بسم الله الرحمن الرحيم
سنن أبي داود – رحمه الله - (1)
اسمه ونشأته ورحلاته لطلب العلم :
هو سليمان بن الأشعث ، كنيته : أبو داود ، وبلده سجستان ،ولذلك ا شتهر بأبي داود السجستاني .
كان مولده في السنة الثانية بعد المئتين للهجرة .
نشأ وترعرع وحرص على الطلب من سن مبكر في حياته . رحل إلى بغداد وعمره آنذاك ثمان عشرة سنة، ورحل إلى الشام وعمره عشرون سنة ، لذلك نجده حَظي بعلو الإسناد ، ويأتي في مرحلة علو الإسناد بعد البخاري ـ رحمهما الله تعالى ، أي أنه يفوق مسلماً في علو الإسناد ، بل إننا لنجده في كثير من الأحيان يُشارك البخاري في جماعة من شيوخه لم يُشاركه في الرواية عنهم غيره ، مع العلم بأن البخاري أكبر منه بحوالي ثمان سنوات .
شيوخه
من العلماء المشهورين الأجلاء مثل : الإمام أحمد ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، ومحمد بن بشار ـ بُندار ـ , بل إنه يقول عن نفسه : كتبت عن بندار خمسين ألف حديث . ولكنه اشتهر بملازمة الإمام أحمد ملازمة شديدة حتى إنه يُعد من كبار أصحابه . وقد روى عن الإمام أحمد في كتابه السنن نحو عشرين ومئتي حديث . وكان يقول : دخلت على أبي عبد الله منزله ما لا أحصيه .
تلاميذه :
ابنه عبد الله ، ومن المشاهير الترمذي ـ صاحب الجامع ـ والنسائي ـ صاحب السنن ، وابن أبي الدنيا ـ صاحب المؤلفات المشهورة ، وأبو عوانة ـ صاحب المستخرج.
كتابه السنن والثناء عليه ومنهجه فيه:
__________
(1) انظر : الجرح والتعديل (4/ت 456) ، أخبار أصبهان (1/334) ، وتاريخ بغداد (9/55) ، وطبقات الحنابلة (1/159) ، وأنساب السمعاني (7/46) ، وأنساب السمعاني (7/46) ،وتاريخ دمشق (7/ق 271) ـ 274) ، ووفيات الأعيان (2/404) ، وتهذيب الكمال (11/355) وسير أعلام النبلاء (12/203) وتذكرة الحفاظ (2/591) ، وطبقات الشافعية (2/293) والبداية والنهاية (11/54) وتهذيب التهذيب (4/298) ، وشذرات الذهب (2/167) .(1/1)
قد ألف كتابه السنن قبل الأربعين من عمره ، وذلك في حياة شيخه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وعرضه عليه ، فاستجاده واستحسنه .
وهمة أبي داود جمع الأحاديث التي استدل بها فقهاء الأمصار , وبنوا عليها الأحكام , فصنَّف سننه , وجمع فيها الصحيح والحسن واللين والصالح للعمل ، وهو يقول : ما ذكرت في كتابي حديثاً أجمع الناس على تركه . وما كان منها ضعيفاً صرح بضعفه , وما كان فيه علة بينها , وترجم على كل حديث بما قد استنبط منه عالم , وذهب إليه ذاهب ، وما سكت عنه فهو صالح عنده ، وأحوج ما يكون الفقيه إلي كتابه .
وعن سنن أبي داود واشتماله على معظم الأحاديث الصحيحة :قال أبو داود ( كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ماضمنته كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثماني مائة ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ) .
وعن مكانة هذا الكتاب فقد أبلغ زكريا الساجي حين قال: "كتاب الله أصل الإسلام، وسنن أبى داود عهد الإسلام".
وقال ابن الأعرابي_ أحد رواة السنن عن أبي داود _ :( لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب
أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم )
وقال الخطيب : ( فأما السنن المحضة فلم يقصد أحدٌ جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود )
وقال الخطابي ..( فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه مالم يعلم متقدما سبقه إليه ولا متأخرا لحقه فيه(
وقال النووي : ( فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه _ أي في السنن – مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه ) (1)
منهجه في إيراد ا لأحاديث :
أبو داود ـ رحمه الله ـ أراد أن يقصر كتابه هذا على أحاديث الأحكام فقط ، لأنه يرى أنها هي التي يرتكز عليها العمل .فانظر إليه في رسالته لأهل مكة إذ يقول في مقتطفات من كلامه :(1/2)
وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء يبين المنكر .
ولا أعرف أحدا جمع على الاستقصاء غيري .
وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومنه مالا يصح سنده .
ما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض ، وهذا لو وضعه غيري لقلت أنا فيه أكثر .
وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح إلا وهي فيه إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث ولا يكاد يكون هذا .
ولا أعلم شيئا بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب ولا يضر رجلا أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذه الكتب شيئا وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره
وإذا لم يجد في الباب حديثاً صحيحاً فإنه يورد في الباب أحاديث غير صحيحة .
فدلّ هذا على أن الأحاديث في سنن أبي داود على ثلاثة أقسام :
1 ـ فمنها الصحيح وما يشابهه ولعله الحسن .
2 ـ ومنها الضعيف الذي ضعفه شديد ، فهذا يذكر أنه يبينه أي ينص على أن هذا الحديث ضعيف بكلامه في أحد رواته أو قدحه بذلك الحديث نفسه .
3 ـ ونستخلص من هذا نوعاً ثالثاً ـ كما يقول الحافظ ابن حجر ـ وهو أنه مالم يكن فيه وهن شديد فإنه يسكت عنه .
ثم ذكر أن ما سكت عنه فهو " صالح " ، واضطربت عبارات العلماء واختلفت مشاربهم في توضيح هذه العبارة التي ذكرها أبو داود وماذا يريد بكلمة صالح . فهل يستفاد منه أن ما سكت عليه في كتابه هل هو صحيح أم حسن؟
قد اختار الحافظ الحازمي وابن الصلاح والنووي وغيرهما أن يحكم عليه بأنه حسن ما لم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن.
روايات السنن :(1/3)
أشهر هذه الروايات رواية اللؤلؤي ، ورواية ابن داسة ، ورواية ابن الأعرابي ، ورواية ابن العبد . أما رواية ابن العبد ، فالذي يظهر أنها مفقودة ، والمشهور من هذه الروايات روايتان هما : رواية اللؤلؤي ، ورواية ابن داسة .ولكن رواية اللؤلؤي مقدمة على غيرها من الروايات ، والسبب أن اللؤلؤي أطال الملازمة لأبي داود وكان هو الذي يقرأ السنن حينما يعرض أبو داود كتابه السنن على طلبة العلم في كل العرضات ، ومع ذلك فآخر عرضة عرضت على أبي داود في السنّة التي توفي فيها في سنة خمس وسبعين ومئتين كانت بعرضة اللؤلؤي .
الشروح
قد أقبل العلماء على كتاب سنن أبي داود بالشرح والتعليق والدراسة، فمن هذه الشروح ما يلي:
- "معالم السنن": لأبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة، أوله: (الحمد لله الذي هدانا لدينه وأكرمنا بسنة نبيه... الخ)، وقد لخصه الحافظ شهاب الدين أبو محمود، أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي، المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة، وسماه: (عجالة العالم من كتاب المعالم).
-من شروح أبي داود لكنه مخطوط شرح ابن رسلان أحمد بن حسين بن رسلان الشافعي المتوفى سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الهجرة وهو شرح كامل لسنن أبي داود ، وليت هذا الشرح يطبع ؛ لأنه أقدم الشروح الكاملة التي وصلتنا عن أبي داود .
- "مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود": للحافظ السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة من الهجرة.
- "فتح الودود على سنن أبي داود": لأبي الحسن السندى، المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.
- "إنحاء السنن واقتفاء السنن في شرح سنن أبي داود": لأحمد بن محمد المقدسي الخواص، المتوفي سنة 765هـ.
- "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": لمحمد شمس الحق عظيم آبادى.(1/4)
وقد اختصرها زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي الحافظ المنذري، المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة، وسماه: (المجتبى)، وألف السيوطي عليه كتابا سماه: (زهر الربى على المجتبى)، وله عليها حاشية أيضا.
وهذبه أيضا محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي، المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
استدراك وتنبيه :
أستدرك شيئاً وهو أن كتاب المراسيل الذي طُبع على حدة ، يظن بعض الناس أنه كتاب مستقل ! فأبو داود ألّف كتاب السنن وألف كتاب المراسيل .والصحيح : أن هذا الكتاب عبارة عن جزء من كتاب السنن ، ولكنه أفرد على حدة.
وقد كتب عنه شيخه الإمام أحمد بن حنبل حديث العتيرة، وهو الحديث الذي رواه عن عن أبي العشر الدارمي عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها. قال بن أبي داود قال أبي: فذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: هذا حديث غريب وقال لي: اقعد فدخل فأخرج محبرة وقلماً وورقة وقال: أمله علي فكتبه عني، قال: ثم شهدته يوماً آخر وجاءه أبو جعفر بن أبي سمينة فقال له أحمد بن حنبل: يا أبا جعفر، عند أبي داود حديث غريب اكتبه عنه، فسألني فأمليته عليه.
ـــــــــــــــــــ
مراجع البحث:
- الذهبي: تذكرة الحفاظ.
- الذهبي: العبر في خبر من غبر.
- ابن خلكان: وفيات الأعيان.
- الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد.
- حاجي خليفة: كشف الظنون.
- الباباني: هدية العارفين.
- ابن منظور: لسان العرب.
- الزركلي: الأعلام.
- مذكرة للشيخ د. سعد الحميِّد .
-مصادر السنة ومناهج مصنفيها للشيخ د. حاتم بن عارف العوني .(1/5)
سنن أبي داود – رحمه الله - (1)
اسمه ونشأته ورحلاته لطلب العلم :
هو سليمان بن الأشعث ، كنيته : أبو داود ، وبلده سجستان ،ولذلك ا شتهر بأبي داود السجستاني .
كان مولده في السنة الثانية بعد المئتين للهجرة .
نشأ وترعرع وحرص على الطلب من سن مبكر في حياته . رحل إلى بغداد وعمره آنذاك ثمان عشرة سنة، ورحل إلى الشام وعمره عشرون سنة ، لذلك نجده حَظي بعلو الإسناد ، ويأتي في مرحلة علو الإسناد بعد البخاري ـ رحمهما الله تعالى ، أي أنه يفوق مسلماً في علو الإسناد ، بل إننا لنجده في كثير من الأحيان يُشارك البخاري في جماعة من شيوخه لم يُشاركه في الرواية عنهم غيره ، مع العلم بأن البخاري أكبر منه بحوالي ثمان سنوات .
شيوخه
من العلماء المشهورين الأجلاء مثل : الإمام أحمد ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، ومحمد بن بشار ـ بُندار ـ , بل إنه يقول عن نفسه : كتبت عن بندار خمسين ألف حديث . ولكنه اشتهر بملازمة الإمام أحمد ملازمة شديدة حتى إنه يُعد من كبار أصحابه . وقد روى عن الإمام أحمد في كتابه السنن نحو عشرين ومئتي حديث . وكان يقول : دخلت على أبي عبد الله منزله ما لا أحصيه .
تلاميذه :
ابنه عبد الله ، ومن المشاهير الترمذي ـ صاحب الجامع ـ والنسائي ـ صاحب السنن ، وابن أبي الدنيا ـ صاحب المؤلفات المشهورة ، وأبو عوانة ـ صاحب المستخرج.
كتابه السنن والثناء عليه ومنهجه فيه:
__________
(1) انظر : الجرح والتعديل (4/ت 456) ، أخبار أصبهان (1/334) ، وتاريخ بغداد (9/55) ، وطبقات الحنابلة (1/159) ، وأنساب السمعاني (7/46) ، وأنساب السمعاني (7/46) ،وتاريخ دمشق (7/ق 271) ـ 274) ، ووفيات الأعيان (2/404) ، وتهذيب الكمال (11/355) وسير أعلام النبلاء (12/203) وتذكرة الحفاظ (2/591) ، وطبقات الشافعية (2/293) والبداية والنهاية (11/54) وتهذيب التهذيب (4/298) ، وشذرات الذهب (2/167) .(2/1)
قد ألف كتابه السنن قبل الأربعين من عمره ، وذلك في حياة شيخه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وعرضه عليه ، فاستجاده واستحسنه .
وهمة أبي داود جمع الأحاديث التي استدل بها فقهاء الأمصار , وبنوا عليها الأحكام , فصنَّف سننه , وجمع فيها الصحيح والحسن واللين والصالح للعمل ، وهو يقول : ما ذكرت في كتابي حديثاً أجمع الناس على تركه . وما كان منها ضعيفاً صرح بضعفه , وما كان فيه علة بينها , وترجم على كل حديث بما قد استنبط منه عالم , وذهب إليه ذاهب ، وما سكت عنه فهو صالح عنده ، وأحوج ما يكون الفقيه إلي كتابه .
وعن سنن أبي داود واشتماله على معظم الأحاديث الصحيحة :قال أبو داود ( كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ماضمنته كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثماني مائة ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ) .
وقال الخطيب : ( فأما السنن المحضة فلم يقصد أحدٌ جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود )
وقال الخطابي ..( فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه مالم يعلم متقدما سبقه إليه ولا متأخرا لحقه فيه(
وقال النووي : ( فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه _ أي في السنن – مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه )
منهجه في إيراد ا لأحاديث :
أبو داود ـ رحمه الله ـ أراد أن يقصر كتابه هذا على أحاديث الأحكام فقط ، لأنه يرى أنها هي التي يرتكز عليها العمل .فانظر إليه في رسالته لأهل مكة إذ يقول في مقتطفات من كلامه :
وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء يبين المنكر .
ولا أعرف أحدا جمع على الاستقصاء غيري .
وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومنه مالا يصح سنده .
ما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض ، وهذا لو وضعه غيري لقلت أنا فيه أكثر .(2/2)
وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح إلا وهي فيه إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث ولا يكاد يكون هذا .
