ الرسالة تبليغاً يوصل المعاني إلى المبلَّغين ويفهمونها فهماً صحيحاً وافياً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( ومعلوم أن الأمة مأمورة بتبليغ القرآن لفظه ومعناه، وكما أُمر بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يكون تبليغ رسالة الله إلا كذلك، وأن تبليغه إلى العجم قد يحتاج إلى ترجمة لهم فيُترجم لهم بحسب الإمكان )) (1) ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (2) .
وبحسب التفصيل السابق في مسألة البلاغ المبين فأرى أن يكون حكم الترجمة كما يلي:
أولاً : بالنظر إلى التفصيل في مضامين الرسالة
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/116-117) .
(2) هذه قاعدة أصولية ، انظر : روضة الناظر لابن قدامة (1/107 وما بعدها ) .(7/19)
1- ترجمة ما فيه قيام الحجة على الناس من الحجج الواضحة، التي يكون فيها أدلة لما يدخل به المرء في الإسلام، فهذا النوع لو قيل بوجوب ترجمته مطلقاً، لكان سائغاً.
2- ترجمة أصول العقائد والشرائع، فهذا النوع يُترجم منه ما يتعلق بإقامة العقيدة، وإقامة الأركان الخمسة، بدليل اقتصار بعض الأعراب في عصره - صلى الله عليه وسلم - على أساسيات الدين وأركانه (1) .
أما تفاصيل التشريعات فأرى عدم ترجمتها، والأفضل من وجهة نظري ألا يتلقى المسلم مثل ذلك إلا باللسان العربي، لأن الترجمة ستفقده كثيراً من رونقه العربي، وكثيراً من المعاني المتعددة التي تحملها اللغة، وكثيراً من الجمال البياني المتوفر في اللغة العربية .
كما أن ترجمة مثل تلك التفصيلات أو ما في ظاهره اختلاف قد يُستغل من قبل أعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام في أذهان غير المسلمين بما يصدّهم عن الدخول فيه أو حتى التعرف عليه.
__________
(1) كحديث طلحة بن عبيدالله: (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد .. حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام.. وفي آخره: أفلح إن صدق) البخاري (برقم 46) ومسلم (برقم10) .(7/20)
إذن إذا كان البيان في القدر الواجب على المسلم فهمه من الدين لايحصل إلا بالترجمة فهو من قبيل ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} (التوبة6): (( قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعاً يتمكن معه من فهم معناه، إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي لوجب أن يترجم له ما تقوم به عليه الحجة، ولو كان عربياً وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست من لغته، وجب أن نبين له معناها. ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له، ونبين له معناه؛ فعلينا ذلك. وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالاً يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبهم )) (1) .
3- أما تلك الأمور التي ذكرنا أن نشرها قد يحدث لدى العامة فتنة وهي أمور يسيرة ولايقوم على أساسها الدين ولا علاقة لها بعبادة المسلم اليومية غالباً؛ فأرى المنع من ترجمتها، وأن تبقى باللغة العربية حتى إذا فهم المسلم غير الناطق بالعربية الإسلام وأركانه وعمل بالواجب عليه وتعلم اللغة العربية وكان من أهل العلم والفهم فلَه أن يطلع على ذلك أو يتركه، فما يحتاجه الناس هذه الأيام من أصول الدين والعبادة والتشريعات أكبر بكثير من ذلك.
ثانياً : بالنظر إلى المبلِّغ :
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/221-222) .(7/21)
فلا يجوز أن يقوم جاهل ولا غير الصادق الأمين بالترجمة، والجهل قد يكون باللغة سواء العربية أو اللغة المنقول إليها وقد يكون جهلاً بالأسلوب الصحيح للترجمة، وقد يكون جهلا بالعلم الشرعي وبمعاني النصوص الشرعية، فكيف ينقل إلى لغة أخرى وهو لم يفهم المراد أصلا، ويجهل كيفية العمل ؟! هذا على مستوى الأفراد .
أما مراكز الترجمة أو مؤسسات الترجمة، فلابد أن يُوجد فريق عمل متكامل يتوفر في مجموعهم العلم بما سبق، ويكون بينهم من التنسيق والمراجعة ما يكفل قيام الترجمة على أسس علمية صحيحة. وهنا يجب على تلك المراكز والمؤسسات أن تستعين بالأمناء الصادقين وإلا فعملهم ينقصه شرط الأمانة والصدق.
وما سوى ذلك فلا أرى أنه يجوز لهم القيام بالترجمة، وكثيراً ما رأينا وسمعنا عن أعمال مترجمة فيها كثير من الأخطاء والطوامّ ، والسبب فَقْد هذا الشرط: العلم والأمانة.
ثالثاً : بالنظر للمبلِّغ إليهم :
أرى أن يُبدأ بالترجمة إلى اللغات الأكثر انتشاراً والتي يتكلم بها أعداد كبيرة من الناس، ثم اللغات الأقل انتشاراً.
أما بعض اللغات قليلة الانتشار والتي قد لايتحدث بها إلا أقليات فلا أرى أن يترجم لهم إلا النوع الأول من المضامين الشرعية، لأن مثل تلك اللغات غالباً لايكون فيها من الإمكانات اللغوية الشيء الذي قد يتواءم مع المعاني الجليلة الكبيرة، ومن اللطائف أنني زرت أحد مراكز الترجمة قبل فترة من الزمن فوجدت عندهم ترجمة إلى لغة ليس لها حروف تكتب بها أصلاً، فتمت الترجمة إلى تلك اللغة بالصوت، وذُكر لي أنه يتكلم بها بعض القبائل التي تعيش في أفريقيا.
- - - - -
المبحث الخامس: ثمرات الترجمة المتعلقة بالبلاغ المبين
من ثمرات الترجمة المتعلقة بمسألة البلاغ المبين ما يلي:
1- إيضاح الطريق الحق لعبادة الله تعالى لغير الناطقين باللغة العربية:(7/22)
... فالعبادة هي السبب الذي من أجله خلق الله الخلق (1) ، وأوجدهم من العدم ليعبدوه وحده، ويعظموه سبحانه، ويعملوا بشريعته، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات56)، ولأجل تحقيق عبادته سبحانه أرسل للناس رسله وأنزل كتبه، حتى يتعرفوا على ربهم ويعبدوه وفق ما شرع؛ فإرشاد الناس إلى الطريق لمعرفة الله وتوحيده، ومعرفة ما يلزم من الأوامر والنواهي، من أهم أهداف البلاغ المبين (2) .
كما قال تعالى: { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ . وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (النحل36)، قال السعدي: (( يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولاً، وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو: عبادة الله وحده لا شريك له )) (3) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: (( إن الله خلق الخلق لعبادته، ولما كانت العبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها العقول: أرسل الله سبحانه الرسل وأنزل الكتب لبيان الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق )) (4) .
__________
(1) انظر : أحكام القرآن للشافعي ( 2/3) ، وكتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص4) ، وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب (ص3) ، وتيسير العزيز الحميد لسليمان آل الشيخ (ص47).
(2) انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي (7/28) ، والقول السديد للسعدي (ص7 و 14) وانظر: الدعوة إلى الله للواعي (ص118) وتاريخ الدعوة لجمعه الخولي (1/41).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص 713) .
(4) الدعوة إلى الله لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (ص5) .(7/23)
2- تهيئة الناس لقبول دعوة الإسلام :
... فليس كل المدعوين يستجيبون للدعوة ، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ، وليس هذا من شأن المبلَّغ عن الله الداعي إلى طريقه ، وإنما يهدف الداعية إلى أن يهيئ الناس لقبول الحق، وذلك بأن يسمعهم كلام الله ويتلو عليهم آياته التي فيها الحق والنور، باللغة التي يفهمونها، قال سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (التوبة6)، قال الإمام ابن كثير : (( أي استأمنك فأجبه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله أي القرآن تقرؤه عليه وتذكر له شيئاً من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله ... أي : إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله في عباده )) (1) ، فهؤلاء الذين
لا يعلمون عن دعوة الحق شيئاً؛ يجب على الداعية أن يسمعهم كلام الله الذي فيه البيان الشافي والإيضاح الكامل لدعوة الإسلام، ثم يتركهم وشأنهم مَنْ شاء قَبِل الدعوة أو مَنْ شاء تركها، وهذه الآية جاءت في حال الحرب مع المشركين وتدل على أن للداعية أن يؤَمِّن المشرك ليسمع التنزيل ويتعرف على الإسلام (2) ، فغير حالة الحرب أولى بهذا الحكم .
__________
(1) تفسير ابن كثير (2/337) .
(2) انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/75-76) ، وفتح القدير للشوكاني (2/358) .(7/24)
ثم إنه إذا حصل لهذا المشرك السماع والتعرف على دعوة الإسلام؛ فإن هذا بمنزلة الخطوة الأولى في دعوته واستمالته للحق، يقول الدكتور عبد العزيز النغيمشي: (( فاستعداد المتعلم النفسي وانتباهه الاختياري وإقباله على السماع والنظر، يُعد أول خطوة، ولا يتم ما بعدها إلا بها، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق37) )) (1) ، فتلاوة آيات الله على الناس باللغة التي يفهمونها؛ ليسمعوها ويعوا ما فيها من حكم وأحكام، وتبشير وإنذار يعد هدفاً أساسياً للرسل وأتباعهم يحصل به تهيئة الناس لقبول الحق والاستجابة له.
3- إقامة الحجة على الناس :
... لقد أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه، لتقوم الحجة على الخلق وتنقطع المعذرة، فلا يحتج أحد على الله تبارك وتعالى بأنه لم يأتهم رسل يبلغونهم دعوة ربهم ويفهمونهم ماذا يريد الله منهم (2) .
فكيف يعذبون دون بلاغ ؟ كما قال تعالى عنهم: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} (طه134).
__________
(1) علم النفس الدعوي لعبد العزيز النغيمش (ص46) .
(2) انظر: شرح مسلم للنووي(10/132)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (2/3-4 و12/493-496)، وإعلام الموقعين لابن القيم(2/119)، وإيثار الحق لابن الوزير(ص220)، وأضواء البيان للأمين الشنقيطي (2/188، 3/429)، والدعوة إلى الله لعبد العزيز بن باز(ص5-6)، وحكمة إرسال الرسل لابن عثيمين (ص20).(7/25)
وقطع الله عنهم حجة عدم إنزال الكتب، أو عدم فهم الكتب السابقة، بإنزال هذا القرآن الجامع المبين، كما قال تعالى : {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}؛ فأجابهم بما يقطع معذرتهم ويقيم عليهم الحجة: {فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}(الأنعام156- 157) . فإنزال الله تعالى القرآن كان جواباً على تعذرهم بعدم إنزال الكتب عليهم، وكونه واضحاً مبيناً بلغة عربية فصيحة، فيه الهدى والرحمة؛ جواباً على تعذرهم بعدم الفهم والإدراك للكتب السابقة (1) .
فمن رحمة الله على عباده أن أرسل إليهم الرسل بألسنتهم؛ يبلّغونهم آيات الله ويهدونهم سبل الحق، وجعل على نفسه تعالى أن لا يعذب الغافل الذي لم يأته بلاغ من ربه، وذلك فضل من الله محض ومنَّة منه سبحانه (2) ، كما قال جل ذكره: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء15)، وقال تعالى: {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} (الأنعام131) ، قال
ابن كثير: (( أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لئلا يؤاخذ أحد بظلم وهو لم تبلغه الدعوة )) (3) .
__________
(1) انظر : تفسير ابن كثير ( 2/192) ، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص432) .
(2) انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي (7/28) .
(3) تفسير ابن كثير (2/177) ، وانظر : تفسير السعدي (ص419) .(7/26)
وقد ذكر سبحانه أن الكافرين أقروا وشهدوا ببلوغ الرسالة إليهم كما قال سبحانه: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } (الأنعام130) . ومع هذا فإن الله يبعث من كل أمة شهيداً يشهد على إبلاغهم، ثم يأتي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيشهد وتشهد أمته على البلاغ التام من جميع الأنبياء، قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً} (النساء41) ، وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (البقرة143).
وروى البخاري والترمذي (1) عن أبي سعيد الخدري ما يوضح تفسير هذا الإشهاد فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يدعي نوح فيقال : هل بلغت ؟ فيقول: نعم ، فيدعي قومه، فيقال هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير ما أتانا من أحد. فيقال: مَنْ شهودك؟ فيقول: محمد وأمته. قال: فيؤتى بكم تشهدون أنه قد بلَّغ؛ فذلك قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً})).
__________
(1) البخاري: كتاب الأنبياء ، باب قول الله( ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه)(6/371 رقم 3339)، سنن الترمذي: كتاب التفسير ، سورة البقرة ، (5/190 رقم 2961) .(7/27)
وقد قال قتادة في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً .. }(الأحزاب45) : (( شاهداً على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم )) (1) . وبهذه الشهادات لا يبقى للناس على الله حجة إطلاقاً، وكما في الحديث الصحيح عن المغيرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ... ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين )) (2) . فهو سبحانه يحب أن يعذر إلى الناس ويبلِّغهم دينه، والترجمة إلى اللغات الأخرى تحقق لأهل تلك اللغات هذا الهدف وتقوم الحجة على الجميع، وتقوم الأمة المحمدية بواجبها حيال تبليغ دين الله للناس كافة، وتكون شاهدة على الجميع.
4- إظهار محاسن الإسلام وتكامل دعوته فيما يصلح أمر الدنيا والآخرة:
... إن الله بعث نبيه - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين هادياً ومعلماً ، قال سبحانه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء107)، ولما كانت الرسالة المحمدية آخر رسالات الله إلى أهل الأرض ، وكانت رسالة عالمية كاملة، صالحة لكل زمان ومكان؛ كان مما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إرشاد الناس إلى ما يصلح أمور معاشهم، وإلى ما يكفل لهم الحياة الطيبة في الدنيا ثم الآخرة (3) .
ونصوص الوحي التي أُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبليغها للناس كتاباً وسنة؛ تضمنت الإرشاد لهذا الهدف بكثرة، وجملة هذه النصوص تدور حول التوجيه لما فيه إصلاح الدنيا، وذلك بتبيين أوجه المصالح وطرق اكتسابها ، وأوجه المفاسد وطرق تجنبها.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/200) .
(2) صحيح مسلم : كتاب اللعان (بدون عنوان باب ) (10/132) .
(3) انظر : حكمة إرسال الرسل لابن عثيمين ، مجلة البيان العدد/ 13 (ص20) .(7/28)
وترجمة السنة النبوية المتضمنة لهذا الهدف الدعوي؛ تجعل الناس يقبلون على دين الله بنفس راضية مطمئنة، لأنهم يرون التكامل في هذه الدعوة فلم تهمل أمر الدنيا مع أنها دعوة لدخول الجنة في الأصل كما قال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ..} (يونس25).
5- حصول المترجم على أجر البلاغ والدعوة:
فالمترجم الذي يقوم بهذا الواجب يحصل على الأجر العظيم لما يقدمه من هداية وإرشاد للناس، ولما تولاه من القيام بجزء من أعباء خلافة الأنبياء وحق الوراثة الدينية ، فقد روى مسلم والترمذي (1) عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً )) ، و عن أبي مسعود البدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله )) (2) وهذا فيه بيان لعظيم الأجر الذي يستحقه القائم بالدعوة إلى الله بحسب جهده واجتهاده، فإن زاد عدد من دعاهم زاد أجره، وهذه الدلالة على الخير سواء كانت دلالته بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الكتابة أو الترجمة أو غير ذلك، فالدَّال على الخير كفاعله، ولم يحصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفية الدلالة في نوع محدد (3) .
__________
(1) صحيح مسلم: كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة أو دعا إلى هدى (16/227)، سنن الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو إلى ضلالة (5/42 رقم 2674) .
(2) صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سيل الله بمركوب غيره وخلافه (13/38)، سنن الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله، (5/40رقم 2671).
(3) انظر : مرقاة المفاتيح للقاري (1/226) ، و تحفة الأحوذي للمباركفوري (7/362).(7/29)
كما يحصل للمترجم الذي بلِّغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النضرة والبهاء، كما روى أبو داود والترمذي (1) عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( نضَّر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلِّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقهُ منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )). وهذا دعاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنضارة لمبلِّغ سنته، والنضارة هي: النعمة والبهجة والسرور (2) . وتكون هذه النضرة في وجوههم أثراً لما يجعله الله في قلوبهم من نور الحق، ولما يحصل لقلوبهم من سرور وطيب يظهر على وجوههم (3) .
وأعظم من ذلك أن الله وملائكته وأهل السموات والأرض يصلون عليه لأنه بترجمته للسنة النبوية يكون من جملة معلمي الخير، كما روى الترمذي (4) عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت؛ ليصلّون على معلم الناس الخير)) .
__________
(1) سنن أبي داود: كتاب العلم، باب فضل نشر العلم (4/68 رقم 3660)، الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع (5/33 رقم 2656).
(2) انظر : معالم السنن للخطابي (4/172)، والترغيب والترهيب للمنذري (1/61)، ومفتاح دار السعادة
لابن القيم (1/71) وعون المعبود للعظيم آبادي (3/360)، وتحفة الأحوذي للمباركفوري (7/341) .
(3) انظر : مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/72) .
(4) سنن الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة (5/48 رقم 2685)(7/30)
وهذه فائدة عظيمة تحصل للمترجم الذي يبلِّغ عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فصلاة الله على العبد هي ثناؤه عليه عند الملائكة وتزكيته لعباده ورحمته لهم، وصلاة الملائكة وسائر الخلق هي أنهم يستغفرون ويدعون له (1) .
- - - - -
الخاتمة
بعد حمد الله وشكره، والصلاة والسلام على الهادي البشير محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أذكر خاتمة لهذا البحث، تتلخص في:-
* إن واجب تبليغ الدعوة إلى الله الملقى على عاتق هذه الأمة ولاسيما أهل العلم منهم، يستلزم القيام بكل جهد حتى تصل دعوة الإسلام صافية نقية كما جاء بها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، وما ترجمة السنة النبوية إلا إحدى الوسائل الفاعلة في هذا الباب، ولكن؛ القدوة الحسنة والتطبيق العملي للإسلام من قبل أبنائه من أبلغ الوسائل وأمضاها، فإذا اتفق نشر الإسلام باللغات الأخرى مع واقع تطبيقي من المسلمين –في الجملة- اكتملت الصورة في أذهان المدعوين، وإلا حصلت فجوة بين غير المسلمين والدخول في الإسلام بسبب أبناء الإسلام، فأدعو نفسي وإخواني من طلبة العلم وكل مسلم تشغل الدعوة همّه إن يقيم الإسلام في نفسه ويدعو إليه بالوسائل المشروعة المتاحة على قدر الوسع والطاقة.
* البلاغ المبين يستلزم وضوح الرسالة وفهمها، والنصوص الشرعية كتاباً وسنة على ثلاثة أقسام:
الأول: نصوص شرعية تضمنت حججاً وأدلة لما يدخل به المرء في الإسلام، فهذه واضحة جلية، وترجمتها واجبة على الأمة المحمدية لتقوم بالبلاغ المبين حقاً، وتستحق وراثة النبوة المحمدية، ويلحق بذلك فيما أرى ما فيه بيان لمحاسن الإسلام والجواب على طعون غير المسلمين في عقائد الإسلام وأحكامه.
__________
(1) انظر : صحيح البخاري: كتاب التفسير، سورة الأحزاب، باب ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ... ) (8/532)، وغريب الحديث لأبي عبيد (1/180) ، والمفردات للراغب الأصفهاني مادة / صلا (ص287).(7/31)
الثاني: نصوص شرعية تضمنت أدلة وحججاً لبعض عقائد الدين وعباداته الواجبة العينية، وترجمة تلك النصوص، واجب في الجملة، أما تفاصيلها فأرى أن يكلف المسلم الجديد بتعلم اللغة العربية ليتزود منها، ولايغيب عن جمال لغة القرآن وعظمتها.
الثالث: نصوص تضمنت بعض الدقائق والإشكالات، وهذه على قلتها، لا أرى من المناسب ترجمتها، لأنها لاتفيد المسلم الجديد، ولأن ترجمتها قد تحدث فتنة أو تزرع إشكالات.
كما أنه لايجوز لمن فقد شرط العلم والصدق أن يقوم بالترجمة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، ويُراعي في الترجمة كذلك حال المدعوين ومن تصلح له الترجمة ومن له لاتصلح له، ومن يستفيد منها ومن لايستفيد .
وهذا الإطار لحكم الترجمة ما هو إلا أحد المحددات التي تضبط قضية الترجمة، فأوصي باستكمال باقي تلك الأطر، لتتضح الصورة السليمة لترجمة السنة النبوية وفق هدي صاحبها عليه الصلاة والسلام، كما أن التجارب المعاصرة في باب الترجمة قد توضح جانباً من الحاجة الواقعية أو الأحوال التي يُبنى عليها حكم الترجمة وطريقتها، وغير ذلك.
* إن قيام المتخصص بمهمة الترجمة يحقق أهداف البلاغ الدعوي؛ وبهذا يدخل ضمن الدعاة الذين لهم أجر كبير ، جعلنا الله وإياك منهم .(7/32)
* أظن أن ترجمة السنة النبوية – على الأقل في بعضٍ مما اطلعت عليه- لم تأخذ بالحسبان قضية البلاغ الدعوي، ولذا فقد وقع بعض القائمين على الترجمة في أخطاء منهجية؛ ولعل منها ترجمة ما لافائدة منه للمسلمين الجدد، أو ترجمة ما كان فيه بعض المشتبهات التي لايعلمها كثير من الناس، ولعل منها استنزاف الوقت والجهد في ترجمة تفاصيل العلوم الإسلامية بما لا داعي له – من وجهة نظري- ، ولعل منها صرف المسلم الجديد عن تعلّم اللغة العربية التي اختارها الباري سبحانه لخاتمة شرائعه ورسالاته إلى أهل الأرض. وانصراف الناس عن اللغة العربية يفوت فرصة كبيرة لتذوق طعم الإيمان وحلاوة آيات الكتاب العزيز وجمال أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
* أنني أرى أن تقوم مراكز للترجمة إلى اللغات الحية واسعة الانتشار، وتُؤصل على منهج واضح متدرج، يأخذ قضية البلاغ الدعوي بعين الاعتبار، فنعلم ما يترجم وما لايترجم، وأولى ذلك بعد أركان الدين وأساسياته، أن يُعلّم الناس اللغة العربية بعلومها المختلفة؛ ليفقهوا دين الله حق الفقه. والله أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
- - - - -
قائمة المراجع
1. القرآن الكريم.
2. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان / للأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط : الأولى 1408 ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان .
3. أحكام القرآن / الإمام محمد بن إدريس الشافعي، جمع الحافظ البيهقي، بعناية عبدالغني عبدالخالق ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1395هـ .
4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن / الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مصر: مطبعة المدني ، 1386هـ .
5. إعلام الموقعين عن رب العالمين / أبو عبد الله ابن قيم الجوزية، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد – القاهرة : مكتبة الكليات الأزهرية ( د. ت ) .(7/33)
6. إيثار الحق على الخلق / محمد بن المرتضى اليماني ابن الوزير، ط. الثانية – بيروت: دار الكتب العلمية، 1407هـ
7. البحر المحيط في أصول الفقه / بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق د. عمر سليمان الأشقر وآخرون، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (د.ت) .
8. البداية والنهاية / الحافظ عمادالدين إسماعيل بن كثير القرشي ، تحقيق د. أحمد أبو ملحم وآخرون ، ط. الأولى – القاهرة: دار الريان للتراث ، 1408هـ .
9. تاريخ الدعوة / جمعة علي الخولي، ط. الأولى – مصر: دار الطباعة المحمدية 1404هـ .
10. تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي / أبو العلا محمد عبدالرحمن المباركفوري، بيروت: دار الكتب العلمية (د.ت) .
11. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف / الحافظ عبد العظيم عبد القوي المنذري ، بعناية إبراهيم شمس الدين، ط. الأولى - بيروت: دار الكتب العلمية ، 1417هـ
12. تفسير القرآن العظيم / الحافظ عمادالدين إسماعيل بن كثير القرشي، القاهرة: مكتبة دار التراث (د.ت) .
13. تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد / سليمان بن عبدالله آل الشيخ ، بيروت: المكتب الإسلامي (د.ت) .
14. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان / عبدالرحمن بن ناصر السعدي، بيروت: مؤسسة الريان ، دار الذخائر ، 1418هـ .
15. جامع بيان العلم وفضله / أبو عمر يوسف بن عبدالبر النمري، تحقيق أبو الأشبال الزهيري ، ط. الثانية – الدمام : دار ابن الجوزي ، 1416هـ .
16. الجامع لأحكام القرآن / أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي، بعناية أحمد عبد العليم البردوني، ط. الثانية – مصر : دار الكتب المصرية (د.ت) .
17. الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح / أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، تحقيق د. علي بن ناصر وآخرون، ط. الأولى– الرياض: دار العاصمة 1414هـ .
18. شرف أصحاب الحديث / أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي.(7/34)
19. الدر المنثور في التفسير بالمأثور / جلال الدين عبدالرحمن السيوطي، بيروت : دار المعرفة (د.ت) .
20. الدعوة إلى الله / د. توفيق الواعي ، ط. الثانية – مصر: دار اليقين ، 1416هـ .
21. الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة / الشيخ عبدالعزيز بن باز، ط. الأولى – الكويت : الدار السلفية ، 1404هـ .
22. الرسالة / الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، تحقيق أحمد شاكر ، بيروت: دار الفكر (د.ت) .
23. رسالة إلى الدعاة / الشيخ محمد الصالح بن عثيمين ، ط. الأولى – الرياض : دار آسام للنشر ، 1412هـ .
24. روضة الناظر / موفق الدين عبدالله بن أحمد ابن قدامة المقدسي ، مع شرحها نزهة الخاطر العاطر لابن بدران الدمشقي ، بيروت: دار الكتب العلمية (د.ت) .
25. السنن / أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد ، ط. الأولى – بيروت : دار الحديث ، 1394هـ .
26. السنن / أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية (د.ت) .
27. السنن / أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق أحمد شاكر وأكمله محمد فؤاد عبد الباقي ثم يوسف كمال الحوت، ط.الأولى – بيروت : دار الكتب العلمية ، 1408هـ.
28. السنن/ أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي، مع شرح السيوطي وحاشية السندي ، القاهرة : دار الحديث ، 1407هـ .
29. السيرة النبوية / أبو محمد عبدالملك بن هشام المعافري ، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، بيروت : دار المعرفة ، 1398هـ .
30. شرح السنة / الحسين بن مسعود البغوي ، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، ط. الثانية – بيروت : المكتب الإسلامي ، 1403هـ .
31. شرح صحيح مسلم / محي الدين يحيى بن شرف النووي ، ط. الأولى – مصر : المطبعة المصرية بالأزهر ، 1347هـ .(7/35)
32. شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل / أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، تحرير الحساني حسن ، القاهرة : مكتبة دار التراث (د.ت) .
33. صحيح البخاري/ الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، مع شرحه فتح الباري، بتصحيح عبدالعزيز بن باز وترقيم محمد عبدالباقي، بيروت: دار الفكر (د.ت) .
34. صحيح مسلم / الإمام مسلم بن الحجاج القشيري ، وبحاشيته شرح النووي ، ط. الأولى – مصر : المطبعة المصرية بالأزهر ، 1347هـ .
35. ضوابط التكفير / د. حسن بن علي العواجي ، ط. الأولى – المدينة المنورة : دار البخاري ، 1415هـ .
36. الطبقات الكبرى / محمد بن سعد البصري كاتب الواقدي ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، ط. الأولى – بيروت: دار الكتب العلمية ، 1410هـ .
37. طرح التثريب في شرح التقريب / أبو الفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي وتكميل ابنه أبي زرعة ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي ، 1413هـ
38. طريق الهجرتين وباب السعادتين / أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، الرياض : المطابع الإسلامية العربية ، 1413هـ .
39. عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي / أبو بكر بن العربي ، ط. الأولى – بيروت: دار الكتب العلمية ، 1418هـ .
40. العبودية / شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني ، ط. الأولى – بيروت: دار الكتب العلمية 1401هـ .
41. علم النفس الدعوي / د. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي ، ط. الأولى – الرياض : دار المسلم ، 1415هـ .
42. عون المعبود شرح سنن أبي داود / محمد أشرف العظيم آبادي ، بيروت : دار الكتاب العربي ، مصورة عن الطبعة الهندية (د.ت) .
43. غريب الحديث / لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، بعناية د. محمد عبد المعيد خان، ط. الأولى – حيدر آباد الهند : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ، 1387هـ .(7/36)
44. فتح الباري شرح صحيح البخاري / أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بتصحيح عبدالعزيز بن باز وترقيم محمد عبدالباقي ، بيروت : دار الفكر(د.ت) .
45. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير/ محمد بن علي الشوكاني، تحقيق د. عبدالرحمن عميرة ، ط. الأولى – المنصورة: دار الوفاء ، 1415هـ .
46. فضل الدعوة إلى الله تعالى / د. فضل إلهي ، ط. الأولى – باكستان: إدارة ترجمان الإسلام ، 1420هـ .
47. الفقيه والمتفقه / أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، تحقيق عادل يوسف العزازي ، ط. الأولى – الدمام : دار ابن الجوزي ، 1417هـ
48. القائد إلى تصحيح العقائد / الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي ، بتعليق محمد ناصر الدين الألباني ، ط. الثالثة – بيروت : المكتب الإسلامي ، 1404هـ .
49. القول السديد في مقاصد التوحيد / الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي ، ط. الثانية عشر - المدينة المنورة : مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية 1414هـ
50. كتاب التوحيد / شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، الرياض: دار الغيث (د.ت) .
51. مجلة البحوث الإسلامية، الرياض : رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، العدد (53- ذو القعدة ، ذو الحجة 1418هـ ، محرم ، صفر 1419هـ ) .
52. مجموع فتاوى / شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني ، جمع عبدالرحمن بن قاسم النجدي، الرياض: دار عالم الفوائد 1412هـ، وهي مصورة عن الطبعة الأولى.
53. مجموعة الرسائل والمسائل النجدية / لبعض علماء نجد ، ط. الأولى – مصر : مطبعة المنار ، 1346هـ .
54. مختصر الصواعق المرسلة / محمد بن الموصلي ، ط. الأولى - بيروت: دار الكتب العلمية ، 1405هـ .
55. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين / أبو عبدالله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، تحقيق محمد حامد الفقي ، المغرب: دار الرشاد الحديثة .(7/37)
56. المراسيل / لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ط. الأولى 1408هـ ، مؤسسة الرسالة، بيروت ، لبنان .
57. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح / علي بن سلطان بن محمد القاري، الهند: مطابع أبناء مولوي محمد غلام رسول السورتي (د.ت) .
58. المسند / أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي ، تحقيق حسين سليم الداراني ، ط. الأولى – الرياض : دار المغني ، 1421هـ .
59. المسند / الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ، دار الفكر العربي (د.ت) .
60. معالم السنن شرح سنن أبي داود / أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي، ترقيم عبدالسلام عبدالشافي محمد، ط. الأولى – بيروت : دارالكتب العلمية ، 1411هـ
61. مفتاح دار السعادة ومنشورة ولاية العلم والإرادة / أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة (د.ت) .
62. مفردات غريب القرآن / الراغب الأصفهاني ، تحقيق محمد عيتاني ، ط. الأولى – بيروت: دار المعرفة ، 1418هـ .
63. منهج ابن تيمية في التكفير / د. عبد المجيد بن سالم المشعبي، ط. الأولى – الرياض : مكتبة أضواء السلف ، 1418هـ .
64. الموافقات /أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق مشهور حسن آل سلمان، ط. الأولى – الخبر : دار ابن عفان ، 1417هـ .
65. نواقض الإيمان القولية والعملية / د. عبدالعزيز بن محمد العبد اللطيف ، ط.الثانية – الرياض : دار الوطن ، 1415هـ .
- - - - -
فهرس المحتويات
المقدمة 000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 1
المبحث الأول: السُّنة النبوية وحي واجب الاتباع 0000000000000000000000000000000000 3
المبحث الثاني: وجوب تبليغ السُّنة النبوية 000000000000000000000000000000000000000000 5
المبحث الثالث: متى يكون البلاغ مبيناً 000000000000000000000000000000000000000000000 10(7/38)
أ- البيان بالنسبة للرسالة المبلغّة 000000000000000000000000000000000000000000000000000 10
ب- البيان بالنسبة للمبلِّغ 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 11
ج- البيان بالنسبة للمبلَّغ إليه 000000000000000000000000000000000000000000000000000000 12
المبحث الرابع: حكم ترجمة السنة النبوية 00000000000000000000000000000000000000000000 14
المبحث الخامس: ثمرات الترجمة المتعلقة بالبلاغ المبين 0000000000000000000000000000 17
1- إيضاح الطريق الحق لعبادة الله تعالى لغير الناطقين باللغة العربية 00000000000 17
2- تهيئة الناس لقبول دعوة الإسلام 0000000000000000000000000000000000000000000000 17
3- إقامة الحجة على الناس 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000 18
4- إظهار محاسن الإسلام وتكامل دعوته فيما يصلح أمر الدنيا والآخرة000000000 20
5- حصول المترجم على أجر البلاغ والدعوة 000000000000000000000000000000000000 21
الخاتمة 00000000000000000000000.00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 23
قائمة المراجع 000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 25
فهرس المحتويات 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 30
تمت بحمد الله ,,,
- - - - -(7/39)
سيرة ذاتية
الاسم: عبدالله بن علي الزهراني
العنوان: المدينة المنورة
ص.ب 5123
هاتف الجوال (0505302407) الفاكس (048346110)
البريد الإلكتروني (abdallahzz@gmail.com)
العمل: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة المنورة.
المؤهل التعليمي :
? البكالريوس في الحديث والدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1413هـ .
? الماجستير في الدعوة والاحتساب من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1423هـ.
? الدكتوراه في علوم الحديث من الجامعة الإسلامية 1427هـ .
المشاركات والندوات:
مشاركة في الندوة العلمية (تحصين شباب الجامعات ضد الغزو الفكري) - الجامعة الإسلامية، 1424هـ.
مشاركة في الندوة العلمية (الشباب الجامعي والتصدي للإرهاب) - جامعة طيبة، 1425هـ.
مشاركة في الندوة العلمية (المجتمع والأمن- الظاهرة الإجرامية المعاصرة: الاتجاهات والسمات ) - كلية الملك فهد الأمنية، 1426هـ .
البحوث والدراسات :
- أساليب الدعوة ووسائلها، (رسالة الماجستير) 1421هـ .
- جهود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التصدي للغزو الفكري، 1423هـ.
- دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيق الأمن الفكري، 1425هـ .
- مدخل عن آليات التغيير الحضاري، 1425هـ .
- دراسة أحاديث المعاملات لقاسم بن أصبغ في التمهيد ، (رسالة الدكتوراه) 1426هـ .
- أحكام الستر في الشريعة الإسلامية، 1427هـ .(8/1)
المقدمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد، فإن للترجمة أهمية بالغة ودوراً بارزً في حياة الشعوب؛ خصوصاً في هذه العصر الذي اتسع فيه مجال الاتصال بين الناس، وأصبحت الترجمة أعظم الوسائل في نقل العلوم والثقافات من شعب لآخر، ولم تقتصر الترجمة على مجال معين، بل شملت جميع المجالات من سياسة واقتصاد ودين وتقنية وأدب وغيرها.
وتظهر أهمية الترجمة وخطرها في ترجمة العلوم الدينية خاصة؛ إذ يتسابق أهل الكفر والباطل في ترجمة عقائدهم ونشرها بين الناس، وهنا يصبح الواجب على المسلمين أكبر في المبادرة إلى ترجمة عقيدتهم وعلوم دينهم ونشرها بين الناس؛ فهم أصحاب الدين الحق، الناسخ لجميع الديانات، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } (1) ، ودينهم عام للناس جميعاً بجميع لغاتهم وأجناسهم، قال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (2) } ، كما أن المسلمين مطالبون بنشر هذا الدين بين الناس، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } (3) ، وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (4) .
ومن جهة أخرى فإن كثيراً من المسلمين لا يعرفون اللغة العربية، وليس لديهم القدرة على تعلمها، وهم في حاجة إلى ترجمة العلوم الشرعية إليهم لتفقهوا في دينهم ويعبدوا الله على بصيرة.
__________
(1) التوبة آية (33).
(2) الأعراف آية (158).
(3) المائدة آية (76).
(4) إبراهيم آية (1).(9/1)
ولأهمية الترجمة في إبلاغ هذا الدين استخدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ روى البخاري في صحيحه معلقًا عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه (1) .
وإذا كانت ترجمة العلوم الشرعية مهمة، فإن أهمها –بعد ترجمة معاني القرآن وتفسيره- ترجمة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فهي المفسرة للقرآن والمبينة للأحكام، من اعتصم نجى، ومن تمسك بها هُدي إلى صراط مستقيم. ومن المهم أيضاً ترجمة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبيان أخلاقه العظيمة وصفاته النبيلة وما كان يدعو إليه الرحمة والعدل والإحسان.
ولأهمية ترجمة السنة والسيرة النبوية اخترت الكتابة في التأصيل لها من خلال القواعد الفقهية؛ لأني لم أجد من اعتنى بالتأصيل من هذا الجانب، ولأن التأصيل من خلال القواعد الفقهية مهم؛ فهي تعطي تصوراً عاماً عن مقاصد الشريعة وأسرارها، والتأصيل من خلالها يكون منضبطاً لا تناقض فيه، قال القرافي رحمه الله: ((والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه... وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويُعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتُكشف... ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان)) (2) .
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وسبعة مباحث، وخاتمة.
أما المقدمة: فقد ضمنتها: الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطة البحث.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟ حديث رقم (7195)، (ص600).
(2) الفروق (1/2و3).(9/2)
وأما المباحث فهي:
المبحث الأول: قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد.
المبحث الثاني: قاعدة الضرر يُزال.
المبحث الثالث: قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان.
المبحث الرابع: قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
المبحث الخامس: قاعدة يُقبل قول المترجم مطلقاً. ...
المبحث السادس: قاعدة العمل المتعدي أفضل من القاصر.
المبحث السابع: قاعدة الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه.
وأما الخاتمة: فقد أشرت فيها إلى ما توصلت إليه من نتائج خلال هذه البحث.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله لي ذخراً يوم الدين، وأن ينفع به من كتبه، أو اطلع عليه.
المبحث الأول: قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد (1) .
الشرح:
هذه القاعدة أصل عظيم في الشرع، تتضمن عدة قواعد، منها قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) (2) ويُعبّر عنها بلفظ: (كل ما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب) ولفظ: (كل لا ما يُتوصل إلى المطلوب إلا به فهو مطلوب) (3) .
ومعنى القاعدة: أن التكليف نوعان: أحدهما: مقصود في نفسه، متضمن للمصالح والمفاسد. والثاني: وسائل إلى المقاصد؛ أي طرق مفضية إليه. وحكم الوسائل حكم ما أفضت إليه من المقاصد، فوسيلة الواجب واجبة (4) ؛ فإذا أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بشيء كان أمراً به، وبما لا يتم إلا به؛ لأن الذي شرع الأحكام عليم حكيم، يعلم ما يترتب على ما حكم به على عباده من لوازم وشروط ومتممات (5) .
__________
(1) انظر: قواعد الأحكام (1/46)، الفروق للقرافي (2/33)، القواعد والأصول الجامعة للسعدي (ص10).
(2) انظر: القواعد والأصول الجامعة للسعدي (ص10).
(3) انظر: القواعد للمقري (2/393).
(4) انظر: قواعد الأحكام (1/46)، الفروق للقرافي (2/33)، إعلام الموقعين (3/171)، القواعد والأصول الجامعة للسعدي (ص10).
(5) انظر: القواعد والأصول الجامعة للسعدي (ص10).(9/3)
ومن جهة أخرى فإن الوسائل تتفاوت في الفضل بحسب تفاوت المقاصد؛ فالوسيلة إلى أفضل المقاصد تعتبر أفضل المقاصد، كما أن الوسيلة إلى أقبح المقاصد تعتبر أقبح الوسائل (1) .
الأمثلة:
فروع هذه القاعدة وأمثلتها كثيرة منها:
1- المشي إلى الصلاة، ومجالس الذكر، وصلة الرحم، واتباع الجنائز، وغير ذلك من العبادات: المشي إليها داخل في العبادة؛ لأنه وسيلة إليها (2) .
2- إذا خفي عليه موضع النجاسة من الثوب لزمه أن يغسل الثوب كله (3) ؛ لأن اجتناب النجاسة واجب، ولا يحصل إلا بغسل الثوب كله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3- إذا اشتبهت عليه زوجته بالأجنبية وجب عليه الكف عن الجميع؛ لأن الكف عن الحرام –وهو وطء الأجنبية- واجب، ولا يحصل إلا بالكف عن زوجته، فيحرم عليه قربانها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (4) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
يظهر التأصيل من طريقين:
الطريق الأول: التأصيل بالنظر إلى سمو المقاصد والوسائل وفضلها. وهو على وجهين:
الوجه الأول: ذكر ابن سعدي رحمه الله من فروع هذه القاعدة ((أن العلوم الشرعية قسمان: أحدهما: مقاصد، وهي علم الكتاب والسنة. والثاني: وسائل إليها، مثل علوم العربية بأنواعها؛ فإن معرفة الكتاب والسنة وعلومهما تتوقف أو يتوقف أكثرها على معرفة علوم العربية، ولا تتم معرفتهما إلا بها، فيكون الاشتغال بعلوم العربية لهذا الغرض تابعاً للعلوم الشرعية)) (5) .
__________
(1) انظر: قواعد الأحكام (1/46)، الفروق للقرافي (2/33).
(2) انظر: القواعد والأصول الجامعة للسعدي (ص11).
(3) انظر: المجموع المذهب للعلائي (1/243)، كتاب القواعد للحصني (2/44).
(4) انظر: المجموع المذهب للعلائي (1/244)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص395).
(5) انظر: القواعد والأصول الجامعة للسعدي (ص13).(9/4)
وكلامه رحمه الله فيمن يتكلم العربية، أما الأعاجم فإن وسيلتهم إلى معرفة الكتاب والسنة لا تتحقق إلا بالترجمة.
وإذا كان معرفة الكتاب والسنة من أعظم المقاصد، فإن الوسائل المفضية إليها –ومنها الترجمة- من أعظم الوسائل وأفضلها.
الوجه الثاني: اتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء أثره والاهتداء بهديه والتأسي به من أعظم المقاصد، قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (1) ، وكل وسيلة مفضية إلى إتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء أثره تُعد من أعظم الوسائل وأفضلها، ووسيلة الأعاجم إلى هذا المقصد العظيم هي الترجمة.
الطريق الثاني: التأصيل من خلال قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهو على وجهين: وجه متعلق بالمسلمين، وآخر متعلق بالكفار.
__________
(1) الأحزاب آية (21).(9/5)
الوجه الأول: أما ما يتعلق بالمسلمين، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (1) ، والمراد بالعلم الواجب في هذا الحديث هو العلم بأمر الله ونهيه؛ فيجب على المسلم أن يعلم أمر الله ليمتثله، مثل وجوب الصلاة والصيام ونحو ذلك. كما يجب عليه أن يعلم نهي الله ليجتنبه، مثل حرمة الزنا والقتل والسرقة ونحو ذلك (2) ، وكل عمل إذا كان واجباً على المسلم كان تعلمه واجباً، ومن أقدم على عمل وجب عليه معرفة ما يتعلق به من أحكام شرعية، قال القرافي رحمه الله: ((الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته حكاه أيضاً في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه؛ فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله في القراض، ومن صلّى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال)) (3) .
وهذا العلم الواجب لا يتأتى ولا يتم في حق المسلمين الأعاجم إلا بالترجمة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
__________
(1) رواه ابن ماجه في سننه، كتاب السنة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث رقم (224)، (ص2491). وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/44).
(2) انظر: الرسالة (ص357)، مجموع الفتاوى (3/328).
(3) الفروق للقرافي (2/148)، وانظر الرسالة (ص357).(9/6)
الوجه الثاني: أما ما يتعلق بالكفار؛ فإن الإسلام دين للناس جميعاً كما قال الله تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (1) } والواجب على المسلمين إبلاغ الكفار دعوة الإسلام على وجهها الصحيح بلاغاً يقطع العذر ويقيم الحجة عليهم، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } (2) .
كما أن من الواجب على المسلمين إبطال شبهات الكفار، ودفع باطلهم، ورد إساءتهم وطعنهم في الإسلام.
وكل هذه الواجبات لا تتم إلا بالترجمة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وعليه فقد وجب على المسلمين ترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، وترجمة سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، وبيان محاسن الإسلام؛ لتبلغهم الدعوة على وجهها الصحيح، ويعرفوا الإسلام على حقيقته.
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: ((وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل؛ لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية؛ لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)) (3) .
وقال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: ((أما بالنسبة إلى ولاة الأمر ومن لهم القدرة الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة ما استطاعوا من الأقطار حسب الإمكان بالطرق الممكنة وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، ويجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية ويغيرها)) (4) .
__________
(1) الأعراف آية (158).
(2) المائدة آية (76).
(3) أصول في التفسير (1/37).
(4) الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة (ص17).(9/7)
وقال رحمه الله في قوله تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (1) قال: ((وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا لا يعرفون معناه، ولا يفهمون مراد الله منه؟ فعُلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها)) (2) .
المبحث الثاني: قاعدة الضرر يُزال.
الشرح:
هذه القاعدة إحدى القواعد الكلية الكبرى (3) ، وهي قاعدة عظيمة يُبنى عليها كثير من أبواب الفقه ومسائل لا تكاد تُحصى (4) . وأصل هذه القاعدة هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا ضرر ولا ضرار)) (5) .
__________
(1) إبراهيم آية (1).
(2) فتاوى اللجنة الدائمة (8/252).
(3) انظر: الأشباه والنظائر للسبكي (1/41)، كتاب القواعد للحصني (1/333)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص173)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص94).
وبعض الفقهاء يجعل حديث (لا ضرر ولا ضرار) القاعدة الكلية، ويجعل قاعدة (الضرر يُزال) متفرعة عنها.
انظر: المدخل الفقهي العام (2/993)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص258)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/210)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص493).
(4) انظر: كتاب القواعد للحصني (1/333)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص173)، المدخل الفقهي العام (2/991).
(5) رواه ابن ماجه في سننه كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، حديث رقم (2340و2341) (ص2617)، والدارقطني في سننه (3/77)، والحاكم في المستدرك (2/66)، والبيهقي في الكبرى (6/96).
... وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/39).(9/8)
ومعنى (الضرر يُزال) أي تجب إزالته؛ لأن الإخبار في كلام الفقهاء للوجوب، فيجب رفع الضرر وإزالته بعد وقوعه (1) . والمراد بالضرر الذي يُزال هو الضرر غير المأذون فيه شرعاً، أما الضرر المأذون فيه شرعاً فلا يدخل في هذه القاعدة؛ مثل القصاص والحدود وسائر العقوبات والتعازير (2) .
الأمثلة:
فروع هذه القاعدة وأمثلتها كثيرة جداً منها:
1- ينبني على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيارات، وضمان المتلفات، ودفع الصائل، وقتال المشركين والبغاة، ونصب الأئمة والقضاة، وغير ذلك (3) .
2- إذا سلط إنسان ميزابه على الطريق العام بحيث يضر بالمارين فإنه يُزال (4) .
3- ((لا يجوز لأحد أن يهدم حائط غيره، وإن هدمه فلا يجوز للآخر أن يهدم حائطه مقابلة لذلك، بل عليه أن يرفع الأمر إلى الحاكم)) (5) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة من ثلاثة أوجه:
__________
(1) شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص179)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص258)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/210).
(2) المدخل الفقهي العام (2/990)، شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص165).
(3) انظر: الأشباه والنظائر للسبكي (1/41)، كتاب القواعد للحصني (1/335)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص173)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص94).
(4) الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية الكلية (ص258)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/210).
(5) القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص505).(9/9)
الوجه الأول: أن الضرر واقع على كثير من المسلمين الأعاجم؛ فهم يجهلون كثيراً من أحكام الشرع، كما يجهلون كثيراً من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه وسيرته، مما جعلهم يتخبطون في ظلمات الجهل؛ فلا يعرفون -في كثير من الأحيان- الحلال من الحرام، ولا السنة من البدعة، ولا التوحيد من الشرك، والسبب في ذلك أنهم لم يصلهم العلم الشرعي بلغة يفهمونها، ولا سبيل إلى إزالة هذا الضرر عنهم إلا بترجمة الأحكام الشرعية، وتفسير القرآن، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته إلى لغاتهم.
الوجه الثاني: حوت بعض ترجمات سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته كثيراً من الأخطاء العقدية؛ كتأويل الصفات أو تحريفها، أو تحسين البدعة، أو الدعوة إلى التشيع، أو إنكار بعض ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث تخالف العقل بزعهم، ونحو ذلك. كما حوت كثيراً من الأخطاء الفقهية؛ كتتبع الرخص وإن خالفت الدليل الصريح الصحيح.
وضرر هذه الترجمات عظيم وخطير على دين هؤلاء المترجَم لهم، وهذا الضرر يجب أن يُزال، ولا سبيل إلى إزالته إلا بالترجمة ترجمة صحيحة مبنية على كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بفهم سلف الأمة، توضح الحق وترد على أهل الباطل.
ولا شك أن إظهار الحق للناس، وإزالة ضرر أهل البدع والأهواء من أفضل الأعمال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ومثل أئمة البدع من أهل المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين... ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً)) (1) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/231و232).(9/10)
الوجه الثالث: كثُر في هذا العصر هجوم الكفار الأعاجم على الإسلام وطعنهم فيه، ونيلهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي هذا ضرر عظيم؛ فهو يقلب الحقائق ويشوه صورة الإسلام وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وأخلاقه، ويشوش على بعض المسلمين الأعاجم دينهم ويجعلهم في حيرة من أمرهم، وقد يصدقون باطل هؤلاء الكفار.
وهذا الضرر العظيم يجب أن يُزال، ولا سبيل إلى إزالته إلا بالترجمة ترجمة تظهر الحق، وتبرز محاسن الإسلام، وترد على المفترين، وتبين سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه وسيرته وأخلاقه.
المبحث الثالث: قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان.
الشرح:
هذه القاعدة من القواعد المتفرعة عن القاعدة السابقة (الضرر يُزال) (1) ، والفرق بينهما: أن قاعدة (الضرر يُزال) تفيد وجوب دفع الضرر بعد وقوعه، أما قاعدة (الضرر يدفع بقدر الإمكان) فتفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه، فإن أمكن دفعه بالكلية وإلا فبقدر الإمكان (2) . وهذه القاعدة من باب سد الذرائع، ومن باب الوقاية خير من العلاج (3) .
__________
(1) انظر: المدخل الفقهي العام (2/992)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/208)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص508).
(2) انظر: شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص166)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/208)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص508)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص256).
(3) انظر: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص256)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص508).(9/11)
ومستند هذه القاعدة هو مستند سد الذرائع، وسد الذرائع أصل عظيم في الدين، قال ابن القيم: ((وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف؛ فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما: مقصود لنفسه. والثاني: وسيلة إلى المقصود. والنهي نوعان: أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه. والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة. فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين)) (1) .
الأمثلة:
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- شرع الإسلام خيار الشرط لدفع الضرر؛ لحاجة بعض المشترين إلى الاستشارة والتروي قبل البت (2) .
2- شرع الإسلام حق الشفعة لدفع الضرر المتوقع على الجار (3) .
3-شرع الإسلام الحجر على المدين المفلس منعاً للضرر على الدائنين (4) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة مقارب لما ذُكر في القاعدة السابقة (الضرر يُزال)، إلا أن الفرق هنا أن بعض المسلمين الأعاجم لم تصلهم الترجمات الباطلة بعْدُ، وهذه الترجمات قد تصلهم في أي وقت، والواجب حينئذ أن ندفع ضرر هذه الترجمات قبل وصولها إليهم ووقوع الضرر عليهم، ولا يكون ذلك إلا بالمبادرة إلى إيصال الترجمات الصحيحة إليهم قبل أن تنحرف عقائدهم أو يفسد دينهم، خصوصاً في هذا العصر الذي يسابق فيه أهل الباطل لنشر باطلهم، وقد قال الفقهاء: المنع أسهل من الرفع (5) . فغرس العقيدة الصحيحة في النفوس ابتداءً أسهل من نزع العقيدة الباطلة منها؛ والوقاية من المرض قبل وقوعه أسهل من علاجه بعد الوقوع.
__________
(1) إعلام الموقعين (3/171).
(2) انظر: المدخل الفقهي العام (2/992).
(3) انظر: المدخل الفقهي العام (2/992)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص510).
(4) انظر: المدخل الفقهي العام (2/993)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص257).
(5) انظر: القواعد للمقري (2/590)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/127).(9/12)
المبحث الرابع: قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة (1) .
الشرح:
هذه القاعدة متفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى (المشقة تجلب التيسير) (2) .
والضرورة: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، وإذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران. أما الحاجة: فهي المفتقَرُ إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق، وإذا لم تراع دخل على المكلفين الحرج والمشقة (3) .
ومعنى القاعدة: أن التسهيلات التشريعية الاستثنائية لا تقتصر على الضرورة الملجئة فقط، بل إذا كانت هناك حاجة عامة لمجموع الناس، أو خاصة لفئة من الناس فإنها تنزل منزلة الضرورة في جواز الترخص لأجلها (4) .
الأمثلة:
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- الإجارة عقد على منافع معدومة حال العقد، والعقد على معدوم لا يجوز، ومع ذلك جازت الإجارة لعموم الحاجة (5) .
__________
(1) انظر هذه القاعدة في الأشباه والنظائر لابن الوكيل (2/370)، المنثور في القواعد للزركشي (1/277)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص179)، شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص209)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص242)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/288)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص286).
(2) انظر: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص242)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/288)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص286).
(3) انظر: الموافقات (2/4و5).
(4) انظر: المنثور في القواعد للزركشي (1/277)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص242)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص288).
(5) انظر: الأشباه والنظائر لابن الوكيل (2/370)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص100).(9/13)
2- الجعالة عقد على مجهول، والعقد على مجهول لا يجوز، ومع ذلك جازت الجعالة لعموم الحاجة (1) .
3- يجوز النظر في بعض الحالات إلى مالا يجوز النظر إليه؛ مثل المداواة، والنظر إلى المرأة المخطوبة (2) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة واضح جلي؛ فحاجة الأعاجم -مسلمين وكفار- إلى معرفة أحكام الإسلام ورسالته ملحّة، وقد مثّل الشيخ صالح السدلان لهذه القاعدة بقوله: ((ومن الأمثلة على هذه القاعدة أيضاً: أنه يجوز ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية؛ نظراً لحاجة الناس إلى معرفة أحكام الإسلام ورسالته العامة للبشرية جمعاء)) (3) . وما ذكره الشيخ من ترجمة معاني القرآن ينطبق على ترجمة السنة والسيرة النبوية.
وقال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: ((ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه، ولاسيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته؛ فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك)) (4) .
والتأصيل من خلال هذه القاعدة مبني على أن ترجمة العلوم الشرعية من الحاجيات في الجملة، وإلا فإن ترجمة بعض العلوم الشرعية يدخل في باب الضروريات؛ مثل العلوم الواجب على كل مسلم تعلمها، ومثل الرد على أهل الباطل، ومثل إقامة الحجة على الكفار بإيصال الدعوة إليهم على وجهها الصحيح، كم مر في قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد).
المبحث الخامس: قاعدة يُقبل قول المترجم مطلقاً.
الشرح.
__________
(1) انظر: الأشباه والنظائر لابن الوكيل (2/371)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص179).
(2) انظر: المجموع المذهب للعلائي (1/118)، القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص295).
(3) القواعد الفقهية الكبرى للسدلان (ص295).
(4) فتاوى اللجنة الدائمة (8/252).(9/14)
هذه القاعدة عند الحنفية (1) ، وإن كان معناها في الجملة متفق عليه، والمراد بهذه القاعدة: أنه إذا كان أحد المتداعيين أو كلاهما، أو الشهود أو بعضهم لغتهم غير لغة القاضي، فإن على القاضي أن يعتمد ترجماناً يترجم له الكلام. وقولهم: مطلقاً. أي يقبل قول المترجم الواحد في جميع أنواع الدعاوى والبينات (2) . وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد بن الحسن: يشترط في المترجم ما يشترط في الشهود من العدد (3) .
والفقهاء من جميع المذاهب متفقون على أن على القاضي عند الحاجة أن يتخذ مترجماً يترجم كلام الخصوم والشهود. واختلفوا بعد في جواز الاكتفاء بمترجم واحد أو هل يشترط في المترجم ما يشترط في الشهود من العدد؟ (4) .
وقد بوب البخاري لهذا الموضوع بقوله: ((باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟)) (5) .
الأمثلة:
مثال هذه القاعدة واضح؛ وهو أنه يُقبل قول المترجم الواحد في جميع أنواع القضايا والبينات (6) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة واضح جلي؛ فإذا كانت الترجمة مطلوبة في باب القضاء لحفظ مصالح الناس الدنيوية، فإن ترجمة العلوم الشرعية مطلوبة من باب أولى؛ لأن فيها حفظ مصالح الناس الدينية.
__________
(1) أشار إليها ابن نجيم في الأشباه (ص144)، ونُص عليها في مجلة الأحكام العدلية مادة (71)، وذكرها الزرقا ضمن شرحه لقواعد المجلة في كتابه شرح القواعد الفقهية (ص353)، وانظر المدخل الفقهي العام (2/1051)، والقواعد الفقهية للزحيلي (1/572).
(2) المراجع السابقة.
(3) انظر: المبسوط (16/89).
(4) انظر: المبسوط (16/89)، حاشية الدسوقي (4/139)، روضة الطالبين (11/136)، المغني (10/132)، إعلام الموقعين (2/185)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص618).
(5) صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟ (ص600).
(6) انظر: القواعد الفقهية للزحيلي (1/573).(9/15)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم من حاجة المريض إلى الطب؛ فإن آخر ما يقدّر بعدم الطب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتاً لا تُرجى الحياة معه أبداً، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبداً)) (1) .
المبحث السادس: قاعدة العمل المتعدي أفضل من القاصر (2) .
الشرح:
معنى هذه القاعدة: أن الثواب يتناسب مع شيوع الخير وانتشاره وكثرة المستفيدين منه؛ فإذا كان الفعل يتعدى صاحبه إلى غيره كان ثوابه أكثر من الفعل الذي يقتصر أثره على صاحبه فقط (3) .
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الأصل في كثرة الثواب وقلته مبينة على كثرة المصلحة من الفعل وقلتها (4) ، لا على التعدي والقصور. وذهب آخرون إلى الجمع بين القولين فقالوا: اتباع خير الخيرين مطلوب (5) . فمتى ما كان الفعل أفضل من غيره كان مقدماً عليه.
وعلى كل حال فإن المثالين اللذين سيُذكران تنطبق عليهما جميع الأقوال السابقة، والتأصيل من خلال القاعدة مبني على هذين المثالين.
الأمثلة:
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- قال الشافعي: ((طلب العلم أفضل من صلاة النافلة)) (6) .
2- للقائم بفرض الكفاية مزية على غيره؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة (7) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل من خلال هذه القاعدة يظهر من وجهين مبنيين على المثالين السابقين.
__________
(1) مجموع الفتاوى (19/97).
(2) انظر: القواعد للمقري (2/411)، القواعد الفقهية للزحيلي (2/729).
(3) انظر: القواعد الفقهية للزحيلي (2/729).
(4) انظر: قواعد الأحكام (1/29)، الفروق للقرافي (2/131).
(5) انظر: المنثور في القواعد للزركشي (2/438).
(6) مسند الشافعي (ص249)، وانظر القواعد الفقهية للزحيلي (2/729).
(7) انظر: القواعد الفقهية للزحيلي (2/729).(9/16)
الوجه الأول: قيام القادر بالترجمة أفضل من انشغاله بنوافل العبادات؛ لأن نفع التعبد قاصر على المتعبد ومصلحته مقصورة عليه، أما الترجمة فإن المصالح المترتبة عليها عظيمة ونفعها متعد إلى الأعاجم سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، أما الكفار فدعوتهم إلى الإسلام، وبيان محاسنه لهم، وإقامة الحجة عليهم. وأما المسلمون ففي الترجمة نشر العلم الشرعي بينهم وتبصيرهم بأمور دينهم، وإرشادهم إلى المعتقد الصحيح، وتزداد مصالح الترجمة ويتعدى نفعها أكثر في هذا العصر على وجه الخصوص؛ نظراً لكثرة المسلمين الأعاجم، وعدم اهتمامهم بتعلم اللغة العربية، وكثرة دعاة الباطل الذين ينشرون باطلهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا صام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين)) (1) .
الوجه الثاني: وأما التأصيل على المثال الثاني؛ وهو أن للقائم بفرض الكفاية مزية على غيره؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة. فإن الأمة مطالبة ببيان الدين وإظهاره للناس ودعوتهم إليه، وتعليم المسلمين أمور دينهم، بكافة لغاتهم. كما مر في قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد).
وواجب الترجمة هنا على الكفاية، فإذا قام به البعض كان لعمله مزية على غيره؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة.
المبحث السابع: قاعدة الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه.
الشرح:
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/231و232).(9/17)
لهذه القاعدة ألفاظ أخرى مثل: (إذا تعذر الأصل يُصار إلى البدل) و (يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده) (1) .
وهذه القاعدة مبينة على رفع الحرج ودفع المشقة؛ فإذا تعذر فعل الأمر الأصلي، أو وُجدت مشقة وجهد في القيام به، أو لا تتحقق المصلحة المرجوة من الأمر به، فإن الشرع سوّغ الانتقال منه إلى البدل الذي يقوم مقامه ويسد مسده ويحقق المصلحة المقصودة (2) .
الأمثلة.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
1- لو أبدل نصاباً من أموال الزكاة بنصاب من جنسه بنى على حول الأول عند الحنابلة (3) .
2- إذا تعذّر استعمال الماء في الطهارة قام التيمم مقامه (4) .
3- لو عقد الإجارة على شهر، فإن وقع في ابتداء الشهر اعتبر الهلال؛ لأنه الأصل، وإن عقد في أثناء الشهر تعذر اعتبار الأصل وهو الهلال، فيُصار إلى البدل وهو الأيام، ويكون الشهر ثلاثين يوماً. وكذلك الكلام في العدة والبيع (5) .
تأصيل ترجمة السنة والسيرة النبوية من خلال هذه القاعدة:
التأصيل يتضح من خلال النظر في نصوص الشرع، وهي على قسمين:
القسم الأول: نصوص مقصود منها اللفظ والمعنى ووضعت للإعجاز؛ مثل القرآن الكريم. وهذه القسم يمتنع فيه قيام أي لغة مقام اللغة العربية. وعليه لا تجوز الترجمة الحرفية للقرآن، وإن جاز ترجمة معانيه.
__________
(1) انظر: قواعد ابن رجب (ص314)، المدخل الفقهي العام (2/1028)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص246)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/518و2/806).
(2) انظر: القواعد الفقهية للزحيلي (2/806).
(3) انظر: قواعد ابن رجب (ص314).
(4) انظر: القواعد الفقهية للزحيلي (2/807).
(5) انظر: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص249)، القواعد الفقهية للزحيلي (1/519).(9/18)
القسم الثاني: نصوص المقصود منها المعنى دون اللفظ، وهذه النصوص يجوز قيام أي لغة مقام اللغة العربية فيها، وترجمة هذا النوع جائزة باتفاق أهل الإسلام (1) ، مثل سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وإذا تعذّر الاستفادة من الأصل وهي اللغة العربية، ولم يحصل المقصود منها؛ وهو تعليم الناس أمور دينهم، ودعوة الكفار إلى الإسلام، تعين الانتقال إلى البدل وهو اللغات الأخرى.
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله في ترجمة خطبة الجمعة: ((إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب باللغة العربية تسابقاً إلى تعلمها وحرصاً عليها، فإن المقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطبة باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع)) (2) .
الخاتمة.
مما تقدم بحثه وبيانه يمكن إبراز النتائج الآتية:
1- من خلال قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد) تبين أن ترجمة السنة والسيرة النبوية من أعظم الوسائل وأفضلها؛ لأنها وسيلة إلى مقصد عظيم، وهو اتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء أثره والاهتداء بهدية. كما أنها وسيلة لنشر سنته - صلى الله عليه وسلم - وسيرة بين الناس أجمعين.
2- كما ظهر من خلال قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) أن من العلوم الشرعية ما هو واجب على كل مسلم، كما أن من الواجب على المسلمين إبلاغ الكفار دعوة الإسلام بلاغاً يقطع العذر ويقيم الحجة عليهم، ودحض شبههم، ودفع باطلهم، ورد إساءتهم وطعنهم في الإسلام. وكل هذه الواجبات لا تتم في حق الأعاجم إلا بالترجمة.
__________
(1) انظر: الموافقات (2/45وما بعدها)، المنثور في القواعد للزركشي (1/164وما بعدها).
(2) فتاوى اللجنة الدائمة (8/252).(9/19)
3- وتبين من خلال قاعدة (الضرر يُزال) أن ضرر الجهل بالدين واقع على كثير من المسلمين الأعاجم؛ لعدم معرفتهم باللغة العربية، يُضاف إليه ضرر أعظم وهو ما يصلهم من ترجمات باطلة محرفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، وضرر ثالث: وهو كثرة هجوم الكفار على الإسلام وطعنهم فيه ونيلهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه الإضرار تُجب أن تزال؛ وسبيل إزالتها هو ترجمة السنة والسيرة النبوية ترجمة صحيحة تنير الطريق، وترشد إلى الحق، وترد على المبطلين.
4- كما أن على أهل السنة والجماعة أن يبادروا إلى إيصال الترجمة الصحيحة لسنة وسيرة النبوية إلى من لم تنحرف عقيدته ولم تصله الترجمات الباطلة بُعد؛ لأن المنع أسهل من الرفع، والوقاية أسهل من العلاج. وهذا ما تأصلّه قاعدة (الضرر يدفع بقدر الإمكان).
5- وتبين من خلال قاعدة (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة) أن ترجمة السنة والسيرة النبوية من الضروريات؛ فهي إما ضرورية بنفسها كالعلم الواجب على كل مسلم، ودعوة الكفار وتبليغهم، وأما حاجية تُنزل منزلة الضروري؛ نظراً لعمومها في الأعاجم وشدة الحاجة إليها.
6- وترجمة السنة والسيرة النبوية أولى من ترجمة ما يتعلق بالأمور الدنيوية؛ كالترجمة كلام الشهود أو الخصوم عند القاضي. وهذا ما تأصله قاعدة (يُقبل قول المترجم مطلقاً).
7- وتبين من خلال قاعدة (العمل المتعدي أفضل من القاصر) أن الاشتغال بترجمة السنة والسيرة النبوية من أفضل الطاعات وأجل القربات؛ لأن نفعها متعد إلى الغير، والمصالح المترتبة عليها عظيمة؛ كنشر العلم الشرعي، والإرشاد إلى المعتقد الصحيح، ودعوة الكفار إلى الإسلام. وتزداد المصلحة ويتعدى نفع الترجمة في هذا الوقت على وجه الخصوص؛ نظراً لكثرة المسلمين الأعاجم، وعدم اهتمامهم بتعلم اللغة العربية، وكثرة دعاة الباطل الذين ينشرون باطلهم.(9/20)
8- وتبين من خلال قاعدة (الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه) أن المقصود من السنة والسيرة النبوية المعنى دون اللفظ، وإذا لم يحصل المقصود باللغة العربية قام بدلها من اللغات الأخرى مقامها.
والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع.
الأشباه والنظائر – تاج الدين عبدالوهاب بن علي السبكي (ت771هـ) – تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد عوض – دار الكتب العلمية - بيروت – الطبعة الأولى 1411هـ.
الأشباه والنظائر – زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم (ت970هـ) – تحقيق محمد مطيع الحافظ – دار الفكر - دمشق – تصوير عن الطبعة الأولى 1403هـ.
الأشباه والنظائر – محمد بن عمر المعروف بابن الوكيل (ت716هـ) – تحقيق ودراسة الدكتور أحمد بن محمد العنقري – مكتبة الرشد - الرياض – الطبعة الأولى 1413هـ.
الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية – جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (ت911هـ) – تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي – دار الكتاب العربي – بيروت – الطبعة الأولى 1407هـ.
أصول في التفسير – الشيخ محمد بن صالح العثيمين – ضمن تفسير القرآن الكريم (الفاتحة والبقرة) – إشراف مؤسسة ابن عثيمين الخيرية – دار ابن الجوزي – الدمام –الطبعة الأولى 1423هـ.
إعلام الموقعين عن رب العالمين – شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت751هـ) – تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد – المكتبة العصرية – بيروت – طبعة عام 1407هـ.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – شمس الدين محمد عرفة الدسوقي (ت1230هـ) – دار الفكر.
الرسالة – الإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) – تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر – مكتبة دار التراث – القاهرة – الطبعة الثانية 1399هـ.(9/21)
روضة الطالبين وعمدة المفتين – محي الدين بن شرف النووي (ت676هـ) – إشراف زهير الشاويش – المكتب الإسلامي – بيروت ودمشق – الطبعة الثانية 1405هـ.
سنن ابن ماجه – الإمام محمد بن يزيد ابن ماجه (ت303هـ) – مطبوع مع موسوعة الحديث الشريف بإشراف معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ – دار السلام للنشر والتوزيع – الرياض – الطبعة الأولى 1420هـ.
سنن البيهقي الكبرى – الحافظ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت458هـ) -تحقيق محمد عبدالقادر عطا – مكتبة دار الباز – مكة المكرمة – طبعة عام 1414هـ.
سنن الدارقطني – الحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) – تحقيق السيد عبدالله هاشم يماني – دار المعرفة – بيروت – طبعة عام 1386هـ.
شرح القواعد الفقهية – الشيخ أحمد بن الشيح محمد الزرقا – دار القلم – دمشق – الطبعة السادسة 1422هـ.
صحيح البخاري – الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، مطبوع مع موسوعة الحديث الشريف بإشراف معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ – دار السلام للنشر والتوزيع – الرياض – الطبعة الأولى 1420هـ.
صحيح سنن ابن ماجه – الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – المكتب الإسلامي – بيروت – الطبعة الأولى 1407هـ.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – جمع وترتيب أحمد بن عبدالرزاق الدويش – دار العاصمة – الرياض – الطبعة الأولى 1416هـ.
الفروق – شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي (ت 684هـ) – عالم الكتب – بيروت.
القواعد – الحافظ أبو الفرج عبدالرحمن بن رجب (ت795هـ) – دار الفكر.
القواعد – محمد بن محمد بن أحمد المقري (ت758هـ) – تحقيق ودراسة أحمد بن عبدالله بن حميد – مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى – مكة المكرمة.
قواعد الأحكام في مصالح الأنام – عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام (ت660ه) – دار المعرفة – بيروت.(9/22)
القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها- الدكتور صالح بن غانم السدلان – دار بلنسية – الرياض – الطبعة الثانية 1420هـ.
القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة – الدكتور محمد مصطفى الزحيلي – دار الفكر – دمشق – الطبعة الأولى جمادى الثانية 1427هـ.
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة – عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت1376هـ) – مكتبة ابن تيمية – القاهرة – الطبعة الأولى 1413هـ.
كتاب القواعد – أبو بكر بن محمد المعروف بتقي الدين الحصني (ت829هـ) – دراسة وتحقيق الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الشعلان – مكتبة الرشد – الرياض – الطبعة الأولى 1418هـ.
كتاب المبسوط – شمس الدين السرخسي (ت490هـ) – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى 1414هـ.
المجموع المذهب في قواعد المذهب – الحافظ صلاح الدين خليل كيكلدي العلائي (ت761هـ) – دراسة وتحقيق الدكتور مجيد علي العبيدي والدكتور أحمد خضير عباس – المكتبة المكية – مكة المكرمة – طبعة عام 1425هـ.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وساعده ابنه محمد – مكتبة ابن تيمية – القاهرة.
المدخل الفقهي العام – مصطفى أحمد الزرقا – دار القلم – دمشق – الطبعة الثانية 1425هـ.
المستدرك على الصحيحين – الحافظ محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) – تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الاولى 1411هـ.
مسند الإمام الشافعي - الإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) – دار الريان للتراث – القاهرة – الطبعة الأولى 1408هـ.
المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني – موفق الدين محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة (ت620هـ) – دار الفكر – بيروت – الطبعة الأولى 1405هـ.(9/23)
المنثور في القواعد – بدر الدين محمد بن بهادر المعروف بالزركشي (ت749هـ) – تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى 1421هـ.
الموافقات في أصول الأحكام – الحافظ أبو إسحاق الشاطبي (ت970هـ) – تعليق محمد حسنين مخلوف – دار الفكر.
الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية – الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الخامسة 1422هـ.
الفهرس.
المقدمة. ... 2
المبحث الأول: قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد. ... 5
المبحث الثاني: قاعدة الضرر يُزال. ... 10
المبحث الثالث: قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان. ... 13
المبحث الرابع: قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. ... 15
المبحث الخامس: قاعدة يُقبل قول المترجم مطلقاً. ... 17
المبحث السادس: قاعدة العمل المتعدي أفضل من القاصر. ... 19
المبحث السابع: قاعدة الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه. ... 21
الخاتمة. ... 23
المراجع. ... 25(9/24)
السيرة الذاتية
أولاً: المعلومات الشخصية.
الاسم: سعيد بن حسين بن سعيد القحطاني.
قسم الدراسات الإسلامية والعربية- جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
العنوان: ص.ب 34863 الدمام 31478 المملكة العربية السعودية.
جوال: 0505826269
ثانياً: المؤهلات العلمية.
1- دكتوراه في الفقه المقارن، من قسم الفقه بالجامعة الإسلامية، في 13/4/1423هـ.
2- ماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، عام 1415-1416هـ.
3- بكالوريوس في الشرعية من كلية الشريعة والدراسات بالإحساء التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود، عام 1411هـ.
ثالثاً: الأبحاث.
1- تحقيق كتاب التعليقة الكبرى في الفروع للقاضي أبي الطيب طاهر بن عبدالله الطبري (348 – 450هـ) من بداية باب النهي عن بيع الغرر، وحتى نهاية كتاب الحوالة. (رسالة دكتوراه ).
2- أحكام الركاز. ( بحث تكميلي لدرجة الماجستير ).
3- بحث بعنوان (حقوق غير المسلمين بلاد الإسلام) ، ضمن كتاب (الأمن رسالة الإسلام) والذي أعده القسم ضمن مساهمة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الحملة الوطنية لمناهضة الإرهاب.
4- المشاركة في تأليف كتاب بعنوان ( الإرهاب: الأسباب والمظاهر والعلاج) بتكليف من أمارة المنطقة الشرقية.
رابعاً: الوظائف والمهام واللجان.
1- أستاذ الفقه المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران.
2- إمام وخطيب جامع المنيرة بحي المثلث بالدمام.
3- عضو في اللجنة الاستشارية بفرع وزارة الشؤون الإسلامية في المنطقة الشرقية.
4- عضو في اللجنة الشرعية بفرع وزارة الشؤون الإسلامية في المنطقة الشرقية.
5- عوض لجنة المناصحة بالمنطقة الشرقية.(10/1)
Amri A m r i ??df ?df?]?f p^?f _?f ?_?f ??f Xa?f ??f(11/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
السياق الثقافي وضرورة مراعاته في ترجمة النصوص الإسلامية
(السنة المطهرة أنموذجاً)
د/ وليد بن بليهش العمري
السياق الثقافي وضرورة مراعاته في ترجمة النصوص الإسلامية
(السنة المطهرة أنموذجاً)
توطئة بين يدي البحث
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على خير المرسلين، المبلِّغ عن رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد
فترجمة السنة النبوية المطهرة، موضوع ذو أهمية كبيرة، خاصة إذا ما علمنا أن الترجمة هي الوسيلة الأولى - وتكاد تكون الوحيدة - للتواصل بين البشر، وهي الأداة الأولى في تبليغ الدعوة المحمدية إلى كل من لزم تبليغه ممن يجهلون اللغة العربية، هذا من جانب، ومن جانب آخر تبرز أهمية ترجمة السنة والعناية بها إذا ما أخذنا في الاعتبار السياق الحالي وما يشهده عالم اليوم من تأجيج للصراعات وهجمة شرسة على دين السماحة، للنيل من صورته، وتشويه صفحته البيضاء المشرقة.
إذن فترجمة السنة المطهرة تكتسب أهميتها من بابين: باب لزوم تبليغ الدعوة ودعوة غير المسلمين، ويدخل في هذا تبصرة المسلمين من غير أهل العربية بأمور دينهم، والباب الآخر هو باب المنافحة عن هذا الدين الحنيف بتوعية غير المسلمين بسماحته، وقشع سحب الجهل به، وإتاحة مصادره الأصلية لهم ليتعرفوا عليه دون وسائط. كما تكتسب ترجمة السنة النبوية المطهرة أهمية مضافة من أهمية السنة المطهرة ذاتها وهي ثاني مصادر التشريع الإسلامي.(12/1)
من هذا كله تأتي أهمية الترجمة ودراستها، والوعي بمقتضياتها، وفهم ما تنطوي عليه، وحاولت في هذا البحث أن أجلّي هذه الجوانب في بداية البحث، ونظراً لاتساع نطاق ترجمة نصوص السنة المطهرة وتعدد جوانبها، فقد عمدت في هذا البحث إلى جانب واحد –وهو جانب على قدر كبير من السعة- وهو البعد الثقافي في نصوص السنة المطهرة، وركّزت على أهمية محو الأمية الثقافية لقراء ترجمة هذه النصوص، فوضّحت بداية مفهوم الأمية الثقافية، ودللت عليه، ثم أبرزت الجوانب الثقافية في نص من نصوص السنة النبوية المطهرة، وهو حديث أم زرع، وحللت ثلاثاً من ترجماته إلى اللغة الإنكليزية، وكيفية تعامل المترجمين مع هذه الجوانب، ورغبة في إفادة المترجمين وحتى لا يكون البحث نظرياً لا يفيد واقعاً أوردت في نهاية البحث عدداً من الخيارات المتاحة للتعامل مع الجوانب الثقافية في الترجمة، وقد اجتهدت في جمع هذه الخيارات من كتب المشتغلين بهذا الفن.
والله تعالى أسأل أن أكون قد وفقت لإبراز أهمية العناية بترجمة النصوص الإسلامية عامة والسنة النبوية بخاصة، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعل في هذا ما يفيد.
المبحث الأول: مقدمات لا بد منها
أولاً: في أهمية التبليغ، وضرورة الإحاطة بمقتضياته علماً في العصر الحاضر:(12/2)
وجوب التبليغ: لا يختلف عاقلان منصفان على عالمية رسالة نبينا محمد، نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - ، قال الحق تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (الأنبياء: 107)، وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (الفرقان: 1)، فرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - تشمل الثقلين إنسهم وجنهم، ويبعد النجعة من قال إن رسالته - صلى الله عليه وسلم - خص الله بها أمة العرب دون غيرها من الأمم، فقد قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (سبأ: 28)، وقال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (الأعراف: 158)، ورسالته هي الخاتمة لجميع الرسالات، والناسخة لها جميعاً، قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (آل عمران: 85)، وقال تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ - قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ - يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } (الأحقاف: 29-31)، فعن(12/3)
أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (1) ، ولا يعذر إنسان على وجه البسيطة بجهله بلغة العرب، ما بلغه أمر هذا الدين بأي لغة كانت، ذلك أن فهم الإسلام لا يتوقف على المعرفة باللغة العربية، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: «وأمّا جُمَلُ ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، والزكاة، والصوم، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وما حرّمه من الشرك، والفواحش، والظلم، وغير ذلك، فهذا مما يمكن أن يعرفه كل أحد بتعريف من يعرفه، إمّا باللسان العربي، وإمّا بلسان آخر لا يتوقف تعريف ذلك على لسان العرب» (2) ، وقال: «إن الله تعالى إذا أوجب على العباد شيئاً واحتاج أداء الواجب إلى تعلم شيء من العلم كان تعلمه واجباً، فإذا كان معرفة العبد لما أمره الله به تتوقف على أن يعرف معنى كلام تكلم به بغير لغته وهو قادر على تعلم معنى تلك الألفاظ التي ليست بلغته أو على معرفة ترجمتها بلغته وجب عليه تعلم ذلك» (3) .
وقد خاطب المولى عزّ وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - مبيناً له طبيعة رسالته بقوله: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً - وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } (الأحزاب: 45-46)، وقد نهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الواجب حق النهوض، وقد أشهد على تبليغه للدعوة صحابته الأخيار في خطبة الوداع، وشهدوا له بذلك (4) ، ثم نهض بهذا الواجب الكبير من بعده أصحابه، ومن تبعهم، ولا تزال الأمة تقوم بهذا الواجب حتى وقتنا الحاضر.
__________
(1) صحيح مسلم: 218.
(2) الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح: 1/195.
(3) الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح: 1/213.
(4) صحيح مسلم: 326.(12/4)
التبليغ عن طريق الترجمة: من مقتضيات عالمية الدعوة الإسلامية، وجوب تبليغها للناس كافة، وإذا ما وزنّا الأمور بميزان الواقع فإن هذا لا يكون عملياً ولا يحقق واقعاً إلا عن طريق الترجمة، وأول من قام بهذا العمل هو أسوتنا الحسنة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث إلى الأمصار رسله، بكتابه إلى أمرائهم، وهذا إقرار منه - صلى الله عليه وسلم - على أن إرسال الكتب يقتضي تبليغ محتواها عن طريق المترجمين، بل إن في كتابه إلى هرقل بعض آيات من القرآن الكريم متعلقة بأهل الكتاب خاصة، وهو قوله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران: 64)، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس –رضي الله عنهما-: «أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه، ثم دعا بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية (1) ، وقال ابن حجر –رحمه الله- معلقاً: «ووجه الدلالة منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى هرقل باللسان العربي، ولسان هرقل رومي، ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه» (2) .
__________
(1) صحيح البخاري: 7541.
(2) فتح الباري: 13/517.(12/5)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: «فالحجة تقوم على الخلق، ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تارة المعنى وتارة اللفظ، ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى؛ والقرآن تجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء» (1) ، وقال القرطبي –رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (إبراهيم: 4): «ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من تُرجم له ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ترجمة يفهمها لزمته الحجة».
ولذا وقع واجب التبليغ على المسلمين، وحض النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته والمسلمين عامة على الدعوة إلى الله، وتبليغ الرسالة، فعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بلغوا عني ولو آية» (2) ، ونقل ابن حجر –رحمه الله- عن المعافى النهرواني قوله في «كتاب الجليس»: «وقال في الحديث «ولو آية»، أي واحدة ليسارع كلّ سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - » (3) ، ومن أعظم ما جاء في فضل التبليغ والحضّ عليه عن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه –رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم» (4) ، فهذا دعاء بالنضرة والحسن والرونق من النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لأصحاب الدعوة.
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح: 1/190.
(2) صحيح البخاري: 3202.
(3) فتح الباري: 13/517.
(4) سنن الترمذي: 2582.(12/6)
الحاجة إلى الترجمة في العصر الحالي: لا يخفى على كل ذي لب ما يتعرض له دين الرحمة –الإسلام- من هجمة شرسة، تقصد تشويه صورته، وصد الناس عنه، فلم يشهد التاريخ منذ أن أعلى الله تعالى كلمة هذا الدين الحنيف، أن تكالب عليه الأعداء وسددوا سهامهم له من كل جانب ما هو الحال عليه اليوم (1) ، ولذا فواجب التبليغ يصبح ذا أهمية محورية في هذه الآونة ذلك أنه لا يرتبط بدعوة غير المسلمين وحسب، بل ويتعلق أيضاً بالذب عن حياض الدين، ويسعى إلى تصحيح صورته، ويجلو الغشاوة عن أعين الناس ويبصرهم بحقيقة الدعوة المحمدية، وبما أن هذا الأمر يقوم في غالبه على الترجمة، فإن الترجمة من ألزم ما يتعين على المسلمين الالتزام به، والمبادرة إليه، والاهتمام به، وطلب علمه.
__________
(1) للاستزادة عن مدى التشويه الذي نال صورة الإسلام في هذا العصر انظر على سبيل المثال:
? ... بول فندلي، لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أميركا، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، بيروت، 2001م.
? ... Ali Shehata (2007), Demystifying Islam: Your Guide to the Most Misunderstood Religion of the 21st Century. Elysium River Press.(12/7)
الحاجة إلى الوعي بمقتضيات الترجمة: من المتعين أن نعي طبيعة الترجمة وحقيقتها، وأن يكون التركيز لا على عدد الكتب والرسائل المترجمة، بل على طبيعة هذه الترجمات، والرسالة التي نود إيصالها من خلالها للمتلقي، أي ألا يكون التركيز على منتج الترجمة (الشيء المطبوع والمتداول)، ولكن على عملية الترجمة (طبيعتها، ومراحلها، وأغراضها)، والخطر في هذا يأتي من باب: أننا قد نسيء من حيث نريد الإحسان، فلا نزيد الصورة إلا تشويهاً، ولا نقوم إلا بترسيخ ما استقر في أذهان القوم عنّا وعن ديننا، ففي الغالب أن كثيراً مما ينتج من ترجمات إسلامية لا يرقى للمستوى المطلوب ولا تقتضي المصلحة المرجوة، ولا يؤدي الواجب المناط بنا، والسبب هو - في زعمي - النظر إلى الترجمة على أنها مجرد نقل لنص من لغة إلى لغة أخرى، دون الوعي بطبيعة هذا العمل والوعي بمقتضياته، وأيضاً النظرة إلى المترجم على أنه عنصر ثانوي في عملية التبادل الثقافي هذه، يقتصر دوره على مجرد نقل رسالة النص.
ثانياً: الترجمة ليست مجرد نقل:
ليست الترجمة عملاً آلياً ينطوي على نقل مجرد بين لغة مصدر ولغة هدف، فهذه نظرة قاصرة للترجمة، ذات معيار واحد تؤكد براءة الترجمة في سياق التبادل الثقافي، وتغفل دورها في صياغة العلاقة بين الفرقاء، وعلى أنها عمل ثانوي في مقام التعبير عن الثقافة يأتي بعد الكتابة وتابعاً لها (1) ،
__________
(1) لقراءة المزيد حول كون الترجمة عملاً ثقافياً انظر:
? ... Martha P. Y. Cheung (2006) An Anthology of Chinese Discourse on Translation. Volume 1: From Earliest Times to the Buddhist Project. St Jerome: Manchester.(12/8)
ولطالما كانت الترجمة نشاطاً متعدد الأوجه، ذا أغراض متباينة عادة ما تكون متعارضة، ولكن في كل مظاهرها فإن الترجمة أبعد ما تكون عن البراءة الكامنة في النقل المجرد، فهي متشابكة مع التوجه الفكري لمن يقف وراء الترجمة، ورغبة البعض في السيطرة على الآخر، فعادة ما تترجِم الثقافات والاتجاهات الفكرية المختلفة بعضها في سياقات من السيطرة والصراع، فالمهم ليس هو ما يُترجم بقدر ما هو متى وكيف يُترجم؟ أي في أي سياق تتم الترجمة؟ والترجمة هي أصفى مظاهر التواصل بين الحضارات، فالاعتراف بقدرة الترجمة على تشكيل الهوية الثقافية، وتشويهها جاء متأخر جداً في دراسات الترجمة، وأُعير الانتباه الذي يستحق (1) .
__________
(1) انظر على سبيل المثال الكتب التالية:
? ... S. Faiq (ed.) (2000), Cultural Encounters in Translating from Arabic. Multilingual Matters: Clevedon.
? ... Tymoczko, M & Gentzler, E (2002) Translation and Power. University of Massachusetts Press: Massachusetts.(12/9)
إلا أن أسوتنا الحسنة –محمداً - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، أدرك الدور الذي يمكن أن تؤديه الترجمة في السيطرة على النصوص، ذلك منذ بواكير اتصاله بمن يختلفون عنه لغة وثقافة، ويحرصون على تكذيبه بما جاء به، وهم اليهود، وعلم أهمية أن لا يترك لهم أمر ترجمة رسائله إليهم، ولا أن يقوموا بتولي أمر ترجمة ما يصله منهم، فقد روى الترمذي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه قال: «أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود، قال: «إني والله ما آمن يهود على كتابي»، قال: «فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم»، وجاء عند الترمذي أيضاً عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية» (1) ، وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لزيد - رضي الله عنه - : «إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا عليّ وينقصوا، فتعلّم السريانية» (2) ، وفي دراسة تتبع الدكتور صلاح محجوب إدريس الترجمات السريانية لمعاني القرآن الكريم، وأبان ما فيها من الخلل، وظهر من دراسته أن من قاموا بهذه الترجمات – وجميعهم من الرهبان النصارى السريان- كان غرضهم الأول تفنيد الإسلام وما جاء به عن عقائدهم، ليصدوا قومهم عن اعتناقه (3) .
__________
(1) سنن الترمذي: 2639.
(2) ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح في باب ترجمة الحكّام، وعزاه لأبي يعلى وابن سعد في مسنديهما.
(3) صلاح عبدالعزيز محجوب إدريس: ترجمة معاني القرآن الكريم في الأدب السرياني المسيحي: تاريخها، ونماذج منها، وتقويمها، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الثالث، السنة الثانية، المحرم 1428هـ، ص 231-269.(12/10)
وترجمة معاني القرآن الكريم كانت وما تزال مجالاً رحباً لفرض رؤى معينة من خلال الترجمة، إذ تتعدد الترجمات الصادرة في لغة ما وفقاً للأهداف المراد الوصول إليها من خلال هذه الترجمة، بالإضافة إلى عوامل أخرى (1) . ولأدلل على هذا بترجمة روبرت الكيتوني (وهي أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى لغة أوربية) فقد وصفها أحد الباحثين بأنها: «معلم من معالم الدراسات الإسلامية، فبهذه الترجمة تمكن الغرب للمرة الأولى من امتلاك أداة تؤهله لدراسة الإسلام دراسة جادة» (2) ، ووصفها آخر بأنها: «حدث ضخم في التاريخ الثقافي الأوربي» (3) ، على الرغم من هذا المديح الظاهر لهذه الترجمة فهي ترجمة مغرضة، ويظهر هذا من عنوانها وهو: Lex Mahumet pseudoprophete، أي «قانون محمد النبي الكاذب»، ومن مقدمات المترجم الموغلة في نقد الإسلام، ولا غرو في أن يكيلوا لهذه الترجمة المديح فقد أتاحت لهم لأول مرة أن يتعرفوا على كتاب المسلمين عن قرب بلغتهم.
__________
(1) لمزيد من المعلومات انظر: عبد الرحيم القدوائي (ترجمة د. وليد بن بليهش العمري): مقدمة في الاتجاهات المعاصرة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الأول، السنة الأولى، المحرم 1427هـ، ص 217-229.
(2) Southern, R. W. (1962) Western Views of Islam in the Middle Ages. Harvard University Press: Harvard. P. 37.
(3) Kritzeck, J. (1964) Peter the Venerable and Islam. Princeton University Press: Princeton. P. 14.(12/11)
ولعلي هنا أسوق مثالاً آخر على عدم براءة الترجمة، وخروجها عن نطاق النقل المجرد، ما جاء في ترجمة محمد أسد (صاحب النزعة العقلانية) لبعض كتب من صحيح البخاري، من أمثلة النزعة العقلانية في ترجمته ما جاء في الحاشية ذات الرقم (2) تعليقاً على حديث جابر - رضي الله عنه - عن منقبة من مناقب الصحابي الجليل سعد بن معاذ - رضي الله عنه - : «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» »، إذ جاء في الحاشية قول محمد أسد: «يصف الرسول بأسلوب مجازي حب الله لعبده المخلص سعد بن معاذ. ففي العربية تستخدم عبارة «اهتز له» للتعبير عن الفرح بوصول حبيب أو صديق»، وهذا ضرب من التأويل، وقد ذكر الحافظ بن حجر مقالة طويلة فيما جاء في تفسير هذا الحديث وختمها بقوله: «وقد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أكثر وثبت في الصحيحين فلا معنى لإنكاره» (1) ، وفي هذا المثال إطلالة بسيطة على طبيعة الترجمة وقدرتها على التدخل في نقل المعنى.
هذه الأمثلة تأتي من باب القدرة على السيطرة على النصوص من خلال الترجمة، من قبيل أن الترجمة هي السبيل الوحيد لفهم هذه النصوص ممن استغلقت عليهم لغة الأصل، ومن هذا يمكن استخدام الترجمة أداةً في سبيل تحقيق المآرب، ولكن –في المقابل- هناك من مقتضيات الترجمة، التي هي من طبيعتها، ولا تدخل ضمن صراع المصالح، ما يخرج بها عن نطاق النقل المجرّد، وكل هذا نحتاج إلى فهمه ومعرفته لنقوم بواجب التبليغ على أكمل وجه.
__________
(1) فتح الباري: 7/124.(12/12)
الحاجة إلى التوسيع في دراسة علم الترجمة الحديث: الترجمة في الوقت الراهن علم قائم بذاته، يعرف في أغلب الدوائر العلمية بـ «دراسات الترجمة» (Translation Studies)، وتتولى تدريسها عدد كبير من المدارس العليا، والمعاهد، والكليات، المنتشرة حول العالم، وصدر في هذا التخصص عدد يكاد لا يحصى من الكتب، والدراسات، والأبحاث، والدوريات العلمية، وعقدت المؤتمرات، وأسست الاتحادات والنقابات، فمجال البحث في دراسات الترجمة واسع جداً، لا يكاد يزعم أحد أنه أحاط به علماً (1) ، وتعدد في هذه الدراسات الأطروحات، والنظريات، والرؤى، يصب جلها في المساعي الرامية إلى الوصول إلى فهم أفضل لهذه الممارسة القديمة التي اعتمد عليها البشر منذ أن ظهرت لغات البشر المختلفة وظهرت الحاجة معها إلى التواصل فيما بينهم.
وفي مقابل كل هذا تجد أن نظرية الترجمة، والخطاب السائد عنها في العالم العربي، لم يتغير على نحو ملحوظ وإيجابي، ولم يتم تحديثه كثيراً، وأخص من هذا ما يتعلق بترجمة النصوص الإسلامية، التي هي من أهم النصوص التي يجب الانصراف للعناية بها وبترجمتها، للأسباب التي ذكرنا آنفاً.
__________
(1) لمزيد من المعلومات حول نطاق دراسات الترجمة انظر:
? ... Holmes, J. (1998), “The name and nature of translation studies”. In G. Toury (ed.) Translation Across Cultures. New Delhi: Bahri Publications. Pp. 10-25.
? ... Baker, M. (1998) “Translation studies”. In M. Baker (ed.) Routledge Encyclopedia of Translation Studies. London: Routledge. Pp. 277-280.
? ... محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف، الترجمة بين الشكل والتفسير، مجلة جامعة الملك سعود للغات والترجمة، المجلد 16، 1424هـ، ص 55-100 .(12/13)
أهم النصوص الإسلامية، هو القرآن الكريم، الذي هو دستور هذه الأمة، ومصدر تشريعها الأول، نجد أن هناك عناية خاصة بما يتعلق به من ترجمات أي الكتب المطبوعة التي تسمى عادة «ترجمات معاني القرآن الكريم»، وعددها، وكيفية الوصول إليها، أو بعبارة أخرى يكون التركيز فيها على الجانب المادي المحسوس، أو ما يعرف بمنتج الترجمة (translation product)، حتى إن الدراسات الصادرة في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم تهتم في الغالب بهذا الجانب (1) ، وهذا الاهتمام لم ينعكس كما يجب على الاهتمام بـ ترجمة معاني القرآن الكريم، وما تنطوي عليه من مراحل، وقرارات، وما لها من متطلبات، وأهداف، أو بعبارة أخرى لم يظهر اهتمام بعملية الترجمة (translation process).
__________
(1) راجع المراجع الببليوجرافية التالية، وتمعن العناوين التي ترصدها للتعرف على جانب التركيز فيها، فهي في الغالب تركز على الجوانب التاريخية، والببليوجرافية، أو تتعرض لمخالفات شرعية وعقدية وقعت فيها بعض هذه الترجمات:
? ... علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق والقرآن الكريم: مقدمة لرصد ورّاقي «ببليوجرافي»، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الثالث، السنة الثانية، المحرم 1428هـ، ص 195-229. وبخاصة: «الوقفة الأولى: الاستشراق وترجمة معاني القرآن الكريم».
? ... Morteza Karimi-Nia (2006) “Studies on Quran Translation in European Languages: A Bibliography”, Tarjuman-e Wahy, vol. 9, no. 2, Autumn-Winter 2006, issue 18.(12/14)
وجوانب التقصير من قبل المسلمين في هذا الجانب تظهر عند مقارنة ما تم إنجازه فيما يخص ترجمة معاني القرآن الكريم، وترجمة ما يسمى بـ «الكتاب المقدس» عند النصارى، وفي دراسة سابقة (1) أبنت الفرق الكبير بينهما من خلال المحاور التالية: تاريخ ترجمة كلا الكتابين، وعدد اللغات المترجم إليها كلا الكتابين، والجهات المهتمة بكلا الكتابين وطرق تنظيم المشاريع فيها، والأعمال البحثية المهتمة بترجمة كلا الكتابين، ومدى توافر معينات مترجم كلا الكتابين.
في الواقع هناك أسئلة كثيرة لم تطرح، وقضايا أكثر لم تثر فيما يتعلق بترجمة النصوص الإسلامية، ولا يأتي كلامي هذا من باب الإيغال في نقد الذات، ولكن قناعتي الشخصية، وهي قناعة مترسخة عند الكثيرين، هي أن أول خطوة في سبيل العلاج هي التعرف على المشكلة والاعتراف بها وعدم إنكارها. والمشكلة كما ذكرنا هي عدم الإحاطة بطبيعة الترجمة ومتطلبتاها، والإصرار على النظر إليها على أنها لا تعدو كونها نقلاً عن الأصل، وأنها عمل ثانوي في مجال التبادل الثقافي.
وفي الوقت نفسه لا أزعم أنني سآتي في هذا البحث بجميع الحلول لهذه المشكلة، ولكني أقصر هذا البحث على جانب من جوانب مقتضيات الترجمة وطبيعتها، وهو جانب الثقافة في الترجمة أو السياق الثقافي فيها، وحتى في هذا الجانب - وهو واسع جداً - أركز على بعضه وليس كله، وذلك بغية أن يؤدي هذا البحث الغرض المرجو بعون الله.
المبحث الثاني: العلاقة بين الترجمة والثقافة
أولاً: محورية «الثقافة» في دراسات الترجمة:
__________
(1) انظر: وليد بن بليهش العمري، ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول: مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل، صدر ضمن «الأبحاث المستكتبة والمحكمة لندوة اللغات والترجمة: الواقع والمأمول»، التي نظمتها كلية اللغات والترجمة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الفترة 1-2 ربيع الأول 1426هـ، ص334-391.(12/15)
... بدأ الاهتمام في العصر الحديث بدراسة الترجمة في رحم كل من حقلي اللغويات، والأدب المقارن، وعُدّت الترجمة فرعاً من فروع اللغويات، وبخاصة جزءاً من اللغويات التطبيقية، انطلاقاً من أن الترجمة هي نتيجة تفاعل بين أكثر من لغة، وكان آخر الكتب المؤثرة في هذا السياق كتاب ج. ك. كاتفورد (J. C. Catford) الموسوم بـ «نظرية لغوية للترجمة: مقال في اللغويات التطبيقية» (A Linguistic Theory of Translation: An Essay in Applied Linguistics) الذي نشر عام 1965م (1) ، وكغيره من الدراسات التي رأت أن الترجمة فرع من اللغويات، فقد جاءت أطروحات كاتفورد في كتابه ضيقة الأفق ترى أن الترجمة عملاً آلياً لا يعدو كونه إبدالاً لمعاني اللغة الأصل بمعاني اللغة الهدف.
... ولكن بعد ذلك بقليل - بسبب التطور في الدرس اللغوي - تم إدراك أن النصوص المترجمة لا تتكون من اللغة وحسب بل ومن الثقافة أيضاً، إذ إن اللغة في أصلها أداة لنقل الثقافة، وأدى هذا الوعي إلى تطور النقاش حول علاقة اللغة بالثقافة من جهة، وعلاقة الترجمة بالثقافة من جهة أخرى، ونتج عن هذا اعتبار الترجمة ليست مجرد تفاعل بين أكثر من لغة، أو أنها لا تعدو كونها عملاً آلياً يبدل فيها عناصر النص الأصل بعناصر النص الهدف، بل كونها نقاشاً أكثر تطوراً – وتعقيداً أيضاً- بين الثقافات. وأصبح الحديث عن وحدة الترجمة –وهي الجزء من النص الأصل الذي يركز عليه المترجم لينقل معناه ويبني بذلك النص الهدف كاملاً- لا ينصب على الكلمة، أو الجملة، أو النص، بل تطور ليأخذ بعين الاعتبار اللغة ككل، والثقافة التي تم بناء النص فيها.
__________
(1) والمعلومات التوثيقية الكاملة للكتاب هي:
Catford, J. C. (1965) A Linguistic Theory of Translation: An Essay in Applied Linguistics. Oxford University Press: Oxford.(12/16)
... واصطُلِح على تسمية هذا الوعي الجديد في دراسات الترجمة بـ «الدور الثقافي» (cultural turn) انطلاقاً من كتاب سوزان باسنت (Susan Bassnett) وأندريه لوفيفر (André Lefevre) الموسوم بـ «الترجمة، والتاريخ، والثقافة» (Translation, History and Culture) الذي نشر عام 1990م (1) . وتحديداً فإن التعرف على الدور الثقافي والاعتراف به في دراسات الترجمة هو الذي أدى إلى اتساع نطاق هذا الحقل المعرفي وتحريره من الأدوات ذات الطابع الآلي المعمول بها في حقل اللغويات.
... والتركيز في مرحلة الدور الثقافي من دراسات الترجمة ينصب على المستويات الكبرى (macro level) في النص – الجوانب التاريخية، والأيديولوجية، والثقافية - أكثر من التركيز على المستويات الدنيا (micro levels) وهي المستويات اللغوية المحضة. ويعدّ هذا تطوراً إذ ينأى بدراسات الترجمة عن الاتجاه الشكلي (formalist approach) في الترجمة، فالترجمة يجب الاعتراف بها على أنها ممارسة ثقافية (تتخذ من اللغة أداة في الغالب)، وأن نرى فيها بعداً أكبر من النقل المجرد كما ذكرنا آنفاً، وهناك سبب عملي في تعزيز هذا الاتجاه وهو أن أفضل طريقة لدراسة المعنى تكون من خلال تتبع علاقة المعنى بالثقافة (2) .
ثانياً: علاقة اللغة بالثقافة:
__________
(1) والمعلومات التوثيقية الكاملة للكتاب هي:
Bassnett, Susan & André Lefevere (eds.) (1991) Translation, History and Culture. Pinter Publishers Limited: London.
(2) Hudson, R. A. (1980 [1996]) Sociolinguistics. Cambridge University Press: Cambridge. P. 70.(12/17)
إذا ما تجاوزنا الحديث عن أصل اللغة، ونشأتها والنقاش المحتدم بين فقهاء اللغة حول هذا الموضوع (1) ، فإن العلاقة بين اللغة وبيئة أهلها أمر لا يكاد يختلف عليه اثنان (2) ، والمراحل التي مر بها تاريخ اللغة العربية خير شاهد على هذا بَدْأً من العصر الجاهلي، ومروراً بظهور الإسلام تأثيره الكبير في لغة العرب، وعصر الانفتاح على العلم والثقافات الأخرى من خلال الفتوحات الإسلامية وحركة الترجمة الأولى، وصولاً إلى العصر الحديث عصر العولمة الثقافية والاقتصادية والانفجار المعرفي، وما تسبب فيه هذان الأخيران من دخول عناصر لغوية جديدة لا تكاد تحصى في العربية.
__________
(1) للاستزادة حول الموضوع انظر: محمد بن إبراهيم الحمد، فقه اللغة: مفهومه، موضوعاته، قضاياه. دار ابن حزم، الرياض، 1426هـ، ص: 55-65.
(2) للاستزادة انظر: علي عبدالواحد وافي، اللغة والمجتمع، دار النهضة، القاهرة؛ عبد الغفار حامد هلال، علم اللغة بين القديم والحديث، 1406هـ.(12/18)
وما أجمل كلام ابن فارس في هذا الباب، الذي يمكن أن يستدل به على تأثر اللغة ببيئتها وثقافتها، إذ قال: «كانت العربية في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم، وآدابهم، ونسائكهم، وقرابينهم. فلما جاء الله –جل ثناؤه- بالإسلام حالت أحوال، ونسخت ديانات، وأبطلت أمور، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أُخر بزيادات زيدت، وشرائع شرعت، وشرائط شرطت. فعفّى الآخرُ الأولَ» (1) ، ومن ذلك نسخه لشرائع سنها العرب متأثرين بذلك بثقافتهم الجاهلية، ومستحدثين ألفاظاً لها في لغتهم، قال تعالى: { مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } (المائدة: 103)، وغير هذا كثير في ثقافة العرب الجاهلية ولغتهم، كالنسيء، والظهار، وغيرها.
ومن يتعامل مع اللغات المختلفة، يعي تماماً تأثر اللغة بالثقافة، وارتباطها اللصيق بها. فلو أردنا أن نترجم حديث أنس - رضي الله عنه - إذ قال: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يَتَزَعْفَر الرجل» (2) ، إلى لغة ما لاحتجنا إلى شرح للمفهوم الثقافي الوارد فيه والمعبّر عنه بلفظ التَّزعفُر، ذلك أن هذا الحدث الثقافي - التطيب بالزعفران - الذي عُبِّر عنه بهذا اللفظ – التزعفر- متغلغل في الثقافة العربية الجاهلية، ومن أراد أن يترجم هذا الحديث فعليه أولاً أن يفهم هو هذا الواقع الثقافي - متى يتطيب العرب بالزعفران؟ وما وجه النهي عنه؟ - وأن يشرحه لقرّائه ليصبح النص مفهوماً.
__________
(1) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة، تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ص 44.
(2) صحيح البخاري: 5398.(12/19)
وكذا بالنسبة إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا شِغَارَ في الإسلام» (1) ، وهذا النوع من الزواج جزء من ثقافة العرب عبِّر عنه بهذا اللفظ، ويمكن الاستدلال به على عمق العلاقة بين اللغة والثقافة من جهة، وعلى أهمية وَعْي المترجِم وقرائه بثقافة النص التي تنطوي عليها لغته، من جهة أخرى، ويمكن من خلال هذه الأمثلة الدخول إلى المبحث التالي.
المبحث الثالث: أهمية الوعي بثقافة النص المترجم
تخدم اللغة في أغلب أحوال اللجوء إليها أغراضاً اتصاليةًً، أي أن صاحب الحديث يهدف من وراء ذلك إلى التواصل مع المتلقي ليحدث لديه ردة فعل يصبو إليها، ولذا نجد أن صاحب الحديث يحاول أن يجعله مفهوماً قدر المستطاع لدى المتلقين، وأن يكون حديثه مناسباً لهم، من عدة جوانب: اللغة واللهجة التي يتحدثون، مستواهم التعليمي، فئتهم العمرية، جنسهم، خلفيتهم الثقافية (2) ، وما أنسب ما جاء عن علي - رضي الله عنه - : «حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذّب الله ورسوله» (3) .
__________
(1) صحيح مسلم: 2539. والشِّغَار هو: أن يزوِّج الرجل ابنته لرجل على أن يزوجه هذا الآخر ابنته، ليس بينهما صداق.
(2) هذه القضية أشبعت بحثاً، وبخاصة في موضوع قواعد الخطاب (Conversational Maxim) التي صاغها اللغوي البريطاني هـ. ب. قرايس (H.P. Grice)، وهي أربعة قواعد، تم اختصارها فيما بعد في قاعدة واحدة فقط وهي قاعدة «المناسبة»، وسمّيت بنظرية المناسبة (Relevance Theory). انظر، وبخاصة في علاقة «المناسبة» بالترجمة:
Gutt, Ernst-August (1991) Translation and Relevance: Cognition and Context. Basil Blackwell: Oxford.
(3) صحيح البخاري: 124.(12/20)
وللسياق أثر بالغ في عملية الترجمة، إذ إن النصوص - وهي تفاعل بين المتحدث والمتلقي - تتأثر بسياقها وتأثر فيه كثيراً، وتنشأ في البيئة الثقافية لمن هم أطراف في الحديث (1) ، ولعلنا نستشهد بنصوص السنة المطهّرة، إذ خرجت منذ 1441 عام في بيئة عربية ذات إرث ثقافي ومجتمعي متأصِّل، وتختلف عن الواقع الثقافي المعاصر، وعلينا أن نعي هذا، خاصة إذا ما أردنا أن نترجم السنة المطهرة لقرّاء اليوم الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية، وهي لغة تختلف من حيث البيئة والمنشأ عن عربية ذاك الزمان والمكان (2) ، لذا يتعين على المترجم أن يعي التباين في الخلفيات الثقافية المتمثلة في النص لمستقبليه في تلك الحقبة الزمنية وفي تلك البيئة ومستقبلي نصه المنشود في هذه البيئة وهذه الحقبة الزمنية، وأن يسعى إلى ردم هذه الهوة الثقافية، أي أن دوره في سياق كهذا يكون دور وسيط أو مستشار ثقافي يهدف إلى محو الأمية الثقافية (cultural literacy) لقرّائه في النصوص التي يتولى ترجمتها.
__________
(1) للتعرف أكثر على سياق الخطاب وتأثره به وتأثيره فيه انظر:
Halliday M.AK. and Hassan, R. (1985) Language, context and text: aspects of language in a social-semiotic perspective. Oxford University Press: Oxford.
(2) لا يُفهم من هذا القول أي إلماح من قريب ولا من بعيد إلى عدم صلاحية الدعوة المحمديّة لكل زمان ومكان، وأنها دعوة عامة للناس كافة كما جاء في صدر هذا البحث، ولكن المقصود بهذا هو حديث الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والتسليم، كان موجهاً في الأساس لمخاطبيه الرئيسيين والمباشرين وهم من حوله من العرب بما لهم من ثقافة متجذِّرة، ولذا نجد فيه إشارات لهذه الثقافة تثبت وتعزز ما كان من المكارم منها، وتنبذ وتمحو ما كان من الرذائل.(12/21)
والذي جاء بمفهوم «محو الأمية الثقافية» هو التربوي الأمريكي إ. د. هرش (E. D. Hirsch) عام 1987م عندما نشر كتابه «محو الأمية الثقافية: ما يجب أن يعلمه كل أمريكي» (Cultural Literacy: What every American should know) (1) ، الذي دعا فيه إلى إحداث تغييرات جوهرية في نظام التعليم الأمريكي في سبيل التثقيف العام، وكان لهذا الكتاب أثراً بالغاً.
وبنى هرش كتابه على نتائج الأبحاث النفسية وعلى عقدين من التجربة البحثية التي أكدت أن امتلاك الخلفية المعرفية (background knowledge) اللازمة شرط على قدر كبير من الأهمية ليصبح الاتصال بين صاحب الرسالة ومتلقيها ناجحاً، وشدد هرش على أنه إذا لم تتوافر للقراء الخلفية المعرفية اللازمة لفهم نص ما، فإنه يمكن عدّهم أميّين بالنسبة إلى هذا النص، وأن المعلومات التي يصرّح بها النص، لا تعدو كونها طرف الجبل الجليدي الظاهر للعيان، وما يخفيه النص أكثر بكثير.
ويسوق هرش (ص 13) على الأمية الثقافية المثال التالي من خبر صحفي يشكل جزءاً من القراءات اليومية من جريدة الـ (واشنطن بوست) (Washington Post):
__________
(1) المعلومات التوثيقية للكتاب هي:
Hirsch, E. D. (1987) Cultural Literacy: What every American should know. Boston.(12/22)
أنفذت هيئة استئناف فدرالية اليوم قراراً يمنع حبس الرهن (foreclosure) عن مزرعة في ميسوري (Missouri)، وقالوا إن وزير الزراعة جون ر. بلوك (John R. Block) تخلى عن مسؤوليته عن بعض المزارعين المثقلين بالديون. ووجهت هيئة الاستئناف وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) إلى سن نظام لدراسة تأجيل [سداد] الديون والإعلان عنها، وهذه - في رأي الهيئة - هي رغبة الكونجرس (Congress). وقالت الهيئة إن من مهام وزير الزراعة أن يعمل بهذه الرغبة ليس على أنه مصرفيّ خاص (private banker)، ولكن كونه سمساراً حكومياً (public broker). ... A federal appeals panel today upheld an order barring foreclosure on a Missouri farm, saying that US Agriculture Secretary John R. Block has reneged on his responsibilities to some debt-ridden farmers. The appeals panel directed the USDA to create a system of processing loan deferments and of publicising them as it said Congress had intended. The panel said that it is the responsibility of the agriculture secretary to carry out this intent “not as a private banker, but as a public broker.”(12/23)
ويعلِّق هرش بقوله: «إن القراء المدربين في فك شفرة النصوص [أي في مهارات القراءة]، ولكن أميين من الناحية الثقافية، قد يعرفون معنى "حبس الرهن" (foreclosure)، ولكنهم لن يفهموا المعنى العام للنص، وهو كامن في معرفة الإجابة عن الأسئلة التالية: من اتخذ القرار الذي أنفذته هيئة الاستئناف الفدرالية؟ ما هي هيئة الاستئناف الفدرالية؟ أين تقع ميسوري؟ ما هو وجه مناسبة ميسوري لقضية كهذه؟ لماذا يوجد عدد كبير من المزارعين المثقلين بالديون في ميسوري؟ ما هي USDA (وزارة الزراعة الأمريكية)؟ (1) ما هو السمسار الحكومي؟».
وتساؤلات هيرش هذه هي لمن يقرؤون النص بالإنكليزية وهي لغتهم الأم، وربما هي للأمريكان تحديداً الذين لا يملكون المعلومات الخلفية عن هذه القضية خاصة، أما فيما يتعلق بالقارئ العربي لهذا النص فإن فهم النص يأخذ بعداً آخر – علاوة على فهم هذه القضية التي يتحدث عنها النص الذي بين أيدينا- وهو معرفة الأنظمة الأمريكية: نظام الرهن الزراعي، والنظام الحكومي، من وجود حكومات محلية وحكومة فدرالية (اتحادية)، وهل للحكومة الفدرالية حق التدخل في شؤون الحكومة المحلية؟ وما هو دور الكونجرس في أمريكا؟ وأنَّى لهيئة الاستئناف الفدرالية أن تقرِّع وزير الزراعة وتملي عليه ما يجب فعله؟ وهل هي أعلى سلطة منه؟ وما هو نظام المصرفية الخاصة والسمسرة الحكومية؟ وما وجه الاختلاف والمفاضلة بينهما في حالة كهذه؟
__________
(1) السؤال هنا عن مدى معرفة القراء بإطلاق USDA اختصاراً على وزارة الزراعة الأمريكية، وإطلاق اختصارات كهذه على الدوائر الحكومية أمر دارج في أمريكا ودول غيرها.(12/24)
وهذه الأنظمة جزء من ثقافة البلاد الذي تَشَكّل فيها هذا النص، وعدم الوعي بهذه الثقافة يجعل من القارئ أمياً ثقافياً، ولذا نجد هرش يختم بقوله: «حتى إن تجشم القرَّاء الأميون ثقافياً العناء وبحثوا عن معاني الكلمات في المعاجم، فإن معرفتهم بالواقع الذي يتحدث عنه النص ستكون محدودة جداً، فالكلمات المسطورة على الصفحة لا تعدو كونها مؤشرات سطحية للمعنى في كل من الكتابة والقراءة، وعلى القارئ الواعي أن يأتي إلى النص بالخلفية المعلوماتية المناسبة».
وفيما يخص قدر المعلومات التي يتعين على القارئ المجيء به إلى النص فإن هرش-اً يرى أنه غالباً ما يكون أكثر من قدر المعلومات التي يعبَّر عنها صراحة فيه، ويقول: «لكي نعي معنى الكلمات المسطورة فإن علينا أن نعرف كثيراً من المعلومات لا يأتي على ذكرها النص عنها صراحة» (ص. 3)، ولتوضيح الأمر أكثر علينا أن نتوقف عند قدر المعلومات الذي يتطلب معرفته هذا المقال القصير مقارنه بقدر المصرّح بها فيه، ولذا يستعير هرش صورة بلاغية مشبّهاً هذه المقارنة بجبل الجليد، بقوله: «المعاني الظاهرة لقطعة كتابية لا تعدو كونها طرف جبل المعنى الجليدي، والجزء الأكبر من المعنى مختبئ تحت سطح النص، ويتكون من معلومات القارئ نفسه المناسبة للنص» (ص. 33-34).(12/25)
ومن المعلوم أن سُبْع الجبل الجليدي أو أقل هو طرفه الظاهر فوق سطح الماء، وجرمه الكبير الباقي يكمن تحت الماء، وعلى أيّ بغض النظر عن هذه النسبة وتأكيد قيمتها الرقمية، فإن الصورة كما يقول إرنست-أوقست قُت (Ernst-August Gutt) (1) : «تختلف تماماً عن الصورة التي دائماً ما تُنقل في الكتابات حول الترجمة، التي يشعر فيها المرء أن المعلومات التي لا يصرِّح بها النص لا تعدو كونها معلومات صغيرة متفرقة استغنى عنها الكاتب ليجعل النص أكثر ترابطاً وأسهل فهماً».
وليدلل على مناسبة هذه الصورة البلاغية يقوم قُت بتطبيقها على قطعة مما يسمى بـ «الكتاب المقدّس»؛ بغية دراسة هذه الفكرة بتعمق أكثر ومن ثم الوصول إلى فائدة مرجوة من تطبيقها في ترجمته إلى اللغات المختلفة، وهو يؤكد بهذا أهميةَ إجراء دراسات في مقارنة الثقافات في مجال ترجمة الكتاب المقدس، واقتراح الحلول المناسبة لردم الهوة الثقافية بين النص الأصل وقراء النص المترجم، وليس قُت منفرداً في اهتمامه بالسياق الثقافي بين منظِّري ترجمة الكتاب المقدس (2) .
__________
(1) Gutt, Ernst-August, "Aspects of "Cultural Literacy" Relevant to Bible Translation", in Journal of Translation, vol. 2, no. 1, 2006, p. 4. (online translation journal: http://www.sil.org/siljot)
(2) انظر قائمة المراجع التي يرصدها في بحثه.(12/26)
السياق الثقافي وترجمة الكتاب المقدس: يكثر تداول مصطلحات مثل (contextualization) و (inculturation) - وكلاهما له علاقة بالسياق الثقافي - فيما يعرف بدوائر الاتصال النصرانية، وهي الدوائر المعنية بنشر المعتقد النصراني بشتى الطرق، وتم تبني إدخال السياق الثقافي رسمياً في ترجمة الكتاب المقدس من قبل هيئة تعرف بصندوق التعليم اللاهوتي (Theological Educational Fund)، وذلك فيما تتولاه من مشاريع ترجمة الكتاب المقدس إلى الثقافات التي ليس لها سابق عهد به، بل إن أحدى أكبر الجهات التي تتولى أمر ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات المختلفة، وهي معروفة بمعهد اللغويين الصيفي (Summer Institute of Linguists) تعتمد إدخال السياق الثقافي كمبدأ أساس في مشاريع الترجمة التي تتولاها من خلال إدراجه في سلسلة أدلة المترجمين التي تعتمدها (1) ، ولإدراكها أهمية السياق الثقافي في الترجمة فقد قامت المنصِّرة هارييت هِل (Harriet Hill) بقضاء نحو من خمسة وعشرين عاماً في قُرى ساحل العاج النائية تدرس إحدى الثقافات المحليّة لأنها كلفت بمهمة مستشارة في فريق العمل الذي تولى ترجمة الكتاب المقدس للغة أصحاب هذه الثقافة، وقد انكبت على دراسة هذه الثقافة، وكيفية نظرتها للواقع وإدراكها لبعض المفاهيم بغية الخروج بترجمة تعي هذه الثقافة وتأخذها في الحسبان، وأجرت هذه المنصرة عدداً من التجارب المقننة علمياً، وخرجت بتوصيات مفيدة فيما يتعلق بإدخال البعد الثقافي في الترجمة، ونشرتها في كتاب بعنوان «ترجمة الكتاب المقدس في مفترق الطرق الثقافية: من الترجمة إلى الاتصال»، في إحدى أهم دور النشر العالمية المهتمة بنشر كل ما يتعلق بدراسات الترجمة وهي دار نشر St. Jerome البريطانية (2) .
__________
(1) انظر على سبيل المثال:
Barnwell, K. (1975 [2002]) Bible Translation: An Introductory Course in Translation Principles. Dallas: SIL International.
(2) ومعلومات الكتاب هي:
Hill, H. (2006) The Bible at Cultural Crossroads: From Translation to Communication. St. Jerome Publishing: Manchester:(12/27)
ويرى هارلي تالمان (Harley Talman) وهو عضو فيما يعرف بحركة زرع الكنائس بين المسلمين (Church Planting Movement among Muslims) أهمية أخذ السياق الثقافي في الحسبان عند ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، ويعبر عن رأيه بقوة في قوله: «في كل موضع نفشل فيه في إضافة السياق إلى ترجمة الكتاب المقدس، فإننا نضخ فيه شيئاً من السُّم ونضعف من قدرته على اختراق المجتمع المسلم، فترجمات الكتاب المقدس المقبولة لدى الكنائس العربية الموجودة تميل إلى استخدام المصطلحات والمسميات الدينية المبنية على اللغة السريانية، أكثر من ميلها إلى مقابلتها العربية والقرآنية، ونتيجة لهذا نجد أنه في الغالب لا يفهم المسلمون اللغة العربية النصرانية أو قد يفهمون منها شيئاً آخر خلاف ما عُني، وهذا بالإضافة إلى عدد من العوامل الأخرى، يضع حواجزَ إضافية في سبيل أن يُقبل المسلم على المسيح. وعلاوة على هذا فإن زرع الكنائس لا يمكن أن يوضع في سياقه دون وجود ترجمة موجّهة للمسلمين. فالعبادة، والصلاة، والترانيم، والتبشير، والتعليم، وحفظ الأسفار، وتطوير العقائد والعبادات العامة، جميعها ينتظر ترجمة للكتاب المقدس تأخذ السياق في الحسبان» (1) .
وفي المقابل نجد أننا، نحن أصحاب الرسالة الحقيقية، لم نطور نظرية الترجمة لدينا لتتناسب مع الواجب المناط بنا حيال تبليغ الدعوة، وظللنا حبيسي الجدال حول «الحرفية» و«المعنوية»، وأن تكون الترجمة «أمينة»، دون إدراك لمعنى هذه المفاهيم مبني على أساس علمي متين يستفيد من أطروحات دراسات الترجمة الحديثة. ولم ندرك أننا حينما نقدم على الترجمة دون فهم واعٍ بطبيعة الترجمة ومتطلباتها وما تنطوي عليه من عمليات اتخاذ قرارات قد نُسيء من حيث أردنا أن ننفع.
__________
(1) Talman, H. "Islam, Once a Hopeless Frontier, Now? Comprehensive Contextualization". In International Journal of frontier Missions, 21:1, Spring 2004.(12/28)
المبحث الرابع: عينة البحث وتطبيقاته
مظاهر الثقافة وعناصرها: في البداية، وقبل أن أشرع في ذكر عينة البحث ومقتضياتها، لعلي أذكر مظاهر الثقافة وعناصرها المكونة لها، أي ما يمكن من خلاله التعرف على ثقافات المجتمعات البشرية، وهذا من الضرورة بمكان في هذا البحث؛ لأن عينة البحث التي أختارها ستكون مبنية على معرفة مظاهر الثقافة وعناصرها، وتصنيفها تصنيفاً واضحاً.
ولعل القارئ المدقق لاحظ منذ بداية البحث أنني تحاشيت أن آتي بتعريف للثقافة على ما لهذا المفهوم من أهمية محورية في البحث، وذلك أن للثقافة تعريفات كثيرة جداً تعددت بتعدد الدراسات حولها، ولاختلاف زاوية الطرح في هذه الدراسات، ورأيت أن تبنّي أيٌ من هذه التعريفات وقصر المفهوم على أي منها لا يخدم غرض البحث - وهو الوعي التام بمظاهر الثقافة في النصوص المترجمة، بغية التعامل معها في الترجمة تعاملاً موفقاً بعون الله- بقدر ما يخدمه المفهوم العام للثقافة وهو كل ما تشترك فيه جماعة بشرية ما، وبخاصة المشترك الذي يميز هذه الجماعة عن الجماعات البشرية الأخرى.
وفيما يلي أُفرد العناصر المادية المحسوسة للثقافة في جدول، والمظاهر اللغوية للثقافة في جدول آخر، ذلك أن اللغة تعدّ مظهراً من مظاهر الثقافة وعنصراً من عناصرها، علاقتها بالثقافة علاقة جزء من كل، تتأثر بها وتعكس ثقافة أهلها، ولذا أفردها في جدول خاص بها يفصّل تجليات الثقافة من خلال اللغة، ولأن اللغة تعكس الثقافة فهي ذات أهمية خاصة في الترجمة التي تتخذ من اللغة – في الغالب- مادتها، ولما لإدراك مظاهر الثقافية اللغوية والتعرف عليها من ضرورة في أن يؤدي المترجم عمله بنجاح.
العناصر المادية للثقافة
العنصر ... أمثلته(12/29)
العادات، والممارسات، والشعائر ... النّسيء، الشِّغار، الرِفادة، السّمَر، التّزعفر، الإيلاء، وأد البنات، الاكتحال، الكهانة والعرافة، زجر الطير، والتساهم، اتخاذ الأخدان، بيع العريَّة، الأزلام، بيع الحصاة، الفيء، حبل الحبلة، الفضول (المرباع، الثنايا)، اللزام، المنيحة، المنابذة، النهد، النُصُب، القسامة.
مؤسسات المجتمع ... النوادي (دار الندوة)، الأسواق (عكاظـ، الندوة، ذو لمجاز).
الخيال الاجتماعي ... الهامة، الغول، وادي عبقر، العوامر.
المحسوسات المادية ... السكن: بيوت المدر، وبيوت الحجر، المشربة، الرُّقبى، العُمرى، الشفعة.
اللباس: البرنس، المعافري، الإنبجانية، البردة، الديباج، الاستبرق، الفرّوج، الخمار، الخف، القسّي، السّحوليّة، السّبتية.
الأكل: الخزير، الوطبة، الحيس، العجوة، الجنيب، السويق، التلبينة، الثريد.
الشرب: الباذق، النبيذ، التِّلع، النّقيع.
الأدوات، والآنية، وما ينتفع به: العنزة (نوع من الرماح)، الحصير، الحميان، الخلوق، الخُمرة، المِحجن، المربد، المقير، المزفّت، القصب.
الأوزان، والمقاييس، والمعايير: المد، الصاع، الذراع، الباع، القامة، الوسق، الأوقية، النش، القنطار.
العملات: الدرهم، الدينار.
الدواب (البيئة الحيوانية): البكرة، الناضح.
البيئة النباتية: الأراك، الحناء، الإذخر، الكتم، السعدان، السمر، السدر، العُرفط، الورس، الزرنب، الزعفران.
العوامل الطبيعية: الصبا (الريح).
جدول رقم (1) العناصر المادية للثقافة، ممثل عليها من البيئة العربية المباشرة للرسالة المحمدية
العناصر اللغوية للثقافة
العنصر ... أمثلته
التعبيرات الاصطلاحية (idioms) والأمثال (proverbs) ... التعبيرات الاصطلاحية (وهي الألفاظ مجتمعة يُشكِّل معنى مجموعها أكثر من معني أفرادها متفرقة): رغم أنفه، تربت يداه، ثكلته أمه، لله درّه، ويل أمه.(12/30)
الأمثال (وهي ترتبط بالثقافة ارتباطاً وثيقاً، رغم عموم المفاهيم): فمثلاً يقولون في الإنكليزية (A cat has nine lives) أي: للقطة تسع أرواح، بينما تعبِّر العرب عن هذه الفكرة من خلال ثقافتها بقولهم: أعمر من حيَّة، وأعمر من نسر، لزعمهم أن الحية لا تموت حتى تُقتل، وأن النسر يعمَّرُ خمسمئة سنة. ومن هذا قولهم (Fine words butter no parsnips) أي: الكلام المنمّق لا يطهو الجزر الأبيض، بينما تقول العرب: كلام كالعسل، وفعل كالأَسَل.
الكنايات والاستعارات والصور البلاغية ... تمتدح العرب الكريم بقولها: رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. ولهذه الكنايات علاقة مباشرة بالبيئة العربية.
المعنى الإيحائي (connotative meaning) (وهو المعنى الذي تكتسبه الأشياء والألفاظ، من خلال دخولها معترك المجتمع، وهو معنى مضاف إلى المعنى المعجمي المجرد) ... الحياء: لفظ محبب في الثقافة العربية، وصفة مندوب إليها، ولكن في بعض الثقافات الأخرى – الغربية خاصة- يُفهم من الكلمات التي يعبّر بها عن الحياء شيء من تزعزع الثقة في النفس.
وكذا الغيرة، والنهي عن الدياثة.
الكنية: في مناداة الشخص بكنيته تكريم عند العرب، وهذا بعد غير متوافر في ثقافات أخرى.
ومن هذا أيضاً إضافة الأسماء الخمسة (على الإجمال)، وبخاصة «ذو»، للمسميات: ذات النطاقين، ذو الفقار، ذو النورين.
الهَرْج (القتل): في هذه التسمية إنكار شديد لهذا الفعل.
صبأ (ارتدَّ): فيها إنكار شديد وتقال لمن يرتدّ عن دين آبائه.(12/31)
المعنى المقامي (الوظيفي) (pragmatic meaning) (وهو نطاق يدخل فيه البعد الوظيفي للغة، ويركز على فعل القول لا على مفرداته) ... ما بال أقوام: أسلوب نبوي رفيع في التنبيه على الأخطاء، ليس فيه تخصيص ولا إفحاش. ورد في «تحفة الأحوذي»: «قَوْله: (إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّه تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا بَال أَقْوَام قَالُوا كَذَا وَكَذَا) هُوَ مُوَافِق لِلْمَعْرُوفِ مِنْ خُطَبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْل هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا فَخَطَبَ لَهُ ذَكَرَ كَرَاهِيَته, وَلا يُعَيِّن فَاعِله, وَهَذَا مِنْ عِظَم خُلُقه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَإِنَّ الْمَقْصُود مِنْ ذَلِكَ الشَّخْص وَجَمِيع الْحَاضِرِينَ وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يَبْلُغهُ ذَلِكَ, وَلا يَحْصُل تَوْبِيخ صَاحِبه فِي الْمَلأ».
عقرى حلقى: قالها النبي لحبِّه عائشة – رضي الله عنها- وجاء في شرح الترمذي: «وَقَالَ صَاحِب الْمُحْكَم: يُقَال لِلْمَرْأَةِ عَقْرَى حَلْقَى مَعْنَاهُ عَقَرَهَا اللَّه وَحَلَقَهَا أَيْ حَلَقَ شَعْرهَا أَوْ أَصَابَهَا بِوَجَعٍ فِي حَلْقهَا قَالَ: فَعَقْرَى هَاهُنَا مَصْدَر كَدَعْوَى. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَعْقِر قَوْمهَا وَتَحْلُقهُمْ بِشُؤْمِهَا. وَقِيلَ: الْعَقْرَى الْحَائِض. وَقِيلَ: عَقْرَى حَلْقَى أَيْ عَقَرَهَا اللَّه وَحَلَقَهَا. هَذَا آخِر كَلام صَاحِب الْمُحْكَم. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَعَلَهَا اللَّه عَاقِرًا لا تَلِد, وَحَلْقَى مَشْئُومَة عَلَى أَهْلهَا. وَعَلَى كُلّ قَوْل فَهِيَ كَلِمَة كَانَ أَصْلهَا مَا ذَكَرْنَاهُ, ثُمَّ اِتَّسَعَتْ الْعَرَب فِيهَا فَصَارَتْ تُطْلِقهَا وَلا تُرِيد حَقِيقَة مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلا , وَنَظِيره تَرِبَتْ يَدَاهُ , وَقَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْجَعه وَمَا أَشْعَره».(12/32)
بخ بخ: تطلق ويراد بها تفخيم الأمر وتعظيمه في الخير.
يا هنتاه: تستعملها العرب في نداء المرأة لا يريدون بذلك التصريح باسمها، ربما تحرجاً من ذلك.
لبيك وسعديك: إجابة للنداء تدل على تكريم المنادي والسرعة في الاستجابة له والرغبة في تلبية طلبه.
ما شاء الله: تدل على الإعجاب بالشيء.
مَتَرّس: كلمة فارسية تستخدم لتأمين الرجل على حياته.
مَهْ: كلمة فيها زجر.
يا صاحباه: صرخة لطلب النجدة والنصرة.
ومن قبيلها ويحك للزجر، وويلك للإنكار.
فلان وما فلان؟ سؤال لا يراد به الاستفهام بل يراد به تعظيم أمر المتحدث عنه.
الصيغ الإنشائية (genres) (صيغ وقوالب محددة للنصوص توظف في مناسبات معينة: كالخطبة، والقصيدة، والحداء) ... خطبة الحاجة: ولها صيغة محددة تقال في مناسبات معينة.
أما بعد: تأتي في الرسائل والخطابات لتفصل بين التقديم ولب الغرض من الرسالة.
آمين: تأتي بعد الدعاء (طلباً للاستجابة).
الرَّجز: وهو نوع من الشعر لا يتقيّد بقافية واحدة، وهو خلاف النثر.
التسمية (للأسماء والألفاظ التي تطلقها اللغة على الأشياء صلة وثيقة بتعامل أهل اللغة مع الواقع وصياغتهم للمفاهيم) ... البركة، التوفيق، التقوى.
ويُلحق بها: الأحكام الجماعية ... أي الأحكام يجمع عليها المجتمع: مدح الكرم وذم البخل، مدح الشجاعة وذم الجبن.
هذه الأحكام لا تنطبق على الصفات والخلال وحسب بل حتى على المحسوسات: البُرْدَة، حُمُر النَّعم: إضافة إلى معانيها المعجمية تكتسب هذه الألفاظ معانٍ إيحائية مضافة من دخولها في معترك الحياة الاجتماعية، فالبردة تدل على المكانة الاجتماعية، وخلعها على الأشخاص تدل على تكريمهم، وحمر النعم نوع من الإبل ولكنها ليست كأي إبل.
جدول رقم (2) العناصر اللغوية للثقافة، ممثل عليها من البيئة العربية المباشرة للرسالة المحمدية
ولعلي قبل الشروع في الحديث عن عينة البحث، أنبه على الآتي:(12/33)
أولاً: أن هذه العناصر قد تتداخل فيما بينها، أي أن تصنيفها في تفريعات بعينها لا يعني بالضرورة اقتصارها على هذه التفريعات، وأغلب هذا يكون من حيث اكتساب الأشياء معانيَ إيحائية مضافة على معانيها الأصلية، بدخول هذه الألفاظ في معترك التعامل الحياتي للمجتمع، فمثلاً «البردة» كما ذكرنا يدل معناها المعجمي على نوع من اللباس، ولكن بدخولها معترك الحياة المجتمعية للعرب اكتسبت معانيَ إضافية وأصبحت تدل على التميّز والمكانة، وإذا ما أخذنا هذا الشيء –البردة- ووضعناه في ثقافة أخرى لا تعي أبعاده فإنها تنظر إليه بأبعاده المعجمية المجرّدة ، وتترك معانية المضافة مما يؤدي إلى فقدانه كثيراً من معانية.
ثانياً: أهمية أن يفطن المترجم للعناصر اللغوية للثقافة (الجدول ذو الرقم 2) ويأخذها في الحسبان، ذلك أنها ليست كالعناصر المادية للثقافة (الجدول ذو الرقم 1) ظاهرة جليّة، بل هي بحاجة إلى تنقيب، ولا تُعرف إلا بشيء من الدُّربة، وأرجو أن يفيد الجدول أعلاه والتحليل التي سيأتي في التنبيه على هذه الجوانب.
عيّنة البحث: لإيضاح ما جاء في الجانب النظري في هذه الدراسة حتى الآن أركز في عينة البحث على تحليل الحديث المشهور بـ «حديث أم زرع»، للأسباب التالية:(12/34)
1- اتفق الشيخان على هذا الحديث (1) ، وقد شرحه كل من الحافظ ابن حجر والإمام النووي، وأفرده بالشرح غيرهم من أهل العلم أخص بالذكر منهم القاضي عياض، والحافظ السيوطي (2) ، وتعدُّد الشروحات من شأنه أن يساعد على فهم نص الحديث، واستيعاب أبعاده المختلفة استيعاباً جيداً، مما ينعكس إيجاباً على تحليل النص ومن ثمَّ المساهمة في توجيه الوقوف الواعي على ما نريده في ترجماته.
2- توافُر عدد لا بأس به من صنوف العناصر الثقافية التي ذكرناها سابقاً في هذا الحديث، فهو يتحدث عن جلسة اجتمع فيها إحدى عشرة امرأة، أدلت كل واحدة منهن بدلوها، واستعارت من مخزونها الثقافي ما استعارت، ولذا كثرت الإشارات الثقافية، وتزاحمت بل وتنوعت أيضاً في هذا الحديث، كما سيأتي.
3- وجود الحديث في هذين المصدرين العظيمين يعني أن كل ترجمة لهذين الكتابين تحتوي على هذا الحديث، وتعدد الترجمات، واختلاف مناهج المترجمين، وتباين ترجماتهم، من شأنه أن يثري التحليل، بتجليته على نحو أفضل، وبخاصة المواضع التي نريد تتبعها والوقوف عليها في الحديث. وفي اللغة الإنكليزية –التي أدرس ترجمة هذا الحديث فيها- تتوافر ترجمتان لصحيح البخاري (وهما ترجمتا محمد محسن خان، وعائشة بيولي)، وترجمة واحدة لصحيح مسلم (وهي ترجمة عبد الحميد صدّيقي) (3) .
نص الحديث: برواية البخاري:
__________
(1) البخاري: 4790، كتاب «النكاح»، باب «حسن المعاشرة مع الأهل»؛ مسلم: 4481، كتاب «فضائل الصحابة»، باب «ذكر حديث أم زرع».
(2) وكلاهما تشتمل عليه في الطبعة التالية من كتاب: القاضي عياض، بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1395هـ.
(3) هذه تخص الترجمات الكاملة للكتابين، أما الترجمات الجزئية فهي أكثر.(12/35)
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا،
قَالَتْ الأولَى: «زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ»
قَالَتْ الثَّانِيَةُ: «زَوْجِي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ»
قَالَتْ الثَّالِثَةُ: «زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ»
قَالَتْ الرَّابِعَةُ: «زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لا حَرٌّ وَلا قُرّ،ٌ وَلا مَخَافَةَ وَلا سَآمَةَ»
قَالَتْ الْخَامِسَةُ: «زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ»
قَالَتْ السَّادِسَةُ: «زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ»
قَالَتْ السَّابِعَةُ: «زَوْجِي غَيَايَاءُ (أَوْ عَيَايَاءُ) طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلاَّ لَكِ»
قَالَتْ الثَّامِنَةُ: «زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ»
قَالَتْ التَّاسِعَةُ: «زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِ»
قَالَتْ الْعَاشِرَةُ: «زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ، خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ»(12/36)
قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: «زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، لا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلا تَمْلأ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا،
قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ،
قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ»
قَالَتْ عَائِشَةُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ» »
التحليل:
أولاً: أبعاد ثقافية عامة في النص:(12/37)
- الصيغة الإنشائية (genre): يمكن تصنيف حديث النسوة هنا تحت نوع الأحجيات والألغاز، فكل امرأة من هؤلاء النسوة ترى غضاضة في خرق العرف الاجتماعي الذي يقتضي تحمّل المرأة ما تقاسيه في بيت زوجها وكتمان سرّه وعدم إفشائه، وعدُّ نقد الزوج وتعديد مثالبه مما تُعاب به المرأة الحرّة، ولذا جاء التأكيد على إفشاء هذه الأسرار بالتعاهد والتعاقد بينهن على أن لا يكتمن شيئاً، ولجأن إلى هذه الصيغة وهي صيغة الألغاز والأحجيات، التي هي منطوقها قليل مقتضب، ولا يفهمها إلا من يشترك مع المتحدث في ثقافته وله من الذكاء ما يؤهله لفك محتوى قوله المركّز وإدراك أبعاده، ومن هنا كانت الشروحات المتعددة لهذا الحديث استجلاءً لأبعاد ما قيل فيه. ومن مميزات هذه الصيغة في العربية قصر العبارة وتركيزها، واعتمادها الإلماحات إلى ما يعرفه المتلقي (أي إلى المشترك الثقافي)، وتوظيف السّجْع، وكثير من الصيغ البلاغية (1) . وعند النظر إلى خصائص هذه الصيغة الإنشائية وانعكاساتها على الترجمة نجد أن أياً من الترجمات لم تفلح في نقل هذا البعد الثقافي في النص الأصل، بل ولم تحاول تعويض هذه الخسارة بأي شكل من الأشكال، ولا حتى بحاشية أو ملاحظة تقديمية للترجمة، تضع القارئ في سياق الحديث، وتبيّن له ما فقدته الترجمة من الأصل.
- صفات الزوج (والرجل عموماً) الحميدة والسيئة في الثقافة العربية: قد لا تكون هذه الصفات معتبرة في ثقافات أخرى، وجاء منها الكثير في النص، ولها أثر في فهمه، ولذا وجب التنبّه لها عند التحليل والترجمة، كما سيظهر في بعض مفردات الجدول أدناه.
ثانياً: تنبيهات قبل الشروع في التحليل والاستقراء:
__________
(1) للتعرف عن كثب على ما جاء من صنوف البلاغة في كلام هؤلاء النسوة انظر: القاضي عياض، بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، ص 186-215.(12/38)
1- قد يلحظ القارئ وجود ملاحظاتٍ في هذه الترجمات خارج نطاق البعد الثقافي الذي يختصُّ به هذا البحث، وهذه لا آتي على ذكرها لعدم اختصاص البحث بها من جانب، وبهدف أن يبقى البحث في حدود المساحة المسموح بها.
2- لمنهج كل مترجم انعكاسات على ترجمته وبالتالي على فهمها واستقرائها، فالأستاذة عائشة بيولي من أصحاب اللغة الإنكليزية الأصليين، إلا أن منهجها في الترجمة هو الحرفية، والتشبث اللصيق بالنص الأصل ونقل القارئ له، وهو ما يعرف في دراسات الترجمة بالتغريب (foreignizing) وبذلك تحد شريحة قرائها في عدد محدود ممن لهم معرفة إسلامية كافية تؤهلهم للفهم (1) ، بينما نجد على طرف النقيض عبد الحميد صديقي، وهو من أصل هندي، يعتمد ما يُعرف بالتوطين (domestication) (2) في ترجمته، فنراه يقرب النص من القارئ، فمثلاً يبدل كلمة "نادي" المعروف في الثقافة العربية بكلمة (inn)، أي: نُزُل، وترجم "المُزهر" إلى (music)، أي: موسيقى، وهي القريبة من فهم القارئ الغربي. أما خان فهو يميل إلى الطريقة الأولى، إلا أنه راعى قراءه وحاول تقريبهم من النص بالشروحات والتعليقات.
ثانياً: التحليل المفصّل للبعد الثقافي في كل من النص وترجماته:
__________
(1) ومنهج عائشة بيولي هذا هو نفسه الذي اتبعته في ترجمتها المشتركة مع زوجها عبدالحق، لمعاني القرآن الكريم، إذ أكثرا فيها من الترجمة الصوتية للمفاهيم والمصطلحات الإسلامية، أو ما يعرف بالنقحرة، دون أي إيضاحات لمعانيها، وخلت ترجمتهما تماماً من الحواشي.
(2) للتعرف أكثر على مصطلحي التوطين والتغريب، انظر على سبيل المثال: أحمد البنيان، وإبراهيم البلوي، ترجمة الألفاظ القرآنية بين التوطين والتغريب، مجلة أفشوت، مجلد 7، عدد1، 2003م.(12/39)
الرقم ... العنصر ... بيان البعد الثقافي فيه (1) ... بيولي ... خان ... صديقي ... تحليل واستقراء
1 ... لَحْمُ جَمَلٍ ... البيئة الحيوانية: لحم الجمل ليس كلحم الضأن. وفي هذا إيغال في تعديد مثالب الزوج. ... the meat of an emaciated camel ... the meat of a lean weak camel ... the meat of a lean camel ... لم يشر أي من المترجمين إلى هذا البعد في كلام المتحدثة، ربما لأنه وصف بالـ «غَثّ» فرأى المترجمون أن هذا يغني في هذا السياق.
2 ... عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ... بعد مقامي: أصل معناها، عُقدٌ تكون ظاهرة في الجسم، وتعيبه، ثم انتقل معناهما للدلالة على عموم المعايب الظاهر منها والباطن. ... his faults, outward and hidden ... his defects and bad traits ... faults-both visible and invisible completely ... نرى أن المترجمين حملوا هذا العنصر على معناه المقامي، ولم يحملوه على معناه الحرفي، هذا أداء جيد للمعنى.
3 ... الْعَشَنَّقُ ... معنى إيحائي: الطويل، ويضاف على هذا المعنى معنى آخر وهو ذم هذا الطول. ... tall ... a tall man ... long-statured fellow (i. e. he lacks intelligence) ... ترجم كل من بيولي وخان هذا العنصر إلى مقابله المعجمي في الإنكليزية، وصفة الطول صفة محمودة في اللغة الإنكليزية، وهذا أرى أنه إخفاق من المترجمين خاصة وأنهما حملا كلام المتحدثة على الذم لزوجها.
أما صدّيق فقد تنبه لهذا الإشكال، فتحاشى المقابل المعجمي الواضح واستعاض عنه بما يؤدي المعنى، وأكدّ المعنى الإيحائي للفظ بشرحه بين قوسين بقوله: «أي أنه يفتقد الذكاء».
__________
(1) اعتمد في هذا التحليل في المقام الأول على شرح الحافظ ابن حجر، واستأنس بشرح كل من الإمام النووي، والقاضي عياض، والحافظ السيوطي.(12/40)
4 ... تِهَامَةَ ... البعد البيئي: تهامة بلاد حارة في غالب الزمان، وليس فيها ريح باردة، فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكناً فيطيب الليل لأهلها بالنسبة إلى ما كانوا فيه من أذى حر النهار. ... Tihama ... Tihama ... Tihama (the night of Hijaz and Mecca) ... لم يلتفت أيّ من المترجمين إلى هذا البعد الجغرافي وما هو معروف عن هذه المنطقة، ربما لأن المقصود منها مشروح فيما بعدها.
إلا أن صدّيقي أضاف بين قوسين أن تهامة هي: «الحجاز ومكة»، وبغض النظر عن دقة هذا التعريف فإن من شأنه أن يفيد القارئ يوجه ذهنه ويقربه أكثر من المقصود.
5 ... إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ... البيئة الحيوانية: الفهد وماله من صفات كثرة النوم والتراخي، والأسد وماله من الشجاعة. ... like a leopard when he comes in and a lion when he goes out ... when entering (the house) is a leopard, and when going out, is a lion ... (like) a leopard as he enters the house, and behaves like a lion when he gets out ... تفاوت مترجمونا في تعاملهم مع هذه العاصر الثقافية:
تقويم جماعي: دعة الرجل في بيته، واستئساده بين الناس. ... *She compares her husband with a leopard which is well-known for being shy, harmless and fond of much sleep. She compares him with a lion when he is out for fighting. Besides, he does not interfere in the home affairs, e.g. he does not ask her how much she has spent, nor does he criticize any fault he may notice. ... * He enjoys sound sleep like a leopard and remains indifferent to the affairs of his wife and family. ... فنجد أن بيولي قدمت ترجمة حرفية ولم تخدم القارئ ليفهم المعنى بأي شكل من الأشكال.
بينما قام خان بإضافة حاشية مطولة يوضح فيها المعنى المراد وجَلّى أباعده.(12/41)
أما صدّيقي فقد وضح المراد في حاشية، إلا أنه حمل كلام المرأة على الذم، ولا أعلم من أين أتي بهذه القراءة إلا أن الذهن ينصرف إلى شراح الحديث الذين اعتمد المترجم عليهم، وهو كثيراً ما يحيل إلى كتاب «فتح الملهم» لشبير أحمد عثماني وهو شرح لصحيح مسلم بالأردية.
6 ... وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ ... تقويم جماعي: أكثرت العرب من وصف الكرماء والسادة بالتغافل والحياء في بيوتها وأنديتها. ... He does not ask about the state of things ... He does not ask about whatever is in the house ... he does not ask about that which he leaves in the house ... هذه تلحق ما جاء في (5) إذ إن الحاشية مشتركة.
7 ... إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ ... تقويم جماعي: العرب تذم بالإكثار من الطعام والشراب والتخليط فيه. ... If my husband eats, he eats too much and leaves nothing. If he drinks, he leaves nothing ... If my husband eats. he eats too much (leaving the dishes empty), and if he drinks he leaves nothing ... he eats so much that nothing is left back and when he drinks he drinks that no drop is left behind ... وفّق مترجمونا جميعهم في نقل المعنى المراد وتوضيح ذم الإكثار من الأكل والشرب، وربما هذه من المذمومات في جميع الثقافات.
8 ... الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ ... أدوات: الزرنب نبت طيّب الرائحة تتخذه العرب طِيْباً. ... غفلت عن ترجمتها ... soft to touch like a rabbit and smells like a Zarnab (a kind of good smelling grass) ... as sweet as the sweet-smelling plant, and as soft as the softness of the hare ... فيما يخص الزرنب، فبينما وضح كل من خان وصدّيقي معنى زرنب، إلا أنهما أغفلا ذكر أن العرب كانت تتخذه طيباً. وقد قام خان بذكر اسم هذه النبتة بالحروف اللاتينية، وهذا أوفق من اختيار صدّيقي الذي اكتفى بتعريفها بالمعنى.(12/42)
تقويم جماعي: عبّر بهذا اللفظ عن حسن عشرة الرجل. ولم يقصد بهذا المعنى الحرفي أي أنه ناعم الملمس طيب الرائحة، فبيئتهم لا تعزز لا هذا ولا ذاك، وثقافتهم تنبذ الرجل الناعم. ... *He possesses fine qualities of both body and mind. ... وفيما يخص البعد الاجتماعي في تحبيذ العرب للخشونة وذمهم، لم يفطن إليه أي من المترجميْن بل أكدا على أن "مسّ الأرنب" هنا يعني نعومة الجسد، أي حملاه على المعنى الحرفي لا على كنايته عن حسن المعشر.
9 ... زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِ ... المسكن: بيوت الوبر، وأعمدتها. ... has a high position, with a long sword strap (because of his height). He leaves abundant ashes and his house is close to the central gathering ... a tall generous man wearing a long strap for carrying his sword. His ashes are abundant and his house is near to the people who would easily consult him. ... the master of a lofty building, long-statured, having heaps of ashes (at his door) and his house is near the meeting place and the inn ... تفاوت المترجمون في نقل هذه العناصر، إلا أنهم اتفقوا في حمل الكلام على المعنى، وبذلك طوّعوا العناصر الثقافية المكنيّ عنها في قول هذه المرأة. وقد تفاوتوا في نقل المعنى المراد.
الأدوات: نجاد السيف (حمّالته). ... * He is noble and brave. ... *He is very warm and hospitable and the fire always burns in his kitchen. ... ألا أن إحدى هذه الكنايات كانت أكثر إشكالاً من غيرها النقل بالمعنى العام وهي: "عظيم الرماد"، لذا تعاملوا معها حرفياً وعلّق عليها كل من خان وصديقي وبينا وجهة نظرهما من معناها. بينما أغفلت ذكر ذلك بيولي كلّية.(12/43)
الأدوات: إنضاج الطعام على الحطب. ... **He is so generous that he always makes fires for his guests to entertain them, and hence, the abundant ashes he has at home. ... **He is also the chief and is always busy in entertaining guest.
مؤسسة اجتماعية: النادي. ... ***He lives near the people so that he is always at hand to solve their problems and help them in hardships and give them good advice.
تقويم جماعي: الكرم وهو خُلّة محمودة عند العرب، ويكنى عنه بطول أعمدة البيت ليكون بارزاً يراه الزائر ويعرف كرم أهله بهذه العلامة، وبعظم الرماد والنار التي لا تنطفئ ليلاً ولا نهاراً ليراها الضيوف ويتجهوا صوبها، وقرب البيت من النادي تدل على موضع الرجل وكرمه، إذ الضيوف يتجهون عادة إلى النادي قبل غيره من البيوت، وكلما قرب البيت منه كان مظنة أن يقصدوه.
الطول: العرب تمتدح بالطول وتذم القصر
10 ... وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ ... بعد مقامي: استفهام يقصد به، التعظيم من قدر المتحدَّث عنه. ... What can be said [about] Malik? ... and what is Malik? ... and how fine Malik is ... عمد كل من بيولي وخان إلى ترجمة هذه السؤال إلى صيغة سؤال إلى الإنكليزية، وقد يُدرك القارئ المعنى المقامي، بحكم السياق، إلا أنه كان الأولى بهما أن يفعلا كما فعل صدّيقي بتأكيده على المعنى المقامي وإغفال صيغة السؤال كلّية.(12/44)
11 ... إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ ... بيئة حيوانية: الإبل، ومباركها ومسارحها. ... camels, most of which are kept in pens while only a few are sent to graze. When they hear the sound of the lute ... camels are kept at home (ready to be slaughtered for the guests) and only a few are taken to the pastures. When the camels hear the sound of the lute (or the tambourine) they realize that they are going to be slaughtered for the guests. ... He has many folds of his camel, more in number than the pastures for them. When they (the camels) hear the sound of music ... تفاوت المترجمون في هذه: فكانت عائشة بيولي حرفية، ولم تشر إلى أي من العناصر الثقافية في حديث هذه المرأة. بينما أدخل خان شيئاً من الإيضاح في متن النص، بالإشارة إلى أن الإبل سيذبحن للضيف.
أدوات: المزهر، آلة عزف وبضرب عليها احتفاءً بالضيف. ... *Camels are always slaughtered in his guest house, and, therefore, he does not require as many pastures to graze his camels as the folds to keep them. ... إلا أنه لم يفعل كما فعل صدّيقي في إدراج حاشية ذكر فيها عادة العرب في إكرام الضيف بالمعازف، ومن هذا جاءت معرفة الإبل بأنهن هوالك إذا سمعن العزف.
تقويم جماعي: الكرم يكنى عنه بكثرة مبارك الإبل وقلة مسارحها أي حضورها الدائم واستعداد الرجل الدائم لإكرام الضيف. ... **In old Arab society there could have been no idea of feast without dance and music, so when the camels heard the music they came to know of the feast being held and were thus sure that they would be slaughtered and their meat would be served to the guests.(12/45)
12 ... أَهْلِ غُنَيْمَةٍ ... بيئة حيوانية: الغنم. ... a people of a few sheep ... my family who were mere owners of sheep ... among the shepherds living in the side of the mountain ... تنبه المترجمون إلى المعنى المضاف والذي رمت إليه القائلة بتصغير الغنم لتحقير أمرها وظهر هذا في ترجماتهم.
تقويم جماعي: العرب لا تعتدّ بأصحاب الغنم، وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل. ولذا نرى القائلة تُصغّر لفظ غنيمة تقليلاً من قدرها. ... * "I was an insignificant woman, without any means". ... إلا أن المثير للاهتمام من الناحية الثقافية أنهم لجؤا إلى كلمة sheep وهي تعني ضأناً، وهذا في زعمي يأتي من باب التطويع الثقافي لأن في الثقافة الإنكليزية الرعي مرتبط بالضأن على نحو ألصق، وتقرب الصورة بذلك في أذهانهم على نحو أقرب.
13 ... مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ ... مضجعة كمسل شطبة: كناية عن قلة اللحم، وخفة الجسم. ... His bed is like a narrow unsheathed sword and the shoulder of a lamb satisfies him ... His bed is as narrow as an unsheathed sword and an arm of a kid (of four months) satisfies his hunger ... his bed is as soft as a green palm-stick drawn forth from its bark, or like a sword drawn forth from its scabbard, and whom just an arm of a lamb is enough to satiate ... اتفق كل من بيولي وخان في ترجمتهما، وأضاف خان حاشية يوضح فيها المراد ولكن حاشيته لا تُجلي للقارئ وجه المدح في هذا الوصف بل على العكس قد يفهم منها أنه رجل مريض مصاب بالهزال ولا يشتهي الطعام.(12/46)
بيئة حيوانية: الجفرة: الأنثى من أولاد المعز. ... *He was a slender man who ate little. ... وأبعد صديقي النجعة في أن في تشبيه مضجع ابن أبي زرع بمسل الشطبة، دلالة على نعومة مضجعه، بل نجده أورد في متن الترجمة معنيا "المسل" وهما جريد النخل المستل منها، والسيف المسلول من غمده، ويضطرب معنى الترجمة إذ لا يمكن التوفيق بين وجه تشبيه المضجع بهما. وهذا ينبئ عن خلل في مرحلة تحليل النص قبل الشروع في ترجمته.
تقويم جماعي: العرب تمدح الرجل بأنه مُهفف خفيف اللحم، قليل الأكل.
14 ... وَمِلْءُ كِسَائِهَا ... حكم جماعي: ترى العرب أن امتلاء الجسم من صفات المرأة الجميلة ... She fills out her garment ... She has a fat well-built body ... wearing sufficient flesh ... وفق المترجمون جميعاً في التنبه للمعنى المضاف وهو أن صفة الامتلاء صفة محببة ولذا نقل كل منهم هذا المعنى بطريقته.
15 ... َالأوْطَابُ ... أدوات: وعاء يمخض اللبن لاستخراج الزبد. ومخض اللبن يكون في الصباح الباكر. ... when the butter was being churned ... when the milk was being milked from the animals ... when the milk was churned in the vessels ... تحاشت بولي ذكر الأوعية التي يمخض فيها اللبن لاستخراج الزبد منه، واكتفت بذكر فعل مخض اللبن، بينما لم يفعل خان لا هذا ولا ذاك وفسر هذا القول بفعل الحلب. أما صديقي فقد اهتدى لذكرهما جميعاً.
وعلى أي فإن أياً من المترجمين لم يذكر فائدة ذكر أم زرع لهذا التفصيل في روايتها، وهي للتنبيه على أن الوقت كان باكراً.(12/47)
16 ... مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ ... حكم جماعي: وصف الغلامين بأنها فهدان يدل على اعتدال خلقهما واشتداد جسميهما، وفي هذا تنبيه على سبب تزوج أبي زرع إياها لأن العرب كانت ترغب في المرأة التي تنجب، ولا يحبون العقيم. ... two sons like leopards ... two sons like two leopards ... two children like leopards ... تشابهت الترجمات جميعها كثيراً، وهي حرفية لا تعطي القارئ صورة واضحة عن أبعاد الحديث الثقافية.
17 ... رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ... بيئة حيوانية: الشرّي: هو الفرس الفائق الخيار. ... a fast, tireless horse and a spear of al-Khatt ... ride a fast tireless horse and keep a spear in his hand ... expert rider, and a fine archer ... فيما يخص لفظ "شرّي" فقد تمكن كل من الهلالي وخان من نقل معناه بطريقة تؤدي الحكم الاجتماعي عليه.
أدوات: الخطّي: الرمح منسوب إلى الخطّ، وهي قرية على ساحل البحر عند عمان والبحرين، وهو من جيّد الرماح. ... وأما "خطياً" فقد ترجمتها بيولي صوتياً ورسمتها بالحرف اللاتيني ولكنها لم تعطِ أي معلومة خلفية توضح المعنى المراد وقيمة هذا الرمح عند العرب، وترجمه خان بالمعنى وأخفق أيضاً في إعطاء قرائه القيمة الاجتماعية للرمح الخطي.
حكم جماعي: صفة فرس الرجل ونوع سيفه تدلان على مكانته العالية. ... وفي المقابل قام صدّيقي بجعل هذه العناصر صفات للزوج المتحدث عنه، فهو عنده فارس خبير، ورامي سهام مسدّد.
جدول رقم (3) تحليل تفصيلي للعناصر الثقافية في حديث أم زرع، وترجماته
ثالثاً: رأي مجمل في التحليل التفصيلي للعناصر الثقافية في حديث أم زرع وترجماته:(12/48)
ليست الإشارات والعناصر الثقافية في حديث أم زرع على حد سواء من حيث الأهمية في فهم النص، ومن هذا أيضاً أن بعض هذه الإشارات كانت أظهر من البعض الآخر وأجلى، ولعل كثرة الإشارات الثقافية وتغلغلها في النص تجعل من مهمة المترجم صعبة وتربكه خاصة إذا لم يطوّر منهجية محددة في التعامل معها، ولم يشبع النص تحليلاً، ولطبيعة هذا النص وكثرة الإشارات الثقافية فيه نجد أن مقدار الخسارة فيما يتعلق بموضوع البحث – أي العناصر الثقافية في النص- كبير إلى حد ما، وبخاصة أن المترجمين لم تظهر لهم منهجية محددة واضحة المعالم في التعامل معها، وقد تفاوتوا في ذلك بين ترجمة بالمعنى لا اللفظ، واللجوء إلى الحواشي والأقواس الاعتراضية في متن النص، أو بدمج العنصر الثقافي كلية في النص، أو حمله على سياقه (وسباقه).
ولعل إغفال العناصر الثقافية والاستخفاف في التعامل معها لا يخدم غرض الترجمة من وجهين: فمن وجه يخاطر المترجمون بهذا في ألا تصل رسالة النص واضحة ودقيقة للقراء، وفي هذا إخلال بواجب تبليغ الدعوة، ومن وجه آخر فإن هذا يعطي انطباعاً عاماً لدى القارئ عن النص مغايراً لانطباع قارئ النص الأصل بلغته العربية، والخطر يكمن في أن يخرج قارئ الترجمة بقراءة سلبية عن النص، وهذا ما لا نريده لترجمة لنصوص ثاني مصدر من مصادر التشريع.(12/49)
وأرجو أن أكون قد وفِّقت فيما سبق إلى إظهار أهمية محو الأمية الثقافية في الترجمة، وبيّنت الأمر ودللت عليه، بما من شأنه أن يثير لدى القارئ تساؤلاً عن طرق التعامل مع العناصر الثقافية في النص، وفي رأيي كما هو رأي الكثير، فإن إدراك المشكلة ومعرفة تبعاتها، هي أولى الخطوات نحو إيجاد الحل المناسب، وهذا الذي آمل أنني بيّنته، ثم تأتي بعد ذلك طريقة معالجة هذه المشكلة، وهذا هو ما أخصص له المبحث التالي (1) .
المبحث الخامس: في كيفية التعامل مع العناصر الثقافية وطرق ترجمتها
بداية أنبه هنا على أمور لا يسع من يتصدى للترجمة الجهل بها، وهي:
أولاً: الطبيعة الحساسة (2)
__________
(1) لعل القارئ يتنبه على أن المقصود في هذا المبحث هم المترجمون في المقام الأول، أي ثنائيي اللغة والثقافة، وعليه فإنني أخصهم بالحديث فيما يأتي، وأضع بين أيديهم بعض مصطلحات دراسات الترجمة، رغبة في زيادة وعيهم النقدي من جهة، ومن جهة أخرى ليسهل عليهم تتبعها في مظانها إن أردوا الاستزادة.
(2) للمزيد عن النصوص ذات الحساسية، وطريقة التعامل معها في الترجمة انظر:
? ... Simms, K. (ed.) (1997) Translating Sensitive Texts: Linguistic Aspects. Rodopi: Amsterdam.
? ... Nida, E (1997) “Translating a Text with a Long and Sensitive Tradition,” Translating Sensitive Texts: Linguistic Aspects. In K. Simms (ed.) Rodopi: Amsterdam.
? ... Long L. (2005) Translation and Religion: Holy Untranslatable. Multilingual Matters: Clevedon.(12/50)
لنصوص السنة النبوية المطهرة: فهي ثاني مصادر التشريع في الإسلام بعد كتاب الله العزيز، وهي وحي من عند الله تعالى، ومنها تستمد الأحكام والتشريعات. والنصوص المقدسة - على اختلاف الديانات- من أكثر النصوص حساسية، ولذا لا نبالغ إذا قلنا أن انتقالها بين الثقافات كان من المصادر الرئيسة لتطور نظرية الترجمة، فقد تحتّم على أصحاب الأديان أن يتعاملوا مع أسئلة تتعلق بالاختلافات اللغوية والثقافية بين الشعوب في سبيل نقل سليم للنص المقدس بين الحواجز اللغوية والثقافية، وهذه الاستراتيجيات تشكل جزءاً من تاريخ نظرية الترجمة، ولا تزال تثريها (1) ، إذ إن هذه النصوص ليست كغيرها من النصوص التي يتصدى لها المترجمون، فالمترجم يتعامل هنا مع وحدات معنوية أكبر وأبعد أثراً من المحتوى المعنوي للنص (propositional content) ففي هذه النصوص أكثر من مجرد الاتصال مع القارئ، ودوره يكون أكثر من مجرد ناقل للمعنى، وما يضع ضغوطاً كثيرة على المترجم تصديه للترجمة النصوص ذات الحساسية هو تعلّق النص بسياقه (text-in-context) علاقة لا يسع المترجم إغفالها، ولذا لزمه اتباع مبدأ توخي الدقة والحذر (greatest accuracy with least liability).
__________
(1) على سبيل المثال، المفارقة التي ابتدعها يوجين نايدا (Eugene Nida) بين التطابق الشكلي (formal equivalence) والتطابق الدينامي (dynamic equivalence)، أو ما اصطلح على تسميته اليوم بالتطابق الوظيفي (functional equivalence)، وما لها من تأثير كبير في تاريخ دراسات الترجمة الحديثة، نشأت من رغبة هذا المنظِّر في تطوير ترجمات «الكتاب المقدس».(12/51)
ثانياً: التواطؤ الثقافي (cultural overlap)، وفهم الثقافات لبعضها البعض: لعل من يتعامل مع اللغات يعي تماماً وجود مشكلات في توافر كلمات مناسبة في لغة ما تبدل بها كلمات من لغة أخرى، أي عدم وجود مقابلات مناسبة بين اللغات (non-equivalence among languages)، ومن هنا قد يظن البعض أن الترجمة أمر مستحيل (the dogma of untranslatability) (1) ، ومع هذا فإن الترجمة أمر واقع ويحدث كل يوم ولا غنى للناس عنها في تواصل بعضهم مع بعض. فكل ما يُعبّر عنه بلغة ما يمكن التعبير عنه بلغة أخرى، هذا مع الاعتراف بأن هناك معانيَ مضافة في الخطاب، تصعب ترجمته، وقد نخسرها في بعض الأحيان، ولكن يمكن التعويض عنها في أغلب الأوقات، وأكبر دليل على هذا هو عالمية الرسالة المحمدية، فقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أن قال: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» (2) ، ووجوب التبليغ وإلزاميته: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (المائدة: 67(، فمهمة المترجم تكمن في معرفة أفضل الطرق وأنجعها في تبليغ الرسالة وتخطي الحاجزين اللغوي والثقافي في سبيل ذلك.
ثالثاً: مراحل عملية الترجمة: على المترجم أن يعي أن عملية الترجمة تتكون من مرحلتين وهما: مرحلة التحليل (analysis)، ومرحلة البناء (synthesis) (3) ، ويمكن تمثل عملية الترجمة بيانياً كما يلي:
__________
(1) ولمعرفة تاريخ مفهوم «التطابق» ((equivalence في دراسات الترجمة، انظر:
? ... Kenny, D. (2001)"Equivalence". In Baker, M. Routledge Encyclopedia of Translation Studies. Routledge: London. Pp. 77-80.
(2) صحيح البخاري: 323.
(3) انظر المرجع التالي للمزيد عن مراجل الترجمة:
Bell, R. (1995) Translation and Translating. Longman: Essex.(12/52)
ففي المرحلة الأولى (وهي مرحلة التحليل): تتم دراسة النص الأصل للوصول إلى فهمه فهماً جيداً والتعرف على جميع أبعاده، وذلك بالاستعانة بمعينات المترجم وهي: الكتب الشارحة، والمعاجم والموسوعات، وذوو الاختصاص. وفي هذه المرحلة على المترجم أن يحدد معالم منهجه في الترجمة، وأن يقرر كيفية التعامل مع المشكلات التي قد تواجهه في الترجمة. وهذه المرحلة مهمة جداً في الترجمة ويجب عدم تخطيها من قبل المترجم وإلا فالترجمة الناتجة تكون قاصرة، بل قد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة. أما المرحلة الثانية (وهي مرحلة البناء): فتتم فيها ترجمة المعنى باستخدام كلمات اللغة المستقبلة وتراكيبها، في سياقها اللغوي والثقافي، وذلك أيضاً بالاستعانة بمعينات المترجم.
ويتعين على المترجم أن يكون واعياً بما ينصرف إليه المعنى في نقل كل كلمة من الحديث النبوي الشريف عند ترجمته، ومدركاً لكلا السياقين الثقافيين (cultural awareness) في النص الأصل وفي نص الترجمة، وأن يتعرف على مواطن الخسارة في عمله هذا وكيفية تعويضها (translation loss and compensation)، وعلى المترجم أن يكون متحلياً بالجلد وطول النفس في البحث والتقصي بغية الخروج بترجمة تفي بالغرض وتؤدي الأمانة، ومن هذا يتضح أن من يرى في المترجم مجرد ناقل مجانب للصواب، أي في تركيز هذا القول على نقل الأفكار من لغة لأخرى مع إغفال كثير من متطلبات الترجمة والحلول العديدة التي يوجدها المترجم ليؤدي عمله على أكمل وجه، والقرارات الكثيرة التي يتخذها في هذا الصدد.
خيارات التعامل مع ثقافة النص في الترجمة: بعون الله قمت بتقصي حلول التعامل مع ذوات الخصوصية الثقافية من عدد من المصادر (1) ،
__________
(1) وهي:
? ... Baker, M. (1992) In Other Words. Routledge: London. Pp. 26-42.
? ... Abdul-Raof, H. (2001) Qur'an Translation: Discourse, Texture and Exegesis. Curzon: Surrey. Pp. 140-173.
? ... Ivir, V. (1998) "Procedures and strategies for the translation of culture". In G. Toury, Translation Across cultures. Bahri Publications: New Delhi. Pp. 36-48.
? ... Dickins, J. et al (2002) Thinking Arabic Translation: A Course in Translation: Arabic to English. Routledge: London. 29-36.
? ... Barnwell, K. (1975 [2002]) Bible Translation: An Introductory Course in Translation Principles. Dallas: SIL International.(12/53)
وها هي مجملة، وملخّصة، إلا أنه وجب التنبيه على أن تؤخذ هذه الحلول على أنها مقترحات تأتي من باب الإرشاد والاستئناس لا الإلزام، لأن كل مهمة توكل إلى المترجم أو يتولاها هو بنفسه تختلف من حيث طبيعتها ومتطلباتها عن غيرها من المهام، وهذه الحلول أيضاً وطريقة طرحها هنا تخص العناصر الثقافية في المقام الأول، لا العناصر الدينية (كالمصطلحات الإسلامية فلهذه وضعها الخاص).
1- إضافة السياق (contextualization): ويكون هذا داخل النص، أي في المتن (within-the texts)، وخارجه أي في الحواشي (marginal notes)، ويضاف إلى هذا المقدمات، والمسارد (indexes). ففي النصوص التي تتطلب التركيز في الترجمة على أن فهم القارئ (accessibility and intelligibility)، فإن الخيار الأول للمترجم كونه مسهّلاً لعملية الاتصال (facilitator of communication) هو إضافة السياق ليعوِّض الفراغ في المحتوى المعنوي (semantic voids)، وبخاصة أن كان القراء المستهدفون (putative readership) لا تتوافر لديهم المصادر المعينة على الفهم والكتب الشارحة، فمن شأن الحواشي أن تجلّي اللبس وتقشع غشاوة الجهل، وقد ذكر كثير من منظّري دراسات الترجمة فوائد الحواشي وفصّلوا أوجه الترغيب في الاستعانة بها (1) ،
__________
(1) انظر المصدر التالي للتعرف على المنظرين الذين قالوا بذلك ولتتبع كتاباتهم:
? ... Abdul-Raof, H. (2001) Qur'an Translation: Discourse, Texture and Exegesis. Curzon: Surrey. P. 140.(12/54)
ولكن يجب التنبيه هنا على عدة أمور تراعى في الحواشي، وهي: أن تكون ضرورية لا غنى عنها في فهم النص؛ وأن تكون الحاشية مناسبة لما جاء في المتن دون إطالة وتشعّب لا يخدم فهم النص، إذ هذا من شأنه أن يكثر على القراء ويشتت أفكارهم؛ وأن يكون كل ما يُؤتي به في الحواشي صحيح وسليم علمياً. وقد يستغني المترجم بمسردٍ أو مساردٍ يضعها في آخر الكتاب، يوضح فيها معاني المفاهيم والعناصر الثقافية الواردة في الترجمة، وحتى في هذه فعلى المترجم أن يُعرّف قرائه بمقصود ما يضعه فيها على نحو يخدم الغرض الذي وُظِّفت في متن النص من أجله، وأن يقصرها على ما يكثر تكراره. وأما الإيضاحات داخل النص أي بين أقواس اعتراضية فيجب قصرها على ما لا يُفهم النص من دونه نزولاً عند متطلبات اللغة المستقبلة، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب المعنوي منها لا الجانب البنيوي الصرف.
2- استعارة اللفظ (cultural borrowing)كما هو، ونقحرته (transliteration) بحرف اللغة المستقبلة: وهذا الحل كثيراً ما يلجأ إليه المترجمون، ويفيد هذا الحل في تأكيد المحتوى الثقافي ونقله كما هو، وبخاصة إذا ما قرنت نقحرة اللفظ بتعريف له، وعلى أي فلهذا الحل محاذيره وتنبيهاته، وهي: عدم الإكثار من هذا الحل واللجوء إليه عند عدم وجود مطابق في اللغة المستقبلة؛ وأن يُقرن بتعريف يحدد معناه بدقة؛ وأن يُتنَّبه لجميع أبعاد هذا اللفظ والمعاني الإيحائية التي قد يكون اكتسبها أو سيكتسبها في اللغة المستقبلة؛ ويفضّل أن يُقصر هذا الخيار على العناصر المحورية ذات الأهمية في فهم النص، وعلى المترجم أن يعي أن اللجوء إلى هذا الحل يكون في المواضع التي تتطلب فهم المصطلح نفسه وتركز عليه.(12/55)
3- إبدال اللفظ بلفظ مقارب في اللغة المستقبلة (substitution): وأغلب ما يكون هذا في حالات التواطؤ الثقافي، إذ قد يكون العنصر المراد ترجمته غير معروف تماماً لدى أهل اللغة المستقبلة، ولكن قد يكون لديهم مسمى مشابه له، لا يتطابق معه في المعنى تماماً، ولكن يقابله في أمور. ومن فوائد هذا الحل أنه يضمن الشفافية اللغوية والثقافية، مما يسهّل على القارئ. وعلى المترجم أن يبني قراره على تحليل مستفيض للغرض الاتصالي (communicative function) من العنصر المراد ترجمته، ويكون الإبدال ممكناً عندما يكون العنصر الثقافي ثانوياً، وليس محورياً للرسالة، وعلى التنبه إلى أي شذوذ في المعنى ومحاولة تلافيه.
4- الوصف والإيضاح (and explanation description): ونخص به هنا ما يكون في المتن، وعادة ما يقرن هذا الحل بالحل رقم (2) أعلاه، وهو استعارة اللفظ، إلا أن هذا لا يلزم، وكما في (3) أعلاه فإن على المترجم أن يراعي مقدار أهمية العنصر الثقافي في مقامه، ومن المهم أن يتنبه المترجم على أن قصر الوصف في المتن على ما يعطي المعنى المباشر دون إسهاب، وأما المعلومات في الحاشية فتكون مناسبة للمقام دون إطالة، تخرج المعنى عن نطاقه، فمن المساوئ التي عادة ما تلصق بهذا الحل هو الإطالة والتأثير على سلاسة الترجمة، فعلى المترجم أن يضع الوصف في سياقه بحيث لا يؤثر كثيراً في انسياب الحديث، ويشتت ذهن القارئ عن المعنى العام.
هذه هي أبرز الطرق للتعامل مع ذوات الخصوصية الثقافية في الترجمة، ويمكن الجمع بينها وبخاصة الحلول من 2-4، إلا أن هذا فيه تأكيد على العنصر، ولا يستخدم إلا في الحالات التي يكون فيها العنصر الثقافي ذا أهمية محورية في النص المترجم، وأي إهمال في التعامل معه قد يتسبب في إخلال بالمعنى العام للنص. وهناك طريقتان أخريان من المفيد التعرف عليهما:(12/56)
5- إضافة ما من شأنه أن يعزز المعنى: فكان من الممكن إبراز المعنى الإيحائي السلبي للفظ «عشنّق» الذي أرادته المتحدثة في حديث أم زرع، بما يعزز هذه القراءة عند متلقي الترجمة، إذ لا يوجد لفظ واحد في الإنكليزية الفصحى يعبّر عن الطول المذموم، فكان من الممكن ذكر المقابل المعجمي للطول بالإنكليزية، وإضافة صفة تفيد الإيحاء الذي أرادته المتحدثة.
6- التمثيل بما له معنى أكثر تحديداً: إذا لم يكن في اللغة المستقبلة ما تعبّر به عن شيء ما تحديداً، فيمكن ترجمة هذا الشيء وإعطاء أمثلة خاصة تدل عليه، ويقرن هذا الحل مع الحلول المذكورة.
واستيعاباً للموضوع من جميع أبعاده، لا يفوتني هنا أن أنبه على أن حالات ذوات الخصوصية الثقافية (1) ، مع بعض التوجيهات حول التعامل معها، مما له علاقة وثيقة بالحلول المقترحة:
1- ألفاظ غير معروفة في اللغة المستقبلة، كلفظ «عقيقة»: وهي واضحة يسهل على المترجم التنبه لها، وتطبق عليها الحلول المقترحة.
2- ألفاظ متطابقة من حيث الدلالة، مثل «بخور» (incense) في الإنكليزية: ويمكن ترجمتها مباشرة، بعد التأكد من مناسبة الترجمة المباشرة دون التنبيه.
__________
(1) الأمثلة سيقت من باب التوضيح، ولا تختص بذوات الخصوصية الثقافية تحديداً ولكن يسري عليها الحكم ذاته.(12/57)
3- ألفاظ مشتركة بين اللغتين، ولكن تختلفان من حيث نظرة أصحاب كل لغة لها، نحو لفظ «محرَم» (chaperon) في الإنكليزية، و «الرُّقى والتمائم» (amulets) في الإنكليزية: ففي هذه الحالة على المترجم أن يسأل: ما هو التصور الذهني المتصل باللفظ عند أهل الثقافتين كل على حدة؟ وما هي المعاني التي تطبّق على هذا اللفظ؟ بحيث تنظر كل منهما بنظرة مختلفة إلى العنصر نفسه رغم تطابقه المعنوي الظاهر، وهذا ما يعرف بالأصدقاء غير الأوفياء (false friends, false cognates)، وهي أحدى الحلول الجاهزة التي يلجأ لها كثير من المترجمين، إلا أن عليهم توخي الحذر، ويمكن توضيح المعنى المراد تماماً وجلو اللبس بالاستعانة بالحلول المقترحة.
4- ألفاظ تحمل معنيين لغوي واصطلاحي مثل «المِرْباع»، وهو ما يفرض لسيد القوم من الفيء، ونسبته الربع منه، فعزز اللفظُ المستخدم المفهومَ الذي اصطلح العرب بتسميته به، ويمكن في هذه الحالة أن يترجم اللفظ بلفظ يقابله في اللغة المستقبلة، مع إضافة تعريف يجلّي معناه الاصطلاحي.(12/58)
5- ألفاظ تم استيعابها في اللغة المستقبلة بإزاحة القاعدة المعنوية (semantic base) لألفاظ في اللغة المستقبلة أو توسيعها لتشمل المعاني المرادة من اللفظ الأصل، وهذا يكون عادة بكثرة استخدام هذا اللفظ في اللغة المستقبلة وتطبيقه على المراد منه في لغته الأصل، ففي الفارسية ألفاظ مثل «نماز» (صلاة)، و «دَرود» (الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - )، و «دوْزخ» (جهنّم)، و «فَرِشته» (مَلَك)، وهي في أصلها مأخوذة من مفاهيم تختص بها الديانة الزردشتية (المجوسية)، ولكن عند دخول الفرس في الإسلام فُرّغت هذه الألفاظ من معانيها وإيحاءاتها وطبّقت تماماً على المعاني الإسلامية للألفاظ المقابلة لها، وهذا يحصل في حال أن اللفظ تم استيعابه وتوطينه تماماً في للغة المستقبلة، وتتطابق الألفاظ من حيث المعاني المعجمية والإيحائية، فهذه تترجم مباشرة في الغالب.
6- ومن هذا ألفاظ تم توطينها ولكن دون تطابق تام من حيث المعنى المعجمي من جهة والمعنى الإيحائي من جهة أخرى، فكلمة «جهاد» وطِّنت في الإنكليزية (jihad) وأخذ منها المعني الخاصة بقتال غير المسلمين دون غيرها من المعاني الخاصة بهذا المصطلح الواسع، وحُمِّلت بكثير من المعاني الإيحائية السلبية. و «الحور» (huris) في اللغة الإسبانية – وهي كلمة موطنة تماماً في هذه اللغة- تعني أولئك النسوة مناط الشهوة في الجنة التي يقتل المسلمون أنفسهم من أجلهن, وهذا النوع من الألفاظ هو من أكثرها إشكالاً على المترجم، وعليه دراستها ودراسة أبعادها بدقة قبل أن يطبّق عليها أياً من الحلول المقترحة.(12/59)
ومما سبق يظهر أنه لا توجد طريقة واحدة للتعامل مع ذوات الخصوصية الثقافية، يمكن تعميمها في جميع المواقف الاتصالية (communicative situations)، ولا قرار عام واحد يتخذ في جميع الحالات، ولا يوجد لحل واحد لنوع معين من العناصر الثقافية يلجأ إليه المترجم في جميع الحالات التي يواجه فيها هذا العنصر أو ذاك، وعلى المترجم أن ينظر إلى كل حالة على حدة فترجمة سنن ابن ماجة – مثلاً - مشروع ضخم، يرجع الناس إليه على مدى أعوام عديدة، وتتوافر للمترجم المساحة الكافية ليستفيد من الحلول المتاحة التي من شأنها أن تردم الهوة الثقافية وتساعد على محو الأمية الثقافية، يختلف تماماً عن مهمة ترجمة مطوية صغيرة في أربعة أوجه يُكلّف المترجم بإتمامها في وقت محدد، ويستفاد منها في مناسبة معينة ثم يُستغنى عنها، ويرد فيها ذكر بعض العناصر الثقافية، ولذا على المترجم أن يكون واعياً بقراراته التي يتخذها وأن تكون مناسبة للعمل الذي بين يديه. وعلى المترجم أن يعي في المقام الأول مناسبة قراره للمقام، وأن تكون رسالة الترجمة مفهومة. ... ... ...
تم بحمد الله
ملحق رقم (1)
مسرد ببعض المصطلحات المتعلقة بالثقافة في الترجمة المستخدمة في دراسات الترجمة، فمن المهم أن يستوعب المترجم هذه المصطلحات وتبنيها لتكون هي العدة التي نستخدمها في تحليل النصوص تفهم العلاقة بين الترجمة والثقافة على نحو أدق:
المصطلح وتعريفه ... المصطلح باللغة الإنكليزية
الإرث الثقافي: مجموع الثقافة التي يرثها المجتمع الثقافي، بما فيها من مفردات وعناصر ثقافية. ... Cultural heritage
المفردة الثقافية، أو العنصر الثقافي: وهي العناصر أو الوحدات ألتي يتكون منها مجموع الثقافة. ... Cultural entity (item)(12/60)
عدم التوافق الثقافي: يحدث هذا أكثر بين الثقافات ذوات الموروث الثقافي المتباين، وغير مشترك، مثل العربية والإنكليزية، بينما هناك توافق ثقافي أكبر بين اللغتين العربية والأردية أو العربية والفارسية مثلاً فالاختلافات الثقافية ... Cultural incompatibility
الفجوة الثقافية (أو الفراغ الثقافي): وهي أن لا توجد في إرث ثقافي ما مقابل مطابق لمفردة ثقافية في ثقافة أخرى. ... Cultural gap (void)
التواطؤ الثقافي: وهو عكس الفجوة الثقافية حيث توجد مفردة واحدة في ثقافتين متباينتين. ... Cultural overlap
المرشِّح الثقافي: وهي جميع العوامل التي تؤثر في الفرد، ورؤيته للأشياء، وطريقة تعامله معها، وهذه عادة ما تأتي من موروث الفرد الثقافي. ... Cultural filter
السياق الثقافي: في الترجمة، هو الإطار العام الذي تكون فيه النصوص، وتكون علاقة النصوص به وثيقة جداً، وتأثيره فيها لا يمكن إغفاله. ... Context of culture
الإشارات الثقافية: هي كل ما يرد في النص ويشي بالثقافة، ويجليها. ... Cultural references
التسييق (من إضافة السياق): وهي إستراتيجية تعتمد على أخذ السياق الثقافي في الاعتبار عند الترجمة. ... Contextualization (translation strategy: taking context on board).
المعنى الإيحائي: وهو المعنى أو المعاني الإيحائية التي تلصق بالوحدة الثقافية وتضاف إليها من خلال تعامل المجتمع الثقافي معها. ... Connotative meaning
الإقحام الثقافي: وهي استعارة مفردة ثقافية من ثقافة أخرى من خلال الترجمة، وعادة ما يكون قرار استعارتها خاطئ. ... Calque
الأصدقاء غير الأوفياء: وهي الوحدات الثقافية (الألفاظ) التي تبدو متطابقة، وهي في حقيقة الأمر غير ذلك. ... False friends (cognates)
الاستعارة الثقافية: وهي استعارة مفردة ثقافية، وبعكس الإقحام الثقافي فإن القرار قد لا يكون خاطئ بالضرورة. ... Cultural borrowing(12/61)
التناقل الثقافي: وهي حالة عامة يحدث فيها اتصال بين ثقافتين، وتنقل إحداهما عناصر الثقافة الأخرى. ... Cultural interference
الفرض الثقافي: وهو مسمى عام لكيفية التعامل مع العناصر الثقافية في الترجمة من طرق تنطوي على نقل العناصر بين الثقافات وعدم إغفالها. ... Cultural transposition
ما بين الثقافات: وهو يختص بما يحدث من اتصال ونقل بين الثقافات. ... Intercultural; transcultural, cross-cultural (communication)
التثقيف (أو التثقُّف): أي التدرب في معرفة الثقافة، وهي تتطلب الكثير من الدربة والتعايش مع أهل الثقافة المراد دراستها. ... Enculturation
المقام الاتصالي: الموقف الاتصالي وأطرافه، والعوامل التي تدخل فيه، وما يحيط به من مؤثرات. ... Communication situation
الغرض (أو الهدف) الاتصالي: وهو الغرض الذي من أجله شرع المرسل في الاتصال. ... Communication purpose
ملحق رقم (2)
الترجمات الإنكليزية لحديث أم زرع المدروسة في هذا البحث:
1- ترجمة عائشة بيولي:(12/62)
It is related that 'A'isha said, "Eleven women sat and promised and agreed that they would not conceal anything about their husbands. The first said, 'My husband resembles the meat of an emaciated camel which is on the top of a mountain, where the way up is neither easy so that it can be climbed nor is the meat fat so that people would bother to transport it.' The second said, 'I do not have enough time to recount everything about my husband. I fear that I would not leave anything out if I mention him, but will mention all his faults, outward and hidden.' The third said, 'My husband is tall and of bad character. If I speak, he will divorce me. If I am silent, am left hanging.' The fourth said, 'My husband is like the night of Tihama, neither hot nor cold. I do not fear him nor am I annoyed with him." The fifth said, 'My husband is like a leopard when he comes in and a lion when he goes out. He does not ask about the state of things.' The sixth said, 'If my husband eats, he eats too much and leaves nothing. If he drinks, he leaves nothing. If he goes to sleep, he wraps himself in his garment apart from me and does not stretch his hands out to see how I am.' The seventh said, 'My husband is heavy in spirit or impotent and utterly stupid. He has every possible fault. He may injure you head or your body or both.' The eighth said, 'My husband has a high position, with a long sword strap (because of his height). He leaves abundant ashes and his house is close to the central gathering.' The tenth said, 'My husband is Malik. What can be said Malik? Malik is better than that.(12/63)
He has camels, most of which are kept in pens while only a few are sent to graze. When they hear the sound of the lute, they are certain that they will be slaughtered.'
"The eleventh said, 'My husband is Abu Zar'. What can be said about Abu Zar'? He has made my ears dangle with jewellery and filled out the flesh of my arms. He has delighted me and made me feel superior. He found me with a people of a few sheep in hardship and placed me in a family of horses and camels, oxen for ploughing and crops. When I speak, he does rebuke me. When I sleep, I sleep until morning. When I drink, I drink my fill.
"'The mother of Abu Zar'. What can be said about Abu Zar'? Her containers are huge and her house is spacious. The son of Abu Zar' What can be said about the son of Abu Zar'? His bed is like a narrow unsheathed sword and the shoulder of a lamb satisfies him. The daughter of Abu Zar'. What can be said about the daughter of Abu Zar'? She obeys her daughter and obeys her mother. She fills out her garment and infuriates her co-wife. The slavegirl of Abu Zar'. She does not gossip about what we say and does not waste our provisions. She does not fill our house with dishonesty."(12/64)
"She said, 'Abu Zar' went out when butter was being churned and he came across a woman who had two sons like leopards who were below her waist, playing with her breasts. He divorced me and married her. After him I married a noble man who rode a fast, tireless horse and a spear of al-Khatt. He gave me a lot of livestock and gave me a pair of every kind. He said, 'Eat, Umm Zar', and feed your family.' She said, 'If all that he gave were collected, it would not reach the smallest vessel of Abu Zar'.'"
'A'isha said, "The Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, said, 'I am to you as Abu Zar' was to Umm Zar'."
2- محمد محسن خان:(12/65)
Eleven women sat (at a place) and promised and contracted that they would not conceal anything of the news of their husbands. The first one said, "My husband is like the meat of a lean weak camel which is kept on the top of a mountain which is neither easy to climb, nor is the meat fat, so that one might put up with the trouble of fetching it." The second one said, "I shall not relate my husband's news, for I fear that I may not be able to finish his story, for if I describe him, I will mention all his defects and bad traits." The third one said, "My husband is a tall man; if I describe him (and he hears of that) he will divorce me, and if I keep quiet, he will neither divorce me nor treat me as a wife." The fourth one said, "My husband is a moderate person like the night of Tihama which is neither hot nor cold. I am neither afraid of him, nor am I discontented with him." The fifth one said, "My husband, when entering (the house) is a leopard, and when going out, is a lion. He does not ask about whatever is in the house." The sixth one said, "If my husband eats. he eats too much (leaving the dishes empty), and if he drinks he leaves nothing, and if he sleeps he sleeps alone (away from me) covered in garments and does not stretch his hands here and there so as to know how I fare (get along)." The seventh one said, "My husband is a wrong-doer or weak and foolish. All the defects are present in him. He may injure your head or your body or may do both." The eighth one said, "My husband is soft to touch like a rabbit and smells like a Zarnab (a kind of good smelling grass).(12/66)
" The ninth one said, "My husband is a tall generous man wearing a long strap for carrying his sword. His ashes are abundant and his house is near to the people who would easily consult him." The tenth one said, "My husband is Malik, and what is Malik? Malik is greater than whatever I say about him. (He is beyond and above all praises which can come to my mind). Most of his camels are kept at home (ready to be slaughtered for the guests) and only a few are taken to the pastures. When the camels hear the sound of the lute (or the tambourine) they realize that they are going to be slaughtered for the guests." The eleventh one said, "My husband is Abu Zar and what is Abu Zar (i.e., what should I say about him)? He has given me many ornaments and my ears are heavily loaded with them and my arms have become fat (i.e., I have become fat). And he has pleased me, and I have become so happy that I feel proud of myself. He found me with my family who were mere owners of sheep and living in poverty, and brought me to a respected family having horses and camels and threshing and purifying grain . Whatever I say, he does not rebuke or insult me. When I sleep, I sleep till late in the morning, and when I drink water (or milk), I drink my fill. The mother of Abu Zar and what may one say in praise of the mother of Abu Zar? Her saddle bags were always full of provision and her house was spacious. As for the son of Abu Zar, what may one say of the son of Abu Zar? His bed is as narrow as an unsheathed sword and an arm of a kid (of four months) satisfies his hunger.(12/67)
As for the daughter of Abu Zar, she is obedient to her father and to her mother. She has a fat well-built body and that arouses the jealousy of her husband's other wife. As for the (maid) slave girl of Abu Zar, what may one say of the (maid) slavegirl of Abu Zar? She does not uncover our secrets but keeps them, and does not waste our provisions and does not leave the rubbish scattered everywhere in our house." The eleventh lady added, "One day it so happened that Abu Zar went out at the time when the milk was being milked from the animals, and he saw a woman who had two sons like two leopards playing with her two breasts. (On seeing her) he divorced me and married her. Thereafter I married a noble man who used to ride a fast tireless horse and keep a spear in his hand. He gave me many things, and also a pair of every kind of livestock and said, 'Eat (of this), O Um Zar, and give provision to your relatives." She added, "Yet, all those things which my second husband gave me could not fill the smallest utensil of Abu Zar's." 'Aisha then said: Allah's Apostle said to me, "I am to you as Abu Zar was to his wife Um Zar."
3- عبد الحميد صدّيقي:
'A'isha reported that (one day) there sat together eleven women making an explicit promise amongst themselves that they would conceal nothing about their spouses. The first one said: My husband is a sort of the meat of a lean camel placed at the top of a hill, which it is difficult to climb up, nor (the meat) is good enough that one finds in oneself the urge to take it away (from the top of that mountain).(12/68)
The second one said: My husband (is so bad) that I am afraid I would not be able to describe his faults-both visible and invisible completely.
The third one said: My husband is a long-statured fellow (i. e. he lacks intelligence). If I give vent to my feelings about him, he would divorce me, and if I keep quiet I would be made to live in a state of suspense (neither completely abandoned by him nor entertained as wife).
The fourth one said: My husband is like the night of Tihama (the night of Hijaz and Mecca), neither too cold nor hot, neither there is any fear of him nor grief.
The fifth one said: My husband is (like) a leopard as he enters the house, and behaves like a lion when he gets out, and he does not ask about that which he leaves in the house.
The sixth one said: So far as my husband is concerned, he eats so much that nothing is left back and when he drinks he drinks that no drop is left behind. And when he lies down he wraps his body and does not touch me so that he may know my grief.
The seventh one said: My husband is heavy in spirit, having no brightness in him, impotent, suffering from all kinds of conceivable diseases, heaving such rough manners that he may break my head or wound my body, or may do both.
The eighth one said: My husband is as sweet as the sweet-smelling plant, and as soft as the softness of the hare.
The ninth one said: My husband is the master of a lofty building, long-statured, having heaps of ashes (at his door) and his house is near the meeting place and the inn.(12/69)
The tenth one said: My husband is Malik, and how fine Malik is, much above appreciation and praise (of mine). He has many folds of his camel, more in number than the pastures for them. When they (the camels) hear the sound of music they become sure that they are going to be slaughtered.(12/70)
The eleventh one said: My husband is Abu Zara'. How fine Abu Zara' is! He has suspended in my ears heavy ornaments and (fed me liberally) that my sinews and bones are covered with fat. So he made me happy. He found me among the shepherds living in the side of the mountain, and he made me the owner of the horses, camels and lands and heaps of grain and he finds no fault with me. I sleep and get up in the morning (at my own sweet will) and drink to my heart's content. The mother of Abu Zara', how fine is the mother of Abu Zara'! Her bundles are heavily packed (or receptacles in her house are filled to the brim) and the house quite spacious. So far as the son of Abu Zara' is concerned, his bed is as soft as a green palm-stick drawn forth from its bark, or like a sword drawn forth from its scabbard, and whom just an arm of a lamb is enough to satiate. So far as the daughter of Abu Zara' is concerned, how fine is the daughter of Abu Zara', obedient to her father, obedient to her mother, wearing sufficient flesh and a source of jealousy for her co-wife. As for the slave-girl of Abu Zara', how fine is she; she does not disclose our affairs to others (outside the four walls of the house). She does not remove our wheat, or provision, or take it forth, or squander it, but she preserves it faithfully (as a sacred trust). And she does not let the house fill with rubbish. One day Abu Zara' went out (of his house) when the milk was churned in the vessels, that he met a woman, having two children like leopards playing with her pomegranates (chest) under her vest.(12/71)
He divorced me (Umm Zara') and married that woman (whom Abu Zara') met on the way. I (Umm Zara') later on married another person, a chief, who was an expert rider, and a fine archer: he bestowed upon me many gifts and gave me one pair of every kind of animal and said: Umm Zara', make use of everything (you need) and send forth to your parents (but the fact) is that even if I combine all the gifts that he bestowed upon me, they stand no comparison to the least gift of Abu Zara'.
'A'isha reported that Allah's Messenger (may peace be upon him) said to me: I am for you as Abu Zara' was for Umm Zara'.
ثبت المصادر
أولاً: المصادر العربية:
1. ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
2. أحمد البنيان، وإبراهيم البلوي، ترجمة الألفاظ القرآنية بين التوطين والتغريب، مجلة أفشوت، مجلد 7، عدد1، 2003م.
3. أحمد بن تيمية، الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، تحقيق علي بن حسن الألمعي، دار الفضيلة، الرياض، 1424هـ.
4. بول فندلي، لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أميركا، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، بيروت، 2001م.
5. صلاح عبدالعزيز محجوب إدريس: ترجمة معاني القرآن الكريم في الأدب السرياني المسيحي: تاريخها، ونماذج منها، وتقويمها، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الثالث، السنة الثانية، المحرم 1428هـ، ص 231-269.
6. عبد الرحيم القدوائي (ترجمة د. وليد بن بليهش العمري): مقدمة في الاتجاهات المعاصرة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الأول، السنة الأولى، المحرم 1427هـ، ص 217-229.(12/72)
7. علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق والقرآن الكريم: مقدمة لرصد ورّاقي «ببليوجرافي»، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الثالث، السنة الثانية، المحرم 1428هـ، ص 195-229.
8. علي عبدالواحد وافي، اللغة والمجتمع، دار النهضة، القاهرة.
9. عبد الغفار حامد هلال، علم اللغة بين القديم والحديث، 1406هـ.
10. القاضي عياض، بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1395هـ.
11. محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، دار ابن كثير للطباعة، دمشق، 1414هـ.
12. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف، الترجمة بين الشكل والتفسير، مجلة جامعة الملك سعود للغات والترجمة، المجلد 16، 1424هـ، ص 55-100.
13. مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
14. وليد بن بليهش العمري، ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول: مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل، صدر ضمن «الأبحاث المستكتبة والمحكمة لندوة اللغات والترجمة: الواقع والمأمول»، التي نظمتها كلية اللغات والترجمة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الفترة 1-2 ربيع الأول 1426هـ، ص334-391.
ثانياً: المصادر الأجنبية:
15. Abdul-Raof, H. (2001) Qur'an Translation: Discourse, Texture and Exegesis. Curzon: Surrey.
16. Ali Shehata (2007), Demystifying Islam: Your Guide to the Most Misunderstood Religion of the 21st Century. Elysium River Press.
17. Baker, M. (1992) In Other Words. Routledge: London.
18. Baker, M. (1998) “Translation studies”. In M. Baker (ed.) Routledge Encyclopedia of Translation Studies. London: Routledge. Pp. 277-280.(12/73)
19. Barnwell, K. (1975 [2002]) Bible Translation: An Introductory Course in Translation Principles. SIL International: Dallas.
20. Bassnett, Susan & André Lefevere (eds.) (1991) Translation, History and Culture. Pinter Publishers Limited: London.
21. Bell, R. (1995) Translation and Translating. Longman: Essex.
22. Catford, J. C. (1965) A Linguistic Theory of Translation: An Essay in Applied Linguistics. Oxford University Press: Oxford.
23. Dickins, J. et al (2002) Thinking Arabic Translation: A Course in Translation: Arabic to English. Routledge: London.
24. Gutt, Ernst-August (1991) Translation and Relevance: Cognition and Context. Basil Blackwell: Oxford.
25. Gutt, Ernst-August, "Aspects of "Cultural Literacy" Relevant to Bible Translation", in Journal of Translation, vol. 2, no. 1, 2006, p. 4. (online translation journal: http://www.sil.org/siljot)
26. Halliday M.AK. and Hassan, R. (1985) Language, context and text: aspects of language in a social-semiotic perspective. Oxford University Press: Oxford.
27. Hill, H. (2006) The Bible at Cultural Crossroads: From Translation to Communication. St. Jerome Publishing: Manchester.
28. Hirsch, E. D. (1987) Cultural Literacy: What every American should know. Boston.
29. Holmes, J. (1998), “The name and nature of translation studies”. In G. Toury (ed.) Translation Across Cultures. New Delhi: Bahri Publications.
30. Hudson, R. A. (1980 [1996]) Sociolinguistics. Cambridge University Press: Cambridge.(12/74)
31. Ivir, V. (1998) "Procedures and strategies for the translation of culture". In G. Toury, Translation Across cultures. Bahri Publications: New Delhi.
32. Kenny, D. (2001)"Equivalence". In Baker, M. Routledge Encyclopedia of Translation Studies. Routledge: London. Pp. 77-80.
33. Kritzeck, J. (1964) Peter the Venerable and Islam. Princeton University Press: Princeton.
34. Long L. (2005) Translation and Religion: Holy Untranslatable. Multilingual Matters: Clevedon.
35. Martha P. Y. Cheung (2006) An Anthology of Chinese Discourse on Translation. Volume 1: From Earliest Times to the Buddhist Project. St Jerome: Manchester.
36. Morteza Karimi-Nia (2006) “Studies on Quran Translation in European Languages: A Bibliography”, Tarjuman-e Wahy, vol. 9, no. 2, Autumn-Winter 2006, issue 18.
37. Nida, E (1997) “Translating a Text with a Long and Sensitive Tradition,” Translating Sensitive Texts: Linguistic Aspects. In K. Simms (ed.) Rodopi: Amsterdam.
38. S. Faiq (ed.) (2000), Cultural Encounters in Translating from Arabic. Multilingual Matters: Clevedon.
39. Simms, K. (ed.) (1997) Translating Sensitive Texts: Linguistic Aspects. Rodopi: Amsterdam.
40. Southern, R. W. (1962) Western Views of Islam in the Middle Ages. Harvard University Press: Harvard.
41. Talman, H. "Islam, Once a Hopeless Frontier, Now? Comprehensive Contextualization". In International Journal of frontier Missions, 21:1, Spring 2004.
42. Tymoczko, M & Gentzler, E (2002) Translation and Power. University of Massachusetts Press: Massachusetts.(12/75)
ترجمة الدكتور وليد بن بليهش العمري
المملكة العربية السعودية
المدينة المنورة
ص ب 20476
جوال: 0505304249
عمل/فاكس: 048615600 (تح 1810)
waleed@talk21.com
الشهادات والمؤهلات
2002 ... مُنحت درجة الدكتوراه من جامعة يومست بمانشستر (جامعة مانشستر حالياً) في بريطانيا. وعنوان الأطروحة هو: السيميائيات الثقافية ودراسات الترجمة: تطبيقات نموذج سيميائي ثقافي مقترح في تحليل التقارير الإخبارية في الصحف العربية والبريطانية. وعنوان الأطروحة باللغة الإنكليزية هو:
Social Semiotics for Translation: Applications of a Proposed Social Semiotic Model in the Analysis of a Corpus of Hard News Reports in Arab and British Newspapers
1998 ... مُنحت درجة الماجستير بتميز من جامعة سالفورد بسالفورد في بريطانيا. وعنوان الأطروحة هو: المؤلف والقارئ والمترجم: منظور سيميائي. وعنوان الأطروحة باللغة الإنكليزية هو:
Authorship, Readership and the Translator: A Semiotic Perspective
1995 ... تخرجت في كلية التربية بالمدينة المنورة التابعة (آنذاك) لجامعة الملك عبد العزيز بجدة. وكانت شهادتي في تخصص تدريس اللغة الإنكليزية وآدابها.
الخبرات العملية
1995-1996 ... عملت خلال هذين العامين معلماً للغة الإنكليزية في المدارس السعودية.
2000 و2001 ... خلال الفصل الأكاديمي الأخير من عام 2000 والأول من عام 2001 عملت محاضراً متعاقداً مع جامعة سالفورد ببريطانيا، وحاضرت لطلبة الماجستير في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية.
1997-2002 ... عملت مترجماً حراً لعدد من العملاء وخاصة لشركة ترانزتك بمانشستر. وتنوعت النصوص التي ترجمت بين الأكاديمية، والدينية، والتجارية، وغيرها.
1998-2002 ... خلال هذه الفترة أنجزت عدة مهام لشركة ليونبردج تكنولوجيز، وهي واحدة من أبرز شركات الحلول المتعددة اللغات في العالم، وأوكلت إلي هذه المهام كوني مستشاراً ثقافياً.(13/1)
2002-الآن ... أعمل في الوقت الراهن بمركز الترجمات بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف: رئيساً لوحدة اللغات الأوروبية، ووحدة البحوث، ووحدة المعلومات. حيث أقوم بمهام: إدارة مشاريع الترجمة، ودراسة الترجمات الإنكليزية الواردة للمجمع وإعداد التقارير عنها، ومراجعة وتحرير الكتب العلمية الواردة للمجمع باللغة الإنكليزية، وغيرها من الأعمال.
وأشرف حالياً على مشاريع ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات التالية:
1- الأكرانية، 2- الألبانية، 3- الإيطالية، 4- البرتغالية (المحكية في البرتغال)، 5- البلغارية، 6- الدنمركية، 7- السلوفينية، 8-السويدية، 9- المجرية.
2004-الآن ... أعمل مديراً لتحرير مجلة البحوث والدراسات القرآنية الصادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهي مجلة علمية محكمة تعنى الدراسات والبحوث المتخصصة بالقرآن الكريم وعلومه، وتحقيق المخطوطات المتصلة بالقرآن الكريم وعلومه، والدراسات والبحوث المتعلقة بترجمات معاني القرآن الكريم. وقد صدر منها حتى الآن عددان.
2007-الآن ... أعمل محررً مشرفاً على مجلة الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة الموسومة "عين".
المؤتمرات والندوات والدورات والمعارض
20-22 نوفمبر 1998 ... حضرت مؤتمراً بجامعة سالفورد البريطانية وساهمت في تنظيمه وقدمت بحثاً فيه. وعنوان المؤتمر هو: الترجمة والهوية والتحديث: وضع اللغة العربية.
28-30 إبريل 2000 ... حضرت مؤتمراً بجامعة يومست البريطانية وساهمت في تنظيمه. وكان المؤتمر بعنوان: طرق البحث في دراسات الترجمة.
1997-2001 ... حضرت بانتظام سلسلة ندوات الترجمة التي تعقدها جامعة سالفورد. ويطلق عليها مسمى: ندوات متفرقة في الترجمة ويُجمع لها لفيف من أبرز الأسماء في دراسات الترجمة.(13/2)
1998-2002 ... حضرت بانتظام الندوات الأسبوعية التي يعقدها مركز دراسات الترجمة والتواصل الحضاري بجامعة يومست. ويلقي هذه الندوات علماء بارزين في دراسات الترجمة ويتحدثون فيها عن شتى مواضيع الترجمة.
2003 ... أتممت دورة بعنوان: "مهارات البحث على الإنترنت وتقنياته" عقدت بمركز الفيصل لتنمية الموارد البشرية بالرياض.
2003 ... انتدبت عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف للمشاركة في المعرض الدولي الخامس عشر للكتاب بفرانكفورت.
6-10 أكتوبر 2004 ... انتدبت عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف للمشاركة في معرض الكتاب الدولي السادس عشر للكتاب بفرانكفورت، الذي كانت الدول العربية ضيف الشرف فيه.
1-2 ربيع الأول 1426هـ ... حضرت ندوة "اللغات والترجمة: الواقع والمأمول"، التي نظمتها كلية اللغات والترجمة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وشاركت ببحث فيها.
27 يناير – 4 فبراير 2006م ... انتدبت مشرفاً على جناح وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المعرض العالمي السابع عشر للكتاب بنيودلهي.
5 ربيع الأول 1427هـ ... شاركت بعرض بعنوان "التلازم اللفظي والإنترنت" متحدثاً رئيساً في أسبوع اللغة الإنكليزية المنعقد في كلية المعلمين بالمدينة المنورة، وكنت شاركت في أسبوع اللغة الإنكليزية المنعقد في الكلية نفسها للعام الدراسي 25/26 هـ، وكان العرض بعنوان "الترجمة وتعليم اللغة الإنكليزية".
23-28/8/1428هـ 2006م ... انتدبت مشرفاً على جناح وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في معرض موسكو الدولي للكتاب
2/1429هـ- الآن ... عضو اللجنة العلمية لندوة "القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة (تقنية المعلومات)" المزمع عقدها في مجمه الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
العضوية
عضو المجلس العلمي بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
عضو في مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة (أمين البحث العلمي والنشر بالجمعية)(13/3)
مدير تحرير مجلة الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة الموسومة بـ "عين".
مدير تحرير مجلة البحوث والدراسات القرآنية الصادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
عضو مجلس مشروع «تعظيم القرآن الكريم»، الذي يشرف عليه فرع الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه بالمدينة المنورة.
الكتابات
والنشاط العلمي
1998-2002 ... نشر لي عدد من المقالات في مجلة الثقافية التي تصدر عن المكتب الثقافي السعودي ببريطانيا، وتتحدث المقالات في غالبيتها عن شؤون الترجمة والثقافة من منظور لغوي. ومن ضمن هذه المقالات الآتي: "القرآن الكريم لقراء جدد"، "الترجمة والتواصل الحضاري"، "معايير اختيار الترجمات العربية في الغرب"، "في أثر المعنى"، "حكايات عيسوب (حكايات الحكمة)"، "أثر الإعلام في تأجيج العقل الجماعي"، "مراكز الترجمة على نهج دار الحكمة"
1999 ... نشر لي بحث في مجلة محكمة. وعنوانه الببليوجرافي الكامل هو:
Bleyhesh, W. (1999) “Social Semiotic Calque: The Effects of Translation on Saudi News Media”. In S. Faiq (ed.), In and Of Translation (special issue). Offshoot, Vol. II, No.2.
2002 ... نشر لي مقالاً مترجماً بعنوان: "ثقافة الترجمة في الولايات المتحدة الأمريكية" في مجلة الفيصل: العدد 316 شوال 1423 الموافق ديسمبر 2003.
2003 ... تحكيم بحث بعنوان: "الترجمة والمثاقفة: جدلية الاختراق والممانعة"، قُدم للنشر بمجلة Offshoot المتخصصة بدراسات الترجمة.
2003 ... صدر لي بحث في مجلة محكمة والعنوان الببليوجرافي هو:
Waleed Al-Amri (2003) “Multi-thematicity for the Translator of Ideologically Sensitive Hard News Reports”. In M. Aabi and A. Alamasi (eds.), The Ideology oflbehind Translating Sensitive Texts (special issue). Offshoot, Vol. V, No.1.(13/4)
2003 ... نشر لي مقال بعنوان: "إشكالية العلاقة بين اللغة والتفكير" في مجلة الفيصل: العدد 316 شوال 1423 الموافق ديسمبر 2003.
ديسمبر 2003 ... شاركت ببحث في ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية التي نظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. وعنوان البحث هو: "السيرة النبوية في دائرة المعارف البريطانية: دراسة تحليلية لما كتب تحت مادة "محمد: النبي ورسالته" " (وقد طُبع ضمن بحوث الندوة)
2003-2004م ... · ترجمتُ كتاب "الذكر والدعاء" إلى اللغة انكليزية.
· راجعتُ الترجمة الإنكليزية لكتاب "أصول الإيمان"
· حررتُ كتاب "ببليوجرافيا ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية: 1654-2002"
· ترجمتُ كتاب "ببليوجرافيا ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية: 1654-2002" إلى اللغة العربية (قيد الطبع)
· قوّمتُ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية إصدار دار صحيح العالمية.
· قوّمتُ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية للدكتور سيد إبراهيم.
10/1424هـ ... تحكيم بحث بعنوان "السيرة النبوية في بعض دوائر المعارف اليهودية: دراسة نقدية"، قُدم للمشاركة في ندوة "عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية" التي نظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
1/1427 هـ ... عضو في اللجنة العلمية لندوة "القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية" التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. ومن مهام اللجنة تحكيم البحوث الواردة، ودراستها، وتقديم التوصيات بشأنها.
1-2/3/1426هـ ... المشاركة في ندوة "اللغات والترجمة: الواقع والمأمول" المنعقدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعنوان البحث هو: "ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول: مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل" (2006).(13/5)
23-24/11/1426هـ ... شاركت في المنتدى اللغات والترجمة الثاني الذي تنظمه سنوياً الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة، وألقيت ورقة عمل بعنوان: "حركة الترجمة في المملكة العربية السعودية من خلال كشاف الترجمة Index Translationum". وأخرى بعنوان: "تجربة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف" في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم.
شعبان – رمضان 1426هـ ... عضو في اللجنة العلمية التي قومت البحوث المشاركة في منتدى اللغات والترجمة الثاني.
15/9/1426هـ ... تحكيم الخطة المقترحة لبرنامج الماجستير في الترجمة (اللغة الإنكليزية/اللغة الفرنسية) بكلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود.
31/12/1426هـ ... تحكيم برنامج "دبلوم الترجمة التطبيقي" المقدم من مركز روافد للتدريب إلى الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة للنظر في إمكانية اعتماده.
11/1426-1/1427هـ ... تحكيم عدد من البحوث المعدة للمشاركة في ندوة "القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية" التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
ربيع الأول 1427هـ ... ينشر بحث من ترجمتي بعنوان: "مقدمة في الاتجاهات المعاصرة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية"، في العدد الأول من مجلة البحوث والدراسات القرآنية.
1428هـ ... تقديم بحث بعنوان: «السياق الثقافي وضرورة مراعاته في ترجمة النصوص الإسلامية: السنة المطهرة أنموذجاً»، لينشر خلال بحوث ندوة «ترجمة السنة والسيرة النبوية» الذي تنظمه الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها.
1428هـ ... تقديم بحث باللغة الإنكليزية بعنوان:
Translatability of the Quran at the Phonic Level
وحكم ووفق على نشره في مجلة Perspective الصادرة عن دار Multi-Lingual Matters البريطانية.
1428هـ ... رئيس اللجنة العلمية لمؤتمر «الترجمة والتعريب في المملكة العربية السعودية» الذي تنظمه الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة.(13/6)
1429هـ ... نشر بحث مترجم بعنوان «القرآن الكريم وترجماته في الغرب» لفرانسوا ديروش، في العدد الأول من مجلة الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة الموسوبة بـ "عين".
المحرم 1429هـ ... المشاركة في تحكيم بحثين من بحوث ندوة «ترجمة السنة والسيرة النبوية» الذي تنظمه الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها.
مهارات الحاسوب
حاصل على الرخصة المتقدمة للقيادة الدولية للحاسوب (ICDL)
مجالات الاهتمام البحثي
ترجمة معاني القرآن الكريم، ترجمة النصوص الإسلامية، نظريات الترجمة العربية الكلاسيكية (دار الحكمة)، دراسات الترجمة ونظرياتها الحديثة.(13/7)
مسئو ليات المترجم
الشرعية والخلقية
تجاه النص المترجم من السنة والسيرة النبوية
بحث مقدم إلى
ندوة ترجمة السنة والسيرة
الواقع - التطوير - المعوقات
تحت إشراف الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها
ما بين فترة 21-23/11/1428هـ
إعداد
أصغر علي إمام مهدي السلفي
أمين عام جمعية أهل الحديث لعموم الهند المركزية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من سنن الله في الأرض أنه أرسل الرسل والأنبياء لهداية الناس إلى صراط الله المستقيم؛ وتقويم سلوكهم، وتزكية نفوسهم، كل أرسل قومه وبلسانه بدءا بأبينا آدم -عليه السلام- وانتهاء بخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد ×؛ يقول الله -تبارك و تعالى-: +وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" [سورة إبراهيم: 4] فاقتضت حكمة الله -عزوجل- أن يرسل الرسل والأنبياء إلى أقوامهم و بألسنتهم؛ ليبينوا ما أنزل إليهم؛ وليفهم كل رسالة نبيهم أو رسولهم؛ وليتم إتمام الحجة عليهم.
ونبينا محمد -×- خاتم الأنبياء والمرسلين أرسل بلسان عربي مبين؛ يقول الله تبارك و تعالى: +وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" [سورة الشعراء :192-195].
دعوة عالمية
وهو رسول رب العالمين إلى الناس كافة، ورسالته رحمة للعالمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ يقول الله -تبارك وتعالى: +وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" [سورة سبأ: 28].(14/1)
ومما اختص به دون غيره من الأنبياء أن دعوته عامة لجميع الإنس والجن من مبعثه إلى يوم القيامة فقد ورد في الصحيحين عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله×: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا و طهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة». (صحيح البخاري: التيمم 1/519، رقم: 335، 3112، وصحيح مسلم: المساجد 1/370، رقم: 521).
ونبي الإسلام كما قال عن نفسه بأنه دعاء أبيه إبراهيم وبشرى عيسى ورؤية أمه في منامه كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم:
+رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" [سورة البقرة: 129].
وقال تعالى: +وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" [سورة الصف: 6].
وقال النبي × في حديث طويل حسنه سنده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/222) وصححه الذهبي في السيرة (48) عن عتبة بن عبد السلمي عن النبي × في قصة شق بطنه واستخراج قلبه عند حاضنته حليمة السعدية وفيه أم الرسول قالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام. (رواه أحمد 4/184، والدارمي 13، والحاكم 2/616- 617، وراجع: الفصول في سيرة الرسول لابن كثير مع الهامش 54-55).
حكم إطاعة الرسول
وأنها مثل طاعة رسول رب العالمين(14/2)
وهو نبي مطاع كريم وطاعته مثل طاعة رب العالمين وحكمه مثل حكم رب العالمين وهو يحلل ويحرم بإذن ربه: +وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى" [سورة النجم:3-4].
وقد أكدت آيات كريمات على هذا وتواترت الأحاديث النبوية بشأنه وأجمعت الأمة على ذلك، قال تعالى: +قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" [سورة آل عمران: 32].
وقال تعالى: +وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [سورة آل عمران: 132].
في آيات كثيرة منها قال تعالى: +قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" [سورة النور: 54].
ولا يقبل أي عمل إلا أن يكون مطابقا لهديه و مرضاة لربه كما قال تعالى:
+قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" [سورة الكهف: 110].
ويجب الائتساء به والاقتداء بسيرته في جميع الأمور والقضايا كما قال تعالى: +لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" [سورة الأحزاب: 21].
+لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" [سورة الممتحنة: 6].
فطاعة الله وطاعة رسوله هو السير على الصراط المستقيم الذي هداه إليه رب العالمين كما قال تعالى على لسان نبيه:(14/3)
+قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [سورة الأنعام: 161].
و قال تعالى: +وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [سورة الأنعام: 153].
وقال تعالى: +وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" [سورة مريم: 36].
وقال تعالى: +وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" [سورة سبأ: 6].
وقال تعالى: +وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" [سورة يس: 61].
وقال تعالى: +فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" [سورة الزخرف: 43].
وقال تعالى: +وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" [سورة الزخرف: 61].
وقال تعالى: +إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" [سورة الزخرف: 64].
وقال تعالى: +لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" [سورة الفتح: 2].
أهمية السنة والسيرة النبوية:
في ضوء ما تقدم من ذكر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تبين أن السنة النبوية تحتل المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم في التشريع الإسلامي؛ وهي في الحقيقة صنو القرآن الكريم؛ ووحي غير متلو؛ يقول الله -تبارك وتعالى- +وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى" [سورة النجم: 3-4].(14/4)
ويقول -تبارك وتعالى- أيضًا: +وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ" [سورة الحاقة :44-46].
ويقول الرسول -×-: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».
وما المثلية إلا في الاحتجاج بسنته مثل الاحتجاج بالقرآن الكريم.
وكذلك تبين من الآيات المذكورة أن المسلمين مأمورون بطاعة الله وكذلك بطاعة رسوله وبأمر منه تبارك وتعالى.
وجعل الله -تبارك وتعالى- سيرة عبده ورسوله منارًا للهدى فقال: +لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [سورة الأحزاب: 21].
وكما أن القرآن الكريم محفوظ بين دفتى المصحف، كذلك السنة النبوية محفوظة في كتب الحديث ودواوينه وقد قيض الله لها علماء فطاحل في كل عصر ومصر قاموا بتدوينها، وبتمييز الصحيح من السقيم وفق قواعد معروفة باسم مصطلح الحديث وقواعد التحديث ومدونة في كتب كثيرة معروفة باسم فن علوم الحديث.
وكذلك سيرة النبي × العطرة تناولها العلماء من قديم في كتب متخصصة في السيرة النبوية وتوجد مادة مهمة في كتب الحديث العامة والخاصة وكذلك تناولها المؤلفون في فن التأريخ الإسلامي، وبذل العلماء قديمًا وحديثًا جهودهم في جمع دراسة سيرة رحمة للعالمين وأنفقوا فيه كل غال ورخيص خدمة للسنة النبوية والسيرة العطرة.
بيان جواز الرواية بالمعنى باللغة العربية
وجواز شرح الدين باللغات الأعجمية
ومن المعلوم أن الله -عز وجل- خلق الناس مختلفى اللغات والألسنة موزعين على شعوب وقبائل، ومنتشرين في المشارق والمغارب ليتم التعارف بينهم على أساسها، كما قال الله تبارك وتعالى: +وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" [سورة الحجرات: 13].
وقال تعالى: +وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ" [سورة الروم: 22].(14/5)
ومن هنا احتاجت الأقوام والأمم إلى إتقان اللغات المتعددة وتوفر المترجمين في المجتمعات ليستعان بهم في فهم المراد وتحقيق الأهداف المنشودة بين هولاء، ويدخل هذا من ضروريات المجتمع واحتياجاته ومن هنا قالوا: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، فإتقان اللغات وإيجاد المترجمين يكون عند أهل الدين والدنيا من الأمور الواجبة والضرورية.
إذا عمل الترجمة ليس عملاً جديدًا ولا غير معروف من قديم الزمان لدى أهل اللغات المختلفة وقد استعمل النبي × الصحابة -رضي الله عنهم- لهذا العمل وحثهم على تعلم اللغات، ولذلك أمر × زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن يتعلم اللغة العبرية. وكذلك ورد في حوادث السيرة في أيام صلح الحديبية أن هرقل عظيم الروم تحاور وفد قريش والمسلمين عن طريق المترجم. كما جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن أبا سفيان بن حرب -رضي الله عنه- أخبره بهذا الخبر وفيه: «أن هرقل قال لترجمانه...» (صحيح البخاري: 7، 51، 2681، 2804، 2941، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260، 7196، 7541).
وقال الحافظ ابن حجر: الترجمان المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل عربي (فتح الباري 34).
وقد أجمع العلماء على جواز شرح تعاليم الدين الإسلامي للعجم بلسانهم للعارف به.
يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانها للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى، فجوازه باللغة العربية أولى.
وقيل: إنما يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم، وبه جزم ابن العربي في أحكام القرآن، قال: لأنا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، والصحابة اجتمع فيهم أمران: الفصاحة والبلاغة جبلة، ومشاهدة أقوال النبي × وأفعاله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصود كله. (تدريب الراوي2/101).(14/6)
وذكر علماء الحديث في باب الراوية بالمعنى أن الراوي إن لم يكن عالما بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها خبيرًا بما يحيل معانيها بصيرًا بمقادير التفاوت بينهما لم تجز له الرواية لما سمعه بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه فإن كان عالما بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول لا يجوز إلا بلفظه واليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبوبكر الرازي من الحنفية، وروى عن ابن عمر وجوّز بعضهم في غير حديث النبي × ولم يجوز فيه، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى.
بعضهم في غير النبي × ولم يجوز فيه، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف منهم الأئمة الأربعة يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة والواحدة بألفاظ مختلفة. (تدريب الراوي 2/98-99).
وهذا من أدب المحدث الراوي للحديث بالمعنى باللغة العربية فيفهم من كلامهم أن المترجم للنصوص الشرعية من العربية إلى غيرها لابد أن تتوفر فيه الأهلية لأداء هذا الواجب بشروط أقوى وأوكد، ويحتاط فيه أكثر.
مسؤوليات المترجم وما ينبغي عليه
أن يتحلى به من أخلاق و آداب في أداء واجب الترجمة
وبما أن رسالة الإسلام عامة لجميع الخلق وخالدة إلى يوم القيامة اقتضت مصلحة تبليغ الدين إلى كافة الأمم والشعوب التي تختلف لغاتهم وبلدانهم، بلغاتهم ولهجاتهم وبما أن مصادر التشريع الإسلامي باللغة العربية فاقتضت الحاجة إلى أن تكون هناك تراجم لمعاني القرآن الكريم، وكذلك تراجم للسنة والسيرة إلى لغات أخرى يفهمها أناس مختلفون من أمة الدعوة والإجابة، حتى يتم بها رسالة الإسلام إلى الناس كافة.(14/7)
ولأن يكون المترجم للسنة والسيرة النبوية مترجمًا ناجحًا هناك بعض مواصفات يجب أن يتحلى بها، وبعض مسؤوليات شرعية وخلقية يشترط أن يقوم تجاه النص المترجم من السنة النبوية، ألخصها في النقاط التالية:
1- أن يكون المترجم مخلصا في دينه، وصاحب عقيدة سنية سلفية، بعيدًا عن البدع والخرافات:
أن يكون المترجم لمادة السنة والسيرة إلى لغة مخصوصة مخلصا في دينه، صاحب عقيدة سنية سلفية وفق ما ورد من السلف الصالح في كتبهم في السنة والاعتقاد.
2- وأن يكون صادق اللهجة وأمينا في عمل الترجمة:
وأن يكون صادق اللهجة وأمينا في عمل الترجمة، متحررًا من النزعات والاتجاهات والعواطف الذاتية والقومية والعرقية والعنصرية والقبلية واللغوية وغيرها من الأمور المخلة أو يخشى منها وقوع الخلل في أداء هذا الواجب، وكذلك يحب أن يكون بعيدا أيضًا من ميوله وأفكاره الشخصية، خاصة إنه يقوم بترجمة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، فإذا أضاف إليها ميوله واتجاهاته الذاتية يكون قد خان الله وخان رسوله، ولذلك فإن الإخلاص في الدين والأمانة في العمل من أعظم مسؤوليات المترجم الشرعية والخلقية تجاه ترجمة نصوص السنة والسيرة النبوية.
فقد ذكر أهل العلم بالحديث في تعريف الحديث الصحيح والحسن شروطا في الراوي والمروي وفيه تنصيص على الوصفين المذكورين في الراوي فلابد أن تتوفر بالدرجة الأولى وعلى وجه التأكيد هذه الشروط في ناقل الحديث الشريف إلى غير اللغة العربية. ويتضح هذا بنقل كلامهم بهذا السدد فقالوا في تعريف الصحيح لذاته: الصحيح لغة: ضد السقيم، واصطلاحًا: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.(14/8)
ففي ضوء هذا لابد أن يتحقق في المترجم للنصوص الشرعية أن يكون صاحب اعتقاد صحيح وبعيدا عن البدع والخرافات التي يعتبرها أهل العلم بالحديث من أسباب ضعف الراوي والطعن فيه، ومن المعلوم أن البدعة نوعان: بدعة مكفرة أي يكفر صاحبها بسببها كأن يعتقد ما يستلزم الكفر، والمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرًا متواترًا من الشرع معلومًا من الدين بالضرورة، أو من اعتقد عكسه وبدعة مفسقة، أي يفسق صاحبها بسببها وهو من لا تقتضي بدعته التكفير أصلاً، فمن كانت بدعته مكفرة ترد روايته وإن كانت بدعته مفسق فالصحيح الذي عليه الجمهور أن روايته تقبل بشرطين: أن لا يكون داعية على بدعته وأن لا يروي ما يروج بدعته.
ويعلم أن المراد بالطعن في الراوي جرحه باللسان، والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه.
وأسباب الطعن في الراوي عشرة أشياء خمسة منها تتعلق بالعدالة: و هي:
1- الكذب في أحاديث رسول الله ×.
2- والتهمة بالكذب أي اتهم بالكذب في أحاديثه مع الناس.
3- والفسق.
4- والبدعة.
5- والجهالة.
وخمسة منها تتعلق بالطعن في الضبط وهي:
1- فحش الغلط
2- وسوء الحفظ
3- والغفلة
4- و كثرة الأوهام
5- و مخالفة الثقات
وإذا ثبت الحديث على وجه التواتر أم الصحة أو الحسن لذاتهما أم لغيرهما فوجب العمل به بإجماع أهل الحديث ومن يعتد به من الأصوليين, والفقها في العقيدة والفروع الشرعية فهو حجة من حجج الشرع لايسع المسلم ترك العمل به.
فبإمعان النظر في كلمات أئمة الحديث في هذه النصوص يمكن الزيادة على هذين الشرطين في المترجم للنصوص الشرعية وأقل ما فيه أن شرح شروط الصحيح مؤكد لتوفر الشرطين المذكورين في ناقل النصوص الشرعية إلى غير اللغة العربية إضافة إلى شروط ومواصفات أخرى مطلوبة في المترجم كما سيأتي في السطور الآتية:
3- وأن يكون المترجم متقنا للغة العربية وما يريد أن ينقل النص الشرعي إليه:(14/9)
وأن يكون المترجم للسنة والسيرة النبوية متقنا للغتين ومتمكنًا منهما أعني من المنقول من العربية إلى غيرها من اللغات المختلفة.
وهذا الشرط من أهم الشروط التي يجب توفرها في المترجم، وهذه المسؤولية من أهم المسؤوليات التي يجب أن يقوم بها المترجم تجاه النص المترجم من السنة والسيرة النبوية، إذ كيف يترجم الرجل وهو يجهل اللغتين فإن فاقد الشئ لا يعطيه.
4- إجادة قواعد اللغة العربية و قواعد اللغة التي يريد أن يترجم إليها النص الشرعي.
إجادة قواعد اللغة العربية وقواعد اللغة التي يريد أن يترجم إليها النص الشرعي.
5- معرفة تامة بفروع العلوم المختلفة التي يقوم بالنقل منها واليها مع الإلمام:
معرفة تامة بفروع العلوم المختلفة التي يقوم بالنقل منها وإليها مع الإلمام بمصطلحاتها والقدر الأعظم من مفرداتها أي يكون لديه إلمام بالسنة والسيرة النبوية، وما يلحق من فروع العلوم، فإن تكلم في غير تخصصه أتى بالعجائب، كما يقال.
وتوفر الشرطين الأخيرين مع الشروط السابقة في المترجم تجاه النص المترجم من السنة والسيرة النبوية، يضمن سلامة الترجمة إلى حد كبير لأن من توفرت فيه هذه الشروط ومن تحلى بهذه الصفات يرجى منه أن يكون قد أدى واجبه نحو هذا العمل الجليل ويطمئن عليه لأن إتقانه للقواعد اللغوية وخصائصه، ومعرفته بفروع العلوم المختلفة للغتين التي ينقل منها وإليها تمكنه الدقة في التعبير واختيار الأسلوب الأقرب إلى الصواب للنص العربي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية، إن شاء الله.(14/10)
وإليها أشار الجاحظ في قوله: ولن يكون المترجم قادرًا على أداء الأفكار الأجنبية، وتسليم معانيها، والإخبار عنها على حقها وصدقها إلا إذ بلغ من العلم بمعانيها واستعمالات تصاريف ألفاظها، وتأويلات مخارجها مبلغ المؤلف الأصلي في اللغة الأجنبية (1) .
6- القراءة الفاحصة الواعية المتأنية للنص الأصلي العربي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية، ثم يقدم على الترجمة، وتسهل عليه حينئذ:
القراءة الفاحصة الواعية المتأنية للنص الأصلي العربي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية، ثم يقدم على الترجمة، وتسهل عليه حينئذ.
7- الالتزام بأسلوب الأصل في ترجمة النص الشرعي:
الالتزام بأسلوب الأصل في ترجمة النص المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية.
8- أن لا تكون الترجمة إلا عن نص أصلي من السنة والسيرة النبوية:
أن لا تكون الترجمة إلا عن نص أصلي من السنة والسيرة النبوية، ولا تتداخل التراجم، بحيث تكون الترجمة ترجمة عن ترجمة، لأن من أهم أسباب وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة كونها مترجمة عن ترجمات سابقة مما يستلزم قصور الترجمة وعدم الدقة في التعبير، إلا إذا اقتضت ضرورة الترجمة عن الترجمة، فينبه على ذلك مع الرجوع إلى الأصل، ومراعاة أصول الترجمة وضوابطها، والتزام أسلوب الأصل.
9- الدقة في التعبير و مراعاة معاني المفردات لغة و شرعا على ضوء منهج وفهم السلف الصالح- رحمهم الله-:
الدقة في التعبير ومراعاة معاني المفردات لغةً وشرعًا على ضوء منهج وفهم السلف الصالح- رحمهم الله-.
__________
(1) نقلا عن : ترجمة الكتب إلى اللغة العربية في المملكة العربية السعودية و دورها في إثراء الانتاج الفكري : ص13، نورة صالح بن سليمان الناصر، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، 1998م.(14/11)
فإن من أهم مسؤوليات المترجم الشرعية والخلقية تجاه النص المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية الدقة في التعبير ومراعاة معاني المفردات لغةً وشرعًا على ضوء منهج وفهم السلف الصالح -رحمهم الله-، وإلا تترتب عليها مساوئ عظيمة وعواقب وخيمة بل ربما أدى إلى تحريف نصوص للسنة والسيرة النبوية.
10- أن يختار المترجم للشرح والترجمة ما صح و ثبت في السيرة والسنة:
ومن أهم ما ينبغي على المترجم الداعية أن يختار للشرح والترجمة ما صح وثبت من الأحاديث الشريفة ووقائع السيرة النبوية لأن الترجمة تبليغ للدين والدين هو ما صح وثبت كتابا وسنة وخلاصة قواعد التحديث وملخص جهود المحدثين في جمع وتدوين الحديث والتأكد من عدالة الراوي واتصال السند وعدم وقوع العلة القادحة والشذوذ هو التأكد من نسبة هذا القول.
11- ذكر الترجمة جنب النص الأصلي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية:
فإن ذكر الترجمة جنب النص الأصلي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية مناسب ومفيد جدًا، أو الإحالة إلى الكتاب بالرقم والصفحة لأنه إذا حصل خلل أو قصور أو نص في الترجمة يبقى النص على أصله، ويمكن التنبيه على الخطأ أو الخلل أو القصور في الترجمة بسهولة.
12- الاستفادة من التراجم السابقة من قبل أفراد أو مؤسسات:
الاستفادة من التراجم السابقة من قبل الأفراد أو المؤسسات للاستفادة منها أو لتجنب الأخطاء الواقعة فيها في الشرح والترجمة.
ومن الواجبات الخلقية التي ينبغي للمترجم أن يقوم بها تجاه النص المترجم من السنة والسيرة النبوية الاستفادة من الترجمات التي قام بها أفراد أو مؤسسات، فإنها قد تسعفه في حل مشكل أو شرح غامض أو تذليل صعوبة من صعوبات الترجمة مع الرجوع إلى النص الأصلي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية.
13- اختيار المصادر الأصلية من كتب شروح السنة المعتبرة وكتب شرح غريب الحديث، والرجوع إليها عند ما تقتضي الضرورة:(14/12)
اقتناء المصادر الأصلية والتخصصية من كتب شروح السنة المعتبرة وكتب شرح غريب الحديث، والرجوع إليها عند ما تقتضي الضرورة.
فإن من أهم واجبات ومسؤوليات المترجم الخلقية تجاه النص المترجم من السنة والسيرة شرح غريب الحديث، والرجوع إليها عند ما تقتضي الضرورة، أو يواجه مشكلة في الترجمة. والتقيد بفهم العلماء الراسخين من أهل السنة والجماعة نظرا إلى وقوع كثير من الأخطاء الصغيرة والكبيرة لترك هذا القيد.
هذا ما تيسر لي جمعه -بتوفيق الله وفضله- عن مسؤوليات المترجم الشرعية والخلقية تجاه النص المترجم من السنة والسيرة النبوية من المراجع العامة والخاصة، وخاصة استفدت من كتابات وتجارب فضيلة الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي -حفظه الله- الذي يشرف على أعمال ترجمة السنة والسيرة في مشروع علمي كبير بلغات الهند، خاصة اللغة الأردية.
ولعل الله عز وجل ييسر ويسهل الاستفادة من خبرات الدعاة إلى الله عز وجل في العالم الإسلامي والحريصين على نقل علوم الكتاب والسنة وسيرة النبي × العطرة إلى شعوبهم وأقوامهم بلغاتهم عن طريق هذه الندوة المباركة التي تنظمها الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها، وفي إطار مساهمة المملكة في خدمة العلم والدين ونشر علوم الكتاب والسنة باللغة العربية وبغيرها من لغات العالم تكون قرارات هذه الندوة وتوصياتها محل عناية واعتبار لدى الجميع إن شاء الله.
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفق القائمين على ترجمة السنة والسيرة النبوية للصواب، ويسدد على طريق الحق خطاهم.
صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
مقدمة البحث
دعوة عالمية
حكم إطاعة الرسول و أنها مثل طاعة رسول رب العالمين
أهمية السنة والسيرة النبوية:
حاجة الناس إلى الترجمة في أمور دينهم و دنياهم و بيان جواز الرواية بالمعنىباللغة العربية و جواز شرح الدين باللغات الأعجمية(14/13)
مسؤوليات المترجم وما ينبغي عليه أن يتحلى به
من أخلاق و آداب في أداء واجب الترجمة
1 ... أن يكون المترجم مخلصا في دينه و صاحب عقيدة سنية سلفية بعيدا عن البدع والخرافات.
2 ... و أن يكون صادق اللهجة و أمينا في عمل الترجمة
3 ... وأن يكون المترجم متقنا للغة العربية وما يريد أن ينقل النص الشرعي إليه
4 ... إجادة قواعد اللغة العربية و قواعد اللغة التي يريد أن يترجم إليها النص الشرعي.
5 ... معرفة تامة بفروع العلوم المختلفة التي يقوم بالنقل منها واليها مع الإلمام
6 ... القراءة الفاحصة الواعية المتأنية للنص الأصلي العربي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية، ثم يقدم على الترجمة، و تسهل عليه حينئذ.
7 ... الالتزام بأسلوب الأصل في ترجمة النص الشرعي.
8 ... أن لاتكون الترجمة إلا عن نص أصلي من السنة والسيرة النبوية.
9 ... الدقة في التعبير و مراعاة معاني المفردات لغة و شرعا على ضوء منهج وفهم السلف الصالح- رحمهم الله-.
10 ... أن يختار المترجم للشرح والترجمة ما صح و ثبت في السيرة والسنة.
11 ... ذكر الترجمة جنب النص الأصلي المرادة ترجمته من السنة والسيرة النبوية
12 ... الاستفادة من التراجم السابقة من قبل الأفراد أو المؤسسات للاستفادة منها أو لتجنب الأخطاء الواقعة فيها في الشرح والترجمة.
13 ... اختيار المصادر الأصلية من كتب شروح السنة المعتبرة وكتب شرح غريب الحديث، والرجوع إليها عند ما تقتضي الضرورة.
المراجع والمصادر
القرآن الكريم
تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير
تدريب الراوي للحافظ السيوطي المكتبة العلمية بالمدينة المنورة
فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر مصور بيروت عن الطبعة السلفية
تيسير المصطلح تأليف دكتور محمد الطحان ط. دار المعارف بالرياض
بحوث و دراسات في القواعد الشرعية والآداب المرعية في ترجمة و شرح النصوص الشرعية باللغات الأجنبية للدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي
البيان والتبيين للجاحظ(14/14)
نزهة النظر في شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني
ترجمة الكتب إلى اللغة العربية في المملكة العربية السعودية و دورها في إثراء الانتاج الفكري : نورة صالح بن سليمان الناصر، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، 1998م.(14/15)
السيرة الذاتية
لفضيلة الشيخ أصغر علي بن إمام مهدي السلفي
الأمين العام لجمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند
الاسم: ... أصغر علي ... ... رقم الجواز: ... ـ5800520
اسم الوالد: ... إمام مهدي السلفي ... ... تاريخ الإصدار: ... 8اغسطس2001
تأريخ الميلاد: ... 3يوليو1963م ... ... مكان الاصدار: ... بتنه ــ الهند
الجنس: ... ذكر ... ... ... الوظيفة: ... الأمين العام لجمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند
الحالة الاجتماعية: ... متزوج ... ... ... الجنسية: ... هندي
اللغة ... المستوى ... ... ... اللغة ... المستوى
العربية ... ... ممتاز ... ... ... الهندية ... ... ممتاز
الإنجليزية ... متوسط ... ... ... الأردية: ... ... ... ممتاز
فارسية ... ... متوسط ...
1- الأمين العام لجمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند.
2- الرئيس المؤسس والمشرف على جامعة أبي بكر الصديق الإسلامية(ولاية بيهار، الهند).
3- عضو هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند.
4- عضو مجلس الشورى المركزي للمسلمين في الهند.
5- رئيس تحرير جريدة« ترجمان» الأسبوعية، باللغة الأردية، الصادرة من جمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند.
6- المشرف على مجلة« إصلاح المجتمع» الشهرية باللغة الهندية، الصادرة من جمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند.
7- المشرف على مجلس التحقيق العلمي بجمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند.
8- المشرف على المدرسة الأحمدية السلفية (بآرا ، الهند).
9- رئيس جمعية الفلاح التعليمية والخيرية (بمدينة بتنه، ولاية بيهار، الهند)
10- عضو المجلس التنفيذي للجامعة السلفية (بنارس، الهند).
11- عضو المجلس التنفيذي لمؤسسة دارالدعوة التعليمية الخيرية(الهند).
1- شهادة جامعية: من الجامعة الإسلامية الليسانس(كلية الحديث الشريف، والدراسات الإسلامية).
2- شهادة جامعية: العالمية والفضيلة من الجامعة السلفية بنارس(الهند).
3- من الابتدائية إلى الثانوية: في مدرسة منظرالعلوم السلفية بلي رام فور-بيهار(الهند).
4- شهادة فاضل (ماجستير) هيئة المدارس الرسمية بولاية بيهار-(الهند).(15/1)
5- شهادة فاضل(ماجستير) هيئة المدارس الرسمية بولاية يوبي-(الهند)
1- شهادة التقدير في حفظ الحديث- المستوى الأول من الجامعة الإسلامية بالمدينة (المملكة العربية السعودية).
2- شهادة التفوق والتقدير في حفظ الحديث- المستوى الأول من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة(المملكة العربية السعودية).
3- شهادة الحضور التدريبية للمعلمين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية –الرياض المنعقدة بدلهي الحديدة.
4- الإجازة في الحديث النبوي الشريف من المحدث عبيد الله بن عبد السلام الرحماني المباركفوري.
5- الإجازة في الحديث النبوي الشريف من فضيلة الشيخ عبد الله العقيل.
1- خبرة11سنة في مجال التدريس ، والدعوة، والإفتاء، والصحافة، والبحث، والترجمة في الجامعة السلفية (الهند).
2- الخبرة ستة سنوات في مجال الدعوة والتعليم والصحافة والإعلام والنشر والتوزيع والتأليف والإغاثة وغيرها.
أولا: التأليف والتحقيق والترجمة والمقاولات:
1- صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء إفادات الشاه ولي الله الدهلوي(تأليف)
2- الجامعة في الخاتم، للإمام البيهقي(دراسة وتحقيق)
3- اقتداء الحنفي بالشافعي، للإمام ابن أبي العز الحنفي(دراسة و تحقيق)
4- الهدية لمن أراد الضحية، للشيخ عبد الغفور الرمضان فوري(دراسة وتحقيق)
5- تأريخ أهل الحديث العلمية والدعوية والإغاثية(جمع وإعداد).
6- كتاب الوصايا للدعاة(ترجمة).
7- مقالات الندوة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية (تعريب).
8- مقالة بعنوان:« جزاء سنمار» بمناسبة الغزو الصدامي الآثم على دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، في مجلة«صوت الأمة» الصادرة باللغة العربية من الجامعة السلفية (بنارس، الهند)
9- مقالة بعنوان:«الصدام أنقص من ناقصات العقل» بمناسبة الغزو الصدامي الآثم على دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، في مجلة « صوت الأمة» الصادر باللغة العربية من الجامعة السلفية (بنارس ، الهند)(15/2)
10- مقالة في الرد على الدكتور عبد المصطفى على افتراءاته على المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وقت أزمة الخليج، نشرت في جريدة«آواز ملك» اليومية باللغة الأردية، ومجلة «محدث» الصادر باللغة الأردية من الجامعة السلفية (بنارس، الهند)
11- مقالة في السيرة النبوية والاعتصام بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، نشرت في مجموع مقالات ندوة السيرة النبوية، المنعقدة في الجامعة السلفية(بنارس، الهند)
ثانياً: النشاطات الدعوية:
1- طباعة أكثر من(40) كتاباً من منبر جمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند.
2- عقد عدة مؤتمرات وندوات، منها: «قدسية الحرمين الشريفين»،و «المؤتمر العالمي للدعوة إلى الكتاب والسنة لحل مشكلات البشرية الراهنة» والذي عقد في (مدينة باكور، ولاية جهار كهند، الهند) عام1424هـ.
3- تأسيس عدة مدارس ومكاتب ومكتبات إسلامية ومساجد إلى جانب الإعمام الخيرية والدعوة.
4- عضو مؤسسة مولانا آزاد التعليمية(حكومة الهند).
5- مدير مسئول مجلة الإستقامة الشهرية باللغة العربية الصادرة في الجمعية.
6- المدير المسئول لمجلة- دي سمبل تروتهـ بالشهرية باللغة الانجليزية الصادرة في الجمعية.
7- رئيس و مؤسس جمعية الاصلاح التعليمية والخيرية.
1-جائزة الأمن والسلام بيد رئيس الوزاء لولاية مهاراشترا ممبئي من قبل ايكتا فورم رابطة الديانات المتفرقة.
-2 جائزة خدمة المجتمع من قبل فريوائي اكادمي.
3-جائزة خدمة المجتمع العلوم ، من قبل المنطقة الطبيعة بدلهي الجديدة.
...(15/3)
مسؤوليات المترجم الشرعية والأخلاقية
تجاه النص المترجم من السنة والسيرة
المقدمة
إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعِينه ونستَغفِره ونتوب إليه، ونعوذُ باللهِ مِن شرور أنفسِنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلاَ مضِلَّ له، ومَن يضلِل فلاَ هادِيَ له، وأشهَد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لاَ شريكَ لَه، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) }
(آل عمران 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } (النساء 001)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } (الأحزاب70- 071)
أمّا بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله عزّ وجلّ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فإن المسلم مأمورٌ بالتفقه في الدين كتابا وسنة، وبالاعتصام بما جاء في الكتاب والسنة، ومطالبٌ بتبليغ ذلك إلى غيره من المسلمين المحتاجين إلى العلم الشرعي، وغيرهم لأجل إقامة الحجة عليهم .(16/1)
وهذا كله لا سبيل إليه مالم يكن قادرا على اطلاع كاف وخبرة تامة بنصوص الكتاب والسنة بلغتهما الأصلية التي هي لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم.. لكن واقع المسلمين اليوم في معظمهم غير ذلك، حيث إن الغالبية العظمى من المسلمين لا يتحدثون بهذه اللغة، وقد فات قطار تعلم اللغة أكثر هؤلاء، فهم في انتظار دائم مستمر لمن ينقل لهم تعاليم الإسلام بألسنتهم التي يعرفونها.
وبما أن هذه الشعوب ليس بالإمكان إخراجها مما هي فيه من الجهل إلا بنشر السنة المطهرة وتعريفهم بنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم من خلال سيرته العطرة،كان لابد من نقل هذه العلوم بترجمتها إلى هؤلاء الناس.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تحت قوله تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } إبراهيم1: (( وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا يعرفون مراد الله منه؟ فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها...إلى أن قال: فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك )) (1)
ومما يؤكد ذلك عالمية هذا الدين وشموليته لجميع الأقوام والأجناس والشعوب: قال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } الأعراف158
__________
(1) ... فتاوى للمسافرين والمغتربين ص86-87(16/2)
قال ابن كثير رحمه الله: (( يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم { قُلْ } يا محمد: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } وهذا خطاب للأحمر والأسود، والعربي والعجمي، { إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } أي: جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين، وأنه مبعوث إلى الناس كافة، كما قال تعالى: { قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } الأنعام:19 )) (1)
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } سبأ28 قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (( يقول تعالى ذكره: وما أرسلناك يا محمد إلى هؤلاء المشركين بالله من قومك خاصة، ولكنا أرسلناك كافة للناس أجمعين؛ العرب منهم والعجم، والأحمر والأسود، بشيرًا من أطاعك، ونذيرًا من كذبك { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } أن الله أرسلك كذلك إلى جميع البشر. )) (2)
وقال عز من قائل: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء107
وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } الفرقان1
__________
(1) ... تفسير القرآن العظيم آية الأعراف 158
(2) ... جامع البيان في تأويل القرآن: آية سبأ :28(16/3)
وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ )) (1)
ولا شك أن دعوةً هذا حالها لا بد أن تفتح آفاقا وتمدَّ جسورا من التواصل بينها وبين جميع الأمم والشعوب، فلا ينبغي أن يكون حاجز اللغة مانعا من تبليغ رسالة الله إلى الناس كافة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (( وأما جُمَل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة والزكاة والصوم والحج وصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وما حرمه من الشرك، والفواحش، والظلم، وغير ذلك فهذا مما يمكن أن يعرفه كل أحد بتعريف من يعرفه، إما باللسان العربي، وإما بلسان آخر، لا يتوقف تعريف ذلك على لسان العرب )) (2)
ومن هنا تأتي أهمية ندوة (ترجمة السنة والسيرة النبوية : الواقع، التطوير، المعوقات) التي تنظمها مشكورة مأجورة إن شاء الله (الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها) نسأل الله تعالى أن يبارك فيها وفي جهود القائمين عليها، وأن يتقبل منهم ويزيدهم توفيقا على توفيق، كما أشكرهم على أن أتاحوا لي هذه الفرصة المباركة للمشاركة في أعمالها بورقة عمل لعلي أستفيد منها قبل غيري.
وهذه الورقة تأتي في إطار المحور الأول وعنوانه:
(الأسس العلمية التي تقوم عليها الترجمة، والشروط التي يجب أن تتوافر فيها)
__________
(1) ... متفق عليه: البخاري/كتاب التيمم/ رقم:335 ، مسلم: المساجد وموضع الصلاة/ رقم:523
(2) ... الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/195(16/4)
وتحديدا في الموضوع الرابع وعنوانه:
(مسئوليات المترجم الشرعية والأخلاقية تجاه النص المترجم من السنة والسيرة)
وسوف يدور فلك هذه الدراسة على فصلين:
الفصل الأول: مسئوليات المترجم الشرعية تجاه النص من السنة والسيرة.
وتحته خمسة مباحث:
1. ضرورة التأكد من ثبوت النص المراد ترجمته.
2. ضرورة التأكد من مدلول النص المراد ترجمته.
3. ضرورة توفر الآليات والمقومات التي لا يسع المترجم جهلها.
4. الإلمام بالخطاب الشرعي وأساليبه.
5. الإلمام بأصول عقيدة السلف.
الفصل الثاني: مسئوليات المترجم الأخلاقية تجاه النص من السنة والسيرة.
وتحته أربعة مباحث:
1. وجوب مراقبة الله .
2. وجوب تصحيح النية.
3. وجوب الالتزام بالأمانة العلمية.
4. الالتزام بالحدود المرسومة لعملية الترجمة.
مسئوليات المترجم الشرعية تجاه النص من السنة والسيرة.
الترجمة رئة الأمة في تنفس عبير الحضارة، وقناة التبادل الثقافي والتلاقح الإنساني بين الأمم والشعوب، ومراجعةٌ يسيرةٌ لتاريخ العالم يكشف لنا أثر الترجمة في تحقيق النقلات الحضارية وربط الحلقات المعرفية من جهود العلماء المسلمين من مختلف البلدان، في سلسلة لا تنتهي بما نتوفر عليه اليوم من جذور حضارية ضاربة في العمق والتأثير .
بدء من ترجمة المسلمين المتقدمين للفكر العالمي أو ترجمة الأوربيين لمؤلفات المسلمين الأندلسيين ليوصلوا بها ما انقطع من تاريخهم، ويبنوا على معطياتها مناهجهم في البحث، ومن ثم تطوروا حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من تقنية الفضاء والإلكترون.(16/5)
وما كان ذلك ليكون لولا شعور المسلمين الأوائل بضخامة المسئولية المناطة على عواتقهم، وعظم الأجر الذي يحصلونه من وراء أداء تلك الأمانة، فقد كان شعارهم في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. )) (1)
ومن الذين شهد لهم التاريخ بهذا الدور النبيل في أداء أمانة التبليغ أبو محمد عبد الله الميروقي الذي كان قسيسا من رهبان النصارى في الأندلس فأسلم وحسن إسلامه، وتعلم اللغة العربية وأتقنها أيما إتقان، ثم بذل جهدا مباركا في الترجمة حتى لقب بالترجمان، وتولى منصب رئيس شئون الترجمة في الدولة، وخلف كتابا ماتعا نافعا وهو الموسوم بـ (تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب) كشف فيه هوية كتّاب الأناجيل الأربعة، وأكد أنهم ليسوا من حواريي المسيح عليه الصلاة والسلام بأدلة علمية دامغة، ثم ناقش جل القضايا التي حاك خيوطها من حرف كلام الله عن مواضعه، وفند عقيدة التثليث، والأقانيم، والخطيئة الأولى، والعشاء الرباني، وصك الغفران، ثم أثبت بشرية المسيح عليه الصلاة والسلام، ثم شرع في عرض التناقضات الواردة في نصوص الأناجيل المحرفة، ثم عرج على ما يعيبه النصارى على المسلمين كزواج العلماء والصالحين، ومسألة الختان، ثم ختم كتابه بإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبيان فضله ومنزلته بنصوص من التوراة والإنجيل،رحمه الله رحمة واسعة. (2)
__________
(1) ... رواه مسلم من حديث أبي هريرة/كتاب العلم/ رقم:2674
(2) ... انظر مقدمة (تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب) بتحقيق عمر وفيق، وكذا مجلة (بريد الإسلام) العدد الثاني لعام 1413هـ ص45-43.(16/6)
ومن هنا تتأكد مسئولية العلماء والباحثين من أهل هذا العصر الذي يشهد تطورا هائلا، وثورة غير مسبوقة في مجال الاتصالات، من إذاعات وقنوات فضائية، وشبكة عنكبوتية لا تعرف الحدود ولا يعرف لها مكان أو مقر.