ولا أعلم شيئا بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب ولا يضر رجلا أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذه الكتب شيئا وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره
وإذا لم يجد في الباب حديثاً صحيحاً فإنه يورد في الباب أحاديث غير صحيحة .
فدلّ هذا على أن الأحاديث في سنن أبي داود على ثلاثة أقسام :
1 ـ فمنها الصحيح وما يشابهه ولعله الحسن .
2 ـ ومنها الضعيف الذي ضعفه شديد ، فهذا يذكر أنه يبينه أي ينص على أن هذا الحديث ضعيف بكلامه في أحد رواته أو قدحه بذلك الحديث نفسه .
3 ـ ونستخلص من هذا نوعاً ثالثاً ـ كما يقول الحافظ ابن حجر ـ وهو أنه مالم يكن فيه وهن شديد فإنه يسكت عنه .
ثم ذكر أن ما سكت عنه فهو " صالح " ، واضطربت عبارات العلماء واختلفت مشاربهم في توضيح هذه العبارة التي ذكرها أبو داود وماذا يريد بكلمة صالح . ونلخص أقوال هؤلاء العلماء في نقطتين :
هل يعني بصالح أنه صالح للاحتجاج ، أو أنه صالح للاعتبار ؟
وصالح للاحتجاج بمفرده ، أي : حينما يُورده يمكن أن يحتج به في ذلك الباب . أو صالح للاعتبار ، بمعنى : أن فيه ضعفاً يسيراً ، ولكنه يصلح لأن يتقوى وينجبر ضعفه بتعدد الطرق .
فهل يا ترى أراد أبو داود هذا المعنى أو ذلك المعنى ، صالح للاحتجاج أم صالح للاعتبار ؟
و هل هذه الأحاديث التي سَكت عنها أبو داود ـ وفيها وَهن شَديد ولم يُبينها ـ كثيرة ؟
الجواب : لا ، إنما هي أحاديث قليلة ، ولعلّ النادر لا حكم له ولا يقاس عليه.
أما الأحاديث التي سكت عنها وهي ضعيفة ، فهي كثيرة في كتابه السنن ، وهذا يدفعنا إلى توجيه عبارته على أنه يقصد بصالح ، أنه صالح للاعتبار لا صالح للاحتجاج .(2/3)
وقد اختلفت الآراء في قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح" هل يستفاد منه أن ما سكت عليه في كتابه هل هو صحيح أم حسن؟ وقد اختار ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن يحكم عليه بأنه حسن ما لم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن.
وفي مكانة هذا الكتاب فقد أبلغ زكريا الساجي حين قال: "كتاب الله أصل الإسلام، وسنن أبى داود عهد الإسلام".
وقال ابن الأعرابي_ أحد رواة السنن عن أبي داود _ :( لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب
أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم )
روايات السنن :
أشهر هذه الروايات رواية اللؤلؤي ، ورواية ابن داسة ، ورواية ابن الأعرابي ، ورواية ابن العبد . أما رواية ابن العبد ، فالذي يظهر أنها مفقودة ، والمشهور من هذه الروايات روايتان هما : رواية اللؤلؤي ، ورواية ابن داسة .ولكن رواية اللؤلؤي مقدمة على غيرها من الروايات ، والسبب أن اللؤلؤي أطال الملازمة لأبي داود وكان هو الذي يقرأ السنن حينما يعرض أبو داود كتابه السنن على طلبة العلم في كل العرضات ، ومع ذلك فآخر عرضة عرضت على أبي داود في السنّة التي توفي فيها في سنة خمس وسبعين ومئتين كانت بعرضة اللؤلؤي .
استدراك وتنبيه :
أستدرك شيئاً وهو أن كتاب المراسيل الذي طُبع على حدة ، يظن بعض الناس أنه كتاب مستقل ! فأبو داود ألّف كتاب السنن وألف كتاب المراسيل .والصحيح : أن هذا الكتاب عبارة عن جزء من كتاب السنن ، ولكنه أفرد على حدة.(2/4)
وقد كتب عنه شيخه الإمام أحمد بن حنبل حديث العتيرة، وهو الحديث الذي رواه عن عن أبي العشر الدارمي عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها. قال بن أبي داود قال أبي: فذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: هذا حديث غريب وقال لي: اقعد فدخل فأخرج محبرة وقلماً وورقة وقال: أمله علي فكتبه عني، قال: ثم شهدته يوماً آخر وجاءه أبو جعفر بن أبي سمينة فقال له أحمد بن حنبل: يا أبا جعفر، عند أبي داود حديث غريب اكتبه عنه، فسألني فأمليته عليه.
وقد أقبل العلماء على كتاب سنن أبي داود بالشرح والتعليق والدراسة، فمن هذه الشروح ما يلي:
- "معالم السنن": لأبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة، أوله: (الحمد لله الذي هدانا لدينه وأكرمنا بسنة نبيه... الخ)، وقد لخصه الحافظ شهاب الدين أبو محمود، أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي، المتوفى سنة خمس وستين وسبعمائة، وسماه: (عجالة العالم من كتاب المعالم).
- "مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود": للحافظ السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة من الهجرة.
- "فتح الودود على سنن أبي داود": لأبي الحسن السندى، المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.
- "إنحاء السنن واقتفاء السنن في شرح سنن أبي داود": لأحمد بن محمد المقدسي الخواص، المتوفي سنة 765هـ.
- "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": لمحمد شمس الحق عظيم آبادى.
وقد اختصرها زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي الحافظ المنذري، المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة، وسماه: (المجتبى)، وألف السيوطي عليه كتابا سماه: (زهر الربى على المجتبى)، وله عليها حاشية أيضا.
وهذبه أيضا محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي، المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
ثناء العلماء عليه:(2/5)
حاز أبو داود على إعجاب معاصريه وثقتهم، وقد عدّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقال عنه إبراهيم الحربي لما صنف كتاب "السنن": "أُلِين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد"، وكذلك قال محمد بن إسحاق الصاغانى.
وقريب من ذلك أيضا عبر الحافظ موسى بن هارون فقال: "خلق أبو داود في الدنيا للحديث وفي الآخرة للجنة، ما رأيت أفضل منه".
وأبلغ منه ما ذكره الحاكم أبو عبد الله يوم أن قال: "أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة".
وجمع فأوعى أبو بكر الخلال حين قال: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الإمام المقدم في زمانه رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعها أحد في زمانه، رجل ورع مقدم.. وكان إبراهيم الأصبهاني وأبوه بكر صدقة يرفعون من قدره ويذكرونه بما لا يذكرون أحداً في زمانه مثله".
وليس أدل على ذلك كله من صنيع سهل بن عبد الله التستري حين جاءه فقيل له: يا أبا داود، هذا سهل بن عبد الله قد جاءك زائراً، قال: فرحب به وأجلسه، فقال سهل: يا أبا داود، لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتى تقول قضيتها مع الإمكان، قال: قد قضيتها مع الإمكان، قال: أخرج لي لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبله، قال: فأخرج له لسانه فقبله.
وحقا قالوا وصدقوا، فقد أخبر عنه أحمد بن محمد بن ياسين الهروي فقال: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني كان أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله وسنده في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع، من فرسان الحديث.
وقد روى عنه ابنه ابن أبى داود فقال: سمعت أبى يقول: "خير الكلام مادخل الأذن بغير إذن".
ورحمه الله يوم أن تسربل بسربال الحكماء فقال: "الشهوة الخفية حب الرياسة".
ـــــــــــــــــــ
مراجع البحث:
- الذهبي: تذكرة الحفاظ.
- الذهبي: العبر في خبر من غبر.(2/6)
- ابن خلكان: وفيات الأعيان.
- الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد.
- حاجي خليفة: كشف الظنون.
- الباباني: هدية العارفين.
- ابن منظور: لسان العرب.
- الزركلي: الأعلام.
قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة الذين خرجوا وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة البخاري ومسلم ثم أبو داود والنسائي
قال ابن داسة سمعت أبا داود يقول ذكرت في " السنن " الصحيح وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته
قلت فقد وفى رحمه الله بذلك بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد ووهنه غير محتمل وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل فلا يلزم من سكوته الحالة هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده
قال الحافظ زكريا الساجي كتاب الله أصل الإسلام وكتاب أبي داود عهد الإسلام
قال الحافظ أبو بكر الخطيب كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله وقد رزق القبول من كافة الناس وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم.
كذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل العجب فضربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل . قال ابن الأعرابي لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم . قال الخطابي وهذا كما قال لا شك فيه فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لم يعلم متقدما سبقه إليه ولا متأخرا لحقه فيه . قال النووي في القطعة التي كتبها من شرح سنن أبي داود ينبغي للمشاغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود بمعرفته التامة فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه .
قال في كشف الظنون بعد أن عدد شروح سنن أبي داود " قال ابن كثير في مختصر علوم الحديث إن الروايات لسنن أبي داود كثيرة يوجد في بعضها ما ليس في الأخرى "(2/7)
وقال الجلال السيوطي في التدريب شرح التقريب للنووي 1 / 170 " عدة أحاديث كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث وهو روايات أتمها رواية أبي بكر بن داسة والمتصلة الآن بالسماع رواية أبي علي اللؤلؤي "
شُبهت سنن أبي داود بصحيح البخاري من جهة :
1- أن أبا داود يحرص على بيان فقه الحديث كما كان يحرص عليه البخاري ، وله في التبويبات من فقه الحديث يشبه ما للبخاري من بيان فقه الحديث من خلال تبويباته .
2- بيانه للغريب ؛ إذا وردت كلمة غريبة في المتن في بعض الأحيان يبين ويفسر ويشرح هذه الكلمة الغريبة كما يفعل الإمام البخاري أيضًا في مواطن من كتابه الصحيح .
و يُشبَّه بمسلم أمور أخرى وهي :
1- حرصه على تمييز ألفاظ الشيوخ في الصيغ ، فإن مسلمًا كان يفرق بين حدثنا وأخبرنا وألفاظ شيوخه فيها كذلك كان أبو داود يفعل .
2- تدقيقه في المتون ، واختلاف الرواة في ألفاظ المتون ، ولأبي داود في هذا الجانب إبداع بالغ وتدقيق بالغ جدًّا يظهر من أوائل الصفحات في كتابه " السنن " ؛ فإنه إذا سمع من الشيخ حديثًا وفاتته كلمة أثناء سماعه لهذا الحديث فإنه ينبه على ذلك ؛ يسوق المتن ثم يقول : " وكلمة لم أسمعها " .
لكن اختلف العلماء في فهمها على قولين :
القول الأول : وهو الذي يرجحه الخطابي حيث قال في مقدمة كتابه " معالم السنن " : وأما السقيم فهو على طبقات ؛ شرها الموضوع ثم المقلوب – أعني ما قُلب إسناده - ، ثم المجهول ، وكتاب أبي داود خلي منها ، بريء من جملة وجوهها – التي هي الأحاديث الشديدة الضعف - ، فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره ، فإنه لا يألو أن يبين أمره ، ويذكر علته ، ويخرج عن عهدته ، وحكي لنا عن أبي داود أنه قال : ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه " .
أيضًا تقريبًا صرح بذلك ابن الصلاح في كتابه " المقدمة الشهيرة " .(2/8)
أيضًا تبنى هذا الرأي كذلك المنذري ، فقال في مقدمة " الترغيب " : " وأنبه على كثير مما حضرني حال الإملاء مما يتساهل أبو داود في السكوت عن تضعيفه " . أيضًا للإمام النووي في ذلك كلام على هذا الرأي ، وإن كان له رأي آخر هو الصواب وصوبه الحافظ ابن حجر وهو قول النووي : " والحق أن ما وجدناه في سننه مما لم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يُعتمد فهو حسن ، وإن نص على ضعفه من يُعتمد أو رأى العارف بسنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له حكم بضعفه ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود " .
أي أن التصرف الصحيح من كتاب أبي داود أن ندرس هذا الحديث ، فإن وجدنا في إسناده ضعفًا رددناه ، وإن وجدناه مقبولًا قبلناه ، إن وجدنا أحدًا من أهل العلم صححه فهذا ممكن يعتمده الإنسان ويعتمد تصحيح هذا الإمام ، وإن وجدنا أحدًا من أهل العلم ضعفه رددنا هذا الحديث واعتمدنا تضعيفه وقدمناه على مجرد سكوت أبي داود . لكن هناك جماعة من أهل العلم فهموا أن مراد أبي داود بالصالح أنه صالح للاعتبار ، ومن أقدم هؤلاء الإمام الحازمي .
شروحه :
من شروح أبي داود لكنه مخطوط شرح ابن رسلان أحمد بن حسين بن رسلان الشافعي المتوفى سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الهجرة وهو شرح كامل لسنن أبي داود ، وليت هذا الشرح يطبع ؛ لأنه أقدم الشروح الكاملة التي وصلتنا عن أبي داود .
من شروح أبي داود المطروحة " عون المعبود في شرح سنن أبي داود " للعظيم آبادي .
المتوفى سنة تسعٍ وعشرين وثلاثمائة وألف أحد علماء الهند اسم الكتاب عون المعبود وهو أشهر شروح أبي داود وأكثرها تداولاً بين طلبة العلم .
" الْمَنْهَل العَذْب المورود " لمحمود محمد خطاب السبكي أحد علماء الأزهر توفي عليه رحمة الله وله شرح مطول لكنه لم يتم فأتمه ابنه لكن شرح الأب أتقن وأقوى من شرح الابن .(2/9)
" بذل المجهود في شرح سنن أبي داود " لخليل بن أحمد السهارنفوري وهو من علماء الهند توفي سنة ستاً وأربعين وثلاثمائة وألف . اعتني بمعلقاته كما سبق في رسالة علمية في إحدى الجامعات السعودية وطبعت هذه الرسالة في عنوان " تغليق التعليق في سنن أبي داود .