فالمسلمون اليوم مضطرون-ولابد- أن يضاعفوا من جهودهم الهادفة إلى تبليغ رسالة الإسلام عبر هذه الوسائل المتاحة، وهي مسئولية مشتركة بين الأفراد القادرين، والمراكز المتخصصة، والهيئات العلمية، والمؤسسات البحثية، ولا يتم أداء هذه الأمانة إلا بإحياء دور الترجمة.
وفي هذا الفصل بمباحثه الخمسة نتناول بإيجاز مسئولية المترجم الشرعية تجاه النص :
المبحث الأول: ضرورة التأكد من ثبوت النص المراد ترجمته.
إن النصوص الشرعية من حيث الثبوت تنقسم إلى قسمين:
1- نص مجمع على ثبوته ولا يتطرق الشك إليه من هذه الحيثية، وهو القرآن الكريم.
2-نص يحتاج إلى التأكد من ثبوته قبل الاشتغال به وبذل أي جهد علمي بشأنه وهو نصوص السنة والسيرة النبوية-مجال هذه الندوة-
ولذا كان أولى الناس بالترجمة طلاب وخريجو الجامعات الإسلامية، والعلماء الذين يتقنون العربية واللغات الأخرى؛ لأنهم أعرف من غيرهم وأقدر على التمييز بين ما صح وما لم يصح، والأفضل من ذلك أن تتولى الترجمة مؤسسات تتبنى العمل الجماعي وتضم فرق عمل تتضافر جهودها وتتعاون في أداء المهمة.
ويأتي في إطار التأكد من صحة النص قبل ترجمته وجوب الاهتمام بما يستحق الترجمة وما لا يستحقها من كتب وأبحاث، فلا ينبغي أن نفتح الباب لترجمة كل ما قيل أو صنف حول السنة والسيرة النبوية دون انتقاء وتمحيص.
ولذا كان من أكبر الأخطاء المنهجية التي وقع فيها المستشرقون أنهم عمدوا إلى ترجمة كتب الأدب، والتصوف، والتاريخ الإسلامي المزور، وبنوا جل دراساتهم وتصوراتهم عن الإسلام على ما أخذوه من مثل كتاب الأغاني، أو كتب السهروردي وابن عربي وابن الفارض وصوفيات الغزالي، أو سيرة البرزنجي ونحوها.(16/7)
فأوقعهم هذا التصرف في أخطاء منهجية قاتلة بالإضافة إلى أن أكثرهم إنما حركهم سوء القصد والكيد للإسلام.
المقصود أن المترجم ينبغي أن يستشعر ضخامة المسئولية التي قد تحملها فهو بين أجر عظيم، أو إثم كبير، ووعيد شديد بالنار إن تلاعب بالنصوص الشرعية أو تعمد إضلال الناس عن سواء السبيل، فينبغي أن يجعل نصب عينيه قوله عزوجل: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } النحل116، وقوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } البقرة79 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )) (1)
المبحث الثاني :ضرورة التأكد من مدلول النص.
بعد أن يتأكد المترجم من صحة النص من السنة أو من السيرة النبوية يلزمه أن يتأكد من مدلوله، فالثبوت والدلالة محوران أساسان عليهما يدور فلك عملية التطبيق والتبليغ، ومن أهملهما قبل الشروع في التطبيق أو التبليغ كثرت أخطاؤه فضاعت جهوده.
ومن هنا لابد للمترجم من التثبت من مدلول الأحكام والأصول الشرعية التي تفهم من ترجمته للسنة ، والوقائع التي سوف ينسبها إلى النبي عليه الصلاة والسلام من يقرأ هذه الترجمة، فإذا كان فهمه سقيما أو ضعيفا فلا بد أن يسري هذا السقم وهذا الضعف إلى قرائه الذين اتخذوا من هذه الترجمة عمدتهم ومرجعهم في الفهم والتطبيق.
وقد تنحرف الترجمة بسبب كلمة واحدة أو حرف واحد وينقلب المعنى بعيدا عن مقصود المتكلم.
__________
(1) ... رواه الشيخان واللفظ لمسلم: البخاري: كتاب العلم/رقم:106/مسلم/المقدمة/رقم3 وهو متواتر.(16/8)
فمثلا: في حديث رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه أِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: (( يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا( أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ) أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ. )) (1)
فجاء مَن ترجم الحديث من خلال ترجمته لكتاب التوحيد للشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله إلى الفرنسية فيقول عن قوله: ((أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ )) : ou se lave avec l'urine d'un animal.
ومعنى هذه العبارة: ( أواغتسل ببول دابة!!)
وفي ترجمة كتاب (الفرقة الناجية والطائفة المنصورة) للشيخ محمد جميل زينو ورد قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } العنكبوت14
قال مترجمه: IL a fait cela pendant mille et cinquante ans
ومعنى العبارة: (فلبث فيهم ألف سنة وخمسين عاما) فكان سببَ هذا الخطأ الذي بلغ مائة عام حرفٌ صغيرٌ هو حرف الواو بالفرنسية et .. ومن نظر في واقع أكثر الترجمات الحالية ير واقعا مريرا يؤكد الحاجة إلى جهود كبيرة لاستدراك ما يمكن استدراكه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
المبحث الثالث: ضرورة توفر الآليات والمقومات التي لا يسع المترجم جهله.
إن المترجم تتجاذبه عناصر أربعة، يسعى للنجاح في التعامل معها وهي:
1. هل سيتم الاحتفاظ بشكل النص كما هو عليه بلغة الأصل على حساب المضمون؟
2. هل سيتم الاحتفاظ بمحتوى النص الأصلي على حساب شكله الذي هو عليه بلغة الأصل؟
__________
(1) ... رواه أبو داود والنسائي، والبيهقي والطبراني وصححه الألباني في صحيح أبي داود.(16/9)
3. هل سيتم الاعتناء بالشكل الذي سيظهر عليه النص بلغة الهدف أكثر من العناية بمحتواه لكي يتناغم النص مع قوانين الشكل والبناء اللغوي في لغة الهدف مع الاحتفاظ بذات المحتوى في كِلا اللغتين ؟
4. هل سيتم الاعتناء أكثر بمحتوى النص ومضمونه عند تسجليه بلغة الهدف لكي يتناغم مع مدارك القارئ بلغة الهدف مع الاحتفاظ بذات الشكل الذي ظهر عليه النص بلغة الأصل ؟
فكلما كان المترجم أكثر توفيقا في المحافظة على مضمون النص الأصلي، ومدلول النص الهدف مع عدم إهمال الشكل الجمالي في لغة الهدف كان أكثر توفيقا في نقل كلام المتكلم بأمانة تامة إلى القارئ أو السامع .
ومن المقومات التي لابد أن تتوافر لدى المترجم :
1. إتقان اللغة المصدر وهي اللغة المنقول منها.
2. إتقان اللغة الهدف- المنقول إليها- إلى حد يسمح له بنقل النص المراد ترجمته دون إخلال بالمعنى.
عن هذين العنصرين يقول الجاحظ: (( ولا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة، والمنقولة إليها حتى يكون فيها سواء وغاية...إلى أن قال: وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق، والعلماء به أقل، كان أشد على المترجم، وأجدر أن يخطئ فيه، ولن تجد البتة مترجما يفي بواحد من هؤلاء العلماء، (1) هذا قولنا في كتب الهندسة، والتنجيم، والحساب، واللحون، فكيف لو كانت هذه كتب دين وإخبار عن الله عزوجل بما يجوز عليه وما لا يجوز عليه. )) (2)
3. أن تكون لديه معرفة مقبولة بأساليب اللغتين ودقائق تعابيرهما، وإلا فسوف يقع في أخطاء قاتلة من حيث يدري أو لا يدري، وكثير من التراجم المتداول اليوم تشهد بحال أناس أقحموا أنفسهم في الترجمة دون أن يكون لديهم أدنى تمكن من اللغة العربية.
__________
(1) ... يعني أن أي مترجم مهما أوتي من مقدرة فلن يستطيع القيام بترجمة أعمال عالم واحد من علماء الإسلام.
(2) ... كتاب الحيوان 1/76-77(16/10)
جاء في ترجمة كتاب التوحيد أيضا عند ترجمة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت )) (1) فقال:
O Seigneur il n'ya que toi qui est l'auteur des bonnes choses! Il n'ya que toi qui est l'auteur des mauvaises choses!
والمعنى: (لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يأتي بالسيئات إلا أنت!!!) وهذا الكلام الخطير لا يتصور أن يصدر من مسلم يفهم مضمون هذا النص .
فلو أن هذا المترجم لديه رصيد من اللغة أو استحضر شيئا من مبادئ الإسلام وقواعده الكلية لعرف أن إسناد السيئات إلى الله هو غاية الجهل ومنتهى القبح، فأين هذا من قوله تعالى: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } النساء79 ؟؟
المبحث الرابع: الإلمام بالخطاب الشرعي وأساليبه .
ينتظر من المترجم أن يكون خبيرا بألفاظ الشريعة وخطاب الشارع حتى لا يحرف الكلم عن مواضعه، فيجب عليه أن يهتم بالقرآن الكريم وتفسيره والسنة النبوية وشروحها، وعلم أصول الحديث وأصول الفقه ، وألا ينفك عن سؤال العلماء المتخصصين في الفنون عما يشكل عليه، ولا يسمح لنفسه بالاجتهاد في أمور لا علم له بها.
جاء في ترجمة كتاب التوحيد آنفة الذكر قول المترجم -وهو يعرِّف الحديث المرفوع:
Marfu' :Un hadith don't l'isnad s'arrete a' un des compagnons du prophe(S.A.W)
تقول العبارة:( المرفوع: هو حديث موقوف إسناده على أحد أصحاب النبي عليه السلام!!
وترجم قول المؤلف: (( وفي الصحيحين عن ابن مسعود... )) فقال:
Dans les deux hadiths sur Ibn Masoud ...
ومعناها: (وفي الحديثين عن ابن مسعود) فجعل الصحيحين اللذين هما صحيحا الإمامين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما حديثين فقط.
__________
(1) ... رواه أبو داود عن عروة بن عامر، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وبها ضعفه الشيخ الألباني.(16/11)
لا شك أن من كان على هذا المستوى في فهم المصطلحات العلمية كان الأولى به أن ينأى بنفسه عن خوض هذا الغمار، والانغماس في هذه اللجة بعيدة الغور.
المبحث الخامس: الإلمام بأصول عقيدة السلف .
لابد للمترجم حتى يقوم بدوره المنتظر أن تكون له عناية خاصة بعقيدة السلف الصالح، وأصولهم التي ينبني عليها منهجهم في الاعتقاد والتصور،فيلزمه أن يترجم آيات وأحاديث الصفات بما يطابق عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين،من غير تمثيل ولا تحريف، ولا تعطيل ولا تأويل، لئلا يحمل ترجمته معان عقدية فاسدة،بأن ينسب النقص إلى الله أو ينفي عنه ما أثبته لنفسه، كما وقع لعدد من المترجمين الذين لم يبذلوا أي جهد في هذا الباب .
فقد ورد في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية للدكتور نور الدين محمود -وهي ترجمة وصفها صاحبها بأنها ترجمة جديدة ومراجعة ومدققة- (1) أشياء غريبة من هذا النوع يمكن عزوها في معظمها إلى ضعف واضح في معرفة عقيدة السلف، ومنها ترجمته لقوله تعالى: { صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } البقرة138 حيث قال: telle est la couleur d'Allah ... . أي: (( ذلك لون الله ومن أحسن من الله لونا... )) فوقع بسبب سوء الفهم في مغامرة لغوية خطيرة أدت به إلى وصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه.
وترجم قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة115 فقال:
Car Allah est partout et sait tout أي: (إن الله في كل مكان، أو في كل شيء..) فأدرج هنا هذه العقيدة الفاسدة وهو يزعم أنه كلام الله، والحق يقال إن من تصور ما يمكن أن تنشره هذه التراجم في العالم من الباطل أدرك خطورة هذه القضية، وضرورة العناية بها.
مسئوليات المترجم الأخلاقية تجاه النص من السنة والسيرة.
__________
(1) ... ترجمة معاني القرآن الكريم بالفرنسية للدكتور نور الدين محمود، مراجعة فوزي شعبان ط.دار الفكر.(16/12)
إن معيار الأخلاق التي يشترط على المترجم أن يمتاز بها ويضعها نصب عينيه ليدرأ عن نفسه شبهة الخيانة التي طالما أضفيت على المترجمين، قد حدده الإسلام بوضوح، وهي كلها ترجع إلى مبدإ واحد وهو صدق الحديث، فيجب على المترجم وهو ينقل كلام المتكلم أن يتصور أنه راوٍ يقول قال لي فلان كذا وكذا..فأي تحريف أو نقص أو زيادة في الكلام يعد خيانة وكذبا.. قال تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } النحل116
وعن سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )) (1)
وعلى قاعدة صدق الحديث تنبني المسئولية الأخلاقية التي يجب أن يتحملها المترجم، ويعطيها حقها، وإنها لمسئوليةٌ تنوء بالرجال الأقوياء ؛ فإن هذا الناقل الوسيط حاله كحامل البيض في زحام شديد بين أزقة ضيقة تعج بالمارة والمشاكسين كلٌ يحاول جهده أن ينال نصيبا مما يحمل ذلك المسكين، أما هو فعليه المعوَّل في أن يوصل البيض إلى نهاية المطاف دون خسارة.
وفي هذا الفصل بمباحثه الأربعة نسلط الضوء بإيجاز على المسئولية الأخلاقية للمترجم،، فإلى المباحث :
المبحث الأول: وجوب مراقبة الله.
إن تقوى الله هي رأس الأمر كله، وهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ } النساء131 وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران102
__________
(1) ... رواه مسلم: المقدمة/باب وجوب الرواية عن الثقات.(16/13)
يجب على المترجم وهو ينقل نصوص السنة والسيرة النبوية أو غيرهما أن يعلم أن المسئولية الأخلاقية تقتضي أن ما يسطره بيمينه سوف يسأل عنه يوم القيامة، وأن الله رقيبه ومجازيه بما قدمت يداه، قال عزوجل: { إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } النبأ40
وأن أمامه يوما ينال جزاء ما قدمت يداه فيقال له: { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } الحج10
قال الشاعر: ((وما من كاتبٍ إلا سيفنى * ويبقي الدهرَ ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ * يسرك في القيامة أن تراه ))
وباعتبار التقوى العامل الأساس في سلامة الترجمة فإن المترجم كلما كان أبعد عن مظان التقوى إما لكفره أو لإيغاله في البدع كانت ترجمته أبعد عن الصواب.
والدارس لبعض الترجمات التي وضعها المستشرقون لمعاني القرآن الكريم يجد أنها لم تلتزم الدقة والأمانة العلمية؛ لأنهم لا يعرفون للتقوى معنى، فقد أعيد في بعضها ترتيب السور حسب رأي المترجم، وتُرجم القرآن في بعضها ترجمة مرسلة لم تتقيد بالآيات داخل السور، فتظهر السورة وكأنها مقالة صحفية.
يقول روبرت كتون Robert Ketton إنه عانى صعوبات جمة في ترجمته لمعاني القرآن، وأنه تصرف بحرية مع النص حتى أنجز العمل! فقسم سورة البقرة إلى ثلاث سور! واتبع هذه الطريقة مع سور أخرى، فانتهى من عمله بترجمة تزيد سورها على ما في القرآن بتسع سور.! (1)
المبحث الثاني: وجوب تصحيح النية.
والنية أصل كل عمل كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) (2)
__________
(1) ... انظر عبده بوريما (دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله) ص6
(2) رواه البخاري /كتاب بدء الوحي/رقم1(16/14)
وذلك بأن يكون قصده من الترجمة الدعوة إلى الله، والإسهام في نشر السنة النبوية والمشاركة في بعث الأمة من جديد من خلال تعريفها بسيرة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.
ويعلم أنه إذا أخلص في نيته، وبذل وسعه في تصحيح عمله فإن الله يبارك عمله ويهدي بسببه من شاء من خلقه، وهو غاية الغايات ومنتهى الإرادات، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. )) (1)
وقضية المقاصد من الإشكاليات التي عانت منها ولا زالت تعاني بيئاتنا الثقافية، فكم من أفراد أو مؤسسات عمدت إلى ترجمة العديد من كتب العلماء والباحثين ولا يقصدون من وراء ذلك غير الربح المادي العاجل، فأتت تراجمهم خالية من الدقة والأمانة بعيدة عن المراجعة العلمية النزيهة، ذلك لأن من كان قصده الربح العاجل لابد أن يسعى إلى هدفه ومقصده بأيسر السبل وأقل التكاليف، ولاشك أن اختيار المترجمين الأكفاء وتشكيل اللجان العلمية المتخصصة للمراجعة العلمية الدقيقة تتطلب مزيدا من الوقت ومزيدا من التكاليف المادية، وهذا ما لا يريدونه لأنه يتعارض مع مقاصدهم.
وبعض المترجمين إنما حملهم على الترجمة تحويل مفاهيم القراء العوام إلى ما يعتقونه من عقائد فاسدة، وانتحال ما يرونه من مذاهب ضالة، وطرق معوجة.
وهؤلاء إنما هم مضلون ظالمون يجب فضحهم والتحذير منهم { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } الأنعام144
المبحث الثالث: الأمانة العلمية.
__________
(1) متفق عليه: البخاري/الجهاد والسير/رقم: 3009/مسلم: فضائل الصحابة/رقم:2406(16/15)
من أهم السمات الأخلاقية التي ينتظر من المترجم أن يتصف بها أن يكون أمينا فيما ينقله للناس من نصوص، ويمكن تعريف الأمانة بأنها :(القيام بالمطلوب كما هو مطلوب في الوقت المطلوب) فمن أراد الدخول في أي مشروع للترجمة فلينظر في نفسه إن كان قادرا على القيام به لتوفر المقومات العلمية والفنية، قادرا على إنجازه في الوقت المطلوب فليقدم وإلا فليحجم ليسند هذا العمل إلى من يستطيع؛ لأن أداء الأمانة مطلب شرعي يجب الالتزام به في كل شيء لاسيما في هذا المجال نظرا لضخامة مسئولية المترجم.
قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } النساء58
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } الأنفال27
وقال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } الأحزاب72
وعدم الوفاء بحق الأمانة خيانة عدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إحدى علامات النفاق فقال عليه الصلاة والسلام: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) (1)
ويمكن رسم حدود أمانة المترجم على ركيزتين أساسين:
1. الدقة في اختيار ما يترجه بأن يكون نصا ينفع الناس في الحال والمآل.أي: (ماذا نترجم؟)
2. الدقة في ترجمة النص كما هو من غير زيادة ولا نقصان. أي: (كيف نترجم؟)
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل خطإ واقع في الترجمة يكون مصدره الخيانة؛لأن هناك أمورا تتحكم في المترجم مهما بلغت قدرته الفنية والعلمية، ومنها:
__________
(1) ... رواه الشيخان من حديث أبي هريرة: البخاري:كتاب الإيمان/رقم33/مسلم:كتاب الإيمان/رقم59(16/16)
1. طبيعة النص الذي يشتغل فيه المُترجِم من حيث كونه نصا علميا دينيا، أو أدبيا، أو تاريخيا.. الخ ، مما ينعكس سلبا أو إيجابا على درجة مطاوعة ذلك النص لعملية الترجمة.
2. درجة التطابق والتباين بين لغة المصدر ولغة الهدف من حيث النظام اللغوي الخاص بكلٍ منهما وحجم خيارات التكافؤ المتاحة بينهما، ومعلوم أن لغة العرب لا توجد لغة تجاريها في هذا المجال فلها من الاتساع ما يجعل من الصعوبة بمكان نقل نصوصها كما هي إلى لغة أخرى بحيث يشعر قارئها وهو يقرؤها نفس الشعور والإحساس الذي يتملك القارئ العربي وهو يقرأ النص الأصلي، بل من المستحيل نقل أوصاف السيف والأسد والرمح وغير ذلك من الأسماء المترادفة، فغالب اللغات في العالم لا تعرف للأسد غير اسم واحد، أما العرب فتذكر له أكثر من خمسين ومائة اسم، قال أحمد بن محمد بن بندار: ((سمعت أبا عبد الله بن خالويه الهمداني يقول: جمعت للأسد خمسمائة اسم، وللحية مائتين )) (1)
فنظرا لهذه الخصائص التي تنفرد بها هذه اللغة من المرونة و الاتساع و الكمال أخلُص لنتيجة واحدة هي أن عنصر القصور الذي سيلمسه قارئ النص المُترجَم إلى العربية أو منها إلى غيرها، هو أمر حتمي لا مناص منه .. اللهم إلا إذا كان هذا القصور ناجما عن قصور قصدي أو ناجما عن قصور في قدرة المترجم نفسه.
وعلى هذا نقرر أنه ليست كل الأخطاء ناجمة عن الخيانة.
المبحث الرابع: الالتزام بالحدود المرسومة لعملية الترجمة.
يجب على المترجم أن يكون على علم بأنه لا ينتظر منه كمترجم أن يتدخل بالشرح والتوضيح والتعليق وإثقال ترجمته بالحواشي بل كل ما عليه أن ينقل معنى النص كما هو ليفهمه القارئ والمستمع طبقا لما أراده المتكلم.
__________
(1) ... انظر: د/ إبراهيم محمد أبو عباة: لغة القرآن،مكانتها والأخطار التي تهددها ص14(16/17)
وإهمال هذا الضابط حمل بعض المترجمين على إثقال تراجمهم بالتعليقات على الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية، حيث يعلق المترجم على النصوص حسب فهمه للآية أو الحديث دون مراعاة النصوص الأخرى الواردة في القضية، وهذا يؤدي حتما إلى القول على الله بلا علم، وقد قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } الأعراف33
ففي الترجمة الفرنسية لـ(الفرقة الناجية) وردت ترجمة قوله تعالى: { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } فاطر14 هكذا: Rien de tel qu'un home tres bien renseigne pour te donner des nouveelles
والمعنى: (ولا ينبئك مثل رجل خبير!) فمن أين أتى بكلمة رجل؟ غير فهمه القاصر.
وورد مثله في الترجمة الفرنسية لرسالة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في المناسك عند ترجمة كلام المؤلف عن تحلل المحرم بحلق رأسه، فأقحم المترجم كلمة (ولحيته)! وطبع الكتاب في إدارات البحوث العلمية مع وجود هذه المخالفة الصريحة.
بل من النادر أن تجد تدخلا بالتعليق من هؤلاء المترجمين الذين لا علم لهم بالشريعة إلا وترى مثل هذه التحريفات الخطيرة.
ومن الغرائب التي وقعت في ترجمة معاني القرآن لحميد الله قبل التصحيح (1) ترجمته لقوله تعالى: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } القلم9 بما مفاده: إنهم أحبوا أن تأخذ دهاناً لجسمك كما فعلوه، ثم علق عليه بأن اتخاذ الدهان للجسم دليل على الركون إلى الدنيا، ثم خلص إلى أن المعنى :( أحبوا أن تخلد إلى الدنيا ومظاهرها مثل ما خلدوا هم إلى الدنيا!!)
__________
(1) ... قامت لجنة علمية بمراجعة هذه الترجمة بأمر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فتم ذلك على نحو أقرب إلى السلامة.(16/18)
وهذا كله من القول على الله بلا علم، نسأل الله العافية.
الحمد لله في الأولى والآخرة على وصول هذه الورقة إلى الخاتمة.
وتتكون هذه الخاتمة من نقطتين :
الأولى: خلاصة ما تم التوصل إليه في هذه الورقة.
الثانية: مقترحات وتوصيات تقدم بها الباحث.
أولا: الخلاصة.
1-إن مما يقتضي حتمية نقل السنة والسيرة النبوية وترجمتهما إلى لغات العالم :
1. عالمية الدعوة الإسلامية وشموليتها لكل الأجناس البشرية أينما كانوا.
2. حاجة الناس كلهم إلى معرفة السنة والسيرة النبوية في معاشهم ومعادهم.
3. أن أكثر الناس اليوم لا يتحدثون باللغة العربية فلا سبيل لتعريفهم بالسنة والسيرة النبوية إلا بترجمتها إلى لغاتهم.
2- نظرا إلى أن المنتمين إلى الإسلام يبلغون مئات الملايين من البشر، وبما أن هذه الشعوب ليس بالإمكان إخراجها مما هي فيه من الجهل إلا بنشر السنة المطهرة وتعريفهم بنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم من خلال سيرته العطرة،كان لا بد من نقل هذه العلوم بترجمتها مقروءة ومسموعة إلى اللغات التي ينطقون بها.
3-إن المترجم يحتاج إلى التأكد من ثبوت النص قبل الاشتغال به وبذل أي جهد علمي بشأنه ؛ لذا كان أولى الناس بالترجمة طلاب وخريجو الجامعات الإسلامية، والعلماء الذين يتقنون العربية ولغات أخرى؛ لأنهم أعرف من غيرهم وأقدر على التمييز بين ما صح وما لم يصح، والأفضل من ذلك أن تتولى الترجمة مؤسسات تتبنى العمل الجماعي وتضم فرق عمل تتضافر جهودها وتتعاون في أداء المهمة.
ويأتي في هذا الإطار ضرورة التأكد من كون المادة المختارة للترجمة مما يستحق الترجمة ، فلا ينبغي أن نفتح الباب لترجمة كل ما قيل أو صنف حول السنة والسيرة النبوية دون انتقاء وتمحيص.(16/19)
4- من أكبر الأخطاء المنهجية التي وقع فيها المستشرقون أنهم عمدوا إلى ترجمة كتب الأدب، والتصوف، والتاريخ المزور، وبنوا جل دراساتهم وتصوراتهم عن الإسلام على ما أخذوه من هذه الكتب فأوقعهم هذا التصرف في أخطاء منهجية قاتلة بالإضافة إلى أن أكثرهم إنما حركهم سوء القصد والكيد للإسلام.
5- ومما لابد منه للمترجم التثبت من مدلول الأحكام والأصول الشرعية التي تستنبط من ترجمته للسنة ، والوقائع التي سوف ينسبها إلى النبي عليه الصلاة والسلام من يقرأ هذه الترجمة، فإذا كان فهمه سقيما أو ضعيفا فلا بد أن يسري هذا السقم وهذا الضعف إلى قرائه خاصة العوام الذين اتخذوا من هذه الترجمة عمدتهم ومرجعهم في الفهم والتطبيق.
6- من المقومات التي لابد أن تتوافر لدى المترجم :
1. إتقان اللغة المصدر وهي اللغة المنقول منها.
2. إتقان اللغة الهدف- المنقول إليها- إلى حد يسمح له بنقل النص المراد ترجمته دون إخلال بالمعنى.
3. أن تكون لديه معرفة مقبولة بأساليب اللغتين ودقائق تعابيرهما، وإلا فسوف يقع في أخطاء فاضحة من حيث يدري أو لا يدري.
4. ينتظر من المترجم أن يكون خبيرا بألفاظ الشريعة وخطاب الشارع حتى لا يحرف الكلم عن مواضعه، فيجب عليه أن يهتم بالقرآن الكريم وتفسيره والسنة النبوية وشروحها، وعلم أصول الحديث وأصول الفقه، وألا ينفك عن سؤال العلماء المتخصصين في الفنون عما يشكل عليه، ولا يسمح لنفسه بالاجتهاد في أمور لا علم له بها.
5. لابد للمترجم حتى يقوم بدوره المنتظر منه أن تكون له عناية خاصة بكتب السلف الصالح، وأصولهم التي ينبني عليها منهجهم في الاعتقاد والتصور،فيلزمه أن يترجم آيات وأحاديث الصفات بما يطابق عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين،من غير تمثيل ولا تحريف، ولا تعطيل ولا تأويل، لئلا يحمل ترجمته معان عقدية فاسدة،بأن ينسب النقص إلى الله أو ينفي عنه ما أثبته لنفسه.(16/20)
6. يجب على المترجم -وهو ينقل نصوص السنة والسيرة النبوية أو غيرهما- أن يعلم أن المسئولية الأخلاقية تقتضي أن ما يسطره بيمينه سوف يسأل عنه يوم القيامة، وأن الله رقيبه ومجازيه بما قدمت يداه { إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ }
7. يجب أن يكون قصده من الترجمة الدعوة إلى الله، والإسهام في نشر السنة النبوية والمشاركة في بعث الأمة من جديد من خلال تعريفها بسيرة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ويعلم أنه إذا أخلص في نيته، وبذل وسعه في تصحيح عمله فإن الله يبارك عمله ويهدي بسببه من شاء من خلقه، وهو غاية الغايات ومنتهى الإرادات، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. ))
8. من أهم السمات الأخلاقية التي ينتظر من المترجم أن يتصف بها أن يكون أمينا فيما ينقله للناس من نصوص، فمن أراد الدخول في أي مشروع للترجمة فلينظر في نفسه إن كان قادرا على القيام به لتوفر المقومات العلمية والفنية، قادرا على إنجازه في الوقت المطلوب وإلا فليسند هذا العمل إلى من يستطيع.
ثانيا: المقترحات والتوصيات.
نظراً لافتقار بيئاتنا الثقافية والدعوية إلى مترجمين متخصصين بالعلوم الشرعية إلى جانب القدرة على الترجمة السليمة فإني أقترح العمل بما يلي:
1. ضرورة الاهتمام بتدريس اللغات الأجنبية في الكليات الشرعية بجامعاتنا الإسلامية لتخريج دعاة وعلماء قادرين على البحث والتأليف والترجمة.
2. حتى تكون الترجمة خاضعة لمعايير ومواصفات الدقة والضبط أقترح أن تتم ترجمة السنة والسيرة النبوية وغيرهما على يد لجان علمية متخصصة، وبذلك نتجنب الترجمات الفردية التي تؤدي إلى إبراز النزعات والاتجاهات الشخصية المعبرة عن آراء المترجمين.(16/21)
3. إنشاء مراكز للبحث والترجمة تفتح أبوابها للعلماء والباحثين الذين يتقنون أكثر من لغة، للاستفادة من خبراتهم، مع توفير الوسائل اللازمة لذلك.
4. إنشاء معاهد ثقافية إسلامية لتعليم المسلمين الذين برزوا في لغات وثقافات أخرى تعليمهم اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ومن ثم تدريبهم على أصول الترجمة.
5. إنشاء وتجهيز مكتبات صوتية لتسجيل مبادئ العلوم الإسلامية بشتى اللغات، نظرا لعظم الدور الذي يمكن أن يؤديه الشريط الإسلامي حتى في أوساط الأميين.
6. حبذا لو قامت الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها بفتح موقع خاص بترجمة السنة والسيرة النبوية وتتعاون مع الباحثين والمترجمين في مختلف أنحاء العالم لإنجاز مهمة ترجمة كل ما كتب في هذا المجال من كتب ورسائل نافعة.
هذا: وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د/ محمد أحمد لوح
عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية
في السنغال
المصدر ... البيانات
تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ... للميروقي/ط.دار الكتب العلمية/ عناية عمر وفيق
ترجمة معاني القرآن الكريم بالفرنسية ... د/نور الدين محمود، مراجعة فوزي شعبان ط.دار الفكر/بيروت
تفسير القرآن العظيم/ لابن كثير ... المدينة/مكتبة العلوم والحكم/1413هـ /1993م
جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ... بيروت /دار الكتب العلمية/تعليق أحمد شاكر/ط: 1412هـ
الجامع الصحيح للبخاري ... القاهرة/ طبعة الريان/ مع ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ... لابن تيمية/مطابع المجد التجارية
دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله ... عبده بوريما/المدينة/دار البخاري/1416هـ
سنن أبي داود ... حمص/دار الحديث/ط.1393هـ تعليق عزت الدعاس
سنن النسائي (المجتبى) ... بيروت/دار الفكر/1930م وبهامشه حاشية السيوطي والسندي
السنن الكبرى للبيهقي ... دائرة المعارف العثمانية/1352هـ
صحيح أبي داود للألباني ... الرياض/ مكتبة المعارف/1419هـ(16/22)
صحيح مسلم ... بيروت/دار إحياء التراث العربي/تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي
فتاوى للمسافرين والمغتربين ... للشيخ عبد العزيز بن باز/الفرقان/ط1/1413هـ
كتاب الحيوان للجاحظ ... القاهرة/ مطبعة الحلبي/ تحقيق عبد السلام هارون
لغة القرآن مكانتها والأخطار التي تهددها ... د/إبراهيم أبو عباة/الرياض/دار الوطن/ط1/1413هـ
مجلة بريد الإسلام ... الإسكندرية/العدد الثاني/لعام1413هـ
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 1-3
خطة البحث ... 4
الفصل الأول: مسئوليات المترجم الشرعية ... 5-11
أثر الترجمة الإسلامية على الحضارة الغربية ... 5-6
تنقسم النصوص الشرعية من حيث الثبوت إلى قسمين ... 6-7
من أخطاء المستشرقين المنهجية ... 7
ضرورة التأكد من مدلول النص ... 7-8
نماذج من أخطاء المترجمين ... 8
المترجم تتجاذبه أربعة عناصر ... 8
من المقومات التي لابد أن تتوافر في المترجم ... 9-10
ضرورة الإلمام بالخطاب الشرعي وأساليبه ... 10
ضرورة الإلمام بأصول عقيدة السلف ... 10-11
الفصل الثاني: مسئوليات المترجم الأخلاقية ... 12-17
وجوب مراقبة الله ... 12-13
وجوب تصحيح النية ... 14
يجب أن يتصف المترجم بالأمانة العلمية ... 15
ترتكز أمانة المترجم على ركيزتين أساسين ... 15-16
الحدود التي لا تتجاوزها عملية الترجمة ... 17
الخاتمة ... 18-21
خلاصة البحث ... 18-20
التوصيات والمقترحات ... 21
فهرس المصادر ... 22
فهرس المحتويات ... 23(16/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة ذاتية لـ:
الاسم: محمد أحمد لوح -
- الجنسية: سنغالي - المهنة : باحث
-الدراسة :
-1961-1974: حفظ القرآن والتعليم الابتدائي والثانوي.
-1988 : ليسانس، من كلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة.
-1993: ماجستير،من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة المذكورة. (قسم العقيدة).
-1996: دكتوراه، من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة. (قسم العقيدة)
البحوث والدراسات:
1- الكتب الستة مناهجها وجهود العلماء في خدمتها، تقدم به الباحث إلى قسم السنة ومصادرها لنيل الباكلوريوس عام1408هـ = 1988م (طبعة إلكترونية)
2- تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي ، رسالة تقدم بها الباحث إلى قسم العقيدة لنيل درجة الماجستير في العقيدة والفرق عام 1413هـ =1993م وأجيز بتقدير ممتاز مع التوصية بالطبع وطبع في مجلدين بدار الهجرة في الخبر عام 1416هـ = 1996م ونفذ من الأسواق، وطبع ثانية في دار ابن عفان1422هـ = 2002م
3- جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية، رسالة تقدم بها الباحث إلى قسم العقيدة لنيل درجة الدكتوراه عام1416هـ = 1996م ونال بها الدكتوراه في العقيدة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالطبع وطبع في دار ابن عفان بالسعودية عام1417هـ = 1997م وفاز الكتاب بجائزة أمير المدينة في العام نفسه.
4- كيف نعيد للمسجد مكانته. كتاب متوسط، طبع في المدينة عام1418هـ
5- الوشي الرقيم في التعليق على النهج القويم. (كتاب في الفقه الإسلامي)
6- الأساليب النبوية في التعامل مع الأزمات الدعوية. (تحت الإعداد)
7- المراسلات السلفية خلال القرون الثلاثة الذهبية وما حوته من أسس منهجية.(تحت الإعداد)
7- أكثر من 30 بحثا وورقة عمل تقدم بها الباحث إلى العديد من المؤتمرات المحلية والدولية .
العمل الحالي والخبرات المكتسبة:(17/1)
*إدارة دار الاستقامة للتربية الإسلامية بالسنغال، والتدريس بالحلقات العلمية بها، والإشراف على تنفيذ مشاريعها التربوية والتعليمية. (10سنوات)
* إمام وخطيب جامع عبد الله بن المبارك في داكار العاصمة منذ 2003
* عميد الكلية الأفريقية للدراسات الإسلامية ومدرس بها.(منذ 2001)
* الإشراف المباشر على العديد من الدورات العلمية والتربوية والإدارية.
* خبرة 16 عاما في استخدامات الحاسب الآلي.(1991-2007م)
العنوان:
MOHAMED AHMED LO/ P.O.BOX: 26081 DAKAR-P.A /SENEGAL
E-MAIL:modlo@maktoob.com
00221 6379726الجوال :
00221 8532345فاكس المكتب :
00221 8532346: هاتف المكتب(17/2)
عنوان البحث:
إيصال السنة إلى الغربيين ...
خبرة ميدانية
إعداد:
د. محمد بن مصطفى الجبالي
مؤلف ومدير "منشورات الكتاب والسنة"
محاضر متعاون في جامعة طيبة بالمدينة المنورة
الأستاذ المساعد سابقاً بجامعة أيوا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية
دراسة مقدمة إلى:
الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها
ضمن ندوة:
ترجمة السنة والسيرة النبوية (الواقع، التطوير، المعوقات)
المحور الأول: الأسس العلمية التي تقوم عليها الترجمة، والشروط التي يجب توافرها فيها
الفرع الأول: ترجمة السنة والسيرة، دراسة تأصيلية
المنعقدة في:
الرياض، 23-25 صفر 1429هـ (1-3 مارس 2008م)
فهرس البحث
المحتويات ... رقم الصفحة
المقدمة ... 3
المبحث الأول: الإخلاص لله ... 4
المطلب الأول: أهمية الإخلاص في ترجمة السنة ... 4
المطلب الثاني: الإيمان بالفكرة التي يراد ترجمتها، والحرص على نقلها كوسيلة دعوية ... 5
المطلب الثالث: تجنب التوجه المادي التجاري ... 5
المطلب الرابع: تجنب إتخام المكتبة الغربية بترجمات لا داعي لها ... 5
المبحث الثاني: الخبرة بالواقع الدعوي ... 6
المطلب الأول: أهمية الخبرة بالواقع ... 6
المطلب الثاني: الاعتدال في النظر للواقع ... 6
المطلب الثالث: المادة الدعوية تتطلب خبرة بالواقع الدعوي ... 7
المطلب الرابع: معرفة الأولويات والتركيز على المادة التي تكثر الحاجة إليها ... 7
المطلب الخامس: عدم إعطاء كتب التراث وكتب كبار العلماء أولوية مصطنعة ... 7
المطلب السادس: مراعة الأجواء السياسية والثقافية ... 8
المبحث الثالث: أهلية مترجم المادة الشرعية ... 8
المطلب الأول: الاستقامة الدينية والخُلقية ... 8
المطلب الثاني: الرسوخ في اللغة العربية ... 9
المطلب الثالث: الرسوخ في اللغة المترجم إليها ... 10
المطلب الرابع: معرفة المصطلحات الشرعية ... 12
المطلب الخامس: الدقة في الترجمة، والتمييز بين الترجمة الحرفية والحرة ... 13
المبحث الرابع: ضوابط وتوجيهات مهمة ... 14(18/1)
المطلب الأول: تصفية المادة المترجمة من الأخبار الضعيفة والآراء المتهافتة ... 14
المطلب الثاني: الاستفادة من أعمال المستشرقين بحذر ... 15
المطلب الثالث: حسن العرض والإخراج ... 16
المطلب الرابع: أمور مكملة تساعد على حسن العرض وزيادة النفع ... 16
نتائج البحث ... 17
ثبت بالمراجع ... 17
(
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ( (1)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( (2)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( (3)
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد (، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
__________
(1) آل عمران 102.
(2) النساء 1.
(3) الأحزاب 70-71.(18/2)
وبعد، فإن السنة هي الوحي المكمل للقرآن والحاكم عليه والمبين له. وهذا البيان هو بقول النبي الكريم وفعله وتقريره، وهو من أحوج ما تحتاجه الأمة، قاصيها ودانيها، وعربها وعجمها، لكي تتبصر في دينها وتعلم ما ينفعها في معاشها ومعادها. فكان لزاماً أن تنقل السنة بضبط ودقة وسلامة إلى اللغات الأعجمية لكي ينهل منها الأعاجم، فتقوم بذلك عليهم الحجة، وتقوم لهم الذريعة ليعبدوا الله تعالى على بصيرة وحسن اتباع.
تجدر الإشارة ههنا إلى أن أي مصنِّف لمادة شرعية بلغة غير العربية يحتاج أن يكون في الوقت ذاته مترجماً، لأنه لا يستغني في تصنيفه عن ترجمة عدد كبير من نصوص القرآن والسنة وأقوال السلف والعلماء.
كما يجدر بنا أن نشير إلى أن طبيعة هذا البحث تتطلب إيراد أمثلة واقعية في الترجمة، وبعض الأمثلة التي أوردناها تتعلق بنقد كتابات لأصدقاء وإخوة معروفين، وليس القصد من هذا النقد النيل منهم شخصياً أو انتقاصهم، وإنما هو للنصح وبيان الحق والتواصي به، تطلعاً إلى أن ترتقي ترجمة دعاة السنة إلى مكانة مرموقة نسعد بها جميعاً.
وقد أذن الله ويسر لهذا الباحث أن قضى سنوات مديدة في بلاد الغرب، فكان من الساعين إلى نشر السنة النبوية بلغة أهلها، وذلك عن طريق ندوات ومحاضرات وكتب ومقالات عديدة، نسأل الله تعالى الإخلاص والقبول. وذاك العمل قد أكسبه خبرة في مجال ترجمة السنة، وهذا البحث يقوم بعرض بعض تلك الخبرة التي توصل إليها، والله الموفق.
المبحث الأول: الإخلاص لله
المطلب الأول: أهمية الإخلاص في ترجمة السنة
إن الترجمة الشرعية هي من التواصي بالحق الذي أمَرَنا به الله ( في قوله:
(وَالْعَصْرِ ( إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ( إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ( (1)
وهي من النِذارة التي أمر الله ( بها في قوله:
__________
(1) العصر 1-3.(18/3)
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ( (1)
ولذا، فإن هذه الترجمة هي – بلا ريب– عمل تعبدي يستوجب إخلاص النية لله كغيره من العبادات.
عن أمير المؤمنينَ عُمرَ بنِ الخطابِ ( أن رسولَ الله ( قالَ: (إنّما الأعمالُ بالنِّياتِ، وإنَّما لِكُلِّ امرئٍ ما نوى. (2)
وعن أبي أمامةَ ( أن رسولَ الله ( قالَ: (إنّ الله ( لا يقبلُ مِنَ العَمَلِ إلاّ ما كانَ له خالِصاً وابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُه. (3)
وعن أبي هريرةَ ( أن رسولَ الله ( قالَ: (قال الله (: " أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشركِ، فَمَن عَمِلَ لي عَمَلاً أَشركَ فيهِ غَيري فأنا مِنهُ بريءٌ، وهوَ لِلّذي أَشْرَكَ." (4)
وعن أبي بن كعبٍ ( أن رسولَ الله ( قالَ: (بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسّناءِ والرِّفعةِ والتمكينِ في الأرضِ؛ فَمَن عَمِلَ مِنهُمْ عَمَلَ الآخِرةِ للدنيا، لمْ يَكُنْ لهُ في الآخِرةِ مِنْ نصيب. (5)
المطلب الثاني: الإيمان بالفكرة التي يراد ترجمتها، والحرص على نقلها كوسيلة دعوية
__________
(1) التوبة 122.
(2) أخرجه الشيخان وغيرهما.
(3) أخرجه النسائي، وحسنه الألباني (الترغيب والترهيب 9).
(4) أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي، وحسنه الألباني (الترغيب والترهيب 49).
(5) أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما، وصححه الألباني (الترغيب والترهيب 28).(18/4)
عندما يقوم المترجم المسلم بترجمة نص شرعي إلى لغة أعجمية، فيجب أن يضع نصب عينيه إن هذه الترجمة عمل دعوي تعليمي يهدف إلى نقل المادة الشرعية بأمانة ولياقة إلى اللغة الأعجمية، وذلك لتوضيحها وبيانها لأهل تلك اللغة، مما سيعينهم على فهم دين ربهم وإقامة شعائره. ولذا، فيُتوخى فيه ابتداءً أن يكون على قناعة تامة بالمادة التي ينقلها، مما يساعده ويحثه على أن يعرضها عرضاً يصل إلى قلوب السامعين والقارئين. ومن إن أراد أن يقنع غيره بفكرة ما ينبغي أن يكون أكثر اقتناعاً بها أصلاً. وكما قيل: "ما خرج من القلب وقع في القلب." وقيل: "كل إناء بما فيه ينضح."
المطلب الثالث: تجنب التوجه المادي التجاري
من المعروف والمسلم به أن المترجم للنصوص الشرعية، كغيره من البشر، يحتاج مقابل وقته وجهده إلى ما يقيم أوده ويغنيه عن الناس. ولكن هذا لا يجوز أبداً أن يكون مبرراً لجعل الربح المادي والتفوق التجاري الهدف الأول والأهم من الترجمة، مما يفسد عندئذ نيته ويحبط عمله.
فعلى العامل في الترجمة أن يحرص أشد الحرص على أن يكون عمله خالصاً لله تعالى، وأن يوقن أن التعويض المادي على عمله وجهده هو تحصيل حاصل يأتيه به الله إن شاء ومتى شاء، وهو الرزاق الكريم، كما روى أنسٌ وزيدٌ ابنُ ثابتٍ ( أن رسولَ الله ( قالَ: (من كانت الآخرةُ همَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همَّه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شملَه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له. (1)
__________
(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني (الصحيحة 949-950).(18/5)
وهذا التوجه الصحيح يبعد عن عمل المترجم الدعويِّ الطيبِ الكثيرَ من التبذل والإسفاف الذي نراه في عامة الترجمات، فنرى الكثير من المترجمين والمترجمات يتخذون الترجمة ذريعة للكسب المادي المحض، دون أي التفات إلى المكسب الأجل والأسمى عند الله (، وبعضهم لا يقيم أياً من شعائر الدين، وبعضهم ليس بمسلم أصلاً.
المطلب الرابع: تجنب إتخام المكتبة الغربية بترجمات لا داعي لها
نستخلص مما سبق أن على المترجمين والناشرين الحرص على تقديم المادة الشرعية التي يغلب على ظنهم نفعها الأكيد للقارئ الأعجمي. وقد سبب الإخلال بهذا الأمر تخمة وتضخماً غير صحي في المكتبة الغربية، بحيث يحتار القارئ العادي فيما يطلبه ويقتنيه لاختلاط الغث بالسمين.
وتحت هذا المعنى، ينبغي تجنب ما يلي:
أ) الخروج بترجمة كتاب سبقت ترجمته، إلا أن تكون الترجمة الجديدة متميزة بوضوح من حيث قوة الترجمة وحسن العرض وغيرها من الأمور التي تزيد في نفع الكتاب. وعلى سبيل المثال، هناك تكرار في الترجمات الإنكليزية لـ "القصص النبوي لابن كثير"، و"الطب النبوي لابن القيم" وغيرهما، وأكثر تلك الترجمات تتساوى في الضعف اللغوي وعدم تحقيق وتصحيح المادة المترجمة.
ب) ترجمة مقال أو فصل من كتاب ثم إخراجه ككتاب مستقل (بعد حشوه بالمقدمات والملحقات)، إلا أن يكون هناك نفع محقق لذاك الفصل بعينه.
ج) حرص بعض دور النشر على الإكثار من نشر الكتب الشرعية المترجمة، واضعين نصب أعينهم حداً أدنى (كوتا) يجب إصداره شهرياً أو دورياً، وواضعين بذلك للصحة والدقة والنفع منزلة ثانوية في حسابهم.
المبحث الثاني: الخبرة بالواقع الدعوي
المطلب الأول: أهمية الخبرة بالواقع(18/6)
لا بد للباحث أن يكون ذا اطلاع على الواقع الذي يجري فيه بحثه، فلا يصلح أن يأخذ بحثاً وُضع لواقع آخر فيطبقه بحذافيره على واقعه، وذلك لأن الظروف والعوامل والمؤثرات تتفاوت من واقع لآخر. فلو انتقل خياط من مناخ بارد إلى مناخ حار لم يناسب أن يخيط الملابس السميكة لأهل موقعه الجديد، وإنما ينبغي أن يطوع خبرته السابقة ليقوم بصنع ما يلائم احتياجاتهم.
ولذا، فقد كانت رسالات الرسل ( نابعة من صميم أحوال قومهم. فعلى سبيل المثال، لم يخاطب شعيب ( قومه بأن نهاهم عن اتيان الرجال كما فعل لوط (، وذلك لعدم استفحال تلك الفاحشة في قومه.
المطلب الثاني: الاعتدال في النظر للواقع
لا ينبغي للباحث أن يفرط في نظرته للواقع، بحيث يرفض كل ما يأتي من خارج واقعه. فكثير من الأسس والمباديء المستوردة من واقع آخر يمكن تطويعها لتتلاءم مع الواقع الجديد. بل إن من المبادئ والأسس ما لا يمكن التخلي عنه في أي واقع كان. وفي مثال الخياط أعلاه، فإن الملابس التي يصنعها لا بد أن تستر العورة في كل مناخ.
وفي ديننا الحنيف من العقائد والأصول ما لا يجوز التنازل عنه في أي واقع، كما قال ربنا (:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا اله إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ( (1)
فكانت رسالات الرسل، رغم ما بينها من تفاوت، متحدة متواطئة على الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة كأصل أول فيها جميعاً.
المطلب الثالث: المادة الدعوية تتطلب خبرة بالواقع الدعوي
يُتوخى فيمن يخرج المادة الدعوية للأعاجم في بلد ما أن يكون على خبرة بواقعهم واحتياجاتهم والمشاكل والعقبات التي تواجههم في واقعهم. وهذا لا يكون إلا فيمن خاض معترك ذلك البلد لفترة طويلة، أو ممن نقلت إليه أحواله بصورة دقيقة أكيدة ممن شهدها.
__________
(1) الأنبياء 25.(18/7)
ومن خبر الواقع أمكنه أن يوجه دعوته بحيث تعالج واقع ذلك البلد خاصة: فأما الأصول، فيقوم بعرضها عرضاً يتماشى مع الأساليب المتبعة والنافعة هناك؛ وأما الفروع، فيقوم باختيار المادة المناسبة لأهل ذلك البلد.
ولا بد من الإشارة إلى أن الاطلاع على واقع كثير من البلاد قد أصبح سهلاً بسبب الانفتاح الإعلامي الكبير بواسطة التلفاز والشبكة العنكبوتية والصحف والمجلات وغيرها (ولكن، ليس الخبر كالعيان). ولهذا، فإن الواقع الدعوي قد أصبحت فيه عوامل مشتركة بين كثير من البلاد الغربية، مما يساعد على توحيد المادة الدعوية الوجهة إليهم إلى درجة كبيرة، مع الإبقاء على المادة التي تعالج ما تتميز به آحاد البلاد.
المطلب الرابع: معرفة الأولويات والتركيز على المادة التي تكثر الحاجة إليها
إن التراث الشرعي المتوفر باللغة العربية هو من الضخامة بحيث يكاد يستحيل ترجمته برمته إلى غيرها من اللغات. فعلى المترجمين عامة، ومترجمي السنة والسيرة خاصة، أن يسعوا إلى ترجمة ما يغلب على الظن نفعه الأفضل والأعمّ لأبناء اللغة الأعجمية، بناء على الخبرة بواقعهم الذي سبق الكلام فيه. وكما قد قيل:
العلمُ إنْ طلبتَهُ كثيرُ والعُمرُ عنْ تحصيلِهِ قَصيرُ فَقَدِّمِ الأهمَّ مِنهُ فالأهَمّْ
والأصل في المادة العلمية الشرعية أن توجه بلسان القوم المخاطبين، وأن تعالج احتياجاتهم ومشاكلهم الأهم والأكثر ذيوعاً. لذلك، فعلى المترجمين والناشرين للسنة أن يوجهوا جهودهم أولاً إلى ترسيخ أسس العقيدة والأخلاق، وإلى عرض مبسط سهل التناول لكافة العلوم الشرعية، بما في ذلك القرآن وعلومه، والفقه وأصوله، والحديث وأصوله.
المطلب الخامس: عدم إعطاء كتب التراث وكتب كبار العلماء أولوية مصطنعة(18/8)
بناءً على ما سبق، فإن انتقاء المادة التي تترجم لا ينبغي أن يعتمد فقط على شهرة المؤلِّف أو المؤلَّف في العربية. فكم من كتب لعلماء مشاهير أنفقت الأموال لترجمتها وإخراجها وطباعتها، ثم أصبحت من جملة ما تزين به الرفوف، ولا يقرأها إلا القلة القليلة، وهي الفئة التي يتوخى فيها – على كل حال – أن تستطيع قراءة تلك الكتب بلغتها العربية الأصلية. فما فائدة ترجمة سفرٍ ضخم كـ "سير أعلام النبلاء"، مثلاً، علماً بأن من يحتاجه لا يقنع إلا بالرجوع إلى الأصل العربي، وعلماً بأن هناك مادة كثيرة جداً هي أولى بالترجمة منه؟
ولكم كلَّمَنا بعضُ أهل العلم وعرضوا علينا (بنوع من السذاجةً) ترجمة بعض ما كتبوه بالعربية لظنهم أن ما صلح للناطقين بها لا بد أن يصلح لمن عداهم – وليس الأمر كذلك كما سبق بيانه.
فالأصل في ما يكتب للأعاجم أن يصنَّف ابتداءً بلغتهم، ويفصَّل وفق احتياجاتهم، مع جعل كتب التراث وكتب أهل العلم مراجع ومصادر يقتطف ويترجم منها حسب الحاجة.
المطلب السادس: مراعاة الأجواء السياسية والاجتماعية
يجب على المترجم والناشر للمادة الشرعية أن يراعي الأجواء السياسية والحساسيات الاجتماعية المنتشرة بين الغربيين، فيتجنب ما أمكن أن يعرض مادته بشكل يثير الحفائظ ويؤدي إلى مقاطعتها، بل ومنعها. ومثال ذلك، يحسن أن يستعمل البدائل التالية (شرط ألا يخل استعمالها بالمعنى المقصود):
العبارة ... المعنى أو التحفظ ... البديل ... معناه
Jihad, fighting for Allah’s cause ... الجهاد (الحرب القدسة) ... striving for Allah’s cause ... بذل الجهد لله
disbelievers, nonbelievers, kuffar ... كفار (قسوة في الدعوة) ... Arab pagan ... المشركون العرب
disbelievers, nonbelievers, kuffar ... كفار (قسوة في الدعوة) ... non-Muslims ... غير المسلمين
Man ... رجل (تفضيل الرجل على المرأة) ... human ... بَشَرِيّ
المبحث الثالث: أهلية مترجم المادة الشرعية(18/9)
إن الترجمة الصحيحة السليمة للمادة الشرعية لا يمكن أن تؤدى إلا من قبل بطالب علم يتصف بصفات أساسية، أهمها الإخلاص واحتساب الأجر من الله، وقد سبق الكلام فيه آنفاً. ويتبع الإخلاصَ الشروطُ التالية:
المطلب الأول: الاستقامة الدينية والخُلقية
إن نقل المادة الدعوية إلى لغة أخرى يستدعي في المترجم الاستقامة في دينه وخُلُقه، وخاصة فيما يلي:
أ) صفاء عقيدته وسلامتها من أصناف الشرك، ومن معتقدات أهل الضلال، كالتعطيل والتمثيل والإرجاء والحلول، ومن البدع العقدية، كالصوفية والعصرانية والعلمانية والقرآنية (وهي دعوى الاكتفاء بالقرآن ونبذ السنة). ومن شاب عقيدته انحراف ظهر أثره في قليل أو كثير من ترجماته. ومن طالع ترجمة محمد أسد لمعاني القرآن المعروفة بـ (Message of the Qur’an)، وجدها تستند بقوة إلى تفسير الزمخشري، وهي لذلك –رغم بلاغتها ومتانتها اللغوية- تزخم بالتعطيل لآيات الله ونفي المعجزات وغيرها من الطامات.
ب) صفاء منهجه واستقامته على طريقة السلف ( وهدي علماء الأمة الأبرار (، فيكون محباً للسنة خاضعاً لها، مبغضاً للبدعة مجانباً لها، خالياً من أهواء التكفير والخروج والحزبية. وكما هو الشأن في العقيدة، فإن الانحراف المنهجي يظهر بوضوح في العمل المترجم. ومثاله أن أحد مشاهير الدعاة المعاصرين باللغة الإنكليزية أخرج سلسلة من المحاضرات بعنوان: قصص من السنة (Stories from the Sunnah)، واغتنم الفرصة فيها ليبث منهجة الداعي إلى التكفير والتخريب.(18/10)
ج) عندما تتوفر في المترجم الأمور السابقة، يصبح أرجى للصدق والأمانة، وأبعدَ عن الكذب والخيانة، فيكون نزيهاً في نقل العلم، حريصاً على ألا يتقول على الله ( أو رسوله ( أو الصحابة ( أو من دونهم من الناس شيئاً لم يقولوه أو رأياً لم يقصدوه. وهذا الأمر مهم خاصة في موطن الترجمة الذي يقل فيه المراجعون والمدققون والمتعقبون بحيث يمكن ادعاء بعض ما ليس له أساس، دون خوف من رقيب أو ناقد – ولكن ليس إلا لأجل قريب، إذ أن وعد الله بحفظ دينه لمتحقق، لا تحجبه لغة أو إقليم (لقوله (: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( (1) .
المطلب الثاني: الرسوخ في اللغة العربية
يشترط في المترجم الرسوخ وطول الباع في اللغة العربية وقواعدها وبلاغتها. فكم من مترجم تفوته بعض المعاني المهمة بسبب ضعفه اللغوي. وعلى سبيل المثال، رأينا بعض من المترجمين من أصول غير عربية يترجمون عبارة على معنىً لا أصل له، وذلك لالتباس بين كلمتين لهما أصل مشترك. فمن ذلك أن أمريكي مسلم قام بشرح الأربعين النووية استناداً إلى "جامع العلوم والحكم"، فنراه يكثر الخلط بين الكلمات ذات الأصل المشترك، وهاك بعض الأمثلة:
طرف الحديث ... الكلمة المترجمة ... كيف ترجمها ... معنى ترجمته ... العبارة الملتبس فيها ... الصواب
عجباً لأمر المؤمن ... سراء ... something joyful ... الأمر المفرح ... سرور ... facility
ألا أخبركم بخير أعمالكم ... أزكاها ... most purifying ... أكثرها تطهيراً ... أشدها تزكية ... of greatest reward
اعملوا، فكل ميسر ... ميسر ... deeds are made easy for everyone ... الأعمال يسيرة على كل الناس ... اليسر ... each will be eased (toward his decree)
لا يعلمُ ما خَلَفَه بعدَه ... خلفه، بعده ... does not know what he left behind after that ... لا يعلم ما خلَّف وراءه ... "خلف" و "بعد" ... does not know what succeeded him after he left
__________
(1) الحجر 9.(18/11)
إن عبداً أذنب فقال ... يغفر الذنب ويأخذ به ... forgives sins ... يغفر الذنوب ... يأخذ به (لعله لم يفهمها) ... forgives or punishes for a sin
المطلب الثالث: الرسوخ في اللغة المترجم إليها
يشترط في المترجم الضلاعة في اللغة التي يترجم إليها، وإلا لم يتمكن من وضع الفكرة التي يترجمها في قالب يصل إلى أذهان الأعاجم وقلوبهم. ولو أحس أهل لغة أن كتاباً ما غريبٌ عن لغتهم في أسلوبه وتعابيره زهدوا في اقتنائه وقراءته، ولم يحملوه محمل الجِد. لذا نوصي من لم تكن اللغة المترجم إليها لغتهم الأم أن يوكلوا إلى بعض أهل تلك اللغة مراجعة ترجمتهم قبل إخراجها بالصورة النهائية.
ونأخذ مثالاً من أحد دعاة السنة المعرفين الذي ترجم وصنف بالإنكليزية عدداً جيداً من الكتب والكتيبات، وهي كلها على عقيدة طيبة ومنهج قويم، ولكن ضعفها ظاهر بيِّن في الترجمة وفي صياغة الجملة باللغة الإنكليزية. كتب في ترجمته لقصة سلمان الفارسي (:
His time was still consumed to his master. He missed two battles with the Pagans of Arabia. The Prophet (PBUH) told him: ‘Write O Salman (i.e., to free yourself from your master).’ Salaman obeyed and wrote for his freedom.
وهذا الكلام شديد الضعف، وبعضه يستحيل فهمه على القارئ ، فهو يعني ما يلي:
وكان وقته ما زال مستهلكاً إلى سيده، وقد فاته معركتان بجانب المشركين العرب. والرسول (صلعم) أخبره: "اكتب يا سلمان (أي لتحرر نفسك من سيدك)." فأطاع سليمان وكتب لأجل حريته."
والأصوب ترجمة هذا النص كما يلي:
His time was fully committed to his master, so he missed two battles against the Pagans of Arabia. The Prophet (() advised him: ‘Request (from your master) an agreement for freedom, O Salman.’ Salaman obeyed this, and secured an agreement for his freedom.(18/12)
وفي ترجمة لرسالة "الإيمان، حقيقته، علاماته، ثمراته" للدكتور عبد الله المطلق، ورد حديثٌ أن رسول الله سأل حارث (أو عوف) بن مالك كيف أصبح، فأجابه أنه أصبح مؤمناً، فقال النبي: "إن لكل حق (أو قول) حقيقة، فما حقيقة ذلك؟" فقال: "أصبحت قد عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، ولكأنما أنظر إلى عرش ربي وقد أبرز للحساب، ولكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة، ولكأني أسمع عواء أهل النار." فقال النبي: "عبد نوّر الله قلبه بالإيمان، إذا عرفت فالزم." (1) وجاءت ترجمة هذا الحديث كالتالي:
The apostle of God met Haarithah al-Ansary, May God be Pleased with him, and greeted him saying: “How are you Haarithah?” Harrithah answered: “I have become a true Muslim.” The Prophet, Peace be upon Him, said: “Consider what you say, because every utterance has a reality (or truth, which lies behind it). So, what is the true (state) of your faith?” Al-Haarithah answered: “O, Apostle of Allah! My soul has become averse to this world, so I stay awake by night and thirst by day, as I had been looking at my Lord’s Throne standing out, while the people of paradise visit each other therein, and the people of Hell-Fire cry out to each other therein. The Prophet, Peace be upon Him, said: “You have known (the truth); and thus, a subject whose heart God Has lit up with faith has been bound (by that knowledge).
فنرى في هذه الترجمة أخطاء تكاد تزيد على عدد كلماتها، منها ما يلي:
__________
(1) وهو في مصنف ابن أبي شيبة، وضعفه الألباني في "الإيمان" رقم 115 بقوله: معضل، فإن عبيداً من الطبقة السادسة التي لم تلق أحداً من الصحابة، وقد روي موصولاً عن الحارث نفسه رواه عبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم وغيرهم بسند ضعيف.(18/13)
الخطأ ... بيانه ... التصويب
apostle ... ابتداء العلم بحرف مصغر ... Apostle
apostle ... تعني أحد حواريي عيسى ... Prophet
God ... يغلب عليها معنى التثليث ... Allah
Haarithah ... مغايرة لاسم الصحابي ... Haarith
May ... ابتداء الكلمة بحرف مكبر ... may
Pleased ... ابتداء الكلمة بحرف مكبر ... pleased
Muslim ... النص الأصلي يذكر الإيمان ... believer
true ... ليست في النص الأصلي ... (true)
Harrithah ... خطأ في تهجئة الكلمة ... Haarithah
Peace ... ابتداء الكلمة بحرف مكبر ... peace
Him ... تكبير الحرف الأول لغير الجلالة ... him
Consider what you say, ... ليست في النصوص الأصلية، ولعلها من إدراج المؤلف ... --
utterance ... يفضل استعمال الكلمة الأبسط ... statement
every utterance has a reality (or truth, which lies behind it) ... فيها تفصيل غير مفيد ... every statement (or truth) has a reality
So, what is the true (state) of your faith? ... مغايرة الأصل ... So, how do you justify your statement?
Al-Haarithah ... زيادة "ال" تشتت القارئ ... Haarithah
awake by night ... تحتاج توضيحاً بالنسبة للقيام ... awake by night (for prayer)
thirst ... تعني ظمأ وليس ظمآن ... thirsty
thirst by day ... تحتاج توضيحاً بالنسبة للصيام ... thirsty by day (from fasting)
, as ... يجب البدء بجملة مستقلة ... . It is as though
I had been looking ... خطأ في زمن الفعل والتركيب ... I view
my Lord’s Throne standing out ... ضعف عبارة ونقص في المعنى ... my Lord’s Throne, brought out for the Judgment
, while ... لا معنى لربطها بالعرش ... ; and as though I see
people of paradise ... يفضل استعمال كلمة تعني "سكان" على كلمة تعني "أناس" ... inhabitants of paradise
people of Hell-Fire ... inhabitants of the Fire
, and the people of Hell-Fire cry out to each other therein ... عدة نقاط ضعف ... ; and as though I hear the wailing of the inhabitants of the Fire
Peace be upon Him ... كما سبق ... peace be upon him(18/14)
You have known (the truth); and thus, a subject whose heart God Has lit up with faith ... عدة نقاط ضعف ... (You are) a servant (of Allah) that Allah illuminated his heart with faith.
has been bound (by that knowledge) ... خطأ في التعبير ... Since you know (the truth), adhere (to it).
المطلب الرابع: معرفة المصطلحات الشرعية
يشترط في المترجم معرفة المصطلحات الشرعية الصحيحة في اللغة الأعجمية، والتمييز بين ما يمكن ترجمته من المصطلحات وما يفضل بقاؤه على أصله العربي بطريقة النقحرة (transliteration). ومن المهم جداً أن يكون على حذر من استعمال المصطلحات ذات المعاني الدينية الخاصة عند غير المسلمين، فيسبب استعماله لها لبساً عند قرائه. ومثال ذلك أن كلمة (God) تحمل عند عامة الغربيين بعض معنى التثليث (لغلبة النصرانية عندهم)، فيفضل الاستعاضة عنها بكلمة (Allah) بعد تعريفها تعريفاً واضحاً.
وهناك من التعابير والمصطلحات ما يتعارض مع القيم والمفاهيم الشرعية، وإن لم يكن له أصل ديني عند غير المسلمين، فيجب أيضاً اجتنابه ولزوم التعابير الشرعية الأصلية. ومثاله أن أكثر المترجمين والمؤلفين بالإنكليزية يعبرون عن "آية" من القرآن بكلمة (verse)، وهي تعني في الأصل "بيتاً من الشِّعر، فتشير ضمناً إلى أن القرآن مركب من الشِّعر، وهذا خطأٌ ومعارض لتصريح الله ( بخلافه، فلذا يجب الاستعاضة عنها بلفظة (ayah) بعد تعريفها للقراء.(18/15)
وكمثال لسوء استعمال المصطلحات الشرعية، نستعرض ترجمة من كتاب "معنى لا إله إلا الله" تأليف العلامة صالح الفوزان، وهي من منشورات جامعة الإمام. أول ما يلفت الانتباه خطأ واضح في عنوان الكتاب، حيث كانت ترجمته: (There Is No Divine But Allah)، وكلمة (divine) لا تعني إله، وإنما هي صفة مشتقة من (divinity) التي تعني المقام الإلهي أو القدسية، وخاصة فيما يتعلق بالتثليث. فأصبح معنى العبارة: "ليس هناك (الموصوف مفقود) قدسي إلا الله"، ولعل المترجم أراد (There Is No Divine Being But Allah). وقد تكرر هذا الخطأ كثيراً في طيات الكتاب.
وقد ورد في تلك الترجمة مراراً استعمال كلمة (Godhead) لتعبر عن الإلهية، مع أن المعنى المتبادر فوراً لهذه الكلمة هو التثليث، وكان الأحرى استعمال كلمة (Godhood) بعد تعريفها بدقة، أو عبارة (right of worship)، أي "استحقاق العبادة".
وإضافة لما سبق، تزخم تلك الترجمة بأخطاء فاحشة، منها ما يلي:
الخطأ ... بيانه ... التصويب
idol other than Allah ... تكررت مراراً، وتعني: "صنم غير الله"، فيفهم القارئ أن الله صنم! وكان قصد المترجم: "إله غير الله"، فأخطأ السبيل. ... gods besides Allah
we must reject civil laws ... "يجب علينا أن نرفض القوانين المدنية"، وهذه دعوة واضحة إلى التفلت والتخريب ... We should reject man-made laws (if they contradict Allah’s Law)
We should also refuse to resort to Positive Law ... "علينا أيضاً أن نرفض الرجوع إلى القانون الموجب"، والمقصد غير مفهوم! ... --(18/16)
If after investigation it is discovered that he opposes Islam, he must be killed. ... "فإن تبين بعد التحقق أنه يعارض الإسلام، فلا بد من قتله"، وهذا بظاهره دعوة للوحشية والإرغام في الدين، فلزم إشفاعه بشرح واف. ... If a person claims to be Muslim, but is then found (by the Islamic ruler) to be against Islam (i.e., causing harm to Islam and the Muslims), the ruler may issue a command to kill him.
المطلب الخامس: الدقة في الترجمة، والتمييز بين الترجمة الحرفية والحرة
يشترط في الترجمة أن تكون دقيقة، بحيث لا يفوتها شيء من المعاني الأصلية، ولا تزيد عليها ما ليس منها. وقد أشرنا أعلاه أن هذا من الأمانة في نقل العلم. وهذا يعني أن الأصل في الترجمة أن تكون حرفية ما أمكن.
ولكن من يخوض في مجال الترجمة يجد أن التزام الترجمة الحرفية هو أمر شبه مستحيل، لأسباب منها:
أ) اختلاف التركيب اللغوي بين العربية واللغة المترجم إليها، بحيث أن الترجمة الحرفية تعطي معنىً ضعيفاً أو تركيباً غير سليم. ومثاله أن الجملة الإسمية لا وجود لها بالإنكليزية، ولو أردنا أن نترجم "الله رؤوف" لم يصح أن نقول: (Allah kind)، بل لا بد من إدخال الفعل على هذه الجملة، فتصبح: (Allah is kind)، ومعناها الحرفي: "الله يكون رؤوفاً".
ب) اختلاف الأسلوب البلاغي بين اللغتين، ومثاله أن الله ( يستعمل الزمن الماضي في الكلام عن أمور مستقبلة كيوم القيامة، وترجمة ذلك حرفياً قد يشوش القارئ الأعجمي الذي لم يعهد مثل هذا الأسلوب في لغته. وننظر إلى قوله (: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً (1) ، فالترجمة الصحيحة لهذه الآية هي كالتالي: (We will advance upon whatever deeds they did and turn them into scattered dust.) ومعناها: "سنقدم إلى ما عملوه من عمل ونجعله هباء منثوراً"
__________
(1) الفرقان 23.(18/17)
ج) كثيراً ما تتضمن الألفاظ العربية معاني شرعية أو حضارية تحتاج الترجمة إلى بيانها لئلاً تفقد بعض المعنى الأصلي. ومثاله أن قوله (: ( وَالسَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالانْصَارِ (1) يعني ضمناً أن سبق أولئك السابقين هو في الإسلام والإيمان وليس بمجرد التسلسل الزمني، فيحسن بيان ذلك في الترجمة بأن تلحق عبارة "السابقون" بـ (in faith)، أي: "السابقون في الإيمان".
وهذا يضطر المترجم إلى بعض التحرر من النص الأصلي. ولكن عليه أن يضبط هذا التحرر بالعلم والتقوى، فيبذل جهده للمحافظة على ما يعلمه من مقصود النص الأصلي حين يترجمه إلى اللغة الأعجمية. وفيما يلي مثال من ترجمة هذا الباحث للرسالة التبوكية لابن القيم، حيث ترجم عبارة لطلق بن حبيب كالتالي:
النص الأصلي: ... كن مع الحقِّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس. ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطاً.
الترجمة: ... In your relationship with al-Haqq (i.e., the Truth; one of Allah’s names), let there be none of the creation (i.e., let not your attachment to the people come between you and Allah); and in your relationship with the people, let there be no part for yourself (i.e., do not allow selfishness to come between you and the people). A person who does not do this will be in continuous confusion, and his affairs will always be at loss.
معنى الترجمة: ... لا يكونن في علاقتك بالحق (وهو أحد أسماء الله) أحد من الخلق (أي لا تجعل ارتباطك بالناس يؤثر في علاقتك بالله)، ولا يكونن في علاقتك بالناس نصيب لنفسك (أي لا تدع الأنانية تؤثر في علاقتك بالناس). والشخص الذي لا يفعل هذا سيبقى في تخبط مستمر، وستكون أموره دائماً إلى ضياع.
__________
(1) التوبة 100.(18/18)
ومن الواضح استحالة ترجمة النص الأصلي هنا ترجمة حرفية، وإلا لم يكن للترجمة معنىً أبداً عند القاريء، فلزم التحرر في الترجمة بعض الشيء، كما لزم إضافة عدد من التوضيحات (وهي في أسفل الصفحة في الأصل بسبب طولها). ولعله من الواضع أيضاً أن النص الأصلي قد احتفظ بمعناه وروحه حتى بعد ترجمته مرتين.
المبحث الرابع: ضوابط وتوجيهات مهمة
المطلب الأول: تصفية المادة المترجمة من الأخبار الضعيفة والآراء المتهافتة
إن تصفية السنة والسيرة من الأحاديث والأخبار الضعيفة هو واجب حتمي على علماء السنة ودعاتها والناشرين لها، وهو من النصيحة الواجبة للأمة، وذلك أنَّ النبي ( حض عليه وشدد النكير على من يتجاوزه، كما في قوله (: (من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. (1)
ولعل هذا الواجب أهم وآكد على من يقوم بنقل السنة إلى الأعاجم، وذلك لأسباب، منها:
أ) يصعب على عامة الأعاجم تمييز الصحيح من الضعيف، وليس لديهم من المراجع ما يكفي لمثل هذا التمييز. فيلزَم المترجم للسنة أن يجتهد في بيان صحة أو ضعف الآثار الواردة فيما يترجمه.
ب) ينبني على الأحاديث والآثار أمور عقدية وفقهية وسلوكية، فإن كانت ضعيفة أدت إلى خلل في تصور وسلوك بعض القراء، وهذا مما يحمل وزره المترجم (إضافة إلى المؤلف الأصلي).
ج) إن كثيراً من مثقفي الأعاجم المسلمين أصبحوا لا يقبلون حديثاً إلا إن شفع به الحكم بالصحة من علماء بالحديث معروفين.
وهذا لا يستلزم بالضرورة أن تكون لدى المترجم القدرة الذاتية على الحكم على الآثار وبيان صحيحها من سقيمها، وإنما يكفيه في ذلك أن يرجع إلى حكم العلماء المعتبرين في ذاك المضمار، مع بيان حكمهم للقاريء في الحواشي، وهذا يزيد في ثقة القراء بالمادة المترجمة ويقوي ارتباطهم بعلماء السنة.
__________
(1) هذا حديث متواتر جداً، أخرجه الشيخان وغيرهما عن جمع كبير من الصحابة.(18/19)
وقد يكون عند المصنِّف الأصلي للمادة المترجمة تهاون أو غفلة في تصفية السنة من بعض الآثار الضعيفة، ولكن هذا لا يعطي المترجم أو الناشر العذر للتهاون أيضاً. ومثاله أنه في ترجمة حديث حارث بن مالك الذي سبقت مناقشته، أشار المترجم في الحاشية إلى ضعفه، وأنه قد قام الحافظ العراقي بتضعيف طرقه.
المطلب الثاني: الاستفادة من أعمال المستشرقين بحذر
هنالك في بلاد الغرب، وبخاصة ألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا، الكثير من الجامعات والمؤسسات التي تهتم بالدراسات الإسلامية، وعندها مراكز أبحاث وكليات ومكتبات لهذا الغرض، يقوم عليها أكاديميون متخصصون إلى درجة رفيعة. وأولئك – وأكثرهم غير مسلمين – لديهم من الدأب والجدية في العمل ما يُفتقد عند أكثر أبناء المسلمين وباحثيهم. وتقوم تلك المراكز (الاستشراقية) بإخراج العديد من المؤلفات وأوراق البحث التي تتجلى فيها الدقة والضبط. وكثير من تلك المؤلفات تشكل مراجع مهمة للباحثين المسلمين، كالمعجم المفهرس لألفاظ الحديث الذي كان من أهم المراجع للتنقيب عن الأحاديث قبل ظهور الحاسب الآلي.
ومن كتب علماء السنة التي تفرد أولئك المستشرقون بترجمتها للإنكليزية (وإن كان غير كامل): كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية، مع شروحات وتعليقات، وصدر بعنوان (Ibn Taymiya’s Struggle against Popular Religion)، مترجمه اسمه محمد عمر ميمون (لعلها: مأمون)، من جامعة وسكونسن، وراجعه مستشرقان أوروبيان (ليو لايندكر وجاك واردنبرغ)، ورغم أن المترجم يحمل اسماً مسلماً، فإن مراجع الكتاب ومراجعيه وناشريه كلهم غير مسلمين. ولغة الكتاب على درجة عالية من السلاسة والضبط، والترجمة دقيقة وأمينة.(18/20)
فنرى بالنسبة لهذا الكتاب وأمثاله، أنه يمكن الاستفادة منها ، خاصة في تعلم أساليب الترجمة والبحث والعرض، وكذلك في ترجمة مقاطع أو أجزاء محددة، مع الحذر من نقل بعض الفكر الاستشراقي المعادي للإسلام فيها، ومن الهفوات في الترجمة التي تصدر عن غير العرب كما أشرنا آنفاً.
المطلب الثالث: حسن العرض والإخراج
لا شك أن طريقة عرض سلعة ما لها تأثير كبير على الرغبة فيها وبيعها وانتشارها. وهذا ينطبق بشكل أكيد على الكتب والمجلات وغيرها من المنشورات. فلا يكفي في الكتاب أن يكون لمصنِّفٍ شهير، أو أن يحوي مادة مهمة، لكي يصبح منتشراً مقبولاً بين الناس. بل لا بد من عرضه وإخراجه بشكل لائق حسن جذاب ليشد انتباه الناس.
ومن المعلوم أن الغربيين قد ألِفوا حسن الإخراج للكتب، فلا بد أن يعرضوا عن أي كتاب لا يتماشى مع ما ألِفوه. لذا، فإن حسن إخراج الكتب المترجمة هو جزء من الدعوة المطلوبة من المؤلف و المترجم والناشر.
ومن الأمور التي تساعد على حسن تلقي الكتاب وتقبله، وعلى زيادة الانتفاع به، ما يلي:
أ) استعمال الرسوم البيانية ما أمكن، وكما قد قيل: "صورة تغني عن ألف كلمة".
ب) استعمال جداول وملخصات لتركيز المعلومات وتسهيل تذكرها وتدارسها بين المسلمين الأعاجم.
ج) وضع قائمة محتويات موسعة، وفهارس تساعد على الرجوع بسرعة إلى مادة الكتاب.
د) الاعتناء بجمال الغلاف وجاذبيته، مع تعلقه الفني بمحتوى الكتاب.
هـ) الحرص على جودة الورق، ونقاء الطباعة، وحسن التجليد.
المطلب الرابع: أمور مكملة تساعد على حسن العرض وزيادة النفع
هناك أمور أخرى تزيد في نفع المادة المترجمة، منها ما يلي:
أ) الإبقاء على النصوص العربية من القرآن والسنة وما تيسر من أقوال السلف. وهذا يساعد المتقدمين من القراء الأعاجم في تعلم العربية عن طريق المقابلة بين النصوص وبين ترجمتها، كما يساعد المحاضرين والخطباء في تحضير دروسهم وإلقائها.(18/21)
ب) الاجتهاد في تشكيل النصوص تشكيلاً تاماً، وهذا أمر يطلبه القراء الأعاجم بإلحاح، لأنه يساعدهم في تعلم القراءة.
ج) كتابة الكلمات المنقحرة بحروف مائلة (italics) ليسهل تمييزها، وإدراجها في فهرس للتعريفات في آخر الكتاب.
هذا آخر ما توصلت إليه، وأنا على عجالة من أمري، والله من وراء القصد، وهو ولي الأمر والتدبير، وهو حسبي ونعم الوكيل.
المدينة المنورة
السبت، 29 شوال 1428
خلاصة البحث
1. ترجمة السنة والسيرة هي عمل تعبدي يتطلب الإخلاص لله تعالى.
2. السعي في الترجمة إلى ما يرضي الله، وليس إلى ما ينفع مادياً.
3. اختيار المادة المترجمة وتوجيهها يتطلب خبرة بالواقع الدعوي والأجواء الساسية والاجتماعية.
4. مراعاة الأولويات في انتقاء المادة المترجمة.
5. يشترط في المترجم البارع أمور، منها: الاستقامة، والرسوخ في اللغتين.
6. يجب على المترجم اجتناب الأخبار الضعيفة وما ينبني عليها من آراء وأعمال.
7. يوصى المترجمون والناشرون بحسن عرض وإخراج المادة المترجمة.
ثبت بالمراجع
1. بحوث ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1423 هـ (2002 م).
2. كيف تترجم؟!، محمد حسن يوسف، http://saaid.net/Doat/hasn/index.htm
3. Commentary on the Forty Hadith of Al-Nawawi, Jamaal al-Din Zarabozo, Al-Basheer Publications, Colorado, USA, 1999.
4. Faith, Its Reality, Signs and Fruits, Dr. Abdullah al-Mutlaq, Translated by Dr. Ahamd Kamal El-Din Abdel-Hamid, Imam Muhammad Bin Saud University, Riyadh 1411 (1990).
5. Ibn Taymiya’s Struggle against Popular Religion, with and Annotated Translation of Kitab iqtida as-sirat al-mustaqim mukhalafat ashab al-jahim, Muhammad Umar Memon, Mouton the Hague Publishers, Paris, 1975 (approx.)(18/22)
6. The Meaning of: There Is No Divine But Allah, Dr. Saleh al-Fouzan, Translated by Dr. Yusuf Babakr and Muhammad Khamis, Imam Muhammad Bin Saud University, Riyadh 1409 (1988).
7. The Message of the Qur’an, Muhammad Asad, Dar Al-Andalus, Gibraltar, 1980.
8. The Persian Salman, Dr. Saleh As-Saleh, Dar Al-Bukhari, Buraidah.
9. The Spiritual Journey to Allah & His Messenger (Translation of ar-Risaalat-ut-Tabukiyyah), Muhammad al-Jibaly, al-Kitaab & as-Sunnah Publishing, 1428 (2007).(18/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
ندوة الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها (1428)
ترجمة السنة والسيرة النبوية – الواقع، التطوير، المعوقات
المحور الأول: الأسس العلمية التي تقوم عليها الترجمة، والشروط التي يجب توافرها فيها
الفرع الأول: ترجمة السنة والسيرة، دراسة تأصيلية
عنوان البحث: إيصال السنة إلى الغربيين ... خبرة ميدانية
ملخص البحث:
1. خبرة بالواقع الدعوي: هذه الخبرة ضرورية لمعرفة ما يُحتاج إلى ترجمته إلى اللغة الأجنبية.
2. التركيز على المادة التي تكثر الحاجة إليها، وليس على شهرة المؤلِّف أو المؤلَّف في العربية .
3. نقل الفكرة بدقة إلى اللغة الأخرى، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بطالب علم يتصف بما يلي:
أ) سلامة المعتقد وصحة التوجه الشرعي والأمانة في نقل العلم
ب) الرسوخ في اللغتين، وخاصة فيما يتعلق بالمصطلحات الشرعية
ج) الدقة في الترجمة مع التمييز بين الترجمة الحرفية وغيرها
د) القدرة على تطويع الترجمة مع المحافظة على المعنى الأصلي
4. الإيمان بالفكرة التي يراد ترجمتها، والحرص على نقلها كوسيلة دعوية
5. معرفة الأولويات لاختيار المادة التي يراد ترجمتها
6. الاستفادة من أعمال المستشرقين بضوابط
7. الابتعاد عن التوجه التجاري أو المادي والحرص على أن يكون العمل خالصاً لله تعالى
8. تجنب كثرة التكرار في الترجمات، مما يصيب المادة المترجمة بالتضخم والتخمة
9. بذل الجهد في تصفية المادة المترجمة من الأخبار الضعيفة والآراء المتهافتة
10. حسن العرض ةالإخراج: جداول، رسوم، فهارس، وفي الكتب: جودة الورق والطباعة والتجليد
هذا، والله تعالى ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
الاسم: د. محمد بن مصطفى الجبالي ... ... التوقيع: ... ... التاريخ: الاربعاء 26 جمادى الآخرة 1428(19/1)
شروط الترجمة الفورية
طاهر وايت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:
فقد أصبحت الترجمة من أهم وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، فهناك كثير من المسلمين – فضلاً عن الكافرين - لا يفهمون لغةَ القرآنِ الكريم ولا سنةِ سيد المرسلين. وازدادت الحاجةُ إلى الترجمة في العصر الراهن نتيجةَ التقنيات الحديثة - وخاصة الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت) - التي قرّبت العلومَ والثقافات حتى صارت الدنيا كأنها قرية واحدة.
ومع ما في ذلك من مفاسد فإنه يعدّ فرصة عظيمة للدعوة وبيان محاسن الإسلام وأنّه صالح لكل زمان ومكان. وقد منّ الله علينا في هذا العصر بعلماء ناصحين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، إلا أنّ رسالتهم لا تتجاوز الأمة العربية بدون مترجم. وهذا المترجم إما أن يفصح عمّا أراده العالِم فينقله سليماً مفهوماً للمستمعين، أو يفسده بالتحريف والتخمين. ومن هنا تتبين خطورة الترجمة وأهمية إعداد مترجمين متقنين قادرين على نقل النصوص الشرعية إلى لغات أخرى، إذ لا تخلو الدعوة إلى الله من ذكر آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
وقد أحسن الظنَّ بي بعضُ مشايخي فطلب مني أن أقدّم بحثاً في الشروط التي ينبغي توفّرُها فيمن يتصدر للترجمة الشفوية للسنة النبوية بناءً على ما منّ الله به عليَّ من مشاركات في ترجمة بعض الدورات العلمية والمحاضرات الشرعية من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية. فاستعنت بالله على تلبية هذا الطلب، وسمّيت البحث ((شروط الترجمة التتبعية للسنة النبوية))، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: شروط من يقوم بالترجمة التتبعية للسنة النبوية، وفيه تمهيد وستة مطالب:
التمهيد: وفيه ذكر أقسام الترجمة وبيان مفهوم الترجمة التتبعية(20/1)
المطلب الأول: التمكن من اللغة المترجم منها والمترجم إليها
المطلب الثاني: الإلمام بالمصطلحات الشرعية
المطلب الثالث: معرفة ما يحيل معنى الحديث
المطلب الرابع: الأمانة فيما ينقل عن المتكلم
المطلب الخامس: مراعاة أحوال المخاطبين
المطلب السادس: معرفة موضوع المحاضرة والاستعداد لها
المبحث الثاني: إعداد ترجمان السنة النبوية، وفيه تمهيد ومطلبان:
التمهيد: فيه بيان أهمية إعداد مترجمي العلوم الشرعية
المطلب الأول: إيجاد دورات مكثفة ودبلومات في الترجمة لطلاب المنح في جامعات المملكة
المطلب الثاني: العناية بكتب الحديث وما يعين على فهمها
وأسأل الله سبحانه أن ينفع بهذا الجهد المتواضع وأن يجعله لوجهه خالصاً
ولسنة نبيه موافقاً. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وكتبه: طاهر وايت
28/7/1428هـ
المبحث الأول: شروط من يقوم بالترجمة التتبعية:
التمهيد: مفهوم الترجمة التتبعية:
الترجمَة نقل التَّعبِير الإنساني, سواءً المكتُوب أو الشفَوي, من لغة إلى لغة أخرى وجعلُ هذا الكلام مفهُوماً كما فُهِمَ في لغته الأصلية (1) .
ويمكن تقسيم الترجمة باعتبار طريقة الأداء إلى قسمين رئيسين: تحريرية وشفهية.
__________
(1) انظر: المرشد إلى الترجمة الصحيحة (ص4). وذهب بعضهم إلى أن اصطلاح translation عام وخاص، ففي مفهومه العام يشير إلى عملية نقل رسالة من لغة إلى أخرى، وفي مفهومه الخاص يقتصر على الطريقة التحريرية لتلك العملية. وأما كلمةinterpretation فهي تدل على الطريقة الشفوية لعملية الترجمة، كما هو موضح في هذا النص:
The term translation "refers to the general process of converting a message from one language to another" and also, more specifically "to the written form of that process," whereas interpretation "denotes the oral form of the translation process" (Gonz?lez et al., 1991: 295).(20/2)
فالأول: الترجمة التحريرية (Written Translation):
وهي ترجمة نص مكتوب من لغة إلى أخرى. والمترجم في هذا النوع غير مقيد بزمن معين يجب أن يتم عمله من خلاله، إلا أنه يتعين عليه أن يلتزم التزاماً كبيرا ودقيقاًً بمضمون النص الأصلي، والخطأ فيه ينتقد انتقادا شديدا لما للمترجم من وقت للتغيير والتعديل فيه.
والثاني: الترجمة الشفهية - أو الشفوية - (Oral Interpretation):
وهي ترجمة كلام منطوق تتم بواسطة ترجمان (1) ينقل ما يقوله المتكلم إلى لغة أخرى، إما في أثناء كلامه (فوراً) أو بعد الانتهاء منه مباشرة. وصعوبة هذا النوع من الترجمة تكمن في كونه يتقيد بزمن معين، وبالتالي، لا يشترط أن يتصف بنفس الدقة المشروطة في الترجمة التحريرية لضيق الوقت لدى الترجمان.
وهذا القسم كذلك ينقسم إلى أقسام، أهمها اثنان:
الأول: الترجمة الفورية: وهي ترجمة ما يقال من قبل شخص أثناء حديثه، بحيث يجلس التُّرجمان في غرفة عازلة للصوت، ويضع سماعة يستمع من خلالها للمتحدث وفي نفس الوقت يترجم إلى لغة أخرى. ويعدّ هذا النوع أصعب أنواع الترجمة على الإطلاق حيث يتطلب من التُّرجمان غاية التمكن والإتقان (2) .
وتبرز أهمية الترجمة الفورية في المؤتمرات الدولية - سواء كانت سياسية أواقتصادية -وغيرها من المناسبات الرسمية، والتي تَجمع عَدداً من الناس ذوي لغات مختلفة. كما أنها تُستعمل في القنوات الإخبارية وفي تغطية الأحداث العالمية.
__________
(1) يُطلق المتخصصون في الترجمة اصطلاح (الترجمان) على من يقوم بالترجمة الشفوية، تفريقاً بينه وبين المترجم التحريري
(2) انظر: أصول الترجمة (ص101)، وSeleskovitch (1978: 125).(20/3)
الثاني: الترجمة التتبعية – وهي موضوع هذا البحث - وهي أن يستمع الترجمان للمتكلم، وعندما يتوقف المتكلم يقوم الترجمان بنقل ما قيل إلى لغة أخرى. ويحتاج الترجمان غالباً إلى تدوين ما يسمعه - ولو برموز لا يفهمها إلا هو - حتى لا يضيع عنه الخيط التسلسلي للأفكار.
وهذا النوع من الترجمة يتطلب من له أسلوب جذاب في الإلقاء ودقة في التعبير إذْ أنّ الترجمان يصبح المتكلم بالفعل عند توقف المتكلم الأصلي. تقول إحدى المتخصصات في الترجمة: ((في مجال الترجمة التتبعية لا يتكلم الترجمان حتى يقف المتحدث الأصلي. وبالتالي، فإنّ لديه الوقت الكافي لتحليل الرسالة ككل، مما يسهِّل عليه فهم معناها. وكون الترجمان موجوداً داخل القاعة، وأنه لا يبدأ في الترجمة إلا بعد توقف المتكلم، يعني أنه يخاطب المستمعين وجهاً لوجه، وأنه يصبح المتكلم في الحقيقة)) (1) .
وعادة يستخدم هذا النوع من الترجمة في الدروس والمحاضرات الشرعية وفي المقابلات بين رؤساء الدول وكبار المسؤولين.
شروط الترجمة التتبعية
المطلب الأول: التمكن من اللغة المترجم منها والمترجم إليها:
__________
(1) وإليك نص كلامها:
In consecutive interpretation the interpreter does not start speaking until the original speaker has stopped. He therefore has time to analyze the message as a whole, which makes it easier for him to understand its meaning. The fact that he is there in the room, and that the speaker has stopped talking before he begins, means that he speaks to his listeners face to face and he actually becomes the speaker. Seleskovitch (1978: 123)(20/4)
من المعلوم أنه لا يمكن أن تبدأ عملية الترجمة إلا عند وجود شخص متمكن من لغتين: اللغة التي يترجم منها (لغة المصدر SL) والتي يترجم إليها (اللغة المستهدفة TL). وهذا أمر ظاهر بدهي لا يحتاج إلى كثير من البيان والتعليق، فإنه الأصل الأصيل والشرط الأساسي في الترجمة. ولكن هناك تنبيهات هامة تتعلق بهذا الشرط أود تسليط الضوء عليها:
التنبيه الأول : ليس كل من يجيد لغتين يجيد الترجمة. فهناك فرق بين المتحدث بلغتين وبين الترجمان الكفء. فالأول يستطيع أن يعبر عمّا في نفسه بلغتين، والآخر يقدر على نقل ما يقوله الآخرون إلى لغة أخرى نقلاً صحيحاً دون تحريف في المعنى.
التنبيه الثاني : لا يكفي أن يكون ترجمان النصوص الشرعية على دراية باللغتين اللتين يتعامل معهما فحسب، بل عليه أن يكون متمكناً منهما، وخاصة من اللغة المستهدفة، فإن الرسالة التي ينقلها رسالة إلهية تحتوي على كلام الرب جل جلاله وكلام أفصح البشر - صلى الله عليه وسلم - . فينبغي أن يكون من يترجمها ضليعاً بليغاً في اللغة المنقول إليها حتى لا يمتهن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وليكون لها التأثير المأمول على السامع. ويلاحظ أن كثيراً ممن يقوم بترجمة النصوص الشرعية ليسوا متمكنين من اللغة المستهدفة، وليست هي اللغة الأم بالنسبة لهم. وقد أدى هذا إلى نقل المعاني السامية بأسلوب ركيك، وهذا خلاف مقصود الترجمة فإن السامع ينفر من الأسلوب الركيك وإن كان يحتوي على رسالة نبيلة، كالرجل الجميل الذي يخرج في ثياب رثة، فإنها تضعف هيئته وجماله.(20/5)
التنبيه الثالث : وعلى الترجمان أن يتفطن لما تحملها كل كلمة من معان، وألا يحصر معاني الكلمات على ما اصطُلِح عليه متأخراً. من الأمثلة على ذلك ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه))، وأشار بيده يقللها (1) . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة)) (2) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - عند فتح مكة: ((وإنما أُحلَّتْ لي ساعة من نهار)) (3) . فترجمة "ساعة" بكلمة (hour) لا تفيد المقصود إذ المتبادر إلى الذهن عند إطلاقها ستون دقيقة. وأما (ساعة) في هذا السياق فهي تعني فترة زمنية مردها إلى العرف الشرعي، وليس المقصود الساعة المتعارف عليها الآن والتي هي ستون دقيقة.
__________
(1) متفق عليه. رواه البخاري (935) ومسلم (852)
(2) متفق عليه. رواه البخاري (881) ومسلم (850)
(3) متفق عليه. رواه البخاري (3433) ومسلم (1355)(20/6)
ومن الأمثلة الطريفة التي توضح أهمية التنبيهين السابقين، ما حصل لأحد المترجمين في كلمة "ينكح". فكان المتكلم يحذّر الشباب المسلم من الانبهار بالغرب ويذكر بعض ما يقع في بلاد الكفار من الانحلال الخلقي، وذكر أن المرأة في تلك البلاد تنكح االمرأة والرجل ينكح الرجل، بل وقد ينكح الرجل الحيوان. فقال الترجمان ما معناه: بل وقد يعقد الرجل على الحيوان. وبُثّت هذه المحاضرة في الانترنت فصار الكفار يعلِّقون على المحاضرة بأنّ هذا المتكلم يهرف بما لا يعرف، وأسقطوا بقية كلامه بسبب هذا الخطأ في الترجمة (1) ، والذي حصل إما لأنّ المترجم لم يدرك أن النكاح يطلق على الجماع أو لأنّه غير متمكن في اللغة المستهدفة.
التنبيه الرابع : على الترجمان ألا يترجم كل كلمة على حدة، بل يختار المعنى المناسب للمفردة حسب ما يقتضيه السياق. ومن الأمثلة التي توضح هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((اليد العليا خير من اليد السفلى)) (2) ، فإنّ الترجمة الحرفية دون اعتبار المعنى لا يفصح عن مقصود الحديث. ويندرج تحت هذا التنبيه ما قد حصل في الآونة الأخيرة من التلاعب ببعض الألفاظ، مثل لفظة "الفوائد". فالفوائد المذكورة في قولك: "للجلوس عند العلماء فوائد كثيرة" غير الفوائد في قولك: "يأخذ زيد فوائد من البنك كل شهر". فالفوائد المذكورة في السياق الأخير لا ينبغي أن تترجَم إلا بما يفيد معنى الربا.
المطلب الثاني: الإلمام بالمصطلحات الشرعية:
__________
(1) والخطأ من المتكلم قبل أن يكون من المترجم، إذ كان الأولى له أن يكتفي بالإشارة دون ذكر هذه التفاصيل.
(2) متفق عليه. رواه البخاري (1427) ومسلم (1034)(20/7)
لا يكفي كون الترجمان ماهراً في اللغتين للقيام بترجمة المحاضرات المشتملة على النصوص القرآنية والنبوية. فمن المعلوم أنّ كل علم له مصطلحات تخصه، وبالتالي فلا يكفي مجرد معرفة المعنى اللغوي لتلك الكلمات. فيجب على ترجمان السنة أن يكون ملِمّاً بالمصطلحات الشرعية في عامة أبواب الدين مع المصطلحات التي يكثر استعمالها في العلوم المسانِدة (1) . كما يجب عليه أن يتمتع بالقدرة على نقلها إلى اللغة المستهدفة بطريقة واضحة. وفي حال غياب هذه الأمور لا يتسنى له ترجمة السنة ترجمة صحيحة.
ومثال ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه)). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد إيراد هذا النص: ((رواه الحاكم مرفوعاً والبيهقي موقوفاً)) (2) . فالذي لا يعلم هذين الاصطلاحين – أعني مرفوعاً وموقوفاً - كيف يتمكن من ترجمتهما؟ بل رأيت في ترجمة تحريرية لهذا النص شيئاً عجيباً، فقد ترجِمت كلمة "مرفوعاً" بـ(traceable) وترجِمت كلمة "موقوفاً" بـ(untraceable) (3) أي: معزو وغير معزو، وهذا خطأ فاحش كما لايخفى.
ومن الاصطلاحات الشرعية التي تحرّف عند الترجمة "الزكاة" فإنها تترجم بـ(charity) التي تعني الصدقة، وكذلك "الاستواء" و"القضاء والقدر" و"الولاء والبراء"...إلخ.
__________
(1) كمصطلح الحديث وأصول الفقه
(2) بلوغ المرام (ص217) برقم (747)
(3) انظر: بلوغ المرام المترجم إلى اللغة الإنجليزية؛ ط دار السلام (ص261) برقم (612)(20/8)
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هناك مصطلحات شرعية يُعبَّر عنها بكلمة واحدة في اللغة العربية، وترجمتها إلى لغة أخرى تحتاج إلى كلمات عديدة. فعلى سبيل المثال كلمة (المَحْرَم) في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) (1) . فلا توجد كلمة واحدة باللغة الإنجليزية تؤدي معنى (مَحْرَم)، بل لا بد من شرحها (2) .
ويحاول كثير من المترجمين المحافظة على نمط الكلام الأصلي فيترجم مثل هذه الاصطلاحات الشرعية بأقرب ما يجدونه في اللغة المستهدفة رغم عدم استيعابه للمعنى، وهذا غلط. بل الواجب على المترجم في مثل هذا المقام أن يحافظ على معنى الكلام وإن لم يستطع المحافظة على أسلوبه.
وفي الترجمة الشفوية أقترح ترك مثل هذه المفردات بلفظها العربي ثم شرح معناها، فإنه يسهِّل مهمة الترجمان ويعطي المستمع فرصة ليتعلّم بعض الكلمات الشرعية في اللغة العربية، وهذا أمر مطلوب.
المطلب الثالث: معرفة ما يحيل معنى الحديث:
لابدّ لمن يروي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتحرى الدقة حتى يجتنب الوقوع في الوعيد المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) (3) .
ولذا حرص الرواة – نقلة الأحاديث – عل رواية الأحاديث بألفاظها. ولكن الراوي قد لا يستحضر لفظ الحديث مع حضور معناه في ذهنه، فيجوز له - والحال هذه – أن يرويه بالمعنى عند أكثر علماء الحديث، واشترطوا عليه أن يكون عالِماً بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يحيل معناها. قال السخاوي (ت 902هـ) رحمه الله: ((وذلك على وجه الوجوب بلا خلاف بين العلماء)) (4) .
__________
(1) متفق عليه. رواه البخاري (1862) ومسلم (1341)
(2) قال Wehr في قاموسه عند كلمة محرَم:being in a degree of consanguinity precluding marriage وهو طويل كما يلاحظ.
(3) رواه البخاري (108) ومسلم في مقدمته (3) وحديث متواتر.
(4) فتح المغيث (3/137)(20/9)
والذي يترجم أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى لغة أخرى إنما ينقل معنى الحديث، وبالتالي فإنه يشبه راوي الحديث بالمعنى فعليه أن يلتزم بما لزمه. وقد نقل الحافظ ابن حجر ((الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به)) (1) .
ومن الأمثلة الواردة في هذا الباب، ما جاء في ترجمة حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: ((إني لأُنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومَه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور)) (2) .
كثير من المترجمين ترجموا كلمة أعور بـ(one-eyed)، بمعنى "الذي عنده عين واحدة"، وتوهم الترجمة بأنه على شكل من له عين واحدة في وسط جبهته (Cyclops). وهذا اللبس قد حصل لكثير من الناس مع أنه خلاف مقصود الحديث قطعاً بدليل الروايات الأخرى. فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما في رواية أخرى عند البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية)) (3) . وأخرج الشيخان عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وإن بين عينيه مكتوب كافر)) (4) . فهذا تصريح نبوي شريف ينص على أن للدجال عينين.
وكلمة (one-eyed) بالإنجليزية قد تطلق ويراد بها من عنده عينان إحداهما معيبة، ولكن المتبادر إلى الأذهان من له عين واحدة في وسط جبهته.
__________
(1) نزهة النظر المطبوع مع النكت (ص129)
(2) متفق عليه. أخرجه البخاري (3057) ومسلم (2931)(169)
(3) متفق عليه. أخرجه البخاري (3439) ومسلم (169)
(4) متفق عليه. رواه البخاري (7131) ومسلم (2933)(20/10)
ولما أدت هذه الترجمة إلى اللبس وفهم الحديث على غير مراده وجب استبدالها بما يزيل اللبس مثل (has a defective eye) كما يفهم من جمع الروايات، والله أعلم (1) .
والأمثلة على وقوع الأخطاء في ترجمة السنة كثيرة جداً، وإنما أردت التنبيه على بعض منها. وهذا يؤكد على خطورة التصدر لهذه المهمة وأهمية إعداد المترجمين من طلبة العلم.
المطلب الرابع: الأمانة فيما ينقل عن المتكلم:
يجب على الترجمان أن يكون صاحب صدقٍ وأمانةٍ فيما ينقل إلى الناس، وأن يستشعر المسؤولية العظيمة في ذلك. وكما سبق، إنّ وظيفة الترجمان الرئيسة تكمن في فهم معنى كلام المتحدث ثم نقل فحواه إلى اللغة المستهدفة دون تحريف في محتواه.
ولكن مهما بلغ الترجمان من الإتقان في أداء عمله، فإنه يتعرض لمواقف مختلفة يحتاج فيها إلى التدقيق فيما يقال: إما لعدم وضوح بعض الكلام مثلاً، أو عدم سماع عبارة ما. وربما سمع الكلام، ولكنه لم يفهم مقصود المتكلم، أو أن المتكلم أسرع في كلامه فنسي الترجمان بعضه ولم يتمكن من تقييده، أو غير ذلك من الأمور الكثيرة المؤدية إلى صعوبة الترجمة التتبعية. وتعظم هذه المشكلة إذا كانت الكلمة التي لم يسمعها في حديث نبوي، أو كان الشيخ يسرع في إيراد الأحاديث، فكيف يحافظ الترجمان على أمانة النقل وهو لم يستوعب جميع الكلام ؟
في مثل هذه الأحوال ينبغي ألا يستحي الترجمان من سؤال المتكلم عن مقصود كلامه، أو إعادة الجملة التي لم تتضح له، لكن بشرط عدم الإكثار من ذلك حتى لا يفقد ثقة المتكلم فيه. وقد جرّبت ذلك ووجدت فيه فائدة عظيمة لأنه يجعل المتكلمَ يزيد في إيضاح ما يريد إيصاله للمستمعين مما ييسر لهم فهم الموضوع. ومن ناحية أخرى، يؤكد للمتكلم أن الترجمان أمين وأنه يجتهد في أداء عمله بدقة، فيرتاح كل واحد منهما للآخر. والتعاون بين المتكلم والترجمان من العناصر المهمة في نجاح عملية الترجمة.
__________
(1) يراجع: فتح الباري (13/97-98).(20/11)
وقد يقتضي المقام عدم طلب التوضيح من المتكلم، وهذا يعود إلى تقدير المترجم. وأذكر هنا ما وقع لي وأنا أترجم لأحد أهل العلم، فكان يسرع في الكلام جداً ويسرد الأحاديث بطريقة لم تُمكِّني من استيعاب جميع ما ألقاه، فكنت أترجم ما أستطيع من الحديث وأحافظ على مجمل معناه وخاصة ما يتعلق بالموضوع، ثم بينت للمستمعين أنه قد فاتني شيء يسير من تفاصيل الأحاديث، وأن من أراد الترجمة الدقيقة فبإمكانه الرجوع إلى المصادر. وبهذا استطعت أن أربط بين الكلام دون فقد أي عنصر أساسي في الكلام ودون أن أنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، وتمكن المستمع من متابعة الموضوع والتعايش معه، وما توفيقي إلا بالله.
ويجدر التنبيه إلى أنّ الخلل حاصل في الترجمة التتبعية ولابد، وليست الدقة المطلوبة في الترجمة التحريرية مطلوبة فيها، ولكن دور الترجمان الأمين تسديد ذلك الخلل وتقريبه. أما من لم يكن أميناً فإنه قد يشوِّه الرسالة أو يفسدها، شعر أو لم يشعر.
ومن أشنع ما وقفت عليه في هذا الباب – أعني الإخلال بالأمانة وما قد يصل إليه المترجم إذا خالط قلبه الهوى- ما رأيت في ترجمة حديث رواه الإمام أحمد في مسنده، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((إن كانت الأَمَة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به في حاجتها)) (1) . فجاء هذا المترجم –وهو مشهور- وحرف هذا الحديث بالترجمة التالية:
Imam Ahmad related from Anas ibn Malik in his Musnad: "The whole Community of the people of Madina used to take the hand of the Prophet and rush to obtain their need with it." (2)
"إن جميع الأُمَّة من أهل المدينة كانوا يأخذون بيد الرسول
ويسرعون لقضاء حوائجهم بها".
__________
(1) المسند (3/98).
(2) انظر: http://www.sunnah.org/ibadaat/tawassul_3.htm(20/12)
فاستبدل كلمة (أَمَة) بكلمة (أُمّة) وأدخل الحديث في باب التبرك بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريفة بعد مماته!!. والحديث لا يدل على اعتقاده هذا - لا من قريب ولا من بعيد - ولكنه الهوى، نسأل الله العافية. وقد روى البخاري هذا الحديث في صحيحه بلفظ لا يحتمل تحريف هذا المترجم، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت)) (1) . فما الذي جعل المترجم يعدل عن هذه الرواية؟ خصوصاً وقد تُرجم صحيح البخاري إلى اللغة الإنجليزية وبإمكان الناس الرجوع إليه بخلاف مسند الإمام أحمد فلمّا يترجم بعد. والعلم عند الله.
المطلب الخامس: مراعاة أحوال المخاطبين:
يجب أن يكون الترجمان على علم بحال المخطابين وشيء من ثقافتهم، وأن يسعى في نقل الكلام بطريقة مناسبة لهم حتى لا يترك مجالاً لسوء الفهم أو لآثار سلبية أخرى تترتب على عدم مراعاة أحوالهم. وقد يكون هذا الشرط من أصعب الشروط تحقيقاً في هذا العصر بسبب تسجيل المحاضرات الدينية وتداولها، ومن أجل وجود مخاطبين مجهولين، كالذين يستمعون عن طريق الإنترنت. فعلى الترجمان أن يكون حذراً فطناً، ويتخير أوضح العبارات وأبعدها عن الإشكالات، فقد يكون من المستمعين أناس يريدون اعتناق الإسلام فيسمعون كلاماً يساء تعبيره، فيكون التأثير سلبياً.
__________
(1) رواه البخاري برقم (6072)(20/13)
وأذكر مثالاً تعلّق في ذهني منذ أن سمعته – ولا أظن أن من يسمعه ينساه – يكشف عن ضرورة معرفة الترجمان ثقافة الشعب المترجم له. فقد بثَّت محطة تلفزيونية برنامجاً (1) عن خطورة الدعوة السعودية الوهابية [هكذا!!] وتأثيرها السيِّئ على الإسلام في إحدى الدول الأوروبية! ومما استدلوا به على عنف الدعوة الوهابية وشدّتها زعمهم الكاذب أنّ مفتي المملكة العربية السعودية – سماحة الوالد عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله – يدعو إلى إساءة معاملة الأطفال وضربهم إذا لم يصلّوا. فبثّوا جزءاً من محاضرة مرئية ألقاها سماحته عبر الانترنت على الهواء مباشرة. وكان الشيخ – وفقه الله- يتكلم عن أهمية تربية الأطفال، فذكر حديث التبي - صلى الله عليه وسلم - : ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم فى المضاجع)) (2) .
فقطعوا أول كلام الشيخ – والذي يدل على أن الكلام حديث شريف - ثم جاؤوا بالترجمة وفيها ضرب الأولاد لترك الصلاة إذا بلغوا عشر سنوات. وتُرجِمت كلمة الضرب بـ(hit) وهي ترجمة صحيحة من ناحية اللغة، ولكنها ربما تكون حساسة لدى الغربيين. فإنّ ثقافتهم تدعو إلى العناية بالأطفال وحقوقهم وتعديل السلوك من غير ضرب، إضافة إلى أنهم لا يفهمون من كلمة "الضرب" ما نعرفه – نحن المسلمين – من ضوابط الضرب وأنه لا يكون مبرِّحاً...إلخ. فكلمة (hit) شديدة عندهم يتصورون أنّ هذا الطفل يُضرب ضرباً مبرحاً. والخروج من هذا الإشكال أن نستبدل كلمة (hit) بكلمة (discipline) مثلاً فإنها مرادفة لكلمة المعاقبة، وهي تشمل الضرب. وكلمة (discipline) لطيفة على الأسماع ولا تُفقد شيئاً من معنى الحديث.
__________
(1) تمّ بثّه بتاريخ 15/1/2007م.
(2) رواه أحمد (2/187) وأبو داود (495) وصححه الألباني في الإرواء (1/266)(20/14)
ومراعاة أحوال المخاطبين والتحدث معهم بما يدركون من أهم ما يطالب به الترجمان، والالتزام به يحل مشكلات عديدة بإذن الله، والله ولي التوفيق.
المطلب السادس: معرفة موضوع المحاضرة والاستعداد لها:
معرفة موضوع المحاضرة والاستعداد لها من أهم ما يستعين به الترجمان على التعامل مع النصوص الشرعية وترجمتها ترجمة صحيحة. ويتم هذا الاستعداد بقراءة الآيات والأحاديث المتعلقة بالموضوع مع كلام أهل العلم فيه، ثم التفكر في الطريقة المناسبة لعرضه في اللغة المترجم إليها. وعلى الترجمان أن يقيد ما يقف عليه من مصطلحات مهمة وكلمات غريبة وأن يراجعها قبل المحاضرة.
يقول أحد المحترفين في الترجمة الفورية (1) : ((بعد معرفتي بالمؤتمر وموضوعه ماذا أفعل؟ يجب ثم يجب ثم يجب أن أستعد استعدادا كاملا من حيث الموضوع، فأذهب وأقرأ بالموسوعات والإنترنت وغيرها من المصادر للتعرف على الموضوع وللحصول على المصطلحات المستخدمة. ولا ضير أبداً أن أسأل أصحاب المؤتمر عن بعض المصطلحات التي سيستخدمونها)).
وقد ترجمت - ولله الحمد أولاً وآخراً - دورات علمية في العقيدة، ومصطلح الحديث، وأصول الفقه، والقواعد الفقهية وغيرها من العلوم الشرعية بالإضافة إلى ترجمة عدة محاضرات في تخصصات شتى، منها ما تمكنتُ من الاستعداد لها ومنها ما لم أستطع إلى ذلك سبيلاً. وقد وجدت فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً بين الحالين، فإن الاستعداد الجيد يعين على إيجاد العناصر التي تعتمد عليها الترجمة الناجحة مثل التركيز، وهدوء الأعصاب والثقة بالنفس كما أنه يُبعد الرعب الذي يشعر به الترجمان هيبةً للنصوص القرآنية والنبوية.
__________
(1) هو الدكتور محمد أبو ريشة، نائب رئيس المجمع العربي للمترجمين المحترفين، الأستاذ بجامعة والمشرف العام على قسم الترجمة في الجمعية التربية العربية وحوار الثقافات، وتجد كلامه هذا في الانترنت على العنوان التالي: www.atida.org/forums/showthread.php?t=85(20/15)
فينبغي لمن ينظم الدورات العلمية والمحاضرات الشرعية أن يراعي هذا الأمر إذا رغب في خدمة الترجمان، فيخبره بموضوع المحاضرة قبل موعدها بوقت كاف للمراجعة والتحضير. وأما ما يحصل أحياناً من تعيين الترجمان على الفور، فقد يوقعه في حرج شديد مما يؤثر على دقة الترجمة وجودتها.
المبحث الثاني: إعداد ترجمان السنة النبوية
تمهيد: في بيان أهمية هذا الإعداد
ظهر مما سبق أنّ مجرد التحدث بلغتين فأكثر لا يؤهل الشخص لحمل مسؤولية الترجمة، لا سيما إذا كانت الترجمة ذات الصلة بالوحيين. ولكن هل اقتنعنا حقاً أن الترجمة مهمة؟ عندما نتأمل الواقع وأن أغلب المسلمين ليسوا بعرب، ناهيك عن غير المسلمين، ليس لنا أن نتردد في أهميتها، بل في ضرورتها. فترجمة مضمون هذه الشريعة السمحة بوضوح في اللغات المختلفة تعدّ من أهم وسائل الدعوة إلى الله وبيان محاسن الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان. ومع ذلك، فالخطأ في ترجمة هذه الرسالة قد يشوِّه صورة الإسلام ويسبب في النفرة وسوء التفاهم .
ومن نافلة القول أن الترجمة أمر مستحيل بدون مترجم. وإعداد من يقوم بترجمة العلوم الشرعية بكفاءة – سواء كانت الترجمة تحريرية أو شفهية - ليس سهلا ولا يتم في يوم وليلة. بل يحتاج إلى جهد وتعب وصبر وإخلاص واحتساب الأجر عند الله الذي لا يضيع أجر المحسنين. فمن الذي يُختار لهذه المهمة الجليلة؟ وما هي بعض الأمور التي ينبغي أن تُعتبر في إعداده؟
هذا الذي سأتناوله باختصار في المطلبين القادمين إن شاء الله تعالى.
المطلب الأول:
إيجاد دورات مكثفة ودبلومات في الترجمة لطلاب المنح في جامعات المملكة(20/16)
المملكة العربية السعودية خصصت جامعات لبناء الشخصية المسلمة وترسيخ قواعد الشريعة السمحة. وهذه الجامعات تحتضن في رحابها عددا كبيرا من أبناء المسلمين من شتى أنحاء العالم، تمنحهم منحاً دراسية وتسعى لإعداد طائفة ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ??. وقد تحقق كثير من آمال القائمين على هذه الجامعات المباركة – وفقهم الله – فإنّ نفع خريجي جامعات المملكة ملموس في مشارق الأرض ومغاربها، وقد أثمرت جهودهم ودعوتهم ثماراً يانعةً نافعة.
وعلى رغم القدر الهائل من حسن إنجازات هذه الجامعات وطلابها، ما زال هناك الكثير من العمل الذى يمكن القيام به، خصوصاً في مجال الترجمة بأنواعها، فإنّ الإمكانيات البشرية المتوفرة في هذه الجامعات لا توجد بهذه الصورة في مكان آخر.
فالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية -مثلا- يجتمع فيها طلبة العلم من أكثر من مائة وعشرين دولة بلغاتهم وثقافاتهم المختلفة. فهذه فرصة لابد من اغتنامها واستغلالها في إعداد مترجمين متمكنين في العلوم الشرعية، لأن هؤلاء الطلبة يتكلمون أكثر من لغة وقد حصّلوا قدراً لا بأس به من العلم الشرعي الذي لا يقدر على ترجمته إلا من درسه وكان من أهله.
ولدينا في إعداد مترجم العلوم الشرعية ونصوصها ثلاثة اختيارت:
الأول: أن نعلِّم طالب العلم قواعد الترجمة وما يتعلق بها.
الثاني: أن نعلِّم المترجم المحترف العلوم الشرعية وما يتعلق بها من اصطلاحات وهذا في غاية الصعوية.
الثالث: أن نعلِّم من لا يعرف العلوم الشرعية ولا فنّ الترجمة كلَّ ما يتعلق بهما وهذا أصعب من سابقه.
فالاختيار المنطقي الوحيد هو الاختيار الأول.(20/17)
ومن فوائد هذا الإعداد أن ينشأ مترجمون متميزون يتعاونون على إيجاد ترجمات متقنة للكتاب والسنة في لغات مختلفة. ولا إنكار لوجود مؤسسات دعوية في المملكة وغيرها يعملون لتحقيق هذا الهدف، ولكن الأمر يحتاج إلى زيادة عناية وإعادة النظر في الهدف المنشود: هل هو مجرد إخراج الكتب والمطويات المترجمة، أو هو إنتاج أعمال هي في جودتها وإتقانها تصمد أمام اختبار الزمن؟
ومن فوائد ذلك الإعداد أن يجد هؤلاء المترجمون إذا رجعوا إلى بلدانهم فرصة للعمل في مجال الترجمة، إما في المحاكم البلدية أو غيرها من المؤسسات الحكومية، أو في شركات خاصة، أو حتى في التدريس، فيجدوا وظائف تعينههم على المحافظة على ما حصّلوا من علوم وثقافات سابقة. وهذا بخلاف من يدخل في وظيفة مجالها بعيد عن تخصصه – والذي يضطر إليه العديد من المتخرجين – فكثير من هؤلاء لا يلبثون إلا يسيراً حتى يفقدوا ما حصلوا من المعارف والعلوم الشرعية. وبذلك لا تتحقق الأهداف المؤملة في استقدامهم إلى المملكة وتدريسهم، فإنّ أهداف الجامعات والمعاهد التي استقدمتهم ليست تعليمهم فقط، بل أن يعودوا دعاةً مؤثرين عاملين في بلدانهم. وتخطيط ما بعد التخرّج لطلاب المنح في جامعات المملكة يعدّ نقطة ضعفٍ ليست يسيرة، تحتاج إلى معالجة وإلى زيادة اهتمام، فإنّ الأمر في غاية الأهمية. والكلام فيه طويل وليس هذا مقامه، وإنما أردت الإشارة إليه تنبيهاً لمن يهمه الأمر.
وعوداً على ذي بدء، يمكن إعداد المترجمين بإحدى طريقتين:
الطريقة الأولى: أن يتم إعدادهم من خلال دورات مكثفة في الترجمة بأنواعها تقام بالتنسيق مع مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر، أو
الطريقة الثانية: أن تعمل الجامعات على إيجاد دبلوم عالٍ في الترجمة تؤهل طلابها للقيام بترجمة العلوم الشرعية وغيرها، وهذه خير من الأُولى ونفعها أوسع.(20/18)
ويتعلم طالب العلم الشرعي في هذه الدورات أهم ما يتعلق بالترجمة وأصولها وقواعدها نظرياً وتطبيقياً، فإنّ فنّ الترجمة من الفنون التي يتم إتقانها وحذقها بالممارسة. فكلما مارس الإنسان الترجمة، كلما زاد احترافه فيها.
ولما للترجمة الشفوية من صعوبات يواجهها الترجمان، فيمكن أن تقام دروس خاصة في كيفية التعامل معها. فمثلاً إذا كان المتحدث يتكلم طويلاً أو يسرع في كلامه ولا يترك مجالاً للترجمة، فماذا يصنع الترجمان؟ هل له أن يقاطع المتكلم أو لا؟ متى يسوغ للترجمان أن يطلب التوضيح من المتحدِّث ومتى لا يسوغ؟ وغير ذلك الشيء الكثير.
ويتدرب الترجمان على تنشيط الذاكرة، وعلى التركيز وإفراغ الذهن، وعلى مواصلة الترجمة لمدة محددة، وعلى هدوء الأعصاب، والثقة بالنفس، وتقييد رؤوس الأقلام، وغير ذلك مما يخص هذا النوع من الترجمة.
ويمكن أن يكون جزءاً من البرنامج التطبيقي لهم أن يترجموا في أيام المواسم بعض المحاضرات التي تلقى للحجاج والمعتمرين.
ومع الدروس المتخصصة في الترجمة، يجب على الطالب أن يستمر في تعلم العلوم الشرعية، وخاصة ما يساعده على الفهم الصحيح للكتاب والسنة كي يتسنى نقل ما فهمه إلى لغة أخرى. وسأشير إلى ما يتعلق بالحديث النبوي في المطلب القادم لاتصاله المباشر بموضوع البحث.
المطلب الثاني: العناية بكتب الحديث وما يعين على فهمها
مضى قريباً أن الاستعداد الجيد من الشروط المهمة في الترجمة التتبعية. فلا بدّ لمن يقوم بترجمة السنة أن يكون على دراية بكتب الحديث وما يكشف عن معانيها من شروح وكتب غريب الحديث. فهذه الكتب أكبر عون – بعد توفيق الله – على الفهم الصحيح لهذه الأحاديث.
وترجمة السنة تختلف باختلاف نوع الترجمة. فالذي يترجم تحريرياً يتمكن من الرجوع إلى كتب شروح الحديث وغريبه إذا لم يعرف معنى حديث ما. فإذا ما تبين له وأصبح المعنى واضحاً لديه استطاع حينئذ أن ينقل ذلك المعنى إلى اللغة المستهدفة.(20/19)
ولكن شأن الترجمان يختلف عن هذا كلياً فإنه لا يملك الرجوع إلى المصادر. لذا لا بدّ أن تكون له حصيلة طيبة ومعرفة جيدة بالحديث الشريف. ومن الصعوبة بمكان – إن لم يكن متعذراً – الإحاطة بكل ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهذا مما يحتم على الترجمان أن يكون له أساس ينطلق منه في هذا الباب.
فأول ما يعتني به الترجمان حفظ كتاب (الأربعين النووية) فيحفظه في اللغتين حفظاً متقناً، فإنّ ورود أحاديث هذا الكتاب في كلام أهل العلم كثير جداً، لا يرد غيرها مثلها. فمن حفظ هذه الأحاديث ارتاح عند سماعها واستطاع أن يركز على غيرها.
كما أنه ينبغي أن يحفظ كتاب التوحيد ويفهم ما ورد فيه من الأحاديث إذ هي من أهم الأحاديث الواردة في التوحيد وتُذكر كثيراً في كلام العلماء.
وعلى الترجمان أن يجتهد بعد ذلك في حفظ (بلوغ المرام) وفهمه، فإن أحاديث البلوغ من أكثر الأحاديث ذكراً في المحاضرات المتعلقة بالأحكام الشرعية. فإن لم يقدر على حفظه فعليه أن يدمن فيه النظر حتى يتمكن من استظهاره عند الحاجة.
فهذه الكتب الثلاثة نقطة انطلاق ترجمان السنة. ويتفاوت المترجمون بعد ذلك حسب نشاطهم وتفرّغهم لهذا العمل. ولكن أقترح أن يكون كثير الاتصال بالصحيحين وشروحهما، وخاصة فتح الباري والمنهاج. وينبغي كذلك أن يُكثر القراءة في كتاب (رياض الصالحين) فإنه بذلك يختصر على نفسه الطريق لمعرفة الأحاديث التي يتكرر إيرادها في الدروس والمحاضرات.(20/20)
وأمّا كتب غريب الحديث، فيعتني بكتاب (النهاية في غريب الحديث والأثر) لابن الأثير (ت 606هـ) فإنه قد حوى علماً غزيراً ويعتبر أجمع كتاب في غريب الحديث والأثر (1) . قال السيوطي رحمه الله: ((وهي – أي: النهاية - أحسن كتب الغريب وأجمعها وأشهرها الآن وأكثرها تداولا)) (2) .
وعموماً، ينبغي أن يكون للترجمان برنامج يومي يقرأ فيه عدداً من الأحاديث ويقيد بعض الكلمات الغريبة مع ترجمتها.
الخاتمة
هذا، وأحمد الله تبارك وتعالى الذي أعانني على كتابة هذا البحث ووفّقني لإتمامه. وفي الختام، أُجمل أهم ما نبّه إليه البحث مع ذكر بعض الاقتراحات في النقاط التالية:
1- الترجمة من أهم وسائل الدعوة في العصر الراهن فينبغي أن تعطى المزيد من الاهتمام
2- تعدّ مهمة المترجم/الترجمان مهمة في غاية الصعوبة، وليس كل من يتحدث بلغتين يجيدها، بل لا بد من توفر عدة شروط تم تفصيل بعضها في البحث.
3- على جامعات المملكة أن تستغل استقدامهم لطلاب العلم من مختلف أنحاء العالم، بأن تعمل على إعداد مترجمبن متقنين متمكنين من العلوم الشرعية، يتم إعدادهم بإيجاد دبلوم عالٍ في الترجمة أو عن طريق إقامة دورات مكثفة تقام بالتنسيق مع مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر.
4- وأقترح تنظيم محاضرات وندوات في موضوع الترجمة تقام في جامعات المملكة ومؤسساتها الدعوية، وتهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الترجمة وضرورة إعداد مترجمين أكفاء، وإلى رفع مستوى الوعي في أوساط طلاب العلم وشحذ هممهم للقيام بهذه المهمة الجليلة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قائمة المراجع
__________
(1) وهو كتاب لا يستغني عنه طالب العلم، جمع فيه بين كتابين مهمين في غريب الحديث (كتاب "الغريبين" لأبي عبيد الهروي، وذيله لأبي موسى المديني) وزاد عليهما زيادات جمة.
(2) تدريب الراوي (2/185)(20/21)
? أصول الترجمة العربية والإنجليزية، صلاح حامد إسماعيل، شركة نهضة مصر - القاهرة، 2006م
? تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، جلال الدين السيوطي، ط (3)، مكتبة الكوثر – بيروت، 1417هـ
? سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعب السجستاني (ت 275هـ)، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، ط (1), دار المغني - الرياض، 1418هـ.
? صحيح مسلم، مسلم بن حجاج القشيري، ط (1)، دار المغني– الرياض، 1419هـ.
? فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية – المدينة، بدون
? فتح المغيث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، مكتبة السنة - القاهرة، 1415هـ
? مرشدك إلى الترجمة الصحيحة، أشرف معوض مصطفى، مكتبة ابن سينا - القاهرة، بدون
? المسند، لأحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ)، مؤسسة قرطبة – القاهرة، مصورة على الطبعة الميمنية
? النكت على نزهة النظر للحافظ ابن حجر، علي بن حسن الحلبي، ط (2)، دار ابن الجوزي - الدمام، 1416هـ
? النهاية في غريب الحديث والآثار, ابن الأثير, ط (1), دار ابن الجوزي – الدمام, 1421هـ بلوغ المرام من أديلة الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: سمير الزهيري، ط (7) دار الفلق – الرياض، 1424هـ
مراجع أجنبية:
??Al-Asqlani, I.H. (1996) Bulugh al-Muram (English Translation). Riyadh: Dar-us-Salam.
??Dickens, J., Hervey, S., and Higgins, I. (2002) Thinking Arabic Translation, London and New York: Routledge
??Gonz?lez, R.D., V?squez, V. F., and Mikkelson, H. (1991) Fundamentals of Court Interpretation: Theory, Policy and Practice, Durham, NC: Carolina Academic Press.
??Goodspeed, E. J. (1945) Problems of New Testament Translation. Chicago: University of Chicago Press.
??Newmark, P. (1981) Approaches to Translation. London: Pergamon.(20/22)
??Nida, E. and Taber, C. (1969) The Theory and Practice of Translation, Leiden: Brill.
??Seleskovitch, D. (1978). Interpreting for International Conferences. Washington, DC: Pen & Booth.
??Snell-Hornby, M. (1988) Translation Studies: An Integrated Approach, Amsterdam and Philadelphia: John Benjamins Publishing Co.
فهرس المحتويات
المقدمة ................................................................. ... 1
المبحث الأول: شروط من يقوم بالترجمة التتبعية للسنة النبوية................ ... 3
التمهيد: أقسام الترجمة وبيان مفهوم الترجمة التتبعية...................... ... 3
المطلب الأول: التمكن من اللغة المترجم منها والمترجم إليها.............. ... 5
المطلب الثاني: الإلمام بالمصطلحات الشرعية ............................ ... 7
المطلب الثالث: معرفة ما يحيل معنى الحديث ............................ ... 8
المطلب الرابع: الأمانة فيما ينقل عن المتكلم ............................ ... 9
المطلب الخامس: مراعاة أحوال المخاطبين .............................. ... 11
المطلب السادس: معرفة موضوع المحاضرة والاستعداد لها ................ ... 13
المبحث الثاني: إعداد ترجمان السنة النبوية.................................. ... 14
التمهيد: بيان أهمية إعداد مترجمي العلوم الشرعية........................ ... 14
المطلب الأول: إيجاد دورات مكثفة ودبلومات في الترجمة ................ ... 14
المطلب الثاني: العناية بكتب الحديث وما يعين على فهمها................ ... 17
الخاتمة .................................................................. ... 18
قائمة المراجع ........................................................... ... 20
فهرس المحتويات ......................................................... ... 22(20/23)
وأما مختصر السيرة الذاتية
فأنا طاهر وايت
ولدت في الولايات المتحدة عام 1978م
حالياً أنا طالب في الدراسات العليا - الماجستير - كلية الدعوة وأصول الدين (بالجامعة الإسلامية) - قسم العقيدة
حصلت على الدبلوم العالي في الدعوة من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية عام 1425هـ/2004م
حصلت على الإجازة العالية (الليسانس) من كلية الحديث بالجامعة الإسلامية في عام 1424هـ/2003م
وأما ما يتعلق بالترجمة فقد ترجمت عدة دروس ومحاضرات (يربو على مائة وخمسين درس ومحاضرة) للعلماء والمشايخ، من أبرزهم: سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ عبد الله الغديان حفظهم الله.
وقمت بترجمة مقالات كثيرة لعلماء العصر
اشتركت في ندوات عديدة في ولايات مختلفة في أمريكا
أسأل الله أن يجعل ذلك كله خالصاً لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(21/1)
الترجمة الفورية والدعوة
الواقع والتطلعات
المقدمة :
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } "
أما بعد .... ( ليس بالخافي على كل من له أدنى علم أو بصيرة أن العالم الإسلامي اليوم ، بل العالم كله ، في أشد الحاجة إلى الدعوة الإسلامية الواضحة الجلية التي تشرح للناس حقيقة الإسلام ، وتوضح لهم أحكامه ومحاسنة، وبذلك يتضح لكل مسلم طالب علم أن الدعوة إلى الله من أهم المهمات ، وأن الأمة في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها بل في أشد الضرورة إلى ذلك ، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا دعوة الله ، وأن يصبروا على ذلك ، وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة ، عليه الصلاة والسلام ، وعلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم) (1) وتعتبر الترجمة من أبرز وسائل نقل هذا الدين لمن لا يعرف العربية والذين يمثلون نسبة كبيره من المسلمين في مشارق الارض ومغاربها في حال تعذر من هو مؤهل شرعيا لتعليمهم إبتداءً بلغتهم .فيجب الاهتمام بها والبحث في سبل تطويرها وتطوير القائمين بها .
التعريف بالترجمة :
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز ( 1 / 248 )(22/1)
( التُّرْجُمانُ والتَّرْجَمان في اللغة المفسِّر للسان وفي حديث هِرَقْلَ قال لتُرْجُمانه الترجمان بالضم والفتح هو الذي يُتَرْجِم الكلام أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى (1) ( وتَرْجَمَ فلان كلامه إذا بينه وأوضحه و ( تَرْجَمَ ) كلام غيره إذا عبّر عنه بلغة غير لغة المتكلم ) (2)
وأما تعريف الترجمة في الاصطلاح فهو : نقل معاني نص من لغة إلى لغة أخرى مع مراعاة الدقة والأسلوب . إذاً هناك معياران لا بد من مراعاتهما عند نقل نص من لغة إلى لغة أخرى ، هما الدقة والأسلوب . وبالدقة نعني مراعاة المحتوى الدلالي أو محتوى النص الأصلي ، أما الأسلوب فمعناه مراعاة الجو الدقيق للنص سواء أكان النص شعريا أم نثريا قصصيا أم غير قصصي ، وسواء أكان النص تقنيا أم كان نصا علميا أو شرعيا ، فنجد أن لكل من هذه أسلوبها المميز .ولابد لأي مترجم جيد أن يراعي تلك العوامل ، كما أن عليه نقل ذلك عند الترجمة إلى اللغة المترجم إليها ، مع مراعاة الخصائص اللغوية والأسلوبية للغة المترجم إليها .) (3)
فهي فنٌ مستقل بذاته، حيث إنه يعتمد على الإبداع والحس اللغوي وحسن اختيار الألفاظ، لضمان توصيل المعنى إلى المتلقي بأفضل وأبسط صورة ممكنة وعلامة نجاح المترجم في عمله أن لا يشعر المتلقي أنه يسمع أو يقرأ كلاماً مترجما وإنما النص الأصلي عن طريق صاحبه ، خاصة في المسائل الشرعية التي تحتاج إلى بيان وتوضيح بأقرب وسيلة من ممكنة من التراكيب اللغوية .
وتنقسم الترجمة إلى قسمين :
1- الترجمة التحريرية Written Translation :
__________
(1) لسان العرب [ جزء 12 - صفحة 66 ]
(2) المصباح المنير [ جزء 1 - صفحة 74 ]
(3) الحاسوب في خدمة الترجمة والتعريب - محمد صالح الصيني ( بتصرف يسير )(22/2)
وهي عملية نقل المعنى من لغة إلى لغة اخرى تتم كتابة و يجب على المترجم أن يلتزم التزاما دقيقا وتاما بنفس أسلوب النص الأصلي. ولا تتقيد هذه الترجمة بزمن معين يجب أن تتم خلاله ولكنها تتطلب قدراً كبيرا من الدقة في محاكاة الأسلوب اللفظي للنص الأصلي.
2- الترجمة الشفهية Oral Interpretation :
وهي عملية نقل المعنى من لغة إلى لغة اخرى بعبارات لفظيه ( مشافهه) وتتركز صعوبتها في أنها تتقيد بزمن معين، وهو الزمن الذي تقال فيه الرسالة الأصلية. إذ يبدأ دور المترجم بعد الإنتهاء من إلقاء هذه الرسالة أو أثنائه. ولكنها لا تلتزم بنفس الدقة ومحاولة الالتزام بنفس أسلوب النص الأصلي، بل يكون على المترجم الاكتفاء بنقل فحوى أو محتوى هذه الرسالة فقط .
وتنقسم الترجمة الشفهية إلى عدة أنواع:
أولا: الترجمة المنظورة At-Sight Interpreting :
وتتم بأن يقرأ المترجم نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر بعينيه ، ثم يترجمها في عقله ، ليبدأ بعد ذلك في ترجمتها إلى اللغة المنقول إليها بعبارات لفظية ( مشافهه ) .
ثانيا: الترجمة التتبعية Consecutive Interpreting :
وتحدث بأن يكون هناك اجتماعا بين مجموعتين تتحدث كل مجموعة بلغة مختلفة عن لغة المجموعة الأخرى. ويبدأ أحد أفراد المجموعة الأولى في إلقاء رسالة معينة، ثم ينقلها المترجم إلى لغة المجموعة الأخرى لكي ترد عليها المجموعة الأخيرة برسالة أخرى، ثم ينقلها المترجم إلى المجموعة الأولى ... وهكذا.
ثالثا: الترجمة الفورية Simultaneous Interpreting :
وتحدث بأن يكون هناك متحدث أو مجموعة من المتحدثين بلغة عند مستمعين يتحدثون بلغة أخرى مختلفة عن لغة المتحدث ، ويبدأ المتحدث في إلقاء رسالته بلغته المصدر ليقوم المترجم بترجمتها في نفس الوقت إلى لغة الحضور، وهذا النوع هو مجال بحثنا .
التعريف بالترجمة الفورية :(22/3)
عملية الترجمة عموماً تُعنى في واقع الأمر بالبحث عن معادل أو مكافئ للنص الأصلي وليس إيجاد مقابل شكلي له مع اختلاف مستوى الدقة حسب كل نوع من أنواع الترجمة . وفي الترجمة الفورية يحاول المترجم أن ينسى كلمات اللغة المصدر ويبدأ بتكوين أفكار مستقلة عن محتوى الرسالة ثم يحاول نقلها للغة الأخرى ربما بكلمات تختلف عن كلمات اللغة المصدر ،لأجل ذلك تسمى بـ (Interpreting ) أي تفسير، أما الترجمة التحريرية فيكون النقل فيها للمعنى مع الإهتمام بالألفاظ والتراكيب اللغوية وتسمى (Translation ) أي ترجمة.
وهذا القسم من الترجمة لم يلق إهتماماً كبيراً من ناحية التأليف ، واعتمد المختصون فيه على التدريب والخبرة، فلا يوجد مراجع لمن أراد الإستفادة وإنما هي مجرد مقالات منتشرة هنا وهناك .
تطبيقات الترجمة الفورية في مجال الدعوة في وقتنا هذا :
ارتبط هذا النوع من الترجمة بالمؤتمرات والإجتماعات أما في المجال الدعوي فلا يكاد يكون له وجود ، مع إمكانية الإستفادة منه بشكل كبير ، حيث أنه إذا كانت تستخدم في بيان الأمور التي لا يتعلق بها سعادة الآخرة والنجاة من عذاب الله فاستخدامها في العلوم التي يتعلق بها سعادة الآخرة والنجاة من العذاب أولى وأحرى. (1)
و المتتبع لتطبيق هذا النوع من أنواع الترجمة في مجال الدعوة لايجده إلا بنسبة بسيطة ومن ذلك ما هو معمول به حالياً من ترجمة معاني القرآن الكريم أثناء صلاة التراويح في شهر رمضان فورياً و تحريرياً على الشاشة بواسطة فريق من المتخصصين يضم ثمانية مترجمين من حفظة القرآن الكريم ويجيدون اللغة الإنجليزية وتم توزيعهم إلى مجموعتين نصفهم في استوديو الحرم المكي لنقل الترجمة الفورية باللغة الإنجليزية ومثلهم في استوديو المسجد النبوي.
__________
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – ابن تيمية – ( 2 / 69 – 71 )(22/4)
ومن المساهمات التي تقوم بها بعض المؤسسات الدعوية لتطبيق الترجمة الفورية في مجال الدعوة أيضاً ما تقوم به إدارة التوجيه والإرشاد – القسم النسائي – من استقطاب وإعداد للمترجمات بمختلف اللغات وتأهيلهن من الناحية الشرعية بعد اكتافئهن من الناحية اللغوية حيث أن اللغات التي يترجمن إليها هي اللغة الأصلية لهن . وتحرص على تعليم اللغة العربية لمن لا تجيدها منهن . هذا بالإضافة إلى تأهيل داعيات مرشدات يقمن بإلقاء الدروس باللغات المختلفة ابتداء ً ، ويسهمن في تعليم الوافدات إلى المسجد النبوي ما يحتجنه من العلوم الشرعية الضرورية ، والتي قد لا يجدن من يعلمها لهن أو يوضح لهن ما أشكل عليهن فيها .
مميزات الترجمة الفورية :
تتميز الترجمة الفورية عن باقي أنواع الترجمة بما يلي :
? السرعة حيث أنها تتم في نفس الوقت الذي تعرض فيه الرسالة باللغة الأصلية حتى تصل المعلومات مباشرة إلى المستمع .
? سلاسة الأسلوب حيث أن المترجم يقوم بإعادة صياغة المعنى في إطار جديد ولا يلتزم بأسلوب اللغة الأصلية فهو يهتم بالمعنى فقط .
? إمكانية التحاور والمناقشة بين المتحدث والمستمعين ، فبمجرد أن يكون هناك سؤال يستطيع المستمعون أن يسألوا المترجم والذي بدوره يقوم بترجمة السؤال للمتحدث الأصلي ثم يترجم للمستمعين الجواب في نفس الوقت ، وهذا ما لا يتوفر في الترجمة التحريرية .
? إمكانية ملاحظة أثر الرسالة على المستمعين ، ومن ثم متابعة عرض الرسالة بما يناسب حالهم ، وهذا مفيد جداً في الدروس الشرعية حيث يمكن لمن يقوم بإلقاء الدرس أن يرى مدى تقبل المستمعين لما يقول فيجعله هذا يستخدم من الاساليب المشروعة ما يتوصل به إلى مقصوده من التأثير عليهم .(22/5)
? شد إنتباه المستمعين بعكس الحال في الترجمة التتابعيية والتي تستخدم كثيرا في المجال الدعوي ، ففي الترجمة التتابعية يضطر المستمعون إلى سماع الرسالة كاملة أو جزء كبير منها باللغة الأصلية التي لا يفهمونها ثم ينتظرون سماع الترجمة بعد ذلك .
? توفير الوقت ، حيث أن المترجم يبدأ أثناء أو بعد إلقاء الرسالة الأصلية بقليل ، بعكس الترجمة التتابعية التي تستغرق الترجمة فيها وقتا مماثلا للوقت الذي تستغرقه الرسالة باللغة الأصلية ( إذا لم يكن أكثر نظرا للحاجة للشرح والتفسير ) مما يؤدي إلى تضاعف الوقت المخصص للدرس . فبدلا من أن تكون ساعة واحدة تصبح ساعتان وهكذا .
وهذه المميزات وغيرها تجعل من المناسب إستخدامها في مجال الدعوة خاصة في ترجمة الدروس الشرعية بدل الترجمة التتابعية المستخدمة حاليا ً ، والتي تستغرق وقتاً طويلاً بالإضافة إلى ما يحدث فيها من تشتت إنتباه المستمعين مما يضعف من مدى استفادتهم من الدروس .
معوقات الترجمة الفورية :
بالرغم من ما للترجمة الفورية من مميزات فإن هناك معوقات تعترضها مثل أي نوع من أنواع الترجمة وذلك لأن عملية الترجمة هي نقل للمعنى (الدين ، الثقافة ، والحضارة ... )في إطار ألفاظ وتراكيب لغة أخرى( والحديث هنا عن صعوبات الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس ) :(22/6)
1. أول وأهم صعوبات الترجمة الفورية في مجال الدعوة هو أنها ترجمة شرعية ، فهي ليست كبقية المعارف الأخرى الأدبية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، التي لا ترتبط بعقيدة وأحكام وأصول فقه، بقدر ارتباطها بمعلومات تعارف عليها الإنسان واستقاهوها من علاقاتهم الممتدة عبر التاريخ؛ لذلك فإن الترجمة الدينية تحتاج إلى مهارة ودقة فائقة وتعامل خاص وقدر واسع من الحرص والمسؤولية حتى لا تتعرض للتشويه والخلط المتعمد ولاسيما أننا نعيش في عالم تتصارع فيه الحضارات وينظر بعضهم للإسلام وبخاصة العالم الغربي منهم نظرة معارضة.
و مشكلة الترجمة الشرعية تتضح عند نقل وترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، فلا نستطيع ترجمة معانيه بدقة لأن هناك بعض التعبيرات التي لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى، حيث لا يفهم أهل اللغة المنقول إليها ما يفهم من النص العربي، إضافة إلى أن هناك بعض المصطلحات الإسلامية وبخاصة في الفقه التي لا يوجد مقابل لها في اللغات الأخرى فيضطر المترجم للتغلب على ذلك بترجمتها إلى أقرب كلمة في اللغة المنقول إليها، ثم يشرح المعنى بحيث يستطيع المستمع فهم المعنى المقصود منه في اللغة العربية (1) .
فالترجمة للمواد الشرعية أمرٌ دونه صعوبات ومسؤوليات جسام، ومن يتصدى لهذا النوع من الترجمة لا بد أن يتسلح بإتقان اللغتين المترجم منها والمترجم إليها، وأن يجيد الكتابة الأدبية حتى لا تكون ترجمته مسخاً يشوه صورة النص الأصلي، وحتى لا يبث الضجر في نفس القارئ بسبب ركاكة التعبير.
__________
(1) قاله الدكتور محمد شامة مستشار وزير الأوقاف المصري وأستاذ اللغة الألمانية في كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر. مجلة الوعي الإسلامي وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية، دولة الكويت- http://alwaei.com/topics/view/article.php?sdd=47&issue=449 ( بتصرف )(22/7)
ومن المعوقات أيضا مشكلة ترجمة المصطلحات الشرعية وهي نقل دلالات المصطلحات إلى اللغات الأخرى عموماً، وإن عدم وجود المكافئ الكامل الشامل الدقيق للمصطلح الإسلامي لاختلاف الثقافات بين الحضارات، وكذلك عدم وجود المعاني الدقيقة في اللغات المنقولة إليها، أدى إلى عدم الفهم الصحيح لطبيعة الإسلام، فالترجمة الخاطئة إما أن تكون مقصودة فتؤدي إلى التشويش أو ناتجة من عدم إجادة للغة فتؤدي إلى التنفير· (1)
2. تعدد المعاني للمفردة الواحدة (الترادف) (2) ، أو تعدد المفردات للمعنى الواحد يخلق إشكالية من نوع آخر عند التعامل مع المصطلحات. ومن الواضح أن الترداف في وضع المصطلحات المعربة صفة غير مرغوبة لما تخلقة من تشويش المعنى، وكمحاولة من المجامع اللغوية العربية لحل مشكلة الترادف اللغوي في المصطلحات؛ اقترح بعض المهتمين في مؤتمر التعريب في المغرب (1981م) توحيد منهجية وضع المصطلحات ووضع معايير تكفل الحد من الترادف وهذه المعايير تشمل ما يأتي:
- وضع مصطلح واحد للمفهوم العلمي الواحد (3) .
- تجنب ترادف الدلالات للمصطلح؛ وذلك باستخام الكلمات ذوات المعاني المجردة ؛ أي التي لا تحمل أكثر من دلالة واحدة.
- عندما يتم الاختيار بين كلمتين تؤديان المعنى المراد يجب اختيار الكلمة ذات الجذر الأقرب للمعنى المراد.
__________
(1) قاله الدكتور أحمد فؤاد عبدالمجيد رئيس قسم اللغة الفرنسية في كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر. مجلة الوعي الإسلامي وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية، دولة الكويت- http://alwaei.com/topics/view/article.php?sdd=47&issue=449
(2) المصدر: مجلة الفيصل، العدد 309 مايو/ يونيو 2002 قضايا في المصطلح العربي، سعد القحطاني.
(3) مثال على ظاهرة الترادف: كلمة مضغاط Compressor تم تعريبها بثلاث صيغ :كبّاس ، مضغاط ، ضاغط.(22/8)
1. أن أشد أزمات المترجم هو نقل السياق المترجم من الإسمية إلى الفعلية وما يتبعه من تهشيم للتركيب العربي (1) .
فالمباني في اللغة العربية تستوعب كلاً من الجملة الأسمية والفعلية وعدم وجود الجملة الفعلية في كثير من اللغات وبالذات اللغة الإنجليزية يجعل المترجم الذي يعتمد ترجمة الكلمات والتراكيب يجد نفسه مضطراً إلى انتهاج هذا السبيل على حساب الجملة الفعلية. (2)
2. من الصعوبات التي تعترض المترجم : أن المعادلة من حيث المعنى semantic equivalent في اللغة المنقول إليها قد لا تقوم بنقل أو توصيل نفس الرسالة المكتوبة في اللغة المصدر، أو أن يكون القالب اللغوي الذي تُعرض به الرسالة في اللغة المصدر مختلفا أو غير كافٍ عن ذلك الموجود في اللغة المنقول إليها، وخاصة إذا حدث ذلك بين لغتين تختلفان تماما من الناحية الثقافية مثل اللغة الإنجليزية والعربية. ذلك أنه ليس من السهل الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية أو العكس نظرا لاختلاف بنية وتركيب كل من اللغتين تماما عن بعضهما.
وتمتلئ اللغة العربية بالاختلافات الدقيقة وتمتاز كل من الأسماء والأفعال فيها بالمرونة. وتظهر عدم القابلية للترجمة حينما يكون من المستحيل إيجاد خصائص معادلة من الناحية الوظيفية للحالة المعروضة في نص اللغة المصدر لكي يمكن نقلها إلى المعنى السياقي في نص اللغة المنقول إليها.
ولتوضيح ذلك بشكل دقيق، ننظر إلى المثال التالي، فاللغة الإنجليزية تقول :
My father is a teacher ويقابلها في اللغة العربية: والدي معلم
وهكذا يتضح الفرق بجلاء بين سياق اللغتين، فالجملة في اللغة العربية لا يوجد بها فعل أو أداة للتعريف والتنكير (3) ( ،
__________
(1) د. محمود العزب في بحث (أثر الترجمة الصحفية على التركيب في العربية الفصحى).
(2) الدكتور عبدالله الحميدان عميد كلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود.
(3) مقال: صعوبات الترجمة ومشاكلها، محمد حسن يوسف.(22/9)
3. الجملة في اللغة الإنجليزية لا تحتوي على أداة تذكير أو تأنيث ، فيقال مثلاً : the teacher came ، وعلى المترجم أن يتنظر أن يوضح له السياق هل المراد مدرس أو مدرسة ، وهذا ما لا يتيحه له الوقت.
4. ومن المشكلات التي تواجه المترجم الفوري الجمل الطويلة ، فاللغة الإنجليزية تحفل بالجمل الإعتراضية ويبتعد أركانها الواحد عن الآخر (كأن يكون الخبر بعد سطرين أو ثلاثة من المبتدأ ، بحيث تشكل عبئاً على ذاكرة وانتباه المستمع العربي ) ، ولابد للمترجم في حالة كهذه ان يقطع الكلام إلى جمل قصيرة مترابطة فيما بينها، لأن العربي يميل الى الجمل القصيرة الكاملة .
5. وتمثل التعابير الإصطلاحية مشكلة للمترجم غير المتمرس، والذي لا يقف من النص موقف المتسائل عن المقصود من كلام المؤلف، فيترجم التعابير الاصطلاحية حرفياً .
مثال على ذلك :
??Break the ice
المعنى الحرفي للجملة : إكسر الثلج
المعنى المراد من الجملة : مهد الأمور .. أو .. مهد الطريق لأمرٍ ما
??He looks blue
المعنى الحرفي للجملة: يبدو أزرقا
المعنى المراد من الجملة : يبدو حزينا
??She is in the clouds
المعنى الحرفي للجملة: هي في الغيوم
المعنى المراد من الجملة : هي شاردة الذهن
??He is a black sheep
المعنى الحرفي للجملة: هو خروف أسود
المعنى المراد من الجملة : هو شخصٌ سيءُ الأخلاق
??This is nuts
المعنى الحرفي للجملة : هذه مكسرات
المعنى المراد من الجملة : هذا جنون .. أو .. هذا هراء (1)
6. الفروق الدقيقة في المعنى في الكلمات في اللغة العربية ، فـ«بخيل» غير «مدبر» (الاولى ذم، والثانية مدح) و«انهار» غير «تدهور» (الاولى فجأة، والثانية تدريجاً) وهكذا والتي قد لا يلتفت إليها المترجم مما يعد إخلال كبيراً في الترجمة .
__________
(1) http://www.sautran.com/vb/archive/index.php/t-261.html(22/10)
7. إختلاف الخلفية الثقافية والحضارية للعرب عنها بالنسبة للأوربيين ، فالعرب ولغتهم العربية شكل الإسلام والبيئة البدوية الصحراوية أهم أسسها، أما الأوربيين ومنهم الانجليز فأهم أسس حضارتهم وثقافتهم هو تراث الإغريق والرومان والمسيحية وبيئتهم الخضراء ومن هنا نشا إختلاف دلالات الأسماء وخاصة المجردات بين العربية والإنجليزية، فيقول العربي: أثلج صدري كذا وكذا ، أما الانجليزي فيقول :
It warmed my heart to ... .
8. الإختصارات الكثيرة في اللغة الإنجليزية و بعضها قد يتشابه كثيراً وهذا يتطلب معرفة ثقافية واسعة بأصول هذا الإختصارات حتى يستطيع ترجمتها في الترجمة الفورية التي لا يتوفر فيها عامل الوقت .
الأمور التي لابد أن يلتزم بها المترجم الفوري :
ينبغي لمن من يريد أن يقوم بالترجمة الفورية أن يلتزم بعدة أمور منها :
? مراعاة قواعد النطق في اللغة المترجم إليها ، لأن الترجمة تتم مشافهة .
? مراعاة القواعد النحوية والصرفية واستعمالاتها في اللغة التي يترجم إليها. فالترجمة كالكتابة أو التأليف تخضع لنفس قواعد الصحة اللغوية .فيجب على المترجم الجيد كشرط رئيس أن يكون على معرفة كاملة بقواعد كل من اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها. لأن عملية الترجمة تتطّلب كفاية في اللغتين (لغة الأصل ولغة الهدف).
? مراعاة القواعد الأسلوبية وهي القاعدة البلاغية المعروفة (لكل مقام مقال) فنجد أن الجملة أو العبارة قد تكون صحيحة نحويا ومعجميا ولكنها غير مناسبة من حيث المقام . (1)
? الإلمام بحصيلة كبيرة من المفردات اللغوية .
? القدرة على التركيز والاستيعاب حيث أنه يبدأ في الترجمة بعد بداية الجملة بقليل ، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من التركيز خاصة إذا كانت هناك تواريخ أو أسماء أو معلومات متصلة ببعضها ، أو جمل مركبة طويلة .
__________
(1) الحاسوب في الترجمة والتعريب – محمد صالح الصيني(22/11)
? التمتع بقدر كبير من هدوء الأعصاب والثقة بالنفس فلا يفقد أعصابه عند مواجهته لما يصعب ترجمته ويحاول التركيز على إيصال المعنى ولو كثرت العبارات المستخدمة أو احتاج إلى سؤال المترجم عنه حتى يعيد صياغة ما يريد .
? القدرة على الاستمرار في الترجمة لمدة طويلة وذلك للحاجة إلى ذلك في المؤتمرات و الدروس العلمية الشرعية التي قد يتخللها أسئلة وإجابات ومناقشات قد تزيد عن الساعة .
? يجب أن يكون على وعي تام بالخلفية الثقافية للغة المنقول منها واللغة المنقول إليها.
? يجب على المترجم أن يكون على علم وافٍ بالموضوع الذي يترجمه. لأنه ليس ناقلا للغة فحسب ، إنما هو ناقل للثقافة أيضاً. و يجب أن يتمتع بقدر كبير من المعلومات والثقافة الواسعة ، فبدون هذه الثقافة لن تكفي اللغة وحدها، وسعة المعرفة والاطلاع تساعد المترجم كثيراً. أما فيما يتعلق بالاختصاص، فالمترجم لا يمكن أن يكون متخصصاً في جميع العلوم ولكن ينبغي أن يكون على إطلاع على الموضوع الذي سيترجم عنه على الأقل .
? الأمانة فيما ينقل لأن ما ينقله ، في مجال الدعوة ، هو توضيح وبيان لدين الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الذي رواه عنه المغيرة رضي الله عنه : ( إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) (1)
? الإلتزام بالأحكام الشرعية والإستقامة على دين الله فلا يقول مالا يعمل ولا يرشد إلى ما لا يظهر عليه التمسك به حتى يكون قوله موافقا لعمله ويكون ذلك إدعى إلى تقبل الناس لم يترجم ، لأنه في هذا الجانب يعتبر كالداعية إلى دين الله عليه ما على الداعية من الالتزام تجاه هذه الدعوة .
عوامل مساعدة لرفع مستوى الترجمة الفورية في مجال الدعوة :
? الإهتمام بالدعاة المترجمين القائمين بالدعوة وذلك بما يلي :
__________
(1) البخاري : (حديث رقم 1229) ومسلم : (حديث رقم 4 )(22/12)
1. العمل على وجود معهد شرعي لإعداد الدعاة المؤهلين : يتعرفون فيه على أهم ما يحتاجون إليه من : عدة علمية لغوية ، عده علمية شرعية ، ومعرفة بأهم المعوقات وطرق التغلب عليها ، حتى يكون القائمين على الترجمة ممن يجيدون اللغات الأجنبية إجادة تامة وعلى دراية كافية باللغة العربية بصفة عامة والنواحي الدينية الإسلامية بصفة خاصة.
2. عمل لقاءات دورية بالدعاة المترجمين لمناقشة تجاربهم ، فالقاءات والمؤتمرات تؤثر تأثيراً إيجابياً كبيراً في تطوير المترجم ، لأنها تجمع عدداً من المتخصّصين والمهتمين ، فعندما يلتقي هؤلاء المتخصصون ويتناقشون ويعرضون نتائج بحوثهم يكون في ذلك فائدة كبيرة، فهم يتناولون مشاكلات الترجمة وييحثون في الحلول المناسبة لها ، وفي ذلك فائدة للعلم والمعرفة ولطلبة الترجمة بشكل عام.
3. إنشاء جمعية تتولى الإشراف على عمل الدعاة المحليين الذين لديهم أكثر من لغة و ترتيب اللقاءات بينهم لمناقشة ما يستجد من أمور تهمهم ، وتقوم أيضا بتقييم عملهم في مجال الترجمة الشرعية ، فالعمل في مجال الدعوة لابد أن يكون من خلال مؤسسات دعوية لها برامجها وخططها وأهدافها الثابتة وأساليب عملها المدروسة وفروعها المسؤولة عن كل جانب من جوانب هذا النشاط ، ويكون لها دور التوجيه والتسديد وإتخاذ القرار المناسب . فالترجمة الإسلامية تمر بمحنة لأن بعض الجهود المبذولة فيها جهود فردية وتحتاج إلى متخصصين في الحديث والتفسير بجوار المترجم نفسه ، فما نلاحظه من أخطاء شائعة في بعض الترجمات يرجع إلى المترجم نفسه لعدم فهمه القرآن من الأصل، وأسباب النزول، وكذلك المعاني ؟ فعدم فهم هذه الأمور من الممكن أن يغيِّر المعنى، فاختيار لفظ على سبيل المثال له أكثر من معنى عند أصحابه من الممكن أن يؤدي إلى سوء فهم معاني القرآن والسنة، بل وتشويه مفاهيم إسلامية نتيجة لخطأ في الترجمة ، ومن عواقب العمل الفردي في الترجمة ما يأتي:(22/13)
- ضياع بعضا من الجهد والوقت والمال بسبب العمل الفردي، وقِلة التنسيق بين المترجمين وعدم التعاون فيما بينهم. والنتيجة ظهور الكتب المترجمة بصور عدة فترى مثلا نفس الكتاب يترجم في السعودية، ويترجم في القاهرة وفي بريطانيا وفي أمريكا ووسط أوروبا (1) ، مع تفاوت كبير في مستوى الترجمة أحيانا كثيرة .
- عدم كفاية المصادر المالية لترجمة ما تريد توصيله لغير المسلمين أو لمسلمي الخارج؟ وبالتالي لا تستطيع ترجمة كل ما تسعى إلى ترجمته.
- ضعف التشجيع والمساندة لمهمة المترجم، هذه المهمة التي تعد في غاية الصعوبة ولا يجني من ورائها المترجم التشجيع في معظم الأحيان. فحين يرتكب المترجم خطأ بسيطا ينتقده الناس بشدة، وحين ينجح في عمله لا يلقى تشجيعا بناءً ، إذ غالباً ما تسود قناعة لدى الجميع بأن أي شخص يعرف لغتين يكون بإمكانه عمل ما قام به المترجم الذي عانى أشد المعاناة لإنتاج نص مكافئ .
4. المساهمة في عمل قواميس معتمدة لترجمة المصطلحات الشرعية مصرح لها من لجنة دينية شرعية
5. ترجمة المراجع الأساسية الشرعية مثل الكتب الستة والتي تساعد المترجم الفوري وغيره في ترجمته .
6. متابعة ما يُترجم ويُنشر من الكتب وإنشاء رابطة خاصة بالمترجمين الشرعيين المعتمدين على مستوى العالم
7. تنظيم البرامج التدريبية للدعاة يتم تدريبهم فيها على مهارات الترجمة الفورية الشرعية . وإلقاء الدروس بغير العربية .
8. إنشاء صندوق لنشر الكتب الدعوية المترجمة ويعتبر بمثابة تشجيع للترجمة فالمترجم يرى ما ترجمه قد تمت مراجعته من قبل مختصين في هذا المجال و عمت فائدته بنشره .
__________
(1) مثال: فإن كتاب التوحيد ترجم نصه وبعض فوائده عدد من الأشخاص ترجمه إلى اللغة الإنكليزية، وخرجت هذه الترجمة بصورة سطحية، مازالت تحتاج كثيرا إلى الشرح المبسط وضرب الأمثلة كي تؤتي أكلها بإذن الله .(22/14)
9. إنشاء موقع على الإنترنت يهتم بتوفير كل ما يحتاج إليه الداعية المترجم من المراجع الأساسية الشرعية والنصائح الصادرة ممن لهم خبرة واسعة في هذا المجال . وأن يشرف عليه متخصصون في هذا المجال من هذه البلاد وهذا يعزز الثقة في كل ما هو موجود فيه ، لأن المسلمين في كل مكان ينظرون إلى هذه البلاد نظرة ثقة وإطمئنان .
? الإهتمام بالمترجمين أثناء فترة التكوين وذلك بالاهتمام بالطلاب والطالبات المستعدين لدخول مجال الدعوة أثناء دراستهم في الجامعات من الناس من وهبه الله قدرة فطرية على أن يتقن التعامل مع اللغات. فإذا ما تمت تنمية هذه القدرات بالإعداد والتدريب والممارسة، فإنّ مثل هؤلاء الموهوبين وكذلك الذين نالوا قسطاً كبيراً من التدريب والدراسة المتخصصة سيقومون بعملهم كمترجمين على أكمل وجه وقد إهتمت الجامعات بإنشاء أقسام اللغات ولكن هذا الاهتمام يحتاج إلى زيادة تؤدي بإذن الله إلى رفع مستوى الترجمة عموما والفورية خصوصا ، وذلك بما يلي:
? الإهتمام بالترجمة الفورية في أقسام اللغات في الجامعات وذلك بتخصيص مادة نظرية لتعليم الترجمة الفورية ، حيث أن التركيز في هذه الأقسام على الترجمة التحريرية فقط ، ويتبع ذلك تدريب عملي على الترجمة الفورية كما يتم في بعض المعاهد الخاصة لتعليم اللغات .
? أن يكون مشروع التخرج والذي يقدم عادة في السنة الأخيرة من الدارسة الجامعية ترجمة لكتاب شرعي قيّم ، وتكون هناك لجان متخصصة في البحوث الإسلامية ، لإنتقاء الموضوعات التي يهم المسلمين ترجمتها ثم يتم توزيعها على الطلاب والطالبات .
? الإهتمام بإدخال ولو مادة شرعية واحدة باللغات الحية غير العربية في أقسام اللغات بالجامعات مثلا ( المصطلحات الشرعية – أساليب دعوة غير المسلمين – الثقافة الإسلامية ) لأن ترجمة النصوص الشرعية تختلف عن ترجمة النصوص الأدبية التي يتم تدريسها في أقسام اللغات .(22/15)
? استقطاب الكوادر الراغبة في المشاركة في الدعوة فكثير من الطلاب والطالبات لديهم رغبة في المساهمة في نشر الدين لكنهم لا يعلمون أين تكون نقطة البداية . فتكون هناك جولات على أقسام اللغات والترجمة بالجامعات و تشجيع من يرغب في المساهمة وتوجيههم إلى المنهج الصحيح .
? تشجيع ذوي الإختصاص في كتابة تجاربهم وطبعها ونشرها حتى تعم الفائدة منها ، وطباعة ما ينتج عن المؤتمرات المتخصصة في هذا المجال ، حيث أن الباحث في مجال الترجمة الفورية لا يكاد يجد إلا مقالات مبعثرة هنا وهناك .
عوامل يساعد بها المترجم نفسه :
? المحافظة على الحصيلة الحالية من اللغة بالاستخدام المتكرر لما لدية من لغات والعمل على اداء زكاة علمه بنشر .
? زيادة الحصيلة اللغوية فلا يكتفي بما لديه بل يزيد ذلك بالقراءة المستمرة لما يستجد من مصطلحات وتعريفات والاطلاع على القواميس خاصة فيما يتعلق بالمصطلحات والتراكيب اللغوية .
? تنمية مهارات الاستماع والتركيز والترجمة الفورية وذلك بسماع الاشرطة الصوتية لمحاضرات تلقى باللغة التي يجيدها و عندما يقوم بالتمارين يراعي أن لا يختبر نفسه في مهارتين في نفس الوقت أي:
- إستخدام تمارين مخصصة فقط للاستيعاب السمعي .
- إستخدام تمارين فقط للسرعة (هنا يجب أن تكون المادة المسموعة أقل صعوبة بكثير من المادة في التمرين السابق )
- استخدام نصوص من مواد شرعية مع مراعاة الاستماع إلى اللغة من افواه اهلها المجيدين لها .
? زيادة الحصيلة الشرعية وذلك بجمع الكلمات التي يكثر ورودها في النصوص الشرعية وحفظ الترجمة المناسبة لها حتى يسهل عليه استرجاعها أثناء قيامه بعملية الترجمة الفورية .
الخاتمة :(22/16)
الدعوة إلى الله تعالى واجب منوط بالأمة الإسلامية أفرادا وجماعات بل واجب عيني على كل من يعلم أنه يستطيع أن يحمل رسالة الحق والخير ويؤديها إلى الناس كافة أداء رغيبا صالحا يدفع عنها الشبه والأباطيل وينقيها من الخرافات والأساطير
وحملة هذا الدين مطالبون أشد المطالبة بأن يدرسوا الحياة العالمية وأن يعدوا أنفسهم لهذه الدراسة الواسعة العميقة ليتعرفوا مشاكلها وأسبابها وما جد فيها من مذاهب فلسفية يحاول أصحابها أن يقيموا بناء الحياة على ركائزها ، وأن تتضافر جهودهم على إعانة القائمين بالدعوة حتى تتاح الفرصة لبلوغ أفكارهم غاياتها من قلوب الناس وعقولهم تجديدا لإبلاغ الدعوة وأداء لحق الوراثة في هذا التبليغ : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) (1) (2)
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه
__________
(1) ( سورة الحج ، الآية : 40 )
(2) الأنشطة الدعوية في المملكة العربية السعودية - صالح السدلان – ص 16 بتصرف(22/17)
مها بنت عايد فالح الحربي
المعلومات الشخصية :
? العنوان : المدينة النبوية - العنبرية - شارع الامير عبد المجيد .
? رقم الهاتف : 048154780
? رقم الجوال : 0506305989
? البريد الإلكتروني maha.989@hotmail.com
التحصيل العلمي :
? من خريجات مدارس تحفيظ القران الكريم بالمدينة ( ابتدائي – متوسط – ثانوي ) بتقدير ممتاز
? بكالوريوس في اللغة الانجليزية بتقدير جيد جدا من كلية التربية بالمدينة النبوية .
? دبلوم حاسب آلي لمدة ستة أشهر .
? اجتياز دورة إعداد المرشدات والمعلمات بالمسجد النبوي – القسم النسائي – .
? اجتياز دورة تخريج الأحاديث التي أقيمت بالمسجد النبوي – القسم النسائي – بتقدير ممتاز عام 1423 هـ .
? طالبة في المستوى الثاني من بكالوريوس دراسات إسلامية – كلية التربية بجامعة طيبة (مستمر) .
الخبرة المهنية :
? مرشدة ومترجمة بالمسجد النبوي – القسم النسائي – من 1423 هـ وحتى الآن .
? مشرفة المكتبة النسائية من عام 1424 هـ وحتى الآن .
? مشرفة على تنفيذ الخطط التنظيمية في المسجد النبوي.
? مشرفة مكتب المفقودات بالمسجد النبوي من عام 1427 هـ وحتى الآن .
الإنجازات و النشاطات :
? المشاركة في دورة تدريب الموظفات الموسميات بالقسم النسائي بالمسجد النبوي
? المشاركة في دورة تعليم مبادئ اللغات للموظفات بالقسم النسائي بالمسجد النبوي ( اللغة الانجليزية )
? المشاركة في الدورات الصيفية لزائرات المسجد النبوي .
? المشاركة في عمل عروض تقديمية لقسم التوجيه والإرشاد النسائي بالمسجد النبوي .
? تصميم مطويات ومنشورات التوجيه والإرشاد بالقسم النسائي بالمسجد النبوي .(23/1)
دراسة عن احتياجات المترجم و المؤثرات التي تؤثر عليه
إعداد / سمية بنت حافظ غلام رسول
مترجمة اللغة الأُردية-بالمسجد النبوي-
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ، و جعل من آياته اختلاف الألسن والألوان ، والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد صلى الله عليه وعلى آله و صحبه أجمعين. أما بعد:
فهذا بحث متواضع حول احتياجات المترجم والمؤثرات التي تؤثر على المترجم عموماً و مترجم السنة النبوية على وجه الخصوص ، كتبته للمشاركة في ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية ( الواقع ، التطوير ، المعوقات ) التي تقيمها الجمعية العلمية السعودية للسنة و علومها بالرياض ، سائلةً الله تعالى أن ينفع به وأن يجعله من العمل الصالح المتقبل، وأن يعفو بمنه وكرمه عما جاء فيه من التقصير والزلل ؛ و قد قمت بهذه الدراسة لعدة أسباب:
أحدها: رغبةً في خدمة السنة والسيرة النبوية.
ثانياً:رغبة في تبادل الخبرات و المعلومات في الترجمة وأساليبها مع المترجمين المشاركين في الندوة المقامة (1) .
ثالثاً: السعي لإيجاد حلول مناسبة للتغلب على معوقات الترجمة.
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة و قسمين على النحو الآتي:
القسم الأول: احتياجات المترجم، و فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل.
المبحث الثاني: القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة للمترجم.
المبحث الثالث: تطوير الملكة الفطرية و المعرفية للمترجم.
القسم الثاني: المؤثرات التي تؤثر على المترجم، و فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المؤثرات الإيجابية.
المبحث الثاني:المؤثرات السلبية.
المبحث الثالث:طرق كسب المهارات و تطوير الذات للتقليل من المؤثرات السلبية.
ثم خاتمة البحث.
__________
(1) 1- ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية( الواقع ، التطوير، المعوقات ).(24/1)
ولقد سعدت بفكرة البحث وموضوعه سعادة كبيرة، وحاولت أن أقدم فيه بعض المعلومات والأفكار المبنية على الملاحظة وبعض التجارب القليلة (1) و ذلك رغبة في خدمة السنة والسيرة النبوية ، وسدّاً لحاجتي الشديدة في الإستفادة من خبرات الآخرين ممن سبقوني في هذا المجال ، وقياماً بجزء يسير من الواجب - واجب الترجمة الدينية لتعريف الناس بدين الإسلام ، وتبيينه لمن لا يفهم اللسان العربي، وذلك من تبليغ الناس بدين الله ودعوتهم إليه (2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3) رحمه الله:
" والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم؛ صار لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة، وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد مثله للصحابة؛ لأن هذه وسائل تطلب لغيرها؛ فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين واستغنى عنه الصحابة، وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية يحتاج إليه من لغته فارسية وتركية ورومية، والصحابة لما كانوا عرباً استغنوا عن ذلك، وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه".
__________
(1) - من خلال عملي كمترجمة -من اللغة العربية إلى اللغة الأُردية و العكس- في المسجد النبوي.
(2) - حيث يفد الملايين من المسلمين والمسلمات طوال أيام السنة لأداء فريضة الحج و العمرة و كان واجباً علينا أن نبلغ هذا الدين و نسعى لنشر سنة سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه و سلم حيث قال عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم : (بلغوا عني و لو آية) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل 4/145. فلا تكون الدعوة و لا التبليغ إلا بلسان القوم المدعوون كما قال تعالى: ( و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) سورة إبراهيم آية رقم (4).
(3) 3 - منهاج السنة النبوية : 8/ 205.(24/2)
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) : " وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه...ولذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة ". لذلك فإن ترجمة الكتب الشرعية ومن أهمها تفاسير القرآن الكريم وشروح السنة النبوية, وكتب العقائد والأحكام؛ أمر لا بد منه, بل هو واقع مشاهد, إن لم يقم به أهل السنة والاتباع قام به أهل البدعة والمخالفة. (2)
ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب فوجدت أنه يلزمني أن أجتهد بالمشاركة في هذه الندوة سعياً لحل المشكلات التي تعيق المترجم عامة والمترجم الديني خاصة ، مع علمي بأني لست من فرسان هذا الميدان، لكن لضعف المشاركة فيه وقلة ما كتب حوله و تشجيع من حولي أغراني في عرض ما لدي من بضاعة يسيرة ؛ سائلةً الله تعالى التوفيق و السداد .
القسم الأول:
احتياجات المترجم، و فيه أربعة مباحث:
المبحث الأول:الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل.
المبحث الثاني: القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة للمترجم.
المبحث الثالث: تطوير الملكة الفطرية و المعرفية.
المبحث الأول:الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل.
لا شك أن الترجمة بجميع أنواعها (3)
__________
(1) 4 - درء تعارض العقل والنقل : 1/ 43.
(2) - مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال في مجال الدعوة للدكتور/ إبراهيم بن صالح الحميدان.
(3) - ) أنواع الترجمة:
أ- الترجمة التحريرية: وهي التي تتم كتابةً. وعلى الرغم مما يعتبره الكثيرون من أنها أسهل نوعي الترجمة، إذ لا تتقيد بزمن معين يجب أن تتم خلاله، إلا أنها تعد في نفس الوقت من أكثر أنواع الترجمة صعوبة، حيث يجب على المترجم أن يلتزم التزاما دقيقاً وتاماً بنفس أسلوب النص الأصلي، وإلا تعرض للانتقاد الشديد في حالة الوقوع في خطأ ما.
ب - الترجمة الشفهية: وتتركز صعوبتها في أنها تتقيد بزمن معين، وهو الزمن الذي تقال فيه الرسالة الأصلية. إذ يبدأ دور المترجم بعد الانتهاء من إلقاء هذه الرسالة أو أثنائه. ولكنها لا تلتزم بنفس الدقة ومحاولة الالتزام بنفس أسلوب النص الأصلي، بل يكون على المترجم الاكتفاء بنقل فحوى أو محتوى هذه الرسالة فقط.
وتنقسم الترجمة الشفهية إلى عدة أنواع:
أولاً: الترجمة المنظورة: أو الترجمة بمجرد النظر. وتتم بأن يقرأ المترجم نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر بعينيه، ثم يترجمها في عقله، ليبدأ بعد ذلك في ترجمتها إلى اللغة المنقول إليها بشفتيه.
ثانياً: الترجمة التتبعية: وتحدث بأن يكون هناك اجتماعاً بين مجموعتين تتحدث كل مجموعة بلغة مختلفة عن لغة المجموعة الأخرى. ويبدأ أحد أفراد المجموعة الأولى في إلقاء رسالة معينة، ثم ينقلها المترجم إلى لغة المجموعة الأخرى لكي ترد عليها المجموعة الأخيرة برسالة أخرى، ثم ينقلها المترجم إلى المجموعة الأولى ... وهكذا.
ثالثاً: الترجمة الفورية: وتحدث في بعض المؤتمرات المحلية أو المؤتمرات الدولية، حيث يكون هناك متحدث أو مجموعة من المتحدثين بلغة أخرى عن لغة الحضور. ويبدأ المتحدث في إلقاء رسالته بلغته المصدر ليقوم المترجم بترجمتها في نفس الوقت إلى لغة الحضور(. منقول عن موقع صيد الفوائد ، مقال أنواع الترجمة لمحمد حسن يوسف.(24/3)
طريق مختصر بين الحضارات تؤدي إلى التواصل المستمر بين الأمم والثقافات على مر العصور. والترجمة الدينية تعتبر من أصعب الترجمات فهي ليست كبقية المعارف الأخرى الأدبية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي لا ترتبط بعقيدة وأحكام وأصول بقدر ارتباطها بمعلومات تعارف عليها الإنسان واستقاها من علاقاته الممتدة عبر التاريخ لذلك فإن الترجمة الدينية تحتاج إلى مهارة ودقة فائقة وتعامل خاص وقدر واسع من الحرص والمسؤولية حتى لا تتعرض للتشويه والخلط ولاسيما أننا نعيش في عالم تتصارع فيه الحضارات وينظر بعضهم للإسلام - وبخاصة الغربي منهم ـ نظرة معارض.
والترجمة من لغة إلى لغة أخرى هي بمثابة وسيط بين هاتين الحضارتين و اللغتين، وبقدر ما يكون الوسيط صحيحاً ودقيقاً تكون الترجمة دقيقة ومعبِّرة. إذاً لا يخفى علينا جميعاً أهمية الترجمة ودورها الفعال في نشر الدين الإسلامي فهي بذلك أمانة في عنق المترجم.
والمترجم هو الذي يقوم بالترجمة و استُعمِلت كلمة (ترجم) في اللغة للدلالة على معانٍ ، يقال: ترجم الكلام: إذا بيَّنه وأوضحه، ويقال: ترجم كلامه إذا فسره بلسان غيره، وترجم كلام غيره وعنه: نقله من لغة إلى أخرى ومنه التّرجمان، ويقال: تَرجُمان ولك أن تضم التاء لضمة الجيم فتقول: تُرْجُمَان والجمع: تراجم (1) .
و من خلال تجربتي المتواضعة و بعد اطلاعي على عدد من المقالات والموضوعات حول الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل تلخص لي ما يلي:
? المعرفة التامة للغة التي ينقل منها و اللغة التي ينقل إليها .
? الكفاءة اللغوية في اللغة الأم واللغة المترجمة إليها (هذا الأفضل و إن لم يكن فعليه أن يترجم من لغة إلى اللغة الأم لأنه يكون أكثر دراية واطلاع بها).
? الدراية الكاملة باللغة الأصلية و اللغة المترجم إليها و أسرارهما البلاغية و الجمالية من حيث بيانهما للمعاني.
__________
(1) - " المعجم الوسيط": (1/83). ...(24/4)
? الإلمام بحصيلة كبيرة من المفردات اللغوية لإثراء خبرته اللغوية.
? مراعاة موضوع اللهجات و الفروق الثقافية و الاجتماعية و النفسية.
? أن يكون كثير القراءة واسع الاطلاع.
? المعرفة التامة للمادة المترجمة و الإلمام بموضوعها.
? فهم المترجم للنص الأصلي و ليس معناه فحسب.
? توفر الأدوات التي تساعده في الترجمة (كالقواميس ، و المعاجم ، و الكتب المتخصصة في موضوع المادة المترجمة ، علاقات مع مترجمين آخرين).
? القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة.
? مراعاة مستوى المتلقي للترجمة. (فمثلاً إذا كان المترجم يترجم نصاً حديثياً أو فقهياً وكان النص موجهاً لاجتماع يحضره علماء و طلاب العلم الشرعي فعليه أن يتحرى المصطلحات الشرعية الدقيقة لأنه سيلقى من يفهم ترجمته بل ويستحسنها. ولكن إن كان المترجم يترجم لمجموعة من الناس ليس لها نصيب من علم الحديث أو الفقه، يتعين عليه أن ينتقي المترادفات التي تفيد المعنى بالطريقة التي يفهم بها العوام، بل عليه أحياناً أن يبحث عن كلمات مرادفة في اللغة الدارجة التي تتحدث بها تلك المجموعة من الناس و إلا فسيكون مثل من فسر الماءَ بعد جهد بالماءِ) (1) .
? القدرة على سرعة الرد.
? القدرة على التركيز.
? القدرة على الاستمرار في الترجمة لمدة طويلة.
__________
(1) - يحضرني موقف حصل معي ذات مرة حين كنت أتحدث مع بعض الأخوات عن أحكام سجود السهو و حضرت إلى مجلسنا امرأة قالت:ما معنى السهو؟ فبينا لها أنه النسيان و من يومها تنبهت إلى هذه النقطة بأنه لا بد من تبسيط المصطلحات و خاصة الشرعية منها ليفهما العوام من الناس فيتمكنوا من فهم دينهم و عبادة الله على علم و بصيرة.(24/5)
? التمتع بقدر كبير من هدوء الأعصاب لا سيما في الترجمة الشرعية الدينية و خاصة إذا كان المترجم يترجم كلام الداعي كأمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو دحض لبدعة فإن المترجم الديني لا بد أن يتصف بصفات الداعية و منها ما جاء في قوله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل آية رقم -125-.
? الثقة بالنفس.
و يزيد المترجم الديني على الشروط المذكورة سابقاً ما يلي :
? سلامة المعتقد و المنهج ، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف آية رقم - 108-.
? الدراية الكافية للعلوم الشرعية عامة و تمكنه من المادة المترجمة خاصة.
? أن يكون متقناً للغة العربية وأساليبها وقواعدها واشتقاقها.
? أن يكون على اتصال بأهل العلم.
? أن يدرك خصوصية مصطلحات العلوم الإسلامية واختلاف دلالاتها و وجوب الحيطة أثناء ترجمتها ولا سيما من الناحيتين الدينية والثقافية، مثل ترجمة معنى توحيد الألوهية و ترجمة أسماء الله الحسنى و صفاته.
? أن يكون أميناً لا يتحرج من تصحيح الخطأ في ترجمته و يبذل كل ما في وسعه للوصول إلى المعنى المراد من النص المراد ترجمته ، وذلك يتطلب منه الصبر والبحث وعدم العجلة، وسؤال أهل العلم والخبرة حتى يكون عمله متقناً.
? أن يعرض ترجمته على لجنة مؤهلة تجمع متخصصين في اللغتين ، و في العلوم الشرعية التي يحتاج إليها في تصحيح الترجمة إن وجدت أو يتصل بمن بعرف من المترجمين.
المبحث الثاني: القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة للمترجم.(24/6)
في ظل عصر الثورة المعرفية والعلمية والتكنولوجيا الحديثة تطورت البرمجيات الحاسوبية واتسع نطاق الشبكة العنكبوتية مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الترجمة بمساعدة الحاسوب - تسمى بالترجمة الآلية - ومن الطبيعي أن تحث هذه التطورات المترجمين على تنمية مهاراتهم و ذلك بالتحاقهم بالدورات التدريبية الخاصة باستخدام الحاسوب وبرمجياته حيث يتعرف من خلالها على تطبيقات الحاسوب التي يمكن استخدامها في عملية الترجمة ، ومدى استفادة المترجم من المعاجم الإلكترونية وبرامج الترجمة الآلية، و التعرف على أساليب إدخال المعلومات والتدريب عليها ومنها: لوحة المفاتيح، القارئ الضوئي، والملقن الصوتي، والملفات الإلكترونية ..... إلخ، كما يتعرف على أسس شبكات الحاسوب والاتصالات وكيف يمكن استخدامها لخدمة المترجم و هنا سؤال يطرح نفسه:
ما هي البرمجيات التي يجب أن تكون بحوزة المترجم؟(24/7)
الجواب: القواميس و المعاجم الالكترونية حيث أنها توفر الوقت و الجهد للمترجم حال بحثه عن كلمات و مترادفات و كذلك يجب أن يكون لديه نسخة حديثة من مجموعة برامج Microsoft Office والتي تضم برنامج الWord والPowerpoint وال Excelو يجب أن يكون لديه أيضاً برمجيات خاصة بالإنترنت ، بما في ذلك برمجيات نقل الملفات من موقع إلى آخر، وبرمجيات ضغط الملفات وإزالة ضغطها، وبرمجيات تحويل أنظمة الملفات. و كذلك من المفيد -لراحة يديه و معصميه خاصة في حال النصوص الطويلة- أن تكون بحوزته أيضاً بعض برمجيات الإملاء مثل برنامج : Naturally Speaking من Dragon Systems ، و برنامج ViaVoice من IBM وأنا أجد هذه البرمجيات جيدة إلى حد ما (1) . ولكنها تعتبر بطيئة مقارنة بالطباعة، وتكون في كثير من الأحيان غير عملية، خاصة فيما يتعلق بمسألة تنظيم الطباعة، وأسماء الأعلام والرموز الرياضية ، و أخيراً من الوسائل التقنية التي تخدم المترجم من حيث قلة الجهد و سرعة الأداء هي تلك البرمجيات التي من خلالها يمكن ترجمة النص آلياً باستخدام الحاسوب كبرنامج الوافي الذهبي و الترجمة الآلية وإن كانت تفتقد إلى الحس و المضمون لأنها غير دقيقة غالباً في الوقت الحالي - إلا أنها تعطينا فكرة عن محتوى النص على أقل تقدير و تفيد في ترجمة المفردات و بإمكاننا استخدام هذه البرامج كمترجمين مساعدين يترجمون لنا ما نريد بشكل أوّلي تليه عمليات التنقيح وإعادة الصياغة اللازمة لإتمام عمليات الترجمة وإخراجها بالشكل الأمثل.
__________
(1) - هذا فيما يخص باللغة الانجليزية أما بالنسبة للغة الأُردية فإنني للأسف حتى الآن لم أجد برنامج إملاء باللغة الأُردية و حتى برنامج كتابة النصوص (In page) الذي أستخدمه في كتابة النصوص باللغة الأُردية ليس بدرجة مستوى برنامج Microsoft Office Word .(24/8)
و يمكن استخدام برمجيات على الشبكة العنكبوتية مباشرة حين تكون الحاجة للنتائج سريعة بغض النظر عن الجودة و مثل هذه البرامج لا تترجم النصوص فحسب بل تترجم المواقع على الشبكة العنكبوتية بالكامل و تقوم كذلك بترجمة أي صفحة على الشبكة العنكبوتية من الانجليزية إلى العربية و بالعكس مع المحافظة على تخطيط الصفحة الأصلي و ضبط اتجاه اللغة. و مع هذه التطورات اكتسبت الترجمة الآلية قوة كبيرة في السنوات الأخيرة و أصبحت رخيصة التكلفة و يمكن الوصول إليها بسهولة من قبل عدد كبير من المستخدمين فكانت برامج الترجمة الآلية منتجاً رائجاً ومعروفاً كبرامج معالجة الكلمات والنشر.
المبحث الثالث: تطوير الملكة الفطرية و المعرفية للمترجم.
هناك من المهارات و الخبرات التي من شأنها أن تعمل على تطوير الملكة الفطرية و المعرفية لدى المترجم ليكون متمكناً من ترجمة أي نص دون أي عائق و هي كالتالي:
1. امكانية الكتابة بسرعة مناسبة و بأساليب متنوعة و يمكن تطوير ذلك بأن يدرس دراسة منظمة في اللغة الأجنبية التي يود العمل بها، بما في ذلك دراسة مكثفة لكيفية القراءة والكتابة بهذه اللغة، أو شراء طبعات حديثة من الكتب المدرسية التعليمية الجامعية التي تدور حول المواضيع التي يترجم فيها و عليه دراسة الكتب كما لو كان طالباً فيجب عليه أن يفهم الأسئلة و يجيب على بعضها، إن لم يكن كلها، ويحاول أن يقيِّم اللغة المستخدمة في هذه الكتب ويكتشف المفردات و المصطلحات الجديدة التي لم يكن يعرفها من قبل فيتعلَّمها، و من المفيد للغاية دراسة مثل هذه الكتب بجميع اللغات التي يعرفها المترجم.(24/9)
2. الاطلاع والقراءة العامة فهما يعملان على إثراء مخيلة المترجم بشتى المعاني التصويرية والقياسية وتزيد من كم التعبيرات لديه فيقرأ بعض المجلات، والجرائد، والكتب التي تتعلق بالمواضيع التي يترجم إليها ، هذا مع ضرورة بقائه على صلة دائمة باللغات التي يترجم منها وإليها حتى يكون مواكباً لتطوراتها بكل الوسائل المتاحة.
3. الإلمام بحصيلة كبيرة من المصطلحات و المفردات ليثري المترجم خبرته اللغوية و يطور الذكاء الترجمي لديه.
4. الاطلاع على تقنيات الترجمة وآلياتها واستراتيجيات التعامل مع مختلف أنواع النصوص فتكون لديه القدرة على الاستفادة من الوسائل التقنية المتاحة له.
5. التدريب العملي ، فإلى جانب التأهيل الأكاديمي الذي يكتسبه طالب الترجمة داخل حجرات الدراسة هناك الجانب العملي الحقيقي في مكان الوظيفة و هو ما لا يتوفر داخل الجامعة أو الكلية. لذلك ينبغي أن يتدرب المترجم على المناخ الفعلي لعملية الترجمة كأن يختلط مع أولئك الأشخاص الذين يتحدثون باللغة التي يترجم إليها فيتعرض للمواقف المختلفة التي تكون بلا شك سبباً رئيساً في صقل موهبة المترجم وذخيرته اللغوية.
6. التعرف على اللهجات العامية في كل اللغات التي يترجم منها و إليها. و يتبادر إلى ذهني موقفاً طريفاً حصل معنا في المسجد النبوي أثناء موسم الحج جاءتنا إحدى الزائرات من أهل المغرب العربي و كانت امرأة في الخمسينات تقريباً تسأل عن الباب الذي يؤدي بها إلى خارج المسجد قائلةً بلهجتها: يا بنتي قولي لي وين الباب تاع الزنقة؟ فنظرت الموجودات كل واحدة للأخرى تسأل زميلتها الزنقة؟!! إذ دخلتُ مع مترجمة و هي من بلاد المغرب العربي فأخبرت الأخوات أن الزنقة بلهجتهم تطلق على الطريق و الشارع. هناك الكثير من المواقف التي تحصل بسبب اختلاف اللهجات.(24/10)
7. القيام بتدريبات على الاستماع والفهم والاستيعاب وتحليل المضمون وتدوين المعلومات كلما كانت هذه المهارات متوفرة عند المترجم كانت ترجمته سريعة و دقيقة.
8. يتدرب المترجم على العناصر التعبيرية غير المنطوقة في اللغات التي يترجم منها و إليها كالإيماءات والإشارات لما لها من دور كبير في نقل المعنى وإحداث الأثر المطلوب.
القسم الثاني: المؤثرات التي تؤثر على المترجم، و فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المؤثرات الإيجابية.
المبحث الثاني:المؤثرات السلبية.
المبحث الثالث:طرق كسب المهارات و تطوير الذات للتقليل من المؤثرات السلبية.
المبحث الأول: المؤثرات الإيجابية.
? البيئة المحيطة حول المترجم مؤثر فعال سواءً كان إيجاباً أو سلباً فعلى المترجم أن يختار لنفسه البيئة التي تساعده على تطوير قدراته و مهاراته الترجمية و يسعى لجعلها مؤثراً إيجابياً، (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
? التدريب العملي و ممارسة الترجمة بالتحدث و الاختلاط مع أصحاب اللغات التي يترجم منها و إليها.
? عقد الندوات و المؤتمرات المتخصصة في علوم الترجمة لما لها تأثير كبير على تأهيل وتطوير قدرات المترجم و الرقي بكفاءته اللغوية و الترجمية.
? إصدار مجلات أو منشورات متخصصة في معالجة قضايا الترجمة.
? إصدار الكتب المتخصصة في علوم الترجمة.
? إقامة الدورات التأهيلية و التطويرية فهي سببٌ رئيسٌ في صقل لغات المترجمين و الرقي بمستواها لتكون ترجماتهم محل احترام أصحاب اللغات المترجمة إليها.
? تبادل الخبرات و التجارب.
المبحث الثاني:المؤثرات السلبية.
? البيئة المحيطة حول المترجم . مثلاً إن كان من حوله لا يتحدثون باللغات التي يعرفها أو يترجم منها و إليها فإن مستوى الترجمة يقل لديه.
? عدم ممارسة المترجم للترجمة واكتفائه بالتعليم الأكاديمي و تركه التدريب العملي.
? عدم توفر الدورات و الأنشطة المساهمة في تطوير قدرات المترجم .(24/11)
? ندرة الأبحاث العلمية الحديثة في مجال الترجمة و علومها والمكتوبة باللغة العربية. (1)
? عدم توفر الكتب التي تدور حول موضوع الترجمة و علومها باللغة العربية.
? عدم توفر القواميس والمعاجم اللازمة في المجالات العلمية المختلفة.
? عدم توفر هيئات مركزية لتوحيد ترجمة المصطلحات على المستوى الإسلامي و العربي.
...
المبحث الثالث:طرق كسب المهارات و تطوير الذات للتقليل من المؤثرات السلبية.
على المترجم أن يسعى بشتى الطرق و الوسائل الممكنة تطوير ذاته و كسب المهارات المختلفة لإثراء ملكته الفطرية و اللغوية و من أهمها:
? التدريب العملي و الاطلاع على الكتب والجرائد و المجلات العالمية التي تنشر باللغات التي يستخدمها المترجم.
? تطوير مهارة الاستماع التي تؤدي إلى الفهم الجيد للنص و من ثم الحصول على ترجمة دقيقة.
? العمل على تنشيط الذاكرة لاسترجاع أكبر قدر ممكن من الرسالة التي تم الاستماع إليها
? إقامة الدورات و الأنشطة المساهمة في تطوير قدرات المترجم. فالندوة التي تقيمها الجمعية العلمية السعودية للسنة و علومها بعنوان (ترجمة السنة والسيرة النبوية) هي بادرة طيبة في تشجيع ترجمة السنة والسيرة النبوية سائلة الله عز وجل توفيق القائمين عليها لما فيه خدمة الإسلام و المسلمين.
__________
(1) - وجدت مشكلة كبيرة في البحث عن الكتب و الأبحاث التي تخص موضوع بحثي (احتياجات المترجم و المؤثرات التي تؤثر على المترجم) لكن للأسف ما وجدت إلا بعض المقالات على الشبكة العنكبوتية و بعض المواقع المتخصصة في الترجمة و علومها و سأذكرهما في المراجع. و الأمر الذي يحزن أن أغلب الكتب والأبحاث التي وجدتها حول الترجمة و علومها كانت بغير اللغة العربية.(24/12)
? تشجيع المختصين من العرب في مجال الترجمة و علومها و ذووا الخبرة أن يساهموا في كتابة الأبحاث العلمية الحديثة في مجال الترجمة و علومها و كل ما يختص بالترجمة (مشكلاتها و معوقاتها و قضاياها وعرض مقترحاتهم لحل هذه القضايا).
? محاولة توفير الكتب التي تدور حول موضوع الترجمة و علومها باللغة العربية بالإضافة إلى ترجمة الكتب غير العربية .
? أن يحاول أصحاب الاختصاص في مجال الترجمة إنشاء قواميس ومعاجم في مختلف المجالات العلمية (1) و تصحيح الأخطاء الموجودة في بعض القواميس.
? إنشاء هيئات مركزية لتوحيد ترجمة المصطلحات على المستوى الإسلامي و العربي.
الخاتمة
إن المترجم المتميز هو الذي يعرف جيداً لغته الأصلية وما اشتملت عليه من قواعد ومصطلحات قديمة وحديثة، كما أنه يتقن اللغة الأجنبية التي ينقل عنها، فضلاً عن تخصصه في المجال العلمي الذي يترجم فيه، كما يجب أن يكون متمكنا من اللغة العامية التي يتحدثها الناس.
و المترجم المتميز هو الذي يسعى دائماً لتطوير مهاراته و قدراته الترجمية و رفع كفاءته اللغوية و الترجمية.
و المترجم المتميز هو الذي يكون أميناً يتحرج من الخطأ في ترجمته تحرجاً يجعله يبذل كل ما في وسعه للوصول إلى المعنى المراد من النص المراد يسأل أهل العلم والخبرة ليكون عمله متقناً.
هذا وأسأل الله أن ينفع بهذا البحث ، و أن يوفق للصواب، إنه على كل شيء قدير، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) - أهمها قواميس المصطلحات الشرعية حيث أنني لم أجد قاموساً دقيقاً على حسب اطلاعي البسيط و محاولاتي المتواضعة في البحث عن قواميس لمصطلحات شرعية باللغة الأُوردية .(24/13)
سمية حافظ غلام رسول
المعلومات الشخصية :
? العنوان : المدينة النبوية – الحرة الشرقية - شارع المطار الطالع .
? رقم الهاتف : 048342604
? رقم الجوال : 0502726452
? البريد الإلكتروني sumaieh@hotmail.com
? الجنسية: باكستانية
التحصيل العلمي :
? الثانوية العامة قسم علمي بتقدير ممتاز عام 1418هـ - 1419هـ .
? دبلوم في علوم الحاسب الآلي تخصص برمجة و نظم معلومات بتقدير ممتاز عام 1421هـ - 1422 هـ .
? دورة مكثفة في صيانة الحاسب الآلي من معهد العالمية للحاسب و التقنية عام 1421هـ .
? دورة إعداد المرشدات والمعلمات التابعة لوكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي – القسم النسائي – بتقدير ممتاز عام 1422هـ .
? دورة في الحديث النبوي الشريف و علومه (مستوى أول) بتقدير ممتاز عام 1422هـ بإشراف "الشيخ الدكتور عاصم القريوتي" و "الشيخ الدكتور محمد طرهوني" .
? إجازة في رواية أحاديث الصحيحين عام 1422هـ عن الشيخ عاصم القريوتي .
? دورة تخريج الأحاديث التي أقيمت بالمسجد النبوي – القسم النسائي – بتقدير ممتاز عام 1423 هـ .
? شهادة إتمام حفظ القرآن الكريم بالمسجد النبوي بتقدير ممتاز عام 1427هـ.
? إجازة في قراءة القرآن برواية حفص عن عاصم ( سند متصل ) (مستمر).
? طالبة في المستوى الثاني من بكالوريوس دعوة – كلية التربية و العلوم الإنسانية بجامعة طيبة (مستمر) .
الخبرة المهنية :
? مساعدة مدربة في معهد العالمية للحاسب والتقنية بالمدينة المنورة من 10/ 1421هـ إلى 2/1422هـ .
? مرشدة و معلمة و مترجمة باللغة الأُردية في المسجد النبوي – القسم النسائي – من 1423 هـ وحتى 5/1428هـ .
الإنجازات و النشاطات :
? المشاركة في دورة تعليم مبادئ اللغات للموظفات بالقسم النسائي بالمسجد النبوي
( اللغة الأُردية )
? المشاركة في الدورات الصيفية لزائرات المسجد النبوي .(25/1)
? المشاركة في عمل عروض تقديمية لقسم التوجيه والإرشاد النسائي بالمسجد النبوي .
? تصميم مطويات ومنشورات التوجيه والإرشاد بالقسم النسائي بالمسجد النبوي .(25/2)
Amri A m r i ??df ?df?]?f p^?f _?f ?_?f ??f Xa?f ??f(26/1)
_Amri___________________________________________________A_m_r_i___¨¦©e____ک¦©e____ہ]ےe________p^ےe________ _ےe________ط_ےe________ک`ےe____________Xaےe________ًaےe(27/1)
الأخطاء العقَدية في ترجمات السنة النبوية
أسبابها، والتدابير الواقية منها
بحث أعده
د. صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي
الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله معز التوحيد بنصره، ومذل الكفر بقهره، ومصرف الأحوال بأمره، أحمده بجميع محامده، وأثني عليه في بادئ الأمر وعائده، على وافر عطائه ورافده، فله الحمد دائبا، والشكر واصبا.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، ورسوله المقتفى، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الميامين، وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد:
فإن دين الإسلام هو الدين الخاتم الذي أوجب الله على جميع الناس الإيمان به منذ مبعث النبي عليه الصلاة والسلام وإلى قيام الساعة؛ فليس مخصوصا بفئة، أو مرتبطا بقوم، أو محدودا بحقبة؛ قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]، وقال عليه الصلاة والسلام: (وبعثت إلى كل أحمر وأسود) (1) .
وحتى تقوم حجة الله على البشر فلا بد أن تبلغهم باللسان الذي يفهمون؛ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم: 4].
قال ابن كثير رحمه الله: (هذا من لطفه تعالى بخلقه: أنه يرسل إليهم رسلا منهم بلغاتهم؛ ليفهموا عنهم ما يريدون وما أُرسلوا به إليهم) (2) .
ومن هنا تبرز أهمية –بل ضرورة- ترجمة الوحي الكريم -كتابا وسنة- إلى اللغات المختلفة؛ فالإسلام رسالة عالمية؛ فيجب أن تبلغ ما بلغ الليل والنهار.
__________
(1) ... قطعة من حديث أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/370-371) برقم (521) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(2) ... تفسير ابن كثير (4/477).(28/1)
ولقد توالت الجهود في القيام بهذا الواجب المؤكد، ونهض إلى أدائه فئام من الناس منذ مئات السنين، فأثمرت هذه الجهود ترجمات كثيرة، منها الصالح، ومنها دون ذلك؛ بحسب تنوع مشارب المترجمين وعلمهم ومقدرتهم على الترجمة.
وقد انبعثت من بين هذه الأعمال الكثيرة مشكلة كبرى تستوجب أن تُصرف العناية إلى علاجها؛ ألا وهي الأخطاء العلمية الواقعة في تلك الترجمات؛ إذ كثير من تلكم الترجمات المنشورة تحمل في طياتها تقريرات مخالفة للحق، مجانبة للصواب.
إنه لمن الغني عن البيان أن الترجمة قضية بالغة الصعوبة، وأن الشروط التي تشترط في المترجم ليست سهلة، وبسبب تخلف بعض تلك الشروط وقع في جملة من تلك الترجمات أغلاط كثيرة، طالت جوانب متنوعة، غير أنها جميعا تصبح هيّنة أمام ما يمس حمى العقيدة وجناب التوحيد؛ فالأصل أن المخالفة في باب الاعتقاد ليست كالمخالفة في غيره؛ فرب زلة من هذا الباب نقضت إيمان المرء بالكلية، أو أنقصته وقدحت فيه، قال الشافعي رحمه الله: (والله لأن يفتي العالم فيقال: أخطأ العالم، خير من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله) (1)
قال الذهبي معلقا: (هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع) (2)
وإذا كان الأمر بهذه المثابة؛ فلا شك أن القيام بواجب البيان والتحذير من تلكم الأخطاء العقدية من الواجبات العظام، ومن فروض الكفايات، وهو ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن التواصي بالحق، ومن النصح لكل مسلم.
__________
(1) ... سير أعلام النبلاء (18-19).
(2) ... المصدر السابق.(28/2)
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: (وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة؛ مثل نَقَلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون ... ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء) (1) .
وبناء على ماسبق فقد رغبتُ –في هذا البحث المختصر- في أن ألفت النظر إلى أهمية هذه القضية، وأن أشير إلى مهمات أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، وإلى طرف من التدابير التي تقي –بتوفيق الله-من الوقوع في ضرر تلك الأخطاء.
وأعتقد أنه لن يدرك أهمية الموضوع من المعتنين بالترجمات -ترجمة وطباعة ونشرا- إلا من للعقيدة السلفية في نفوسهم أهمية لا تجارى، ومكانة لا تبارى.
وقد كان تخصيص البحث بترجمات السنة –مع اشتراك ترجمات معاني القرآن في كل متعلقات الموضوع-نظرا إلى أن ترجمات معاني القرآن قد نالت حظا لا بأس به من العناية والتنقيح والتصويب؛ في حين أن ترجمات كتب السنة لم تنل –في رأيي- مثل تلك العناية.
وقد وسمت البحث بـ: الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية: أسبابها، والتدابير الواقية منها.
__________
(1) ... مجموع الفتاوى (28/231-232).(28/3)
وقد جعلته –بعد هذه المقدمة- في مبحثين:
الأول: أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية.
الثاني: التدابير الواقية من تلك الأخطاء.
هذا وقد سلكت في كتابة البحث المسلك المتبع لدى الباحثين في التوثيق والنقل والاقتباس وعزو الآيات وتخريج الأحاديث واستعمال علامات الترقيم وما إلى ذلك.
كما أنني استعنت في الوقوف على نماذج من الأخطاء العقدية في ترجمات كتب الحديث المختلفة ببعض الإخوة من الأساتذة وطلاب العلم من أهل اللغات التي كتبت بها الترجمات، فلهم مني الشكر والتقدير .. والحمد لله، ومنه أستمد العون والتوفيق.
المبحث الأول: أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية
أولا: ضعف المترجم في اللغة العربية
إن تمكن المترجم من اللغة العربية الركيزةُ الأولى في الترجمة، وبقدر إلمامه بها تكون ترجمته أقرب إلى الصواب؛ وعليه فإن جهله بها من أسباب وقوع الأخطاء العقدية وغير العقدية.
وفي موضوع ترجمة السنة: فإن نقل معنى الحديث النبوي إلى لغة من اللغات مبني على فهم معناه، وهذا لا يتأتى إلا من معرفة دقيقة باللغة بفروعها؛ فالقرآن نزل بلغة عربية فصيحة (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 195]، واللغة العربية فيها من بلاغة البيان وبراعة التعبير ما ليس في غيرها، كما أنها أوسع اللغات وأرحبها وأعمقها؛ حتى إنه لا يكاد يحيط بها أحد ولو كان من أساطين أهلها، قال الشافعي رحمه الله: (ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، لكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه) (1) .
__________
(1) ... الرسالة (42).(28/4)
إن المتأمل في بعض الترجمات المنشورة ليظن أن حب الخير والحماسة للدين قد دفعت أصحابها –لا سيما من حدثاء العهد بالإسلام- إلى خوض غمار الترجمة مع كونهم ليسوا من أهل الدراية باللغة العربية؛ فأدى هذا إلى وقوعهم في الخطأ من حيث لم يشعروا، مع أن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الأذهان أن من المتعذر على الضعيف في علوم اللغة اقتحام أسوار الترجمة؛ فالكلمة الواحدة في اللغة العربية قد تحتمل عدة معان؛ فتعيين المعنى المراد منها في الحديث يحتاج إلى فهم جيد لسياق الكلام الذي يحدد المقصود، كما أن للتقديم والتأخير والحصر وأنواع الكنايات وغيرها من ضروب البلاغة أثرها في فهم المعنى، وهذا ما لا يهتدي إليه الجاهل باللغة.
ولأجل هذا فقد قرر أهل العلم أن شرط جواز الترجمة أن يكون المترجم ذا علم باللغة العربية (1) .
قال مجاهد رحمه الله: (لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب) (2) .
وقال مالك رحمه الله: (لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا) (3) .
ولعل من أدرك ما تقدم ثم تأمل واقع الترجمات التي كتب كثيرا منها من ليس من حذاق العربية – علم أن موضوع الترجمة بحاجة إلى عناية كبيرة: مراجعة وتنقيحا وتصويبا.
ثانيا: ضعف المترجم في اللغة المترجم إليها
من الأمور الواضحة أن الترجمة الصحيحة تستلزم إدراك المترجم للغة المترجم إليها.
__________
(1) ... انظر: أصول التفسير لابن عثيمين (1/37) ضمن كتابه: تفسير القرآن الكريم.
(2) ... البرهان في علوم القرآن (1/292).
(3) ... المصدر السابق. وقد أخرجه البيهقي في الشعب (5/232) بلفظ: (لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسر ذلك إلا جعلته نكالا).
وهذان الأثران وما في معناهما وإن كانا واردين في القرآن إلا أن حكمهما يشمل السنة أيضا؛ فإنها قرينة القرآن.(28/5)
ولا يكفي أن يكون المترجم من المتكلمين باللغة حتى يكون مؤهلا للقيام بالترجمة؛ بل لا بد من أن يكون ذا فقه في تلك اللغة وتبحر في علومها؛ بحيث يستطيع أن يعبر تعبيرا دقيقا يفيد المعنى المقصود من النصوص.
وهذا –كما قرر أهل العلم- شرطٌ في صحة الترجمة (1) .
إن الكلمة العربية الواحدة قد يقابلها في اللغة الأخرى مفردات عدة، وقد يكون من بين هذه المفردات فروق دقيقة؛ فاختيار اللفظ المناسب من بينها ليس أمرا سهلا.
وتعظم المسألة أكثر حين لا يكون ثمة مفردة تقابل الكلمة العربية؛ فالمقام حينئذ يحتاج إلى شيء من الإطناب حتى يتبين المقصود؛ ومن واجب المترجم توضيح المراد وشرحه بما يقرب المعنى قدر الاستطاعة، وهذا في مسائل الاعتقاد يفتقر إلى تحرٍ ودقة فائقة.
من نماذج الأخطاء التي تذكر في هذا المقام: ما جاء في إحدى الترجمات الإنجليزية لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) الحديث (2) .
فقد جاء في ترجمة قوله: (أنا عند ظن عبدي بي): (أنا أسكن في أفكار عبدي حين يذكرني)! (3)
__________
(1) ... انظر: فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء – مجلة البحوث الإسلامية، العدد (6)، ص 274-275، وأصول التفسير لابن عثيمين (1/37).
(2) ... أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:(ويحذركم الله نفسه) (13/384) – مع فتح الباري، برقم (7405)، ومسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى (4/2061) برقم (2675) .
(3) ... والترجمة كما في صحيح مسلم باللغة الإنجليزية، ترجمة الدكتور محمد محسن خان – مكتبة دار السلام: (I live In the though of my servant as he thinks about me)(28/6)
وجاء في ترجمة قوله: (ذكرته في نفسي): (ذكرته في قلبي)! (1)
وتبلغ القضية ذروتها في الإشكال في شأن المصطلحات الشرعية؛ فإن المصطلحات الشرعية ذات مدلول محدد في الشرع، وقد لا يكون في اللغة المترجم إليها مصطلح يقابله، وقد يوجد لكنه لا يؤدي معنى المصطلح بدقة وإن وافقه في معناه اللغوي، بل إن اللفظ أحيانا قد يُفهم منه معنى مخالف لدى أصحاب الدين الذي يتكلم أهله بتلك اللغة؛ فيفهمون النص الشرعي في ضوئه؛ وهذا إشكال كبير.
وأضرب مثلا يوضح المقصود: وقع في كثير من ترجمات كتب السنة إلى الإنجليزية (2) ترجمة كلمة (الرسول) –صلى الله عليه وسلم- بـ: (Abostle) وهذا اللفظ يعني: رسول أو حواري (3) ، فإذا اعتبرنا أن المترجم أراد استعمال اللفظ بمعنى الرسول لا الحواري؛ فإنه يُلحظ أن (الرسول) في اصطلاح النصارى –بهذا اللفظ: (Abostle)- يراد به الرسول الذي هو من تلاميذ المسيح عليه الصلاة والسلام –أي الحواريين- وليس الرسول المرسل من عند الله تعالى؛ ولذا فإنهم يستعملون مصطلح: (Abostles Creed) بمعنى: (قانون الإيمان المسيحي [أي النصراني] "المنسوب إلى الرسل الاثني عشر") (4) .
__________
(1) ... والترجمة كما في صحيح مسلم باللغة الإنجليزية، ترجمة الدكتور محمد محسن خان – مكتبة دار السلام: (I also remember him in my heart).
(2) ... انظر مثلا: ترجمة موطأ الإمام مالك بالإنجليزية لمحمد رحيم الدين (MUWATTAA‘ IMAM MALIK – MUHAMMAD RAHIMUDDIN)، وترجمة سنن أبي داود بالإنجليزية لأحمد حسن (SUNAN ABU DAWUD – AHMAD HASAN)، وترجمة مشكاة المصابيح بالإنجليزية للحاج مولانا فضل الكريم (Mishkat-ul- Masabih – AL-HAJ MAULANA FAZLUL KARIM, M.A. B.L.)
(3) ... انظر: المورد – قاموس عربي إنجليزي (55) - (apostle).
(4) ... المورد – قاموس عربي إنجليزي (55) - (Abostles Creed).(28/7)
ويؤيد ما سبق ما جاء في قاموس الكتاب المقدس: (يطلق الاسم [أي: رسول] بصفة خاصة على تلاميذ الرب يسوع (1) الاثني عشر الذين اختارهم ليعاينوا حوادث حياته على الأرض ويروه [هكذا] بعد قيامته ويشهدوا له أمام العالم بعد حلول الروح القدس عليهم) (2) .
وعليه فحينما يقرأ النصراني في ترجمات كتب السنة: (the Abostle of Allah ssid) أي: قال رسول الله .. فإنه قد يفهم: قال الرسول الذي هو الحواري! وذلك بناء على خلفيته الثقافية الدينية (3) .
وهنا يجدر التنبيه على أن من المتأكد على المترجم أن يراعي الجوانب الدينية والثقافية والاجتماعية والتاريخية للبيئة التي ينتمي إليها من يقرأ هذه الترجمة؛ فاللفظ قد يكون له معنى في اللغة وله معنى آخر في العرف؛ فلا يسوغ أن يعمد المترجم إلى استعمال اللفظ في معناه اللغوي مع إغفال المعنى العرفي مع كونه أقرب إلى ذهن القارئ.
ثالثا: ضعف التأصيل العلمي للمترجم
إن حقيقة الترجمة مبنية على قضيتين: فهم النص –وهذا هو الأساس- ثم التعبير عنه بلغة أخرى.
فترجمة السنة لا يمكن أن تتم إلا بفهم الحديث (4) والإلمام بمعناه والإحاطة بمدلوله وفق القواعد العلمية الصحيحة؛ وهذا يفتقر إلى قدرة علمية وتمكن شرعي؛ وإلا فإن الجاهل بالأحكام الشرعية قد يحمل الحديث على غير وجهه وينقل معناه على غير حقيقته.
__________
(1) ... تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
(2) ... قاموس الكتاب المقدس (403) مادة (رسول).
(3) ... ويمكن الاستعاضة عن هذا اللفظ بلفظ آخر يؤدي معنى (رسول) في الإنجليزية كلفظ: (Messenger).
(4) ... انظر: أصول النفسير (1/37).(28/8)
وعليه فإن من شرط المترجم أن يكون على علم بقواعد الاستنباط ودلالات الألفاظ والناسخ والمنسوخ واصطلاحات أهل الفنون، وإشراف على كلام أهل العلم والمأثور عن السلف والتمييز بين ما يثبت وما لا يثبت، وأهم من ذلك كله: فهم معتقد أهل السنة والجماعة فهما صحيحا، ولزوم منهجهم في التقرير والاستدلال والتلقي.
إن طائفة من الأخطاء العقدية في ترجمة السنة النبوية منشؤها ضعف المترجم العلمي وجهله الشرعي؛ لا سيما إذا لوحظ أن كثيرا من المترجمين يجمع مع ترجمة الألفاظ: الشرح والتحليل والترجيح، وههنا يقع كثير من الخلط؛ فقد يحمل المترجم -ضعيف التأصيل- الحديث على عمومه مع وجود مخصص له، أو يخصصه مع عدم المخصص، وقد يضخم النهي فيبلغ بالمعصية مبلغ الشرك، أو يهون منه فيجعل ما هو شرك في حكم المعصية، وقد يعتمد –لجهله- في ترجمته على كتب غير معتمدة، أو آراء غير محررة، أو أحاديث وآثار غير ثابتة.
وإذا كان موضوع المادة المترجمة يتعلق بقضية دقيقة كالصفات أو القدر أو نصوص الوعيد ونجوها كان احتمال الخطأ منه أكبر، وأثره أعظم.
فكم من خطأ في هذه الأبواب قد يعصف بعقائد العوام حينما يتولى الترجمة من لا يفرق –مثلا- بين المحبة والمشيئة، أو بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، أو بين الكفر الأكبر والأصغر، أو من لم يدرك المنهج الصحيح في فهم نصوص الوعيد كنفي الإيمان أو نفي دخول الجنة أو تحريمها عليه.
وإذا قيل: إن رجوع المترجم إلى كتب الشراح والمفسرين وترجمة ما قرروه في شرح أمثال تلك النصوص يكفي؛ ولا حاجة لاشتراط القدرة العلمية في المترجم.
والجواب: أن هذا إشكال آخر؛ فكثير من المفسرين أو شراح الأحاديث ليسوا على معتقد أهل السنة، وربما وقع في كثير من كلامهم مخالفة للمنهج الحق في تلك المسائل، وإذا لم يكن المترجم ذا تمكن علمي فلن يستطيع تمييز صواب قولهم من خطئه.(28/9)
ومن الأمثلة التي تذكر في أثر ضعف التحصيل العلمي في وقوع الأخطاء العقدية: ما وقع فيه أحد المترجمين (1) في ترجمته لصحيح البخاري حين رفض تعريف جماهير أهل العلم للصحابي؛ وهو: من رأى النبي عليه الصلاة والسلام مؤمنا به ومات على الإسلام (2) ، زاعما أن هذا من إفرازات القرون المتأخرة! وأن علماء المسلمين كانوا يحدون الصحابي تحديدا مختلفا؛ فهو عندهم: من كان مقربا من النبي عليه الصلاة والسلام وخالطه وجعله قدوة له، وثبت معه في المواقف الحرجة منذ وقت مبكر.
وكان من ثمرات هذا الفهم أن وقع هذا المترجم في لمز الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه (3) .
وما من شك أن من أسباب وقوع الكاتب في هذا الخطأ الكبير ضعفه العلمي وعدم تلقيه العلم على يد أهله الثقات، ولعل حماسه للإسلام –بعد أن أسلم- كان الدافع له إلى أن يترجم صحيح البخاري –ومعاني القرآن أيضا- مع عدم أهليته، وعدم اعتماده في أداء هذا العمل الشاق على قواعد السلف وضوابط أهل العلم بعدهم، وإنما هي آراء شخصية وقراءات خاصة، وهي بلا ريب متأثرة بالثقافة التي نشأ عليها.
__________
(1) ... هو محمد أسد في ترجمته الإنجليزية لصحيح البخاري.
(2) ... قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه) وانظر تعليق ابن حجر عليه في فتح الباري (7/5). وقال ابن كثير: (والصحابي: من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في حال إسلامه وإن لم تطل صحبته، أو إن لم يرو عنه شيئا، وهذا قول جمهور العلماء خلفا وسلفا) اختصار علوم الحديث (133) - مع الباعث الحثيث.
(3) ... نقل هذا الكلام عنه من ترجمته الإنجليزية لصحيح البخاري: الدكتور إبراهيم عوض في بحثه: "فكر محمد أسد كما لا يعرفه الكثيرون" وهو منشور في موقعه على الشبكة: www.awad.phpnet.us(28/10)
وليس ما ذكرته ضربا من الرجم بالغيب؛ فالكاتب السابق نفسه قد نعى -في ترجمته السابقة- على المسلمين أنهم لم يعودوا يفكرون تفكيرا مستقلا عن تفكير القدماء، وطالب المسلم بعدم الإصاخة إلا إلى فهمه هو للقرآن! (1)
والخلاصة: أن من أسباب وقوع الأخطاء العقدية في الترجمة: الضعف العلمي، وأن العاطفة الإيمانية وحدها لا تكفي مؤهلا للترجمة التي تنوء بغير المؤصلين علميا.
رابعا: الانحراف العقدي للمترجم
ومقصودي: الانحراف في الاعتقاد عن جادة الحق –اعتقاد السلف الصالح- إلى اعتقادات الفرق المنحرفة المنتسبة للإسلام، أما من لم يكن من أهل الإسلام أصلا –كاليهود والنصارى وأذنابهم كالقاديانيين- فهؤلاء إن ترجموا فالغالب أن لهم مآرب سيئة: طعنا في الدين، وتشكيكا في أحكامه، وتحريفا لمفاهيمه.
إن أعظم سبب لوقوع الأخطاء العقدية في ترجمة السنة: انطلاق المترجم في ترجمته من عقيدة يعتقدها مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة.
ولا ريب أن كل من صنف فهو ساعٍ في خدمة معتقده ونشره ما أمكن (2) .
فأهل البدع والأهواء لم يزالوا جاهدين في حمل نصوص الكتاب والسنة وفق أهوائهم، وتأويلها لتوافق ما يعتقدون.
قال ابن القيم رحمه الله: (وأنت تجد جميع هذه الطوائف تنزل القرآن على مذاهبها وبدعها وآرائها؛ فالقرآن عند الجهمية جهمي، وعند المعتزلة معتزلي، وعند القدرية قدري، وعند الرافضة رافضي، وكذلك هو عند جميع أهل الباطل (وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الأنفال: 34]) (3) .
__________
(1) ... انظر: البحث السابق.
(2) ... من الأمثلة التي تذكر في هذا السياق: أن الجاحظ –وهو معتزلي المعتقد- ألف كتابه "الحيوان" لتمهيد بدعه الاعتزالية التي يحملها، مع أن موضوع الكتاب لا يمس الاعتقاد بصلة! انظر التنبيه على ذلك في: التبصير في الدين للإسرافييني (82).
(3) ... شفاء العليل (1/273).(28/11)
وإذا كان هذا عملهم في شرح نصوص الكتاب والسنة باللغة العربية التي يفهمها أهل العلم، وفي إمكانهم الاطلاع على تحريفاتهم والرد عليها، فكيف سيكون الحال في الترجمات التي لا يطلع عليها غالبا إلا جهال المسلمين؛ لا سيما من كان منهم حديث عهد بالإسلام؟ لا شك أنه سيكون مجالا رحبا يخب فيه المبتدع ويضع؛ فينشر ما يشاء من التحريفات، ويبث ما يهوى من الشبه، ويصوغ ما يروق له من المفاهيم.
من الأمثلة التي تذكر في هذا الموضع: ما قام به مترجم صحيح مسلم إلى اللغة الأسبانية من تحريف حديث الجارية (1) الذي هو نص لا يحتمل التأويل في إثبات صفة العلو الذاتي لله جل وعلا إلى أن المقصود منه: أنه تعالى هو الأكبر! (2)
ولا إخال هذا صادرا إلا عن عقيدة منحرفة يحملها المترجم في هذه المسألة (العلو) التي قد تكاثرت فيها النصوص وأجمع عليها السلف.
خامسا: غياب المراجعة الدقيقة للترجمة
وهذا السبب وإن لم يكن أصيلا إلا أنه سبب مساعد في انتشار الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية وغيرها.
__________
(1) ... وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة (1/381-382) برقم (537) من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه حين سأل النبي عليه الصلاة والسلام جاريته فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها؛ فإنها مؤمنة).
(2) ... انظر: ترجمة صحيح مسلم إلى اللغة الأسبانية (2/79) –Abdu Rahman Colombo Al-Yerrahi – طبع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بالكويت.(28/12)
أعتقد أن من الأسباب المساعدة في وقوع الأخطاء في الترجمة: الاكتفاء بعمل المترجم فحسب دون مراجعته مراجعة دقيقة من غيره؛ فالمترجم مهما بلغ من إجادة اللغة العربية أو اللغة التي يترجم المعنى إليها أو حتى من الناحية العلمية فهو عرضة للوقوع في الخطأ والسهو؛ ولذا فإن مرور الترجمة بعدة مراحل من المراجعة والتدقيق من عدد من ذوي الباع والخبرة لا سيما في اللغة والبلاغة والعقيدة سيقلل –بتوفيق الله- من وقوع الأخطاء في الترجمة، كما أن إهمال ذلك سيؤدي إلى ضده.
ولعل من المناسب أن أشير -تأكيدا على ما سبق- إلى أني وقفت مرة على كتيب فقهي مترجم إلى اللغة الروسية، ترجم فيه المترجم حكما شرعيا قرره المؤلف بقوله: (لا حرج) بـ:(لا يجوز)! مع كون الكتيب صادرا عن جهة رسمية عندنا.
ووقفت في حادثة أخرى على ترجمة روسية أيضا لنواقض الإسلام؛ ترجم فيها المترجم جملة: (من نواقض الإسلام: دعاء الميت) بـ: (من نواقض الإسلام: الدعاء للميت) (1) ! وهذا الكتيب أيضا من إصدار جهة رسمية.
إن هاتين الحادثتين وأمثالهما تؤكدان على أهمية أن تحظى الترجمات من الجهات المعنية على قدر كبير من المراجعة والتدقيق.
المبحث الثاني: التدابير الواقية من تلك الأخطاء.
اتضح في المبحث السابق أهم أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، ويتبع هذا ذكر التدابير والتوصيات التي أرى أن اتباعها كفيل –بتوفيق الله- بالوقاية من تلك الأخطاء.
أولا: دراسة الترجمات المطبوعة المتداولة لكتب السنة والسيرة
__________
(1) ... هذه الجملة وما قبلها معنى ما دوّن في الكتابين كما أفادني بذلك بعض طلبة العلم من المتكلمين باللغة الروسية الذين ترجموا لي ما ورد فيهما.(28/13)
وهذا أمر جدير بالاهتمام؛ ذلكم أن الأخطاء في باب الاعتقاد –كما تقدم- ليست أمرا هينا، والغالب أن الترجمات تقع في أيدي عوام المسلمين الذي لا يميزون بين الصواب والخطأ، وإنما يعتقدون سلامة كل ما يصل إليهم من كتب شرعية مترجمة، ولا يتطرق إليهم شك في معلوماتها.
وهذه –فيما أعتقد- أمانة معلقة في عنق كل من يستطيع أن ينقذهم من ضرر تلك الأخطاء.
إن من الضروري قيام دراسات فاحصة شاملة لتلك الترجمات، يتولاها دارسون على قدر رفيع من العلم والفهم والتمكن في علم الاعتقاد وفي اللغة المترجم منها وإليها.
وحبذا لو تولى ذلك طلبة علم أكفاء في الدراسات العليا من ذوي اللغات المختلفة في رسائل علمية متخصصة، وهذا سيثمر فوائد جمة، أهمها تمييز الترجمات ومعرفة المقبول منها من غيره.
ثانيا: تأليف رسائل في التنبيه على أخطاء الترجمات المشوبة بالأخطاء
وهذه الفقرة تابعة لسابقتها؛ فإنه ينبغي أن يتبع الدراسات العلمية للترجمات ومعرفة مواطن العطب فيها: تأليف رسائل في التنبيه على تلك الأخطاء والتحذير منها باللغة التي كتبت بها الترجمة؛ حتى يكون الناس على بينة من الأمر، وحتى لا ينسب إلى دين الله ما ليس منه.
ولا بد أن يراعى في تأليفها مناسبة أسلوبها لعموم القراء.
كما ينبغي بعد تأليفها وطباعتها اتباع الوسائل الكفيلة بوصولها إلى المناطق التي تنتشر فيها الترجمات كي يستفاد منها.
ولا شك أن هذا مجال رحب لذوي اليسار من المسلمين في المسابقة إلى الخير واحتساب الأجر في طباعة تلك الرسائل وتوزيعها.
ثالثا: تحذير الدعاة منها
تبين في الفقرة السابقة ضرورة تأليف رسائل توضح وتحذر؛ وقد لا يتيسر توزيع تلك الرسائل بالصورة المنشودة؛ وهنا يتحتم أن يقوم الدعاة بواجب النصيحة عبر وسائل الدعوة المتاحة، بالحكمة والأسلوب الأمثل.(28/14)
ولا يخفى أن من مقتضيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم أن يقوم الدعاة والمرشدون وأئمة المساجد وأهل الحسبة وغيرهم ممن يتصدى لدعوة المسلمين – أن يقوموا بواجبهم تجاه هذا الموضوع: تنبيها وتحذيرا ونصحا، وتوجيها للبديل النافع.
وما من شك أن سكوت الداعية عن البيان وهو يعلم أن أهل قريته أو مسجده ينهلون من معين تلك الترجمات ويقعون في حمأة أخطائها – تقصير شديد، بل خيانة لأمانة العلم والدعوة.
وإذا كان من المسئوليات الملقاة على عاتق الداعية: الاحتساب على المعاصي الظاهرة بحسب الإمكان؛ فإن الاحتساب على هذا المنكر العقدي أولى وأحرى.
رابعا: إتلاف الترجمات المنحرفة والتخلص منها
إن من المتقرر في الشريعة: وجوب إنكار المنكر وتغييره بحسب الاستطاعة، قال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة: 71]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان) (1) .
وقد تقدم أنه إذا كانت المنكرات التي هي من جنس المعاصي العملية واجبة الإنكار؛ فإن المنكرات المتعلقة بالاعتقاد أولى بذلك، وهذا مما لا ينبغي إهماله أو التسويف فيه.
__________
(1) ... أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/69) برقم (49) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.(28/15)
قال ابن القيم –رحمه الله- في معرض سرد فوائد قصة غزوة تبوك: (فيه المبادرة إلى إتلاف ما يخشى منه الفساد والمضرة في الدين، وأن الحازم لا ينتظر به ولا يؤخره، وهذا كالعصير إذا تخمر والكتاب الذي يخشى منه الضرر والشر؛ فالحزم المبادرة إلى إتلافه وإعدامه) (1) .
وعليه؛ فإن من الواجب على ولاة الأمر وجميع من بسط الله يده بالسلطان ممن له ولاية عامة أو خاصة تخوله التصرف أن يبادر إلى إتلاف الترجمات التي اشتملت على الأخطاء العقدية –إذا لم يمكن الوقاية منها إلا بذلك- حماية لدين المسلمين ودفعا للشر عنهم.
خامسا: حذف الأخطاء العقدية عند إعادة طباعة الترجمة أو التعليق عليها
من التدابير المقترحة للسلامة من الوقوع في الأخطاء العقدية المبثوثة في أعطاف الترجمات: أن تُحذف مواضع الخطأ منها حين طبعها مرة أخرى؛ فتخرج بهذا سليمة معافاة، أو يُعلق عليها بما يكشف الخطأ إن كان يسيرا.
ولا يقال ههنا إن الحفاظ على الأمانة العلمية يقتضي ألا يحذف شيء من الكتاب؛ لأن القيام بواجب الحفاظ على العقيدة أهم وأعظم، ومن قواعد الشرع: احتمال أدنى المفسدتين في سبيل دفع أعلاهما.
على أنه يمكن أن يشار في غلاف الكتاب أو مقدمته إلى أنه تم تهذيبه أو التعليق عليه أو نحو ذلك.
سادسا: مناصحة المكتبات باستبدال الترجمات السقيمة بأخرى سليمة
__________
(1) ... زاد المعاد (3/581). وقد قال هذا تعليقا على قول كعب بن مالك رضي الله عنه لما جاءه كتاب ملك غسان: (فتيممت بها التنور فسجرته بها). والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك (8/113) برقم (4418) – مع فتح الباري، ومسلم في صحيحه في كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبه (4/2120) برقم (2769).(28/16)
عملا بالقاعدة العظيمة: قوله عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة) (1) ؛ فإن من التدابير المقترحة: مخاطبة المكتبات العامة بضرورة استبدال النسخ المحتوية على الأخطاء العقدية بأخرى سليمة، مع السعي في توفيرها لها.
وحبذا لو تولى ذلك: مؤسسات علمية وجهات لها ثقلها واعتبارها حتى ليكون لنصحها الأثر المرجو.
والواقع يشهد بأن كثيرا من المسلمين ومن غيرهم يقبلون على قراءة ترجمات معاني القرآن والسنة في المكتبات العامة والمراكز الإسلامية –لا سيما في البلاد الكافرة- وهذا ما يتأكد معه أهمية مناصحة القائمين على تلك المكتبات وتوعيتهم بالأسلوب المقنع.
وينبغي أيضا توجيه المكتبات التجارية التي تتولى طباعة الترجمات السقيمة وإرشادهم إلى الترجمات المستقيمة حتى تحل محلها.
والقيام بهذا الأمر يمليه ما حث الشرع عليه من التواصي بالحق والتعاون على البر، وأول من يخاطب بهذا: المراكز الإسلامية في بلاد الأقليات الإسلامية؛ حيث يجب أن يكون للقائمين عليها عناية بالكتب المترجمة التي تعرض في المكتبات، وجهد في التوعية بشأنها.
وإذا سُلك هذا المسلك فإنه مع مرور الوقت سوف تضمحل الترجمات المغلوطة وتنتشر الترجمات الصحيحة بعون الله وتوفيقه.
سابعا: إنشاء أقسام متخصصة في المؤسسات العلمية تعنى بترجمة السنة
إن القيام بدراسة الترجمات والكشف عن أخطائها العقدية والتعليق عليها مع كثرتها وتعدد لغاتها – مسئولية يعجز عنها أفراد من الباحثين هنا وهناك؛ إنها مسئولية لا يضطلع بها إلا مؤسسات علمية ذات إمكانات مادية وبحثية كبيرة.
والمؤمل من الجهات العلمية الحريصة على صفاء العقيدة ونفي الشبهات عنها أن تنهض بهذه الأمانة من خلال إنشاء أقسام مخصصة بالترجمة، تقوم بأمرين رئيسين:
__________
(1) ... أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة (1/74) برقم (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.(28/17)
الأول: مراجعة ترجمات كتب السنة والسيرة، وإصدار دوريات ونشرات تتضمن خلاصات للدراسات التي تقوم بها وتمييز الترجمات المستقيمة من الترجمات المنحرفة، والكشف عن الأغلاط التي تحويها، كما تتضمن بيان مناهج المترجمين وتوجهاتهم العقدية؛ بحيث يكون طلاب العلم والدعاة على إلمام بها.
الثاني: أن تتولى تلك الأقسام ترجمة كتب السنة والسيرة النبوية ترجمة علمية صحيحة خالية من أدران البدع وشوائب المحدثات؛ وبذا تكون هذه الترجمات بديلا عن تلك الترجمات المنحرفة.
وإذا كان أداء هذه الأمانة منوطا بالمؤسسات العلمية السلفية عموما؛ فإن أجدرها بالقيام بذلك : المؤسسات العلمية في المملكة العربية السعودية، كوزارة الشئون الإسلامية، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والجامعات الإسلامية، والجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة، وغيرها من الجهات.
وإذا كان مشروع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة مشروعا فريدا في بابه، متميزا في أدائه وثمراته؛ فإن النفوس تتشوف إلى مشروع بمثل حجمه وإمكاناته يُعنى بالسنة والسيرة النبوية.
ويمكن لهذه المؤسسات العلمية أن تفيد في قيامها بهذا الهدف المنشود من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة؛ فإن هذه الجامعة تحتضن في أروقتها طلاب علم من جميع الدول -إلا ما ندر- يتكلمون بلغات أهل الأرض –إلا ما شذ- ومثل هذا الاجتماع الحافل للجنسيات واللغات يندر حصوله؛ فينبغي أن تُهتبل هذه الفرصة ويحسن توظيفها لتحقيق هذه الغاية النبيلة.
الخاتمة
بعد هذه الرحلة الموجزة في أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية وأسباب تلافيها والمقترحات التي رأيتها في هذا الصدد؛ أرغب في أن ألخص أهم ما ورد في البحث في الفقرات الآتية:
1- ترجمة الكتاب والسنة إلى اللغات الأخرى قضية بالغة الأهمية، توجبها عالمية الرسالة.(28/18)
2- كثير من ترجمات السنة قد احتوت على أخطاء في جوانب علمية مختلفة إلا أن أعظمها خطرا الأخطاء المتعلقة بالجانب الاعتقادي؛ فالخطأ في العقيدة ليس كالخطأ في غيرها.
3- ترجمات معاني القرآن الكريم نالت حظا لا بأس به من المراجعة والتدقيق، أما ترجمات السنة فلا يزال الأمر فيها يحتاج إلى جهود مكثفة.
4- من أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمة السنة النبوية: ضعف المترجم في اللغة العربية.
5- من الأسباب أيضا: ضعف المترجم في اللغة المترجم إليها.
6- ومن الأسباب أيضا: ضعف التأصيل العلمي للمترجم.
7- أهم سبب لوقوع الأخطاء العقدية في ترجمة السنة النبوية: انحراف المترجم في العقيدة وترجمته للأحاديث النبوية وفق معتقده الباطل.
8- من الأسباب كذلك: غياب المراجعة الدقيقة للترجمة والاكتفاء بعمل المترجم فحسب.
9- من التدابير الواقية من ضرر تلك الأخطاء: دراسة الترجمات المطبوعة المتداولة لكتب السنة والسيرة من قبل أهل الاختصاص.
10- ينبغي أن يتبع الدراسات العلمية للترجمات: تأليف رسائل في التنبيه على تلك الأخطاء والتحذير منها باللغة التي كتبت بها الترجمة، وبأسلوب مناسب يراعي الفروق الفردية، ويتبع ذلك طباعتها وتوزيعها بين المحتاجين إليها.
11- على الدعاة واجب عظيم في التحذير من هذه الأخطاء التي اشتملت عليها الترجمات.
12- مما يقي من ضرر تلك الأخطاء: أن يقوم ولاة الأمر بالتخلص من الترجمات الفاسدة ليحل محلها الترجمات الصالحة.
13- من التدابير أيضا: حذف الأخطاء العقدية عند إعادة طباعة الترجمة أو التعليق عليها بما يزيل اللبس.
14- من التدابير أيضا: مناصحة المكتبات العامة والتجارية بشأن الترجمات المغلوطة وبيان ضررها، ودعونهم إلى استبدالها بالترجمات السليمة.
15- من أهم التدابير التي ينبغي أن يُهتم بها: قيام المؤسسات العلمية السلفية بواجبها تجاه الترجمات: رقابة ومراجعة وتأليفا.(28/19)
أما التوصيات والمقترحات؛ فقد مضت في طي البحث، وألخص أهمها فيما يأتي:
1- أن تكون "الدراسات النقدية للترجمات المشهورة" موضوعات يتناولها طلبة الدراسات العليا المؤهلون في رسائلهم العلمية.
2- أن يتحرى أهل الخير والمسابقون إليه في طباعة ترجمات معاني القرآن والسنة وتوزيعها: الترجمات السليمة دون المغلوطة، كما أحثهم على الاحتساب في طباعة الدراسات النقدية للترجمات السقيمة.
3- من المهم أيضا: مخاطبة المؤسسات العلمية المعتبرة المكتبات العامة بضرورة استبدال النسخ المحتوية على الأخطاء العقدية بأخرى سليمة، مع السعي في توفيرها لها.
4- أن تحرص الجمعيات الإسلامية في بلاد الأقليات على مراجعة ما تحويه المكتبات من ترجمات، مع القيام بما يجب من التوجيه والنصح.
5- المؤسسات العلمية في المملكة العربية السعودية -كوزارة الشئون الإسلامية، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والجامعات الإسلامية، والجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة ونحوها – يؤمل منها أن يكون لها أكبر الجهد في العناية بهذا الموضوع من خلال إنشاء أقسام متخصصة بترجمة السنة تكون وظيفتها: دراسة الترجمات المطبوعة ونقدها، والقيام بالترجمة النقية من أوضار البدع والانحرافات.
6- طلبة العلم في الجامعة الإسلامية –المحفل العالمي الكبير- كنز ثمين ينبغي استثماره -في موضوع الترجمة ومراجعة الترجمات- على أكمل وجه.
وفق الله الجميع لكل خير، وحقق –بفضله- الآمال، إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر
( القرآن الكريم
( اختصار علوم الحديث لأبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي، مع الباعث الحثيث لأحمد شاكر، دار الكتب العلمية.
( أصول التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين - مع كتابه التفسير،(28/20)
( البرهان في علوم القرآن, لبدر الدين محمد بن بهادر الشافعي الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, دار المعرفة ببيروت (بدون معلومات الطبع).
( التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية من فرق الهالكين, لأبي المظفر الإسفراييني, تحقيق كمال الحوت, عالم الكتب بيروت ط الأولى1403هـ
( ترجمة سنن أبي داود بالإنجليزية لأحمد حسن (SUNAN ABU DAWUD – AHMAD HASAN))
( ترجمة صحيح مسلم باللغة الأسبانية – Abdu Rahman Colombo Al-Yerrahi طبع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بالكويت.
( ترجمة صحيح مسلم باللغة الإنجليزية – ترجمة الدكتور محمد محسن خان باللغة الإنجليزية، مكتبة دار السلام، طبع على نفقة مؤسسة الحرمين.
( ترجمة مشكاة المصابيح بالإنجليزية للحاج مولانا فضل الكريم (Mishkat-ul- Masabih – AL-HAJ MAULANA FAZLUL KARIM, M.A. B.L.
(ترجمة موطأ الإمام مالك بالإنجليزية لمحمد رحيم الدين (MUWATTAA‘ IMAM MALIK – MUHAMMAD RAHIMUDDIN
( تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) لأبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي، تحقيق سامي السلامة، دار طيبة، الإصدار الثاني–الطبعة الأولى 1422هـ
( الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر - دار الكتب العلمية بيروت ( بدون معلومات الطبع ).
( زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة بيروت، ط الرابعة عشرة 1407هـ
( سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة بيروت – ط الأولى – 1409 هـ .
( شعب الإيمان (الجامع لشعب الإيمان)، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق د. عبد العلي حامد، الدار السلفية ببومباي، ط الأولى 1408هـ.
( شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل, لابن قيم الجوزية, تحقيق عمر الحفيان، مكتبة العبيكان، ط الأولى1420هـ(28/21)
( صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري , مع فتح الباري لابن حجر .
( صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث بالقاهرة، ط الأولى، 1412هـ.
( فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، (بدون معلومات الطبع).
( فكر محمد أسد كما لا يعرفه الكثيرون، للدكتور إبراهيم عوض، منشور في موقعه على الشبكة العالمية: www.awad.phpnet.us
( قاموس الكتاب المقدس، تأليف نخبة من الأساتذة اللاهوتيين، هيئة التحرير: بطرس عبد الملك وزميلاه، دار مكتبة العائلة، بيروت، ط: الرابعة عشرة – 2001م.
( مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد السادس 1402هـ - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع عبد الرحمن ابن قاسم ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة 1416هـ.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 2
المبحث الأول: أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية ... 6
أولا: ضعف المترجم في اللغة العربية ... 6
ثانيا: ضعف المترجم في اللغة المترجم إليها ... 8
ثالثا: ضعف التأصيل العلمي للمترجم ... 11
رابعا: الانحراف العقدي للمترجم ... 14
خامسا: غياب المراجعة الدقيقة للترجمة ... 16
المبحث الثاني: التدابير الواقية من تلك الأخطاء. ... 17
أولا: دراسة الترجمات المطبوعة المتداولة لكتب السنة والسيرة ... 17
ثانيا: تأليف رسائل في التنبيه على أخطاء الترجمات المشوبة بالأخطاء ... 18
ثالثا: تحذير الدعاة منها ... 19
رابعا: إتلاف الترجمات المنحرفة والتخلص منها ... 20
خامسا: حذف الأخطاء العقدية عند إعادة طباعة الترجمة أو التعليق عليها ... 21
سادسا: مناصحة المكتبات باستبدال الترجمات السقيمة بأخرى سليمة ... 22
سابعا: إنشاء أقسام متخصصة في المؤسسات العلمية تعنى بترجمة السنة ... 23
الخاتمة ... 25(28/22)
المصادر ... 26
فهرس الموضوعات ... 28(28/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة ذاتية
( الاسم: صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي.
( الجنسية: سعودي.
( المؤهل العلمي: دكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة.
(التخصص: عقيدة.
( الدرجة العلمية: أستاذ مساعد.
(العمل: أستاذ مساعد بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية.
( المؤلفات: 1- المسائل العقدية المتعلقة بالحسنات والسيئات – جمعاً ودراسة.
2- مراعاة الخلاف في الفقه - تأصيلاً وتطبيقا.
( البريد الإلكتروني: salehs22@hotmail.com(29/1)
معوقات ترجمة السنة والسيرة النبوية
وسبل التغلب عليها
(في لغتي الفارسية والبشتو)
بحث مقدم
لندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية
(الواقع، التطوير، المعوقات)
إعداد
عبد النافع زلال عبد الحي
الطالب بمرحلة الدكتوراه
بالمعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن
عام 1428هـ
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان على خاتم النبيين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله على العباد أن هداهم للإسلام وبعث إليهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } (1) ، حيث بلَّغ - صلى الله عليه وسلم - الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الكرام الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى بلَغَ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها.
لقد كان محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - النموذج الأمثل في تبليغه رسالة الإسلام إلى القريب والبعيد، وفي دعوة الناس إليه، وفي انتهاجه من السبل الملائمة ما يمكِّن لدعوته في الأرض بحسب ما تقتضيه كل مرحلة، وقد خلف - صلى الله عليه وسلم - بعد موته تراثاً ضخماً في مجال الدعوة الإسلامية تحفظه لنا كتب السيرة والحديث.
__________
(1) آل عمران: 164.(30/1)
وأول ما نستفيده من ذلك التراث الضخم أن الإسلام لم ينفصل يوماً عن الدعوة منذ نزول قوله تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (1) ، إلى قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (2) ، وأنه ما ينبغي أن تُعطل يوماً حركة الدعوة إلى الإسلام بمقتضى خاتميته وعالميته وفطريته، ومن أجل ذلك، وُكِّل أمر الاستمرار في تبليغ هذا الدين والدعوة إليه، -بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى العلماء وفي مقدمتهم الصحابة رضوان الله عليهم.
وبمقتضى ذلك، فإن الدعاة مدعوون لتبليغ رسالة الله إلى الناس أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، ومطالبون بتنويع الوسائل والآليات والمناهج تبعاً لمتغيرات الواقع.
ومن هذه الوسائل وأهمها: ترجمة الأحاديث النبوية وسيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى كل شعوب العالم، مهما اختلفت لغاتهم وأعراقهم.
وانطلاقاً من هذه الأهمية الكبيرة لترجمة السنة والسيرة النبوية، عزمت الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها على عقد (ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية: الواقع، التطوير، المعوقات) بمقر الجمعية بالرياض.
وكانت من دواعي سروري واغتباطي المشاركة بجهدي المتواضع من خلال تجربتي المتواضعة في مجال الترجمة، وذلك بإعداد بحث حول (معوقات ترجمة السنة والسيرة النبوية بلغتي الفارسية والبشتو، وسبل التغلب عليها)؛ ليكون إسهاماً مني في إلقاء الضوء على أبرز العوائق التي يواجهها المترجم في هذا المجال، وبيان سبل التغلب عليها، للوصول إلى مستوى لائق في إخراج ترجمات صحيحة قوية ونافعة للسنة والسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.
__________
(1) العلق: 1-5.
(2) المائدة: 3.(30/2)
فأسأل الله العلي القدير التوفيق والإعانة والتسديد.
وقد جاء هذا البحث في تمهيد، ومبحثين، وخاتمة.
التمهيد: في التعريف بلغتي الفارسية والبشتو، وتعريف الترجمة، وأنواعها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بلغتي الفارسية والبشتو.
المطلب الثاني: تعريف الترجمة في اللغة والاصطلاح، وأنواعها.
المبحث الأول: أبرز معوقات ترجمة السنة والسيرة النبوية بلغتي الفارسية والبشتو.
المبحث الثاني: سبل التغلب على هذه المعوقات.
الخاتمة: أبرز النتائج والتوصيات التي توصل إليها الباحث.
التمهيد: التعريف بلغتي الفارسية والبشتو،
وتعريف الترجمة، وأنواعها
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بلغتي الفارسية والبشتو:
أولاً: التعريف باللغة الفارسية:
أسماؤها: اللغة الفارسية، أو الفارسية الإسلامية، والدرية.
جذورها التاريخية: اللغة الفارسية من أقدم اللغات في أفغانستان وكذلك في إيران، وهي من فصيلة اللغات الآرية التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندو أوروبية، لها صلة باللغة السنسكريتية في الهند، ويرجع تاريخ نشأتها إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى سفوح جبال الهندوكش في شمال أفغانستان الحالية (1) .
واللغة الفارسية تنقسم تاريخياً إلى مرحلتين مهمتين:
المرحلة الأولى: الفارسية القديمة قبل الإسلام.
والمرحلة الثانية: الدرية الحديثة، أو الفارسية الإسلامية بعد دخول الإسلام وانتشاره في بلاد الأفغان (أفغانستان)، وفارس، فاللغة الفارسية الجديدة هي امتداد للغة الفارسية القديمة.
__________
(1) انظر: محمد أمان صافي، مقدمة ترجمة « الكنز المكنون» لمحمد هوتك ص25، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002م.(30/3)
ازدهرت اللغة الفارسية الحديثة في القرن التاسع الميلادي، ووصل عصرها الذهبي في عهد بعض الملوك من سجستان، وخراسان، وخوارزم، والغزنويين، والسلجوقيين (1) .
وقد تأثرت اللغة الفارسية الإسلامية كثيراً باللغة العربية، حيث استبدلت بالخط البهلوي الذي كانت تُكتَب بها قديماً الخطَّ العربي، فأصبحت تُكتَب بالحروف العربية إضافة إلى أربعة حروف فارسية هي: (پ، چ، ژ، گ)، لتصبح حروفها الأبجدية اثنين وثلاثين حرفاً.
مواقع انتشارها: اللغة الفارسية أو الدرية نشأت في أحضان أفغانستان الخراسانية، ثم انتشرت بمرور الزمن غرباً وشمالاً، وذاعت في إيران وطاجكستان وغيرهما من البلاد المجاورة (2) .
فهي تنتشر بشكل كبير في أفغانستان وهي اللغة الرسمية للدولة بجانب لغة البشتو، وتنتشر في إيران وهي لغتها الرسمية والشعبية، واللغة الشعبية في طاجكستان، وفي بعض أجزاء باكستان، كما ينتشر الناطقون بها في دول لخليج العربي، والمملكة العربية السعودية، ودول أوربا، وأمريكا.
واللغة الفارسية من أهم اللغات الأدبية وأكثرها ازدهاراً وانتشاراً، وهي قد أثّرتْ في كثير من اللغات الأفغانية، كما أثّرت في كثير من اللغات الإسلامية الأخرى، كاللغة الأوزبكية، والتركية، والأردية، والبلوجية، والكردية، فإن هذه اللغات بأكملها قد أخذت كثيراً من مفردات اللغة الفارسية، وكثيراً من المصطلحات في الأدبيات والدوائر العلمية، كما دخلت بعض المفردات الفارسية كذلك في اللغة العربية.
__________
(1) انظر مقال: آداب اللغة الفارسية، لويس شيخو اليسوعي، مجلة المشرق، العدد الخامس، مارس 1907م، ص221، وأفغانستان في القرون الخمسة الأخيرة «أفغانستان در پنج قرن اخير» ص7، مير محمد صديق فرهنك، 1988م، بيشاور، باكستان (باللغة الفارسية).
(2) انظر: محمد أمان صافي، مقدمة ترجمة «الكنز المكنون» لمحمد هوتك ص25، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002م.(30/4)
عدد الناطقين بها: يتحدث باللغة الفارسية أكثر من مائة مليون من الناس في إيران، وأفغانستان، وطاجكستان، ودول الخليج العربي، وأوربا، وأمريكا.
ثانياً: التعريف بلغة البشتو (1) :
أسماؤها: لغة البشتو أو البشتونية (2) ، وتعرف أيضاً بلغة البختو أو البختونية (3) ، كما تعرف بلغة الأفغان، أو باللغة الأفغانية، والناطق بها يسمى (بشتون) (4) أو (بختون) ، ويعرف أهلها كذلك بـ(الأفغان) (5) ،
__________
(1) وكتابتها بالأفغانية هكذا: (پ?تو).
(2) وهذه لهجة أهل الجنوب من «قندهار» إلى إقليم «ختك». انظر: محمد أمان صافي، مقدمة ترجمة «الكنز المكنون» لمحمد هوتك ص24.
(3) وهذه لهجة أهل الشمال من «كابل» إلى إقليم «بشاور». انظر: المرجع السابق نفسه.
(4) وكتابتها بالحروف الأفغانية هكذا: (پ?تون)، وأول ذكر لهذه الكلمة ورد في كتاب (ريكويد) أحد الكتب الأربعة التي كتبت في عهد الحضارة (الوِيدية) في أفغانستان حوالي (1400ق. م) قبل الميلاد. انظر: الأحداث التاريخية في أفغانستان «دأفغانستان تاريخي پي?ليك» ص1، عبد الحي حبيبي، 1353هـ ش، كابل، أفغانستان (بلغة البشتو).
(5) وممن ذكرهم باسم (الأفغان) أو (الأفغانية) المؤرخون العرب، كابن بطوطة في رحلته المعروفة، وابن الأثير في كتابه «الكامل»..(30/5)
ويعرفون في الهند باسم (بتهان) (1) .
جذورها التاريخية: لغة البشتو لغة حية نشطة من فصيلة اللغات الآرية القديمة التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندو أوروبية، ويعود تاريخ نشأتها إلى القرن الخامس قبل الميلاد (2) .
__________
(1) فيما يتعلق بأصل سلالة البشتون أو الأفغان فهناك نظريات متعددة ومتباينة، منها: أن أصلهم من بني إسرائيل، وقيل: أصلهم من القبطيين أيام فرعون، وقيل: أن أصلهم من الترك أو المغول، وقيل: أن أصلهم من الأرمنيين، ولكن كل هذه الآراء غير قوية، وهي مبنية إما على مجرد روايات تاريخية غير موثقة، أو أساسها وجود شبه في الملامح، والعادات، أو غير ذلك من أوجه التشابه التي لا تصلح بمجردها دليلاً لإلحاق قوم بقوم آخر، والرأي الصحيح الذي تدعمه التحقيقات العلمية والكتابات التاريخية الموثقة أن أصلهم يرجع إلى سلالة الآريين، والآريون في أفغانستان يرجع تاريخهم إلى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد (حوالي 2500 ق. م).
انظر هذه الآراء ومناقشتها في: البشتون (پ?تانه) ص1-28، للدكتور حبيب الله ت?ى، 1999م، بيشاور، باكستان، (بلغة البشتو)، والأحداث التاريخية في أفغانستان «دأفغانستان تاريخي پي?ليك» ص1، عبد الحي حبيبي، 1353هـ ش، كابل، أفغانستان (بلغة البشتو).
(2) وهناك رأي آخر حول جذور لغة البشتو ونشأتها التاريخية، بأنها من اللغات السامية، وأنها فرع من اللغة العبرية، أو الكلدانية، وهذا الرأي مبناها على الرأي القائل: إن البشتون أصلهم من بني إسرائيل، هاجروا إلى أفغانستان في قديم الزمان، ولكن لا يوجد دليل يدعم هذا الرأي، بل الدراسات اللغوية والكتابات التاريخية تثبت خلاف ذلك، وأنه ليس هناك أي شبه بين لغة البشتو واللغة العبرية، لا في مبانى وجذور الكلمات وتراكيبها، ولا في القواعد اللغوية.
ينظر للتفصيل: البشتون (پ?تانه) ص37-41، للدكتور حبيب الله ت?ى، 1999م، بيشاور، باكستان (بلغة البشتو)، و«الكنز المكنون» لمحمد هوتك بن داود خان، ترجمة وتقديم: محمد أمان صافي ص21-26،(30/6)
وهي في أوائل دخول الإسلام إلى أفغانستان كانت لغة الأدب ولغة بلاط الحكام في مناطق خراسان، وغزنة (1) ، وغور وغيرها من مناطق أفغانستان الحالية (2) .