قام بشرح زوائد أبي داود على الصحيحين الإمام البلقيني لكن شرحه هذا لم يطبع أيضاً .(2/10)
للل
جامع الترمذي رحمه الله (1)
اسمه ونسبه :هو الإمام الجهبذ : محمد بن عيسى بن سَوْرة . ونسبته الترمذي : لمدينة " تِرْمٍذ" ، وهي تقع الآن في عصرنا الحاضر في شمال إيران .وفاته ـ رحمه الله ـ كانت في سنة تسع وسبعين ومائتين .وقد ناهز السبعين ، وكان في آخر عمره ضريراً ، وكف البصر إنما طرأ عليه في آخر حياته ، ويقال : إن ذلك بسبب كثرة بكائه ـ رحمه الله ـ من خشية الله .
والذي يظهر أن الترمذي تأخر في طلبه للعلم ، أي بعدما جاوز العشرين ، ولهذا السبب لا نجد عنده من الأحاديث الثلاثية ، سوى حديث واحد ، وهو :" يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر "إلخ .
شيوخه :
ومن كبارهم : الشيخان : البخاري ومسلم ، وأبو داود ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي صاحب السنن ، وأبو زرعة الرازي ، لكننا نجده لازم البخاري كثيراً وأطال ملازمته وتأثر به واستفاد منه ، حتى إنه أصبح يُعرف به ، وقد صرّح هو بأن أكثر ما ذكر في هذا الكتاب من " العلل" مما ناظر به محمد بن إسماعيل البخاري ، وأبا زرعة الرازي .
__________
(1) انظر : ثقات ابن حبان (9/153) ، ووفيات الأعيان (4/278) وتهذيب الكمال (26/250) وسير أعلام النبلاء (13/270) وميزان الاعتدال (3/ت8035) وتهذيب التهذيب (9/987) وشذرات الذهب (2/174) .(3/1)
ونجد البخاري في المقابل يقدر للترمذي حرصه على التلقي ، حتى إنه جعل الترمذي من شيوخه ؛ فقد روى عنه حديث أبي سعيد أن النبي ( قال لعلي رضي الله عنه :" ياعلي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك"(1) قال الترمذي : سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث . بل إن البخاري ـ رحمه الله يقول للترمذي : ما انتفعت ُ بك أكثر مما انفعت بي ، وهذا من تواضعه ـ رحمه الله ـ وإلا فإن الترمذي انتفع بالبخاري كثيراً .
قال عمر بن عَلّك(2) : مات البخاري فلم يُخلِّف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد ، بكى حتى عمي وبقي ضريراً سنين .
منزلة جامع الترمذي :
فرغ الترمذي ـ رحمه الله ـ من الكتاب في آخر حياته ، أي في حال نضجه العلمي ، وبعد أن رسخت قدمه في العلم . قال أبو عيسى: "صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خرسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم ".
قال الإمام اسماعيل عبد الله بن محمد الانصاري بهراة : كتابه عندي أنفع من كتابي البخاري و مسلم ؛ لأن كتابي البخاري و مسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا للمتبحر العالم ، و كتاب أبي عيسى يصل الى فائدته كل أحد من الناس .(3)
__________
(1) رواه الترمذي (3729) وإسناده ضعيف ، فيه عطية بن سعد العوفي الجَدَلي ، ولذا قال الترمذي عن الحديث : " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
(2) انظر : تهذيب التهذيب (9/389) سير أعلام النبلاء (13/273) .
(3) فضائل سنن الترمذي للإسعردي (ج 1 / ص 33)(3/2)
ولذلك يقول الذهبي –رحمه الله- : في الجامع علم نافع ، وفوائد غزيرة ، ورؤوس المسائل ، وهو أحد أصول الإسلام ، لولا ما كدره بأحاديث واهية ، بعضها موضوع ، وكثير منها في الفضائل .ويقول أيضاً : انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب ، والكلبي وأمثالهما . (1)
منهج الترمذي في هذا الكتاب :
قد ذكر الشيخ أحمد محمد شاكر ، في مقدمة تحقيقه لسنن الترمذي أن كتاب الترمذي هذا يمتاز بثلاثة أمور لا تجدها في شيء من كتب السنة - الأصول الستة أو غيرها - :
أولها: أنه يختصر طرق الحديث اختصارًا لطيفًا ، فيذكر واحدًا ويومئ إلى ما عداه ، يقول الشيخ أحمد شاكر : " بعد أن يروي الترمذي حديث الباب يذكر أسماء الصحابة الذين رويت عنهم أحاديث في هذا الباب " . ولا شك أن هذا يدل على إطلاع واسع وحفظ عظيم.
ثانيًا : أنه في أغلب أحيانه يذكر اختلاف الفقهاء وأقوالهم في المسائل الفقهية ، وكثيرًا ما يشير إلى دلائلهم ، ويذكر الأحاديث المتعارضة في المسألة ، وهذا المقصد من أعلى المقاصد وأهمها ، فإن الغاية من علوم الحديث .
ثالثًا : أنه يُعْنَي كل العناية في كتابه بتعليل الحديث ، فيذكر درجته من الصحة أو الضعف ، ويفصل القول في التعليل والرجال تفصيلاً جيدًا ، وبذلك صار كتابه هذا كأنه تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث ، خصوصًا علم العلل وصار أنفع كتاب للعالم والمتعلم ، وللمستفيد والباحث في علوم الحديث .
__________
(1) انظر : سير أعلام النبلاء (13/274) .(3/3)
ولذا فقد نال كتابه على إعجاب العلماء لجمعة بين أمرين :(الصناعة الحديثية ) و( الناحية الفقهية ) ، وهو في ذلك قد تأثر بشيخيه : البخاري ومسلم ، ولذلك حاول أن يجمع بين طريقتيهما ، فالبخاري يركز على (الناحية الفقهية) . ومسلم يركز على (الصناعة الحديثية) . ومن يُطالع كتاب الترمذي يشهد له بالفقه كما يَشهد له أيضاً بالحديث ، فإننا نجده يُورد عقب كل حديث ما يدل على سعة فقهه ـ رحمه الله .
إذاً : مما امتاز به الكتاب كثرة فوائده العلمية وتنوعها ، وفي ذلك يقول ابن رُشَيد : إن كتاب الترمذي تضمن الحديث مصنفًا على الأبواب وهو علم برأسه ، والفقه وهو علم ثان ، وعلل الحديث ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب وهو علم ثالث ، والأسماء والكنى وهو علم رابع ، والتعديل والتجريح وهو علم خامس ، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه وهو علم سادس ، وتعديد من روى ذلك وهو علم سابع ، هذه علومه المجملة ، وأما التفصيلية فمتعددة ، وبالجملة فمنفعته كثيرة ، وفوائده غزيرة (1) .
وكذلك قال أبو بكر بن العربي –رحمه الله- لما شرح الترمذي :وليس فيها – أي كتب الحديث- مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع ، ونفاسة منزع ، وعذوبة مشرع ، وفيه أربعة عشر علماً ؛ فهو قد صنف وأسند وصحح وأسقم ، وعدد الطريق ، وجرح وعدل ، وأسمى وأكنى ، ووصل وقع ، وأوضح المعمول به والمتروك ، وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لأثاره ، وذكر اختلافهم في تأويله ، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه ، وفرد في نصابه . فالقارئ له لا يزال في رياض مونقة ، وعلوم متدفقة متسقة .(2)
الكلام على أحكامه الحديثية ، و على معنى الحديث الحسن وشروطه عند الترمذي
( منهج الإمام الترمذي في أحكامه على الأحاديث في السنن :
__________
(1) مناهج المحدثين / سعد الحميِّد - (ص 71)
(2) عارضة الأحوذي ( 1 / 6 )(3/4)
القسم الأول : قوله حسن صحيح أو صحيح حسن, أو صحيح ، أو صحيح غريب وعكسها, أو صحيح حسن غريب , فالمراد بذلك التصحيح في الغالب, وأعلاها في الغالب قوله : حسن صحيح .
القسم الثاني :ما كان فيه ضعف ويطلق عليه لفظ ( حديث حسن ) مجرداً ، وقد يغتر البعض بإطلاق هذه اللفظة من الإمام الترمذي، ويظن أنه يريد بها الحسن الاصطلاحي عند أهل الاصطلاح وليس كذلك ، بل إن الترمذي عليه رحمة الله إذا أطلق هذه العبارة فإنه يريد أن الخبر ضعيف وليس بصحيح .
ولذا قد يطلق الحفاظ على حديث حسن ويريدون به استقامة متنه وحسنه، مع أنه مردود سنداً. فالترمذي يعقب في بعض المواضع بعد قوله : ( حسن ) فيقول : ( ليس إسناده بمتصل ) ويقول أيضاً بعده : ( ليس إسناده بذاك القائم ) ويقول أيضاً : ( ليس إسناده بذاك ) .
القسم الثالث : إذا أطلق الترمذي على حديث قوله ( غريب ) فإنه يريد بها أن هذا الحديث فيه ضعف أشد مما يضعفه بقوله ( حسن غريب ) أو قوله ( حسن ) مجرداً ، فهو يطلق لفظ ( غريب ) وينص على علته في الأحيان ) (1) .
وأما معنى ( الحسن ) لدى الترمذي ؛ فليعلم أن كتابه الجامع يعتبر من أهم مصادر الحديث الحسن ، قال ابن الصلاح : كتاب أبي عيسى أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره(2) . وهو في ذلك قد تأثر الترمذي ـ كذلك ـ بمدرسة علي بن المديني . فعلي بن المديني من أكابر شيوخ البخاري ، والبخاري من أكابر شيوخ الترمذي ، وعلي بن المديني نجده من أول من أكثر من استخدام لفظة (حسن) ، ثم استعملها البخاري تأسياً بشيخه علي بن المديني .ثم جاء الترمذي وأكثر من استخدام هذه اللفظة في كتابه وقعّد لهذه اللفظة.
ثم إن الحديث الحسن عنده هو ما تُشترط فيه هذه الشروط :
الشرط الأول : أن لا يكون في إسناده مَن يُتهم بالكذب .
__________
(1) من أشرطة مفرغة للشيخ / عبد العزيز الطريفي
(2) التقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ص 32)(3/5)
الشرط الثاني : وأن لا يكون شاذاً .
الشرط الثالث : ويُروى من غير وجه ، ويقصد بهذا : الحسن لغيره لا الحسن لذاته .
- لكن ما توجيه العلماء لقول الترمذي : " حسن صحيح " ؟
القول الراجح ما اختاره ابن سيد الناس في شرحه لجامع الترمذي المسمى (النفح الشذي) :
أنه ينبغي أن لا يجزم بأن مراد الترمذي هومثلاً : الحُسن اللغوي ، أو أن الترمذي أراد حسناً باعتبار إسناد ، وصحيحاً باعتبار إسناد آخر إلى آخر هذه التوجيهات .
وينبغي أن تقوم دراسة متأنية لكل حديث من الأحاديث التي أطلق عليها الترمذي هذا الإطلاق ، والدراسة تتلخص في : أ ـ جمع طرق الحديث وأقوال العلماء فيه .
ب ـ ثم بعد ذلك تُورد عبارة الترمذي ، فإذا أوردت يمكن أن ينطبق على بعض الأحاديث أنه فعلاً حسن باعتبار بعض الأسانيد ، وصحيح باعتبار بعض الأسانيد الأخرى .
أهم شروحه:
1. عارضة الأحوذي، لأبي بكر بن العربي المالكي.
2. شرح ابن سيد الناس، ولم يتمه، وأتمه الحافظ العراقي المتوفي سنة 806هـ.
3. شرح الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد، المعروف بابن رجب الحنبلي ت795هـ.
4. تحفة الأحوذي، لعبد الرحمن المباركفوري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : «إن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح. حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما بلا نزاع .(1) فهذه العبارة من هذا الإمام تفيدنا أمرين : الأول أن أحكام الترمذي الحديثية ليست بذاك ، وثانياً : أنها أعلى درجة من المتساهلين كالحاكم .
__________
(1) الفتاوى الكبرى (1\97)(3/6)
لكن إليك بعض ما قيل حول تساهل الترمذي في التوثيق ؛ فقد قال الذهبي: «فلا يُغتَرّ بتحسين الترمذي. فعند المحاقَقَةِ غالبُها ضعاف».(1) وقال : « يترخّص في قبول الأحاديث، ولا يُشدّد. ونفَسهُ في التضعيف رَخو».(2) وقال: «نَفَسُه في التجريح ضعيف».(3) وقال «والترمذي يتساهل في الرجال».(4) وقال ابنُ دِحْيَة : « وكم حَسّن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية!».(5) وقال ابن القيم «الترمذي يصحّح أحاديثَ لم يتابعه غيره على تصحيحها. بل يصحّح ما يضعّفه غيره أو ينكره»، ثم ضرب عدة أمثلة . (6)
ورد هذه العبارة العراقي برد قوي في شرحه لجامع الترمذي حيث قال : ما نقله عن علماء من أنهم لا يعتمدون على تصحيح الترمذي ليس بجيد ، ومازال الناس يعتمدون تصحيحه . هذا كلام العراقي يرد على الذهبي .(7)
وقد حاول بعض المعاصرين الاعتراض على كلام الذهبي رغم قوته. فكتب الدكتور عبد الرزاق الشايجي كتاباً بعنوان "منهج الحافظ الترمذي في الجرح والتعديل" هو إعادة لكتاب شيخه الدكتور نور الدين عتر "الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين"، وكأنه فهم من دعوى التساهل إسقاط أحكام الترمذي، مع أن الذهبي لم يقصد ذلك، بل المقصود أن تصحيحه في بعض التساهل، فيجب إعادة النظر فيه. يؤكد ذلك ، ويؤيده أن الذهبي نفسَه قد قال في الموعظة : ( الثقة ؛ إن صَحَّح له مثلُ الترمذيِّ وابنِ خزيمة فجيِّدُ أيضاً ) . (8)
__________
(1) ميزان الاعتدال (7\231)
(2) في السير (13\276)
(3) تاريخ الإسلام (ص460)
(4) تاريخ الإسلام (ص352)
(5) نصب الراية (2\217)
(6) الفروسية (ص243)
(7) انظر وقارن بتوضيح الأفكار - (ص 170)
(8) الموقظة في علم مصطلح الحديث - (ص 17)(3/7)
ولذا نص على اعتماد تصحيح الترمذي ابن الصلاح لما ذكر الصحيحين قال : ونستفيد هذه الأحاديث الصحيحة الزائدة عن الصحيحين من عددٍ من الكتب ذكر من بينها تصحيحات الترمذي .(1)
فالقول الصحيح في الترمذي - والعلم عند الله - أنه من المعتدلين نص عليه من المعاصرين الشيخ عبد الكريم الخضير والمحدث عبد الله السعد.