وهي بعد دخول الإسلام إلى أفغانستان تأثرت بشكل كبير باللغة العربية، فهي تكتب الآن بالحروف العربية، إضافة إلى اثني عشر حرفاً خاصاً بلغة البشتو، وهي: (پ، ?، چ، ?، ?، ?، ?، ژ، ?، ?، ?، ?)، ومن جملة هذه الحروف أربعة منها (پ، چ، ژ، گ) مشتركة بينها وبين اللغة الفارسية، وبقية الحروف الثمانية خاصة بها (3) .
مواقع انتشارها: عاشت لغة البشتو ولا تزال تعيش حية على جانبي جبال هندوكش الشامخة شمالاً وجنوباً، ومن باختر التاريخية في الشمال الأفغاني حتى البنجاب الغربي في باكستان.
فهي تنتشر أساساً في أفغانستان، وباكستان، كما تنتشر في نطاق محدود في الهند، وينتشر الناطقون بها في الدول الأوربية، وأمريكا، وتوجد جالية كبيرة في دول الخليج العربي، وبخاصة في المملكة العربية السعودية حيث توجد فيها جالية كبيرة من الناطقين بالبشتو.
__________
(1) في عهد سلطنة «لويكان» (حوالي 120هـ) وكانوا كفاراً فأسملوا بعد دخول الإسلام إلى أفغانستان، وانتهت هذه السلطنة بظهور السلطنة الغزنوية على يد «سبكتكين» عام (365هـ). انظر: البشتو ولويكان غزنة «پ?تو ولويكان غزنه»، تأليف عبد الحي حبيبي، 1341هـ ش، كابل، أفغانستان (باللغة الفارسية)، والبشتو قبل أربعة عشر قرناً « پ?تو ?وارلس سوه كاله پخوا» ص75، عبد الحي حبيبي، 2005م، كويتا، باكستان (بلغة البشتو).
(2) انظر: المرجعين السابقين.
(3) انظر: الأدب الأفغاني الإسلامي، محمد أمان صافي ص50-51، من منشورات جامعة الإمام، 1417هـ.(30/7)
عدد الناطقين بها: يتحدث بلغة البشتو أكثر من خمسين مليوناً من الناس في أفغانستان، وباكستان، فهي لغة نصف سكان أفغانستان البالغ عددهم أكثر من أربعين مليوناً، ولغة خُمْس سكان باكستان البالغ عددهم أكثر من مائة وخمسين مليوناً (1) ، إضافة إلى الناطقين بها في الهند.
الأوجه المشتركة بين اللغة الفارسية ولغة البشتو:
اللغة الفارسية ولغة البشتو تشتركان في صفات كثيرة، وتلتقيان في جذورهما التاريخية، ونشأتهما البيئية.
فاللغتان كلتاهما من فصيلة اللغات الآرية القديمة، وقد عاشتا جنباً إلى جنب في أفغانستان القديمة، وما زالت تعيشان في هذا العصر متعانقتين في أفغانستان، وهما تحملان أوجه شبه كثيرة في الصفات، وكثير من القواعد، والآداب، وطريقة النطق والكتابة، والحروف الهجائية المشتركة، وغيرها من الأوجه المشتركة الأخرى.
وإن كان هناك شيء من الاختلاف بين اللغتين في التركيب والنظم اللغوي (2) .
المطلب الثاني: تعريف الترجمة وأنواعها:
أولاً: تعريف الترجمة:
المعنى اللغوي:
يرد لفظ الترجمة في اللغة بمعنى التفسير، ونقل الكلام من لغة إلى أخرى.
يقول ابن منظور في «لسان العرب» (3) : «التَّرجُمان والتُرجمان- بفتح التاء وضمها- المفسر لِلِّسان، وفي حديث هرقل: قال لترجمانه.. والترجمان بالضم والفتح: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى، والترجمان: المفسِّر، وقد تَرْجَمَه، وتَرْجَمَ عنه».
ويقول الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (4) : «الترجمان: المفسِّر لِلِّسان، وقد تَرْجَمَه، وعنه».
__________
(1) انظر: الموسوعة العربية العالمية، مادة (الباشتونيون).
(2) انظر: « الكنز المكنون» لمحمد هوتك بن داود خان، ترجمة وتقديم: محمد أمان صافي ص21-26، والموسوعة العربية العالمية، مواد: (أفغانستان)، و(الباشتونيون)، و(اللغة الفارسية).
(3) 12/66، طبعة دار صادر.
(4) 1/1399، طبعة مؤسسة الرسالة.(30/8)
ويقول الزبيدي في «تاج العروس» (1) : «و يُقال تَرْجُمان.. المُفَسِّرُ لِلِّسان وقد تَرْجَمَهُ، وتَرْجَمَ عَنْهُ، إِذا فَسَّر كَلامَه بِلِسانٍ آخَرَ، قاله الجوهريّ، وقِيلَ: نَقَلَه مِن لُغَة ٍ إلى أُخْرَى».
التعريف الاصطلاحي:
الترجمة هي: التعبير بلغة ثانية عن المعاني التي تم التعبير عنها بلغة أولى.
ويدل هذا التعريف على وجود مستويين: مستوى المعاني، ومستوى التعبير عن هذه المعاني بلغة معينة، وفي حين يتساوى بنو البشر في كيفية اكتساب المعاني، يختلفون في طريقة التعبير عنها بحسب اختلاف لغاتهم، ويكمن هذا الاختلاف في أن لكل لغة وسائلها التركيبية والصرفية والصوتية التي تستعملها للتعبير عن المعاني المختلفة، فمعنى الاستفهام عن الشيء -مثلاً- قائم في أذهان جميع البشر، ولكن التعبير عنه في اللغة العربية يتم بوسائل ليست هي الوسائل التي تُستعمل للتعبير عنه في اللغات الأخرى. ومثل ذلك وارد أيضاً في جميع المعاني.
فالترجمة إذن تعبير دقيق عن المعاني بالوسائل التركيبية والصرفية والصوتية المتوافرة في لغة ثانية (اللغة الهدف) شرط أن تكون معادلة للوسائل التي استُعملت للتعبير عن هذه المعاني في اللغة الأولى (اللغة المصدر)، وشرطُ صحتها أن يكون مدلول العبارة أو النص في اللغة المصدر هو ذاته في اللغة الهدف.
بناء على التعريف السابق، فإن الترجمة تتطلب -عموماً- معرفة كافية بمعجم اللغة المصدر ومعجم اللغة الهدف، وبقواعد اللغتين النحوية ( بالمعنى العام للنحو)؛ إلا أنه ليس من الضروري أن تتوافر في كل لغة الألفاظ الدالة على المعاني المعبر عنها بألفاظ لغة أخرى.
__________
(1) 31/327، طبعة دار الهداية.(30/9)
ومن هنا فالترجمة ليست عملية سهلة، بل هي عملية خلق أو إبداع فني، تكاد تكون أكثر صعوبة من عملية التأليف أساسًا، لأن المؤلف ابتداء يجد نفسه حرًا في اختيار مفرداته وتراكيبه وأسلوبه، يستطيع أن يعدل عن كلمة إلى أخرى، وأن يترك تركيباً ليرجح آخر، ثم ينقّح أسلوبه كما يريد.
أما المترجم فهو أسير النص الذي يترجمه، مقيد به وبكل ما فيه، لا يحق له أن يبتعد عنه، إذ هو ملتزم بالأمانة، وإذا افترضنا أنه متمكن تمام التمكن أو على درجة منه في لغة النص المترجم، فثمة قيود أخرى تحد من التزامه الكامل بكل أبعاد هذا النص ووجوه تفاصيله في لغته، إذ يجد نفسه أمام اللغة الأخرى، اللغة المتلقية، المترجم إليها، وهي ما يعبر عنها بـ«لغة سيدة»، لا بد أن يتبعها ويلتزم أوامرها ونواهيها... إذ هي التي سيواجه بها القارئ، الذي قد لا يعرف إلاَّ إياها، بل ربما لا يعرف شيئاً عن لغة النص الأصلية المترجم منها.
ثانياً: أنواع الترجمة:
الترجمة تتحقق بطريقتين مختلفتين:
الأولى: ترجمة المفردات من اللغة المصدر إلى اللغة الأم، بحيث تتم ترجمة كل مفردة أو ما هو شبه مفردة وإن كانت مركبة من كلمتين فأكثر على حدة دون ربطها ببقية مفردات الجملة، فتأتي الترجمة موافقة غالباً في عدد مفرداتها، وترتيبها داخل الجملة موافقة للغة المصدر، ويمكن تسمية مثل هذه الترجمة بـ(الترجمة الحرفية، أو الترجمة المعجمية).
الثانية: تحصيل معنى الجملة كاملة في الذهن كما هي في اللغة المصدر، والتعبير عنه في اللغة الهدف دون النظر إلى تساوي عدد المفردات في التعبيرين، ودون النظر إلى تطابق ترتيب مفردات الجملة في اللغتين، ويمكن تسمية هذا النمط من الترجمة بـ(الترجمة السياقية، أو الترجمة المعنوية).(30/10)
وقد كانت هاتان الطريقتان معروفتين لدى العرب إبان حركة الترجمة من اللغة اليونانية إلى العربية، حيث نقل بهاء الدين العاملي (1031 هـ) عن صلاح الدين الصفدي (ت764 هـ) قوله: «أن للعرب في ذلك طريقتين:
الأولى: أن ينظر المترجم إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها، وينتقل إلى اللغة الأخرى حتى يأتي على جملة ما كان يريد تعريبه.
والأخرى: أن يأتي الجملة فيحصل معناها في ذهنه، ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها». (1)
ولكل طريقة من الطريقتين المذكورتين ميزاتها وعيوبها، ليس هذا محل ذكرها.
المبحث الأول: أبرز عوائق ترجمة السنة والسيرة النبوية بلغتي الفارسية والبشتو
لا شك أن الترجمة التي يمارسها المترجم هي عملية تحويل إنتاج كلامي في إحدى اللغات إلى إنتاج كلامي في لغة أخرى، مع المحافظة على جانب المضمون الثابت، أي على المعنى، وفي الوقت ذاته عدم الإخلال بطابع النص الذي يترجم.
وإن دقة الترجمة هي المشابهة القصوى للأصل كما يعرف بالتكافؤ في المضمون والشكل، ويتحقق ذلك بواسطة التحويلات القواعدية, والمعجمية, والدلالية, والاصطلاحية، وكذلك الدقة في نقل أساليب الأصل.
ولكي يتأتى ذلك فلا بد أن يكون المترجم عالماً ومتمكناً من اللغتين المنقول منها والمنقول إليها, كما أنه لا بد أن يكون مستوعباً للمادة التي يترجمها, أميناً في النقل، ومحافظاً على طابع المادة المترجمة.
ومن هنا تأتي العوائق والعقبات في طريق الترجمة الصحيحة، وكلما ضعف هذا التمكن في المترجم كلما زادت نسبة الخطأ في الترجمة، وظهرت فيها سمات الضعف والركاكة والخلل.
__________
(1) محمد عبد اللطيف هريدي، «فن الترجمة الأدبية» ص 31 .(30/11)
والعوائق التي يمكن أن يواجهها المترجم في ترجمته للسنة والسيرة النبوية، نذكر أهمها وأبرزها فيما يأتي:
أولاً: المغايرة في ترتيب أجزاء ومكونات الجملة:
ومن أبرز ذلك:
1- أسلوب النفي والاستثناء بـ(ما وإلا) أو (لا وإلا): فإنه يفيد الحصر، ويكون ترتيب الجملة في هذا الأسلوب هكذا: حرف النفي، ثم المستثنى منه، ثم أداة الاستثناء، ثم المستثنى.
بينما ترتيب جملة الحصر في لغتي الفارسية والبشتو هكذا: حرف الاستثناء، ثم المستثنى، ثم المستثنى منه، ثم النفي. فهناك فرق كبير جداً بين اللغتين في ترتيب أجزاء الجملة الحصرية.
فيأتي المترجم ويترجم هذا الأسلوب بنفس ترتيب مفردات الجملة العربية، فتأتي الترجمة غير مألوفة وركيكة، بل ربما كانت غير مفهومة في بعض الأحيان لمن يقرأ الترجمة فقط دون النص العربي.
2- الجملة الفعلية: فإن ترتيب أجزاء الجملة يكون بذكر الفعل أولاً، ثم الفاعل، ثم الأجزاء الأخرى من متعلقات الجملة.
بينما ترتيب الجملة الفعلية في لغتي الفارسية والبشتو يكون بذكر الفاعل أولاً ثم الفعل ثانياً.
فإذا تمت الترجمة بحسب ترتيب الجملة في اللغة العربية كانت الترجمة ركيكة، وكلما طالت الجملة وكثرت أجزاؤها كلما ازدادت هذه الركاكة، بل ربما كانت الترجمة في بعض الأحيان غير مفهومة للقارئ.
3- المفعول به: فإن الموضع الطبيعي له أن يذكر في نهاية الجملة، بينما في لغة البشتو ومثلها الفارسية يذكر المفعول به بعد الفاعل، وقبل الفعل.
4- المفعول فيه بنوعيه الزماني والمكاني: فإن محله في الغالب في نهاية الجملة في اللغة العربية، بينما في لغتي البشتو والفارسية يكون في وسط الجملة، أي بين الفاعل والفعل.
5- الأفعال الناسخة: حيث تذكر في الجملة العربية في أولها، بينما موضعها في لغتي الفارسية والبشتو في آخر الجملة.(30/12)
ويخطئ كثير من المترجمين حيث يترجمونه في موضعها في أول الجملة، ولا يذكرون لها مقابلاً في آخر الجملة، فتأتي الترجمة ركيكة، وغريبة في شكلها وتناسقها.
6- الشرط إذا ورد في آخر الجملة: فإنه في لغتي الفارسية والبشتو يكون في أول الجملة.
7- الصفة والموصوف: فإن الموصوف في اللغة العربية يتقدم على الصفة، بينما في لغة البشتو تُقدَّم الصفةُ على الموصوف، وأما في اللغة الفارسية فهو بنفس ترتيب اللغة العربية.
ثانياً: بعض الأساليب التي هي من خصوصية اللغة العربية وليس لها ما يقابلها في لغتي الفارسية والبشتو:
ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
1- المفعول المطلق: فإنه لا يوجد في لغتي الفارسية والبشتو ما يرادف المفعول المطلق، وترجمته كما هو في الجملة العربية تربك تناسق الجملة وتؤدي إلى إخلالها، ولا يوجد لمعنى المفعول المطلق أي موقع مناسب في الجملة أبداً، بل تكون الجملة بدونها كاملة متناسقة مترابطة ومفيدة إفادة تامة.
ولكن مع ذلك قام ويقوم كثير من المترجمين بترجمة المفعول المطلق بصفته كلمة مستقلة في اللغة الهدف وذلك بدافع الحرص على نقل معاني اللغة المصدر بجميع ألفاظها.
2- التمييز: فإنه لا يوجد في لغتي البشتو والفارسية ما يقابلها من حيث كونه تمييزاً.
3- البدل والمبدل منه: فإن المبدل منه يذكر في الجملة العربية أولاً، ثم يعقبه البدل بأنواعه الثلاثة. ولا يوجد في لغتي الفارسية والبشتو أسلوب البدل، ويمكن الاستغناء عن ذلك بأسلوب الإضافة، أو الصفة والموصوف، وذلك إما بإضافة الجزء إلى الكل، كما هو في بدل البعض من الكل، أو بإضافة ما يشتمله عليه الشيء إلى الشيء نفسه، كما هو في بدل الاشتمال، أو بجعل الوصف صفة للمبدل منه، كما هو في بدل الكل من الكل، وإن سمينا هذه الأساليب بالبدل، ففي الحالات الثلاث يتقدم البدل على المبدل منه.
فعدم التنبه إلى هذا الفرق الدقيق يوقع المترجم في الخطأ في ترجمته، ويجعلها ترجمة ركيكة غير متناسقة.(30/13)
ثالثاً: صعوبة فهم بعض التعبيرات والجمل الجامعة في ألفاظ الأحاديث النبوية:
مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ذروني ما تركتكم».
فإن ترجمة مثل هذا التعبير الجامع، لا تتحقق بترجمة مفردات الجملة فقط، دون النظر إلى المعاني التي يحملها هذا اللفظ النبوي الجامع، بل لا بد من فهم معنى الحديث فهماً صحيحاً، وتحصيل هذا المعنى في الذهن ثم ترجمته إلى اللغة الهدف بألفاظ مناسبة واضحة.
ومن ذلك كثرة التقدير في الجملة العربية:
فيخطئ المترجم عندما يترجم الجملة دون النظر إلى الأدوات والكلمات المقدرة في الجملة العربية التي تكون مكملة لمعناها ومتممة لأجزائها، فتأتي الترجمة ناقصة وغير مفهومة.
ومن أمثلة ذلك قولنا:
(خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة خطبة عظيمة جامعة، حرم فيها الدماء والأموال..)، أي حرّم إراقة دماء المسلمين، وحرّم أكل أموالهم بالباطل، أو حرّم الاعتداء على دماء المسلمين وأموالهم بغير حق.
فإذا تُرجمت هذه الجملة ترجمة حرفية من دون هذا التقدير كانت الترجمة خاطئة، بل ربما تكون الترجمة في اتجاه معاكس لمعنى الجملة في اللغة الهدف.
رابعاً: وجود الألفاظ الصعبة والمصطلحات (الخاصة):
إن اللغات غير متكافئة في التعبير عن الفروق القائمة بين المعاني أو المفاهيم، ومن حيث كثرة المفردات وقلتها، أو وجود مفردة في اللغة المصدر وعدم وجود مقابل لها في اللغة الهدف، ففي مثل تلك الحالات يلجأ المترجم إلى الشرح والتفسير، ويكون ذلك ضرورياً لتتم عملية الترجمة سليمة وصحيحة.
فعلى سبيل المثال:
الوقوف بعرفة: فإن معناه هو البقاء بعرفة لأجل الدعاء والذكر والاستغفار والتضرع إلى الله تعالى.
اختلاف معنى اللفظ باختلاف الاصطلاح، وذلك في الألفاظ التي تتعلق بالأحكام والاصطلاحات الشرعية:
فعلى سبيل المثال:(30/14)
لفظ (الواجب): فإن معناه عند الحنفية غير ما هو عند جمهور الفقهاء، فالحنفية يفرقون بين الواجب والفرض، فالواجب عندهم ما ثبت بدليل قطعي ثبوتاً ودلالةً، والواجب عندهم أقل من الفرض وهو ما ثبت بدليل ظني ثبوتاً ودلالةً أو ظني الثبوت فقط، أو ظني الدلالة فقط. وأما الجمهور من الفقهاء فلا يفرقون بين الواجب والفرض، فهما عندهم بمعنى واحد، وهو ما كان مأموراً به في الشرع بطريق اللزوم. فالواجب عندهم في عامة استعمالاته الشرعية بمعنى الفرض، إن لم تكن هناك قرينة تصرف معناه إلى الواجب في اصطلاح الحنفية، وهو ما كانت مرتبته دون الفرض، ولا يبطل العمل بتركه، كما في الصلاة أو الحج مثلاً.
فإذا لم يتنبه المترجم إلى هذا الاختلاف في تحديد مفهوم الكلمة، وترجم (الواجب) ومشتقاتها في السنة النبوية بكلمة (واجب) في لغتي البشتو والفارسية، فَهِمَ منه القارئ في اللغة الهدف –وأغلبيتهم من الحنفية- معنى الواجب الذي هو أقل مرتبة من الفرض، وذلك لشيوع استعمال لفظ الواجب عندهم في غير الفرض، وأما الواجب القطعي فيعبرون عنه بلفظ الفرض، وليس بلفظ الواجب.
فيؤدي هذا الخطأ في الترجمة إلى خلل كبير جداً في فهم النص المترجَم، بل ويقلب المعنى رأساً في بعض الأحيان.
خامساً: عدم فهم بعض التركيبات اللغوية في اللغة العربية:
فعلى سبيل المثال:
لا يزال: فإنهما كلمتان تفيدان مجتمعتين الاستمرارية والدوام، بينما يأتي بعض المترجمين فيترجم هذا التركيب على أنه كلمتين مستقلتين، فيترجمه بأداة نفي ثم يذكر بعدها فعلاً، وهو لا يفيد معنى الاستمرارية في لغتي الفارسية والبشتو، بل يفيد النفي وعدم دوام الفعل، وبذلك يقع في الخطأ في الترجمة، ويذهب بعيداً عن مرمى الكلام.
سادساً: عدم الرجوع إلى شروح الحديث في تحديد المعنى المراد:
فعلى سبيل المثال:(30/15)
حتى يأتي أمر الله: ومعناه: حتى تقوم الساعة أو القيامة، بينما يترجمه بعض المترجمين بإتيان حكم الله، دون أن يفسره بالقيامة، وهذا خطأ ينشأ من عدم معرفة معنى هذه الجملة.
سابعاً: ثراء اللغة العربية بكثرة الكلمات والألفاظ لمعنى واحد، وكثرة الأسماء لشيء واحد:
وقلة ذلك في لغتي الفارسية والبشتو، وأمثلة ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال: السيف، فله أسماء كثيرة، وكل اسم يحمل معنى مغايراً لاسم آخر، بينما لا توجد في لغتي الفارسية والبشتو للسيف إلا اسم واحد، فتكون معالجة مثل هذا الأمر أحياناً بإضافة كلمة أخرى تبين المعنى الزائد على الكلمة الأصلية (السيف) في اللغة المصدر.
ثامناً: عدم وجود معجم كبير (عربي – بشتو) و(بشتو – عربي):
نظراً لعدم مثل هذا المعجم الذي يكون مرجعاً للمترجم، يواجه كثير من المترجمين صعوبة في عمل الترجمة، حيث لا يجدون بسهولة ترجمة المفردات والألفاظ الصعبة، أو قليلة الاستعمال، وكذلك المصطلحات الشرعية، والأساليب والتراكيب اللغوية الخاصة باللغة العربية وما يقابلها من أساليب وتراكيب في اللغة الهدف.
تاسعاً: الأخذ بالترجمة الحرفية:
إن عدداً من المترجمين يفضل في عملية الترجمة الأخذ بالترجمة الحرفية أو المعجمية في ترجمة السنة والسيرة النبوية، والترجمة الحرفية لها عيوب كثيرة نذكر منها:
ضعف الترجمة من حيث إفادتها في اللغة الهدف، وذلك أن تركيب الكلمات والمفردات في اللغة الهدف لا يتوافق مع قواعدها وطبيعتها اللغوية، وبالتالي تضعف إفادتها للمعنى المراد من الجملة في اللغة المصدر.(30/16)
ركاكة الجملة وهشاشتها وفقدان الناحية الجمالية في اللغة الهدف، وذلك لأن الترجمة تمت وفق مكونات الجملة العربية وبنفس ترتيب مفرداتها، كل مفردة على حدة في موضعها من الجملة العربية، دون مراعاة قواعد اللغة الهدف، وعدم استخدام الأساليب والتراكيب المناسبة والجميلة في اللغة الهدف لمعاني ألفاظ اللغة المصدر، مما يفقدها جمال التعبير، وقوة إيصال المعاني بألفاظ كافية، وأسلوب لائق.
الوقوع في الخطأ في فهم المعنى المراد من النص في اللغة المصدر، ويحصل ذلك بسبب سيطرة مجاراة اللغة المصدر وقوة تأثيرها على المترجم، وعدم العناية بمقومات اللغة الهدف وقواعدها.
الأسباب الداعية للجوء إلى الترجمة الحرفية:
يمكن أن نشير فيما يلي إلى أبرز الأسباب التي تجعل المترجم يأخذ بنمط الترجمة الحرفية، ولا يولي عناية للترجمة المعنوية:
1- ضعف التمكن وعدم الإجادة للغة المصدر واللغة الهدف، أو إحداهما، وبخاصة لمن لم يمارس اللغة ممارسة عملية من حيث الكتابةُ والتأليفُ والترجمةُ، أو لم تكن اللغة بالنسبة له لغة التعليم والدراسة، وإنما تلقاها بطريقة غير أكاديمية، أو كان اهتمامه ضعيفاً بدراسة آداب اللغة، والكتابة العلمية والتأليف والترجمة، كما هو الحال في عدد من خريجي المدارس الدينية الأهلية التقليدية في إيران، وأفغانستان، وباكستان، وشبه القارة الهندية.
2- سهولة الترجمة الحرفية؛ فإنها لا تكلّف المترجم عناء ومشقة، فيلجأ كثير ممن لم يبرع في الترجمة، أو كان مبتدئاً في هذا المجال إلى هذا النمط من الترجمة، فيترجم كل كلمة أو كل عبارة في موضعها كما هي، دون النظر إلى ترتيب مكونات الجملة في اللغة الهدف، ودون مراعاة قواعدها اللغوية.(30/17)
3- النزعة القدسية؛ وذلك أنهم لأجل أن يحافظوا على قدسية النص القرآني وقدسية نصوص السنة النبوية، ويراعوا الدقة في نقل معانيها كما هي في اللغة المصدر، لجأوا إلى الترجمة الحرفية، ثم سيطرت عليهم هذه النزعة حتى تأثرتْ بها ترجماتهم لسائر الكتب الدينية من فقه، وأصول، وعقيدة، وغيرها من العلوم الشرعية، ومازالت هذه النزعة القدسية مسيطرة إلى الآن على أعمال الترجمة التي تتم في الأوساط الدينية التقليدية، وبخاصة في محيط باكستان.
وكذلك حرصهم الشديد على ربط القارئ بالنص العربي للسنة النبوية، وأنه لا يمكن الاستغناء عنه بالترجمة، فيرون أن الترجمة هي وسيلة مؤقتة لفهم النص العربي، ولا ينبغي لها أن تحل محله.
ويضاف إلى ذلك سيطرة اللغة القديمة التي اندثر كثير من مفرداتها، وهَجَرَها الناطقون بها، وهذا كثير في أوساط المتعلمين في المدارس الدينية التقليدية الأهلية، فإن عملية التطوير والتجديد في مناهجها بطيئة جداً، بل ربما تكون مفقودة في بعض العلوم التي يدرسونها، ومن ذلك دراستهم للغتي الفارسية والبشتو وآدابهما، فإن كتب القواعد التي يدرسونها لهاتين اللغتين، والمعاجم التي يستعينون بها في الترجمة بعيدة جداً عن مواكبة التطور الذي حصل في الحياة الأدبية، والاجتماعية، وما جدّ من أساليب ومفردات في مجال الكتابة والتأليف في هاتين اللغتين.
ومن مظاهر هذا النمط من الترجمة (وهي الترجمة الحرفية) أن النص المترجَم (في اللغة الهدف) يكتب مباشرة تحت النص العربي (اللغة المصدر)، فترجمة كل كلمة عربية تكتب تحتها مباشرة، وذلك في أغلب الترجمات التي تمت في محيط باكستان.(30/18)
ولكن إذا رجعنا إلى محيط أفغانستان فإنه قد حصل تحسُّن كبير في هذا الجانب؛ والسبب في ذلك أن اللغة الفارسية ولغة البشتو لغتان رسميتان في الدولة، وهما لغتا الدراسة النظامية، ولغة التخاطب في المكاتبات الرسمية، كما أن النصاب التعليمي يتضمن دراسة كتب الآداب والقواعد في اللغتين البشتو والفارسية، إضافة إلى أنهما لغتا الصحافة والإعلام بشكل عام.
فساهمت كل هذه العوامل في تحسين مستوى اللغة في مجال الأدب، والكتابة، والترجمة جميعاً، فكانت أعمال الترجمة -مع قلتها- جيدة وقوية من الناحية اللغوية والأدبية.
وقد أنشئت (1) في مدينة كابل العاصمة الأفغانية أكاديمية خاصة من الأدباء والعلماء باسم «پ?تو ?ولنه» تُعنَى بآداب لغة البشتو وترجمة الكتب الدينية من اللغة العربية إليها.
وكان من أبرز أعمال هذه الأكاديمية في هذا المجال ترجمة معاني القرآن والكريم وتفسيره إلى لغة البشتو في ستة مجلدات، وكذلك ترجمة السيرة النبوية في أربعة مجلدات، وقد تمت طباعة ترجمة معاني القرآن الكريم المذكورة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
ومن الترجمات الجديدة القوية التي ظهرت بلغة البشتو في مجال السيرة النبوية، ترجمة كتاب «الرحيق المختوم» للمباركفوري (2) ، وترجمة «مختصر زاد المعاد» للشيخ محمد بن عبد الوهاب (3) ، كلتاهما للمترجم الأفغاني الأستاذ/ سلطان محمود صلاح.
__________
(1) قبل ستين سنة تقريباً من الآن (1428هـ).
(2) لم تطبع إلى الآن.
(3) لم تطبع إلى الآن.(30/19)
ومن الترجمات الجديدة القوية في اللغة الفارسية: ترجمة «رياض الصالحين» (1) ، وترجمة «الأربعين النووية» (2) ، كلتاهما للمترجم الأفغاني الأستاذ/ عبد الله خاموش، وترجمة «مختصر صحيح البخاري» للزبيدي (3) ، وشرحه باللغة الفارسية (4) ، وترجمة «الشمائل النبوية» للترمذي (5) ، الثلاثة للدكتور عبد الرحيم يعقوب فيروز الأستاذ المشارك في قسم التربية الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض.
وأما لغة البشتو في باكستان وبخاصة في مدينة بيشاور وما جاورها من المناطق فلم تتهيأ لها من العوامل المساعدة لتطويرها وتقوية مستواها من الناحية الأدبية، وإن كانت البيئة الدينية فيها تميزت بكثرة وضخامة أعمال الترجمة في جميع العلوم الشرعية، وبخاصة القرآن الكريم وتفسيره، والأحاديث النبوية وشروحها، وسائر الكتب الدينية، ولكنها لم تصل من حيث النوعية والكيفية إلى مستوى الترجمات الأفغانية، وإن فَاقَتْها من حيث الكمية.
وأما في إيران فالوضع أفضل بكثير، وحركة الترجمة فيها نشطة وقوية وبمستوى ممتاز؛ ولعل من الأسباب المعينة على ذلك ازدهار اللغة الفارسية في إيران، وكونها لغة الدولة الرسمية في جميع المجالات، كالتعليم، والإعلام، والصحافة.. واهتمام الدولة بها، إضافة إلى قوة حركة الترجمة، وكثرة الترجمات، والمترجمين، وكثرة الدراسات الأدبية المتخصصة في هذا المجال في الجامعات والكليات الإيرانية.
ولكن الملاحظ في مجال الترجمة في إيران أن معظم هذه الأعمال تتم من قبل الشيعة، وإسهام علماء السنة في هذا المجال يعتبر قليلاً مقارنة بما يقوم به الشيعة.
المبحث الثاني: سبل التغلب على هذه العوائق
يمكن التغلب على هذه العوائق بالطرق الآتية:
__________
(1) مطبوعة في مجلدين في باكستان.
(2) مطبوعة في باكستان.
(3) طبعتها دار السلام بالرياض في مجلدين.
(4) طبعتها الندوة العالمية بالرياض في ستة مجلدات.
(5) غير مطبوعة.(30/20)
1- قوة التمكن من معرفة قواعد اللغة المصدر، واللغة الهدف، فكلما كان المترجم متمكناً من معرفة اللغتين وقواعدهما، وأساليبهما، وتراكيبهما، كان أقدر على إنتاج الترجمة الصحيحة القوية البعيدة عن الأخطاء المخلة بالمعنى.
2- تجنب الترجمة الحرفية، والتمرن على الترجمة المعنوية، فإنها أسلم من الخطأ، وأقوى إفادة للمعنى المراد من النص المترجم منه، وأقوى في سلامة نقل مراد المتكلم إلى القارئ باللغة الهدف.
3- الاستعانة بالمعاجم اللغوية، والمعاجم المتخصصة في السنة النبوية إن وُجدت.
4- الرجوع إلى كتب شروح السنة النبوية والاستعانة بها لمعرفة وتحديد المعنى الصحيح والدقيق من لفظ الحديث، وبخاصة في الكلمات الصعبة، والألفاظ النبوية الجامعة، والمصطلحات الشرعية الخاصة.
5- الاستفادة من الترجمات الصحيحة السليمة التي قام بها مترجمون متمكنون ومتمرسون في هذا المجال، ومن الأفضل في مرحلة التمرن والتدرب أن يقوم الشخص بترجمة تلك النصوص مبدئياً، ثم يقارن بين ترجمته وترجمة هؤلاء المترجمين المتمكنين، ليعرف الفرق بينهما، ويتلمس مواضع الخلل والضعف في ترجمته، والعمل على إصلاحها وتحسينها، وعدم تكرارها.
6- من الضروري للمترجم أن يقوم بمراجعة عمله مرتين على الأقل، الأولى للمطابقة بينها وبين النص العربي لتلافي الخلل والتباين في المعنى. وفي المرة الثانية يراجع الترجمة بعيداً عن النص العربي، بل يقرأه باللغة الهدف كقراءة القارئ الذي لا يعرف اللغة العربية، فيحاول إعادة صياغة الجمل والعبارات وفق قواعد اللغة الهدف، وإزالة ما بها من ضعف وركاكة وخلل، ويحرص على أن تكون الجمل سلسلة، وسليمة، ومفيدة للمعنى المراد من أول قراءة.
فهذه بعض السبل التي إذا سلكها المترجم يمكنه تجنب الأخطاء الكبيرة في ترجمته، ويساعده في إنتاج ترجمة صحيحة وسليمة وقوية إن شاء الله تعالى تكون موضع استفادة القراء باللغة الهدف دون الرجوع إلى اللغة المصدر.(30/21)
وليس معنى ذلك أننا نريد إبعاد القارئ عن نصوص الأحاديث النبوية، والاستغناء بالترجمة عنها، وعدم الاستفادة منها مباشرة، بل المقصود من الحرص على إخراج الترجمة الصحيحة السليمة بالدرجة الأولى هي نقل المعنى المراد من النص النبوي قدر الإمكان للقارئ العادي الذي لا يعرف اللغة العربية، وليس بطالب علم شرعي.
وأما النص العربي للأحاديث النبوية فيبقى هو الأصل المعوّل عليه أولاً وآخراً، ولا يستغنى عنه، ولذلك يفضل وجود النص الحديثي في ترجمات الأحاديث النبوية، ولكن لا تكتب الترجمة تحت الحديث النبوي مباشرة، بل يكون النص الحديثي مفصولاً بأكمله عن الترجمة، بحيث إذا قرأ القارئ (غير الناطق بالعربية) الترجمةَ فَهِمَ المعنى المراد، ووصل إلى مغزى الحديث النبوي.
وأما القارئ الذي يعرف اللغة العربية، ونصوص الأحاديث النبوية ولو معرفة ضعيفة، فإنه يستعين بالترجمة على معرفة ألفاظ الحديث، ويكون ذلك وسيلة إلى جودة تعلمه اللغةَ العربية، ومعرفة معاني الأحاديث النبوية، وتقوية مخزونه اللغوي المعجمي في اللغة العربية.
الخاتمة: أبرز النتائج والتوصيات
أولاً: أبرز النتائج:
نستخلص من بحثنا السابق عن المعوقات وسبل التغلب عليها النتائج التالية:
1- وجوب العناية بترجمة السنة والسيرة النبوية، وأن العناية بترجمتها مما يساعد على نشرها، وتبليغها إلى عامة المسلمين الذين لا ينطقون باللغة العربية.
2- أن هناك عدداً من المعوقات التي يواجهها المشتغلون في مجال ترجمة السنة والسيرة النبوية.
3- أن العوائق في ترجمة السنة النبوية، أكثر وأقوى من العوائق في ترجمة السيرة النبوية؛ وذلك لأن السنة ثاني الوحيين، وأن ألفاظها خرجت من مشكاة النبوة في ألفاظ جامعة، بليغة، ذات أوجه، وحمّالة معاني، بخلاف السيرة النبوية، فهي حكاية وتعبير عن دقائق وتفاصيل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ غير المعصومين من الصحابة ومن بعدهم.(30/22)
4- بالنظر إلى واقع الترجمات الموجودة في لغتي الفارسية والبشتو، نجد في بعض منها ضعفاً من الناحية اللغوية، وأنها ليست بمستوى لائق، ولم تصل إلى مرحلة الترجمة الجميلة المؤثرة، ومع ذلك فإن الترجمات باللغة الفارسية في مجملها أفضل حالاً من الترجمات بلغة البشتو، وأن الترجمات بلغة البشتو التي تمت في محيط أفغانستان ومن قبل المترجمين الأفغان أفضل وأقوى –في الغالب- من الترجمات التي تمت في محيط باكستان من قبل المترجمين الباكستانيين، وأن أغلب الترجمات التي تمت في أوساط المدارس الدينية التقليدية، أو من قبل المتخرجين من تلك المدارس يغلب عليها نمط الترجمة الحرفية.
ثانياً: أهم التوصيات:
ولكي نتمكن من تطوير أعمال الترجمة، وتحسين مستواها، والتغلب على العوائق الموجودة في هذا المجال، نوصي بما يلي:
1- عقد ندوات مشابهة لمثل هذه الندوة المباركة لدراسة واقع الترجمات في مجال السنة والسيرة النبوية، وتشخيص جوانب الضعف فيها، والعمل على معالجتها، وتطويرها.
2- نشر البحوث المعنية بهذا الجانب.
3- دعم المترجمين الذين لديهم التمكنُ، والخبرةُ القوية في الترجمة، وذلك بتوظيفهم في ترجمة أعمال السنة والسيرة النبوية، والاستفادة من خبراتهم في هذا المجال.
4- نشر الترجمات الصحيحة القوية للسنة والسيرة النبوية، سواء التي طبعت بكميات قليلة، أو الترجمات التي لم تطبع إلى الآن بسبب عدم وجود دعم لطباعتها.
5- وضع معجم لغوي كبير (عربي-بشتو) و(بشتو-عربي)؛ وذلك لعدم وجود معجم قوي يرجع إليه المترجم في هذه اللغة، وأما اللغة الفارسية فتوجد فيها معاجم إيرانية.
6- وضع معجم متخصص لشرح المصطلحات، والألفاظ الصعبة، والألفاظ الجامعة وغيرها في السنة النبوية والأحاديث الشريفة.(30/23)
7- بيان أهمية الترجمة المعنوية، وقوتها في الإفادة، ومدى الحاجة الماسة إليها، وأنها هي الترجمة الصحيحة السليمة المناسبة لنقل معاني السنة والسيرة النبوية للقارئ باللغة الهدف، وأنه لا ضير في أن يرجع غير الناطق باللغة العربية إلى الترجمة وحدها ويستفيد منها، ويعمل بها، وبخاصة العوام من المسلمين الذين لا يتمكنون من تعلم اللغة العربية إلا بصعوبة بالغة، أو قد يعجزون عن تعلّمها بالكلية، مع ملاحظة أن الأصل والعمدة هو النص العربي، وأنه ينبغي للمسلم أن يتعلم اللغة العربية في حدود الإمكان، ويفهم النصوص الشرعية باللغة العربية، ليستقي منها الأحكام، ويأخذ بتوجيهاتها في حياته العملية.
هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد النافع زلال عبد الحي
الطالب بمرحلة الدكتوراه
بالمعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن
1/11/1428هـ
فهرس المحتويات
مقدمة ... 1
التمهيد: التعريف بلغتي الفارسية والبشتو، وتعريف الترجمة، وأنواعها ... 4
المطلب الأول: التعريف بلغتي الفارسية والبشتو: ... 4
أولاً: التعريف باللغة الفارسية: ... 4
ثانياً: التعريف بلغة البشتو(): ... 6
المطلب الثاني: تعريف الترجمة وأنواعها: ... 8
أولاً: تعريف الترجمة: ... 8
ثانياً: أنواع الترجمة: ... 10
المبحث الأول: أبرز عوائق ترجمة السنة والسيرة النبوية بلغتي الفارسية والبشتو ... 12
أولاً: المغايرة في ترتيب أجزاء ومكونات الجملة: ... 12
ثانياً: بعض الأساليب التي هي من خصوصية اللغة العربية وليس لها ما يقابلها في لغتي الفارسية والبشتو: ... 14
ثالثاً: صعوبة فهم بعض التعبيرات والجمل الجامعة في ألفاظ الأحاديث النبوية: ... 14
رابعاً: وجود الألفاظ الصعبة والمصطلحات (الخاصة): ... 15
خامساً: عدم فهم بعض التركيبات اللغوية في اللغة العربية: ... 16
سادساً: عدم الرجوع إلى شروح الحديث في تحديد المعنى المراد: ... 17(30/24)
سابعاً: ثراء اللغة العربية بكثرة الكلمات والألفاظ لمعنى واحد، وكثرة الأسماء لشيء واحد: ... 17
ثامناً: عدم وجود معجم كبير (عربي – بشتو) و(بشتو – عربي): ... 17
تاسعاً: الأخذ بالترجمة الحرفية: ... 17
الأسباب الداعية للجوء إلى الترجمة الحرفية: ... 18
المبحث الثاني: سبل التغلب على هذه العوائق ... 22
الخاتمة: أبرز النتائج والتوصيات ... 24
فهرس المحتويات ... 27(30/25)
سيرة ذاتية
الاسم: عبد النافع زلال عبد الحي عبد الوهاب.
الجنسية: أفغاني.
المرحلة الدراسية: طالب بمرحلة الدكتوراه بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام قسم الفقه المقارن.
الأعمال العلمية:
رسالة الماجستير: (الرجوع في عقود التبرعات المحضة في الفقه الإسلامي)، بإشراف: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية.
تأليف كتاب: (حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورد المفتريات) باللغة العربية، بتكليف من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وقدم له سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.
العمل في إعداد وإخراج كتاب: (الجامع لخطب عرفة) لسماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.
خبرتي في مجال الترجمة:
لي خبرة في مجال الترجمة والمراجعة من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية والبشتو لأكثر من سبع سنين، كما أني متعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في هذا المجال منذ عام 1420هـ.
وقد ترجمتُ خلالها الكتب التالية:
1- اعتقاد الأئمة الأربعة للدكتور محمد الخميس، باللغتي الفارسية والبشتو.
2- الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب باللغتي الفارسية والبشتو.
3- تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات للشيخ صالح الفوزان، باللغة البشتو.
4- تعليم الصلاة للدكتور عبد الله الزيد، باللغة البشتو.
5- حصن المسلم للشيخ سعيد بن وهف القحطاني، باللغة البشتو.
6- الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي، باللغتي الفارسية والبشتو.
7-موقف الخميني من أهل السنة لمحمد مال الله باللغة الفارسية.
7- الإسلام أصوله ومبادئه للدكتور محمد السحيم باللغتي البشتو والفارسية.
8-كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب باللغة الفارسية.
وقد تقوم الوزارة بطباعة معظم هذه الكتب وتوزيعها على الحجاج في موسم الحج كل سنة.(31/1)
إضافة إلى أني راجعتُ عدداً كبيراً من الكتب المترجمة باللغتي البشتو والفارسية، وفيما يلي أذكر فقط الكتب المتعلقة بالسنة والسيرة النبوية التي قمتُ بمراجعتها وتصحيحها وإبداء ملاحظاتي عليها:
1- رياض الصالحين، باللغة الفارسية.
2- رياض الصالحين باللغة البشتو.
3- الرحيق المختوم، باللغة البشتو.
4- الشمائل النبوية للترمذي باللغة الفارسية.
للاتصال:
جوال: 0506109326
هاتف المنزل: 4256612(31/2)
... ... ضوابط ترجمة مصطلحات
علوم السنة والسيرة النبوية
مع نماذج لما ورد منها في كتاب " معجم لغة الفقهاء "
بحث مقدم
لندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية
الواقع التطوير المعوقات
إعداد:
الدكتور عاصم بن عبدالله الخليلي القريوتي
عضو هيئة التدريس بقسم السنة بكلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الرياض – المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الْحَمد لله، نَحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يَهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمَّداً عبده ورسوله، أرسله ربه رحْمَةً للعالَمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن اللغة العربية لها أهمية كبيرة لدى المسلمين، لأنها لغة الإسلام، فهي الأداة والوسيلة التي توصل المسلم إلى فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهج السلف من الصحابة والتابعين .
ويقرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ فيقول:
" إن نفس اللغة العربية من الدين, ومعرفتها فرض واجب, فإن فهم الكتاب والسنة فرض, ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" (1) .
ويؤكد العلامة الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي - رحمه الله – على ضرورة اعتناء المسلمين باللغة العربية فيقول:
"أجمع السلف و الخلف على وجوب اجتماع المسلمين كلهم ، على أن تكون لغة الدين فيما بينهم هي لغة القرآن و الرسول الكريم ، وكذلك فعل السلف حين فتحوا البلدان في الزمن الأول" (2) .
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم : 1 / 527 .
(2) من مقدمته ل"معاني القرآن الكريم مقتبس من تفسير الطبري وتفسير ابن كثير وصحيح البخاري"ص 2.(32/1)
ولكن لما كان مئات الملايين يدينون بدين بالإسلام في أنحاء المعمورة ، يتكلمون بلغات مختلفة غير اللغة العربية التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثير منهم لا يعرف العربية، وليس عنده إمكانية لتعلمها؛ لعدة عوامل تختلف من شخص إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، وهم في الوقت نفسه يحتاجون إلى تعلم السنة والسيرة النبوية ، وصولاً إلى فهمها والعمل بهما ، كان من المهم جداً، بل من المتعين ترجمة السنة والسيرة النبوية وما يخدمها للعالم أجمع.
كما أن الحاجة ملحة لبيان السنة والسيرة النبوية العطرة للعالم أجمع، ولنشرها باللغات العالمية؛ دعوة وتوضيحاً لحقيقة الإسلام ووسطيته ، ولما يدعو إليه نبينا صلى الله عليه وسلم من الرحمة والعدل والإحسان ، ولتبليغ الدين لكل الأمم بلسانها. (1)
ويتأكد ذلك لدفع الشبهات والأباطيل التي ألصقها أعداء الإسلام به ، ولبيان زيف المغرضين والمستهزئين بالإسلام و بنبي الهدى صلى الله عليه وسلم .
...
وأما معنى الترجمة ففي " لسان العرب ":
__________
(1) وكان هذا من بواعث إقامة ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية من قبل الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها زادها الله توفيقا.(32/2)
"ترجم التُّرْجُمانُ، والتَّرْجَمان: المفسِّر للسان ، وفي حديث هِرَقْلَ قال لتُرْجُمانه: الترجمان بالضم والفتح هو الذي يُتَرْجِم الكلام أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى، والجمع التَّراجِم، والتاء والنون زائدتان، وقد تَرْجَمه وتَرْجَم عنه، وتَرْجُمان هو من المثل التي لم يذكرها سيبويه. قال ابن جني: أَما تَرْجُمان فقد حكيت فيه تُرْجُمان بضم أَوله ومثاله فُعْلُلان كعُتْرُفان ودُحْمُسان، وكذلك التاء أَيضاً فيمن فَتَحها أَصلية، وإن لم يكن في الكلام مثل جَعْفُر؛ لأَنه قد يجوز مع الأَلف والنون من الأَمثلة ما لولاهما لم يجز، كعُنْفُوان وخِنْذِيان ورَيْهُقان أَلا ترى أَنه ليس في الكلام فُعْلُو ولا فِعْلي ولا فَيْعُل؟ (1) .
وفي الصحاح (2) :
يقال: قد تَرْجَمَ كلامه، إذا فسَّره بلسان آخر. ومنه التَرجَمان، والجمع التراجم. ويقال تَرجُمانٌ. ولك أن تضم التاء لضمَّة الجيم فتقول تُرْجُمانٌ. قال الراجز:
إلاّ الحَمامَ الوُرْقَ والغَطاطا
فهُنَّ يُلْغِطْنَ به إلْغاطا
كالتُرجُمانِ لقيَ الأَنْباطا.
وقال الزبيدي في (تاج العروس) _ بعد نقله كلام الجوهري السابق _ (3) :
ورأيت في هامش الكتاب (يعني : القاموس المحيط) ما نصه : ترجمان بفتح الجيم من مناكير الجوهري وليس بمسموع من العلماء الأثبات .
وقال ابن الأثير :
الترجمان بالضم والفتح : هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة أخرى،وفد وردت كلمة ترجمان في عدة أحاديث ،والجمع التراجم . والتاء والنون زائدتان، وقد تكرر في الحديث (4) .
__________
(1) لسان العرب (ج 6 / ص 426).
(2) الصحاح في اللغة (ج 5/ ص 1928).
(3) (ج311 / ص 327).
(4) النهاية في غريب الأثر (ج 1 / ص 186).(32/3)
ومن هذه المواطن التي ذكر فيها ترجمان في الحديث ما رواه البخاري (1) عن عدي بن حاتم – رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه ".
كما يُقالُ للمفسر أيضاً الترجمان (2) .
ومنه لقب ابن عباس - رضي الله عنهما - بترجمان القرآن (3) .
ومما سبق يظهر لنا أن الترجمة في لغة العرب هي : نقل الكلام وتفسيره من لغة إلى لغة أخرى ، وأن من يقوم بالترجمة يطلق عليه (المُترجِم )أو (الترجمان) بضم التاء وفتحها (4) .
كما أنه هناك كلمات مما في كتب العلم، وضعت للتعبير عن المعاني الجديدة، التي تستمد معانيها من لغة القرآن والسنة ، وهكذا نشأت طائفة من الكلمات سميت ب" المصطلحات" .
ولما كان لكلّ علْم أو عالم مصطلحاتُه من الكلمات ذات الدّلالات الخاصة ، مما قد يخالف ما اصطلح عليه أصحاب المعاجم اللغوية كانت الحاجة تدعو لبيان وتوضيح هذه المصطلحات (5) .
__________
(1) صحيح البخاري (ح2007).
(2) منهاج السّنّة 2 / 612 .
(3) رواه الطبري في تفسيره (ج 2 / ص 313 ) فقال:حدثني يحيى بن داود الواسطي، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال:" نعم تَرْجمانُ القرآن ابنُ عباس "، ورواه من طريق أخرى فقال : وحدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبدالله، بنحوه.
ورواه الحاكم في :" المستدرك على الصحيحين " (3/537) وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إسناد صحيح .مجموع الفتاوى (ج 2 / ص 313).
(4) انظر : المعجم الوسيط :(ج 1 / ص 175).
(5) انظر البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها - (ج 1 / ص 630).(32/4)
ومن البدهي أيضاً أن ننبه بهذه المناسبة أنه كان " من أعظم أسباب الغلط فى فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها" (1) .
وأما المقصود بمصطلحات علوم السنة والسيرة فهو أنواع علوم الحديث، والقواعد التي تعارف عليها المحدثون في تناول الحديث الشريف وتدوينه وتصنيفه وتعلمه وتعليمه روايةً ودرايةً، إضافةً لما في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد أُلِّفت عدة كتب باللغة العربية في بيان المصطلحات الحديثية (2) ، وأما ترجمتها إلى لغة أخرى فالذي وقفت عليه ترجمة كتاب "معجم مصطلحات الحديث ولطائف لأسانيد" للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي ، إلى اللغة الأردية ، ترجمة الدكتور سهيل بن عبدالغفار.
ولقد صنف كتاب "معجم لغة الفقهاء"عربي انجليزي – كما هو على طرّته – ، من تأليف الدكتور محمد رواس قلعة جي، و الدكتور حامد صادق، عام 1405هـ - 1985م ، وهو مشروع بلا شك من متطلبات العصر الحاضر وحوائجه ، لما للغة العربية من مكانةٍ ساميةٍ وأهمية عالمية .
ولقد تناول المعجم ضمنه عدداً قليلاً من مصطلحات علوم السنة بلغت ثلاثة وثلاثين مصطلحاً فقط لكونه يختص بالفقه.
ولما كانت ( الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها ) تنظم - مشكورةَ مأجورةَ - في مدينة الرياض ندوة بعنوان( ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية وعلومها .الواقع التطوير المعوقات) أسهمت بالمشاركة فيها ببحث بعنوان :
"ضوابط ترجمة مصطلحات علوم السنة والسيرة النبوية ، مع نماذج لما ورد منها في كتاب " معجم لغة الفقهاء ".
__________
(1) انظر " مجموع الفتاوى" (ج 12 / ص 107).
(2) ومن ذلك "معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد " للدكتور الأعظمي ، و"معجم مصطلحات توثيق الحديث" للدكتور علي زوين ، و"معجم المصطلحات الحديثية" للدكتور العتر ، و"معجم علوم الحديث النبوي " للدكتور عبدالرحمن الخميسي.(32/5)
ولقد قسمته إلى ثلاثة فصول كالتالي:
الفصل الأول :
ضوابط ترجمة مصطلحات علوم السنة والسيرة.
الفصل الثاني :
المؤثرات على ترجمة مصطلحات علوم السنة والسيرة، وأهم سبل التغلب عليها.
الفصل الثالث :
نماذج من ترجمة مصطلحات علوم السنة المضمنة في كتاب "معجم لغة الفقهاء".
ثم أتبعتها بما ظهر لي من توصيات.
والله أسأل أن ينفع بهذا البحث وغيره من بحوث الندوة ، وأن يكتب الأجر لي وللقائمين عليها ، ولكل من أسهم في إقامتها ودعمها ، وأن يوفقنا لكل ما يخدم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويساعد في نشرها والذب عنها في أقطار الدنيا ، وأن يجعلنا ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم :
( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) (1) إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الفصل الأول
ضوابط ترجمة مصطلحات
علوم السنة والسيرة النبوية
الترجمة كما تدل عليها لغة العرب هي نقل الكلام وتفسيره من لغة إلى لغة أخرى كما سبق بيانه .
__________
(1) أخرجه الترمذي في جامعه : (كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع) ح:2658( وقال: هذا حديث حسن صحيح ، وله طرق عديدة وذكر غير واحد أنه : حديث متواتر ، وقد أفرده شيخنا العلامة عبدالمحسن البدر بتصنيف ماتع بعنوان "دراسة حديث:نضر الله امرأً .. رواية ودراية" ، وهو مطبوع .(32/6)
وإن ترجمة معاني القرآن الكريم لها أحكام خاصة ، وقد كتب عنها الكثير (1) ، وأما ما يتعلق بترجمة نصوص السنة النبوية فمظنتها مباحث رواية الحديث بالمعنى ، المسطورة في ثنايا كتب علوم الحديث الشريف (2) .
وللعلماء في جواز رواية الحديث بالمعنى أقوال ، وتفصيل ذلك ليس من صميم بحثي ، ولكني أشير إلى أن جواز ذلك مقيدٌ بمن يكون عالماً بلغات العرب ، بصيراً بالمعاني ، عالماً بما يحيل المعنى وما لا يحيله ، كما نص على ذلك الإمام محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله - وغيره (3) .
كما أن من أقوى حجج جواز ترجمة النصوص الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم؛ للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى؛ فجوازه باللغة العربيّة أولى، كما حرر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله (4) .
وقال العلامة الشيخ محمد أمين الشنقيطي – رحمه الله - :"أجمعت الأمة على قبول قول المترجم والرسول والمعرف والمعدل ، وإن اختلفوا في جواز الاكتفاء بواحد (5) ".
ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- أهمية الترجمة عند الحاجة إليها ووقعها في نفوس من لا يحسن لغة الإسلام فيقول:
__________
(1) للشيخ المراغي بحث في ترجمة القرآن الكريم وأحكامها , ولمحمد فريد وجدي بحث بعنوان ( الأدلة العلمية على جواز ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية )نشر في ملحق بالجزء الثاني من مجلة الأزهر سنة 1355 هـ ، وهناك رسالة ماجستير بعنوان : "ترجمة القرآن الكريم بين الحظر والإباحة" للباحث : محمد محمود كالو.
(2) انظر مبحث صفة رواية الحديث في "تدريب الرَّاوي" (ج 2 / ص 6) ، و"قواعد التحديث"( ص 198) و"المحدث الفاصل "(ج 1 / ص 530).
(3) شرح علل الترمذي (ج 1 / ص 53) .
(4) "نزهة النظر" للحافظ ابن حجر ص 129.
(5) أضواء البيان (ج 7 / ص 503)(32/7)
" يجوز ترجمة القرآن والحديث للحاجة إلى الإفهام وكثير ممن قد تعود عبارة معينة إن لم يخاطب بها لم يفهم، ولم يظهر له صحة القول وفساده ، وربما نسب المخاطب إلى أنه لا يفهم ما يقول .
وأكثر الخائضين في الكلام والفلسفة من هذا الضرب، ترى أحدهم يذكر له المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلونها ، لظنهم أن في عبارتهم من المعاني ما ليس في تلك ، فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع وصيغ بلغتهم ، وبين به بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي خضعوا لذلك وأذعنوا له ، كالتركي والبربري والرومي والفارسي الذي يخاطبه بالقرآن العربي ويفسره فلا يفهمه، حتى يترجم له شيئا بلغته، فيعظم سروره وفرحه، ويقبل الحق ويرجع عن باطله ، لأن المعاني التي جاء بها الرسول أكمل المعاني وأحسنها وأصحها ، لكن هذا يحتاج إلى كمال المعرفة لهذا ، كالترجمان الذي يريد أن يكون حاذقاً في فهم اللغتين" (1) .
أقول: وإذا كان الصحابة –رضي الله عنهم- يحتاطون في رواية الحديث بالمعنى، حيث جاء عن جمع من الصحابة كابن مسعود وأبي الدرداء وأنس – رضي الله عنهم - أنهم كانوا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم يقولون :" أو نحو هذا " ، أو " شبهه " ، " أو قريباً منه "، وكان أنس -رضي الله عنه - يقول: أو كما قال (2) ، فمن باب أولى الاحتياط والدقة البالغة في ترجمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.
وإن ترجمة علوم السنة والسيرة النبوية – وقد يعم الأمر العلوم الشرعية الأخرى - من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى لها ضوابط عامة ، وأهم هذه الضوابط:
__________
(1) "منهاج السّنّة" (2 / 612) .
(2) انظر" الجامع لأخلاق الراوي" (ج 2 / ص 35) ، و"شرح علل الترمذي" (ج 1 / ص 53) .(32/8)
1- الأمانة العلمية من المترجم، فعليه أن يترجم النص دون تدخل في معنى النص المراد ترجمته ، فإن كان النص منقولاً عن إمام وظهر له من وجهة نظر أمر فلينبه على ذلك بائناً عن النص الأصلي ، إن كان في صلب الترجمة، أو يثبت ذلك في الحاشية وهو أجود.
2- التمكن التام من اللغة العربية وأساليبها.
3- المعرفة التامة باللغة المراد الترجمة إليها، من حيث التمكن منهما.
4- اختيار الأسلوب العلمي للغة المراد الترجمة إليها بما يتناسب مع عصر المترجم.
5- الدقة في الترجمة على وجهها مع الوضوح ، بما يؤدي المعنى المراد ،وإلا لاحتاج الأمر إلى ترجمة أخرى بديلة.
6- التمكن من قواعد الشريعة الإسلامية ، مع سلامة المعتقد الصحيح ، ليؤدى المعنى على الوجه الشرعي دون مخالفة لمقاصد الشرع.
7- مراجعة الترجمة من المترجم نفسه، ومن غيره أيضاً من الأفراد أو الجهات المعتمدة والموثوق بها علمياً.
وتعد مراجعة الترجمة عنصراً مهمّاً لضمان ترجمة جيدة وموفقة، وظاهرة مراجعة الترجمات و تقويمها قديمة في تراثنا ،ففي عصر هارون الرشيد – مثلاً- تم إصلاح بعض الترجمات المنجَزة أيام المنصور ، وفي عهد المأمون وقعت مراجعة بعض الكتب المترجمة زمن الرشيد (1) .
وأما الضوابط الخاصة بالمصطلحات الواردة في علوم السنة والسيرة النبوية، فيزاد فيها على ما سبق من ضوابط ما يلي:
__________
(1)
( )"الأدب المقارن و مطالعات أخرى" لمجدي وهبة ، ص 76 ، نقلاً من"ترجمة المصطلح الأجنبي وجهود المغاربيين فيها" ، بقلم فريد أمعضشو ورشيد سوسان، منشور في مجلة واتا(الالكترونية) للترجمة واللغات العدد الرابع . http://www.arabswata.info/mag/Researches/4.html(32/9)
1- تمكن المترجم من معرفة معاني المصطلحات الحديثية العامة عند المحدثين، بمراجعة كتب علوم الحديث، وما ألف في المصطلحات الخاصة بالسنة والسيرة (1) .
2- توضيح المترجم للمصطلح والتأكد من دلالاته ، لأن بعض المصطلحات قد تكون له عدة دلالات واستخدامات عند الأئمة في كتبهم.
ومن أمثلة ذلك : مصطلح ( لا أصل له) أو (ليس له أصل) (فهذا يطلقه المحدثون على ثلاثة معان:
الأول: بمعنى لا إسناد للحديث. كما نقله السيوطي (2) عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا الإطلاق كثير عند المتأخرين.
الثاني: بمعنى لا أصل صحيح للحديث ، فهو يرادف الموضوع.
الثالث: بمعنى لا أصل للحديث أي من هذا الطريق، لا من كل الطرق (3) .
ومثله مصطلح :( منكر الحديث ) (4) ،و( المقطوع ) (5) فلهما استخدامات متعددة.
__________
(1) ومن ذلك "معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد " للدكتور الأعظمي ، و"معجم مصطلحات توثيق الحديث" للدكتور علي زوين ، و"معجم المصطلحات الحديثية" للدكتور نور الدين العتر ، و"معجم علوم الحديث النبوي " للدكتور الخميسي، وعلى موقع الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها (سنن) ،عبر الإنترنت www.sunnah.org.sa طائفة منها.
(2) "تدريب الرَّاوي" (1/501).
(3) انظر مثال ذلك في "العلل"لابن أبي حاتم (1/131).
(4) ينظر:"شرح علل الترمذي (2/582) ،والموقظة للذهبي ص 77- 88" .
(5) ينظر: "الشذا الفياح "(ج1/ص 141) ، و"النكت على مقدمة ابن الصلاح" (ج 2 / ص 514) ، و"تدريب الراوي" (ج 1 / ص 135) ،و "توجيه النظر إلى أصول الأثر" ( ص 177).(32/10)
3- ضرورة معرفة المترجم للمصطلحات الخاصة بأئمة معينين (1) ، حتى لا يحمل المصطلح على غير المراد من ذلك الإمام، وذلك لأن لعدد من الأئمة مصطلحات خاصة ، فلا بد من معرفتها ، وإلا كانت تبعاً لظاهر الألفاظ التي وقع الاتفاق عليها.
ومن أمثلة ذلك (منكر الحديث ) عند الإمام البخاري .
إذ نقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه (2) . وكذا مصطلح (لا بأس به ) عند الإمام ابن معين ،فإنه يعني التوثيق في بعض الأحايين ومثاله:
قال أبو زرعة قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم ما تقول في علي بن حوشب الفزاري؟ قال : لا بأس به ، قال: قلت: ولم لا تقول ثقة ولا نعلم إلا خيراً ؟ قال: قد قلت لك إنه ثقة (3) .
وكذا مصطلح ( الحديث الشاذ ) عند الإمامين الحاكم والخليلي.
إذ قال الحاكم في النوع الثامن والعشرين من علوم الحديث :"هذا النوع منه معرفة الشاذ من الروايات ، وهو غير المعلول ، فإن المعلول ما يوقف على علته ، أنه دخل حديثا في حديث ، أو وهم فيه راو أو أرسله واحد ، فوصله واهم ، فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات ، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة" (4) .
__________
(1) انظر من المراجع لذلك على سبيل المثال : "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" لعبدالحي اللكنوي، و"ضوابط الجرح والتعديل" للشيخ د. عبدالعزيز العبدالطيف ، و"ضوابط الجرح والتعديل عند الإمام الذهبي" لمحمد الثاني بن عمر بن موسى ، و"مصطلحات الأئمة الخاصة" تأليف إبراهيم المديهش.
(2) "ميزان الاعتدال" (ج 1 / ص 6) .
(3) "الشذا الفياح" (1 / ص 269)
(4) "معرفة علوم الحديث "للحاكم (ص 119).(32/11)
وأما أبو يعلى الخليلي فقال :"والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة, أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به"، فجعل الشاذ مطلق التفرد, لا مع اعتبار المخالفة كما عند الأئمة الآخرين (1) .
4- ضرورة تبيان المترجم لوحدات الكيل والوزن الموجودة في نصوص السنة والسيرة النبوية مثل الصاع والمد وغيرها بمصطلحات العصر الحاضر ،فعليه أن يُعَرِّف إضافة لما في كتب أهل العلم بما هو متداول اليوم من وحدات الكيل والوزن.
ويستعان على ذلك بكتاب: (الخراج في الدولة الإسلامية) للدكتور ضياء الدين الريس ، وكتاب: (النظم الإسلامية) للدكتور صبحي الصالح، وكتاب: (الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان) لابن الرفعة الأنصاري، وكتاب: (الفقه الإسلامي وأدلته) للدكتور وهبة الزحيلي ، و (الأموال في دولة الخلافة لعبدالقديم زلوم).
5- ضرورة أن يُعَرِّف المترجم بأسماء البقاع والأماكن المذكورة في السنة والسيرة بالمتعارف عليه هذا الزمن (2) جغرافياً ، إضافة لما هو موجود في كتب معاجم البلدان، مع مراعاة التقسيمات الإقليمية القديمة (3) كاليمن وبلاد الشام والبحرين وفلسطين.
ويستعان على ذلك ببعض الكتب المعاصرة مثل "بلدان الخلافة الشرقية"لكي لسترنج" و"المعالم الجغرافية في السيرة النبوية"، و"المعالم الأثيرة في السنة والسيرة"لمحمد محمد حسن شراب ,و"معالم الحجاز "لعاتق البلادي "وغيرها.
6- ضرورة أن يُعَرِّف المترجم بالمصطلحات المذكورة في كتب السنة والسيرة في المسافات والتباعد بين الأماكن ونحوها ، إضافةً لما هو في تلك الكتب مثل (الفرسخ، والبريد ، والميل ) (4) .
__________
(1) انظر "تدريب الراوي (1/367).
(2) انظر "مقدمة المعالم الأثيرة في السيرة" ص11 .
(3) انظر المصدر السابق .
(4) انظر مقدمة "المعالم الأثيرة في السيرة" ص11 .(32/12)
7- ضرورة معرفة مراتب الجرح والتعديل ودلالاتها عند الأئمة.
فينظر لها كلام ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل" ، والذهبي في مقدمة كتابه "ميزان الاعتدال" ، والعراقي في شرح الألفية ، وابن حجر في مقدمة "تقريب التهذيب" ، وكذا في عدد من كتب علوم الحديث (1) .
8- ضرورة معرفة الألفاظ النادرة في الجرح والتعديل عند الأئمة ومعانيها .
وذلك مبسوط في ثنايا عدد من كتب الرجال، مثل "ميزان الاعتدال" للذهبي، و"هدي الساري" لابن حجر ، و"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" للمعلمي، وألف الدكتور سعدي الهاشمي " شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال".
9- ضرورة معرفة القرائن الموصلة إلى مقاصد الأئمة في مصطلحاتهم في الجرح والتعديل.
ومن أشهرها : أن ينص إمام ناقد على بيان مراده من تلك العبارة ، أو ينص تلميذ من تلاميذه أو مَن بعده مِن الأئمة على بيان المراد ، أو يُعلم بالتتبع والاستقراء لعبارة الإمام مقصده ، أو يعلم مراد الإمام بمعرفة حال الراوي مع النظر في سياقه لعبارته أو عن طريق الرجوع إلى كتب اللغة والأمثال ، أو عن طريق معرفة عوائد الأئمة في ذلك ، أو من خلال جمع كلام الأئمة في الراوي ، أو بسبر أحاديث الراوي، وهذا لا ينهض له إلا جهبذ ناقد (2) .
__________
(1) انظر: "الجرح والتعديل": (2/37) ، و "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص: 133-137)، و"الميزان" للذهبي (1/4)، و"شرح التبصرة والتذكرة" للعراقي (2/2-12)، و"فتح المغيث" للسخاوي (1/361-376) ،و"ضوابط الجرح والتعديل" للدكتور عبد العزيز العبداللطيف (ص: 171-173).
(2) ينظر للقرائن : "مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة" ، للدكتور جمال أسطيري ،و"ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل بين الإفراد والتكرير والتركيب ودلالة كل منها على حال الراوي والمروي" ، للدكتور أحمد معبد عبدالكريم .
وجمع طائفة منها الشيخ إبراهيم بن عبد الله المديهش ، في كتابه : "مصطلحات أئمة الحديث الخاصة ويليها القرائن الموصلة إلى فهم مقاصدهم في عبارات الجرح والتعديل".(32/13)
10- معرفة طبقات الصحابة والرواة (1) ، واختلاف العلماء في مناهجهم فيها، وهي تحتاج إلى معرفة المواليد، والوفيات، ومعرفة شيوخ الراوي وتلاميذه ، وفائدتها: الأمن من تداخل المتشابهين ، كالمتفقين في الاسم، أو الكنية أو نحو ذلك .
فيحتاج على سبيل المثال أن ينظر لمصطلح ابن سعد في كتابه "الطبقات" ، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" ، والفسوي في كتابه :"المعرفة والتاريخ"،وابن حجر في كتابيه: "الإصابة في تمييز الصحابة" و"تقريب التهذيب".
11- معرفة الرموز المستخدمة في كتب الحديث والتراجم ودلالاتها في كل كتاب ، لوجود بعض الفروق بينها بين مؤلف وآخر .
ومثال ذلك أننا نجد من يرمز ب الرمز (ق) ويريد بذلك أن الحديث متفق عليه ، أي رواه البخاري ومسلم ، كما عند السيوطي في كتابه "الجامع الصغير" وغيره ، بينما نجد هذا الرمز عند المزي في كتابه "تحفة الأشراف" وغيره ، وكذا في "تهذيب الكمال وما تعلق به من مؤلفات يدل على ابن ماجه القزويني .
12- البقاء على صيغ الرواية الواردة في التحمل والتحديث ، مع عدم التصرف فيها ، لأن ذلك مما قد يؤثر على الحكم بصحة الحديث.
ومثال ذلك ما كان بصيغة التحديث والسماع ونحو ذلك ،فيبقى على وجهه ، وما كان بصيغة (عن) فيبقيها المترجم على هيئتها وهكذا ،لأثر ذلك في رواية المدلسين الثقات الذين لا تقبل رواياتهم إلا إذا صرحوا بالتحديث في الرواية .
13- الحرص على المعنى التام للمصطلح، وعدم الترجمة الحرفية له، لأنها قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى معنى مغاير للمراد.
14- إبقاء الكلمة أو المصطلح باللغة العربية، مع ترجمة المعنى ؛ ليتمكن الناظر والمراجع من البحث في أصل لغة المصطلح من فهمه والاطمئنان لصحة الترجمة.
الفصل الثاني
المؤثرات على ترجمة مصطلحات علوم السنة والسيرة
__________
(1) انظر: الباعث الحثيث (2/504) ، وفتح المغيث (3/387-391)،وبحوث في تاريخ السنة المشرفة (ص 174 ـ 184) ،و معجم الدكتور الأعظمي .(32/14)
وأهم سبل التغلب عليها
يمكننا القول وفق أغلبية الضوابط السابقة في الفصل الماضي -دون الحاجة لضرب الأمثلة- إن المؤثرات على الترجمة في علوم السنة والسيرة النبوية تؤول إلى أسباب عدة، أهمها:
1- ضعف المستوى العلمي للمترجم في اللغة العربية.
2- ضعف مستواه العلمي في اللغة المراد ترجمتها.
3- عدم معرفة المصطلحات الحديثية عموماً، وأن لبعضها عدة معانٍ.
4- عدم معرفة وفهم المصطلحات الخاصة بالأئمة من أقوال وإشارات في الجرح والتعديل.
5- الترجمة الحرفية للنص دون فهم لمعناه الاصطلاحي ، إذ هي تؤدي إلى معنىً مغاير.
6- ضعف الجانب العقدي من المترجم، مما يؤدي به إلى ترجمة تتنافى مع ما يجب أن يعتقده المسلم.
7- انحراف نهج المترجم في الجانب العقدي عن طريقة أهل السنة والجماعة.
8- عدم اللجوء إلى الطبعات المحققة والمعتمدة عند أهل الفن والمختصين.
9- عدم مراجعة الكتب المبينة والموضحة للمصطلحات الحديثية ومعانيها.
10- عدم مراجعة الكتب المعاصرة في تحديد المعالم الجغرافية والوحدات في الكيل والوزن المذكورة في كتب السنة والسيرة النبوية.
سبل التغلب عليها:
إن سبل التغلب على تلك المعوقات والمؤثرات على الترجمة عديدة، أوجزها بما يلي:
1- استشارة أهل العلم قبل الشروع في أي مشروع للترجمة لمعرفة الأسلم في ذلك.
2- إن من أمثل السبل أن تتولى اختيار الكتاب المراد ترجمته مؤسسة علمية أكاديمية موثوق بها أو بإشارة أهل العلم والاختصاص .
3- اختيار لجنة لتقوم بأعمال الترجمة، حتى لا تكون فردية، وتتولى المراجعة فيما بينها لضمان السلامة في الترجمة.
4- يتولى الترجمة متمكن من الباحثين ، ممن له دراية باللغتين العربية واللغة المراد الترجمة إليها ، ويكون له الباع في أساليبها اللغوية.
5- يقوم بالترجمة متمكن من فهم المصطلحات الحديثية، ومن المصطلحات المعاصرة؛ لتلافي الأخطاء في الترجمة أو الإقلال منها.(32/15)
6- على المترجم الاستشارة المستمرة، وعدم التردد في سؤال المختصين عمَّا يشكل عليه.
7- تتولى لجنة علمية مختصة خارج نطاق المترجمين مراجعة الترجمة بعد ذلك.
8- تقييد أسماء المترجمين والمراجعين؛ لتحمل المسؤولية في ذلك، وليكون حافزاً على الإتقان في العمل.
9- عقد دورات علمية متمكنة في علوم الحديث للمترجمين قبل الشروع في الترجمة فيما يتعلق بالمصطلحات حتى يكونوا على بصيرة بها .
10- الحرص على إبقاء النص العربي في المصطلح مع دلالاته واستخداماته أمناً من الخطأ ، وليكون وثيقة علمية أصيلة يرجع إليها عند الحاجة.
الفصل الثالث
نماذج من ترجمة مصطلحات علوم السنة
المضمنة في كتاب " معجم لغة الفقهاء "
لقد تناول كتاب "معجم لغة الفقهاء" المؤلف باللغتين العربية والإنجليزية كما هو على طرّته (1) ، من تأليف كل من : الدكتور محمد رواس قلعة جي ، والدكتور حامد صادق، المصطلحات الخاصة بلغة الفقهاء .
ولقد أحسنا - جزاهما الله خيراً - في هذا الطرح ، كما أجادا جداً في الجمع بين المصطلح وتعريفه باللغة العربية إلى جانب ترجمته إلى اللغة الإنجليزية.
وكان من ضمن ذلك عددٌ من مصطلحات علوم السنة النبوية ، ولهذا رأيت إدراج دراسة لنماذج منها في هذا البحث ، علها تكون عوناً للتأكيد على مراعاة الضوابط الخاصة بترجمة مصطلحات الحديث .
ولقد بلغت المصطلحات الحديثية في المعجم المذكور (33) مصطلحاً ، وذلك لكون الكتاب منصباً على المصطلحات الفقهية، وهناك مصطلحات حديثية كثيرة جداً لم تذكر بالمعجم المذكور ، لكونه كاسمه مختصاً بلغة الفقهاء .
__________
(1) وقالوا أيضاً في المقدمة ص5: وقد رددنا هذه الكلمات الاصطلاحية إلى أصولها اللغوية، وأثبتنا تعريفها اللغوي، ثم أردفناه بمراد الفقهاء اصطلاحا، ثم حاولنا إثبات ما يقابل هذه المصطلحات قديمها وحديثها باللغة الانجليزية أولاً ، فإن أعيانا المراد الانكليزي لجأنا إلى ما توفر لدينا من المصطلح الفرنسي.(32/16)
وأما المصطلحات التي ذكرت فهي :
الآحاد ، اتصال السند ، الأثر ، الحديث المرسل ، أهل الأثر ، أهل السنة ، التابعي ، التدليس ، الحديث عند المحدثين ، الحديث القدسي ، السنة عند المحدثين: إما قولية ، وإما فعلية ، وإما تقريرية وإما وصفية ، سند الحديث ، الحديث الشاذ ، الصحابي ، الحديث الصحيح ، الضابط ، الحديث الضعيف ، الإسناد العالي ، العدل ، المتابعة ، الحديث المتروك ، الحديث المتصل ، الحديث المتواتر ، المحدث ، المرسل ، الحديث المسلسل ، المسند ، الحديث المسند ،المشهور ، الحديث المعل ، المعنعن ، الحديث المقطوع ، الحديث المنكر ، وضع الحديث.
وبعد النظر في المصطلحات السابقة ، وشرح المؤلفين الفاضلين لها باللغة العربية ، وترجمتها إلى للغة الإنجليزية ، يمكننا قول ما يلي :
أولاً:
صحة التعريف بالمصطلح باللغة العربية كما في تعريفاتهم لحديث الآحاد ، والحديث ، والسنة عند المحدثين ، والحديث الصحيح .
ثانياً:
عدم ذكر ما يحمل المصطلح من جميع المعاني والأقسام عند أهل الاختصاص أصالة باللغة العربية.
فالأثر مثلاً عندما عرفوه قالوا :
الأثر : ما نسب إلى الصحابة من الأقوال أو الأفعال. معجم لغة الفقهاء ( ص 42).
فحصل بهذا التعريف تقييده بأقوال وأفعال الصحابة فقط ، وهذا القول عزاه ابن الصلاح – رحمه الله - إلى الخراسانيين فإنهم يسمون الموقوف أثراً ، وكذا يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضاً ، وعن أبي القاسم الفوراني أنه قال: الخبر ما كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأثر ما كان عن الصحابي (1) .
ولذا يسمي كثير من العلماء الكتاب الجامع لما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالسنن والآثار " ككتابي " السنن والآثار " للطحاوي، والبيهقي وغيرهما. والله أعلم.
__________
(1) تَدْريب الرَّاوِي (ج 1 / ص 125).(32/17)
كما يطلق أيضاً أهل الحديث الأثر على المرفوع والموقوف ، لأنه مأخوذ من أثرت الحديث أي رويته (1) .
فظهر بذلك أن الأثر له استخدامات عند المحدثين فقد يشمل المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يختص بالموقوف على الصحابي وغيره .
وعند تعريفهم للضابط قالوا :
الضابط : الحافظ المتقن ، معجم لغة الفقهاء ( ص 281).
فلم يذكروا في التعريف الضبط وأقسامه.
إذ الضبط: ضبط الصدر وهو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتب وهو صيانته لديه منذ سمع فيه وصحبه، إلى يؤدي منه " (2) .
ولما ذكروا الإسناد العالي قالوا:
الإسناد العالي في الحديث: الذي قل عدد رجال سنده في الطريق. معجم لغة الفقهاء ( ص 301).
فقد اقتصروا على قلة عدد رجال الإسناد فقط ، بينما العلو عند المحدثين يتناول عدة جوانب منها (3) :
القرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنها العُلُو النِّسبي وهو القرب إلى إمام حافظ، أو مصنف، أو بتقدم السماع.
ولما ذكروا المتابعة قالوا:
المتابعة في الحديث: أن يوافق راوي الحديث راوياً آخراً برواية ذلك الحديث عن شيخه أو عمن هو فوق شيخه. معجم لغة الفقهاء ( ص 401).
فلم يعرفوا المتابعة بأنواعها (4) ،إذ المتابعة إما أن تكون تامة وإما أن تكون قاصرة.
فالمتابعة التامة :مشاركة الراوي غيره في رواية حديث ما من أول السند إلى منتهاه.
__________
(1) المصدر السابق (ج 1 / ص 125) .
(2) "نخبة الفكر" ص 83، وانظر لمباحث الضبط :"توضيح الأفكار" (1/8)، و"نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" ص 83، و"فتح الغيث" ص 16، و"الكفاية في علم الرواية" ص 93.
(3) انظر : "الباعث الحثيث" ، و"تدْريب الرَّاوي" : النوع التاسع والعشرون معرفة العالي والنازل، و"قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث" (ص93) .
(4) انظر لها : "تدريب الرَّاوي" (ج 1 / ص 182) ، و"توجيه النظر إلى أصول الأثر"(ص 493).(32/18)
والمتابعة القاصرة : مشاركة الراوي لغيره في رواية حديث ما خلال أي طبقة من طبقات الإسناد (من غير بدايته ) إلى منتهاه.
ولما عرفوا الحديث المعل قالوا :
الحديث المعل: الذي اطلع على علة فادحة في متنه مع أن الظاهر السلامة منها. معجم لغة الفقهاء (ص 442)
ففي هذا التعريف حصروا وجودها في المتن فقط.
بينما العلة عند المحدثين قد تكون في السند ، وقد تكون في المتن ، وقد تقع فيهما معاً ، كما هو في كتب العلل والتخريج وعلوم الحديث وغيرها (1) .
ثالثاً:
هناك تعريفات باللغة العربية على خلاف الصواب ، مثل الحديث القدسي عرف بما يلي:
الحديث القدسي: ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، ويكون معناه من الله أوحاه لرسوله بالإلهام أو المنام، ولفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجعلوا بهذا التعريف لفظ الحديث القدسي من الرسول صلى الله عليه وسلم.
بينما الحديث القدسي الصحيح (2) : ما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى،من غير القرآن ، ويكون لفظه ومعناه من الله سبحانه وتعالى.
ولا ينحصر الحديث القدسي في كيفية من كيفيات الوحي، بل يجوز أن ينزل بأي كيفية من كيفياته كرُؤيا النوم، والإلقاء في الروع، وليس هو بمعجز، ولم نؤمر بالتعبد بتلاوته ، والحديث القدسي لم يبلغ إلينا كله بالتواتر، بل يوجد في الأحاديث القدسية ما لم يثبت أيضاً.
رابعاً:
__________
(1) انظر:"النكت على مقدمة ابن الصلاح" (ج 2 / ص 746) ، و"قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث"(ج 1 / ص 107).
(2) انظر: "فتح المغيث" (1/8)، و"تدريب الراوي" (1/42)، و"الرسالة المستطرفة" (ص 184 ـ 185) ، و"معجم مصطلحات الحديث " للدكتور الأعظمي ص 131-132، وبحث الدكتور عبدالغفور البلوشي في الحديث القدسي.(32/19)
ترجمة صحيحة للمصطلح تدل على صحة معناه الاصطلاحي (1) ، وقد يكون هناك مجال للاجتهاد في التعبير عن المقصود بالمصطلح من خلال الترجمة.
ومثالها :اتصال السند.
في المعجم ص 41:
اتصال السند في الحديث: عدم سقوط أي راو منه.
Connected chain of transmission of Hadith
ويرى الأستاذ محمود مراد أن الأوضح في الدلالة لمن لم يعرف المصطلح باللغة العربية أن يقال :
Complete and unbroken chain of transmitters
ومثله بيانهم للسنة وأنواعها.
في المعجم ص 250 – 251:
السُّنَّة.
بضم أوله وفتح ثانيه: ج سنن، الطريقة والسيرة.
وعند المحدثين: ما أثر عن رسول الله من قول أو فعل أو تقدير أو صفة وعلى هذا فالسنة إما قولية...Prophet,s sayings
وإما فعلية:...Prophet, s doing
وإما تقريرية:...Practica tacitly approved by the Prophet
وإما وصفية...Prophet,s descriptive
بينما يرى الأستاذ محمود أن الأنسب في الترجمة للقولية ب Verbal
·?Practicalوللفعلية ب
·?Descriptiveوللوصفية ب
·?Sanctionedوللتقريرية ب
وكذا ترجمتهم ل ( سند الحديث)
في المعجم ص 251 :
سند الحديث: سلسلة الرجال الذين نقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
Chain of authorities on which tradition is
based
ومن وجهة نظر الأستاذ محمود أن الترجمة التي تعطي الدلالة الكافية للمعنى هي:
The chain of narrators who transmitted the Prophet's statements to others.
خامساً:
ترجمة للمصطلح باللغة الإنجليزية لا تدل على معناه .
مثل :ترجمة حديث الآحاد.
الآحاد:
__________
(1) ما حررته في رابعاً وخامساً تفضل بمراجعته ، وإعطاء البديل للترجمة إلى الإنجليزية الأستاذ الشيخ محمود مراد - جزاه الله خيراً - ، وهو مختص بالترجمة للإنجليزية ،وتولى مراجعة عدد من الكتب بالانجليزية من منشورات وزارة الشؤون الإسلامية، ويقدم برنامج تفسير القرآن الكريم بالإنجليزية في القناة الأولى بالسعودية.(32/20)
في المعجم ص 36 :
الآحاد : بالمد والتحريك من الواحد .
حديث الآحاد : الحديث الذي لم تبلغ طرقه حد التواتر. SingIe
فهذه الترجمة تدل على المفرد أو الفرد فقط ، ولا تشمل ولا تفيد حديث الآحاد الاصطلاحي ، وهو الحديث الذي لم يبلغ درجة التواتر ، الذي يشمل العزيز والمشهور.
سادساً:
ترجمتهم للمصطلح فقط ، دون توضيح لمعناه:
كما في ترجمتهم للحديث الشاذ.
في المعجم ص 255:
الحديث الشاذ : الحديث الذي خالف راويه الثقة سائر الرواة الثقاة في روايته له.
Irregular tradition
وهذه ترجمة لكلمتي (الحديث الشاذ) دون بيان لترجمة معنى المصطلح
وأما ترجمة الحديث الشاذ فهي:
Whose trustworthy transmitter disagrees with the rest of trustworthy transmitters. ...
مع ملاحظة أن الشاذ يكون أيضاً بمخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
وكذا ترجمة مصطلح (الحديث الضعيف).
في المعجم ص 284:
الحديث الضعيف : ما اختل فيه شرط من شروط الصحيح.
Doubtful tradition
فهذه ترجمة للمصلح دون ترجمة شرحه.
ومثله : ترجمة مصطلح (الحديث المتروك).
في المعجم ص 402:
الحديث المتروك : هو الذي يرويه من يتهم بالكذب ولا يعرف ذلك الحديث إلا جهته ، ويكون مخالفا للقواعد العامة.
Disregarded hadith
وهي ترجمة لا تشمل تعريف الحديث المتروك اصطلاحاً:
والترجمة الموضحة لمعنى الحديث المتروك هي :
Dicarded tradition, which is transmitted by a person accused of lying
فهذه وأمثالها لا تعطي دلالة على التعريف الاصطلاحي ، بل هي ترجمة للمصلح دون تبيان لمعناه.
سابعاً:
بعض المصطلحات لم تترجم إلى اللغة الإنجليزية ، فكتبت بالفرنسية كما نصوا في المقدمة (1) .
مثالها:
الإسناد العالي .
في المعجم ص301:
الإسناد العالي في الحديث: الذي قل عدد رجال سنده في الطريق.
الواحد
Le hadith haut(F)
__________
(1) ص5 حيث قالوا :...فإن أعيانا المراد الانكليزي لجأنا إلى ما توفر لدينا من المصطلح الفرنسي.(32/21)
وكذا التدليس.
في المعجم ص 126:
عند المحدثين: أن يروي عمن لقيه ولم يسمع منه، أو يروي عن شخص يوهم أنه غيره.
Maquillage(F)
ثامناً:
مصطلحات لم تترجم إلى اللغة الإنجليزية.
مثل المتابعة في ص 401.
وخلاصة ما ظهر لي فيما يتعلق بالترجمة من خلال ترجمتهم للمصطلحات الحديثية بالإنجليزية ، أنهم حرصوا على ترجمة المصطلح، دون توضيح لمعناه ، فالترجمة بهذا بحاجة إلى شرح لهذا المصطلح ، مع التأكيد على ضرورة اختيار شرح المصطلح ودلالاته، كما هو عند أهل الاختصاص، والله الموفق.
توصيات الباحث:
يوصي الباحث في ختام هذا البحث بعدة أمور يلخصها فيما يلي:
1- ضرورة عناية المسلمين باللغة العربية والحرص عليها، لتكون عوناً لهم على فهم القرآن وتدبره، وفهم السنة والسيرة النبوية، ونهج سلف الأمة.
2- تتولى الترجمة مؤسسات أكاديمية موثوق بسلامة منهجها، ومختصة بالسنة والسيرة النبوية، وحبذا لو أُسند هذا الأمر إلى الجمعية العلمية للسنة والسيرة النبوية طالما أنها تولت إقامة هذه الندوة المباركة.
3- ضرورة قيام لجنة علمية تعنى بتحرير المصطلحات الحديثية وأبرزها تمهيداً لترجمتها، ثم اعتمادها من أهل الاختصاص تمهيداً لترجمتها للغات الأخرى.
4- الرجوع إلى أهل الاختصاص في انتقاء الكتب وتحديد طبعاتها في السنة والسيرة النبوية لترجمتها .
5- ضرورة العناية بمصطلحات علوم السنة والسيرة النبوية في هذا العصر وترجمتها إلى اللغات الحية ، لتكون عوناً على فهم الكتاب والسنة ، والإسلام الصافي مما علق به.
6- ضرورة معرفة القائمين على الترجمة لمصطلحات علوم الحديث ، وتوضيح معانيها المحتملة أو المتعددة ،ومعرفة الكتب والوسائل المعينة على ذلك.
7- الحرص على الرجوع للمصدر الأصلي، لزيادة التوثيق، لمن يريد الفهم الحقيقي للمصطلحات، لأن الاطمئنان للترجمة مهما بلغ لا يغني الإنسان عن مراجعة الأصل.(32/22)
8- إقامة دورات علمية خاصة لمن تُسند إليهم الترجمة حسب طبيعة المادة المراد ترجمتها.
ختاماً:
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق هذه الندوة ويكللها بالنجاح لما ينفع الإسلام والمسلمين في كل مكان ، وأن تكون عوناً على فهم غيرهم للإسلام على الوجه الصحيح، وأن يوفق القائمين على"الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها" للمزيد من خدمة السنة والسيرة النبوية في مجالات متعددة في أنحاء المعمورة، وأن يكتب لهم ولكل من أسهم في إقامة هذه الندوة الأجر والمثوبة.
والحمد لله رب العالمين.
مصادر البحث
· القرآن الكريم
· الأحاديث القدسية ، للدكتور عبدالغفور البلوشي، منشور ضمن مجلة البحوث الإسلامية لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
· أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، لمحمد أمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية،ط1408هـ.
· اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق وتعليق د.ناصر العقل، طبعة جديدة مصححة ومنقحة، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية.
· الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث تأليف الحافظ ابن كثير، شرح العلامة أحمد شاكر، تعليق الشيخ ناصر الألباني تحقيق الشيخ علي الحلبي، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 1415هـ .
· بحوث في تاريخ السنة المشرفة ، للدكتور أكرم ضياء العمري، طبع عام 1975هـ.
· البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها .
· تاج العروس.
· التبصرة والتذكرة "شرح ألفية العراقي" للشيخ زكريا الأنصاري، دار الكتب العلمية، بيروت،لبنان.
· بلدان الخلافة الشرقية ، لكي لسترنج وترجمة بشير برنسيس وكوركيس عواد، نشر مؤسسة الرسالة ، ط2 ، 1405 هـ.
· تاج العروس من جوهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي.(32/23)
· تدريب الرَّاوي في شرح تقريب النواوي للحافظ السيوطي، مراجعة وتعليق د.أحمد معبد، تحقيق أبي معاذ طارق بن عوض الله، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1424هـ .
· ترجمة القرآن الكريم بين الحظر والإباحة ، رسالة ماجستير للباحث، محمد محمود كالو.
· تفسير معاني القرآن الكريم، مقتبس من تفسير الطبري وابن كثير وصحيح البخاري،للدكتور تقي الدين الهلالي ، الطبعة الأولى.
· توجيه النظر إلى أصول الأثر، للشيخ طاهر الجزائري الدمشقي.
· توضيح الأفكار شرح لمعاني تنقيح الأنظار، للصنعاني، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ.
· جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لمحمد بن جرير الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر.
· جامع الترمذي، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، نشر المكتبة الإسلامية.
· الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور محمود الطحان، نشر مكتبة المعارف للرياض، طبعة 1403هـ .
· الجرح والتعديل للحافظ ابن أبي حاتم الرازي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد بالهند، الطبعة الأولى 1371هـ.
· دراسة حديث:نضر الله امرأً .. رواية ودراية" ، للشيخ عبدالمحسن العباد، مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ، طبع دار التوحيد،الرياض، 1428 هـ.
· الرسالة المستطرفة في بيان كتب السنة المشرفة، للكتاني.
· الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ، للإمام محمد بن عبدالحي اللكنوي الهندي، تحقيق عبد الفتاح أبي غدة، نشر مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب.
· الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح تأليف الشيخ برهان الدين الأبناسي، تحقيق صلاح فتحي هلل، نشر مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى148هـ.
· شرح علل الترمذي ، لابن رجب، تحقيق نور الدين عتر، نشر وطباعة دار الملاح، الطبعة الأولى1398هـ .(32/24)
· الصحاح في اللغة، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، طبع على نفقة المحسن السيد حسن عباس الشربتلي، الطبعة الثانية، 1402 هـ.
· ضوابط الجرح والتعديل ، للدكتور عبد العزيز العبداللطيف من مطبوعات الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى1412هـ.
· علل الأحاديث، لابن أبي حاتم الرازي، دار المعرفة، بيروت، 1405هـ - 1985م.
· علوم الحديث لابن الصلاح، المطبوع مع التقييد والإيضاح، نشر وطباعة دار الحديث بيروت، الطبعة الثالثة 1409هـ.
· فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي السخاوي ، نشر دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 1403هـ.
· قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ، لجمال الدين القاسمي.
· الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، نشر دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، طبعة 1409هـ.
· لسان العرب، لابن منظور، دار المعارف، القاهرة.
· مجلة راتا (الإلكترونية) ، للترجمة واللغات ، العدد الرابع.
· مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم، طبع تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية، عام 1416هـ.
· المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، للرامهرمزي.
· المستدرك على الصحيحين،للحاكم النيسابوري،نشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة بالرياض،مصورة عن الطبعة الهندية.
· مصطلحات أئمة الحديث الخاصة ويليها القرائن الموصلة إلى فهم مقاصدهم في عبارات الجرح والتعديل ، لإبراهيم المديهش.
· مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة ، للدكتور جمال أسطيري، دار أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ.
· المعالم الأثيرة في السنة والسيرة ، تأليف محمد محمد حسن شراب ، دار القلم والدار الشامية ، ط1 ، 1411هـ-1991م .
· معجم لغة الفقهاء ،عربي انجليزي ، تأليف الدكتور محمد رواس قلعة جي، و الدكتور حامد صادق، دار النفائس بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ .(32/25)
· معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد، للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي، نشر مكتبة أضواء السلف، الطبعة الأولى،1420هـ .
· معرفة علوم الحديث للحاكم، تصحيح وتعليق د.معظم حسين، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، الطبعة الثانية، 1397هـ.
· مقدمة ابن الصلاح .
· منهاج السّنّة ،لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
· الموقظة في علم مصطلح الحديث للذهبي، عناية عبد الفتاح أبي غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب الطبعة الثانية، 1413هـ.
· ميزان الاعتدال في تقد الرجال ، للذهبي ، تحقيق علي محمد البجاوي ، نشر دار المعرفة، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى، 1382هـ.
· نخبة الفكر ،انظر نزهة النظر.
· نزهة النظر شرح نخبة الفكر ، لابن حجر ،دار ابن الجوزي ، تحقيق علي بن حسن،الطبعة التاسعة ، 1427هـ.
· النكت على مقدمة ابن الصلاح ، لابن حجر ، تحقيق ودراسة الدكتور ربيع المدخلي ، من منشورات الجامعة الإسلامية ،بالمدينة ، الطبعة الأولى، 1404هـ.
· النهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير ، تحقيق محمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية، بيروت .(32/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
السيرة الذاتية
? الاسم : د.عاصم بن عبد الله بن إبراهيم الخليلي القريوتي.
? تاريخ الولادة: عام 1374هـ - 1954م.
? الجنسية: أردنية.
? المؤهل العلمي: الدكتوراه في الحديث النبوي الشريف.
? سنة الحصول عليها: 1402 هـ - 1983 م
? الدرجة العلمية الحالية: أستاذ مشارك
? العمل الحالي : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – كلية أصول الدين.
? المؤلفات والتحقيقات المطبوعة:
1. قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر (صديق حسن خان تحقيق).
2. الاتباع لابن أبي العز الحنفي ( تحقيق بالاشتراك مع الشيخ ( عطاء الله حنيف رحمه الله ).
3. الإسناد من الدين ومن خصائص أمة سيد المرسلين.
4. وجوب التثبت في الرواية.
5. كذبة إبريل أصلها التاريخي وحكمها الشرعي.
6. تعريف أهل بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر العسقلاني ( تحقيق ).
7. شرح قصيدة الحافظ أبي محمود المقدسي في المدلسين.
8. حديث صلاة الاستخارة دراية ورواية.
9. كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى (ترجمة لستة من الجهابذة العلماء و هم : محمد الجوندلوي و محمد عطاء الله حنيف البوجياني و حماد بن محمد الأنصاري و عمر بن محمد الفلاني و عبد العزيز بن باز و محمد ناصر الدين الألباني رحمهم الله جميعا).
10. تصحيح حديث البراء بن عازب في رد الروح إلى الجسد عند سؤال الملكين.
11. جهالات خطيرة في قضايا اعتقادية خطيرة كثيرة.
? قدمت لبعض الكتب العلمية وراجعت قسماً آخر.
? أشرفت وناقشت عدداً من رسائل الماجستير والدكتوراة في علوم الحديث و التفسير و العقيدة و السيرة النبوية.
? عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها,وهيئة الإشراف على موقعها SUNNAH.ORG.SA .WWW
? لي عدد من البحوث والمقالات في مجلات مختلفة.
? لي تحقيقات قيد المراجعة والتحرير يسر الله أمرها وإخراجها بمنه وكرمه.
? لي موقع باسم :"شبكة الإسناد" WWW.ALESNAD.NET
? رقم الهاتف: 504365330-00966(33/1)
? العنوان على البريد الالكتروني:
alqaryoti@gmail.com
al_qaryoti@hotmail.com(33/2)
ببلوغرافيا للمؤلفات الخاصة بالسنة النبوية باللغة الهولندية
كتب العقيدة:
1. 200 سؤال وجواب في العقيدة – حافظ بن أحمد الحكمي
2. الأصول الثلاثة وأدلتها – محمد بن عبد الوهاب
3. شرح الأصول الثلاثة وأدلتها – عبد العزيز بن عبد الله بن باز
4. مختصر العقيدة الإسلامية – محمد بن جميل زينو
5. كتاب التوحيد – صالح بن فوزان الفوزان
6. أسباب زيادة الإيمان ونقصانه – عبد الرزاق العباد
7. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – عبد الرحمان بن حسن آل الشيخ
8. شرح لمعة الإعتقاد - محمد بن صالح العثيمين
9. أشراط الساعة الصغرى والكبرى – عز الدين حسين الشيخ
10. الملائكة الأبرار - عمر الأشقر
11. علامات الساعة – ابن كثير
12. الترهيب من النار – ابن رجب الحنبلي
13. القيامة الكبرى – عمر الأشقر
14. عذاب القبر - ابن رجب الحنبلي
15. عالم الجن والشياطين – عمر الأشقر
كتب الحديث:
16. الأربعون النووية - الإمام النووي
17. مذكرة الحديث النبوي - ربيع المدخلي
18. أربعون حديثاً قدسياً
19. مختصر صحيح البخاري - ابن أبي جمرة
20. مختصر رياض الصالحين - الإمام النووي
21. شرح رياض الصالحين – محمد بن صالح العثيمين (الجزء الأول)
الفقه:
22. منهاج المسلم – أبو بكر الجزائري
23. شرح أركان الإسلام والإيمان وما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه – محمد بن جميل زينو
24. الحلال والحرام - يوسف القرضاوي
25. توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع - محمد بن جميل زينو
26. 33 سبباً للخشوع في الصلاة - محمد صالح المنجد
27. الصلاة في الإسلام - أبو بكر الجزائري
28. صلاة الإستخارة – عبد الله الحمادي
29. أحكام سجود السهو – محمد بن صالح العثيمين
30. كانوا قليلا من الليل ما يهجعون – محمد العريفي
31. صفة صلاة النبي – محمد ناصر الدين الألباني
32. مختصر صفة صلاة النبي – محمد ناصر الدين الألباني
33. مناسك الحج والعمرة - محمد ناصر الدين الألباني(34/1)
34. 48 سؤالاً في الصيام - محمد بن صالح العثيمين
35. أحكام الصيام - سالم العجمي
36. صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان – سليم الهلالي ، علي حسن عبد الحميد
37. الصيام في الإسلام - أبو بكر الجزائري
الدعاء والذكر:
38. حصن المسلم – سعيد بن وهف القحطاني
39. الدعاء ويليه العلاج بالرقى من الكتاب والسنة - سعيد بن وهف القحطاني
40. الدعاء المستجاب – أحمد عبد الجواد
الزواج والأسرة المسلمة:
41. شخصية المرأة المسلمة – محمد علي الهاشمي
42. شخصية المسلم - محمد علي الهاشمي
43. تحفة العروس – الإستانبولي
44. الزواج في الإسلام - أبو بكر الجزائري
45. عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أسماء المرابط
46. فتاوى المرأة – مجموعة من العلماء
47. فتاوى الطفل المسلم – مجموعة من العلماء
مواضيع متفرقة:
48. مختصر شعب الإيمان للبيهقي – عمر القزويني
49. إنما الأعمال بالنيات – النور للنشر
50. مبادئ الإسلام – محمد علي الخولي
51. الطب النبوي - السيوطي
52. رسالة الإسلام – أبو الأعلى المودودي
53. الكبائر – الإمام الذهبي
54. لحظات ساكنة – عبد المالك القاسم
55. الأحراز العشرة – ابن قيم الجوزية
56. مداخل الشيطان لإفساد القلوب – وحيد عبد السلام بالي
57. ظاهرة ضعف الإيمان .. الأسباب والظواهر – محمد صالح المنجد
58. لمحة على الفرق الضالة – صالح بن فوزان الفوزان
59. مختصر عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين – الإمام ابن قيم الجوزية
60. الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار - وحيد عبد السلام بالي
61. كيف نتوب إلى الله – ابن رجب الحنبلي
62. أريد أن أتوب ولكن ... - محمد صالح المنجد
63. مدخل لمعرفة الإسلام – يوسف القرضاوي
64. شبهات حول الإسلام – محمد قطب
65. التحصينات الإيمانية ضد المداخل الشيطانية - وحيد عبد السلام بالي
66. وسائل الثبات على دين الله - محمد صالح المنجد(34/2)
67. فتاوى وأحكام إلى الداخلين في الإسلام – علي بن حسين
68. علاج الهموم - محمد صالح المنجد
69. محرمات استهان بها كثير من الناس - محمد صالح المنجد
70. أين أنت غدا – سالم العجمي
71. تفسير آية الكرسي - محمد بن صالح العثيمين
72. التبيان في آداب حملة القرآن – الإمام النووي
ببلوغرافيا للمؤلفات الخاصة بالسيرة النبوية باللغة الهولندية
1. قصص من القرآن – ابن كثير
2. الرحيق المختوم – صفي الرحمان المباركفوري
3. سيرة الخلفاء الراشدين – ابن كثير ، الطبري ، السيوطي
4. الأساليب النبوية في علاج الأخطاء - محمد صالح المنجد
5. السيرة النبوية - علي الندوي
6. قصص الأنبياء – ابن كثير
7. قصص النبيين – علي الندوي(34/3)
السيرة الذاتية
العنوان: ... Botteskerksingel 34 – 4
1069 XV Amsterdam
The Netherlands
رقم الهاتف: 0031641718998
البريد الإلكتروني: mohamedbendaoud@hotmail.com
البيانات الشخصية:
الاسم: ... ... ... محمد بن داود
الحالة الإجتماعية: ... متزوج
الجنسية: ... ... هولندية
تاريخ الميلاد : ... ... 3 - 2 – 1979
مكان الميلاد: ... ... أمستردام – هولندا
المؤهلات العلمية:
دراسة عليا تكوين الأساتذة، علم الإقتصاد، الجامعة الحرة بمدينة أمستردام
ماجستر اقتصاد من الجامعة الحرة بمدينة أمستردام
باكالوريوس اقتصاد من ثانوية كالاند بمدينة أمستردام
الخبرات العملية:
? أستاذ إقتصاد بثانوية أمستردام منذ سنة 2003
? مؤسس دار أهل الحديث لنشر وترجمة الكتب الإسلامية باللغة الهولندية
? صاحب شركة بيع الكتب والملابس والمواد الإسلامية.
الخبرات في مجال الترجمة الإسلامية:
لقد قمت بحمد الله ومنته بترجمة وطباعة ونشر الكتب التالية إلى اللغة الهولندية:
1. توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع – الشيخ محمد بن جميل زينو (الترجمة دون الطباعة والنشر، بعكس باقي الكتب التي قمت بطباعتها ونشرها)
2. شرح أركان الإسلام والإيمان وما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه - الشيخ محمد بن جميل زينو
3. مناسك الحج والعمرة – الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
4. الأصول الثلاثة وأدلتها – لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
5. فتاوى الطفل المسلم – مجموعة من العلماء
6. فتاوى المرأة المسلمة - مجموعة من العلماء
7. مختصر صحيح البخاري – ابن أبي جمرة
8. مذكرة الحديث النبوي – الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
9. أسباب زيادة الإيمان ونقصانه – الشيخ عبد الرزاق العباد
10. سجود السهو – الشيخ محمد بن صالح العثيمين
11. لمحة عن الفرق الضالة – الشيخ صالح الفوزان
12. مختصر العقيدة الإسلامية - الشيخ محمد بن جميل زينو
13. مختصر صحيح مسلم – الإمام المنذري (في قيد الترجمة)(35/1)
عنوان البحث: دراسة تقويمية لواقع الترجمة المعاصرة للسنة
من خلال دراسة كتاب ترجمة "الأدب المفرد".
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (1)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (2)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (3)
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد (، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (4) .
أ) أهمية السنة
أما بعد: فإن السنة النبوية عامة، وسيرة النبي الكريم ( خاصة، هي من أهم ما يدعي به الناس ويوجهون به في كافة جوانب حياتهم. ولا شك أن التوجيه بالسنة يوفر الدرس العلمي النظري والتطبيقي الرائع العملي، مما يدخل في النفس متعة ولذة لا يعادلها شيء.
__________
(1) سورة آل عمران، آية 102.
(2) سورة النساء، آية 1.
(3) سورة الأحزاب، آية 70_71.
(4) هذه هي خطبة الحاجة التي كان النبي ( يستفتح بها خطبه ودروسه ومواعظه، وللشيخ الألباني ( فيها رسالة قيمة.(36/1)
قال العلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله-: "فإن الاشتغال بحديث رسول الله ( فيه أنس النفوس وراحة القلوب، به يعرف الحق من الباطل، والحلال من الحرام، ويسير به المرء إلى الله على بصيرة، ويرشد غيره إلى أسباب السعادة الدنيوية والأخروية، فسنة رسول الله ( هي الوحي الثاني وهي المفسرة والمبينة للوحي الأول كتاب الله - عز وجل - (1) ، وهما معاً وصية رسول الله ( لأمته من بعده، لذا كان الاشتغال بهذين الينبوعين الصافيين هو أولى ما تعمر به الأوقات، ويقدمه الناصح لنفسه ما زال على قيد الحياة. وأتم عناية بالحديث النبوي ما كانت مستوفية فني الرواية والدراية، فإن العلم كما يقول الزمخشري: ((مدينة أحد بابيها الرواية والثاني الدراية)). وقد دخل سلفنا الصالح هذه المدينة من بابيها فخلفوا لنا ثروة عظيمة هي ما دونوه من حديث رسول الله (، متناً وإسناداً وما استنبطوه من فقهه واستخرجوه من كنوزه.ا.هـ" (2)
__________
(1) لقوله تعالى { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل: 44[.
(2) قاله الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله، في مقدمة كتابه: دراسة حديث:" نضر الله امرءا سمع مقالتي... رواية ودراية".(36/2)
ويتوجب على المسلم الصدع بالسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأمره تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7. [ وفي الاستجابة للسنة حياة للقلوب والأبدان. قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون } وهذه الاستجابة لا تصح إلا مع التسليم التام للسنة، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (1) ولا شك أن الفتنة والوبال والخسران واقعة بمن خالف أمر النبي المتمثل في سنته. قال تبارك وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63[.
ب) أهمية نشر السنة بواسطة الترجمة
وإذ كانت السنة بهذه المكانة العظيمة، فقد لزم كل قادر تبليغها وبيانها للناس. وإن الدعوة إليها محاضرة وقدوة، وأمرا ونهيا، هي من أعظم الواجبات وأجل القربات لقوله تعالى { وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .
قال رسول الله (: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا(. رواه مسلم .
__________
(1) سورة النساء، آية: 65.(36/3)
وقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - سامعي سنته ومبلغيها بدعوة ميمونة مباركة حيث قال (: (نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وأداها كما سمعها (1) ، وهذا يتجه إلى صحابة رسول الله ( أولا، وإلى كل من جاء بعدهم سائراً على نهجهم في الاتباع والدعوة. وهذا لا يختص بمكان أو عرق أو لغة، بل لعل نشر السنة بين الأعاجم، بواسطة ترجمتها بصدق ودقة، له أجر خاص لما فيه من إيصال الحق إلى فئام من الناس ليس لهم سبيل غيره إلى تعلم السنة النبوية.
تعريف الدراسة النقدية:
النقد هو بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته. وفي حين أن النقد الأدبي أو "الفني" يقوم بجانب كبير على ما يسمى بذوق الناقد وإحساسه، فإن النقد العلمي يتميز بقيامه على أسس واضحة مقبولة عند ذوي الاختصاص.
المبحث الأول: الخبرة تتطلب تمكناً وطول باعٍ في الناحيتين: اللغوية، والشرعية.
فهم ما تدل عليه الكلمات فهماً دقيقاً رصينا حتى تتماشى الترجمة مع معاني الأحاديث.
__________
(1) روى هذا الحديث أربع وعشرون صحابيا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكثير من هؤلاء الصحابة - رضي الله عنه - سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى في مسجد الخيف حين خطب فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته - صلى الله عليه وسلم - . وكان هذا الحديث موضوع خطبته. لذلك فالحديث متواتر صحيح إذ تلقاه عنه كثيرون من الصحابة ومن بعدهم تابعيهم ثم تابعي تابعيم - رضي الله عنه - وحشرنا معهم. فضلا راجعي كتاب: دراسة حديث:" نضر الله امرءا سمع مقالتي... رواية ودراية". للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، حفظه الله. الحديث خرجه الشيخ الألباني، في صحيح الترغيب والترهيب المجلد الأول صفحة:104، رقم:4 كتاب الإخلاص، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - . وفي كتاب العلم: حديث رقم 89 صفحة: 147 عن أبي مسعود، وزيد بن ثابت، وأنس، وجبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، بألفاظ مختلفة.(36/4)
إن الفهم الصحيح نعمة (1) : وإن الفقه في الدين لا يتم إلا بطلب وسعي لتحصيله بهمة ونية، قال الله تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ درَجَاتٍ } (2) .
قال القرطبي (3) ( : أن الله يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم "درجاتٍ" أي: درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.أ.هـ
قال ابن القيم (4) (:"
صحة الفهم، وحسن القصد، من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل، ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المُنْعَمِ عليه الذين حسُنَت أفهامُهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم، الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة.
وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى.أ.هـ
المبحث الثاني: نماذج من الأخطاء التي وقع فيها بعض المترجمين في كتب السنة، وبذل الجهد في تصحيحها من خلال دراسة "ترجمة كتاب الأدب المفرد".
يسير هذا البحث على المنهج الاستقرائي والنقدي بحيث يقوم بتتبع ترجمة أحاديث كتاب "الأدب المفرد للإمام البخاري" الذي قام به أصحاب الموقع الإلكتروني إلى اللغة الإنجليزية. http://bewley.virtualave.net/adab4.html#supplicate
وطبعت الترجمة الأولى لهذا الكتاب في الباكستان، وأخرى في بريطانيا.
__________
(1) الشيخ هشام بن فهمي بن موسى العارف. منشورات الدعوة السلفية.
(2) سورة المجادلة.
(3) "الجامع لأحكام القرآن (17/194)".
(4) "إعلام الموقّعين (1/77)".(36/5)
الطبعة الأولى للمؤلف إقبال أحمد أعظمي، وجاء الكتاب في 274 صفحة في غلاف مجلد. طبع في دار UK Islamic Academy
الطبعة الثانية قام بها دار Ishaat في باكستان، ووسموا الكتاب بـ "الأدب في الإسلام"، حيث أضافوا التعليقات إلى الأحاديث، (مجلد 824 صفحة)، ثم ترجمه إلى اللغة الأردية خالد خان غرهي، ومن ثم ترجمه إلى الإنكليزية رفيق عبد الرحمن.
ويحتوي على مطالب:
المطلب الأول: عدم الرسوخ في اللغتين، وخاصة فيما يتعلق بالمصطلحات الشرعية.
تعريف المصطلحات (1) :
من الصعوبة بمكان إعطاء تعريف شامل ودقيق لما يمكننا تسميته بالمصطلحات الإسلامية. وذلك لصعوبة وضع تعريف جامع مانع لمفهوم "المصطلح"، إذ أن أقرب تعريف من هذا النوع هو: كلمة يستعملها أهل فن معين بمعنى خاص بذلك الفن، يتم التواضع عليه عمدا أو من خلال الاستعمال. يقول الجرجاني في (التعريفات): "الاصطلاح إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما، وقيل: الاصطلاح اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى، وقيل: الاصطلاح لفظ معين بين قوم معينين".
يقول القاضي الأنصاري: ".... فلما كانت الألفاظ المتداولة في اصول الفقه والدين مفتقرة إلى التحديد تعين تحديدها، لتوقف معرفة المحدود على معرفة الحد" (2) .
من أجل هذا نتجت بعض الأساليب للتعامل مع المصطلحات الشرعية، منها:
1. الإبقاء على المصطلحات في صورتها الأصلية مع كتابتها بالحرف المناسب للغة المترجم إليها (3) . وفي هذا هروب من المشكلة.
__________
(1) مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، بحوث الندوة، بحث: الألفاظ الإسلامية وأساليب معالجتها في النصوص المترجمة. د. محمود إسماعيل صالح.
(2) كتابه: الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة. ص: 65.
(3) فالصلاة تكتب salaat، والحج يكتب hajj وهكذا.(36/6)
2. إعطاء مقابلات لفظية أجنبية للألفاظ الإسلامية مثل prayerللصلاة، وpilgrimage للحج. ولكن يعترض البعض على ذلك، فالألفاظ الأجنبية لا تنقل تماما المقصود من المصطلح الإسلامي، إذا أن كلمة الصلاة تشمل معان أكثر بكثير من أصل الكلمة بالإنكليزية.
3. اللجوء إلى ما يسمى بثنائيات الترجمة، أي نقل الكلمات العربية بالحرف الأجنبي المناسب ثم إعطاء مقابل له باللغة الأجنبية بين أقواس مثلا. فكلمة "صدقة" قد تكتب هكذا أو بالعكس:
Sadaqah (charity). Or charity (Sadaqah).
4. وضع حاشية فيها تعليقات وشرح لجوانب الاختلاف بين الكلمتين العربية والأجنبية، كي يتضح السياق، ويجلو المعنى ويقرب لفهم القارئ، والذي بدونه لن يستطيع النص الإنجليزي وحده أن يجاري اللغة العربية. وكما هو معروف فإن الجملة تتكون من عنصرين هما التصور والمصطلح، ولابد من التفريق بين الإثنين.
إن دراسة المصطلحات علم قائم بذاته، وهو موضوع مهم جدا، والمصطلحات الشرعية لها مدلولها الخاص في الشريعة الإسلامية، بعد أن كان لها مدلول لغوي معين قبل الإسلام، ولهذا لا بد عند التعامل مع هذه الألفاظ من اتباع منهج ترجمة المصطلحات ذات البعد الثقافي والديني (1) .
المطلب الثاني: عدم الدقة في الأداء اللغوي واستخدام المصطلح الموحد.
- المثال الأول:
__________
(1) مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، بحوث الندوة، بحث: مناهج ترجمة المصطلحات الدينية والشرعية في القرآن الكريم د. عبد بن عبد الرحمن الخطيب.(36/7)
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما تكلم مولود من الناس في مهد إلا عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - ، وصاحب جريج) قيل يا نبي الله وما صاحب جريج؟ قال: (فإن جريجا كان رجلا راهبا في صومعة له، وكان راعي بقر يأوي الى أسفل صومعته، وكانت امرأة من أهل القرية تختلف إلى الراعي، فأتت أمه يوما فقالت: يا جريج! وهو يصلي، فقال في نفسه: وهو يصلي: أمي وصلاتي؟ فرأى أن يؤثر صلاته، ثم صرخت به الثانية، فقال في نفسه: أمي وصلاتي؟ فرأى أن يؤثر صلاته. ثم صرخت به الثالثة، فقال: أمي وصلاتي؟ فرأى أن يؤثر صلاته. فلما لم يجبها قالت: لا أماتك الله يا جريج حتى تنظر في وجه المومسات. ثم انصرفت. فأُتِىَ المَلِكُ بتلك المرأة وَلَدت فقال: مِمَنْ؟ قالت: من جريج، قال: أصاحب الصومعة؟ قالت: نعم، قال: اهدموا صومعته وأتوني به، فضربوا صومعته بالفؤس حتى وقعت، فجعلوا يده إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به فَمُرَّ به على المومسات فرآهن فتبسم وهن ينظرن إليه في الناس، فقال الملك ما تزعم هذه؟ قال: ما تزعم؟ قال: تزعم أن ولدها منك، قال أنت تزعمين؟ قالت: نعم. قال أين هذا الصغير؟ قالوا هو ذا في حِجْرِها. فأقبل عليه فقال: من أبوك؟ قال: راعي البقر.
قال: الملك أنجعل صومعتك من ذهب؟ قال: لا، قال: من فضة؟ قال: لا: قال: فما نجعلها؟ قال: ردوها كما كانت، قال: فما الذي تَبَسَّمْت؟ قال: أمراً عرفتُه، أدركتني دعوة أمي، ثم أخْبَرَهُم) (1)
الترجمة الأصلية:
__________
(1) باب (17) دعوة الوالدين، الحديث 33، صحيح: ]خ: 60- ك الأنبياء، 48- ب{واذكر في الكتب مريم}] مريم: 16[ م: 45 – ك البر والصلة والآداب، ح 7،8[(36/8)
Abu Hurayra reported that he heard the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, say, "No human child has ever spoken in the cradle except for 'Isa ibn Maryam, may Allah bless him and grant him peace, and the companion of Jurayj." Abu Hurayra asked, "Prophet of Allah, who was the companion of Jurayj?" The Prophet replied, "Jurayj was a monk who lived in a hermitage. There was a cowherd who used to come to the foot of his hermitage and a woman from the village used to come to the cowherd.
"One day his mother came while he was praying and called out, 'Jurayj!' He asked himself, 'My mother or my prayer?' He concluded that he should prefer the prayer. She shouted to him a second time and he again asked himself, 'My mother or my prayer?' He thought that he should prefer the prayer. She shouted a third time and yet again he asked himself, 'My mother or my prayer?' He again concluded that he should prefer the prayer. When he did not answer her, she said, 'Jurayj, may Allah not let you die until you have looked at the faces of the beautiful women.' Then she left.
"Then the village woman was brought before the king after she had given birth to a child. He asked, 'Whose is it?' 'Jurayj's,' she replied. He asked, 'The man in the hermitage?' 'Yes,' she answered. He ordered, 'Destroy his hermitage and bring him to me.' They hacked at his hermitage with axes until it collapsed. They bound his hand to his neck with a rope and took him along to the king. When he passed by the beautiful women, he saw them and smiled. They were looking at him along with the people.(36/9)
"The king asked, 'Do you know what this woman claims?' 'What does she claim?' he asked. He replied, 'She claims that you are the father of her child.' He asked her, 'Where is the child?' They replied, 'he is in her room.' He went to the child and said, 'Who is your father?' 'The cowherd,' he replied. The king said, 'Shall we build your hermitage out of gold?' 'No,' he replied. He asked, 'Of silver?' 'No,' he replied. The king asked, 'What shall we build it with?' He said, 'Put it back the way you found it.' Then the king asked, 'What made you smile.' 'Something I recognized,' he replied, 'The supplication of my mother overtook me.' Then he told him about it." (1)
? الزيادة في المبنى بسبب الترجمة الحرفية وضعف اللغة الإنجليزية المترجم إليها حين قال No human child أي: ولا مولود من الناس، ويقصد بذلك "طفل"، فجاءت الترجمة: أي طفل إنساني!!! وهل هناك طفل غير إنساني؟؟
? حذف حرف النداء عند ترجمة "يا نبي الله".
? عدم الوضوح في الترجمة وذلك في قوله: "فرأى أن يؤثر صلاته" جاءت الترجمة مبهمة فقال: "يجب اختيار الصلاة" والصحيح أن معنى الإيثار (2) : أنه آثر شيئا عوضاً عن شيء آخر.
__________
(1) Chapter 17. The Supplication of Parents, hadeeth # 33.
(2) مصدر من فعل: آثر، أي: فَضَّلَ. وبالإمكان ترجمتها إلى: To prefer (to), like (better than), favor, choose to, opt for, think proper, deem wise.(36/10)
? عدم استخدام المصطلح الموحد، بإمكاننا القول أن المترجمين مجمعين على أن معنى المومسات (1) هو prostitutes فلماذا استعاض عن هذا اللفظ الموحد بلفظ لا يَمُتُّ له بأي صلة؟ فقال النساء الجميلات؟؟
? عدم الدقة في الأداء اللغوي، ذلك في قوله "ثم انطلق به فَمُرَّ به على المومسات" جاءت الترجمة: "ولما مَرَّ" (بنفسه، وليس بصيغة فعل مبني للمجهول).
? النقص في المبنى: حيث أسقط فقرة من الحديث:" قال أنت تزعمين؟ قالت: نعم".
? مجموعة من الكلمات المفردة تشترك بصورة عامة في تركيب اللغة الإنجليزية، والتركيب جاء هنا من اسم واسم. قال المترجم "امرأة القرية" ترجمة لنص الحديث: "امرأة من أهل القرية".
? خطأ بسبب سوء الفهم للنص الأصلي، فكلمة "في حجرها لا تعني: غرفتها في النص. بل تعني في حضنها.
الترجمة بعد التصحيح:
Abu Hurayra reported that he heard the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, say, "No child has ever spoken in the cradle except for 'Isa ibn Maryam, may Allah bless him and grant him peace, and the companion of Jurayj." Abu Hurayra asked, "O Prophet of Allah, who was the companion of Jurayj?" The Prophet replied, "Jurayj was a monk who lived in a hermitage. There was a cowherd who used to come to the foot of his hermitage and a woman from the village who used to come to the cowherd.
__________
(1) جمع مومسة، مومس: بنت الهوى: وهي الزانية، وهذا شاهد الباب (دعوة الوالدين)، أي تحذير الولد من إغضابهما، فيدعو أحدهما أو كلاهما عليه.(36/11)
"One day his mother came while he was praying and called out, 'Jurayj!' He said to himself, 'My mother or my prayer?' He concluded that he would choose the prayer over his mother. She shouted to him a second time and he again asked himself, 'My mother or my prayer?' He concluded that he would choose the prayer over his mother. She shouted a third time and yet again he asked himself, 'My mother or my prayer?' He again concluded that he would choose the prayer over his mother. When he did not answer her, she said, 'Jurayj, may Allah not let you die until you have looked at the faces of the prostitutes.' Then she left.
"Then the woman from the village was brought before the king after she had given birth to a child. He asked, 'Whose is it?' 'Jurayj's,' she replied. He asked, 'The man in the hermitage?' 'Yes,' she answered. He ordered, 'Destroy his hermitage and bring him to me.' They hacked at his hermitage with axes until it collapsed. They bound his hand to his neck with a rope and took him to the king. On their way they passed by prostitutes, who were watching along with people. He smiled when he saw them.(36/12)
"The king asked, 'Do you know what this woman claims?' 'What does she claim?', he asked. He replied, 'She claims that you are the father of her child.' He asked her, you claim this? She said: “yes”. He said: 'Where is the child?' They replied, 'It is in her lap.' He turned to the child and said, 'Who is your father?' 'The cowherd,' he replied. The king said, 'Shall we build your hermitage out of gold?' 'No,' he replied. He asked, 'Of silver?' 'No,' he replied. The king asked, 'What shall we build it with?' He said, reconstruct the way it was. Then the king asked, 'but what made you smile.' 'Something I recognized' he replied, 'that my mother’s supplication overtook me.' Then he told him about it."
المطلب الثالث: ضعف دراية المترجم باللغة العربية وقواعدها.
- المثال الأول:
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يَجْزِي وَلَدُ والده إلا أن يجده مملوكا فيشتَريَه فيعتقه) (1) .
الترجمة الأصلية:
Abu Hurayrah related that the Prophet, peace be upon him, said, “The only way a child can repay his/her father or mother is to buy his/her parent’s freedom if he/she finds either of them in bondage.”
? الزيادة في الترجمة، مع إقحام ذاتية المترجم: زاد المترجم في كلمة: أبوه أو أبوها، زاد ضمير النسبة للاسم. ولفظ الحديث هو "والده" ... His/her ...
? هذه الزيادة قد تكون بسبب تأثير المفهوم الفكري (2) للمترجم على الترجمة.
__________
(1) الحديث العاشر، صحيح – الإرواء (1747): ]م:20-ك العتق، ح 25،26[.
(2) وهو ما يعبَّر عنه اليوم بـ "إيديولوجيا" أي: مجموعة نظامية من المفاهيم، المورد، قاموس إنكليزي عربي.(36/13)
? كلمة والد لا تعني فقط الأب، بل قد تعني الأم أو الإثنين معا. والترجمة اختارت لفظا واحدا وهو الأب.Father
?? ضعف وركاكة في تركيب الجملة، حيث قال: الطريق الأوحد للولد ليجزي والده أو والدها هو العتق إن وجدته أو (وجدتها) مملوكا. وهذا تأثرا بحركة تحرير المرأة في الغرب، إذ يرون أن العبارة التي تشير إلى الرجل دون المرأة هي ضد المرأة. ونرى هنا أن المترجم قد تجاوز الحد المعقول إلى درجة مصطنعة تجاوباً مع ذاك الفكر.
الترجمة بعد التصحيح:
Abu Hurayra reported that the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, said, "A child cannot repay his parent unless he finds him enslaved and he buys him, and sets him free."
- المثال الثاني:
عن أبى بردة قال سمعت أبي يحدث (ابن أبي موسى الأشعري، اسمه الحارث وقيل عامر) أنه شهد ابن عمر ورجلُ يماني يطوف بالبيت - حمل أمه وراء ظهره- يقول: إني لها بعيرها (1) المذلل *** إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا ابن عمر أترانى جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة،
ثم طاف ابن عمر فأتى المقام فصلى ركعتين ثم قال: يا ابن أبى موسى إن كل ركعتين تُكّفِران ما أمامهما" (2) .
الترجمة الأصلية:
The Reward for Parents
__________
(1) هو الجمل.