__________
(1) من أشرطة مفرغة للشيخ حاتم بن عارف العوني ، بعنوان : مصادر السنة ومناهج مصنفيها .(3/8)
للل
سنن النسائي- رحمه الله -
اسمه ومولده :
... هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخرساني النسائي القاضي .
ولد – رحمه الله – في مدينة نسا في عام خمسة عشر ومائتين .
نشأته وطلبه للعلم :
... طلب العلم منذ الصغر ، ولذلك يعتبر إسناده عالياً في بعض الشيوخ ، ومن جملتهم قتيبة بن سعيد . وقد عرف بالحفظ والإتقان حتى إن الذهبي قدمه على مسلم ، ووافقه على ذلك تقي الدين السبكي .
... وكان موسر الحال ، ولذا كان متزوجاً بأربع نسوة، ويضيف إليهن من السرايا .وكان مع هذا صاحب عبادة ، وقد ذكر أنه كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، ومع هذا كان في وجهه شيء من البهاء والنضرة المشوبة بالحمرة .
ومن الطرائف في ترجمة الإمام النسائي أنه مُتَرجَم في كتب متعددة من كتب تواريخ البلدان المحلية ؛ لأنه دخل بلدان كثيرة من بلدان العالم الإسلامي ، فلا تكاد تجد تاريخًا من تواريخ البلدان المحلية إلا وقد تُرجم له فيها .
ثناء العلماء عليه :
ما قاله الحافظ أبو علي النيسابوري:الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال أبو الحسن الدار قطني : أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
وكان أبو بكر بن الحداد كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائي وقال : رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى .
قال أبو سعيد ابن يونس في تاريخه كان أبو عبد الرحمن النسائي إماما حافظا ثبتا.
قال أبو عبد الله بن منده الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة البخاري ومسلم وأبو داود وأبو عبد الرحمن النسائي.
وقال الدارقطني : هو أفقه مشايخ مصر في عصره مع أنه كان في عصره كبار الفقهاء .
وقال الإمام الذهبي : لم يكن على رأس ثلاثمائة أحفظ من النسائي أبدًا ، وهو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ومن الترمذي ومن أبي داود، وهو جارٍ في مضمار البخاري ، وأبي زرعة .
شيوخه(4/1)
أعلاهم وأكثرهم أخذاً منه وملازمة له : قتيبة بن سعيد ؛ فقد روى عنه ما يزيد على سبع وسبعين وستمائة حديث.
ومن شيوخه : البخاري ، وقرين البخاري " محمد بن يحيي الذهلي " فقد أخذ عنهما علم الجرح والتعديل .
وأيضًا من شيوخه : " أبو حاتم الرازي " ، و " أبو زرعة الرازي " وكلاهما مشهوران بعلم علل الحديث .
تلاميذه :
... ومن هؤلاء : ابن حبان صاحب "الصحيح" ، والعقيلي صاحب "الضعفاء" ، وابن عدي صاحب "الكامل" ، والدولابي – ومع العلم بأنه من أقران النسائي– وهو صاحب كتاب الأسماء والكنى " ، والطحاوي صاحب "شرح معاني الآثار" و "مشاكل الآثار" وصاحب "الطحاوية" ، وأبو عوانة صاحب "المستخرج على صحيح مسلم" ، والطبراني - صاحب "المعاجم الثلاثة" ، وابن السني صاحب "عمل اليوم والليلة" وهو أحد رواة السنن .
وفاته : قيل : إنه توفي بالرملة في فلسطين سنة ثلاث وثلاثمائة للهجرة .
كتابه السنن والثناء عليه:
... وهذا الكتاب كبير جداً، له عدة روايات ، والذين رووه عن النسائي كثرة ، من جملتهم – كما ذكر ابن حجر – :
عبد الكريم الذي هو ابن النسائي .
ومنهم ابن السني أبو بكر أحمد بن محمد الذي اشتهرت روايته .
... ولأهمية سنن النسائي وإعجاب العلماء بها نجد أن هناك من أطلق عليها الصحة ، فسماها باسم " الصحيح " ، من هؤلاء أبو عبد الله بن منده ، وابن السكن ، وأبو علي النيسابوري ، والدار قطني ، وابن عدي ، والخطيب البغدادي .
ومن ثناء العلماء على كتابه السنن :
قول ابن الرشيد : "كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة للسنن تصنيفاً وأحسنها ترصيفاً " .
ويقول عبد الرحيم المكي : " إنه أشرف المصنفات كلها ، وما وضع في الإسلام مثله" وهذه العبارة قد يكون فيها شيء من المبالغة.
تشدده في الجرح والتعديل :(4/2)
قال أحمد بن محبوب الرملي : سمعت النسائي يقول : لما عزمت على جمع السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشئ ، فوقعت الخيرة على تركهم فنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيها عنهم .
وقال الحافظ أبو طالب : أحمد بن نصر شيخ الدار قطني :( من يصبر على ما يصبر عليه النسائي ؟ كان عنده حديث ابن ليهعة ترجمة ترجمة فما حدث منها بشئ ) .(1)
ونجد أنه من شدته في الجرح تجنب إخراج أحاديث جماعة ممن أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحهما ، وهذا التشدد أفاده في انتقاء الأحاديث في سننه الكبرى ، وهذا التشدد هو الذي دعاه إلى ترك مثل حديث ابن لهيعة ، حتى إن بعض العلماء مثل الدار قطني وغيره انبهروا من صنيعه ؛ لأن ابن لهيعة يعتبر من قدماء شيوخ قتيبة بن سعيد ؛ فيصبح عنده أسانيد عَلِيَّة من هذا الباب ، فيترك جميع هذه الأسانيد ولا يخرج لابن لهيعة شيئاً .
قال ابن طاهر المقدسي – رحمه الله – عن أحاديث من سنن النسائي : منها أحاديث أخرجها النسائي ، وأوضح علتها بطريقة يفهمها أهل الصنعة .(2)
عنايته بالناحية الفقهية والصناعة الحديثية في كتابه السنن :
... نجد كتاب النسائي – رحمه الله – من الكتب التي عُنيت بالناحية الفقهية ، مع ما تضمنته من الناحية الحديثية. ومن الأدلة تكراره للحديث كثيراً ، كما أنه في أحيان كثيرة يقتصر على موضع الشاهد من الحديث ، ويختصر المتن حينما لا يهمه يقيته في ذلك الموضع .
__________
(1) النكت للحافظ ابن حجر (ص 114)
(2) مناهج المحدثين للشيخ د . سعد الحميِّد(4/3)
... أما بالنسبة للصناعة الحديثية ، فنجده في كثير من الأحيان يُعني بعلل الأحاديث ، كما أن من الفوائد التي تضمنها كتابه كلامه – رحمه الله – في الرواة جراحاً وتعديلاً ، وهذا كثير ، بل إن بعض طلبة العلم في هذا الزمان ذهب ليجمع كلام النسائي في سننه وجعله في كتاب خرج باسم "المستخرج من مصنفات النسائي في الجرح والتعديل" .(1)
هل تنسب السنن الصغرى للنسائي ، أم لتلميذه ابن السني ؟
... هذه مسألة من المسائل التي كثر الكلام فيها .
... وسبب الاختلاف أن سنن النسائي الموجودة نوعان :
... الأول : السنن الكبرى .
... الثاني : السنن الصغرى ، والمساة بـ " المجتبي" أو " المجتني" .
... والاختلاف واقع حول الذي صنف المجتبى – السنن الصغرى – هل هو ابن السني أم النسائي . وفي هذا الاختلاف وقع جدل طويل ينتصر فيه كل فريق لرأيه .
الرأي الأول : هو راي الذهبي، وابن ناصر الدين الدمشقي رحمهما الله تعالى . والذي يظهر من صنيع المنذري والمزي أنهما يريان هذا وإن لم يكونا قالا ذلك صراحة .
الرأي الثاني : وهناك فريق آخر – وهم كثر – كابن الأثير ، وابن كثير ، والعراقي ، والسخاوي ، وغيرهم – يرون أن هذه السنن الصغرى من تصنيف النسائي نفسه .
... وعمدة أصحاب هذا الرأي حكاية جاءت بإسناد منقطع لا تصح ، ويبعد أن تصح عن النسائي حتى لو وردت بإسناد متصل ؛ لأن واقع السنن يخالف مقتضى هذه الحكاية .
... والقصة أنهم يقولون : إن أمير الرملة لما اطلع على السنن الكبرى للنسائي ، سأل النسائي فقال : هل كل ما في هذا الكتاب صحيح ؟ فقال : "لا" . قال : فأخرج لي الصحيح منه ؛ فانتقى هذا المجتبى المسمى بالسنن الصغرى ،ـ وهو المطبوع والمشهور بأيدي طلبة العلم في هذا الزمان.
__________
(1) مصادر السنة ومناهج مصنفيها للشيخ حاتم بن عارف العوني .(4/4)
... إلا أننا نجد هذه الأحاديث المودعة في المجتبى فيها كثير من الأحاديث التي ليست بصحيحة ، بل أحاديث أعلها النسائي نفسه، فكيف يمكن أن يقال : إنه انتقى الصحيح لأجل أمير الرملة ؟
... ولذلك لا ينبغي لطالب العلم أن يتكئ على مجرد إخراج النسائي للحديث ليحكم عليه بالصحة ، بل يمكن أن يستأنس بصنيع النسائي مجرد استئناس إن لم يعل الحديث ، ويمكن أن يطمئن طالب العلم إذا بحث ووجد الإسناد صحيحاً والنسائي لم يبين علته ، فعلى أقل الأحوال ، يقول : لو كان للحديث علة لبينها النسائي مع اجتهادي في طلب الحديث وجمع طرقه والحكم عليه بالصحة .
إذًا ما شرط النسائي في كتابه ؟
شرطه باختصار : أن كل حديث يذكره في هذا الكتاب صحيح إلا إذا أَعَلَّه " ، حتى أن ابن طاهر المقدسي لَمَّا نقل عبارة الدارقطني في وصف " المجتبى " بأنه الصحيح قال : " وكفى بوصف هذا الإمام – الدارقطني – بهذا الكتاب بالصحة " لأن الدارقطني إمام يُقرن بالبخاري في علم العلل ولم يأتِ بعده مثله في علم العلل أبدًا فعلًا .
يقول ابن عِراق : " رأيت بخط الحافظ ابن حجر على هامش مختصر الموضوعات لابن دَرْبَاس ما نَصُّه : " حديث أبي أمامة هذا أخرجه النسائي ولم يُعَلِّله وذلك يقتضي صحته " (1) .
وقال الحافظ ابن حجر في النكت : " وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثًا ضعيفًا ورجلًا مجروحًا , ويقاربه كتاب أبي داود .(2)
ووافقه على ذلك السخاوي والسيوطي وزاد السخاوي فقال : " ولكن إنما أخروه عن أبي دواد والترمذي فيما يظهر لتأخره عنهما في الوفاة بل هو أخر أصحاب الكتب الستة وفاة " .
أهم ثلاثة فروق بين الكتابين:
الفرق الأول : الظاهر من مسمى الكتابين أن السنن الكبرى أوسع وأكثر أحاديث وأبواب من السنن الصغرى.
__________
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 1 / ص 288)
(2) النكت للحافظ ابن حجر (ص 114).(4/5)
الفرق الثاني : أن السنن الكبرى ليس في نقاوة السنن الصغرى من جهة الأحاديث صحة وضعفًا
الفرق الثالث: أن كتاب السنن الكبرى لم يقتصر على أحاديث الأحكام والتبويب لها ؛ ففيه كتاب التفسير والسير وفضائل الصحابة وفضائل القرآن، وغير ذلك مما يدخل تحت ما يسمى بالجوامع .
شروح النسائي :
شاع بين طلبة العلم أنه لم يشرح النسائي أحد إلا ومات قبل أن يتم شرحه ، حتى تَطيَّر بذلك بعض الناس ، لكن هذه العبارة ليست صحيحة ، فهناك شروح تامة لكتاب النسائي إلا إن كثيراً منها فُقِدَ ، فلم نقف إلا على اسمه . وإليكم تفصيلها :
من أقدم هذه الشروح " كتاب المجتبى من المجتنى في رجال كتاب أبي عبد الرحمن النسائي في السنن المأثورة وشرح غريبة " هذا الكتاب لأبي المظفر محمد بن أحمد بن محمد الأبيوردي المتوفى سنة 507هـ قديم جدًا .
يليه في الزمن كتاب " شرح السنن " لأبي العباس أحمد بن أبي الوليد بن رشد المتوفى سنة 563هـ أيضًا من علماء القرن السادس وصف هذا الكتاب بأنه كتاب حافل للغاية ، كبير .
كتاب " الإمعان في شرح مصنف النسائي أبي عبد الرحمن " لأبي الحسن علي بن عبد الله بن النعمة المتوفى سنة 567هـ أيضًا القرن السادس يقول في وصفه محمد بن عبد الملك المراكشي يقول : " بلغ فيه الغاية من الاحتفال وحشد الأقوال , وما أرى أن أحدًا تقدمه في شرح كتاب حديثي إلى مثله توسعًا في فنون العلم وإكثارًا من فوائده وقد وقفت على أسفار منه مدبجه بخطه - يعني بخط المؤلف - " لكن السخاوي من قديم يقل لم أقف على هذا الشرح .
وهذه الكتب السابقة كلها غير موجودة .أما المطبوع المتداول فكما يلي :
" شرح زوائد النسائي " لابن الملقن شيخ الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 804هـ .