(2) الحديث الحادي عشر، باب (6) جزاء الوالدين. صحيح – الإرواء (1747): ]م:20-ك العتق، ح 25،26[.(36/14)
Sa’id ibn Abu Burdah said, “I heard my father relate that he had observed Ibn Umar while a man from Yemen performed tawaf around the Ka’bah carrying his mother on his back and reciting: ‘I am her lowly beast of burden; if her mount shies away, I will not.’ The man approached Ibn Umar and asked, ‘Do you think I have repaid her?’ Ibn Umar replied, ‘No you are not even close to repaying her.’ Then Ibn Umar performed tawaf and afterwards stopped to pray two cycles at the Place of Ibrahim. When he finished, he said to me, ‘O son of Abu Musa. Every two cycles of prayer will make up for everything that went before them.” (1)
? من أشد أزمات المترجم هو نقل السياق المترجم من الإسمية إلى الفعلية وما يتبعه من تهشيم للتركيب العربي. لأن المباني في اللغة العربية تستوعب كلاً من الجملة الإسمية والفعلية وإن عدم وجود الجملة الفعلية في اللغة الانجليزية مما يضطر المترجم إلى انتهاج هذا السبيل على حساب الجملة الفعلية. وفي هذا المثال نجد ضعفا في تركيب مبنى النص عند ترجمة "باب: جزاء الوالدين"، فجاءت الترجمة "الجزاء للوالدين". والسبب أن المترجم غفل عن إدراك كون الجملة في اللغة العربية تميل في تركيبها إلى الجملة الإسمية، بينما تميل إلى الجملة الفعلية في الإنكليزية.
? عدم الدقة في نقل المعاني الصحيحة، فقد ترجم لفظ "شَهِدَ" (2) إلى كلمة "راقب" مما أدى إلى غموض في المعنى، وتشويش في الفهم عند القارئ. وكأنه يقول: ما سبب مراقبة الصحابي لابن عمر - رضي الله عنه - ؟؟ وما علاقة هذا الأمر بطواف رجل يماني حول الكعبة؟.
__________
(1) Chapter 6. Rewarding the Parents, Hadeeth # 11.
(2) من معانيها: رأى، حضر، أدى الشهادة، المورد، قاموس إنكليزي عربي- إنكليزي. ص: 679. ومن معانيها أيضا: راقب.(36/15)
? عدم الرسوخ في اللغة يؤدي إما إلى نقص أو زيادة في الجملة، وهنا زاد كلمة "رجل من اليمن" مقابل لفظ: "رجل يماني".
? كذلك ترجم لفظ "بعيرُها" : بإحدى الكلمات "دابة، بهيمة، حيوان"، وغاب عنه المعنى الصحيح: جمل= camel.
? عدم فهم ما تدل عليه الكلمات فهماً دقيقاً رصينا حتى تتماشى الترجمة مع نص الحديث. فقد تُرجم لفظ "المذلل" : بإحدى الكلمات "منخفض، وديع، متواضع، حقير" (1) ، وغاب عنه المعنى الصحيح: خاضع، مقهور. والصحيح أن الكلمة بالإنكليزية هي: To Subdue, to submit to
? الترجمة الحرفية مع إهمال تناسق المعنى وترجم لفظ "إن أذعرت ركابُها" إلى "إن أصاب ركابُها الحياء" فأسقط ما يفيد لفظ "ركابُها" وهو الجمل، ثم بدل لفظ "أذعرت" إلى "خجلت، حذرت، استحت، نفرت من، أو تحفظت". والبديل الأمثل لهذا اللفظ –هنا- هو كلمة: Subdued
? يظهر لنا أن المترجم لم يجد ترجمة للفظ "زفرة" فجاء بالمعنى المستفاد من الجملة، فقال: "لا، أنت ما زلت بعيدا" أي عن جزاء الوالدة!!
? خطأ لا تفسير له سوى الإهمال وعدم اتقان العمل، فعل "تُكّفِران" له ترجمة واحدة في الأنكليزية لا ثاني له!! وهو كلمة To expiate ولكن جاءت الترجمة بلفظ أقل دقة واعتناء وهو: to make up for
? أيضا الخطأ نفسه ضعف إتقان العمل، فلفظة "ما أمامهما" ترجمت إلى went before حيث أن هذه الترجمة تجعل القارئ يكرر قراءة الحديث مرات ومرات حتى يفهم المعنى، واللفظ الأدق والأقرب إلى الصحة هو preceded .
? أخطاء في ترجمة الصيغ المشهورة: نلاحظ بوضوح في ترجمة أحاديث كتاب "الأدب المفرد" أن القائمين على الترجمة هم ممن تعود لغتهم الأم إلى لغات أهل شرق آسيا. ودليل ذلك:
جاءت ترجمة لفظ "ركعتين" بكلمة لا تستعمل في هذا المضمون عند ناطقي اللغة الإنكليزية كلغة الأم، هكذا:
__________
(1) وهذه كلها ألفاظ متقاربة المعنى، وبينها فوارق دقيقة.(36/16)
Two cycles (1)
بل يبقى لفظ ركعتين كما هو، ويكتب بأحرف إنكليزية هكذا: ... ... ... ... ... 2 Raka’at
الترجمة بعد التصحيح:
Repaying Parents
Sa'id ibn Abi Burda said, "I heard my father say that Ibn 'Umar saw a Yamani man going around the House while carrying his mother on his back, saying, 'I am her subdued camel. If her mount is frightened, I am not. ' Then he asked, 'Ibn 'Umar? Do you think that I have repaid her?' He replied, 'No, not even for a single groan (during labor).'
"Ibn 'Umar did tawaf and came to the post and prayed two rak'ats. He said, 'Ibn Abi Musa, every two rak'ats expiate all (sins) that preceded them.' (2)
- المثال الثالث:
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) ثلاثا قالوا: بلى يا رسول الله قال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وجلس وكان متكئا (ألا وقول الزور) ما زال يكررها حتى قلت ليته سكت (3) .
الترجمة الأصلية:
__________
(1) وتعني: دور، دورة، مدار، فلك، عصر أو فترة طويلة من الزمن، دراجة هوائية ، دراجة ثلاثية، دراجة بخارية، حلقة. "المورد، قاموس إنكليزي عربي"، ص: 243.
(2) Chapter 6. Reward Parents, Hadeeth # 11.
(3) الحديث الخامس عشر، صحيح – ((غاية المرام)) (277): ]خ: 78-ك الأدب 6-ب عقوق الوالدين من الكبائر. م-الإيمان، ح 143[.(36/17)
Hadith 15: Abu Bakrah said that the Messenger of Allah, upon him be peace, said three times, “Shall I tell you which sin is the greatest?” The companions replied, “Please do so, O Prophet of Allah!” He replied, “To associate partners with Allah and to disobey one’s parents ... ” Then he sat down, leaned over, and said, “And, yes, to bear false witness.” The Prophet, upon him be peace, repeated this over and over again until I said (to myself), “If only he would be quiet.”
الأخطاء الملحوظة في ترجمة الحديث:
? نجد هنا أن لفظ "ألا" هو حرف تنبيه لا مثيل له في اللغة الإنكليزية المعاصرة، ولكن يوجد لفظ LO في اللغة القديمة. والمترجم هنا استغنى عن وضع الأداة "ألا" في الحديث كليا، وبدأ الجملة بالفعل مباشرة.
? الزيادة في المبنى. إدخال كلمة "فضلا، افعل ذلك!!" في بداية جواب الصحابة عندما قالوا: بلى! Please do so
? إدخال كلمة جلس قاعدا (بعد وقوف) والحق أنه جلس بعد اتكاء. ... Then he sat down
? ثم زاد لفظ "انحنى" بعد قوله جلس قاعدا، وهذا حطأ مركب حيث أخطأ في الترجمة وزاد من عنده. ... leaned over
? إدخال كلمة "ونعم" في ترجمة كلمة "ألا" الثانية ... ... ... ... ... And, yes
? التحريف في المعنى. قوله "ليته سكت" قالها أبو بكرة - رضي الله عنه - إشفاقا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى انزعاجه في ذلك، وليس كما جاءت الترجمة تمني السكوت فقط.
الترجمة بعد التصحيح:(36/18)
Abu Bakra reported that the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, said, "Shall I tell you which is the worst of the major sins?" "Yes, Messenger of Allah," they replied. He said, "Associating something else with Allah and disobeying parents." Then he sat up, from his reclining position and said, "And false witness." Abu Bakra said, "He continued to repeat it until I said, 'Is he ever going to stop? ." (1)
- المثال الرابع:
عن عبد الله بن عمرو ( قال: قال النبي (: (من الكبائر أن يشتم الرجل والديه) فقالوا كيف يشتم؟ قال: (يشتم الرجلَ فيشتمُ أباه وأمَه) (2)
الترجمة الأصلية:
'Abdullah ibn 'Amr said that the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, said, "Reviling one's parents is one of the great wrong actions." They asked, "How could he revile them?" He said, "He reviles a man who then in turn reviles his mother and father. (3)
شتم: نجد في القاموس مرادفات إنكليزية كثيرة لهذه الكلمة، أولاها: To curse ثم تتابع بعدها:
Swear at, blaspheme, to call somebody names, abuse, revile, insult, rail at.
فلماذا اختار المترجم اللفظ السادس، revile وغض النظر عن اللفظ الأنسب الذي جاء في المرتبة الأولى؟؟ وهو: curse
Revile: من أول مفرداتها كلمة سب.
? عدم اختيار المعنى الملائم، فجاءت الترجمة هنا عند كلمة يشتم بلفظ لا يعني المعنى تماما، لأن معنى كلمة revile هو يتلفظ بألفاظ بذيئة فقط.
الترجمة بعد التصحيح:
__________
(1) . Chapter 7. Disobedience to one’s Parents, Hadeeth # 15 .
(2) الحديث السابع والعشرون، صحيح – ((التعليق الرغيب)) (3/ 221): خ:78- ك الأدب، (4) باب لا يسب الرجل والديه. م: 1-ك الإيمان، ح 146 [
(3) . Chapter 14. A person should not curse his parents, Hadeeth # 27.(36/19)
'Abdullah ibn 'Amr said that the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, said, "Cursing one's parents is one of the major sins." They asked, "How could he curse them?" He said, "He curses a man who then in turn curses his mother and father."
المطلب الرابع: اعتماد الترجمة الحرفية.
الترجمة الحرفية تعني ترجمة كل كلمة أو جملة على حدة، ثم الجمع بينهم، وهذا لا يودي الغرض المطلوب في نشر السنة وبيان معانيها لطالب الحق، لذلك وقعت أخطاء في ترجمة هذا الكتاب.
- المثال الأول:
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي ( قال: (رَغِمَ أنْفُه رَغِمَ أنْفُه رَغِمَ أنْفُه قالوا يا رسول الله من؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما فدخل النار) (1)
الترجمة الأصلية:
Abu Hurayrah reported that the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, said, "Disgrace! Disgrace! Disgrace!" They said, "Messenger of Allah, who?" He said, "The one who fails his parents or one of them when they are old will enter the Fire."
? نجد أن الترجمة حذفت الفعل من جملة "رغم أنفه"، واكتفت بلفظ " (2) Disgrace" وهي عبارة تستعمل للدعاء على الشخص، ولكنها ناقصة، واللفظ الأصح هو: May he be disgraced حيث يظهر فيها معنى الدعاء بالخزيان والعار.
? وأن اختيار ترجمة فعل "أدرك" لم يكن الأفضل! فلفظة fails قاصرة عن إعطاء المعنى المطلوب!
*** لفظ "أدرك" تعني: لحق، وصل إلى، بلغ.
*** لفظ " Fails " تعني: تخلى، ضعف، هان، كف، انقطع، انقرض، قصر عن، أخفق، أهمل، خذل، عجز عن، سقط، إلخ.
__________
(1) باب من أدرك والديه فلم يدخل الجنة، صحيح – ((التعليق الرغيب)) (3/ 215): { م: 45- ك البر والآداب ح 9 و 10).
(2) أي: يخزي، يلحق به خزيا أو عارا.(36/20)
ومعنى الحديث كما قال النووي (1) : أن برهما وضعفهما بالخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة، فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه.
الخلاصة: كأن المترجم اختار اكتفى بلفظ "قصر= Fails " ظنا منه اكتمال المعنى.
? عدم التمييز بين الترجمة الحرفية واللغوية، حيث جاءت ترجمة لفظ "والديه أو أحدهما" ترجمة حرفية، غير معهودة في اللغة الإنكليزية. والصحيح أن يقال فيما معناه "واحدا أو كلا من والديه"= one or both of his parents
الترجمة بعد التصحيح:
Abu Hurayrah reported that the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, said, "May he be disgraced! May he be disgraced! May he be disgraced!" They said, "Messenger of Allah, who?" He said, "He who encounters one or both of his parents at old age and yet enters the Fire (for failing them)." (2)
- المثال الثاني:
عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده (معاوية بن حيدة) (قلت: يا رسول الله من أَبَرُّ؟
قال: (أمك) قلت من أبر؟ قال: (أمك) قلت من أبر؟ قال: (أمك) قلت من أبر؟ قال: (أباك ثم الأقرب فالأقرب) (3) .
الترجمة الأصلية:
On the authority of Bahz ibn Hakim’s father and grandfather: “I said, ‘O Messenger of Allah. To whom should I be good?’ He replied, ‘Your mother.’ So I asked, ‘Then who?’ He replied, ‘Your mother.’ I asked, ‘Then who?’ He replied, ‘Your father, then the next closest relative, and then the next.”
__________
(1) (16/109) عند شرح حديث من صحيح الإمام مسلم ( رقم: 2551.
(2) Chapter 10. He who encounters his parents at old age and yet enters the Fire (for failing them). Hadeeth # 21.
(3) باب (1) ما جاء في بر الوالدين، الحديث الثالث. حسن – ((الإرواء)) (2232،829): ت: 25-ك: البر والصلة.(36/21)
? عدم الدقة في الترجمة، حيث جاءت ترجمة لفظ "عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده" فقال "عن بهز بن حكيم الأب والجد قال: ..". هنا أبدل حرف الجر عن بحرف العطف "و".
الترجمة بعد التصحيح:
Bahz ibn Hakim said that his father said that his grandfather said: "I asked, 'Messenger of Allah, to whom should I be dutiful?' 'Your mother,' he replied. I asked, 'Then whom?' 'Your mother,' he replied. I asked, 'Then whom?' 'Your mother,' he replied. I asked, 'Then whom?' 'Your mother,' he replied. I asked, 'Then to whom should I be dutiful?' 'Your father,' he replied, 'and then the next closest relative and then the next.' (1)
- المثال الثالث:
عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - قال أوصانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتسع: (لا تشرك بالله شيئا وإن قُطِّعْت أو حُرِّقت ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمدا ومن تركها متعمدا برئت منه الذمة، ولا تشربنَّ الخمر فإنَّها مفتاح كل شر، وأطعْ والديك وإن أمراك أن تخرج من دنياك فاخرج لهما، ولا تنازعنَّ ولاة الأمر، وإن رأيت أنك أنت، ولا تفرر من الزحف وإن هلكت وفر أصحابك، وأنفق من طولك على أهلك، ولا ترفع عصاك على أهلك وأخفهم في الله عز وجل (2) .
الترجمة الأصلية:
__________
(1) Chapter 2. Dutifulness to One's Mother, Hadeeth # 3.
(2) باب 9، باب يبر والديه ما لم يكن معصية، الحديث: الثامن عشر. حسن – ((الإرواء)) (2026): ]جه: 36- ك الفتن، 23- ب الصبر على البلاء ح 4034[.(36/22)
Abu Darda said, “The Messenger of Allah, upon him be peace, gave me nine pieces of advice. They are: ‘Do not associate anything with Allah, even if you are tortured with cuts and burns. Do not intentionally miss a prayer, for those who intentionally miss prayer will be on their own. Never drink wine, for it is the key to all evil. Obey your parents; if they order you to leave your world, leave it for their sake. Do not dispute with the authorities, even if you think that you are right (and they are wrong). Do not run away from battle, even if you are faced with certain death and all of your companions have run off. Spend of your wealth on your family, do not raise a hand against them, and make them aware of Allah. (1)
? استعمال كلمات عامية، وعدم الإلمام بالمفردات الدقيقة في اللغة فأخطأ حين انتقى معنى لفظ "أوصاني"
التي تعني= recommended ، واختار بدلا عنها "أعطاني" Gave me
? النقص في الترجمة، حيث ترجم قوله "لا تشرك بالله شيئا" قال: Do not associate anything with Allah ولا يفهم من هذه الترجمة بالضرورة النهي عن الشرك بالله في العبادة. فلا بد من تخصيص لفظ العبادة في النهي. فنقول:
Do not associate anything with Allah (in worship),
? عدم الدقة في اختيار الألفاظ، فترجمة لفظ "متعمدا" بقوله: Intentionally لا تفي بالمطلوب، والكلمة الأنسب هي: Deliberately
? الضعف في الترجمة، فلفظ "برئت منه الذمة" تعني بالإنكليزية It will forfeit ، والمترجم جاء بجملة ركيكة فقال: Will be on their own
__________
(1) Chapter 9. Hadeeth# 18. Being Dutiful to Parents as long as that does not entail disobedience to Allah.(36/23)
? عدم التمييز في مفردات اللغة العربية فكلمة الخمر لا تعني النبيذ= Wine فقط كما يدعي المترجم، بل تعني كل ما أسكر، واللفظ هو: Intoxicants
? عدم التمييز بين الترجمة الحرفية واللغوية فلفظ "أن تخرج من دنياك" لا تعني أن تخرج من كوكب الأرض إلى كوكب آخر، قال المترجم: Leave your world ، بل ينبغي أن يقال: abandon your worldly possessions
? الضعف في الترجمة، فلفظ "ولا تفرر" يضعف معناها عند قول المترجم: Do not run away بل الأنسب لفظ " Do not flee"
? الزيادة في الترجمة، فلفظ "وإن هلكت" لا تعني إن مت بطريقة ما كما قال المترجم: Certain death بل الصحيح هو If you are killed
? عدم الدقة وإبدال المترجم للألفاظ الحديث، ظنا منه أنه الأنسب لقاريء الحديث، حيث استعمل كلمة "يد" بدل "عصا" في لفظ الحديث" ترفع عصاك على أهلك" فقال: Raise a hand against them، والصحيح هو:
Raise a stick against them (for beating).
? كذلك يحاول اختيار عبارة لا توحي بالغلظة ظنا منه أنه الأنسب للقارئ، فترجم كلمة "وأخفهم في الله" بقوله: Make them aware of Allah، أي: اجعلهم مدركين أن الله مطلع عليهم والترجمة الأصح هي:
And make them (instead) fear Allah أي: أخفهم بالله.
? الحذف في الترجمة، قوله:" الله عز وجل" حذف لفظ "عز وجل"، فقال: "الله ". ومعنى عز وجل هو: May HE be exalted and glorified
الترجمة بعد التصحيح:(36/24)
Abu'd-Darda' said, "The Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, recommended nine things to me: 'Do not associate anything with Allah (in worship), even if you are cut to pieces or burned. Do not abandon a prescribed prayer deliberately. Anyone who abandons it will forfeit Allah's protection. Do not drink intoxicants for it is the key to all evil. Obey your parents even if they command you to abandon your worldly possessions then leave them for them. Do not contend with those in power, even if you think that you are right. Do not flee from the battle, even if you are killed while your companions flee. Spend of your means on your family. Do not raise a stick against them (for beating). And make them (instead) fear Allah, the Almighty and Exalted.'"
المطلب الخامس: ضعف في فهم مقصود الحديث، وسببه عدم أو قلة الاطلاع على كتب شروحات الحديث.
- المثال الأول:
الحديث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال ما سمع بي أحدٌ يهودي ولا نصراني إلا أحبني، إن أمي كُنْت أُرِيدُها على الإسلام فتأبى، فقلت لها فأبت فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ادع الله لها، فدعا، فأتيتها وقد أجافتْ (1) عليها الباب، فقالت: يا أبا هريرة إني أسلمت، فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ادع الله لي ولأمي، فقال: (اللهم عَبْدُك أبو هريرة وأُمُّهُ أَحِبَّهُما إلى الناس). (2)
الترجمة الأصلية:
__________
(1) أي أغلقت.
(2) باب (18) عرض الإسلام على الأم النصرانية، الحديث الرابع والثلاثون. حسن – ((المشكاة)) (5895)، رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي هريرة - رضي الله عنه - .(36/25)
Abu Hurayra said, "Neither Jew nor Christian has heard me and then not loved me. I wanted my mother to become Muslim, but she refused. I told her about it and she still refused. I went to the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, and said, 'Pray to Allah for me.' He did so and I went to her. She was inside the door of the house and said, 'Abu Hurayra, I have become Muslim.' I told the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, and I asked, 'Make supplication to Allah for me and my mother.' He said, 'O Allah, make people love Abu Hurayra and his mother. (1)
? مجموعة من الأفعال العربية التي لا تنتمي لمجموعة الأفعال المتعدية بحرف، ولكنها قد تُتبع بحروف جر معينة. وبسبب ضعف مفهوم قصد الحديث أخطأ المترجم هنا وترجم الفعل إلى لفظ: "سمعني" عوضا عن "سمع بي"!!
قال المترجم: has heard me ، بل ينبغي أن يقال: has heard of me
? أخطاء مرتبطة بسوء الفهم للنص فأدى إلى تحريف المعنى، وذلك في ترجمة قوله: "وقد أجافتْ عليها الباب" ترجمت إلى "كانت داخل الباب"!!!
? أخطاء مرتبطة بسوء الفهم للنص فأدى إلى تحريف المعنى، وذلك في ترجمة قوله: "ادعو الله لها" ترجمت إلى "ادعو الله لي"!!.
الترجمة بعد التصحيح:
__________
(1) Chapter 18. Offering Islam to a Christian mother, Hadeeth # 34.(36/26)
Abu Hurayra said, "No Jew or Christian has heard of me but that he loved me. I wanted my mother to embrace Islam, but she refused. I repeatedly told her about it, but she still refused. I went to the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, and said, 'Pray to Allah for her,.' And he did. I went back to her and found that she had closed the door upon herself. She said (from behind the door) 'Abu Hurayra, I have become Muslim.' I told the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, and I asked, 'Make supplication to Allah for me and my mother.' He said, 'O Allah, make people love your slave Abu Hurayra and his mother.
- المثال الثاني:
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خلق الله عز وجل الخَلْق فلما فرغَ مِنه قامت الرَّحِم فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصِلَ من وصلك واقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك،) ثم قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (1) .
الترجمة الأصلية:
__________
(1) باب (26) صلة الرحم، الحديث الخمسون، صحيح – ((السلسلة الصحيحة)) (2741): ] خ: 65- ك التفسير، 47- سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، آية 22. م 45- ك البر والصلة والآداب، ح13 [.(36/27)
Abu Hurayra reported that the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, said, "Allah Almighty created creation. When He had finished it, ties of kinship rose up. Allah said, 'Stop!' They said, 'This is the place for anyone seeking refuge with You from being cut off' Allah said, 'Are you not content that I should maintain connections with the one who maintains connection with you and I should cut off the one who cuts you off?' It replied, 'Yes indeed, my Lord.' He said, 'You have that.'"
Then Abu Hurayra said, "If you wish, you can recite, 'Is it not likely that, if you did turn away, you would cause corruption in the earth and sever your ties of kinship?' (47:22)" . (1)
? النقص في الترجمة، قوله:" عز وجل" ترجم الفعلان إلى اسم واحد. فقال: "الله القوي". والصحيح أن معنى عز وجل هو: May HE be exalted and glorified
الرحم معناه: Womb, uterus
Ties معناها: صلة.
Kinship معناها: قرابة ونسب.
Ties of kinship معناها: صلة القرابة أو النسب.
? أخطاء في ترجمة المصطلح، من المعروف أن كلمة الرحم ترجمتها بالإنكليزية هي: the womb فلماذا استعاض عنها بكلمة ties of kinship؟؟
? تحريف المعنى، كلمة "مه" معناها: ماذا للاستفهام، ولكن حرف المعنى بكلمة: "توقف"!! فقال: Stop .
? تحريف المعنى، كلمة "قالت" تعود على الرحم، ولكن الترجمة جاءت بكلمة "هم"!!
? عدم الدقة، قوله:" هذا مقام العائذ بك من القطيعة" زيد في ترجمتها فقال: "هذا مقام أي عائذ بك".
? تحريف المعنى، كلمة "فذلك لك" جاءت ترجمتها "أنت تملكينه، بينما المعنى الصحيح هو قول رب العزة "فذلك لك" يوحي بالعظمة وتفضل الملك المنان على خلقه.
__________
(1) Chapter 26. Maintaining ties of kinship, Hadeeth # 50.(36/28)
? وكذلك لفظ " You have that " هو من الألفاظ العامية المتداولة بين عامة الناس، أما لفظ "You are granted this " فهو الصحيح في هذا المقام.
الترجمة بعد التصحيح:
Abu Hurayra reported that the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, said, "Allah may HE be exalted and glorified created the creation. When He had finished, the womb rose up. Allah asked what it is!' It said, 'This is the place of that who seeks refuge with You from being cut off'. Allah said, 'Are you not content that I should maintain connections with the one who maintains connection with you and I should cut off the one who cuts you off?' It replied, 'Yes indeed, my Lord.' He said, 'You are granted this.'
Abu Hurayra added "If you wish recite, 'Is it not likely that, if you did turn away, you would cause corruption upon earth and sever your kinship ties? (47:22)".
- المثال الثالث:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه أبصر رجُليْن فقال: لأحدهما ما هذا منك؟ فقال أبي، فقال: (لا تسمه باسمه ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله) (1) .
الترجمة الأصلية:
Abu Hurayra saw two men and said to one of them, "Who is this man in relation to you?" He is my father," he replied. He said, "Do not call him by his own name nor walk in front of him nor sit down before him. (2)
? لم يدرك المترجم أن المقصود ب"لا تسمه باسمه" أي سمِِّه بكنيته، فَفَُهِمَ من الترجمة: لا تناديه باسمه بل هات اسما آخرا.
__________
(1) باب (23) لا يسمى الرجل أباه ولا يجلس قبله ولا يمشى أمامه، الحديث: الرابع والأربعون، صحيح الإسناد.
(2) Chapter 23. A man should not call his father by his name nor sit down before him nor walk in front of him, Hadeeth # 44.(36/29)
الترجمة بعد التصحيح:
Abu Hurayra saw two men and said to one of them, "how is this man related to you?" He is my father," he replied. He said, "Do not call him by his first name nor walk in front of him nor sit down before him."
- المثال الرابع:
عن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمرو وغلامه يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: إني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصى بالجار حتى خشينا أو رُؤِينا أنه سَيُورِّثُه) (1)
الترجمة الأصلية:
Mujahid said, "I was with 'Abdullah ibn 'Amr while his slave was skinning a sheep. He said, 'Boy! When you finish, start with the Jewish neighbor.' A man there exclaimed, 'Jewish? May Allah correct you!' He replied, 'I heard the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, recommend that we treat our neighbors well until we feared (or we thought) that he would order us to make them our heirs.' (2)
? لم يتم إضافة شرح أساسي ملائم للمعنى، فحدث تحريف للمعنى، وكذب عن لسان الصحابي الكريم، ومن ثم تشويه للدعوة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وذلك في ترجمة قوله: "يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي"، فجاءت الترجمة حرفية ناقصة -تحتاج إلى إضافة شرح-، فنتج مفهوم جديد للحديث يوحي بأن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - يطلب من غلامه بعد أن ينتهي من سلخ الشاة يبدأ بسلخ جاره اليهودي!!.
قال المترجم: When you finish, start with the Jewish neighbor ،
__________
(1) صحيح – ((الإرواء)) (891): ] د: 40 – ك الأدب، 123 - ب في حق الجوار. ت: 25 – ك البر والصلة، 28 – ب ما جاء في حق الجوار [. الحديث: 128.
(2) Chapter 70. A Jewish neighbor, Hadeeth # 128.(36/30)
بل ينبغي أن يقال: When you finish, start with the Jewish neighbor, (give our Jewish neighbor first of the meat)
الترجمة بعد التصحيح:
Mujahid said, "I was with 'Abdullah ibn 'Amr while his slave was skinning a sheep. He said, 'Boy! When you finish, start with the Jewish neighbor, (give our Jewish neighbor first of the meat).' A man there exclaimed, 'Jewish? May Allah correct you!' He replied, 'I heard the Messenger of Allah, may Allah bless him and grant him peace, recommend that we treat our neighbors well until we feared (or we thought) that he would order us to make them our heirs'.
الخاتمة
التوصيات، منها:
? نوصي بإيجاد مؤسسة إسلامية علمية عالمية تستقطب مترجمين ذوي خبرة، وكفاءات علمية إسلامية من شتى أنحاء العالم.
? يستفاد من هؤلاء في إنشاء مؤسسات لإعداد مترجمين خبراء في ترجمة السنة النبوية.
? وأن يقوم هؤلاء المترجمون بمراجعة ونقد الكتب المتوفرة باللغات الأجنبية، وتمييز الغث من الثمين منها. والعمل على استبدال السقيم بما هو خير منه.
أسألُ اللَّه العظيمَ أن ينفعني بما علمت، وأن ُيعَلِمَني ما جَهِلْتُ، وأنْ يَجعَلَ ما كتَبْتُ زادًا إلى حُسنِ المَصير إِليه وعتادًا إلى يُمْنِ القُدُومِ عليه إِنهُ بِكُلِ جميلٍ كفيل، وهو حسبي ونِعْمَ الوَكيل.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: يُمْن بنت رضا كيوان الأثنين ، 18 شوال ، 1428هـ
تم بحمد الله
فهرس
المقدمة ...............................................................................صفحة 1
أ) أهمية السنة......................................................................... صفحة 2
ب) أهمية نشر السنة بواسطة الترجمة ................................................... صفحة 2(36/31)
المبحث الأول: الخبرة تتطلب تمكناً وطول باعٍ. ............................... صفحة 3
المبحث الثاني: نماذج من الأخطاء. .................................... صفحة 3
المطلب الأول : عدم الرسوخ في اللغتين. ..................................... صفحة 4
- المثال الأول: ......................................................... صفحة 4
المطلب الثاني: عدم الدقة في الأداء. ................................. صفحة 5
المطلب الثالث: ضعف دراية المترجم. ............................... صفحة 7
- المثال الأول: ........................................................ صفحة 7
- المثال الثاني: ......................................................... صفحة 7
- المثال الثالث: ....................................................... صفحة 9
- المثال الرابع: ......................................................... صفحة 10
المطلب الرابع: اعتماد الترجمة الحرفية. ................................صفحة 10
- المثال الأول: ......................................................... صفحة 10
- المثال الثاني: ........................................ صفحة 11
- المثال الثالث: ......................................... صفحة 12
المطلب الخامس: ضعف في فهم مقصود الحديث. ...................صفحة 13
- المثال الأول: ........................................................ صفحة 13
- المثال الثاني: ......................................................... صفحة 14
- المثال الثالث: ....................................................... صفحة 15
- المثال الرابع: ........................................................ صفحة 16
الخاتمة................................................................... صفحة 17
سيرة ذاتية مختصرة(36/32)
الإثنين ، 18 شوال ، 1428هـ
يُمْن بنت رضا رياض كيوان
ص.ب. 5683 المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية.
الخلفية الدعوية:
? حاضرت في العديد من المؤتمرات والندوات في أمريكا وأوروبا والهند وغيرها.
? قامت بتدريس عدد كثير من كتب التراث والكتب المعاصرة الشرعية، ومنها كتاب "شرح صحيح الأدب المفرد" باللغة الإنكليزية.
? أشرفت على برامج النشاط النسائي والأطفال والناشئة في مؤتمرات ومخيمات جمعية القرآن والسنة في أمريكا الشمالية (1989-1998).
? شاركت في توعية المسلمين في الغرب إلى ضرورة اتخاذ التدريس المنزلي (1) لأولادهم عوضا عن إدخالهم في المدارس المختلطة، ولها بحث في ذلك.
? قامت بتدريس المواد الإسلامية للمرحلة الإبتدائية والمتوسطة في مدرسة مسجد مدينة أرلنغتون، ولاية تكساس، ومدرسة المنتوسوري الخاصة.
? شاركت في تنظيم الدروس الشرعية الأسبوعية للنساء العرب والأعاجم في دروس منتظمة على الهاتف، وفي المساجد لمناطق عدة في أمريكا الشمالية.
الخلفية الدراسية:
? أنهت ثلاث سنوات من الشريعة الإسلامية دراسة في الجامعة الأمريكية المفتوحة في أمريكا.
? أنهت دورة التوجيه والإرشاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
? تداوم على حضور دروس لعدد من علماء المدينة النبوية ودعاة السنة فيها.
__________
(1) وهو عبارة عن استبدال التعليم المنظم في المدارس بالتدريس المنزلي، بإشراف لجان تدريس من قبل الأهالي، ويترأسهم نصارى متعصبون حماية لأبنائهم من: إنخراط الناس في أمور الدنيا وهروبهم من الكنيسة. التفلت في الأخلاق. تدريسهم نظريات ملحدة نظرية داروين. وتعليمهم الأمور المخالفة لآدابهم في وقت مبكر.(36/33)
سيرة ذاتية مختصرة
يُمْن بنت رضا رياض كيوان
ص.ب. 5683 المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية.
الخلفية الدعوية:
? حاضرت في العديد من المؤتمرات والندوات في أمريكا وأوروبا والهند وغيرها.
? قامت بتدريس عدد كبير من كتب التراث والكتب المعاصرة الشرعية، ومنها كتاب "شرح صحيح الأدب المفرد" باللغة الإنكليزية.
? أشرفت على برامج النشاط النسائي والأطفال والناشئة في مؤتمرات ومخيمات جمعية القرآن والسنة في أمريكا الشمالية (1989-1998).
? شاركت في توعية المسلمين في الغرب إلى ضرورة اتخاذ التدريس المنزلي (1) لأولادهم عوضا عن إدخالهم في المدارس المختلطة، ولها بحث في ذلك.
? قامت بتدريس المواد الإسلامية للمرحلة الإبتدائية والمتوسطة في مدرسة مسجد مدينة أرلنغتون، ولاية تكساس، ومدرسة المنتوسوري الخاصة.
? شاركت في تنظيم الدروس الشرعية الأسبوعية للنساء العرب والأعاجم في دروس منتظمة على الهاتف، وفي المساجد لمناطق عدة في أمريكا الشمالية.
الخلفية الدراسية:
? أنهت ثلاث سنوات من الشريعة الإسلامية دراسة في الجامعة الأمريكية المفتوحة في أمريكا.
? أنهت دورة التوجيه والإرشاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
? تداوم على حضور دروس لعدد من علماء المدينة النبوية ودعاة السنة فيها.
__________
(1) وهو عبارة عن استبدال التعليم المنظم في المدارس بالتدريس المنزلي، بإشراف لجان تدريس من قبل الأهالي، ويترأسهم نصارى متعصبون حماية لأبنائهم من إنخراط الناس في أمور الدنيا وهروبهم من الكنيسة. التفلت في الأخلاق. تدريسهم نظريات ملحدة نظرية داروين. وتعليمهم الأمور المخالفة لآدابهم في وقت مبكر.(37/1)
تقريب السنة النبوية
لناطقي اللغة الأردية والهندية
في شبه القارة الهندية
بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة
الواقع - التطوير - المعوقات
تحت إشراف الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها
ما بين فترة 23-25/2/1429هـ
إعداد
الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي
عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض
(جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)
ورئيس مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة وتمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(38/1)
فإن أفضل الأعمال وأجلها الاشتغال بعلوم كتاب الله وسنة رسول الله ×، وقد اشتغل العلماء في جميع العصور بخدمة الكتاب والسنة، فألفوا مؤلفات كثيرة في مجالات عديدة، وبعد انتشار الدين الإسلامي في أنحاء العالم الإسلامي اشتغل أهل العلم بنقل تعاليم الكتاب والسنة إلى شعوبهم وأقوامهم بلغاتهم المنوعة والمختلفة؛ لأن هذا الدين من الله -عز وجل- لجميع الإنس والجن إلى يوم القيامة، ولجميع الشعوب والأقوام والملل والقبائل من العرب وغيرهم، قال تعالى: +وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [سورة سبأ: 28]، وقال تعالى: +وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" [سورة الأنبياء: 107]، وقال النبي ×: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» (1) ، وإذا كان الأمر كذلك فمن منطلق واجب النصيحة وتبليغ الدين صار نقل السنة المشرفة والسيرة النبوية العطرة بلغات أخرى من أوكد الواجبات وأهمها وأنفعها، وقد قال النبي ×: «بلغوا عني ولو آية» (2) ، وقال ×: «لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم» (3) .
__________
(1) ... رواه البخاري (رقم: 427) من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- مطولاً.
(2) ... رواه البخاري (رقم: 3274) من حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- مطولاً.
(3) ... رواه البخاري (رقم: 2783) من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- مطولاً وفيه قصة.(38/2)
وإن علماء شبه القارة الهندية قاموا بهذا الواجب من قديم الزمان بلغات عديدة، وعلى رأسها اللغة العربية؛ حيث معظم إنتاجهم العلمي بهذه اللغة التي كانت لغة العلم والعلماء فيها، ثم باللغة الفارسية إلى مدة مديدة، ثم توجهت هممهم إلى خدمة علوم الكتاب والسنة باللغة الأردية من أكثر من قرنين من الزمان، وقد تركوا مؤلفات كثيرة وقيمة في جميع العلوم والفنون، وخلفوا تراثاً عظيماً يُشكرون على أداء هذا الواجب، وقد بارك الله في كثير من هذه الجهود العلمية، وانتفع بها من الناس ما شاء الله، وقد أشاد بها العلماء وأثنوا على أصحابها، واعترفوا بفضل علماء الهند وبجهودهم المضنية والمتواصلة في خدمة العلوم الإسلامية، وخاصة في مجال الحديث الشريف والسيرة النبوية، ومن المعلوم أن كثيرًا من دور النشر والمؤسسات التعليمية والدعوية تقوم بإعداد ونشر الكتب الإسلامية إلى الآن.
* الوضع الراهن للثقافة الإسلامية في شبه القارة الهندية:
لا يخفى على من له إلمام بالثقافة الإسلامية الهندية أنها تواجه بمخاطر عظيمة في الحالات الراهنة والأوضاع السائدة في الهند، وخاصة ما يتعلق بالإسلام والمسلمين؛ فالثقافة الإسلامية مهددة بالانهيار، وحضارة المسلمين أيضا مهددة بالمسخ والتشويه، والشخصية الإسلامية قد أصابها الوهن، وهي مهددة بالضياع والذوبان في المجتمعات الوثنية.(38/3)
إن لغة المسلمين الدينية والثقافية -أعني الأردية- تقلصت وضعف رواجها، علمًا بأن لغة العلماء والخطباء والمؤلفين ولغة الثقافة الإسلامية في هذه المنطقة هي هذه اللغة، وهي لغة هجرها المسلمون عمليًا، ونبذتها الحكومات ومعظم سكان الهند، ثم زاد رواج اللغة الهندية والإنجليزية كما أخذت اللغات المحلية الأخرى الكثيرة تنمو وتزدهر واتسع نطاقها، فأين اللغة الأردية في مجال الاستعمالات الرسمية، وفي الصحافة والإعلام المرئي والمسموع؟! فإن تلك الكتب الكثيرة في الثقافة الإسلامية فقدت مصداقيتها، وتقلصت الاستفادة منها لهذه الأسباب بغض النظر عن أصالة المادة العلمية الموجودة فيها، فالمسلمون في الهند وخاصة في شمال الهند بحاجة ماسة إلى مادة جديدة في باب الدين والتعليم في اللغة الأردية ثم في اللغة الهندية، كما يضطر المسلمون أن ينقلوا ثقافتهم ودينهم إلى اللغات المحلية الكثيرة في أقطار الهند، والحاجة ماسة إلى تخطيط دقيق وترتيب جيد لنقل ما يصلح للمسلمين الجدد أو ما يصلح لغير المسلمين في باب التعريف بالدين الإسلامي الصحيح.
وإنما نلفت نظر الإخوة العلماء إلى إعادة النظر في التراث الموجود باللغة الأردية كماً وكيفاً، ولا بد من الاعتراف بأن الموجود من الكتب الإسلامية والتراث الإسلامي بعيد عن مقتضيات العصر الحاضر، لا في الأسلوب فقط بل في اختيار المواد العلمية ودراسة الموضوعات، هذا ما يتعلق باللغة الأردية، أما ما يتعلق باللغات الأخرى فهو إما لا يوجد ما يستفاد منه أصلاً أو الموجود منه يحتاج إلى إعادة النظر فيه كماً وكيفاً، ثم إن الموجود من المادة الإسلامية في غير اللغة الأردية لا يوثق به في الغالب البتة، لأنها لا تنبني على مصادر ومراجع معتمدة، ولا على علماء أهل السنة والجماعة، ومن هنا يعرف ما يعاني المسلمون من المشاكل والمتاعب في باب التعليم الإسلامي والدعوة الإسلامية.(38/4)
ولا بد من الإشارة إلى أن معظم ما ألف في الهند من مؤلفات في باب الدين والدعوة والتعليم فيه لوثة التحزب المقيت، والتعصب المذهبي، والتصوف البدعي، وألوان من الشركيات والبدع والرسوم والعادات، ويمكن معرفة ذلك بإلقاء نظرة خاطفة على الموجود والرائج في كل طبقة من طبقات المسلمين من هذا التراث، ولعل عدم وجود الكتب الدينية المتقنة والصالحة للجماهير يعتبر عقبة كؤود في سبيل التعريف بالدين الإسلامي الصحيح وخاصة بين المسلمين الجدد أو بين المشركين والكفار الذين يرغبون أن يتعرفوا على الدين الصحيح المنبثق من الكتاب والسنة الصحيحة وفق فهم سلف هذه الأمة.
ثم أصاب الثقافة الإسلامية الهندية ذاك الداء العضال والمنتشر بين العلماء والخطباء وهو عدم مراعاة آداب الأئمة في باب الاعتماد على النصوص الصحيحة وعلى فهم النصوص وفق المناهج القوية المعتبرة.
ولعل هذه الندوة (ندوة ترجمة السنة والسيرة) تفتح باب الحوار المفيد والتفكير السديد حول دراسة أوضاع المسلمين الدعوية والتعليمية، وتحقيق القول في مقتضيات العصر الحاضر، والاستفادة من الإمكانات الموجودة في باب الدعوة في الهند، واستغلال الفرص لنشر الدعوة الصحيحة والتعريف بالإسلام الصحيح، ولإنارة الطريق للمسلمين بالدعوة، وستتضح معالم التعريف بالدين الإسلامي الصحيح، وهذا ما نرجو من هذه الندوة بإذن الله.
* نظرة سريعة على أوضاع الهند من العهد الإسلامي الأول إلى الآن:(38/5)
إن المسلمين في شبه القارة الهندية من قديم الزمان كانوا أقلية نظراً إلى أعداد الكفار والمشركين، وحتى في عهود الحكم الإسلامي عبر القرون على هذه القارة، ثم إن الذين وصلوا إلى الهند من الأمراء والعلماء وعامة المسلمين، وخاصة بعد القرن الرابع الهجري كانوا من العجم فلم يصل الدين الإسلامي الصحيح إلى مسلمي الهند كما هو الواقع، ثم تأثر المسلمون بالرسوم والعادات السائدة في الشعوب الهندية، كما تأثرت الحضارة الإسلامية والعلوم الإسلامية الهندي من قديم الزمان، ويمكن التعبير عن ذلك بضلال في الاعتقاد والعمل أو تسرب المناهج الفاسدة إلى عقول وقلوب المسلمين وابتعاد عن عقيدة ومنهج السلف الصالحين وأئمة الدين، ولا أدل على هذا من وجود العقائد الشركية والبدعية، وهكذا الأعمال المخالفة للشريعة في صفوف المسلمين وتعطل المساجد، وبعد الناس عن تعليم الدين الصحيح، وشد الرحال إلى المقابر والمشاهد، ووجود كثير من البدع في الساحة تتسمى باسم الدين مع تغلغل عقائد وأعمال الروافض في صفوف المسلمين المعروفين بالقبورية والبريلوية، بل وجود كثير من الانحرافات في صفوف المقلدة وأتباع المذاهب، وهكذا تمكن سلطان التصوف والطرقية على عقول وقلوب علماء الشريعة، وقد صرح الشاعر الإسلامي المشهور محمد إقبال أن كان هناك صراع بين علماء الشريعة وعلماء الطريقة فتغلب أهل الشريعة بدليل نسبة علماء الشريعة إلى طرق التصوف.(38/6)
يعتبر الشاه ولي الله الدهلوي المتوفي سنة 1176هـ من أوائل المصلحين الذين نادوا بالإصلاح وبذلوا جهوداً عظيمة في علوم الكتاب والسنة في شبة القارة الهندية، ومضى على وفاته 250 سنة تقريباً، وقد ألف كتاباً باللغة الفارسية قبل قرنين ونصف قرن من الزمان حول أصول ومبادئ فهم القرآن الكريم باسم «الفوز الكبير في أصول التفسير» وقد ذكر حال المسلمين الغارقين في أودية الضلال كما هو واضح من السياق لكي يفهم القراء ما كان عليه أهل الجاهلية من ضلال وغواية، ومن المفيد جداً نقل كلامه لمعرفة أهمية موضوع معرفة أحوال الهند الدينية.
ذكر الشيخ الدهلوي في هذا الكتاب خمسة أبواب، وذكر في الباب الأول أن القرآن الكريم نص على خمسة علوم: علم الأحكام، وعلم المخاصمة والمناظرة، وعلم التذكير بآلاء الله، علم التذكير بأيام الله، وعلم الموت والبرزخ والآخرة، ثم ذكر في علم المخاصمة أسلوب القرآن في الحوار مع اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، وقال: «وإن كنتَ متوقفاً في حال المشركين وعقائدهم وأعمالهم فانظر إلى حال العوام والجهلة من أهل الزمان خصوصاً من سكن منهم بأطراف دار الإسلام -يعني عاصمة الحكومة المغولية بدهلي- كيف يظنون الولاية وماذا يخيل إليهم منها، ومع أنهم يعترفون بولاية الأولياء المتقدمين يعدون وجود الأولياء في هذا الزمان من قبيل المحال، ويذهبون إلى القبور والآثار ويرتكبون أنواعاً من الشرك، وكيف تطرق إليهم التشبيه والتحريف ففي الحديث الصحيح: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل... »، وما من آفة من هذه الآفات إلا وقوم من أهل الزمان واقعون في ارتكابها معتقدون مثلها، عافانا الله سبحانه من ذلك » (صـ 51-52).
* وضع المسلمين الراهن في شبه القارة الهندية:(38/7)
إن عدد المنتسبين إلى الإسلام في شبه القارة الهندية يصل إلى أكثر من خمسمائة مليون، وبغض النظر عن الأقوام الكافرة الأخرى فإن هذا الكم الهائل -وهو يمثل نصف عدد المسلمين في العالم- لغتهم الدينية الوحيدة كانت هي اللغة الأردية، ومعظم المشتغلين بالدعوة والتعليم في شبه القارة الهندية كتبوا وألفوا باللغة الأردية، وذلك عن طريق كتابات مستقلة أو ترجمة من العربية إلى الأردية أو مشاركة في الصحافة أو تنظيم الدروس الدينية وإلقاء المحاضرات، أو إعداد العلماء والخطباء في المدارس العربية الإسلامية الخاصة بها، ثم استخدمت لغات أخرى ولو على نطاق ضيق لكن فهم الدين كان أولا عن طريق اللغة العربية ثم عن طريق اللغة الأردية ثم عن طريق لغات أخرى، وإذا قارنا ما نشر من الكتب الإسلامية من خلال قرن ونصف مع مراعاة عدد النسخ والطبعات مقابل هذا العدد الهائل من المسلمين المحتاجين إلى التوجيهات والإرشادات في أبواب الدين والدنيا، وعدد العلماء والخطباء المشتغلين بأعمال التدريس والدعوة مقابل الجمهور المنتشر في أطراف شبه القارة الهندية لظهر العجز وتبينت الحاجة.
ومن الملاحظ إلى الآن على علماء الهند وباكستان أن لغة غالبهم هي الأردية، ثم إن مجال تخصصاتهم ومجال أعمالهم وأطروحاتهم الدعوية كلها تنادي بأعلى صوت حول إعادة النظر على أوضاعنا الراهنة وثقافتنا الموجود.(38/8)
وبما أنه لا توجد عندنا إحصائيات عن قرى ومدن وحواضر الباكستان وبنجلة ديش وسريلنكا وبورما ونيبال؛ لأجل هذا أحصر كلامي على الهند، فإن الهند توجد فيها أكثر من ستة مئة ألف قرية، وآلاف المدن الكبيرة والصغيرة، والبلديات والحواضر الكثيرة، والمسلمون منتشرون في هذه المدن والقرى بنسبة عشرين في المئة، وهم لا يقلون عن (250.000000) مئتين وخمسين مليون نسمة، فهل فكر المهتمون بقضايا المسلمين في العالم في إيصال الدعوة إلى هؤلاء المسلمين وتقديم الخدمات الدينية والثقافية إلى أبنائهم؛ علماً بأنهم يواجهون قضايا ومشاكل في السياسة والاقتصاد والمعيشة والمعاشرة، ويعيشون في أحوال سيئة للغاية، وهذا كله تحد لنا أولا ولمن اطلع على مثل هذه الأحوال من الغيورين على شؤون الدعوة والدين في العالم الإسلامي ثانياً، وقد أصدرت هيئة (سجر) للنظر في وضع الأقلية المسلمة من جهات عديدة تقريرًا مفصلاً جاءت فيه تفاصيل دقيقة ومؤسفة للغاية لأوضاع المسلمين الثقافية والتعليمية والاقتصادية والسياسية، واعترفت الهيئة بأن وضع المسلمين حالياً أردأ من حالة المنبوذين الذين يعتبرون من قديم الزمان أرذل وأفقر شعب من شعوب الهند، والله المستعان.
ثم مئات الألوف من المدارس والكليات والجامعات الحكومية المركزية وحكومات الأقاليم، وهكذا الصحافة باللغات الهندية والإنجليزية وباللغات المحلية الأخرى الكثيرة مع برامج الإذاعات والتلفاز تشتغل ليل نهار وبجميع إمكاناتها، ويتأثر بها المجتمع سلباً وإيجاباً، فأين صوت المسلمين وجهود الإسلاميين في توعية المسلمين وإرشادهم إلى الدين.(38/9)
إن احتياجات أهل الإسلام متضاعفة إلا أن أهم ما يجب عليهم هو التركيز على وجودهم الملي وإيقاء الشخصية الإسلامية، وهذا لا يمكن إلا بنشر التوحيد الخالص، وبمعرفة مقتضياته، وإبعاد الناس عن أدران الشرك والبدع وترشيدهم إلى الكتاب والسنة الصحيحة على فهم السلف الصالح، وإذا تمكننا من تبليغ التوحيد وحذرنا من الشرك ومظاهره ومن الكفر وآثاره، ومن البدع وظلماتها يسهل لنا أن نتغلب على مشاكلنا الأخرى.
ونحن على يقين أن دراسة إمكانات الدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية حسب ما يقتضيه العصر الحاضر وتركيز الجهود على تقديم تعاليم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح على أيدي المشتركين من أهل العلم والفضل في هذه الندوة ستفتح لنا آفاقاً جديدة في مجال التعريف بالدين الإسلامي الصحيح، ويستفيد العلماء والدعاة في تصحيح المفاهيم وفي ترشيد الدعوة ومناهج التعليم إن شاء الله.
وأهم ما يجب على العلماء والدعاة في شبه القارة الهندية أن يقوموا بنقل علوم الكتاب والسنة إلى لغاتهم حسب ما يقتضيه العصر الحاضر من أسلوب وتقنية.
نظرة عابرة على الجهود المبذولة
في خدمة السنة والسيرة عن طريق ترجمتهما إلى اللغات الهندية
( أ ) قام المسلمون بنشر السنة في منطقة السند وملتان إلى القرن الرابع الهجري باللغتين السندية والفنجابية إضافة إلى اللغة العربية؛ حيث وجد رواة ومحدثون من هذه المنطقة ممن يأتي ذكرهم في رواية الحديث، ولا شك أن اللغات المحلية كانت أخضعت لنشر الدين في هذه المنطقة ولكن لا نجد ذكر ترجمة السنة والسيرة بهذه اللغات في هذه المدة.
(ب) ولما دخل المسلمون من ممر خيبر إلى الهند في العهود الغزنوية والمغولية نجد بعض من قام بنشر السنة في هذه المنطقة وعددهم قليل.(38/10)
(جـ) وفي القرن العاشر وصل بعض العلماء من الحرمين ومصر إلى الهند إلى منطقة أحمد آباد (غجرات) وأكبر آباد، كما ذهب بعض أهل العلم إلى الحرمين ورجعوا بعلم الحديث إلى غجرات وكشمير وأكبر آباد وغيرها من مناطق الهند ممن قاموا بنشر السنة في الهند وكتب بعضهم موجودة باللغة العربية.
( د ) وفي القرن العاشر والحادي عشر ظهر بعض العلماء الذين قاموا بخدمة الحديث باللغة العربية وكذلك ترجموا بعض الكتب إلى اللغة الفارسية إلى أن جاء القرن الثاني عشر فكثرت نوعا ما تراجم كتب الحديث إلى اللغة الفارسية مع وجود كتب بالعربية حيث كان لغة تأليف الكتب العلمية والدينية المحببة هي اللغة العربية بينما كانت اللغة الفارسية واللغات المحلية هي لغة التفاهم بين شعوب الهند وخاصة اللغة الفارسية التي كانت لغة رسمية آنذاك.
(هـ) ومن القرن الثالث عشر إلى عصرنا هذا اتجهت همم العلماء بالتأليف والترجمة باللغة الأردية التي راجت وازدهرت حتى صارت لغة التفاهم لسكان شبه القارة الهندية.
( و) ثم من مدة مديدة ظهرت كتب دينية بلغات محلية أخرى.
وفيما يلي ذكر قائمة من الكتب المترجمة إلى لغات الهند:
الفصل الأول
في ذكر الكتب الحديثية المترجمة إلى اللغة الفارسية
* شروح الموطأ:
1- «المصفى شرح الموطأ»، بالفارسية، للشيخ ولي الله الدهلوي، صنفه على وجه الاجتهاد والتحقيق، وصححه وهذبه بعد وفاته تلميذه الشيخ محمد أمين، وفرغ من تهذيبه في شوال 1179هـ.
* شروح صحيح البخاري وثلاثياته والأدب المفرد:
1- «تيسير القاري»، بالفارسية، للمفتي نور الحق بن عبدالحق البخاري الدهلوي المحدث، في ست مجلدات.
2- شرح بالفارسية بسيط، للشيخ شيخ الإسلام بن محب الله البخاري الدهلوي.
3- «نظم اللآلي في شرح ثلاثيات البخاري»، بالفارسية، للشيخ عبدالباسط بن رستم علي الصديقي القنوجي.
* شروح صحيح مسلم:
1- شرح صحيح مسلم، بالفارسية، للشيخ فخر الدين محب الله البخاري الدهلوي.(38/11)
2- شرح صحيح مسلم، بالفارسية، للشيخ سراج أحمد السرهندي.
* شروح السنن الأربعة مع شمائل الترمذي:
1- شرح سنن الترمذي، بالفارسية، للشيخ سراج أحمد السرهندي.
2- شرح سنن ابن ماجه، بالفارسية، للشيخ سراح أحمد العمري الهندي.
3- شرح شمائل الترمذي بالفارسية، للشيخ محمد عاشق بن عمر الحنفي (1033هـ).
4- شرح شمائل الترمذي، بالفارسية، للشيخ محمد فيض بن محمد صادق البلكرامي.
* شروح مشكاة المصابيح:
1- شرح مشكاة المصابيح، بالفارسية، في أربع مجلدات، لبعض علماء كجرات.
2- «أشعة اللمعات»، شرح بالفارسية لمشكاة المصابيح، للشيخ عبدالحق المحدث الدهلوي (ت 1052هـ)، صاحب اللمعات التنقيح على مشكاة المصابيح بالعربية.
* شروح مشارق الأنوار:
1- شرح مشارق الأنوار، بالفارسية، محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي.
2- شرح بالفارسية لمشارق الأنوار، للسيد أحمد بن محمد الحسيني الفريضي الكروي المشهور بمحي الدين أحمد.
* شروح بلوغ المرام:
1- «مسك الختام شرح بلوغ المرام»، بالفارسية، للنواب صديق حسن خان القنوجي، الطبعة الأولى عام 1288هـ، مطبعة نظامي كانفور، في أربع مجلدات، وعدد صفحاته (1161)، شرح فيه الألفاظ، وتكلم على الرواة جرحًا وتعديلاً.
2- «البنيان المرصوص من بيان إيجاز الفقه المنصوص»، بالفارسية، للنواب صديق حسن خان القنوجي، طبع عام 1299هـ، مطبعة صديقي بهوبال، وهو تلخيص مسك الختام شرح بلوغ المرام للمؤلف.
* كتب مصطلح الحديث:
1- شرح نخبة الفكر، بالفارسية، للشيخ محمد حسين الإسرائيلي الهزاروي.
2- العجالة النافعة، بالفارسية، للشيخ عبدالعزيز بن ولي الله الدهلوي.
3- «منهج الوصول إلى اصطلاح حديث الرسول»، بالفارسية، للنواب صديق حسن البوفالي (1248-1307هـ)، وعدد صفحاته (234)، طبع بمطبعة شاهجهاني، بهوبال، ط. أولى 1292هـ، ذكر فيه قواعد التحديث مع ذكر اختلافات المحدثين والفقهاء، وترجيح مسلك المحدثين.(38/12)
4- «سلسلة العسجد في ذكر مشايخ السند»، بالفارسية، للشيخ صديق حسن القنوجي (ت 1307هـ).
5- رسالة مشتملة على تحقيقات عجيبة وتدقيقات غريبة، بالفارسية، للشيخ ولي الله الدهلوي.
6- «فراسة العريف لبيان العمل بالحديث الضعيف»، بالفارسية، للنواب صديق حسن البوفالي (1248-1307هـ)، وعدد صفحاته (24)، طبع بمطبعة شاهجهاني، بهوبال، ط. 1295هـ، ورجح فيه بأن لا يحتج في الأحكام وغير الأحكام وفي فضائل الأعمال وغيرها إلا بالصحاح والحسان، وغيرهما لا يلتفت إليه.
* مجموعات حديثية بالفارسية:
1- «طريق الإفادة شرح سفر السعادة»، للشيخ المحدث عبدالحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي (ت 1052هـ).
2- «الأربعين»، للسلطان محمد أورنكزيب عالمكير الدهلوي، صنفه قبل جلوسه إلى سرير الملك.
3- «الأربعين» للسلطان المذكور صنفه بعد جلوسه على سرير الملك، ثم ترجمهما بالفارسية، وعلق عليهما الحواشي المفيدة.
4- «الحشرية في آثار القيامة»، للشيخ رفيع الدين بن ولي الله الدهلوي (1162-1233هـ) صاحب ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية.
5- «قرة العينين في إثبات رفع اليدين»، منظومة للشيخ فاخر بن يحيي العباسي الإله آبادي.
6- «موائد العوائد من عيون الأخبار والفوائد»، بالفارسية، للنواب صديق حسن خان البوفالي، وعدد صفحاته (258)، ط. بمطبعة صديقي ببهوبال، ط. أولى 1298هـ، جمع فيه (300) حديث في الإيمان والعلم والطهارة والصلاة وغيرها، وترجمها إلى الفارسية، وشرحها وتكلم في آخر الكتاب عن حقيقة الروح.
7- «إزالة الحيرة عن معنى حديث: لا عدوى ولا طيرة»، بالفارسية، للنواب صديق حسن خان القنوجي(ت 1307هـ)، طبع 1895م، مطبعة شاه جهاني، بهوبال.
8- «إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين»، بالفارسية، للنواب صديق حسن القنوجي (ت 1307هـ)، طبع بالمطبع النظامي بكانفور في عام 1288هـ في (444) صفحة بالقطع الكبير والخط الدقيق.(38/13)
9- «قصر الآمال بذكر الحال والمآل»، للشيخ رفيع الدين مراد آبادي.
10- «ضمان الفردوس في الترغيب والترهيب»، للمفتي عنايت علي الكاكوري.
11- ترجمة السبعيات في مواعظ البريات، للشيخ محمد صادق الكشميري الدهلوي.
12- «عين الوفاء بترجمة الشفاء»، بالفارسية، للشيخ أبي بكر بن محمد البروجي الغجراتي.
13- «درة التاج»، منظومة بالفارسية، للقاضي نجف على الجهجري.
14- «الأربعين»، للشيخ عبدالباسط بن رستم علي الصديقي القنوجي، مع شرح عليه بالفارسية سماه «الحبل المتين».
* كتب في السيرة النبوية اللغة الفارسية:
1- «مدارج النبوة»، للشيخ المحدث عبدالحق بن سيف الدين الدهلوي (ت 1052هـ) في مجلدين.
2- ترجمة نظم الدر والمرجان، للشيخ أوحد الدين البرقي، نقله إلى الفارسية السيد عليم الدين بن عتيق الله الحسيني الجالندهري.
3- «سرور المحزون في سيرة النبي المأمون»، مختصر الشاه ولي الله الدهلوي.
ملحوظة: ويلاحظ أن اللغة الفارسية انقرضت من شبه القارة الهندية من قبل مائتي سنة تقريباً، وحلت محلها شيئًا فشيئًا اللغة الأردية، ولا تزال تعتبر هذه اللغة هي لغة التفاهم بين سكان شبه القارة الهندية، ومعظم أهل العلم يخاطبون الجماهير باللغة الأردية عبر المؤتمرات واللقاءات، وعن طريق تنظيم خطب الجمعة والعيدين، وعبر المطابع ودور التأليف والترجمة، والصحافة والإذاعة والتلفاز.
ومن ستين سنة بعد استقلال الهند راجت اللغة الهندية مع اللغة الإنجليزية، وكذلك زاد رواج اللغات المحلية الكثيرة في مناطق الهند، وغالب الكتب المؤلفة باللغة الفارسية لا يستفاد منها، وبقي الاعتماد على اللغة الأردية ثم اللغات المحلية، وفيما يلي نذكر تراجم الكتب والمجموعات الحديثية باللغة الأردية:
الفصل الثاني
تراجم الكتب والمجموعات الحديثية إلى اللغة الأردية
المبحث الأول
في ذكر تراجم أصول السنة الثمانية إلى الأردية(38/14)
(صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي،
وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي، وموطأ الإمام مالك)
* المجاميع:
1- تلخيص الصحاح، ترجمة تيسير الوصول، بالأردية، للحافظ أبي الحسن السيالكوتي(ت 1325هـ). تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي.
2- شرح الصحاح الستة، بالأردية، للشيخ عبدالعزيز صمدني الفرخ آبادي (ت1341هـ). تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي.
* شروح الموطأ للإمام مالك:
1- «كشف المغطا في ترجمة الموطأ»، ترجمة وشرح بالأردية، للشيخ وحيد الزمان الحيدرآبادي، (ت 1338هـ) تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي، صنفه عام 1296هـ، ط. مطبعة أصح المطابع، بكراتشي، وعدد صفحاته (790).
* شروح صحيح البخاري وثلاثياته والأدب المفرد:
- شروح صحيح البخاري:
1- «نصرة الباري بترجمة صحيح البخاري»، بالأردية، للشيخ عبدالأول حفيد الشيخ عبدالله الغزنوي (ت 1313هـ)، تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي، ط. مطبعة القرآن والسنة، بأمرتسر، في ست مجلدات من مطبع القرآن و السنة بأمرتسر، أثبت متن الحديث مع سنده بخط جلي وواضح مع تشكيل العبارات مع إتقان الطباعة، و الترجمة لفظية وأثبتت مع بين السطور، ولخصت فوائد حديثية من فتح الباري وشروح القسطلاني والكرماني و حاشية السندي على هامش الكتاب و هي فوائد سلفية محكمة.
2- «فيض الباري ترجمة وشرح صحيح البخاري»، بالأردية، للحافظ أبي الحسن السيالكوتي (ت 1325هـ). تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي.
3- ترجمة صحيح البخاري، بالأردية، للشيخ عبدالتواب الملتاني (1288-1366هـ)، تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي. مطبوع في ثمانية أجزاء من ثلاثين جزءًا.
4- «فيض الباري في شرح صحيح البخاري»، بالأردية، للشيخ فضل أحمد الأنصاري.(38/15)
5- «تيسير الباري ترجمة صحيح البخاري»، بالأردية، للنواب وحيد الزمان الحيدرآبادي، (1267-1338هـ) تلميذ المحدث نذير حسين الدهلوي، بدأ بترجمة في شهر جمادى الأولى 1321هـ و انتهى في ربيع الأول 1323هـ، قام المؤلف بترجمة السند و المتن وأثبت فوائد مختصر إلى الآحاديث، ط. أولى 1912م، مطبعة أحمدي بلاهور، وعدد صفحاته (3396).
6- «تسهيل القاري بترجمة صحيح البخاري»، لخص فيه من فتح الباري وإرشاد الساري للقسطلاني، ونيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار، بالأردية، للنواب وحيد الزمان الحيدرآبادي (ت 1338هـ) ط. عام 1314هـ، في خمس مجلدات، وعدد صفحاته (3862)، وهو يشتمل على شرح كتاب الطهارة والصلاة، وطبع جزء خامس في 1311هـ، وعليه اسم ناشره عبدالرحمن مالك المطبعة.
7- شرح صحيح البخاري، بالأردية، للشيخ أمير علي اللكنوي (1274-1337هـ).
8- ترجمة صحيح البخاري، بالأردية، للشيخ مولانا محمد بن هاشم السورتي، (1256-1315هـ) وهو في سبع أجزاء من ثلاثين جزءًا.
9- «منح الباري في شرح صحيح البخاري»، بالأردية، للشيخ محمد أحسن بن محمد صديق البشاوري.
10- «فضل الباري ترجمة صحيح البخاري»، بالأردية، للشيخ فضل حق دلاوري.
11- «نصرة الباري شرح صحيح البخاري»، بالأردية، للشيخ عبدالستار الصدري (1323-1386هـ).
12- «زبدة البخاري»، بالأردية، للشيخ عزيز الحسن (مدير صحيفة بك بمدينة بجنور)، وعدد صفحاته (608)، وهو تلخيص لصحيح البخاري لعمر ضياء الدين المصري.
13- «نبراس الساري على أطراف البخاري»، بالأردية، للشيخ عبدالعزيز (خطيب المسجد الجامع في كجرانواله).
14- ترجمة صحيح البخاري، بالأردية، للشيخ محمد داود راز (ت 1402هـ)، ط 89-1398هـ، وعدد صفحاته (6436).
15- ترجمة صحيح البخاري للسيد عبد الدائم الجلالي البخاري (4 مجلدات) ط. بالهند وباكستان.
16- «أنوار الباري شرح صحيح البخاري»، للسيد أحمد رضا البجنوري (ط.).(38/16)
17- «إيضاح البخاري»، للشيخ فخر الدين المراد آبادي، دروس بالأردية في دار العلوم بديوبند، رتبه الشيخ رياست علي البجنوري بالأردية في (13) جزءًا.
- شروح وتراجم ثلاثيات البخاري والأدب المفرد له:
1- «غنية القاري في شرح ثلاثيات البخاري»، بالأردية، للشيخ صديق حسن القنوجي، (ت 1307هـ) طبع عام 1291هـ، مطبعة شاه جهاني بهوبال.
2- «توفيق الباري لترجمة الأدب المفرد للبخاري»، ترجم بالأردية مع الشرح، للنواب صديق حسن خان القنوجي(ت 1307هـ)، الطبعة الأولى عام 1306هـ بمطبعة مفيد عام، بآكره، وعدد صفحاته (318).
3- ترجمة الأدب المفرد للبخاري، بالأردية، للشيخ أبي النصر عبدالغفار نشتر تلميذ السيد نذير حسين الدهلوي (ت 1315هـ).
4- ترجمة كتاب الأدب المفرد للبخاري، بالأردية، للشيخ أبي محمد إبراهيم الآروي (1264-1319هـ).
* شروح صحيح مسلم ومقدمة الصحيح:
1- «إنعام المنعم بترجمة صحيح مسلم»، بالأردية، للشيخ عبدالأول حفيد الشيخ عبدالله الغزنوي، (ت 1313هـ) ط. عام 1325هـ، مطبعة القرآن والسنة، بأمرتسر.
2- «المعلم لترجمة صحيح مسلم»، بالأردية، للنواب وحيد الزمان خان الحيدر آبادي، (ت 1338هـ) ط. عام 1304-1306هـ، مطبعة صديقي بلاهور، في ست مجلدات، وعدد صفحاته (2644)، وهو ترجمة لشرح النووي على مسلم.
3- ترجمة صحيح مسلم بالأردية، للشيخ عبدالعزيز الفرخ آبادي (ت 1341هـ).
4- «كشف الملهم عما في مقدمة مسلم»، بالأردية، للشيخ عبدالسلام البستوي، (27-1326-1394هـ) ط. أولى 1356هـ، مطبعة محبوب المطابع، بدهلي، وعدد صفحاته (54)، وهو ترجمة لمقدمة مسلم.
* شروح السنن الأربعة مع شمائل الترمذي:
- سنن أبي داود:
1- «الهدي المحمود لترجمة سنن أبي داود»، بالأردية، للنواب وحيد الزمان الحيدرآبادي (1267-1338هـ)، مطبعة صديقي بلاهور، وعدد صفحاته (1264).
- سنن الترمذي:(38/17)
1- «جائزة الشعوذي في شرح سنن الترمذي» بالأردية، للشيخ بديع الزمان الحيدرآبادي (1250-1304هـ)، وهي ترجمة ناقصة.
2- شرح سنن الترمذي، بالأردية، للشيخ وحيد الزمان بن مسيح الزمان الحيدرآبادي.
3- ترجمة جامع الترمذي، بالأردية، للشيخ فضل حق دلاوري.
4- شرح سنن الترمذي، بالأردية، للمولوي فضل أحمد الأنصاري.
- سنن النسائي:
1- «روض الربى شرح سنن النسائي»، بالأردية، للمولوي وحيد الزمان الحيدرآبادي، ط. عام 1302-1303هـ، مطبعة صديقي، بلاهور، وعدد صفحاته (1288).
- سنن ابن ماجه:
1- ترجمة سنن ابن ماجه، بالأردية، للنواب بديع الزمان الحيدرآبادي، وهي ترجمة ناقصة.
2- «رفع العجاجة شرح سنن ابن ماجه»، بالأردية، للشيخ وحيد الزمان بن مسيح الزمان الحيدرآبادي.
3- «رفع الحاجة بترجمة سنن ابن ماجه»، بالأردية، للشيخ عبدالسلام البستوي (ت 1394هـ).
* ترجمة سنن الدارمي:
1- ترجمة سنن الدارمي، لمجموعة من العلماء، طبع بالمطبعة الإسلامية بدهلي، وعدد صفحاته (541).
المبحث الثاني
في ذكر تراجم مجموعات حديثية أخرى إلى اللغة الأردية
* شروح وتراجم مشكاة المصابيح:
1- «مظاهر الحق في ترجمة و شرح مشكاة المصابيح»، بالأردية، للشيخ قطب الدين الدهلوي (ت 1289هـ). بدأ بترجمة الكتاب الشاه محمد إسحاق الدهلوي (ت 1267هـ) ثم قام بإيمائه النواب قطب الدين بشرح و ترجمة الكتاب، وطبع عدة مرات، و هذبت الترجمة حديثاً بإسم معارف المشكاة و طبع المجلد الأول منها عام 1960م
2- «الرحمة المهداة إلى من يريد ترجمة المشكاة»، بالأردية، للشيخ عبدالأول الغزنوي(ت 1313هـ)، مطبعة أنوار الإسلام، بأمرتسر، في أربع مجلدات.
3- «طريق النجاة في ترجمة الصحاح من المشكاة»، بالأردية، للشيخ أبي محمد إبراهيم الآروي (1264-1319هـ)، ط. 1346هـ، مطبعة ستاره هند، كلكتة، وعدد صفحاته (586)، وهو ترجمة لأحاديث الصحيحين التي وردت في «المشكاة».(38/18)
4- ترجمة مشكاة المصابيح، للحافظ أبي الحسن السيالكوتي (ت 1325هـ).
5- «سواء الطريق»، بالأردية، للشيخ عبدالعزيز الرحيم آبادي (1270-1336هـ)، ط. أولى 1339هـ، مطبعة فاروقي بدهلي، وعدد صفحاته (560)، في هذا الكتاب أفرد أحاديث الصحيحين الموجودة في «المشكاة»، ثم ترجمها وشرح بعضًا منها.
6- ترجمة مشكاة المصابيح، بالأردية، للشيخ عبدالله روبري (1303 – 1384هـ).
7- ترجمة مشكاة المصابيح، بالأردية، للشيخ محمد إسماعيل السلفي(ت 1968م)، ط. أولى عام 1975م، مطبعة أشرف بريس، كوجرانواله، وهو ترجمة المجلد الأول من المشكاة، وعدد صفحاته (479).
8- «أنوار المصابيح ترجمة مشكاة المصابيح»، بالأردية، للشيخ عبدالسلام البستوي (27-1326-1394هـ)، مطبعة جمال برنتنك، دهلي، في ثلاثة عشر مجلدًا، وعدد صفحاته (3933).
9- «البلاغ المبين في اتباع خاتم النبيين»، بالأردية، للشيخ محي الدين نو مسلم، ترجم فيه من مشكاة المصابيح كتاب الطهارة والصلاة مع شرح موجز، وهو في جزئين.
10- شرح مشكاة المصابيح، بالأردية، للشيخ الحافظ محمد الجوندلوي (ت1985م)، وعدد صفحاته (800)، وهوالى كتاب الطهارة فقط.
11- «الملتقطات على ترجمة المشكاة»، بالأردية، للشيخ أحمد بن محي الدين اللاهوري، صنفه عام 1320هـ، وهو في أربعة أجزاء.
* شروح رياض الصالحين:
1- «مكارم الأخلاق في ترجمة رياض الصالحين»، مع شرح موجز، طبع في المطبعة الشاهجهاني ببلدة بهوفال عام 1304هـ.
2- ترجمة رياض الصالحين للنووي، بالأردية، للشيخ عبدالأول حفيد الشيخ عبدالله الغزنوي (ت 1313هـ).
3- ترجمة وتحشية رياض الصالحين، بالأردية، للشيخ عبدالغفور الغزنوي.
4- ترجمة رياض الصالحين، للشيخة أمة الله تسنيم، ط. لكنؤ.
* شروح مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية للمحدث حسن الصغاني اللاهوري (ت 650هـ):
1- ترجمة مشارق الأنوار للصغاني، بالأردية، للشيخ خرم علي البلهوري (ت 1271 أو 1276هـ)(38/19)
2- «تحفة الأخيار شرح مشارق الأنوار»، بالأردية، للشيخ خرم علي البلهوري (ت 1271أو 1276هـ).
3- «مشكاة الأنوار لتسهيل مشارق الأنوار»، للشيخ عبدالغفور الغزنوي، جمع فيه الأحاديث على الأبواب الفقهية.
* شروح بلوغ المرام:
1- ترجمة بلوغ المرام إلى الأردية، للشيخ العالم المجاهد عنايت علي العظيم آبادي الصادق فوري (ت 1273هـ).
2- ترجمة وتحشية بلوغ المرام، بالأردية، للشيخ عبدالغفور الغزنوي.
3- حاشية بلوغ المرام من أدلة الأحكام، بالأردية، للشيخ عبدالتواب الملتاني.
4- ترجمة بلوغ المرام، بالأردية، للشيخ محي الدين التاجر اللاهوري.
5- ترجمة بلوغ المرام، بالأردية، للشيخ محي الدين اللاهوري، وهو مطبوع.
6- ترجمة بلوغ المرام، للشيخ عبد السلام الكيلاني بالأردية (ط بباكستان).
* مجموعات حديثية بالأردية:
1- « رد الإشراك وشرحه تقوية الإيمان »، للشيخ محمد إسماعيل بن عبدالغني الدهلوي (ت 1246هـ).
2- « العروة الوثقى لمنبع سنة سيد الورى »، بالأردية، للشيخ المحدث عبدالله الصديقي المحمدي الإله آبادي المعروف بجهاؤ ميان، (من تلاميذ محمد إسحاق الدهلوي ومن رجال القرن الثالث عشر) جمع الأحاديث النبوية على الأبواب الفقهية مع ترجمتها وشرحها بالأردية. (انظر لترجمته نزهة الخواطر: 7/1031هـ).
3- « عمدة الصلاة وفائز النجاة »، بالأردية، للشيخ عبدالله الصديقي الإله آبادي المعروف بجهاؤ ميان، جمع فيه الأحاديث الواردة في الصلاة، وترجمها إلى الأردية وشرحها.
3- « القويم في أحاديث النبي الكريم »، بالأردية، للشيخ سخاوت علي الجونفوري (1225-1274هـ)، ط. أولى عام 1303هـ، مطبعة صديقي بنارس، أحاديث مختارة من الصحاح الستة مرتبة ترتيبًا فقهيًا مع شرح مختصر وبيان الفوائد.(38/20)
4- « مئة ثنائية »، للشيخ أبي الوفاء ثناء الله الأمرتسري (1287-1367هـ)، طبع بالمطبع الثنائي بأمرتسر، عام 1357هـ، جمع فيه مئة حديث مع شرحها للعناوين الآتية: فضائل الإيمان، اتباع السنة، الصلاة، فضل الجماعة، الزكاة، الصيام، الحج، الجهاد، فضائل القرآن، مكارم الأخلاق، فضائل الذكر.
5- « خير الكلام في حديث خير الأنام »، تأليف محمد خير الله أبوالخير ط. مطبعة مفيد دكن بحيدرآباد عام 1338هـ/1920م وعدد صفحاته 48 طبعة حجرية (معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية للدكتور أحمد خان صـ 418)
6- « انتخاب الحديث »، بالأردية، للشيخ أبي القاسم خالد الخيري (أريسة)، ط. عام 1982م، مطبعة نيشنل آرت، إله آباد، في جزئين، وعدد صفحاته (244)، جمع بعض الأحاديث من الكتب الستة في مختلف المواضيع ثم ترجمها إلى الأردية.
7- « انتخاب الحديث »، بالأردية، للشيخ عبدالغفار حسن الرحماني (ت 1428هـ)، جمع الأحاديث في مختلف المواضيع، ثم ترجمها ووضع عليها الحاشية.
8- « معارف الحديث »، بالأردية، للشيخ منظور أحمد النعماني، في تسعة أجزاء، ط. مكتبة الفرقان بلكنؤ.
9- « ترجمان السنة »، للشيخ بدر عالم الميرتي، في أربعة أجزاء.
* تراجم كتب منوعة أخرى:
1- ترجمة شرح الصدور، للشيخ عبدالله الصديقي الإله آبادي المعروف بجهاؤ ميان.
2- ترجمة البدور السافرة، للشيخ عبدالله الصديقي الإله آبادي المعروف بجهاؤ ميان من رجال القرن الثالث عشر الهجري.
3- فقه محمدي (شرح الدرر البهية للشوكاني)، بالأردية، للشيخ أبي محمد إبراهيم الآروي(1264-1319هـ).
4- « فيض الستار في ترجمة كتاب الآثار »، بالأردية، للحافط أبي الحسن السيالكوتي(ت 1325هـ).(38/21)
5- « إصلاح الهداية وتصحيح الرواية »، بالأردية، للنواب وحيد الزمان الحيدرآبادي (ت 1338هـ) ، صنفه عام 1333هـ، مطبعة شوكة الإسلام، بنغلور، في ست مجلدات، وعدد صفحاته (1600)، وفي هذا الكتاب تناول جميع الأحاديث الموجودة في كتاب «الهداية» في الفقه الحنفي بالدراسة، وبيان الصحيح منها والضعيف.
6- « غاية المرام في ترجمة كتاب القراءة خلف الإمام » للبيهقي، بالأردية، للشيخ عبدالجليل السامرودي، وعدد صفحاته (165)، وهو ترجمة «جزء القراءة» للبيهقي.
7- ترجمة الأحاديث الموضوعة للشوكاني، بالأردية، للشيخ فضل حق دلاوري.
8- ترجمة الموضوعات للملا علي القاري، بالأردية، للشيخ فضل حق دلاوري.
9- ترجمة جزء القراءة خلف الإمام، بالأردية، للشيخ أبي محمد زين العابدين المعروف بالحافظ نظير حسن الآروي، ط. بالمطبع الفاروقي بدهلي، ط. أولى 1299هـ، وعدد صفحاته (40).
10- « زبدة المرام شرح عمدة الأحكام »، بالأردية، للشيخ عبدالحميد ابن غلام نبي سوهدروي (1300-1330هـ).
11- « المصطفى بترجمة المنتقى »، بالأردية، للشيخ عبدالحميد الإتاوي، من حيدرآباد الدكن، طبع بمطبعة حمايت دكن، وهو في (459) صفحة.
12- ترجمة نيل الأوطار للشوكاني، للشيخ محمد داود راغب الرحماني.
* كتب المصطلح و غريب الحديث وتراجم المحدثين:
1- أسرار اللغة مع أنوار اللغة الملقب بوحيد اللغات، للعلامة و حيدالزمان حيدرآبادي (1267-1338هـ) طبع بإسم أنوار اللغة الملقب بوحيد اللغات في خمس مجلدات من المطبعة الأحمدي بلاهور عام (1325هـ / 1907م). ثم طبعه المؤلف بعد إعادة النظر فيه عام (1334هـ /1916م) بمدينة بنكلور بجنوب الهند بإسم أسرار اللغة الملقب بوحيد اللغات، ثم طبع حديثا في 4 مجلدات من مكتبة نعماني كتب خانه بلاهور عام 2005م.(38/22)
2- « استجلاء البصر من شرح نخبة الفكر »، بالأردية، للشيخ عبدالعزيز بن عبدالسلام العثماني الهزاروي، صنفه 1322هـ. (انظر لترجمته نزهة الخواطر: 8/1280هـ)
3- « إكمال ترجمة أسماء الرجال »، بالأردية، للحافظ أبي الحسن السيالكوتي (ت 1325هـ).
4- « رسالة في أصول الحديث »، بالأردية، للشيخ أبي بكر بن محمد شيث الجونفوري (1297-1359هـ).
5- «خير الوصول لأحاديث الرسول»، بالأردية، للشيخ خير محمد الجالندهري الفنجابي.
المبحث الثالث
في جمع وترجمة الأربعينيات الحديثية وشرح الأحاديث النبوية
قام علماء الهند بجمع وترجمة الأربعينيات الحديثية وكذلك شرحوا بعض الأحاديث النبوية في رسائل مستقلة لشرح وبيان بعض المسائل العقدية أو الفقهية، يصعب إحصاؤها في هذا البحث، ولو أحصي ما كتبه الشيخ صديق حسن القنوجي حول هذه الأحاديث والمسائل لصار مبحثاً مستقلاً لأن القنوجي -رحمه الله- كان معروفا بنقل علوم الكتاب والسنة إلى اللغتين الأردية والفارسية، وهوالقائل في كتابه «إبقاء المنن بإلقاء المحن» (ص 75): «غالب مادة مؤلفاة ينبني على نقل آثار السلف وعلوم العلماء الراسخين التي تم نقلها من لغة إلى لغة أخرى وهي في الحقيقة علوم العلماء السابقين وأئمة الأمة لاعلمي ولا اجتهادي».
وعلى سبيل المثال نذكر بعض هذه الأجزاء:
1- « تقوية الإيقان بشرح حديث حلاوة الإيمان »، بالأردية، للنواب صديق حسن خان القنوجي (ت 1307هـ)، طبع عام 1302هـ، مطبعة مفيد عام بآكره، وعدد صفحاته (76).
2- « ضوء الشمس من شرح حديث: بني الإسلام على خمس »، بالأردية، للنواب صديق حسن خان القنوجي (ت 1307هـ)، ط. أولى عام 1305هـ، مطبعة مفيد عام بآكره، وعدد صفحاته (132).
3- « وسيلة النجاة بأداء الصلاة والصوم والحج والزكاة »، طبع حديثا في بنارس.
4- « تميمة الصبي في ترجمة الأربعين من أحاديث النبي × »، للنواب صديق حسن القنوجي (ت 1307هـ). ط. 1291هـ بمطبعة شاهجهاني ببهوفال.(38/23)
5- « أربعون حديثا في فضائل الحج والعمرة »، شرح وترجمة (مطبوع عام 1284هـ ببهوفال.
6- « زيادة الإيمان بأعمال الجنان »، وصفحاته (152)، وطبع بمفيد عام بآكره 1302هـ جمع فيه الآحاديث الواردة في فضائل الأوقات والأماكن.
المبحث الرابع
في ذكر كتب السيرة النبوية والشمائل المحمدية
* أولا: ترجمة كتب السيرة إلى اللغة الأردية:
1- « سيرة محمدي »، ترجمة أردية لكتاب « خلاصة السير في أحوال سيد البشر » لمحب الدين الطبري، تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم الجوناكدهي الدهلوي (1890-1941م) ط. 1345م بمطبعة جيد برقي بريس دلهي.
2- ترجمة « زاد المعاد » لابن قيم الجوزية، تأليف رئيس أحمد الجعفري.
3- مختصر « زاد المعاد » لابن قيم الجوزية، للدكتور مقتدى حسن الأزهري.
4- « عين العيون ترجمة سرور المحزون »، بالأردية، للسيد أبي القاسم ابن عبد العزيز الحسيني الهنسوي.
- كتب أخرى في السيرة النبوية:
1- « قرة العيون » وشرحه بالأردية، للنواب محمد على خان الطوقي.
2- « غوهر مخزون »، منظومة بالأردية للسيد عبد الرزاق بن محمد سعيد الرائبريلوي ثم الطوكي.
3- « بلوغ العلى بمعرفة الحلى »، للنواب صديق حسن القنوجي (1307هـ).
4- « السيرة المحمدية »، للميرزا حيرت الدهلوي.
5- « رحمة للعالمين »، للعلامة القاضي سليمان المنصورفوري (ت1930م)، طبع بلاهور من عام 1912 إلى عام 1921م، وقد نقل إلى اللغة العربية، وعده العلماء أحسن كتاب ألف في سيرة النبي ×، وهو في ثلاث مجلدات.
6- « أسوة حسنة »، للعلامة القاضي سليمان سلمان المنصورفوري (ت1930م)، طبع بلاهور عام 1932م.
7- « مهر نبوة »، للعلامة القاضي سليمان سلمان المنصورفوري (ت1930م)، طبع بلاهور عام 1899م.
8- « سيرة المصطفى »، للشيخ محمد إبراهيم مير السيالكوتي (1295-1375هـ)، طبع بمطبعة ثنائي برقي بريس أمرتسر، عام 1944م، في جزئين، وله أيضًا «زاد المتقين» و «أزواج النبي ×» (مطبوعة).(38/24)
9- « سيد الكونين »، للشيخ محمد صادق السيالكوتي (1911-1986م)، في مجلد.
10- « جمال المصطفى »، في مجلد له مطبوع.
11- « ساقي الكوثر »، له طبع بدلهي عام 1399م.
12- « رهبر كامل »، للشيخ عبد المجيد خادم السوهدروي، مطبوع مجلد.
13- « سيرة النبي × »، للعلامة شبلي النعماني والسيد سليمان الندوي، في ثمانية أجزاء، المجلد الأول للشبلي وسائر الأجزاء للشيخ الندوي.
14- « أصح السير »، للشيخ عبد الرؤوف الدانافوري.
15- « الرحيق المختوم »، للشيخ صفي الرحمن المباركفوري.
16- « بيغمبر إسلام » (رسول الإسلام ×)، للشيخ عبدالمبين منظر البستوي، مطبوع في مجلد.
* ثانيًا: تراجم شمائل النبي × للترمذي:
1- «سراج النبوة»، شرح شمائل الترمذي، بالأردية، للسيد بابا بن يوسف القادري الحيدرآبادي.
2- «بهار خلد»، منظومة بالأردية في شرح الشمائل، للشيخ كفايت الله المرادآبادي.
3- «أنوار محمدي»، ترجمة شمائل الترمذي، بالأردية، للمولوي كرامت علي الجونفوري.
4- «خصائل النبي ×»، بالأردية، للشيخ أبي الوفاء ثناء الله الأمرتسري، ط. السابعة 1922م، وعدد صفحاته (24)، وهو ترجمة مختصرة لكتاب الشمائل للترمذي.
5- ترجمة شمائل النبي ×، بالأردية، للشيخ محمد زكريا الكاندهلوي السهارنفوري. (ط)
6- « الشمامة العنبرية مولد خير البرية »، للشيخ صديق حسن القنوجي 1307هـ، لخص فيه بالأردية باب السيرة النبوية من كتاب « نور الأبصار » للسيد مؤمن بن حسن الشبلنجي المصري، وعدد صفحاته (126)، وطبع عام 1305هـ.
وهناك جهود أخرى في تقريب السنة والسيرة في لغات عديدة، ومنها اللغة الإنجليزية واللغة البنغالية يصعب إحصاؤها في هذه العجالة، والجدير بالذكر للمكتبات التجارية دور جيد في نشر تراجم كتب السنة والسيرة أو مؤلفات مستقلة فيهما، فجزى الله جميعًا خير الجزاء.(38/25)
هذه القائمة لترجمة كتب السنة إلى اللغة الأردية هي أهم ما يستحق الذكر والتنويه بها وإمعان النظر فيها، ويوجد غيرها كثير منتشرة في المكتبات على حسب أنواعها.
نظرة على هذه القائمة
وإمعان النظر في جهود علماء الهند في ترجمة السنة والسيرة إلى اللغة الأردية والفارسية؛ توصلنا إلى النتائج الآتية:
1- أن معظم هذه الكتب يرجع تأريخ إعدادها ونشرها إلى أكثر من مئة سنة أو ما يقارب ذلك.
2- أن معظم من اشتغل بهذه الخدمة ينتسبون إلى المدارس الدينية الأهلية التي أنشئت لتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية على المنهج التعليمي المعروف بالمنهج النظامي السائد في مدارس شبه القارة الهندية، وكان يغلب على أسلوبهم الألفاظ العربية والفارسية مما جعلت الاستفادة للجيل الجديد أمرا صعباً جداً.
3- كما يلاحظ أن بعض هذه التراجم هي من نتاج أفكار المدرسين لكتب الحديث في المدارس الحنفية الذين تناولوا هذا العلم لإخضاعها لصالح الفروع الفقهية، ولتأييد التصوف البدعي، ونصرة علم الكلام، وإثبات أحقية عقائد الأشاعرة والماتريدية الكلابية، وأنها عقائد أهل السنة والجماعة؛ كما هو حال مشايخ ديوبند وسهارنفور في مؤلفاتهم في خدمة الحديث باللغتين الأردية والعربية.
4- كان للعلامة صديق حسن القنوجي والمحدث نذير حسين الدهلوي وأصحابهما وتلاميذهما نصيب الأسد في تقريب السنة المشرفة لسكان شبه القارة الهندية، إضافة إلى ما لهم من مشاركة فعالة في شرح كتب الحديث باللغة العربية كما هو مبسوط في أكثر من كتاب مؤلف في تراجم علماء شبه القارة الهندية، وقد أثبت نسبة التتلمذ إلى هؤلاء عند ذكر المؤلفين.(38/26)
5- ويلاحظ على تراجم وشروح كتب السنة والسيرة التي أنتجها علماء الحنفية المنتسبين إلى مدارس ديوبند وسهارنفور المعروفين بالديوبندية، والحنفية القبورية الصوفية المعروفة بالبريلوية أنها مليئة بالأخطاء العلمية في مجال العقيدة، والتصوف، ونصرة الآراء الفقهية المنسوبة إلى المذهب الحنفي، بل إخضاع النصوص الشرعية، ولي أعناقها لصالح المذهب، ويصل الأمر إلى المبالغة والغلو في هذا الباب، وكذلك عدم العناية بالاستناد إلى صحيح الأحاديث ونبذ الضعاف والموضوعات، وقد وصل الأمر إلى معاداة المحدثين وهدم أصولهم وقواعدهم العلمية في هذه الشروح كما هو واضح في شروح كتب الحديث الصادرة بالعربية والأردية، والله المستعان.
6- معظم الكتاب والمترجمين المنتسبين إلى جماعة الإصلاح والدعوة والجهاد التي أنشأها السيد أحمد بن عرفان والشيخ محمد إسماعيل بن عبدالغني بن ولي الله الدهلوي قبل الشيخ صديق حسن القنوجي والمحدث نذير حسين الدهلوي وأصحابهما توجد في كتاباتهم تأييد التصوف والانخراط في سلكه، والانتساب إلى السلاسل المعروفة بالقادرية والجشتية والنقشبندية والسهروردية، وتواتر عنهم هذا إلى الآن.
7- ونظراً إلى جو الهند العلمي والتعليمي والديني والدعوي توجد بعض الرواسب الفكرية في العقائد والتصوف في كتابات علماء أهل الحديث اعتماداً على أقوال شراح الحديث، ولو لم يكن ممن تبنى هذه العقائد والأفكار، ومع وجود كتابات وأقوال في نصرة المذهب السلفي في العقيدة والسلوك والعمل بما صح وثبت من الكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة.
الجهد المبذول حاليًا لتقريب السنة والسيرة
ونظرًا إلى حاجة ملحة في باب الدعوة إلى الله -عزوجل- في شبه القارة الهندية ظهرت بعض الأعمال الجيدة نوعًا ما إلا أن الملاحظات التي تقدم ذكرها على الأعمال القديمة لا زالت باقية على ما يظهر من هذه الجهود بين وقت وآخر.(38/27)
ومن هنا فكر كاتب هذه السطور -بتوفيق من الله- بالقيام ببعض ما يجب عليه نحو تقريب السنة والسيرة للناطقين بالأردية والهندية، ومن هذا المنطلق تم التشاور ثم تم عقد ندوة علمية حول التعريف بالدين الإسلامي الصحيح في شبه القارة الهندية بتأريخ 19-20 ربيع الآخر عام 1418هـ، حضرها أساتذة الجامعات الحكومية والأهلية وجملة صالحة من المؤلفين والصحفيين والدعاة، وكان من توصيات هذه الندوة بذل المجهود لسد هذا الاحتياج، ثم وفقنا الله بإنشاء قسم الترجمة والتأليف تحت إشراف مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية لتنفيذ مشروع نقل علوم السلف إلى لغات الهند، وكان أول مشروع قامت مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية بالهند بتنفيذه تحت عنوان « مشروع نقل علوم السلف إلى لغات الهند ».
وقد تم اختيار نخبة من العلماء والدعاة الأفاضل في المجلس العلمي للمؤسسة، وبدأ المجلس بإعداد موسوعة الأحاديث النبوية باللغة الأردية التي تشتمل على الكتب الستة (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه)، وموطأ الإمام مالك، وسنن الدارمي.
وتتميز هذه الموسوعة بخدمة علمية قيمة لأمهات الكتب، وهي:
1- تخريج الأحاديث النبوية.
2- بيان الصحيح من الضعيف في غير الصحيحين في ضوء أقوال الأئمة المعتبرين والدراسات الحديثية، مع توضيح أسباب التصحيح والتضعيف.
3- بيان معاني الكلمات وغريب الحديث.
4- شرح الأحاديث التي تحتاج إلى شرح.
5- إيراد المسائل والأحكام الفقهية المستنبطة، مع بيان الراجح في المسألة.
6- الاهتمام البالغ بمسائل العقيدة، والتوسع في توضيحها بالأدلة الشرعية وبالرجوع إلى أقوال السلف وأمهات كتب العقائد.
7- استخدام اللغة السهلة لتكون في متناول الجميع، وبالأسلوب الدعوي؛ حتى يستفيد من الكتب طلبة العلم في المدارس والجامعات الإسلامية العربية، وكذا عامة الناس المقبلين على الدين، دون تعصب أو تفرق.(38/28)
وقد انتهى المجلس بإعداد هذه الموسوعة المباركة التي احتوت على (40.000) صفحة، وهي جاهزة للنشر -إن شاء الله-.
والمشروع الثاني للمجلس العلمي هو إعداد موسوعة السيرة النبوية باللغة الأردية، ويركز فيها على إدخال المادة الجديدة حول السيرة مستفادة من جهود العلماء المتخصصين قديمًا وحديثًا، وبيان الصحيح الثابت في سيرة النبي ×، وسيبدأ المجلس بتنفيذ هذا المشروع في المستقبل القريب إن شاء الله، علمًا بأن المؤسسة تقوم بنقل علوم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبدالوهاب إلى اللغة الأردية، لتقديم فقه السلف الصالح وفهمهم للكتاب والسنة.
* فائدة هذا المشروع:
وإذا تم نشر وإذاعة هذا المشروع أو بعضه -بإذن الله- فالاستفادة المرجوة منه كبيرة ولها أهميتها في التأصيل العلمي والدعوي، ثم يتسنى للعلماء والمترجمين أن يقوموا بنقلها إلى لغات أخرى وهي كثيرة في الهند؛ لأن اللغة الأردية هي بوابة الثقافة والدين لسكان شبه القارة الهندية، ومعظم العلماء والدعاة العاملين في حقل الدعوة والترجمة والتأليف يخاطبون ويؤلفون في اللغة الأردية، لأنهم لا يتقنون في الغالب إلا اللغة الأردية مع العربية، ومن النوادر من يتقن اللغة الإنجليزية أوالهندية مع العربية؛ فنقل هذه المشاريع إلى اللغة الأردية توسع آفاق الثقافة في شبه القارة الهندية، وبهذا نستطيع أن نقوم بخدمة جليلة لمسلمي شبه القارة الهندية وغيرهم، علمًا بأن عدد المسلمين المتحدثين باللغة الأردية في شبه القارة الهندية (الهند، وباكستان، وبنجله ديش) يقارب نصف عدد المسلمين في العالم.
وقد من الله علي أن أقوم بالإشراف على هذا المشروع المبارك بنفسي وفي جميع مراحله مراجعةً وتحقيقًا وتصحيحًا، فلله الحمد والمنة.(38/29)
وقد نال هذا المشروع ترحيبًا قويًا من قبل العلماء والدعاة والعاملين في الحقل الدعوي في شبه القارة الهندية وفي العالم الإسلامي، كما هو ظاهر من انطباعات المطلعين على المشروع.
وقد قامت المؤسسة بطبع سنن أبي داود في (3) مجلدات كبار قبل سنتين في الهند، وفي ضوء الملاحظات على الطبعة الأولى أعيد النظر في جميع المشروع؛ كما بدأ العمل بنقل هذه الكتب إلى اللغة الهندية.
وفي نهاية هذا البحث المختصر يوصي الباحث بالآتي:
1- العناية بتقريب السنة والسيرة إلى سكان شبه القارة الهندية بلغاتهم الرئيسة ولغات محلية أخرى.
2- دعم المؤسسات والعلماء والمترجمين العاملين في هذا الميدان في شبه القارة الهندية.
3- إصدار مجلات دعوية لهذا الغرض.
4- إخضاع وسائل الإعلام الحديثة لنشر تعاليم الكتاب والسنة عن طريقها.
5- إنشاء قنوات علمية ودعوية موجهة إلى سكان شبه القارة الهندية بلغاتهم.
6- الحث على التمسك بالكتاب والسنة والاعتصام بهما والاتفاق عليهما من خلال هذه الوسائل المتاحة.
7- إرسال الدعاة والمدرسين إلى شبه القارة الهندية لنشر المنهج السليم للتعليم والتعلم.
8- توفير المنح الدراسية لطلاب شبه القارة الهندية في مراحل الدراسات العليا في الأقسام الدينية واللغات والترجمة، وتأهيلهم للقيام بالدعوة بلغات قومهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فهرس المصادر والمراجع
1- نزهة الخواطر (الإعلام بمن في تأريخ الهند من الأعلام)، للشيخ عبدالحي الحسني، ط. دار ابن حزم.
2- أهل حديث كي تصنيفي خدمات (جهود أهل الحديث في التصنيف والتأليف)، إعداد محمد مستقيم السلفي، ط. الجامعة السلفية، ببنارس.
3- نواب صديق حسن خان، تأليف الدكتورة رضية حامد، ط. باكستان.
4- تراجم علماء حديث هند، تأليف أبو يحيى إمام خان نو شهري، ط. الكتاب إنتر نيشنل، بدهلي.(38/30)
5- إبقاء المنن بإلقاء المحن، للنواب صديق حسن القنوجي، ط. دار الدعوة السلفية، بلاهور.
6- الثقافة الإسلامية في الهند، تأليف: عبدالحي الحسني، ط. مجمع اللغة العربية بدمشق، عام 1403هـ.
7- عربي أدبيات مين باك وهند كا حصة (إسهام الهند وباكستان في الآداب العربية)، للدكتور زبير أحمد، إدارة الثقافة الإسلامية، بلاهور.
8- معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980م، إعداد: الدكتور أحمد خان، ط. مكتبة الملك فهد الوطنية، عام 1421هـ.
فهرس المصادر والمراجع
الموضوع ... رقم الصفحة
= مقدمة وتمهيد ... 1
- الوضع الراهن للثقافة الإسلامية في الهند ... 2
- نظرة سريعة على أوضاع الهند من العهد الأول وحتى الآن ... 3
- وضع المسلمين الراهن في شبه القارة الهندية ... 5
= نظرة عابرة على الجهود المبذولة في خدمة السنة والسيرة عن طريق ترجمتها إلى اللغات الهندية ... 7
- الفصل الأول: في ذكر الكتب الحديثية المترجمة إلى اللغة الفارسية ... 8
- الفصل الثاني: في ذكر الكتب الحديثية المترجمة إلى اللغة الأردية ... 12
المبحث الأول: في ذكر تراجم أصول السنة الثمانية ... 12
المبحث الثاني: ذكر تراجم مجموعات حديثية أخرى ... 16
المبحث الثالث: في جمع وترجمة الأربعينيات الحديثية وشرح الأحاديث النبوية ... 21
المبحث الرابع: في ذكر كتب السيرة النبوية والشمائل المحمدية ... 22
- نظرة على قائمة هذه الكتب ... 24
= الجهد المبذول حاليًا لتقريب السنة والسيرة ... 26
فهرس المصادر والمراجع ... 29
فهرس الموضوعات ... 30(38/31)
صحيح الإمام البخاري
تراجمه و شروحه باللغة الأردية
بحث مقدم إلى
ندوة ترجمة السنة والسيرة
الواقع - التطوير - المعوقات
تحت إشراف الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها
ما بين فترة 21-23/11/1428هـ
إعداد
رفيق أحمد بن إقبال أحمد السلفي
الباحث
في مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية بدلهي الجديدة
بسم الله الرحمن الرحيم
صحيح الإمام البخاري
و تراجمه و شروحه باللغة األأردية
...
إعداد
رفيق أحمد بن إقبال أحمد السلفي
الباحث في مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية بدلهي الجديدة
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على رسوله الأمين، و على آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد تنوعت عناية أهل الإسلام بالسنة المشرفة حسب الإمكانات والوسائل المتاحة في كل عصر ومصر، ونلحظ هذا الاهتمام بحديث رسول الله × في عصر النبوة، و كذلك في عصور الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى قرون متأخرة حفظاً، وكتابةً، وروايةً، وفهماً، وعملاً ونشراً بين الأمة، و برز في هذا الباب أهل العلم بالحديث على وجه الخصوص فاشتهر عدد كبير من أصحاب رسول الله × ممن حفظوا عن النبي ×، ورووا عنه، واشتهر أمر المكثرين منهم في باب الرواية مثل أبي هريرة، و أبي سعيد الخدري، وعبدالله بن عمر، و جابر، وأنس، وعائشة، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
ثم انتقل هذا العلم إلى التابعين، برز منهم أمثال محمد بن مسلم الزهري (ت124هـ)، وقتادة بن دعامة السدوسي البصري (ت 126هـ)، وعمرو بن دينار المكي (ت126هـ)، وأبي إسحاق عمرو بن عبدالله السبيعي الكوفي (ت 127هـ)، وسليمان بن مهران الأعمش الكوفي (ت 148هـ).(39/1)
ثم برز من اتباع التابعين أمثال مالك بن أنس عالم المدينة (ت 179هـ)، ومحمد بن إسحاق المدني (ت 151هـ)، و عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج المكي (ت151هـ)، و سفيان بن عيينة المكي (ت 198هـ)، وحماد بن سلمة البصري (ت170هـ)، وسعيد بن أبي عروبة البصري (ت 158هـ)، ومعمر بن راشد (ت154هـ)، وسفيان بن سعيد الثوري (ت 161هـ)، وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي الشامي (ت 151هـ)، وهشيم بن بشير الواسطي (ت 183هـ).
ثم برز من تلاميذهم يحيى بن سعيد القطان (ت 185هـ)، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي (ت 182هـ)، ووكيع بن الجراح الكوفي (ت 197هـ).
وبرز من تلاميذ هؤلاء ممن نقل أحاديث رسول الله × إلى كبار أصحابهم أمثال عبدالله بن المبارك (ت 181هـ) وعبدالرحمن بن مهدي(ت 198هـ)، ويحيى بن آدم (ت203هـ)، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ)، وابن أبي شيبة (ت 235هـ)، وأمثالهم من أئمة الدين الذين نقلوا هذا العلم إلى أصحابهم من أئمة الدين أمثال البخاري (ت256هـ)، ومسلم (ت 261هـ)، وأبي داود (ت 275هـ)، والنسائي (ت 303هـ)، والترمذي (ت 279هـ)، والدارمي (255هـ)، و ابن ماجه (ت 273هـ)، وابن خزيمة (ت 311هـ)، وغيرهم (1) ممن يرجع إليهم في العلم، والدين، ودراسة أحوالهم وسيرتهم تبين لنا جهودهم العظيمة لخدمة السنة المشرفة (2) .
__________
(1) ... انظر لقائمة أئمة الحديث: شروط الأئمة لابن منده 33-43.
(2) ... يراجع لمعرفة جهود المحدثين في مجال تدوين السنة: السنة قبل التدوين للدكتور محمد عجاج الخطيب، و دراسات في الحديث النبوي وتأريخ تدوينه للدكتور محمد مصطفى الأعظمي.(39/2)
وقد كتب الله للبخاري ومسلم شهرة عظيمة، ولكتابيهما الصحيحين مكانة مرموقة بين كتب السنة حتى أجمعت الأمة على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، وصحيح البخاري أصح الصحيحين. وقد نسبوا من يخالف هذا الاتفاق إلى البدعة ومخالفة إجماع الأمة (1) .
ومما يبين جلالة قدر صحيح البخاري وعظمته أن أهل العلم من قديم الزمان إلى يومنا هذا على اختلاف مذاهبهم وتنوع مشاربهم مازالوا يخدمون هذا الكتاب شرحا لأحاديثه وترجمة لرواته وبحثا في أبوابه الفقهية و تخريجا لأحاديث المعلقة وحلا للكلمات الغريبة والواردة فيه، ومستخرجا على أحاديثه وشارحا لشروطه وتحقيقا في جميع جوانب الصحيح خدمة لأحاديث رسول الله ×، فمن الصعب جدا أن يستقصي المرء كل تلك الشروح أو الدراسات التي تتعلق بهذا الكتاب العظيم
وقد قامت السيدة غزالة في رسالتها (للماجسيتر التي قدمتها إلى جامعة بنجاب) بإحصاء تراجم صحيح البخاري وشروحه، و بلغ العدد حوالي (207) ونعتقد أن هذا العدد أيضا ناقص لاننا لا نجد فيه ذكر عدة كتب في هذا الصدد (2) .
عناية علماء الهند و باكستان بترجمة
و شرح صحيح البخاري بالعربية و الفارسية
__________
(1) ... يراجع عامة كتب المصطلح في مبحث الصحيح عند ذكر الصحيحين، و سيرة الإمام البخاري للعلامة عبدالسلام المباركفوري، وتراث المسلمين العلمي في نظر شيخ الإسلام ابن تيمية تأليف الدكتور عبدالرحمن ابن عبدالجبارالفريوائي (مبحث مكانة الصحيحين)
(2) ... انظر للاطلاع على ما يتعلق بشروح صحيح البخاري و الدراسات عنه وعن مؤلفه: كشف الظنون لحاجي خليفة (1/365)، الحطة بذكر الصحاح الستة (212)، وسيرة الإمام البخاري للعلامة عبدالسلام المباركفوري (1/363-458)، تأريخ التراث العربي لفواد سزكين،ط. جامعة الإمام، واستدراكات على تأريخ التراث ط. دار ابن الجوزي(39/3)
اتجهت همم علماء شبه القارة الهندية إلى خدمة العلوم الإسلامية وخاصة علم الحديث من قديم، فنجد أنهم اهتموا بخدمة صحيح البخاري، وأقدم مَن قام بشرح صحيح البخاري في الهند باللغة العربية المحدث رضي الدين الصغاني أحد علماء القرن السادس الهجري حيث كانت اللغة العربية هي اللغة السائدة آنذاك للتأليف والشرح، ولما راجت اللغة الفارسية في الهند بعد قدوم الملوك الايرانيين والأفغانيين إلى الهند بدأ العلماء بخدمة هذا الصحيح باللغة الفارسية أيضا، فكتبوا في ترجمته وشرحه وحواشيه كثيرا (1) وفيما يلي نذكر بعض علماء الهند البارزين في مجال خدمة صحيح البخاري:
1- العلامة المحدث رضي الدين الصغاني (ت 650هـ)
2- السيد عبدالأول بن علي بن العلاء الحسيني الزيد فوري الجونفوري (ت 968هـ).
3- الشيخ محمد بن طاهر الفتني الكجراتي (ت986هـ)
4- الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي (ت 1054هـ).
5- المفتي نورالحق بن عبدالحق بن سيف الدين البخاري أبوالسعادات جمال الدين الدهلوي المحدث (ت 1073هـ).
6- الشيخ محمد أعظم بن سيف الدين بن محمد معصوم الحنفي العمري السرهندي (1066- 1114هـ)
7- الشيخ أبو الحسن بن عبد الهادي السندي (ت 1136هـ).
8- الشيخ شيخ الإسلام بن فخرالدين(ت: 1180هـ)
9- الشيخ سلام الله بن شيخ الإسلام الرامفوري (ت: 1233هـ)
__________
(1) ... يراجع لها: إتحاف النبلاء، و أبجد العلوم و الحطة في ذكر الصحاح الستة كلها للنواب صديق حسن القنوجي البوفالي و الثقافة الإسلامية في الهند و نزهة الخواطر كلاهما للشيخ عبد الحي الحسني، و سيرة الإمام البخاري للشيخ عبدالسلام المحدث المباركفوري، و جهود مخلصة في خدمة السنة المشرفة للدكتور عبدالرحمن ابن عبد الجبار الفريوائي.(39/4)
10- الشيخ أحمد علي السهارنفوري (مصحح صحيح البخاري) (ت: 1297هـ) (1) .
هولاء العلماء و غيرهم ممن لهم جهود مشكورة في خدمة صحيح البخاري باللغة العربية حيث هي لغة العلم والدين أو باللغة الفارسية قبل أن تكون اللغة الأردية في ربوع الهند لغة الترجمة والتأليف.
التأليف و الترجمة باللغة الأردية
يرجع تأريخ التأليف والترجمة باللغة الأردية إلى بداية القرن الثالث عشر الهجري حيث قام الشاه عبد القادر(ت 1243هـ) والشاه رفيع الدين(ت 1249هـ) من أبناء الشاه ولي الله الدهلوي (ت 1176هـ) بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية، وترجمة الشاه رفيع الدين لمعاني القرآن الكريم بالأردية تابعة لتراكيب اللغة العربية وهي ترجمة حرفية، و أما ترجمة الشاه عبد القادر فهي طبق تراكيب الجمل الأردية، فيمكن أن نقول: هي بالأردية الجديدة على أسلوب ذلك العهد الذي يعتبر عهد التكوين والإنشاء للغة الأردية. ثم أقبل أهل العلم على نقل العلوم الإسلامية وخاصة الحديث إلى اللغة الأردية التي صارت لغة التفاهم بين أهل القارة الهندية شرقا وغربا.
بداية عمل الترجمة بالأردية لكتب السنة
__________
(1) ... يراجع لتراجم هؤلاء الأعلام: نزهة الخواطر، والثقافة الإسلامية للشيخ عبدالحي الحسني، وجهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة للدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي.(39/5)
كتاب «مشارق الأنوار» للشيخ المحدث رضي الدين الصغاني(ت 650هـ)، أول كتاب من كتب السنة نقل إلى اللغة الأردية والذي يشتمل على الأحاديث القولية وهو أول مؤلف لأحد محدثي الهند في فن الحديث، جاء به إلى دهلي تلميذه الشيخ برهان الدين محمود (ت: 676هـ) وسط القرن السابع الهجري، و هذا الكتاب الوحيد في السنة كان موجودا في الهند في عهد السلطان محمد بن تغلق (724-752هـ) فكان السلطان يأخذ العهود والمواثيق من موظفي الدولة على هذا الكتاب، كما كان هذا الكتاب الوحيد من كتب الحديث مقررا في المنهج الدراسي في المدارس الدينية، ويلاحظ أن المناهج التعليمية للمدارس الدينية آنذاك كان يغلب عليها تدريس كتب الفقه الحنفي و علوم المنطق والفلسفة اليونانية، و علم الهيئة، و إدخال كتاب مشارق الأنوار في المنهج الدراسي ما كان إلا للتبرك، لا للاستنباط من السنة، والاحتجاج بها في غالب الأمر، هكذا كان موقف عامة العلماء والطلبة من دراسة السنة المشرفة إلى القرن الثالث عشر الهجري في شبه القارة الهندية فيقاس على هذا بُعد عامة الناس عن دراسة الحديث والعمل به، وفي هذه الظروف الصعبة قام الشيخ خرم على البلهوري بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الأردية باسم «تحفة الأخيار» لينتفع به عامة المسلمين، ويعملوا بسنة نيهم، وطبعت الترجمة في المطبع المحمدي بمدينة لكنؤ تحت إشراف الأستاذ محمد حسين اللكنوي.
ذكر الشيخ البلهوري في مقدمة هذا الكتاب أهمية السنة النبوية، و عرّف بكتب الحديث، وذكر أن عامة علماء الهند لايهتمون بالحديث، ولا يعملون به، وبيّن أهمية ترجمة هذا الكتاب إلى الأردية، فقال:(39/6)
«علم الحديث هو أشرف العلوم الدينية لأنه كلام أشرف الناس، كما هو مشهور في المثل أن كلام الملوك ملوك الكلام، فجميع العلوم الدينية محتاجة إلى الحديث حتى لايوثق بالتفسير الذي لايعتمد على الحديث النبوي، ولا قيمة لكتب العقيدة، والفقه، والسلوك، و التأريخ التي لا تعتمد على الحديث النبوي على صاحبه ألف ألف تحية وسلام، ومع أهمية السنة ليس لها رواج في الهند حتى في صفوف العلماء فماذا يكون حال عامة الناس، فمن المناسب جدا أن يترجم كتاب إلى اللغة الأردية العامة، فكتاب الصغاني «مشارق الأنوار» أنسب كتاب لهذا الغرض؛ لأنه كتاب مختصر جامع، متفق على صحة أحاديثه، وليس فيه حديث ضعيف، بخلاف «مشكاة المصابيح» ففيه أحاديث من كل نوع (صحيح وضعيف وموضوع)، وكتب المترجم -رحمه الله- في المقدمة أيضا عن مصطلح الحديث وما يحتاج إليه، ثم كتب ترجمة الإمامين الهمامين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج -رحمهما الله-، كما كتب ترجمة الإمام الصغاني أيضا.
وذكر في آخر المقدمة شيئا عن خطته في الترجمة، وقبل بداية أصل الكتاب أثبت أبياتا من قصيدة أحد الشعراء حول مكانة السنة في الإسلام، ثم أثبت المتن العربي والترجمة الأردية له، وشرح أحاديث الكتاب بإيجاز، وذكر ما يستنبط منها من الأحكام والدروس، ولغة الترجمة والشرح سهلة ومفهومة لكل من يعرف اللغة الأردية، وحيث تطورت اللغة الأردية ومرّ عليها أكثر من قرن صار أسلوب الترجمة الآن صعبا إلى حد ما لعامة الناس.
ثم قام بعده الشيخ النواب قطب الدين الدهلوي (ت 1289هـ) بترجمة «مشكاة المصابيح» إلى اللغة الأردية، كانت بدايتها من الشاه محمد إسحاق المحدث الدهلوي (ت 1267هـ)، ثم أشار الشيخ الدهلوي على النواب قطب الدين أن يترجم الكتاب، فأكمل النواب قطب الدين هذا العمل، جزاهما الله عن محبي الحديث و صاحبه.(39/7)
وقد طبعت ترجمة المشكاة عدة مرات، و في الآونة الأخيرة قام بعض مدرسي دارالعلوم بديوبند بتجديد اللغة الأردية القديمة التي استخدمت في هذه الترجمة والشرح باسم «معارف المشكاة» وقد طبع، ووضعوا في البداية مقدمة شرحوا فيها ما يحتاج إليه الباحث و المستفيد من علوم الحديث.
ترجمة الكتب الستة
وفي القرن الثالث عشر الهجري اتجه العلماء إلى التأليف والترجمة باللغة الأردية، وظهرت مكتبة إسلامية كبيرة ومنوعة، وكانت الريادة في هذا الباب لمحي السنة ومجدد العلوم الإسلامية في عصره الإمام النواب صديق حسن خان البوفالي (ت 1307هـ) ففكر في ترجمة الكتب الحديثية الستة (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن لأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه) فكلف لهذا العمل الكبير العالمين الشقيقين: النواب بديع الزمان الحيدرآبادي، والنواب وحيد الزمان الحيدرآبادي و قرر لكل منهما خمسين روبية هندية على هذا العمل، يقول النواب وحيد الزمان الحيدرآبادي في مقدمة ترجمة موطأ الإمام مالك:(39/8)
«بعد الحمد لله و الصلاة على نبيه يقول العبد العاجز الفقير: إنه في سنة 1294هـ لما امتلأت الهند بالبدع و الخرافات و أعرض الناس عن الكتاب و السنة هاجرت مع الأسرة من حيدر آباد إلى الحرمين الشريفين فلما وصلت إلى مدينة بونا تلقيتُ من قبل الشقيق الشيخ بديع الزمان خطابا من مدينة بوفال، مفاده أن قامع البدعة ومحي السنة الأمير البوفالي النواب صديق حسن خان (1) قد سُرّ من خبر هجرتنا من مدينة حيدرآباد، وكلفنا بترجمة الكتب الستة إلى اللغة الأردية، وقرر المعاش خمسين روبية شهريا، وسرنا هذا الخبر السارّ فشكرنا الله الجبار الغفار، وزيادة على هذا قد نقوم بهذه الخدمة في أرض الحرمين الشريفين، فظننا هذا تصديق قوله تعالى:+وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً" (النساء: 100) ولله الحمد على أننا قد وصلنا مكة المكرمة مع الأهل والعيال و سكننا هناك، ولأن الأخ المكرم (بديع الزمان) كان قد بدأ بترجمة جامع الترمذي قمت أنا بترجمة موطأ الإمام مالك لأن الكتابين مختصر وسهل، وسوف ينتهي هذا العمل في سنة 1295هـ إن شاء الله.
وسمى النواب بديع الزمان ترجمة سنن الترمذي بـ «جائزة الشعوذي بترجمة جامع الترمذي»، وطبعت أول مرة بالمطبع المرتضوي بدهلي في سنة 1296هـ.
__________
(1) ... يراجع للتعرف على العلامة صديق حسن: الحطة بذكر الصحاح الستة، وأبجد العلوم، والتاج المكلل كلها بالعربية، ومن تأليف العلامة صديق حسن، وكذلك ظهرت دراسات جامعية عديدة وهي مطبوعة ومتوفرة مثل دراسة الدكتور أختر لقمان من جامعة أم القرى حول عقيدة الشيخ صديق حسن وجهوده في نشر العقيدة، ورسالة الدكتور على الأحمد من جامعة الإمام حول جهود الشيخ صديق حسن في الدعوة والاحتساب، ورسالة الدكتور السيد اجتباء الندوي حول جهود الشيخ صديق حسن في مجال الأدب العربي واللغة العربية.(39/9)
وفي نفس المدة تمت ترجمة جامع الترمذي، وكان بودِّ النواب وحيد الزمان بعد الفراغ من الموطأ أن يبدأ بترجمة صحيح البخاري، ولكنه نظرًا إلى عدم توفر المراجع والمصادر لشرح أحاديث هذا الكتاب لم يتجرأ لهذا العمل، وبدأ بترجمة سنن أبي داود، وأكملها وسماها «الهدي المحمود بترجمة سنن أبي داود»، وطبع الكتاب في عام 1301هـ بالمطبع الصديقي بلاهور.
يقول النواب وحيد الزمان في مقدمة هذه الترجمة: « قد انتهينا من ترجمة الموطأ وسنن الترمذي في سنة 1296هـ، وكان بودنا أن نقوم بترجمة صحيح البخاري، وهذا كان بود النواب البوفالي أيضًا، ولكن لم نتجرأ على ترجمة صحيح البخاري لعدم توفر المراجع الضرورية لها؛ فبدأنا بترجمة سنن أبي داود، وانتهينا منها في 24/من شهر ربيع الآخر سنة 1297هـ» وبعد الفراغ من هذا العمل بدأ الشيخ بترجمة سنن النسائي باسم «روض الربى من ترجمة المجتبى» وأكملها في مجلدين ضخمين، وطبع الكتاب لأول مرة في سنة 1302هـ بالمطبع الصديقي بلاهور، وهكذا تمت تراجم أربع كتب من دواوين السنة إلى اللغة الأردية: موطأ الإمام مالك، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وانتشرت بين الناس، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ترجمة صحيح البخاري إلى اللغة الأردية
وبعد الفراغ من ترجمة السنن الأربعة كان بود النواب وحيد الزمان -رحمه الله- أن يبدأ بترجمة صحيح البخاري، وفي نفس الوقت قد شرع النواب البوفالي في طباعة فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر بالقاهرة، فانتظر النواب الحيدرآبادي صدور فتح الباري لكي يتوفر له أهم مرجع لهذا العمل، ولذا بدأ بترجمة صحيح مسلم، وأكملها في سنة 1305هـ، وسماها بالمعلم بترجمة صحيح مسلم، وطبعت في سنة 1306هـ بالمطبع الصديقي بلاهور.(39/10)
وفي الوقت الذي كان النواب الحيدرآبادي مشغولاً بترجمة صحيح مسلم تبنى التاجر المعروف السيد فقير الله طباعة ترجمة صحيح البخاري، فكلف لذلك العمل الشيخ أبا الحسن السيالكوتي تلميذ السيد نذير حسين المحدث الدهلوي؛ فقام الشيخ السيالكوتي بترجمة الكتاب وأنهاها في وقت قصير، وبدأ الشيخ فقير الله بطبع الترجمة باسم فيض الباري في أجزاء، وقال الشيخ فقيرالله في مقدمة الترجمة بعد ذكر أهمية علم الحديث على العلوم الأخرى: «يود العبد العاجز أن يترجم أصح الكتب بعد كتاب الله صحيح البخاري إلى اللغة الأردية مع شرحه، ليكون مفيدا لعامة المسلمين إلى يوم القيامة، ويكون ذريعة لمغفرة العبد العاجز الفقير العاصي في يوم الحساب، آمين، فكلفت لهذا العمل الشيخ أبا الحسن محمود الحسن السيالكوتي أحد تلامذة فخر المفسرين وسند المحدثين السيد نذير حسين المحدث الدهلوي مد ظله تعالى، وعم فيضه الغالي في سنة 1303هـ»، وطبعت ترجمة الكتاب في ثلاثين جزءا، وصرفت عليه مبالغ كبيرة.
وبهذا انتهى العالم السلفي الشيخ أبو الحسن السيالكوتي بترجمة صحيح البخاري قبل الشيخ النواب وحيد الزمان الحيدرآبادي و سبقه في هذا العمل، وحاول بعده غير واحد من العلماء بتراجم جديدة لصحيح البخاري إلى الأردية فقام الشيخ عبدالأول الغزنوي، والشيخ فضل حق الدلاوري، والشيخ النواب وحيد الزمان الحيدرآبادي، وغيرهم بترجمة صحيح البخاري و لا تزال تبذل الجهود في ترجمة صحيح البخاري إلى الآن، والحمد لله.
التراجم الكاملة لصحيح البخاري
وفيما يلي ذكر جهود علماء شبه القارة الهندية في ترجمة وشرح صحيح البخاري باللغة الأردية، أورد أولا ما وجدت من الأعمال الكاملة حول هذا الكتاب وبالله التوفيق.(39/11)
1- فيض الباري: ترجمة وشرح صحيح البخاري، للشيخ أبي الحسن السيالكوتي (ت 1325هـ)، تلميذ شيخ العرب والعجم السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، وترجمته وشرحه لصحيح البخاري أول ترجمة كاملة لصحيح البخاري اعتمد فيها على شروح البخاري مثل فتح الباري، وإرشاد الساري، وعمدة القاري، وحاشية السندي، والسيوطي، والكواكب الدراري.
والمجلد الأول كان مشتملاً على ثمانية أجزاء من ثلاثين جزءا (معروفا بالهند في تجزية صحيح البخاري) لكن الناشر الشيخ فقير الله لم يرض بهذا القدر القليل من الشرح، ولذا أضاف الشيخ السيالكوتي إلى الشرح كثيرا من الفوائد والاستنباطات، فطلع الكتاب ثلاثة أضعاف من الأصل، وطبعه الشيخ فقيرالله بهذه الزيادات في سنة 1313هـ بالمطبع المحمدي بلاهور، توجد نسخة منه في المكتبة العامة لجامعة همدرد بدلهي الجديدة.
تمتاز هذه الطبعة الثانية بالخط العربي الواضح، أثبتت الترجمة تحت المتن العربي وجاء الشرح على هامشه، واتبع الشيخ السيالكوتي في الترجمة والشرح منهج السلف الصالح، وكما تقدم أن الشيخ فقير الله أثبت مقدمة في بداية الكتاب شرح فيه مكانة السنة، وشرح فيها حاجة ترجمة صحيح البخاري إلى الأردية وفائدتها للناس، وما واجه في إعداد هذه الترجمة والشرح وطباعتها من مشاكل و أتعاب، وأثبت أيضًا شيئًا من مصطلح الحديث من المصادر والمراجع المعتبرة، وكتب بإيجاز عن حياة الإمام البخاري، ومكانة جامعه، وحاجة ترجمته وشرحه باللغة الأردية.
2- تيسير الباري: للنواب وحيد الزمان الحيدرآبادي (1267-1338هـ)، بدأ النواب بترجمة صحيح البخاري في جمادى الأولى سنة 1321هـ، وأكملها في ربيع الأول في سنة 1323هـ، أكملها في مدة سنة وثمانية أشهر وست وعشرين يومًا، وطبعها الشيخ أحمد بن محي الدين في سنة 1312هـ، وعدد صفحات الكتاب 3396 صفحة.(39/12)
وضع متن صحيح البخاري كاملا بحروف كبيرة وترجمة السند والمتن تحت كل سطر من المتن، وفي بداية الكتاب مقدمة، أثبت فيها المترجم سلسلة سنده إلى الإمام البخاري، وفيها بينه وبين البخاري عشرة رجال فحسب، وهذه الترجمة مطبوعة في الهند وباكستان، ومتداولة بين الناس.
3- ترجمة صحيح البخاري: للميرزا حيرت الدهلوي: هذه الترجمة سَلسة جدا وفق لغة ذلك العصر، شرح فيها المواضع المشكلة بين القوسين، واستعان في الشرح والفوائد بفيض الباري للسيالكوتي، والقسطلاني، وطبع الكتاب في ثلاث مجلدات بمطبع كرزن بدهلي، ومطبع نور محمد أصح المطابع بكراتشي، يحتوي المجلد الأول على (627) صفحة، والمجلد الثاني على (672) صفحة، والثالث على (599) صفحة، وأثبتت الفهارس في الأخير.