الكتاب الموجود والمتداول هو " زهر الربى على المجتبى " للسيوطي وهو شرح مختصر غير مطول .(4/6)
ومن شروح النسائي التي لم تكتمل وهي مطبوعة كتاب " شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية " عنوانه طويل لمحمد المختار بن محمد المختار الجكني الشنقيطي والد الشيخ محمد طبع من هذا الكتاب ثلاث مجلدات والمؤلف توفيَ ولم يكمله هذا يمكن أحد أدلة أصحاب العبارة السابقة .
هناك حاشية نور الدين بن عبد الهادي السندي المتوفى سنة 1138هـ وهي الحاشية المطبوعة مع زهر الربى .
من أواخر الكتب خروجًا : ذخيرة العقبى في شرح المجتبى لفضيلة الشيخ محمد آدم الأثيوبي المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة ، والمؤلف فيما سمعت انتهى من قرابة أربعة عشر مجلد ومازال الكتاب إن شاء الله يخرج تباعًا.(1)
__________
(1) مصادر السنة ومناهج مصنفيها للشيخ حاتم بن عارف العوني(4/7)
للل
سنن ابن ماجه-رحمه الله -(1)
ترجمة ابن ماجه ؛ اسمه ونسبه ومولده ووفاته :
... هو أبو عبد الله محمد بن زيد الربعي مولاهم – أي مولى ربيعة – ابن ماجة القزويني الحافظ . يقال له : ابن ماجة بإسكان الهاء .ولد – رحمه الله – سنة تسع ومائتين للهجرة . وكانت وفاته – رحمه الله تعالى – في العشر الأواخر من رمضان لسنة ثلاث وسبعين ومائتين للهجرة ، فعمره حينئذ أربع وستون سنة .
قال محمد بن الأسود القزويني يرثيه :
محمد الذي إن عد يوما **مصابيح الدجى عد ابن ماجة
فما أدرى لمن آسى حياتي ... لفقدي العلم أو فقدي ابن ماجة .
الثناء عليه
يقول عنه أبو يعلى الخليلي : ثقة كبير، متفق عليه. ويقول عنه الرافعي في " التدوين في أخبار قزوين " : إمام من أئمة المسلمين كبير متقن مقبول بالاتفاق . وقال عنه الذهبي في " سير أعلام النبلاء " : الحافظ الكبير الحجة المفسر حافظ قزوين في عصره ، كان حافظًا ناقدًا صادقًا واسع العلم .
منزلة كتابه السنن :
يقول الرافعي(ت 623هـ): ويقرن سننه بالصحيحين، وسنن أبي داؤد النسائي وجامع الترمذي (2)
__________
(1) انظر : السابق واللاحق : 118 ، وتهذيب الكمال (27/40) ، وسير أعلام النبلاء (13/277) ، وتذكرة الحافظ (2/636) ، وتهذيب التهذيب (9/530) ، والبداية والنهاية (11/52) ، وتاريخ دمشق (16/63/ب) ، ووفيات الأعيان (4/479) ، وشذرات الذهب (2/64) .
(2) التدوين في أخبار قزوين - (ج 1 / ص 185)(5/1)
ولما ألف – رحمه الله –السنن قال : عرضت السنن على أبي زرعة الرازي ، فنظر فيها فقال : " أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع وأكثرها" ثم قال : "لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف" . وهذه العبارة غريبة جداً من مثل أبي زرعة الرازي – رحمه الله– ولذلك قال الذهبي في سير نبلائه(1) : " وقول أبي زرعة – إن صح – فإنما عنى بثلاثين حديثاً : الأحاديث المطروحة الساقطة ، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكيرة ، ولعلها نحو الألف" . وهذه الإحصائية أقرب إلى الصواب .
فتبين أن ابن ماجه ليس له شرط من جهة الصحة والضعف ، وذلك يعني أن رجاله لم يلتزم فيهم أن يكونوا من المقبولين ، بل ربما تخفف عن طلب العلو حتى أن الثلاثيات التي هي خمسة أحاديث فقط ، وكلها بهذا الإسناد التالي : حدثنا جبارة بن الْمُغَلِّس عن كثير بن سليم عن أنس بن مالك ( عن النبي ( . وهي بهذا الإسناد ضعيفة .
مميزات الكتاب :
هذا الكتاب من مميزاته التي حمدت له أنه حسن الترتيب ، فقد سرد الأحاديث باختصار من غير تكرار .
قال الشيخ الملك صديق حسن خان عن الشيخ عبد الحق الدهلوي : ( كتابه واحد من الكتب الإسلامية التي يقال لها الأصول الستة والكتب الستة والصحاح الستة قلت والأمهات الست وإذا قال المحدثون رواه الجماعة يرادون به رواية هذه الرجال الستة في تلك الكتب الستة وإذا قالوا رواه الأربعة فمرادهم هذه الأربعة غير البخاري ومسلم وله عدة أحاديث ثلاثيات أوردها في سننه . وقال ابن الأثير كتابه كتاب مفيد قوي النفع في الفقه لكن فيه أحاديث ضعيفة جدا بل منكرة حتى نقل عن الحافظ المزي أن الغالب فيما تفرد به الضعف .(2)
__________
(1) انظر : سير أعلام النبلاء (13/278) .
(2) الحطة فى ذكر الصحاح الستة - (ج 1 / ص 214)(5/2)
ومقولة المزي هذه اتكأ عليها كثير من العلماء ، وقد نقلها الحافظ ابن القيم – رحمه الله –فقال :: وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجّاجِ الْحَافِظُ الْمِزّيّ : هَذَا تَصْحِيفٌ مِنْ الرّوَاةِ إنّمَا هُوَ أَصَلّيْتَ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ فَغَلِطَ فِيهِ النّاسِخُ . وَقَالَ وَكِتَابُ ابْنِ مَاجَهْ إنّمَا تَدَاوَلَتْهُ شُيُوخٌ لَمْ يَعْتَنُوا بِهِ بِخِلَافِ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ فَإِنّ الْحُفّاظَ تَدَاوَلُوهُمَا وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِهِمَا وَتَصْحِيحِهِمَا قَالَ وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِ أَغْلَاطٌ وَتَصْحِيفٌ .".(1)
وقد تعقبها ابن حجر - رحمه الله تعالى – فقال : وليس كذلك فإن فيها شيئاً كثيراً لا يصلح للاحتجاج به بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به من حديث المتروكين .
وإذا تقرر هذا فسبيل من أراد أن يحتج بحديث من السنن أو بأحاديث من المسانيد واحد إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة ، فهذا المحتج إن كان متأهلاً لمعرفة الصحيح من غيره ، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علماً بذلك . وإن كان غير متأهل لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين أو صرح أحد من الأئمة بصحته ، فله أن يقلد في ذلك . وإن لم يجد أحداً صححه ولا حسنه فما له أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر (2)
إضافة سنن ابن ماجه للكتب الخمسة :
__________
(1) زاد المعاد - (ج 1 / ص 417)
(2) النكت للحافظ ابن حجر - ( ص 100)(5/3)
... لم يخالف أحد من العلماء في كون الكتب الخمسة هي دواوين الإسلام المشهورة ، ولكن اختلفوا في سادس هذه الكتب ، وأول من عده في الأمهات الست هو الإمام محمد بن طاهر المقدسي المتوفى سنة 507هـ , وتبعه على ذلك ابن عساكر عليه رحمة الله المتوفى سنة 571هـ ؛ فعمل أطرافًا للكتب السنن الأربعة إليها سنن ابن ماجه .
وقد صرح الحافظ ابن حجر بالسبب الذي من أجله عد ابن طاهر كتاب سنن ابن ماجه سادسًا ولم يعد غيره من الكتب فقال : " وإنما عدل ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيره جدًا بخلاف ابن ماجه فإن زيادته أضعاف زيادات الموطأ ؛ فأردوا بضم كتاب ابن ماجه إلى الكتب الخمسة تكثير عدد الأحاديث " (1) .
تنبيه : ومن الأمور التي يحسن التنبيه عليها بالنسبة لسنن ابن ماجه أن بعض الناس يظن أن جميع الأحاديث المروية قي هذا الكتاب المطبوع المتداول بأيدي الناس من رواية ابن ماجه ، والحقيقة أن هناك بعض الزيادات التي زداها أبو الحسن القطان الذي هو الراوي للسنن عن ابن ماجه .
شروح سنن ابن ماجه :
أول من قام بشرحه كما نعلم هو المصري مغلطاي بن قليج المتوفى سنة 672هـ واسم كتابه " الإعلام بسنته عليه السلام " ويقع في أربع مجلدات ، وهو مخطوط إلا أن المؤلف توفيَ ولم يكمله .
شرح سنن ابن ماجه أيضًا ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ ولا نعرف عن شرحه شيء إلا أن السندي صاحب الحاشية على ابن ماجه نقل منها هذا يعني أنها كانت موجودة إلى فترة قريبة.
كتاب " ما تمس منه الحاجة من سنن ابن ماجه " لابن الملقن المتوفى سنة 804هـ شيخ الحافظ ابن حجر يشرح فيه زوائد سنن ابن ماجه .
كتاب " الديباجة في شرح سنن ابن ماجه " لكمال الدين محمد بن موسى الدميري صاحب " حياة الحيوان " المشهور المتوفى سنة 808هـ .
__________
(1) النكت للحافظ ابن حجر - ( ص 115)(5/4)
للسيوطي شرح على سنن ابن ماجه وطبع بتعليق يسير باسم " مصباح الزجاجة ".
و الذي طبع من شروحه هو " حاشية محمد بن عبد الهادي السندي " المشهور بأبي الحسن السندي المتوفى سنة 1138هـ وهو مطبوع مع سنن ابن ماجه في مصر .(5/5)
للل
موطأ الإمام مالك - رحمه الله تعالى -
ترجمة مؤلفه:
طلب مالك العلم، وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا، وجلس للافادة، وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري .
ويكفي في فضله حديث عند الترمذي روي مرفوعاً ، وصححه أحمد موقوفاً ، وهو ما جاء عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليضربن الناس أكباد الابل في طلب العلم، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة " (1) .
وكان سفيان بن عيينة يفسره بمالك ، أو يقول: كانوا يرونه . وذكر أبو المغيرة المخزومي أن معناه: ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة.
ثناء العلماء عليه :
عن ابن عيينة قال: مالك عالم أهل الحجاز، وهو حجة زمانه. وقال لما بلغه وفاته ما ترك على الأرض مثله .
وقال الشافعي - وصدق وبر - : إذا ذكر العلماء ؛ فمالك النجم (2) .
قال ابن هرمز - شيخه فيه - : إنه عالم الناس .
وقال ابن عيينة أيضاً : مالك إمام ومالك عالم أهل الحجاز، ومالك حجة في زمانه ومالك سراج الأمة، وما نحن ومالك إنما كنا نتبع آثار مالك . (3)
ومن أقواله الجليلة الجميلة :
- ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .
__________
(1) أخرجه أحمد 2 / 299، والترمذي (2682)، وابن حبان (2308)، والحاكم 1 / 91، والبيهقي: 1 / 386 كلهم من حديث سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ورجاله ثقات، إلا أن ابن جريج وأبا الزبير مدلسان، وقد عنعنا، وأعله الامام أحمد بالوقف، كما ذكره ابن قدامة في " المنتخب " ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. وقال الذهبي - هنا – في السير : هذا حديث نظيف الاسناد، غريب المتن.
(2) سير أعلام النبلاء - (ج 8 / ص 55)
(3) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون (1/4) .(6/1)
- طلب العلم حسن جميل، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي، فالزمه .(1)
- قال مالك: ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس ، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل وأهل الجهة من المسجد ، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس ، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم بذلك.(2)
تتلمذ على بعض كبار التابعين كنافع ، وسالم ، والزهري ، وروى عنه عدد كبير جدًا يزيد على ألف راوي .
كتابه الموطأ و مكانة هذا الكتاب بين أهل العلم :
ألَّف كتابه “ الموطأ “ الذي يُعتبر أول كتاب بلغنا رُتِّب على حسب الكتب ، وتحت كل كتاب أبواب تسهيلاً للانتفاع به ، ولذا فإن معنى الموطأ يعني المُسَهَّل.وقد مكث في تأليفه إحدى عشرة سنة .(3)
إن كتاب “ الموطأ “ من يوم أن أُلِّف احتل مكانةً كبيرةً وقد عُرض على مالك من قِبل الخليفة -قيل : إنه أبو جعفر المنصور ، وقيل إنه هارون الرشيد- أن يُلزم العلماء بالإفتاء به إلا أن الإمام مالك لعلمه وإنصافه وعقله أبى ذلك ، ورأى أن لكل عالِم مجتهد رأيه في هذه المسائل ، وأنه لا يحق لأحد أن يُلزِم الناس بكتاب واحد .
وقد أُلحق هذا الكتاب بالكتب الستة ، فعدَّه ابن الأثير ورزين : الكتاب السادس من الكتب الستة بدلًا من سنن ابن ماجه . قال طاهر الجزائري: ولما كان ابن ماجة قد أخرج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث .
ومن العلماء من قدَّمه على الصحيحين ، وهم كثير من علماء المالكية ، ومنهم : ابن عبد البر وأبو بكر بن العربي ، وشاه ولي الله الدهلوي ، ومنهم من جعله في منزلة الصحيحين ، كمغلطاي بن قليج العالِم المملوكي الشهير .
أقوال العلماء في الموطأ :
قال الشافعي : ما بعد كتاب الله كتابٌ أصح من كتاب مالك .
__________
(1) المصدر السابق ( 8 / 96 ) .
(2) ترتيب المدارك وتقريب المسالك - (ج 1 / ص 34)
(3) مصادر السنة ومناهج مصنفيها للشيخ د. حاتم بن عارف العوني(6/2)
وقال الحافظ ابن حجر فيه : لم يرو - أي الإمام مالك - فيه إلا الصحيح عنده . (1)
قال ابن مهدي ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من الموطأ.
قال ابن وهب من كتب موطأ مالك فلا عليه أن يكتب من الحلال والحرام شيئاً.
قال الدراوردي: كنت نائماً في الروضة بين القبر والمنبر فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من القبر متكئاً على أبي بكر وعمر ثم رجع فقمت إليه فقلت له يا رسول الله من أين جئت؟ قال مضيت إلى مالك بن أنس فأقمت له الصراط المستقيم.قال فأتيت مالكاً فأصبته يدون الموطأ فأخبرته بالخبر فبكى .