4- ترجمة وشرح صحيح البخاري: للشيخ محمد داود راز الدهلوي، هذه الترجمة سهلة سَلسة وفق الأسلوب الجديد للغة الأردية الفصيحة، طبعت هذه الترجمة أولاً في جريدة نور الإيمان الشهرية بدهلي، ثم طبعت في سنة 1389هـ في أجزاء على تقسيم الكتاب في ثلاثين جزءا كل جزء على حدة، واستمرت هذه الطباعة إلى سنة 1398هـ، وبعد إكمال طباعتها في جريدة نور الإيمان قامت المكتبة القدوسية بلاهور بطباعتها في شكل الكتاب، وفي الأخير قامت جمعية أهل الحديث المركزية بدلهي بطباعتها، وهي أحسن من الطبعة القديمة، يحتوي الكتاب على ثمان مجلدات، ومجموع صفحاته (4850) صفحة، وفي بداية الكتاب مقدمة نافعة حررها الشيخ المترجم رحمه الله.
وليست هذه ترجمة لصحيح البخاري إلى الأردية فحسب، بل هو شرح وجيز، علق الشيخ محمد داود راز الدهلوي فيها على كل حديث يحتاج إلى شرح وتعليق، اتبع فيها طريق المحدثين في شرح العقيدة، و بيان المنهج، وشرح فيه ما يحتاج إليه الطالب والباحث من مطابقة الحديث للباب، مستعينًا بالمراجع القديمة والحديثة، ولله در المترجم الشارح، فجزاه الله خيرا على هذا العمل الجليل.(39/13)
5- ترجمة صحيح البخاري: للشيخ عبدالدائم الجلالي من علماء الحنفية في ثلاث مجلدات، طبعت بالمطبعة الحميدية بدهلي، يحتوي المجلد الأول على عشرة أجزاء، وعدد صفحاته (634) صفحة، وعدد أحاديثه (3054) حديث.
يحتوي المجلد الأول على المقدمة في (21) صفحة، كتب فيها عن حياة الإمام البخاري، وعن تأليف صحيحه وشروحه وفي آخره فهرس الموضوعات، والمجلد الثاني يبتدئ من الجزء الحادي عشر، وعدد صفحاته (648) صفحة. وفي الأخير فهرس الموضوعات، والمجلد الثالث يحتوي على (568) صفحة، وعدد أحاديثه (12510) حديث، وفي الأخير فهرس الموضوعات.
والجدير بالذكر أن هذه الترجمة بدون إثبات المتن العربي، وبدون ذكر أي فائدة في الحواشي، والترجمة يبتدئ من الصحابي والتابعي الراوي للحديث.
6- الجامع الصحيح للبخاري (المترجم بالأردية): للشيخ عبدالحكيم أختر الشهاجهان فوري، يحتوي على ثلاث مجلدات، المجلد الأول يبتدئ من باب بدء الوحي، وينتهي إلى باب الشروط في الطلاق، وفيه (2531) حديث، والمجلد الثاني يبتدئ من باب الشروط مع الناس، وينتهي إلى باب القراء من أصحاب النبي ×، وفيه (2113) حديث.
والمجلد الثالث يبتدئ من باب فضل فاتحة الكتاب، وينتهي إلى باب نضع الموازين بالقسط، وفيه (2408) حديث، ومجموع صفحات المجلدات الثلاث (2854) صفحة.
بدأ المترجم عمل الترجمة من 24 من شهر شوال من سنة 1400هـ، وأكملها في (13) شهرًا في 26 من شهر ذي القعدة من سنة 1401هـ، وطبعته مؤسسة حامد وشركاه في سنة 1403هـ بالتعاون مع مكتبة فريد بلاهور.(39/14)
مقدمة ترجمة الكتاب بقلم الشيخ غلام رسول السعيدي اللاهوري تحتوي على (55) صفحة، وتشتمل على حياة الإمام البخاري، وبيان سبب تأليف الصحيح، وتسميته بالجامع الصحيح، ووجه قبوله عند الأمة، وذكر فيها حسب منهجه البدعي تسامحات البخاري، وما في صحيحه من الأخطاء في السند والمتن، وفي استنباط المسائل، وحاول أن يثبت أن صحيح البخاري توجد فيه أحاديث ضعيفة وموضوعة ومنكرة، وأن في رواته عددا كبيرا من الرافضة، والجهمية، والقدرية، وكذا فيه رواة ضعفاء من أهل الوهن والضعف.
وأثبت الأحاديث بأسانيدها، واكتفى بإثبات ترجمة الأحاديث لوحدها، وذكر اسم الصحابي أو التابعي فقط، وترجم الأبيات الواردة في الصحيح بالأشعار الأردية، وقام بتصحيح الترجمة وتهذيبها السيد حامد لطيف الحسني.
والمترجم عبدالحكيم أختر عداده من غلاة الصوفية القبورية المعروفين بالبريلوية المبتدعة، وهو أول من ترجم صحيح البخاري إلى الأردية من مبتدعة الهند، وحيث لم يشرح هذا المبتدع أحاديث الكتاب فلم يستطع إدخال عقائده وبدعه في الكتاب في غير المقدمة، ولا يستبعد منه ومن أمثاله إدخال بعض خرافاته عن طريق الترجمة أحيانا، ومن هنا الحاجة ماسة إلى تدقيق هذه الترجمة للتنبيه على التحريف المعنوي عند وجوده عمليا.
7- نزهة القاري شرح صحيح البخاري: للمتفي شريف الحق الأمجدي، المدرس بالجامعة الأشرفية بمباركفور، وطبع الكتاب في تسع مجلدات في دائرة البركات بكهوسي (أعظم كره)،و شرح الأحاديث شرحا متوسطا مع ذكر مطابقة الحديث للباب، وحذف الأحاديث المكررة، وأثبت الحديث في باب واحد حيث ظن أن هذا الباب أنسب بالحديث كما حذف الأبواب المكررة، وأشار في شرح الحديث إلى مسائل مستنبطة من تلك الأحاديث المكررة.(39/15)
وحيث هذا المترجم أيضا من غلاة القبورية البريلوية، ومن متعصبة المذهب الحنفي ذكر في مقدمة ترجمة الكتاب حياة الإمام أبي حنيفة، وخصائص الفقه الحنفي، ولم يكتب شيئا عن حياة البخاري وصحيحه إلا أنه لم ينس ذكر أوهام الإمام البخاري وأخطائه (حسب ظنه).
هذه سبع تراجم وشروح كاملة لصحيح البخاري وكلها مطبوعة، أربعة منها التي جاء ذكرها أولا صدرت بأقلام علماء أهل الحديث في الهند ممن عرفوا بنشر السنة المشرفة للعمل بها والدعوة إليها، وقد استفاد منها كثير من الناس الذين هداهم الله إلى طريق الحق والصواب، والترجمة الخامسة لعالم من علماء الحنفية الديوبندية، وهو الشيخ عبدالدائم الجلالي، ويشكر على منهجه في الترجمة أنه أبعد نفسه عن التعصب المذهبي، والمترجمان الأخيران هدفهما واضح من خلال ما أظهروا وصرحوا، هدانا الله وإياهم إلى الحق والصواب.
التراجم الناقصة لصحيح البخاري
وهناك جهود أخرى كثيرة حول خدمة صحيح البخاري إلا أن هذه الأعمال بقيت ناقصة، وفيما يلي ذكرها، وبالله التوفيق:
1- نصرة الباري بترجمة صحيح البخاري: للشيخ عبدالأول حفيد العلامة عبدالله الغزنوي (ت 1313هـ)، كان الشيخ عبدالأول عالما كبيرا في الحديث وعلومه، وأخذ الحديث عن شيخ العرب والعجم السيد نذير حسين الدهلوي، وقضى حياته في خدمة الكتاب والسنة، قام بترجمة صحيح مسلم باسم «إنعام المنعم بترجمة صحيح مسلم»، وترجمة المشكاة باسم «الرحمة المهداة إلى من يريد ترجمة المشكاة»، وترجمة رياض الصالحين، وكلها قد طبعت في عدة مطابع.
كما ترجم صحيح البخاري، وطبعت الترجمة في سنة 1319هـ، بمطبع القرآن والسنة بأمرتسر (فنجاب)، أثبت المتن مع السند بالخط الجلي مشكولا، ثم أتيت الترجمة تحت المتن، وأثبت على هامشه فوائد مختصرة مأخوذة من فتح الباري، و إرشاد الساري، وحاشية السندي، و هذه الفوائد تمثل منهج السلف الصالح.(39/16)
ويقع الكتاب في ست مجلدات، يحتوي المجلد الأول على 544صفحة من القطع المتوسط، جاء فيه شرح الكتاب من باب «كيف كان بدء الوحي» ينتهي إلى «باب ما ينهى عن سب الأموات» مع فهارس الموضوعات، وفي آخر المجلد وقبل الفهارس كتب نبذة عن مكانة السنة، و مكانة صحيح البخاري في كتب الحديث، وحاجة ترجمته وشرحه باللغة الأردية.
2- تسهيل القاري: للنواب وحيدالزمان الحيدرآبادي: تقدم ذكر ترجمة صحيح البخاري له كاملة، وأما هذا الشرح المفصل مع الترجمة فهو ناقص، استفاد فيه من فتح الباري، وإرشاد الساري، ونيل الأوطار، وغيرها من المصادر القديمة و الحديثة، ولغة الترجمة والشرح سهلة سلسة، وركز في هذا الشرح المطول على ذكر مطابقة الحديث بالباب، وأجرى المحاكمة بين أقوال الشراح، إلا أن هذا الشرح المفيد لم يكتمل، وهو يقع في خمسة أجزاء، و قد حصل الخطأ أو الوهم أن الناشر أثبت اسمه هو على الجزء الخامس الذي اكتمل في سنة (1311هـ).
وكان بود الشارح أن يشرح الكتاب جزءا جزءا حسب التجزئة المعروفة في ثلاثين مجلدا، وطبع الجزء الأول منه (833) صفحة في المطبع الصديقي بلاهور، ذكر في مقدمة الكتاب التي تحتوي على (41) صفحة نبذة عن حياة الإمام البخاري و عن شروح الصحيح، و أتيت فيها أيضا سلسلة سنده للصحيح، فهو يصل إلى الإمام البخاري بواسطة اثنى عشر راويا.
3- فضل الباري بترجمة صحيح البخاري: للشيخ فضل الحق الدلاوري، ترجم لأجزاء من الصحيح مع الشرح، وطبعت بلاهور، وكان بود الشيخ الدلاوري أن يؤلف شرحا كبيرا، و لكن لم يكمله.
4- فيض الباري في شرح صحيح البخاري: للشيخ فضل أحمد الأنصاري، ذكره الشيخ عبد الحي الحسني في الثقافة الإسلامية في الهند.(39/17)
5- العين الجاري في شرح صحيح البخاري: للشيخ هداية العلي اللكنوي، طبع في سنة (1309هـ) بمطبع غلزار محمدي بمراد آباد، و قام بتصحيحه الشيخ محمد إبراهيم الشاه جهانفوري، يوجد عنه المجلد الثاني الذي يبتدئ من كتاب الغسل إلى «باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه»، وعدد صفحاته (113) صفحة، ولاندري عن بقية الأجزاء هل أكملها ثم هل طبع شيء منها أم لا.
6- ترجمة صحيح البخاري (في سبعة أجزاء): للشيخ محمد بن هاشم السورتي (ت 1315هـ).
7- صحيح البخاري: للشيخ أمير علي اللكنوي (ت 1337هـ) من مشاهير الهند، ومن تلاميذ السيد نذيرحسين المحدث الدهلوي، وكان سريع الكتابة وكثير التأليف وله تفسير باسم مواهب الرحمن في ثلاثين مجلدا.
8- أنوار الباري في شرح صحيح البخاري: للشيخ أنور شاه الكشميري (ت1352هـ)، وهو عبارة عن دروس الشيخ الكشميري في دار العلوم بديوبند، رتبها تلميذه الخاص الشيخ السيد أحمد رضا البجنوري، وهو ليس مقتصرا على دروس الكشميري فحسب، بل استفاد البجنوري من تأليفات شيخه و دروسه الأخرى، كما استفاد أيضا من كتب و دروس مشايخ ديوبند: الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، و الشيخ شبير أحمد العثماني، والشيخ أحمد حسين المدني الديوبندي.
وطبع منه عشرون جزءا، كل جزء يقع في (200) صفحة سوى الجزء الأول فهو يقع في (550) صفحة، ولم يكمل بعد.
وكتب الشيخ البجنوري في بداية المجلد الأول مقدمة؛ فصل القول في حياة الإمام البخاري و غيره من أئمة الحديث، ويبدأ الشرح من المجلد الثاني.(39/18)
ويعتبر الشيخ البجنوري من غلاة الحنفية الديوبندية على طريقة العلامة محمد زاهد الكوثري، ففيه غلو في الدفاع عن المذهب الحنفي في الأصول والفروع، ومن هنا حمل حملة شعواء على الإمام البخاري، ومذهبه، ومذاهب المحدثين الذين نصروا الدليل، وخدموا العلم بالحرية، والمتانة، والأدب، (غفرالله الجميع) وقام بالدفاع عن الإمام البخاري، وعن منهجه، ومناهج المحدثين شيخنا الشيخ محمد رئيس الندوي أستاذ الحديث في الجامعة السلفية ببنارس، و ردّ على هفوات المرتب وأخطاءه العلمية والمنهجية باسم كتاب «اللمحات إلى مافي كتاب أنوار الباري من الظلمات»، وطبع الكتاب باللغة الأردية في أربع مجلدات من الجامعة السلفية ببنارس، ومجموع صفحاته (2153) صفحة، والمجلد الخامس تحت الإعداد، يسرالله إتمامه وطبعه.
9- ترجمة صحيح البخاري: للشيخ عبد الوهاب الملتاني (ت: 1326هـ) من تلاميذ السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، وله إجازة أيضا من العلامة راغب الطباخ الشامي، و قد اعترف بأعماله في نشر كتب السنة وخدمتها علامة الشام العلامة محمد منيرالدمشقي في كتابه نموذج من الأعمال الخيرية، وصل الشيخ عبدالوهاب في الترجمة إلى خمسة أجزاء من ثلاثين جزءا من أجزاء الصحيح من التجزئة المعروفة في الهند.
10- تشريحات صحيح البخاري: لمشايخ الديوبندية: رشيد أحمد الكنكوهي، والسيد حسين أحمد المدني، ومحمد زكريا الكاندهلوي، رتبها الشيخ محمد عبدالقادر القاسمي، و طبع الكتاب بـ المكتبة المجيدية بملتان (باكستان) ويقع في (805) صفحة، شرح (490) حديثا إلى باب المرأة تطرح من المصلى من الأذى، وذكر في مقدمة الكتاب شيئا من مصطلح الحديث وتاريخه وكتبه، وذكر مراتب كتب الحديث، أثبت فيه متن الحديث مع الترجمة، وهي ترجمة سهلة سلسة بدون التقيد بالسياق العربي، وأثبت فيه شروح الشيخ حسين أحمد المدني، والشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، والشيخ زكريا الكاندهلوي-رحمهم الله-.(39/19)
11- دروس من صحيح البخاري: للشيخ شبير أحمد العثماني: (ت: 1369هـ) رتبها الشيخ عبدالوحيد الصديقي المدرس بالمدرسة الإسلامية بـ فتح فور، وقامت بنشرها الجامعة الإسلامية بـ دابهيل بولاية غوجرات.
طبع المجلد الأول منه فقط، وهو يشتمل على شرح الصحيح من أوله إلى باب كتابة العلم، و يقع في (444) صفحة.
هذه الدروس ألقاها الشيخ العثماني في الجامعة الإسلامية بـ دابهيل في سنة 1353هـ بعد وفاة شيخه الشيخ أنور شاه الكشميري -رحمهما الله-، ويظهر من ترتيب جامع الدروس أن الكتاب يكمل في أربع مجلدات.
و يظهر من أسلوب الكتاب أن المرتب حريص على أن يتقيد بألفاظ الشيخ العثماني، و قام بتصحيح المسودة الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وقدم للكتاب الشيخ منظور أحمد النعماني مدير جريدة الفرقان الصادرة بلكنؤ.
12- فضل الباري في شرح صحيح البخاري: طبعه الشيخ القاضي عبد الرحمن بـ كراتشي، ونسبه للشيخ شبير أحمدالعثماني، و ادعى القاضي أن هذا الشرح قام به الشيخ شبير أحمد العثماني نفسه، كما ذكر في المقدمة أنه حصل على نسخة من هذا الشرح من ورثة الشيخ العثماني التي رتبها الشيخ عبد الوحيد الصديقي الفتح فوري باسم دروس من صحيح البخاري وقد تقدم ذكرها.
13- دروس من صحيح البخاري: للشيخ السيد أحمد حسين المدني (ت1377هـ) شيخ الحديث في وقته في دار العلوم بديوبند، رتبها الشيخ كفيل أحمد الكيرانوي، يقع المجلد الأول في (200) صفحة، شرح فيه كتاب الإيمان، طبعته المكتبة الإسلامية بديوبند في سنة (1957م) ولم يتسير لي الاطلاع على المجلد الثاني.
مرتب هذه الدروس من تلامذة الشيخ حسين أحمد المدني، رتبها من دروس شيخه، و قام بتصحيحها والدا لمرتب الشيخ عبد الجليل المدرس بدار العلوم بديوبند، وطبع الكتاب بعد وفاة شيخه.(39/20)
14- دروس من صحيح البخاري للشيخ حسين أحمد المدني: رتبها تلميذه الشيخ نعمت الله الأعظمي شيخ الحديث بدار العلوم بديوبند، طبع منها المجلد الأول في (1417هـ) بولاية آسام (الهند) و ينتهي هذا المجلد على باب من أجاب السائل بأكثر مما سال من كتاب العلم.
واستفاد الشيخ نعمت الله في ترتيب هذا الكتاب من الدروس التي رتبها الشيخ علاء الدين المونغيري، والشيخ كفيل أحمد الكيرانوي، كما استفاد فيها أيضا من رسائل الشيخ المدني التي كتبها إلى تلاميذه، وعلق على بعض المواضع، ولم يتيسر لي الاطلاع على بقية المجلدات منها.
15- فيوض الباري في شرح صحيح البخاري: للشيخ محمد محمود أحد شيوخ الفرقة القبورية البريلوية ومن خلفاء السيد أحمد البركات شيخ جمعية الأحناف بلاهور، طبع المجلد الأول من هذا الشرح بمكتبة رضوان بلاهور بباكستان في سنة 1378هـ=1958م.
16- إمداد الباري في شرح صحيح البخاري: للشيخ عبدالجبار الأعظمي، المدرس بالجامعة القاسمية بمدينة مراد آباد بالهند، طبع المجلد الأول من مكتبة الحرم بمراد آباد ويشتمل على (500) صفحة، فيه مقدمة طويلة في الحث على فضائل العلم، وذكر فضائل صحيح البخاري، و تراجم أعلام الحديث الثمانية، والمجلد الثاني يحتوي على (519) صفحة، أطال الكلام في ذكر أقسام الحديث والتعريف بها مع ذكر نماذج من الأحاديث الموضوعة، وتعريف علم الجرح والتعديل، وفيه إيضا من البحوث التي لاطائل تحتها، ولايحصل القارئ بعد قراءة هذين المجلدين على شيء حول صحيح البخاري، ولو استمر هذا الشرح على هذا المنوال لاندري إلى كم يطول.
17- بشير القاري: للشيخ السيد غلام الجيلاني من علماء الفرقة القبورية البريلوية (ت 1379هـ)، كان بود الشارح أن يقوم بشرح كبير لكنه لم يكمل، ووصل إلى آخر بدء الوحي في (24) صفحة.(39/21)
18- نصرة الباري في شرح صحيح البخاري : للشيخ عبد الستار الدهلوي (ت1386هـ)، طبع أول مرة في المكتبة السعودية بكراتشي (باكستان)، أثبت المتن ومقابله الترجمة، ثم ذكر الحاشية تحت المتن، وذكر الشرح في الهامش، ولم يكمل، ويقوم الشيخ كرم الجليلي (بباكستان) حاليا بإكماله.
19- إيضاح البخاري: للشيخ السيد فخرالدين أحمد شيخ الحديث بدار العلوم بديوبند (ت: 1392هـ)، قام بتدوين و ترتيب دروسه تلميذه الشيخ رياست على البجنوري، وقام بمراجعتها الشيخ محمد لقمان الفاروقي، طبع منه أربع مجلدات إلى عام (1380هـ) من مكتبة معارف القاسم بديوبند، ومجموع صفحاته (2235) صفحة، والمجلد الرابع ينتهي على باب السهو على الأنف في الطين.
وفي بداية المجلد الأول مقدمة تحتوي على (52) صفحة، فيها نبذة عن حياة الشيخ فخرالدين أحمد، والإمام البخاري، وهذا الشرح خلاصة للشروح السابقة مثل فتح الباري، وعمدة القاري، وإرشاد الساري.
20- ترجمة صحيح البخاري: للشيخ محمد حنيف الندوي (ت 1407هـ) نشرت الشركة العلمية المحدودة بلاهور (باكستان) من عام 1939م عدة أجزاء، و مع الأسف لم تكتمل الترجمة.
21- جامع صحيح البخاري(الترجمة مع الشرح): للشيخ زين العابدين ولي الله الشاه، طبعته إدارة المؤلفين بـ ربوه (باكستان)، أثبت المتن في أول السطر، ثم أثبتت الترجمة مقابل المتن، وجاء في هامشه شيء من الشرح، يوجد منه بعض الأجزاء في المكتبة العامة بجامعة همدرد بدلهي ولم يتيسر لي الاطلاع على بقية الأجزاء.
22- إرشاد الساري: للشيخ المفتي رشيد أحمد اللدهيانوي، طبعت منه أربع مجلدات.
و توجد هناك تراجم لمنتخبات و تجريدات صحيح البخاري و ثلاثياته، قام بها جماعة من العلماء يطول ذكرها واستيعابها، ومعظمها على غرار ما تقدم ذكره أو ما هو مأخوذ مما تقدم.
حاجة ماسة لعمل جديد
حول شروح و تراجم كتب الحديث باللغة الأردية وغيرها من اللغات(39/22)
و يلاحظ على طريقة العلماء في هذه التراجم و الشروح أن معظمهم توخوا تقديم تعاليم رسول الإسلام × إلى شعوبهم لكي يستفيد المسلمون من هذا المنهل الصافي، و يأتسوا بالرسول × إلا أنه يوم انتشرت دعوة العمل بالسنة المشرفة، والعودة إلى الكتاب و السنة في جميع أمور الدين على أيدي رجال الدعوة و الإصلاح و الجهاد الذين اجتمعوا حول قيادة الإمامين المجاهدين السيد أحمد بن عرفان(ت 1246هـ)، ومحمد إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي(ت 1246هـ) المعروفَين عند أهل الهند بالشهيدين –جعلهماالله وأصحابهم من الشهداء حقا و من المغفورين صدقا- وكذلك على أيدي الإمامين النواب صديق حسن القنوجي البوفالي(ت 1307هـ) والمحدث السيد نذيرحسين الدهلوي(ت 1320هـ) وأصحابهما و تلاميذهما -رحمهما الله جميعا- فيوم انتشرت هذه الدعوة المباركة في شبه القارة الهندية لم يعجب هذا الخير مَن كان نشأ على التقليد والتمذهب و التصوف، وكذلك من كان مشهورا بمجاهرة البدع والخرافات فقام هولاء بخدمة السنة تدريساً، و تأليفاً، وترجمةً و نشراً لإيقاف هذا المد المبارك، و صرف الناس منه إلى التقيد بالمذهب الفقهي والجمود عليه أو التصوف المتغلغل في المجتمع الهندي و لو على حساب رفض الحديث الصحيح أو الاستنباط المسدد، بل وصل الأمر إلى إخضاع النصوص و ليّ أعناقها لتأييد المذهب المقصود نصرته وتأييده، وتفصيل هذه الأمور يوجد في كتابات عديدة منها كتاب حركة الانطلاق الفكري وجهود الشاه ولي الله الدهلوي للشيخ العلامة محمد إسماعيل السلفي بتعريب شيخنا الدكتور مقتدى حسن الأزهري رئيس الجامعة السلفية ببنارس، وشيخنا العلامة محمد رئيس الندوي في كتاباته الكثيرة و خاصة في كتابه اللمحات إلى ما في كتاب أنوار الباري من الظلمات، و جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة للدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.(39/23)
ونظرا إلى ما تقدم وما نلمس من احتياجات أهل شبه القارة الهندية إلى كتب إسلامية جديدة مناسبة لأفهامهم و مستوياتهم وضعت مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية بدلهي الجديدة تحت إشراف مؤسسها ورئيسها فضيلة الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي خطة لتحقيق هذا المطلب باسم مشروع نقل علوم السلف إلى لغات الهند، ويضم هذا المشروع ترجمة بعض كتب التفسير إلى الأردية، و كذلك إعداد موسوعة الأحاديث النبوية باللغة الأردية التي تشتمل على الصحيحين والسنن الأربعة و الموطأ وسنن الدارمي، وقد أوشك المجلس العلمي على إعدادها، وكاتب هذه السطور أحد العاملين في هذا المشروع، والحمد لله أولاً وآخراً، روعي فيه أن تكون الترجمة سهلة ميسرة، و مفهومة لدى أهل اللغة الأردية والهندية في زماننا هذا، وتكون الهوامش على الأحاديث بقدر الحاجة والضرورة تساعدهم على فهم النص النبوي، وتحثهم على العمل به، ويكون المتن العربي مقابلا على النسخ المعتمدة والمشهورة، و نرجو بعد طباعة صحيح البخاري مع غيره من كتب السنة الأصلية على هذه الخطة أن تتحقق -بإذن الله- أمنية كثير من الإخوة حول هذا المشروع المبارك، وتزامن ندوة ترجمة السنة والسيرة تحت إشراف الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها عمل مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية حول هذا المشروع فيه تأكيد مزيد على أهمية تقريب السنة و السيرة إلى جميع الشعوب الإسلامية، بل إلى جميع الناس، و فقنا الله وإياكم لما فيه خير وسعادة، وصلى الله على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم.
المراجع و المصادر
1- أبجد العلوم للنواب صديق حسن القنوجي البوفالي، ط. بوفال.
2- إتحاف النبلاء للنواب صديق حسن القنوجي البوفالي ط. بوفال.
3- استدراكات على تأريخ التراث ط. دار ابن الجوزي
4- تأريخ التراث العربي لفواد سزكين،ط. جامعة الإمام،
5- التاج المكلل، للنواب صديق حسن، ط. الدار القيمة، بهيوندي، بمبئ،(39/24)
6- الثقافة الإسلامية في الهند، للشيخ عبد الحي الحسني ط. دمشق
7- جهود الشيخ صديق حسن في مجال الأدب العربي واللغة العربية. تأليف الدكتور السيد اجتباء الندوي، ط. دار القلم بدمشق.
8- جهود مخلصة في خدمة السنة المشرفة للدكتور عبدالرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. ط. ثانية، الجامعة السلفية، بنارس، الهند.
9- الحطة في ذكر الصحاح الستة للنواب صديق حسن القنوجي البوفالي، تحقيق على حسن الحلبي الأثري.
10- سيرة الإمام البخاري للشيخ عبدالسلام المحدث المباركفوري.
11- الشيخ صديق حسن وجهوده في الدعوة والاحتساب، تأليف الدكتور على الأحمد رسالة جامعية في جامعة الإمام. ط. مكتبة الرشد بالرياض.
12- عقيدة الشيخ صديق حسن وجهوده في نشر العقيدة، تأليف الدكتور أختر لقمان رسالة جامعية من جامعة أم القرى. ط. دار ابن الجوزي، الدمام.
13- فهارس مكتبة جامعة همدرد، دلهي الجديدة.
14- كشف الظنون لحاجي خليفة، مصورة بيروت.
15- اللمحات إلى مافي كتاب أنوار الباري من الظلمات للشيخ محمد رئيس الندوي السلفي، ط. الجامعة السلفية ببنارس بالهند.
16- نزهة الخواطر للشيخ عبد الحي الحسني.ط. دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد.
17- نموذج من الأعمال الخيرية للعلامة محمد منيرالدمشقي في كتابه بمصر.
فهرس المصادر والمراجع
الموضوع ... رقم الصفحة
مقدمة البحث: ... 2
عناية علماء الهند و باكستان بترجمة و شرح صحيح البخاري بالعربية و الفارسية ... 4
التأليف و الترجمة باللغة الأردية ... 5
بداية عمل الترجمة بالأردية لكتب السنة ... 5
ترجمة الكتب الستة ... 7
ترجمة صحيح البخاري إلى اللغة الأردية ... 9
التراجم الكاملة لصحيح البخاري ... 10
التراجم الناقصة لصحيح البخاري ... 14
حاجة ماسة لعمل جديد ... 19
حول شروح و تراجم كتب الحديث باللغة الأردية وغيرها من اللغات(39/25)
الشيخ محمد إدريس عبد الرؤوف المربوي وجهوده في ترجمة السنة النبوية
إلى اللغة الملايوية
بحث مقدم لندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية المقامة في الجمعية العلمية السعودية للسنن وعلومها ( سنن ) في الرياض
إعداد
د.أحمد قاسم كسار
كلية دار الرضوان الإسلامية
ماليزيا
بسم الله الرحمن الرحيم
( المقدمة )
الحمد لله الذي جعلنا من أهل السنة ، حمداً كثيراً طيباً مباركاً ينجينا من النار ويدخلنا الجَنّة ، والصلاة والسلام على المبعوث بشيراً ونذيراً للإنس والجِنَّة ، وعلى آله وأصحابه ذوي القلوب المؤمنة والأنفس المطمئنة ، ومن تبعهم بإحسان من أهل الدين والملة .
وبعد :-
فلا بدَّ أولاً أن أتوجه بالشكر الجزيل لقائمين على الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها في الرياض على جهودهم المبذولة في خدمة السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .
ثم الامتنان لأعضاء لجان ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية على مساهمتهم في هذا النشاط المبارك وحرصهم على إنجاحه وأخص منهم بالذكر الدكتور خالد بن محمد باسمح رئيس اللجنة العلمية على تواصله معنا .
إنَّ هذا البحث يأتي في تحقيق جزء من أهداف الندوة وهو التعرف على أبرز الجهود المعاصرة في ترجمة السنة والسيرة النبوية وتقويمها ، حيث أنَّ الشيخ محمد إدريس المربوي من الشخصيات الملايوية الذين يشار إليهم بأصابع اليد اليمنى في جهوده الكبيرة والمتميزة في خدمة السنة النبوية باللغة الملايوية .
والبحث ضمن جدول أعمال المحور الرابع المختص بالدراسة التقويمية لواقع الترجمة المعاصرة للسنة وعلومها والسيرة النبوية ، وهو ضمن جزئية البحث عن الاهتمام بالسيرة باللغة الملايوية .(40/1)
ويأتي هذا البحث وهذه المشاركة في مرحلة ثانية ومتممة للمرحلة الأولى ، حيث أنني أولاً شاركت في مؤتمر التراث النبوي الواقع والتحديات المعاصرة الذي أقامته كلية القرآن والسنة في جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا واشتركت فيه ببحثي الموسوم : ( الرسوم المعاصرة المسيئة إلى شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم والموقف الماليزي منها ) وكانت دراسي لهذا الموضوع واستماعي لجلسات المؤتمر ومشاركتي في التعقيبات والمداخلات قد زودتني بمعرفة ليست بالقليلة عن واقع السنة النبوية في ماليزيا ، وهو واقع مشرف من غير العرب في الاهتمام بهذا التخصص الشرعي من خلال الندوات والمؤتمرات والنشاطات العلمية الأخرى ، فضلاً عن التخصصات الأكاديمية في هذا المجال ، والصحوة الحديثية في أرجاء هذا البلد – إن صحَّ التعبير - ، وكذلك تعلق المسلمين الملايويين بشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسنته القولية والفعلية ، فالغالب على أسمائهم المركبة أن يكون الاسم الأول هو ( محمد ) ، وكذلك مظاهر التعظيم للسنة وتوقيرها ، ولا تسمع من خطيب ولا محاضر يذكر حديثاً إلا ويعقبه بتخريجه من مظانه ، وهذا كلّه إن دلَّ على شيء فإنما يدل على الاهتمام بالسنة أيما اهتمام .
وجاء بحثي هذا تفعيل لمقررات المؤتمر الذي شاركت فيه في ماليزيا والذي أكد أشد التأكيد على ضرورة دراسة السنة النبوية والبحث فيها ؛ لأنه جزء من حفظها ، ومساهمة فاعلة في الاهتمام بها ، والدفاع عنها في عصر يفرض على الأمة الاهتمام بتراثها لحماية هويتها من الذوبان في الثقافات العالمية ، وفي ظل الظروف العالمية المعاصرة التي تنال بين الحين والآخر من ديننا وعقيدتنا ورسولنا بأنواع من المكائد وإثارة الشبهات وغير ذلك .(40/2)
لذا فإن نشر السنة باللغات العالمية وبيانها للناطقين بغير العربية لتوضيح حقائق الإسلام عن طريق السنة والسيرة ، والشرب الصافي الزلال من معين الجانب السلوكي النبوي الترجمان للقرآن الكريم ، وكذا التعرف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه كله من أجل الاقتداء وأخذ الأسوة والقدوة منه .
وها هي المكتبات العامة والخاصة والتجارية بماليزيا تشهد الكثير من كتب السنة والسيرة النبوية المترجمة إلى اللغة الملايوية ، وتتوالى طبعاتها تلبية لحاجة المجتمع الملايوي المسلم ، ولكن تبقى جهود الشيخ المربوي في هذا المجال متميزة لسبقها كل هذه الأعمال من جهة ، ولمادتها العلمية الثرية بمعلوماتها وبسطها في التصنيف والتأليف من جهة أخرى ، فضلاً عن توافرها لدى الناس أو بالقرب منهم ولا سيما لدى المتخصصين بعلوم الشريعة الإسلامية والأئمة والخطباء والدعاة إلى الله وسائر طلبة العلم .
هذا وقد جاء بحثي بعد هذه المقدمة في تمهيد لوصف البحث ، ثم مبحثين رئيسين أحدهما عن حياة الشيخ المربوي ، والآخر عن جهوده في خدمة السنة النبوية ، وخاتمة ، وكشف للمصادر والمراجع .
ولا يسعني في الختام إلا أن أتوجه بالعرفان الجميل للأخوة الأساتذة والمحاضرين الماليزيين في مركز الدراسات الإسلامية ومركز اللغات بكلية دار الرضوان الإسلامية على مساعدتي في تحصيل معلومات البحث ومشاركتهم في التوثق منها خلال إعداد البحث وبعده فجزاهم الله خيراً وبارك فيهم .
ختاماً :
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعني بما يعلمني ، وأن يعلمني ما ينفعني ، وأن يزيدنا علماً ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يبارك في أعمالنا وأعمارنا إنّه هو السميع العليم
رب تغمد الشيخ المربوي برحمة عامة ومغفرة تامة ، وأسكنه فسيح الجنان ، واحشره مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
الباحث
التمهيد
في وصف البحث(40/3)
... ... 101 أهداف البحث
1 - تحقيق جزء من أهداف ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية المقامة في الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها في الرياض لعام 1428 هـ .
2 – توثيق تأريخي لشخصية علمية ذات تخصص شرعي من ماليزيا استطاعت أن تخدم السنة النبوية باللغة الملايوية .
3 – التعرف على جهد علمي في ترجمة السنة النبوية إلى اللغة الملايوية .
4 – إيصال رسالة إلى العالم العربي والإسلامي والدولي على حد سواء بأن للمسلمين من غير العرب جهوداً في خدمة دينهم وتراثهم ولا سيما علوم الكتاب والسنة فهما مرجعيتهم في فهم الدين .
102 أهمية البحث
تكمن أهمية البحث في تناوله لهذا الموضوع ، ومشاركته مع المشاركين بهذه الندوة ، ومن ثم تعريف الوسط العلمي والمعرفي في العالم الاسلامي بالجهود المبذولة لخدمة السنة والسيرة النبوية على صاحبهما أفضل الصلاة والسلام ، في الوقت الذي تتعرض له السنة والسيرة النبوية إلى مؤامرات ومكائد وسخرية في مواجهات التحدي من أعداء الأمة ، فضلاً عن هجر السنة والعمل بها من قبل أبناء الأمة .
وتزداد أهمية البحث – أيضاً – بعد أن يكون هذا البحث مع غيره من البحوث والمشاركات بين يدي الأجيال المعاصرة أو القادمة للتعرف على موضوع البحث ومداخلاته ومسائله وأبحاثه ومتطلباته .
103 مشكلة البحث
1- قلة المعلومات المترجمة من اللغة الملايوية أو الانكليزية إلى اللغة العربية في ماليزيا بخصوص هذا الموضوع وأمثاله .
2 – ندرة المصادر والمراجع العلمية التي تسعف البحث بالنصوص والشواهد المتعلقة بالعنوان ؛ لكونه معاصراً من جهة ، ولأنه محدد بجهد فردي من جهة أخرى .
104 أسئلة البحث
يحاول البحث أن يجيب عن الأسئلة الآتية :
س 1 / من هو الشيخ المربوي ؟
س 2 / ما هي جهوده في ترجمة السنة النبوية ؟
س 3 / ما أهمية ترجمة النصوص الشرعية الإسلامية للمسلمين من غير العرب ؟
س 4/ ما طبيعة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الملايوية ؟(40/4)
105 حدود البحث
حدود البحث لا تتجاوز الشيخ المربوي والمصادر الحديثية التي ترجمها من اللغة العربية إلى اللغة
الملايوية ، ولأن هذا التحديد يراعي ضوابط المشاركة في هذا الندوة والتقيد بالمحور الذي يحقق الهدف من المشاركة ، ضمن أوراق معدودة .
106 منهج البحث
1 – اعتماد المنهج التاريخي لحياة الشيخ المربوي .
2 – اعتماد المنهج التقويمي للمصادر المترجمة .
107 خطة البحث
تقوم خطة البحث على مقدمة وتمهيد ومبحثين رئيسين :
فأما التمهيد ، فهو في وصف البحث ، ويتناول أهداف البحث ، وأهمية البحث ، ومشكلة البحث ، وأسئلة البحث ، وحدود البحث ، ومنهج البحث ، وخطة البحث ، ومحور البحث ، ولغة البحث .
والمبحث الأول : يتضمن : اسمه ونسبته ، ولادته ونشأته ، رحلته إلى مصر ، رجوعه إلى ماليزيا ، علمه ، من مؤلفاته ، صفاته وأحواله ، وفاته .
والمبحث الثاني : وفيه مسائل : الأولى تعريف بالغة الملايوية ، والثانية : الحديث النبوي وعلومه في الملايو ، والثالثة : اللغة العربية وعلومها في الملايو ، والرابعة : مظاهر ترجمة الكتب العربية إلى اللغة الملايوية ، والخامسة : الكتب الحديثية التي ترجمها المربويّ .
108 محور البحث
البحث من المحور الرابع الخاص بـ( دراسة تقويمية لواقع الترجمة المعاصرة للسنة وعلومها والسيرة النبوية / الاهتمام بالسنة باللغة الملايوية ) ، علماً أن الندوة تضم خمسة محاور رئيسة .
109 لغة البحث
لغة البحث هي اللغة العربية .
المبحث الأول
حياة الشيخ المربويّ
اسمه ونسبته :
هو محمد إدريس بن عبد الرؤوف بن جعفر بن إدريس المربويّ ، من مدينة كوالا كنسر بولاية بيراق (1) في ماليزيا ، ويعود أصله إلى المهاجرين من سومترا بأندونيسيا إلى ماليزيا (2) .
__________
(1) بيراق أو فيراق أو بيراك ولاية في أقليم الساحل الغربي لشبه جزيرة الملايو بماليزيا .
(2) جريدة أوتوسن قبلة ، يوليو / 1992 م .(40/5)
والمربويّ نسبة إلى اسم قريته ( لوبوق مربو ) ومعناها بالعربية ، ( لوبوق ) : الجزء العميق من النهر ، و ( مربو ) اسم شجر ينبت في جانب ذلك النهر ، وهو شجر ( السّاج ) تصنع منه السفن (1) .
ومن الجدير بالذكر أن المطبعة المربوية في مصر تنسب إليه ؛ حيث كان الشيخ المربويّ يملكها ، وكذلك ينسب إليه القاموس العربي – الملايو الشهير بالقاموس المربويّ ؛ لأنه مؤلفه .
ولادته ونشأته :
ولد بمكة المكرمة في : 28 / ذي القعدة / 1313 هـ الموافق لعام 1893 م ، عندما كان أبواه يحجان بيت الله الحرام (2) .
وبقي المربويّ مع أبيه وأمه في مكة المكرمة منذ ولادته وحتى صار عمره عشر سنوات ، ثم انتقل مع أسرته إلى ماليزيا عام 1323 هـ (3) .
رحلته إلى مصر :
سافر المربويّ مع أسرته إلى مصر ، وسكن بجانب جامعة الأزهر بالقاهرة ، منذ عام 1934 م وحتى عام 1989 م (4) .
رجوعه إلى ماليزيا :
رجع المربويّ إلى ماليزيا بعد رحلة الخمسة والخمسين عاماً ، وسكن بمدينة إيبوه مركز ولاية بيراق (5) .
علمه :
عندما كان المربويّ في مكة المكرمة فإنه درس في مدارسها الإبتدائية العربية (6) ، وقد حفظ ستة عشر جزءاً من القرآن الكريم ، وأخذ دروس لبعض العلوم الشرعية والعربية من الحلقات العلمية (7) .
__________
(1) قاموس بستاك : 861 ، 911 .
(2) رسالة تيتيان مسرا ، يونيو / 1996 م .
(3) جريدة أوتوسن قبلة ، سبتمبر / 1980 م .
(4) جريدة أوتوسن قبلة ، يوليو / 1992 م .
(5) حوار مع عائلته أجراه أحد الباحثين .
(6) تيتيان مسرا ، يونيو / 1992 م .
(7) جريدة أوتوسن قبلة ، سبتمبر / 1980 م .(40/6)
وعندما نتقل إلى ماليزيا درس في مدرسة قريته مع التحاقه بنظام الحلقات العلمية في المساجد والتي تسمى بـ( الفندق ) وأخذ يتنقل بعدها إلى دروس العلماء ومجالسهم العلمية في عدد من ولايات ماليزيا ومدنها ، ودرس عندهم الفقه والحديث والعقيدة واللغة العربية وغيرها (1) .
وفي سنة 1934 م رحل الشيخ المربويّ إلى مصر ليكمل دراسته ، وكان من أوائل أبناء ولايته الذين ذهبوا ليواصلوا دراستهم العالية بمصر (2) .
وفي سنة 1980 م حاز الشيخ المربويّ على إجازة الدكتوراه الفلسفة الفخرية من الجامعة الوطنية بماليزيا (3) .
كما أنّه حاز على جائزة ( مع الهجرة ) الأولى للعام الهجري 1408 هـ ، وهو أول من حاز هذه الجائزة بعد إنشائها في ماليزيا (4) .
من مؤلفاته :
1- تفسير قرآن مربويّ .
2- تفسير سورة يس .
3- تفسير جزء عمَّ .
4- تفسير الفاتحة .
5- بحر الماذي شرح مختصر صحيح الترمذي .
6- بلوغ المرام ترجمة إلى الملايو .
7- قاموس المربويّ ( عربي – ملايو ) .
8- قاموس الجيب المربويّ .
9- فربند هاران علمو ( قاموس جامع لأنواع العلوم ) .
10- نظام الحياة للأمة الإسلامية .
11- فنجا أوكام دان فاتي حكم 2 عبادات .
صفاته وأحواله :
لقد رُزق الشيخ المربويّ بقوة في العقل وبسطة في الجسم ، فلقد تجاوز التسعين عاماً وهو صحيح البدن قوي الحركة سريع الفهم (5) .
__________
(1) رسالة سببوتن فرايان ، بمناسبة ( 100 ) سنة على تأسيس مدرسة كبنسان لوبوق مربو في كوالا كنسر / 1991 م .
(2) جريدة أوتوسن قبلة ، سبتمبر / 1980 م .
(3) جريدة أوتوسن قبلة ، سبتمبر / 1980 م ، سيناران إسلام / 1987 م .
(4) موقع ( ملتقى أهل الحديث ) على الأنترنيت .
(5) في حوار مع عائلته أجراه أحد الباحثين .(40/7)
ولم يزل يلبس العمامة والجبة ، وكان عالماً ورعاً ، اهتم بصلة الرحم وحسن المعاملة مع الناس مع طيب العشرة ، كما أنه كان متواضعاً ، وكان متبعاً للسنة في شأنه كلّه (1) .
وفاته :
توفي الشيخ المربويّ – رحمه الله – في عام 1410 هـ الموافق 1989 م ، ودفن في المقبرة الإسلامية في لوبوق مربو بكوالا كنسر بجانب زوجته الأولى التي ماتت قبله بخمسة أشهر .
وقد حفظ بعض الصروح العلمية في ماليزيا الود لهذا الشيخ الفاضل فجعلت اسمه علماً لمؤسساتها ومنها :
- كلية إدريس المربويّ في الجامعة الوطنية الماليزية .
- مدرسة الشيخ محمد إدريس المربويّ في كوالا كنسر .
- كلية إدريس المربويّ الإسلامية في إيبوه ، أقامتها ابنته من هبة جائزة ( مع الهجرة ) التي حصل عليها الشيخ المربويّ .
المبحث الثاني
جهوده في خدمة السنة النبوية
المسألة الأولى : تعريف بالغة الملايوية
اللغة الملايوية هي اللغة الرسمية الفصيحة في جنوب شرق آسيا ، ويتحدث بها كل من ماليزيا وأندونيسيا وبروناي دار السلام وسنغافورة .
وتعد اللغة الملايوية رابع أوسع اللغات من حيث الناطقين بها من مجموعة لغات العالم ، حيث يبلغ عدد الناطقين بها ( 300 ) مليون نسمة ، صرّح بذلك الدكتور أوانج ساريان مدير قسم اللغة بمجمع اللغة الماليزي (2) ، وفي مقالة كتبها دافيد جرادول مدير شركة ذي إنجلش كامبني للاستشارة اللغوية ونشرها في مجلة العلوم بعنوان : ( مستقبل اللغة ) حيث ذكر أنَّ اللغة الملايوية تعتبر من ضمن أسرع ثلاث لغات تطوراً في العالم (3) .
وتكتب اللغة الملايوية بخطين أحدهما : الجاوي القديم الشبيه لرسم الحروف العربية ، والآخر : الحرف اللاتيني المعاصر .
المسألة الثانية : الحديث النبوي وعلومه في الملايو
__________
(1) في حوار مع عائلته أجراه أحد الباحثين .
(2) وكالة الأنباء الوطنية الماليزية / برناما .
(3) المصدر نفسه .(40/8)
كانت جنوب شرق آسيا عموماً ومنها ماليزيا أقل الجهات إعتناءً بالحديث النبوي الشريف وعلومه لغلب على أهلها الفقه والتصوف ، ولكن لا يخلو ذلك ممن يعتني بالحديث النبوي ويصرف نظه إليه على قلتهم ؛ ولكن ليعلم أنه ليس القصور في جانب الحديث والسنة يعود إلى ضعف مستوى الملايويين المسلمين به ، ولكن لانشغالهم بالدعوة إلى الله والوعظ والارشاد وبذل الوسع في محو الأمية ورفع الجهالة عن الناس وتبصيرهم بشؤون دينهم وتعليمهم قراءة القرآن الكريم وفروض العين ودروس الأخلاق والعقيدة وغيرها من العلوم التي يحتاجونها لتثبيت إيمانهم وتفقههم في شريعة دينهم .
ولعل هذا السر الوحيد في إقلالهم من التأليف والتصنيف في علم الحديث النبوي وترجمته لتوجههم نحو التفقيه والتوجيه والتثقيف (1) .
وفي بحوث علمية مشاركة في مؤتمرات وندوات اطلعت إلى بعضها كان من نتائجها أنَّ الشيخ المربويّ له إسهامات كبيرة وكبيرة جداً في تحريك الحديث النبوي الشريف في بلاد الملايو كلها (2) .
المسألة الثالثة : اللغة العربية وعلومها في الملايو
من أهم ما يميز اللغة الملايوية هو موضوع الاقتراض اللغوي من اللغة العربية حيث ذكر الأستاذ الدكتور عبد الرحمن شيك رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا - ذكر - في بعض محاضراته وأبحاثه أنَّ هناك ( 3302 ) كلمة اقترضتها اللغة الملايوية من الألفاظ العربية (3) .
__________
(1) ملتقى أهل الحديث / الإنترنيت .
(2) منهم الباحثان الماليزيان : علي محمد والباحثة أسماء وردة .
(3) الألفاظ العربية المقترضة في اللغة الملايوية : 2 .(40/9)
وقد أسهمت النهضة الإسلامية في إصلاحات كثيرة ببلاد الملايو منها طريقة كتابة اللغة الملايوية بالكتابة العربية ، وتعد هذه الخطوة أول مساهمة إسلامية هامة في الثقافة الملايوية وتعرف بالكتابة الجاوية ( TULISAN JAWI ) (1) .
ومما يجمعها بالعربية موضوع الخط الجاوي التراثي المشابه للحروف العربية ، ويؤكد باحثون أن تاريخ العربية في ماليزيا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاسلام والقرآن ، وتستخدم اللغة العربية في ماليزيا بأشكال متعددة الأغراض ، فمنها الإعلامي فما زالت هناك صحف تصدر بالخط الجاوي وباللغة العربية أيضاً ، ومنها الجانب السياحي والتجاري والدبلوماسي فهناك دورات تعقد للقائمين بهذا المجال لتعليمهم اللغة العربية ، فضلاً عن أنَّ الكثير من المساجد والمدارس والمعاهد والكليات والجامعات الماليزية تستخدم اللغة العربية في تدريس المواد الشرعية وكذا تعليم اللغة نفسها في مواد دراسية تعرف بـ( بهاسا عرب ) أو بأقسام وشعب علمية متخصصة (2) .
المسألة الرابعة : مظاهر ترجمة الكتب العربية إلى اللغة الملايوية
إنَّ من أهم الأمور في دراسة أثر الإسلام في اللغة الملايوية هو حركة التأليف والترجمة بالحروف العربية ، فالدعاة والعلماء قاموا بإصدار كتب ومؤلفات في الدراسات الإسلامية لأبناء الملايو باستعمال اللغة الملايوية مكتوبة بالحروف العربية ليقرأها أبناؤهم تيسيراً لهم في فهم الإسلام (3) .
ولهذا طبعت في مكة المكرمة مجموعة كبيرة من الكتب الإسلامية الملايوية بهذه الحروف ووزعت في أرجاء البلاد الملايوية (4) .
أولاً : العنوان والمقدمة
__________
(1) أثر العربية في اللغة الماليزية : 19 .
(2) صحيفة الوطن : العدد ( 1686 ) / 2005 م .
(3) ملامح تأثير الثقافة الإسلامية في بلاد الملايو : 3 .
(4) المصدر نفسه .(40/10)
تحتفظ الكتب الملايوية المترجمة عن اللغة العربية بالعنوان والمقدمة بأن تكونا باللغة العربية ، ومثال ذلك عنوان شرح مختصر صحيح الترمذي للمربوي الموسوم بـ( بحر الماذي ) والماذِيّ هو : العسل الأبيض (1) وهذا الاختيار للاسم لا يعرفه إلا من له اطلاع عميق على اللغة العربية ، وكذلك مقدمته المسجوعة وهي : ((الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بِفضلِه العَظيم ؛ إذ مَنَّ علينا بمحمدٍ أفضلِ الخلقِ ، فهدانا إلى دينِ الحقِّ والصراطِ المستقيمِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الكريم الحليم ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وحبيبُهُ وخَليلُهُ الذي خُصَّ بالخُلقِ العظيم ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ الذين فازوا منه بالحظ الجسيم )) (2) .
ثانياً : الإقتراض اللغوي
تزخر الكتب الملايوية المترجمة عن اللغة العربية بالكلمات المقترضة ولا سيما في موضوعات الشريعة الإسلامية بحكم طبيعة الدين الذي يعتنقه الملايويون ، فالكثير من كلمات الفقه والحديث والعقيدة هي باللغة العربية ، ولكن هناك ما طرأ عليه تغيير في الصوت أو الرسم أو التبديل أو غير ذلك ، والبعض الآخر مما تحتفظ به اللغة الملايوية بدون تغيير ، وهذا ما لا يثقل على المترجم للنصوص الشرعية في اختيار المفردات للمعاني .
وهذه نموذج من الأمثلة : ( أخلاق ، أصح ، عمل ، عسكر ، باطن ، بركة ، دولة ، دنيا ، ضروري ، فرض عين ، فتوى ، فاسق ، حديث ، هدية ، حاكم ، حياة ، حكمة ، حساب ، إحسان ، جنازة ، كرامة ، خليفة ، خطبة ، ميت ، مسكين ، رخصة ، سند ، تأويل ، وحي ، ظالم ، ذمة ....) .
ثالثاً : الأسلوب التركيبي (3)
1. إذا كانت الجملة مبتدأ يعني أولاً في اللغة العربية فإن الترجمة لها تكون : ( برمولا ) .
__________
(1) لسان العرب : مادة ( موذ ) .
(2) بحر الماذي : 1 / 1 .
(3) أثر اللغة العربية في تأليف الكنب الجاوية القديمة : 57 .(40/11)
كما في المثال الآتي : )) عن أبي هريرة قال : حذف السلام سنة .
درفد أبي هريرة كا?? برمولا س?راممبري سلام ايت سنة نبي (( (1) .
2. إذا كانت المفردة في موضع الفاعل فإن الترجمة معها تكون : ( أوليه ) .
كما في المثال الآتي : )) عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة .
درفد أسماء بنت أبي بكر بهواس? سؤرغ فرامفوان برتا? اي : كن نبي صلى الله عليه وسلم درفد كاي? يغ مغنائي اكندي أوله داره درفد جيض (( (2) .
3. إذا كانت المفردة في موضع المفعول فيترجم لها ومعها : ( اكن ) .
كما في المثال الآتي : )) عن ابن عمر أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف .
درفد ابن عمر بهواسن اداله اي افبيل سمبيغ اي اكن جمعة كمبالي (( (3) .
رابعاً : الأدوات (4)
1- ( الواو ) في العطف تكثر في الترجمة بلفظ ( دان ) .
كما في المثال الآتي : )) ولكن جهاد ونية .
دان تتافى فداغ دان نية (( (5) .
2- ( الذي ) في الوصل بلفظ ( مك )
كما في المثال الآتي : )) الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة .
اي مك كتاكو الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة (( (6) .
3- ( أو ) بلفظ ( أتو )
كما في المثال الآتي : )) أو شجر الجنة .
اتو فوهن كايو شركا (( (7) .
4- ( إلا ) بلفظ ( ملينكن )
كما في : )) أن لا إله إلا الله .
بهواس? تياد توهن ملينكن الله (( (8) .
5- ( أنَّ ) بلفظ ( بهواس? )
كما في : )) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم .
بهواس? نبي صلى الله عليه وسلم (( (9) .
أما إذا خففت فتكون بلفظ ( بهوا )
__________
(1) بحر الماذي : 206/2 .
(2) بحر الماذي : 207/1 .
(3) بحر الماذي : 229/3 .
(4) المصدر نفسه .
(5) بحر الماذي : 145/11 .
(6) بحر الماذي : 156/3 .
(7) بحر الماذي : 324/10 .
(8) بحر الماذي : 18/8 .
(9) بحر الماذي : 162/7 .(40/12)
كما في النص الآتي ، ففي أوله شاهد المشددة وفي وسطه شاهد المخففة وهو : كما في : )) إنَّ أحق الشروط أنْ يوفى بها ما استحللتم به الفروج .
بهواس? يغلبه مستحق درى طكل شرط بهوا سمفرناكن دغندي اياله بارغيغ محلال سكلين كامو دغندي اكن فرج (( (1) .
وأما إذا أريد بها الدلالة على تأكيد الشيء وتوكيده كانت بلفظ : ( سوغكوهن ) ، كما في المثال الآتي : )) إنَّ الله حرم ...
سوغكوهن الله حرامكن (( (2) .
المسألة الخامسة : الكتب الحديثية التي ترجمها المربويّ
أولاً : بحر الماذي شرح مختصر صحيح الترمذي
هذا الكتاب مكتوب بحروف الجاوي ، وهو اثنان وعشرون جزءاً في أحد عشر مجلداً ، وإنما تم تأليفه ليطلع عدد أكبر من القراء على السنة النبوية ، ويتفهموا أحكامها ومعانيها باللغة الملايوية .
وهو من أكبر الشروح على كتب الحديث باللغة الملايوية ، وقد استقبل هذا الكتاب استقبالا كبيرا في جميع دول جنوب شرق آسيا .
ألف هذا الكتاب في مصر وطبع فيها الطبعته الأولى بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1379 هـ / 1960 م بإشراف مؤلفه ، علماً أنه انتهى من تأليفه الليلة الثانية من جمادى الآخرة سنة 1377 هـ الموافق : 24 / ديسمبر / 1957 م (3) .
وطبعته دار الكتب العلمية في بيروت طبعة أحدث من طبعة مصر من جميع النواحي وذلك سنة 2003 م .
وإذا كان الإمام الحافظ الترمذي قد جمع ( 3956 ) حديثاً في مصنفه ، فإن المربويّ قد اختصره إلى ( 2775 ) حديثاً ، وجعل هذه الأحاديث في ( 8200 ) مسألة .
__________
(1) بحر الماذي : 120/8 .
(2) بحر الماذي : 7 /10 .
(3) بحر الماذي : 11 / 242 .(40/13)
وقد ألف المربوي كتابه هذا بعد ختمه لدراسة كتاب الترمذي على يد شيخه الأستاذ محمد ابراهيم السمالوطي (1) من هيئة كبار علماء الأزهر الشريف بمصر .
وتأتي أهمية كتاب بحر الماذي من أهمية جامع الترمذي نفسه ، فمن المعلوم أن سنن الترمذي تعد ثالث الكتب الستة في الحديث ، بمعنى أنه بعد الصحيحين في الترتيب ، ويكفي هذا الجامع الصحيح أن مصنفه الحافظ محمد أبو عيسى الترمذي ت 279 هـ قال عن كتابه : (( صنفت هذا المسند الصحيح وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به ، وعرضته على علماء العراق فرضوا به ، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي ينطق )) (2) .
وقد كسب الشيخ المربويّ الرضى نفسه لكتابه ، فكتابه من مقتنيات مكتبات الجامعات والمكتبات الوقفية والمكتبات الخاصة والعامة والحكومية والتجارية ، ومكتبات المساجد ودور العلم ، وكلهم يرجع إليه في الشرح والتوثيق والفهم .
وأما ملاحظاتنا المنهجية على هذا الكتاب فهي كالآتي :-
1- افتتح المربويّ شرحه لهذا الكتاب بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ... ) ، ثمَّ بدء بترتيب الترمذي كما هو معروف بحسب الأبواب الفقهية ، وحين جاء هذا الحديث في متن الترمذي في باب من قاتل رياء وللدنيا ، توقف عنده المربوي مرة أخرى للشرح والتعقيب (3) .
2- حذف الأسانيد ، واكتفى براوي الحديث من الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) هو شمس الدين محمد إبراهيم بن علي الحميدي السمالوطي الأزهري المصري المالكي ، ولد سنة 1273 هـ ، في سمالوط بمحافظة المينا بصعيد مصر ، وانتقل إلى القاهرة واشتغل بالعلم تحت إشراف أخيه الشيخ عمر السمالوطي ، وعرف بالفتوة في فنون الحديث ، توفي قس الخامس من شهر صفر سنة 1353 هـ الموافق : 18 / مايو / 1934 م ، أنظر : ملتقى أهل الحديث .
(2) مقدمة تحفة الأحوذي : 258 .
(3) أنظر : بحر الماذي : /12 12.(40/14)
3- وضع في نهاية كل جزء فهارس للأبواب والمسائل .
4- التزم عند ذكر الآيات القرآنية التعريف باسم السورة ورقم الآية (1) .
5- اعتاد في أغلب مسائله التي شرحها أن يختمها بقوله : ) والله أعلم ( (2) .
6- أحياناً يؤجل شرح المسئلة إلى وقت آخر وموضع آخر من كتابه ، ويعلم ذلك من خلال قوله : ) إن شاء الله ( (3) .
7- المطلع على الشرح يجد أسماء العلماء مبثوثة في كتابه وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على استفادة الشارح من الجهود العلمية قبله ورجوعه إليهم ، ومما يميز هذه الحالة في الترجمة أن القارىء يجد قبل إسم العالم لفظ ) كات (بمعنى : ) قال ( ، فتجد : ) كات نووي (و ) كات شافعي (و ) كات ابن عربي (و ) كات غزالي (.
8- أفاد من شروح السنة منها شرخ صحيح مسلم للإمام النووي (4) وشرح صحيح البخاري للقسطلاني (5) وغيرهما .
9- اعتمد على كتاب الأم للشافعي (6) في مناقشة المسائل الفقهية ، وضمن كتابه آراء الفقهية للمذاهب الأربعة المشتهرة عند أهل السنة والجماعة ، ورجع إلى المجموع في الفقه (7) .
10- يلاحظ عليه حسن استخدامه للمصادر والمراجع ، حيث كان يستشهد بشرح أبواب التفسير والآيات القرآنية من التفاسير المعتبرة ومنها على سبيل المثال تفسير الخازن (8) ، ويحيل في الموضوعات الأخرى إلى مظانها ومنها على سبيل المثال الإحياء للغزالي وشرحه اتحاف السادة المتقين (9) .
__________
(1) أنظر : بحر الماذي : /1 44، /21 194.
(2) أنظر : بحر الماذي : /1 102، /2 224، 228/18.
(3) أنظر : بحر الماذي : / 2 174،10 / 228،16 18 /.
(4) أنظر : بحر الماذي : / 13 144 .
(5) أنظر : بحر الماذي : / 1 79 .
(6) أنظر : بحر الماذي : / 1 2 .
(7) أنظر : بحر الماذي : / 4 226 .
(8) أنظر : بحر الماذي : / 22 183 .
(9) أنظر : بحر الماذي : / 18 46 .(40/15)
11- كان حريصاً على أن يستوثق من النصوص التي اعتمدها من الكتب التي رجع اليها ، وتعرف ذلك من خلال عبارته : ) أ.هـ ( (1) .
12- عقد مقدمة علمية لكتابة في كيفية استعمال الكتاب ومعرفة مصطلحاته الحديثية ، حيث أن للإمام الترمذي مصطلحات حديثية ينبغي التمييز بينها ومعرفتها مثل ( حسن صحيح ، غريب ، صحيح مطلق ، صحيح شاذ... ) وغيرها .
13- في بداية كل جزء يفتتح كلامه بحيث النبي صلى الله عليه وسلم : (( نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)) (2) ، ثم يأتي بالبسملة فالحديث من الترمذي .
14- من عباراته الأدبية المتككرة في شرح قوله : ) يا سودار اكو (ومعناها : يا أخي ، فـ) يا ( للنداء ، و ) سودار (بمعنى : أخ ، و ) اكو (بمعنى : أنا .
15- يقسم أحياناً المسائل الطويلة إلى نقاط رقمية ، وهي الأرقام الملايوية وكالآتي (3) :
الرقم واحد هو ساتو ، ولكن في التعداد الرقمي يكون : فرتما? ، والثاني : كدوا? ، والثالث : كدتيكا? ، والرابع : كأمفتن ، والخامس : كليما? ، والسادس : كأنم? ، والسابع : كتوجه? ، والثامن : كدلا?? ، والتاسع : كسمبيل? ، والعاشر : كسفول? .
علماً : أن هذه الأرقام في الحساب من غير الحرف الأول ) الكاف ( وهو بموازة ) أل ( التعريفية في العربية .
__________
(1) أنظر : بحر الماذي : / 4 226،18 / 46،22 183 /.
(2) أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني .
(3) أنظر : بحر الماذي : 10 / 4.(40/16)
16- لا يخلو الكتاب من بعض الأخطاء الإملائية في اللغتين العربية والملايوية ، فالكمال لكتاب الله وحده سبحانه وتعالى ، وكثير منها يتعلق بالتنقيط ، ومن أسبابها الطباعة القديمة الحجرية للكتاب من جهة ، وسعته من حيث الحجم من جهة أخرى ، ومن أمثلة تلك الأخطاء العربية الواردة مثلاً : ) الرخصة ( كتبت ) الرحصة ( (1) ،) السبابة ( كتبت ) لسبابة ( (2) وغيرهما .
17- اعتمد طريقتين في الترجمة ، إحداهما : الترجمة الحرفية للنص ، والأخرى : ترجمة المعنى المراد والمقصود من الحديث ، وهذه الأخيرة كانت فيها مساحة واسعة للمربوي لمناقشة المسائل التي عقدها في كتابه المتعلقة بالعقيدة والفقة واللغة والتاريخ وغيرها .
وأما الطريقة الأولى فهذا مثال لها للتوضيح :
(( عَن ابنِ عُمَر عَن النَبيّ صَلى الله ُعَليهِ وَسلّمَ قَالَ : ]لا تُقْبَلُ صَلاَةٌ
درفد ابن عمر درفد نبي صلى الله عليه وسلم سبدان تياد دتريما سمبهيغ
بِغَيرِ طَهُورٍ [
دغن كتيدأن برسوجي )) (3) .
وهذه الترجمة هي ترجمة قديمة بالنسبة للغة الملايوية ، من جانب آخر فإن الترجمة لبعض المفردات عند المربويّ تعد متروكة الآن أو غير مستعملة بسبب أن المربوي ألف كتابه في مصر ، وكذلك انقطاعه مدة طويلة عن ماليزيا وبلاد الملايو مما قد تكون عامل من عوامل ضعف الترجمة في بعض المواضع ، فإن المتتبع لتطور اللغة الملايوية يستطيع القول أنها أحياناً تكون لغتين واحدة قديمة والأخرى جديدة ، وفيما يأتي بعض من هذه الاختلافات والتغيرات .
1 -اختلاف الحرف (V) إلى ( B ) ، كما في المثالين الآتيين :
ت ... الكلمة القديمة ... الكلمة الجديدة ... المعنى
1 ... Vulan ... Bulan ... قمر
2 ... VARANG ... BARANG ... جزيرة
2 -اختلاف الحرف ( N ) إلى ( D ) ، كما في المثالين الآتيين :
ت ... الكلمة القديمة ... الكلمة الجديدة ... المعنى
__________
(1) أنظر : بحر الماذي : 1 / 27.
(2) أنظر : بحر الماذي : 15 / 136.
(3) بحر الماذي : 1 / 8.(40/17)
1 ... NIVRBUAT ... DIPERBUAT ... جُعل
2 ... NIAMVIL ... DIAMBIL ... أُخذ
3 -اختلاف الحرف( A ) إلى ( E ) ، كما في المثالين الآتيين :
ت ... الكلمة القديمة ... الكلمة الجديدة ... المعنى
1 ... SARIVU ... SERIBU ... ألف
2 ... DANGAN ... DENGAN ... بـ
... فالترجمة المعاصرة اليوم هي بالحروف اللاتينية ، وإذا أردنا أن نلقي نظرة إلى الترجمة بالكتابة اللاتينية لوجدناها كاللآتي (1) :
(( Daripada Ibnu Umar, daripada Nabi Shallallahu alaihi wasallam, sabdanya Tiada diterima sembahyang dengan ketiadaan bersuci ))
ومن أجل المحافظة على هذا الجهد القيم وحتى لا تحرم منه الأجيال المعاصرة والقادمة فقد تمت إعادة طبع الكتاب بالحروف اللاتينية وبطباعة أحدث تتناسب وتطور العصر في مجال الطباعة والتنضيد ونوع الورق وغير ذلك ، ويرجع تاريخ استخدام الحروف اللاتينية في ماليزيا إلى القرن الثامن عشر الميلادي ؛ نتيجة لزحف الاستعمار الهولندي في ذلك القرن (2) .
18- هناك أيضاًَ محاولة أخرى قيد العمل للباحث الماليزي الأستاذ عبد الله القاريّ في ولاية كلانتان لتهذيب هذا الشرح وإعادة صياغته من جديد ، وإلباسه حلّة جديدة . في نهاية كل جزء يختتم كلامه بعبارات الحمد والثناء لله تعالى باللغة العربية ، ومنها على سبيل المثال ما يأتي : ) الحمد لله على التمام ( (3) و ) الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً ( (4) و ) بحمد الله وحسن توفيقه ( (5) .
ثانياً : بلوغ المرام
__________
(1) BAHRU AL – MADZI : 1 / 23 .
(2) Sejarah Kesusasteraan Melayu : 27 .
(3) بحر الماذي : 17 / 232.
(4) بحر الماذي : 19 / 242.
(5) بحر الماذي : 6 / 224.(40/18)
نقل المربويّ كتاب بلوغ المرام مع شرحه سبل السلام إلى اللغة الملايوية ، وقد قسم هذا الكتاب إلى أربعة أقسام وهي : ( العبادات ، المعاملات ، المناكحات ، الجنايات ) ، وهو من جزء واحد في (782) صفحة ، وتم تأليفه في أول ذي القعدة سنة 1383 هـ الموافق : 15 / مارس / 1964 م ، وطبع في مطبعة الأنوار بمصر وحقوق الطبعة محفوظة لناشره صاحب مكتبة النهضة بمكة المكرمة (1) .
ثالثاً : إيداغن كورو صحيح البخاري ومسلم
وترجمة العنوان تعني : ( منية المعلم صحيح البخاري ومسلم ) وفي الحقيقة لم أطلع على هذا الكتاب ، وإنما أخبرت عنه أنه في جزءين ، وهو مطبوع في مصر وفي ماليزيا .
المصادر والمراجع
1- بحر الماذي ، لمحمد بن إدريس المربويّ ، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر ، 1379 هـ / 1960 .
2- بلوغ المرام ، للشيخ محمد إدريس المربوي ، مطبعة الأنوار ، مصر ، 1383 هـ .
3- قاموس بستاك ، ملايو – عرب ، للشيخ أحمد بن عثمان باجنيد ، دار الفكر ، كوالا لمبور ، 1387 هـ .
4- مقدمة تحفة الأحوذي ، للإمام الحافظ المباركفوري ت 1353 هـ ، دار الفكر ، بيروت – لبنان ، 1415هـ - 1995 م .
5- لسان العرب ، لابن منظور ت 711 هـ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، ط / 1 ، 1416 هـ - 1995 م .
البحوث والرسائل :
1- الألفاظ العربية المقترضة في اللغة الملايوية ، د.عبد الرحمن شيك ، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا .
2- رسالة سببوتن فرايان ، بمناسبة ( 100 ) سنة على تأسيس مدرسة كبنسان لوبوق مربو في كوالا كنسر / 1991 م .
المجلات :
1- أوتوسن قبلة ملايو .
2- تيتيان مسرا .
3- سيناران إسلام .
4- الوطن السعودية .
الإنترنيت :
1- ملتقى أهل الحديث .
2- وكالة الأنبار الوطنية الماليزية / برناما أ.أ.م.ر.
المحتويات
الموضوع
عنوان البحث
المقدمة
التمهيد ... في وصف البحث
المبحث الأول
أهداف البحث
أهمية البحث
__________
(1) بلوغ المرام للمربوي .(40/19)
مشكلة البحث
أسئلة البحث
حدود البحث
منهج البحث
خطة البحث
محور البحث
لغة البحث
المبحث الثاني
المسألة الأولى ... تعريف باللغة الملايوية
المسألة الثانية ... الحديث النبوي وعلومه في الملايو
المسألة الثالثة ... اللغة العربية وعلومها في الملايو
المسألة الرابعة ... مظاهر ترجمة الكتب العربية إلى اللغة الملايوية
المسألة الخامسة ... الكتب الحديثية التي ترجمها المربويّ
المصادر والمراجع
المحتويات(40/20)
السيرة الذاتية والعلمية
الاسم الكامل : د . أحمد قاسم كسار حسين الجنابيّ
محل وتاريخ الولادة : بغداد - الرصافة في : 26 / 9 / 1977 م
العنوان الأصلي : العراق – محافظة الأنبار – مدينة الرمادي
الشهادة العلمية : دكتوراه آداب اللغة العربية ، تخصص : ( لغة )
أولاً : الدراسة
1 - أنهى الدراسة الابتدائية والمتوسطة ، والتحق بإعدادية الدراسات الإسلامية بمدينة الرمادي ، وتخرج فيها عام : 1996 م ، الأول على مجموعته .
2 - قبل في جامعة الأنبار / كلية التربية / قسم اللغة العربية ، وتخرج فيها عام 1999 م ، وكان تسلسله ( 12 ) من أصل ( 63 ) طالباً ، وبمعدل جيد .
3 - قدّم على دراسة الماجستير في كلية العلوم الإسلامية / جامعة بغداد ، فقبل في قسم اللغة العربية ، وتخرج فيه عام 2002 م بمعدل جيد جداً ، ودرس في السنتين التحضيرتين أربعة فصول دراسية ، وقدّم خلالها بحثين تكميليين هما :
الأول : التقديم والتأخير في سورة البقرة .
الآخر : شرح البسملة باعتبار قواعد البلاغة لمحمد بن عرفة الدسوقي –دراسة وتحليلاً – .
4 - وافقت رئاسة الجامعة الإسلامية ببغداد على قبوله لكتابة أطروحته في الدكتوراه في قسم اللغة العربية / كلية اللغة العربية وعلوم القرآن ، بعد الامتحان التحريري والمقابلة الشفهية التي أجتاحهما بنجاح مستوفٍ .
5 - اختار موضوعاً لأطروحة الدكتوراه موسوم بـ : ( القاضي عياض وجهوده اللغوية ) ، ونوقش بمحتواها وفيما له علاقة بها في الجلسة العلنية من صباح يوم الخميس الموافق : 9 / 6 / 2005 م ، وحصل على تقدير ( جيد جداً عالٍ ) .
ثانياً : الأبحاث والدراسات والمؤلفات
1 – الرسائل الأدبية الأندلسية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحث مشارك في الندوة العالمية حول شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بغداد ، عام 2001 م .(41/1)
2- حجّه – صلى الله عليه وسلم – دروس ومقاصد وعبر – بحث منشور في أعمال ندوة السيرة النبوية التي أقامتها وزارة الوقاف والشؤون الدينية في العراق ، عام 2002 م .
3- الدلالة الوضعية اللفظية لكلمة ( اللهم ) في اللغة العربية ، بحث لغرض الترقية ، مقبول للنشر بمجلة كلية المعارف الجامعة المحكمة في محافظة الأنبار / العراق ، في عام 2006 م .
4 - البعد اللساني في نظرية المعرفة عند ابن خلدون ، بحث مقدم لندوة المعهد العالمي للفكر الإسلامي / مكتب عمّان ، وبحث مشارك أيضاً في ندوة ابن خلدون التي أقامتها كلية دار الرضوان الاسلامية بماليزيا عام 2006 م ، وبحث منشور أيضا بمجلة جامعة الأنبار للعلوم الإنسانية المحكمة في العدد (2) ،تموز/ 2006 .
5 - أثر اللغة العربية في الإعلام الإسلامي ، بحث مشارك في المؤتمر العلمي الأول للرابطة الإسلامية للإعلام في العراق عام 2005 م ، ومنشور في الإصدار الخاص ببحوث المؤتمر المطبوع .
6 - مفكرة رمضان ، رسالة دعوية منشورة ، من إصدارات الرابطة الإسلامية للإعلام في العراق عام 2006 م .
7 - تهذيب مصطلحات القضاء الشرعي المعاصر ، بحث مشارك في أعمال ندوة القضاء الشرعي الواقع والآمال ، التي أقامتها كلية الشريعة / جامعة الشارقة عام 1427 هـ / 2006 م .
8- أثر مدرسة الإمام الأعظم ( أبو حنيفة ) في الدراسات اللغوية ، بحث مشارك في أعمال المؤتمر العلمي الأول لكلية الإمام الأعظم في بغداد عام 2005 .
9- الشيخ صبحي الصالح وجهوده اللغوية ، بحث مقدم إلى مركز الأبحاث والتنمية بجامعة الجنان بلبنان ، للمشاركة في المؤتمر الدولي في فكر الشيخ صبحي الصالح عام 1427 هـ / 2006 م ، ومنشور على موقع الجامعة .
10- اللغة وأثرها في الحوار مع الآخر ، بحث مشاركم بمؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي ، الذي نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة ، في المدة : 16 – 18 / 4 / 2007 م .(41/2)
11 – الإعجاز اللغوي في الشهادتين ، محاضرة ألقيت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا في 29 / 5 / 1428 هـ الموافق : 15 / 6 / 2007 م .
12 – الرسوم المعاصرة المسيئة إلى شخصية النبي محمد –صلى الله عليه وسلم– والموقف الماليزي منها ، بحث مقدم لمؤتمر التراث النبوي الواقع والتحديات المعاصرة ، الذي أقامته كلية القرآن والسنة بجامعة العلوم الإسلامية في ماليزيا في : 11 ، 12 / 7 / 2007 م ، ومنشور في الانترنيت بموقع نبي الرحمة .
13 –آثار الحروب والإحتلال على اللغة العربية – العراق نموذج – بحث مقدم إلى مؤتمر اللغة العربية العالمي الذي يعقده قسم اللغة العربية وآدابها في كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا في المدة : 28 – 30 / 11 / 2007 م .
ثالثاً : الوظائف السابقة
1- محاضر في إعدادية الدراسات الإسلامية بمدينة الرمادي للعام الدراسي 2002 – 2003 م .
2- محاضر في ثانوية الخلافة الراشدة في مدينة الرمادي للعام الدراسي : 2003– 2004 م .
3- محاضر في قسم اللغة العربية وآدابها في كلية المعارف الجامعة في محافظة الأنبار / العراق ، في المدة : 2002 – 2006 م .
4- مدرس علوم اللغة العربية في كلية العلوم الإسلامية / جامعة الأنبار ، ومقرر قسم التفسير وعلوم القرآن فيها لعام : 2005 – 2006 م .
5- تولى مهام الإمامة والخطابة في مساجد الرمادي منذ عام 1995 م ، وشغل هذه الوظيفة في جامع الحق بمدينة الرمادي ، التابع لديوان الوقف السني في العراق : 2003– 2006 م .
6- تسلم مهام رئاسة قسم الاعلام والدعوة والارشاد بمديرية الوقف السني في محافظة الأنبار / العراق في المدة 2003 – 2005 م .
7- عضو مجلس كلية المعارف الجامعة الأهلية بمحافظة الأنبار ، ممثلاً عن الجهة المؤسسة جمعية الآداب الإسلامية في المدة : 2005 – 2006 م .(41/3)
8- محرر في صحيفة الأنبار لعام 2003 م ، وسكرتير التحرير التنفيذي لمجلة العين لعام 2004 م ، ومسؤول صفحة الشريعة والحياة بجريدة الجزيرة الأسبوعية لعام 2004 م ، وعضو رابطة الصحفيين في محافظة الأنبار ، وعضو الرابطة الاسلامية للاعلام في العراق .
9- عضو الهيئة الإدارية لجمعية الآداب الإسلامية ، وعضو الهيئة العامة لرابطة علماء الدين ، وعضو هيئة علماء المسلمين .
10- مرشد ديني لقوافل الحجاج العرقيين للسنوات : ( 2000 – 2001 – 2002 – 2004 ) .
11- عضو لجنة التحكيم واللجنة التحضيرية والتنظيمية لمسابقة القرآن الكريم القطرية السنوية الرمضانية التي تقيمها جمعية الآداب الاسلامية في العراق في المدة : 1999– 2004 م .
12- عضو لجنة التوعية والارشاد لغرض الوعظ والدعوة والإصلاح في مديرية الأوقاف والشؤون الدينية في محافظة الأنبار .
13- معد ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية في قنوات إعلامية عراقية محلية مختصة بالبرامج الإسلامية .
رابعاً : الدورات العلمية
1 – شارك في دورة التأهيل التربوي في المدة 27 / 5 / 2006 – 5 / 6 / 2006 م ، في مركز طرائق التدريس بجامعة الأنبار ، واجتاحها بنجاح مع الحصول على كتاب شكر من رئيس الجامعة للتميز في الدورة .
2 – شارك في دورة التدريب لإعداد منهج الدرس وطريقته في الجامعة الوطنية الماليزية في المدة : 14 – 17 / 6 / 2007 .
خامساً : الوظيفة الحالية
– أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية بكلية دار الرضوان الإسلامية في ماليزيا منذ شهر تشرين الثاني / 2006 .
عناوين الاتصال والمراسلة
- هاتف المحمول : 0060146450586
- البريد الإلكتروني :
KASAR2006@YAHOO.COM
Dr.AHmAd77@YAHOO.COM
KOLEJ ISLAM DARUL RIDZUAN
Jalan dato sori shaari off jalan raja dihilir
30350 IPOH Perak Darul Ridzuan
- MALAYSIA ماليزيا
Fax : 605-2433459(41/4)
نبذة تاريخية عن ترجمة السنة والسيرة النبوية إلى اللغة االألمانية
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصطفى، صلى الله عليه وسلم:
" بلغوا عني ولو آية" (1)
يقتضي تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم ترجمة مبادءها لغير الناطقين باللغة العربية، لغة الوحي.
ومن هذا الباب، يحاول هذا البحث المبسط أن يساهم في فهم موضوع ترجمة السنة والسيرة إلى إحدى اللغات الأوروبية الهامة، اللغة الألمانية، ويعرف لهذا الغرض الأطراف المشاركة في هذا العمل، وذلك على الشكل التالي:
أ ـ نبذة عن اللغة الألمانية والناطقين بها، دور اللغة الألمانية في الدعوة إلى الإسلام
ب ـ نبذة عن ترجمة السنة والسيرة النبوية وأسباب تأخرها
ت ـ تقريرعن أهم الترجمات المتداولة في مجال السنة والسيرة
د ـ توصيات وآفاق مستقبلية
أ ـ نبذة عن اللغة الألمانية والناطقين بها، دور اللغة الألمانية في الدعوة إلى الإسلام
تنتمي اللغة الألمانية إلى عائلة اللغات الجرمنية، وهي اللغة الرسمية أو إحدى اللغات الرسمية في الدول الآتية: ألمانيا، النمسا، سويسرا، لكسمبورج ولختنشتين. ويوجد إضافة إلى ذلك أقليات لغوية تنطق بها في فرنسا (الزاس)، الدنمارك، رومانيا، وبعض البلاد الأخرى. يقارب عدد الناطقين بالألمانية كلغة الأم 87 مليون في الاتحاد الأروبي (2) ، و100 مليون على المستوى العالمي كما يتكلم قرابة ثلث سكان الاتحاد الأروبي اللغة الألمانية. (3)
ولا يقارن هذا العدد بعدد الناطقين باللغة الإنجليزية مثلا.
__________
(1) رواه عبدالله بن عمرو وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب أحاديث الأنبياء. رقم الحديث 3202.
(2) http://de.wikipedia.org/wiki/Deutsche_Sprache
(3) http://de.wikipedia.org/wiki/Deutsche_Sprache(42/1)
أما عدد المسلمين في هذه البلدان، فيبلغ تقريبا3 ملايين في ألمانيا، و 400000 مسلم في النمسا، و تقريبا 310000 مسلم في سويسرا. (1)
و يذكر خاصة عدد المسلمين الجدد ذوي الأصل الألماني في هذه البلدان. (2)
من المؤكد أن اللغة الإنجليزية تتصدر قائمة اللغات غير العربية في أهميتها في مجال دعوة ذوي اللسان غير الإسلامي، أو بعبارة أخرى، دعوة الذين لا يتكلمون اللغات المتداولة في بلاد المسلمين. كما تعكس كثرة المؤلفات الإسلامية وترجمة كتب السنة والسيرة إلى اللغة الإنجليزية هذه الظاهرة. أما اللغة الألمانية، فهي تقل أهمية كأداة تبليغ وتعليم للإسلام مقارنة بالإنجليزية، نظرا لعدم كونها لغة عالمية من جهة، ولصعوبتها، ولا سيما نظرا للخلفية الثقافية والتربوية لدى الجالية المسلمة الناطقة بها من جهة أخرى.
ويجدر بالذكرأن المسلم النمسوي الأصل، محمد أسد، قد فضل أن يترجم صحيح البخاري إلى اللغة الإنجليزية بدلا من اللغة الألمانية التي هي لغته الأم أصلا. (3)
ومن المعلوم أن البلاد الناطقة باللغة الألمانية تتوفر على زخم بشري
كبيرلقبول الإسلام إذا أوجدت المعلومات الصحيحة عن الإسلام والمسلمين وإذا أزيلت تلك الصورة المشوهة والمهيمنة في وسائل الإعلام، كما يدل على ذلك عدد المسلمين الجدد في ألمانيا خصوصا. ولهذا السبب أصبح من الضروري توفير المواد الكافية لكل المناطق الناطقة بالألمانية لتحقيق أهداف الدعوة.
__________
(1) لا يوجد احصاءات دقيقة عن عدد المسلمين في هذه البلدان، فوظفت الباحثة الأرقام المقدرة الموفرة في االإعلام
(2) يقدرعدد المسلمين من أصل الماني بـ250000 عادة، ولايوجد احصاءات معتمدة، ولكن الدعاة في الساحة الألمانية يلاحظون تزايد عدد المسامين الجدد خاصة في المناطق الشرقية لالمانيا.
(3) Sahih al-Bukhari: The early years of Islam. Muhammad Asad, 306 pages, reprint 2003 Noordeen Publishers, Kuala Lumpur.(42/2)
ب ـ نبذة عن ترجمة السنة والسيرة النبوية وأسباب تأخرها
لقد ذكرنا آنفا أن تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم يقتضي ترجمة مبادءه لغير الناطقين باللغة العربية، لغة الوحي. إلا أن ترجمة النصوص الإسلامية تحتاج إلى أهلية خاصة تتجاوز الأهلية اللغوية المعتادة، إذ ينقل المترجم مفاهيم الدين الإسلامي من لغة الأصل إلى لغات لم تكن جزءاً من الثقافة الإسلامية، وبالتالي لم تنتج مصطلحات للمعاني الإسلامية. حيث أن المشاكل المتعلقة بمسألة الترجمة، وخاصة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أي لغة كانت، هي معروفة ومشهورة.
لقد ناقش العلماء قديما إشكالية ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأعجمية وصلاحية وجواز استعمالها في الصلاة، ورأى الجمهور أن ترجمة معاني القرآن إلى أي لغة، كشرح القرآن باللغة العربية لا يعتبر قرآنا ولا يجوز قراءتها في الصلاة. لأن إعجاز القرآن يكمن في لغته ، ولأن القرآن كلام الله المنزل باللغة العربية.
بيد أن هذه الاشكالية لا تلعب دورا في مسألة ترجمة السنة النبوية، إذ لا يعتبر الحديث النبوي الشريف معجزاً. ويلاحظ الباحث في مسألة ترجمة السنة إلى اللغات الأعجمية، ولا سيما إلى اللغة الألمانية، أن الاهتمام بترجمة السنة النبوية جاء متأخرا بالنسبة للجهود التي بذلت في مجال ترجمة القرآن. ذلك ويسجل التاريخ الثقافي أول ترجمة إلى الألمانية سنة 1616 م. (1)
بعدما أشرنا إلى التأخر المتعلق بترجمة السنة والسيرة بالنسبة لترجمة القرآن الكريم، سنحاول تحليل هذه الظاهرة.
__________
(1) وقام بترجمته سلومون شويجر.
(Salomon Schweiger)
www.wikipwedia.or(42/3)
ولهذا الغرض، لا بد من لفت النظر إلى الجهات الفاعلة في مجال ترجمة النصوص الإسلامية أو المؤهلين لفتح هذه النافذة الصغيرة إلى العالم الإسلامي وتعاليم الإسلام أمام غير الناطقين باللغة العربية. تتكون هذه الأطراف بطبيعة الحال من فئتين، أولاً فئة المستشرقين من غير المسلمين، الذين سيطروا على المجال الأكاديمي، وثانياً فئة المسلمين الناطقين باللغة الألمانية، سواء أكانوا من أصل عربي ثم تعلموا الألمانية، أم ممن أسلم من أصحاب البلد وتعلم العربية في سبيل دراسة الإسلام والتعمق فيه. ولكل من الفئتين صفات خاصة. أما المستشرقون، فكثير ما نظروا إلى الإسلام والمسلمين من برج العاج أو توظفوا أو وُظفوا لأغراض استعمارية، وأقل ما يقال هو أن هذه الفئة تتميز بابتعادها وإبعاد غيرها عن الإسلام ،إذ لا يزال المستشرقون يعتبرون من اعتنق الإسلام ديناً مفتقراً إلى الموضوعية الأكاديمية.
إنه من المسلم به أن الاستشراق، ولا سيما الاستشراق الألماني، لم يكن له تأثير في الرأي العام ولا في صورة الإسلام لدى الجماهير في البلاد غير الإسلامية، إلا أنه أصبح من الملاحظ أن هناك حركة جديدة النشأة توحي بأن الإستشراق الألماني قد تخلى عن هذه الصورة الكلاسيكية، إذ ظهر تحالف بين بعض المتعصبين ضد الإسلام وذوي خلفية تبشيرية غير أكاديمية (لكسنبرج) (1) وبين بعض المستشرقين والمستغربين بغية الهجوم على العقيدة الإسلامية وأصل القرآن الكريم ذاته مرددين أنه يعود إلى أصول سريانية ولم يَعدُ كونه ترجمة تعاليم الكنيسة إلى اللغة العربية. ويبدو أن هذه الظاهرة تعبرعن بداية مرحلة جديدة في تطور الاستشراق الألماني.
__________
(1) انظر خاصة
Burgmer, Christoph (ed): Streit um den Koran. Die Luxenberg-Debatte. Verlag Hans Schiler, Berlin, 2004. 144 pages.(42/4)
أما جهود الفئة الثانية، فتتميز عادة برغبة شديدة في تعريف الناس بالإسلام والدعوة إليه. وكما سوف نرى فإن لخاصيات ودوافع كلتي الفئتين آثار في مصير ترجمة السنة والسيرة.
وفي رأي الباحثة إن تأخر ترجمة السنة والسيرة بالنسبة للقرآن الكريم يعود إلى الأسباب الآتية:
1 – انتماء معظم الباحثين من المستشرقين الذين اهتموا بدراسة الإسلام إلى كليات الدراسات السامية أو المسيحية، وذلك منذ دخول علم الاستشراق إلى الجامعات الألمانية، مما أدى إلى اهتمامهم بالقرآن الكريم من باب دراسات اللغات السامية المقارنة أو من باب البحث النقدي في نصوصهم المقدسة، وكثيرا ما استعمل البحث والتعليق على القرآن الكريم نموذجا لنقد النصوص الدينية ـ إذ أخذوا القرآن الكريم زمزا للنص المنزل أو، في فهمهم، النص الديني المنقول والمزعوم تنزيله. وقصدوا بطعنهم فيه في حقيقة الأمرالطعن في مقدساتهم وكتبهم الدينية.
وبالتالي، سبق الاهتمام بالقرآن الكريم الانشغال بالسنة وهيمن عليه لمدة من الزمن.
2 – لم يكن قصد هؤلاء الباحثين، بطبيعة الحال، نشر الدعوة أونشر معلومات صحيحة عن الاسلام، كما لم تكن ترجمة السنة النبوية في مصلحة الأجيال الأولى للمستشرقين.
3 – تركيزاهتمام المستشرقين على أمور واقعية، خاصة في وقت الاستعمار، اذ جاء الاهتمام المكثف بالفقه الإسلامي متزامنا مع جهود إدارة المستعمرات المسلمة ونشوء نظام قانوني مزدوج، يحتوي على صفات الفقه الإسلامي مع هيمنة للنظم القانونية الأوروبية. (1)
__________
(1) أنظر مقال " تاريخ الفقه الاسلامي في مرآة المستشرقين" لمؤلفة هذا المقال، نشر في مجلة التجديد، كوالا لمبور، ا لعدد 21، 2007
ص. 45 ـ81(42/5)
4 – يُلاحَظ أيضا أن اهتمام المستشرقين بالسنة النبوية، ولا سيما أبيهم الروحي إجناتز جولدزيهر (1) ، لم يكن يهدف إلى ترجمة شاملة لنصوص السنة والسيرة النبوية، وإنما ترجمة ما يحتاجونه للإستدلال به على نظرياتهم حول "التطورالمتأخر" للسنة النبوية كمصدر من مصادر التشريع وروايتها.
أما نظرية جولدزيهر في الموضوع، كما هو معروف، فهي تتمثل في أن السنة النبوية ما هي إلا من ابتكار وابداع متأخرلفقهاء القرن الثاني بغية تسديد حاجتهم إلى إثبات آرائهم الفقهية ومن ثم إعطائها الشرعية من خلال جعل السنة في منزلة مصدر للتشريع الإسلامي.
5 ـ هناك سبب إضافي لعدم الاهتمام بترجمة شاملة للسنة النبوية يكمن في صعوبة الترجمة ذاتها. ذلك أن الأحاديث النبوية تعبر عن مفاهيم عقائدية وفقهية وخلقية وتمثل واقع الحياة الإسلامية في كل وجوهها، مما يضع المترجم أمام إشكاليات الفهم، خاصة إن لم يكن ينتمي إلى الأمة الإسلامية أو كان يفتقر إلى إلمام دقيق بالحياة الإسلامية ونظمها. وقد نستخلص مما سبق أن عدم الاهتمام بهذه المهمة عبارة عن عدم كفاءة أهلها.
6 – ولهذه الأسباب لا يتوقع أن يعود أصل ترجمة السنة والسيرة، ولا سيما ترجمة شاملة لكتب الحديث، إلى صفوف المستشرقين، وخاصة الأجيال الأولى منهم.
__________
(1) Ignaz Goldziher: Muhammedanische Studien. Band II, Halle, 1890.(42/6)
7 ـ وقد يكمن سبب آخر لهذا التأخر في ثقافة الجالية المسلمة المقيمة في البلاد الناطقة بالألمانية. فمعظم المسلمين المقيمين في ألمانيا، سويسرا والنمسا ينتمون إلى الجالية التركية أو المغربية أو الباكستانية التي هاجرت عادة من أجل كسب الرزق في معظم الأحوال. وكان لذلك آثار ملموسة في تبليغ الرسالة باللغة الألمانية بصفة عامة وترجمة السنة النبوية بصفة خاصة، وذلك من جهتين أولاهما عدم الاهتمام وأخراهما عدم القدرة اللغوية على الترجمة إلى اللغة الألمانية لدى الجيل الأول. وقد تغيرت هذه الظروف لدى الجيل الثاني والثالث للمهجر وكانت أسبابها فقدان اللغة الأصلية (بشكل يفيد الدراسة والبحث)، مما أدى إلى حاجة إلى مراجع باللغة الألمانية،
ثم تزايد وعي الجيل الثاني والثالث تجاه دينهم، نظراً لحياتهم في بيئة غير إسلامية وما يقتضي ذلك من مناقشات وتساؤلات حول الإسلام، ثم التفريق الضروري بين تقاليد الجالية المهاجرة وبين ما هو إسلامي أصيل وثابت في النصوص، وكذلك تخرج هذا الجيل من المنظومة التربوية الألمانية وتمكينهم من اللغة الألمانية.
أما ترجمة النصوص الإسلامية إلى اللغة الألمانية، فقد يحتاج إلى معرفة العلوم الإسلامية ودراسة اللغة العربية بالضرورة. ويلاحظ أن التحاق المسلمين الناطقين بالألمانية بجامعات البلد له دور في إيجاد هذه المهارة.
ويبدو أن لمن أسلم من أهل ألمانيا دور الوسيط في ترجمة السنة النبوية إلى اللغة الألمانية وتبليغها.
ت ـ تقريرعن أهم الترجمات المتداولة في مجال السنة والسيرة
يحاول هذا البحث سرد أهم الأعمال في مجال ترجمة السنة النبوية إلى اللغة الألمانية وتقييمها من حيث علميتها ومساهمتها في تحقيق التبليغ.
1 ـ ترجمة الحديث النبوي الشريف
أ ـ من المنشورات الأولى في مجال ترجمة الحديث النبوي الشريف إلى اللغة الألمانية كتاب بعنوان >يوم مع الرسول صلى الله عليه وسلم<
(Ein Tag mit dem Propheten)(42/7)
هـ1401 م الموافق 1981 ألف هذا الكُتيب لأحمد فن دنفر ونشر سنة
بلستر ـ بريطانيا باللغة الإنجليزية. وترجم فيما بعد إلى اللغة الألمانية في كتاب
بحجم 103 صفحة سنة 1983 م الموافق 1403 هـ.
ويتابع الناشر فكرة عرض الأحاديث من الكتب الستة حسب أعمال الناس اليومية في ضوء السنة النبوية، إذ ترجم أحاديث نبوية متعلقة بكل وجوه أفعال الإنسان، من القيام صباحاً إلى النوم ليلاً، ويدعو الناشر في مقدمته إلى تطبيق السنة النبوية يوماً واحداً، ثم إلى مراجعة النفس والنظر في فائدة ذلك. ويعرض الكتاب الحديث باللغة العربية مع ذكر اسم الصحابي المروي له وذكر المستخرج دون ترقيم مفصل للحديث. يحتوي الكتاب على بعض الهوامش، خاصة كتابة الأدعية بالحروف اللاتينية. (1)
>قال رسول الله صلى الله عليه وسلم< Allahs Gesandter hat gesagt ... , ب ـ
طبع هذا الكتاب في السنة 1984 بلتسلباخ، دار الإسلام.
__________
(1) Ahmad von Denffer: Ein Tag mit dem Propheten, The Islamic Foundation, Leicester, 1981/1401, Haus des Islam, Aachen, 1983/ 1403.(42/8)
تتكون الترجمة من أحاديث مختارة من الكتب الستة عادة، قام بترجمتها أحمد فن دنفر، إفا وعمر الشاباسي وأمين ولتر. (1) ويمتاز هذا الكتاب بمقدمة وجيزة حول معنى الحديث والسنة، رواية الحديث ومراحل الكتابة والتدوين والتصنيف، طبقات الرواة، علم الحديث وأهم الكتب في رواية الحديث (الصفحة 9 ـ 32). يتميز هذا الكتاب عن غيره حسب مقدمة الناشر بكونه أول تدوين شامل للحديث باللغة الألمانية وبأنه يستند إلى جهود مشتركة لمجموعة من المسلمين الناطقين باللغة الألمانية. أما الأحاديث المختارة للترجمة فإنها تركز على مواضيع الإسلام، الإيمان والإحسان لأهميتها في الدعوة والتربية، بينما لم يختر إلا القليل من الأحاديث المتعلقة بفقه المواريث، العقوبات، الاقتصاد وتنظيم المجتمع، لأهمية المجال الأول في نظر فن دنفر على الساحة الألمانية آنذاك.
بعكس الكُتيب المذكور أعلاه، لم يسرد هذا الكتاب النص العربي للحديث، وإنما اكتفى بالترجمة مباشرة. ثم لم ينقل الإسناد، بل يذكر الراوي الآخير بين قوسين مع ذكر الكتاب المستخرج للحديث. يبدو أن هذا الكتاب فضّل تسهيل الاستعمال في سبيل الدعوة على الأسلوب الأكاديمي المدقق، إذ يبتعد عن نقل الأسماء والمصطلحات العربية بالأسلوب العلمي المعتاد (2) مع العلم أن الأسلوب الأكاديمي كثيرا ما يُعَوِّق القراءة، خاصة للقادمين على تعلم الثقافة الإسلامية. يحتوي الكتاب على 870 حديث نبوي شريف وقائمة للمصطلحات العربية مع الشرح.
__________
(1) Ahmad von Denffer, Allahs Gesandter hat gesagt.. Haus des Islam, Lützelbach, 1984.
(2) وأزيل، عن سبيل المثال، كتابة ما يشير إلى الهمزة والعين في الكتابة(42/9)
ويجدر الأنتباه إلى مؤلفات أخرى مختصة بالسنة النبوية باللغة الألمانية. (1)
ب ـ ترجمة مختصر صحيح البخاري لمحمد بن أحمد بن رسول أبو الرضاء. طبعت هذه الترجمة الثمينة في السنة 1409 للهجرة الموافق 1989 للميلاد (الطبعة الأولى) في مكتبة المترجم: المكتبة الإسلامية في كولونيا، ألمانيا.
وللمترجم شأن كبير في الدعوة باللغة الألمانية، كما له تجربة نادرة في ترجمة النصوص الإسلامية مثل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية وتأليف كتب متعددة حول الإسلام. (2)
وتشتمل هذه الترجمة على 879 صفحة، ويسبق فيها ذكر الحديث باللغة العربية مع إسناده الكامل والترقيم لصحيح البخاري ترجمة النص بالألمانية.
__________
(1) Al-Nawawi : Vierzig Hadithe (übersetzt von Ahmad von Denffer), The Islamic Fondation, Leicester, 1979, IIFSO, Kuwait, 1980; Worte des Propheten, Haus des Islam, Aachen, 1983.
Vielfach überlieferte Prophetenworte. Jalal ud-Din as-Suyuti. Uebersetzt von Ahmad von Denffer, 100 Seiten.
(2) Rassoul, Muhammad Ahmad: Goettliche Lichter in den heiligen Hadithen. 40 heilige Hadithe uebersetzt und zusammengestellt von Muhammad Rassoul. 96 Seite, Islamische Bibliothek, Koeln, 1419.
----: Allah’s letzte Botschaft. Islamische Bibliothek, K?ln 1995.
----: Der deutsche Mufti. Islamische Bibliothek, K?ln
----: Das deutsche Kalifat. Islamische Bibliothek, K?ln
----: Der blonde Imam. Islamische Bibliothek, K?ln
----: Handbuch der muslimischen Frau. Islamische Bibliothek, K?ln
----: Was ist Islam? Islamische Bibliothek, K?ln
----: As-Salah: Das Gebet im Islam. Islamische Bibliothek, K?ln.
----: Ar-Rayyan. Das Fasten im Islam. Islamische Bibliothek, K?ln(42/10)
إن ترجمة الحديث النبوي الشريف سليمة من ناحية اللغة وفهم المترجم للنص، وأسلوب الترجمة يبقى قريباً من النص العربي كما يضيف المترجم معلومات كثيرة على الهوامش مما يسهل فهم غير الناطق باللغة العربية، ويضيف أيضا ترقيم الآيات القرآنية والإشارة إلى أحاديث ذات الصلة بالموضوع.
لم يترجم الإسناد الكامل، كما هو معتاد في ترجمة الحديث، بل يذكر اسم الصحابي فقط. ويحتوي الكتاب على شرح المختصرات ونطق الحروف العربية وكتابتها بالحروف اللاتينية ومفتاح الرموز المستعملة (صفحة 11ـ16)، ثم على ملاحظة الناشر(17ـ18) ومقدمة وجيزة حول منزلة السنة في الوحي وسيرة ذاتية موجزة للإمامين البخاري والعسقلاني (19ـ21)، ثم يليها الجزء الرئيسي للحديث النبوي الشريف وترجمته حسب أبواب صحيح البخاري(23 ـ 764) وملحق فيه >فهرس مبسط< برقم الحديث وموضوعه (766ـ 837)، وفهرس الكلمات والمواضيع والأسماء (صفحة 838 ـ 865)،وأخيراً قائمة المصطلحات مع شرحها (866 ـ 878). واستعمل المترجم نظاماً علمياَ لكتابة الأسماء والمصطلحات العربية بالحروف اللاتينية.
طبعت الترجمة أيضاَ مجردة من الأحاديث باللغة العربية، كما أنها متوفرة على مواقع الانترنيت، مما يسهل استعمالها ونشرها في سبيل تبليغ الرسالة.
ج ـ ترجمة رياض الصالحين للإمام النووي، في مجلدين، نشر المجلد الأول في سنة 1996 . قام بالترجمة السيد تلمن شيبله والسيدة نجاة جستون واعتمادا على ترجمة إنجليزية لهذا الكتاب. (1) ويبدو أن هذه الترجمة تستند كثيراً إلى النسخة الإنجليزية لرياض الصالحين لمدني عباسي. (2)
__________
(1) Riyad us Salihin. G?rten der Tugendhaften. Zusammengestellt von Imam Au Zakariya Yahya ibn Scharaf an-Nawawi, Dar-us-Salam Garching 1996.
(2) S.M. Madni Abbasi, New Delhi, 1984.(42/11)
كما أضاف الناشر سيرة ذاتية موجزة عن الإمام النووي. وتتميزالترجمة بطباعة النص العربي في الجهة اليسرى وطباعة ترجمته في الجهة اليمنى من الكتاب مما يسهل التأكد من سلامة الترجمة ومقارنتها بالأصل لناطق اللغة العربية وطالبها. فالترجمة ترجمة شاملة وسليمة.
د ـ ترجمة البيان، وتحتوي على 1700 حديث مختار لصحيحي مسلم والبخاري. وقام بها السيد سمير مراد. (1)
و ـ ويذكر أخيراً ترجمة لم تصدر عن المسلمين، ولكنها متداولة في الساحة الألمانية نظراً للإهتمام المكثف بالإسلام. وطبعت ترجمة المستشرق ديتر فرخل لأحاديث مختارة من صحيح البخاري لأول مرة سنة 1990، وتحتوي على مقدمة عامة حول أهمية الحديث في حياة المسلمين وأهم الكتب والمحدثين. يبلغ حجم الكتاب 512 صفحة، ويشمل في الملحق على موافقة الأحاديث المترجمة بترقيم صحيح البخاري، كما يشمل على فهرس الأسماء والألفاظ العربية مع شرح. وتتصف الترجمة بموضوعية الأسلوب. (2)
ب ـ ترجمة السيرة
قد تختلف حالة ترجمة كتب السيرة قليلاً عما ذكر بالنسبة للحديث. فيجد الباحث عدداً من الكتب باللغة الألمانية تهدف إلى تقديم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم للقراء الألمان. ويلاحظ أن معظم هذه الكتب حول السيرة النبوية الموجهة للإستهلاك العام تخلو من الدقة العلمية والتاريخية ومن الموضوعية إذ لا تستند عادة إلى المراجع الأصلية. وتنقسم هذه الكتب إلى عدة أصناف.
1 ـ ما كتبه غير المختصين في لغات وتاريخ الإسلام وثقافته حيث يستند عادة إلى مراجع غربية.
__________
(1) والترجمة موفرة بالانترنتفي موقع
http://www.alhamdulillah.net/modules.php?name=Hadith-alBayan
(2) ?a??? al Buh?r? Nachrichten von Taten und Aussprüchen des Propheten Muhammad. Ausgew?hlt, aus dem rabischen übersetzt und herausgegeben von Dieter Ferchl. Philipp Reclam jun. Stuttgart, 1991, Neudruck 2006:(42/12)
وقد كثر الإنتاج في هذا الصدد إلى اليوم، ونذكر على سبيل المثال من المؤلفات كتاب كنزلمن "محمد. نبي الله وقائده الميداني." (1)
2 ـ ثم يذكر ما كتب ممن له معلومات في اللغة العربية أو اللغات الشرقية الأخرى وقد تميز الكثير مما كتب في هذا الصدد بعدم الموضوعية والحقد على الإسلام والمسلمين، مثل كتاب آلويس شبغنجر بعنوان "سيرة وتعليم محمد" (2) صلى الله عليه وسلم والذي يحتوي على ترجمة لكتاب المؤلف المنشور باللغة الإنجليزية في الهند في السنة 1851. وكون المؤلف قد عمل وعاش في العالم الاسلامي، خاصة في الهند، لمدة طويلة، لم يمنعه من تردد الأقاويل والأحكام المسبقة السيئة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت ولا زالت تُتَداوَل في الغرب، فيرميه في كتابه "بالمرض النفسي" و"مرض الصرع" ويدَّعي شبغنجر أنه يركز على "الوجوه السلبية" في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى يظهرها للناس بعد أن كانت المراجع الأصلية قد تجاهلتها أو سكتت عنها. ويستهدف الكتاب، حسب مقدمة المؤلف، الباحث غير المتمكن من اللغة العربية الذي يقصد دراسات عميقة عن الإسلام، كما يستهدف القارئ غير المدقق الذي يكتفي بنتائج أبحاث غيره. (3)
والواقع أن القارئ المتعلم يدرك تماما قلة المعلومات الحقيقية التي يوفرها الكاتب.
__________
(1) Konzelmann, Gerhard: Mohammed. Allahs Prophet und Feldherr. Luebbe Verlag, 1981.
(2) Alois Sprenger: Das Leen und die Lehre des Mohammed. Nach bisher gr?sstentheils unbenutzten Quellen. Bearbeitet von A. Sprenger. Berlin, 1861. 2.Auflage 1869, Nicolaische Verlagsbuchhandlung (A. Effert & L. Lindtner.
(3) P.XIX(42/13)
كما يظهر خاصة في مؤلفات القرن التاسع العشر، مثل كتاب الدكتور هوبرت جرمه (1) ، فإن المعلومات الأساسية في اللغة العربية لم تحول دون حقد وتحريف المؤلفين.
3 - ما يتصف بأكثر من الموضوعية ولو لم يبلغ الدرجة المتمنى لها. ولا بد من ذكر مؤلفات الأستاذ السويدي تور أندري الذي كتب ونشر باللغة الألمانية، وله مؤلفتان في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، "شخصية محمد في تعليم وإيمان أمته"، نشر بستكهولم في سنة 1918 (2) ، ثم "محمد. حياته وعقيدته"، نشر بجتنجن في سنة 1932، (3)
ولا يتجاوزان مع كل الأسف الطابع المعتاد لكتب معظم الغربيين في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تثبيت أخطاء وأحكام المؤلفين المسبقة.
4 ـ ما يتميز بدقة علمية في ترجمة النصوص الأصلية بأقلام المستشرقين الألمان،
ويُذكَر في هذا الصدد مؤلفتين، أولهما ترجمة الأستاذ جوستاف ويل:
Das Leben Mohammed' s nach Mohammed Ibn Ishak (4) .
__________
(1) Mohammed: Erster Teil: Das Leben. Nach den Quellen von Dr. Hubert Grimme, Prof. an der Universit?t Freiburg in der Schweiz. Band 1, Münster 1892, Zweiter Teil: Einleitung in den Koran. System der Koranischen Theologie. Münster, 1895.
(2) Tor Andrae: Die Person Muhammads in Lehre und Glaube seiner Gemeinde, Stockholm 1918.
(3) Tor Andrae: Mohammed. Sein Leben und sein Glaube. G?ttingen, 1932.
(4) Das Leben Mohammed's nach Mohammed Ibn Ishak; bearbeitet von Abd el-Malik Ibn Hischam, Bd. !: Von Mohammed' s Geburt bis zum Feldzug gegen die Banu Sulaim; and 2: Feldzug von Sawik is zum Tode Mohammed' s. Stuttgart, Verlag der J. Metzer' schen Buchhandlung, 1864.(42/14)
وطبعت هذه الترجمة لسيرة ابن إسحاق في سنة 1864 بشتتجارت الألمانية في مجلدين، المجلد الأول من ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني سليم (390 صفحة)، والمجلد الثاني من غزوة سويك إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم (364 صفحة). وتتميز هذه الترجمة بدقة علمية، رغم تجاوز الزمن للأسلوب اللغوي الذي اعتمده. أما المترجم (1806 ـ 1889)، فاشتهر بترجمة العديد من الكتب العربية للقراء الألمان، منها الكتاب المشهَّر ألف ليلة وليلة. وكان الأستاذ ويل من أصل يهودي وأصبح أول أستاذ جامعي يهودي يقلد الأستاذية، وذلك في سنة 1845 بفريبورج. (1)
5 ـ وثانيهما ترجمة نفس الكتاب، يعني السيرة النبوية لابن إسحاق، إلى اللغة الألمانية مرة ثانية في القرن العشرين إذ قام الاستاذ جرنوت رتر(أستاذ للعلوم الشرقية بجامعة همبورج سابقا) بهذه المهمة. طبعت تلك الترجمة في سنة 1976 ويبلغ حجمها 288 صفحة. والتي تتميز بأسلوب موضوعي رغم اختصارها، وتقرأ إلى يومنا في صفوف القراء الألمان من المسلمين وغيرهم سواء. يشمل الكتاب الهوامش وقائمة الأسماء، خريطة الجزيرة العربية وقائمة الأحداث التاريخية. (2)
__________
(1) www. wikipedia.org
(2) Ibn Ishaq: Das Leben des Propheten. Aus dem Arabischen übertragen und bearbeitet von Gernot Rotter. Horst Erdmann Verlag, Tübingen und Basel, 1976. 288 Pp.(42/15)
6 ـ ولا يُنكر أخيرا مساهمة بعض المستشرقين الألمان في تحقيق النصوص المخطوطة. فقد حقق فردناند وستنفلد كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المخطوطات المتوفرة في المكاتب الجامعية ببرلين، ليبزج، جوتا وليدن في سنة 1858، ويشتمل التحقيق على 3 مجلدات. (1)
وفي هذا الإطارلا بد من ذكر المعجم المفهرس للأحاديث النبوية للأستاذ ين أرنت ونسنك، رغم أنه نشر باللغة الفرنسية. (2)
أما المساهمات العلمية الأخرى حول السنة النبوية باللغة الألمانية، فلا بد من ذكر"تاريخ الأدب العربي" للأستاذ فؤاد سزكن (3)
المنشور بليدن في سنة 1967، ويحتوي المجلد الأول على معلومات ثمينة في علوم الحديث ورجالها.
كما يضاف من باب السيرة مساهمة الأستاذة المشهورة أنيماري شمل التي ركزت في كتابها. " ومحمد نبيه" (4)
على تقدير الرسول صلى الله عليه وسلم وإكرامه من قبل الشعوب المسلمة من خلال الشعر الشعبي ساعية إلى إيجاد توازنٍ بالنسبة للتصورالسلبي للرسول عليه الصلاة والسلام لدى الجماهير الغربية، ويفهم من خلال ذلك محاولة إيجاد قطب مضاد لما خلفته قضية سلمان رشدي.
د ـ الخاتمة: توصيات وآفاق مستقبلية
__________
(1) Ferdinand Wüstenfeld: Das Leen Mohammed' s nach Mohammed Ibn Ishak. Bearbeitet von Abd el-Malik Ibn Hisham. Aus Handschriften zu Berlin, Leipzig, Gotha und Leyden. G?ttingen, 1858: Minerva Gmbh, Frankfurt, unver?nderter Nachdruck, 1961.
(2) Arent van Wensinck: Concordance et indices de la tradition musulmane. 7 vols, Leiden, 1936-1969.
(3) Fuat Sezgin: Geschichte des Arabischen Schrifttums, Band 1, Leiden, 1967, pp.53-233.
(4) Annemarie Schimmel: Und Muhammad ist Sein Prophet. Die Verehrung des Propheten in der islamischen Fr?mmigkeit. München, 1981, Zweite Auflage, München 1989.(42/16)
يستنتج هذا المقال أن المعلومات الأساسية في السيرة والسنة النبوية متوفرة باللغة الألمانية بفضل جهود عدد المترجمين من المسلمين وغيرهم في السنوات الأخيرة.
ويشار إلى ظهور نموذج جديد من أصحاب الترجمة والرعاية بالسنة النبوية في الآونة الأخيرة، إذ صدرت عن مركزالاسلام الألماني (1) سلسلة من المذكرات المستعملة في التعليم على مستوى الباكالوريوس في الجامعة الإسلامية بفرنسا (2) ، و منها مذكرة قيّمة في علوم الحديث وأحاديث الأحكام وتتصف الترجمة (التي قام بها السيد سمير مراد) بأسلوب سليم وعلمي (3) ، وقد بدأت بهذه السلسلة مرحلة جديدة في التأليف والترجمة العلمية لكتب في العلوم الاسلامية
ثم لا بد من ذكر تأسيس كرسيين في جامعات ألمانية لتكوين المدرّسين لمادّة التربية الإسلامية في المدارس الإسلامية وباللغة الألمانية (4) ، فقد يتوقع أن الحاجة إلى نصوص ألمانية تؤدي إلى المزيد من الترجمات في مجال السنة والسيرة أيضا.
ونشير إلى أن التكنولوجيا الحديثة توفر خدمات ثمينة في التبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كثرت مواقع الانترنت التي توفر معلومات عن السنة والسيرة (5) ، كما يُوفّر موقع (كعبة اونلين) خدمة إرسال حديث شريف يوميا إلى أعضائه عبر البريد الإلكتروني، ويعتمد على الكتب المترجمة المذكورة أعلاه. (6)
__________
(1) Deutscher Informationsdienst ueber den Islam e.V. www.didi.de
(2) Institut Européen des sciences humaines, Chateau-Chinon www.iesh.org
(3) الكتب موفرة في موقع
http://www.way-to-allah.com/
(4) وذلك بجامعت منستر وارلنجن.
(5) http://www.way-to-allah.com/, www.alhadulillah.net, www.salaf.de, www.al-islaam.de
(6) www.kaaba-online.de(42/17)
أما إنجاح عملية ترجمة السنة والسيرة، فإنه يتوقف على توفر الأساليب الضرورية للفهم الصحيح. فمجرد ترجمة الحديث الشريف مثلا قد يؤدي إلى سوء الفهم عند من قرأ هذا النص عند انعدام الأساليب العلمية والخلقية والثقافية والفقهية لفهم الحديث. فمن المرغوب فيه إذا ألا تكون الترجمة مجردة عن توفير معلومات إضافية في هذا المجال. أما التعمق في علوم الحديث، فيبقى دائما مرهونا بإتقان اللغة العربية وأصولها كوسيلة وأداة الفهم الأصيل.(42/18)
سيرة ذاتية
الدكتورة أنكه إيمان بوزنيته
تاريخ الميلاد: 10 / 05 /1969
مكان الميلاد: مدينة مارل بألمانيا
الحالة المدنية: مزوجة، طفل واحد
اللغات: الألمانية (لغة الأم)، الانجليزية، العربية، الفرنسية، معلومات أساسية في اللغة الفارسية والتركية
1988 التخرج من المدرسة الثانوية بمدينة مارل، ألمانيا
1988 – 1995
دراسة اللغة والاداب الانجليزية والدراسات الإسلامية بجامعة بوخم / ألمانيا
النيل على درجة الماجيستير بنتيجة " جيد جدا"
2001
النيل على درجة الكتوراه في الدراسات الإسلامية
موضوع الأطروحة: "عبدالرحمن الأوزاعي وأراءه في السير"
بنتيجة " جيد جدا"
1998 – 2001
مدرّسة في قسم الدراسات الاسلامية بجامعة بوخم
)Ruhr-Universit?t Bochum)
2002 – 2004
أستاذة مساعدة في قسم الشريعة، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر
(مواد التدريس: تاريخ التشريع السلامي، اللغة الانجليزية واللغة الألمانية)
منذ 2004
أستاذة مساعدة في قسم الفقه وأصول الفقه، الجامعة الأسلامية العالمية بكوالا لمبور، ماليزيا
(مواد التدريس: المدخل إلى الفقه والمدخل إلى أصول الفقه، نظام الحكم والعلاقات الدولية، أدلة الأحكام)
المقالات والمنشورات:
باللغة العربية:
"من أسلم من أهل الغرب حديثا" ورقة قدمت في الندوة الدولية الثالثة بجامعة باتنة، الجزائر، سنة 2004 م بعنوان: الإسلام والمسلمون في القرن الخامس العشر الهجري – الواقع اللآفاق. مجلة الإحياء، رقم 8 / 2004، الصفحة 285 - 300
"تاريخ الفقه الإسلامي في مرآة المستشرقين، نظرية تأثر القانون الروماني على الفقه الإسلامي نموذجا" مجلة التجديد، كوالا لمبور، 21/ 2007، الصفحة 41 – 85.
باللغات الاجنبية:
List of Publications
In European Languages:(43/1)
‘Abdarrahman al-Auza’i, ein Rechtsgelehrter des 2. Jahrhunderts d.H. und sein Beitrag zu den Siyar. Erarbeitet auf Grundlage des k. ar-Radd ‘ala siyar al-Auza’i. Doctoral Thesis. Klaus Schwarz Verlag. Islamkundliche Untersuchungen Bd. 240. Berlin, 2001. 397 pp.
(The book has been reviewed by Prof. Birgit Krawietz in Die Welt des Islams, vol. XLV, no.1, 2005, p.153ff.; reviewed by Irene Schneider, ZDMG 157/ 2007)
Mabruk - Arabisch spielend gelernt (In cooperation with Muhammad Rassoul), Islamische Bibliothek, Cologne. Germany, 1997, 58pp.
Was ist Islam? (What is Islam?) In cooperation with Muhammad Rassoul, Islamische Bibliothek, Cologne, Germany, 4th edition 1998. 80pp
Cultivation & Integration. Hajj and Umra Magazine, Monthly Magazine Published by the Ministry of Haj, Vol.59, Issue 6, August 2004, pp.12-15.
Maqasid and related Legal Tools in Bioethical Issues – Prospects and Limits. Proceedings of the International Conference on Maqasid and its Implementation in Contemporary Societies, August 8-10, 2006, vol.3, pp.385-402
(The paper is also hosted on www.imase.org, International Muslim Association of Scientists and Engineers.)
Al-AwzE?E’s concept of sunnah – A post scriptum to Joseph Schacht. Journal of Islam in Asia, Vol.3, No.1, July 2006, pp. 123-150.
The way of success. A question of cultivation. Islamic Quarterly, vol.50, no. 2, London, 2006, pp.175-188.
The Siyar: An Islamic Law of Nations? Asian Journal of Social Sciences, Brill, Singapur, 35.1. (2007), pp.19-46.(43/2)
Ethics in Biotechnology – An Islamic Perspective. Conference Paper, ICBioE, IIUM, in May 2007. Conference Proceedings pp.686-693.
Language and Identity – An Islamic Perspective. SoLLs.INTEC.07 Language and Nationhood: Discourses across cultures and disciplines, May 15-17/ 2007, Proceedings pp.37-44.
Forthcoming, inshallah:
The political legacy of Abd al-Rahman al-Awza’i, accepted by Research Centre, UIA, for publication. 55 pages.
Therapeutic Interventions: an Islamic Perspective, Co-Author, together with Mohammed Tarique al-Rahman et al, JIMA
Eating the fruits of hubris? Islamic views on GM food, Conference paper for the National Seminar on Biotechnology in Food and Consumer Products, Kuala Lumpur, 12/12/2007(43/3)
التمهيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله % أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد % وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين ومصادره وأصوله بفضله وكرمه على هذه الأمة، قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (1) .
وذلك يتضمن حفظ السنة أيضاً؛ لأنها مفسرة للكتاب ومبينة لمجملاته. وأمر الله تعالى نبيه أن يبين كل ما يحتاج إلى بيان في هذا الكتاب بقوله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } (2) . فبين وفسر وصار بيانه لازماً لحفظ القرآن ، وهيأ الله تعالى لكتابه وسنة رسوله من يحفظهما جيلاً بعد جيلٍ ، وذلك في الصدور وفي السطور جنباً إلى جنبٍ .
ولم تزل العناية بالكتاب والسنة مستمرة من القرون المفضلة إلى يومنا هذا ، وما إقامة مثل هذه الندوة المباركة إلا مظهراً من مظاهر هذه العناية ودليلاً واضحاً على اهتمام المملكة بخدمة السنة والسيرة النبوية إذ يشارك عدد كبير من الباحثين بالكتابة في موضوعاتها المختلفة.
وكنت ممن طلب مني المشاركة بكتابة بحث في ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية : الواقع ، التطوير ، المعوقات، التي ستقام في المدة 21-23 / 11 / 1428هـ بمقر الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها بالرياض، فلبيت الطلب بتقديم بحث في المحور الرابع : "دراسة تقويمية لواقع الترجمة المعاصرة للسنة وعلومها ، الموضوع الثامن : دراسة تقويمية لبعض الجهود في ترجمة السنة باللغة الفارسية : دراسة كتب" .
__________
(1) الحجر : 9 .
(2) النحل ، من الآية : 44.(44/1)
وقد وقع اختياري على دراسة كتاب "رحمت الباري ترجمة مختصر صحيح البخاري" المسمَّى بـ ( التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للزبيدي) والتعليقات على الأحاديث التي سماها المترجم بـ ( فيض الباري شرح مختصر صحيح البخاري باللغة الفارسية للدكتور عبد الرحيم فيروز )". فشمرت عن ساق الجد مستعيناً بالله تعالى في كتابة هذا البحث ، وأسأل الله تعالى أن ينفع به المسلمين وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، إنه قريب سميع مجيب .
خطة البحث :
يشتمل البحث على تمهيد ومدخل ومقدمة وفصلين وفيهما مباحث وفي بعض المباحث مطالب ، وخاتمة وبعض التوصيات والمقترحات.
أما التمهيد والمدخل : ففي أهمية ترجمة كتب السنة النبوية ودورها في تعليم غير الناطقين بالعربية علوم الدين والفقه فيه ، ولمحة سريعة عن أهم الجهود التي بذلت في هذا السبيل ، وبيان بعض الشروط التي ينبغي أن يلتزم بها المترجم لكتب السنة .
وأما المقدمة : فتشتمل على النقاط التالية :
أهمية الكتاب المترجم باللغة الفارسية بإيجاز ، والتعريف بمختصره ومنهجه فيه ، والتعريف بالترجمة الفارسية والتعليقات ومنهجه في ذلك على سبيل الإجمال ، وذكر بعض الترجمات الأخرى للكتاب نفسه، مع المقارنة بينها وبين الترجمة موضوع البحث على وجه الإجمال ، وبيان المنهج الذي سلكته في هذا البحث .
وأما الفصل الأول : ففي تقويم النص المترجم ، وفيه مباحث :
المبحث الأول : مدى التزام المترجم بالدقة في ترجمته للنص وإصابته في ذلك ، وفيه مطالب .
المبحث الثاني: قصور الترجمة عن المعنى المقصود في مواضع.
المبحث الثالث : في خروج المترجم عن اللغة المترجم إليها واستعمال الكلمات المهجورة في اللغة الفارسية أو الألفاظ التي لا تعرف في اللغة الفارسية أو استخدام كلمة مكان أخرى أو عدم الدقة في ترجمة النص وفيه خمسة مطالب .
المبحث الرابع : التصرف في ترجمة النص أو اختيار المعنى غير المناسب للسياق وفيه مطلبان.(44/2)
الفصل الثاني : تقويم التعليقات على النصوص المترجمة ، وفيه المباحث التالية :
المبحث الأول : التعليقات العقدية على الترجمة، وفيه مطالب .
المبحث الثاني : التعليقات الفقهية والأصولية على الترجمة ، وفيه مطالب .
المبحث الثالث: التعليقات المتفرقة .
الخاتمة : وتشتمل على خلاصة ما اشتمل عليه البحث .
التوصيات والمقترحات التي ظهرت لي من خلال البحث .
فهرس المصادر والمراجع .
فهرس الموضوعات.
المدخل
لا يخفى على أحد أن ديننا الحنيف مبني على الكتاب والسنة والتمسك بهما ومعرفة أحكامهما والتفقه فيهما ، وقد يكون ذلك سهلاً على أهل اللسان الذين أنزل القرآن بلغتهم وأرسل الرسول المكلف ببيانه فيهم وبلغتهم ، فلا يواجهون في فهمهما ما يواجه غير أهل اللسان ، ومن هنا تأتي أهمية ترجمة كتب السنة ودورها في تعليم غير الناطقين بالعربية علوم الدين وتقريب فهمها لهم، وأصبح أمراً ضروريا في حقهم. ولذلك بذلت جهود في هذا المجال فترجمت كتب عديدة في السنة والسيرة النبوية بعدة لغات أشير إلى أهم ما وقفت عليه في السنة: في مقدمتها صحيح البخاري إذ ترجم باللغة الفارسية والأردية والروسية والمليبارية والإنجليزية والألبانية والفرنسية، وكذا صحيح مسلم ترجم بالفارسية والأردية وغيرها وكذا ترجمت بقية الكتب الستة غير الصحيحين بالأردية والإنجليزية وغيرها من اللغات.
وقال مؤرخ الهند عبد الحي بن فخر الدين الحسني أمين ندوة العلماء في كتابه: الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (1) في ترجمة الشيخ وحيد الزمان بن مسيح الزمان: "وأكثر كتبه تراجم لكتب الحديث وله شرح لصحيح البخاري وصحيح مسلم بالأردية، وسمى شرحه لصحيح البخاري: تسهيل القاري شرح صحيح البخاري" (2) .
__________
(1) 8/541.
(2) 8/542.(44/3)
وكذا ترجم رياض الصالحين بعدة لغات بالفارسية والأردية والإنجليزية والإسبانية، كما ترجم الأربعين النووية بأكثر من عشرين لغة (1) ، وهي: الفارسية، والأردية ، والألمانية، والهولندية، والمجرية، والتركية، والألبانية، والماليزية، والصينية، والتاميلية، والبنغالية، والبشتو، والكجراتية، والهندية، والمليبارية ملايالم، والكندية، والصومالية ، والسواحلية، ولغة الفانتي، ولغة الأنزما.
كما ترجم "مشكاة المصابيح" بالإنجليزية ريناد نيكولس، وموطأ مالك عائشة بيلولي.
ولضيق المجال أعرضت عن المعلومات المتعلقة بالمترجمين ودور النشر وغير ذلك.
فهذه الجهود تدل على اهتمام علماء الأمة بكتب السنة ولاسيما الكتب المشهورة، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لمزيد خدمة السنة وخدمة هذا الدين الحنيف.
ويجدر هنا أن أنوّه ببعض الأمور والضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها المترجم لكتب السنة :
1. ينبغي ألاّ يخضع المترجم للرؤى المذهبية والاجتهادات الشخصية.
2. يلتزم المترجم بجميع أحكام الشريعة الإسلامية حسب أصولها ومبادئها .
3. التقيد بمنهج السلف في الأمور العقدية على ضوء الكتاب والسنة .
4. عدم التصرف في ترجمة النصوص بزيادة أو نقصان أو تحريف .
5. عدم تحميل النص ما لا يحتمل بالتكلف .
6. ترك المصطلحات العربية التي يتعذر ترجمتها إلى اللغة المترجم إليها كما هي بلفظها العربي ، وتوضيحها في الحاشية أو بين القوسين بعد الكلمة مباشرة.
7. وضع التعليقات حسب ما يتطلبه النص مع التجرد من التعصب المذهبي ورأي المترجم الشخصي.
8. استخدام اللغة السائدة المعاصرة المفهومة لدى معظم الناطقين باللغة المترجم إليها ، والابتعاد عن استخدام اللغة القديمة أو الكلمات المهجورة .
__________
(1) انظر لكثير منها قائمة منشورات الدار العالمية للكتاب الإسلامي، عثمان عبد الله، محمود أحمد أبو العيون، وقائمة منشورات دار السلام كلاهما بالرياض ودار السلام لها فرع بالمدينة المنورة.(44/4)
وأسأل الله تعالى أن يوفق القائمين على هذه الندوة المباركة التي تخدم السنة والسيرة النبوية، وأن يجعلها فاتحة خير ونفع للمسلمين الذين لا يجيدون اللغة العربية بتقديم خدمات في سبيل ترجمة السنة النبوية وتسهيل فهمها لهم، وأن يجزيهم على هذه الجهود المباركة خير الجزاء ، وجعلها ذخراً لهم في ميزان حسناتهم ، تحت ظل هذه الدولة الرشيدة المؤسسة على الكتاب والسنة ، وفقها الله تعالى لما فيه خير البلاد والعباد ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
مقدمة
التعريف الموجز للكتاب المترجم وهو مختصر (صحيح البخاري) للزبيدي
ولا يخفى أهمية ومكانة وشهرة صحيح البخاري عند المسلمين وتلقي الأمة له بالقبول ، فهو حقاً أصح كتاب بعد كتاب الله العزيز باتفاق المسلمين .
وقد بذل الإمام البخاري جهداً كبيراً في جمعه وتأليفه وانتقائه من ستمائة ألف حديث مما كان يحفظ ، وألفه في ست عشرة سنة ، ويقول بأنه كان إذا أراد إدخال أي حديث في صحيحه يغتسل ويصلي ركعتين ثم يستخير ، وبعد تيقنه من صحته كان يثبته في الصحيح (1) .
ولأهميته لم يزل هذا الكتاب طوال القرون الماضية موضع اهتمام العلماء ، وقد كتب حوله أكثر من مئة شرح وتعليق وحاشية (2) ، ومن أشهر شروحه "فتح الباري" للحافظ ابن حجر ، و"عمدة القاري" للعلامة بدر الدين العيني .
كما اهتم علماء المسلمين في عصرنا الحاضر بترجمته إلى عدة لغات : أردية ، فارسية ، إنجليزية .... مليبارية وغيرها كثير .
وجدير أن يُعنَى به؛ فهو أصح وأجمع كتاب من حيث المحتوى ، ولذلك سمّاه "الجامع" إذ ضمنه العقائد والأحكام والآداب والفضائل والتفسير والتاريخ والسير والجهاد وغير ذلك من العلوم .
__________
(1) انظر : هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر / 7.
(2) جاء في مقدمة "عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للعيني" (1/26-29) ذكر (119) شرحاً وتعليقاً.(44/5)
أما المختصر المسمَّى بـ"التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" الذي اختصره أبو العباس زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي (811-893هـ). فقد ذكر في مقدمته منهجه في الاختصار بأنه حذف الأسانيد وحذف المقطوعات والمعلقات والمكررات من الأحاديث إلا إذا كان هناك زيادة في الحديث المكرر أو ذكر الحديث في الموضع الثاني أتم من الموضع الأول فيذكره من الموضع الثاني ، وكذا حذف الأخبار المتعلقة بالصحابة التي لا علاقة لها بالحديث النبوي ، ويذكر الحديث مع راويه كما ورد اسمه في أول مرة .
أما المترجم لهذا المختصر- موضوع بحثنا - فهو الدكتور عبد الرحيم فيروز الهروي الحاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية ، وأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض .
وقد سمَّى ترجمته بـ" رحمت الباري ترجمة مختصر صحيح البخاري " ، وسمَّى التعليقات على الأحاديث بـ ( فيض الباري شرح مختصر صحيح البخاري) .
والكتاب في ستة مجلدات الترجمة مع الشرح ، طبعته ندوة الشباب العالم الإسلامي .
التعريف بالترجمة :(44/6)
ذكر المترجم في مقدمة فيض الباري (1/15) تحت عنوان : "مشخصات الترجمة" - أي : مميزاتها- أنه اختار ترجمة معاني النص بدل الترجمة الحرفية ؛ لأن الترجمة الحرفية لا تؤدي المعنى الوافي للنص وتبقى فيها ركاكة ، ولذا هجرت الترجمة الحرفية في العالم في جميع اللغات وإنما يستفيدون من ترجمة معاني النص ، وهذا الذي اتبعته أنا في ترجمة هذا الكتاب ، والأمر الذي ينبغي أن يوضع في الاعتبار أن هذه الترجمة ليست ترجمة لكتاب أو تحرير أي عالم أو كاتب ، بل هي ترجمة لكلام رسول رب العالمين الذي له وقع العالي من حيث الأسلوب البلاغي والبياني بعد كلام الله تعالى . ومن جهة أخرى هو كلام من أوتي جوامع الكلم ، ومن هنا تجد عبارات قصيرة وألفاظ لها معاني كثيرة ، وفي مثل هذه الحالة لو ترجم عين اللفظ بدون النظر إلى المعنى فيواجه بركاكة العبارة بجانب وقوع النقص والخلل في المعنى.
هكذا رسم المترجم منهجه في ترجمته، وقد راعى اتباع منهج ترجمة معاني النص وتجنب الترجمة الحرفية الركيكة ، وبذل في ترجمة معاني النص جهداً مشكوراً لكنه لم يحالفه الصواب في مواضع كثيرة لأسباب عديدة سيأتي تفصيلها في مباحث الفصل الأول والثاني.
لغة الترجمة لم تخلُ لغة الترجمة من استخدام الكلمات الدخيلة كما في ترجمة حديث رقم 859 "سڑكها" ترجمة "الشوارع" وهي كلمة أردية وليست فارسية ، وترجمتها بالفارسية "جاده أوراه" وقد طلبت منه حذف هذه الكلمة أو إبدالها بما ذكرت في تقديم ملحوظاتي على الترجمة لكنه لم يحذفها .(44/7)
أو مهجورة كترجمة "الحصير" في نص الحديث (رقم 250) بـ"بوريا" بينما المستعمل السائد الآن لفظة "الحصير" نفسه عند الإيرانيين ، فلا حاجة إلى ترجمتها ، بل هناك اصطلاحات شرعية معروفة لديهم وترجمتها قد تسبب الغموض مثل اصطلاح "سترة المصلي أو سترة الإمام" مفهوم ومعروف عندهم عندما يترجمها بـ"حماية الإمام" صارت غامضة وغير مفهومة لدى كثير من الناس ، وكذا ترجمة "بال" في حديث (رقم 255) بـ"بول نمود" غير مفهوم لدى كثير من الناس إنما الواضح في ترجمته "شاش نمود" أو "ادرار كرد" .
. وقد سبق أن قرأت الترجمة بكاملها بعد أن طبعت ونشرت مرتين ، وأبديت ملحوظاتي حولها والأخطاء التي وقعت فيها (1) فمن بينها ما عدّلها ومنها على سبيل المثال من الأخطاء الفادحة ترجمة : النخامة والبزاق = فلا يبزقن أحدكم ، في حديث (264، 265، 266) بماء الأنف ، بينما النخامة هي البلغم والبزاق والبصاق : التفل ماء الفم وليس ماء الأنف .
__________
(1) هذه الأخطاء ما زالت موجودة في "رحمت الباري ترجمة مختصر صحيح البخاري" حتى الطبعة الثانية 1423 هـ طبعة دار السلام ، وإنما عدلت بعضها في طبعة ندوة الشباب مع الشرح بناء على ملحوظاتي .(44/8)
وكذا في باب بيع الورق بالذهب نسيئة (ح 1032) قال المترجم : "وبه طور متفاضل جواز ندارد" ترجمته بالعربية "لا يجوز بيع الورق بالذهب على جهة التفاضل" وصوابه بالفارسية : "به طور متساوي يابه طور متفاضل هردوصورت جائزاست". كذا في (حديث 2184) ولفظه : "من تحلَّم بحلم لم يره كُلِّفَ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" ترجمه بالفارسية : "ازوى خواسته مى شودكه دو موى را بهم گره بزند وهرگز اين كاررا كرده نمى تواند" معناه بالعربية : "أنه يكلف أن يعقد بين الشَّعْرَين ولن يستطيع ذلك" وصوابه : "يكلف بعقد شعيرتين ولن يستطيع ذلك" كما ذكرت له الترجمة الصحيحة بالفارسية بما ترجمتها بالعربية ، وعدل أكثر الملحوظات وترك جملة منها ، وعلى سبيل المثال مما تركها :
ما طلب منه في حديث (283) وفي باب (44) إذ ترجم عنوان الباب وما جاء في الحديث "فليأخذ بنصالها" بالخطأ وطلب منه تصويبه ولم يغيره إلى الصواب . وكذا في حديث (1066) ولفظه : "دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً" ترجمه : "او را بگزاريد، چون زبان حقدار دراز است" ترجمته بالعربية : "اتركوه فإن لسان صاحب الحق طويل" طلب منه تعديله إلى الصواب : "فإن لصاحب الحق حق التكلم والمقال" ولم يغيره.
كذا في حديث (1060) ولفظه : "مطل الغني ظلمٌ" ترجمه :"معطل ساختن شخص ثروتمند ظلم است" معناها بالعربية : "تعطيل (حق) الغني ظلم" بينما قدم له الترجمة الصحيحة بالفارسية وهي : "تاخير كردن ثروتمند در پرداخت قرض ( به صاحبش ) ظلم است".
هذه نماذج مما أبديت له من الملحوظات التي كان يجب عليه تصويبها وسيأتي تفصيل ذلك في مباحث البحث إن شاء الله تعالى.
التعريف بالتعليقات التي سماها : "فيض الباري شرح صحيح البخاري" ومنهجه في ذلك:
هذه التعليقات عبارة عما يذكره المترجم تحت عنوان "من الأحكام والمسائل المتعلقة بهذا الحديث" .(44/9)
ثم يذكرها بالأرقام (رقم 1 ، رقم 2 ، رقم 3) وهكذا في كل الأحاديث المذكورة إلا نادراً. يترك العنوان المذكور لعدم الحاجة إلى التعليق. ومنهجه في ذلك أنه يترجم لراوي الحديث أولاً بوضع رقم الحاشية بعد ذكر اسمه من جهة ترجمة النص ثم بعد انتهاء ترجمة الحديث يضع رقماً للمسائل المتعلقة بالحديث، على سبيل المثال حديث عمر ابن الخطاب قال : سمعت رسول الله % يقول: "إنما الأعمال بالنيات ..." فوضع رقما بعد ذكر الراوي في مقابل النص جهة ترجمة النص ، وكذا رقما آخر بعد انتهاء ترجمة النص للتعليق.
وذكر في المقدمة من فيض الباري في (1/61) تحت عنوان ( توجه ) يعني: لفت نظر ما معناه بالعربية:
1. أن استنباط الأحكام من الأحاديث النبوية لها قواعد وأصول وشروط خاصة ، وأن ذلك لا يمكن للشخص الذي لم يصل إلى مرحلة النضج العلمي القيام به بحال .
على هذا الأساس لا ينبغي لكل أحد أن يأخذ - أي: من الحديث أو ترجمته - ما يخطر في ذهنه من ظاهر بعض الأحاديث وأن يجعله حكماً شرعياً ويعمل به ، أو يفتي غيره حسب فهمه .
على سبيل المثال : لو يواجه بالحديث الذي يقول إن الرسول % قال في الحج في جواب كل من سأله من أعمال يوم النحر أنه فعل كذا في التقديم أو التأخير، فقال : "افعل ولا حرج" ، فعلق بقوله :
لا ينبغي لأحد أن يفهم أن أداء كل عمل على العلم أو بدون العلم جائز ولا حرج فيه .
بينما الحديث واضح لا غموض فيه ويفهمه كل من يعرف العربية ، إذ يقول راوي الحديث : ما سئل رسول الله % عن شيء قدم أو أخر إلا قال : افعل ولا حرج ، فالحديث ظاهر لا يتوقف على العلم أو عدمه بخصوص تقديم أو تأخير أعمال يوم النحر وأنه لا شيء عليه ، ولا على كتب الفقهاء والشروح في الأمور الواضحة ، إذ يقول المترجم والشارح :
يجب لدرك وفهم المعنى الحقيقي من مثل هذه الأحاديث مراجعة كتب الفقهاء ، وشروح الأحاديث .(44/10)
نعم لا يستغنى عن كتب الفقهاء والشروح في فهم أمور كثيرة غامضة إذ هناك بعض الأحاديث قد يحتاج في فهم معناه إلى الشروح ولكن ليس الحديث المذكور كما أشرت إليه .
فتحذيره القراء من فهم الترجمة من قبل أنفسهم لا معنى له وإلا فما فائدة الترجمة؟ فالعلماء يفهمون النص العربي وإنما يحتاج إلى ذلك غير المتضلع في العلم وأوساط المثقفين.
ثم ذكر تحت العنوان رقم (2) ما معناه بالعربية : "في شرح هذا الكتاب المهم كثيراً جمعت لقراء هذا الكتاب خمسة آلاف حكم فقهي ، وحكمة نبوية وفوائد حديثية وغير ذلك من المسائل الأخرى" .
وسيأتي التعليق بالتفصيل على تعليقاته، وأشير هنا إلى استطراد الشارح بذكر أمور ليس لها لزوم ولم يتعرض لها الشراح وبالخصوص في كتاب التفسير من صحيح البخاري نحو إيراده في كل سورة جاء ذكرها عند البخاري أم لم يجئ عدد الركوعات والكلمات والحروف والنقاط ، ولم يتعرض لها المفسرون المشهورون مثل إمام المفسرين ابن جرير الطبري والبغوي والماوردي وابن عطية والقرطبي وابن الجوزي والحافظ ابن كثير و بالعكس ترك شرح ما يحتاج إلى شرح مما عنون له الإمام البخاري في الترجمة وعدم التعرض لمقصده كما في باب زيادة الإيمان ونقصانه وغير ذلك. وسيأتي تفصيل ذلك، وكذا إيراده آراء خلاف ما يريده البخاري من ترجمة الباب الموافق لنص الحديث الذي أورده لأجله ، فكثيرا ما يترك القارئ في حيرة، لاسيما في المسائل العقدية والمسائل الفقهية إذ يذكر الآراء المختلفة في ذلك واختلاف العلماء ويتركهم هكذا حائرين بدون بيان الراجح الموافق للنص غالباً ، ويبقى القارئ في خضم الآراء والأقوال المختلفة متحيراً.
فكان ينبغي أن يكتفي بالقول أو الرأي الصحيح الموافق للنص ، وإلا كان عليه أن يبين الصواب أو الراجح من بينها .(44/11)
ومن الجدير بالذكر أن أشير هنا إلى أن مختصر صحيح البخاري الذي نُقوِّمُ ترجمته المسمّاة بـ"رحمت الباري" قد قام بترجمته الشيخ عبد القادر ترشابي ، من علماء بلوشستان الإيرانية في مجلدين ، الناشر: انتشارات حرمين ، زاهدان . وبالمقارنة بين الترجمتين من خلال نماذج الملحوظات التي استعرضتها في أثناء البحث تبين لي سلامة الترجمة الثانية مما وقعت فيه الترجمة المعنية بالتقويم من الأخطاء والخلل وعدم الدقة ، مع تميز الترجمة الثانية بسلامة أسلوبها ولغتها وبعدُها عن استخدام الكلمات المهجورة عند أهل اللغة . إلا أن هذه الترجمة عارية من التعليقات على النصوص بالمرة .
وسيأتي نماذج من المقارنة بين الترجمتين في أثناء هذا البحث.
المنهج الذي سلكته في بيان الملحوظات :
أ- أذكر نماذج من النص العربي الذي ترجم إلى الفارسية بالخطأ أو كانت ترجمته غير دقيقة.
ب- أذكر الترجمة الفارسية الخاطئة أو الغير دقيقة ، ثم ترجمتها بالعربية ليعرف موضع الخطأ .
ج- ثم أذكر الترجمة الفارسية الصحيحة الموافقة للنص، مع الأدلة على ذلك .
د- اخترت رقم الحديث في تحديد النص المترجم الذي عليه الملحوظة لسهولة الوصول إلى الترجمة "رحمت الباري" الطبعة الأولى والطبعة الثانية التي بدون الشرح وكذا المطبوعة مع الشرح .
وأما التعليقات على الشرح فاكتفي بترجمة نصه الفارسي بالعربية وبذلك يتضح الخطأ، ثم أبين الصواب أو الراجح في المسألة.
وأوثق النصوص المنقولة من المصادر التي نقلتها منها.
الفصل الأول: تقويم النص المترجم
وفيه عدة مباحث :
المبحث الأول : مدى إصابة المترجم المعنى الصحيح في ترجمته ودقته في ذلك وفيه ثلاثة مطالب :
لا شك أن المترجم كان مصيباً في ترجمته في الغالب ، إلا أنه لم يكن مصيباً ولا دقيقاً في ترجمته في مواضع ليست بالقليلة ، ولعلَّ ذلك يرجع إلى أسباب ، من أهمها:
أ- عدم فهم المترجم المعنى المراد من النص العربي فهماً دقيقاً .(44/12)
ب- ربما فهم معنى النص ، لكنه لم يهتد إلى المعنى المقابل الدقيق له في اللغة الفارسية .
ج- أو اعتماد المترجم في ترجمة النص على فهمه ، دون الرجوع في الغالب إلى كلام أهل العلم في بيان معنى النص ؛ لأنه لو رجع إلى كلام أهل العلم لكانت ترجمته أكثر دقةً ولما وقع فيما وقع فيه من الخطأ والتخليط .
ويمكن بيان وقوع المترجم في الخطأ في ترجمته من خلال عرض النماذج التالية في المطالب الآتية :
المطلب الأول: في ترجمة النص بالخطأ كاملاً ، أو بعضه :
" ترجمة حديث رقم 1060 (3/471) من فيض الباري : : "مطل الغني ظلمٌ" ترجمه :"معطل ساختن شخص ثروتمند ظلم است" معناه بالعربية : " أن تعطل صاحب الثروة ظلم" والترجمة الصحيحة الموافقة للنص : "تأخير كردن ثروتمند در پرداخت قرض (به صاحبش) ظلم است". وقد نبَّهته على هذا الخطأ سابقاً فيما أبديت له من ملحوظات على الترجمة وجاءت ترجمة النص سليمة في ترجمة الشيخ عبد القادر ترشابي (1/592) ح 1051.
" جاء في رحمت الباري (2/530) - التي بدون شرح - ترجمة الحديث رقم 2184) : " من تحلَّم بحلم لم يره " وقد تقدم في المقدمة توضيح موضع الإشكال وبيان الصواب.
" ترجم المترجم بالفارسية ما عنون له الإمام البخاري قبل حديث رقم (2192) بـ"باب تكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم" ، بما ترجمته بالفارسية كالآتي :
"فتنه ى شخص نشسته از فتنه ? شخص برخاسته بهتر است" معناه بالعربية : "فتنة القاعد خير من فتنة القائم" ولا شك أن هذا المعنى ليس مراداً من النص العربي ، وقد نبهته على هذه الملحوظة ولكنه لم يعتن بها، والترجمة الصحيحة الموافقة للنص بالفارسية : "فتنه هايى پديد مى آيدكه شخص نشسته بهتر از شخص ايستاده است " .
" ترجم النص في حديث رقم (1830) : "يا أبا هريرة ، جف القلم بما أنت لاق ، فاختص على ذلك أو ذر" بالفارسية : "قلم تقدير به سرنوشت خشك شده است يا خود را خصى كن يا مرا بگذار" .(44/13)
فترجم " فاختص على ذلك أو ذر " اختص نفسك أو اتركني وذرني .
وهذا خطأ في الترجمة والترجمة الصحيحة كما جاء في ترجمة ترشابي (2/487) :
"خواه آخته كنى يا نكنى سرنوشت قلم خورده ودواتش خشك شده" ، وجاء في الفتح (1) نقلاً عن الطيبي في معنى الجملة المذكورة : "اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل ما ذكرت من الخصاء" فهو للتهديد ، المعنى : إن فعلت أو لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر ...".
" ترجم ما عنون له الإمام البخاري بـ(باب الأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد) بما يأتي بالفارسية : (باب بيرون كردن سرنيزه ها هنگام داخل شدن مسجد) ومعناها بالعربية: (باب إخراج النصال عند دخول المسجد) لا شك أن هذا المعنى خطأ وليس مرادا ، وهذا يتضح من توضيح معنى النصال هل هو شيء يخرج أو شيء يؤخذ أو يمسك كما جاء في الروايات ، جاء في شرح النووي (2) : "النصول والنصال جمع نصل : وهو حديدة السهم ، وفيه هذا الأدب وهو الإمساك بنصالها" وجاء أيضا: "هو حديدة السهم والسيف..." (3) .
وجاء في الفتح (4) : "عند الشيخين أن رجلاً مر في المسجد بأسهم قد أبدى بنصولها ، فأمره أن يأخذ بنصولها كي لا يخدش مسلماً " . وفي رواية لمسلم برقم (2614) : "كان يتصدق بالنبل" .
وفي رواية عند البخاري برقم (452) : "فليأخذ على نصالها بكفه لا يعقر مسلماً".
وعلى هذا فالترجمة الصحيحة بالفارسية كما جاء في ترجمة الشيخ عبد القادر (1/179) (ح 279، 280) : - وقد نبهته عليه أيضاً لكنه لم يعتن به - "باب كنترل وگرفتن سرنيزه ها هنگام عبور از مسجد" فكل الروايات الصحيحة تدل على أن المقصود أن يمسك أو يأخذ أو يقبض بنصال السهم أو النبل أي موضعه الحاد بكفه كي لا يجرح مسلماً .
__________
(1) (9/119).
(2) (16/169)
(3) 16/407.
(4) (1/546)(44/14)
وكذا ترجم نص الحديث برقم 283، 284 ، فقال له رسول الله % : أمسك بنصالها ، وفي الرواية الأخرى : "فليأخذ بنصالها بكفه لا يعقر مسلماً"، على الخطأ بالفارسية : "برايش گفتند پيکانها? آنها را بردار" ومعناها بالعربية : "قال له شيل نصالها" "فليشيل رأس نصالها ويأخذها بيده" .
ولا شك أن هذا المعنى ليس هو المعنى الصحيح ؛ لأنه يفهم منه أن النصال ـ وهو حديدة السهم أو السيف كما تقدم ـ يُشال وينزع من مكانه ويؤخذ باليد، بل صوابه كما نبهته عليه وبينته له وجاءت ترجمته على الصواب في الترجمة الثانية : "فرمود پـيكان تيرها را بگير " وفي التوضيح ذكر بعده (يعنى لبه تيزآنها را محافظت كن تا باعث زخمى شدن كسى نباشد) يعني: ليأخذ بيده طرفها الحاد لكي لا يتسبب في جرح أحد .
المطلب الثاني: في ترجمة بعض الكلمات والألفاظ بغير المراد منها :
من أمثلة ذلك :
" ترجم الحديث رقم (2091) : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ "، بالآتي :
"دونعمت است كه اكثر مردم درآن فريب مى خورند يكى تندرستى وديگرى فراغت " ومعناها بالعربية : "نعمتان يخدع كثير من الناس فيهما : الصحة والفراغ" وليس هذا المراد من الحديث ، وإنما الصواب في المراد من معنى الحديث بالفارسية : "دو نعمت است كه أكثر مردم در خساره ونقصان هستند ، تندرستى وسلامتى، وفراغت" لأن أكثر الناس لا يستفيدون من الوقت والصحة ويضيعونهما فهم في خسارة ونقصان، وهذا المعنى الذي ذكره الشراح ، أما الخداع فلا يتناسب مع مقاصد الحديث .
الحديث رقم (2050) : "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان ابن فلان" ترجمه بالفارسية كالآتي :
"براى شخص فريب كار در قيا مت بيرقى شود وگفته مى شود : اين بيرق فريب كارى فلان بن فلان است".(44/15)
ومعناها بالعربية : "ينصب لواء يوم القيامة لكل خادع ويقال : هذا خداع فلان بن فلان" ومعناها الصحيح بالفارسية كما ترجمه الشيخ عبد القادر ترشابي (2/60) : "روز قيامت براى هر شخص خائن پرچمى نصب مى كنند واعلام مى نمايند كه اين خيانت فلانى فززند فلانى است" .
وعلى هذا فالمعنى الصحيح المناسب للنص: أن الغادر بمعنى الخائن الذي نقض العهد وأخلفه أو خان الأمانة ، كما جاء في الفتح (1) وشرح النووي على صحيح مسلم (2) ، أما الخداع في معنى الحديث فلا يتناسب مع ما شرح به الشراح الحديث.
ترجم الحديث رقم (1066) : "فإن لصاحب الحق مقالاً" : "چون زبان صاحب حق دراز است" معناها بالعربية : "فإن لسان صاحب الحق طويل" .
فهذه الترجمة غير مفهومة وغير مطابقة لمعنى النص ، وعلى هذا فالترجمة الصحيحة بالفارسية الموافقة لمعنى النص : "چون صاحب حق ، حق سخن گفتن دارد" : فإن صاحب الحق له حق المقال.
ترجم الحديث رقم (21) الذي فيه : "كما تنبت الحِبَّة في جانب السيل" بالآتي :
" مانند دانه اى كه دركنارجوى مى رويد" ومعناها بالعربية : "كما تنبت الحبة في جانب النهر" وهذا ليس المراد من معنى الحديث ، إنما المراد السيل في الحديث وليس النهر، والحبة المذكورة في المثل لا تنبت على النهر بالوصف المذكور ، فعلى هذا الترجمة الصحيحة للنص بالفارسية:
"مانند دانه اى كه دركنار رود خانه مى رويد"
المطلب الثالث: في الترجمة الغير مفهومة:
ذكر البخاري - رحمه الله تعالى- كما في فيض الباري (1537) ب 62- كتاب أبواب سترة المصلى ، ثم قال : "باب سترة الإمام سترة لمن خلفه" فترجم المترجم النص المذكور
بالآتي :
__________
(1) 6/284 ، وكذا في شرح الحديث رقم (6177) من كتاب الرقاق .
(2) 12/44.(44/16)
"كتاب أبواب حمايه ، براى نماز گذار" ، "باب حمايه امام حمايه مقتديان است". فترجمة السترة بلفظ "حمايه" وهي كلمة عربية أيضاً غامضة وغير مفهومة ، بينما استخدام لفظة "السترة" أكثر وضوحاً وفهماً لدى أهل اللغة ؛ لأنها اصطلاح شرعي معروف عندهم ، ولذا ترجمها الشيخ عبد القادر في ترجمته للكتاب نفسه على المعروف المفهوم (1/195) بالآتي :
"ابواب ستره نماز گذار" "سترة امام سترة مقتدى است". فهذا مفهوم وواضح عند أهل اللغة لكثرة استعمالها بلفظها العربي ، مثل لفظ "الزكاة" و "صدقة فطر" و"العيد" وغيرها من الكلمات الشرعية الاصطلاحية.
المبحث الثاني: قصور الترجمة عن المعنى المقصود :
" ترجم الحديث رقم (2112) تحت باب : "لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه" ونصه: "إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه" بالآتي:
"اگركسى ازشما به كسى كه ... از وى درمال وخلقت بالاتراست نظر مى كند ، به كسى كه از وى پايين تراست نيز نظر كند" معناها بالعربية:
"إذا تنظر أحدكم إلى شخص فوقه في المال والخلقة فلينظر أيضاً إلى من هو دونه" فالخلل في هذه الترجمة ظاهر، وعنوان الباب المذكور يوضح معنى الحديث ، فالمعنى الصحيح للنص : "هرگاه يكى ازشما فردى را ديدكه درمال وجمال بروى برترى عنايت شده است، پس بايد به فردى كه ازخودش در سطح پايين ترى قراردارد نگاه كند".
جاء في شرح حديث 2041 (6/216) ونص الحديث: "... إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" - في حاشية 2 س 2-3- بالفارسية : "بلكه پهلوان كسى است كه خود را بخواباند" معناها بالعربية : "بل الشديد من ينوم نفسه" فهذا غير مفهوم وغير مقصود ، بل المراد والمقصود من النص كما جاء عنده في ترجمة النص "بلكه پهلوان كسى است كه نفس خود را وقت غضب كنترل كند".(44/17)
" ترجم لفظ "النطاق" الوارد في حديث ( 1280) بلفظه العربي وهو غير مفهوم عند أهل اللغة وترجمه في الحديث الآخر -وهو حديث الهجرة - برقم (1593) ونصه: "فقطعتْ أسماءُ بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب ..." بالآتي :
أسماء & قسمتى ازجامه اش را پاره كرد ، وسركيس را با آن بست ... معناها بالعربية : "قطعت أسماء جزءً من ثوبها فربطت فم الكيس بذلك" ثم شرح لفظة النطاق في شرحه على الحديثين، فذكر في شرحه في الموضع الأول (4/234) حاشية رقم (1) - بعد أن أهمل ترجمتها في النص كما ذكرت - فقال- ما معناه بالعربية -: "نطاق : على وزن عراق ، عبارة عن رداء تلبسه النساء عند العمل فوق لباسهن كي لا يتسخ ثيابهن..." هكذا شرحه هنا بالرداء = لنگى ، بينما ترجمه في الموضع الثاني (ح 1593) كما تقدم بالثوب = جامه في النص ، وفي الشرح (5/110) حاشية رقم (1) قال ـ ما معناه بالعربية ـ : "الثوب الذي قطعته أسماء & وربطت به رأس الكيس يقال له في العربي : (نطاق) ولما جعلت النطاق الواحد نطاقين سميت بذلك ذات النطاقين" .
فهنا عدة أمور : ترك ترجمة اللفظة وهي غير مفهومة عند أهل اللغة على حالها ، ثم شرحها بالرداء في الموضع الأول ، ثم ترجمها في النص في الموضع الثاني بالثوب ، ثم شرحها في الحاشية بأن الثوب الذي قطعته أسماء.... يقال له بالعربية (نطاق). فكل هذا غير صحيح وغير دقيق بل الصحيح في معنى النطاق بالفارسية "كمربند" وهكذا جاء ترجمته في فرهنگ معاصر عربي فارسي/696 ولم يذكر الثوب ولا الرداء في ترجمته ، وهكذا جاءت ترجمته على الصواب في ترجمة الشيخ عبد القادر (2/298) : "آنگاه أسماء دختر أبو بكر ، ازكمربند ، قطعه اى پاره كرد و دهانه سفره را با آن بست".(44/18)
كما اضطرب في ترجمة "نطاق" كذلك حصل منه في ترجمة "السويق" الوارد في ترجمة الباب ونص الحديث رقم 158 (1/326) استخدم في الترجمة اللفظة العربية نفسها ، ثم ذكر في الشرح حاشية (4) "أنهم يسمونه عندهم في هرات بـ(غلور) وغيرهم يسمونه (تلخان).
وقد ترجمها في الموضع الثاني (1/445) برقم حديث 277 بـ(بلغور) ولا أدري بأي لغة؟! وجاء شرح السويق في فرهنگ معاصر عربي فارسي/310 بالآتي : "نوعى حليم ازگندم يا جو وشكر وخرما درست كنند" وهو الصحيح في ترجمة السويق .
ترجم لفظة "خوخة" الوارد في عنوان الباب (1/513) بـ"رخنه" وهو خطأ، وترجمه على الصواب في النص الوارد فيه برقم (295) بـ"دريچه" في الموضعين في النص ، كذا جاء في فرهنگ معاصر/184: "الخوخة: جمع خُوَخ: دريچه سقف ، نورگير ، دريچه".
المبحث الثالث: في استخدام كلمات مهجورة أو دخيلة أو استعمال كلمات لا تعرف عند أهل اللغة أو استعمال كلمة مكان أخرى، أو عدم الدقة في ترجمة النص، ومعلوم أن خروج المترجم عن اللغة المترجم إليها في بعض الأحيان، أو استعماله لمفردات قديمة مهجورة في اللغة الفارسية السائدة ، أو لا تعرف أصلاً، يصعِّب فهم الترجمة للقارئ ، مع أن المطلوب من المترجم أن يراعي اللغة الدارجة عند الناس في زمننا الحاضر، حتى تفهم ترجمته وتحصل الاستفادة المرجوة منها. وفي هذا المبحث خمسة مطالب:
المطلب الأول: في استخدام كلمات مهجورة الآن :
مثل استخدام لفظة "بوريا" ترجمة "الحصير" في (حديث 250) بينما المستعمل الآن هو "حصير" نفسه عند الإيرانيين .
كذلك لفظة "سُرين" = برروى سُرين خود مى نشت، ترجمة (وقعد على مقعدته) فلفظة "سُرين" فارسية لكنها مهجورة ولأجل ذلك فهي غير مفهومة ، والمستعمل المفهوم الآن : " نشيمنگاه "، أو " نشستگاه" وجاءت ترجمته بـ" نشيمنگاه " في ترجمة ترشابي (1/276) .(44/19)
وترجم "هدنة" الوارد في حديث (1345) ونصه : "ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ..." بـ"متاركه" وهي غير مفهومة عند أهل اللغة ، إنما الصواب في ترجمة الهدنة : آرامشي = سكون ، أو "وقفه اى = توقف ، او آتش بستى = مصالحة كما جاء ذكر المعاني الثلاثة في فرهنگ معاصر/781 ولم يذكر "متاركه" .
" ترجم النص "ثم نام حتى نفخ ، وكان إذا نام نفخ " في حديث رقم 415 (2/119) بالآتي : "تا اينكه صداى نفير شان بلندشد ، وچون پيامبر خواب مى رفتند صداى نفيرشان بلند مى شد".
فلفظة "نفيرشان" ترجمة "نفخ" غير معروفة وغير مفهومة ، وذكر مؤلف فرهنگ معاصر /702 عدة معان للفظة "نفخ" منها : "دميدن" ، "نفس دادن" ، "دم زدن" كل هذه المعاني مفهومة في معنى "نفخ" ولم يذكر من بين معانيها "نفيرشان" .
المطلب الثاني: في ترجمة اللفظ بغير معناه :
النص الوارد عند البخاري بعنوان: "باب الوليمة ولو بشاة" في (6/39) ترجمه بالفارسية: "عروسى كردن ولو آنكه به يك بزى باشد" معناه "يعرس ولو بشاة واحدة" بينما الدقيق والصواب في الترجمة "وليمه كردن ولو به يك گوسفند" .(44/20)
" ترجم حديث أنس ^ برقم (1855) ونصه : "ما أولم النبي % على شيء من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة" بـ"پيامبر خدا % به هيچ كدام ازهمسران خود مجلس عروسي راكه براى زينب & تدارك ديدند ، تدارك نديده بودند ، با زينب به يك بز عروسى كردند" ومعناها بالعربية: "لم يتدارك النبي % مجلس عرس على نسائه ما تدارك في زواج زينب تعرس بشاة" فهذه الترجمة غامضة والدقيق في الترجمة مع الوضوح كما جاء في ترجمة ترشابي (2/501) " أنس ميگويد : نبى أكرم % براى هيچ يك ازهمسرانش به اندازه زينب وليمه نداد ، چنانكه براى جشن عروسى اش يك گوسفند ذبح كرد" فهذه الترجمة دقيقة وواضحة ، فترجمة "الوليمة" في جميع المواضع "بالعرس" غير صحيح وغير دقيق ، وجاء في فرهنگ معاصر /770: "الوليمة جمع ولائم : مهماني ، ضيافت ، سور ، وليمه" ولم يذكر "عروسى كردن"
المطلب الثالث: في استعمال كلمات دخيلة أو التي لا تعرف عند أهل اللغة
مثل ترجمة "الأباريق" في حديث أنس برقم (2134) ونصه : "...إن فيه - أي: الحوض- من الأباريق كعدد نجوم السماء" بـ:"صراحى هاى" فهذه الكلمة غير معروفة بالفارسية ولم أقف عليها في القواميس الفارسية فيما بحثت ، وإنما جاءت ترجمة "الأباريق" في القواميس الفارسية بـ"آبدستان" يا "تنگ" و يا "پارچ" وبالأخير ترجمها ترشابي في ترجمته (2/645) .
" وكذا ترجمة "السيد" أو "مالك العبد" في التعليق على أحكام ومسائل حديث (2166) رقم (3) من حاشية (2) وغيره من المواضع بـ"بادار" ، وهذه اللفظة لم أجدها في فرهنگ فارسي د/ معين ولا في "لغت نامه" دهخدا لمجموعة من العلماء ، ولعلها لغة محلية في أفغانستان ؛ لأن السائد في معنى "السيد" : "سرور ، أرباب" كما في فرهنگ معاصر عربي فارسي /307.
المطلب الرابع: في استخدام كلمة مكان كلمة أخرى:(44/21)
... كاستخدامه لفظة "پايان" في جميع مواضع الترجمة في: "رحمت الباري ترجمة صحيح البخاري ـ التي تستخدم في الفارسية بمعنى الانتهاء أو الختام أو النهاية ـ ، موضع لفظة "پايين" ـ التي هي بمعنى "تحت" أو "أسفل" ـ ونبهته على هذه الملحوظة فعدّلها في الطبعة الأخيرة مع الشرح لكنه لم يعدّلها في بعض المواضع ، من ذلك ما جاء في حديث 1846 (6/29) سطر 8 . وكذا استخدام لفظة " پارچه " في رحمت الباري ـ التي هي بمعنى قماش ـ موضع " پاره " أي القطعة في جميع الترجمة إلا أنه عدلها في الترجمة المطبوعة مع الشرح .
المطلب الخامس: في عدم الدقة في ترجمة النص :
ذكر الإمام البخاري في كتاب الإيمان باب علامة الإيمان حبّ الأنصار، ترجمه بـ"باب دوست داشتن انصار از ايمان است" ومعناه بالعربية : "حب الأنصار من الإيمان" انظر : (1/107) وهذا المعنى وإن كان صحيحاً في الجملة إلا أنه لا يطابق النص المترجم مطابقة دقيقة.
" في حديث رقم (604) ترجم الجملة الواردة فيه وهي : "عليك ليل طويل فارقد " بـ"شب دراز باد و بخواب" معناها بالعربية : "ليطل الليل ونم" وهو غير دقيق والدقيق في ترجمة النص "شب برتو دراز است بخواب" .
ترجم ما ورد في حديث رقم (1214) ونصه : "لئن الله أشهدني قتال المشركين ليريَنَّ اللهُ ما أصنعُ..." بـ"اگرخداوند توفيق دادكه درجنگ ديگرى با مشركين اشتراك نمايم خدا وند نشان خواهد دادكه چه خواهم كرد ، معناه بالعربية : "إن وفقني الله بالاشتراك في غزوة أخرى مع المشركين ليُرِين الله ما أصنع " بينما الدقيق في الترجمة : "لََيَرَيَنَّ الله ما أصنع" والترجمة الدقيقة بالفارسية : "خداوند خواهد ديدكه چه خواهم كرد" كذا جاء على الصواب في الترجمة الثانية (2/82) .(44/22)
وترجم النص الوارد في (5/421 ح 1794) قوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) } (1) بـ " كينه توز ورسواى معروفى است " معناه بالعربية: "حقود وذليل" فترجمة "زنيم" بالمذكور غير دقيق ، والدقيق في ترجمته كما جاء في المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (2) : "الزنيم والمزنم : الزائد في القوم وليس منهم ... المنتسب إلى قوم هو معلق بهم لا منهم" وكذا قال القرطبي في تفسيره (3) : "الزنيم : الملصق بالقوم الدعِيّ "، وذكر معاني أخرى ليس فيها معنى "الذليل" .
" ترجم النص الوارد في حديث رقم (466) ونصه : "... ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" بـ"وساعد خود را ما نند ساعد سگ برزمين فرش نكند" معناه بالعربية: "لا يبسط ذراعه مثل ذراع الكلب" فترجم الذراع بالمفرد بينما هو مثنى وعلى هذا فالترجمة الدقيقة للنص بالفارسية : " وساعد خود را مثل سگ بر زمين نگذارد " وجاءت الترجمة عند ترشابي دقيقة (4) .
المبحث الرابع: التصرف في ترجمة النص أو اختيار المعنى غير المناسب للسياق، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التصرف في ترجمة النص بالزيادة :
__________
(1) القلم ، الآية : 13.
(2) ص 215.
(3) 21/153.
(4) انظر : 1/274 من ترجمته ، هناك أمثلة أخرى كثيرة تركتها خوفاً من الإطالة كترجمة التأبير بـ"پيوند" وترجمة الخندق بـ"سنگر" وهي غير صحيحة إنما الصحيح في الأول "گرد افشانى" وفي الثاني "گودال كندن" أو "گودال" أما "سنگر" فمعناه : "پناهگاه" = "ملاجئ الجيش".(44/23)
" ترجم ما ورد من النص في حديث رقم (2) ولفظه : "... ثم حُبِّبَ إليه الخلا ، فكان يتحنَّث بغار حراء ..." بـ"بعد ازآن خلوت گزينى را اختيار نمودند ، واولين خلوت نشينى ايشان درغار حراء بود" معناه بالعربية : "ثم اختار الخلوة ، وأول خلوته كان في غار حراء" فهذه الترجمة فيها تصرف من المترجم إذ جاء النص بدون ذكر أو ل خلوة ، وأيضاً جاء النص " حُبِّبَ إليه الخلاء " معناه: حُبِّبَ إليه وليس من اختياره هو وإنما من طريق الإلهام ، ولذا قال الحافظ ابن حجر في الشرح (1) : "لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر ، أو يكون ذلك من وحي الإلهام ".
فعلى هذا الترجمة الصحيحة للنص بالفارسية : "سپس خلوت نشينى دردلش انداخته شد " يا محبوب كرده شده " .
" ترجم ما ورد من النص في حديث رقم (1265) ولفظه : "...إن دوساً عصت وأبت، فادع الله عليها ..." بـ"مردم دوس سركشى وطغيان نمودند ، واز مسلمان شدن ابا ورزيدند" ، برآنها نفرين كنيد [طغيان آنها اين بود كه به زنا گرفتار شده بودند] ومعناه بالعربية : "طغت رجال دوس طغت وتجاوزت وأبوا أن يكونوا مسلمين العنهم" فليس في النص "طغت" بينما الذي جاء في النص : "إن دوساً عصت" ومعناه بالفارسية : "نافرمانى كردند" ثم ما رتبه على لفظة "طغت" -وهي غير موجودة في النص- من بيان سبب طغيانهم أنه بسبب وقوعهم في الزنا وجعله ما بين المعكوفتين ، فما هو المقتضي لذكر هذه الزيادة في ترجمة النص ؟! إذ هي مبنية على لفظة "طغت" وهي غير موجودة في النص أصلاً (2) ، وأين مصدر هذه الزيادة؟!.
__________
(1) فتح الباري 1/23.
(2) وقد طلبت منه من خلال ملحوظاتي على الترجمة حذفها ، فلم يحذفها .(44/24)
" ترجم أيضاً ما ورد في (ح 1525) ونصه : "ائذن له - أي لعثمان- وبشره بالجنة على بلوى تصيبه" بـ"برايش اجازه بده واو را به سبب مصيبتى كه به آن گرفتار مى شود مژده بهشت بده" معناها بالعربية : "بشره بالجنة بسبب البلوى التي تصيبه" فمؤدى الترجمة أن البشارة بالجنة بسبب المصيبة التي تصيبه ، والأمر ليس كذلك ، فهذه الزيادة منه وتصرف في معنى النص ، والترجمة الصحيحة بالفارسية : "به او اجازه بده وبشارت بهشت بده، با مصيبتى كه به آن گرفتار خواهد شد" .
المطلب الثاني: في اختيار المعنى غير المناسب للسياق :
" ترجم ما ورد في حديث رقم (1516) ونصه : "...ثم أخذها عمر ^ فاستحالت غرباً ، فلم أر عبقرياً في الناس يفري فَرِيَّه ..." بـ"بعد ازآن دلو را عمر گرفت ، ودلو به دست عمر مبدل به مشكى شد ، ومن هيچ سردار قومى را نديدم كارشايسته را كه عمر مى كرد ، كرده باشد" معناه بالعربية: "ثم أخذ الدلو عمر وتبدل الدلو بيده قربة ، ما رأيت زعيم قوم أو رئيسهم يعمل العمل الذي عمله عمر" فلم يوفق هنا في اختيار المعنى المناسب للفظة "غرب" ولا للفظة "عبقري" والدليل على ذلك سياق النص "يفري فريه" مما يدل على القوة ، وجاء في النهاية لابن الأثير (1) : "الغرب- بسكون الراء -: الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور ، وهذا تمثيل ، ومعناه أن عمر لما أخذ الدلو ليسقي عظمت في يده، ...ومعنى استحالت: انقلبت عن الصغر إلى الكبر ".
وقال ابن الأثير أيضاً (2) : "عبقري القوم : سيدهم وكبيرهم وقويهم ، والأصل في العبقري فيما قيل: أن عبقر قرية يسكنها الجنّ فيما يزعمون، فكلما رأوا شيئاً فائقاً غريباً مما يصعب عمله ويدق ، أو شيئاً عظيماً في نفسه نسبوه إليها فقالوا: عبقري ، ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير".
وجاء في فرهنگ الفبايى لجبران مسعود "الرائد" عربي فارسي (3) : "من معاني العبقري:
__________
(1) 3/349.
(2) النهاية 3/173.
(3) ص 1160.(44/25)
1. شخص والا و برتر ، نابغه ، چيزى والا وشگفت انگيز ، فوق العاده.
2. كامل ازهرجهت.
3. سيد مهتر.
4. بزرگ.
5. استوارو نيرومند.
فالمعنى رقم ( 1 ) و (2) : "الكامل من كل الوجوه"، ورقم (5) "المستوي القوي" يتناسب مع السياق .
الفصل الثاني : تقويم التعليقات على النص المترجم
لم يكن عمل المترجم في هذا الكتاب قاصراً على ترجمة نص الكتاب ، وإنما قام - زيادة على الترجمة - بالتعليق على كثير من الأحكام والمسائل المتعلقة بالنص كما تقدم توضيح ذلك في المقدمة.
وهذا الفصل يمكن البحث فيه من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: التعليقات العقدية على النص المترجم.
المبحث الثاني: التعليقات الفقهية على النص المترجم.
المبحث الثالث: التنبيه على بعض الأخطاء في أمور متفرقة.
المبحث الأول: التعليقات العقدية على النص المترجم، وفيه ثلاثة مطالب:
تناول المترجم للكتاب أثناء تعليقاته على النص المترجم عدداً من المسائل العقدية، وكان من أهم المآخذ عليه في ذلك ما يلي:
أولاً: عرض المذاهب والآراء في المسائل العقدية دون بيان الصحيح والراجح فيها.
ويمكن توزيع البحث فيه على المطالب الآتية:
المطلب الأول: الإيمان بالله وتعريفه الاصطلاحي كما جاء عنده وبيان الصواب.
المطلب الثاني: في مرتكب الكبيرة ودخوله النار وموقف أهل السنة من ذلك.
المطلب الثالث : في الأسماء والصفات.
المطلب الأول: في الإيمان وتعريفه:
أما بخصوص الإيمان وتعريفه الاصطلاحي فعلق في (1/95) تعليق رقم (1) بما معناه بالعربية :
"أن في ذلك أربعة آراء من أربع فرق: الفرقة الأولى: (المعتزلة) القاضي عبد الجبار والأستاذ أبو إسحاق وحسين بن فضل وغيرهم... الذين يقولون: إن الإيمان تصديق بالقلب فقط.
الفرقة الثانية: الكرامية: الذين يقولون: إن الإيمان إقرار باللسان فقط.
الفرقة الثالثة وعلى رأسهم الإمام أبو حنيفة (مرجئة الفقهاء) الذين يقولون: إن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب.(44/26)
الفرقة الرابعة: وهم أصحاب الحديث: الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل والأوزاعي (1) (مذهب السلف) الذين يقولون: الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجنان".
رد على الفرقتين الأوليين وحكم بعدم قبولهما وعدم اعتبارهما، وترك الفرقتين : الثالثة والرابعة بدون بيان المذهب الحق في المسألة والراجح منها. وهذا يجعل القارئ لا يهتدي إلى الصواب في ذلك ويكون في حيرة من أمره. بينما كان بإمكانه مراجعة كلام أهل العلم وأدلتهم واختيار الصواب الموافق للكتاب والسنة.
وجاء في شرح العقيدة الطحاوية (2) عن مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين: "أن الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان" ثم ذكر: "أن الإيمان إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح، كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم (3) " فهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وذكر: أن الاختلاف بين أبي حنيفة - رحمه الله - والأئمة الباقين - رحمهم الله - من أهل السنة اختلاف صوري" (4) .
وذكر الدكتور عبد الله الجبرين: "أن الإيمان عند أهل السنة: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية" (5) .
المطلب الثاني: في مرتكب الكبيرة ودخوله النار
علق في فيض الباري (1/115) حديث رقم 21 حاشية رقم 2: فقال ما معناه بالعربية باختصار:
"في دخول المسلم النار ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أن المعصية ليس لها تأثير على الإيمان، والإيمان يمنعه من دخول النار.
__________
(1) زاد شرح العقيدة الطحاوية ص 314: "وإسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة...أنه: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان" وسيأتي.
(2) ص 314.
(3) المصدر نفسه ص 315.
(4) المصدر السابق نفسه.
(5) مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية ص 16.(44/27)
الرأي الثاني: أن معصية المؤمن وبالأخص الكبائر سبب خلوده في النار؛ لأنه لو كان عنده إيمان لامتنع من ارتكاب الكبائر.
الرأي الثالث: نظر أهل السنة والجماعة إذ يقولون: إن كل مسلم إن لم يشمله شفاعة الأنبياء والصالحين والشهداء يعذب في النار بقدر ذنبه، وينجو بعد ذلك من النار ويخرج، إلا إذا ارتكب ذنباً لا يشمله شفاعة الشافعين، وهذا الحديث الشريف يؤيد على وجه الصراحة الرأي الثالث" انتهى معنى كلامه.
فهذا من محاسنه هنا إذ رجح الرأي الثالث في المسألة بناء على أن الحديث صريح في ذلك، ويا ليت أنه كان يختار هذا المنهج في كل التعليقات.
والمأخذ الذي لي عليه هنا ما ذكره من عقيدة أهل السنة والجماعة بخصوص مرتكب الكبيرة، فإن فيه قصوراً وغير واف لبيان عقيدتهم إذ قيد نجاة المذنب بشفاعة الأنبياء والصالحين والشهداء وإن لم يشمله شفاعتهم يعذب بقدر ذنوبه ولم يتعرض لمشيئة الله تعالى وهي الأساس هنا.
والصحيح من عقيدتهم في هذه المسالة أن مرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، وذلك بنص الآية: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ âن!$t±o"... } (1) . فأي ذنب غير الشرك إذا ارتكبه المؤمن فهو تحت مشيئة الله تعالى كما ذكرت .
هكذا ذكر هذه العقيدة في شرح العقيدة الطحاوية (2) وكذا ذكر الدكتور عبد الله الجبرين في مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية (3) .
المطلب الثالث: في الأسماء والصفات
__________
(1) سورة النساء: من الآية (116).
(2) ص 374.
(3) ص 16.(44/28)
تكرر التعليق على الصفات عنده في مواضع عديدة من الكتاب في المجلد الأول المقدمة (1/28-29، 30، 31) وعلق هنا ما معناه بالعربية بخصوص إطلاق اليد والوجه والأصابع وأمثالها على الله سبحانه وتعالى، إذ جاء إطلاق هذه الصفات في بعض الأحاديث على الله سبحانه، فالذي يواجه مثل هذه الأحاديث يقيناً يسأل عن نفسه، هل نسبة مثل هذه الأمور يجوز إضافتها إلى الله أم لا؟ وعلى كل حال ما المراد من نسبة هذه الأمور إلى الله وكيف تكون؟
ثم أجاب بما معناه بالعربية:
في إطلاق اليد والأصابع والاستواء على الله سبحانه وأمثالها يوجد مذهبان مشهوران:
مذهب أهل التأويل، ومذهب السلف.
ثم ذكر أن أهل التأويل يؤولون هذه الصفات: اليد والأصابع بالقدرة والسلطة، والعين بالعناية والرعاية ، والاستواء بالاستيلاء.
وعلماء السلف على هذا النظر أن أي صفة ثبتت في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة فهي صفة لله سبحانه، ولما كانت هذه الأمور من المتشابهات ومعرفة حقيقتها غير معلوم للبشر نؤمن بجميع هذه الصفات وإن لم نعلم كيفيتها وحقيقتها.
ثم ذكر في (1/31) ما معناه بالعربية:
"وجميع هذه الأشياء من الصفات المتشابهات لله سبحانه بمعنى أننا نثبت هذه الصفات لله تعالى ولا نعلم كيفيتها".
فهذا جوابه لمن يواجه بمثل هذه الصفات، وسيأتي التعليق على كلامه في الآخر.
وعلق في (1/105) على حديث رقم 14: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده" - علق على لفظة (بيده) فذكر ما معناه بالعربية: في إطلاق اليد والوجه...يوجد مذهبان:
مذهب السلف: وذكر أن أبا حنيفة على هذا النظر - يقصد نظر السلف.
مذهب المؤولة: وهم الذين يقولون: المراد من اليد القدرة، ومن الاستواء: الاستيلاء، ومن النزول: نزول الرحمة ونحو ذلك.(44/29)
وتكرر أيضاً في (5/390) فعلق على حديث ابن مسعود برقم (1770): "جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول الله % فقال: يا محمد إناّ نجد أن الله يجعل السموات على أصبع..." تعليق رقم (1) على لفظة (إصبع) بما معناه بالعربية:
"كما ذكرت سابقاً أن نسبة الأصبع واليد وأمثالهما إلى الله تعالى للعلماء نظريتان في ذلك:
نظرية علماء السلف: الذين يقولون: نؤمن بكل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة نسبته إلى الله تعالى ونفوّض بيان كيفيته إلى الله.
نظرية أهل التأويل: الذين يقولون: مثل هذه الأشياء من الصفات حوادث والله سبحانه بريء من الحوادث، ولذلك لا يجوز نسبة ذلك إلى الله سبحانه" فيجب تأويلها، فمن هنا يقولون: المراد من اليد: القدرة، ومن الإصبع: مخلوق من مخلوقات الله تعالى...."
... هكذا كرر المعلق تعليقه على الصفات ما معناه بالعربية أن للعلماء في ذلك نظريتان أو مذهبان: نظرية السلف، ونظرية المؤولة، أو مذهب السلف، ومذهب المؤولة، ثم عرّف مذهب كل واحد من السلف والمؤولة حسب فهمه وترك القارئ بين المذهبين حيرانا لا يهتدي إلى الصواب ويجعله في حيرة وتردد فيما يختاره. وكذا لي على تعليقاته السابقة عدة مآخذ غير الذي ذكرته:
أولاً: حصره آراء العلماء في مذهبين ليس بدقيق بل الآراء أكثر مما ذكره كما أشار إلى ذلك الدكتور صالح الفوزان فقال: "المنحرفون عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته طائفتان: المشبهة والمعطلة" (1) .
والمشبهة: هم الذين شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته من جنس صفات المخلوقين، ولذلك سموا بالمشبهة.
والمعطلة: هم الذين نفوا عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم فهم على طرفي نقيض مع المشبهة (2) .
__________
(1) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد ص 156.
(2) انظر : المصدر السابق ص 156, 157.(44/30)
وكذا ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقال: "القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات، هذا هو الذي كثر فيه الخوض فانقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
وهم ممثل، معطل، معتدل، والمعطل: إما مكذب ، أو محرّف" (1) .
وكذا تعريفه لمذهب السلف فيه خلط وغموض في تعبيره، إذ مرة: عبر بمذهب السلف ومرة بنظرية السلف، ومرة برأي السلف. ثم قوله: - بعد ذكره الوجه واليد، والعين والاستواء - ما معناه بالعربية: "كل هذه الأشياء من الصفات المتشابهات لله تعالى بمعنى أننا نثبت له تعالى الصفات ولا نعلم كيفيتها" وقوله: "ولما كانت هذه الأمور من المتشابهات ومعرفة حقيقتها غير معلومة للبشر، نؤمن بجميع هذه الصفات وإن لم نعلم كيفيتها وحقيقتها". ومعنى كلامه أن الصفات من المتشابهات ، ولا نعلم معانيها ولا نفهمها ، وسيأتي توضيح ذلك قريباً إن شاء الله .
بينما التعريف الصحيح لعقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات إثباتها كما جاءت في الكتاب والسنة مع اعتقاد ما دلت عليه، وأنها على ظاهرها، فالواجب علينا هو إثبات كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله % من صفات الكمال ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من صفات النقص، على حدّ قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } (2) من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل على ضوء الآية الكريمة (3) .
__________
(1) شرح العقيدة الواسطية 1/29.
(2) سورة الشورى، آية: 11.
(3) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 189، والعقيدة الواسطية مع شرحه لابن عثيمين (1/72، 74، 75)، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للدكتور صالح الفوزان ص 142، 146، 149، ومختصر تسهيل العقيدة الإسلامية للدكتور عبد الله الجبرين ص 37، 38.(44/31)
ولا يلزم من إثباتها تشبيه الله بخلقه تعالى الله عن ذلك؛ لأن صفات الخالق تخصه وتليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم وتخصهم ولا تشابه بين الصفتين، كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق سبحانه وذوات المخلوقين (1) .
وذكر الدكتور صالح الفوزان (2) : بأن مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك مبنية على أسس سليمة وقواعد مستقيمة هي:
1. أن أسماء الله وصفاته توقيفية، بمعنى أنهم لا يثبتون لله إلا ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ولا يثبتون شيئاً بمقتضى عقولهم وتفكيرهم وكذا النفي.
2. أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله % فهو حق على ظاهره، فأهل السنة يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها، فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله % من المتشابه الذي يفوض معناه؛ إذ معاني صفات الله معلومة يجب اعتقادها، وأما كيفيتها؛ فهي مجهولة لنا لا يعلمها إلا الله، كما قال الإمام مالك في الاستواء: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". وما قاله مالك في الاستواء قاعدة في جميع الصفات وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة.
3. السلف يثبتون الصفات إثباتاً بلا تمثيل؛ فلا يمثلونها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء....، وتمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفية الصفات، وكيفيتها مجهولة لنا، مثل كيفية الذات....، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (3) .
__________
(1) كذا ذكر د/ صالح الفوزان في الإرشاد ص 149.
(2) المصدر السابق ص 149، 150، 151، 152.
(3) سورة الشورى، آية: 11.(44/32)
4. كما أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله على وجه يليق بجلاله ولا يشبهونه بخلقه، فهم ينزهونه عن النقائص والعيوب تنزيهاً لا يفضي بهم إلى التعطيل بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها بحجة التنزيه...، فمذهبهم وسط، تجنبوا التعطيل في مقام التنزيه، وتجنبوا التشبيه في مقام الإثبات.
5. طريقة أهل السنة والجماعة فيما يثبتون من الصفات أو ما ينفون عنه من النقص هي طريقة الكتاب والسنة وهي الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات (1) .
ويكفي في الرد على قوله: "إن الصفات من المتشابهات وحقيقتها غير معلومة للبشر" ما ذكره الدكتور صالح الفوزان فقال: "نصوص الصفات من المحكم لا من المتشابه، يقرؤها المسلمون ويتدارسونها، ويفهمون معناها ، ولا ينكرون منها، وإنما ينكرها المبتدعة من الجهمية والمعتزلة..." (2) .
... وذكر أيضاً: "فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله % من المتشابه الذي يفوض معناه؛...إذاً فمعاني صفات الله تعالى معلومة يجب اعتقادها، وأما كيفيتها فهي مجهولة لنا، لا يعلمها إلا الله تعالى..." (3) . كما قال الإمام مالك وتقدم كلامه.
ثانياً: استخدام المعلق في أثناء تعليقاته لبعض المصطلحات غير الدقيقة، كما تقدم من استعمال "النظرية" أو التفويض أو المفوضة للسلف وذلك في مواضع من رحمت الباري، فهذا غير جيد يجب استبدالها بالمصطلحات المعروفة لديهم في كتبهم.
ثالثاً: صفة القرب والتقرب وأن إطلاقها على الله محال كما ذكر
__________
(1) مأخوذ من كتاب الإرشاد كما ذكرت ببعض اختصار.
(2) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص 144.
(3) المصدر نفسه ص 150.(44/33)
علق على حديث رقم (2224) في ( 6/400 ) وهو حديث أبي هريرة ^ مرفوعاً عن الله تعالى: "...إن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" وهو عند البخاري برقم (7405) ما معناه بالعربية:
"أن إطلاق كثير من المفاهيم الواردة في هذا الحديث على الله تعالى على سبيل المجاز؛ لأنه ثبت بالأدلة العقلية القاطعة أن تعلق هذه الأشياء بالنسبة لله تعالى محال، ولذا المراد من هذه المفاهيم أن من تقرب إليَّ بالطاعة قليلاً أعطيته أجراً وثواباً كثيراً، كلما زاد في طاعته وعبادته زاد في أجره وثوابه أكثر، ولذا إطلاق لفظ "نفس" و"تقرب" و"المشي" من باب المشاكلة أو من قبيل الاستعارة " هكذا علق (1) .
وذكر الشيخ عبد الله الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري تحت شرح الحديث فقال: "قرب الله -تعالى- من عابده، وداعيه ثبت في نصوص كثيرة كقوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } (2) ، وقوله % : "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (3) .
فالعبد إذا قرب إلى الله تعالى بالتوجه والمحبة وإخلاص العمل والصدق في ذلك فإن الله تعالى يقرب إليه أكثر من قربه، فكلما زاد قرب العبد إلى ربه بالطاعة والإنابة والحب والإخلاص زاد قرب الله إليه حتى يكون قلب العبد بين يدي ربه كأنه يشاهده بعينه وهو جل وعلا على عرشه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبر، زاده الرب قرباً إليه حتى يكون كالمقترب إليه بذراع، فكذلك قرب الرب من قلب العابد، وهو ما يحصل في قلب العبد من معرفة الرب، والإيمان به، وهو المثل الأعلى" (4) .
__________
(1) 1/268، 269، 270، 271.
(2) سورة البقرة : 186.
(3) رواه مسلم في صحيحه 1/350.
(4) مجموع الفتاوى 5/510.(44/34)
... وبهذا يتبين أن معنى قوله (إذا تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً) أن العبد إذا تقرب إلى ربه بطاعته والإقبال عليه أن الرب تعالى يزيده قرباً إليه جزاء من جنس عمله، وأكثر من قرب العبد الذي حصل باختياره (1) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً: "فإذا قرب العبد من ربه بالإنابة إليه قرب الرب إليه فيدنو قلبه من ربه، وإن كان بدنه على الأرض، متى قرب أحد الشيئين من الآخر، صار الآخر إليه قريباً بالضرورة، وإن قدر أنه لم يصدر من الآخر تحرك بذاته، كما أن من قرب من مكة، قربت مكة إليه" (2) .
وقال أيضاً: "ومن الناس من غلط فظن أن قربه - تعالى- من جنس حركة بدن الإنسان إذا مال إلى جهة انصرف عن الأخرى، والإنسان يجد عمل روحه يخالف عمل بدنه، فيجد نفسه تقرب من نفوس كثير من الناس، من غير أن ينصرف عمن هي قريبة منه، وكذلك يجد نفسه تبعد بعيداً عن بعض النفوس بعداً غير ما يقوم بالبدن" (3) .
وقال أيضاً: "وقربه - سبحانه- ودنوه من بعض مخلوقاته لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش، بل هو فوق العرش ويقرب من خلقه كيف شاء، كما قال ذلك من قاله من السلف. وهذا كقربه إلى موسى لما كلمه من الشجرة، قال -تعالى-: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) } " (4) .
... فتبين مما ذكرت أن إطلاق المفاهيم المذكورة في الحديث على الله ليس من المحال ولا من المجاز كما ذكر المعلق على الحديث، وفقني الله وإياه للصواب.
المبحث الثاني: التعليقات الفقهية على النص المترجم، وفيه عدة مطالب:
__________
(1) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 1/268.
(2) مجموع الفتاوى 5/509.
(3) المصدر نفسه.
(4) مريم، الآية: 52، وانظر: مجموع الفتاوى 5/460-466 للمزيد في الموضوع، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 1/268-271، و 2/574-576.(44/35)
كما ذكرت سابقاً أنه لم يقتصر عمل المترجم في هذا الكتاب على ترجمة نص الكتاب، وإنما قام بالتعليق على كثير من المسائل العقدية وقد تقدم ذكر نماذج من الأمثلة على ذلك- وكثير من المسائل الفقهية ونحن بصدد عرضها وبيانها في المطالب الآتية:
المطلب الأول: في تدخل المترجم في كثير من تعليقاته على المسائل الفقهية برأيه.
بما يخالف صريح النص الذي يورده الإمام البخاري بالدليل العقلي ، و على سبيل المثال: علق على حديث : "أن النبي % كان إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدوَ بياض إبطيه" وقد أورده البخاري تحت باب يبدي ضَبْعَيه ويجافي في السجود، حديث رقم (256) (2/460) بالفارسية في رقم (2) ما معناه بالعربية بالاختصار : أن إبداء الضَّبْعين والتجافي عند السجود خاص بالرجال دون النساء، بل يجب عليهن أن يلصقن أيديهن بالأضلاع. وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، ودليلهم أن المرأة عورة، فالأحسن لها أن تكون مستورة؛ لأنها لو رفعت يديها عن أضلاعها يحتمل أن يظهر بعض أجزاء جسمها؟! هكذا علل بخصوص المرأة.
ثم يأتي في تعليق رقم (3) ويخصص المسألة المذكورة بالإمام والمنفرد دون المأمومين بل قال: "يلزم المأمومين إلصاق اليدين بالأضلاع، إذ في ذلك مزاحمة لمن يصلي بجواره، فينبغي أن يلصق يديه بالأضلاع".
... هكذا يرى لزوم إلصاق اليدين بالأضلاع لغير الإمام والمنفرد من الرجال والنساء.
وذكر ابن بطال في شرحه (1) بعد أن ذكر حديث ابن بحينة- فقال: "هذه مستحسنة عند العلماء ومن تركها لم تبطل صلاته، ثم ذكر عمل الصحابة على هذا الحديث".
__________
(1) 2/426.(44/36)
وأورد الحافظ ابن حجر في الفتح (1) عدة أحاديث صحيحة في تجافي يديه % حتى يُرَى وضح إبطيه" وفي رواية عند مسلم أيضاً من حديث البراء ^ : "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك" وعند مسلم أيضاً من حديث ميمونة &: كان النبي % يجافي يديه فلو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت" ثم قال الحافظ ابن حجر: "وهذه الأحاديث مع حديث ميمونة - قلت الذي تقدم - ظاهرها وجوب التفريج المذكور، لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب" ولم يذكر أحد أن هذا الحكم خاص بالرجال دون النساء أو خاص بالإمام، والمنفرد فقط دون غيرهم.
... وذكر ابن حزم: "بأن الرجل والمرأة في ذلك سواء، لو كان لها حكم بخلاف ذلك لما أغفل رسول الله % بيان ذلك..." (2) .
وذكر الشيخ محمد العثيمين - عند ذكر العلة التي من أجلها تضم المرأة بعضها إلى بعض- وردها بقوله: "أولاً: هذه العلة لا يمكن أن تقاوم عموم النصوص الدالة على أن المرأة كالرجل في الأحكام، ولاسيما وقد قال النبي %: صلوا كما رأيتموني أصلي" [رواه البخاري برقم 6008]. فإن هذا الخطاب عام لجميع الرجال والنساء. ثانياً: ينتقض لو صلت وحدها وهو الغالب والمشروع لها. ثالثاً: هي ترفع يديها ورفع اليدين أقرب إلى التكشف" (3) ، ثم قال:
"والقول الراجح أن المرأة تصنع ما يصنع الرجل في كل شيء، فترفع يديها وتجافي وتمد في حال الركوع" (4) .
وكذا يرى الشيخ الألباني في أصل صفة صلاة النبي % ... (5) .
... كذا علق في شرحه (1/464) عند حديث ابن عباس $ برقم (259) قال: "لما دخل النبي % البيت دعا في نواحيها كلها..."
__________
(1) 3/294 تحت ح 807.
(2) انظر: المحلَّى 4/122-124.
(3) الشرح الممتع على زاد المستقنع 3/303.
(4) المصدر نفسه 3/304.
(5) 2/636.(44/37)
في تعليق رقم (2) بالفارسية ما معناه بالعربية: "أن الشخص لا ينبغي له أن يدخل بيت الله الحرام بجذمته ولا بخفه بل حتى بالجورب؛ لأن الدخول بهذه الأشياء في بيت الله المعظم يدل على نوع من الكبر والغرور واللامبالاة لمقام هذا البيت المعظم، وينبغي للمسلم أن يجتنب مثل هذه الأشياء، وإضافة إلى ذلك ينبغي للشخص المسلم أن يسعى أن يمس جسمه هذه الأرض الطاهرة، لا أن يمنع جسمه من مماسة هذا المكان المتبرك بالجذمة أو الجورب وأمثالها".
وكان ينبغي له الرجوع في مثل هذه التعليقات إلى كلام العلماء ويستند إلى الأدلة الشرعية، لا على رأيه المحض، ويطلب من الشخص المسلم أن يسعى في مماسة جسمه هذه الأرض الطاهرة ولا يمنعه من مماسة هذا المكان المتبرك بخفه أو جوربه، ويعلل ذلك بما لا يؤيده أي دليل شرعي، ويلمح أيضاً من هذا المثال اتجاهه نحو التبرك بأرض الحرم لأنها مكان متبرك كما ذكر، ولا شك أن البيت مبارك بنص القرآن: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) } (1) ولم يأت النص في أنه متبرك به؛ لأن البركة من الله سبحانه وتعالى، وليس من المكان، وهو الذي بارك فيه. ولم يتعرض الشرّاح لمثل هذا التعليق فيعد مقحماً على معنى النص (2) .
__________
(1) آل عمران، الآية: 96.
(2) انظر : الفتح لابن حجر 1/499.(44/38)
... وأما ما استدل به من الآية : { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } (1) بما ذكر عن علي ^ أنه لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربة الوادي، قلت: ذكر هذا القرطبي في تفسيره (2) بصيغة التمريض بدون إسناد، وقال: "واختلف العلماء في سبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين، فذكر أكثر من سبب فقيل: أمر بطرح النعلين لأنها نجسة، وقيل: للخشوع، وقيل: لأن الله بسط له بساط النور، وغير ذلك " (3)
بل نقل الحافظ ابن كثير في تفسيره تحت الآية (12) من سورة طه عن علي ^ عكس ما ذكرت، فقال: قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف كانتا من جلد غير مذكى ، رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (16/24) بإسناده عن علي وهو ضعيف أيضاً؛ لأنه من طريق جابر الجعفي، وكذا روى عبد الرزاق في تفسيره (2/15) عن معمر عن قتادة مثله، ومن طريقه أخرجه ابن جرير في تفسيره (16/23، 24) به وكذا عن عكرمة مثله لكن سنده ضعيف فيه ابن حميد وهو ضعيف، فكل هذه الروايات من الإسرائيليات فلا يعتمد عليها في الشرع لإثبات الحكم، والله أعلم.
__________
(1) طه، الآية: 12.
(2) الجامع لأحكام القرآن 14/20.
(3) المصدر السابق 14/20-21.(44/39)
... كذا علق في شرحه (3/428) على حديث رقم (1033) عن ابن عمر ^ أن رسول الله % قال: "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبيعوا التمر بالتمر..." ما معناه بالعربية: "واستناداً على هذا الحديث ذهب الإمام الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والثوري - رحمهم الله - إلى عدم جواز بيع الثمر قبل بدو صلاحه. ويقول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي بجواز ذلك عند ظهور الثمر وقبل بدو صلاحه، واستدلوا بحديث زيد بن ثابت برقم (1036) في المختصر، وبرقم (2193) في البخاري، خلاصته أن البيع والشراء للثمر بعد ظهوره وقبل نضجه كان رائجاً في زمن رسول الله % وكان ربما أصاب الثمر مرض أو عاهة وآفة مما كان يسبب هذا الأمر الخصومة بين البايع والمشتري، فقال الرسول % من باب المشورة: إن لم تتركوا الخصومة، فلا تبيعوا الثمر حتى يكون قابلاً للأكل.
ولما كان هذا النهي مبنياً على المشورة وليس على سبيل الحكم القاطع، لذا لا يكون ناسخاً للحكم الأول الذي هو الجواز لبيع الثمر قبل صلاحه للأكل".
... فأقول: لو سلمنا أن حديث زيد بن ثابت كان مبنياً على المشورة وليس على سبيل الحكم القاطع، لما كثرت عنده الخصومة في ذلك، ...فماذا تقول في حديث الباب حديث ابن عمر $ الذي تقدم ذكره وجاء فيه النهي بالجزم؟ وكذا حديث جابر ^ برقم (1034، 1037): "نهى النبي % عن بيع الثمر حتى يطيب" وفي رواية بلفظ: "نهى أن تباع حتى تشقح، فقيل: ما تشقح؟ قال: تحمارَّ وتصفارّ ويؤكل منها"، وكذا في حديث أنس ^ : أن رسول الله % نهى عن بيع الثمار حتى تُزْهَى، فقيل له: وما تزهى؟ قال: حتى تحمرّ...."
فهذه الأحاديث صريحة في النهي المقتضي للتحريم، وهي قاطعة في ذلك، لا مجال للاختلاف فيه.
المطلب الثاني: إقحام المترجم بعض المسائل عند التعليق على بعض الأحاديث، دون مناسبة لذلك.
ومن أمثلة ذلك ما تقدم في المثال الثاني من المطلب الأول، وقد أشرت إلى ذلك.(44/40)
ومن أمثلته أيضاً ما ذكره في الشرح (2/80، 81) باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة، وباب حديث رقم (387): "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" وكذا في باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة، حديث رقم (388) عن أنس ^ قال: "أقيمت الصلاة والنبي % يناجي رجلاً في جانب المسجد..."
فموضوع الحديث والعنوان في الموضعين واضح وصريح أنه متى يقوم الناس عند الإقامة أو إذا عرض للإمام حاجة بعد الإقامة، فأقحم الشارح هنا تعليقاً بالفارسية ما معناه بالعربية: "متى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام فذكر أن الأحناف يقولون: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، يجب على الإمام أن يكبر تكبيرة الإحرام ويبدأ في الصلاة، ومتصلاً يقتدي المأمومون به حتى يعمل بمقتضى الإقامة حقيقة"
وذكر في (2/81) تعليق رقم (2) ما معناه بالعربية : "جواز الفاصلة بين الإقامة وتكبيرة الإحرام عند الأحناف وغيرهم من العلماء عند الضرورة، وتأخيره عن الإقامة مكروه، حتى يقول بعض الأحناف: يجب على الإمام أن يكبر تكبيرة الإحرام إذا قال المؤذن: (قد قامت الصلاة) "
... هذا ما علق به أنه متى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام؟! بينما هذا الرأي الذي ذكره مع شذوذه مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية في تسوية الصفوف، وكيف يمكن ذلك والمؤذن لم ينته من الإقامة والإمام شرع في الصلاة، فمتى يسوّي الصفوف؟ وتسوية الصفوف من تمام الصلاة، وفي رواية: من إقامة الصلاة. وكان رسول الله % يهتم بذلك غاية الاهتمام كما يتضح من الأحاديث الآتية.
ومما يدل على اهتمام الرسول % بتسوية الصفوف ما رواه مسلم مرفوعاً (1) : "كان رسول الله % يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" .
وفي لفظ آخر لمسلم:"كان رسول الله % يسوّي صفوفنا حتى كأنما يسوّي بها القداح".
__________
(1) صحيح مسلم حديث رقم ( 432، 436).(44/41)
وجاء في لفظ عند أبي داود في سننه (1) :"كان رسول الله % يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" وهو حديث صحيح.
وفي رواية عند أبي داود: "كان رسول الله % يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة، فإذا استوينا كبَّر" وهو صحيح كما في صحيح أبي داود (1/197) برقم (664).
وحديث النعمان بن بشير ^ مرفوعاً: "لتُسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم" (2) .
و في رواية أنس ^ مرفوعاً: "أقيموا صفوفكم وتراصّوا، فإني أراكم من وراء ظهري" (3) .
... العجب من الشارح أنه كيف يذكر مثل هذه الأقوال ويسكت عليها؟! فكيف يتساهل في أمر واجب على الراجح عكس ما رجح المترجم هنا في تعليقه على حديث رقم (421) (2/124) فقال بالفارسية ما معناه بالعربية : "تسوية الصفوف عند أكثر العلماء سنة، ويوجب أهل الظاهر تسوية الصفوف، إلا أن قول الرسول %(تسوية الصفوف من تمام الصلاة) يرجح القول الأول، أي السنية "
قلت: بل الحديث الذي علقت عليه عند البخاري يرجح القول الثاني بوضوح : ( لتُسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ). والحديث الآخر الذي تقدم: ( أقيموا صفوفكم وتراصّوا...) بينما علق الشارح هنا على هذا الحديث ما معناه بالعربية: "تسوية الصفوف والتقارب فيما بينهم لازم في الصلاة".
وبناء على هذه الأحاديث الدالة على الوجوب رجَّح الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقال: "القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف، وهو ظاهر كلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - " (4) .
__________
(1) برقم 664، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/197.
(2) رواه البخاري برقم 717.
(3) رواه البخاري برقم 719.
(4) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 4/11.(44/42)
وهذا ما رجحه الدكتور سعيد بن وهف القحطاني في صلاة المؤمن (1) فقال: "وتسوية الصفوف تجب على الصحيح، بدليل حديث النعمان بن بشير - وقد تقدم - وحديث: عباد الله لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم". ثم ما الداعي لذكر هذه المسألة أي: مسألة متى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام؟ والكلام على قيام الناس عند إقامة الصلاة أنهم متى يقومون؟!
المطلب الثالث: إيراد المترجم آراء قد توافق مذهبه وإن خالفت صريح النص الذي يترجمه من صحيح البخاري، وربما يكون الرأي الذي يورده مبنياً على غير دليل، أو على دليل ضعيف، أو يتكلف في الجواب عن الحديث الصريح الصحيح، إما بالتأويل المتعسف أو بدعوى النسخ بدون دليل، وكثيراً ما يترك القارئ بين الأقوال التي يوردها من غير ترجيح وسيأتي:
ومن ذلك ما أورد الإمام البخاري في كتاب الصلاة، باب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى، وأورد تحته حديث سهل بن سعد ^ برقم (426) في فيض الباري (2/130) ولفظه : "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة".
فذكر في شرحه على هذا الحديث تحت قوله: الأحكام والمسائل المتعلقة بهذا الحديث ما معناه بالعربية: وذكر تحت الحديث ثلاث مسائل:
الأولى: بخصوص قبض اليدين في الصلاة وإرسالهما اختلاف بين العلماء:
أ- والجمهور على وضع اليمنى على اليسرى، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وعموم أهل العلم.
ب- الإسبال، وممن يرى الإسبال الإمام مالك وغيره.
ج- مخير بين وضع اليد اليمنى على اليسرى وبين الإرسال، وبه يقول الأوزاعي.
هكذا ذكر الأقوال بدون ترجيح القول الصحيح من بينها الموافق للنص المترجم.
الثانية: الاختلاف في كيفية وضع اليد اليمنى على اليسرى حتى في المذهب الواحد، ثم قال: والراجح عند الأحناف وضع كف يد اليمنى على مقبض اليد اليسرى...
الثالثة: في مكان وضع اليدين عند القبض أيضاً اختلاف:
__________
(1) 2/683.(44/43)
عند الأحناف تحت السرة، وعند الإمام الشافعي فوق الصدر، وفي رواية عنه تحت الصدر.
ودليل الإمام الشافعي من وضع اليدين فوق الصدر، هو أن ذلك يدل على الخضوع والخشوع أكثر، وأن الصدر مكان حفظ نور الإيمان، ويتناسب بوضع اليدين على الصدر.
وأما الحكمة عند الأحناف الذين يقولون: يلزم وضع اليدين تحت السرة، فإن وضع اليدين تحت السرة يدل على التعظيم والاحترام أكثر وأبعد من التشبه بأهل الكتاب، وكما هو معلوم كان الخدام هكذا يقفون أمام الملوك.
وثانياً: أن وضع اليدين على الصدر في الصلاة من عمل النساء، ولا ينبغي للرجال في هذا المورد أن يجعلوا أنفسهم شبيهاً بالنساء"، هكذا علق وشرح هنا.
قلت: ما ذكره من وضع اليدين تحت السرة وحكمة ذلك، كل هذا مبني على الحديث الوارد بهذا الخصوص، وهو كما ذكره الزيلعي (1) : "إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة" ونقل ضعفه عن ابن القطان وأحمد بن حنبل وأبي حاتم وابن معين والبخاري والبيهقي. وقال النووي : "حديث متفق على تضعيفه".
كذا نقله الزيلعي عنه فالحديث ضعيف جداً وفيه اضطراب، وكما يقال في المثل: أثبت العرش ثم انقش، وقد صحح الشيخ الألباني حديث وضع اليدين على الصدر، وضعف حديث وضع اليدين تحت السرة، ووصفه بالاضطراب إذ قال : "فلم يرد فيه إلا حديث واحد مسنداً تفرد بروايته رجل ضعيف اتفاقاً واضطرب فيه"، قلت: قد تقدم الكلام عليه.
فما ذكرت أن وضع اليدين على الصدر من عمل النساء، من أين هذا التخصيص؟! وأين الدليل على ذلك؟! وأين التشبه باليهود الذي ذكرت؟!
ولا شك أن أعمال الصلاة كلها الرجال والنساء في ذلك سواء (2) ، وليس هذا تشبهاً بالنساء، وإنما الثابت كما قال الرسول % :"صلوا كما رأيتموني أصلي" (3)
__________
(1) نصب الراية 1/313-314.
(2) كما تقدم في المطلب الأول من هذا المبحث.
(3) رواه البخاري في صحيحه برقم (6008) من كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.(44/44)
وكذا علق في شرحه (2/272) على حديث ابن عمر $ مرفوعاً: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح ركع ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" برقم (539) ما معناه باختصار بالعربية :"يوجد اختلاف بين العلماء في صلاة النافلة بالليل والنهار:
يقول الإمام الشافعي: تطوع الليل والنهار ركعتين ركعتين، وعند أبي حنيفة أربع ركعات في الليل والنهار، وعند أبي يوسف ومحمد تلاميذ أبي حنيفة: صلاة الليل ركعتين وصلاة النهار أربع ركعات" هكذا أورد الأقوال بدون ترجيح وما هو الموافق للنص المترجم؟! وهل يمكن أن يخالف أبو حنيفة رحمه الله هذا النص إن ثبت نسبة القول إليه ، فما جوابه عن هذا الحديث المذكور ؟!
ثم قال ما معناه بالعربية: الوتر ركعة أم ثلاث؟ اختلاف بين العلماء:
عند الشافعي: يصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعة ويسلم.
وعند الأحناف: الصلاة بركعة واحدة لا يقال لها صلاة ولا يعتد بها، لا بد أن يصلى ثلاث ركعات كالمغرب، هكذا شرحه للحديث. بينما الحديث المترجم صريح في الوتر بركعة واحدة وغيره من الأحاديث المتفق على صحتها، فمع هذا كيف يتجرأ بالقول بأن الصلاة بالركعة الواحدة ـ أي الوتر ـ لا يقال لها صلاة يعني: لا يعد صلاة، وكيف يقول : لا بد أن يصلي ثلاث ركعات كالمغرب، بينما جاء النهي عن ثلاث ركعات كالمغرب، وثبت في رواية مسلم أن رسول الله % صلى الوتر ثلاث ركعات لم يفصل بينهنّ، بتشهد واحد وسلام واحد.
نعم، يستدل من حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب على أن أقل النافلة ركعتان ما عدا الوتر، وهكذا ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (2/479) من الحديث المذكور الاستدلال على عدم النقصان عن الركعتين في النافلة ما عدا الوتر، وذكر أن أحاديث الفصل- أي: الوتر بركعة واحدة - أثبت وأكثر طرقاً وكذا نقل عن محمد بن نصر في صلاة الليل".(44/45)
وعلق في (2/184) حديث رقم (467) المتضمن جلسة الاستراحة، وهذه الجلسة عند بعض العلماء سنة، ولكن عند جمهور العلماء ليس بسنة، وأجابوا عن الحديث المذكور بأن هذا العمل لم يكن على طريق الاستمرار، بل كان يعمله في بعض الأحيان عند الضعف والحاجة دون قصد العبادة، ولذا لا ينبغي أن يعمل بدون حاجة؟!
هكذا علق، بينما يرى كثير من العلماء أن هذه الجلسة مستحبة كما ذكر ابن حزم في المحلَّى (1) :"نستحب لكل مصلٍّ إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن يجلس متمكناً ثم يقوم من ذلك الجلوس إلى الركعة الثانية والرابعة، " ثم ساق حديث مالك بن الحويرث.
وكذا العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى - في صفة صلاة النبي % والشيخ الألباني في صفة صلاة النبي % (2) فقال: "واعلم أنه ينبغي لكل أحد أن يواظب على هذه الجلسة؛ لصحة الأحاديث فيها، وعدم المعارض الصحيح لها..." .
المطلب الرابع: تحية المسجد والإمام يخطب والتكلف في تأويله
بوب الإمام البخاري : "باب إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب، أمره أن يصلي ركعتين"، وأورد فيه حديث جابر^ قال: "جاء رجل والنبي % يخطب الناس يوم الجمعة، فقال : أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع". وعند البخاري برقم (930).
علق عليه الشارح في شرحه (2/243-244) حديث رقم (518) ما معناه بالعربية : "أن الرجل كان يسمى بسليك الغطفاني، وبناء على ما ورد في هذا الحديث تقول الشافعية والحنابلة أن من دخل المسجد والإمام يخطب يُسنُّ له أن يركع ركعتين، يقول الأحناف والمالكية وعدد من الصحابة والتابعين....أن من يدخل والإمام يخطب عليه أن يجلس ويستمع الخطبة"
وذكر أنهم يجيبون عن هذا الحديث كالآتي:
1. أن أمره له كان قبل أن يبدأ بالخطبة كما جاءت في رواية أخرى وسكت الرسول % ولم يشرع في الخطبة حتى انتهى من صلاته.
__________
(1) 3/816-823.
(2) 4/124.(44/46)
2. أن هذا الأمر خاص بسليك؛ لأنه كان رجلاً فقيراً...أمره أن يصلي لكي يراه الناس ويتصدقوا عليه.
3. أن كثيراً من السلف كانوا يمنعون من الصلاة والإمام يخطب..."
كل ما ذكره من الأمور أولاً : مخالف لصريح النص المذكور عند البخاري وغيره.
وثانياً: يرده عموم الأحاديث الواردة في ذلك:
إذ ورد في رواية أن الرسول % قال له :"يا سليك قُمْ صَلِّ ركعتين، وتجوز فيهما" (1) . وجاء على صيغة العموم في رواية أخرى: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما".
وفي رواية لمسلم أنه قال في رواية سليك نفسه - بعد أن أمره- على صيغة العموم: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما".
وأورد الحافظ ابن حجر في الفتح (2) الروايات المتعلقة بالخطبة والأمر بالصلاة على وجه العموم، تراجع.
وقال النووي في شرحه (3) : "هذا نص لا يتطرق إليه التأويل...ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحاً فيخالفه، وكذا قال ابن أبي جمرة: أن هذا الذي أخرجه مسلم نص في الباب لا يحتمل التأويل" (4) .
ثم يقول ما معناه بالعربية: "ولما كان كلا الطرفين من مجتهدي الأمة، وقصد كل واحد طلب الحق ومتابعة أحكام الشرع، وبناء على أمر الرسول % المصيب في اجتهاده له أجران، أجر الاجتهاد وأجر إدراكه الصواب، والمخطئ في اجتهاده له أجر الاجتهاد " والله أعلم بالصواب.
... هكذا أجمل الأمر في الآخر مع ميله وترجيحه لمذهب الأحناف، ولكن الأدلة المذكورة ترجح المذهب الأول بدون غبار وبدون شك.
كذا علق في (1/494) من شرحه (حديث 279) أبي قتادة السلمي ^ مرفوعاً : "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" ما معناه بالعربية : "تذكر هاتين الركعتين باسم تحية المسجد، وتسن صلاتهما، ولا تصلى في أوقات الكراهة" ثم ذكرها.
__________
(1) متفق عليه، البخاري برقم (930، 931)، ومسلم برقم (875).
(2) 2/411.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.(44/47)
قلت: هذا رأي بعض العلماء، والراجح في ذلك كما ذكر العلماء أن الجمع بين الروايات فيما ظاهرها التعارض أولى بأن تحمل أحاديث النهي في الأوقات المنهي عنها على غير الداخل في المسجد أو الجالس فيه، ويستثنى الداخل في المسجد بمقتضى حديث إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يُصليَ ركعتين" (1)
ومنهم من استثنى ذوات الأسباب مثل تحية الوضوء والمسجد وحضور الجنازة وغيرها ، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (2) أنه يحمل النهي على ما لا سبب له ، يخص منه ما له سبب جمعاً بين الأدلة ، وكذا أيده الشيخ عبد العزيز بن باز في التعليق هنا على الفتح فقال : وهذا القول هو أصح الأقوال . . . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وبه تجتمع الأخبار والله أعلم . قال النووي : و أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات .
المطلب الخامس: عرض المترجم للآراء الفقهية في أثناء تعليقاته دون بيان الراجح منها:
ولوحظ هذا المسلك على المترجم في تعليقاته على كثير من المسائل الفقهية، حتى وإن كان الرأي الراجح يدعمه الدليل الذي هو النص المترجم!!
وقد تقدم كثير من هذه النماذج في الأمثلة السابقة، من بينها صلاة الوتر في عدد ركعاتها وغيرها.
من أمثلة ذلك غير ما تقدم ما جاء في تعليقه على عنوان الإمام البخاري: "باب الصلاة قبل المغرب" ، وحديث عبد الله المزني ^ عن النبي % قال: "صلوا قبل المغرب" قال في الثالثة : "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة.
وهو عند البخاري برقم (1183) في شرحه (2/365-366) فقال بالفارسية ما ترجمته بالعربية: "والمراد من الركعتين: الركعتين اللتين تصليان بعد الأذان وقبل الإقامة. في هذه الصلاة ثلاثة مذاهب:
عند أحمد وإسحاق - رحمهما الله - : جائز وليست بسنة.
__________
(1) متفق عليه: البخاري برقم (444) ومسلم برقم (1163).
(2) 2/59 ، وانظر شرح النووي ، 6/358 ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية ، 23/210 .(44/48)
يقول الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام مالك - رحمهم الله -: عدم الصلاة أفضل.
وادّعى ابن شاهين أن هذا الحديث منسوخ، وناسخه هذا الحديث الذي قال رسول الله % : بين كل أذانين صلاة إلا المغرب"
ونقل عن العيني - رحمه الله تعالى- أنه نقل عن إبراهيم النخعي قوله :" إن أداء الركعتين قبل المغرب بدعة0، وفي رواية عند أصحاب الشافعي أن أداء الركعتين قبل المغرب مستحب". هكذا نقل الأقوال وتركها.
فهذا هو المسلك المتبع عنده في عرض الآراء والمذاهب من دون أن يبين المذهب الراجح في المسألة من بينها إلا نادراً.
فالحديث المذكور وما عنون به الإمام البخاري صريح في أداء الركعتين، ويؤيده حديث: "بين كل أذانين صلاة" والمراد من الأذانين: الأذان والإقامة، وهو حديث متفق عليه عند البخاري برقم (264) وعند مسلم برقم (838) وكذا حديث أنس ^ المتفق عليه رواه البخاري في صحيحه مع الفتح (1) ومسلم في صحيحه (2) : "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي % يبتدرون السواري حتى يخرج النبي % وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيءٌ".
وروى مسلم أيضاً في صحيحه (3) وابن خزيمة في صحيحه (4) عن أنس ^ قال: "كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري وركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليتْ من كثرة من يصليها".
فبعد هذه الروايات الصحيحة وغيرها هل نستطيع أن نقول إنها بدعة أو منسوخة بما ذكره من الحديث الشاذ والضعيف المنكر المخالف لما ثبت في الصحيحين؟
__________
(1) الفتح 2/108.
(2) 2/287، برقم (625).
(3) 1/573، برقم (836).
(4) 1/573 برقم (838).(44/49)
أما الحديث الذ ي ذكره وهو : (بين كل أذانين صلاة إلا المغرب) الذي جعله ابن شاهين ناسخاً لحديث الباب: صلوا قبل المغرب...فهو من رواية حيان بن عبيد الله عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه به، بينما الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما تقدم عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي % ....) ولذا قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (1) وفي السنن الكبرى (2) والنص من المعرفة :"وأخطأ فيه حيان....في الإسناد والمتن جميعاً، أما السند: فأخرجاه في الصحيحين عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل ^ عن النبي % ".
أما المتن فكيف يكون صحيحاً وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال: "وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين".
وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله المزني ^ وهو حديث الباب يؤيد عدم صحة هذه الزيادة.
وقال البيهقي أيضاً: "ورواه حيان بن عبيد الله....وأخطأ في إسناده وأتى بزيادة لم يتابع عليها - قلت : وهي: إلا المغرب - وفي رواية حسين المعلم ما يبطلها ويشهد بخطئه فيها" (3) .
وساق البيهقي أيضاً بإسناده عن ابن خزيمة على إثر هذا الحديث أنه قال: "حيان بن عبيد الله هذا قد أخطأ في الإسناد؛ لأن كهمس بن الحسن وسعيد بن إياس الجريري وعبد المؤمن العتكي رووا الخبر عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل لا عن أبيه... وكان الشافعي - رحمه الله تعالى- يقول: أخذ طريق المجرة، فهذا الشيخ لما رأى أخباراً لابن بريدة عن أبيه توهم أن هذا الخبر هو أيضاً عن أبيه، ولعله لما رأى العامة لا يصلي قبل المغرب توهم أنه لا يصلى قبل المغرب فزاد: (هذه الكلمة في الخبر) (4) ".
__________
(1) 2/266.
(2) 2/474، 475.
(3) السنن الكبرى 2/474.
(4) المصدر السابق.(44/50)
وساق البيهقي الرواية بزيادة "أن ابن بريدة كان يصلي قبل المغرب ركعتين" ثم قال: "فلو كان ابن بريدة سمع من أبيه عن النبي % هذا الاستثناء الذي زاده حيان في الخبر (ما خلا صلاة المغرب)، لم يكن يخالف خبر النبي % ...." (1) .
وذكر الزيلعي في نصب الراية (2) تضعيف هذه الرواية بهذه الزيادة حتى قال: "وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ونقل عن الفلاس أنه قال: كان حيان هذا كذاباً".
وقال الحافظ ابن حجر (3) : "أما رواية حيان....فشاذة؛ لأنه وإن كان صدوقاً عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه. وقد وقع في بعض طرقه: "وكان ابن بريدة يصلي الركعتين قبل المغرب، فلو كان الاستثناء محفوظاً لم يخالف بريدة روايته"".
نقل الحافظ ابن حجر عن القرطبي أنه قال : "ظاهر حديث أنس % أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمراً أقر النبي % عليه أصحابه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث" (4) .
قال الحافظ ابن حجر: "قلت: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر" (5) .
ونقل ابن حجر أيضاً عن المحب الطبري أنه قال : "لم يرد نفي استحبابهما؛ لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابهما، ومعنى قوله : " سنة " أي شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض" (6) .
ومن المسائل الأصولية ادعاء النسخ في مسائل كثيرة أو نقله ادعاء النسخ من غيره وسكوته عليه، كما تقدم قريباً نقله عن ابن شاهين بنسخ الركعتين قبل صلاة المغرب بحديث ضعيف وزيادة شاذة كما صرح به العلماء.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) 2/140.
(3) فتح الباري 2/108.
(4) فتح الباري 2/108.
(5) المصدر السابق 2/109.
(6) المصدر السابق 3/60.(44/51)
وكذا علق في شرحه (2/169) على حديث أنس ^ برقم (459) وفي (2/277) على حديث رقم (544) بخصوص القنوت في المغرب والعشاء، فقال ما معناه بالعربية : "هذا القنوت الذي نقله أبو هريرة في الصلوات الثلاثة (قلت برقم 458) استمر شهراً فقط كان يدعو على عصية وذكوان ثم تركه بعدُ" ثم علق على حديث رقم 459 بما معناه بالعربية: "سياق هذا الحديث يدل على أن القنوت كان يُدْعَى بها في هاتين الصلاتين، ثم ترك، وما ترك فهو منسوخ وإلا لم يترك".
وزاد في التعليق في (2/277): "وما ترك فهو منسوخ ولا يجوز العمل به".
فهذا مما وقع منه من الاجتهاد غير الدقيق في هذا الجانب الأصولي، إذ ادعاؤه أن ما ترك العمل به يعدُّ منسوخاً، ولم يذكر لذلك دليلاً على النسخ ولا تاريخ النسخ ولا من قال به من أهل العلم ، بينما متروك العمل قد يكون لزوال المقتضي والداعي إليه....
وما ذكر من القنوت هي قنوت النازلة وما زالت باقية، متى نزلة بالمسلمين كارثة أو نازلة فمشروع أن يقنتوا.
وبه صرح شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بأن دعاء القنوت في النوازل مشروع عند السبب الذي يقتضيه وليست بسنة دائمة، وأن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل وقت ونازلة بما يناسب ذلك، لفعل النبي % وخلفائه الراشدين (1) .
وكذا ادعاء النسخ في (1/176) على حديث عبد الله بن عمرو برقم (55): "ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا ، وكانوا في سفرة فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثاً".
إذ علق في رقم (2) من تعليقاته نقلاً عن الطحاوي بخصوص هذا الحديث ما معناه بالعربية : "أن المسلمين كانوا في الأول يمسحون أرجلهم كالرأس، ثم نهاهم عن المسح وأمرهم بالغسل ونسخ ذلك".
__________
(1) انظر: مجموع الفتاوى 23/109، وزاد المعاد لابن القيم 1/282.(44/52)
أين الدليل على هذا العمل الذي كانوا يمسحون في الأول مثل مسح الرأس، وأين الدليل على هذا النسخ، ومن قال به غيره؟ وإنما حمل العلماء هذا المسح على الغسل الخفيف هذه المرة وهم كانوا في سفر كما ذكر في الرواية، ولذا أكد عليهم بقوله: "ويل للأعقاب من النار".
وذكر الحافظ ابن حجر توجيه وتوضيحه جيداً، ثم أشار إلى الادعاء المذكور فقال: "وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ" (1) فلا يكفي في النسخ الادعاء بدون معرفة الدليل.
المبحث الثالث: في أمور متفرقة
الأمر الأول:
لا ريب أن من أهم أهداف الشروح بيان مقاصد المصنف فيما يبوّب ويورد النصوص تحته، وهكذا ينبغي لمن يتولى شرح صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله كما قال النووي: "اتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم، واتفق الجمهور على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحاً وأكثرها فوائد" (2) .
ولذلك ذكر الشيخ عبد الله الغنيمان في مقدمة شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري: "فإن كتاب التوحيد منه بحاجة إلى شرح يبين مقاصد البخاري - رحمه الله تعالى - ووجه الرد منه على أهل البدع.... " (3) .
وقال أيضاً: "ولذلك أرى من الواجب أن يتولى شرح هذا الكتاب العظيم، الذي ألّفه ذلك الرجل السلفي الفاهم للحق تمام الفهم، من هو على نهج الممؤلف في العقيدة، ويفهم مقصده، وماذا يريدون من إيراده للنصوص...."
__________
(1) فتح الباري 1/266.
(2) شرح النووي للبخاري ص 7.
(3) 1/28.(44/53)
ولذا قال في منهجه في شرح هذا الكتاب أي التوحيد- :"أحاول بيان مراد البخاري - رحمه الله - من إيراده للنص، وبيان وجه استدلاله بذلك، حسب المستطاع" (1) . وهكذا عمل في شرحه جزاه الله أحسن الجزاء، فأذكر مصداق ذلك على سبيل المثال من شرح الدكتور عبد الرحيم الهروي: "فيض الباري شرح صحيح البخاري" إذ لم يتعرض لشرح الحديث على مراد البخاري، ولا على وجه استدلاله ولا ما يورده من النصوص ولم يبين أنه استدل به على ما عنون به في الباب في مواضع عديدة. وأوضح ذلك ببعض الأمثلة وهي:
جاء في فيض الباري (1/146-147) ك: الإيمان، ب: زيادة الإيمان ونقصانه، وأورد تحته حديث رقم (41) وهو حديث أنس ^ مرفوعاً: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير. (وفي رواية من إيمان)....وفي قلبه وزن بُرة من خير (إيمان)....وفي قلبه وزن ذرّة من خير (أو من إيمان) ".
فعنوان البخاري ظاهر وصريح في أن الإيمان يزيد وينقص أي يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي حتى لا يبقى في قلبه إلا مثل وزن شعيرة، أو وزن برّة أو وزن ذرّة.
فلم يتعرض الشارح في شرحه لمراد البخاري من إيراده الحديث المذكور وغيره، بينما جاء في شرح ابن رجب لصحيح البخاري (2) تحت الباب المذكور بعد ذكر الحديث أنه قال: "والحديث نص في تفاوت الإيمان الذي في القلوب".
وكذا صرح الحافظ ابن حجر في شرحه (3) تحت الباب المذكور فقال: "ففي حديث أنس ^ تفاوت في الإيمان القائم بالقلب من وزن الشعيرة والبرة والذرة".
__________
(1) المصدر السابق 1/28، 29.
(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري له 1/157.
(3) فتح الباري 1/103.(44/54)
وذكر أيضاً تحت باب تفاضل الإيمان في الأعمال في حديث (22): (أخرجوا من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان...) فقال: "هو إشارة إلى ما لا أقل منه، وأراد بإيراده الرد على المرجئة لما فيه بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى المعتزلة في أنّ المعاصي موجبة للخلود" (1) .
وجاء في فيض الباري (6/398) من كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } ، وقول الله تعالى: { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } ، وأورد تحته حديث أبي هريرة ^ مرفوعاً : "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب عنده على نفسه....إن رحمتي تغلب غضبي".
فلم يتعرض أصلاً لمقصد الإمام البخاري من هذا الباب وإيراد الحديث المذكور وغيره.
فالمراد مما أورده - رحمه الله - أن النفس هو الله سبحانه وتعالى.
وأورد ابن بطال في شرحه على البخاري (2) تحت الباب المذكور في كتاب التوحيد والأحاديث الواردة فيه : "أن ما ذكر في الأحاديث من ذكر النفس فالمراد به إثبات نفس الله....والمراد بنفسه تعالى ذاته...".
وأورد الحافظ ابن حجر في شرحه (3) عدة آيات فيها ذكر النفس وعدة أحاديث من بينها الحديث القدسي المشهور:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..." الذي رواه مسلم (4) وحديث "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (5) ..." ثم نقل عن ابن بطال قوله المذكور في المراد من النفس في الآيات والأحاديث، وكذا فصل الشيخ عبد الله الغنيمان في شرحه (6) مراد الإمام البخاري.
__________
(1) المصدر السابق لابن حجر 1/73.
(2) 10/427.
(3) 13/384.
(4) في صحيحه 4/1994.
(5) مسلم في صحيحه 1/352 برقم 222، وأبو داود في سننه 2/134.
(6) 1/249-255.(44/55)
وكذا لم يتعرض أصلاً لمارد البخاري في باب قول الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } وأورد تحته حديث أبي هريرة ^ أن رسول الله % قال: "يقول الله إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها..." برقم (2225) في (6/401) من فيض الباري، شرحه.
بينما جاء في شرح ابن بطال (1) : "أراد بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها- أن كلام الله تعالى صفة قائمة به، وأنه لم يزل متكلماً ولا يزال...".
وكذا نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله المذكور سابقاً في شرحه فتح الباري (2) . وقد فصل في شرح مراد البخاري من هذا الباب والنصوص الواردة فيه من الكتاب والسنة الشيخ عبد الله الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري (3) جزاه الله أحسن الجزاء.
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة في هذا الأمر.
الأمر الثاني: في شرحه بعض مفردات النص على غير المراد
وعلى سبيل المثال جاء في فيض الباري 1/173 ح 54 وهو حديث: "جاء أعرابي إلى رسول الله % فقال: متى الساعة؟!...فقال:إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة..."
فعلق في تعليق رقم (3) ما معناه بالعربية: "المراد من القيامة في هذا الحديث الشريف القيامة الدنيوية التي هي عبارة عن الشقاوة وعدم الأمن وتلف الحقوق..."
__________
(1) 10/498.
(2) 13/467.
(3) 2/347 وما بعدها.(44/56)
هكذا شرح الساعة والمراد منها في الحديث، بينما يسأل الأعرابي متى الساعة أي القيامة يعني: متى قيامها ووقوعها، فهذا علمه عند الله، ولكن الرسول % ذكر علامة من علاماتها فقال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. وما ذكره من الشرح على الحديث مبني على تقسيمه القيامة إلى ثلاثة أقسام إذ قال ما معناه بالعربية: "يعرف من هذا النص وغيره من النصوص الواردة بخصوص القيامة أن القيامة على ثلاثة أنواع: قيامة دنيوية، قيامة برزخية، وقيامة أخروية، ثم عرّف القيامة الدنيوية بأنها عبارة عن الشقاوة وعدم الأمن وتلف الحقوق والجوع..."
ثم عرف القيامة البرزخية ـ وهي صحيحة ـ وكذا القيامة الأخروية وهي صحيحة وحق، لكن القيامة الدنيوية بتعريفها المذكور لم أقف عليها، وقوله إنه يعرف من نص الحديث المذكور أو غيره من الأحاديث الواردة بخصوص القيامة غير صحيح، ولم يُسبق إلى هذا الشرح حسب علمي- والله أعلم.
فالسائل لا يسأل عن الشقاوة وعدم الأمن والجوع في الحديث، وإنما يسأله متى الساعة أي: متى يكون قيام الساعة؟ كما جاء في حديث جبريل في البخاري برقم (50) متى الساعة؟ فأجابه بعدم علمه بذلك؛ لأن علم وقوعها عند الله سبحانه وتعالى، ثم ذكر له بعض أماراتها، وكذلك هنا أجاب الأعرابي عن بعض علاماتها، فقال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، أي: قرب وقوعها".
ولذا ذكر ابن بطال في شرحه (1) في ضياع الأمانة فقال: حديث أبي هريرة وحذيفة بن اليمان من أعلام النبوة؛ لأنه عليه السلام ذكر فيها فساد أديان الناس وتغير أمانتهم، وقد ظهر كثير من ذلك".
وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (2) فقال: "وذلك من جملة أشراط الساعة".
وذكر أيضاً في شرح الحديث (3) فقال: "فيه قصة الأعرابي الذي يسأل عن قيام الساعة، وقال أيضاً في شرحه : "إذا ضيعت الأمانة..." :"وهذا جواب الأعرابي الذي يسأل عن قيام الساعة، وهو القائل: كيف إضاعتها؟"
__________
(1) 10/206.
(2) 1/143.
(3) 11/334.(44/57)
وكذا ذكر العيني في شرحه على هذا الحديث فقال: "قوله (متى الساعة) قال: أي متى يكون قيام الساعة؟ فقال: أين السائل عن الساعة؟ قال: أي عن زمان الساعة" (1) .
فكل هؤلاء حملوا الساعة على القيامة الأخروية، وهذا هو المراد من الساعة.
جاء في (1/148) في التعليق على حديث (42) وهو حديث عمر ^ أن رجلاً من اليهود قال له: "يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً...". فعلق عليه هنا ما معناه بالعربية: "يُعرف من كلام عمر ^ كأنه قال في جواب اليهودي أننا نحن المسلمين لم ننس شيئاً بخصوص هذه الآية الكريمة، بل نستحضر زمان نزولها ومكان نزولها والحالة التي نزلت على الرسول % وعلاوة على ذلك اتخذنا وقت نزول هذه الآية الكريمة عيداً؛ لأن هذه الآية نزلت بعد عصر يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وجعل الرسول % غد هذا اليوم عيداً للمسلمين".
ثم ذكر لعل قائلاً يقول: إن هذه الآية نزلت في تاسع ذي الحجة، فكان المفروض أن يجعل هذا اليوم عيداً (9 ذي الحجة) ليس العاشر من ذي الحجة، ثم نقل جواب القائل عن العيني أن السبب في عدم اتخاذ اليوم التاسع عيداً أن هذه الآية الكريمة نزلت بعد العصر من اليوم التاسع من ذي الحجة، والعيد يلزم أن يكون أول النهار، ولذا جعل اليوم الثاني.
ففي هذا التعليق فيه ما فيه كما هو ظاهر منه وزيادة على ذلك: "اتخذنا وقت نزولها عيداً" بينما المسلمون لم يتخذوه عيداً، ما ذكره في آخر التعليق يناقض ما ذكره في أول كلامه كأنه يقول: وهو أي اليوم التاسع، وإن كان في حقه أن يكون عيدا ولكن العيد لا بد أن يكون أول النهار، ولذا جعل اليوم الثاني.
__________
(1) عمدة القاري 1/380.(44/58)
وكذا ما ذكره في (1/334) حديث رقم (164) في تعليق رقم (4) أنه بسبب تسبيح الجريدتين يخفف الله عن الميت، وقال العلماء: "لما كان تسبيح الجريدتين سبباً لتخفيف العذاب، فقراءة القرآن والدعاء من باب أولى يكون ذلك سبباً لتخفيف العذاب، ونقل عن الخطابي بواسطة العيني من عمدة القارئ 2/598 أنه يقول: باستحباب تلاوة القرآن عند القبر؛ لأن تسبيح الجريدة ما دام يسبب تخفيف العذاب، فالأمل أكبر وأكبر من تخفيف العذاب عن الميت بسبب قراءة القرآن..."
هكذا علق على الحديث. وهو مبني على الظن والقياس، أما الظن فهو أن تخفيف العذاب بسبب التسبيح، ولم يرد في نص من الحديث شيء يدل على ذلك، وأما القياس فهو أن تخفيف العذاب حصل بالتسبيح فقراءة القرآن من باب أولى يكون سبباً لتخفيف العذاب. ومعلوم أن العبادات توقيفية لا تثبت بالقياس.
ثم ذكر في (1/335) تعليق (د) ما معناه بالعربية: "استناداً إلى أحاديث وردت أن أجر وثواب أي عمل صالح آخر مثل الصوم والصدقة والعمرة وغيرها من الأعمال الصالحة أيضاً يصل إلى الميت".
فهذا العموم في التعليق بوصول الثواب إلى الميت بالصوم والصلاة وغيرهما من الأعمال الصالحة لم يرد ولم يثبت عن سلف هذه الأمة، والله أعلم.
الأمر الثالث: في تعريف بعض الأماكن الواردة في الحديث على خلاف الواقع
جاء في الشرح فيض الباري (5/96) حديث رقم (1590)، في وصف سدرة المنتهى إذ قال: "...ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هَجَر...".
فعلق في أثناء ترجمة النص بعد لفظة "هجر" بين معكوفتين بما معناه في العربية: [منطقة بين مكة والمدينة] هكذا ذكر.(44/59)
وإنما المراد من قلال هَجَر إما مدينة البحرين المعروفة قلالها، وجاء في البدر المنير لابن الملقن (1) عند ذكر الحديث: "إذا بلغ الماء قلتين من قلال هَجَر..." والمعلوم أن قلال هَجَرَ كانت معروفة عندهم، مشهورة، يدل عليه حديث أبي ذر ^ الثابت في الصحيحين ... قلت برقم 349، 1636، 3342، عند البخاري وعند مسلم برقم (163) وهو الحديث المذكور عندنا.
وكذا ذكر الزركشي والأزهري أن المراد من قلال هَجَر هَجَر البحرين.
وقال السمهودي -بعد نقله كلام الزركشي والأزهري -: "وهو الأسدّ" (2) .
وذكر الياقوت في معجم البلدان (3) نقلاً عن أبي الحسن الماوردي قوله: "الذي جاء في الحديث ذكر القلال الهجرية: قيل إنها كانت تجلب من هَجَر إلى المدينة، وقيل: هَجَر قرية قرب المدينة".
وقال ابن موسى: "هَجَر قصبة بلاد البحرين" (4) .
وجاء في معجم ما استعجم (5) : " هَجَر ـ بفتح أوله وثانيه ـ : مدينة البحرين معروفة". وكذا جاء في النهاية (6) : " هَجَر اسم بلد معروف بالبحرين".
وقال أبو بكر الحازمي: "... هَجَر قصبة ببلاد البحرين...".
وقال أبو عبيد في معجمه : " هَجَر مدينة البحرين معروفة".
وكذا ابن دحية (7) .
وإما قرية من قرى المدينة كما جاء في النهاية لابن الأثير (8) : "فأما هَجَر التي تنسب القلال الهجرية فهي قرية من قرى المدينة".
كذا ذكر ابن الملقن في البدر المنير (9) فقال: "فائدة: هَجَر ـ بفتح الهاء والجيم ـ قرية بقرب المدينة، ليست هَجَر البحرين، كذا قاله ابن الصلاح والنووي، وحكى المنذري أنها تنسب إلى هَجَر التي باليمن، وهي قاعدة البحرين".
تعريف يوم العقبة في ذهابه إلى الطائف بالعقبة بمكة
__________
(1) 1/416.
(2) 4/1346.
(3) المصدر السابق .
(4) 5/393.
(5) المصدر السابق للحموي نفسه.
(6) 5/246.
(7) المصدر السابق 5/247.
(8) كذا نقله ابن الملقن في البدر المنير 1/418-419.
(9) 1/418.(44/60)
جاء في شرحه فيض الباري (4/338) حديث عائشة & برقم (1365) أنها قالت للنبي % هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبديا ليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت".
فعرف العقبة بما معناه بالعربية في حاشية (2) : "العقبة اسم مكان بمكة المكرمة، وإليها تنسب جمرة العقبة بمنى..." .
هكذا عرف العقبة، ولعله قلّد العيني إذ عرّفه بذلك، ومنه نقله الكرماني في شرحه.
والذي يدل عليه السياق أن المراد من يوم العقبة اليوم الذي عرض نفسه على ابن عبديا ليل وغيره كما هو صريح النص "وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبديا ليل...".
فالمراد بالعقبة التي بالطائف، فكيف يكون مكاناً بمكة وهو يعرض نفسه في الطائف على ابن عبديا ليل وغيره للدعوة إلى الإسلام.
وقال أبو العباس القرطبي في تعريف يوم العقبة : "يوم العقبة : هو اليوم الذي لقي فيه ابن عبديا ليل بن عبد كُلال في آخرين فكذبوه وسبوه، واستهزأوا به فرجع عنهم فلقيه سفهاء قريش، فرموه بالحجارة حتى أدموا رجليه وآذوه أذى كثيراً" (1)
وأورد الحافظ ابن كثير في السيرة النبوية له (2) حديث عائشة & المذكور بقوله : "وثبت في الصحيحين....أن عائشة...." تحت عنوان : "ذهابه إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله" مما يدل على أنه حصل هذا الأذى الشديد في الطائف.
وكذا الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام قسم السيرة النبوية (3) ذكره تحت قصة دعوته لثقيف بالطائف وأن الإغراء والرمي والسب من العبيد والسفهاء حصل منهم. ولم يتعرض لشرحها ـ أي: العقبة ـ القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في شرحه إكمال المعلم على صحيح مسلم ولا النووي في شرحه على صحيح مسلم، ولا الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري.
__________
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/654، برقم 1313.
(2) 2/149-152.
(3) ص 284.(44/61)
وجزم صفي الرحمن المباركفوري في شرحه على صحيح مسلم (1) بأنه لا يراد من العقبة عقبة منى، إذ قال: "فسر يوم العقبة بيوم عرضه % نفسه على ابن عبديا ليل وكان ابن عبديا ليل واسمه كنانة من رؤساء الطائف وعرض نفسه عليه في سفر الطائف، والحادث الذي أشار إليه وقع بأرض الطائف، فلا يراد بالعقبة هنا عقبة منى وإنما يراد بها عقبة الطائف، وهي عند الموضع الذي يخرج منه من الطائف في الطريق القديم إلى مكة. والذي لقيه % هناك هو أن أهل الطائف أغروا به سفهاءهم وعبيدهم حين أراد الخروج من الطائف، وكان قد مكث بها عشرة أيام، فاجتمعوا هناك، ووقفوا صفين وأخذوا يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة ورجموا عراقيبه حتى اختضب نعلاه بالدماء..." (2) .
بعض التوصيات والمقترحات
رأيت أن أقدم في نهاية البحث بعض التوصيات والمقترحات وهي كالآتي:
1. العناية التامة بترجمة كتب السنة الصحيحة مع شرح موجز لما يلزم شرحها.
2. تكوين لجان علمية تكلف بدراسة وشرح الجوانب العلمية والمشكلة.
3. شرح وتوضيح المصطلحات الحديثية وترجمتها بلغات حية عالمية.
4. إيجاد مجلة دورية تهتم بقضايا متعلقة بالسنة وتعتني بما تترجم من كتب السنة باللغات المختلفة، وبيان مستواها والحث على اقتناء الصحيح منها، والتحذير من الترجمات التي كثر فيها التحريف والخلل في ترجمة النص.
كما تهتم بالموضوعات المهمة التي يحتاج المجتمع إلى نشرها وإبرازها.
5. استخدام وسائل النشر الحديثة الإلكترونية والشبكة العالمية (الانترنت) لنشر ترجمات الكتب في السنة والسيرة النبوية الصحيحة باللغات الحية العالمية.
__________
(1) انظر: منة المنعم في شرح صحيح مسلم 3/217-218، وانظر لما لقيه % من أهل الطائف: تاريخ الإسلام قسم السيرة النبوية للحافظ الذهبي ص 283، وكتاب السيرة النبوية للحافظ ابن كثير 2/149-151.
(2) منة المنعم في شرح صحيح مسلم ، 3/218 .(44/62)
6. تكوين لجنة لمتابعة المستجدات في ترجمة السنة كتباً أو موضوعات من لغات شتى.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وفي الختام أشير إلى خلاصة ما اشتمل عليه هذا البحث.
قد تناول البحث قيام علماء الأمة بخدمة الكتاب والسنة وأهمية ترجمة كتب السنة والجهود التي بذلت إجمالاً في ترجمة كتب السنة وبعض الأمور والضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها المترجم لكتب السنة والتعريف الموجز للكتاب المترجم وأصله وبيان منهج المختصر والتعريف بالمترجم وترجمته وتعليقاته على النص المترجم، والمقارنة بين الترجمة موضوع البحث وبين الترجمة الأخرى للكتاب نفسه وبيان المنهج الذي سلكته في البحث، وتقويم النص المترجم، ومدى إصابة المترجم المعنى الصحيح في ترجمته، وبيان نماذج من ترجمة النص بالخطأ بعضه أو كله، أو ترجمة بعض الكلمات والألفاظ بغير المراد منها، وبيان نماذج من قصور الترجمة عن المعنى المراد أو استخدام كلمات مهجورة أو دخيلة، أو ترجمة اللفظ بغير معناه أو بكلمات لا تعرف معناها عند أهل اللغة، أو استخدام كلمة مكان أخرى، أو عدم الدقة في ترجمة النص، أو التصرف في ترجمة النص، أو اختيار المعنى غير المناسب للسياق، وبيان نماذج من تقويم التعليقات على النص المترجم، ونماذج من التعليقات العقدية على النص المترجم، وبيان المعنى الاصطلاحي للإيمان، وموقف أهل السنة من ارتكاب المؤمن المعصية ودخوله النار، وبيان نماذج من التعليقات على الأسماء والصفات وصفة القرب والتقرب، وبيان نماذج من التعليقات الفقهية على النص المترجم، وتدخل المترجم في كثير من تعليقاته في المسائل برأيه، وإقحام المترجم بعض المسائل في التعليق على بعض الأحاديث، وإيراد المترجم لآراء وإن خالفت صريح النص المترجم، مثل وضع اليدين تحت السرة والحكمة في ذلك، وعدم الوتر بركعة واحدة عند الأحناف، وأن جلسة الاستراحة عمل بسبب الضعف لا بقصد العبادة، عرض المترجم آراء فقهية بدون(44/63)
بيان الصواب، مثل إيراده في الصلاة قبل المغرب أنها منسوخة أو بدعة، قنوت النازلة منسوخة، عدم الاهتمام ببيان مقصد المؤلف من إيراده النصوص في الباب، في شرحه بعض مفردات النص على غير المراد، في تعريف بعض الأماكن الواردة في الحديث على خلاف الواقع، مع ذكر بعض التوصيات والمقترحات.
... ... أسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يتقبلها منا، إنه نعم المولى ونعم النصير.
فهرس المصادر والمراجع
" القرآن الكريم.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، تأليف الدكتور صالح بن فوزان، الناشر: دار ابن الجوزي، ط/3 1418هـ.
" أصل صفة صلاة النبي % من التكبير إلى التسليم لشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف، ط/ عام 1427هـ، الرياض.
" الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام، تأليف: مؤرخ الهند الكبير العلامة الشريف عبد الحي بن فخر الدين الحسني أمين ندوة العلماء بالهند، الناشر: مكتبة دار عرفات، عام 1413هـ.
" ترجمة مختصر صحيح البخاري، قام بترجمته الشيخ عبد القادر ترشابي، انتشارات الحرمين ، الطبعة الثانية، عام 1384هـ ش.
" تفسير ابن جرير الطبري ت 311هـ، تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي ط/1، عام 1427هـ.
" تفسير عبد الرزاق بن همام (ت 126-211هـ) مكتبة الرشد، الرياض ط/ عام 1410هـ.
" تفسير ابن كثير لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) تحقيق: محمد إبراهيم ومحمد أحمد وعبد العزيز غنيم، طبعة دار الشعب، القاهرة.
" الجامع الصحيح لمسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، البابي الحلبي، ط/1، عام 1374هـ.
" الجامع الصحيح للإمام البخاري انظر فتح الباري.
" الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671هـ)، تحقيق د/عبد الله بن عبد المحسن التركي ومن معه، مؤسسة الرسالة، ط/1، عام 1427هـ.(44/64)
" الدر المنثور في التفسير بالمأثور، تأليف: جلال الدين السيوطي (ت 911هـ)، تحقيق د/عبد الله بن عبد المحسن التركي، مركز هجر للبحوث والدراسات العربية، القاهرة، ط/1، عام 1424هـ.
" زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم الجوزية (ت 751هـ) تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط/16 عام 1412هـ.
" السنن الكبرى للإمام البيهقي، أحمد بن الحسين (ت 458هـ)، طبعة دار المعرفة، لبنان، عام 1413هـ مع فهرسة د/يوسف المرعشلي.
" سنن أبي داود سليمان بن الأشعث، إعداد: عزت عبيد الدعاس.
" السيرة النبوية، للحافظ ابن كثير إسماعيل بن كثير أبي الفداء (ت 701-774هـ)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، طبع القاهرة، عام 1384هـ، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
" السيرة النبوية من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي، تحقيق: د/ عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، ط/1، عام 1407هـ.
" شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، تأليف: صدر الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي (ت 731-792هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، طبع وزارة الشئون الإسلامية بالمملكة عام 1418هـ.
" شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرح الشيخ محمد الصالح العثيمين، إخراج سعيد بم فوّاز الصميل، دار ابن الجوزي، ط/4 عام 1417هـ توزيع مكتبة الدار بالمدينة.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد الصالح العثيمين ، ط/الثانية، عام 1416هـ، مؤسسة آسام للنشر، الرياض، تحقيق د/ سليمان ود/ خالد المشيقح.
" شرح النووي على صحيح مسلم، للإمام يحيى بن شرف النووي ، المطبعة المصرية عام 1349هـ.
" صحيح ابن خزيمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311هـ)، تحقيق: د/ مصطفى الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.
" صحيح البخاري، انظر فتح الباري مع الشرح.(44/65)
" صحيح سنن أبي داود للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف/ سعد بن عبد الرحمن الراشد، الرياض، ط/3، عام 1421هـ/ 2000م.
" صلاة المؤمن، تأليف: د/ سعيد بن وهف القحطاني، طبعة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
" عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للعلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني (ت 762-855هـ)، ط/1، عام 1392هـ، مصطفى البابي الحلبي بمصر.
" فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي المعروف بابن رجب الحنبلي (ت 736-795هـ)، تحقيق: طارق بن عوض الله، دار ابن الجوزي ط/1، عام 1417هـ /1996م.
" فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) الطبعة الخامسة، القاهرة.
" فرهنگ (الفبايى عربي - فارسي) الرائد جبران مسعود، ط/2 / عام 1374هـ، انتشارات آستان قدس رضوى إيران.
" فرهنگ معاصر، عربي- فارسي، آذرتاش - آذرنوش، ط/6، عام 1384هـ ش ، تهران، كتابخانة ملى إيران.
" قائمة منشورات دار السلام، الرياض.
" قائمة منشورات الدار العالمية للكتاب الإسلامي، عثمان عبد الله- محمود أحمد أبو العيون، مطبوع بالكمبيوتر، الرياض.
" لغت نامه لمجموعة من العلماء تحت إشراف د/ محمد معين ود/ سعيد جعفر، مؤسسة لغت نامه دهخدا، ط/2/ 1377هـ.
" مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن القاسم، طبعة المجمع ط/2، عام 1426هـ.
" المحلّى لابن حزم، طبعة المنيرية، ط/1، عام 1347هـ.
" مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية، تأليف: الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية، عام 1424هـ.
" معرفة السنن والآثار للإمام البيهقي ( ت 458 هـ ) ، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان، عام 1422هـ.
" المفردات في غريب القرآن للراغب الإصبهاني ، تحقيق: محمد سيد الكيلاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي.(44/66)