وروى أبو مصعب أن أبا جعفر قال لمالك : لئن بقيت لأكتبن كتابك كما تكتب المصاحف ثم أعلقها في الكعبة وأحمل الناس عليها. وفي رواية : إن المنصور قال : يا أبا عبد الله ! دوِّن كتباً وجنب فيها شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وأقصد أوسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة.(2)
منهجه في الكتاب :
قال عتيق الزبيري : وضع مالك الموطأ على نحو من عشرة آلاف حديث فلم يزل ينظر فيه سنة ويسقط منه حتى بقي هذا ولو بقي قليلاً لأسقطه كله.
وقال سليمان بن بلال لقد وضع مالك الموطأ وفيه أربعة آلاف حديث أو قال أكثر. فمات وهي ألف حديث ونيف يلخصها عاماً عاماً بقدر ما يرى أنه أصلح للمسلمين وأمثل في الدين.
وقال مالك وقد ذكر له الموطأ : فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة والتابعين وقد تكلمت برأيي على الاجتهاد وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ، ولم أخرج عن جملتهم إلى غيره.
قال صفوان بن عمر بن عبد الواحد عرضنا على مالك الموطأ في أربعين يوماً فقال كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوماً قل ما تتفقهون فيه.
قال أبو داود : قيل لمالك : ليس في كتابك حديث غريب.قال سررتني.
__________
(1) تعجيل المنفعة ( ص 9 (
(2) ترتيب المدارك وتقريب المسالك - (ج 1 / ص 59)(6/3)
وقال أبو زرعة : لو حلف رجل بالطلاق على أحاديث مالك التي بالموطأ أنها صحاح كلها لم يحنث، ولو حلف على حديث غيره كان حانثاً .
قال القاضي : لم يعتن بكتاب من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ فإن الموافق والمخالف اجتمع على تقديره وتفضيله وروايته وتقديم حديثه وتصحيحه .(1)
يقول الإمام الذهبي : وإن للموطأ لموقعًا في النفوس ومهابةً في القلوب لا يوازنها شيء .(2)
البلاغات والمنقطعات والمرسلاته في كتابه :
كتاب “ الموطأ “ فيه أحاديث مرسلة ، وفيه بلاغات كثيرة ، والبلاغات هي مثل المُعلَّقات تمامًا ، يعني تعريف البلاغ هو تعريف المُعلَّق ، وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ، إذا قال الإمام مالك : بلغني عن ابن عمر : هذا بلاغ ، إذا قال : بلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :.هذه البلاغات اعتنى العلماء بوصلها كما اعتنوا بوصل بلاغات البخاري ، وممن اعتنى بها : ابن عبد البر في كتابين له :في كتاب “ التمهيد “ وفي كتابه “ التجريد “ أيضًا وهو كتاب مختصر من كتاب “ التمهيد “ إلا أن هناك أربعة بلاغات لم يقف على وصلها ابن عبد البر في جميع “ الموطأ “ فجاء ابن الصلاح ليصلها .
و هذه البلاغات ليس لها حكم موطأ مالك من القبول ومن الاحتجاج ؛ ولذا يقول عنها الإمام السيوطي في تنوير الحوالك (وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد) . قال الشيخ محمد بن حبيب الشنقيطي رحمه الله في كتابه دليل السالك الى موطأ الإمام مالك : وقد رايت بعض متقني السنن من حاز في كل العلوم خير فن
عزا الى نجل الصلاة أن وصل أربعة الأخبار . فالكل اتصل
__________
(1) المصدر السابق (ج 1 / ص 61)
(2) سير أعلام النبلاء - (ج 18 / ص 203)(6/4)
المتقن هنا هو الشيخ صالح الفلاني في حاشيته على الفية العراقي وقال ان العراقي ذكر ان بلاغات مالك منها مالا يعرف قال ابن حجر وهذا مردود لأن ابن عبدالبر ذكر ان جميع بلاغاته ومراسيله ومنقطعاته كلها موصولة بطرق صحاح الا أربعة أحاديث وقال ابن حجر وقد وصل ابن الصلاح الأربعة في تاليف مستقل وهو عندي وعليه خطه فظهر بهذا ان الكتاب كله موصول ، والرسالة مطبوعة في شرح الزرقاني على الموطأ وهذا الكلام منقول منه والله أعلى وأعلم .(1)
قال بشر بن عمر الزهراني: سألت مالكا عن رجل، فقال: هل رأيته في كتبي ؟ قلت: لا، قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.
قال الذهبي : فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة. ولا يلزم من ذلك أنه يروي عن كل الثقات، ثم لا يلزم مما قال أن كل من روى عنه، وهو عنده ثقة، أن يكون ثقة عند باقي الحفاظ، فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره، إلا أنه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال، رحمه الله(2) .
فعموم أحاديثه المُسندَة أي المتصلة المرفوعة فهي صحيحة ، وكيف لا تكون صحيحة ، ومالك كثيرًا ما يروي أو أغلب أحاديثه ثلاثيات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك ، أو حتى ثنائيات ، فيها كثير من الثنائيات
يقول الفسوي في كتاب “ المعرفة والتاريخ “:ومن كان من أهل العلم ونصح نفسه علم أن كل من وضعه مالك في موطئه وأظهر اسمه ثقة تقوم به الحجة " .
إذاً فكل من أخرج له مالك في “ الموطأ “ فهو ثقة عند الإمام مالك ، فقد يكون ثقةً عنده ضعيفًا عند غيره .
رواة وروايات الموطأ :
__________
(1) التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 33)
(2) سير أعلام النبلاء - (ج 8 / ص 55)(6/5)
بلغ عدد رواة “ الموطأ “ عن الإمام مالك تسعة وسبعين راوي ، لم يبق منها اليوم إلا عدد يسير من هذه الموطآت ، والموجود منها اليوم التالي ذكرها : أشهرها رواية يحيي الليثي ، ورواية محمد بن الحسن الشيباني ، ورواية أبي مصعب الزهري ، وهذه الرواية الأخيرة هي التي قيل إنها من أوسع الروايات .
وقد قيل : إن من أوثق الرواة عن الإمام : الإمام الشافعي ، حيث قال الإمام أحمد : سمعت “ الموطأ “ من بضعة عشر رجلًا من حفَّاظ أصحاب مالك ، فأعدته على الشافعي لأني وجدته أقومهم ، يعني أقوم الرواة .
لكن الحقيقة هذه العبارة تحتاج إلى دراسة اكثر ؛ لأن الإمام أحمد في مُسنده لم يعتمد على رواية الشافعي عن مالك ، وإنما اعتمد على رواية عبد الرحمن بن مهدي عن مالك ، ولم يعتمد رواية الشافعي بل لم يخرج للشافعي عن مالك إلا أحاديث يسيرة جدًا .(1)
شروح الموطأ
اعتنى بشرح هذا الكتاب رواية ودراية ، متناً وسنداً عدد كبير من العلماء ، وقد مرَّ معنا قبل قليل قول القاضي : لم يعتن بكتاب من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ فإن الموافق والمخالف اجتمع على تقديره وتفضيله وروايته وتقديم حديثه وتصحيحه .(2)
لا سيما رواية محمد بن الحسن من قِبَل علماء الحنفية ومنهم :
الملا علي القاري في كتاب “ الفتح المُغطى “ وهو كتاب مخطوط لم يُطبع حتى الآن .
شرح علي القاري وهو من علماء الحنفية.
وكتاب حول رجال الموطأ كتاب “ إسعاف المبطى برجال الموطأ “ للسيوطي .
وهناك كتاب حول فضائل “ الموطأ “ وهو “ كشف المُغطى في فضائل الموطأ “ لابن عساكر الدمشقي “
واختلافات الموطأ “ للدرقطني أيضًا ينص على بعض الاختلافات في المتون في كتاب “ الموطأ “ .
__________
(1) مصادر السنة ومناهج مصنفيها للشيخ د. حاتم بن عارف العوني
(2) ترتيب المدارك وتقريب المسالك (ج 1 / ص 61)(6/6)
من العنايات بكتاب “ الموطأ “ ترتيبه على الأطراف ، مرتبه على الأطراف الداني كما ذكرنا ، وكتابه حُقق رسالة علمية في الجامعة الإسلامية ولم يُطبع بعد ، وكتاب “ إتحاف المهرة بأطراف الكتب العشرة “ للحافظ بن حجر الذي رتب فيه أحد عشر كتاب ، منها كتاب “ الموطأ “ للإمام مالك
أما الشروح للمتن :فهي كثيرة ، من أشهرها :
كتاب “ التمهيد “ لابن عبد البر الأندلسي ، وهو كتاب جليل بأنه من أجل كتب الإسلام ، ومن أعظم الكتب المؤلفة في الإسلام ، وهو من مَرَاجِع المحدِّثين الكبرى .
كتاب “ الاستذكار “ لابن عبد البر أيضاً . وقد يستغرب السامع كيف يشرح مؤلف واحد كتابًا واحدًا ؟ والجواب أن لكل كتابٍ منهما مزية تختلف عن الآخر ؛ حيث إن كتاب “ التمهيد “ أولًا مقتصرًا على الأحاديث المسندة ؛ لا يشرح إلا الأحاديث المسندة ، أما الموقوفات والمقطوعات عن التابعين فإنه لا يشرحها .
أمر آخر : أنه رتَّب هذا الكتاب على حسب شيوخ مالك ، لا حسب ترتيبه ، إلا أن “ التمهيد “ أوسع وأشمل
من “ الاستذكار “ ولذلك كثيرًا من يحيل في “ الاستذكار “ إلى “ التمهيد “
من أشهر شروح “ الموطأ “ :كتاب “ المنتقى في شرح الموطأ “ لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المُتوفى سنة أربع وسبعين وأربعمائة من الهجرة ، وهو كتاب مهم خاصة أن أبا الوليد الباجي كان معاصرًا لابن عبد البر.
من شروح “ الموطأ “ اللطيفة :كتاب “ القبس “ لأبي بكر بن العربي المُتوفى سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة للهجرة ، وهو كتاب لا يُستغنى عنه ، وفيه لطائف ، كتبه ابن العربي بإسلوبه الأدبي البليغ المشهور به .(6/7)
للل
سنن الدارمي- رحمه الله -:
مؤلفه ؛ اسمه وولادته:
هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام بسمرقند، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي السمرقندي. نسبة إلى دارِم بطن كبير من تميم.
كان مولده سنة إحدى وثمانين ومائة (181 ) للهجرة.
الثناء عليه :
قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: غلبنا الدارمي بالحفظ والورع .
وقال رجاء بن مرجى: ما رأيت أعلم بالحديث منه.
و قال الخطيب كان أحد الحفاظ والرحالين موصوفا بالثقة والورع والزهد الى ان قال وكان على غاية العقل وفي نهاية الفضل يضرب به المثل في الديانة والحلم والاجتهاد والعبادة والتقلل .(1)
وقد سئل عنه أحمد فقال للسائل: عليك بذلك السيد.(2)
وقال ابن حبان : كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين ممن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدث وأظهر السنة في بلده ودعا الناس إليها وذب عن حريمها وقمع من خالفها .(3)
وقال عبد الصمد بن سليمان البلخي، سألت أحمد بن حنبل عن يحيى الحماني، فقال: تركناه لقول عبد الله بن عبدالرحمن، لأنه إمام .
وقال محمد بن عبد الله المخرمي: يا أهل خراسان، ما دام عبد الله بن عبدالرحمن بين أظهركم فلا تشتغلوا بغيره .
وقال أبو سعيد الاشج : عبد الله بن عبدالرحمن إمامنا .
وقال محمد بن بشار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله بن عبدالرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى. قلت: وكان بندار يفتخر بكونهم حملوا عنه.
وقال محمد بن إبراهيم بن منصور الشيرازي: كان عبد الله على غاية من العقل والديانة من يضرب به المثل في الحلم والدراية والحفظ والعبادة والزهادة، أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند، وذب عنها الكذب، وكان مفسرا كاملا، وفقيها عالما.(4)
تلاميذه :
__________
(1) العبر في خبر من غبر - (ج 1 / ص 88)
(2) طبقات الحفاظ - (ج 1 / ص 45)
(3) الثقات لابن حبان - (ج 8 / ص 364)
(4) سير أعلام النبلاء - (ج 12 / ص 225)(7/1)
حدث عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي خارج سننه وعبد الله بن احمد بن حنبل .(1)
وفاته :
قال إسحاق بن أحمد بن خلف: كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري، فورد عليه كتاب فيه نعي عبد الله بن عبدالرحمن، فنكس رأسه، ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على خديه، ثم أنشأ يقول:
إن تبق تفجع بالأحبة كلهم * وفناء نفسك لا أبا لك أفجع
قلت ( أي الذهبي ) : قد كان الدارمي ركنا من أركان الدين .(2)
توفي رحمه الله سنة خمس وخمسين ومائتين (255 ) للهجرة يوم التروية، ودفن يوم عرفة يوم الجمعة. وهو ابن أربع وسبعين سنة.
مكانة سنن الدارمي عند المحدثين:
اشتهر سنن الدارمي عند المحدثين بـ(المسند ) على خلاف اصطلاحهم. قال السيوطي في التدريب: "ومسند الدارمي ليس بمسند، بل هو مرتب على الأبواب ".
والمسند يكون مرتباً على أسماء الصحابة، فإطلاق المسند على سنن الدارمي فيه تجَوُّز، والأولى أن يطلق عليه لفظ السنن، لأن السنن في اصطلاحهم: الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها .. وليس فيها شيء من الموقوف، لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة، بل يسمى حديثاً. (3)
قال العراقي: "اشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري كتابه بالمسند، لكون أحاديثه مسندة ".
قال: "إلا أن فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع كثيراً ".
وعن الحافظ العلائي أنه قال: "لو قدم مسند الدارمي بدل ابن ماجه فكان سادساً لكان أولى ".
__________
(1) تذكرة الحفاظ - (ج 2 / ص 535)
(2) سير أعلام النبلاء - (ج 12 / ص 229)
(3) التخريج ودراسة الأسانيد - (ج 1 / ص 18)(7/2)
و أسانيده عالية، وثلاثياته أكثر من ثلاثيات البخاري. وهو من شيوخ البخاري، وقد روى عنه في غير الجامع، ومنهم من يطلق عليها المسند لكون أحاديثها مسندة مطبوع عدة طبعات في مجلدين، وكان الحافظ العلائي يقول : (ينبغي أن يكون كتاب الدارمي سادساً للخمسة بدلاً من سنن ابن ماجة، فإنه قليل الرجال الضعفاء، نادر الأحاديث المنكرة الشاذة، وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة فهو مع ذلك أولى منه).(1)
قال السيوطي في ( التدريب ) : قال شيخ الإسلام - يعني الحافظ ابن حجر : مسند الدارمي ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولي من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير وقال العرافي اشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري كتابه بالمسند لكون أحاديثه مسندة إلا أن فيه المرسل والمقطع والمقطوع كثيراً على أنهم ذكروا في ترجمة الدارمي أن له الجامع والمسند والتفسير وغير ذلك فلعل الموجود الآن هو الجامع والمسند قد فُقِدَ .(2)
قال الحافظ زين الدين العراقي : وأما مسند الدارمى فلا يخفى ما فيه من الضعيف لحال رواته أو لإرساله وذلك كثير فيه .
وقد انتقد العراقيُّ ابنَ الصلاح - لمّا ذكر ضمن "كتب المسانيد" مسند الدارميّ - فقال :(( عدّهُ مسند الدارمي في جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابى وحده وهم منه فانه مرتب الأبواب كالكتب الخمسة واشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخارىّ المسند الجامع الصحيح، وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسنده إلا أن مسند الدارمى كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة والله أعلم.
__________
(1) منهج الإمام البخاري (ص 13)
(2) قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ص 218)(7/3)
قلت ( أي العراقي ) : ومن ادعى تقدم تصنيف البخاري على تصنيف الدارمي فعليه البيان أيضا وكأنه اغتر الحافظ العلائي بكلام مغلطاي فإنه قال ينبغي أن يجعل مسند الدارمي سادسا للخمسة بدل ابن ماجة فإنه قليل الرجال الضعفاء أكثر وأحاديثه الشاذة والمنكر غير نادرة . (1)
الشروح والملخصات على الدارمي :
انتقى من أحاديثه الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى – في كتاب سماه : " الافراد الحسان من مسند الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن "(2)
وللشيخ إبراهيم حمدي عبد الله حفظه الله، أحد مشايخ مصر من كفر الشيخ : شرح كبير على سنن الدارمي. (3)
وكذا العلامة المعمر الفقيه المشارك محمد بن محمد بن محمد الحجوجي الدمناتي الجديدي عمره المولود سنة 1297هـ ، له شرح على سنن الدارمي في عشر مجلدات ضخام .(4)
أشرطة سماحة العلامة ابن باز رحمه الله في شرح سنن الدارمي والحكم على أحاديثه وذلك من دروس الفجر سنة 1410 وما بعدها فقد كان الشيخ رحمه الله يصوب الأخطاء المطبعية بأسانيد الكتاب ومتونه ويحكم على الأحاديث ويعلق عليها بفوائد نفيسة .(5)
ولأحد الإخوة طلبة العلم المصريين شرح سماه (منح العلي شرح سنن الدارمي ) .
__________
(1) التقييد والإيضاح - (ج 1 / ص 57) وانظر: التقييد (ص:56)، وعلوم الحديث لابن الصلاح (ص:34).
(2) نظم العقيان في أعيان الأعيان - (ج 1 / ص 15)
(3) أرشيف ملتقى أهل الحديث 2 - (ج 1 / ص 6350)
(4) أرشيف ملتقى أهل الحديث 5 - (ج 1 / ص 8229)
(5) أرشيف ملتقى أهل الحديث 1 - (ج 1 / ص 10058)(7/4)
ييي
طبقات الحنابلة - (ج 1 / ص 136)
الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى وينهونه عن الردى يحيون بكتاب الله تعالى الموتى وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجهالة والردى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن آثارهم على الناس ينفون عن دين الله عز وجل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الضالين(*) أما بعد : فهذه سياقات جمعت شتاتها لما رأيتها مبثوثة لثلة من أهل العلم وال مبثوثة لثلة من أهل العلم والإنصاف ، قد دعاهم علمهم وإنصافهم أن يقولوا الحق في حق ديوان جليل من دواوين السنة ، ألا وهو مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، وهو بحق كتاب إمام لمؤلف إمام ، بل صدق عليه أن يلقب بـ( إمام أهل السنة والجماعة ) . فإلى الشروع في المقصود ، والله خير معبود ومقصود :
ذيل طبقات الحنابلة - ( 1 / 291)
يا طالباً علم خير العلم مجتهداً ... علم الحديث تحوز اليمن و الرشدا
ما في العلوم له مثل يماثله ... فاطلبه مقتصداً، تسعد به أبدا
فالفقه يبنى عليه، حيث كان إذ ... الأحكام مأخذها منه إذا وجدا
1- مكانة المسند من بين دواوين السنة .
القول المسدد - (ج 1 / ص 3)
هذا المصنف العظيم.. تلقته الأمة بالقبول والتكريم وجعله إمامهم حجة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه
تعجيل المنفعة - (ج 1 / ص 4)(8/1)
قال الحسيني : فإن (الموطأ) لمالك هو مذهبه الذي يدين الله به اتباعه ويقلدونه مع انه لم يرو فيه الا الصحيح عنده وكذلك (مسند الشافعي) موضوع لادلته على ما صح عنده من مروياته * وكذلك (مسند ابى حنيفة) واما (مسند احمد) فانه اعم من ذلك كله واشمل . قال ابن حجر معلقاً ومعقباً:فكأنه اراد انه اكثر هذه الكتب حديثا وهو كذلك لكن فيها عدة احاديث ورجال ليسوا في مسند احمد ففى التعبير بأعم نظر من له رواية في مسند أحمد - ( 1 / 9) مسند الإمام أحمد أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير، ومسموعات وافرة، فجعله إماماً ومعتمداً، وعند التنازع ملجأ ومستنداً .
(*) هذه الخطبة اقتباس من رسالة وجهها الإمام أحمد للإمام مسدد رحمهما الله تعالى .
مقدمة ابن الصلاح - ( 1 / 6) قال ابن الصلاح عن الذين صنفوا كتبهم على هيئة المسانيد كمسند أحمد : عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه، غير متقيدين بأن يكون حديثاً محتج به. فلهذا تأخرت مرتبتها - وإن جلت لجلالة مؤلفيها - عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب، والله أعلم.
الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - ( 1 / 3) لا يوازيه مسند في كثرته وحسن سياقته . قال ابن الصلاح: وهي( السنن ) مع ذلك أعلى رتبة من كتب المسانيد. كمسند عبد بن حُميد، والدارمي، وأحمد .
سير أعلام النبلاء - (11 / 327) قال ابن الجوزي: وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند ، فإنه سيكون للناس إماماً
2- مقصد الإمام أحمد – رحمه الله - من تأليفه .
صيد الخاطر (ص100) قال القاضي أبو يعلى الفراء: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم .(8/2)
الفروسية [ص 264 ] لما ضعف الإمام أحمد حديثاً ؛ اعترض عليه ابنه قائلاً : لقد ذكرته في المسند ، فقال: قصدت في المسند الحديث المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ ولكنك يا بني تعرف طريقتي في المسند لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شئ يدفعه .
طبقات الحنابلة (1 / 71) قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي - رحمه الله - : لم كرهت وضع الكتب ، وقد عملت المسند ؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً ، إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه.
3- قوة أحاديث المسند وشرط الإمام أحمد في إيرادها
تعجيل المنفعة - ( 1 / 6)ومسند أحمد ادعى قوم فيه الصحة وكذا في شيوخه وصنف الحافظ أبو موسى المدينى في ذلك تصنيفاً * والحق أن أحاديثه غالبها جياد والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات ، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد ، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا ، وبقى منها بعده بقية * وقد ادعى قوم أن فيه أحاديث موضوعات * وتتبع شيخنا الإمام الحافظ أبو الفضل العراقي من كلام ابن الجوزي في الموضوعات تسعة أحاديث أخرجها من المسند وحكم عليها بالوضع وكنت قرأت ذلك الجزء عليه ، ثم تتبعت بعده من كلام ابن الجوزي في الموضوعات ما يلتحق به ، فكملت نحو العشرين ، ثم تعقبت كلام ابن الجوزي فيها حديثا حديثاً ، فظهر من ذلك إن غالبها جياد ، وأنه لا يتأتى القطع بالوضع في شئ منها ؛ بل ولا الحكم بكون واحد منها موضوعاً ، إلا الفرد النادر ، مع الاحتمال القوي في دفع ذلك ، وسميته (القول المسدد في الذب عن مسند احمد)(8/3)
الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - ( 1 / 3)وأما قول الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني عن مسند الإمام أحمد: إنه صحيح: فقول ضعيف، فإن فيه أحاديث ضعيفة، بل وموضوعة، كأحاديث فضائل مرو، وعسقلان، والبِرث الأحمر عند حمص، وغير ذلك، كما نبه عليه طائفة من الحفاظ.
ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا - مع أنه لا يوازيه مسند في كثرته وحسن سياقته - أحاديث كثيرة جداً، بل قد قيل إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريباً من مائتين.
صيد الخاطر ( ص 100)كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح ؟ فقلت: نعم.فعظم ذلك على جماعة ينسبون إلى المذهب فحملت أمرهم على أنهم عوام، وأهملت فكر ذلك.وإذا بهم قد كتبوا فتاوى، فكتب فيها جماعة من أهل خراسان، منهم أبو العلاء الهمداني يعظمون هذا القول، ويردونه ويقبحون قول من قاله.فبقيت دهشاً متعجباً، وقلت في نفسي: واعجبا صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضاً. وما ذاك إلا أنهم سمعوا الحديث ولم يبحثوا عن صحيحة وسقيمه، وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد. وليس كذلك ؛ فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء. ثم هو قد رد كثيراً مما روى ولم يقل به ولم يجعله مذهباً له. أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ مجهول !ومن نظر في كتاب العلل الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند ، وقد طعن فيها أحمد.
ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألة النبيذ قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم. قال القاضي - وقد أخبر عن نفسه - كيف طريقه في المسند فمن جعله أصلاً للصحة فقد خالفه وترك مقصده . قلت : قد غمني في هذا الزمان ؛ أن العلماء لتقصيرهم في العلم صاروا كالعامة ، وإذا مر بهم حديث موضوع قالوا قد روي.(8/4)
منهاج السنة النبوية [7 / 97 ] و شرطه في المسند أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده و أن كان في ذلك ما هو ضعيف و شرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه
منهاج السنة النبوية [7 / 223 ] ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول أنه صحيح بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول أنه صحيح بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف بل باطل لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود
الفروسية [ص 247 ] والإمام أحمد لم يشترط في " مسنده " الصحيح ولا التزمه وفي مسنده عدة أحاديث سئل هو عنها فضعفها بعينها وأنكرها
الفروسية [ص 263 ] وهذا باب واسع جداً لو تتبعناه لجاء كتاباً كبيراً . والمقصود أنه ليس كل ما رواه وسكت عنه يكون صحيحا عنده وحتى لو كان صحيحا عنده وخالفه غيره في تصحيحه لم يكن قوله حجة على نظيره وبهذا يعرف وهم الحافظ أبي موسى المديني في قوله : إن ما خرجه الإمام أحمد في مسنده فهو صحيح عنده ؛ فإن أحمد لم يقل ذلك قط ولا قال ما يدل عليه بل قال ما يدل على خلاف ذلك
الفروسية [ص 264 ] لما ضعف الإمام أحمد حديثاً ؛ اعترض عليه ابنه قائلاً : لقد ذكرته في المسند ، فقال: قصدت في المسند الحديث المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ ولكنك يا بني تعرف طريقتي في المسند لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شئ يدفعه . فهذا تصريح منه رحمه الله بأنه أخرج فيه الصحيح وغيره وقد استشكل أبو موسى المديني هذه الحكاية وظنها كلاما متناقضا فقال ما أظن هذا يصح لأنه كلام متناقض لأنه يقول لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شئ يدفعه وهو يقول في هذا الحديث الأحاديث بخلافه . قال : وإن صح فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف لأني طلبته في المسند فلم أجده(8/5)
الفروسية [ص271 ] قال حنبل بن إسحاق : جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه غيرنا وقال لنا : هذا كتاب جمعته من سبع مئة ألف وخمسين ألف حديث فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله ز فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة . قلت : هذه الحكاية قد ذكرها حنبل في تاريخه ، وهي صحيحة بلا شك ؛ لكن لا تدل على أن كل ما رواه في المسند فهو صحيح عنده فالفرق بين أن يكون كل حديث لا يوجد له أصل في المسند فليس بحجة وبين أن يقول كل حديث فيه فهو حجة وكلامه يدل على الأول لا على الثاني وقد استشكل بعض الحفاظ هذا من أحمد وقال في الصحيحين أحاديث ليست في المسند وأجيب عن هذا بأن تلك الألفاظ بعينها وإن خلا المسند عنها فلها فيه أصول ونظائر وشواهد وأما أن يكون متن صحيح لا مطعن فيه ليس له في المسند أصل ولا نظير فلا يكاد يوجد ألبتة .
القول المسدد - (ج 1 / ص 3)فقد رأيت أن أذكر في هذه الأوراق ما حضرني من الكلام على الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث أنها موضوعة وهي في المسند الشهير للإمام الكبير أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إمام أهل الحديث في القديم والحديث والمطلع على خفاياه.. فإن فيه أحاديث ضعيفة كثيرة وإن فيه أحاديث يسيرة موضوعة فبلغني بعد ذلك أن بعض من ينتمي إلى مذهب الإمام أحمد أنكر هذا إنكارا شديدا من أن فيه شيئا موضوعا ، وعاب قائل هذا ، ونقل عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية أن الذي وقع فيه من هذا هو من زيادات القطيعي لا من رواية الإمام أحمد ولا من رواية ابنه عبد الله عنه .. وليعلم المنكر لقولي إن في المسند أحاديث يسيرة موضوعة أنه أنكر علي قولا واجبا على من وجهين : أحدهما أنى سئلت عنه ، والثاني : أن العلماء قالوا لا يجوز رواية الحديث الموضوع إلا مع بيان أنه موضوع . فلنذكر الآن الأحاديث التي نحن بصدد إيرادها بأسانيد الإمام أحمد ليظهر موضع العلة .(8/6)
4- عنايته-رحمه الله-بتنقية المسند من الضعيف حتى وفاته
الفروسية [ص271 ] قال حنبل بن إسحاق : جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه غيرنا وقال لنا : هذا كتاب جمعته من سبع مئة ألف وخمسين ألف حديث فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله ز فارجعوا إليه ، فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة . قلت : هذه الحكاية قد ذكرها حنبل في تاريخه ، وهي صحيحة بلا شك .
من له رواية في مسند أحمد - ( 1 / 10)جاء في محاسن البلقينى: (قال أبو موسى المديني: ولم يخرج أحمد إلا عمن ثبت عنده صدق وديانة، دون من طعن في أمانته . يدل على ذلك قول عبد الله ابنه: سألت أبى عن عبد العزيز بن أبان ؟ فقال: لم أخرج عنه في المسند شيئا، قال أبو موسى: ومن الدليل على أن ما أودعه مسنده احتاط فيه إسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح عنده، ضربه على أحاديث رجال ترك الرواية عنهم في غير المسند).
الفروسية [ ص 266 ] وقد صنف الحافظ أبو موسى المديني كتابا ذكر فيه فضائل المسند وخصائصه قال فيه ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد قد احتاط فيه سندا ومتنا ولم يرو فيه إلا ما صح (يهلك أمتي هذا الحي من قريش ) ..قال أبو موسى وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه فدل على ما قلناه وفي نظائر له قلت هذا لا يدل على أن كل حديث في المسند يكون صحيحا عنده وضربه على هذا الحديث مع أنه صحيح أخرجه أصحاب الصحيح لكونه عنده خلاف الأحاديث والثابت المعلوم من سنته في الأمر بالسمع والطاعة ولزوم الجماعة وترك الشذوذ والانفراد .
5- زيادات ابنه عبد الله ، و اعتناءاته به ، وزيادات القطيعي(8/7)
الكامل لابن عدي - (1 / 136)عبد الله بن أحمد بن حنبل أبو عبد الرحمن ، نبل بأبيه، وله في نفسه محل في العلم، وأحيا علم أبيه من مسنده الذي قرأه عليه أبوه خصوصاً، ولم يقرأ على غيره، ومما سأل أباه عن رواة الحديث فأخبره به، مما لم يسأله غيره ، ولا يرويه ، ولم يكتب عن أحد إلا عن من أمره أبوه أن يكتب عنه.
الأعلام للزركلي - (4 / 65) : له : الزوائد على كتاب الزهد لأبيه، وزوائد المسند ، زاد به على مسند أبيه نحو عشرة آلاف حديث .
سير أعلام النبلاء (13 / 524)وله زيادات كثيرة في " مسند " والده واضحة عن عوالي شيوخه، ولم يحرر ترتيب " المسند " ولا سهله، فهو محتاج إلى عمل وترتيب، رواه عنه جماعة، وسمع أبو نعيم الحافظ كثيرا منه من أبي علي بن الصواف، وعامته من أبي بكر القطيعي، وحدث القطيعي مرات، وقرأه عليه أبو عبد الله الحاكم، وغيره، ولم يكن القطيعي من فرسان الحديث، ولا مجودا، بل أدى ما تحمله، إن سلم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون.
أدب الإملاء والاستملاء - ( 1 / 58)قال يحيى بن معين : دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقلت له أوصني ، فقال : لا تحدث المسند إلا من كتاب .
منهاج السنة النبوية [ 5 / 23 ] في المسند زيادات زادها ابنه عبد الله لا سيما في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فإنه زاد زيادات كثيرة
طبقات الحنابلة (1 / 71)كان صالح قليل الكتاب عن أبيه فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد روى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا ..وقال عبد الله كل شيء أقول قال: أبي فقد سمعته مرتين وثلاثا وأقله مرة.
قال عبد الله بن أحمد : قلت: لأبي رحمه الله لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند ؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه.
6- تعداد أحاديثه ، بين السابقين والمعاصرين .(8/8)
المختصر في أصول الحديث - (1 / 1)قال ابن الجوزي: حصر الأحاديث يَبعُدُ أمانَةً ، غير أن جماعة بالغوا في تَتَبعها وحصروها: قال الإمام أحمد: صح سبعمائة ألف وكسر ، وقال: وقد جمعت في المسند أحاديث انتخبتها من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف ، فما اختلفتم فيه فارجعوا إليه، وما لم تجدوا فيه فليس بحجة. والمراد بهذه الأعداد: الطرق لا المتون.
ذيل طبقات الحنابلة - (1 / 52)قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين الأسدي: وجملة ما وعاه الكتاب أربعون ألف حديث غير ثلاثين - أو أربعين – حديثًا .
من له رواية في مسند أحمد - (1 / 9)فأما عدد أحاديث المسند فهو على اليقين أكثر من ثلاثين ألفا، وقد لا يبلغ الاربعين ألفا
7- كم عدد نسخ المسند ؟
ذيل طبقات الحنابلة - (1 / 52) قال أبو عبد الله الحسين الأسدي: وتحصيل نسخه من مائة ونيف وعشرين جزءًا .
منهاج السنة النبوية [7 / 96 ] هذا مسند أحمد موجود به من النسخ ما شاء الله .
8- الذين اعتنوا بالمسند حفظاً .
سير أعلام النبلاء - ( 21 / 432)قال حنبل بن عبد الله: لما ولدت مضى أبي إلى الشيخ عبد القادر الجيلي، وقال له: قد ولد لي ابن ما أسميه ؟ قال: سمه حنبل، وإذا كبر سمعه (مسند) أحمد بن حنبل، قال: فسماني كما أمره، فلما كبرت سمعني (المسند) وكان هذا من بركة مشورة الشيخ.
طبقات الحنابلة - ( 1 / 230)أبو عبد الله بن بطة.. قيل له: لو اشتغلت بشيء من العربية ، فقال: هذا مسند أحمد يأخذ أحدكم جزءاً شاء ويقرأ علي الإسناد لأذكر المتن أو المتن لأذكر الإسناد ، فاحتشمناه أن نقول له ذلك .
ذيل طبقات الحنابلة - ( 1 / 291)محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن عيسى بن أبي الرجال أحمد بن علي اليونيني البعلبكي، الشيخ الفقيه المحدث. ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين من قرى بعلبك.(8/9)
قال ولده موسى صاحب التاريخ: حفظ والدي " الجمع بين الصحيحين " ، وأكثر " المسند " . يعني مسند الإمام أحمد. وحفظ " صحيح مسلم " في أربعة أشهر. وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد، وحفظ ثلاث مقامات من الحريرية في بعض يوم.وكان يكرر أكثر. " مسند " أحمد من حفظه. وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثاً.
الوافي بالوفيات - ( 6 / 6) عبد الله بن مظاهرٍ، أبو محمد الأصبهاني الحافظ. توفي شاباً وكان آيةً في الحفظ، حفظ المسند كله ..وتوفي سنة أربع وثلاثمائة.
سير أعلام النبلاء - ( 14 / 90)عبيد العجل تلميذ يحيى بن معين.. قال أحمد بن المنادي: كان من المتقدمين في حفظ المسند خاصة..مات سنة أربع وتسعين ومئتين.
9- الذين اعتنوا بالمسند شرحاً وترتيباً .
سير أعلام النبلاء - (13 / 525)فأما الحافظ أبو موسى: فروى منه الكثير في تآليفه، ولم يقدم على ترتيبه ولا تحريره.وأما ابن عساكر: فألف كتابا في أسماء الصحابة الذين فيه على المعجم، ونبه على ترتيب الكتاب.وأما ابن الجوزي: فطالع الكتاب مرات عدة، وملأ تآليفه منه، ثم صنف " جامع المسانيد "، وأودع فيه أكثر متون " المسند "، ورتب وهذب، ولكن ما استوعب.فلعل الله يقيض لهذا الديوان العظيم من يرتبه ويهذبه، ويحذف ما كرر فيه، ويصلح ما تصحف، ويوضح حال كثير من رجاله، وينبه على مرسله، ويوهن ما ينبغي من مناكيره، ويرتب الصحابة على المعجم، وكذلك أصحابهم على المعجم، ويرمز على رؤوس الحديث بأسماء الكتب الستة، وإن رتبه على الأبواب فحسن جميل، ولولا أني قد عجزت عن ذلك لضعف البصر، وعدم النية، وقرب الرحيل، لعملت في ذلك .
طبقات الحنابلة - ( 1 / 201) أبو عمر الزاهد . له كتاب غريب الحديث ، صنفه على مسند أحمد بن حنبل ، وجعل نسخته حداً. قال ابن حجر في لسان الميزان - (2 / 429) :وهو حسن جداً .. ومات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة .(8/10)
طبقات الحفاظ - ( 1 / 112)المحدث الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير.. له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله .. ورتب مسند أحمد على الحروف وضم إليه زوائد الطبراني وأبي يعلى
طبقات الحفاظ - ( 1 / 115)الحافظ نور الدين الهيثمي رفيق الحافظ أبي الفضل العراقي. ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ورافق العراقي في السماع فسمع جميع ما سمعه .. جمع زوائد مسند أحمد على الكتب الستة ثم مسند البزار ثم أبي يعلى ثم معجم الطبراني الكبير ثم الأوسط والصغير ثم جمع هذه الستة في كتاب محذوفة الأسانيد وتكلم على كل حديث عقبه .
إنباء الغمر بأبناء العمر - (ج 1 / ص 128)محمد بن المحب أبو بكر بن المحب المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت، الحافظ شمس الدين، ولد سنة 713 هـ..رتب أحاديث المسند على الحروف
إنباء الغمر بأبناء العمر - ( 2 / 105)عبد العزيز عز الدين بن الأمانة، وكان في ابتداء أمره جمالاً ..ثم أقبل على العبادة والاشتغال فبرع ، وأقبل على مسند أحمد ، فرتبه على الأبواب ، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب المغنى وغيره ، وفرغ في مجلدات كثيرة .
معجم المؤلفين - ( 13 / 224)يحيى القباني (827 - 900 هـ) من آثاره: المنتقى من مسند احمد وسنن أبي داود
ذيل طبقات الحنابلة - (1 / 52) وقد أفردتُ لذلك كتابَا في جزء واحد، سميته: كتاب " المدخل في المسند " أشبعتُ فيه ذكر ذلك أجمع. وأنا أسأل الله تعالى انتفاعنا بالعلم، وتوفيقًا لما يقربنا إليه، فإنه قريب مجيب.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - (2 / 104)محمد بن عبد الهادي السندي الأصل والمولد الحنفي نزيل المدينة المنورة ..ألف مؤلفات نافعة منها الحواشي الستة على الكتب الستة إلا أن حاشيته على الترمذي ما تمت وحاشية نفيسة على مسند الإمام أحمد .(8/11)
الأعلام للزركلي - (ج 1 / ص 148)أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي(ت بعد 1371 هـ) له الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد ، ستة مجلدات .
ثم قيض الله شيخنا أبا عبد الرحمن يحيى بن عبد العزيز اليحيى - حفظه الله تعالى- ليحيي ما اندثر ويستخرج ما غبر من كنوز هذا المسند الدفينة الخبيئة ، ويسهل للحافظين حفظه ، وييسر لهم بفضل الله ما كان أزماناً عسيراً ؛ وذلك بأن يأتي على زوائد دواوين السنة على حسب ترتيبها عند أهل الحديث ، فلما أتى على المسند ، وإذا به قد أطاح بجملة متوافرة متظافرة من النصوص المباركة ، فلم يبق مما انفرد به أحمد الإمام في مسنده الإمام سوى ستمائة حديث إلا بضعاً !! وهذا العدد – والله – كثير إذا علمنا أنه زيادات على الصحيحين والسنن الأربع والموطأ والدارمي .فيا لله كم ترك الأول للآخر ، وأعظم الله الأجر لشيخنا أجزله وأوفاه .
10- لطائف من أقوال أحمد في علم الحديث وغيره .
ذيل طبقات الحنابلة - (1 / 53)قال أبو حامد الخُلْقاني: قلتُ لأحمد بن حنبل: ما تقول في القصائد ؟ فقال: في مثل ماذا.؟ قلت: مثل ما تقول:
إذا ما قال لي ربِّي: ... أما استحييتَ تعصيني
وتُخفي الذنبَ مِنْ غَيْري ... وبالعصيان تأتيني
قال: فرد الباب، وجعل يردد البيتين ، فخَرَجتُ وتركته.
- قال العباس بن حمزة: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: سبحانك، ما أغفل هذا الخلق عما أمامهم! الخائف منهم مقصر، والراجي منهم متوانٍ .
- قال أحمد بن حنبل: من لم يجمع علم الحديث. وكثرة طرقها واختلافها، لا يحل له الحكم على الحديث، ولا الفتيا به.
- وقال: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير.
قال ابن تيمية موضحاً هذه المقولة ، في الفتاوى [13 / 346 ] ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم ولهذا قال الإمام أحمد ... لأن الغالب عليها المراسيل . وقال في منهاج السنة [7 / 435 ] ويعني أن أحاديثها مرسلة .(8/12)
- وقال: كتبت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته.
- وقال صالح : سمعتُ أبي يقول: ما الناس إلا من يقول: حدثنا، وأخبرنا، وسائر الناس لا خير فيهم.
تم البحث المقتضب – بحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات –
قاله كاتبه الراجي عفو وفضل مولاه :
راشد بن عبد الرحمن بن ردن البداح
الزلفي4/5/1427هـ(8/13)